علوم اللغة العربية : يحتوى هذه المنتدى على كتب وأبحاث علوم اللغة العربية وهي المجموعة في قول الناظم:
نحو وصرف وعروض ثم قافية***وبعدها لغة قوض وإنشـــــــــاء
خط بيان معان مع محاضــــرة ***والاشتقاق لها الآداب أسمــــــاء
الكتاب: دواوين الشعر العربي على مر العصور
المصدر: موقع أدب
ملاحظة: [هذا الكتاب من كتب المستودع بموقع المكتبة الشاملة]
وما في خديك من الألقِ المترسب كالصلواتِ الهائمةِ بروحِ الشعر
وطهرِ الملَكوتْ
غطّي عينيك بورقِ التوتْ
عيناك كبحرين من اللؤلؤ
ومن السحر على خدّيك اكتشفَ الإنسانُ الأولُ سر الياقوتْ
لو يعرف.. خوفو...
كم جرحاً فرعونياً أسستِ بصدري....!!؟
لو يعرف...
غَطّى برمالِ الصحراء الحارقةِ
بقايا حبشتسوتْ،
غطّي عينيكِ بورقِ التوتْ
وانتظريني/ يوم السبت القادم
قرب السكةِ، خلف البيت
تماماً، قرب السكة، خلف البيت
حيث يمرّ قطارُ السابعةِ صباحاً
يطلق صافرةً... متحشرجةً
يطلقني نحوك كي أحتضن لصدري هذا الجسد الراعف
سحقاً لخيانةِ هذا الزمنِ
سحقاً للحبّ
وأُلقي رأسي على كتفيك كطفلٍ
حملته الموجة في تموز الوجع المتمترسِ في فقراتي
من باريسَ، إلى بيروتْ
عودي في الثامنة تماماً...
غطي طاولةَ الليلِ بشرشفنا الكحليّ
غطّي كُلّ الأسرار، ولا تبكي
فالذكرى، والطاولةُ، وأنتِ، وقردُكِ
سوف تظلُّون جميعاً
وأنا سأموت،
غطِّي عينيكِ بورقِ التوتْ. ؟
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> عندَليبُ الوجَعْ ..!!
عندَليبُ الوجَعْ ..!!
رقم القصيدة : 69428
-----------------------------------
على حُلُمٍ
ويحرسُ دهشةَ الصبحِ النقيّ
شبّاكُ القمرْ
ومقلتاكِ كبحرَيْ زئبقٍ
تتلألآن إذ تتزينُ الكلماتُ في المرآة
ترتدي قمصانها المنزوعة الأكمام
تاتي رعشةً في الحلم ،
تحييني ،تفاصيل السَّحَرْ .
ْ
********
كلّما أطفاتُ في الهمساتِ ناراً
أشعلت قلبي مع اللحن
اهتزازاتُ الوترْ ..
ليلة الحنّاء ترجعني إلى الذكرى
فتطول اغنيتي...
وتطول هسهسةُ المطرْ .
*******
يغفو الحنينُ على يباس الروح
كي ترثَ السنينُ عويلنا
وصهيلَنا المذبوح ..!!
يا كبرياء قصيدتي ..
يا هامتي ..
لا تذعني للهاربين من الشجَن !!
لا تنحني للخائفين ، وللزمنْ !!؟
هو ما تبقّى من شموخ النسر
في قمم التلال ..
وهو الوضوح لو حَجَبَتْ متاهتُنا السؤال
وهو الغنيّ عن الغوايةِ ،
في كنز القناعةِ
(1/15298)
________________________________________
( كذبة كبرى ) هذي القناعةُ والرضى
فيما تبقّى من صراخ الشعر
في نعش المقال !!
*********
يا عندليبَ الصبحِ
لا تتأخري ، !!
كنتُ انتظرتُكِ حُرقَتين على الدرجِ المؤدي للقصيدةِ
لم تجيئي ..!!
لم تصلِ عيناكِ كي تواسيني ،
كنتُ .. لو تدرين وحدي ، والهشاشة ..
إذ رسمتك رعشةّ فوق الرمال ،
فاض البحر ، وارتشفَ الندى
ورجعت لو تدرين وحدي ،
ممعناً في الإحتمالْ..!!
********
وتسألين عن الورق..؟
ماذا يضير النورس الشعريّ فينا
إن تمزّق ، واحترقْ ؟
وحدها الحيطان ، والشطآن تبقى دفتر الشعراء
لا تثقي كثيراً بالرجال ، وبالأغاني ، والقططْ
ورسائل الجوّال مهزلةُ الفراغ العاطفيّ
و" الياهو " ... غلطْ ،
فترفقي بسديمك المائيّ ،
كوني دائماً في البدء ،
آخر البسطاء ،
لا ترضَيْ مؤامرة النَمَطْ ...!!
********
يا قامة المعنى ، ونكهة عنفواني ،
إنّي وقد حَرّضتُ إسفلت الرصيف
بما تركتُ على الرصيف من المعاني ،
أوَلَمْ أمارس في غيابي ، ما استطعت من افتتانك
في متاهة صولجاني ،
يا جلّنار قصيدتي ؟؟
هل حقاً أنا أسرفتُ في نزفي ؟
وقلتُ ما أخفيتُ عنّي ، زلةَ شاعرٍ
بريء القلب ، منطلق اللسانِ ؟
لم تخسري شيئاً ، فأنا الذي وحدي بدأتُ البوح في لغتي
وأنا الذي ، وحدي ، دعيني ..لا تعينيني ، أعاني .
********
من يستطيع الغوص في الطّين ،
الأنوثة ،
يدرك التفاصيل ، الخَزَفْ ؟
منذا يفسّرُ ما ترك الحبيب على الشفاه من الصَّدَفْ ؟
وما تخبىء دهشة الفعل المضارع
في مرايا الروح من سماواتٍ
نعلّقها .. تُحَفْ !!
********
إنّي وقد تلمّستُ الندى الفضيّ في خديكِ
ضيّعتُ الزنابقَ ، في خيالات القُبَلْ
واحترقتُ على حدود الأبجدية ،
حين ادركتُ ، ارتباك الصمت
أبلغ من ترانيم الغزل ،
وأجبت في وضَحِ السكون عن السؤال ، ولم أسَلْ !
ملكٌ على عرش القصيدة من ألِفَ احتواء الجنتين ،
- الشعرُ ،
- والسحرُ / الخرافة في المُقَلْ !!
********
يا عندليب الجرحِ
(1/15299)
________________________________________
أيتها السكينة / حين تنكفىء السلالمُ
يرتبك الصعود !!
ليت حمامة المنفي
على عكّازة المنفى تفكّر أن تعودْ
والعصافير التي سكنت على غصن الغريب
أغواها ، فلم تقبض سوى جمر الأسى
بما نسيَ المهاجرُ
من قطرِ الندى ،
على عشب الخلودْ
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> بعضُ الشوقِ يا عمّانْ ..!!
بعضُ الشوقِ يا عمّانْ ..!!
رقم القصيدة : 69429
-----------------------------------
اشتقتُ لـ عمّانَ شتاءً
لجرس الكاز ، ورائحة المطر ..
وهبة ريح تتهدّدُ قنديل الزيت
وتُرَقِّصُ خيط الضَوء الخافتْ
لصبايا ، يمزجن حبيبات المطر على الخدين
بدمعٍ صامتْ..!!
لرجالٍ يفترشون الأرصفة المبتلّة
تصرخ سيدةٌ :
قوموا .. انفعلوا ،
أيّ فراغٍ أنتم ، ؟
أيّة مهزلةٍ مرّت ... نسيتكم ؟
قولوا شيئاً ..، أو " فانفزروا ." !!
" لا يسمعُ ، حتى الله ...
لـ ساكت " .
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> تفاصيل صغيرة
تفاصيل صغيرة
رقم القصيدة : 69430
-----------------------------------
مرّت الأغنية
وانتهت ، جوقةُ المنشدينْ
والمغنّي استراح ..
في صدى الليل الحزينْ
هل عذّبتني يا حبّ
أم عذّبتَ بي محبوبتي ؟
هل اتعبتني ... يا قلب
أم اتعبتَها بالياسَمينْ ؟
هل كنت تعني ، حين تنبض باسمها
أنّ اسمها ، قطر الندى ، سرّ الحنين ؟
أم كنت لا تدري بلهفتها ، ورقتّها
أن الرؤى في مقلتيها
إرث ايام الحصادِ المستحيلةِ
عندما يرث الصغارُ .. الأرضَ والأزهارَ
كي نمضي بلا جدوى
لتذكرنا السنابلُ ، والسنينْ !!؟
..............
أرّقتني يا شوق
كم ارّقتني ..!
أرهقتني .... وحرقتني
وتركتني أبكي الهواء الطلقَ
في قفصي ،،
كعصفورٍ سجينْ
وسرقتني يا حبّ من معنى الفضاءِ الرحب
من ايقونتي ..، منّي
سرقتني من دمع عيني
لون الزيت من زيتون عمري
وسرقت حتى ........
طعم النغمة العذراء في غيتار فجري
حيّرتني ....
........ وسرقتني
وكسرتَ اشيائي الصغيرة
كم حيّرتني ..
(1/15300)
________________________________________
يا ايّها الحبّ اللعين ْ؟
وقهرتني بالنبض إذ وزّعتني
وخدعتني زمنين قبل اللحظة الحبلى بسحر فراشتي
حين مرّت
فتنة للناظرينْ
ضيّعتني ، وكسرتَ بوصلة الجهات
وفي الجهات كسرتني .. ولممتني
ثم نسيتني ، بيني وبيني
حين سألتني عنّي .. وانت اجبتني ، إذ لُمتني
وسألتني عن إسمها
فأجابك الدمع المخبأُ ..سمّها مايا
أو ... سمّها شيرينْ
.....................
يا عُمْرُ .... كم ضيّعتني في اللغز
تحت شبّاك الحبيب
إذ توجتني ملكاً على عرش السحاب
بلا مطرْ
ورسول جرحٍ بلْسَمَتهُ الأغنياتُ
في زمنٍ تناثر قمحُهُ ..
بين المعاني والصّورْ
كم ألهَيْتَني عنّي ،
وكم راودتني بين النجوم
وانا الذي ...........
يغفو على زندي " قمَرْ
...................
يا صبرُ .. كم ارضعتني وهماً
وكم حمّلتني همّاً
وزرعتني عشباً اصابعه نمَتْ
كاوتار الكمنجةٍ ، في عرس الغجر
كم أرجعتني طفلاً ،
يبكى الدُمى ، ليضُمّها
ثم يكسرها ، ليتّهمَ الضجرْ
يا ربّ .. انت خلقتني صبّاً
وخنقتني ، حباً
ثم دفنت ما عزفت رفاتي
من اناشيد العذارى
في فراتِ النهد
حين مزجتني بالحلمتين
كان طعم البنّ والنعناع لوزياً
وقطرات الحليب البكر ، شهداً
لزوجة العرق الذي ينصّبُ .. دفئاً
بوح شجيرة اللذات ..
اختلطنا شهوة للقهوة السمراءِ
في ضَوْءٍ تراقصَ تحت زخّات المطرْ
................
يا إلهي
عالمٌ غير الذي مرّت به
كل الحضارات التي مرّت بتاريخ البشَرْ
ولا نحتاجُ أكّدَ .. كي تؤكّدَ أن سومرَ
منتهى لغة الرسوم المستباحة
والمزامير التي دُقّتْ مساميراً بأنصابِ الشجرْ
عالمٌ ...
والنهرُ رقراقٌ يغنّي
والطيور تردّدُ الألحانَ سكرى
خمرُها .. قُبَلٌ
لمَساتُ اجنحةٍ ،
والعبير الوجدُ .. غمزاتُ الزَهَرْ
يا عمرُ ، كم ارضعتني وهماً
وكم حملّتني همّاً ، بهِ ضيّعتني
وأمرتني بالموت ، ثم نهيتني
ورسمت لي وجهَ الحبيبِ ، بخدّهِ أحييتني
وعزفتني لحناً جنوبيّاً ..
آآهِ .. لو لحناً على جنوب الروح
(1/15301)
________________________________________
يا زمان تركتني ؟!!
................
استرحنا ..
رحلةُ البحثِ انتهت
يا أيّها القلب المعذب بي ارحني واسترح
إنّي ..
رايت السرّ في حلُمي
ثم انبعثتُ كصحوة العنقاء ،
من رماد الذكريات
حين اقمتُ بسحرِ عينيها صلاة العصر
والحناء في الكفّين،
على الدروب المغلقةْ ،
لا أدّعي شرفاً ، يغلّف عِفّتي
فبها السعادةُ ، مطلقةْ
عهدي بها شرقيةً ، والشك يقتلها كما
قتَلَتني من قبل الثقةْ
............
يا صمت كم أتعبتني
يا صمتُ كم أطفأتَ بي لغةً
بها أشعلتني
وذكرتني بقصيدة من صرختين
وفي القوافي أيّها الصمت اللئيم
نسيتَني
ياأيّها الزمن الخرافيّ البهاء
لا تثنِني عن طفلتي ، محبوبتي
إني بها اقسمتُ يا زمني
بأني ، لست عنها المنثني
..............
هي ما تبقّى من هديل حمامةٍ
وقتَ الأصيل ،
وهي التي وشمَتْ على صدري
( أحبّكَ )
في الزمن البخيل
هي نعمتي ، هي نِقمتي
هي نار اشواقي ، ولعنةُ لعنتي
لهيبي ... لهفتي
هي ، جنتي .. جنيتي
هي نبض روحي ، مهجتي
هي كل ما يسري باوردتي ، دماً
هي قهوتي بعد البكاء المرّ
دمعتي في العرس
مؤنسي في وحدتي في القبر
كبريائي ....
في جنازات الرفاق الراحلين
وهي التي ...
إن قلت للقمر استظلّ بوجهها
يبكي بحزنهِ خلسةً
خلف السحابة يختبىءْ
وهي انبعاث الرغبة الأولى
بجنحِ فراشةٍ ، في حلمها لم تنكفىءْ
وهي التي ....
سكنت تفاصيل الندى
قلبي بها ، قنديل وجدٍ ، ممتلىءْ
وهي .. اختصار الأبجدية في قواميس اللغات
وهي الحياة بعد الموت
أو قبل اعوجاج الضلع ، ما قبل الحياة
فتنتي .. وتفتّتي
وهي التي .....
لو كانت الدنيا خيوطاً في يدي
نسجتها سجادةً ، كي تستريح من تعب النهار
يا صوفنا الصخريّ ، في عمق البحار
يا صوتنا المخنوق قهراً
بعد عرض المسرحية
حين ينسدل الستار
يا طرفة بن العبد
سلْ لي خولةً ...
إن كان ينقصها لتكمل رحلة البحث الطويلة عنك
سيفاً .. او حصانا جامحاً
أو فارساً
...............أو حارساً
(1/15302)
________________________________________
كي لا يراودها ، عن صوتهِ العذب الحمارْ
وسلْها طرفة بن العبد .
هل ابقت من الزوادة السمراء شيئاً
كسرةً ..
أو نظرة حوراءَ ، تكفينا
لنكمل دربنا صوب الجِرارْ ؟؟
..............
يا سيّدي يا حب
لم أحنِ يوماً قامتي
لسلطانٍ .. وزيرٍ .. أو ملكْ
لم أنحنِ .. للريحِ
أو للرمحِ .....او للبندقيةْ
لكنّي اراني الآن أبكي رقةَ المحبوب
بين يديه ....
أرضى الإنكسار ْ
وانا الذي ...
لو كنتُ أعرف عنترةْ
لقتلته خنقاً ..
وسرقتً عبلَتَهُ على مرآى من التفاح
في وضَحِ الغبارْ !!
وانا الذي ..
لوكان جرحي محبرةْ
لرسمتُ صدر حبيبتي
وضممتهُ ،
وبكيت مختصراً تفاصيل القصيدة
والحوارْ ،
وانا الذي ........
لو كان قلبي معصرةْ
لسكبت خديّها قدحاً من الخمر المقدّس
ثم رشفتُهُ ، وحلمت ...أني
طائرٌ...... فوق السحاب الرطب
خصرها .. افُقُ المدارْ .
إن كان هذا الحبّ لا يكفي !!
فلي في غربتي ، منفىً
يواسيني .. ويزرع في ضلوعي
كل ما ورثت بغاثَ الطيرِ
من قمحِ الدّيارْ
.................
هل كبرت اليوم يا ولدي ؟
لتنهاني عن الحبيب
ثم تلومني انّي ،
هربتُ من الخراب المتّصلْ
هل كنت بعض عذاب روحي
جِئتني ، قبل الوصول لجنتي
كي لا أصِلْ ؟؟
ياأيّها الولد الذي احببتهُ ملحاً ،
على جرحي ..
ليزجرني ، ويقول :
......... يا أبتِ احتمل
يا( باسلي ) يا قاتلي بعتابك المرّ
انتظرني يا بني فإنني
أسكنتك العينين والقلب الجريح
إن شئتَ في عينّيَ نمْ
أو شئتَ للقلب ، ارتحلْ
واقرأ صورتي في ( دفتر الأحياء) ، ميْتاً
وانتظرني ، تحت شبّاك الحبيبةِ
كلّما في الحب يا ولدي كبرنا
أو تعلمنا دروساً ...
نكتملْ .
...............
هل الحبّ متعةْ
أم الحبّ ..... لوعةْ ؟؟
سؤالٌ .. فمنذا يجيب لينهي عصوراً
من الإرتباك ؟؟
كاني بُعثتُ لأثبت اني
اختزلتُ الجوابَ ، بحرقة دمعةْ
واطفاتُ ناراً بواحات صدري
لأشعلَ ، شمعةْ
وانّي .. بعصر الهوى الفندقي
حين تُستبدل العاشقاتُ بلونِ الشراشف
(1/15303)
________________________________________
ويُوصى يهنّ كصحنِ حساءٍ
برنةِ ، هاتف
أحبّ بصمتٍ
وأبكي بصمتْ
وأشتاق للورد لوناً ، وعطراً
واحتاج خدّ الحبيب
ونزفَ العواطف . !!
..........
سلامٌ على العاشقين الذين
أحبوا..... وماتوا
زمان الهوى المخملّي
فقد علّمونا الغناء
ونادوا .. ومنهم عرفنا حروف النداء
فهم لم يموتوا تماماً ...
ولكن بعرف الزهور النديةِ
هم .. شهداءْ
سلامٌ على الأولين ، المجانين
من الشعراء
فهم اورثونا لذيذ الدموع
وهم علّمونا ...
أصولَ البكاءْ
فيا صرختي ...بين شريان روحي
وقلبي الجريحِ
تعالي لأملأَ فيكِ الفضاءَ
لكي تستريحي
فللأرضِ .. ارضٌ بنايات صدري
وللأغنيات صدىً في سفوحي
................
أحبّكِ .... صبحاً وعصراً
أحبّكِ .. جمعاً وقصراً
ولحناً حزيناً ....بأنات نايٍ
كطيرٍ ذبيحِ
تعالي ... نسيت القصيدة بين رموشك
وبين سطور القصيدة طفلٌ
تناديه كل نساء المدينة
- يوسُفُ
أيّها الليلكي بقهرك
سوف تمر بك السائحاتُ
يقهقهن ضحكاً ..
تمر بك الأغنياتُ
لتترك لحناً .. وتمضي ،
تمرّ الصبايا ..
يدخّنّ ..يثرثرنَ
يتركنَ بعض الشفاه على الفناجين ذكرى
تمرّ الليالي ...
لتكسر كل المرايا
هي التي سوف تبقى
وتحتّلّ فيك المسامات
وكل الزوايا ،
وتدرك انّكَ ضُيعت سهواً
تفتّشُ عن مقلتيها .. قطارات برلين
أو مطارات روما ...
وتسأل عنها شوارع َ، طشقند
لتعرفَ أنّكَ .. خلف الضباب بلندن
ترتل نُّسغَ الوصايا
وتُبصرُ بين السحاب
نصف إلهٍ ... ونصف هلالٍ
و .... نصف سراب
وتصرخ ......
آآآآآآآآآخ ...
يا
وجه مايا ..!!
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> غربة
غربة
رقم القصيدة : 69431
-----------------------------------
أمّي قالت لأخي الأصغرْ
: لا تتأخرْ ؟
خمسُ سنينٍ مرّت ...
خمسُ حروبٍ شطََرَتْ نصفَ المتبّقي
من أحلام النصف المحظوظ من السكّانْ
إلى نصفين
وأخي .. لم يطرق باب البيت
في كل مساءٍ
أرقب أمّي ......
تخلعُ عينيها .. وتعلقها في الشرفة
(1/15304)
________________________________________
تشعل هادئة .. قنديل الصمت ..
تهذي ...
أمريكا .. مرض العصر المزمن
غولٌ .. يتربص بشغاف القلب الاحباب
هرباً من حضن الأم الدافىء
!!...حدّ اللسعة ...... بل أكثر
ومن .. المغرم بالتأجيل
صاحب " ديوان الخدمة " *
يُروى
انّه اجّل ميعاد الطلق لزوجته
ست سنين ..
درءاً للخطر ، بحجة ان القادم أخطر ...
امي قالت لأخي الأصغر :
اكتب لي :
ما شكل الناس بأمريكا
وارسم في الشطر الأول ....
لون عيون الجارةْ
وعمامة مختار الحارةْ ؟
واكتب يا ولدي .. لا تتأخر
كم كيلو قهرٍ ...
تبلغ حصة أي غريب في امريكا
حين يحلّ الربع الخامس
من كوبونات السكّر .؟
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> كُنهْ الحياةْ
كُنهْ الحياةْ
رقم القصيدة : 69432
-----------------------------------
على موعدٍ
أحرقُ التبغَ والذكرياتْ
على مقعدٍ في زوايا المدينةِ
داهمتني المرارةُ حزناً ،
وغصّتْ بيَ الحشرجاتْ
على موردٍ ..
والنسيمُ احسُّ يجرِّحُ خدِّيْ
وتسخرُ من عَبرةٍ في مقلتَيَ
عيونُ المُشاةْ
- ما الذي ينتظرْ ؟
قالها طفلٌ لأمهِ
حين أسرى تاركاً روحي محلقةً
جسدي رُفاةْ
يا الله ......
قتلى يخرجون من القبورِ رأيتُهم
يملأون الشارع الليلي بالضحكاتْ
كنتُ وحدي بينَهمْ ..
متوجِّساً .. قلِقاً
كنتُ يا اللهُ ... حياً
!!...لمْ يذقْ طعمَ الحياةْ
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> غزَّةْ
غزَّةْ
رقم القصيدة : 69433
-----------------------------------
للمرأة ظِّلٌ واحدْ
للرجلِ ظلالٌ ، حسَبَ الحالْ
هل يعني ذلك ؟
حين يموت الظِّلُ
تغيب المرأةُ في الموّالْ ،
سبحان الله ...
منذ فقدنا عِزَّتَنا
في .. غَزَّتِنا
والرأسُ يَضجُّ
بألفِ سؤالْ........ .!
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> ثقوب
ثقوب
رقم القصيدة : 69434
-----------------------------------
ليس لدينا سوى
جيبٍ مثقوبٍ
قلبٍ مثقوبٍ
طبقةِ أوزونٍ مثقوبةْ
لا نملك في زمنٍ معطوبْ
غيرَ ثقوبْ .
(1/15305)
________________________________________
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> مرآة الوجع
مرآة الوجع
رقم القصيدة : 69435
-----------------------------------
مرّةً قلتُ للمرآةِ أيني ؟
مرةً ...
ونسيتُ في المرآةِ عيناً مثل عيني
يا ايُّها الآتون من بحرِ الغرام
إلى فجرِ الكلام
ليتَ لي فجراً ، لنرجسِهِ أغنّيْ
أيُّها الآتون من شمس القلَقْ
الباحثون عن الألّقْ
قلبي عليكم ، ذاب وجداً واحترقْ
مرَّةً ...
قلتُ للمرآةِ أيني ؟
قالت المرآة :
خُذْ عينيكَ ، خذني
نرتقي وجعَ القصيدةِ
في بياضٍ / من ورقْ .
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> حادث
حادث
رقم القصيدة : 69436
-----------------------------------
كتفي اليُسرى لا تؤلمني ابداً
والحمدُ .. للرصيف ،
فحينَ رآني وحيداً
في شقشقةِ الفجر الأولى
صلّى على النبي
ودعى ملاكاً ..
اسمه "نزيفْ"
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> سمرقند
سمرقند
رقم القصيدة : 69437
-----------------------------------
وادي ألمْوتْ
حسن الصبّاحْ
الحشاشونْ ،
نظامُ المُلكْ
عمر الخيام ْ..
كيف اجتمع أولئك في غسقٍ واحد ؟
ليتني ...
كنتُ قنديلاً ..
في ليالي ، سمَرْقَند .
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> وردتان
وردتان
رقم القصيدة : 69438
-----------------------------------
1- وردةٌ في الدرب
تأسرُ في الصباحاتِ الجميلةِ
من يحاولُ لمسَ خَدَّيها
وما خلاّه من قُبلٍ على شفةِ الحبيبِ سُدى
قطرُ الندى
2- وردةٌ في القلبْ
تخنقني ،
تحاصرُ جُثّتي ليلاً
كلّما حاولتُ ألمسها .... أُناغيها
تفرُّ ...
ويلذعُ مسمعي ، رجعُ الصدى
" ما في حدا
ما في حدا "
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> صرخة
صرخة
رقم القصيدة : 69439
-----------------------------------
دلّوني على امرأةٍ
يمكن ان تعشقني
لـ مجرد ان تعشقني يوماً
ودعوني .. أعلِّقُ أوسمةَ العفّةِ
فوق ترانيم النبض
وخبث المحظوظ بموسيقى القلب
النهد الأيسر
وأصرخُ .. يا ناس؟؟
دلّوني على امراةٍ
(1/15306)
________________________________________
يمكن أن تذبحني ،
حباً....ونعاس
أو دلّوا امراةً
علَّ نذوب بقدحٍ حسيٍّ
فيعود إلينا .. الإحساسْ ؟!!
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> امرأةٌ
امرأةٌ
رقم القصيدة : 69440
-----------------------------------
نامي أيَّتُها المرأةُ
أيَّتُها المرآةُ الـ تتراءى فيها عينَيَ
الـ يتوارى خلفهما منكفئاً
فرحُ السنوات الدامي
يا أيَّتُها الظبية
ظمآن في فلواتٍ
تبحر في عينيك
يلذُّ لـ رمشِكِ إيلامي
نامي أيَّتُها الحاملة العبرات بقبضتها
تترصد خطوي .. تتبعني
تنثرها في الدرب أمامي
إنّي يقتلني صمتُ الأعراسْ
كما يلظاني الليلُ..
إذا شاركني لذّته الحُرَّاسُ
فنامي ..!!؟
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> حزن
حزن
رقم القصيدة : 69441
-----------------------------------
الأوراقُ دجاجٌ أبيضْ
الكلمات أفاعٍ
وأنا....
مع بالغ حزني
ديكْ .
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> فضاء
فضاء
رقم القصيدة : 69442
-----------------------------------
آنَ تضيقُ المدينةُ المعاصرةْ ،
ويضمر الزمانْ ..
أدخل رأسي في سَمِّ الإبرةِ
وأغنّي ......
: ما أرحبَ المكانْ ..!!
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> عجب ..!!
عجب ..!!
رقم القصيدة : 69443
-----------------------------------
حينَ اكتشفَ المشتغلون بعلمِ الآثارِ
ِ بقايا ديناصورٍ منقرضٍ من عشرةِ آلافِ حضارةْ...
قرأ .. خبيرُ لغاتِ التاريخ ، على فكّيه ...
تلَعثَمْ :
(Made In U.S.A )
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> حادثُ سَيْرٍ ..!!
حادثُ سَيْرٍ ..!!
رقم القصيدة : 69444
-----------------------------------
قتلى ..
جرحى ..
أشلاء صغارٍ تتقافز فوق الطرقات ..
دمٌ يتدفّقُ في الساحات
مزيج من لحم بشريَ وصفيح ..
مزجا بالزيت الإسفلتي .. على العجلات
الرعب .. استفحل في الأفئدة ..
ترّبع في أقصى الحجرات ،
انتبهوا............
هذه ليست رحلة عودتنا .. للوطنّ المسبيّ
المكتوب على أرغفة الخبز
(1/15307)
________________________________________
و أعمدة الشارات الضوئية
و الحارات ...
ولكن :
هذا حادث سيرٍ
ما أسفلها .. ما أسفلها
السياراتْ .
شعراء العراق والشام >> يوسف الديك >> وجع السؤال ...!!
وجع السؤال ...!!
رقم القصيدة : 69445
-----------------------------------
هذه أفعى ..
اتفقنا ...؟
اسألوا ...موسى النبيّ
قد كانت عصىً .. من قبل أن
يُلقي بها تسعى !!.
تلك ..
سمفونية الغجر الأخيرة
عندما رحلوا ...
تركوا على أطراف خيمتهم
بقايا اللحن .. والدفّ القديم
عادوا ... فلم يجدوا قبساً .. ولا ناراً
صاح سيدُهم :
فلتصمتوا ؟؟ لقد انطفأنا
.. لا سرّ يجمعنا هنا
أعني على طرف المكان
سوى الدخان ...
والفرق بين قصيدة كُتبت على رملٍ تناثر
والتي نُقشت .. على الورق المسلفنِ
كان ... هو الزمان !!
**************
لا تسرعي في العدْوِ يا صغيرتي
كنّا ودهشتنا .. معاً
نحمي من الرمضاء .. زهر الإقحوان
فلا تبكي على مطرٍ تأخر موسمَيْن
قد تتناسل الأرواحُ في القطط الفقيرة في غياب السردِ
عن نصٍّ خرافيٍّ ...
ومن القصيدة قد تتناسخ الصورُ الحزينة ، والأفكارُ ..
في الوجع المحاصرِ
بين قلبَيْ عاشقين استسلما لركام جمر النظرة الأولى ،
وجمهرة الدموع
إذ يحلوا البكاء المرّ في زمنٍ
تغلّف بالغباءِ ,
الحبّ فيه بلا أمان !! ...
لا تفقدي في الريح شهوة الأنثى لرائحة السرير
إنّ أصابع الأعمى .. عيونٌ
للبصيرة شارعٌ في عتمة الليل
ضوء القلب مصباحٌ على الشرفات
.... لو يصحو / الضمير ...!!
**********
إذا عدنا من المنفى
ولم تجدي بلاداً بانتظاركِ
فاعلمي ... أن البلاد تعيد صياغة الأشجار عن كثَبٍ
تبحث في حجارتها عن النبع النديّ
تحرس خدّها بالريح
والشفتين من قبلات من مرّوا على بيّارة الزيتون
هل سمعتِ مرة ...؟
لغة الحوار بين شجيرة الزيتون
مع جنزير دبّابةْ ؟
هل شربتِ الزيت ينزف من شرايين الغصون
والجنديّ .. غولٌ جزّ أنيابَهْ ؟؟
أيتها الحبيبة
لا تنسي ذراعك تحت خط الجمر
انّي قادمٌ
(1/15308)
________________________________________
إن شئتِ .. جئتُ الآن
لكني أعيد قراءة الخنساءَ .. في صخرٍ
يا غجرية العينين ..
لا تخونيني
" أحبّكِ "
عندما تجتاحني نوارس النهدين
ترتبك الأصابع .. تصطّكُ العظام ْ.
محيط الخصر .. يذبحني
ليحييني القرنفل في بلاد الشامْ .
تخلع الريح السواري عن نحاس القلب
تسقط الرايات في عهرِ السلامْ
عندما .. تجتاحني ، عيناكِ
أحترف المقدّس في حدّ الحسام ْ .
****************
انا يا حبيبة ..
لست معنيّاً بما سيفكّرُ الرقباء في مقهى الرصيف
قد يسأل البحر الندى / لو قطرةً !!
وتنقلب المراحلُ ،
حين يحتاج الغنيّ من زوّادة الفقر الرغيف
وقد ..
ترث الأميرة لؤلؤاً .. وخزائناً من فضّةٍ
أحصنةً من الياقوتِ .. والعاج الشفيف
لكنّها .. تهفو لتغفو ليلة ..
من دون حراسٍ ، بكامل سحرها
في خيمة اللص الظريف !!
وقد .....
تفكّرُ هرةُ البيت الأليفة
بالهروب الى الركام مع جروٍ سخيف
لله وحده حكمة في الكائنات
ولنا اكتمال النقص في الشهد المحالْ
هل كنّا اسئلة .. تفتّش عن إجاباتٍ
فضيعنا الإجابة ..
في ثرى أجدادنا ..
رحلوا مع التاريخ .. في قبر السؤال ؟؟
هي حكمةٌ مسكونةٌ بالحلم
والهاتف المحمول .. محتالٌ .. وجنيّ
يحاول ان يقرّبَ ..
من مسافة رعشتين في شبابيك القمر
كلّما اقتربت حقيقتنا من الفجرِ
انفجرنا بالبكاء من الضجر ..!!
***************
أنا يا صغيرة
ما بكيتُ على ذراعي
عندما سقطَتْ بمعركة الكرامةْ
إنني أبكي على انتصاراتٍ تفقّص ذِلَّةً
لننبش في بقايا الآخرين
عن فتاتٍ من حياةٍ .. تستقيم بلا كرامهْ !!
أنا لم أطأطئ هامتي للنسر
لكنّي ... انحنيتُ لكي أخبئ عن عيون النسرِ
أجنحة الحمامةْ .
لله وحده حكمة في الحب يحرقنا بكاءً
من سمّاه هذا الحبّ / حبّاً
لله درّه .. كيف أغوانا فصدقناه
يا الله .. كل هذا الدمع حقاً
كان أوله .. ابتسامه ْ ..؟؟؟؟
***************
أنا يا صغيرة .. لا احبك
مثلما تتصورين ..
دمية للجنس والرغبات
لكنّي رسمتك جنتي في الحلم
(1/15309)
________________________________________
قامة ممشوقة ..
جسداً خرافياً .. وسوسَنة على الشفتينِ
فوق الخدّ شامةْ .
فلرما لا نلتقي .. بحرٌ بيابسةٍ
فلتكملي أنت النضارة كالبنفسج
نلتقي في القبر سرّاً
فإن لم تتسّع ارض القبور لنلتقي
فسنلقي ...
.......... في مثل هذا الوقت من يوم القيامة .
***************
للنحلِ ألاّ يدرك السر المخبأ في خلايا السكّر المغشوش
كي نرث الرحيق من الزَهَرْ.
ولنا اكتمال الشهد في وجع المخاض
حين تمتزج الطفولة .. بابتسامات القمَرْ.
دعني على الشبّاك ابكي وحْدََتي .. وبمفردي ؟
هذا خريف العمر ..
هذا انحنائي لاحتياجات البقاء
خانت الأيام .... أوراق الشجرْ.
لا تنهني عن الكتابة مرّة أخرى
خوفاً على قلبي ..
فقلبي والقصيدة / توأمانِ
هل رأيتَ كما رأيتُ أنا / ارتعاشة الأرض الفقيرة
حين قبّلها المطر ؟؟؟
يا صديقي .. أيها الرجل المفيد المختصرْ
أنا لا اصدّقُ " أن الحب بلى"
ولست أومن بالخرافة " سمّ العشق قيل قاتل "
إنّ البلى .. ألاّ نحبّ.
سمّ العشق أطيب ما تذوقه الملّوحُ .. وابن عبسٍ
والمجانين .. الأوائل
لو كان ديك الجن يُدرك أنه سيموت قهرا
ما تخضّبَ سيفُهُ في نحرِ " وردٍ "
حين وشاية الشرك المخاتل
هل أصبحَ الزمن انعكاس المطلق الأبديّ فينا ؟
أم نحن انعكاس الظّلِ .. حين تنوء بالقمحِ السنابل ْ ؟؟
**************
لا تسرفي في النوم يا رفيقتي !!
ربّما لا نلتقي في صدفة الأحلام
إنّ الحب أجمل عندما لا يُلمس المحبوب
أكثر متعة فينا الخيال من الحقيقةِ
لكنا مع الأيام في الأحلام .. ما زلنا نحاولْ .
لله وحده حكمة في الخلق
حين يعيدهم لتراب سيرتهم
كم من العشاق والأشواق .. تحتضن القبور ؟
كم من الأزهار نسحق .. كي نترجمها إلى لغة العطور ؟
يا نسيم الفجر ...
عجّل ..؟
إنّما شمسُ الحقيقة ، ضيّعت في الشكِّ تاريخَ النُشورْ
ليس لي ، إلاّ العتاب على الزمن
ليس لي ، غير البكاء على الحبيب
و ليس لي ، حق الرجوع إلى الوطن
(1/15310)
________________________________________
يا أيّها الركب المسافر في ليلٍ تكلّل بالحداد
إن عدتم من المنفى ... ولم تجدوا الأصابع في يميني
فاعلموا أني زرعتُ أصابعي
شجراً على الطرقات ، أخضر
يرشد العشاق للمعنى .. إذا اكتمل الرحيق
ويظلل الشهداء ..إن عادوا من الحلم الرقيق
ويدلَّهم .. فيما تبقّى من هنيهاتٍ
على ما ظلّ من سراج الأرض .....
لم تطفئه ُ....
...... . خارطة الطريق !!
شعراء مصر والسودان >> حمزة قناوي >> الغريب
الغريب
رقم القصيدة : 69446
-----------------------------------
( الغريب )
- " هذا هو اسمُكَ يا غريبُ فما اتجاهُكَ ؟ "
ألقت الريحُ السؤالَ وغادرت نحو الغيابِ
ولم يعُد خلفَ المدى إلا المدى
تعب الحقائب شدَّني
لأريحَ عن كتفي حمولتها على الجسرِ القريب
وضعتُ آلامي عليهِ ووحشتي
وأرحتُ نفسي من سؤالِ العابرين ومن متاهاتِ الخرائِطِ
تاركاً وجهي لماءِ النهر يركضُ
حيثما يبغي الخريرُ أو الصدى
هذا هو اسمي .. رُبَّما !
لكنني أتأملُّ الأشياءَ والأسماءَ
تسرقُ وحشتي مني الهويَّةَ
حين تأخذني وجوهُ العابرينَ إلى شتاءات المنافي
شارداً ومُشرَّدا !
- " لا وقتَ للحُزنِ المُضيَّع يا غريبْ ! "
رمت ليَ الصفصافةُ الكلمات حتى أستعيد الوقتَ من تيهِ الشرود
وأستعيدَ من ارتياح الحُلم وجهي المُجهَدا !
" ما وجهتي ؟ "
مرَّت بيَ الشقراءُ باسمةً مُرنِّحةً جهاتيَ كُلَّها
ومضت كزوبعةِ الحريرِ فحاصرَت جسدي انتحاباتُ الندى !
هذي دروبٌ للغيابِ
وتلكَ أحلامٌ تُبعثِرُها امتداداتُ القطارات المضيئة للشمال
فيترُكُ في مقاعِدها المسافرُ قلبَهُ مستشهِدا !
لملمتُ حزنَ حقائبي
ومضيتُ فوقَ الجسرِ قلبي وردةٌ في الريحِ
والماضونَ حوليَ ينبشونَ ملامحي بزجاجِ أعينهم
لأعبُرَ في شِباكِ السائرينَ مُراوِداً ومُرَاوَدا
ما الوقتُ حينَ تُلملِمُ الغاياتُ وجهتها ؟
وما الغاياتُ إن شحبت وجوه الأهلِ في الذكرى
فصارت في مدى النسيانِ منديلاً يُلوِّحُ للغياب
(1/15311)
________________________________________
ونغمةٌ تبكي إذا ارتعش الكمان
وموعداً في المستحيلِ بغى الغدا ؟
دربٌ .. ولا دربٌ هنالكَ للغريبِ يشدُّهُ
ومدينةٌ ماجت على أسوارِها الأحزانُ من عهدٍ أثينيٍّ
تطاردُ في أساه تشرُّدا
والكائناتُ جميعها أسرابُ أطيافٍ تلفُّ طريقَهُ
والوقتُ أجراسٌ تُحلِّقُ في المدى
وتُبدَّدا
باريس . 25 /6 / 2006
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> لن ابكي
لن ابكي
رقم القصيدة : 68392
-----------------------------------
(( إلى شعراء المقاومة في الأرض المحتلة منذ عشرين عاماً. . هدية لقاء في حيفا))4/3/1968
- - -
على أبواب يافا يا أحبائي
و في فوضى حطام الدور .
بين الردم و الشوك
وقفت و قلت للعينين : يا عينين
قفا نبك
على أطلال من رحلوا وفاتوها
تنادي من بناها الدار
وتنعى من بناها الدار
وأنّ القلب منسحقاً
وقال القلب : ما فعلت؟
بك الأيام يا دار؟وأين القاطنون هنا
وهل جاءتك بعد النأي,هل
جاءتك أخبار؟
هنا كانوا
هنا حلموا
هنا رسموا
مشاريع الغد الآتي و أين همو
وأين همو؟
ولم ينطق حطام الدار
ولم ينطق هناك سوى غيابهمو
وصمت الصّمت,والهجران
وكان هناك جمع البوم و الأشباح
غريب الوجه و اليد والسان وكان
يحوّم في حواشيها
يمدّ أصولها فيها
وكان الآمر الناهي
وكان . . وكان . .
وغصّ القلب بالأحزان
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> أحبائي
أحبائي
رقم القصيدة : 68393
-----------------------------------
مسحت عن الجنون ضبابة الدمع -
الرمادية
لألقاكم و في عينيّ نور الحب و الإيمان
بكم,بالأرض,بالإنسان
فوا خجلي لو اني جئت القاكم-
وجفني راعشُ مبلول
وقلبي يائسٌ مخذول
وها أنا يا أحبائي هنا معكم
لأقبس منكمو جمرة
لآخذ يا مصابيح الدجى من -
زيتكم قطرة
لمصباحي ؛
و ها أنا أحبائي
إلي يدكم أمد يدي
و عند رؤوسكم ألقي هنا رأسي
وأرفع جبهتي معكم إلي الشمس
و ها أنتم كصخر جبالنا قوّة
كزهر بلادنا الحلوة
فكيف الجرح يسحقني؟
وكيف اليأس يسحقني؟
(1/15312)
________________________________________
وكيف أمامكم أبكي؟
يميناً,بعد هذا اليوم لن أبكي!
أحبائي حصان الشعب جاوز -
كبوة الأمس
وهبّ الشهر منتفضاً وراء النهر
أصيخوا ,ها حصان الشعب -
يصهل واثق النّهمة
ويفلت من حصار النحس و العتمة
ويعدو نحو مرفأه على الشمس
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> قصيدة من سلمى
قصيدة من سلمى
رقم القصيدة : 68394
-----------------------------------
ماذا أ قول لها ، تحيا على رمقي
أفراحها لم تعش إلا ّ على الحرق
الموت را ودها دهراً وغافلها
واقتصّ آثارها في آخر الافق
أين ا لمفر ، قبور لا قرا ر لها
تقفو خطاك مسير ا لدرب فارتفقي
راحت وما كتبت حرفاً لصاحبةٍ
غابت وما تعبت من غربة السفن
ناديت مركبها الغادي فما عرفت
صوتي ، ووا جهت مسراها فلم ترني
تبغى انفلاتاً من الامس الذي ألفتْ
ترجو اختراق حجاب الشمس و الزمن
تسعى وتبحث في المجهول عن قبس
حيّ وعن ملتقى غضٍ ومؤتمن
.........................................
غيبي وراء حدود النجم هاربة
ولا تقولي ردىً في شاطىء الوطن
فيه ولا سمعتْ أصداءه أذني
................................
الموت سرك ، من أعماق وحشته
أنت اغترفت جنون الحلم والشغف
غنّى على ثغرك المشتاق فاندلعت
أسرار قلبك ذاك العاشق الترف
يا ثروة الحلم
غني عن العدم
غني على عدمي
أنت ارتويت فعاطينا سلافته
يا ربة الهبتين الحب والألم
سلمى الخضراء الجيوسي
سلمى الخضراء الجيوسي
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> امام الباب المغلق
امام الباب المغلق
رقم القصيدة : 68395
-----------------------------------
(( مهداه الى الصديقة سلمى الخضراء الجيوسي ))
- - -
مشيئة الملك
الفأس في الرأس بذا قضى الملك
فلا تجدّفوا
هو الذي قضى ولن يصيبكم
الاّ الذي قضاه
وكل شيء دبرته حكمة الملك
فلا تجدفوا
الخير منه وحده
والشر منه وحده
وهذه مشيئة الملك
فاستمسكوا بالصبر والايمان ــ
واحمدوا
فلا سواه ، لا سواه
على مكاره الزمان والحياه
(1/15313)
________________________________________
يعنى له ويسجد ...
أنت تغيرت
يا ملك الدنيا والناس
فسّر لي معنى أفعالك
كنت حبيبي ، ملكي الأوحد
لا ألزم الاّ أعتابك
لا غير رحابك لي معبد
كنت حبيبي في قلبي
أحضن وجهك كل مساء
فاذا رفّ على عيني جناح الصبحْ
الفتيك تملأ في قلبي تجويف القلب
تغمره بالدهشة ، بالفرحْ
لكن أنت تغيّرتْ
لكن أنت تغيّرتْ
فاهتزّت أعمدة المعبد
وانهارت قبب الأجراس
...............................
مات الملك
هوى ، هوى عرش الملك
ومات في أنقاضه الملك
ليسقط الملك
ليسقط الملك
...............................
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> بعد التخلي
بعد التخلي
رقم القصيدة : 68396
-----------------------------------
هملاً لا زاد ولا مأوى
لا مزقة صوف تدفع عني الرجفة في ـ
هذا الليل
وحدي في فلوات الليل
مرتعدٌ قلبي بالخوف
أبداً مرتعد بالخوف
أبداً تحت تحكم جسرٍ يتكسر
أو رحمة سقف ينهار
أبداً أرضي تهتز ، تميد،
تدور بلا محور
من ينقذني من هذا الخوف
من ينقذني من هذا الخوف ؟
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> العوده
العوده
رقم القصيدة : 68397
-----------------------------------
عارية القلب رجعت اليكْ
عارية القلب اتيتك يا
متعالى ، يا نائي الدار
يا غائب ، يا أبديّ الصمت
عتبي لو تسمعني عتب ــ
المنكسر المنسحق القلب
لم تفصلني دوماً عنك
وتردّ يدي الممدودة نحوك في ــ
ضعفي ، في قلة حولي
لم ترفع من دوني الاسوار
وتقيم من الظلمات جداراً فوق جدار
فوق جدار
وتظلّ بعيداً أنتْ
تتعالى ، تتحصّن بالصمتْ
..........................................
أيروعك صوتي الواهي أم
يخجلك ندائي لك
وأنا أرفع بين يديّ
جراحي وضراعاتي لك
أيروعك صوتي بعد صمودي
تحت توالي ضرباتك
وهويّ سياطك فوق جراحي
جرحاً جرحْ
السمع ، وتنأى تنأى
ترفع من دوني الأسوار
وتقيم من الظلمات جداراً فوق جدارٍ
فوق جدار
.............................................
بالحب سألتك حبي لك
(1/15314)
________________________________________
أيام غراس العمر غضير لم يلفح ـــ
بسموم رياحك ، لم يتيبس بالإعصار
أيام غراس العمر طريٌُ
ورويّ بكؤوس النور
يربو ، يهتز ، يساقط من
حولي رطبا
بالحب سالتك حبي ذاك الساذج ــ
حبي ذاك النضرْ
أيام يقيني مصباحٌ
دريٌ يتوهج في الصدر
لا أسأل ، لا أتساءل ،لا
تطعن حبي سكّين الشك
هل تذكره ذيّاك الحبّ ؟ معافىً كانْ
ونقياً كان
طفلّياً لم يتلوث لم
يتعكر بوحول الاكدار
لم يسحقه ما خطّتْ لي
كفك في لوح الأقدار
بالحب ، بذاك الحب سألتك أرجع لي
حبّي ، أرجع لي قلبي الطفلْ
وأضىء مصباحي المطفأ في
صدري ، يا مطفىء مصباحي
يا مطفىء مصباحي أنتْ
بصواعق برقك ورعودك
أشْعله ، ارفعه ، قرّبْ لي
وجهك من دائرة النور
فغياب حضورك يحبسني
في العتمة ، في شرك الديجور
.........................................
لو تسمع يا أبديّ الصمتْ
عارية القلب أتيتْ
اخبط في الليل الغاشي في
وحل الأكدار
لو تغسل عريي بالأمطار
لو تؤويني وتدثرني
لو تجعل لي من نور حضورك
مأوى يحميني ودثار
.......................................
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الطرقات الأخيرة
الطرقات الأخيرة
رقم القصيدة : 68398
-----------------------------------
هلاّ تفتح لي هذا الباب
وهنتْ كفّي وأنا أطرق ، أطرق ــ
بابك
أنا جئت رحابك أستجدي
بعض سكينه
وطمأنينه
لكنّ رحابك مغلقة
في وجهي ، غارقة في الصمت
يا ربّ البيت
مفتوحاً كان الباب هنا
والمنزل كان ملاذ الموقر بالأحزان
مفتوحاً كان الباب هنا والزيتونه
خضراء ، تسامت فارعةً
تحتضن البيت
والزيت يضيء بلا نار
يهدي في الليل خطى الساري
يعطي المسحوق بثقل الأرض طمأنينه
ورضىً يغمره وسكينه
هل تسمعني يا ربّ البيت
أنا بعد ضياعي في الفلوات ــ
بعيداً عنك أعود اليك
لكنّ رحابك مغلقة
في وجهي ، غارقة في الصمتْ
لكنّ رحابك كاسية
بتراب الموت
ان كنت هنا فافتح لي بابك لاـ
تحجب وجهك عني
وانظر يتمي وضياعي بين ــ
(1/15315)
________________________________________
خرائب كتفي أحزان الأرض ــ
أهوال القدر الجبار
لاشيء هنا
عبثاً ، لا رجع صدى لا صوت
عودي . لا شيء هنا غير الوحشة ــ
والصمت وظلّ الموت
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> تاريخ كلمة
تاريخ كلمة
رقم القصيدة : 68399
-----------------------------------
إلى الصديق ((ي))
- - -
صديقي المقرّب الأثير
صداقة حميمة تشدني اليك من ــ
سنين
ودّك ذاك الهادىء الحنون كم أحبه
أحبه يظلّ نسمة رخيّة العبور
تندى على روحي المعثر الكئيب كلما
تعثرت خطاي في مفاوز الدروب
...........................................
تحبني ؟ تاريخها عندي قديم
قلبك من سنين ، عنها في طفولتي
نشدتها اذ كنت طفلة حزينة ــ
مع الصغار
عطشى على محبة الكبار
وكنت أسمع النساء حول موقد ـ
الشتاء
يروين قصة الأمير اذ أحبّ ـ
بنت جاره الفقير
أحبها ؟ .. وترعش الحروف في
كياني الصغير
اذن هناك حب ؟
هناك من يحبّ ، من تحب
وكان قلبي الحزين ، قلبي الصغير ـــ
ينطوي على جفافه ، على ظماه
ويسأل الحياه
عن دفقةٍ من نبع حب
وكانت الحياه
بخيلةً ، بخيلةً ؛ أواه ما
أقسى تعطش الصغار حين ينضب ـ
الحنو في الكبار ، حين لا
يسقى الصغار قطرةً من نبع حب
..........................................
وضمّخ الجواء بالعبير
عرفتها في شعر (( عروة )) الحزين
وعشتها في شعر (( قيس )) في ــ
رؤى ((جميل ))
كم هزني تدفّق الشعور في قلوبهم
كم عشت حبّهم ، حنينهم ، عذابهم
كم قال لي قلبي الحزين :
(( ما أسعد الاحباب رغم ما يكابدون
((كم يغتني الانسان حين يلتقي
(( هناك من يحبه ، كم يغتني ))
ولم يكن هناك من يحبني
...........................................
وعاد من غربته أخي الكبير عاد ـ
ابراهيم ؛ كان قلبه الرحيم ، خيراً كبير
وفيض حبه غزير
ولفي أخي وضمّني الى جناحه
هنا استقيت الحبّ وارتويت
هنا استردت ذاتي التي تحطمت
بأيدي الآخرين
بناءها . هنا اكتشفت من أنا
عرفت معنى أن أكون
(1/15316)
________________________________________
.........................................
ومات من أحبني ولم يكن
هناك من أحبني سواه
ومرّت الأيام يا صديقي
جديبة ، مطمورة بالثلج ، بالأسى
وقلبي الوحيد ينطوي على -
جفافه ، على ظماه
وعاد قلبي الوحيد يسأل الحياه
عن دفء قلب
وراحت الحياه
تعطي ، فقد أحبني الكثير
أحبني الكثير غير أنني
بقيت عطشى دونما ارتواء
كأنما كان الذي بلغته سراب
سمعتها كثير
وخلتني أعيشها ، وكنت إنّما
أعيش وهمها الكبير
ولم أزل اطوّف الآفاق خلفها
أغوص في البحور
أبحث في الأعماق ، في الوجوه -
في العيون
وكنت في يأسي أمدّ خلفها اليدين
أود لو بلغتها ، لمستها
حقيقةً ، شيئاً يمسّ صدقه
بالراحتين
كانت سراباً في سراب
كانت بلا لون بلا مذاق
الحب عند الآخرين جف وانحصر
معناه في صدرٍ حبّ ساق
الحبّ كان حبّ صدرٍ حبّ ساق
حبٌ بلا دفء ، بلا روح ، بلا -
حنان
سمعتها كثير
وعفت زيفها الكبير
كانت مطلاً لي على حقارة ، على
كانت قناعاً يستر الصقيع -
والخواء في البشر
.....................................
لا لوم يا صديقي
انسان هذا العصر قاحل فقير
تآكلت جذوره ، تسطّحت أبعاده
سدىً نريد الحب أن ينمو ولا -
....................................
تحبني ؟
لا ، ردّها .
دع لي يا صديقي ودّك الكبير
أعبّ من حنوّه في دربي الطويل
وأحتمي بظلّه الأمين كلما
تعبت ، كلما هربت من جفاف-
دربي الطويل
دع لي صديقي ودّك الكبير
أعبّ من حنوّه في دربي الطويل
وأحتمي بظلّه الأمين كلما
تعبت ، كلما هربت من جفاف-
دربي الطويل
دع لي صديقي ودّك الكبير
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> مكابرة
مكابرة
رقم القصيدة : 68400
-----------------------------------
أهذا أنت ؟ من أيّ الكهوف -
بزغت يا وجهاً طمرناه
وألقيناه في الغيهب ، في أعماق
ماضينا
وروحنا نشرب النسيان في صمت
وفي صمت نعبّ مرارة التسليم
والإدغان للأقدار يوم هوى
بنا البنيان واندحرت أمانينا
(1/15317)
________________________________________
.......................................
أما كنّا تشاغلنا
عن التذكار والأشواق !
وفوق كآبة الأعماق أسدلنا
ستار الرفض والكبر
وقلنا للعيون الطائشات السود -
قلنا : يا أعزّ عيون
صحونا ، نحن بعد اليوم لن نسكر
فردّي الكأس عنّا يا
أعزّ عيون .
وروحنا نخنق الإحساس نلجمه
بهذا القلب ، نلجم رعشة -
الإحساس والشعر
وكانت أجمل الأشعار ما زالت
بهذا القلب ترعش فيه لكنّا
وأناها وقلنا لن
نريق سدىً أغانينا
ولن نسقي غرور الزنبق النشوان -
مهما رفّ ، لن نسقيه -
حتى غابة العطر
خنقنا نفحها فينا
وفوق كآبة الأعماق أسدلنا
ستار الرفض والكبر
................................
شغلنا عنك انفتحتْ
لنا الآفاق تدعونا
تجدّ لنا منىً أخرى
وتزرع حولنا الأفياء تمطرنا
بألف رجاء
وقلنا : يا خلاص الروح
أخيراً قد تعافينا
فلا تحنان ، لا أشواق ، لا ذكرى
تنادينا
.....................................
فمن أيّ الكهوف بزغت -
يا وجهاً عبدناه
زماناً ، ثم في أعماق ماضينا طمرناه
أما كنّا ذهلنا عنك حتى قيل -
لم نعرف هواك ؟ فأي ينبوعٍ
من التحنان و الذكرى
من التهيام و الذكرى
تفجّر بغتةً فينا
....................................
نكابر ، ندّعي أنا
تعافينا .
نكابر ، يا ضلال الكبر ، يأبى أن
يقرّ الكبر أنك في قراراتنا
نداء قاهر كالموت . كالأقدار -
يأتي أن
يقرّ الكبر أنكّ لهفة أبدية -
فينا
و لا شيء يبقى
معاً نحن هذا المساء و تطويك
عني غداً
ضراوة هذي الحياة
ستقصيك عني بحارٌ
و هيهات بعدُ أراك
سأجهل دوماً إلى أين أفضى
مسيرك ، أيّ اتجاه
أخذتّ ، و أي مصير خفي
حثثت إليه خطاك
ستمضي ، و سارق كل جميل -
و غال لدنيا
سيسرق هذي الهناءة منا
و يفرغ منها يدينا
غداً مع وجه الصباح ستمضي كطيف
كظلّ غمام لطيف عبر
سريع الحطى في ظهيرة صيف
و عطرك - عطر له فوجان الحياة
بقلبي
و رائحة الأرض غبّ عطاء المطر
و نفح الشجر -
سأفقده حين تمضي غداً
و لا شيء يبقى
(1/15318)
________________________________________
ككل جميل و غال لدنيا
يضيع ، يضيع و لا شيء يبقى
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> عند مفترق الطريق
عند مفترق الطريق
رقم القصيدة : 68401
-----------------------------------
لا تأس ، لا يحزنك أنّ دربنا
أضاعنا قبل الوصول
أشواقنا و امنياتنا الّي
لم ينته المطاف
بنا الى تحقيقها تظلّ ألف مرة
أحلى و أروع
و القبلة الّي تنهدّت على شفاهنا
يوماً و لم تزل
مشوقةٌ تنتظر القطاف
تظل الف مرة
أشهى و أمتع
و الكلمة الخرساء خلف صمتنا
نشدها الى قلوبنا و لا نقولها
تبقى تشعّ في عيوننا بلا انتهاء
كخيمة عظيمة البهاء
لا تأس ان ظلّت على طريقنا
أشواقنا براعماً دفينه
لم تتفتح تحت لمسة الضياء
دعها على انتظارها المليء
تهفو و تتشرئب للسنى و لا يجيء
أزهارنا اذا تفّتحت تموت
و نحن في رمادها نموت -
ننتهي
أكره يا رفيق
أكره برد الموت و السكينة
لا تأس ، لا تحزن
فلست يا رفيق
آسيةً ، و لا أنا حزينه
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> في العباب
في العباب
رقم القصيدة : 68402
-----------------------------------
تلاشت الوجوه حولنا
إلاّ الوميض الأزرق المشع في
عينيك والنداء
في الأزرق المشعّ مبحرٌ
وراءه قلبي سفينةً
يشوقها العباب
وشدّنا اليه ذلك العباب
بحر بلا شواطئٍ
يمد ، لا يحدّ
ولا يردّ
يقص فيه الموج قصة الحياه-
والأبد
اذ تختصر
بنظرة ، فتغرق الأرض مع -
اندفاع المدّ والرياح والمطر
********
في ذلك المساء
استيقظت حديقتي وخلّعت
سياجها
أصابع الرياح
واهتز تحت رقصة الرياح والمطر
العشب في حديقتي
والزهر والثّمر
وغابت الوجوه والأشياء -
ذلك المساء
إلاّ الوميض الأزرق المشعّ-
في عينيك والنداء
في الأزرق المشعّ مبحر وراءه
قلبي سفينة يشوقها العباب
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> لحظة
لحظة
رقم القصيدة : 68403
-----------------------------------
-1-
منيتي صمتا ، هدوءاً ، لا تقل لي
كان أو سوف يكون
لا تحدثني عن الأمس ولا -
تذهب لغد
(1/15319)
________________________________________
هذه اللحظة عندي
ما لها قبل وبعد
لم يعد للزمن المحدود عندي
أي معنى
قد تلاشى الأمس أصداء
وظلاّ
والغد المجهول يمتد بعيداً
ليس يجلى
ربما كان سوف ما رسمت
يد أحلامي وأحلامك فيه
ربما كان سوى ما نرتجيه
هذه اللحظة ، لا شيء سواها
زهرة قد فتّحت بين يدينا
لا ثمارٌ ، لا جذور
زهرةٌ آنية الروعة فلنمسك
بها قبل العبور
يا حبيبي
بوركت لحظتنا
-2-
ما علينا
ان تكن مرّت كظلّ الطير خطفنا
فهي ذخرٌ لرؤانا
عالم من عالم أشهى وأغنى
من دنانا
هي عمر
********************
أترانا
نذرع الأيام ، نمشي مثقلين
نطأ العوسج نعيا
بالذي نحمل مت عبء السنين
أترى من أجل هذا نحن نحيا ؟
ما الذي ننتظر ؟
ما الذي نحيا له؟
نحن قد يملؤنا وهمٌ نسمّيه -
الطموح
نكدح العمر ونشقى فيه كي -
نرقى الذّرى
نجري ونسعى
لنفوق الآخرين
ثم ماذا ؟
الخلود؟
لا تحدثني عن المهزلة الكبرى -
عن الكذبة ، دعها
لمجانين الخلود.
*******************
أم ترى نحيا ليلقى المتعبون
عندنا الفيء ، ليروى الظامئون
من عطاء البئر ، بئر الخير والايثار
فينا
ثم يمضون ، ويمضي كل شيء
غير أحجار عقوق وجحود
رسبت في قاع بئر الخير والإيثار
فينا
*********************
أم ترى نحيا لكي تجرحنا
كلمات الآخرين ؟
ولكي تطعننا في الظهر في غفلتنا
الصداقات التي تفجعنا
والتي ننفض منها الكف نرتدّ على -
أعقابنا من بعدها
خاسرين.
أترى من أجل هذا نحن نحيا ؟
*****************
أم ترانا
نذرع العمر نشق الدرب من
أجل الوصول
نحو قبرٍ
نحن ندري
انه المصير!
***************
منيتي ، إن لم نكن نحيا لهذي
اللحظات النادرات
هذه الواحات في صحرائنا
فيم نلقانا اذن نحيا الحياة ؟
ما الذي ننتظر ؟
ما علينا
ان تكن مرّت كظلّ الطير خطفا
فهي عمر
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> مدينتي الحزينة
مدينتي الحزينة
رقم القصيدة : 68404
-----------------------------------
(( يوم الاحتلال الصهيوني))
- - -
يوم رأينا الموت والخيانة
(1/15320)
________________________________________
تراجع المدّ
وأغلقت نوافذ السماء
وأمسكت أنفاسها المدينة
يوم اندحار الموج ، يوم أسلمت
بشاعة القيعان للضياء وجهها
ترمّد الرجاء
واختنقت بغصّة البلاء
مدينتي الحزينة
*************
اختفت الأطفال والأغاني
لا ظلّ ، لا صدى
والحزن في مدينتي يدبّ عارياً
مخضّب الخطى
والصمت في مدينتي ،
الصمت كالجبال رابضٌ ،
كالليل غامضٌ ، الصمت فاجعٌ -
محمّلٌ
بوطأة الموت وبالهزيمة
أواه يا مدينتي الصامتة الحزينة
أهكذا في موسم القطاف
تحترق الغلال والثّمار ؟
أوّاه يا نهاية المطاف !
أوّاه يا نهاية المطاف !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الطاعون
الطاعون
رقم القصيدة : 68405
-----------------------------------
يوم فشا الطاعون في مدينتي
خرجت للعراء
مفتوحة الصدر إلى السماء
أهتف من قرارة الأحزان بالرياح :
هبّي وسوقي نحونا السّحاب يا رياح
وأنزلي الأمطار
تطهّر الهواء في مدينتي
وتغسل البيوت والجبال والأشجار
هبذي وسوقي نحونا السّحاب يا رياح
ولتنزل الأمطار !
ولتنزل الأمطار !
ولتنزل الأمطار!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> إلى صديق غريب
إلى صديق غريب
رقم القصيدة : 68406
-----------------------------------
صديقي الغريب
لو أنّ طريقي اليك كأمس
لو ان الأفاعي الهوالك ليست
تعربد في كلّ درب
وتحفر قبراً لأهلي وشعبي
وتزرع موتاً ونار
لو أنّ الهزيمة لا تمطر الآن -
أرض بلادي
حجارة خزيٍ وعار
ولو أنّ قلبي الذي تعرف
كما كان بالأمس لا ترعف
دماه على خنجر الإنكسار
ولو أنّني يا صديقي كأمس
أدلّ بقومي وداري وعزّي
لكنت إلى جنبك الآن عند -
شواطئ حبّك أرسي
سفينة عمري
لكنّا كفرخي حمام ...
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الطوفان والشجرة
الطوفان والشجرة
رقم القصيدة : 68407
-----------------------------------
(1/15321)
________________________________________
في الأسابيع الأولى التي تلت الحرب ، كانت الصحف والإذاعات الأجنبية المعادية تتحدث بتشف وشماتة عن حرب حزيران وكأنما نهاية الأمة العربية كانت منوطة بتلك النكسة .
من هنا كانت قصيدة ((الطوفان والشجرة ))
- - -
يوم الإعصار الشيطانيّ طغى وامتدّ
يوم الطوفان الأسودْ
لفظته سواحل همجيّه
للأرض الطيّبة الخضراء
هتفوا ، ومضت عبر الأجواء الغربيه
تتصادى بالبشرى الأنباء :
هوت الشجرة !
والجذع الطّود تحطّم ، لم تبق
الأنواء
باقيةً تحياها الشجرة !
*************
هوت الشجرة ؟
عفو جداولنا الحمراء
عفو جذورٍ مرتويه
بنبيذٍ سفحته الأشلاء
عفو جذورٍ عربيّه
توغل كصخور الأعماق
وتمدّ بعيداً في الأعماق
**************
ستقوم الشجرة
ستقوم الشجرة والأغصان -
ستنمو ضحكات الشجرة
في وجه الشّمس
وسيأتي الطير
لا بد سيأتي الطير
سيأتي الطير
سيأتي الطير
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حيّ أبدا
حيّ أبدا
رقم القصيدة : 68408
-----------------------------------
يا وطني الحبيب لا ، مهما تدر
عليك في متاهة الظّلم
طاحونة العذاب والألم
لن يستطيعوا يا حبيبنا
أن يفقأوا عينيك ، لن
ليقتلوا الأحلام والأمل
وليصلبوا حرية البناء والعمل
ليسرقوا الضحكات من أطفالنا
ليهدموا ، ليحرقوا ، فمن شقائنا
من حزننا الكبير ، من لزوجة -
الدماء في جدراننا
من اختلاج الموت والحياة
ستبعث الحياة فيك من جديد
يا جرحنا العميق أنت يا عذابنا
يا حبّنا الوحيد
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> رسالة إلى طفلتين في الضفة الشرقية
رسالة إلى طفلتين في الضفة الشرقية
رقم القصيدة : 68409
-----------------------------------
((إلى كرمة وعمر ))
- - -
يا كرمتي أودّ لو أطير
على جناح الشوق لو أطير
لكنّ توقي يا صغيرتي مقيّد أسير ...
يعجزني يا كرمتي العبور
فالنهر يقطع الطريق بيننا
وهم هنا يرابطون
كلعنهٍ سوداء هم هنا يرابطون
قد نسفوا نسفوا الجسور
وحرموني منك يا صغيرتي
(1/15322)
________________________________________
وحرّموا العبور
**********
الموت رابضٌ على النّهر
الموت رابضٌ لكل من عبر(1)
يا كرم يا غزالتي
العسل الصّافي المضيء في العيون
يوحشني كثير
والخصل الشقراء مثل القمح ، مثل -
موسم الحصاد في حقولنا
توحشني ، توحشني كثير
أود لو أطير يا غزالتي
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> عبر المدى ، أود لو أطير
عبر المدى ، أود لو أطير
رقم القصيدة : 68410
-----------------------------------
كتبت هذه القصيدة في الشهور الأولى من الاحتلال الصهيوني ، أيام كانت الجسور بين الضفتين ما تزال منسوفة ، والعبور محظوراً . وخلال هذه الأشهر كان يسقط كل يوم برصاص العدو عشرات الضحايا ممن كانوا يحاولون عبور النهر سباحة .
- - -
يغرقني في لجّة الحنين
وبالحنين والذكر
أفزع يا صغيرتي إلى الشّريط
ويملأ المكان صوتك الصغير:
(خذوني إلى بيسان
إلى ضيعتي الشّتائيه )
الله يا بيسان !
كانت لنا أرضٌ هناك ،
بيارةٌ ، حقول قمحٍ ترتمي مدّ البصر
تعطي أبي خيراتها
القمح والثّمر
كان أبي يحبّها ، يحبّها ،
كان يقول : لن أبيعها حتى ولو
أعطيت ملأها ذهب
... واغتصبت الأرض التّتر !!
ومات جدّك الحزين يا صغيرتي
مات أبي من حزنه
كانت جذوره تغوص في قرار أرضه
هناك ، في بيسان
ويستمّر يلعب الشريط
يدور كالزّمن
حكايةٌ طفليةٌ هنا
وزقزقات ضحكٍ هناك
ونكتةٌ ذكيةٌ يرسلها عمر
يتعبني الحنين يا عمر
لوجهك القمر
هل ذاكرٌ أيام كنت تطلع الجبل
تحمل لي إضمامةً من زهر الجبل
قرن الغزال ، والشقائق الحمراء والزرقاء
والحبق البريّ والشّمر
هدية الربيع في بلادنا لنا
هديّة المطر
. . . . . . . . . .
وأعبر النّهر
وجسري الخيال يا أحبّتي
وجسري الذكر
لو قدروا لقتلوا حتى الخيال
لسفكوا حتى دماء الحب والحنين -
والذكر
واحضن الطفوله
أبوس غرّة الصّباح في وجوهكم
أبوس أعين العسل
ثم يردّني إلى المكان واقعي المهين
وفي ضلوعي الشوك والصبّار
وفي فمي مرارة اليقين
*********
(1/15323)
________________________________________
أحبّني الصغار خلف النهر يا أحبّي
عندي أقاصيص لكم كثيره
غير حكايا سندباد البحر ،
غير قصة الجنيّ والصياد
وقمر الزمان والأميره
عندي أقاصيص هنا جديده
أخاف لو أروي لكم أحداثها
أطفئ في عالمكم ضياءه
أخاف أن أروّع الطفوله
أهزّ في جزيرة البراءه
رواسي الأمان والسكينه
أخشى على دنياكم الصغيره
من قصص السجين والسّجان
من قصص النّازي والنازيّه
في أرضنا ، فإنها رهيبه
يشيب يا أحبّي لهولها الولدان
**************
لا تسألوا متى وكيف تنتهي
حكاية الشتات والضّياع
لن تفهموا اليوم الجواب
وحين تكبرون يا أحبّتي
تنبيكمو الأيام
ويومها ستحملون العبء مثلنا
وتأخذون الدور مثلنا
في قصة الكفاح
طويلة قصّتنا ، طويلةٌ
حكاية الكفاح
ويومها يا كنزنا المنذور
ستعرفون
متى وأين يلتقي المشتّتون
وكيف تنتهي حكاية الشتات
والضياع
. . . ولكن أولئك الكرامين قالوا فيما
بينهم : هذا هو الوارث . هلمّوا نقتله فيكون
لنا الميراث . فأخذوه وقتلوه وأخرجوه من
يا سيد ، يا مجد الاكوان
في عيدك تصلب هذا العام
أفراح القدس
صمتت في عيدك يا سيّد كلّ
الأجراس
من ألفي عام لم تصمت
في عيدك إلا هذا العام
فقباب الأجراس حدادٌ
وسوادٌ ملتفٌ بسواد
* * *
القدس على درب الآلام
تجلد تحت صليب المحنة -
تنزف تحت يد الجلاّد
والعالم قلبٌ منغلقٌ
دون المأساه
هذا اللامكترث الجامد يا سيد
انطفأت فيه عين الشمس فضلّ-
وتاه
لم يرفع في المحنة شمعه
لم يذرف حتى دمعه
تغسل في القدس الأحزان
* * *
قتل الكرّامون الوارث يا سيّد -
واغتصبوا الكرم
وخطاة العالم ريّش فيهم طير -
وانطلق يدنّس طهر القدس
شيطانياً ملعوناً ، يمقته حتى الشيطان
* * *
يا سيد يا مجد القدس
من بئر الأحزان ، من الهوّة ، من -
قاع الليل
من قلب الويل
يرتفع اليك أنين القدس
رحماك أجز يا سيد عنها هذي الكأس !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الفدائي و الأرض
الفدائي و الأرض
رقم القصيدة : 68411
(1/15324)
________________________________________
-----------------------------------
من صور المقاومة
- - -
ما جدوى القول؟
ما أحقر أن أجلس كي أكتب
في بهرة الذّهول و الضياع
وشعّ في العينين وهج جمرتين
وهبّ,مازن ,الفتى الشّجاع
يحمل عبء حبّه
وكلّ همّ أرضه و شعبه
و كلّ أشتات المنى المبعثرة!!
* * *
-: ماضٍ أنا أماّه
ماضٍ مع الرفاق
لموعدي
راضٍ عن المصير
أحمله كصخرةٍ مشدودةٍ بعنقي
وكلّ ما لديّ,كل كلّ النبض
أبذله لأجلها,للأرض
مهراً,فما أعزّ منك يا
أماه إلا الأرض
-: يا ولدي!
يا كبدي!-:أماه موكب الفرح
لم يأت بعد
لكنّه لا بدّ أن يجيء
يحدو خطاه المجد
-: لا تحزن إذا سقطت قبل -
موعد الوصول
فدربنا طويلة شقيّة
و دون موعد الوصول ترتمي على المدى
نعبرها على مشاعل الدماء
لكن لن يجيء بعدنا الفرح
لابدّ من مجيئه هذا الفرح
فيتساوى لأخذ و العطاء
- :يا و لدي
اذهب!
وحوّطته أمه بسورتي قرآن
اذهب!
وعوّذته باسم الله و الفرقان
كان مازن الفتى الأمير سيد الفرسان
كان مجدها وكبرياءها و كان
عطاءها الكبير للأوطان
* * *
في خيمة الليل
وفي رحابة العراء
قامت تصلّي
ورفعت إلى السماء وجهها
وكانت السماء
تطفح بالنجوم والألغاز
. . . . . . . . .
يا يوم أسلمته للحياة
عجينةًَ صغيرةً مطيّبة
بكل ما في أرضنا من طيب
يا يوم ألقمته ثديها الخصيب
و عانقت نشوتها
واكتشفت معنى وجودها
. . . . . . . .
. . . . . . .
يا كبدي
من أجل هذا اليوم
من أجله ولدتك
من أجله أرضعتك
دمي و كلّ النبض
وكلّ ما يمكن أن تمنحه أمومة
يا ولدي,يا غرسةً كريمة
اقتلعت من أرضها الكريمة
اذهب,فما أعزّمنك يا
بنيّ الاّ الأرض
* * *
((طوباس)) وراء الربوات
وعيون هاجر منها النوم
الريح وراء حدود الصّمت
تلهث خلف النّفس الضائع
تركض في دائرة الموت!
. . . . . . . .
يا ألف هلا با لموت!
واحترق النجم الهاوي و مرق
برقاً مشتعل الصوت
الربوات
أبداًُ لن يقهرها الموت.
يا كبدي
من أجل هذا اليوم
من أجله ولدتك
من أجله أرضعتك
من أجله منحتك
(1/15325)
________________________________________
دمي و كلّ النبض
وكلّ ما يمكن أن تمنحه أمومة
يا ولدي,يا غرسةً كريمة
اقتلعت من أرضها الكريمة
اذهب,فما أعزّمنك يا
بنيّ الاّ الأرض
* * *
(3)
((طوباس)) وراء الربوات
آذانٌ تتوتّر في الكلمات
وعيون هاجر منها النوم
الريح وراء حدود الصّمت
تلهث خلف النّفس الضائع
تركض في دائرة الموت!
. . . . . . . .
يا ألف هلا با لموت!
واحترق النجم الهاوي و مرق
عبر الربوات
برقاً مشتعل الصوت
زارعاً الإشعاع الحيّ على-
الربوات
في أرضٍ لن يقهرها الموت!
أبداًُ لن يقهرها الموت.
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> يوميات جرح فلسطيني
يوميات جرح فلسطيني
رقم القصيدة : 68412
-----------------------------------
من الشاعر محمود درويش
"رباعيات مهداة إلى فدوى طوقان"
"محمود درويش"
(1)
نحن في حل من التذكار فالكرمل فينا
وعلى أهدابنا عشب الجليل
ولا تقولي: ليتنا نركض كالنهر إليها
لا تقولي
نحن في لحم بلادي، وهي فينا
(2)
لم نكن قبل حزيران كأفراخ الحمام
ولذا لم يتفتّت حبنا بين السلاسل
نحن يا أختاه من عشرين عام
نحن لا نكتب أشعاراً ولكنّا نقاتل!
(3)
ذلك الظل الذي يسقط في عينيك
شيطانٌ إله
جاء من شهر حزيران لكي يعصب -
بالشمس الجباه
إنه لون شهيدٍ
إنه طعم صلاه
انه يقتل أو يحيي، وفي الحالين: آه!
(4)
أول الليل على عينيك كان
في فؤادي قطرة من آخر الليل الطويل
والذي يجمعنا الساعة في هذا المكان
شارع العودة .. من عصر الذبول!
(5)
صوتك الليلة سكينٌ وجرحٌ وضمادُ
ونعاسٌ جاء من صمت الضحايا
أين أهلي؟ خرجوا من خيمة المنفى وعادوا
مرةً أخرى سبايا
(6)
كلمات الحب لم تصدأ ولكن الحبيب
واقع في الأسر - يا حبي الذي حمّلني
شرفات خلعتها الريح .. أعتاب بيوت وذنوب
لم يسمع قلبي سوى عينيك في يوم من الأيام
والآن اغتنى بالوطن! ..
(7)
وعرفنا ما الذي يجعل صوت القبّره
خنجراً يلمع في وجه الغزاه
وعرفنا ما الذي يجعل صمت المقبره
مهرجاناً وبساتين حياه!
(8)
(1/15326)
________________________________________
عندما كنتِ تغنِّين رأيت الشرفات
تهجر الجدران والساحة ترتدّ إلى
خصر الجبل
لم نكن نسمع موسيقى ولا تبصر لون الكلمات
كان في الغرفة مليون بطل!
(9)
في دمى من وجهه صيفٌ ونبضٌ مستعار
عدت خجلان إلى البيت، فقد خرّ على -
جرحي شهيداً
كان مأوى ليلة الميلاد كان الانتظار
وأنا أقطف من ذكراه عيداً
(10)
الندى والنار عيناه، إذا ازددتُ
اقتراباً منه .. غنّى
وتبخّرت على ساعده لحظة صمت وصلاه
آه سمّيه كما شئتِ شهيداً
إنّه أجمل منّا
غادر الكوخ فتى ثم أتى حين أتى
وجه إله!
(11)
هذه الأرض التي تمتصّ جلد الشهداء
تعدُ الصيفَ بقمحٍ وكواكب
فاعبديها نحن في أحشائها ملحٌ وماء
وعلى أحضانها جرحٌ .. يحارب
(12)
دمعتي في الحلِ يا أختُ، وفي عينيّ -
نار
وتحررتُ من الشكوى على باب الخليفة
كل ما ماتوا، ومن سوف يموتون على -
باب النار
عانقوني، صنعوا منّي قذيفة !
(13)
منزل الأحباب مهجور، ويافا
تُرجمتْ حتى النُخاع
والتي تبحث عني لم تجد مني سوى جبهتها !
اتركي لي كل هذا الموت يا اخت، اتركي -
هذا الضياع
فأنا أضفره نجماً على نكبتها ؟!
(14)
آه يا جرحي المكابر
وطني ليس حقيبه
وأنا لست مسافر
انني العاشق والأرض حبيبه !
(15)
واذا استرسلت في الذكرى نما
في جبهتي عشب الندم
وتحسّرتُ على شيء بعيد
وإذا استسلمت للشوق
تبنّيتُ أساطير العبيد
وأنا آثرتُ أن أجعلَ من صوتي حصاةً
ومن الصخر نغم !
(16)
جبهتي لا تحمل الظلَّ وظلّي لا أراه
وأنا أبصق في الجرح الذي لا
يشعل الليل جباه
خبِّئي الدمعة للعيد فلن نبكي -
سوى من فرحٍ
ولنسمِّ الموت في الساة عرساً ..
وحياه !
(17)
وترعرعت على الجرح وما قلت لأمي
ما الذي يجعلها في الليل خيمه
أنا من ضيعتُ ينبوعي وعنواني واسمي
ولذا أبصرتُ في أسمائها ملون نجمه !
(18)
رايتي سوداء، والميناء تابوت، وظهري
قنطره
يا خريفَ العمرِ المنهار فينا
يا ربيع العالم المولود فينا
زهرتي حمراء والميناء مفتوح، وقلبي
شجره
(19)
(1/15327)
________________________________________
لغتي صورت خرير الماء في نهر الزوابع
ومرايا الشمس والحنطة في ساحةِ حرب
ربما أخطأت في التعبير أحياناً
ولكن كنت -لا أخجل - رائع
عندما استبدلت بالقاموس قلبي !
(20)
كان لا بد من الأعداء كي نعرف أنّا
توأمان !
كان لا بد من الريح لكي نسكن
جذع السنديان
ولو أن السيد المصلوب لم يكبر على
عرش الصليب
ظلَّ طفلاً ضائع الجرح .. جبان
(21)
لكِ عندي كلمه
لم أقلها بعد، فالظل على الشرفة يحتلّ
القمر
وبلادي ملحمه
كنت فيها عازفاً، صرتُ وتر !
(22)
عالِمُ الآثار مشغول بتحليل الحجاره
إنه يبحث عن عينيه في ردم الأساطير
لكي يثبت أني
عابر في الدرب لا عينان لي لا حرف في
سفر الحضاره !
وأنا أزرع أشجاري على مهلي وعن
حبّي أغني
(23)
غيمة الصيف لتي يحملها ظهر الهزيمة
علّقت نسلَ السلاطين على حبل السراب
وأنا المقتولُ والمولود في ليل الجريمه
ها أنا ازددت التصاقاً بالتراب
(24)
آن لي أن أبدل اللفظة بالفعل وآن
لي أن أثبت حبي للثرى والقبره
فالعصا تفترس القيثار في هذا
الزمان
وأنا أصغر في المرآه، مُذ لاحت
لعيني شجره !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> عند جسر اللنبي
عند جسر اللنبي
رقم القصيدة : 68413
-----------------------------------
من صور الاحتلال الصهيوني
آهات امام شباك التصاريح
- - -
وقفتي بالجسرِ أستجدي العبورْ
آه، أستجدي العبورْ
اختناقي ، نَفَسي المقطوعُ محمولٌ على
وهج الظهيره
سبعُ ساعاتِ انتظارْ
ما الذي قصَّ جناح الوقت ،
من كسّح أقدام الظهيره ؟
يجلد القيظ جبيني
عرقي يسقط ملْحاً في جفوني
آه ، آلاف العيون
علّقتها اللّهفة الحرَّى مرايا ألمٍ
فوق شباك التصاريح، عناوين
انتظارٍ واصطبار
آه نستجدي العبور
ويدوّي صوت جنديٍّ هجينِ
لطمةً تهوي على وجه الزحام:
(عربن فوضى، كلاب
ارجعوا، لا تقربوا الحاجز، عودوا يا كلاب)
ويد تصفق شباك التصاريح -
تسدّ الدرب في وجه الزحام
آه، إنسانيتي تنزف، قلبي
يقطر المرَّ، دمي سمٌ ونار
(1/15328)
________________________________________
(عرب، فوضى، كلاب ..) !
آه، وامعتصماه !
آه يا ثار العشيره
كل ما أملكه اليوم انتظار ...
ما الذي قصَّ جناح الوقت،
من كسّح اقدام الظهيره ؟
يجلد القيظ جبيني
عرقي يسقط ملحاً في جفوني
آه جرحي !
مرَّغ الجلاَّد جرحي في الغام
* * *
ليت للبرَّاق عيناً ..
آه يا ذلّ الإسار !
حنظلاً صرت، مذاقي قاتلٌ
حقدي رهيب، موغل حتى القرار
صخرةٌ قلبي وكبريتٌ وفوَّارةُ نار
ألف "هندٍ" تحت جلدي
جوع حقدي
فاغرٌ فاه، سوى أكبادهم لا
يُشبعُ الجوعَ الذي استوطن جلدي
آه يا حقدي الرهيبَ المستثارْ
قتلوا الحب بأعماقي، أحالوا
في عروقي الدَّم غسليناً وقار !!
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> إلى الوجه الذي ضاع في التيه
إلى الوجه الذي ضاع في التيه
رقم القصيدة : 68414
-----------------------------------
إلى .. J
-1-
بشذى الذكرى وباقات الهوى
بين قلبي ورفاه الحبِّ صحراءُ -
حبالُ القيظ فيها تلتوي -
تلتف من حولي أفاعي
تخنق الزهر تفحُّ السمَّ فيه
واللّظى
لا تقل لي اذكريني
لا تقل لي
عتّمتْ ذاكرة الحبّ وغامتْ
صور الأحلام، والحبُّ شبحٌ
ضائعٌ يقصيه ليل التيه عن -
عيني وقلبي.
نحرَ الليل القمر
يا رفيقي نحرَ الليل القمر
أنت لو حدَّقت في مرآة قلبي
لم تجد فيها مقر
لسوى الوجه الذي هشّمه الليلُ -
يغطِّي كلَّ قلبي
وجهها الحلو المشوَّه
آه ما أغْلاهُ حلواً ومشوَّه
يا عذاباً يتنامى
يتنامى كل يومٍ
يا جراحاً تتأوَّه !
كيف دارت هذه الدنيا بنا؟
كيف كنّا ؟
حبّنا كان وليداً ، هل نما
وسط الهول وفي قلب الخطر ؟
وطني كانت تغطيه مياه الليل ، كان
قلبه الصامت في ليل الهزيمه
ذاهلاً أسيان ؛ كان الدم في -
الجدران باقات ورود
كنت أهذي :
افتحي صدرك يا أرض الجدودِ
افتحي صدر الأمومه
واحضنيها فالقرابين غوالي
القرابين غوالي
.....
.....
كان وحش الغاب يحسو الخمر في
حان الجريمه
ورياحُ الشؤم تعوي
في الجهات الأربعِ
يومها كان معي
يومها ما كنت في الهول أعي
(1/15329)
________________________________________
(أم تُرى كنت أعي ؟) أَنَّ الغدا
سوف يقصيه وأنّا
بعده لن نتلاقى أبداً
ولقد نبسم أحياناً لكيما
نخدع الحزن فلا نبكي، وأهذي :
"آه يا حبي الغريب
آه يا حبي لماذا ؟
وطني أصبح باباً لسقر ؟
ولماذا شجر التفاح صار اليومَ -
زقّوماً ، لماذا
لم يعد ضوْءُ القمر
مستحمّاً لبساتين الزهر؟
كان قومي يزرعون الأرضَ يحيونَ -
يحبُّون الحياه
يأكلون الخبز والزيت بحبٍّ وفرحْ
كانت الأثمار والأزهار في كل الفصول
تفرش الأرض بأقواس قزح
أتُرى ترجع تعطي من هداياها الفصول
لبلادي ولقومي ؟
أترى ترجع تعطي ؟ "
كنت أهذي، أتهاوى كذبيحه
وأرى الهوَّة تدعوني ولكنَّ التصاقي -
بذراعه
كان يحميني ، فأرتدُّ لأحيا
ولأقوى
.......
الأٍى يهطل، ليل القدس صمتٌ
وقتام
حظروا التجوال، لا تُطرق في
قلب المدينة
غير دقّاتِ النّعال الدمويّة
تحتها تنكمش القدس كعذراٍ سبيّه
وعلى السّاحة طائر
خرق السهم جبينه
وعلى الأرض دخانٌ وحطام
.....
شرفة المبنى، وطيفان يطلاَّن على -
ليل المدينة
كان في الركن حقيبه
وثياب وادّ كاراتٌ من الأرض الحبيبه
كانت الرزقةُ في عينيه تمتدّ -
بحيراتٍ حزينه
والأسى يطفح من شطآنها ملحاً
وماء
كانت القدس هواه، حبّه الصّوفيَّ كانت
ويقينه
وأنا أهذي وأهذي :
"آه يا حبي لماذا
هجر الله بلادي ؟ ولماذا
حبس النور ، تخلّى عن بلادي
لبحار الظلمات ؟!"
وأرى العالم تنّيناً خرافيّاً
على باب بلادي
وأنادي : "يا حبيبي
من يفك اللّغز من يكشفُ
سرَّ الكلمات ؟ "
آه: عشرون قمر
مرَّ عشرون قمر
وحياتي تستمر
وغيابك
كحياتي يستمرُّ
ومعي ذاكرةٌ واحدةلإ : وجه بلادي
وجهها الحلو يغطّي كل قلبي
......
وحياتي تستمرُّ
وتلفُّ الريح أيامي على الدرب العصي
مع شعبي، ويلاقينا على حافاتِهِ -
صخرٌ وأشواكٌ وصَلْبُ
وحياتي مع شعبي تستمرُّ
ووراء النهر غابات الرماحِ السمرِ -
تهتز وتربو
وهدير العاصفه
يكشف اللغز ويعطي العالمَ التنّينَ -
سرَّ الكلمات
وهبوبٌ ودويْ
ولهيبٌ وشرر
(1/15330)
________________________________________
يلفح السّارين في الدرب العصىْ
والأضاحي زُمرٌ إثر زُمرْ
في عناقٍ واحدٍ تهوي وموت أخويّ
ويظل الليل - ما طال - يلد
أنجماً تقفو خطاها في الدروبِ -
السود أنجم
وبلادي كوز رمّانٍ يفور الدمُ -
فيه ويغمغم
وحياتي تستمرُّ
وحياتي تستمرُّ
وحياتي تستمرْ
وحياتي تستمرُّ
وحياتي تستمرْ
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حمزه
حمزه
رقم القصيدة : 68415
-----------------------------------
(1)
كان حمزه
واحداً من بلدتي كالآخرين
طيّباً يأكل خبزه
بيد الكدح كقومي البسطاء الطيبين
* * *
قال لي حين التقينا ذات يومِ
وأنا أخبط في تيه الهزيمه:
اصمدي، لال تضعفي يا ابنة عمي
هذه الأرض التي تحصدها -
نار الجريمه
والتي تنكمش اليوم بحزنٍ وسكوتْ
هذه الأرض سيبقى
قلبها المغدور حياً لا يموت
* * *
هذه الأرض امرأة
في الأخاديد وفي الأرحام -
سر الخصبِ واحد
قوَّةُ السرِّ التي تُنبتُ نخلاً -
وسنابل
تُنبتُ الشعب المقاتل
* * *
دارت الأيام لم التق فيها -
يابن عمّي
غير أنّي كنتُ أدري
أنَّ يطن الأرض تعلو وتميد
بمخاضٍ وبميلادٍ جديد
(2)
كانت الخمسة والستُّون عام
صخرةً صمّاءَ تستوطن ظهره
حين ألقى حاكمُ البلدة أمره:
"انسفوا الدار وشدّوا
إبنه في غرفة التعذيب !" ألقى
ثم قام
يتغنّى بمعاني الحبِّ والأمنِ -
وإحلال السلام !
* * *
طوَّق الجندُ حواشي الدار -
والأفعى تلوَّتْ
وأتمّت ببراعه
اكتمال الدائره
وتعالت طرقات آمره :
"اتركوا الدار" ! وجادوا بعطاءِ
ساعةٍ أو بعض ساعه
* * *
فتّح الشرفات حمزه
تحت عين الجند للشمس وكبّر
ثم نادى:
"يا فلسطين اطمئني
أنا والدار وأولادي قرابين خلاصك
نحن من أجلك نحيا ونموت"
وسرت في عصب البلدة هزّه
حينما ردَّ الدى صرخة حمزه
وطوى الدارَ خشوعٌ وسكوت
* * *
ساعةٌ، وارتفعت ثم هوت
غرُ الدار الشهيده
وانحنى فيها ركام الحجرات
يحضنٌ الأحلام والدفء الذي كان - ويطوي
في ثناياه حصاد العمر، ذكرى
سنوات
(1/15331)
________________________________________
عُمِّر بالكدح، بالأصرار؛ بالدمعِ -
بضحكاتٍ سعيده
........
أمس أبصرتُ ابنَ عمي في الطريق
يدفعُ الخطو على الدرب بعزمٍ ويقين !
لم يزل حمزه مرفوعَ الجبين
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> مخاض
مخاض
رقم القصيدة : 68416
-----------------------------------
(1)
الريحُ تنقلُ اللّقاح
وأرضنا تهزها في الليل -
رعشةُ المخاض
ويُقنعُ الجلاَّ نفسهُ
بقصة العجز ، بقصة الحطامِ -
والأنقاض
* * *
يا غدنا الفتيَّ خبّر الجلاَّد
كيف تكون رعشةُ الميلاد
خبّره كيف يولد الأقاحْ
من ألم الأرض، وكيف يُبعث الصباح
من وردة الدّماء في الجراح
(2)
كيف تولد الأغنية:
نأخذ اغنياتنا
من قلبك المعذب المصهور
وتحت غمرة القتام والديجور
نعجنها بالنور والبخور
والحبّ والنذور
ننفخ فيها قوَّة الصَّوَّانِ -
والصخور
ثم نردّها لقلبك النقيِّ -
قلبك البلّلور
يا شعبنا المكافحَ الصبور !
وجاء عام الفيل
تقطعها الفصول بين الموت والحياة
تفجر الصوت العظيم بالرعود والبروق
حاملاً النبوءة
مجتثاً الحرافه
وانطلق المجندل المسحوق، نظرة على الطريق
ونظرة على لاسماء الرحبة المضيئة
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حين تنهمر الانباء السيئة
حين تنهمر الانباء السيئة
رقم القصيدة : 68417
-----------------------------------
الريح تجدل الدخان في الأغوار
وفي الدروب الليل والإعصار
تنهمر الصخور والأحجار
سوداء بالرماد
سوداء بالدخان
فلتنهمر كما تشاء هذه الصخور
ولتنهمر كما تشاء هذه الأحجار
فالنهر ماضٍ ، راكضٌ الى منصبّه
وخلف منحنى الدروب ، في -
رحابة المدى
ينتظر النهار
من أجلنا ينتظر النهار
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> عاشق موته
عاشق موته
رقم القصيدة : 68418
-----------------------------------
تخطفني الرؤيا مع ابتسامة الصباح
أراه طائري يطير
يهجرني قبل الأوان
يفلت من يديّ في -
دوّامة الرياح
يدافع الرياح ثم يهوي
من مشارف الكفاح
. . . . . .
(1/15332)
________________________________________
. . . . . .
وتفتح الصخور ساعديها
جدولي حرير
تلقف طائري الذي يطير
يهجرني قبل الأوان
وتستردّ إبنها الأوطان ، تسترده
لقلبها الحيّ العتيق
* * *
يا شجر المرجان عرّشت غصونه
على جوانب الطريق
أعشق موتي تحت ظلّك المضرّج الغريق
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> كفاني أظل بحضنها
كفاني أظل بحضنها
رقم القصيدة : 68419
-----------------------------------
كفاني أموت على أرضها
وأدفن فيها
وتحت ثراها أذوب وأفنى
وأبعث عشباً على أرضها
وأبعث زهره
تعيث بها كف طفلٍ نمته بلادي
كفاني أظل بحضن بلادي
تراباً
وعشباً
وزهره
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حرية الشعب
حرية الشعب
رقم القصيدة : 68420
-----------------------------------
نشيد :
حريتي !
حريتي !
حريتي !
صوتٌ أردده بملء فم الغضب
تحت الرصاص وفي اللهب
وأظل رغم القيد أعدو خلفها
وأظل رغم الليل أقفو خطوها
وأظل محمولاً على مدّ الغضب
وأنا أناضل داعياً حريتي !
حريتي !
حريتي !
ويردد النهر المقدس والجسور
حريتي !
والضفتان ترددان : حريتي !
ومعابر الريح الغضوب
والرعد والإعصار والأمطار في وطني
ترددها معي :
حريتي ! حريتي ! حريتي !
* * *
سأظل أحفر اسمها وأنا أناضل
في الأرض في الجدران في الأبواب في شرف المنازل
في هيكل العذراء في المحراب في طرق المزارع
في كل مرتفعٍ ومنحدر ومنعطف وشارع
في سجن في زنزانة التعذيب في عود المشانق
رغم السلاسل رغم نسف الدور رغم لظى الحرائق
سأظل أحفر اسمها حتى أراه
يمتد في وطني ويكبر
ويظل يكبر
ويظل يكبر
حتى يغطي كل شبر في ثراه
حتى أرى الحرية الحمراء تفتح كل باب
والليل يهرب والضياء يدك أعمدة الضباب
حريتي !
حريتي
ويردد النر المقدس والجسور :
حريتي !
والضفتان ترددان : حريتي !
ومعابر الريح الغضوب
والرعد والإعصار والأمطار في وطني
ترددها معي :
حريتي حريتي حريتي
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> حكاية لاطفالنا
حكاية لاطفالنا
(1/15333)
________________________________________
رقم القصيدة : 68421
-----------------------------------
وجهٌ على الرمال
وعنقٌ تخزّ فيه عقدة الحبال
هامته مشروخهٌ ودمّه مداد
تشربه حروف مرثاة رهيبة السواد
ظلّت على شفاه أمه تسيل
ظلت تسيل
ظلت تسيل
ستة أعوامٍ طوال
وجاء عام الفيل
ممتطياً مسافه
تقطعها الفصول بين الموت والحياه
تفجّر الصوت العظيم بالرعود والبروق
حاملاً النبوءة
مجتثاً الخرافه
وانطلق المجندل المسحوق ، نظرةٌ على الطريق
ونظرةٌ على السماء الرحبة المضيئة
وغطّ في القناه
مغتسلاً متمماً وضوءه
وقامت الصلاه !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> ذهب الذين نحبهم
ذهب الذين نحبهم
رقم القصيدة : 68422
-----------------------------------
إلى أرواح شهدائنا الأحرار
في الغارة الإسرائيلية
الغارة في بيروت ...
كمال ناصر، محمد يوسف النجار وكمال عدوان
نسراً فنسراً غالهم وحش الظلام
من أجلك انفرطت عقود دمائهم
جبات مرجانٍ، كنوز لآلئٍ،
ذهب الذين نحبهم ..
لا صوت للأحزان ، انظر،
أورقت صمتاً على شفتي أجزائي.
وأطبقت الحروف شفاهها
تتساقط الكلمات صرعى مثلهم.
جثثاً مشوهةً، ترى ماذا أقول لهم
ومن عيني ومن قلبي تسيل دماؤه ؟
ذهب الذين نحبهم
رحلوا وما ألقت مراسيها مراكبهم ولا
مسحت حدود المرفأ النائي عيون الراحلين
أواه يا وطني الحزين
كم ذا شربت وكم شربنا
في مهرجانات الأسى والموت كاسات العصير المر
لا أنت ارتويت ولا ارتوينا
إنا سنبقى ظامئين
عند النابيع الحزينة سوف نبقى
طامئين
حتى يقامتهم مع الفجر الذي
حضنوه رؤيا لا تموت ولا يذوب لها حنين
جريمة قتل في يوم ليس كالأيام
(إلى روح الطالبة الشهيدة
منتهى حوراني)
ويحمل سيفاً بيد
ويوم الحبيبة في الأسر هبت عليها الرياح
محملةً باللقاح
جرت منتهى
تعلق أقمار أفراحها في السماء الكبيره
وتعل أن المطاف القديم انتهى
وتعلن أن المطاف الجديد ابتدا
(بغرفتها أمها المتعبه
تلملم أوراقها المدرسية:
حذار العدى يا بنيه
فعين العدو تصيب )
(1/15334)
________________________________________
وما كذب القلب. كان عدو الحية يطاردها في الميره وينشب في عنقها مخلبه
***
تفتح مريولها في الصباح
شقائق حمراً وباقات ورد
وعادت إلى الكتب المدرسية كل سطور الكفاح التي حذفوها
ورفرف مريولها رايةً في صفوف المدارس. رفرف وامتد ظلل في الضفة المشرئبه
واشجارها المثقلات، ورفرف مريولها في النوافذ -
فوق سطوح المنازل فوق رفوف الدكاكين-
ظلل في الضفة المشرئبه
مساجدها والكنائس، ظللها قبةً تلو قبه
***
وما قتلوا منتهى وما صلبوها
ولكنما خرجت منتهى
تعلق أقمار أفراحها في السماء الكبيره
وتعلن أن المطاف القديم انتهى
وتعلن أن المطاف الجديد ابتدا
***
وما قتلوا منتهى وما صلبوها
ولكنما خرجت منتهى
تعلق أقمار أفراحها في السماء الكبيره
وتعلن أن المطاف القديم انتهى
وتعلن أن المطاف الجديد ابتدا
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> جريمة قتل في يوم ليس كالأيام
جريمة قتل في يوم ليس كالأيام
رقم القصيدة : 68423
-----------------------------------
(إلى روح الطالبة الشهيدة
منتهى حوراني)
- - -
ويوم امتطى صهوة العالم الصعب يحمل غصناً بيد
ويحمل سيفاً بيد
ويوم الحبيبة في الأسر هبت عليها الرياح
محملةً باللقاح
جرت منتهى
تعلق أقمار أفراحها في السماء الكبيره
وتعل أن المطاف القديم انتهى
وتعلن أن المطاف الجديد ابتدا
(بغرفتها أمها المتعبه
تلملم أوراقها المدرسية:
حذار العدى يا بنيه
فعين العدو تصيب )
وما كذب القلب. كان عدو الحية يطاردها في الميره وينشب في عنقها مخلبه
***
تفتح مريولها في الصباح
شقائق حمراً وباقات ورد
وعادت إلى الكتب المدرسية كل سطور الكفاح التي حذفوها
وعادت إلى الصفحات خريطة أمس التي طمسوها
ورفرف مريولها رايةً في صفوف المدارس. رفرف وامتد ظلل في الضفة المشرئبه
شوارعها المغضبه
واشجارها المثقلات، ورفرف مريولها في النوافذ -
فوق سطوح المنازل فوق رفوف الدكاكين-
ظلل في الضفة المشرئبه
(1/15335)
________________________________________
مساجدها والكنائس، ظللها قبةً تلو قبه
***
وما قتلوا منتهى وما صلبوها
ولكنما خرجت منتهى
تعلق أقمار أفراحها في السماء الكبيره
وتعلن أن المطاف القديم انتهى
وتعلن أن المطاف الجديد ابتدا
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> أنشودة الصيرورة
أنشودة الصيرورة
رقم القصيدة : 68424
-----------------------------------
(1967)
منهم من كانوا أطفالا
ما كبروا بعد
أفراخ عصافير صغيره
ما زالت بالعين المبهوره
ترنو وتحدق في الأشياء
في قمر يسطع، في شعله
في رش رذاذ تنعفه نافورة ماء
في قط يربض .. في عصفور ينفض أجنحةً مبتله
يتلفت ، يجفل، يخطف ظله
ويطير إلى ذروة نخله!
منهم من كانوا صبيه
تحرف الشيطنة وتلهو بالألعاب الناريه
تطلق في الريح الغربيه
سرب الطيارات الزرق الحمر الخضر القزحية
تتأبط كل شقاوتها في الأرصفة وفي الساحات
تتشاكس تقفز تصفر تركض تحت عقود الدور الرطبه
تتراشق بالنكت العفوية
بقشور الفستق والضحكات
تتبارز بالأغصان الصلبه
تشهرها سيفاً أو حربه
تتقمص شخصيات كفاح أسطوريه
عنترة العبد الباحث عن حريته في درب الموت
عز الدين القسام الرابض في الأحراش الجبلية
عبد القادر في " القسطل"
يحيا ويمارس عشق الأرض
منهم من كانوا مضغاً بعد
ترقد في الأرحام أجنه
وجه حزيران أربد
زخ المطر الأسود
وهناك على أطراف الأفق هوت وتعلقت اللعنه
حين جراد القحط اندلق سيولا من خوذات الجلد
الأرض تميد تميد وتسقط يبلعها طوفان الحلكه
يعبر نهر الزمن عليها بالخطوات المرتبكه
يزحف ، يرجع أو يتجمد
(كان النهر وراء الأفق حصاناً يعدو
تشتد على شطيه "الحركة" )!
(1976)
كبروا في غاب الليل الموحش، في ظل الصبار المر
كبروا أكثر من سنوات العمر
كبروا التحموا في كلمة حب سريه
حملوا أحرفها انجيلا، قرآنا يتلى بالهمس!
كبروا مع شجر الحناء وحين التثموا بالكوفيه
صاروا زهرة عباد الشمس
كبروا أكثر من سنوات العمر
صاروا الشجر الضارب في الأعماق الصاعد نحو الضوء
(1/15336)
________________________________________
-الواقف في الريح الهوجاء
صاروا الصوت الرافض صاروا
جدلية هدم وبناء
صاروا الغضب المشتعل على أطراف الأفق المسدود
يكتسح صفوف مدارسهم
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> في المدينة الهرمة
في المدينة الهرمة
رقم القصيدة : 68425
-----------------------------------
( رحلة التداعي في هذه القصيدة
تجري بين شارع وكسفورد في لندن
وسوق العطارين في نابلس .
الرحلة تبدأ عند اشارة الضوء الأحمر وتنتهي
عند اشارة الضوء الأخضر ).
وتلقفني في المدينة هذي الشوارع
بغير تماس
ويكتسح المد هذي الشوارع والأرصفه
وجوهٌ وجوهٌ وجوهٌ وجوهٌ ، تموج
على السطح ، يقطن فيها اليباس ، تبقى
بغير تماس .
هنا الإقتراب بغير اقتراب
هنا اللاّحضور حضورٌ ، ولا شيء الاّ
حضور الغياب
. . . . . .
. . . . . .
ويحمرّ ضوء الإشارة والمدّ يرتد.
تعود الخفافيش للذاكره
ونصف مزنجرة تعبر السوق ، أفسح
فيه مكاناً لتعبر ، إنّي تعلّمت
ألاّ أعرقل خطّ المرور. . .
هنا كان سوق النخاسة، باعوا هنا
والديّ وأهلي
فقد جاء وقتٌ سمعنا الذي منع
الرقّ والبيع نادى على الحر : من
يشتري !
وهذي أنا اليوم جزء من الصفقة
الرابحه
أمارس حمل الخطيئة؛ معصيتي أنني
غرسة اطلتها جبال فلسطين . . من
مات أمس استراح ؛
القبور تئنّ وتلعني حين أفسح في
ثم أمضى بغير اكتراث)
ونابلس هادئة والحياة تسير كماء
النهر . . .
يبادلنني خاتم السجن صمتاً فصيحاً (يقول
لها حارس السجن إنّ الشجر
تساقط والغابة اليوم لا تشتعل
ولكنّ عائشة ما تزال تصرّ على القول
لها حارس السجن إنّ الشجر
إن الشجر
تساقط والغابة اليوم لا تشتعل
تساقط والغابة اليوم لا تشتعل
كثيفٌ ومنتصبٌ كالقلاع ، وتحلم
كثيفٌ ومنتصبٌ كالقلاع ، وتحلم
كثيفٌ ومنتصبٌ كالقلاع ، وتحلم
كثيفٌ ومنتصبٌ كالقلاع ، وتحلم
ولكنّ عائشة ما تزال تصرّ على القول
ولكنّ عائشة ما تزال تصرّ على القول
ولكنّ عائشة ما تزال تصرّ على القول
(1/15337)
________________________________________
بالغابة التي تركتها تؤجّ بنيرانها
قبل خمس سنين
وتسمع في الحلم زمجرة الريح بين المعابر .
تقول لسجّانها : لا أصدق ، كيف
اصدّق من جاء من صلبهم ؟
تظلّون يا حارسي أنبياء الكذب
وتقبع في ظلمة السجن تحلم
يظلّها الشجر المنتصب
وتفرحها غابةٌ في البعيد تصلصل
فيها سيوف اللهب
وتحلم عائشة ثم تحلم . . . )
ويخضرّ ذاكرتي ، والخفافيش تهوي الى
قاع بئر غميقه
يغّر ظلٌ طريقه
يتابع ظلّي ، يوازيه ، يمتد جسرٌ:
- لعلك مثلي غريبة ؟
وتنفصل القطتان عن المدّ ثم تغيبان
بين زوايا حديقه
. . . . . .
- تحبين أوزبورن ؟
- و من لا يحبّه؟
- عجائز انكلترا المحبطون وضباطها
الآفلون مع الشمس (( غرب السويس ))
- ترى من سيزرعها شجرة الغد
لهذا البلد ؟
- شباب الهيبيز . . .
- ذاعٌ انت لاذع
ويجتازها سيلهم وهو يجرف تربة لندن
ونسمع صوت انهياراتها
على وقع دقّات (( بج بن ))
. . . . . . .
- هنالك في العطفة الجانبية حانوت خمر
وفي النّزل ذوقٌ وتدفئة مركزية . .
- سدىً ما تحاول
(وتعبر سيدة لندنية
تبث وتشكو إلى كلبها وخز
عرق النّسا والتهاب المفاصل )
- سدى ما تحاول
-ألست ابنة العصر ؟
- كبرت عن الطيش صيّرني الحزن
بنت مئات السنين ،
سدىً ما تحاول .
وارفع عن كتفيّ ذراعيه أفلت خارج
طوق التواصل .
- تحاصرني وحدتي
-كلنا في حصار التوحّد
وحيدون نحن ، نمارس لعبة هذي الحياه
وحيدون ، نحزن نألم نشقى وحيدين
نموت وحيدين ؛
وحيداً تظل ولو حضنتك مئات النساء
. . . . . . .
وتلقفنا في المدينة هذي الشوارع
والأرصفه
مع الناس ، يخرفنا مدّها البشريّ
نموج مع الموج فيها ،
نظلّ على السطح فيها ،
بغير تماس.
. . . . . . . . .
. . . . . . . . .
. . . . . . . . .
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> كوابيس الليل والنهار
كوابيس الليل والنهار
رقم القصيدة : 68426
-----------------------------------
-1-
في شارعنا يمشي الأموات
يتوازن بظلّ الحائط اشباحاً
(1/15338)
________________________________________
وهياكل جوفاً غير خفافٍ غير ثقال
يا أختي غطّي موتانا
واخجلي اختي عاريةٌ
والجارة عاريةٌ والجار
وأنا لا يسترني ثوبٌ
لا يستر أهل الحي دثار
عاريةٌ حتى الأشجار
الدوّامات الوحشيه
حصدت حتى ريش الأطيار
طرقات الجند على بابي
وتهرول اختي مذعورة :
الجند الجند !
غيبي اختبئي في أيّ مكان . .
ويحي ! وأدور على نفسي
أتسلق نافذتي الشرقيه
موصدة نافذتي الغربيه
أتسلّق نافذتي الغربيه
موصدة نافذتي الغربيه . .
الجند الجند . . أظل ّ أدور أدور أدور
عنترة العبسيّ ينادي من خلف السور :
- يا عبل تزوجك الغرباء وإني العاشق !
- لا ترفع صوتك يا عنتر ويلي ويلي !
- أنا ابن العمّ وعرق العين .
( يا ويلي عنتر مختبئ في أجفاني )
- يسمعك الجند ، يراك الجند .
- يا عبل دعيني أطعم من
زيتون العينين دعيني
لا تقصيني عن زيتونك لا تقصيني
- طرقات الجند على بابي ويلي ويلي !
- يا عبلة يا سيدة الحزن خذي زهرة قلبي
الحمراء
صونيها أيتها العذراء
- الجند على بابي ويلاه !
- حتى الله تخلّى عني حتى الله
- خبئ رأسك !
خبئ صوتك !
وبنو عبسٍ طعنوا ظهري
في ليلة غدر ظلماء
Open the Door!
افتخ إت هاديليت !
افتخ باب!
- وبكل لغات الأرض على بابي يتلاطم
صوت الجند
- يا عبلة اني . . .
- يا ويلي !
.....................
...................
اصحو من احلام الكبت
أحسو القهوة عليّ أوقظ هذي
الرأس المخمورة
أوغل في أبعاد الصمت
أتعمّق احزاني المطموره
فاضلّ الدرب
يا رب لماذا يا رب؟
ويردّ الصمت
* * * *
في صحف القدس اليومية أرمي عينيّ
أقرأ خبراً كالأخبار :
اقرأ شكوى مرفوعه
لوزير الحرب :
ذات الأخبار . .
لا شيء جديد في الأخبار .
لا شيء مثير . .
يغشاني الغثيان المرّ
يا دودة علقٍ في قلبي تغزو قلبي
وتظلّ تمصّ دماء القلب !
ما هذا ما هذا يا رب؟
ويردّ الصمت .
* * *
افتح مذياعي وأطوّف في جنبات المعموره
الوحش الأسطوريّ الأعمى يأكل نفسه :
الموت يحوّم في بلفاست
(1/15339)
________________________________________
رأسٌ كالزهرة ذهبيّه
قطفتها قنبلة زمنيّه .
في فيتنام
الحزن اليوميّ يلقّح أرض فيتنام
فترعرع بسماد النابالم
في كل مكان طير الموت
ينشب مخلبه المعقوف يغلغله
في اللحم الحيّ
قبلات الموت هدايا رعب
تنثر عبر بريد العالم -
من رصف العالم بالرعب ؟
من سقف العالم بالرعب ؟
يا رب لماذا مات الحب ؟
. . . . . . .
ينكسر الصمت
يعوي حيوانٌ في غابة
وتلعلع في طيات السحب الرعديه
ضحكات الرب !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> مرثية الفارس
مرثية الفارس
رقم القصيدة : 68427
-----------------------------------
(( إلى جمال عبد الناصر))
- - -
-1-
ايلول
مهرجان الموت في الذروة ، عمّان
استحالت فيه تابوتاً وقبرا
والطواغيت سكارى منتشون
بالذي فاض به بحر الجنون
فشباك الصيد ملأى
الف مذبوح وألفان وآلاف -
ألا هل من مزيد ؟
هات من صيدك يا بحر فهذا اليوم عيدٌ
أيّ عيد !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الفادي
الفادي
رقم القصيدة : 68428
-----------------------------------
في احتدام الدم والنار وطغيان الجنون
بسط الفادي نبيّ الحبّ كفّيه علينا
وافتدانا
آه ما أغلى الفداء !
واشترانا
آه ما أغلى الفداء !
واشترانا
آه ما أغلى الثمن !
وعلى وخز مسامير الألم
وعلى حزّ سكاكين العياء
أسند الرأس وأرخى
هدب جفنيه ونام
وبعينيه رؤى الحب وأحلام السلام
* * * *
آه ما آن له أن يترجل
والتوت فوق أساها الفرس الثكلى
وتاهت مقلتاها
في الحضمّ الآدمي الهادر المسحوق -
من يفدي فتاها
من يفكّ الفارس الغالي المكبل
من إسار الموت ، من يرجعه -
العاشق المدنف للصهوة للساحة
من يرجعه ؟
والتوت فوق أساها الفرس الثكلى
وعرّت حزنها آهاً فآها
من يفكّ الفارس الغالي المكبل
آه ما آن له أن يترجل
************
قالت الريح : سيأتي
موته الميلاد لا بدّ سيأتي
في يديه الشمس ، ذات الشمس ، في
مقلتيه الوجد ، ذات الوجد والعشق
المعنيّ
من جراح الأرض يأتي
من سنين القحط يأتي
(1/15340)
________________________________________
من رماد الموت يأتي
موته الميلاد لا بدّ سيأتي !
على قمة الدنيا وحيدا
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> ((عنك هناك وعنا هنا . . ))
((عنك هناك وعنا هنا . . ))
رقم القصيدة : 68429
-----------------------------------
إلى الشهيد وائل زعيتر
كانت رسالته وضع الحقيقة
الفلسطينية امام عيون العالم
المضلل واللا مكترث.
- - -
-1-
حين جاء النبأ الريّان من دمّك غطانا الخجل
حين قالوا : كانت الغربة والداء له زاداً وماء
نحن غطانا الخجل
حين قالوا : كان يعطينا على جوعٍ ، تململنا
وغطانا الخجل
وبقينا في العراء
دون ستر أو غطاء
من يغطي عرينا من
يسبل الستر علينا يا بطل ؟!
-2-
حينما الليل الذي أغمض عين الشمس
أمسى في خطر
حينما مستنقع الأكذوبة النكراء أمسى
في خطر
حينما الوجه الذي
قنّعت تشويه الأصباغ أمسى في
خطر
حينما الدنيا الهلوك
وقفت ضدّك واستعصيت انت
وتأبّيت على العالم أنت
اقبلوا في معطف الليل وداروا
في الظلام
دورةًً غدّارةً واقتنصوك
*******
وجهك الغائب يلقانا على صدر الجريده
وعلى نظرة عينيك البعيده
نحن نمضي ونسافر
ونلاقيك ، نلاقيك على
قمة الدنيا وحيداً يا بعيداً ، يا
قريباً ، يا الذي نحويه فينا في الخلايا ،
في مسام الجلد ، في نبض الشرايين التي
وتّرها الحزن المكابر
يا بعيداً ، يا قريباً ، نم على الصدر الذي
يفتحه ((عيبال )) من أجلك أسند
رأسك الشامخة اليوم إلى ((القبة))
فالصخرة في القدس احتوتك الآن
حين الموت أعطاك الحياة
أنت يا
عفّنت لبّاً وقشراً
عطبت لحماً وعظماً ، أنت يا
باعث الهزة في الدنيا الموات
أنت يا ملقى بلا اهل بلا ارضٍ على
أرصفة الغربة ملقىً نازفاً تحضن
في الصدر بساتين الوطن
وسماوات الوطن
والسهول الحالمات
بالأخاديد وبالمحراث والأمطار ، يا من
حزنه كان بأرض التيه والتشريد خبزاً،
نبع ماءٍ ، قمراً ((لا)) للموت والتيه
وللوجه الذي عشرين عاماً ظلّ مسروق
الهويّه
أنت يا شمس القضيه
(1/15341)
________________________________________
نم هنا في الوطن الحاني فانت الآن فيه
يا بعيداً وقريباً
يا فلسطيني أنت !
أيها الرافض للموت هزمت الموت حين
اليوم متّ.
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> عن الحزن العميق
عن الحزن العميق
رقم القصيدة : 68430
-----------------------------------
(مهداة إلى سميح القاسم )
- - -
. . . وعند اشتعال المساء بنيران
شمسك قمت ، تسلّقت جدران كهفي ،
حاولت أقطف وهجاً فأمطر حزني .
وعند انهمار هباتك يديه ، فأزهر
حزني.
وقام التعارض سداً كما الموت ، حال
التعارض دون اندماج العناصر -
شمسك ظلّت قصيّه
وأرضي ظلّت عصيّه
وعند انهيارات جسر التواصل حاولت
حاولت حاولت لكن
ولم يبق مني على راحتيك سوى غيمةٍ
عابره
تجمّد فيها الشرار
وغاب حضوري ، رحلت بعيداً وغصت
بعيداً ، إلى القاع غصت أنادم حزني
أعاقره في غيابة جبٍّ بغير قرار
**********************
لماذا ؟
لماذا ؟
لماذا ؟
رجوتك لا تخترق قشرتي بالسؤال
لتلمس حزني
رجوتك حزني أعزّ وأقدس من أن يقال !
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> الأغنية الوصية
الأغنية الوصية
رقم القصيدة : 68431
-----------------------------------
اليهم وراء القضبان
((إلى بناتنا وابنائنا الذين التهمتهم السجون في
اسرائيل وفي كل مكان))
- - -
1-
وشرّعت جهنمٌ أبوبها
وابتلعت براعم الصبي الطريّ في أقبائها
ولم تزل هنالك الغنوه
على الشفاه الفتية الفرسان
حمراء مزهوّه
تخترق الظلام والجدران :
((يا اخوتي))
((بدمي أخطّ وصيتي ))
((أن تحفظوا لي ثورتي ))
((بدمائكم ))
((بجموع شعبي الزاحفة ))
((فتح أنا ))
((أنا جبهة))
((أنا عاصفة))
2- من مفكرة ((رندة))
. . . في نصف الليل . . آه !
حذاؤه يدقّ في الدهليز . . آه !
مبتدع التعذيب
آت وتدنيني خطاه
من غرفة التحقيق . . آه !
آتٍ وتدينني خطاه
من زمن الكابوس والجحيم والصراع
. . . . . .
حذاؤه يدقّ في الدهليز
دمي يدقّ وعروقي والنخاع
. . . . . .
توّحشي ما شئت يا
(1/15342)
________________________________________
شراسة الأوجاع
فلن ينزّ من دمي جواب
3- من مفكرة سجين مجهول مكان السجن
من الفجاج يطفح الظلام عابساً صموت
والليل ناصبٌ هنا شراعه الكبير
لا زحف ضوء النجم واجدٌ طريقة ولا
تسلّل الشروق
ليلٌ بلا شقوق
يضيع فيه الصوت والصدى يموت
*****************
الوقت فاقد هنا نعليه ، واقفٌ
تختلط الأيام والفصول
تراه موسم البذار ؟
تراه موسم الحصاد ؟
تراه ؟
من يقول ؟
لا خبر
ويقف السجّان وجهه حجر
وعينه حجر
يسلب منا الشمس يسلب القمر
********************
خلف حدود الليل
تظلّ خيل الوقت في سباقها . .
تركض نحو موطن الحلم . .
. . . . . .
. . . . . .
خلف حدود الليل
الشمس في انتظارنا تظلّ والقمر
4- من مفكرة ((هبة))
يحوم هنا طيف أمي يحوم
تشعّ بعينيّ جبهة أمي كضوء النجوم
عساها تفكر بي الآن . . . تحلم
قبيل اعتقالي
. . . . . .
رسمت حروفاً على دفتر
جديد عتيق . .
رسمت عليه وروداً
روتها دماء العقيق
وكانت بجنبي أمي
تبارك رسمي . .
. . . . . .
أراها
على وجهها الآن صمتٌ ووحده
وفي الدار صمتٌ ووحده
حقيبة كتبي هناك على رفّ مكتب
ومعطف مدرستي عالقٌ فوق مشجب
أرى يدها الآن تمتدّ ، تنفض عنه الغبار
أتابع خطوات أمي
واسمع تفكير أمي
أتوق إلى حضن أمي ووجه النهار
5- من مفكرة ((تيسير))
يا هذه الجدران
الأخوة الأحباب والأهلون
ما يفعلون الآن ؛؟
لعلّ قاطفي الزيتون يقطفون
لعلّ زيتون الجبال
يئن بين فكيّ المعاصر
لعلّ دمّه يسيل . .
يا حامل القنديل
الزيت وفرٌ ، أطعم القنديل
وارفعه للسارين
ارفعه مثل الشمس
فالوعد لقيا في ربى ((حطين ))
والوعد لقيا في جبال ((القدس))
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> بين الجزر والمد
بين الجزر والمد
رقم القصيدة : 68433
-----------------------------------
((أنا غير ما يرى مني . هذه هي
مكيدتي ظفرت بها ، فليستولدها صلب
الظلام من بطن جهنم خلقاً شاذاً ، اذا
طلع عليه النهار ظهر فظيعاً رهيباً)).
((ياغو)). شكسبير
- - -
(1/15343)
________________________________________
حين الكلمات تصير على
ألسنة الكذب هلاميّه
أتداخل في ذاتي ، أتقلّص
أنكمش وأضمر
أتجنب كلذ هلاميات الدرب -
وكلّ لزوجته البشريه
أتراجع في ذعري أتحاشى
في الدرب مراوغة الزئبق
أتماسك حتى لا أزلق
وأثبّت قدمي في أرضٍ صابونيه
أقبض كفي لا أبسطها
وأعارف ملامسة الأشياء ، أعارف البسمات
الشوهاء ، وأكفر بالانسان الثعلب
******************
لكني حين يعانقني
طفل ويلامس وجهي المتعب
الخدّ المخمل والكفّان الناعمتان
وأصابع زنبق
لم ينبت فيها مخلب
وتطلّ على قلبي عينان
كسماءٍ غسلتها في الفجر الرطب -
ملائكة الأنوار
يتمدد قلبي
يكبر قلبي
تهرب من قلبي المغلق
كل الأسوار
يتدفق فيه النهر القطبيّ-
وتنمو فيه الأشجار
يرجع من منفاه إلى
قلبي الواسع وجه الانسان
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> امنية جارحة!
امنية جارحة!
رقم القصيدة : 68434
-----------------------------------
((ان تقبلوا نعانق ))
(( ونفرش النمارق ))
((او تدبروا نفارق ))
((فراق غير وامق))
هند بنت عتبة
- - -
ما زلنا في غرف التخدير
على سرر التخدير ننام
والعام يمر وراء العام
وراء العام وراء العام
والأرض تميد بنا والسقف
يهيل ركاماً فوق ركام
والكذب يغطينا من قمة هامتنا
حتى الأقدام . . .
يا إخوتنا قولوا حتام ؟
أوّاه وآهٍ يا فيتنام
آهٍ لو مليون محارب
من أبطالك
قذفتهم ريحٌ شرقيه
فوق الصحراء العربيه
لفرشت نمارق
ووهبتمو مليون ولود قحطانيه !
. . . . . . .
عفواً يا أهل البيت
جارحة هذي الأمنيّه
لكنّا لم يبق لدينا
منكم إلاّ قعقعة الصوت
ضيعنا الأشياء الأصليه
ولقد أعيانا يا أحبابي
رشّ السكّر فوق الموت
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> ((ايتان ))
((ايتان ))
رقم القصيدة : 68435
-----------------------------------
في الشبكة الفولاذية
(( ذات صباح سأل طفل من أطفال
الروضة في كيبوتس معوز حاييم : كم
يوماً يتوجب علينا أن نحافظ على الوطن؟ )).
- - -
(1/15344)
________________________________________
تحت ((الشجرة)) وهي تفرّع ، تكبر تكبر
في إيقاعات وحشيه
تحت ((النجمة)) وهي تشيّد بين يديه
جدران الحلم الدمويه
تحبك بخيوط الفولاذ الشبكه
تسقطه فيها تسلبه الحركه
يفتح عينيه ((إيتان)) الطفل الإنسان
يسأل في سجف العتمه
عن معنى الشبكة والجدران
والزمن المبتور السّاقين ، المتسربل
بالكاكي ، بالموت القاسي ، بالدّخان
وبالأحزان
. . . . . .
لو تنبيء بالصدق النجمه
لو تنبيء بالصدق
لكن النجمة . . .
واأسفاه !
يا طفلي أنت غريقٌ مثلك في
بحر الكذبه
يغرقه الحلم المتضخم . .
ذو الرأس التنينية
والألف ذراع . .
آه آه !
ليتك تبقي الطفل الإنسان
اخشى وأراع
أن تكبر في هذي الشبكه
في هذا الزمن المبتور السّاقين ،
المتسربل بالكاكي ، بالموت القاسي ،
بالنيران وبالأحزان
أخشى يا طفلي أن يقتل فيك الإنسان
أن تدركه السقطة أن
يهوي
يهوي
يهوي للقاع
شعراء العراق والشام >> فدوى طوقان >> اغنية صغيرة لليأس
اغنية صغيرة لليأس
رقم القصيدة : 68436
-----------------------------------
(( هدية إلى السجينة عائشة أحمد عوده))
(( رداً على رسالتها الموحية التي بعثت ))
(( بها الي من لسجن المركزي في نابلس ))
- - -
. . وحين يمد ، يشدّ ، يمزّق ، يطحن ،
ينفضني
يزرع النخل فيّ ،
ويحرث بستان روحي ،
يسوق اليها الغمام
فيهطل فيها المطر
ويورق فيها الشجر
وأعلم أنّ الحياة تظل صديقه
وأنّ القمر
وإن ضلّ عني ، سيعرف نحوي طريقه
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> كبرياء
كبرياء
رقم القصيدة : 68437
-----------------------------------
لا تسلني عن سرّ أدمعي الحرّ
ى فبعض الأسرار يأبى الوضوحا
بعضها يؤثرالحياة وراء ال
حسّ لغزا وإن يكن مجروحا
***
بعضها إن كشفته يستحل حّب
ا مهانا يموت موتا حزينا
بعضها بعضها تكّبر أن يك
شف عما وراءه أو يبينا
***
ومئات الأسرار تكمن في دم
عة حزن تلوح في مقلتين
ومئات الألغاز في سكتة ته
تزّ خلف انطباقة الشفتين
***
(1/15345)
________________________________________
وعيون وراء أهدابها أش
باح يأس في حيرة وانكسار
تؤثر الظلّ والظلام ارتياعا
من ضياء يبوح بالأسرار
***
وقلوب تضمّ أشلاءها فو
ق جراح وأدمع وذهول
تؤثر الموت كبرياء ولا تنط
ق بالسرّ بالرجاء الخجول
***
وشفاه تموت ظمآى ولا تس
أل أين الرحيق ؟ أين الكأس ؟
ونفوس تحسّ أعمق إحسا
س وتبدو كأنها لا تحس
***
وأكفّ تودّ لو مزّقت لو
قتلت لو تمرّدت في جنون
لو رأتها الحياة قالت : هدوء
وادع في براءة وسكون
***
لو رأتها ماذا ترى ؟ كلّ شيء
مغرق خلف داكنات السّتور
ألف ستر وألف ظلّ من الكب
ت عميق وألف قيد ونير
***
لا تسلني لا تجرح السرّ في نف
سي ولا تمح كبرياء سكوتي
لو تكلمت كان في كلّ لفظ
قبر حلم وفجر جرح مميت
***
لو تكلمت كيف ترتعش الأش
عار حزنا .وترتمي في عياء
لو كشفت السرّ العميق فماذا
يتبقى مني سوى الأشلاء ؟
***
لو تكلمت رعشة في حياتي
وكياني تلحّ أن أتكلم
وسكوتي العميق يكتم أنفا
سي وقلبي يكاد أن يتحطّم
***
لو تكلمت لو سكتّ نداءا
ن عميقان كالحياة استعارا
تتلاقى عليهما كلّ أسرا
ري فأبقى شعرا وحبّا ونارا
***
وتظلّ الحياة تخلق من وج
هي قناعا صلدا يفيض رياءا
جامدا باردا أصمّا ويخفي
بعض شيء سّميته كبرياء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> يوتوبيا الضائعة
يوتوبيا الضائعة
رقم القصيدة : 68438
-----------------------------------
صدى ضائع كسراب بعيد
يجاذب روحي صباح مساء
أنام على رجعه الأبديّ
ويوقظني برقيق الغناء
صدى لم يشابهه قطّ صدى
تغنّيه قيثارة في الخفاء
إذا سمعته حياتي ارتمت
حنينا ونادته ألف نداء
يموت على رجعه كلّ جرح
بقلبي ويشرق كل رجاء
ويمضي شعوري في نشوة
يخدّره حلم يوتوبيا
ويوتوبيا حلم في دمي
أموت وأحيا على ذكره
تخيلته بلدا من عبير
على أفق حرت في سرّه
هنالك عبر فضاء بعيد
تذوب الكواكب في سحره
يموت الضياء ولا يتحقق
ما لونه ما شذى زهره
هنالك حيث تذوب القيود
وينطلق الفكر من أسره
(1/15346)
________________________________________
وحيث تنام عيون الحياة
هنالك تمتدّ يوتوبيا
***
وحيث يظلّ عبير البنفسج
حيّا ولا يذبل النرجس
وحيث تفيض الحياة رحيقا
نميرا ولا تفرغ الأكؤس
وحيث تضيع حدود الزمان
وحيث الكواكب لا تنعس
هناك الحياة امتداد الشباب
تفور بنشوة الأنفس
هناك يظلّ الربيع ربيعا
يظلّل سكان يوتوبيا
***
هنالك حيث وعت شهرزاد
أقاصيص غنّت بها ألف ليله
هنالك يوتوبيا في الضباب
على شفق لم تر العين مثله
يحفّ بها أبد من عطور
ويمنحها ألف لحن وقبله
وترقد في سكرة لا تحدّ
على رجع أغنية مضمحلة
على شاطيء كضياء النجوم
أسميّه شاطىء يوتوبيا
***
هنالك طوّفت ذات مساء
وكان معي هيكل كالسراب
أحسّ خطاه على الرمل لكن
أرى غير شيء وبعض سحاب
وكان أمامي ممر غريب
تغلّفه دفقات الضباب
ويمتدّ عن جانبيه خليج
وبعض جزائر بعض هضاب
وفي حلمي صحت : أين أسير ؟
فرد صدى:قرب يوتوبيا!
***
أحسست في قعر روحي جنونا
وشوقا عميقا كبحر عميق
تريد انتهاء الطريق الغريب
إلى البلد المتمّنى السحيق
لي ذلك الأفق الأزليّ
وحيث يعيش أبولو الرقيق
على ظمأ لوجود عجيب
يذوب عليه الندى والبريق
على ظمأ صارخ وأخيرا
صحوت ولم أر يوتوبيا
***
وفي حلم آخر كنت أمشي
على شاطيء من حصى ورمال
غريب غريب بلون الأثير
يحفّ به أفق كالخيال
تناهى بأقدامي المتعبات
إلى صخرة رسخت كالمحال
تسلّقها أمل مضمحل
فقد تتزحلق حتى الظلال
وساءلت ماذا ترى خلفها ؟
فقال لي الرمل : يوتوبيا !
***
وفي حلم ثالث خلت نفسي
على بابها المرمريّ الكبير
أحدّق في نشوة لا تحدّ
أكاد أجنّ .. أكاد أطير
أحقا أرى الباب ؟ ألواحه
تلوح مبطنّة بالحرير
تقدمت واجفة في خشوع
وفي مقلتي ومض حلم قرير
أدقّ على الباب في نشوة
ولا ردّ غير السكون المرير
***
ومرت حياتي مرّت سدى
ولا شيء يطفىء نار الحنين
سدى قد عبرت صحارى الوجود
سدى قد جررت قيود السنين
وما زلت أذرع صمت القفار
وأسأل عن سرّها العابرين
يطول على قلبي الإنتظار
وأغرق في بحر يأس حزين
(1/15347)
________________________________________
أحاول أن أتعزى بشيء
بغاب , بواد , بظلّة تين
دقائق...ثم أخيب وأهتف:
لا شيء يشبه يوتوبيا
سأبقى تجاذبني الأمنيات
إلى الأفق السرمديّ البعيد
وأحلم وأحلم لا أستفي
ق إلا لأحلم حلما جديدا
أقّبل جدرانها في الخيال
وأسأل عنها الفضاء المديد
وأسأل عنها انسكاب العطور
وقطر الندى وركام الجليد
وأسأل حتى يموت السؤال
على شفتّي ويخبو النشيد
وحين أموت..أموت وقلبي
على موعد مع يوتوبيا
دقائق...ثم أخيب وأهتف:
لا شيء يشبه يوتوبيا
***
سأبقى تجاذبني الأمنيات
إلى الأفق السرمديّ البعيد
وأحلم وأحلم لا أستفي
ق إلا لأحلم حلما جديدا
أقّبل جدرانها في الخيال
وأسأل عنها الفضاء المديد
وأسأل عنها انسكاب العطور
وقطر الندى وركام الجليد
وأسأل حتى يموت السؤال
على شفتّي ويخبو النشيد
وحين أموت..أموت وقلبي
على موعد مع يوتوبيا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> تواريخ قديمة وجديدة
تواريخ قديمة وجديدة
رقم القصيدة : 68439
-----------------------------------
لنسر كان أمس ومات
منذ بضع مئات السنين
مسحت ذكره السنوات
وطوته مع المّيتين
وبحثنا زمانا طويل
عن كواكبه الآفلات
واستعرنا يد المستحيل
لنعيد إليه الحياة
وأهبنا بركب العصور
أن يعود على بدء
علّنا نستعيد الشعور
فرجعنا بلا شيء
كم شققنا هناك الظلام
وعبرنا سكون الركود
ونبشنا ركام العظام
لم نجد شيئنا المفقود
ورأينا هناك جباه
لا ترى فهي عمياء
وعيونا طوتها الحياه
صمتت فهي خرساء
ورأينا رفات قلوب
حنّطتها يد الذكريات
وسدى حاولت أن تؤوب
معنا فهي..فهي رفات
ورأينا شفاها خوت
لم تعد تشتكي أو تجوع
وأكفّا ذوت وانطوت
لم يعد لأساها دموع
وسألنا عن الأمس
فعثرنا على تابوت
وهناك على الرمس
يجثم الزمن المبهوت
ورجعنا إلى التقويم
علّنا نخدع الأيام
فسمعنا صراخ الهشين
خلف سخرية الأرقام
ورأينا الغد المنتظر
ساحبا نصفه المشلول
ساحبا نصفه المحتقر
نصفه الجامد المملول
وهناك انطوى سفر
(1/15348)
________________________________________
واختتمنا النشيد القديم
وغدا ينبت العمر
فوق جرح الزمان الأليم
ويتيه صدى الأمس
في مدار الزمان العميق
ونحسّ على الكأس
فورة الحلم المستفيق
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> صراع
صراع
رقم القصيدة : 68440
-----------------------------------
أحبّ..أحبّ..فقلبي جنون
وسورة حبّ عميق المدى
أحبّ فروحي حسّ غريب
يضيع لديه جمودي سدى
حياتي في العالم الشاعريّ
لهيب من الحبّ لن يخمدا
وجسمي قلب خفوف خفوق
سيلبث ملتهبا موقدا
وأكره أكره قلبي لهيب
وسورة مقت كبير كبير
وروحي مستعر الإحتقار
يرى الكون أفقا وضيعا حقير
حياتي تحسّ وجيب الحقود
على عالم مغرق في الشرور
ونفسي في ثورة لا تفرّ
تحقّر ما حولها من صخور
أحبّ وأكره ..حبّي شقاء
أحبّ وأكره..كرهي ألم
ففيم أعيش ؟ سئمت البقاء
وشاق حياتي صمت العدم
***
وأبكي ..وأبكي..فدمعي لهيب
يحطّم روحي ويذوي المنى
تعذبي حيرتي في الوجود
وأصرخ من ألمي : من أنا
منحت عيونا تحبّ الدموع
وقلبا يحبّذ أن يطعنا
وروحا تعّثر فيما يريد
فمجّ الظلام وعاف السنا
وأضحك من كلّ ما في الوجود
وفي ضحكي مرح ساخر
فقلبي سخرّية واحتقار
يثيرهما العالم العاثر
أحدّق من قمّتي في الثرى
فيضحكني دوده الناخر
وأضحك ضحكة ربّ كئيب
تمرّد مخلوقه الكافر
وأبكي وأضحك..دمعي دماء
وأبكي وأضحك..ضحكي ندم
ففيم أمرّغ تحت الضياء
فؤادا سيرقد تحت الظلم
***
أريد وأجهل ماذا أريد
أريد وعاطفتي لا تريد
أحبّ السماء ولون النجوم
وأمقتها كلّ فجر جديد
أريد وأشعر أني أحسّ
ويسخر مما أحس الوجود
وأرغب في حلم غامض
فليس له هيكل أو حدود
وأنفر من كلّ ما في الوجود
وأهرب من كل شيء أراه
ففي عمق نفسي صوت غريب
يعلّم قلبي ازدراء الحياه
ويصرخ بي : اهربي اهربي
ويتعب أحساس روحي صداه
فأهتف يا عالمي : لا أريد !
وتصرخ بي ذكرياتي : النجاه !
أريد وأنفر تحت السماء
فأرسم كلّ صراعي نغم
ومن أجل لحني سأرضى البقاء
وعار الحياة وذلّ الألم
***
(1/15349)
________________________________________
أحبّ وأكره ماذا أحبّ
وأكره ؟ أيّ شعور عجيب ؟
وأبكي وأضحك ماذا ترى
يثير بكائي وضحكي الغريب ؟
أريد وأنفر , ايّ جنون
حياتي ؟ أيّ صراع رهيب ؟
لماذا أغني , لماذا أعيش ؟
ومنذا أصارعه , من يجيب ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> عندما انبعث الماضي
عندما انبعث الماضي
رقم القصيدة : 68441
-----------------------------------
أمس في الليل وكانت صور الأسرار شتّى
تتصبّى حاضري الغافي وكان الأمس ميتا
خلتني كفنّته ذات مساء
وتحصّنت بدعوى كبريائي
سمعت روحي في إغفاءة الظلمة صوتا
لم يكن حلما خرافيّ الستور
بعثته رغبة خلف شعوري
كان شيئا , كان في صمت الدجى صوتك أنتا
صوت ماضيّ الذي مات وما خلّف شيّا
غير أشتات احتقار باهت
رسبت في قعر قلبي الصامت
غير أشتات ادّكارات لحبّ كان حيّا
منذ أعوام..وقد فات ومرّا
منذ أعوام..وصار الآن ذكرا
لفّها الماضي وواراها التراب الأبدّيا
ذلك الصوت الذي مرّ على سمعي أمس
كان حلما ذائبا في عبراتي
كان حبّا تائها في أمنياتي
ثم حطمّت على ذكراه قيثارتي وكأسي
عندما ضّيعته تحت الضباب
تعثّرت بأشلاء شبابي
وتهاويت على جثّة أحلامي وانسي
ومضى عامان ممطوطان مرّا في شحوب
كان عمري خربة يصبغها لون الغروب
مدت الذكرى ذراعيها إليّا
لونهايخلق من رعبي دنيا
ويثير الوتر الميّت في قلبي الكئيب
وانقضى عامان ملعونان من أعوام حبي
مزّقت روحي أظفارهما , روحي وقلبي
لم تدع شراعا من رجاء
أبدا لم تبق إلا كبريائي
وأباديد ادّكارات لها قسوة ذئب
أمسي الراسب في أعماق حسّي
عرفت فيها صدى الصوت الذي غمغم قربي
إنه الأمس إذن عاد ليحيا من جديد
إنه عاد إذن يطرق أبواب شرودي
أسفا يا شبحي عد للتراب
لم تعد تملك أن تطرق بابي
لم يعد يربطنا إلا ركام من حدود
هوّة أعمق من ذنبك ! ماذا ؟
غير ذكرى عبرت يوما ومرّت بوجودي ؟
إنه عاد إذن يطرق أبواب شرودي
أسفا يا شبحي عد للتراب
لم تعد تملك أن تطرق بابي
(1/15350)
________________________________________
لم يعد يربطنا إلا ركام من حدود
هوّة أعمق من ذنبك ! ماذا ؟
قد تبّقى لك عندي غير هذا ؟
غير ذكرى عبرت يوما ومرّت بوجودي ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> مرّ القطار
مرّ القطار
رقم القصيدة : 68442
-----------------------------------
الليل ممتدّ السكون إلى المدى
لا شيء يقطعه سوى صوت بليد
لحمامة حيرى وكلب ينبح النجم البعيد ,
والساعة البلهاء تلتهم الغدا
وهناك في بعض الجهات
مرّ القطار
عجلاته غزلت رجاء بتّ انتظر النهار
من أجله.. مرّ القطار
وخبا بعيدا في السكون
خلف التلال النائيات
لم يبق في نفسي سوى رجع وهون
وأنا أحدّق في النجوم الحالمات
أتخيل العربات والصفّ الطويل
من ساهرين ومتعبين
أتخيل الليل الثقيل
في أعين سئمت وجوه الراكبين
في ضوء مصباح القطار الباهت
سئمت مراقبة الظلام الصامت
أتصوّر الضجر المرير
في أنفس ملّت وأتعبها الصفير
هي والحقائب في انتظار
هي والحقائب تحت أكداس الغبار
تغفو دقائق ثم يوقظها القطار
ويطلّ بعض الراكبين
متثائبا , نعسان , في كسل يحدّق في القفار
ويعود ينظر في وجوه الآخرين
في أوجه الغرباء يجمعهم قطار
ويكاد يغفو ثم يسمع في شرود
صوتا يغمغم في برود
"هذي العقارب لا تسير !
كم مرّ من هذا المساء ؟ متى الوصول ؟ "
وتدقّ ساعته ثلاثا في ذهول
وهنا يقاطعه الصفير
ويلوح مصباح الخفير
ويلوح ضوء محطة عبر المساء
إذ ذاك يتئد القطار المجهد
...وفتى هنالك في انطواء
يأبى الرقاد ولم يزل يتنهد
سهران يرتقب النجوم
في مقاتيه برودة خطّ الوجوم
أطرافها ..في وجهه لون غريب
ألقت عليه حرارة الأحلام آثار احمرار
شفتاه في شبه افترار
عن شبه حلم يفرش الليل الجديب
بحفيف أجنحة خفّيات اللحون
عيناه فس شبه انطباق
وكأنّها تخشى فرار أشعة خلف الجفون
أو أن ترى شيئا مقيتا لا يطاق
هذا الفتى الضجر الحزين
عبثا يحاول أن يرى في الآخرين
شيئا سوى اللغز القديم
والقصّة الكبرى التي سئم الوجود
(1/15351)
________________________________________
أبطالها وفصولها ومضى يراقب في برود
تكرارها البالي السقيم
هذا الفتى..
وتمرّ أقدام الخفير
ويطلّ وجه عابس خلف الزجاج ,
وجه الخفير !
ويهزّ في يده السراج
فيرى الوجوه المتعبه
والنائمين وهم جلوس في القطار
والأعين المترقبه
في كلّ جفن صرخة باسم النهار ,
وتضيع أقدام الخفير الساهد
خلف الظلام الراكد
وبقيت وحدي أسأل الليل الشرود
عن شاعري متى يعود ؟
ومتى يجيء به القطار ؟
أتراه مرّ به الخفير
ورآه لم يعبأ به ..كالآخرين
ومضى يسير
هو والسراج ويفحصان الراكبين
وأنا هنا ما زلت أرقب في انتظار
وأودّ لو جاء القطار..
وأودّ لو جاء القطار..
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> عروق خامدة
عروق خامدة
رقم القصيدة : 68443
-----------------------------------
يا حبّ لم تبق لنا ذكرى
لم يطوها الموت
كان لنا ماض وقد مرّا
ولّفه الصمت
سراب لا شيئين, لا معنى
لا لفظ لا ظلاّ
تدفعنا الآهات والأحزان
وما لنا مأوى
نبكي فلا تحنو علينا يد
بربتة من حنان
نحن هنا اللاأمس واللاغد
نحن هنا اللاكيان
شفاهنا لحم بلا لحن
وروحنا أشلاء
ونلتقي فتسكت النجوى
وتكتم الأنفاس
وتلتقي الكّفان أين الرغاب
ورعشة الأشواق ؟
أصابع ميتّة الأعصاب
ليس لها أعماق
الشرق فيها أسود الآفاق
ويلهث الغرب
وأذرع صمّاء كالأحجار
فارقها الشوق
ونلتقي ينقصنا شيء
شيء وراء الروح
شفاهنا ينكرها الضوء
وليلنا مجروح
يعزّ أن تجمعنا الأيام
وبيننا الأمس
وبيننا هاوية الذكرى
تقذف بالأشباح
وأذرع صمّاء كالأحجار
فارقها الشوق
جامدة لو لامستها النار
لم يستفق عرق
ونلتقي ينقصنا شيء
شيء وراء الروح
شفاهنا ينكرها الضوء
وليلنا مجروح
ونلتقي تفصلنا آلام
وأدمع خرس
يعزّ أن تجمعنا الأيام
وبيننا الأمس
وبيننا هاوية الذكرى
تقذف بالأشباح
سدى أريد الضفّة الأخرى
قد غرق الملاّح
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الجرح الغاضب
الجرح الغاضب
رقم القصيدة : 68444
(1/15352)
________________________________________
-----------------------------------
أغضب أغضب لم أحتمل الجرح الساخر
جرح قد مرّ مساء الأمس على قلبي
جرح يجثم كالّليل المعتم في قلبي
يجثم أسود كالنقمة في فكر ثائر
جرح لم يعرف إنسان قبلي مثله
لن يشكو قلب بشريّ بعدي مثله
الظلمة في أمسي المطويّ أحسته
ومضت تهمس في صمت الليل : من الجاني
حتى الأبديّة والآفاق أحستّه
وتناسى, لم يعبأ, لم ينتبه الجاني
أغضب, يرتعش الموج معي تحت القمر
ويضجّ وتبلغ ثورته سمع القمر
ويجنّ الغيم الأسود في عرض الأفق
ويلفّ الشاطىء ثوب حداد كجنازه
يتحوّل صمتي نارا تصرخ في الأفق
وأغني رقّة إحساسي لحن جنازه
أمسي , في أمسي قد دفنت أشلاء غدي
كانت, لم يدر بها أحد, شبه جريمه
كيف على الأرض تساقط حلمي بين يدي
كيف المقدور مضى نزقا يقتل قلبا ؟
وتبقّت ذكرى مطفأة كانت أمسا
وتبقّت انّات حيرى كانت لحنا
جدران عارية كانت يوما أمسا
أصداء في غار خاو كانت لحنا
***
يهتف في حزن, في جزع : كيف ابوح ؟
ليت الجرح المظلوم إلى الليل يبوح
ورأيت على الأفق المخضوب بفيض دمي
عيناه الزرقاوان مساءا أهوال
ويداه السوداوان ذراعا عفريت
شبح مجنون أيقظ عاصف أهوال
وأحال دياجيري أحجيّة عفريت
أغضب للجرح المختلج الشاكي أغضب
سيجنّ معي الصبر المذبوح المرتعش
ستجنّ معي اللعنة والحقد المرتعش
ستثور معي الذكرى ستثور ولا مهرب
جرح يصرخ كالجوع البائس في قلبي
الظلمة في صمت الآفاق أحسّته
ومضت تسأل في قلب الليل : من الجاني ؟
حتى القمريّة والأشجار أحسّته
وتضاحك, لم يشعر, لم ينتبه الجاني
ستجنّ معي اللعنة والحقد المرتعش
ستثور معي الذكرى ستثور ولا مهرب
جرح يصرخ كالجوع البائس في قلبي
الظلمة في صمت الآفاق أحسّته
ومضت تسأل في قلب الليل : من الجاني ؟
حتى القمريّة والأشجار أحسّته
وتضاحك, لم يشعر, لم ينتبه الجاني
ستجنّ معي اللعنة والحقد المرتعش
ستثور معي الذكرى ستثور ولا مهرب
لا مهرب من جرح قد مرّ على قلبي
(1/15353)
________________________________________
جرح يصرخ كالجوع البائس في قلبي
الظلمة في صمت الآفاق أحسّته
ومضت تسأل في قلب الليل : من الجاني ؟
حتى القمريّة والأشجار أحسّته
وتضاحك, لم يشعر, لم ينتبه الجاني
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الباحثة عن الغد
الباحثة عن الغد
رقم القصيدة : 68445
-----------------------------------
"غدا نلتقي" نبأ في الزمان
روته الحياه
تلاشى ولم تروه شفتان
تلاشى وناه
فأين"غدا نلتقي" يا حياة
أعادت ترابا ؟
"غدا نلتقي" ثم مات الزمان
وضاع المكان
وكان لنا موعد فانطوى
صداه ومات
وكم كوكب في الدياجي هوى
وعاد رفات
فأسفر آخرها عن قدر
وذاب الرنين
وكنّا نمرّ فتلانو الحياة
وتومي إلينا
ويطردنا الأمس من كلّ ما
ملكناه يوما
سوى حاضر مغرق في الدما
ويقطر سمّا
صدى لفظتين يجوس الفضاء
"غدا نلتقي"
ويأتي غد في أسى وشرود
بصمت طويل
"غدا نلتقي" ويسود السكون
سكون الخريف
وأسمع تحت المساء الحنون
صراخا عنيف
ترددها شفة حاقده
وراء العصور
"غدا نلتقي" وتمطّ النغم
وتسخر مني
ويأتي غد في أسى وشرود
بصمت طويل
بألف صدى ساخر
في برود وراء النخيل
"غدا نلتقي" ويسود السكون
سكون الخريف
وأسمع تحت المساء الحنون
صراخا عنيف
وقهقهة, فظة , بارده
لجوّ القبور
ترددها شفة حاقده
وراء العصور
"غدا نلتقي" وتمطّ النغم
وتسخر مني
ويبقى غدي في الظلم
يفتّش عني
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> جحود
جحود
رقم القصيدة : 68446
-----------------------------------
في سكون المساء
في ظلام الوجود
حين نام الضياء
واعتراني جمود
فوق قلبي أثير
تحت رجلي قيود
في كياني فتور
في دمي نوء
في إسار الألم
روحي المبهم
يا معاني العدم
آه لو أفهم
وغدا سأعود
دون أن أدري
جسدي في الألم
خاطري في القيود
وسكوني حياة
وظلامي بريق
ألنجاة النجاة
من شعوري العميق
أم أنا جسم
وغرق في الشرور
بل أنا آفاق
من شعور عنيف
ألمقاييس
ليس تعنيني
ألأحاسيس
هي قانوني
فإذا دوّى
في دمي إحساس
(1/15354)
________________________________________
سرت لا ألوي
سرت خلف الصوت
في دمي إعصار
عاصف بالجمود
وشظايا نار
تتحدّى الركود
فكرة تضحك
أنا أهوى الشر
إن يك الجسم
من تراب حقير
فأنا حل
منه..يا للعار
إن يك الإيمان
هو هذا الجمود
سرت لا ألوي
سرت خلف الصوت
فغدا يطوي
فجر عمري الموت
في دمي إعصار
عاصف بالجمود
وشظايا نار
تتحدّى الركود
كلّ قلبي شك
في معاني الخير
فكرة تضحك
أنا أهوى الشر
إن يك الجسم
من تراب حقير
فأنا إثم.....
أنا لست أثير
إن يك العقل
يمقت الإنفجار
فأنا حل
منه..يا للعار
إن يك الإيمان
هو هذا الجمود
فأنا نكران
أنا كلّي جحود
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ألغاز
ألغاز
رقم القصيدة : 68447
-----------------------------------
دعني في صمتي في إحساسي المكبوت
لا تسأل عن ألغاز غموضي وسكوتي
دعني في لغزي لا تبحث عن أغواري
إقنع من فهم أحاسيسي بالأسرار
لا تسأل إني أحيانا لغز مبهم
أبقى في الغيب مع الأسرار ولا أفهم
روحي لا تعشق أن تحيا مثل الناس
أنا أحيانا أنسى بشريّة إحساسي
حتى حبّك..حتى آفاقك تؤذيني
فأنا روح أسبح كالطيف المفتون
قلبي المجهول يحسّ شعورا علويّا
لا حسّا يشبهه لا وعيا بشريّا
إذذاك أحسّك شيئا بشريّا قلقا
قمّة أحلامي ترفضه مهما ائتلقا
إذذاك يحسّك روحي بعض الأموات
ما سمّي "أنت" هوى, لم تبق سوى ذاتي
في وجهك أنظر لكنّي لا أبصره
في روحي أبحث عن شيء أتذّكره
أتذّكر, لا أدري ماذا, ماذا كانا ؟
شيء لا شكل يحدّده..لا ألوانا
ألمبهم في روحي يبقى في إبهامه
دعه لا تسألني عنه, عن أنغامه
دعني في ألغازي العليا, في أسراري
في صمتي, في روحي, في مهمة أفكاري
في نفسي جزء أبديّ لا تفهمه
في قلبي حلم علويّ لا تعلمه
دعه, ماذا يعنيك لتسأل في إصرار ؟
الحبّ يموت إذا لم تحجبه أسرار
إني كالليل : سكون, عمق, آفاق
إني كالنجم : غموض, بعد, إبراق
فافهمني إن فهم الليل, إفهم حسّي
والمسني إن لمس النجم, إلمس نفسي
(1/15355)
________________________________________
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أجراس سوداء
أجراس سوداء
رقم القصيدة : 68448
-----------------------------------
لنمت فالحياة جفّت وهذي الأ
كؤس الفارغات تسخر منا
وغيوم الذهول في أعين الأي
ام عادت أجلى وأعمق لونا
وسكون الحياة في جسد الأح
لام لم يبق قطّ للعيش معنى
وفراغ الآهات أثبت أنّا
قد فرغنا من دورنا وانتهينا
***
وعميقا في الليل نسمع أقدا
م الليالي في رهبة ووجوم
ودويّ الأجراس ينذرنا أنّ
ا انتهينا من دورنا المحموم
أنّ ما في الكؤوس يوشك أن ين
ضب إلا من حفنة من هموم
أنّ ما في العيون من عطش الأح
لام أمسى رماد حبّ قديم
***
وبعيدا في الجوّ تنذرنا الأص
وات أنّ الحياة عادت جنونا
أنّ لون الخيال قد حال وارتدّ
شحوبا وواقعا محزونا
أنّ "قبل" الرجاء أصبح "بع
د" فهو فكرة لن تكونا
أن شيئا في عمق أنفسنا يج
ذبنا للمات, شيئا مكينا
***
ولماذا نبقى هنا ؟ أو لم نش
بع ونجر ونرو دون انتهاء ؟
أو لم ندرك النعيم وخمر الن
صر والحبّ نابضا بالرجاء ؟
أو لم نعرف الأسى العاصر
نون والنوم بعد طول البكاء ؟
أو لم نشبع الوجود ومن في
ه احتقارا ونمض باستهزاء ؟
***
ولماذا نبقى هنا ؟ أسمع المو
ت ينادي بنا فلم لا نجيب ؟
لنمت فالرياح تجرح وجهي
نا ولون الدجى عمق رهيب
وهنا نحن متعبان غريب
ن تعايى بنا الشباب الكئيب
وهنا نحن ميّتان وإن كا
ن لعرق الحياة فينا وجيب
***
"الغريبان" هكذا يهمس اللي
ل وأجراسه تلفّ الوجودا
أيها الليل لن يعيش الغريبا
ن ولن يلمسا مساء جديدا
خذهما أرخ جنحك الأسود الها
دىء حوليهما وحلّق بعيدا
خذهما عزّ أن يقولوا " غريبا
ن " وكانت أقصوصة لن تعودا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> نهاية السلم
نهاية السلم
رقم القصيدة : 68449
-----------------------------------
مرّت أيام منطفئات
لم نلتق لم يجمعنا حتى طيف سراب
وأنا وحدي, أقتات بوقع خطى الظلمات
خلف زجاج النافذة الفظّة, خلف الباب
وأنا وحدي..
(1/15356)
________________________________________
مرّت أيام
باردة تزحف ساحبة ضجري المرتاب
وأنا أصغي وأعد دقائقها القلقات
هل مرّ بنا زمن ؟ أم خضنا اللازمنا ؟
مرّت أيام
أيام تثقلها أشواقي. أين أنا ؟
ما زلت أحدّق في السلّم
والسلّم يبدأ لكن أين نهايته ؟
يبدأ في قلبي حيث التيه وظلمته
يبدّأ..أين الباب المبهم ؟
باب السلّم ؟
***
مرّت أيام
لم نلتق , أنت هناك وراء مدى الأحلام
في أفق حفّبه المجهول
وأنا أمشي, وأرى , وأنام
أستنفد أيامي وأجرّ غدي المعسول
فيفرّإلى الماضي المفقود
أيامي تأكلها الآهات متى ستعود ؟
***
مرّت أيام لم تتذكر أن هناك
في زاوية من قلبك حبا مهجورا
عضّت في قدميه الأشواك
حبا يتضرّع مذعورا
هبه النورا
***
عد.. بعض لقاء
يمنحنا أجنحة نجتاز الليل بها
فهناك فضاء
خلف الغابات الملتفّات, هناك بحور
لا حدّ لها ترغي وتمور
أمواج من زبد الأحلام تقلبّها
أيد من نور
***
عد, أم سيموت,
صوتي في سمعك خلف المنعرج الممقوت
وأظلّ أنا شاردة في قلب النسيان
لا شيء سوى الصمت الممدود
فوق الأحزان
لا شيء سوى رجع نعسان
يهمس في سمعي ليس يعود
لا ليس يعود
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أنا
أنا
رقم القصيدة : 68450
-----------------------------------
الليل يسأل من أنا
أنا سرّه القلق العميق الأسود
أنا صمته المتمرّد
قنّعت كنهي بالسكون
ولففت قلبي بالظنون
وبقيت ساهمة هنا
أرنو وتسألني القرون
أنا من أكون؟
والريح تسأل من أنا
أنا روحها الحيران أنكرني الزمان
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسير ولا انتهاء
نبقى نمرّ ولا بقاء
فإذا بلغنا المنحنى
خلناه خاتمة الشقاء
فإذا فضاء !
والدهر يسأل من أنا
أنا مثله جبّارة أطوي عصور
وأعود أمنحها النشور
أنا أخلق الماضي البعيد
من فتنة الأمل الرغيد
وأعود أدفنه أنا
لأصوغ لي أمسا جديد
غده جليد
والذت تسأل من أنا
أنا مثلها حيرى أحدّق في ظلام
لا شيء يمنحني السلام
أبقى أسائل والجواب
سيظلّ يحجبه سراب
وأظلّ أحسبه دنا
فإذا وصلت إليه ذاب
(1/15357)
________________________________________
وخبا وغاب
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> إلى عمتي الراحلة
إلى عمتي الراحلة
رقم القصيدة : 68451
-----------------------------------
أنا لم أزل في الفجر رانية
للأفق في صمت وإعياء
تتدافع الذكرى على شفتي
بعض ارتعاشات وأصداء
الجرح نديان تعيش به
أصداء ماض ميت ناء
أيامه عادت صدى حلم
لم تبق منه غير أشلاء
غير ابتسامات ممزّقة
أودت بهنّ مرارة الداء
تتدافع الذكرى وتملأني
أشباحها قلقا وأشجانا
ألأمس ما زالت كآبته
حرّى تذكرّني بما كانا :
بالليل كيف سهرته ألما
بالفجر كيف أطلّ ظمآنا
بدموعي العطشى وحرقتها
بتدفق الإحساس أحزانا
باليأس كيف طغت مرارته
وتمرّدت حرقا ونيرانا
الأمس هل في الأمس من حلم
هل فيه ما ينجي من الحرق ؟
هل فيه بعض صدى يناغمني
ذكرى ؟ رجاء غير محترق
لفظ يمرّ ؟ وبسمة ؟ ويد
مرّت برقتها على قلقي ؟
أوّاه..بعض خطى ألوذ بها
من حزني القاسي ومن أرقي
بعض ابتسامتك التي غربت
في الصمت واحتقت على الأفق
ألدمع أذرفه ويذرفني
قلبا يجنّ أسى ويحتضر
قطراتع نار تمزّقني
ما زال منها في دمي أثر
عيناي تحترقان من ألم
تدمى وتقطر فيهما الصور
جرحان لا جفنان أين غدي ؟
أين الطبيعة والهوى النضر ؟
ما للحياة هوت أشعتها
ليلا وعّكر جوهّ القدر ؟
أين التفتّ تصدّني صور
وحشية , وشتيت آلام
ذكرى من الماضي تحطمني
وتظل تصهر جفني الدامي
أوّاه..كيف سقطت ميتة
وأنا أعيش وتلك أوهامي
وأنا أعيش رؤى ممزّقة
وأحزك أهوائي وأحلامي
تتلفت الذكرى إليك وبي
ظمأ يعتّم جوّ أيامي
وأريد أن أنسى فتخنقني
رعشات حزن ساهد مرّ
أبقيت جرحا حافرا قلقا
في قلب أحلامي وفي شعري
كفّ الحنان نسيت ملمسها
وفقدت معبرها على شعري
لم يبق منها غير أغنية
جفّت مرارتها على ثغري
وسهرت أنشدها وأنشدها
في ليلة مأسورة الفجر
أواه من حزني ومن ظمأي
هل عدت طيفا مطفأ المقل
ألقبر ضمّك في برودته بعد
ارتعاشة قلبي الخضل
لا طير يوقظ فيك عرق هوى
لا شيء يبعث خامد الأمل
(1/15358)
________________________________________
ألظلّ مرّ وأنت ساهية عن
رقصه وشعاعه الثمل
والنجم لاح وأنت هامدة لا
تعبأين بضوئه الخجل
وتمرّ أصداء الحياة ضحى
بوسادك المجزون وا أسفا
صوت المؤذن كم سهرت له
ما باله في مسمعيك غفا ؟
ما بال رعشته تمرّ على
قلب تناسى كيف أمس هفا
ما بالها لاذت بغربتها
ومضت تباكي حولك (النجفا)
تبكي وترسم في انتفاضتها
صوتا يبيت الليل مرتجفا
أوحيدة في القبر هامدة
وأنا أمسّ سريرك الخاوي ؟
خصلات شعرك فوق حرق
في عمق يأسي الصارخ الداوي
ومكان رأسك في الوسادة في
قلبي بقايا كوكب هاو
وقميصك الباكي أما بقيت
فيه حرارة جسمك الذاوي ؟
كيف انطويت وأنت خالدة في
أدمعي ؟ شلّت يد الطاوي
أصغي وهل تصغين ؟ هل بلغت مثواك أصداء ارتعاشاتي
كيف انتفضت وأنت هامدة في مخلبي ألمي وآهاتي
تتعثر النغمات في شفتي
بصراخ أحزاني وأنّاتي
مزّقت أيامي التي سلفت
ودفنت فيك بشاشة الآتي
وأضعت أفراحي ومن عبث
شبه ابتساماتي وضحكاتي
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> لنكن أصدقاء
لنكن أصدقاء
رقم القصيدة : 68452
-----------------------------------
لنكن أصدقاء
في متاهات هذا الوجود الكئيب
حيث يمشي الدمار ويحيا الفناء
في زوايا الليالي البطاء
حيث صوت الضحايا الرهيب
هازئا بالرجاء
لنكن أصدقاء
فعيون القضاء
جامدات الحدق
ترمق البشر المتعبين
في دروب الأسى والأنين
تحت سوط الزمان النزق
لنكن أصدقاء ,
ألأكفّ التي عرفت كيف تجبي الدماء
وتحزّ رقاب الخلّيين والأبرياء
ستحسّ اختلاج الشعور
كلّما لامست إصبعا أو يدا
والعيون التي طالما حدّقت في غرور
ترمق الموكب الأسودا
موكب الرازحين العبيد
هذه الأعين الفارغات
ستحسّ الحياة
ويعود الجمود البليد
خلفها ألف عرق جديد
والقلوب التي سمعت في انتعاش
صرخات الجياع العطاش
ستذوب لتسقي صدى الظامئين
كأسة ولتكن ملئت بالأنين
لنكن أصدقاء
نحن والحائرون
نحن والعزّل المتعبون
والذين يقال لهم "مجرمون"
نحن والأشقياء
نحن والثملون بخمر الرخاء
(1/15359)
________________________________________
والذين ينامون في القفر تحت السماء
نحن والتائهون بلا مأوى
نحن والصارخون بلا جدوى
نحن والأسرى
نحن والأمم الأخرى
في بحار الثلوج
في بلاد الزنوّج
في الصحارى وفي كلّ أرض تضمّ البشر
كلّ أرض أصاخت لآلامنا
كلّ أرض تلقّت توابيت أحلامنا
ووعت صرخات الضجر
من ضحايا القدر
لنكن أصدقاء
إن صوتا وراء الدماء
في عروق الذين تساقوا كؤوس العداء
في عروق الذين يظلّون كالثملين
يطعنون الإخاء
يطعنون أعزّاءهم باسمين
في عروق المحبّين..والهاربين
من أحبّائهم , من نداء الحنين
في جميع العروق
إنّ صوتا وراء جميع العروق
هامسا في قرارة كلّ فؤاد خفوق
يجمع الأخوة النافرين
ويشدّ قلوب الشقّيين والضاحكين
ذلك الصوت , صوت الإخاء
فلنكن أصدقاء
في بعيد الديار
ووراء البحار
في الصحارى , وفي القطب , في المدن الآمنه
في القرى الساكنه
أصدقاء بشر
أصدقاء ينادون أين المفر ؟
ويصيحون في نبرة ذابله
ويموتون في وحدة قاتله
أصدقاء جياع , حفاة , عراه
لفظتهم شفاه الحياه
إنهم أشقياء
فلنكن أصدقاء
من بعيد
صوت عصف الرياح الشديد
ناقلا ألف صوت مديد
من صراخ الضحايا وراء الحدود
في بقاع الوجود
ألضحايا , ضحايا العراك
وضحايا القيود
وصدى "هياواثا " هناك
مثقلا بأنين الجياع
بأسى المصطلين لظى الحمّى
بالذين يموتون دون وداع
دون أن يعرفوا أما
دونما آباء
دونما أصدقاء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> جنازة المرح
جنازة المرح
رقم القصيدة : 68453
-----------------------------------
سأغلق نافذتي فالضياء
يعكّر ظلمتي البارده
سأسدل هذا الستار السميك
على صفحة القصة البائده
وأطرد صوت الرياح البليد
وإشعاعة الأنجم الحاقده
وأسند رأسي إلى الذكريات
وأغمس عينيّ في دمعتين
وأرسل حبي يلفّ القتيل
ويدفىء جبهته الهامده
لعلي أردّ إليه الحياة
وأمسح من زرقه الشفتين
سأغلق نافذتي فالقتيل
يحب الظلام العميق العميق
واكره أن يتمطّى الضياء
على جسمه الشاعريّ الرقيق
(1/15360)
________________________________________
على جبهة زرعتها النجوم
ولوّنها ضوؤها بالبريق
وكانت تشعّ الحياة فعادت
تمجّ الأسى والرّدى والعذاب
تخطّ عليها ذراع الممات
أساطير عهد سحيق سحيق
أمرّ عليها بكفّي فأصر
خ رعبا واسقط فوق التراب
سأغلق نافذتي فالظهير
ة لا ينتهي حقدها الراعب
تصبّ سكينتها في برود
ويسخر بي وجهها الغاضب
يطاردني صمتها السرمديّ
ويكئبني لونها الراسب
وأين المفر ؟ تكاد الستائر
تدخلها غرفتي المظلمه
وأين المفر ؟ وهذا القتيل
يروّعني وجهه الشاحب
أمامي القتيل وخلفي الظهير
ة يا للمطاردة المؤلمه
سأصبر حتى يجيء الدجى
ويغرب خلف الوجود الضياء
فأحمل هذا القتيل البريء
إلى هوّة من كهوف المساء
أسير بأشلائه موكبا
بطيء الخطى كليالي الشتاء
وتتبعني شهقات التذكّ
ر مهمومة في أسى وشرود
وفي آخر الموكب المترّنح وجه يشيعه في ازدراء
وفي آخر الموكب المترّنح وجه يشيعه في برود
عرفت الجبين عرفت الشفاه
وهذي العيون الغلاظ الأديم
عرفت بها وجه حزني الدفين
وقد عاد يحمل جرحي القديم
وفي يده مدية لم يزل
علة حدّها دم أمسي الأليم
عرفت العدوّ اللجوج هناك
يسير على أثر الموكب
يحدّق مستهزئا بالقتيل
ويضحك ضحكة فظّ أثيم
نعم هو ..أعرفه جيدا
فكم مرّة قبل قد مرّ بي
وأبصرت في أثري ألف طيف
حزين تلفّع بالعبرات
عرفت بها البسمات التي
لقيت بها لطمات الحياة
عرفت بها الضحكات التي
سكبت نداها على الذكريات
أهذي إذن بسماتي ؟ حنانا
أعدن عبوسا ورجع أنين ؟
أهذي إذن ضحكاتي أهذي
نهاية ما صغت من بسمات
وهذا القتيل أحقا فقدت
به مرحي المضمحلّ الدفين ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> يوتوبيا في الجبال
يوتوبيا في الجبال
رقم القصيدة : 68454
-----------------------------------
تفجّري يا عيون
بالماء , بالأشعّة الذائبه
تفجّري بالضوء , بالألوان , فوق القرية الشاحبه
في ذلك الوادي المغشّى بالدجى والسكون
تفجّري باللحون
فوق انبساط السفح بين التلال
في المنحنى حيث توج الظلال
(1/15361)
________________________________________
تفجّري بالجمال
وشيّدي يوتوبيا في الجبال
يوتوبيا من شجرات القمم
ومن خرير المياه
يوتوبيا من نغم
نابضة بالحياه
تفجّري , سيلي على منحدرات الصخور
حيث يطير الفراش
في نشوة وارتعاش
تفجّري حيث تنام الطيور
في جنّة من عطور
حيث يغطّي السفح غاب كثيف
صنوبريّ الحفيف
تفجّري نقيّة فوق حصى المنحدر
في عطفة الوادي العميق المخيف
في ظلل الجوز الرقيق الوريف
تحت انبساط الشجر
تفجّري في الصباح
تفجّري جارفة كالرياح
تفجّري في الغروب
وشيّدي يوتوبيا من قلوب
من كلّ قلب لم تطأه الحقود
ولم تدنسّه أكفّ الركود
من كلّ قلب شاعريّ عميق
لم يتمرّغ بخطايا الوجود
من كلّ قلب رقيق
مستغرق في حلمه لا يفيق
إلا على حلم بعيد المدى
ليس له من حدود
حلم تحدّى الغدا
من كلّ قلب لا يطيق الجمود
ولا صرير القيود
تفجّري بيضاء فوق الصخر
لونا وضوءا يتحدى كلّ رجس البشر
تفجّري لن يسأم المنحدر
سيلي على النائمين
وأغرقي تهويمة الظالمين
فيضي على الميّتين
على قلوب لا تحسّ الحنين
على عيون لم تطهّرها أكفّ البكاء
على نفوس لا تحسّ السماء
على أكف تجهل الكبرياء
سيلي بعيدا في القرى الجائعه
حيث الحفاة العراه
وحيث لا يبلغ سمع الحياه
إلا صراخ الأنفس الضارعه
إلا عواء الذئاب
في عطفة الوادي الشقيّ الحزين
في شاهقات الهضاب
وحيث لا تبصر عين السنين
إلا أسى المتعبين
قوافل يحدو بها أشقياء
في جنّة من رخاء
قوافل الجائعين
في ذلك الوادي الخصيب التراب
قوافل الظامئين
يلتمسون السراب
والماء يجتاح انزلاق السنين
قوافل للملال
يحرمها الكدّ نقاء الجبال
قوافل مجّت رنين الفؤوس
وغيرها للكؤوس
للنوم والأحلام تحت الظلال
أنصاف موتى لا تحسّ الجمال
تفجّري يا مياه
تفجّري فوق قبور البشر
تفجّري في الصخر
وسجّلي مأساة هذي الحياه
فوق جبين القدر
ما زالت القرية منذ القدم
أقصوصة ممزوجة بالألم
قصّت أساها الرياح
على شحوب الصباح
تفجّري, سيلي وغطّي القمم
ألقي على القصّة ستر العدم
(1/15362)
________________________________________
لا تذكري هذا النشيد الحزين
ما كان إلا رجع صوت وهون
أصغت إليه السنين
في لحظة, ثم مضت في سكون
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> وجوه ومرايا
وجوه ومرايا
رقم القصيدة : 68455
-----------------------------------
يا كؤوس الأحلام يا من تخيّل
تك أفقا تضمّه الأضواء
آه لو تدركين كيف أحسّ ال
كون صحراء خلفها صحراء
والرحيق الذي حلمت به كي
ف طوته المرارة الخرساء
كيف حين استلمت كأسي أرسل
ت دموعي ولم يفدني ارتواء
***
إرتوائي ؟ أوّاه من حرق الرّو
ح لماذا تظلّ روحي ظمأى ؟
إرتوائي ؟ هذا السّراب الذي ير
كض قلبي وراءه وهو ينأى
إرتوائي حسبته شفقا حل
وا فلمّا دنوت لم أر شيئا
ليس غلا اللاشيء يصدم شوقي
ويذيب الأحلام جزءا فجزءا
***
ألفراغ الفراغ يقتلني أوّ
آه لو كان للوجود وجود
آه لو لم تحل مواقع أقدا
مي امتدادا حدوده اللاحدود
السكوت السكوت يفغر فاه
وغدا يغرب الهوى والنشيد
والظلام الظلام يطفىء عينيّ
فماذا أحسّ ؟ ماذا أريد ؟
***
أيّها الليل ليل روحي أما من
ملجأ من برودة الظلماء ؟
ظمأ صارخ بأعماق نفسي
لشعاع مسلسل من ضياء
آه لو لم يحل رجائي الإلهيّ
سرابا ضحلا وبعض عزاء
آه لو كانت السعادة شيئا
غير هذي الفقاعة السوداء
***
لقبّوها الحياة وهي اضطراب
أبدي ولهفة لا تقرّ
وامتداد للاّنهاية لا يب
دأ لا ينتهي فأين المفرّ ؟
لقبّوني " أنا " ولم يفهموني
ما أنا ما وجودي المكفهرّ
أنا ماذا ؟ تحرّق ليس يرتا
ح وظلّ سرعان ما سيمرّ..
***
في صفاء المرآة حدّقت في طي
في طويلا والشكّ في مقلتيّا
كائن شاحب يحدّق في وج
هي مثلي محيّرا مطويّا
هذه هذه أنا ليس من شكّ
فلم لا أمسّها بيديّا ؟
لم لا أستطيع أن ألمس الذا
ت ؟ وأمحو تحرّقي الأبديّا ؟
***
ثم ماذا ؟ أمدّ كفّي في شو
ق عميق فلا أعانق ذاتي
صدمة صدمة تمزّق روحي
ليس إلا برودة المرآة
الزجاج الجبّار شفّ ولكن
عن مثال مشوّه للحياة
عن كيان رسمته أنا وحدي
فإذا غبت غاب في الظلمات
(1/15363)
________________________________________
***
الكيان الممسوخ ها أنا أمحو
ه كفاه هزءا بنار أسايا
ضربة من يدي تحطّمت المر
آة فوق الثرى وعادت شظايا
ليتني كنت صنتها عاد وجهي
ألف وجه تطلّ منها الضحايا
ليتني كنت صنتها ليتني أع
لم كيف المرآة عادت مرايا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> قبر ينفجر
قبر ينفجر
رقم القصيدة : 68456
-----------------------------------
ناديت أكداس الرمال : تفجرّي
لن تدفني جسدي النقيّ الثائرا
وهتفت يا روح الممات : تمزّقي
لن تحبسي قلبي الجريء الساخرا
وصرخت بالأرض الدنيئة : إرفعي
من قلب هذا الطين روحي الشاعرا
هذا فؤادي نابضا , هذا دمي
متفجّرا تحت التراب مشاعرا
بالأمس في هذا الظلام دفنتني
تحت الثرى ولففتني بصخوره
لم تسمعي دقّات قلبي في الدجى
وأشحت عن إحساسه وشعوره
لم تفهمي روحي وخلت سكونه
موتا ولم يبلغك رجع هديره
ووهمت أيتها الحياة فلم تري
في أدمعي غير الردى وفتوره
ما نفع أكداس التراب جميعها ؟
ألآن ينفجر التراب الغاصب
الجثة الظمأى التي أودعتها
بالأمس والوجه الكئيب الشاحب
ألآن ينفجران نارا حيّة
ويسابق الإعصار روحي الصاخب
والآن ينبثقان من قلب الثرى
ويعود لي الأمل الجميل الذاهب
ما خلته صخرا إليك وجيبه
ما خلته صمتا إليك نشيده
ألقبر ضجّ وضاق تحت عواطفي
والطين حولي لن أطيق ركوده
هذا الرماد حذار من أعماقه
فوراءه جمر نسيت رعوده
يا من حسبت النار طينا خامدا
ونسيت إعصار الصبا وخلوده
هذي العيون حذار منها إنها
خلف الجفون عميقة أغوارها
هذي العروق حذار من فورانها
فغدا سيصرخ في المدى إعصارها
هذي الشفاه حذار من سكناتها
فغدا ستجتاح المدى أشعارها
هذا الفؤاد حذار من غفواته
فوراء رقدته الحياة ونارها
ناديت أكداس الرمال : تفجرّي
وهتفت يا روح الممات : تمزّقي
وصرخت بالأرض الدنيئة : إرفعي
أسر التراب عن الشباب المرهق
فإذا الحياة مشيحة عن صرختي
لم يأتها نغم اللهيب المحرق
وأنا على صدر التراب تمرّد
حرّ ونار توثّب وتحرّق
(1/15364)
________________________________________
لم يبق إلا أن يحطّم ساعدي
هذي القيود وها أنا , هذي يدي
سأفجّر القبر الصغير حجارة
وأطير من أمسي القريب إلى غدي
وسأصرع الموت الضعيف وأنثني
بمخاوفي وسعادتي وتنهدّي
وسأنثر الألحان في صمت الدجى
يا أنجم الليل المضيئة فاشهدي
ناديت أكداس الرمال : تفجرّي
فتفجّرت تحت المساء المظلم
وجمعت أحلامي ومزّقت الثرى
بصفائها ووقفت تحت الأنجم
وفتحت صدري للضياء وسحره
وصرخت بالكون الجميل الملهم
أنا حيّة يا أرض , هذي نغمتي
هذا نشيد فؤادي المتكلّم
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ذكريات
ذكريات
رقم القصيدة : 68457
-----------------------------------
كان ليل , كانت الأنجم لغزا لا يحلّ
كان في روحي شيء صاغه الصمت المملّ
كان في حسّي تخدير ووعي مضمحلّ
كان في الليل جمود لا يطاق
كانت الظلمة أسرارها تراق
كنت وحدي لم يكن يتبع خطوي غير ظلي
أنا وحدي , أنا والليل الشتائيّ..وظلي
***
لم أكن أحلم لكن كان في عينيّ شيء
لم أكن أبسم لكن كان في روحي ضوء
لم أكن أبكي لكن كان في نفسي نوء
مرّ بي تذكار شيء لا يحدّ
بعض شيء ما له قبل وبعد
ربّما كان خيالا صاغه فكري وليلي
وتلفتّ ولكن لم أقابل غير ظلّي
***
كان صمت راكد حولي كصمت الأبديّة
ماتت الأطيار أو نامت بأعشاش خفيّة
لم يكن ينطق حتى الرغبات الآدميّة
غير صوت رنّ في سمعي وذابا
لحظة لم أدر حتى أين غابا
آه لو أدركت من ألقاه في الصمت المملّ
أتراني لم أكن أمشي أنا وحدي وظلي ؟
كانت الظلمة تمتدّ إلى الأفق الغريب
كلّ شيء وغرق فيها كقلبي , كشخوبي
ظلمة ممتدّة كالوهم كالموت الرهيب
غير ضوء خاطف مرّ بجفني
لحظة لم تدر ماذا كان ,عيني
كان ضوءا لونه لون خيال مضمحلّ
مرّ بي لمحا وأبقاني أنا وحدي وظلّي
***
كان في الجوّ الشتائيّ ارتعاش وجمود
جمد الظلّ من البرد وغشّاه الركود
ليلة يرتجف في أجوائها حتى الجليد
غير دفء طاف من قلبي الوجيع
فزت فيه من شتائي بربيع
(1/15365)
________________________________________
وإذا في عمق قلبي فرحة الفجر المطلّ
غير أني كنت في الليل أنا وحدي وظلّي
***
كان في روحي فراغ جائع كاللاّنهايه
كان ظلي صامتا لا لحن لا رجع حكايه
باهتا يتبع مسرى خطواتي دون غايه
غير كأس عبرت حين صرخت
قطرة واحدة ثم ارتويت
أتراه كان أكذوبة إحساسي المضلّ
أو ما كنت أنا وحدي مع الليل وظلّي ؟
***
كان قلبي متعبا يسكنه حزن فظيع
رقصت فيه وشدّته إلى الجرح دموع
صور في قعره يصبغ مرآها النجيع
كان , لكنّ يدا مرّت عليه
حملت بعض تحاياها إليه
باركت آلامه السوداء كانت يد طفل
أيّ طفل ؟ لم يكن في الليل غيري غير ظلّي
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> تهم
تهم
رقم القصيدة : 68458
-----------------------------------
أعبّر عمّا تحسّ حياتي وارسم
إحساس روحي الغريب
فأبكي إذا صدمتني السنين
بخنجرها الأبديّ الرهيب
وأضحك مما قضاه الزمان
على الهيكل الأدميّ العجيب
وأغضب حين يداس الشعور
ويسخر من فوران اللهيب
أعبّر عن كلّ حسّ أعيه
وأبكي الحياة ولا أنكر
وأضحك من كلّ ما تحتويه
وأغضب لكنّني أشعر
يقولون شاعرة في السحاب
تحلّق خلف سراب النجوم
أنانيّة لا تحسّ الوجود
وإن صرعته جبال الغموم
خياليّة تمقت الكائنات
وتخلق عالمها في الغيوم
خريفيّة تكره الضاحكين
لتدفن جبهتها في الهموم
أنانيّة وأحب البشر
خياليّة وحياتي تسير
خريفيّة وأناجي الزهر
وعاطفتي لهب من شعور
يقولون:عاشقة للظلام تحبّ
الدياجي وتهوى السكون
وتنشد أشعارها للجبال
وترسم أحلامها للعيون
تحبّ الحياة ولكنّها
تعكّرها بخيال المنون
ترى جوّها غيهبا حالكا
يضيق بآثامه الملهمون
أحبّ الظلام ولكنني
أثور على كلّ أحلامكم
أحبّ الحياة على أنني
أحقر موكب أيامكم
يقولون: جامدة الحسّ تحيا
مع الأمس في حلم جامد
يقولون: صوفيّة فالحياة
تنوح على حسّها الخامد
عواطفها جمدت كالنجوم
كتهويمة القمر البارد
وتحليقها كان ثم امّحى
على صدر إحساسها الراكد
يقولون لكنّني تائهه
(1/15366)
________________________________________
ألوذ بصمتي الخفيّ الغريب
أعيش حياتي كالآلهه
وقلبي شعور وروحي لهيب
يقولون دعهم غدا يعلمون
ودعني أنا للشّذى والجمال
أحبّ الحياة بقلبي العميق
وأمزج واقعها بالخيال
أحبّ الطبيعة حبّ جنون
أحبّ النخيل أحبّ الجبال
وأعشق ذاتي ففي عمقها
خيال وجود عميق الظلال
وأهتف يا نار قلبي الغريب
وموج أحاسيسي الثائره
إذا اتّهموا فلماذا أجيب
بغير ابتسامتي الساخره ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> رماد
رماد
رقم القصيدة : 68459
-----------------------------------
أهكذا داست علينا الحياه
لم تبق منا صدى
لم تبق إلا الندم الأسودا
وصوت واخيبتاه
أليس من كوكبنا الآفل
إيماضة تستعاد ؟
أليس من كوكبنا الآفل
إيماضة تستعاد ؟
أليس عنّا نبأ أو نشيد
أو همسة واحده ؟
ألم تعد قصّتنا البائده
توقظ عرقا جديد ؟
ألم يعد قطّ لنا من مكان
في القصّة الجاريه ؟
أليس في كاساتنا الخاليه
شيء يهمّ الزمان ؟
وذلك الموكب والسائرون
فوق ثرى المنحدر
لم يدركوا أنّ هوانا اندثر
في عمق قبر السكون
ووقع أقدام الهوى الراحله
إلى مكان بعيد
تنقاها الريح فلا تستعيد
ألحانها القافله
ونحن ما زلنا نجرّ الحنين
والأمس والذكريات
أقيادنا مثقلة بالحياة
ونحن في الميّتين
ونحن ما زلنا نسوق الرّماد
لنطعم الموقدا
وأذرع الأحلام ترجو سدى
خلق غد من جماد
وبعث ماض لون أركانه
من مزق الأحلام
أمسى رهيبا تنكر الأيام
عاري جدرانه
أمسى بعيدا تحجب الوديان
أسواره القاتمه
تعيث فيه الهدأة الساهمه
ويحكم النسيان
والريح لم تبق على بابه
حروف أسمائنا
لم تبق حتى وقع أقدامنا
في جوّ محرابه
وربّما طافت به في ذهول
أشباحنا الباكيه
تطوف حول الغرف الخاليه
سدى تريد الدخول
أشباحنا يضلّها الإعصار
تحت غلاف الضّباب
تظلّ ولهى تلطم الأبواب
والحائط المنهار
أشباحنا حافرة في ارتعاد
مقبرة الذكريات
لا صورة تنبض فيها حياة
لا شيء غير الرّماد
تنصت في رعب وفي إعياء
عند السياج الحزين
(1/15367)
________________________________________
فلا تعي إلا بقايا أنين
ترسله الأقباء
أشباحنا تستفهم النسيان
عن أمسها الضائع
فلا ترى إلا الردى الجائع
يقوّض البنيان
وأذرع السرو تمدّ الذهول
فوق شحوب الخراب
كأنها تقذف فوق القباب
معنى الردى والذبول
ولفظة واحدة واحده
تكرّرت في المكان
سمعتها تفحّ كالأفعوان
في الشرف البارده
أبصرتها مكتوبة باللهيب
في الغرف الباليه
وفوق ساق السروة العاريه
وفي الفناء الجديب
أحسستها تهمس معنى "مضى"
ملء المساء الكئيب
أبصرتها في كلّ ركن رهيب
أبصرت لفظ " انقضى"
وتلتقي أشباحنا في المساء
باردة واجمه
تنظر في تقطيبة ساهمه
في سورة من غباء
أشباحنا تطلب ماضينا
لا تدرك الأسرار
كيف انقضى ؟ ألم يعد في الدار
صوت ينادينا ؟
أهكذا داست علينا الحياه
لم تبق منا صدى ؟
لم تبق إلا الندم الأسودا
وصوت واخيبتاه ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الخيط المشدود في شجرة السرو
الخيط المشدود في شجرة السرو
رقم القصيدة : 68460
-----------------------------------
-1-
في سواد الشارع المظلم والصمت الأصمّ
حيث لا لون سوى لون الدياجي المدلهمّ
حيث يرخي شجر الدفلى أساه
فوق وجه الأرض ظلاّ ,
قصة حدّثني صوت بها ثم اضمحلا
وتلاشت في الدّياجي شفتاه
قصة الحبّ الذي يحسبه قلبك ماتا
وهو ما زال انفجارا وحياة
وغدا يعصرك الشوق إليّا
وتناديني فتعيى ,
تضغط الذكرى على صدرك عبئا
من جنون , ثم لا تلمس شيئا
أيّ شيء , حلم لفظ رقيق
أيّ شيء , ويناديك الطريق
فتفيق..
ويراك الليل في الدرب وحيدا
تسأل الأمس البعيدا
أن يعودا
ويراك الشارع الحالم والدفلى , تسير
لون عينيك انفعال وحبور
وعلى وجهك حبّ وشعور
كلّ ما في عمق أعماقك مرسوم هناك
وأنا نفسي أراك
من مكاني الداكن الساجي البعيد
وأرى الحلم السعيد
خلف عينيك يناديني كسيرا
.....وترى البيت أخيرا
بيتنا , حيث التقينا
عندما كان هوانا ذلك الطفل الغريرا
لونه في شفتينا
وارتعاشات صباه في يدينا
-3-
(1/15368)
________________________________________
"ها هو البيت كما كان , هناك
فوقه النرنج والسرو الأغنّ
وهنا مجلسنا..
ماذا أحسّ ؟
حيرة في عمق أعماقي , وهمس
ونذير يتحدّى حلم قلبي
ربما كانت..ولكن فيم رعبي ؟
هي ما زالت على عهد هو أنا
هي ما زالت حنانا
وستلقاني تحاياها كما كنا قديما
وستلقاني....." .
وتمشي مطمئنا هادئا
في الممر المظلم الساكن , تمشي هازئا
بهتاف الهاجس المنذر بالوهم الكذوب :
" ها أنا وقد فارقت أكداس ذنوبي
ها أنا ألمح عينيك تطلّ
ربما كنت وراء الباب , أو يخفيك ظلّ
ها أنا عدت , وهذا السلّم
هو ذا الباب العميق اللون , مالي أحجم ؟
لحظة ثم أراها
لحظة ثم أعي وقع خطاها
ليكن ...فلأطرق الباب .."
وتمضي لحظات
ويصرّ الباب في صوت كئيب النبرات
وترى في ظلمة الدهليز وجها شاحبا
جامدا يعكس ظلاّ غاربا :
" هل..؟ ويخبو صوتك المبحوح في نبر حزين
لا تقولي إنها.."
" يا للجنون
أيها الحالم , عمّن تسال ؟
أنها ماتت"
وتمضي لحظتان
أنت ما زلت كأن لم تسمع الصوت المثير
جامدا , ترمق أطراف المكان
شاردا , طرفك مشدود إلى خيط صغير
شدّ في السروة لا تدري متى ؟
ولماذا ؟ فهو ما كان هناك
منذ شهرين..وكادت شفتاك
تسأل الأخت عن الخيط الصغير
ولماذا علقّوه ؟ ومتى ,
ويرنّ الصوت في سمعك: "ماتت.."
"إنها ماتت.." وترنو في برود
فترى الخيط حبالا من جليد
عقدتها أذرع غابت ووارتها المنون
منذ آلاف القرون
وترى الوجه الحزين
ضخّمته سحب الرّعب على عينيك "ماتت.."
-4-
هي "ماتت.." لفظة من دون معنى
وصدى مطرقة جوفاء يعلو ثم يفنى
أتراها هي شدّته ؟ ويعلو
ذلك الصوت المملّ
صوت "ماتت.." داويا , لا يضمحلّ
"إنها ماتت" صدى يهمسه الصوت مليا
وهتاف رددته الظلمات
وروته شجرات السرو في صوت عميق
"إنها ماتت" وهذا ما تقول العاصفات
"إنها ماتت" صدى يصرخ في النجم السحيق
وتكاد الآن أن تسمعه خلف العروق
-5-
صوت ماتت رنّ في كلّ مكان
هذه المطرقة الجوفاء في سمع الزمان
صوت " ماتت" خانق كالأفعوان
(1/15369)
________________________________________
كلّ حرف عصب يلهث في صدرك رعبا
وتجني مخلب مختلج ينهش نهشا
وصدى صوت جحيميّ أجشا
هذه المطرقة الجوفاء : "ماتت"
هي ماتت , وخلا العالم منها
وسدى ما تسأل الظلمة عنها
وسدى تصغي إلى وقع خطاها
وسدى تبحث عنها في القمر
وسدى تحلم يوما أن تراها
في مكان غير أقباء الذكر
إنها غابت وراء الأنجم
واستحالت ومضة من حلم
-6-
ثم ها أنت هنا , دون حراك
متعبا , توشك أن تنهار في أرض الممرّ
طرفك الحائر مشدود هناك
عند خيط شدّ في السروة , يطوي ألف سرّ
ذلك الخيط الغريب
أنه كلّ بقايا حبّك الذاوي الكئيب
-7-
ويراك الليل تمشي عائدا
في يديك الخيط , والرعشة , والعرق المدوّي
"إنها ماتت.." وتمضي شاردا
عابثا بالخيط تطويه وتلوي
حول إبهامك أخراه , فلا شيء سواه ,
كلّ ما أبقى لك الحبّ العميق
لفظ " ماتت" وانطوى كلّ هتاف ما عداه
ويراك الليل تمشي عائدا
في يديك الخيط , والرعشة , والعرق المدوّي
"إنها ماتت.." وتمضي شاردا
عابثا بالخيط تطويه وتلوي
حول إبهامك أخراه , فلا شيء سواه ,
كلّ ما أبقى لك الحبّ العميق
هو هذا الخيط واللفظ الصفيق
لفظ " ماتت" وانطوى كلّ هتاف ما عداه
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أول الطريق
أول الطريق
رقم القصيدة : 68461
-----------------------------------
لنلتق , فالريح تعصف والمنحنى لا يعي
وغمغة الهاجس المتهدّد في سمعي
وهذا الطريق الذي سلبته خطاي السكون
غريب مخيف المعابر يشبه لون المنون
أحسّ السراب
وراء الهضاب
وألمس في لونه مصرعي
وأنت بعيد وراء الظنون
لنلتق , .. إني أخاف المساء الغريق الضياء
أرى ماردا من أساي الممزّق يطوي الفضاء
ينقل أقدامه السود بين عيون السنا
ويطفئها , عدت أخشى أذاه على نجمنا
فعين الإله
غفت عن أذاه
وقد يستعير لهيب البكاء
ويغمده في ابتساماتنا
***
لنلتق..ما أطول الإنتظار على الخائفين
لنلتق , تحجبنا فكرة عن عيون السنين
هنالك ترصدنا نجمة من هوانا الرقيق
(1/15370)
________________________________________
تمدّ يديها لترشدنا لمكان سحيق
وراء الجراح
ولسع الرّياح
بعيدا وراء كهوف الأنين
هنالك يبدأ كلّ طريق
***
هنالك تبتدىء الذكريات سجلا جديد
وتبدو حدود طريق يشقّ الفضاء المديد
إلى موضع في المدى المرتمي حجبته الظلال
وما كشفت عن خفاياه حتى عيون الخيال
سنعبر فيه
إلى ألف تيه
سدى يتحرّى الزمان البليد
خطانا فنحن وراء المحال
***
سنحيا معا في عوالم حافلة بالوعود
ونملك ليلا يبيع النّعاس وعطر الورود
سينبجس الماء حيث لمسنا أديم الثرى
ويرقص حول خطانا بأجنحة من شذى
سنمحو الزّمان
وننسى المكان
هناك ونقسم ألاّ نعود
إلى أمسنا المنطوي
سر بنا !
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أغنية
أغنية
رقم القصيدة : 68462
-----------------------------------
اسكني يا أغاني الأمل
فالهوى قد رحل
وانطوى سرّه في مقل
رصفت بالملل
***
أين أين ترى ذاهبين
في سكون السنين
والطريق الذي تسلكين
صامت لا يبين
***
ولمن تخلقين العطور
والليالي تدور ؟
ولمن دفؤك المسحور ؟
للدجى ؟ للقبور ؟
***
ولمن أنت والمنشدون
رحلوا في سكون ؟
والأسى , يا أغاني , ديون
دفعتها عيون
***
كم ملأنا بك الأقداح
وسقينا الرياح
كم منحناك للأشباح
في رضا وسماح
***
فابحثي في شعاب الوجود
عن هوانا الشرود
كفّنا نديت بالوعود
وهو ليس يعود
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> دعوة إلى الأحلام
دعوة إلى الأحلام
رقم القصيدة : 68463
-----------------------------------
تعال لنحلم , إنّ المساء الجميل دنا
ولين الدجى وخدود النجوم تنادي بنا
تعال نصيد الرؤى ونعدّ خيوط السّنا
ونشهد منحدرات الرمال على حبّنا
***
سنمشي معا فوق صدر جزيرتنا الساهدة
ونبقي على الرمل آثار أقدامنا الشاردة
ويأتي الصباح فيلقي بأندائه البارده
وينبت حيث حلمنا ولو وردة واحده
***
سنحلم أنّا صعدنا نرود جبال القمر
ونمرح في عزلة اللانهاية واللابش
بعيدا , بعيدا, إلى حيث لا تستطيع الذكر
(1/15371)
________________________________________
إلينا الوصول فنحن وراء امتداد الفكر
***
سنحلم أنّا استحلنا صبيّين فوق التلال
بريئين نركض فوق الصخور ونرعى الجمال
شريدين ليس لنا منزل غير كوخ الخيال
وحين ننام نمرّغ أجسامنا في الرمال
***
سنحلم أنّا نسير إلى الأمس لا للغد
وأنّا وصلنا إلى بابل ذات فجر ند
حبيبين نحمل عهد هوانا إلى المعبد
يباركنا كاهن بابليّ نقيّ اليد
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الشهيد
الشهيد
رقم القصيدة : 68464
-----------------------------------
في دجى الليل العميق
راسه النشوان ألقوه هشيما
وأراقوا دمه الصافي الكريما
فوق أحجار الطريق
***
وعقابيل الجريمة
حمّلوا أعباءها ظهر العمود
ثم ألقوه طعاما للحّود
ومتاعا وغنيمة
***
وصباحا دفنوه
وأهالوا حقدهم فوق ثراه
عارهم ظنّوه لن يبقى شذاه
ثم ساروا ونسوه
***
والليالي في سراها
شهدت ما كان من جهد ثقيل
كلّما غطّوا على ذكرى القتيل
يتحدّاهم شذاها
***
حسبوا الإعصار يلوى
إن تحاموه بستر أو جدار
ورأوا أن يطفئوا ضوء النهار
غير أنّ المجد أقوى
***
ومن القبر المعطّر
لم يزل منبعثا صوت الشهيد
طيفه أثبت من جيش عنيد
جاثم لا يتقهقر
***
وسيبقى في ارتعاش
في أغانينا وفي صبر النخيل
في خطى أغنامنا في كلّ ميل
من أراضينا العطاش
***
فليجنّوا إن أرادوا
دونهم..وليقتلوه ألف قتله
فغدا تبعثه أمواه دجله
وقرانا والحصاد
***
يا لحمقى أغبياء
منحوه حين أردوه شهيدا
ألف عمر , وشبابا , وخلودا ,
وجمالا , ونقاء
***
إنّه عاد نبيّا
وهو قد أصبح نارا تتحرّق
في أمانينا وثأرا يتشوّق
وغدا يبعث حيا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> لعنة الزمن
لعنة الزمن
رقم القصيدة : 68465
-----------------------------------
كان المغرب لون ذبيح
والأفق كآبة مجروح
والأشباح الغامضة اللون تجوس الظلمة في الآفقاق
والنهر ظنون سوداء
والريح مراوح نكراء
والضفّة أرض جرداء
تمضغها الظلمة في استغراق
(1/15372)
________________________________________
كانت خطوات الظلمة ترطم جو الشاطىء في استغراق
والصمت يفكر في الأحداق
***
كنّا نتبع نعش الضوء
ونراقب خطو اللاشيء
إتنين يلوح على استغراقهما المبهم لون العشّاق
كنّا نرقب كأس الأفق
ترضع من أوشال الشفق
وتصبّ الحمرة في قلق
في سيقان صفر الأوراق
في سيقان عرّتها الريح من اللولن , من الأوراق
ومضت تبكيها في إشفاق
***
كنا كالأمواج الخرس
في عينينا لون الشمس
في وجهينا الوقرين خشوع المغرب والأبد الخلاّق
كنا نهمس كالأنداء
كصدى مجداف في الماء
لم تقطع صمت الظلماء
بمدامع ذكرى أو أشواق
كنّا قد كفّنّا الماضي ودفنّا اللهفة والأشواق
في الظلمة في صمت الأعماق
***
وأراق المغرب ألوانه
فوق الأشياء الوسنانه
لم يبق بناء لم تحمّر أعاليه , لم يبق زقاق
حتى في صفرة خدينا
حتى في وجمة قلبينا
أحسسنا اليقظة واللونا
حتى في دمنا ,في الأعراق
أحسسنا شيئا كالثورة في الدم , في الأعين , في الأعراق
شيئا كاللهفة , كالأشواق
***
حتى طرق الماضي الخربه
تلك الآفاق المكتئبه
لاحت واضحة الصمت يغازلها ضوء القمر المشتاق
لا فيها أشباح حيرى
تتبعنا غاضبة غيرى
ذات عيون تقطر غدرا
في الليل , ولا فيها أنفاق
لا فيها هاوية تسكن فيها الأغوال , ولا أنفاق
لا شيء سوى القمر البرّاق
***
وهجسنا شيئا منفعلا
في قلبينا , شيئا ثملا
يلهث عاطفة بعد جمود سنين مرّت في استغراق
وانبجست أشواق وسنى
من أعيننا لونا..لونا..
وتحرّك في دمنا معنى
ناريّ الشوق صد تواق
وسدى حاولنا أن نسكته فهو صد مرح , توّاق
وسدى نطمره في الأعماق
***
ووقفنا في الظلمة نحلم
بالموج وبالليل المبهم
ونحوك من الأنجم والرؤيا والأمواج لنا أطواق
ونجوب العالم في عربات
صنعتها أذرع جنّيات
من عطر الأزهار الخجلات
من أسلاك الضوء الآلاّق
في قعر النهر على أرض لم يلمسها القمر الآلاّق
وتناست مولدها الآفاق
***
لكنّ إذ كنّا نحلم
أحسسنا شبه صدى مبهم
في الأمواج الداكنة الصمت , سمعنا شبه صدى خفّاق
(1/15373)
________________________________________
" الجنيات المنتقمات
يصعدن إلينا في عربات "
وأجاب رفيقي : لا , هيهات
ذلك صوت الموج الرقراق
الريح الحالمة البيضاء تمرّ على الموج الرقراق
وتخادع أسماع العشاق "
***
لأيا وتبينّا الحركه
ثمّة وإذا جثّة سمكه
طافية فوق الموجة ميّتة والشاطيء في إشفاق
وصرخت : رفيقي ! أين نسير ؟
لنعد , فالجثة همس نذير
أرسلها عملاق شرير
إنذار أسى ودليل فراق
فأجاب رفيقي : " نحن هنا يحرسنا الحبّ فأي فراق ؟"
وغرقنا في صمت برّاق
***
ومشينا لكنّ الحركه
ظلت تتبعنا , والسمكه
تكبر تكبر حتى عادت في حضن الموجة كالعملاق
وصرخت " رفيقي أي طريق
يحمينا من هذا المخلوق ؟
لنعد , فالدرب يضيق يضيق
والظلمة محكمة الإغلاق "
فأجاب رفيقي مرتعشا , والظلمة محكمة الإغلاق :
" نهرب , لن تسلمنا الآفاق "
***
وبقينا نهرب والسمكة
تتبع أرجلنا المرتبكه
تلك الأحداق وأين المهرب من لعنة تلك الأحداق ؟
وزعانفها السود الشوهاء
سدت في وجهينا الأرجاء
وأراقت في الجوّ الوضاء
سحبا سوداء ولون محاق
حتى وجه القمر السحريّ غشاه أسى وظلام محاق
وتلاشى مبسمه البرّاق
***
ورجعنا نسحب قلبينا
ونجرّ كآبة ظلينا
تتبعنا الأحداق النهمات بنظرة هزء ليس تطاق
حتى الأغصان المشتبكه
عادت تشبه عين السمكه
وتروع خطانا المرتبكه
والأنجم عادت كالأحداق
والغد والماضي والدنيا وهوانا في تلك الأحداق
رسبت وتوارت في الأعماق
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> طريق العودة
طريق العودة
رقم القصيدة : 68466
-----------------------------------
نعود إذن في الطريق الطويل
تواجهنا الأوجه الجامده
يواجهنا كل شيء رأيناه منذ قليل
كما كان في ركدة بارده
نعود إذن , لا ضياء ينير
لأعيننا الخامده
نسير ونسحب أشلاء حلم صغير
دفنّاه بعد شباب قصير
***
نعود وهذا طريق الإياب
يمدّ مرارته ورتابة أسراره
نسير ويبرز باب
هنا , وجدار هناك يسدّ الطريق
بأحجاره
وثم سياج عتيق ,
تهدّم عند النهر
(1/15374)
________________________________________
وعابرة , دون معنى تمدّ البصر
إلى حيث لا نعلم ,
تمرّ بنا , لا تفكر فينا
وننسى ونجهل أنّا نسينا
ولا نفهم .
***
نعود إذن في طريق الإياب المرير
وكنّا قطعناه منذ زمان قصير
وكنّا نسّميه , دون ارتياب , طريق الرواح
ونعبره في ارتياح :
يمد لنا كلّ شيء نراه يدا
يكاد يعانقنا ويصبّ علينا غدا
دقائقه نسجتها المنى
وكنّا نسّميه , دون ارتياب , طريق الأمل
فما لشذاه أفل
وفي لحظة عاد يدعى يدعى طريق الملل ؟
وعدنا نسير ويسلمنا المنحنى
إلى آخر ضيق
ويدفعنا كلّ شيء نراه
إلى يأسنا المطبق
ونشعر أنّا ضجرنا ضجرنا وعفنا الحياه
وعدنا نمجّ الحياه
***
لماذا نعود ؟
أليس هناك مكان وراء الوجود
نظلّ إليه نسير
ولا نستطيع الوصول ؟
مكان بعيد يقود إليه طريق طويل
يظلّ يسير يسير
ولا ينتهي , ليس منه قفول
هنالك لا يتكرر مشهد هذا الجدار
ولا شكل هذا الرواق
ولا يرسل النهر في ملل نغمة لا تطاق
نصيخ لها في احتقار
لأن الطريق طريق الرجوع
لأنّا بلغنا نهاية درب الرّواح
وأصبح لا بدّ من أن نذوق الجراح
ونحن نسير ونقطع درب الرجوع
ونذرعه بالدموع
***
ألا بد من أن نؤوب
وتدفعنا خلجات المرارة دون حلم ؟
ألم ينطفىء كلّ حلم كذوب
وها نحن نعلم أنّا بلغنا القمم ؟
وسرنا على أوجها مرة , ثم حان الإياب
وعدنا نجرّ قيود الألم
وندرك كيف تغيّر حتى التراب
تغّير حتّى الطريق
وأصبح يرفضنا في ملال وضيقوعاد يصبّ علينا جمودا عميق
***
وعدنا نسير
نجرّ أحاسيسنا الراكده ,
وتصدمنا الأوجه الجامده.
نسير , نسير ,
نحدّق في أي شيء نراه ,
بهذا السياج المهّدم أو بسواه
نحدّق , لا رغبة في النظر
ولمن..لأن لنا أعينا .
نعّلق , لا شوق يغري بنا
ولكن لأنّا سئمنا السكون المخيف
ووقع خطانا الرتيبات فوق الرصيف
سئمنا فأين المفر ؟
ولا بدّ من أن نعود
فليس هناك مكان وراء الوجود
نظلّ إليه نسير
ولا نستطيع الوصول
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الأعداء
الأعداء
رقم القصيدة : 68467
(1/15375)
________________________________________
-----------------------------------
نحن إذن أعداء
من عالم لا يفهم الأشواق
ولا يعي أغنية الحداق
أعيننا لا تفهم النجوى
الحبّ فيها سيرة تروى
كان لها أمس
وضمّه رمس
من تربة البغضاء
***
نحن إذن أعداء
تفصلنا عوالم شاسعة
حدودها الجهولة الضائعه
تبثّ في دروبنا المستحيل
فنذرع العمر الجديب الطويل
بحثا عن الباب
وحبّنا الخابي
يغري بنا الصحراء
***
نحن إذن أعداء
ترقد في أعماقنا الذكرى
مشلولة , ضائعة , حيرى
المقت يلقي فوقها ظلاّ
والحقد لم يبق لها شكلا
ولعنة الأيّام
خّلفت الأحلام
فوق الثرى أشلاء
***
نحن إذن أعداء
وإن تكن تجمعنا أحلام
من أمسنا أودت بها الأيّام
وإن تكن قد خلّفت أشياء
في المقل الفارغة الجدباء
في الأوجه الذاوية
كنجمة خابيه
تغرب في الظلماء
***
نحن إذن أعداء
وإن طغت في دمنا الأشواق
ودّبت اليقظة في الأرماق
وبيننا عوالم شتّى
ندركها كما يعي الموتى
تحت التراب المهين
وقع خطى العابرين
وضجّة الأحياء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> حصاد المصادفات
حصاد المصادفات
رقم القصيدة : 68468
-----------------------------------
حينما يرقد الهوى ميّتا فو
ق تراب الأيّام والأعوام
وتعود الذكرى صدى جامد الوق
ع لعهد مغلّف بالظلام
وتوت الألوان في المقل الجد
باء في حسرة وفي استسلام
ويذيع الفراغ أغنية الجد
ب وتطغى الفوضى على الأنغام
***
حينما يصبح الهوى قصّة كا
نت ومرّت بالكون منذ عصور
عشّش الصمت في خرائبها النك
راء خلف الخيال والتفكير
وطوى نبضها البرود ال
مرّ في كلّ شهقة وشعور
وخمود الفراغ لفّ صداها
بجمود الموتى وصمت القبور
***
وتحسّ العيون أنّ عيونا
مات فيها المعنى وعادت رمادا
لم تعد في أهدابها خلجة تس
تصرخ الشوق والصدى والسهادا
ضاع في جوّها النداء وردّت
آهة في السكون تنعى المنادى
وارتمت في أنحائها رغبات ال
أمس والذكريات عادت جمادا
***
عندما ينطوي النداء وتمحى
كلمات النجوى وتطوى الأماني
(1/15376)
________________________________________
وتحسّ القلوب أنّ قلوبا
بردت في أصابع النسيان
عنكبوت الجمود شبّك فيها
عشّه والسكون لفّ الأغاني
وغبار السنين جرّ على الأش
واق ستر اللاّلون واللاّكيان
***
ربّما يلتقي هنالك طيفا
ن من الأمس في شعاب طريق
يعبران الحياة قد ضيّعا مم
لكة الحبّ في الزمان السحيق
في برود يمرّ كلّ على الآ
خر خابي العيون ميت العروق
لا شعور يلوح في اعين صمّ
اء غرقى في لجّ صمت عميق
***
من حصاد المصادفات يمرّا
ن كنجمين في امتداد الفضاء
ربّما لخّصا غرامهما الما
ضي بشبه ابتسامة جدباء
ربّما ألقيا التحيّة لا عم
ق لها , في برودة الغرباء
ثم ّ سارا كأنّما لم تكن يو
ما حياة عطشى وراء الدّماء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> النائمة في الشارع
النائمة في الشارع
رقم القصيدة : 68469
-----------------------------------
في الكرّدة , في ليلة أمطار ورياح
والظلمة سقف مدّ وستر ليس يزاح
وسكون رطب يصرخ فيه الإعصار
الشارع مهجور تعول فيه الريح
والحارس يعبر جهما مرتعد الخطوات
يكشفه البرق وتحجب هيكله الظلمات
تنتفض الظلمة فيه ويرتعش الرعد
***
حرست ظلمته شرفة بيت مهجور
كان البرق يمرّ ويكشف جسم صبيه
الإحدى عشرة ناطقة في خدّيها
في رقة هيكلها وبراءة عينيها
رقدت فوق رخام الأرصفة الثلجيّه
ضمّت كفّيها في جزع في إعياء
وتوسّدت الأرض الرطبة دون غطاء
والحمّى تلهب هيكلها ويد السّهد
ظمأى , ظمأى للنوم ولكن لا نوما
ألم يبقى ينهش , لا يرحم مخلبه
السّهد يضاعفه والحمّى تلهبه
أشباح تركض , صيحات شيطانّيه
عبثا تخفي عينيها وسدى لا تنظر
وتظلّ الطفلة راعشة حتى الفجر
حتى يخبو الإعصار ولا أحد يدري
أيّام طفولتها مرّت في الأحزان
تشريد , جوع , أعوام من حرمان
والطفلة جوع أزلي , تعب , ظمأ
ولمن تشكو ؟ لا أحد ينصت أو يعنى
والناس قناع مصطنع اللون كذوب
خلف وداعنه اختبأ الحقد المشبوب
والرحمة تبقى لفظا يقرأ في القاموس
ونيام في الشارع يبقون بلا مأوى
(1/15377)
________________________________________
هذا الظلم المتوحّش باسم المدنيّه ,
باسم الإحساس , فواخجل الإنسانيه
***
أيّام طفولتها مرّت في الأحزان
تشريد , جوع , أعوام من حرمان
إحدى عشرة كانت حزنا لا ينطفىء
والطفلة جوع أزلي , تعب , ظمأ
ولمن تشكو ؟ لا أحد ينصت أو يعنى
البشرية لفظ لا يسكنه معنى
والناس قناع مصطنع اللون كذوب
خلف وداعنه اختبأ الحقد المشبوب
والمجتمع البشري صريع رؤى وكؤوس
والرحمة تبقى لفظا يقرأ في القاموس
ونيام في الشارع يبقون بلا مأوى
لا حمّى تشفع عند الناس ولا شكوى
هذا الظلم المتوحّش باسم المدنيّه ,
باسم الإحساس , فواخجل الإنسانيه
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> مرثية امرأة لا قيمة لها
مرثية امرأة لا قيمة لها
رقم القصيدة : 68470
-----------------------------------
ذهبت ولم يشحب لها خدّ ولم ترتجف شفاه
لم تسمع الأبواب قصة موتها تروى وتروى
لم ترتفع أستار نافذة تسيل أسى وشجوا
لتتابع التابوت بالتحديق حتى لا تراه
إلا بقيّة هيكل في الدرب ترعشه الذكر
نبأ تعثّر في الدرب فلم يجد مأوى ضداه
فأوى إلى النسيان في بعض الحفر
يرثي كآبته القمر
***
والليل أسلم نفسه دون اهتمام , للصباح
وأتى الضياء بصوت بائعة الحليب وبالصيام ,
بمواء قطّ جائع لم تبق منه سوى عظام ,
بمشاجرات البائعين , وبالمرارة والكفاح ,
بتراشق الصبيان بالأحجار في عرض الطريق ,
بمسارب الماء الملوّث في الأزقة , بالرياح ,
تلهو بأبواب السطوح بلا رفيق
في شبه نسيان عميق.
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الأرض المحجبّة
الأرض المحجبّة
رقم القصيدة : 68471
-----------------------------------
صوّروها جنّة سحريّة
من رحيق وورود شفقّيه
وأراقوا في رباها صورا
من حنان , وتسابيح نقيّه
ثم قالوا إن فيها بلسما
هيّأته لجراح البشريّه
وأردناها فلم نظفر بها
ورجعنا لأمانينا الشقيّه
***
الملايين عيون ظمئت
عزّ أن تملك سلوى واحده
والملايين شفاه عطشت
ليس ترويها الوعود البارده
(1/15378)
________________________________________
ذلك المشتعل هاتوه فقد
أكل الليل العيون الساهده
وأمرّوه على أشباحنا
لتروا لون دمانا الجامده
***
عمرنا كان طريقا معتما
فأنيروه إلى القبر أخيرا
وصبانا كان جرحا ساهدا
يشرب الملح ويقتات السعيرا
وأغانينا رصفناها أسى
وسقفناها غيوما وهجيرا
وهوانا والنى بعناهما
واشترينا بهما حزنا كثيرا
***
أين ذاك النبع ؟ في أيّ ضحى
سنلاقيه ؟ وفي أية ليله ؟
لم نزل نحفر في أعمارنا
ظلمات ليس فيها طيف شعله
وزحفنا وجررنا معنا
ألف قيد في الأكف المضمحلّه
ووجدنا دربنا مقبرة
ما لنا فيها سوى الموت أدلّه
***
حدّثونا عن رخاء ناعم
فوجدنا دربنا جوعا وعريا
وسمعنا عن نقاء وشذى
فرأينا حولنا قبحا وخزيا
ورتعنا في شقاء قاتل
وكفانا بؤسنا شبعا وريّا
وعرينا وكسونا غيرنا
وكسبنا القيد والدمع السخيّا
***
أين تلك الأرض ؟ من حجبّها ؟
نحن شدناها برنّات الفؤوس
وأجعنا في الدجى أطفالنا
لنغذّيها وجدنا بالنفوس
وزرعنا وحصدنا عمرنا
وجنينا ظلمة الدهر العبوس
وسقينا أرضها من دمنا
ومنحناها لأرباب الكؤوس
***
أين تلك الأرض ؟ هل حان لنا
أن نراها أم ستبقى مغلقه ؟
لم تزل فينا حنينا صامتا
وابتهالا في شفاه مطبقه
والملايين حنين جارف
يتلظّى ورؤى محترقه
افتحوا الباب فقد صاح بنا
صوت آلاف الضحايا المرهقه
***
صوتهم خشّنه البؤس فما
فيه دفء أو بريق أو ليونه
وحشاه الدمع ملحا قاسيا
وشكايات وجوعا وخشونه
صوتهم خالطه الصبر وكم
قد صبرنا في شحوب وسكينه
لعنة الحسّ علينا إن يكن
غدنا كالأمس أقيادا مهينه !
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> لنفترق
لنفترق
رقم القصيدة : 68472
-----------------------------------
لنفترق الآن ما دام في مقلتينا بريق
وما دام في قعر كأسي وكأسك بعض الرحيق
فعمّا قليل يطلّ الصباح ويخبو القمر
ونلمح في الضوء ما رسمته أكفّ الضجر
على جبهتينا
وفي شفتينا
وندرك أن الشعور الرقيق
مضى ساخرا وطواه القدر
***
لنفترق الآن , ما زال في شفتينا نغم
(1/15379)
________________________________________
تكّبر أن يكشف السر فاختار صمت العدم
وما زال في قطرات الندى شفة تتغنّى
وما زال وجهك مثل الظلام له ألف معنى
كسته الظلال
جمال المحال
وقد يعتريه جمود الصّنم
إذا رفع الليل كفيّه عنّا
***
لنفترق الآن , أسمع صوتا وراء النخيل
رهيبا أجشّ الرنين يذكّرني بالرحيل
وأشعر كفّيك ترتعشان كأنّك تخفي
شعورك مثلي وتحبس صرخة حزن وخوف .
لم الإرتجاف ؟
وفيم نخاف ؟
ألسنا سندرك عمّا قليل
بأن الغرام غمامة صيف
***
لنفترق الآن , كالغرباء , وننسى الشّعور
وفي الغد يشرق دهر جديد وتمضي عصور
وفيم التذكّر ؟ هل كان غير رؤى عابره
أطافت هنا برفيقين في ساعة غابره ؟
وغير مساء
طواه الفناء
وأبقى صداه وبعض سطور
من الشعر في شفتي شاعره ؟
***
لنفترق الآن , أشعر بالبرد والخوف , دعنا
نغادر هذا المكان ونرجع من حيث جئنا
غريبين نسحب عبء ادّكاراتنا الباهته
وحيدين نحمل أصداء قصتنا المائته
لبعض القبور
وراء العصور
هنالك لا يعرف الدهر عنّا
سوى لون أعيننا الصامته
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> سخرية الرماد
سخرية الرماد
رقم القصيدة : 68473
-----------------------------------
لو رجعنا غدا وأراد الزمان
أن يرانا كما كنّا
والتقينا فهل ينبض الميّتان
خلف ألواح صدرينا
***
لو رجعنا غدا ورآنا القمر
بعد غيبتنا الكبرى
ورأى كيف نمنح ما قد غبر
ومضى فرصة أخرى
***
لو رجعنا غدا ورأتنا النجوم
نجمع الذكر الذابله
نستعيد الهوى ونظلّ نحوم
حول أحلامنا الراحله
***
لو رآنا الطريق نشقّ السكون
بتعابيرنا الجامده
ويخادعنا ما طوته المنون
من رغائبنا الخامده
***
ونزيل رماد شهور طوال
عن هوى لفّه المستحيل
فوق أشلائه ذكريات ثقال
من دموعي وحزني الطويل
***
سترانا النجوم نسير معا
يخدع الليل مرآنا
خلف أهدابنا شغف مدّعى
ساتر سرّ ما كانا
***
وسيسخر من شبحينا القمر
وهو يرقب كيف نسير
كيف ننشر ما قد طواه القدر
واحتواه سكون المصير
***
وهناك نرى جثث الأشواق
(1/15380)
________________________________________
في خمود طويل عميق
ويخادعنا لونها البرّاق
فتؤمّل أن تستفيق
***
ونرى ركب أيّامنا الماضيه
لم يزل لاهث الأنفاس
فنمدّ له الأذرع الذاويه
علّه يوقظ الإحساس
***
ويرانا الدّجى راكعين على
تربة المرقد الجافيه
نلمس الجثث المرسلات إلى
الأفق أعينها الخابيه
***
ويرانا الدّجى فجأة في عياء
في أسى غامق شارد
واقفين نحسّ اصطدام الرجاء
بثرى الواقع البارد
***
ويمرّ على جبهتينا المساء
باردا مثل لوح جليد
وتعود كواكبه البيضاء
أعينا طفحت بالوعيد
***
ويشيّعنا القمر الهادىء
ببرود مثير غريب
ويلاحقنا وجهه الهازىء
حيث سرنا بصمت مريب
***
ونحسّ أخيرا بأنّ القضاء
قد طوى حبّنا الآفلا
وبقينا حيارى هنا غرباء
نذرع العمر القاحلا
***
وهنالك سوف يغنّي الرّماد
وسيسخر حتى القمر
من أسانا ومن أمل لا يعاد
كان يوما لنا واندثر
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> صائدة الماضي
صائدة الماضي
رقم القصيدة : 68474
-----------------------------------
انتظرني , غدا سيقذف بي المو
ت إلى شطّك الغريب البعيد
ثم تمشي بي السنين إلى با
بك بعد البحث الطويل المديد
وتراني خاف الزجاج أجرّ ال
أمس في لهفة المشوق العنيد
أتحدّى الصخور في الشاطىء العا
ري وألوي شموخها بنشيدي
انتظرني , وإن تمزّق في صد
رك ما كان ذات يوم رجاء
أو سمعت الرياح تصرخ عاد ال
حبّ ذكرى ورغبة عمياء
أو رأيت النجوم تنكر في أه
دابك الشوق والصّدى والنداء
أو أبت مقلتاك أن ترسما حل
ما جديدا وثارتا كبرياء
***
ومضت توقظ الشكوك وتغري
بلياليك عاصفات الظنون
وتخيّلت أنّني بعت ذكرا
ك وأمعنت في الجمود المهين
فانتظرني , لا بد أن نلتقي يو
ما وألوي بشكّك المجنون
***
ساصيد الأحلام من أمسنا الها
رب حلما حلما , وراء الزمان
ألقط الذكريات دون كلال
من غبار السكون والنسيان
وأناشيدنا ألمّ صداها
وأعيد الحياة للأوزان
***
ثم أمضي , ينير وجهك التأ
ريخ بحثا عن حبّنا المغدور
ذلك الأمس , لو عثرت عليه
(1/15381)
________________________________________
في زوايا التاريخ بين العصور
ثم نمشي معا إليك , إلى شط
طك فوق الأمواج بين الصخور
***
وترانا فجاءة نصعد السّل
م في لهفة وشوق كلانا
أنا والأمس كلّه , نطرق البا
ب غريبين لامسا الأوطانا
وتحسّ النجوم أنّا رجعنا
نعصر الدهر لحظة من هوانا
ويقول الزمان : عادا إلى الحب
وعاد الفراق وهما كانا
وترانا فجاءة نصعد السّل
م في لهفة وشوق كلانا
أنا والأمس كلّه , نطرق البا
ب غريبين لامسا الأوطانا
وتحسّ النجوم أنّا رجعنا
نعصر الدهر لحظة من هوانا
ويقول الزمان : عادا إلى الحب
وعاد الفراق وهما كانا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> إلى أختي سها
إلى أختي سها
رقم القصيدة : 68475
-----------------------------------
هيّا معي فالليل مختلج الدجى حبا وشعرا
وعرائس الأحلام تفرش دربنا لونا وعطرا
وهناك في أعماقنا نبرات آلهة تغنّي
ونحسّها تلقي إلينا ألف أغنية ولحن
هيّا معي تتبسم الدنيا إذا أنت ابتسمت
ماذا يثير أساك ما دمنا نظلّ , أنا وأنت ؟
ألليل يعرفنا , خطانا طالما زرعت دجاه
والنجم يذكرنا فكم سهرت علينا مقلتاه
أختاه هاتي كفّك اليمنى فقد حان المسير
ألمجد يصرخ يستحث خطاك والحلم الكبير
لا , لا تخافي أن تخادعك الرؤى إن أنت جئت
فالليل يعرفنا ونحن معا نظل أنا وأنت
***
سيري معي فتحرّق المجهول يصخب في دمانا
والأمس , تلك الغرفة الصمّاء غابت عن رؤانا
ماذا يشدّ هنا ليالينا الحزينات الشقيّه ؟
وهناك في الأفق البعيد ضباب شطآن خفيّه
ستريق أنجمها على أقدامنا إن أنت جئت
وصحبتني لنجوب آفاق الوجود , أنا وأنت
***
وصحبتني ونسيت درب الذكريات الكاسفه
حيث الصخور السود والحيّات تلهث زاحفه
حيث انجرحنا ثم لملمنا الجراح على عجل
ونهضت تتبعني خطاك الحائرات بلا أمل
أختاه لا تبكي على الماضي سدى ما قد بكيت
لن يرجع الماضي وإن نحنا عليه , أنا وأنت
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الهاربون
الهاربون
رقم القصيدة : 68476
(1/15382)
________________________________________
-----------------------------------
إلام نجوب سحيق البلاد ؟
يعيث السراب بنا
تناولنا وهدة لوهاد
ويخدعنا المنحنى
***
وفيم أتينا ؟ يسائلنا البحر : ماذا نريد ؟
وتلحقنا عربات الرياح وتبقى تعيد
تعيد السؤال
ولا ردّ إلا خطوط الملال
على صمت أوجهنا في الليالي الطوال
نفرّ وتدركنا من جديد
***
ويسألنا الأفق أين نسافر ؟ أين نسير ؟
ومن أيّ شيء هربنا ؟ وفيم ؟ لأي مصير ؟
وفي صمتنا
قلوب تدقّ , ووقع المنى
على يأسنا فرح لا يطاق فهيّا بنا
لنبحث عن جرح حزن صغير
***
وفي سيرنا نسمع الليل يسخر من سرّنا
يلاحقنا بالظلام ويغري الرياح بنا
يقول الطريق
لماذا نجوب الوجود السحيق
يلاحقنا أمسنا ورؤانا ووجه صديق
وحتام نهرب من ظلّنا ؟
***
وفي سيرنا في الدياجير نبصر هزء القمر
ويغضبنا في سناه البرود , وبعض الشجر
يسدّ السبيل
علينا , ويسخر منّا الأصيل
وينبئنا أنّنا الباحثون عن المستحيل
وأنّا , برغم منانا , بشر
***
ونسمع من جنبات المسالك ذات مساء
صدى هامسا في الدجى أنّنا.. أنّنا جبناء
نخاف الأصيل
ونرحل لا رغبة في الرحيل
ولكن نهرب من ذاتنا , من صراع طويل
ومن أنّنا لم نزل غرباء
***
وها نحن , حيث بدأنا , نجوب الظلام الفظيع
شتاء يموت , وأسئلة لم يجبها ربيع
حيارى العيون
يسائلنا غدنا من نكون ؟
ويتركنا أمسنا المنطوي في ضباب القرون
فيا ليل , يا بحر , أين نضيع ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ماذا يقول النهر؟
ماذا يقول النهر؟
رقم القصيدة : 68477
-----------------------------------
ماذا يقول النهر؟
أقصوصة
ينسجها من رقص ضوء القمر
ينسجها من غزل ناعم
يداعب النخل به المنحدر
من نور مصباح يغذّي الدجى
حرارة ويستثير الشجر
من وقع مجداف خفيف الخطى
يشقّ في الظلمة صدر النهر
ماذا يقول النهر؟
أغنية
قديمة , بنت ليال طوال
غنّى أساها مرّة عاشق
والليل سكران بكأس الجمال
مثقلة بالدفء , ما زال في
ألحانها بعض حنين الجمال
(1/15383)
________________________________________
وخشعة الهودج تحت الدجى
ووقع أقدام الداة الثقال
***
تسبيحة
من بابل النشوى بعطر البخور
وموكب الكهّان في معبد
دجلة يطوي سرّه والصخور
وذكريات الليل والشمس عن
(مدينة الشمس ) وراء العصور
وعن (حمورابي ) وعن حبّه
وما طوى سفر الزمان الغدور
***
ماذا يقول النهر؟
دعي غلاف السرّ كثّا عميق
لو كشف الزّنبق ألغازه
لم يبق معنى لشذاه الرقيق
دعي غلاف السرّ كثّا عميق
لو كشف الزّنبق ألغازه
لم يبق معنى لشذاه الرقيق
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الزائر الذي لم يجيء
الزائر الذي لم يجيء
رقم القصيدة : 68478
-----------------------------------
..ومرّ المساء , وكاد يغيب جبين القمر
وكدنا نشّيع ساعات أمسية ثانيه
ونشهد كيف تسير السعادة للهاويه
ولم تأت أنت..وضعت مع الأمنيات الأخر
وابقيت كرسّيك الخاليا
يشاغل مجلسنا الذاويا
ويبقى يضجّ ويسأل عن زائر لم يجيء
***
وما كنت أعلم أنّك إن غبت خلف السنين
تخلّف ظلّك في كلّ لفظ وفي كلّ معنى
وفي كلّ زاوية من رؤاي وفي كلّ محنى
وما كنت أعلم أنّك أقوى من الحاضرين
وأنّ مئات من الزائرين
يضيعون في لحظة من حنين
يمدّ ويجزر شوقا إلى زائر لم يجيء
***
ولو كنت جئت..وكنا جلسنا مع الآخرين
ودار الحديث دوائر وانشعب الأصدقاء
أما كنت تصبح كالحاضرين وكان المساء
يمرّ ونحن نقّلب أعيننا حائرين
ونسأل حتى فراغ الكراسي
عن الغائبين وراء الأماسي
ونصرخ أنّ لنا بينهم زائرا لم يجيء ؟
***
ولو جئت يوما - وما زلت أوثر ألا تجيء-
لجفّ عبير الفراغ الملوّن في ذكرياتي
وقصّ جناح التخيّل واكتأبت أغنياتي
وأمسكت في راحتيّ حطام رجائي البريء
وأدركت أنّي أحبّك حلما
وما دمت قد جئت لحما وعظما
سأحلم بالزائر المستحيل الذي لم يجيء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الراقصة المذبوحة
الراقصة المذبوحة
رقم القصيدة : 68479
-----------------------------------
إرقصي مذبوحة القلب وغنّي
واضحكي فالجرح رقص وابتسام
(1/15384)
________________________________________
إسألي الموتى الضحايا أن يناموا
وارقصي أنت وغنّي واطمئني
أدموع , أسكتي الدمع السخينا
واعصري من صرخة الجرح ابتساما
اانفجار ؟ هدأ الجرح وناما
فاتركيه واعيدي القيد المهينا
***
أيّ معنى لاختلاجات الضحايا ؟
بعض أحزان ستنسى , ورزايا
وقتيل أو قتيلان , وجرحى
***
إقبسي من جرحك المحرق لحنا
لم تزل فيها بقايا من حياة
لنشيد لم يفض بؤسا وحزنا
***
صرخة ؟ أيّ جحود وجنون !
أتركي قتلاك صرعى دون دفن
أيّ معنى لانتفاضات السجين ؟
***
إنتفاضات ؟ وفي الشعب بقايا
من عروق لم تسل نبع دماء ؟
إنجارات ؟ وبعض الأبرياء
بعضهم لم يسقطوا بعد ضحايا ؟
***
لم يكن جرحك بدعا في الجروح
فارقصي في سكرة الحزن المميت
الأرقّاء الحيارى للسكوت
***
إضحكي للمدية الحمراء حبّا
واسقطي فوق الثرى دون اختلاج
منّة أن تذبحي ذبح النعاج
منّة أن تطعني روحا وقلبا
وجنون يا ضحايا أن تثوري
وجنون غضبة الأسرى العبيد
أرقصي رقصة ممتنّ سعيد
وابسمي في غبطة العبد الأجير
***
وابسمي للقاتل الجاني افتتانا
إمنحيه قلبك الحرّ المهانا
ودعيه ينتشي حزّا وطعنا
***
وارقصي مذبوحة القلب وغنّي
إسألي الموتى الضحايا أن يناموا
وارقصي أنت وغنّي واطمئني
وابسمي للقاتل الجاني افتتانا
إمنحيه قلبك الحرّ المهانا
ودعيه ينتشي حزّا وطعنا
***
وارقصي مذبوحة القلب وغنّي
واضحكي فالجرح رقص وابتسام
إسألي الموتى الضحايا أن يناموا
وارقصي أنت وغنّي واطمئني
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> الشخص الثاني
الشخص الثاني
رقم القصيدة : 68480
-----------------------------------
لو جئت غدا وعبرت حدود الأمس إلى غدي الموعود
وشدا فرحا بمجيئك حتى المعبر والباب المسدود
ولقيتك أبحث فيك عن المتبقّي من أمسي الفقود
لو جئت ولم أجد الماثل في ألحاني
وأطلّ على روحي منك الشخص الثاني
الشخص الثاني , من أعماق شهور التيه المطموره
حاكته دقائق تلك الأيّام الجانية المغروره
(1/15385)
________________________________________
وترّسب في عينيه تثاقلها ورؤاها المذعمره
وسأبحث فيك عن الماضي في اطمئنان
فيفاجىء لهفتي الحرّى الشخص الثاني
***
ومكان الواحد في عينيك المرهفتين أحس اثنين
ويقابلني الشخصان معا وسدى أرجو فصل الضدّين
وسأسأل عمّا خلّفه لي عامان
من وجهك , والردّ جبين الشخص الثاني
***
وسيسكن هذا الشخص الثاني الأحمق حتى في البسمات
وسيرمقني في خبث , مختبئا حتى خلف الكلمات
ولمن أشكو هذا المخلوق الشيطاني
والأول فيك محته يد الشخص الثاني ؟
عندما قتلت حبي
وأبغضتك لم يبق سوى مقتي أناجيه
وأسمعه صراخ الحقد في أغنية جهمه
وأبغضت اسمك الملعون والأصداء والظلاّ
وتلك الذكريات الخشنة الممقوتة الفظّه
هوت وتأكّلت وثوت مع الآباد في لحظه
وعدت قصيدة فجرية جذلى
وقلت الأمس ما عاد سوى لفظه
***
وتمّ النصر لي وهويت تمثالا إلى الهوّه
وراح الرفش في كفّي يشقّ الأرض في نهم
فلامس في الثرى جسدا رهيبا بارد القدم
ورحت أجرّه للضوء مزهوّه
فمن كان ؟
بقايا جثّة الندم
***
وكان الليل مرآة فأبصرت بها كرهي
وكنت قتلتك الساعة في ليلي وفي كأسي
وكنت أشيّع المقتول في بطء إلى الرمس
فأدركت ولون اليأس في وجهي
بأني قطّ لم أقتل سوى نفسي
فلامس في الثرى جسدا رهيبا بارد القدم
ورحت أجرّه للضوء مزهوّه
فمن كان ؟
بقايا جثّة الندم
***
وكان الليل مرآة فأبصرت بها كرهي
وأمسي الميت لكني لم أعثر على كنهي
وكنت قتلتك الساعة في ليلي وفي كأسي
وكنت أشيّع المقتول في بطء إلى الرمس
فأدركت ولون اليأس في وجهي
بأني قطّ لم أقتل سوى نفسي
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الرسائل المحترقة
الرسائل المحترقة
رقم القصيدة : 68481
-----------------------------------
أحقاً رسالاتي إليك تمزقت
وهن حبيباتي .. وهن روائعي
أأنكر ما فيهن ؟ لا يا صديقتي
عليهن أسلوبي .. عليهن طابعي
عليهن أحداقي ، وزرقة أعيني
وروعة أسحاري وسحر مطالعي
حروفي .. سفيراتي .. مرايا خواطري
(1/15386)
________________________________________
وأطيب طيب في زوايا المخادع
وأجمل ما غنيت .. ما طرزت يد
وأكرم ما أعطت أنامل صانع
بأعصاب أعصابي .. رسمت حروفها
وأطعمتها من صحتي ، من مدامعي
وأنفقت أيامي .. أصوغ سطورها
بدقة مثال ، وأشواق راكع
أجيبي .. أجيبي .. ما مصير رسائلي
فإني مذ ضيعتها ألف ضائع ..
ألم تترك النيران منها بقية
ألم ينج حتى مقطع من مقاطعي ؟
حصيلة عام .. تنتهي في دقائق
وتلتهم النيران كل مزارعي
وتذهب أوراقي التي استهلكت دمي
فلا رجع موال .. ولا صوت زارع
أمطعمة النيران .. أحلى رسائلي
جمالك ماذا كان ؟ لولا روائعي
فثغرك بعض من أناقة أحرفي
وصدرك بعض من عويل زوابعي
أنا بعض هذا الحبر .. ما عدت ذاكراً
حدود حروفي من حدود أصابعي
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أوريانتيا
أوريانتيا
رقم القصيدة : 68482
-----------------------------------
أوريانتيا
صديقة من آسيا
الأنف من شيراز
والعينان من قفقاسيا
.. والشفتان .. زهرتا أضاليا
أوريانتيا
.. تكونت
من رغوة البحار
من نكهة المانغو
.. من الأصداف والمحار
من كل ما في الهند
من طيب .. ومن بهار
أوريانتيا
شاحبة جملت الشحوب
.. دافئة
كالبن في مزارع الجنوب
تائبة ! من قال ؟
جل الحسن أن يتوب
أوريانتيا
نهدان واقفان
كقبتي نحاس
في ذهب المغيب
صحنان صينيان رائعان
قلعان من لهيب
.. تزودا من آسيا
.. بزهرتي غاردينيا
.. بعنبر .. بفلفل .. بطيب
.. وحبتي زبيب
أوريانتيا
شاحبة جملت الشحوب
أوريانتيا
.. أحر ما عرفت من توابل الجنوب
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> ثلاث بطاقات من آسيا
ثلاث بطاقات من آسيا
رقم القصيدة : 68483
-----------------------------------
من آسيا
عليك يا صديقتي السلام
.. فبعد عينيك أنا
لا أعرف السلام
قطعت في تشردي الطويل
.. يا قمري
يا أرنبي الجميل
يا رغوة الحليب والرخام
قطعت ألف عام
بدون عينيك . بلا خبز .. ولا طعام
! تصوري
أتي بلا عينيك .. ألف عام
بدون مصباحين أخضرين
.. بدون شمعتين
(1/15387)
________________________________________
.. بينهما أنام
*
.. فيروزتي
ما زلت في سفينتي
أصارع الشموس ، واللصوص ، والدوارة
نزلت في مرافئ موبوءة المياه
صليت في معابد ليس لها إله
.. وأرخص الخمور ذقت
أرخص الشفاه
.. قتلت ألف مرة
.. غرقت ألف مرة
صلبت فوق حائط النهار
وسبعة قطعتها .. من أوسع البحار
من أخطر البحار
.. لمست سقف الشمس
كانت رحلتي انتحار
.. تصوري
أتي بلا عينيك ، يا حبيبتي ، قرون
لا كوكب في الأفق .. لا منار
بحارتي .. في السطح ميتون
وخبزي الإسفنج .. والمحار
تصوري الأرض وما تكون
يا أرنبي الحنون
بدون عينيك .. بلا فسقيه اخضرار
بدون شاطئين مقمرين
.. بدون غابتين
أنشد في حمامها القرار
*
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تلفون
تلفون
رقم القصيدة : 68484
-----------------------------------
صوتك القادم من خلف الغيوم
مد لي أرجوحةً من نغم
! من ترى يطلبني ؟ مخطئة
أنا جرحٌ مطبقٌ أجفانه
رقمي . من أين قد جئت به
بعد أن عاش غربياً مهملا
كيف .. من بعد شهور ٍ خمسة
حُبنا .. كان عظيماً مرة
( أتقولين : ( أنا آسفة
لم أعد أُخدع يا سيدتي
صوتك العائد .. لا أعرفه
حلوتي ! بالرغم مما قلته
داعبي كل مساءٍ رقمي
كلمة ٌ منك .. ولو كاذبة
حُبنا .. كان عظيماً مرة
وطوينا قصة الحب العظيم
( أتقولين : ( أنا آسفة
بعدما ألقيت حبي في الجحيم
لم أعد أُخدع يا سيدتي
بالحديث الحلو .. والصوت النغوم
صوتك العائد .. لا أعرفه
كان يوماً جنتي .. كان نعيمي
حلوتي ! بالرغم مما قلته
فأنا ، بعد ، على حبي القديم
داعبي كل مساءٍ رقمي
و اصدحي مثل عصافير الكروم
كلمة ٌ منك .. ولو كاذبة
عمرت لي منزلاً فوق النجوم .
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> نهرُ الأحزان
نهرُ الأحزان
رقم القصيدة : 68485
-----------------------------------
كنهري أحزانِ
لوراءِ ، وراءِ الأزمانِ
سيّدتي .. ثمَّ أضاعاني
يتساقطُ أنغامَ بيانِ
والقدحُ العاشرُ أعماني
نيراني تأكلُ نيراني
آهٍ لو كانَ بإمكاني
(1/15388)
________________________________________
إلا عينيكِ وأحزاني
تتمزّقُ فوقَ الخلجانِ
حطّمَ في صدري إيماني
يا ظلَّ الله بأجفاني
يا أجملَ .. أجملَ ألواني
أحلى من عودةِ نيسانِ ؟
في عُتمةِ شعرٍ إسباني
فدموعُكِ تحفرُ وجداني
أأقولُ أحبكِ يا قمري ؟
فأنا إنسانٌ مفقودٌ
ضيّعني دربي .. ضيّعَني
تاريخي ! ما ليَ تاريخٌ
إني مرساةٌ لا ترسو
ماذا أعطيكِ ؟ أجيبيني
ماذا أعطيكِ سوى قدرٍ
أنا ألفُ أحبّكِ .. فابتعدي
فأنا لا أملكُ في الدنيا
أحلى من عودةِ نيسانِ ؟
أحلى من زهرةِ غاردينيا
في عُتمةِ شعرٍ إسباني
يا حبّي الأوحدَ .. لا تبكي
فدموعُكِ تحفرُ وجداني
إني لا أملكُ في الدنيا
إلا عينيكِ .. و أحزاني
أأقولُ أحبكِ يا قمري ؟
آهٍ لو كان بإمكاني
فأنا إنسانٌ مفقودٌ
لا أعرفُ في الأرضِ مكاني
ضيّعني دربي .. ضيّعَني
إسمي .. ضيَّعَني عنواني
تاريخي ! ما ليَ تاريخٌ
إني نسيانُ النسيانِ
إني مرساةٌ لا ترسو
جرحٌ بملامحِ إنسانِ
ماذا أعطيكِ ؟ أجيبيني
قلقي؟ إلحادي ؟ غثياني
ماذا أعطيكِ سوى قدرٍ
يرقصُ في كفِّ الشيطانِ
أنا ألفُ أحبّكِ .. فابتعدي
عنّي .. عن ناري ودُخاني
فأنا لا أملكُ في الدنيا
إلا عينيكِ ... وأحزاني
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> عندما تمطر فيروزاً
عندما تمطر فيروزاً
رقم القصيدة : 68486
-----------------------------------
لا تسأليني .. هل أحبهما ؟
ألدي مرآتان من ذهب
أستغفر الفيروز .. كيف أنا
أبلحظة تنسين سيدتي
وجميع أخباري مصورة
نهران من تبغ ومن عسل
وستارتان إذا تحركتا
عام .. وبعض العام سيدتي
كم جئت أمسح فيهما تعبي
كوخان عند البحر .. هل سنة
أحشو جيوبي كلها صدفاً
عاد الشتاء بكل قسوته
الشمس منذ رحلت مطفأة
الآن أدرك حيث لا قمر
عام .. وبعض العام سيدتي
وأنا أضئ الشمع حولهما
كم جئت أمسح فيهما تعبي
كم نمت .. كم صليت عندهما
كوخان عند البحر .. هل سنة
إلا قضيت الصيف تحتهما
أحشو جيوبي كلها صدفاً
وأذيب حزني في مياههما
عاد الشتاء بكل قسوته
(1/15389)
________________________________________
يمتص أيامي فأين هما ؟
الشمس منذ رحلت مطفأة
والأرض غير الأرض بعدهما
الآن أدرك حيث لا قمر
.. ماذا أنا .. ماذا.. بدونهما
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> صديقتي وسجائري
صديقتي وسجائري
رقم القصيدة : 68487
-----------------------------------
واصل تدخينك يغريني
ولتترك في شعري الأسود
ولتترك في شعري الأسود
يفنى في الركن ويفيني
ولتترك في شعري الأسود
فعروق يديك تسليني
يفنى في الركن ويفيني
أن أشعر أنك تحميني
ولتترك في شعري الأسود
أتأمل في الوجه المجهد
فعروق يديك تسليني
تنهي أعصابي تنهيني
يفنى في الركن ويفيني
وتصرف فيه كمجنون
أن أشعر أنك تحميني
تتسلل من خلف المقعد
تتسلل من خلف المقعد
ولتترك في شعري الأسود
دخن لاأروع من رجل
أتأمل في الوجه المجهد
وأعد أعد عروق اليد
فعروق يديك تسليني
وخيوط الشيب هنا وهنا
تنهي أعصابي تنهيني
دخن لاأروع من رجل
يفنى في الركن ويفيني
أحرقني أحرق بي بيتي
وتصرف فيه كمجنون
فأنا كإمرأة يعجبني
أن أشعر أنك تحميني
أن أشعر أن هناك يداً
تتسلل من خلف المقعد
كي تمسح رأسي وجبيني
تتسلل من خلف المقعد
لتداعب أذني بسكوني
ولتترك في شعري الأسود
عقداً من زهر الليمون
دخن لاأروع من رجل
يفنى في الركن ويفنيني
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> شعري .. سرير من ذهب
شعري .. سرير من ذهب
رقم القصيدة : 68488
-----------------------------------
شعري .. سرير من ذهب
غمسته في الشمس
بعثرته .. أحس
جملته ، شكلته
شعري أنا قصيدة
داخت عصافير به
فأين من شعري له
لواحد أحبه .. ربيته
سقيته من خفقة الضوء
خبأت تموز به
له .. له .. أطلته
تعبت في تطويله
تعبت كي ينسى التعب
أقعد في الشمس أنا
.. أفتل أسلاك الذهب
هذا الطويل المنسكب
سقيته من خفقة الضوء
.. ورعشات اللهب
خبأت تموز به
قمحا .. ولوزا .. وعنب
له .. له .. أطلته
جعلته بطول مداد الطرب
تعبت في تطويله
تعبت في تدليله
تعبت كي ينسى التعب
لواحد .. لواحد
(1/15390)
________________________________________
أقعد في الشمس أنا
.. من سنة
.. أفتل أسلاك الذهب
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> فستان التفتا
فستان التفتا
رقم القصيدة : 68490
-----------------------------------
أمس أنتهى .. فستاني التفتا
أرأيت فستاني ؟
حققت فيه جميع ما شئتا
.. وشيا .. ونمنمه
.. وطرائفا شتى
أرأيت فستاني ؟
أرأيتني ؟
أنا بعض نيسان
أنا كل نيسان
أرايت فستناني ؟
.. صنعته حائكتي
من دمع تشرين
من غصن ليمون
.. من صوت حسون
إخترته لونا حشيشيا
لونا يشابه لون عينيا
.. فصلته
شكلا أثيريا
فأنا به أخفى من الرؤيا
ومشيت .. لم أسال عن الدنيا
ما همني الدنيا
..أنا الدنيا
ورجعت أحمله إلى البيت
وأخذت أمسحه وأطويه
.. أسقيه ، أطعمه ، أغنيه
.. لأجيء فيه ليلة السبت
.. لتكون .. أول من الاقيه
أمس أنتهى .. فستاني التفتا
.. من عند حائكتي
أكمامه عشب البحيرات
أزراره .. كقطيع نجمات
أمس انتهى .. لم تدري والدتي
.. فيه .. ولم أخبر رفيقاتي
.. ما قصتي ؟ أثلاث ساعات
وأنا أدور أمام مرآتي
أقصيه عن صدري .. وأدنيه
أرجوه ، أساله ، أناديه
وأعده للموعد الآتي
.. حتى تراني فيه
أمس انتهى فستاني التفتا
ما همني رأي الرفيقات ؟
! يكفي إذا أحببته أنت
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> سميرا ميس
سميرا ميس
رقم القصيدة : 68491
-----------------------------------
سكر الليل
باللظى المخمور
واقشعرت معالم الديجور
وسرت نسمة
فهش ستار
و استخفته ضحكة التغرير
فتنزى من غرفة
وسرير كان يجثو في قلبها المخدور
ورأى الليل شمعة
تتلاشى
في دموع تمرغت بالنور
أطلقت ضوءها الكئيب فاغفى
فوق ظلين
هوّ ما في السرير
وتهاوى لمسمع الصمت همس
شنج النار
في الفراش الوثير
لملمت طفلة السكون الأمان
وتناهت في كهفها المسحور
وغفت ضجة النهار
فماذا ...؟
حرك الحس في الدجى المخمور
اغرام ... !
عهد الغرام توارى
وانطوى
مضجع الهوى المسعور
وتمشى في قصة الأمس سر
أيقظ الموت
في ذرى آشور
فخلا القصر
(1/15391)
________________________________________
غير طيف فراغ
عصفت فيه لوعة التدمير
وخلا القصر
غير حسناء كانت
تعبد الصمت في الفراغ الكبير
عتقت شهوة الدماء
فجنت
دودة الطين في الدم المأسور
أين نينوس ... ؟
زوجها المتشهى
أين لذات أمسه المأثور
كل عرق في جسمها
يتلوى
بضجيج اختناقها المحرور
قد غفى أمسها الجميل وولى
في المتاهات
كومة من عبير
فإذا البهو غيبة وذهول
فيه ما في فؤادها المستجير
كل شيء هنا
مجرد شيء
وجمود مغلل بعصور
كم رأى الليل أدمعا تتمطى
كجراح في وجهها
كم تهاوى
في مسمعيه نشيج
وانتفاضات قلبها المكسور
كم تمنت
ولو أنها بنت راع
تشجر الليل في لظى تنور
كم تمنت
لو أنها بعض حلم
لم يقيد بعالم شرير
لم يدنس بغمرة الطين يوما
لم يعتق صداه بين القصور
كم تمنت
لو أن تلك اللآلي
وهي في صدرها شهادة زور
زفرات
تبلورت في دنيا
سلها الحب من دما غرير
أو أماني عاشق مستهام
أو دموع
لشاعر مغرور
أي معنى لتاجها ... أتغذي ؟
نهم الجسم من سماه المنير
أي معنى لعرشها المتعالي
وهو يشدو لعمره المنصور
ليس في تاجها
جنون حياة
ليس في عرشها بريق شعور
تتلوى على الفراش
عساها
تزرع الحس في الفراش الغدور
هكذا عفر الخريف
جفونا
لم تزل بعد مرتمى للنور
هكذا صاحب الظلام سناها
وهو ينسل للفناء المرير
*
سميرا ميس ذياك الذي ادريه عن قلبك
سميرا ميس من هذا الذي يغفو إلى جنبك ؟
*
ضجر الصمت ليلة
فتمطى
في غضون السكون همس الرداء
عبر البهو كالخيال
رقيقا
يتوقى مطارف الضوضاء
وعلى ضفة الظلام
تراءت
خفقتان من السنا الوضاء
عكس القلب فيهما
من دماه
بعض أطياف منية هوجاء
فوق نوريهما
التفات سنين وانتفاض لفكرة
حمراء
أي سر ... ؟
في ناظريها يدوي
أي سر ... ؟
في هذه الأصداء
هيه ...
مهلا ...
لقد تحرك باب
وشعاع في الكوة السوداء
وعلى مبسم السكون
تنزت بعض آثار ثورة خرساء
أطلقتها
من مذبح الجسم
أثام فتاهت مع الرؤى في الفضاء
تخلق الحس في الدجى
وتندي
ختلات الضلال بالأغواء
ايه اشور
ذاك تاجك جاث
يتفانى
(1/15392)
________________________________________
على صديد اشتاء
تلك ... راميس
دودة
تتشهى جيفة الأرض
ثورة الأنواء
شرقت بالسموم حتى تلاشت
صور الطهر في الرؤى الرعناء
أحرقت روحها
وذكرى ليال
كم تعطرن باختلاج الوفاء
فعلى خافق السرير
استبدت
عاصفات
بطينتي أهواه
طوقت ابنها
فسلت دماها
من صدى أمسها القريب ... النائي
طوقته
فطوقت ذكريات
يتخبطن في جنون الدماء
ها .. هنا
ها .. هنا
ربيع فتي
وخريف مضمخ بشتاء
عصف الشر فيهما
فتوارت
خدعة الطهر العفاف المرائي
صاح :
نيناس .. تلك امك
فاسكر
برحيق الخطيئة العمياء
دنس الماضي المسيء
وحطم
تحت رجليك كعبة الأبناء
أنت ... ما أنت
غير كومة طين
فيك
ما في التراب من أشياء
هيه ...
ماذا ... ؟
أرى بعينيك روحي
وجنوني
و عاصفات ندائي وجحيما
يطل من كوة العين ويحبو
في الغرفة الصماء
هيه ...
ماذا ... ؟
أراك تخشى رياحا
أنا أيقظت شرها
من دمائي
فيم تخشى الحياة في موكب النار
فترتد
عن دمى أهوائي
ايه ... نيباس
تلك أمك
فارفق بنداء الأمومة الشوهاء
لبّ صوت الخنا
فلبى نداه
واستوى الفصل في ضمير الخفاء
ولولى الليل جيده
واستفاقت
في شفاه الحياة روح سناء
ثم أغفت
في كوة القصر كالحلم
وظلت كهمسة بيضاء
ورأت ...
قصة
فثار سؤال
في عروق السكينة الملساء
*
سميرا ميس من هذا الذي إلى جنبك
يريق الاثم في قلبك ... ؟
*
هو ابني أيها الليل الذي يولد من رعبك
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أهواك
أهواك
رقم القصيدة : 68492
-----------------------------------
أنا أهواك ولكن
غير ما تهوين أهوى
أنا أهواك جراحا في حياتي تتلوى
كلما هدهدتها
أهدت إلى العالم نجوى
*
أنا أهواك نشيدا
أزليا
يتغنى
فيه ذوبت شبابي الرائع الألحان لحنا
ولنفن بعده
فالحب عمر ليس يفنى
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> صدى خريف
صدى خريف
رقم القصيدة : 68493
-----------------------------------
قلب توكا على عكازة الذكرى
وراح يبحث في أنقاض
ما مرا
عن صورة أهملت في قبو أيامي
(1/15393)
________________________________________
يا قلب ...
دعك من الماضي
وأشلائه
كف السنين أبادت كل لالائه
ولن ترى
غير أشباحي وأوهامي
ظللت أرقصها بالكذب
أياما
حتى استحالت بمر الدهر
أنغاما
أروي بتضليلها قلب الصبا الظامي
إن كنت تبحث
عن حبي
وعن أملي
فالحب أغفى
وماتت همسة القبل
من بعد ما ملأت
صاب الأسى ... جامي
أو كنت تسأل عن آمالي الغر
فتلك كومة وهم
أغرقت فجرى
يوما
ولم تبق إلا يأسك الدامي
كما نسيت الصبا ...
دعه لدنياه
فلن ترّجع لي شيئا
بذكراه
ألا تفجّر أحزاني
وآلامي
يكفيك ما في كؤوسي اليوم
من ألم
وصبوة تتلوى في يد العدم
حيرى
تقلص فيها نبع أحلامي
أراك تمعن في نسيان صورتها
ما صبوتي
غير أحلامي وشقوتها
تلك التي حملت أعباء أعوامي
اليوم تغفو وراء الغيب في كلل
كأنها سئمت
وعدا بلا أمل
يهفو على وتر دام وأنغام
ومثلها فلتنم ..
أيام دنياكا
فالشؤوم يرقص في دربي ومسراكا
(( وقد تمنيت
ألفا ...
دورة العام ))
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> نشيج
نشيج
رقم القصيدة : 68494
-----------------------------------
نامت على أجفاني الغافيه
تذيع بين الصمت أحزانيه
ذوبتها
من مهجة ذوبت في لجة من نار آلاميه
عصرتها من أمل خائب
كزهرة ديست بأقداميه
...... حتى التي سقيتها
مهجتي
غمامة
باحت بأسراريه
*
يا دمعتي الليل قد خيمت أشباحه
في غرفتي الباليه
لله
خليني إلى وحدتي
أبث للشمعة أشجانيه
فشمعتي شاعرة طالما
غنت لي النور بأجوائيه
تشكو لي النار
وأشكو لها
نارا
من الحب بخفاقيه
تصارع الليل فما ينتهي
كأنما الظلام
أيامه
صفراء في اللون كطيف التي
وهبتها العمر
وأحلاميه
يا شمعتي ...
أمسّك الضر .. أم ..
سرت بأحشائك أدوائيه .. ؟
أم هذه الصفرة
من وجهها تذكرة
تلهب أشواقيه ... ؟
يا شمعتي ...
ماتت عهود الهوى
دفنتها في ليل اوهاميه
لم يبقى من حبّي
إلا الصدق
مشوش
يرثي
لآماليه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الصمت الحالم
الصمت الحالم
رقم القصيدة : 68495
(1/15394)
________________________________________
-----------------------------------
كفي التألم
واهجعي
تعب الزمان فلن يعي
عبثا ترومين الصباح وصبح سعدك
قد نعي
عيناك
باهتتان في لجج الظلام المفزع
تتلمسان عواصفا
سوداء لما تهجع
حلمان
قد هربا من الماضي البعيد المفجع
وتأرضت نجواهما بتوجع
نامي ...
على صدري .. مخمور جسمك
واهجعي
ودعي جدائل شعرك الزاهي
تقبل ادمعي
إنا انطلقنا من مدار الأرض
فابتسمي معي
مالي أراك كشاعر
*
جاث
على حلم الطريق
أعمى تعكز بالهواجز والظنون بلا رفيق
يحبو على فجر الصبا
متعثرا بخط الشروق
حسب السنا إغفاءة بيضاء في الوادي العميق
وستنتهي أحلامه الحيرى
إلى أبد عتيق
لا شيء غير الناس ديدان تنام وتستفيق
لا شيء غير الأرض خافقنا الصفيق
لا شيء غير رسومنا تخبو بذاكرة الطريق
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الزهرة الحمراء
الزهرة الحمراء
رقم القصيدة : 68496
-----------------------------------
زهرتك الحمراء ... لما تزل
ترقرق الاعطار
في مخدعي
وترقص الأحلام في غرفة
أرقصت دنياها على أدمعي
كوني كما شئت
فإني هنا
أقيم في أوراقها مرتعي
وأرتمي ...
في طيبها
فراشة محمومة لا تعي
*
من بسمة حالمة ...
من رؤى
تهفو على أجفاني الساهمة
أطلقت أيامي تعبّ المنى
من شفتي زهرتك الحالمه
وكلما همّت بتقبيلها
خفق انسانيتي الآثمة
ارتعشت ...
بالله ...
لا تعتد
قد اودع الطهر .. هنا
عالمه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> قيثارة الأمل
قيثارة الأمل
رقم القصيدة : 68497
-----------------------------------
كلّ له قيثارة إلا ..
أنا
قيثارتي في القلب حطمها الضنا
كانت
وكنا
والشباب مرفرف
تشدو فتنشر حولها صور المنى
واليوم
كفنّنا السكون ولم نزل
بربيع عمرينا
فمن يرثي لنا .. ؟
*
في صمتها الدامي
تكرر لحنه مسلولة
تشدو بلا أوتار
هربت من الماضي البعيد وعهد
واتت
لترثي
خلسة .. قيثاري
يا لحنة الذكرى
فديتك .. ارجعي
أخشى ضلالك في دجى
أقداري
(1/15395)
________________________________________
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> فلترقد
فلترقد
رقم القصيدة : 68498
-----------------------------------
سر وئيدا
إنها تغفو .. هنا .. تحت الجليد
وتكلم هامسا
فهي تعي همس الورود
شعرها البراق
قد لوثه ليل الصدى
طفلة حسناء
أمسى فوقها يغفو الردى
مثلما الزمبقه العذرا
وكالثلج نصوع
جهلت امرأة كانت
فشبت في خشوع
لوح نعش
وصخور فوق نهديها ترامت
أحزنتني
وهي في أرجوحة الراحه نامت
صه .. فما تستطيع ان تسمع للقيثار لحنا
هاهنا .. فجر حياتي تحت ثقل الأرض يضني
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> لاشيء هنا
لاشيء هنا
رقم القصيدة : 68499
-----------------------------------
ايه يا فجر صباباتي ..انته
لملم ألان صبابات المنى
كل شيء قد طوى تاريخه
وانطوى في ظل عهد
موهنا
اتكا الماضي على أحلامه
يلعن الصمت
ويشكو الزمنا
وسيمضي اليوم محموم الخطى
يتمطى
فوق رجليه الضنا
توغل الظلمة في أيامه
وهو كالامس يصلي للسنا
*
كل ما في حاضري يصرخ بي
أيها المجنون .. لا شيء هنا
*
هاهو الحب يولي
هربا
بعدما أودى بدنياه السأم
لم يعد كالامس
ان غارت به
مدية الحزن تغني بالألم
ومضى ينسج في تلك الدما
خفقت النور والهام الظلم
وإذا مالدهر ابلا أملا
كانت التوبة في جرح
ودم
كيف أمسى طللا كابي الرؤى
وصحارى
من رمال .. وعدم
كلما لذت بدنياه انحنت
غير سطر قال : لا شيء هنا
*
كل آمالي تلاشت
مثلما يتلاشى النور عند الغسق
وتساوى الليل عندي
والضحى
رب ليل فجره لم يفق
أجرع الحزن كؤوسا
كلما
أفرغت أترعتها من ارقي
صوبت من كل صوب اسهم
لست أدري
أي سهم أنقى
إذا استنجدت بالوهم هوت
مدية الأحزان تفري مخنقي
*
أيها التائه في ودياننا
ضل مسراك فلا شيء هنا
أنا انسان كباقي الناس
ولكن .. ويح نفسي أي انسان
تراني
ليس لي ماض
ومالي غير يوم
يرسم العمر على سود أغاني
وغدي
فوق يدي الغيب دنا
لتهاويل رماد
ودخان
تخفق الأيام في راحته
بالأسى
بالذعر
بالصمت المهان
(1/15396)
________________________________________
وسيمضي مثل يومي بددا
ذابل الأحلام مخنوق الأماني
*
يتلولى في دمائي صيحة
أيها السادر لا شيء هنا
*
وغدا للقبر تسعى قدمي
كي أريق العمر في مظلمه
ويبيد القدر الغافي على
قلبي المحموم بقيا حلمه
فإذا العالم
حس هامد
ترقص الظلم في مأتمه
واذا مرسم إلهامي دجى
تنعب الديدان في مرسمه
كلما لج بها الجوع
مضت
تنحت الحكمة في اعظمه
يا اخا الروح الذي استحقرنا
كل دنياك
بايدينا
.... هنا
أيها الانسان يا من دستني
دودة ... دنياك في كفي .. هنا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> صور في كأس
صور في كأس
رقم القصيدة : 68500
-----------------------------------
لا تبسمي المصباح ان السنا
يؤذي جفون الظلمه الحالمه
يكفي من البدر شعاعاته
تحوم في ارجوحه
قائمة
ياسرها الليل بظلماته
فتنثني ساخرة
باسمة
كأنها اشباح حلم خفت
في ظل أجفان الدجى
الساهمه
وقربي الكأس
ففي خمرها
رسوم أيام الصبا جاثمه
فذا شبابي
مورق ظله
يتيه في أحلامه الناعمة
يحوم في روضة اوهامه
جذلان من اشذائها الهائمه
وتلك .. من تلك ..
أرى غادة
في الكأس مثل اللجة الواجمة
ذا ثغرها
وتلك .. ماذا هنا ..
بسمتها القاسيه الغاشمة
ونور عينها
على عهده
بحيرة مزبدة .. فاحمه
تموج في أمواجها شهوه
اعرف فيها اللذة الاثمه
لا تجهدي المصباح إن السنا
لن يعرف الدرب لقلبي الحزين
لا تبسمي شيئا
ففي مهجتي نور غفت في شاطئية المنون
والكأس
ما زال ثمالاتها
تهيج الشوق فيبكي الحنين
ويهتف اليأس بها
صارخا
ويلك اوذيت الشباب الثمين
هجرت دنياك
الى غربه
يصك اذنيك صراخ الانين
انظر الى وجهك
ماذا ترى
تلوي الآلام فوق الجبين
أهرمك الشوق لمأوى الصبا
وأنت ما زلت بباب السنين
تقطع الايام
في غرفة
جاثية فوق شفاه السكون
كأنها
والصمت ثاو بها
جمجمة تخفق فيها الدجون
أين الهوى الممراح
مستلقيا
تحت خميلات الشباب الحنون
لا شيء من حلم الصبا ..
ها هنا
إلا صدى الذكرى وهمس الشجون
(1/15397)
________________________________________
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> نهاية حلم
نهاية حلم
رقم القصيدة : 68501
-----------------------------------
عيناك
ماذا فيهما ...؟
يا للشقاوة ..انطقي
إني أحس وراهما
صوتا سيخنق ما بقي
وأرى
على ظليهما شبح التمرد يرتقي
أنويت قتل غرامنا
في المهد
دون ترفق
ما زال طفلا لم يذق طعم الحنان
بمرفقي
ما زال حلما باسما
لم يغف بعد بمخفقي
*
أنسيت ..؟
يوم طبعت في عينيك ظل تحرقني
فتبسمت
شفتاك في أذني بحلم شيّق
وغفت
على ثغري كأفق بالسعادة مغلق
أبنوره ...؟
أبنوره الثمل الذي غنى فأرقص مغبقي
أطوي لحون شبابنا واسم صبح
تعشقي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> سأم
سأم
رقم القصيدة : 68502
-----------------------------------
يا طيوف الفناء هذي حياتي
دمريها
فقد سئمت الو جودا
بدّلي النور
بالظلام
ودوسي
تحت رجليك عمري المكدودا
قد سئمت الحياة أطلال صمت
ودموعا
ينجس حولي الشقاء
وركاما من الهموم الجوائي
فوق قلبي
تهده اعياء
*
قد صحبنا الزمان حتى .....
مللنا
وجرعنا من السنين الكفاية
فاسدل الستر يا فناء
ومزق
قارئ الأمس والهوى
والرواية
*
كنت بالأمس إن بكيت
تمشت
فوق جفني كفها بحنان
ولكم بالشفاه سلبّت دموعي
لتروي جنانها
من جناني
*
كم رتعنا على شواطئ حلم
نتغنى برائعات الأماني
فرأيت أطياف حب
حالمات سماؤها عينان
*
وإذا ما الزمان لملم أفقي
أفسحت بين جفنها
لي زمانا
وأرقت من ناظرين سماء
كم تنقلت بينها نشوانا
*
أين ذاك الصباح
لا شيء منه
غير ذكرى تزيد قلبي حزنا
ونشيج
مغلف ببقايا من فؤاد يذوب يأسا
ويفنى
*
يا طيوف الفنا
مرّي سريعا
قد خبرت الحياة في كل دور
فعرفت الهدوء
في الموت يحيا ومهاوي الرجاء
أرجاء قبر
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> لهاث الوحدة
لهاث الوحدة
رقم القصيدة : 68503
-----------------------------------
أذناي
عمّهما من الماضي البعيد صدى شبح
وخيال أغنية من الذكرى
تفجر من برح
لتعود بالحب الطعين
(1/15398)
________________________________________
يكاد يزهقه ........الترح
لما تزل تعوي على أطلاله
صور الخداع
وخيانة القدر البهيم
وعالم الوهم المضاع
لما يزال
كالأمس يحلم باللقاء وبالوداع
*
يا حب ...قد ذبلت عروقي
والتظى فيها الهرم
ومضى الشباب عصافة لاذت
بزوبعة الألم
والدهر أيقظ في دمعي المخمور مأساة العدم
يا حب ....
قد مات الشباب وكنت من خلانه
فاجرض حياتك
واندثر في ذاهبات زمانه
أخشى عليه لهاث وحدته
وصمت مكانه
*
فهناك ...
لا حلم يهدده
ولا نجوى أمل
وهو الذي قطع الحياة على عوالم من قبل
ارجع إليه ... وخلني أحيا بماضيه الثمل
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> النهر الأسود
النهر الأسود
رقم القصيدة : 68504
-----------------------------------
زنبقة سوداء
في ثغرها الذاهل قد نام احتضار
المساء
نهر تمشي الليل
في لجة
مسترسلا
يسبح فيه الصفاء
تقلصت أمواجه
شهوة
فكونت
نهدا يناجي السماء
كأن أحلام الصبا
جمدت
في قدحي لحم
وكأسي دماء
وانتفض المغرب
في حلمتي نهدين ...بل
أنشودتي
اشتهاء
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حدثيني
حدثيني
رقم القصيدة : 68505
-----------------------------------
حدثني
عن حياتي الماضية
فهي أنوار الشباب المندثر
وأعيدي لي صدى أيامه
يوم رفت فوق آمال
غرر
جدديها ...
وابعثيها ...ثانية
ذكريات
تمطى في خور
حطمتها كف دهر عاتيه
لم تدع غير شتات من صور
*
حدثيني عن ليالينا الطوال
والهوى ينشر دنياه علينا
نتغنى فوق شطآن خيال
يتهادى
باسما في ناظرينا
فإذا بالدهر أطياف جمال
ووعود
وأمان في يدينا
كيف أهديت سناها للزوال
والليالي لم تزل
ظمأى ..ألينا
حدثيني
فعسى أنسى همومي
بعض حين
بين همس الذكريات
سئمت نفسي اكتئابي
ووجومي
وذهولا سل من عمري الحياة
لم أعد غير أناشيد سهوم
تتلوى
في جحيم الشكويات
فابعثي النشوة من تلك الرسوم
صورة
تومض في عتمة آت
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ربيع شقيقة
ربيع شقيقة
رقم القصيدة : 68506
(1/15399)
________________________________________
-----------------------------------
دخل الربيع لو كرها متسللا
وجثا
وعفّر ثغره بجبينها
فتسللت من روحه الشهّاء أحلام
غفت بين اختلاج جفونها
قالت لها :
قومي ... استفيقي ... وامرحي
ان الشباب دنا وقبّل ناهديك
وأرق دنياه الجميلة
زهرتي نور
وأحلامنا ترف بوجنتيك
*
فتململت فوق الفراش كزهرة
في روضها الفينان
والمعطار ...نشوى
وتململت في صدرها
دنيا هوى
وتثاءبت في العين أطياف ونجوى
*
ضمت وسادتها
وفي شغف هوت
تبلي الوساد بلثمها تجريحها
فكأنها كانت تصب بجسمه
روحها
تبادل روحها التبريحا
*
وإذا استفاقت لم تجد
غير التعاسة والأسى تستل روح
شبابها
قدر يسطرها رواية أدمع
تتجاوب الآلام طي كتابتها
ضمت وسادتها
وسدت عينها
لتعود ثانية الى أحلامها
دنيا الخيال أرق من دنيا صبا
خنقت كوارثها سنى أيامها
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الطبيعة الغاضبة
الطبيعة الغاضبة
رقم القصيدة : 68507
-----------------------------------
الليل جاث
والظلام مكشر عن نابه
والرعد يرعد كلما هتف السناء ببابه
فكأن خلف الليل
قلبا مل طوال عذابه
سئم الدجى والوحشة الرعناء ملء
اهابه
سئم السكون تعربد الأشباح في محرابه
فهوى على الدنيا
يربق بها التمرد والسهوم
ويصب في خلجاته نوح العواصف والغيوم
لم يرحم القمري وهو يثن بين يد الكلوم
يستعطف الريح الغضوب
ويشتكي الليل الظلوم
وبناظريه تأمل دام تقطره الهموم
*
واطل من قلب الظلام ختام أحلام عذاب
يلهو بها قدر وراء السر أضحكته العذاب
فالزهرة الحسناء لفت ساعدين
على اضطراب
ثم انتحت
وغفت على لغز ولم تأس جواب
أترى تسائل نفسها
عما ستلقي في التراب ...؟
*
وهناك يحتاج الدجى المصدور
انسان غريب
هجر المدينة هازئا
بالليل
بالريح الغضوب
ان هوّ ما في دربه
فبقلبه انفرجت دروب
أو حطما روضا له
فخياله روض قشيب
لا الليل بأسره ولا تسمو لدنياه الخطوب
*
من أنت ..؟
يا من ترهب الظلماء خطوته الرهيبة
يمشي كما شاءت عصاه
(1/15400)
________________________________________
كأنها حفظت دروبه
تتنفس الأشباح في عينيه حالمة
كئيبة
لا الليل أرعبها بما يلي
ولا خشيت قطوبه
من أنت ..؟
اني شاعر عمري أعاصير غريبة
*
فاعصف الأحداث ما شاءت
وما شاءت غير
ولينقل القمري آهات العرائس والشجر
ولتنفجر محمومة الخلجات في الدنيا سقر
لا ... لن تموت نشائدي مادام في قلبي وتر
اني انفجرت من السحاب
وجئت من قلب القدر
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> انتظار
انتظار
رقم القصيدة : 68508
-----------------------------------
يمشي الشتاء بغرفتي متعثرا بظلامها
والدفء مشلول القوى
جاث على أقدامها
قلقا يمرغ ضوءه المخنوق فوق رغامها
*
والليل داج
والعواصف نائحات خلف بابي
ورياح كانون الكئيب
تبادل القلب اكتئابي
عبرى تسطر فوق نافذتي التفاتات اضطرابي
*
والساعة الحمقاء تمطر في الدجى ساعاتها
فعلام لم ترجع ..!
ألم تسمع صدى دقاتها ..؟
ولعلها نسيت حديث الأمس في همساتها
*
رباه ...
إن الشك سقتلني بدون ترحم
فبأي صدر فاجر الشهوات مشبوب الدم
تقضي المساء الآن تهتك وتأثم
*
وأخاها نشوى يسيرها المجون ولا تعي
نشوى تدنس جسمها في مخدع
وتهينه في مخدع
وتذل حبا طاهرا قدست فيه توجعي
*
هذا السرج قد انتهت أحلامه
ودنا الصباح
والفجر يولد مرة أخرى على نزف الجراح
ومحت يد الصفوة الجميل دجى العواصف
والرياح
لكن بقلبي لم تزل ريح تبث أنيابها
وعواصف مجنونة
تملي عليّ جنونها
شك يداهمها فتنثر في الجفون
دفينها
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> اختناق
اختناق
رقم القصيدة : 68509
-----------------------------------
كآبة خرساء
تزفر في قلبي
فتنثر الأرزاء
شوكا على دربي
وترقص الأنوار
سكرى على هدبي
ان مست الأهواء
انهدت الى جنبي
وعافها الماضي
رعشات خذلان
يا خفقة المصباح
يا ضوءه السامي
يا رعشة المفتاح
في باب أحلامي
يا وهمي الملحاح
خنقت أنغامي
فاطلق هنا الأشباح
تنحت أيامي
قد غفى الاصباح
في جرحي الدامي
يرقص أنقاضي
في قبوها الفاني
(1/15401)
________________________________________
من أين كم من أين
مرت بآذاني
فخلفت ضدين
من مأوانا
فطفن في الأقداح
يبغين سلوانا
واتساقت البلوى
تمتص ألحاني
إن كنت كالإنسان
من طينة حمرا
تخفق بالأدران
من هده البشرى
لا أنت في الأجفان
مهازل أسرى
تخلقها الأشجان
فتخلق الذكرى
والوجد والآهات
في روح سأمان
هاتي لي الذكرى
و أملى بها كاسي
كم ساعة تترى
في جوع أنفاسي
وتنصب الشرا
قي قدس أقداسي
فاحرق العمرا
نورا الى الناس
والليل قد أبر
قلبي وإحساسي
والجوع والعلات
يمضغن إيماني
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> كفن من دخان
كفن من دخان
رقم القصيدة : 68510
-----------------------------------
عمري رماد وابتسام دخان
عصرتها من خافقي أشجاني
فدعي الرماد يضم أنوار الصبا
ودعي الدخان
يحوك لي أكفاني
قد كان خلفهما فؤاد خالق
غنى فما أصغت له اذنان
وبكى سنى للناس رفافا ... فما
رفت على خلجاته عينان
فأحال ذاك النور
رغم بهائه ... دنيا رماد قاتم الألوان
وأحال زغردة اللحون وعطرها
ظلمات وهم
وانتفاض دخان
*
قلقا أسير مع الوجود كأنني
أمشي بأيامي على بركان
وهجرت صبحي
وهو مؤتلق السنى
أعمى يكفنه دجى الحرمان
كبدي استحالت قصة
لمدامعي
تطوى ... فتنشرها يد الأحزان
حتى تعودت الحياة
سحابة سوداء ألقت رحلها بجناني
فكأنني والدهر يعبث ساخرا بشبابي
المتهدم الأركان
وتر بقيثار الحياة مقطع ... ماتت
على خلجانه الحاني
يا موجة الأيام هذا شاعر
مضنى خذيه لشاطئ النسيان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> شكاية مهمل
شكاية مهمل
رقم القصيدة : 68511
-----------------------------------
ليل يحوك الرعب حول سكينتي
ويطوف أحلاما تجن بمسمعي
و خفوق أجنحة الظلام يخيفني
وتنفس الأشباح يقلق مضجعي
حتى حسبت الليل
ليثا جائعا
باتت مخالبه تمزق أضلعي
والموت يحبو فوق صدر صباي نشوانا
بلحن شقائي المتقطع
يغتاله قبل الفناء كزهرة تذوي وعيناها
بحلم ممتع
كقصيدة ماتت على شفتي ولم
تسمع صدى إلهامها المتوجع
(1/15402)
________________________________________
وكشمعة
سحق المساء سناءها فغفت
على كف الدجى بتفجع
وكصورة
سلب الغبار جمالها
في ظل صمت بالظلام ملفع
أنا مثلها
عمري شكاية مهمل وصراخ مهجور
وبسمة ادمع
ما زلت اشتاق الحياة
وإنني ... سأموت والنسيان يقبر مطلعي
سأموت لا ماض يحن لرؤيتي ... يوما
ولا خل سيدرك ما اعي
وحدي أكفن بالظلام تعاستي
وأرى سواد الليل يملأ أدمعي
حتى الدجى القاسي استجاب لشوكتي
لكن ...
خلا ما بكى ساعا معي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> موت شاعر
موت شاعر
رقم القصيدة : 68512
-----------------------------------
أسلم الرأس لكفيه خذولا
وتمطت بازدراء
شفتاه
خفقت بسمته دنيا أسى
كنهار شرب الغيم سناه
هزأ القرطاس من أقراطه
مذ رأى الحيرة تودي برجاه
مذ رأى أجفانه مخمورة
بلحون
لم ترها الشفاه
عصرتها مهجة خفاقة لتروّي
بدماها مبتغاه
رام أن يبصرها في أحرف صدقت وعدا
وما خانت هواه
رامها طير حبيبا علقت
بجناحيه نشيدا كبرياه
... خانه الحرف وها ... أحلامه
قد ذوت مخذولة
فوق لماه
ومضى يستعطف الكأس فما
أنقذته
من دياجير دجاه
جمدت أنظاره في خمرها
وتلظى في الحواشي محجراه
*
بزغ الفجر وقد مدّ تليلا
فرح النور
رقيقا من ضياه
فرأى شاعرنا مستلقيا
فوق دنيا
من خيالات رؤاه
كان في عينيه سطر للمنى ... فمشى
الموت عليه فمحاه
وإذا بالشاعر الغريد جسم
متلاش
لا حراك في قواه
ورأى الكأس حطاما نثرت
بين كفيه وغاصت في دماه
وسكونا
مثقل الصدر جهوما
يتخطى عالما جل أساه
ورأى فيما رأى
أحلامه
قد هوت تعبى وما حاذت ذراه
ورأى فيما رأى
أسفاره
كقبور جثمت تحت كواه
طيها أبلى شبابا يافعا
شرب الموت
و أسقاها الحياة
*
أيها الجرح الذي كنا به
مدية لم تدر ما طعم دماه
كيف أصبحت نشيدا خالدا
ليست الدنيا سوى بعض صداه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> انتفاضة كأس
انتفاضة كأس
رقم القصيدة : 68513
-----------------------------------
يا أبو نؤاس
قم
حي الدجى
حانة الأرواح وأجمع شملنا
(1/15403)
________________________________________
إن تلك الأيام حالت دوننا
فهي لم تغسل في كأسنا
شفة الكأس التي صاحبتها
لم تزل
تصرخ
في أيامنا
كلما رنت عليها قبلة
خلتها
تروي لياليك لنا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> همس الطريق
همس الطريق
رقم القصيدة : 68514
-----------------------------------
في كل ذرة صمت
تنمو وتخفق فكره هنا يقدس سره
حتى الطريق المسجى
في ناظري رغامه
قد استحال لحونا عميقة فابتسامه
وكدت ألمح دنيا
وراء رعشة صوتي
مذ صحت : يا ليل اني أخاف ظلمة صمتي
حتى التراب الحقير
أراه ليس حقيرا
فالخوف أودع فيه روحا تفيض شعورا
روح تفيض حياة
وراء كومة حسي
ترى أبين ضلالي وجدت هوة نفسي .. ؟
يل درب سر بي فإني
آنست شيئا جديدا
وخلف هذا الوجود لقد خلقت وجودا
فمثل سرك قلبي
ملفع بالظلام
لكن ألف طريق في ظله المترامي
هنا .. جراح عهود
وصبوة وأغاني
وملء تلك وعود تحوك حبل الأماني
فعشت بين خطوط
يا درب مثلك عميا
العار مرّ عليها فمات فيها لتحيا
أبغي سموا ولكن
حواء فيّ آدم
ولست إلا ضلالا لرقصة تتقادم
ولست إلا ترابا
قد نتنته السنون
قاذورة من أمان أغفت عليها الدجون
يا درب سر بي
فإني
في الأرض صرخة ذاتك
بل دمعة
سرقتها
حواء
من بسماتك
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> خفقة الطين
خفقة الطين
رقم القصيدة : 68515
-----------------------------------
نزت الآثام في عمري
فثوري
وارقصي نشوى على قلبي الكسير
مضغ الحزن شبابي
يافعا
فامضغي بالشهوة القصوى مصيري
لست أهوى جنة الله ... ولا
ولا أتمناها رجاء في شعوري
لا ... ولا أخشى سعيرا
وصدى سخرية الحزن المرير
فدعي الظن الذي قدسته
نصبا
في معبد الوهم الغرير
لا خلوق
لا دنيء ... كلنا في مسرح الدهر
تماثيل عصور
ان ما نعبده اليوم طهورا
سوف يهزأ بهوى الأمس الطهور
بين نهديك اللذين انطلقا
وعد بركان
بنيران ونور
كل ما في أرضنا من جنة
فاستبيحي حرمة السر الكبير
صور الإثم بعينيك تلوت
كأفاع
تتلوى في سعير
(1/15404)
________________________________________
أطلقيها تتغذى من دمي
وأقيميها سدوما في سريري
لم تزل في حمأة الجسم بقايا
سكرات
مثل ديدان القبور
يتغنى الإثم في أحلامها
باللظى
بالشر ... بالليل المثير
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> جحيم
جحيم
رقم القصيدة : 68516
-----------------------------------
في ليلة صور فيها القدر
ملاعب الرياح
والمطر
والليل قد لاذ بأردانه
وكللت دنياه شتى صور
سيريني الشوق الى عالم
منعزل
ينفث أثما وشر
لمنزل غاف بكف الدجى
إلا سنى يخاف أن يستتر
يكافح الليل ليهدي الى
منابع الشر
ذئاب الشر
*
طرقت باب الدار في خشية
كأنني
أطرق خفاقيه
هذا جحيم مزبد بالخنى
فكيف يطفي شهوتي العاتية
وما جحيم الناس إلا دجى
يغور بين ناهدي غانية
فلتحرقي يا نفس في ناره
ما صنت في جنة أوهاميه
وحطمي الكأس التي بينها
قطرات أيام الصبا الغالية
*
ما النار ... ؟
ما الجنة ... إلا صدى لنظرة
ماجت بعين امرأه
كم أطفأت عمرا
وكم أوقدت
بنورها من مهج مطفأة
وكم فتى أضله دهره
ثم لقي
في عينها مخبأة
فلا طلق العمر بدنيا اللظى
عسى وإن يرينه
ملجأه
قد سئم الأرض مرافي منى
كاذبة
ولم تكن مرفأه
*
فلم يكد يحضنني عالم الرجس _
وتطويني أيادي سقر
حتى سرت في جسدي
رعشة
رأيت أحلامي تحتضر
ولم اعد إلا صدى شهوة
تحوم في مستنقع
مستعر
... واستقبلتني غادة بضة
ماج بنهديها شاع السحر
و أطرقت في ثغرها
بسمة
تخفي بظليها جراح القدر
فثار شيطاني على شهوتي
وقال لي !
رفقا بأحلاميه
لا تنزل الإنسان من قدسه
إلى حضيض اللذة الفانية
دع لي نجوم الليل
كأسي
طلى
فيها ومنها جرعتي الصافية
وذلك ...
الأفق بألوانه الزرقاء مأوى
روحي السامية
... اكن حياة جحيم الخنى
أغرين باللذة شيطانيه
*
سألته :
أين كؤوس الدجى
أراك لا تصبو إلى كأسه
وأين أفق بالمنى زاخر
وأين ما صورت
في قدسه
حطمت ما قد صنته حقبة
في حمأة الاثم
وفي دنسه
وبعت دنياك لقاء عالم
يستنزف الأثام
من أمسه
_ اسكت
_ إذن .. نسكت يا خيبتي
(1/15405)
________________________________________
فالسهم قد حرر من قوسه
*
وضمني وغادتي
مخدع
كم ضم قبل اليوم أمثاليه
جثمت نشوان على نهدها
استل حلم الغفوة الواعية
واستقى من منبع فاجر
سخرية
تهزا بأحلاميه
في غرفة تجثو على أمسها
تمتص روح العفة
الغالية
محمومة ترضع من صفرة المصباح
بقايا نوره الواهية
*
كم ساعة ذابت على نارها
وهي
كما كانت لدى الغابر
مرثيته ضمت صنوف الأسى
تسخر
من زماننا الساخر
تستقبل الدنيا وأيامها
بضحك نشوى
وثغا فاجر
يا غرفة افنيت في غمرها
أقدس ما يعبده خاطري
طهري
وأحلامي
ودنيا هوى
تموج نشوى في منى شاعر
*
وغادتي
شيطانة أرسلت
على جناحي قدر مستعر
جنية
تحوم في عينها
أنشودة الشر ونجوى سقر
تجرجر الآثام أذيالها
ما بين جفنيين كفكي صقر
كم من فم أولغ في حسنها
فعافه مستنقعا للبشر
وكم فتى ما طاله دهره
هوى
يدا شلاّء تشكو الخور
*
طوقتها حتى ارتخت اضلعي
وضج من صراعنا
المخدع
اسمم الجسم بآثامها
واثمها
من دمنا يرضع
وبين ثغرينا تمشى صدى
لقصة تقصها الأضلع
واشتكت الفرش لظى شهوة
تمتص جسمينا
ولا تشبع
تقول في تأوه لاهب :
رفقا ...
لقد تمزق المضجع
*
يا أخت حواء التي آدم
باع جنان الخلد من اجلها
وجاء للأرض صريع الأسى
واسكن الدنيا
على وحلها
يا نقمه لما نزل نحتسي
كأس الهوان المر في ظلها
ان اشترى آدم هذي الدنى
من أجل حواء ... على ذلها
سأشتري النار والآمها
واصبر القلب على ويلها
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> لعنة التراب
لعنة التراب
رقم القصيدة : 68517
-----------------------------------
أي سر كروعة الخوف
جاث
بين جفنيك موغل في شجونك
كلما أدلف المساء تمطى
افعوان الذهول فوق جفونك
فكأن الظلام جاء بدهر
من أمان
تحطمت في يمينك
أو كأن النجوم تحفظ سرا
قاتم اللون
قاتلا كعيونك
... أي يا لعنة التراب ... رويدا
ضل مسراك في دروب سكونك
فالحياة ... الحياة
قيثار إثم
دغدغيها برائعات لحونك
قطري العمر
لحظة
وسنينا
لا هبات
على سعير مجونك نحن طين
وأي طين حقير
(1/15406)
________________________________________
فلم الخوف من خوالج طينك
سيدب الغضون
شيئا ... فشيئا
كأفاع تعلقت بجبينك
سوف يغفو هذا الشباب وتدمي
قهقهات السنين سمع فتونك
حاملات من الليالي صحارى
ليس فيها سوى اصفرار ظنونك
ودماء الشباب تمسي دموعا
وشفاها
يلعن عهد جنونك
*
اشربي
اشربي ... فعمري كأس
والخمور الخمور ملء دمائي
عتقتها يدي الضنينة عمرا
في نيران شهوة
واشتهاء
يتلوى الوجود فيها غناء
أزليا يمور بالأنواء
كل شيء لديه خفقة نار
وانتفاضات لذة هوجاء
وجنوح
معربد تتلاشى
دون رجليه عزتي وأبائي
طوقيني . اني أحس بعمري
لم يعد غير
نطفة حمراء
واشرأب الجحيم موعد بعث
حول نهديك
رائع الإيحاء
مالجفنيك يرجفان ... اهذي ...
دعوة الشر ... ؟
أم نذير حياء ...؟
وكأني بشكك ينثر خوفا
خلف رعشات جفنك الرعناء
أتخافين ... !
يا لجبنك ... خلي ...
أنت أقوى الزعزاع النكباء
لا تخافي ...
فليس ثمة شيء مرعب مثل
وهمك المستاء
ايه ما اكبر الخسارة ان لم
يك خلف الوجود غير الفناء
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ستبقى
ستبقى
رقم القصيدة : 68518
-----------------------------------
نفضت بقايا الليل في عمرها
ذكرى
ستبقى بقاء الدهر لعنتها الكبرى
ستبقى الظلال السود ترتاد مخدعا
عصرت بها الآثام والنقمة الحمرا
ستلتفت الأقدار _يوما _وتنتهي
على مذبح الآلام أحلامك السكرى
وتلتفت في عينيك أفعى نكايتي
تسمم ما أبقيت
في الدمعة الحرى
سيرجع ذاك الأمس في ظل عاصف
تحمل نجوى الشر
لا الزهر ... لا العطرا
ستصفعك الأيام حتى أرى غدي
على هويتي عينيك يهزأ مغترا
سيسألك التاريخ عني ...
وأنني
بعيد
أعيش الآن في ضحكة صفرا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> العواصف السود
العواصف السود
رقم القصيدة : 68519
-----------------------------------
يا جيفة
نتنت حبي وأحلامي
لم تتركي بشبابي غير عاصفة
سوداء
تصرخ في ظلماء أيامي
هذي كؤوس أمانينا ... سأسحقها
حتى تبعثر في آثار أقدامي
*
(1/15407)
________________________________________
يكفيك ما شربت دنياك من كبدي
فما تركت بعمري ما ينير غدي
يا من سرقت شبابي دون ما عوض
لله رفقا بما أبقيت من بددي
يا من عبثت بقلبي في يفاعته
ماذا ترومين
بعد القلب والكبد ... ؟ !
*
عشرون عاما
مصصت الصفو من دمها
حتى تثاءب في أعماقها الضجر
عشرون عاما
ذوت بالشك زهرتها
ومل عمري من طول الأسى الكدر
كأنني
مسرح شاهت مناظره
وما يجدد في تمثيله القدر
*
أتيه في ظلمة الأوهام
مختبلا
حتى تجمد ليل الوهم في حدقي
يا موجة الموت
ضجي
واكسحي زمني
وما تحمل من طيش
ومن نزق
إن الصباح الذي قد كنت آمله
ولى ... وجاء ... ولم أبصر سوى الغسق
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الإله الغول
الإله الغول
رقم القصيدة : 68520
-----------------------------------
ارقصي
يا زوابع النار حولي
واستحمي بقلبي المخمور
ان هجس السكون أدمى لحونا
كن سر الحياة في ما خوري
وأطلت من كوة الصمت
دنيا يتلظى في راحتيها مصيري
ايه يا صمت
يا ذبالة عهد
نفضتها السنون في ديجوري
ايه يا ابن الفراغ ...
أي جحيم
يتلوى في وجهك المقرور
أنت يا خالق النبوغ ... إله
جل عن عالم الحياة الغرير
غير أني
ولست غير شظايا
من أمان تحطمت في سرير
أعبد الحس والحياة
فدعني
أتلهى بما تحوك شروري
*
أيها الغول
حانة القلب أغفت
فوق صفات روحك المغرور
مرّ أمسي ببابها
ثم ولى
دون شيء كأي شيء حقير
وتلاشى عبر السنين خطوطا
مبهمات
مخنوقة التعبير
وكؤوس الشباب أدمت طلاها
في شفاه
مسودة كضميري
أيها الغول
يا ربيب المآسي
ضقت ذرعا بأفقك المأسور
ان سجنا شيدته في ضلوعي
سل ما كان في دمي من نور
... أطلق القلب من قيودك
لحنا
ضاحكا ...
هازئا بكل مصير
يعبر الصبح في جناحي فراش
ومع الليل
موعدا في سريري
*
هل تأملت دمعة في جفون
إنها ضحكة الفناء
المرير
هل لمحت الشقاء يعصر قلبا
كي تروي الدماء
عطر الزهور
هل تبينت في كآبة شيخ
بسمة غضة لطفل غرير
كل مل في الحياة حتى
شقاها
ولظاها
إيماءة لسرور
(1/15408)
________________________________________
خلني ... خلني أذوب ائتلاقا
وابتساما في لج هذي الدهور
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> مهزلة الوجود
مهزلة الوجود
رقم القصيدة : 68521
-----------------------------------
ولدت شقاء للحياة جديدا
ولكم ستجبني
من أساه شقاء
هي لذة حمراء تجتاح الورى
فتصب من سكراتها
البلواء
ماذا جنيت ... ؟
لتقذفي بي في جحيم حياتكم
متمردا
مستاء
وغدا
سأرجع للفناء كأنني
ما جئت إلا كي أكون فناء
ولأشتري كفنا
أضم بجوفه
أدوار عمر قد مضين هباء
ماذا جنيت لا حمل النير الثقيل
تيمنا
ورجاء
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> إيماءة وداع
إيماءة وداع
رقم القصيدة : 68522
-----------------------------------
جاءت
تسائل عن قلبي وماضيه
خليه في دعة النسيان
خليه
لا توقظي الأمس
في طياته دنس
أخاف ان تشتهي عيناك ما فيه
فلست إلا كباقي الناس
من وحل
الشر يرقصه
والإثم يغريه
اني نفضت يدي من إثم تربته
وبعت للعالم المنسي
لياليه
ما كن غير التفاتات مخبلة
كأنها
انطلقت من عين معتوه
*
لا تسألي القلب عن تاريخ أغنية
رعناء
جفت على قيثارة ماضيه
لا تسألي القلب ما فيه سوى خشب
تكاد تلمسه الذكرى
فتوريه
أطلقته طائرا في قلب عاصفة
فما استقرت على شيء
أغانيه
حتى استفاق على دنيا
مدنسة
ونبه العار
إحساس اللظى فيه
فراح يحرق بالتفكير ما رسمته
أنا مل الإثم
في رؤيا دياجيه
وجئت
ابحث في عينيك عن حلم
هاد ... أعيش على نجوى أمانيه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> شتاء محموم
شتاء محموم
رقم القصيدة : 68523
-----------------------------------
ما لي
ومالك يا سني صبابتي
كل مضى في دربه المرسوم
لا أنت راجعه
ولست بما كن
من أن أعود لعهدك المحتوم
دنيا ..تناهبها الفناء وغيبت
بسماتها في غيهب مسموم
وربيع أيام
غفت نزواتها
بشتاء عمر ذاهل ...محموم
فعلام أنبشها
لأخرج طيفها
فأريد من تلك الهموم
همومي
وأقيم أشباح الخطيئة
بعدها
واريت دنياها
وعفت سدومي
عودي
(1/15409)
________________________________________
لقد أنكرت عهدك ...
فانتهى
ونسيت ظل شبابي
المرجوم
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ظلال
ظلال
رقم القصيدة : 68524
-----------------------------------
من أي واد
بعيد الغور كالحلم
أتيت تحمل في عينيك صوت دمعي
إني نسيت الهوى
والأمس
وانتفضت أنامل العمر تمحو
قصة الندم
يا طيفها
لم تدع دنياك من جسدي
شيئا
فماذا سأعطي الدود من رممي
*
أغريتني بالليالي الحمر فانزلقت
على مباسمها السوداء
راياتي
وتاه أمسى عبر الشر منطلقا
ولم يدع لغدي غير الصدى العاتي
وغير أشباح ماض كالظلال هوت
في عتمة من أماسي و ليلاتي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ذلك الشيء الصغير
ذلك الشيء الصغير
رقم القصيدة : 68525
-----------------------------------
أنا لا أخاف من الحياة
وعسفها
ألا عليك
فلقد تركت الأمس أشلاء وجئت
بناظريك
ها كي يدي لنعبر الدنيا
ومدي لي يديك
واذا تلفت غابر ورنت به الذكرى إليك
قولي له :اني
نسيت ماضيك
فاطو على جرح -
الأسى لياليك
قولي :الحياة سخافة يلهو بها قدر
غرير
جاث وراء الغيث يعبث بالسنين
وبالعصور
ويطل أحيانا بقلبي ذلك الشيء الصغير
يلهو فيرسم لهوه
لن أبالي بغد لم يولد
كل عمري
غابر أحيا به
حاضري ماض وماضي غدي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الباب المهجور
الباب المهجور
رقم القصيدة : 68526
-----------------------------------
هذا الصرير الذب ...أعرفه
واذكر ما رواه
ما زلت ألمح في فؤادي
بعض ما تركت خطاه
كم مرة
أيقظت في عيني ما نسجت رؤاه
كم مرة
تاهت خيالاتي لتستجدي صداه
ولكم تأوه في سكوني
قصة خلقت حياة
هذا الصرير العذب ...أعرفه
ولكن ما وراه
*
يا قلب لا تحلم
أخال الريح قد سئمت عذابي
فتمرغت في بابي المهجور
ذكرى من شبابي
أما التي خفقت على ماضيك بالصور
العذاب
فهي التي سدت عليك الباب
مذ نهبت رغابي
ولعل
لا أدري
لعل حياتها أمست كبابي
ليست سوى شفتين من خشب
وقلب من تراب
(1/15410)
________________________________________
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> إلى سمراء
إلى سمراء
رقم القصيدة : 68527
-----------------------------------
سمراء
يا حلمي المضمخ بالهواجس والظنون
يا غفوة
قدست في واحاتها حتى جنوني
ولكم تفيأت السكون أعب حبك
في سكوني
ولكم تمسح بالدجى وبقلبه الخالي حنيني
فتمد عيني الظلال بخافق الليل
الحزين
وتلفك الأضواء
ولألوان حلما في جفوني
فاحس ...بل إني أرى
دقات قلبك في عيوني
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الكوخ الوردي
الكوخ الوردي
رقم القصيدة : 68528
-----------------------------------
غدا إذا يخفق الإعصار
حتى بالرؤى الخضرا
وينهب كوخنا الوردي من أحلامنا
السكرى
وفوق جبينك التفت
دروب تفضح السرا
فماذا سوف تروين
لذلك الغد ...يا سمرا
أجل ماذا ستروين
وقد متنا
بلا ذكرى
*
غدا ..إذ تهمس المرآة في عينيك
عن سر ك
وتروي قصة الموت التي تزحف في
شعرك
وحلما عافه الأمس فراغين
على صدرك
وسوف تقول :
يا سمراء .....
أين الدفء في عطرك
فهل قلبك مرآة ...كقلبي
لم يصن ذكرى
*
غدا
تلتف أسرار حواليك كنجوانا
شفاها تهن في عينيك أطيافا
وألوانا
سجت في الخالق النوري علّ هناك
تلقانا
ولكن ....
لن ترى شيئا فقد لاذت بمرعانا
رياح عافت الكوخ
حطاما ما بها ذكرى
*
غدا
إذ ترقص الأقدار في مأتم أحلامك
ويغفو الأمس والآمال ظلا في
لقى جامك
تناهب روحه الأسيان صمت خريف
أعوامك
فإن ضاقت بك الدنيا وضقت بسود
أيامك
هنا ... ما زال في قلبي ...لنا كوخ ... لنا ذكرى
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> خطوات في الظلام
خطوات في الظلام
رقم القصيدة : 68529
-----------------------------------
قدمان مرّا يضربان الليل في رفق
ولين
يتجاذبان مطارف الخفقات في قلب
السكون
....متعثران كأنما
شدت وثقهما الدجون
يتهافت الأعياء فوقهما
ويوقظه الحنين
يا قصتي في الصفحة السوداء ....
ماذا تحلمين ..؟
*
قد كان لي
قلب كخطوتك الأنيقة لا يملّ
قد كان لي
(1/15411)
________________________________________
عبر الليالي السود أنوار وظل
ولكم لمست ربيعها
ولمست ما يرويه طل
واليوم ..ها أنا ادفن الماضي
واهجر ما اجل
حلمي
وأشواقي ...وامالي
وما تتأملين
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> صدى عذاب
صدى عذاب
رقم القصيدة : 68530
-----------------------------------
لا تطرقي بابي
فان وراء قلبي ألف باب
ابدا يرغ صمته
شك
ووهم
واضطراب
وأنا ..أنا
كالأمس في هجس الوجود صدى عذاب
وسؤال وهم
في ضمير الكون ظل بلا جواب
امشي
فترسم خطوتي العناء أسرارا عجاب
هي أمسي الدامي ويوم لم يزل رجع انتهاب
ولعل ان مست غدي
ستحيل جنته يباب
*
أتعبد الأوهام في أفق يظلله السراب
تتنفس الآلام في صمتي وينتحب اكتئاب
فأكاد
اخنق في دمي
تلك القبعة من شباب
وأعود للماضي البعيد
وكل أحلامي
تراب
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> شفاه مطبقة
شفاه مطبقة
رقم القصيدة : 68531
-----------------------------------
ايه كم من عالم
في صمتي الدامي ...يموت
كم أمان
في طريق الوهم أعيها السكوت
كم شفاه
في دمعي أطبقها اليأس المقيت
ثم ماذا ...؟
كلها ولت ...وظلت عنكبوت
تنسج الموت لصمتي
وهي مثلي ...ستموت
*
أيها القابع في زاوية مثل حياتي
لفها ظل بليد اللون
يحكي أمنياتي
نفضت وحدة أيامي فيه
بعض ذاتي
أنا في معبدك المهجور قدست انفلاتي
ان تكن تنسج لي الموت
فمثلي... ستموت
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> يا طفلتي
يا طفلتي
رقم القصيدة : 68532
-----------------------------------
نامي
وخلي الليل في مقلتي
ينفض أشباح الظلام المريع
واستنشقي الأحلام
من شاطئ
لا يعرف الليل ولا ما يذيع
نامي ...
ولم تعنين يا طفلتي
وبما احوك الآن خلف الدموع
غدا إذا استيقظ فيك النهى
ولملمت عيناك
هذي الربوع
و جاوزت خطاك
باب الروءى
فاصطدمت بألف روح صدوع
ستعرفين
الدهر في دمعتي
وسوف ترثين لهذا القطيع
يسير
لا يبصر إلا خطى
تطوي ربيعا
ثم تطوي ربيع
*
فالان في انعتاق الحياة
(1/15412)
________________________________________
من قبضة الشر ودنيا الألم
*
غدا ستنهد ظلال الصبا
فكل ما تلقينه
من تراب
تململت حيث ارتمى سرحه
همهمة الذنب
وصوت العقاب
فليس من يقبض ظل السنا
وليس من يركض خلف السراب
كأنما الناس
ودنياهم
سخرية جفت ...ويا لعذاب
يا طفلتي
نامي بقلب الدجى
وانطلقي
إني يمر السحاب
وسرحي دنياك في
سجوة بيضاء لم يخفق عليها اكتئاب
ففي غد
تموت حتى الروءى
ويمحي النور
ويبقى الضباب
*
وليس من امسك واخيبتاه
شيء لكي يملأ هذا العدم
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> في الأرض
في الأرض
رقم القصيدة : 68533
-----------------------------------
قلتِ : في الأرض
قلتُ : بيتي فزوري
مصرع الوهم في الهوى المفخور
قلتِ : هذا التراب ...
قلتُ :سماء نحن فيها كواكب دون نور
وتساءلتِ : ما الحياة ... ؟
فدبت كلمات صفيقة في شعوري
إنها جيفة وأنا عليها نتن غارق بحلم كبير
فاقشعرت في ناظريك الأماني
واستشاطت هناك حمى الغرور
*
وتلاشيت في طريق ولكن ...
كل هذي الدروب تقفو مصيري
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> نقمة
نقمة
رقم القصيدة : 68534
-----------------------------------
سأخدعها وأنطلق
ويبقى ذلك القلق يراود جفنها الغافي
بأحلام وأطياف
فاضحك حيث أبكيها
واهمس .. سوف نفترق
*
سأخدعها فأنتقم
لأمس شابه الألم أرادت أن تبقيه
فأبقت روحها فيه
وأمسي اليوم بقصيها
فتصرخ حين أبتسم
ستذكرني وتختنق
وينهش عينها الأرق ستلقى روحها شلوا
تريد وليس من يهوى
فتلتف بماضيها
فألعنها وأنطلق
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> مدفن الظل
مدفن الظل
رقم القصيدة : 68537
-----------------------------------
_أتحداك ... لن تعود
فضجت كبريائي
وغمغمت :
مسكينه
وتحسست ملء ذاتي عملاقا
تهاوت
عواطف الناس دونه
مرّ بالمجد
فاستهان دراه
ورأى فجره
فداس جبينه
وتسمرت في سكينة نفسي
فإذا الأرض
كلها في سكينه
وإذا الأفق وطرح لخيالي
أتبنى فيه رؤى مجنونه
إن ترآى الوجود
يوما بدربي
(1/15413)
________________________________________
عقّ وجهي
فلم أصافح يمينه
صرت كالموت عابثا اتنزى حيثما شئت
ضحكة ملعونة
ينسج الصمت في جوانب نفسي
من خطاه الطويلة
المسكونه
عالما
شامخ الذرى
يتأبى
أن يرى نفسه حكاية طينه
*
ايه سمراي ... وقد رجعت
وهذا
مدفن الظل يستعيد رسومه
هذه غرفتي يغص بها الهدء _
وينحل في الظلال المقيمه
كلما مرّ هاجس في خيالي
مرّ فيها
فعاد ذكرى قديمه
*
ها هنا
ها هنا تلفت وجه
حملته السنون روحا لئيمه
وهنا
تبعث الظلال خريفا
وبقايا من أمنيات عقيمه
وغدا
يسرق الجدار هو أنا
صحوه النابض للسنا
وغيومه
ثم أنت ...
سترجعين خطوطا
شاء حسي أن لا تكون وسيمه
يرعش النور في شفاهك ألوانا
وينهدّ لذة محمومه
ثم تمضين ... مثلما أتمنى
تتلوين
صرخة مكتومه
*
واستفاق الزمان في مدفن الظل
فضاعت
أحلامي المجنونه
كان صمت
وكان ثمة حس
و استحالات هدأة ملعونه
ثم ماذا ... ؟
وكبرياء تأبت
تتلهى بجثتي المسنونه
_ ثم ماذا .. ؟
وكان موت بقلبي
يتهزا
مغمغا :
مسكينه
سوف تمضين مثلما جئت يوما
نتنا حالما
وخفقة طينه
*
وتلمست قبضة في ضلوعي
شدها الله فاستحالت سكينه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> طاحوذ
طاحوذ
رقم القصيدة : 68538
-----------------------------------
تلك هي الأرض
فلا تعجبي
ان مرّ بي الفجر وما مر بي
قد كان لي
درب
وكانت رؤى
تواعدا والأمس في مأرب
ومات ما كان
سوى خطوة لما تزل تبحث عن مهرب
شدت بساقي
وما راعها
من مشرقي الدامي ومن مغربي
شيء
سوى أصداء إيقاعها
تئز في صمت
عميق
غبي
أحسها تصرخ في مسمعي
أفّاق ...
يا للعبث المتعب
*
أفاق ... لا أدري
لعلي كما ...
ظل بلا لون ولا مسند
... لن أسأل الفجر إذا مرّ بي
والليل
أن نام على مرقدي
عما سيبقى النور من قصتي
وكم سيمحو الليل من مشهد
لن أرتمي كالناس
في منية
ولن يقود الدهر يوما يدي
فالناس
ما أقبح آلامهم
هذا بلا أمس
وذا في غد
والأرض ما زالت على عهدها
تدور حول الأبد الأسود
طاحونة
أطربها جهدهم
(1/15414)
________________________________________
فلم تسل عن ثورها المجهد
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> عبث
عبث
رقم القصيدة : 68539
-----------------------------------
وستبتغي ... وترفضين
وستضحكين ... وتحزنين
ولكم سيحملك الخيال ...
وتحلمين
لكن ... هناك
هناك في العبث الذي لا تدركين
ستظل ساعتك الانيقه
تلهو بأغنية عتيقه
ولن ترى
ما تبصرين
ستتكتك اللحظات فيها كل حين
ستتكتك اللحظات
في المفعى الصغير
وبلا مصير
وتمر عابثة بما تتأملين
لكنما
أنت التي لا تدركين
فستبغين ... وترفضين
وستضحكين ... وتحزنين
ولكم سيحملك الخيال ...
لكم سيحملك الخيال ...
وتحلمين
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> مر الربيع
مر الربيع
رقم القصيدة : 68540
-----------------------------------
مر الربيع
وهيبه مر ... غدا يعود
بمسوح قديس جديد
ليقول :
ويك أنا الشتاء
ألا تخاف ... ! ؟
ألا يواليك اتخاف
ويمر بي
وامر أحلم بالورود وبالربيع
وبالشموع
تضيء داري
وبالضلال على الجدار
يطفن في صمت وديع
فهبيه قال : ... أنا الشتاء
أولم يكن هو كالربيع
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> كبريا
كبريا
رقم القصيدة : 68541
-----------------------------------
أنت التي لا تدركين
ماذا أريد
ولعل لو أدركت قلت لآخرين
وبضحكة رعناء مثل الآخرين
ماذا أريد ... ! ؟
ومحوت هاتيك السنين
وتصلب الوجه الحزين
ولعدت أزحف من جديد
في مدفني الرطب الوحيد
في خافق كملاجئ المتشردين
كغد اللصوص الخائفين
ماذا أريد ... ! ؟
لصرخت بالظل الذي يهتز في خجل مهين
لصرخت بالوجه الحزين
وبكل ما حملت هاتيك السنين
ماذا تريد ... ! ؟
ولعدت أضحك مثلهم ...
كالآخرين
أنت التي لا تدركين
ماذا أريد
لم تسألين
عما أريد
أنا لا أريد
أنا لست مثل الآخرين
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> لن أراها
لن أراها
رقم القصيدة : 68542
-----------------------------------
لن أراها
كان حلما ذلك الوعد الذي شد خطاها
بخيالي
لن أراها
(1/15415)
________________________________________
ربما ما شفتها يوما
ولم أدرك رؤاها
وضلالي
هو ما وسوس في قلبي ... فتاه
بهواها
وابتنى لي
موعدا طال مع الدهر ...
ولكن
لن أراها
موعدا جئته ضمان فما كانت
ولا كانت سواها
موعدا خلد في نفسي معنى لبقاها
كان حلما
ذلك الوعد الذي شدّ خطاه بخيالي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> عقم
عقم
رقم القصيدة : 68543
-----------------------------------
نفس الطريق
نفس البيوت يشدها جهد عميق
نفس السكوت
كنا نقول :
غدا يموت وتستفيق
من كل دار
أصوات أطفال صغار
يتدحرجون مع النهار على الطريق
وسيسخرون بأمسنا
بنسائنا المتأففات
بعيوننا المتجمدات بلا بريق
لن يعرفوا ما الذكريات
لن يفهموا الدرب العتيق
وسيضحكون لأنهم لا يسألون
لم يضحكون
*
كنا نقول :
غدا سندرك ما نقول
ولسوف تجمعنا الفصول
هنا صديق
وهناك إنسان خجول
بالأمس كان هوى عميق
ولعلنا
لم نعن ما كنا نقول
فاليوم تجمعنا الفصول
ذاك الصديق
......... بلا صديق
ذاك الهوى
......... وجه صفيق
وعلى الطريق
نفس الطريق
نفس البيوت يشدها جهد عميق
نفس السكوت
وهناك
خلف النافذات المغلقات
كانت عيون غائرات
جمدت
لتنتظر الصغار
وتخاف أن تمضي النهار
مع الطريق
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أعماق
أعماق
رقم القصيدة : 68544
-----------------------------------
لا تهابي
هذه الريح التي تطرد من باب
لباب
ذلك الأفق الذي ينمو برعب واضطراب
والدروب
إنها ملعب أحلام شبابي
هي بعضي
إنها تلتف كالأفعى ... ولكن
لا تهابي
هي بعضي
هي أعماقي التي تجهل ما بي
هي أفراحي التي تصفر في وحشة غابي
ها هنا
كم شيد الطفل أمانيه
رمالا
وتلالا من تراب
ها هنا
كم جئت والأمس فتى غض الرغاب
فتغنيت بعينيك
بحبي
بشبابي
لا تهابي
لست إلا هذه الريح التي تطرد من باب
لباب
لست إلا
ذلك الأفق الذي ينمو برعب
واضطراب
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ساعي البريد
ساعي البريد
رقم القصيدة : 68545
(1/15416)
________________________________________
-----------------------------------
ساعي البريد
ماذا تريد ... ؟
أنا عن الدنيا بمنأى بعيد
أخطأت ...
لا شك فما من جديد
تحمله الأرض لهذه الطريد
ما كان
ما زال على عهده
يحلم
او يدفن
أو يستعيد
ولم تزل للناس أعيادهم
ومأتم يربط عيدا بعيد
أعينهم تنبش في ذهنهم
عن عظمة أخرى لجوع جديد
ولم تزل للصين من سورها
أسطورة تمحى
ودهر يعيد
ولم يزل للأرض سيزيفها
وصخرة
تجهل ماذا تريد
*
ساعي البريد
أخطأت ...
لا شك فما من جديد
وعد مع الدرب ويا طالما
جاء بك الدرب
وماذا نريد ... ؟
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> وغدا نعود
وغدا نعود
رقم القصيدة : 68546
-----------------------------------
وغدا نعود
وبألف كان
ستظل تمتليء السنين
ونظل نوغل في الزمان
وستذكرين
وككل أمسية نعود
ستذكرين
تلك العهود
تلك الوعود
تلك السنين الضائعات من السنين
وستكذبين وتصدقين
وتظل كان
وبالأمس كان
واليوم كان
وتظل تمتليء السنين
ونظل نوغل في الزمان
وغدا نعود
لكي نعيد
ومن جديد
وبذلك السأم العنيد
نفس الحديث عن العهود
وعن الوعود
وعن السنين الضائعات من السنين
وستكذبين وتصدقين
وتظل كان
وبالأمس كان
واليوم كان
وتظل تمتليء السنين
ونظل نوغل في الزمان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> وحدتي
وحدتي
رقم القصيدة : 68547
-----------------------------------
هكذا أنت نموت
عشبه صفراء في ضفة موتي
وحديثا مسرفا بالهمس
كالهجس
كصمتي
هكذا أنت نموت
من سكوتي
من خطى تعبر ليلي في خفوت
من رؤى تضخم ظلي
من بلى ينسج في الوحل بيوت العنكبوت
هكذا أنت نموت
قفرة جرداء لم تحلم بنبت
قفرة جرداء كالخيبة
كالخيبة أنت
فاتركيني
سئمت وجهك نفسي
اتركيني
صخبا أزحف في الطين وأمسي
بعد حين
لي مثل الناس صوتي
لي مثل الناس حسي
وظنوني
لي مرمى
وممر في دروب الشمس أعمى
لي ضحكي
وجنوني
وببيتي
صحوتي تغرق في السكر وتمتص
سنيني
اتركيني
أنا للناس
وللنسر الذي ينهش صدري
أنا موتي
(1/15417)
________________________________________
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> صورة
صورة
رقم القصيدة : 68548
-----------------------------------
القصر
في منعطف المدينه
تغل جنبيه رؤى حزينه
تكاد ان تصرخ في السكينه
وحشته القاتمه اللعينه
*
تكاد ان تصرخ :
ما أقساه
هذا السنا الغارق في نجواه
غدا
إذا ما لملمت دنياه
يد
سيبقى مثلما أراه
يمتد في ابتسامته رهيبه
يمتد في صفرته المريبه
ويحمل التاريخ
في غيبوبه
قد قدس الجسم بها
ذنوبه
*
هذا السنا المنسل في السكون
كأنه
هجس من الظنون
ما خلفه ... ؟
أي لظى مجنون
في المخدع المعفر الجبين
*
يصيح بالإنسان :
ما الانسان
ما الروح
ما الإله
ما الايمان
بوارق ليست لها ألوان
ستنطفي
وتخلد النيران
*
في النار
في المنعتق الكبير
من قسوة الروح من الضمير
إذ يصرخ الانسان :
ما مصيري
غير الهوى المسعور في جذوري
غير الهوى النابض في عروقي
يسير بي كالعبث الطليق
أعمى بلا حلم
بلا طريق
*
غير الهوى
وانهتكت أجواء
غير الهوى
وانخذلت حواء
*
حواء ذات الأعين الشريره
كأنها
مناجم مهجوره
كم مرغ الدهر بها عصوره
ولم تزل
كأمسها قاذوره
*
قاذوره ذات رؤى أثيمه
الله مذ ألقى بها الديمومه
ألقى بها أمنية مسمومه
فخلدت
زلته القديمه
ولم نزل نطوف في جفنيها
وننشد الموت
على يديها
يا أبد يغور في عينيها
ما أخلد الموت ... هنا
لديها
*
ما أخلد الموت ...
وها آشور
محاجر غص بها الشعور
يصلبها هذا السنا المهجور
في كوة القصر الذي يغور
يغور في منعطف المدينه
تغل جنبيه رؤى حزينه
تكاد أن تصرخ في السكينه
وحشته القاتمه اللعينه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> صراع
صراع
رقم القصيدة : 68549
-----------------------------------
وتشبثت بالموت ......
عينان
وتشبثت بالموت ......
رجلان
*
وأظل أزحف في الصراع
يهوي شراع
وتموت في جنبي ذراع
وأكاد أوميء بالوداع
يا للجبان
يا للجبان
وخجلت من ضعفي المهان
ضعفي المهان
ما زال يضحك في ارتياع
ويظل يضحك في ارتياع
وهناك
(1/15418)
________________________________________
في البهو المغبر كالزمان
كانت تعدّ لي الثواني
تلك العجوز بلا حنان
تك ... تك ...
ويدور فيها العقربان
يا للجبان
يا للجبان متى سيوميء بالوداع
؟
وأظل ازحف في الصراع
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ثلاث علامات
ثلاث علامات
رقم القصيدة : 68550
-----------------------------------
والتقينا
كان ود بارد بين يدينا
ان شيء مضحك في ناظريك
قلت في همس :
-تغيرت
-وأنت
وتلفت لنفسي
وتألمت لأمسي
أترى جار علينا ..؟
أترانا
قد أضلتنا خطانا ...فانتهينا
بعض أفكار حزينة
بعض حقد وضغينة
ورموزا لمدينة
لم تشيدها قرانا
أترانا ...
قد أضلتنا خطانا ...فالتقينا
في دروب لم يسر فيها صبانا
وافترقنا
؟
وافترقنا
والتقينا
كان حس ليس منا في يدينا
كان شيء مؤلم في ناظرينا
كان صمت
وحديث خلف صمتنا بعيد
كان للعالم عمر
وحدود
قلت في همس
لنفسي :
-هذه ليست قرانا
هذه ليست دنانا
إنها تجهل أمسي
وتلمست بصوتي
وحشتني
موتى المهانا
أترانا
قد أضلتنا خطانا ...
فالتقينا
وافترقنا
؟
وافترقنا
ثم عدنا فالتقينا
كان صمت بيننا يسخر منا
كان ود ميّت بين يدينا
لم نقل أنا ...
ولكنا ..
انتهينا ...
وافترقنا
أنا لا إذ ...
نحن لا نذكر أن كنا التقينا
*
وافترقنا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الجرح المرائي
الجرح المرائي
رقم القصيدة : 68551
-----------------------------------
لا تمسّي كبريائي
لا تمسي ذلك الجرح المرائي
أنا لا أدري
أنا لا أدري أين من نفسي دائي
أنا لا أدري
فاتركينا
لا تقولي :
لم لم تأت إلينا
لا تقولي :
قد تكبرت علينا
أنت تدرين
وأدري
هكذا نحن انتهينا
بأباء فاتركينا
أنا لا أملك إلا كبريائي
ذلك الجرح المرائي
ذلك الموت الذي يهزأ حتى ..
بانتهائي
فاتركينا
لا تقولي :
قد تكبرت علينا
أنت تدرين
وأدري
هكذا نحن انتهينا ...بأباء
وغدا
ألقاك في دربي
كأنما ما التقينا
بأباء
فاتركينا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> في الليل
في الليل
(1/15419)
________________________________________
رقم القصيدة : 68552
-----------------------------------
في الليل إذ تدفن الموتى
لياليها
وتتكي الأنفس التعبى على أبد
لم يدر أن يدي
حاكت مآسيها
من كل ما فيها
وأنني في سكون الليل
أسيان
يصبح بي هاجس كالعقل مشدودا
يا رب ...
لم كانوا ...؟
لك كان للأرض تاريخ
وأزمان
ولم يؤبد هذا القيد ماضيها
فتحلم الناس
لو يهديك شيطان
وتبصر الأرض في شتى مناعيها
تلهو بأعينها البيضاء ديدان
فلا تحس
ولا ترثي
ولا ترثي لما فيها
أليس قي قلبك الربى إنسان
؟ !
وسود الجبهة الشماء
خذلان
كأن عاصفة لمست مراميها
وزمجرت
وقست
وانهد سلطان
لكنما الناس
عادوا مثلما كانوا
يشد أرجلهم بالأرض ثعبان
والأرض تنسج في صمت مآسيها
من كل ما فيها
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> وها أنت
وها أنت
رقم القصيدة : 68553
-----------------------------------
......
بالأمس إذ كنا صغار
كم كانت الدنيا صغيرة
ما زلت اذكر كل هاتيك السنين
تلك الدروب المعتمات
ضحك السكارى العائدين من الحياة
بلا حياة
لون المساء
كالداء يزحف في أزقتنا الضريرة
ما زلت أذكر كل هاتيك السنين
تلك الوجوه المستديرة
تموت خلف كوى صغيرة
عمياء
من قش وطين
*
ما أصغر الدنيا بحارتنا الفقيرة
هل تذكرين ..؟
تلك الحكايات الطويلة عن أميره
كانت تصر
تصر أن تبقى كدنيا صغيره
ما زلت أذكر كل هاتيك السنين
لون المساء
داري المخفية كالوباء
غور العيون الباسمات بلا رجاء
وهناك ...
امرأة مريرة
ألم نحاول ان نثيره
فتعود ثانية تقول :
-لا لست امرأة مريرة
وتعود ثانية تعيد حكاية ظلت تطول
تنمو ولا تنمو الأميرة
تلك الأميرة ...أينها ..؟
هل تذكرين ..؟
كم كانت الدنيا صغيرة
اليوم كبرت ..وها ...
-لا ...لست امرأة مريرة
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> دروب
دروب
رقم القصيدة : 68554
-----------------------------------
ملء الطريق
صمت عميق
ينهد عن قلق وضيق
وهناك في الأفق السحيق
سبل تنام
وتستفسق
أما أنا
(1/15420)
________________________________________
فلقد تعبت وها هنا
سأنام
لا أهفو ولا تهفو مني
*
وبلا وعود
وبلا عهود
ولتبق في الأفق البعيد
تلك الدروب كما تريد
فغدا ستعبث من جديد
أما أنا
أما أنا
فلقد تعبت وها هنا
سأنام
لا أهفو ولا تهفو مني
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> شيخوخة
شيخوخة
رقم القصيدة : 68555
-----------------------------------
شتوية أخرى
.....وهذا أنا
هنا
بجنب المدفأة
أحلم أن تحلم بي امرأة
أحلم أن أدفن في صدرها
سرا
فلا تسخر من سرّها
أحلم أن أطلق في منحنى
عمري سني
تقول :
....هذا السنا ملكي فلا تقري له
امرأة
*
هنا بجنب المدفأة
شتوية أخرى
وهذا أنا
أنسج أحلامي وأخشاها
أخاف أن تسخر عيناها
من صلعة حمقاء في رأسي
من شيبة بيضاء في نفسي
أخاف أن تركل رجلاها
حبي
فأمسي أنا
هناك
جنب المدفأة
ألعوبة تلهو بها امرأة
*
شتوية أخرى وهذا أنا
وحدي
لا أحب
لا أحلام
لا امرأة
عندي
وفي غد أموت من بردي
بجنب المدفأة
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> برمثيوس
برمثيوس
رقم القصيدة : 68556
-----------------------------------
وكالذكرى
تلك التي لا ترى
في صمتها القارص غير الرعود
أعيش في موتي
وأقتا تمن سري الذي كان فكان
الوجود
لا هاجس
يبحث بي عن صدى
و لا غد
يحلم لي بالخلود
والليل إن مرّ ولم ينته
لن يسأل الشك :
ترى ...هل تعود..؟
تعود
أو لا تعود
فليس في مطر حي ساعة
يحصي بها الوقت خداع الوعود
هذي يدي
نفضت عنها غدي
وألف وعد راسف في القيود
فليحلم النسر بأمواته
ولتحلم الموتى بسر الخلود
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> العطر الضائع
العطر الضائع
رقم القصيدة : 68557
-----------------------------------
يا أنت
... إني لن أعود
لن أتبع الزمن الحقود يمر بي
دون اعتذار
يا أنت
اني قد عبثت ولم أزل طربا بعاري
سيضيع عطرك في الفراغ
وما اغتوى
غير احتقاري
واذا بعينيك اللتين عبدت ملأهما
انتصاري
تستجديان هواجسا تومي لفكرك
باصطبار
(1/15421)
________________________________________
فتطول وقفتك السخية _ويلها _
ويطول ثاري
ويظل يحملك الخيال ولن يقر على القرار
فإذا بدنياك الطليقة تستفيق
على أسار
ويكاد يربط كل شيء في وجودك
بانتظاري
*
يا أنت
اني لن أعود
لن أتبع الزمن الحقود
يا أنت
اني قد عبثت ولم ازال طربا بعاري
وغدا أمر عليك معتذرا فيخدعك
اعتذاري
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حلم
حلم
رقم القصيدة : 68558
-----------------------------------
*
أنت يا من تحلمين الآن
ماذا تحلمين ....؟
بالدروب الرزق
بالغابة
بالموت مع الكون الذي لا تفهمين
ولعلي الآن شيء
غابة
أو ذلك الدرب
أو الموت الذي لا تفهمين
ولعلى
قبضة تخنقك الآن
وعين لا تلين
أو شتاء قارص يندس في قلبك من حين
لحين
ثم ماذا ...؟
أنت يا من تحلمين الآن
ماذا تحلمين ...؟
وغدا إذا تدركين الفجر
ماذا تدركين ..؟
كنت حلما مرّ والليل بلا معنى كأيام سجين
وتلاشت مع الدروب
مع الغابة
والموت الذي لا تفهمين
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حب قديم
حب قديم
رقم القصيدة : 68559
-----------------------------------
هل تذكرين ...؟
وخجلت مما تذكرين
أما أنا
فلقد ضحكت ,ضحكت مما تذكرين
كنا صغار
ولعلنا لم ندرك كم كنا صغار
هل تذكرين
كان النهار يموت في الأفق الحزين
وكما تعوّد من سنين
كان انتظار
وأتى القطار
وتصافحت أيد كثار
أيد كثار
إلا ... يدي
هل تذكرين ...إلا يدي ....
كانت مهيأة لأجمل موعد
لكن عبرت
عبرت لم تتلفتي
لم تنشدي سري الدفين
وضحكت مثل الآخرين
أما أنا
فلقد خجلت
خجلت من حبي المهين
هل تذكرين ...؟
وخجلات مما تذكرين
أما أنا
فلقد ضحكت
ضحكت مما تذكرين
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> عبودية
عبودية
رقم القصيدة : 68560
-----------------------------------
*
عبد ....!
أكاد أثور ...لكني
أحس الغل في أذني
يولول هازئا
مني
ويصرخ ضاحكا ............عبد
عبد...!
أنا الخالق إنساني
أنا الهادم والباني
أنا ربي وشيطاني
(1/15422)
________________________________________
أتحسب أيها القيد ...؟
فتمتم ساخرا ...عبد
عبد
أكاد أجن يا نفسي
أأنت يا حسي
أهذا العالم المنسي الذي القى به
المهد
ويطوي شعثه اللحد
هو الصارخ ...يا عبد
عبد
أنا العائش في ظلي
أنا الموت بلا شكل
ترى من أنت يا غليّ ...؟
فعاد الصوت يشتدّ
كأن عواصفا تعدو
بأذني
وتربدّ
أنا ...
أنت
أنا العبد
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> يا صديقي
يا صديقي
رقم القصيدة : 68561
-----------------------------------
يا صديقي
لم لا تحمل ماضيك وتمضي عن طريقي
قد فرغنا و انتهينا
وتذكرنا كثيرا ونسينا ما تذكرنا
سنينا ما تذكرنا
سنينا ,سنينا
ورمينا
بيدينا
كل ما صناه من حب عميق
كل ما صناه من الماضي السحيق
ورؤى كانت لدينا
كل ما كانت لدينا
قد طوينا وعدنا وانطوينا
يا صديقي
لم لا تحمل ماضيك وتمضي عن طريقي
لم لا تبحث عن دنيا جديده
لم تزل في الأرض أحلام سعيدة
ثم ماذا...؟
أي جدوى لك من ذكرى لعيده
قد فرغنا
وانتهينا
وتذكر كثيرا ونسينا
ما تذكر
سنينا
وسنينا
ثم ضيعت عدوي من صديقي
يا صديقي
لم لا تحمل ماضيك وتمضي عن طريقي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> خداع
خداع
رقم القصيدة : 68562
-----------------------------------
ومن خلال
عطش الرمال الى المياه
كانت تلوح لنا الحياة
أطياف آل
فنظل نغرق في الظلال
والدرب
يبدو كما نراه
عطشي مميت
والدرب يبدو كما نراه
تعبي مقيت
والدرب يبدو كما نراه
ماذا وراه ... ؟
هذا التلفت للحياة ... ماذا
وراه ... ؟
ها أنت أنت
ولست أنت
دنياك بعض دجى وصمت
هذا الدجى ... ماذا واره ... ؟
ماذا وراه ... ؟
أنظل نغرق في الظلال
ومن خلال
عطش الرمال الى المياه
أتظل تخدعنا الحياة ... ! ؟
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الخطوة الضائعة
الخطوة الضائعة
رقم القصيدة : 68563
-----------------------------------
كان الشتاء يجر أرصفة المحطه
وتموء عاصفة كقطه
وعلى الطريق
يهتز فانوس عتيق
فيهز قريتنا الضنينه
(1/15423)
________________________________________
ماذا سأفعل في المدينه ... ؟
وسألتني :
ماذا ستفعل في المدينه ... ! ؟
ستضيع خطوتك الغبية في شوارعها
الكبيرة
ولسوف تسحقك الازقات الضريرة
ولسوف
ينمو الليل في أعماقك الصماء أملا حزينه
ماذا ستفعل في الـ ......
وبلا صديق
لا ...
ليس في تلك المدينه من صديق
وضحكت مني
وهزئت مني
وظللت انتظر القطار الى المدينه
ومضيت عني
ومضيت عنك
ومن خلال زجاج نافذة القطار
مرت قرى
تطفو
وترسب في الرمال وكنت انتظر النهار
مع المدينه
*
مرت سنون كبرت بعيني الليالي السود والتهبت
غيومك يا دجون
فلمن أعود ... !
لقريتي
او للشتاء يحز أرصفة المحطة
او للفوانيس الصغار تهز قريتنا الضنينه
او للنساء المائتات من الحياء
لا ...
لن أعود ...
لمن أعود وقرتي أمست مدينه
في كل منعطف ضياء
في كل زاوية ضياء
في كل مرمى خطوة ضوء لمصباح جديد
سيصيح بي :
_ ماذا تريد ... ؟ ماذا تريد
يا أيها الظل الشريد
ماذا تريد ... ؟
لا شيء يعرفني هنا
لا شيء اعرفه هنا
لا شيء اذكره ولا أشياء تذكرني ...
هنا
ساجر خطوتي الصغيرة في شوارعها
الكبيرة
ولسوف تسحقني الأزقات الضريرة
لا ...
لن أعود لمن أعود
فقريتي أمست ... مدينه
أمست مدينه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> قرف
قرف
رقم القصيدة : 68564
-----------------------------------
وعدت الي
وبين يدي
رجفت
... وأحسست أن لدي
حديثا طويلا يمل
وقلت بهمس :
_ وعن أي شيء ... ؟
انقسوا علي ... !
...........
وينسد غل
لماذا ...
لماذا رجعت إلي
لماذا رجفت
وخفت لماذا ... ؟
أأسكت
ان بقلبي قي
وان هوانا ممل
وان هنا
رغم هذا السرير
هنا
رغم هذا السرير الصغير
سيرقد بيني وبينك ظل
*
رجعت إلي
وجوعك حي
وقلت بجسمك شوق لي
وقلت
وقلت
وفي أذني
يولول همسك عن ألف شيء
ويوغل امسك في كل شيء
وأحسست ان لدي
حديثا
طويلا ... يمل
وانك كتلة لحم عتيق
وعروق تغل هوى لا يفيق
... أشمّ
... أحس بقلبي قي
و أني
دعيني ... دعيني
أذهبي
ففي مغربي
(1/15424)
________________________________________
أريد من الأرض شيئا الي
أريد من الأرض شيئا
كموتي شيئا الي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ضياع
ضياع
رقم القصيدة : 68565
-----------------------------------
وركضت خلف رؤاه ... لكن
ما أضعت سوى رؤاه
وبحثت في عينيه لم تلقي
سواه
هو نفسه
ما زال يسخر من هواك
ومن هواه
ويظل يسخر ... ما الحياة
هو نفسه
ما زالت الدنيا تراه
ولا تراه
يمشي كما شاءت خطاه
فلا تحس به خطاه
_ لا ...
لن اراه
هذا الهوى الملعون ... لا
أنا لن أراه
*
يا موته العريان ها هي مثلهم
جهلت مداه
جهلت هواه
هي مثلهم ... كالناس ... كالدنيا تراه
ولا تراه
وتظل أنت تقول ... ما أقسى الحياة
ويظل يسخر ... ما الحياة ... ! ؟
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الى أين
الى أين
رقم القصيدة : 68566
-----------------------------------
الى أين ... ؟
ويحك ... لا تسألني
فرجلاي مثلك تستفهمان
أغيب مع الليل في مأملي
واصحو ولا شيء غير الزمان
يلف الليالي على مغزلي
خيوطا رقاقا بلون الدخان
غدا سوف تنشرها أنملي
ستارا يحجب ضعفي المهان
*
الى أين ... ؟
يا للصدى
اسكتي
فليس وراء انفلاتي
مكان
تقلصت الأرض في خطوتي
وضاعت بعينين
تستجديان
وما زلت
امشي على جبهتي
وينسل خلف خطاي الهوان
كأني
على شفتي ميّت
أدبّ
وامتص ما توحيان
واطوي حياتي
على ضحكة
تمتع في خلقها يائسان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> عشرون ألف قتيل ... خبر عتيق
عشرون ألف قتيل ... خبر عتيق
رقم القصيدة : 68567
-----------------------------------
صوت المذيع
متخشب
شاءوا له ان لا يحس بما يذيع
(( لندن ))
وتدق بيك بن
... دن ... دن
(( لندن ))
(( عشرون ألفا ))
_ لا ... كفى خبر عتيق كالمذيع
وتقول أنت :
ما الحفاة
وتقول أنت :
من القطيع
وعلى شفاه أخريات
صوت يتمتم في صلاة
رباه ...
احفظ لي حياتي
أنا لا اريد سوى حياتي
*
أماه
يا أمي
رصاصة في جنبي المدمى
... لا تبعدي
... لا تبعدي عني
كالكلب ها اني
(1/15425)
________________________________________
أموت من أجلك يا أمي
لا تبعدي عني
*
وحدي أنا
وغدا اموت مع القطيع
وحدي
واجر ليلي المنطفي
وحدي
رأسي هنا
رجلي هناك
ويدي تشد على يدي
... ألم فظيع
وأحس بي شوق الربيع
يموت بي
يا للهلاك
ومن هناك
ومن هناك
يا للهلاك
صوت المذيع
متخشب
شاءوا له ان لا يحس بما يذيع
(( لندن ))
وتدق بيك بن
دن ... دن
(( عشرون ألفا ))
_ لا ... كفى خبر عتيق كالمذيع
(( قتلوا ليحيا الآخرون ))
وأنا أتمتم :
يكذبون ... ويكذبون
وتقول أنت :
من الحفاة
(( قتلوا لتزدهر السنون ))
وأنا أتمتم :
يكذبون ... ويكذبون
وتقول أنت :
من القطيع
وعلى شفاه أخريات
صوت يهمهم كالصلاة
أمي تتمتم في صلاة :
رباه ...
أحفظ لي حياتي
أنا لا أريد سوى حياتي
*
أماه
يا أماه
هنا ... بلا حبي ولا بسمتي
أغور في الطين
أغور في الجرح
أغور لا أنت معي
أغور لا شمس معي
ولا الهوى العالق في صبحي
وسوف تنسيني
رغم السنا المطفأ في غرفتي
رغم الغد الفارغ يا أمي
فسوف تنسيني
*
وحدي أنا
ويدي تشد على يدي
... ألم فظيع
واكاد أسمع من هناك
ومن هنا
صوت المذيع
متخشبا
شاءوا له أن لا يحس بما يذيع
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> سر
سر
رقم القصيدة : 68568
-----------------------------------
ادري
ستعود لتحرق لي شعري
ستعود
لتقلع لي ظفري
لن تقتلني
ستشد الحبل ولن تقتلني
ستطيل الليل ولن تقتلني
ستدوس على صدري
ادري
وفمن لن يفرج عن سري
يا للسر
أقطع جفني
أغمس إبهامك في عيني
ففمي لن يفرج عن سري
يا للسر
والسوط سينبح في لحمي
كالسم
سيوغل في جسمي
يا للسر
وستنبش في لوعة صوتي
في موتي
في صمتي المر
ستصيح : أريد ... أريد
أريد
والسوط يعيد
وتقول : ستخنقه
وستحرقه
يا للجبن
أأذيع السر
أأفشي الأمر
يا للجبن
أأخزي ابني
لا ... لا
والصرخة تشهق في عيني
لا ...
لا ...
*
وتعود لتحرق لي شعري
ولتقلع لي ظفري
لكن سري
سيظل كنصلك في صدري
رمزين لإنسان حر
يا أحمق
في سري عذري
كي أصرخ
كي أبصق
كي أسخر من عبد ...
(1/15426)
________________________________________
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حديث للسبت القادم
حديث للسبت القادم
رقم القصيدة : 68569
-----------------------------------
في الغرفة ذات الغرفة
سيمر السبت
وبلهفه
قد تذكرني
قد تسأل عني
_ لم يأت
_ لن يأتي
ويغور الصمت ... في الغرفة
_ أو تبكين
كلا ... كلا ... لكني
لا أدري
لم اشعر ان السبت حزين
لم اشعر ان البيت حزين
اشعر أني
ادفن شيئا مني
في صمتي
وبلهفه
قد تسمع صوتي
قد ترجع نبرة حزن في صوتي
من يدري ... ؟
قد لا تسمع شيئا غير خطى الموت
تجتاز الغرفة
وتضيع بلا حب أو لهفه
من يدري ... ؟
قد تسخر من صوتي
مني ...
من كل الساعات الثكلى في سرى
_ لم يأت
_ أتمنى ان لا يأتي
وسيضحك في الغرفة غيري
*
في الغرفة ذات الغرفة
سيمر السبت
قد تذكرني ... قد تسأل عني
قد ... لا
ما قيمة ذلك ... اني ميت
ميت في الغرفة ذات الغرفة
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> توبة يهوذا
توبة يهوذا
رقم القصيدة : 68571
-----------------------------------
يا صغاري
أنا أدري أن عاري
قصة تنساب من دار لدار
أنا أدري
كلما ألتف شتاء حول نار
وإذا ما شفة مرت باسم
مثل اسمي
ذكروا إثمي
وإثمي خنجر يوغل في قلب صغاري
أنا أدري
أن ما لصته كفاي
وما شادت يدي
من قصور لغدي
لم تعد غير شهود لدماري
أنا أدري
ان ما كنزت في الليل
ومن ويل بريء
وفقير
من دم أهرق مرضاة شروري
يستحيل اليوم
في النور
شهودا لانهياري
*
أنا أدري
ان شعبي يأكل الحقد عروقه
كلما أبصر بي الوحش الذي داس حقوقه
كلما أبصر بي الليل الذي سد طريقه
أنا أدري
أي وحش
أي ليل
كنت يا شعبي عليك
أنا أدري
كيف ألقيتك في الدرب
ولم أترك لديك
غير جوع
ودمار
يا صغاري
أي جدوى لا اعتذاري
بعد ان أحرقت حتى بيت جاري
يا صغاري
أن حكم الموت لن يمسح عاري
عن جبيني
فهنا ...
ألف قتيل
وهنا ...
ألف سجين
وهنا ...
ألف صغير لم ينل غير سجوني
أنا أدري
أن حكم الموت لن يسمح عاري
فأنكروني يا صغاري
واتركوني
(1/15427)
________________________________________
اتركوني لعنة تزحف في التاريخ
من نار لنار
علّها
تغسل
عاري
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> جئتم مع الفجر
جئتم مع الفجر
رقم القصيدة : 68572
-----------------------------------
جئتم مع الفجر
.... وكانت هنا
مجزرة تنمو بلا عذر
وخلف باب السجن
كانت منى
تعيش في وهن
وكان للغدر
ألف يد تسرق من ذهني
ومن دمي الحر
شوق الليالي السود للفجر
*
جئتم مع الفجر
وكنا هنا
نقتل في صمت ولا ندري
أيصلب الانسان
أتحرق النيران
بيوتنا
صغارنا
لأننا نحلم بالفجر .... ؟
لكنكم جئتم
وكنا هنا
نسأل من أين ستأتي المنى
من أين ...
لن تأتي
لن تشرق الشمس
وفي بيتي
تغور في الموت
أقدام أطفالي بلا صوت
من أين ؟ ...
لن تأتي
فسجننا أعمى بلا كوة
ودربنا يوغل في الهوة
ونحن لا حول ولا قوة
لكنكم جئتم وكن هنا
حكاية عن أمسنا المر
وموكبا من السنا
في فجرنا الحر
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أولئك الرجال
أولئك الرجال
رقم القصيدة : 68573
-----------------------------------
قالوا لنا
لله ... ما اكثر ما قالوا
لله ... ما اكثر ما يكذبون
أولئك الرجال
قالوا لنا :
غدا إذا صرنا كما شاءوا لنا ان نكون
نزحف في الليل كما يزحفون
نهيء الخنجر خلف الظنون
ونقتل الصدق الذي في العيون
فما بها ظلال
كأنها بعض زجاجات
وليست عيون
غدا إذا صرنا كما شاءوا لنا ...
ان نكون
ضحكتنا ملساء كالأفعوان
أحلامنا سود بلون الدخان
لأننا رجال
أعصابنا حبال
تعانق الأطفال حتى تموت
وينعب السكون
وتمحي الألوان
والظلال
والأزمان
فليس في الإنسان
شيء من الإنسان
لأننا رجال
صرنا كما شاءوا لنا ان نكون
*
لله : ... ما اكثر ما يكذبون
أولئك الرجال
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أرض مرة
أرض مرة
رقم القصيدة : 68574
-----------------------------------
من يدري ... ؟
قد نرحل عند الفجر
لا تلق
مرساة
لا تبذر
بذره
فالأرض هنا صماء كالصخرة
عمياء كالصخرة
ومياه الجرف مياه مرة
لا تلق
(1/15428)
________________________________________
مرساة
لا تنصب
خيمه
سنموت ولن تعبر غيمه
لنصير حياة في زهرة
*
لا تلق
مرساة
لا تبذر
بذره
من يدري
قد نرحل قبل الفجر
عن أرض صماء كالصخرة
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أريد أن
أريد أن
رقم القصيدة : 68575
-----------------------------------
أريد أن أغور في شوارع مزدحمة
حكاية
أو غنوة
أو ملحمة
أمد أذني لكل ضحكة
وتمتمة
أريد أن أفهم ما يبتل ملء دمعة
مبتسمة
أفهم ما
في شهقة تشنج كالريح خلال
أضلع مهدمة
أريد أن
أسأل من
يحلم عن ... أحلامه
أريد ان
أسأل من
يألم عن ... آلامه
عن قطرة مسمومة في جامه
المحطمة
اريد أن
أزحزح الليل فلا تختل تحت ظله
أفعى
ولا تسعى
وراء رجله
تنفث ألف فكرة محرمه
أريد ان
أوقظ دنيا مظلمه
اهتز مصباحا
هنا
هناك
ملء نوره
منى
تنير ربوة ومنحى
أريد أن
أكون مثل الناس لي
متهم
ومدع
ومحكمه
لي فجرهم
لي ليلهم يبذر في أنجمه
لي دربهم
أمرّ فيها قصة
أو غنوة
أو ملحمة
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> غدا هنا
غدا هنا
رقم القصيدة : 68577
-----------------------------------
غدا
هنا
في هذه اللفتة من أرضنا
سيسأل التاريخ عني ...
أنا
عن ذلك المقطع من عصرنا
عن غرف ما مرّ فيها السنا
لكننا
كنا
وكنا السنا
فينا
ينبع من صمت ليالينا
من رنة القيد بايدينا
من حد جدران توارينا
تشدني
تبعدني
عن قصة يسردها ... ابني
عن زهرة تذبل في بيتي
واعين يرعبها موتي
وعن يد
مثل يدي
معرقة ترسم في الصمت
مدّ ذراعين
لفجر الغد
*
غدا
هنا
سيسأل التاريخ عني
أنا
عن بيتنا الغارق في الظلمة
ودربنا الموحش كالنقمة
عن آهة
تغور في بسمة
عن أرجل تركض ...
عن أمه
تذوب ...
تلتحف الدروب
حافية الرجلين
مبتورة الكفين
لا شيء في عيونها إلا الغد المنطفئ
العينين
وأنت يا حكاية الذنوب
غدا
هنا
يلعنك العصر وفي القمة
سيكتب التاريخ عني ...
أنا
عن خضرة جاءت بها
غيمه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> واليوم ... أعود
واليوم ... أعود
(1/15429)
________________________________________
رقم القصيدة : 68578
-----------------------------------
في أرضي
الصمت مرير كالبغض
والفجر يجيء بلا ومض
والليل يمر
ولا يمضي
والناس تتمتم في أرضي
كنا
اثنين
عينان تغوران بعينين
منتظرين
الفجر الفضي
والفجر يجيء بلا ومض
في أرضي
*
وسئمنا الركض مع الأحلام
كرهنا الناس
فقدنا الإحساس
مللنا
متنا
وإذا عشنا
فلقطرة سكر في جام
تنسينا
سود ليالينا
تنسينا
سجانا
وسجينا
وأنينا في أرض الصبار حزينا
*
كنا اثنين
عينان تمران بعينين
وبلا حب
وبلا بغض
وكبعض الناس نمر ببعض
والناس
تتمتم في أرضي
*
في بيتي
كنا اثنين
وبصمت
التقت كفان بكفين
_ أستمضي ... ؟
_ لن أبقى ... لن أبقى
وهمست بصوت مبلول
_ سأظل لأشقى ... لن أمضي
وبحبي
وببغضي
سأحيل حقولي
فجرا ينساب على أرضي
*
واليوم
أعود
أرضي تمتد بدون حدود
بيتي رابية
كتفاه ورود
دنياه خلود
دربي
كحديث اثنين عن الحب
عن لهفة قلب
عن لفتة وجود
تخضر وتزهر في جنبيه وعود
وبصمت
التقت كفان بكفين
غرقت عينان بعينين
وهمست بصوت مبلول
أطبق جفنيك
لنغرق في الفجر الفضي
ما أعمق
ما أطيب
ما أوسعها ... أرضي
تلك الأكبر من حبي
تلك الأكبر من كل سني الغربة
والظلمة
والرعب
والأكبر من عفوك يا بغضي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> يهوذا
يهوذا
رقم القصيدة : 68579
-----------------------------------
وأشرت ... أنت
_ أأنا ... ؟ !
_ أجل
وبلا خجل
كانت تصر يداك ... أنت
أجل
وأنت
فكأننا لم نبن في أحلامنا بالأمس بيتا
ليضمنا
دربا
وإيمانا
وصمتا
وكأننا بالأمس لم نقسم
وما شدت يداك على يدي
لتنير من أمسي
غدي
*
يا من وقفت تشير ... أنت
يا من
يا من وقفت مع العيون القائمات
تشير ... أنت
يا من وقفت مع الأصابع آثمات
تصر ... أنت ... أجل
وأنت
هلا ذكرت بأننا
رغم العذاب يهدنا
رغم القيود تشدنا
رغم الليالي الحالكات تدور في داري
ضنى
رغم الخطى المتنصتات
تلص من بيتي السنا
هلا ذكرت بأننا
لا ... لم نقل أبدا :
هنا
(1/15430)
________________________________________
بيت عرفتك فيه ... أنت
لا ... لم نقل
ليظل ذاك البيت في أحلامنا
دربا
وإيمانا
وصمتا
لا ...لم نقل أبدا :
هنا
بيت عرفتك فيه ... أنت
لنظل في المصباح زيتا
هلا ذكرت
وقد رأيت القيد ينهش من يدي
لينير من أمسي
غدي
هلا خجلت
وقد وقفت مع العيون القائمات
مع الأصابع آثمات
تشير ... أنت
صر ... أنت ... أجل
وأنت
لتبيعني ... حيا وميتا
لتهدني
دربا
وإيمانا
وبيتا
......
لكنني
_ وافرحتاه _
ما كنت ... أنت
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> قال لنا شيئا
قال لنا شيئا
رقم القصيدة : 68580
-----------------------------------
بالأمس
مرّ من هنا
قال لنا شيئا ومرّ من هنا
فانساب في قريتنا
فجر
وأينعت منى
واستيقظت كرومنا
لتنحني
حبا
وظلا
وجنى
*
بالأمس
مرّ من هنا
قال لنا شيئا ومرّ من هنا
وكان في نظرته
وعد
وفي بسمته
رعد
وفي قبضته
جرح وآلام تفجر السنا
للأرض
للتاريخ
للدنيا ... لنا
*
بالأمس
مرّ من هنا
قال لنا شيئا ومرّ من هنا
في رجله
أغلاله
في عينيه
نضاله
في قلبه
آماله
وماله للناس للدنيا جنى
*
وفي غد
إذ يمرح الصغار في قريتنا
وفي غد
إذ تشرق الأنوار من بيوتنا
ألف يد
ألف فم
يرفع من حياتنا
تحية لعابر
بالأمس
مرّ من هنا
أبقى لنا شيئا ومرّ من هنا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> العودة الى هيروشيما
العودة الى هيروشيما
رقم القصيدة : 68581
-----------------------------------
أأعود لبيتي ... ؟ !
ولمن ... ؟
الطفل ميت
الكومة أحجار مسخت أطلالا
تجهش في الصمت
الطفلة ... ؟
بالأمس هنا أدركت بها الدنيا
يقظة فله
ردة خصلة
وكنحله
كانت عينين تحومان لنهله
واليوم
هناك
مع الأطلال
هناك
مع العدم العاري
ومع الصمت
ما أعمق ليل الأغوار
أأعود لداري
أأعود لأبحث عن بنتي
في كومة أحجار
في غمرة نار ودخان
في غمرة نار ودخان
ما قيمة إنسان يفني
فهناك
هنا
في ألف مكان
ستصلي شفتاه إنسان
للموت
وستغني كفان
بموت
ما قيمة انسان يفنى
ما قيمة آلاف تفنى
(1/15431)
________________________________________
من أجل غنى انسان ... !
*
أأعود لبيتي ... ؟
الطفل ميت ... ؟
أأعود لأبحث عن فله
عن نحله
عن طفله
في زحمة أقدام تمشي
لن يقفوا
كي يسأل من يسأل
عن لوعة انسان
ما قيمة
لوعة
انسان
*
أأعود لأبحث عن موتي
والموت
هن ا
والموت هناك
فلتصمت
سيجيء إليك من ألف مكان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> بعد ساعات
بعد ساعات
رقم القصيدة : 68582
-----------------------------------
و أذاعوا
بعد ساعات سينهد شراع
سيجف النور في عين وتنشل ذراع
و أشاعوا جائعا كان
فآوت صوته المرّ الجياع
ضائعا كان
فلمت تيه رجليه الجياع
مجرما كان في نظرته
يلتقي درب
وفجر
ورعاع
ليتهم كانوا كما كنا رعاعا
وذراعا
وشراعا
يعبر التاريخ كالحب نداء
وعطاء
وشعاعا
*
بعد ساعات ستنشل ذراعي
ويد من خلف باب سجن تومي
بالوداع
ويد صفراء كالبهتان تسعى لانتزاعي
غير أني
سوف أبقى
صرخة الانسان في كل مكان
وسأبقى
صورة في كل عينين
وفي كل جنان
وسأبقى
فكرة تزحف في الصمت
ومن موتي
سيبقى
للغد الطالع
للفجر
ذراع وذراع وذراع
وسينساب شراع وشراع وشراع
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الى ولدي
الى ولدي
رقم القصيدة : 68583
-----------------------------------
سأعود ثانية إليك
لا قبل النور الذي في ناظريك
لتنام بين يدي صحوة
راحتيك
ستصيح !
عاد أبي إلي
حيا
برغم الموت عاد أبي إلي
في ناظريه
حكاية
عن ألف إيمان وشك
عن ألف جرح غائر
كالموت يصمت حين يحكي
*
أنا ان رجعت غدا إليك
ان عدت ثانية إليك ... فلا تسل
عما لدي
عن غيمة تجتاز هدأة مقلتي
لا ...
لا تسل
عما وراء الصمت من زهر وشوك
أنا ان سألت
فسوف أبكي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الرحلة الثامنة
الرحلة الثامنة
رقم القصيدة : 68584
-----------------------------------
أطفئ مصابيحك ... ولنغرق
يا حارس المنار
فالحلم في متاهك الأزرق
قد اتعب البحار
فود لو تنتهي
حكاية البحار
حكاية الطواف في البحار
حكاية اللؤلؤ
(1/15432)
________________________________________
والمرجان
والحار
وود لو تغرق
*
أطفئ له الأنوار
أطفئ ولا تقلق
واتركه للتيار
يحمل للأغوار ما في الحلم من أغوار
يحمل اللؤلؤ والمرجان
والمحار
كل الحكايات عن الجدب
عن عالم يحيا بلا قلب
عن مذنب
يبحث في التوبة عن ذنب
*
يا حارس المنار
اتركه للتيار
يحمل للأغوار ما يحمل في يديه
في عينيه
من أغوار
يحمل للبحار
لتيهها المغلق
مرارة الضياع في البحار
مرارة الصبار ...
فاتركه
لن تقلق
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أوديب
أوديب
رقم القصيدة : 68585
-----------------------------------
الصورة
وتطل على ليل ... عيناه
وتغور خطاه
أحلام سوداء ومتاه
وهناك متاه
ومتاه
يا ألف سماء أين ... الله ... ؟
*
أوديب
مهجور كالليل أنا
كالصمت أنا مهجور
وهنا
قرب يدي
ملء غدي
دنياي دجى مقرور
بيداء
ربداء
ونداء مبتور
ودهور تتساقط تجرفها امواه
وأنا الانسان المغرور
أغور
أغور
فأين الله ... ؟
*
الكورس
يا صمتنا في العينين المقرورة
يا مدة أيد المبتورة
اتركنا
لملم خطوات
اتركنا
اغرز اهاتك في ذاتك
اتركنا
يا قرفا من دنيا مهجورة
اتركنا
*
الصورة
وتغور خطاه
وتصيح يداه !
يا ألف سما ... يا الـ ... أين الله ... ؟
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> في الأربعين
في الأربعين
رقم القصيدة : 68586
-----------------------------------
في الأربعين
وعلى يدي
أكداس أحلام تموت بلا غد
لا ...
ابعدي
لا تبحثي في ناظري عن موعد
أنا من سنين
لو تعلمين
ما عدت غير صدى خطاي الشرد
تنساب بي
في ألف منطلق حزين
لا ...
ابعدي
يا أنت ... يا من تحلمين
بالفجر يولد في رؤى زهر ندي
بالياسمين
أنا من سنين
لو تعلمين
أيقظت في الأشواك من عطشي المهين
حقدي الكمين
حقد الأماني المائتات على طريق أسود
ابعدي
يا أنت يا من تحلمين
بالفجر
بالزهر الندي
بالياسمين
بالزهر الندي
بالياسمين
أنا من سنين
لو تعلمين
غابات أحقاد تنام لموعد
قد لا يجيء مع الغد
(1/15433)
________________________________________
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الى مدينتي
الى مدينتي
رقم القصيدة : 68587
-----------------------------------
يقال :
ان بيتنا كئيب
يقال :
أن دربنا
قد أوحشت خضرته الذنوب
يقال :
ان الناس في مدينتي
قد جف في أعينها اللهيب
*
يقال :
ما اتعس ما يقال
فبيتنا كئيب
تنعب في وحشته الظلال
ودربنا غريب
قد هجرت سمرته الأطفال
يقال :
ما اتعس ما يقال
ان ليس في مدينتي رجال
*
أعرف يا مدينتي الصغيره
يا عرق الرجال في الظهيره
يا كسرة الخبز على حصيره
يا طفلة تحوك في أحلامها ضفيره
لقصة الأمير
للأميره
اعرف يا مدينتي
كم من جراح ثرة ... مريره
تنزف تحت الأجنح الكسيره
لكنني
اعرف يا مدينتي
ماذا وراء بيتنا الكئيب
ماذا وراء صمته الرهيب
أي غد يلمع في الدروب
وإنني
اعرف يا مدينتي
اعرف ان أعين الرجال في مدينتي
لا ترقد
وان ملء صمتهم
مراجلا تتقد
غدا
إذا ما انفجرت
سينحني لها الغد
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> إنها تنتظرني
إنها تنتظرني
رقم القصيدة : 68588
-----------------------------------
واهتز ظل من بعيد
لا ... ليس ظلي
ويلوح ظل من جديد
لا ...
ليس ظلي
فأنا
هنا
في السجن يا أمي أجر براءتي
في ألف غل
*
ويدق نصف الليل ... نصف الليل
مثل الويل
ينبش في قلوب الأمهات
أمي كباقي الأمهات
عينان
تنتظران من آت لآت
*
ويلوح ظل من جديد
لا ... ليس ظلي
فأنا
هنا ... في السجن يا أمي
هنا ... رقم
يشد يدي بغلي
*
وتمر أقدام سكارى
ويمر عطر من حديث عن عذارى
وتمر قهقهة تجرجر مومسات
وتظل أمي
قلقا يهمهم في السكون وحفنة
من ذكريات
ورؤى تهوّم حول أسمي
ويلوح ظل من جديد
لا ...
ليس ظلي
فأنا ... هنا
في السجن يا أمي
هنا ... وحدي أعيش بدون ظلي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> بين هاجسين
بين هاجسين
رقم القصيدة : 68589
-----------------------------------
قيلت في وفاة الرئيس عبد الناصر
- - -
في ليلة مثل ليالي الناس
مألوفة بغيمها
(1/15434)
________________________________________
بنجمها
بكل ما في رحمها
من هاجس يسأل عن ولادة
وهاجس
ينطر في الأجراس
ولدت مثل الناس
كبرت مثل الناس
ومثل كل الناس
سمعت وقع خطوك المهيب في دروبهم
ركضت خلف وقعه
أتعبك الركض وراء وقعه
وعبر ما في وقعه المهيب
أدركت ان دربهم حكاية في لحظة
وضحكة في لحظة
وألف ألف مرة كان الطريق ملتقى
كئيب
عرفتهم
حببتهم
أرخيت في قلوبهم ... كفيك
أدرت عن عيونهم ... عينيك
وكنت في غيوبهم _
الموعد الحبيب
واليوم
إذ ترحل عن دروبهم
لا ترحل إذ لا يزال امسك ... الغد
الذي لا يمحل
يغور في قلوبهم
يطل من غيوبهم
الدرب
والضحكة
والحكايه
والبدء ... لا النهايه
بدء بلا نهايه
*
ولدت مثل الناس
ولم تكن كالناس
لا ...
لم تكن
مذ جاوزت رؤاك ما في هاجس
يسأل عن ولادة
وهاجس ينطر في الأجراس
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> وجه أختي ... وجه أمتي
وجه أختي ... وجه أمتي
رقم القصيدة : 68590
-----------------------------------
ألقيت في مهرجان سميرة عزام التأبيني
- - -
وهوت يد
فإذا الطريق مفازة والموعد
وجه يغيب ويبعد
وإذا الغد
ذاك الذي حلمت بمرآه السنون الشرد
هذا الرماد الأسود
يذوره هنّا عاصف
ويلمه
أمل على فجر هناك سيعقد
ويطول ليل
ويغور حتى العظم ويل
ونقول :
سوف نرى الصباح
نصير في لالائه
شرعا
رياحا
ولسوف نحمل شمسه بيتا أبي ان يستباح
ونقول :
سوف يرى الشروق عما
ويفصح أعقد
والرقد
سيرون في عيني السماء تورد
لا ان يأتي الصباح
لا بد ان يأتي فقد جفت من النزف الجراح
لا بد ان ...
وأتى الغد
فإذا الصباح تلفت يستنجد
وهوت يد
يدك التي كانت تقيد وترفد
لا كنت يا هذا الصباح
لا كنت يا هذا الصباح الأسود
لا كنت يا هذا الغد
*
أختاه
لو عقلت شفاهي
لسكت مثلك ما نطقت بغير آه
اذكي بها ألم الرجال العائشين بلا حباه
*
أختاه
أضنتك الطريق
أضنتك عين لا تنام وألف عين لا تفيق
وتعبت
إذا أيقنت أن الدرب يوغل في المتاه
يلتف حول دخينة
ويضيع في صخب المقاهي
تطويه انة يائس
(1/15435)
________________________________________
وتمجه ضحكات لاه
وسكتّ
يا أختاه
مثل الموت ... لكن
لم تموتي
ولن تموتي
فغدي سيبعث منك يا أختاه
من دمك الصموت
من نبض قلبك وهو يصرخ حيث يمعن
في السكوت
لا ... لم تموتي
ولن تموتي
ما دام حرف أخضر يومي وشمس تولد
ما دام في الدنيا غد
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> خطوات في الغربة
خطوات في الغربة
رقم القصيدة : 68591
-----------------------------------
هذا
أنا
_ ملقى _ هناك حقيبتان
وخطى تجوس على رصيف لا يعود الى مكان
من ألف ميناء أتيت
ولألف ميناء أصار
وبناظري ألف انتظار
لا ...
ما انتهيت
لا ... ما انتهيت فلم تزل
حبلى كرومك يا طريق ولم تزل
عطشى الدنان
أنا أخاف
أخاف ان تصحو ليالي الصموتات
الحزان
فإذا الحياة
كما تقول لنا الحياة :
يد تلوح في رصيف لا يعود الى مكان
*
لا ...
ما انتهيت
فوراء كل ليالي هذي الأرض لي حب
وبيت
ويظل لي حب وبيت
وبرغم كل سكونها القلق الممض
وبرغم ما في الجراح من حقد
وبغض
سيظل لي حب وبيت
وقد يعود بي الزمان
*
لو عاد بي
لو ضم صحو سمائي الزرقاء هدبي
أترى سيخفق لي بذلك البيت
قلب
أترى سيذكر ابن ذاك الأمس
حب
أترى ستبسم مقلتان
أم تسخران
وتسألان
_ أو ما انتهيت
ماذا تريد ولم أتيت
اني أرى في ناظريك حكاية عن ألف ميت
وستصرخان :
لا تقبروه ففي يديه ... غدا
سينتحر الصباح فلا طريق ولا سنى
لا ...
اطردوه فما بخطوته لنا
غيم لتخضر المنى
وستعبران
*
هذا ... أنا
_ ملقى _ هالك ... حقيبتان
وإذا الحياة
كما تقول لنا الحياة :
يد تلوح في رصيف لا يعود الى مكان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> تحية الشاعر
تحية الشاعر
رقم القصيدة : 68592
-----------------------------------
ألقيت في ذكرى رشيد أيوب وعبد الله غانم
- - -
بك
لا بغيرك يكبر الإنسان
وعلى يديك
لكم تطاول شان
وبمثل ما وهبت يداك
واكرمت
شيدت دنى
وتفتحت أكوان
الفجر
بعض مسار خطوك في الحياة فحيثما
حل استفاق زمان
يا زيت قنديل
وشمعة مدلج
(1/15436)
________________________________________
في غيهب ليست له شطئان
لولاك
ظل الدهر سغب مفازة
مفعى
يحوّم حوله ثعبان
والأرض
كل الأرض
كل الأرض ورثه جاهل
يشتارها النخاس والشيطان
لولاك
كان الحرف ليلا اليلا
ما زائه قمر به يقظان
يترصد التاريخ عبر ضيائه
فجرا يحق
وظلمة تندان
لولاك
يا الالق الكبير لما ابتدى
درب
ولا أسرى بن أيمان
ولظل هذا الليل رغم نزوحه
ليلا
تتوه بعتمة عميان
*
ما أنصفوك
وقد نطرت كرومهم من ألف عام
فاستوت أغصان
وتآلفت عبر السنين
جنائنا خضرا
زها فيها هوى وأمان
حتى إذا ما أينعت
وتقيلوا
ظلا لها
وتأود الدنان
وانساب قلبك خمر في أكؤس
ما زال فيض يريقهن
جنان
حرموك ما أملت
يا لك واهبا دمه وفيك المنبع
الظمآن
أوقفت عمرك موردا لعطاشهم
وإذا عطشت
فوردك الحرمان
من أنت ... ؟
ما علمتنا ... ؟
ويلهم
لو لم تقل كونوا لهم ...
ما كانوا
الناس
كل الناس أنت
كبارهم
وصغارهم
والمجد والتيجان
ولأنت موعدنا الكبير الى غد
تزهو بوافر جوده الأوطان
يا شامخا
ما طاله نسر
ولا مست ذراه بطرفها
العقبان
أكبرت فيك الحزن ساعة شمته
حرفا يهل
وصفحة تزدان
فلينهك الجرح
الغزير نزيفه فما يجود يعرف
الإحسان
واشمخ بفكرك
رائدا
ومحلقا
بك
لا بغيرك يكبر الإنسان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> النسر
النسر
رقم القصيدة : 68593
-----------------------------------
ألقيت في الذكرى العشرين لعمر فاخوري
علونا
يا هوج الرياح
وبي من همة شمخت
ليال
تأبت أن تكون الى الصباح
فليس الفجر للأحرار ... إلا مرايا
تستبين بها جراحي
فيحصي ألف قدم ما تبقى ... بجسمي
من لجاجات الرماح
وتشمت بسمة في عين وغد
مسحت بجلده بالأمس ساحي
*
ألا يا ليل
مدّ لناظري مسالك لا تنام على
أقاح
وقل للريح : ان شدي
فنسر
تطاول في حماك المستباح
يسد بجنحه أفقا
ويلقي
بجنح في مدارجك الفساح
فلا درب يدل الى سماء
ولا نجم
يصار الى بواح
كأن دناك ملعب راحتيك
يقلبهن
من راح لراح
ألا ... يا ليل
(1/15437)
________________________________________
أطبق ان مسا من النيران يرعد في جماحي
تألق
فاصطلى أفق
وطارت رؤى عن عين حمقاء وقاح
لكم حسبت بأن جبنا
أدرنا
وجوها عن وجوههم القباح
وإني إذ عفوت
فعن كلال
فما جرؤت
ولا مرؤت رماحي
وإن جبال قومي سوف تهوي
لتدفن ما تخاذل من سلاحي
ألا خسئت
فتلك
بيوت أهلي تألق كالنجوم
على وشاحي
وتلك وجوهها
درب لشمس
وكف خضرت مرمى بطاح
تنام بزهرة
وتفيق حقلا تطلع من سنابله صباحي
فسنبلة تقول :
غدي ربيع وتقسم باسم خابية
وراح
بأن يبقى الطريق طريق الفجر
وفجرك لن يصير الى رواح
وسنبلة تقول :
غدي يدان
سأحضن فيهما حتى جراحي
وانصب من دم حر
أبي
مشاعل هدية
وصوى كفاح
*
أخي عمرا
حملناها دروبا
مشبعة المسالك
والنواحي
نحاذر تارة أفعى
وأخرى
نشد على البقية من سراح
أخي عمرا
لقد مرت دواه
بدارينا
مخضبة الوشاح
وكانت عينيك اليقظى منارا
توهج بالمزيد من المراح
غضبت
وظل صوتك رجع همس
يمسد جبهتي
برؤى ملاح
وكان البحر في سود الليالي
يردد
ما تركت من الصداح
وتحمل موجة غضبي
نشيدا :
علونا فالذرى مرمى جناحي
إذن
فالكون بيتك يا بلادي
ودربي
فيك يا هوج الرياح
ولي
من نسرنا (( عمر )) جناح
يسأل عن ملاعبه الفساح
ولي
من نسرنا (( عمر )) جناح
يسأل عن ملاعبه الفساح
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> تحية الأديب
تحية الأديب
رقم القصيدة : 68594
-----------------------------------
ألقيت في مهرجان تكريم ألبير أديب
- - -
أنا
بعض حرفك
حالما
ومعاني
أنا بعض حرفك في اغتراب مكاني
أنا
بعض حرفك قد أتاك
مخضبا
فاعرف به دمك الزكي
القاني
والمس بنازف جرحه
متغربا
بعدت به سبل
وظل
الداني
عرفته كل مواني الدنيا
خطى
ضاقت بهن مسارب
ومواني
حتى التقاك
فكنت صحو طريقه
ومنار ما ضاعت من الشطئان
فإذا الجراح
على شديد نزيفها
وعد
يشيع النور في الصلبان
وإذا بموضع كل جرح
كوّة
منها بصرت روعة الأكوان
وعلمت ان
حسب الأديب تلفت يبقى مدى في أحرف
ومعان
ما ضاق ظلا
كي تقيس بقاءه شمس تدور
(1/15438)
________________________________________
ولا انتهى لمكان
هو
ملك كل الأرض
ملك زمانها
فلك بلا أرض ولا أزمان
دنياه
خفقة أحرف ما رادها
زمنا
ليصبح ساعة وثواني
الناس
عمرهم الزمان مقطعا
ما بين ساعات
لهم
وأوان
أما الأديب
فجل عن تلك الحدود وجل عن عد
وعن حسبان
الدهر يسقط دونه
ميتا
فما ألوى بمرقم شاعر حدثان
الدهر يسقط دونه
ما دام في نبض الحروف
غد يثور
وصوت مأثور ودفء أمان
الدهر يسقط دونه
ما دام في نبض الحروف
يد تشد على يد بتلهف
وحنان
الدهر يسقط دونه
ما دام في نبض الحروف مشاعل
عرف الضياء بها دم الانسان
*
يا شامخا
ما طاله نسر
ولا دانت ذراه مسالك العقبان
اني أكاد أمس صوتك
هادرا
في كل شبر من خطى أوطاني
في عين ثائرة
يلوح حكاية عما تقول الأرض في البركان
ويطل من أرز
تطاول فانحنى ظلا
لجهد
متعب
وسنان
وتراه في الانسان حيث تصلب أرض
فما زلت بها قدمان
وتراه
حيث ترى الربيع مرابعا
مرؤت
فكانت ملتقى ألوان
من كل زاهية بثوب أخضر
ولكل مزهرة بلون قان
إذا دجا
ليل الخطوب ... وجدته
فجرا
يضوء على شفير سنان
فعرفت كيف تصير مفردة
لظى
حينا
وكيف تصير زهو مغان
وعرفت أن العمر في صدق الأديب
إذا استظل بشعبه عمران
*
عفوا
لأبيت تعاورها الأسى
فبكت
وكنت أريدهن أغاني
كيف الغناء وقد تألبت العدى
في عرس زانية الى شيطان
دلفت
وقد دجن الظلام
فنصبت
في قدسنا
نصبا من البهتان
وتجمعت سحبا على آفاقها
حبلى
بنار جهمة ودخان
وقفت تنطر أن يلم تجمعنا
وهن
فنحني جبهة لهوان
حتى إذا سقط النصيف تململت
ذئبا
وسما في فم ثعبان
فإذا الربوع وليمة لجرادها
والدار
نهب براثن الغربان
قتلت بما تنوي
فحفلك
حفلة
برؤاك
بالحرف العظيم الشأن
أن نبذلن النفس دون مرادها
ونقلمن
مخالب
العدوان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الى زنجي من آلاباما
الى زنجي من آلاباما
رقم القصيدة : 68595
-----------------------------------
الى والدي
وهو يجهد كل يوم ليمسك بنفسه عبر
الحروف الصفر الحروف الناتئة
(1/15439)
________________________________________
كالجرح والسكين .
بلند
- - -
قل ...كلا
وافرش جنحيك لنا ظلا
لنواري ميتا
لنشيد بيتا
ولنغسل أختا من عار أسود
ولنعرف من أنت
يا ربا أسود
قل ....كلا
وأفرش جنحيك لنا ظلا
ومصلى
فعلى الدرب الوف قتلى
ما زالت تسأل عن شمعه
عن دمعه
عن رب أسود
مهجور في صمت لا يعبد
يا ربي
يل ذنبي المتأوه في ركعة
قل ....كلا
لن نسمح
أن نذبح
لن نسمح
أن تربح من جلدي نعلا
قل ...كلا
واصنع من حقدك لب نصلا
...صلا
يتململ في نهدي حبلى
سما ..قيحا
قل ...كلا
لن يصبح موتي قمحا
بل ...ملحا
سيئز جراحك ...جرحا ...
جرحا ...
قل ...كلا
يل ربا أسود
كن سما
كن قيحا
كن نسرا كي تعبد
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> خيبة الإنسان القديم
خيبة الإنسان القديم
رقم القصيدة : 68596
-----------------------------------
ولم يكن لجيل بلند ان يخطو من غربته الأولى ألا ليجد نفسه في
عربة جديدة وإن كانت هذه من حيث طبيعة أثرها الوجداني أكثر عمقا وأوسع مدى
- - -
صليت يا أختاه
صليت حتى صارت الذنوب في مجاهلي
صلاه
وصمت حتى جفت الشفاه
وقلت :
في الشفاه
في الخشب المعدّ للشتاء لي
اله
وإنني سحابة جادت بها يداه
وأنني حلم الرمال السمر بالمياه
وأني من يبسي أفجر الحياة
وكانت الحياة
تسمر الصليب في الجباه
وتصلب المسيح كل ساعة
تصلب هذا الميت كل لحظة
فينتشي من المي مداده
وفي عيوني اليابسات ترتمي سماه
حكاية عن تائه تخنقه خطاه
وكنت يا أختاه
أحمل يا أختاه
أحمل في أعماقي المتاه
صليّت
صمت
صرت في متاهتي اله
وصارت الذنوب في مجاهلي صلاه
وجفّت الشفاه
وها أنا أموت يا أختاه
كما يموت الرب في منفاه
ولست غير خطوة
غرستها
في الرمل
كي تحلم بالمياه
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> وحشة
وحشة
رقم القصيدة : 68597
-----------------------------------
1
...يرنُّ ...يرن ..
- من أنت ...؟
- أنا أنت
- لقد أخطأت
...وتموت على كفي السماعة
*
2
...ويرنّ الصوت
...يرنّ...يرنّ ...يرن
(1/15440)
________________________________________
- من أنت ...؟
- أنا أنت
- لقد أخطأت فنحن اثنان
ومن أرضين بلا ألوان
وأنا لا أعرف من أنت
لقد أخطأت
...ويجفّ الصمت
والموت المتململ في السماعة
يئن ...يئن
من نحن ...من نحن ..من نحـ...
*
3
......ويرنّ الصوت
...يرنّ ...يرنّ ...يرنّ...يرنّ
- من أنت ...؟
- أنا أنت
- لقد أخطأت..وأخطأت .
وأخطأت.
- لا أنت لأنا
- وأنا لا أعرف من نحـ...
هل نحن اثنان
أم جيل ..أم جيلان
يتمدد بينهما الزمن
- لا أدرك ما تعني
- لكني ...سأظل أنازع في السماعة
- سأظل لاني
أبحث عن صوت مني
محبوس في صمت السماعة
في موت السماعة
4
- أخطأت ..لقد أخطأت وأخطـ
...ويموت الصوتان مع السماعة
*
5
ويرن الصوت
... يرنّ ... يرنّ ... يرنّ ... يرنّ ... يرنّ
أجيال تتهدم في أذني
...............
لا شيء منك ولا مني
من نحن ... من نحن ...
صوتان يموتان مع السماعة
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> غصن وصحراء ومظفر
غصن وصحراء ومظفر
رقم القصيدة : 68598
-----------------------------------
(( وبقي في العين من أضواء الشمع الذوب ... الذوب فقط ))
(( مظفر ))
أصحيح يا مظفر
رغم الريح والصحراء
أخضر ... ؟ !
أصحيح
ما روته الريح :
ان البرد في صحراك ملعون
فلن تحيا غصون
في صحارى كل ما فيها منون
كيف يحيا غصن زيتون صغير
كيف يحيا ويصير
لربيع موعدا
كيف يكون ... ؟ !
*
أصحيح ... يا مظفر
ان ذلك الغصن رغم البرد
رغم الريح
أخضر ... ؟ !
*
أصحيح ... ؟
ما تقص الريح
قالت :
أنا لملمت دروبي فالربيع
مثلما ضاع ربيع
وربيع
سيضيع
أنا أجوع اليبس الملتاع في الغصن
الصغير
لن يصير
لربيع موعدا
كيف يكون
والصحارى كل مل فيها منون
لا شتاء يرتجيها
لا ربيع مر فيها
ومراميها
التماعات سراب وسكون
لن يصير
لربيع موعدا غصن صغير
*
أصحيح ... يا مظفر
ظل ذاك الغصن رغم الموت ...
أخضر ...
*
أصحيح
أن شمسا تجمع الصحراء في عيني
مظفر
نبع ماء يتفجر
آه لو تدري عطا شانا على الدرب
المعفر
(1/15441)
________________________________________
إن في أعماق صحرائك نبعا يتفجر
آه لو تدري عطا شانا على الدرب
المعفر
إن في صحراك حيث الموت تاريخا مسمّر
*
ظل غصن سرقته الريح منها
رغم كل الريح
رغم الموت ...أخضر
*
لن يصير
لربيع موعدا غضنا صغيرا
*
أسكتي يا ريح .. يا ريح أسكتي
أسكتي يا ريح فالإنسان إني كان
نبع يتفجر
وسيبقى الغصن أخضر
*
وسيبقى الغصن أخضر
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أوديب
أوديب
رقم القصيدة : 68599
-----------------------------------
*
1
الصورة
وتصبح يداه
وتطل على ليل عيناه
وتغور خطاه
أحلام سوداء ...ومتاه
يا ألف سماء ...أين الله
أوديب
مهجور كالليل أنا
كالصمت أنا مهجور
وهنا
قرب يدي
ملء غدي
دنياي دجى مقرور
بيداء ربداء ونداء مبتور
ودهور تتساقط تجرفها أهواه
أنا الإنسان المغرور ..
أغور
أغور
أغور
فأين الله ...؟
*
الكورس
يا صمتا في الروح المقرورة
يا مدة أيد مبتورة
اتركنا ...
ألم خطواتك ..
اتركنا ..
أغرز آهاتك
في ذاتك
اتركنا ...
يا قرفا من دنيا مهجورة
اتركنا
اتركنا
اتركنا
*
الصوره
وتغور خطاه
وتصبح يداه
يا ألف سماء .أين الله ؟
*
2الكورس
من أي الأبواب المهجورة
ستعود حكايات أحلامنا
أسطورة
أو منفيا في صوره
أو ضحكة مخبول مبتوره
*
أوديب
آه لو تدري
ما أطول رحلاتي في صدري
في عيني المبقوره
رحلات تمتد طوال اليوم
في اليقظة
في النوم
لا الضحكة تغفو في صدري
لا الرغبة مدت رجليها
واستلقت سرا في سري
لا الصوره
درب في الرحلة للفجر
آه لو تدري
ما أتعب رحلات لا تطلب ميناء
أنواء
أضواء تتساءل في البحر
والليل يطول
والرحلة ما زالت في صدري
في العين المبقوره
أتقول ...
من أي الأبواب المهجورة
سأعود
لا أدري
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> التكوين
التكوين
رقم القصيدة : 68600
-----------------------------------
*
يغرق في عيونها الكبيرة
يبسط في ظلالها السوداء مثل
موته سريره
ويرقد الأمير ألف فكرة
وترقد الأميرة
ظلين مهجورين في جزيرة
*
(1/15442)
________________________________________
الشمس لا تشرق في جزيرتي
والشمس لا تغيب
والظل لا يعرف أن يطول
أو يقصر
أو يصير غير لونه الغريب
في هذه الجزيرة
لا تولد الناس فلن يكون في المرآة
موته سريره
ويرقد الأمير ألف فكرة
وترقد الأميره
ظلين مهجورين في جزيرة
*
الشمس لا تشرق في جزيرتي
والشمس لا تغيب
والظل لا يعرف أن يطول
أو يقصر
أو يصير غير لونه الغريب
في هذه الجزيرة
لا تولد الناس فلن يكون في المرآة
إلا شكله المريب
ولن يرى ضميه
*
وتكبر الجزيرة
ويكبر الإحساس بالزمان
وتحت وطأة المساء والصباح
و الظهيره
تحرك الظلان
فكان فيما كان
الموت للإنسان
والغضب الملعون للجزيرة
*
وكان إن دارت بنا الساعة في المكان
فأغرقت ...
الموت والإنسان
والجزيرة
فليس إلا الظل في الظهيره
ظل بلا إنسان
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حلم بالعودة
حلم بالعودة
رقم القصيدة : 68601
-----------------------------------
*
أحلم يا مدينتي بالرجوع
لدارنا المطفأة الشموع
أحلم أن أعود
فأوقظ المصباح
أفتح الشباك للرياح
وأترك المفتاح خلف الباب
للصوص
للزوار
للوعود
*
أحلم أن أعود يا مدينتي
أحلم بالرجوع
لكل ما في قلبك المقروح من دموع
لليلك المطروح في الزقاق
صحيفة سوداء مثل العار
يحملها الأفاق
وتاجر الرقيق والخمّار
من حانة لحانة ...لضحكة في بار
وقد يلف الجوع
في عتمتها حذاءه الممزق الطريق
*
أحلم يا مدينتي أن أعود
أبحث عن عيني بين دفتي كتاب
تركته هناك
عند الباب
فأخضرّ أوراقه عتاب
أود لو يعود
أريد أن يعود
من قبل أن تجف في الوعود
سؤالها عن تاءه
في الريح والضباب
*
أحلم يا مدينتي بالرجوع
لكل ما في قلبك المقروح من دموع
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> وجهان
وجهان
رقم القصيدة : 68602
-----------------------------------
*
ذات صباح كان الشاعر وجهين في نفسي
سأعلّق رأسك في باب القلعة
وسأقلع عينيك
أقص يديك
ولن تسكب من أجلك دمعه
لن توقد شمعه
وسأنثر لحمك في الضيعه
(1/15443)
________________________________________
لجياع الضيعه
لضباع الضيعه وسنشرب نخب الأحرار
ومحو العار
فالشاعر فان
وأنا السلطان
التف جذورا صفرا صفرا
كالبهتان
وسأمحو حزن ليالي الجمعه
وسأغسل ناقوس الضيعه
من كل الشك
وكل الظن
وكل الأدران
*
لكني
ثق إني
أحسست كما أحسست العار
ومسست النار
وعرفت الإنسان السبة
في عين صغار
وكبار
وبكيت
كما تبكي الأحرار
في صمت
ورثيت لموتك في موتي
لكني
ثق أني
سأعلق رأسك في القلعة
وليبق السلطان
يلتف جذورا صفرا صفرا
كالبهتان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> رسالة الرجل الصغير
رسالة الرجل الصغير
رقم القصيدة : 68603
-----------------------------------
وأمس يا أماه
مررت قرب دارنا
وكدت أن أقتل قرب دارنا
ولم أخف
وما أرتجف
صغيرك الصغير يا أماه
لأنني عرفت أن الموت قرب دارنا
حياه
*
لا تضحكي
كوني ولو لمرة
أمي كما أريدها أن تكون
تبصر في عيني ظل والدي الكبير
وقلبه الحنون
وصوته الجهير
فلم أعد -والله -مذ مررت قرب دارنا
صغيرك الصغير
لأنني عرفت أن الموت يا أماه
عرفت أن الموت قرب دارنا
حياه
*
لا تبكي يا أماه
كوني ولو لمرة
أمي كما أريدها أن تكون
أكبر من حالمة
تخاف أن يقتل قرب دارها
صغيرها الصغير
تخاف أن يصلب في السجون
صغيرها الصغير
تخاف أن أحمل في عيني ظل والدي الكبير
تخاف أن أصير
أكبر من صغيرها الصغير
*
لا تضحكي
لا تبكي ... يا أماه
فأمس قرب دارنا عرفت أن الموت
لا يخيف كالحياة
ولم أخف
وما ارتجفت
صغيرك الصغير
لأنني حملت في عينَّي ظل والدي الكبير
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الملح المصفر
الملح المصفر
رقم القصيدة : 68604
-----------------------------------
الليل
قد يمر يا صديقتي
ولا يجيء الصبح
والأرض
قد تحتضرّ يا صديقي
وليس غير الملح
ونحن إذ نضحك يا صديقتي
نطفيء كلّ ساعة
سيجارة في جرح
لكننا
لن نقلب الفنجان
نبحث في خطوطه القاتمه الألوان
عن دربنا
بين صحارى الملح
عن موعد للصبح
ولن نرى في الجرح
(1/15444)
________________________________________
منفضة الرماد والدخان
غير الدم المحترق المهان
فالمارد الجبار يا صديقتي
إنسان
بكل ما توقد في عينيه من نيران
بكل ما في الليل من توق الى الصبح
بكل ما ينبض خلف الجرح
بكل ما في الملح
من دعوة
لغيمة
تعبر في نيسان
لكننا
لن نقلب الفنجان يا صديقتي
لأننا
نؤمن أن الأرض للإنسان
بليلها وصبحها
بملحها المصفرِّ كالبهتان
بجرحها المطروح للذباب والديدان
وإننا
نؤن أن جرحنا
أعمق يا صديقي
من قطرة سوداء في فنجان
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> عصر الأختام المطاطية
عصر الأختام المطاطية
رقم القصيدة : 68605
-----------------------------------
ارجع لنا
يا عصرنا
يا عصر أختام من المطاط
يا بحة السياط
في جلودنا
يا أيها القيد بلا جريمة
أرجع لنا
عيوننا القديمة
أبوابنا الكئيبة السوداء
مفتوحة لليل والأنوار
ارجع لنا
ما هزت الشموع من ظلالنا
في عتمة المساء
ارجع لنا
أطفالنا العراة تحت غضبة الشتاء
أيديهم الصغيرة التودُّ لو
تمزق السماء
يا عصرنا
يا عصر أختام من المطاط
يا أيها القيد بلا جريمة يا بحة السياط
ارجع لنا
عيوننا القديمة
لنعرف النصر الذي يلوح في الهزيمة
وأنصب لنا
من أرجل الجراد في صحرائنا
من يبس الصبار في بلادنا
من أذرع الأموات من أبنائنا
مشانقا
تسألنا
عن غضب يحملنا
في غنوة عظيمه
فقد سئمنا
وجهك المغرور
في المطاط
في التراب
في الجريمة
وددت لو
وددت لو
قتلت يا صديقي
وددت لو
شنقت لو
علقت في أعمدة الطريق
إذن لقلت :
ذلك الشامخ ألف راية
......... صديقي
*
وددت لو
آثرت أن تكون
أكبر من إصبعك الخؤون
تحملها في عتمة السجون
وشاية
بكل ما نكن من تلفت عميق
لأذرع تصرخ في الطريق
وددت لو
صمت حتى الموت يا صديقي
إذن ..لما ..
كلا ...فما
هذا الذي يبيعنا ...صديقي
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ضحكة قصيرة
ضحكة قصيرة
رقم القصيدة : 68606
-----------------------------------
*
لو قلنا ما لم نفهم
لفهمنا ممن لم يفهم
ما قلنا
(1/15445)
________________________________________
ولصرنا
في عتمة أحلام
رؤيا
دنيا تمتد وتستلهم
لو قلنا :
الموت شراع
والصمت القاع
والناس ضفاف عرى تتمرأى في عري ضفاف
لتلألأ في عين العراف
بياع الأصداف
معنى ابعد من همس الصمت
ورعب الموت
لرأى في القاف
لرأى في اللام وفي التاء
معنى
ما كان له معنى
لو لم يأت لنا العراف
لو لم يأت بنا العراف
*
يا أرض الزيف يا عصر الزيف
سنصلي للبحر الغرق في الأصداف
لحصى العرّاف
و سنسمل عين الشمس لكي نحيا
في رؤيا
في دنيا تمتد و تستلهم
سنصلي يا عصر الزيف
لزيف العراف
فالموت شراع
والصمت القاع
والناس ضفاف عري تتمرأى في عري
ضفاف
والضحكة ألاّ نفهم
ما نفهم
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الأشرعة المنتظرة
الأشرعة المنتظرة
رقم القصيدة : 68607
-----------------------------------
*
لو عدت يا صباح
ألفيتني أحمل كل أوجهي
أشرعة
تنتظر الرياح
تنتظر الإبحار
لشاطئ لا لؤلؤ فيه و لا محار
لا شيء
غير الجوع والإعصار
وأرجل الرجال
تغور حتى الموت في الأوحال
تغور خلف الليل والنهار
كأنها تريد أن
تنبت من عروقها الجذور والأغصان
والثمار
تريد أن
تضوء ملء أعين الصغار
أسطورة
عن أرجل تنبت في الأوحال
في شاطئ لا لؤلؤ فيه ولا محار
لا شيء غير الجوع والإعصار
وأرجل الرجال
*
لو عدت يا صباح
ألفيتني الزورق والشراع والرياح
والبحار
ألفيتني أضواء ملء أعين الصغار
كأنني
الجذور والأغصان والثمار
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> اختناق
اختناق
رقم القصيدة : 68608
-----------------------------------
ساعة ان تتمكن اللحظة من اختزان أعوام ستتخطى
حدود إنساننا الذي ألفناه وستقلقنا كثافة الأشياء في
أرضنا فنبحث في فسحة الغد عن زاوية لنا .
(( من هامش في دفتر عتيق ))
رغم الغد المفتوح في الأفق
كأنني ابتلعت كل أرضنا
هواءها
وماءها
فليس في عروقها إلا عروقي
تحترق
*
أحس بالقيء الذي جمعته
ألفي سنة
من وجه عاهرة ... هناك
ووجه قديس ... هنا
منهم
ومن جوعي أنا
(1/15446)
________________________________________
يلفني وينطلق
ليغمر البيوت والوجوه
والطرق
والناس اما سائل
عن القلق
بلا قلق
أو قلق يبحث في سكوته عن منعتق
والقيء
ما جمعته ألفي سنه
منهم
ومن جوعي أنا
يغرق كل الأسئلة
فالمسالة
في أن نكون
أو لا نكون
ليست حدود المسألة
بل الغد المفتوح في الأفق
يسأل في انفتاحه
عن فجوة لينعتق
بل الغد المفتوح في الأفق
يسأل في انفتاحه
عن فجوة لينعتق
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> نداء أمة
نداء أمة
رقم القصيدة : 68609
-----------------------------------
امض
مت في الساحة يا ولدي
ما قيمة ان نحيا
والدنيا
لا تبني بيتا في عيني
لا تحمل لي شيئا
لا دربا للوطن
لا خضرة أرض من بلدي
من يدري
ان ظلت في أرضي خضرة
أو زهرة
تتساءل في خجل عني
عن فجرفي عين ابني
فالريح المرّة
ما زالت تجتاح الدنيا
من يدري ... ؟
ان كانت قد تركت بقيا
مما غرسته يدي
يحيا
في بلدي
*
مت يا ولدي
مت في الساحة يا ولدي
كن دربي للوطن
فلعلك ميتا
ستشيد لي بيتا
يمتد دهورا في عيني
وستحيا
رغم الموت مع الخضرة
في تلك الزهرة
في فجر غد
مت يا ولدي
ما دمت تموت لكي تحيا
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حلم بالثلج
حلم بالثلج
رقم القصيدة : 68610
-----------------------------------
قالت : ما شعرت مرة بعين رجل تحيلني قطعة لحم إلا
وتصلبت خشبة قاسية كالموت .
(( عتاب في ساعة كئيبة ))
- - -
كوني ولو للحظة
دما
فما
جهنما
تقذف في عينيك ألف شهوة
مخبأة
كوني امرأة
يا خيبة تموت خلف النافذات
المطفأة
كوني امرأة
وليحلم الثلج الذي في ناظريك مرة بمدفأة
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> في المفترق
في المفترق
رقم القصيدة : 68611
-----------------------------------
أعرف كم أصبحت تافهة في نظرك ... قلها
هامسا ولن نتطرق الى الموضوع ثانية .
من (( رسالة صفراء ))
وينتهي دربان في المفرق
من حلم شيق
وأحرف شاخت ولم تورق
ومن رؤى
أعيدها إليك ... لا تقلقي
لا تفزعي من مزق تجف
(1/15447)
________________________________________
لا تفرقي
علّك ان مر شتاء غدا
ببابك المهجور في صمت كئيب
شقي
تلقين ما تحرقين
تلقين ما يدفيء صمتا حزين
تلقين ما بقي
من أحرف شاخت ولم تورق
دفئا لهذا العالم المغلق
لقلبك المرهق
*
_ وأنت ... ؟
أما أنا ... ما زال مجدافي في زورقي
والبحر ما زال مدى حالما
يدعو
وقد اسأل عن مطلق
_ وأنت ... ؟
_ لم تفهمي ... سدي إذن بابي
ولا تقلقي
_ لم تفهمي ... سدي إذن بابي
ولا تقلقي
_ لم تفهمي ... سدي إذن بابي
ولا تقلقي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> طفل من الحرب الأولى
طفل من الحرب الأولى
رقم القصيدة : 68612
-----------------------------------
في عالم الخبز الأسمر
في عالم ليال نهمات كجراد اصفر
ودلت أمي
وجهي المدمي
وكبرت مع الحرب الأولى جرحا
ولعقت دمي
وكبرت ... كبرت ... وصار أسمي
رقما لا يعرف ما اسمي
وعرفت الحرب الأولى
في الخبز الأسمر
في عيني ميت لم يقبر
وبألف ذراع صلبت في دفتر
وحزنت لأمي
ولوجهي المدمى الملفوف بخبز أسمر
والملقى وعدا لجراد أصفر
*
يا أمي
قد كبرت عيناي
وصارت دنياي حديثا اكبر
أكبر من بيت شادته يداي على رمل
... أكبر
من فرحة طفل
بجناح طار به في الحلم ... وأكبر
من وجهي المدمى
فأنا يا أمي
يا عتمة ظل لقتيل لم يقبر
اسأل عن معنى لاسمي
في خبزي الأسمر
في جوع ليال نهمات كجراد أصفر
وأنا يا أمي
أبحث في حرب أكبر
عن طفل ميت في عين قتيل لم يقبر
*
في عام الخبز الأسمر
ولدت أمي
أجيالا من جوع من خبز أسمر
ولدت في وجهي المدمى
حربا أكبر
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ليل وبرد وحراس
ليل وبرد وحراس
رقم القصيدة : 68613
-----------------------------------
سجن (( النقره ))
والساعة تجتاز العشرة
سيجيء الحراس
وسيصرخ صوت
... أحمد ... سلمان ... عباس
ويجف الصمت
... يا هذا ... يا أنت ... عباس
الموت يدب بسجن (( النقره))
لا أم تبكي لا أجراس
لا غصن يلتف على زهره
ولا أسم يتنفس في صخره
لا ناس
(1/15448)
________________________________________
فهنالك في الأرض المره
الناس تموت ولا ناس
لا الحراس والليل طويل يا حراس
والبرد شديد
والجرح عميق يا حراس
*
وتهمهم في الظلمة أصوات
_ ماتوا
وتغور العتمة
_ راحوا
_ فليرتاحوا
_ أو ليس لهذا الليل صباح ... ؟
ونحسّ بشيء كالنقمة
وتلوح على بعد نجمة
لن تعبر دنياهم غيمه ... راحوا
_ سيطل صباح
_ لن تنهض في الصبح الأموات
_ هل ماتوا ... !
وتجوس الليل خطى الحراس
والليل طويل يا حراس
والبرد شديد
والثأر مرير يا حراس
سلمان ما مات ... ولا عباس
*
على الأرض
أصوات الأغلال فحيح أفاعي
تلتف على ألف ذراع
تلتف على ألف شراع
يا حقدي
يا بغضي
يا رجع صدى مسموم في (( النقره ))
لا ...
لا تومي لوداعي
مدّي ...
مدّي يديك فمن نظره
من حرقة عبره
من غصن ما ألتف على زهره
ومن اسم لم يحفر في صخره
سنحطم سجنك يا (( نقره ))
سنحطم سجنك يا (( نقره ))
ولليل طويل يا حراس
والبرد شديد
والثأر مرير يا حراس
سلمان ما مات ... ولا عباس
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> متهم ولو كنت ...بريئا
متهم ولو كنت ...بريئا
رقم القصيدة : 68614
-----------------------------------
في غرفة في الطابق السابع
التقينا ...
تحدثنا
تصارعنا
ناما معا
وأسدل الستار
في غرفة في الطابق السابع
....................
لكنني بقيت مصلوبا لدى الجدار
ومثلما أردتني
بقيت كالمسمار
أغوار في عينهما
أغور في سريهما
أغور في الجدار
في غرفة في الطابق السابع
.............
سمعتها يا سيدي
تسأله عن حبه الرائع
عن جسد
-معذرة يا سيدي -
قالت له :بأنه يحرق مثل النار
يحرقني كالنار
ومرّة تحدثا عن عالم ضائع
عن نطفة في عالم ضائع لكنني
ومثلما أردتني ...ومثلما خلقتني
لم أفهم الحوار
لأنني علوت عن حبهما الرائع
عن جسد كالنار
ومثلما حذرتني :- الناس مجرمون -
الكل مجرمون
حتى الهوى البريء في العيون
ومثلما أردتني
بقيت كالمسمار
أغور في عينيهما
أغور في سريهما
أنبش في الجدار
في غرفة الطابق السابع
(1/15449)
________________________________________
أبحث في الهمسة والضحكة والحوار
عن موعد للثار
عن غضب الثوار
عن منية تصير في عنقيهما حبلا
وفي كفيهما مسمار
.........
معذرة يا سيدي
كانا بريئين بإصرار
كانا بريئين بإصرار
*
وعندما استيقظ في مدينتي النهار
تسربت في نشرة الأخبار
حكاية عن غرفة في الطابق السابع
عن موعد للثار
عن غضب الثوار
وكان عنقيهما حبل وفي كفيهما
مسمار
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> رحلة الحروف الصفراء
رحلة الحروف الصفراء
رقم القصيدة : 68615
-----------------------------------
من ألف عام يا صغار قريتي الكئيبة
كنا الحرف الصفر
في التوراة
والقرآن
والإنجيل
كنا الجفاف الصلب في الأزميل
نحفر في عيونكم ظلالنا المريبه
وكانت الظلال
تعبد في أعماقكم
تصير تاريخا بلا رجال
فيستطيل الحرف فهو تارة
مئذنة تعكف في ابتهال
وتارة
كنيسة في وحشة الجبال
وتارة مشانق سوداء
أو حبال
تعرفها دروبكم
تعرفها ذنوبكم في القرية الكئيبة
*
من ألف عام
كنا الحرف الصفر في الإنجيل
والتوراة
والقرآن
وكانت الحرف من رغام
تجسدت في كل يوم حبلا مدنسا
تجسدت أصنام
تجسدت في السوط والسلطان
في الله والشيطان
ولم تكن لمرة ... انسان
*
من ألف عام يا صغار قريتي الكئيبة
كنا مع التاريخ في غيبوبه
نعبد في عيونكم ظلالنا المريبه
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أقراص للنوم
أقراص للنوم
رقم القصيدة : 68616
-----------------------------------
قف واقرأ
لا تعتبر
قف .....احذر
..........
ماذا في صحف اليوم
إعلان باللون الأحمر
خذ قرصا للنوم
خذ قرصا
قرصا للنوم
...........لن اقرأ
...........لن احذر
سأنام بلا قرص للنوم
*
ويشيع الضوء الأحمر
طفل يقرأ...ناولني قرصا
كهل يقرأ....ناولني قر...
بنت تقرأ...قرصا ...قرصا
أمي تتمنى لو تقرأ
يا أمي
لن نقرأ ....لن نقرأ....لن
سننام بلا قرص للنوم
*
قف
قف .........
ماذا في صحف اليوم ...؟
نيكسون يخطب في المجلس
عن خير للدنيا وسلام
ماذا ...!
(1/15450)
________________________________________
تصريح للبابا يولس
عن خير للدنيا وسلام
......
يا عتمة بيت المقدس
نامي بسلام
فالدنيا تتحدث الأطفال القتلى في الفيتنام
نامي بسلام
فالخط الأحمر
كاللون الأحمر
كالضوء الأحمر
تتساءل عن قرص النوم
قف
قف ...
ماذا في صحف اليوم ...؟
نيكسون يخطب في المجلس
تصريح للبابا بولس
بنك يفلس
رقص في ساحات الإعدام
والدنيا في صحف اليوم
تتحدث عن خير وسلام
عن قرص للنوم
القتلى في الفيتنام
لقتلى في بيت المقدس
طفل يقرأ...ناولني قرصا
كهل يقرأ....ناولني قر...
بنت تقرأ...قرصا ...قرصا
أمي تتمنى ....
يا أمي نامي بسلام
فالدنيا ما زالت
تتحدث عن خير وسلام
*
- ناولني قرصا لأنام
خذ قرصا يا ولدي لتنام
*
يتحشرج صوت البائع
يتدحرج
يرتج الشارع
شيء رائع
رائع
أقرص للنوم
خذ قرصا للنوم
......
- ناولني قرصا سأنام
قرصا لأنام
................
وينام الشارع
شيء رائع ....رائع
أقراص للنوم
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> دعوة للخدر
دعوة للخدر
رقم القصيدة : 68617
-----------------------------------
*
لتصمت الأجراس
وافقأ بعقب حذائك الشمس
و أطفئ عيون الناس
فليس في مدينة النعاس
غد ولا أمس
ونم
يا أيها المستيقظ الوحيد كالألم
علق على مشجبك الصديء ما -
تحمل من أتعاب
ونم
يا أيها المنبوذ في الندم
انزع جلود الناس
دعها لهم وليمة في الغاب
فليس في مدينة النعاس
غد ولا أمس
ولن ترى في قطرات الدم
هابيل
أو بغيك العجوز او بكارة العروس
فنم
العالم الكبير خلف الباب
نام
لا ساعة تأرق في عينيه لا أرقام
ونامت الكلاب
والليل نام
ونامت اللصوص والحراس
فنم
أطفئ عيون الناس
ونم
ولتصمت الأجراس
لتصمت ...الـ...
راس
آس ....سـ
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حلم في أربع لقطات
حلم في أربع لقطات
رقم القصيدة : 68618
-----------------------------------
لقطة أولى
تفترش الشاشة عينان
انفرجت شفتان
ابتسمت
لمعت عدة أسنان
ويغور اللون الأخضر في كل الألوان
*
(1/15451)
________________________________________
لقطة ثانية
رجلان تجوسان الليل بلا صوت
الظلمة توحي بالموت
تلتمع السكين
تتجمع في النصل رؤى لسنين
وسنين
وبلا صوت
تنطبق الشفتان
ما من أثر للقبلة في الفم
لا شيء سوى قطرة دم
ويغور اللون الأحمر في كل الألوان
*
لقطة ثالثة
اسم المخرج ... أنت ... أنا ... هم
اسم المنتج ... أنت ... أنا ... هم
اسم المتفرج ... أنت ... أنا ... هم
والشاشة فسحة حلم
والقاتل والمقتول أنا
لا شيء سواي أنا
معنى
يتململ في قطرة دم
لقطة رابعة تصوير من الخارج
سقط الفلم
فر المخرج من باب خلفي
بصق المتفرج في كفي
سقط الفلم
أربع لقطات غرقت في نقطة دم
... ... ...
لكني وأنا المخرج
والمنتج
والمتفرج
لا أملك من كل الدنيا إلا ...
فسحة حلم
لا أملك بيتا لحنيني
صدرا يأويني
لا أملك مأوى في أي مكان
ولأني
لا املك مأوى
لا أعرف مقهى
ملهى
مبغى يلقاني ...
ولا امرأة في حان
سأظل هنا
وسأنتظر الدور الثاني
*
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> النزع
النزع
رقم القصيدة : 68619
-----------------------------------
أشعر بالدوار
أشعر بالأرض التي حببتها
في مخلب لقطي
وصبوة في عين كلب جار
تنهار
تغور في بئر بلا قرار
*
تصرخ بي :
لا تقرب السياج ان أرضنا تنهار
ستسقط الشمس ... فلا ...
لا تقرب السياج
لا تحكم الرتاج
أمسك بقايا النفس اللائذ بالفرار
*
أتسقط الشمس التي عرفتها
حكاية طويلة
في رحلة الرمال والبحار
في رحلة الصباح عبر دارنا
ودارها
ودارهم
وألف ... ألف دار
أتسقط الشمس التي عرفتها
في نظرة الغواص من سنين
في استغاثة المحار
أجمع رجلي سؤالا ساخرا
سأكل السماء
سأركل السحاب والنجوم والمستوحد
الزناء
أركله
أقتله
أغرس أسناني في جثته الزرقاء
أشعله
أسحله من شارع لشارع أقيم
من جذاه
آلهة صغار
إن شئت أن أعبدها ... أعبدها
إن شئت أن أطردها ... أطردها
أرقصها
أوشم في أثدائها زانية وزانيا
وكومة الحجار
أركله
أقتله
أقيم من خصيته الفارغة الشوهاء
أهلة وانجما
(1/15452)
________________________________________
مسالكا هوالكا ... لهالكا ... يكبر المتاه
آن لنا
أن نبدل الإنسان بالإنسان في المتاه
أجمع رجلي سؤا ساخرا
قهقهة
فما مدى ساخرا
أتسقط الشمس ولم ... !
*
تصرخ بي
تصرخ بي بألف فم
يصير عظم كوسخ في حلقها الألم
لا تقرب السياج
لا تحكم الرتاج
أمسك بقايا النفس اللائذ بالفرار
ستسقط الشمس ولما ينقض النهار
داكنة
سوداء مثل القار
ستسقط الشمس ولما ينقض النهار
*
دورا ... دورا
تمتصني سماكة الأسوار
تنكفئ الوجوه والأبعاد والأسفار
وينطفي الجدار
ولم تزل عيناي موعدين وانتظار
دوار ... دوار
يداي ترحلان في الظلام والغبار
الشمس تلتف خيوط عنكبوت
يرتطم الجناح بالسكوت
لا تقربي ... لا تقربي
... ها إنها تموت
ذبابة ثانية تموت
... ...
أسقط في بئر بلا قرار
لا شمس ...
لا أرض ولا نهار
*
ويصمت الزئبق في المحرار
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> هم ... وأنا
هم ... وأنا
رقم القصيدة : 68620
-----------------------------------
قلت لكم ... مرات ... مرات و أعدت مرارا
قلت لكم سيموت ... لقد ... مات ... لقد ...
_ مت جيفارا ... مت جيفارا
_ قل يحيا
_ من يحيا
_ قل يحيا ... يحيا تروتسكي ... يحيا
مت ... يحيا ... مت ... يح
مت ... يحيا ... فارا ... تسك
مت ... يحيا ... فارا ... تسكي
*
ضحك تروتسكي
ر زمت ضحكته الخرساء
شحنت في علب ملساء
ختمت
... يحيا
... يحيا
زارت كل مواني الدنيا
صارت في هذا الميناء
بيتا
صارت في عنف مدينتا قديسة حب
وفداء
_ يحيا تروتسكي ... يحيا ... يحيا
بيعت في أقداح الويسكي
فشربنا نخب تروتسكي
وسكرنا
صرنا
أغنية
حانات قيثارا
لنغني في موتك جيفارا
يحيا ... مت يحيا ... مت
_ قلت لكم سيموت ... لقد ...
_ كلا ... كلا
_قلت لكم سيموت ... لقد ...
_ إلا ... إلا ... جيفارا
يولد جيلا جبارا
وسنعبد في البيت المحروق الموتى
وسنعبد حتى النار
كي نولد جيفارا
*
جيفارا يضحك خلف الباب الموصد
جيفارا يعبد
جيفارا يوقد في المعبد
(1/15453)
________________________________________
قنديلا أسود
والناس تمر صغارا
وتمر كبارا
والجسد الموقد
يتململ في ضوء القنديل ظلالا
تلتف على الدنيا
يحيا ... يحيا
تبعث في أرض أشجارنا
تبعث في أخرى نارا
تبعث حينا رملا وحجارا
وتصير هنا
في حانة ضيعتنا قيثارا مبحوحا
فجرا مجروحا
وسكارى
مت ... يحيا
مت ... يحيا
*
مت ... يحيا ... مت ... يحيا
قلت لكم سيموت .. لقد مات ...
_ تروتسكي
_ جيفارا
_ كلا ... كلا ...
_ قرنكم العشرون ... وجهكم المجنون
_ كلا ... كلا ...
زرعونا في نقمة شمس ظهيرتنا ظلا
فبقينا في البيت الأول والثاني
في الثالث والرابع
في الخامس والسادس و... و ...
أطفالا مصلوبين على الجدران
وجه الانسان بلا انسان
*
طفت الحي
أسأل عن بيت امرأة يعرفها الحي
كل الحي
وطرقت الأبواب طرقت الأبوا ...
بابا ... بابا
وكللت سؤالا وجوابا
ما ردّ علي ... أحد
ودروب الليل تثرثر في الهجس
ولا تعد
أتعبكما يا رجلي
وتعبت وما صار لدي
أكثر من درب يلتف يثرثر في الهجس
ولا يعد
هل ابحث عن جيفارا ... ؟
كلا ... كلا ... قريتنا ماتت
هل يعرفني تروتسكي ؟
كلا ... كلا
فمدينيه المهجورة في رحلة شمس
هربت كل شوارعها من بين أصابعي الخمس
هل ابحث عن مجنون
قال : أنا القرن العشرون
كلا ... كلا ... قال : أنا الحاضر
لا آت يحويني ولا أمس
زمن لا يمتدّ
ولا يرتدّ
ولا يغرق إلا في ظل منسي
كلا ... كلا
في وجهي شيء منه ... لكني لن ابحث عنه
كلا ... كلا فأنا غابات
أصنع من جذعي فأسي
أنا لا أسأل إلا عن بيت امرأة
يعرفها الحي كل الحي
يعرفها اللزج المتبقي في نفسي
أعرفها امرأة في الحي
وستبقى امرأة
يجتر مع الصمت مع الموت ليال العرس
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> ثرثرة في الشارع الطويل
ثرثرة في الشارع الطويل
رقم القصيدة : 68621
-----------------------------------
• أمؤلم أن تلبس الحذاء كل يوم ... ؟
_ أجل ... اجل اكره أن انزعه
اكره أن البسه
اكرهه لولاه ما كانت لنا
غير مسافات الرؤى في النوم
(1/15454)
________________________________________
لولاه لم نسأل
ولو نرحل
ولم نكن لغير أمسنا البخيل
• تكرهه ... ؟ !
- أجل ... أجل أبصقها بلا وجل
لولاه ما كان لنا في الشارع الطويل
الرعب
والضياع
والمدينة القتيل
• كيف إذن شريته ... ؟ !
_ شريته ... ! يا لك من مجنون
من يشتري حذاءه اللعنة من ؟ !
من يشتري استغاثة التاريخ والزمن ... ؟ !
من يشتري رائحة العفن ... ؟ !
• كيف إذن ... ؟
_ ألم تبح بذلك الآلهة الجديدة الحنون ؟
... الآلهة جديدة حنون
كما يسميها المذيعون
لشدّ ما يكذبون
ما سمعت صوتها الهادر في المذياع
لا عذر بعد اليوم للاتباع
لا عذر للأشياع
لا عذر للملوك والرعاع
لا عذر بعد اليوم
فكلكم
أصغر من فيكم
أكبر من فيكم
القوم كل القوم
أمسكته حذاءه الملعون
فقرننا العشرون
ألغى مسافات الرؤى في النوم
كل المسافات
لا شيء غير الموت للحفاة
ولن تروا في عتمة المرآة
الآي وجه مصنع ومدفع ومرضع
الآي وجه عالم مقنع
لا عذر بعد اليوم
وحدي أنا الإله الحنون
وحدي أنا الوحشة والجنون
*
• لكنني ...
_ لا عذر بعد اليوم
• لا اعرف الإله الحنون
_ لا عذر بعد اليوم
لا أعرف المذياع
ولم يكن في قريتي حذاء
أو شارع مضاء
أو رغبة في سفرة تبعد عن مشارف المساء
فمن أكون ... ؟ !
ومن تكون ... ؟ !
_ لا تقترب ... لا تقترب ... يا لك من مجنون
أبعد عن الشوارع المضيئة
فالنور كالخطيئة
ابعد عن الـ ...
أخاف أن تأسرك استغاثة التاريخ
والزمن
أخاف أن تأسرك المدن
أخاف أن تصير في حذائك العفن
لا عذر بعد اليوم
... ولا المسافات رؤى في النوم
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الطرد
الطرد
رقم القصيدة : 68622
-----------------------------------
ولدت خلف الباب
كبرت
خلف الباب
وخلف هذا الباب
كم مرة صار الهوى في جسدي
مخالبا
وناب
كم مرة يا دمي المسفوح للتراب
يا أيها الحاضر في الغياب
كنت أنا القاتل
والمقتول كنت الجرح والذباب
كم مرة
أوصدت دوني الباب
ونمت لا احلم
لا اسأل
لا أبحث عن جواب
لأنني ...
(1/15455)
________________________________________
لا تقلقي
سترجع الذئاب
سترجع الذئاب
ومرة ثانية
ثالثة
رابعة
سيولد الانسان خلف الباب
وإننا ...
لا تقلقي ...
نظل في الوليمة الصغيرة الحضور في الغياب
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> الشاهد المقتول
الشاهد المقتول
رقم القصيدة : 68623
-----------------------------------
من قتل المقام الأخير ...؟
أعرف من
أعرف من سمل عينيه ومن
قطّع كفيه ومن
مثّل يا عطوفة الأمير
بحلمه الكبير
أعرف من
فقد رعيت ذلك الصغير من سنين
من قبل أن يولد في الرؤيا
وفي الحنين
من قبل أن يصير في منعطف كمين
من قبل أن يصير كل الحب في دنياه
كل الأرض في رؤياه
آه
من قبل أن يصير
ذاك الفتى الصغير
نزق جرحه تارة
وتارة
تنظّر الجراح في السكين
أعرف من
أعرف يا عطوفة الأمير
من قتل المقام الأخير
*
أعرف من
فألف ألف ليلة أقمت عند بابه
سهرت في عتمة أهديه
وصرت بعض ما يضوء في اغترابه
..........................
و ألف ألف مرة
كنت الدم الموحل في اهابه
*
أعرف من
- من قتل المقاوم الأخير ...؟
من قتل الـ...
- أعرف من
- قل من هو
- من هو من
- لو قلت من
لصرت يا عطوفة الأمير
الشاهد المقتول في المقام الأخير
*
أنا أنت أيها الأمير
أنا و أنت
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أنا و أنت
أنا و أنت
رقم القصيدة : 68624
-----------------------------------
اعتذار
معذرة ضيوفنا الأسياد
قد كذب المذيع في نشرته الأخيرة
فليس في بغداد
بحر
و لا در و لا جزيرة
وكل ما قال به السندباد
عن ملكات الجن
عن جزر الياقوت والمرجان
عن ألف ألف من يد السلطان
خرافة من نسيج قيظ الصيف
في مدينتي الصغيرة
من احتراق الظل في الظهيرة
من غربة النجوم في صمت لياليها
كان لنا فيها
الحر والأصداف واللآلئ البيضاء
والقمر والضوضاء
وعودة الصياد في المساء
كان لنا فيها
في كذبة المذيع في نشرته الأخيرة
جنتنا الحالمة الغريرة
فنحن يا ضيوفنا الأسياد
نكذب كي نولد من جديد
(1/15456)
________________________________________
نكذب كي تظل في تاريخنا المديد
خرافة قال بها السندباد
كان لنا فيها
البحر والأصداف واللآلئ البيضاء
وساعة الميلاد
*
معذرة ضيوفنا الأسياد
قد كذب المذيع في ليلته الأخيرة
فليس في بغداد
بحر و لا در ولا جزيرة
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> النرفانا
النرفانا
رقم القصيدة : 68625
-----------------------------------
يا أرض الموتى
موتي
غوري في الموت لحد النتن
لحد الجزع
وابتلعي
أمواتك ... ميتا ... ميتا
واقتلعي الصمت
اقتلعي الموت من الرمه
صيري العتمة
في حزن محاجرنا البيضاء
*
يا أرض الموتى
أيتها الهجرة في تيه ليالينا السوداء
صيري
غوري
ابتلعي
اقتلعي
لا تدعي للشره الموتور سوى البغضاء
وغير الصبّار
وغير الصحراء
وغير النار المتدلية الأثداء
*
أيتها الهجرة
يا مزق الأشرعة القذرة
يا قلقي المتيبس في شفتي المره
غوري
اقتلعي
لا تبقي ولا تدعي
للدود المستيقظ في الظن
الحالم بالنتن
ألا الموت
*
يا أرض الموتى
موتي
لنصير بموتك كل الموت
موت الموت
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> بين مسافتين
بين مسافتين
رقم القصيدة : 68626
-----------------------------------
الريح لن تخيفنا
ان أعولت
أو ولولت مزمجره
والليل خلف بابنا المسكره
يظل أرضنا مقمره
ما دام لي عبر دروب أمسي المبعثره
مسافة تسألني عن موعد
وموعد يمتد في ألف غد
ما دام لي
في كل عرق في يدي المسمره
حكاية لم تولد
ولم أزل في عتمها المؤبد
أحلم ان أصير بعض صندل
محترق
ومبخره
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> قل لي ... هل لي
قل لي ... هل لي
رقم القصيدة : 68627
-----------------------------------
طوبى لك
قد مت ولم تك ملعونا
طوبى لك
قد مت ولم تك جرحا او سكينا
طوبى لك
قد مت وما كنت السجان ولا المسجونا
فأنا يا جدي
سأموت غدا في ألف غد
ويدي
لن تحمل إلا رقمي المطعونا
إلا شرفي المطعون
*
أنت غرست الوعد
وقلت : صن العهد
وإذ مت رحلت ولم تك ملعونا
(1/15457)
________________________________________
لم تك سجانا أو مسجونا
أما الوعد
فقد صار بي الجرح وصرت به السكينا
اما العهد
فقد عرفته مناحات الساحات الثكلى
في بلدي
ورآه غدي
مشنقة ويدا تتدلى كل مساء
وبغيا ما زالت تنتظر الزناء
يا جدي
يا كل براءات الوعد
بأن لا تصبح جرحا أو سكينا
قل لي ...
كيف غدت في جبل النقمه
كل براءاتك تهمه
وغدوت بك الرقم المطعونا
الشرف المطعونا
الأمس المطعونا
*
يا جدي
قل لي
هل لي
أن ابعث في امسك
أن أولد ثانية في فرحة عرسك
في حلم أبى المتنسك ... هل لي
أن أولد ... لا جراحا
لا سكينا
لا سجنا ... لا سجانا ... لا مسجونا
فأنا يا جدي
ما زلت براءاتك ... كل براءاتك
في الوعد وفي العهد
قل ... لي
هل ... لي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حوار في المنعطف
حوار في المنعطف
رقم القصيدة : 68628
-----------------------------------
• ألم تنم ... يا حارس الحزين
متى تنام
يا أيها الساهر في مصباحنا من ألف عام
يا أيها المصلوب بين فتحتي كفيه من سنين
ألا تنام
_ للمرة العشرين ... أريد ان أنام
أسقط في النوم ولا أنام
للمرة الخمسين
سقطت في النوم ولم أنام
فالنوم عند الحارس الحزين
يظل مثل حافة السكين
أخاف ان أنام
أخاف أن أفيق في الأحلام
_ ليحرقوا روما ليحرقوا برلين
ليسرقوا السور من الصين
عليك ان تنام ...
آن لهذا الحارس الحزين
أن يتكي للحظة ... ينام
_ أنام ... ولم تزل تحرق كل لحظة برلين
يسرق كل ساعة من سور الصين
يولد بين لمحة ولمحة تنّين
أخاف ان أنام
فالنوم عند الحارس الحزين
يظل مثل حافة السكين
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> اعترافات من عام 1961
اعترافات من عام 1961
رقم القصيدة : 68629
-----------------------------------
لن أذهب
لن أذهب
ما اتعس ان اقضي كل حياتي في عتمة مكتب
نفس الوجه المرمي على الطاولة السوداء
نفس الزمن المرتهل
في الظل
ونفس الحرف المتسائل عن حرف
.........
وعلى الحائط
ما زال اسم الله يحاول أن يفتح عينيه
(1/15458)
________________________________________
يمد ذراعيه
يقول :
تعال الي لمائت باسم الإنسان
يتدلى اللامان الكوفيان
يتدلى الله بلامين من السقف
من المصلوب بلاميه ...من المصلوب ..؟
أجيبيني يا بخل ذراعيه
فلقد أرهقتني وجهي المرمي على الطاولة
السوداء
وتعبت من التوقيع على كذب سيذاع صباح
مساء
وكرهت شعاراتي الجوفاء
. . . . .
ما أتعس أن أذهب
ما أتعس ان أقضي كل حياتي في عتمة
مكتب
مصلوبا ما بين اللامين الكوفيين
وبين الحرف المتسائل عن حرف
*
و كأمس
ذهبت
يفتح فراشي باب الغرفة يحني قامته
العطشى
وبلهفة من عوّده الجوع على أن يحني
قامته
ويذل تحيته حدّ الهمس
سيقول :
صباح الخير
. . . . .. . . .
صباح الخير ...اسم مغنية..كلا..اسم قصيدة
كلا..اسم قصيدة
أعرفها
أعرف صاحبها ...كان صديقي
أهداني في يوم ما ديوان المتنبي للبرقوقي
حدثني عن فجر قد يأتي برقا كالسيف
وقتالا كالسيف
حدثني عن معنى أبعد من شكل الحرف
. . . .
وأردّ:صباح الخير
القهوة ..أشربها في الشرفة
أغلق باب الغرفة
القهوة لا تنسى ...مره
وأنا أكرهها مره
أكره هذا القار الأسود
أكره هذا الدرب الأسود في قعر الفنجان
وأكره حتى الحبر الأسود ...حتى اللا....
...لا تكفر ..لن لن يغفر ربك هذي الفكرة
- مره
- أجل... مره
فمصاب بالسكري لا يأخذ قهوته إلا مره
- كيف أصبت به ومتى
- لا تسأل
وتذكرت الحي ..ومدرسة الحي ...وأستاذ الدين لا سين في الدين و لا جيم ...أفهمتم يا طلاب ..
أسمعتم يا طلاب
لكنا ..لم نسمع ...لم نفهم
وكبرنا
صرنا أكبر من أن نخشى الجيم المعقوف
وأكبر أن يجرحنا سيف السين
ورأينا كل أصابع أطفال الحي تشير إلينا :
بوركتم يا وجه الثورة
بوركتم يا وجه القرن العشرين
- كيف أصبت به ومتى
آه لو تعلم ...أن الثوار في القرن العشرين
لا تهدي الثوار سوى السكري
والقرحة
والقهوة ...مرّه
وأنا كنت من الثوار
وعرفت النوم على الإسمنت البارد
مثل القرن العشرين
وعرفت السجانين الثوار
وعرفت المسجونين الثوار
وعرفت بأن الثورة
(1/15459)
________________________________________
قد تقلع ظفري
قد تصل كل صباح حلاجا في صدري
ولمست أصابعهم في عيني تقول :
أنت الملعون فكن طعما للنار
صرنا طعما للنار
للسكري ..والقرحة ...والقهوة ...المره
والثورة
صارت هذين اللامين الكوفيين
وهذا الرأس المرمي على الطاولة منذ سنين
. . . .
لم يفهم فراشي شيا
حيا وكما عود حيا
في اللامين .... الثورة
حيا في رأس المرمي ...الثورة
أحنى قامته العطشى
وبلهفة
سد علي الباب على اللامين الكوفيين
على اسم اللـ...
وغرقنا في صمت الغرفة
*
لكن وراء الأبواب المسدودة
كان ابن الفراش يعد الثورة
كان ابن الفراش هو الثورة
من يدري
قد لا يشرب قهوته ... مره
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> إلى مدينة ...كالحجر الناتئ
إلى مدينة ...كالحجر الناتئ
رقم القصيدة : 68630
-----------------------------------
أيتها الحبيبة التي تجيء كآخر الليل
مثقلة
بهموم العشاق المنبوذين الا...
من حلم آت قبل الصبح
أيتها الحبيبة المستيقظة في الألم كالجرح
أيتها الرغبة القديمة
يا أرض الملح
ها أنا أسقط عند أسوارك
أتعلق بنواتيء أحجارك
اسقط
و أقوم
اسقط
و أقوم
ويظل الليل وراء الأسوار طويلا
مثل حكايات عجائزنا
مثل مغازلهن تكر حكايات وأغاني
سوداء
عن امرأة تحبل في الحي ولا تلد
تكبر في الوهم و لا تعد
ها أنا
أسقط
أسقط
و أقوم
ويظل الليل طويلا
يتخثر في الحجر الناتئ جرحا
يتخثر في الجرح دما
يا ليل ...إن صرت فما
خبرها عن هذا المرمى وراء الأسوار
خبرها أن دمي ما زال على الأسوار
*
سأجيء إليك كآخر ليلك
مثقلة
ببشائر صبح
بالبرء المتململ خلف الجرح
سأجيء إليك كآخر ليـ
ليلى لا آخر له
مقطوع في الغربة من يعشق ظله
*
و مددنا كفينا
مد بها أكثر
مدي بها أكثر
لا...ما التقينا ..ها نحن نعود لصمتينا
*
سأجيء إليك ..أجيء إليك
- ولكن ...لن تصلي
فأنا ممحو في ظلي ...ظلي لا يعرف شيئا عني
فلماذا تأتين ...ولن تصلي
*
و مددنا كفينا
-مد بها أكثر ...أكثر
(1/15460)
________________________________________
لن تصلي ..أكثر ...أكثر ..لن تصلي
ها نحن نعود لصمتينا
نسقط في عتمة عيننا
لا شيء سوى الليل يلملم ظلي
*
...والليل طويل خلف الأسوار
الليل طويل
أطول من برد شتانا
أبرد من عين امرأة لا تملك سرا
يا أنت
الليل البارد خلف الأسوار
يا أنت الحجر الناتيء بين الأحجار
يا أرض الملح
يا حبا كالجرح
هل لي ... أن أسأل ليلك أن يستر عاري
هل لي ...أن أغسل في الظلمة أوزاري
هل لي ...
*
يا وجه امرأة أقسى من وطني
سيجيء الصبح
وستعبر بي مرميا خلف الأسوار
ومدميا خلف الأسوار
ولكن ...لن تعرفيني
لن تعرفيني
فأنا ممحو في ظلي ...ظلي لا يذكر شيئا عني
لن تعرفني
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> أنت مدان ...يا هذا
أنت مدان ...يا هذا
رقم القصيدة : 68631
-----------------------------------
...وخرجت الليلة
كانت في جيبي عشر هويات تسمح لي
أن أخرج هذي الليلة
اسمي ..بلند ابن اكرم
وأنا من عائلة معروفة
لم أقتل أحدا
لم أسرق أحدا
بجيبي عشر هويات تشهد لي
فلماذا لا أخرج هذي الليلة
. . . . . .. . . . . . . .
كان البحر بلا شطئان
والظلمة كانت أكبر من عيني إنسان
أعمق من عيني إنسان
ورصيف الشارع كان ..
خلوا إلا من صوت حذائي
طق....طق .....طق......
أجمع ظلي في مصباح حينا ...و أوزعه حينا
وضحكت لأني
أدركت بأني
أملك ظلي
وبأني أقدر أن أرميه ورائي
أن أغرقه في بركة ماء وحل
إن أسحقه تحت حذائي
أن أخنقه بين ردائي
طق...طق...طق
والظل ورائي
طق ..طق
الظل ورائي ...ورائي ...ورائي
ما أكبر ظلك إنسانا يملك عشر هويات
في لا يملك أي هويه
*
غنيت
صفرت
صرخت
ضحكت ...ضحكت ..ضحكت
وأحسست أني أملك كل البحر وكل الليل
وكل الأرصفة السوداء
إني أجبرها الآن على ان تصغي لي
أن تصبح رجعا لندائي
أن تصبح جزءا من صوت حذائي
طق ......طق ......طق.....
ومددت يدي ..ما زلت عشر هوياتي في جيبي
هذا اسمي
هذا رسمي
هذا ختم مدير الشرطة في بلدي
(1/15461)
________________________________________
هذا توقيع وزير العدل وقد مد به زهو حز فمي
وأطاح بسن من أسناني
خدش بعضا من عنواني
وخشيت بأن ..فبلعت لساني
ومعي سبع هويات أخرى
أقسم لو مر بها جبل أحنى قامته ولقال :
هي الكبرى
عن شعري
عن أدبي
عن علمي
عن فني
ولاني
احمل عشر هويات في جيبي
غنيت
صفرت
صرخت
ضحكت ...ضحكت ..ضحكت
ما أكبر ظلم إنسانا يحمل عشر هويات في عتمة ليل
عشر هويات في زمن لا يملك أي هويه
*
في اليوم الثاني
كان ببابي شرطيان
سألاني من أنت ..؟
أنا.. ؟!
بلند بن اكرم
وأنا من عائلة معروفة
وأنا لم أقتل أحدا
وأنا لم أسرق أحدا
وباني ...فلماذا ..؟
....ضحكا مني ..من كل هوياتي العشر
ورأيت يد تومض في عيني
تسقط ما بين الخيبة والجبن
- أنت مدان يا هذا
- يا هذا
ماذا فعلا باسمي ...وبرسمي وبتوقيع وزير العدل
لم أدر ..لم أدر
لكني
أدركت بأن هوياتي ما كانت إلا شهادة زور
وبأني سأنام الليلة في السجن وباسم و هوياتي العشر
وضحكت ...وضحكت ...وضحكت
*
في زمن لا يملك أي هوية
سيكون مدانا من يملك أي هويه
مزقها ..مزقها يا سجاني
اسحقها ...اسحقها يا سجاني
...وسمعت خطاه ورائي
طق...طق...طق..
كان البحر له ..والليل له ...وجميع الأرصفة السوداء
طق...طق...طق
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> لا...لم يمت
لا...لم يمت
رقم القصيدة : 68632
-----------------------------------
الى غسان كنفاني
خسئتم من قال :مات
من عروقي بالحياة
خسئتم
ما مات غسان ولا الأرض التي
جادت به تموت
قد يهون العناء بعض وهلة
جفونه
وقد تعطي جرحه المدمى بعض وهلة
عيونه
لكنه
يظل في النزف دما يقيت
لا ..لم يمت
ما دام فجر أمه في جرحه يبيت
*
خسئتم
غدا إذا ما زحزحت أكفنا
سكونه
ستدر كون
ما الذي أبقى لنا مهاجر صموت
ستدركون
ما الذي خبأ تحت جفنه السكوت
وكيف ان مسربا في الليل قد أضاءه تابوت
وكيف أن بعضا يولد مذ يموت
*
خسئتم
لا لم يمت
ها ...نحن آتون به
فهللي
أيتها المشارف الخضراء يا بيارقا تملأ رحب
(1/15462)
________________________________________
الأرض والسماء يا موكب الفداء ..ها
ها ...نحن آتون به
من آخر النداء من آخر ما نملك من رجاء
فهللي
لا تشعلي الشموع إن بيته مضاء
لا تغسلي جراحه
قتلك كانت ساحة وتلك كانت
أرضه
زتلك كانت بيته المزهو بالدماء
لا تلمسي
جفونه
يخاف أن يوهنها العياء
لا تصرخي
غوري وراء صمته حكاية
أروع ما أبقى بها
أن تولدي في موته
مشارفا خضراء
بيارقا تملأ رحب الأرض والسماء
إن صرت في الموت لنا ..الرجاء
إن صارت الموتى به ...أحياء
*
خسئتم
لا ...لم يمت
ها نحن آتون به
مواكبا تسال عن طريقها في الموت والفداء
لا ...لم يمت
ها نحن آتون به
مواكبا تسال عن طريقها في الموت والفداء
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> حوار الأبعاد الثلاثة
حوار الأبعاد الثلاثة
رقم القصيدة : 68633
-----------------------------------
يا كلكم
يا غيبة الحاضرين
يا أنتم المارون كل لحظة ببيتي المنكفيء
الأضواء
والحاملون ليلي الثقيل في صمتكم المرائي
أنا ...هنا ....أموت من سنين
أزحف من سنين
خيطا من الدماء بين الجرح والسكين
نم أيها المجنون ...نريد ان ننام
نم أيها اللعين ..نريد ان ننام
نريد أن يعتقنا الظلام
. . .
يا أيها العدل المعلق في رقابا لمائتين
يا أنت يا ملاءة سوداء في الأقبية العتيقة
أصرخ بهم :
قد كذبوا
فليس بين الزيف والحقيقة
إلا دمٌّ جف على الإسفلت من سنين
جف فلن يذكره الجرح ولن تعرفه السكين
أصرخ بهم :
غدا إذا مر بن الصبح
ستلتقي السكين والجرح
وبقعة الدم التي تحملها أحذية العابرين
خطيئة أخرى بلا خاطئين
أصرخ بهم :
غدا ما استيقظ زنزانة السجين
إذا التقى المسجون والسجان
يسقط من عينيهما وجهان
الله
والشيطان
وليس إلا قسوة الجدران
شهادة صفراء كالبهتان
وليس إلا كوّة كان لها إنسان
نم أيها المجنون
نم أيها اللعين
قد تعب الصدى وانغلق المدى
على صراخك الحزين
واستيقظ السجان في السجن
نم أيها المجنون
نريد ان ننام
نريد أن يعتقنا الظلام
كورس مشترك :
(1/15463)
________________________________________
ربنا ...ربنا ..ربنا
تعلم اننا لسنا من هؤلاء ولا من هؤلاء
وإننا وجهك في الرجاء
وأمرك في البقاء
فلا تأخذان الرائي بجريرة ما رأى
و لا السامع بجريرة ما سمع
فبالأذن التي أعطيت سمعنا
وبالعين التي وهبت رأينا والعين لا تشبع
من النظر
والأذن لا تمتلئ من السمع
وبمشيئتك القائمة على الحق ...
نقول الحق .
كورس نسائي
هللويا ...هللويا
باسمك ولد
وباسمك استشهد في أزمنة الضيق
يوم أن عرفك في الحر المطلق
ويوم أن عرفك نفسه في العبد الموثق
رغب فيك
ورغب عنك
فكان أن ثار بك عليك فقتل
فاستشهد
ربنا ...ربنا...ربنا
من عرفك في نفسه
كبر بك عن جنتك وصغرت به جحيمك
فلا هو من جنتك
ولا هو من جحيمك
فاقبله شهيدا من أجلك
كورس مشترك :
اللهمّ غفرانك
لسنا في هذا الصوت سواك
ولا في ذاك الصوت
سواك لسنا إلا حقك في هذا الصوت
وفي ذاك
نجتمع في الرغبة ونموت في الرجاء
فإن سمعنا فالسامع أنت وإن رأينا فإنك
أنت الرائي
كورس رجالي :
هللويا ...هللويا
عرفوك في المسافة فكنت الرب وكانوا العبد
فمن رغب عن حريتك جردك منها وقتلك
فليقتل بما رغب
اللهم ...الحرية حاجة
من أدرك نفسه في عبد فيه تجاوزها في حر فيك
لتكون المسافة في الوصل كل الوعد في
الوصل بين الرب
وبين العبد
كورس نسائي :
باسم الرب ولد وباسمه استشهد
فكان انسان
كورس رجالي :
باسم الرب قتلوا
فكان الإنسان
كورس مشترك :
ربنا ...ربنا ...ربنا
لسنا من هؤلاء ولا من هؤلاء لا نحن شهدائك
ولا نحن من مجاهديك
لسنا إلا الحرف السامع لسنا إلا الحرف
الرائي
لسنا إلا بعبدك في خطوة إنسانك عبر الأرض
بعدك في الصحو النائم كل مساء
بعدك في النزع المتسائل في ألف رجاء
هللويا ...هللويا ...هللويا
*
القاعة ذات القاعة
بكراسيها
وبصوت مناديها
بعيون كلاب الصيد المغروزة في لحم أضاحيها
نفس الياقات البيضاء
ونفس الأحذية اللماعه
والزمن المتخثر في الساعة
ما زال كما...
-صه ..لا تحك
واللوحة ما زالت ذات اللوحة منذ العهد التركي
(1/15464)
________________________________________
العدل أساس الملك
ماذا ...؟
العدل أساس الملك
-صه ...لا تحك
كذب ...كذب ...كذب ...كذب
الملك أساس العدل
أن تملك سكينا تملك حقك في قتلي
-صه لا تحك
ما أكذبهم ...ما ألعنهم
العدل أساس الملك
أو شك أن أضحك لو لا أني
أترسب في الظن
فأوشك أن ابكي
-صه ...لا تحك ...لا تحك ...لا
-اصمت ..اصمت
.............
-وصمت ...وها أني
أسقط في بعدي الأول
وجهي يغرق في وجهي
عيني تبحث عن عيني
ها أني
أتمزق بين اثنين
رجل يصمت في طفل يسأل
*
باسم الرب
باسم الشعب
باسم القانون
سنحاكم هذا الوجه المتجهم كالأرض البور
الخائب كاللعنة
سنسمر في باب القاعة كفيه
وسنحفر في عينيه الجنة
-ما أكبر عدلك يا ربي
ما أكبر ظلمك في القاتل باسمك يا شعبي
ما أوسع ظلي
فلا جلي بعث الوعد المدفون
ولا جلي
صاروا الرب وصاروا الشعب وصاروا القانون
و لا جلي سيكون
الكل بلا ذنب
فأنا وحدي المقتول بقتل أبي
والذنب وحيد مثلي
*
-ما اسمك ...؟
لم أعرف لي اسما...لا أذكر ما أسمي
فلقد ماتت أمي
وأنا لم أولد بعد بمعنى في اسم
ولأني لم احمل اسما
لم من كانت لي أما ...تلت أبي
- أقتلت أباك ...؟!
- قتلت أباك ...قتلـ...؟!
- ت أي
سمو القتل محمود أو أحمد
مسعود أو أسعد
سموه اسما يدينه من الصلب
فدم المجرم عرس الرب
دم المجرم عرس الرب ...عرس الرب
الرب ...الرب
- ماذا قلتم وبماذا تفتون ؟
- فليعدم ...يعدم ...يعدم ...فليعدم
باسم الرب ...سيعدم
باسم الشعب ...سيعدم
باسم القانون
-لا تغسل كفيك فلن تندم
فالجرم يظهره الدم
لا شيء سوى الدم ...دم...دم...
دم....دم
-القاعة ذات القاعة منذ العهد التركي
العدل أساس الملك
أشك أن أضحك لو لا أني
أترسب في الظن
فأوشك ان ...
أبكي
كورس مشترك :
ربنا...ربنا ...ربنا..
ها أننا مثلك نولد في التكرار لنخلد في العادة
مثلك في الصيف الذاهب والصيف الآت
مثلك في الحجر الساقط في الموت بلا مأساة
مثلك في درب المحراث
يا ربنا
أفردتنا في العبد فرأينا الكل وأضعنا سرك
(1/15465)
________________________________________
في الأجزاء
صرنا حقك في القاتل مذ صرنا حقك في المقتول
فدروب المحراث سواء
تجرح في ذهابها
تجرح في إيابها
والجرحان رجاء
كورس نسائي :
هللويا ... هللويا
ساعة أن ولد في الرغبة
نسيك في الوعد القائم في النار وفي القار وفي الرهبة
فتيبس ثدياها
جفت شفتاه
على ثديها
سأل عنها فيهم
وتساءل عن وجه أبيه ليعرف قاتل أمه
صرخوا في وجهه :
ما اسمك ... ما اسمك ... ؟ من لا أسم له
لا أم له
من لا أسم له نكرته أبوته
أعطوني اسما لا صير به حبكم في الأرض
لا صير به وعد محبه
قالوا له أسماؤنا صلباننا
نتعذب فيها
نحلم فيها
وسيعرفنا الرب بها يوم الدينونه
لن نعطيها ما لم نعرف وجهك في القاتل
أو وجهك في المقتول
يا رب ... لقد أسقطه حقده في الغربة
هجرته مسافتهم ...
سحبوا أرضهم من بين خطاه
فكان أنت
وكنت القاتل والمقتول به
كورس رجالي :
ربنا ... ربنا ... ربنا
يا من سمعت بأذننا ...
يا من رأيت بعيننا
باركهم في القتل فلو لا أسمك ما قتلوا
أدنيتهم منك فكنت في مسقط نورك فيهم
وعدهم بالحق ... فالحق ... هم
وكان المتنكر لك بينهم فأدين بحقك فيهم
ضيقت مسافتهم
فالجزء هو الكل لديهم
والمجرم من لا يعرفك في هذا الجزء
أو ذلك الجزء
فكيف بمن لم يصعد جبلا ليبارك مسكنة
الروح
ليبارك من يرثون الأرض
ليقول لهم :
طوبى لكم في الجوع
وفي العطش
في الحزن
وفي المزن الساقط باسم الرب
ليقول لهم :
لن يفسد ملح الأرض
ربنا ... ربنا ... ربنا
أن تقبله شهيدا من أجلك في الحق اقبلهم
في القتل طريقا للحق
هللويا
هللويا ... هللويا
*
بأي شيء تحلمين الآن يا مسالك الرماد
أي رؤى قد صيرت عينيك أرض الله والميعاد
فامتدتا دربين أخضرين
وكنت
كل الأرض
كل الجنة السمحاء في الدربين
طوبى لكم
ما أرحب السماء بين غمضتي جفنين
ما أنجس الجنة إذ نبتاعها بالدين
نامي إذن
ثرثرة الغابات لا تسأل عن أذنين
نامي إذن
فالليل في مسالك الرماد
يصير أرض الله والميعاد
يصير في عينين
دربين أخضرين
ولتصرخي
(1/15466)
________________________________________
كما تشائين اصرخي بوجهي المرمي
تحت أرجل الجراد
يكفي المسمرة
بالجسد الموصل بين ناره وبين من يحلم خلف
المبخرة
كما تشائين اصرخي :
كذبتم ... لم يكذبوا
لم يصلبوا الحق وإن صلبوا
مسيحنا
فدربنا ليس زقاقا أسود
ولا دما على زقاق أسود
قولي لنا :
كذبتم ... لم يكذبوا
فالحق ليس شارعا يلتف كالحبل على المدينه
ولا يدا ضنينه
الحق هذا السفر الوضاء عبر الزيف
والأحلام والسكينة
قولي لنا :
كذبتم ...لم يكذبوا
فالحق ليس شارعا يلتف كالحبل على المدينة
و لا يدا ضنينه
الحق هذا السفر الوضاء عبر الزيف
والأحلام والسكينة
قولي لنا أيتها الخدعة :
إن ناموا كما ننام كي ندرك
أرض الله والميعاد
قولي لنا :
الحق ليس الحد بين الموت والميلاد
ناموا كما ننام
ليرجع الدربان بالحق الذي تبتغونه أبيض
كالأحلام
فلم تزل أعينكم ملأى بما تحمل من نعاس
تحمل من مآذن ولهى
ومن أجراس
تحمل من درب الى الله بلا سجن بلا حراس
ناموا كما ننام ما أرحب السماء بين غمضتي جفنين
ما أنجس الجنة إذ نبتاعها بالدين
...
كذبتم ...كذبتم ...كذبتم
نم أيها اللعين ...نريد أن ننام
نريد أن يعتقنا الظلام
لا توقظ السجان في السجين
أقسم لن أنام
توت عيني ولن أنام
وأنني أسخر من دربين أخضرين في مسالك الرماد
أنا هو الدم الذي جف على الإسفلت من سنين
يعرفه الجرح
و لن تنكره السكين
أنا هو الموت الذي يجيء كالميلاد
*
كورس نسائي :
الهنا...
يا من صيرت قيامة ذاتي كلمات عزائي في زمن الضيق
ونداء محبه يوم الغضبة
ما أظلم إنسانك في الفرد إذ سواك على شكله
ليقايض مجدك ذاك الخالد بالوجه الفاني
للإنسان
كانوا ضدك ساعة إن ظنوا أنهم نعموا
بمحبتك
أرضوا ودك
باسمك قالوا :فليفن هذا الابن العاق
هذا الراغب أن يصبح صبح صنوك في المجد الباق
ففنوا فيه
وتأبد فيهم
عاش الإنسان نزوعا في الإنسان ومانوا في صفرة
كفيه وسكتة عينيه
و تلك إرادتك
تلك مشيئتك في الدرب الصائر دربين
(1/15467)
________________________________________
الأول يستر نفسه عن نفسه ويعود لا مسه
والآخر يكشف نفسه في نفسه
والدربان
وعدك ان يبقى ووعديك أن يفنى
الأول يسقط في الخارج لتصير الأجساد معابد
إن هرمت
هرمت في الظل نبؤتك
أمست حجرا
تتستر
خلف كثافته ديدان الأرض وولائم ديدان
وفياللعنة
من يرفض وعدك بالحنة يبقك في الأرض
محبه
هللويا
هللويا
كورس رجالي:
اللهم اسمعنا ...
لا عذر لهذا الإنسان
سدت أذناه فلم يسمع أجراسك يا رب
عميت عيناه فلم يبصر وراء الصلبان
أجل يا رب
جحدت شفتاه عطاياك فكان الخاسر في النكران
وكان ...وكان ...وكان
لا عذر لهذا الإنسان
فلقد شفناه
ورأينا خنجره الغائر في قلب أبيه
وسمعنا دم ذاك المظلوم
ينعب مثل البوم
يسأل عنك وفيك
يا رب
قتل الأب
أكبر من كل خطاياهم السبع
يا رب
لا ترحمه فتصير الرحمه
دربا للقاتل والمجرم والآبق
مأوى للسارق من بيت أبيه
أرث الإنسان الى الإنسان
...الهنا الخالد في الحرف الموصي بالعدل
المتصلب
كالغل المتعنت كالقتل
الهنا الخالد في الحرف القائل :
أن كونوا
كالصيف الذاهب والصيف الآت
كالحجر الساقط في الموت بلا مأساة
ماذا يبقى من أرضك أن ثار الأبناء على أباء
ماذا يبقى من امسك إن صار الحاضر نفيا
للأمس
إن صار الطهر سبيها بالجرس
ويماذا تطعم نارك يوم الدينونه
ولماذا يحلم من يحلم بالجنة
يا رب
إن كنت ستعفو فلماذا أوجدت الذنب
هللويا
هللويا ...هللويا
*
ولأني لم احمل اسما
لم أعرف لي أما
صيرت حليب الثدي اليابس سما
مت به يوما
عشت به يوما
وكبرت سؤالا ..ما اسمي ...؟
من كان أبي ...؟
من كانت امي ...؟
يا ناس هبوني اسما
اسما يحملني وعدا
رعدا
غيما
مطرا قد يعود بالنعي
سموني اسما ...مسعودا أو أسعد
محمودا أو أحمد
اسما يدينني من الرب
اسما يدينني من الصلب
اسما ...اسما ..اسما
فأنا يا ناس بلا اسم
سكين أوغل في القلب أبي
...
وطرقت الأبواب ...بابا ...بابا
ورشوت البوابا
استجديت امرأة ...طفلا ...شيخا ..
وشبابا
ما ردوا
(1/15468)
________________________________________
لا باب ينفك ولا شباك ينسد
إن جاء مساء
أمسيت رصيفا في هذا الشارع
تسحقني أقدامهم
أبيض بها حينا ...أحيانا اسود
إن جاء صباح
أصبحت قمامة زبل لا تعد
ورغيفا نتنافي كف طفل جائع
وبكيت هنا
وبكيت هناك
وتسكعت هنا
وتسكعت هناك
أبحث عن نفسي في عنوان ضائع
مرت آلف الأسماء
لوحات
ألوانا
أضواء
أسماء تخنقها ياقات بيضاء ...
أسماء تعرق تحت معاطف سوداء
أسماء بيوت
أسماء شوارع لا يحصيها عدد
مرت ... لم يسألني أحد
من أبكاك ... ؟
من أين أتيت وأي حليب
بلل فاك ... ؟
... لا أحد
فقمامة زبل لا تعد ...
ورصيف الشارع لا أحد
...
ها اني
أسقط في بعدي الثاني
عيني تبحث في عين أبي
عن موت انسان
ها اني
أتمزق بين اثنين
هذا المرمى على الدرب صراخ امرأة
يستنجد بي
أقتله ... أقتله ... أقتله
وأنا الغائر في التوبة حتى الذنب
...
يا وجه أمي المنفي بلا كسرة خبز او قطرة ماء
لم عدمت
أما أدركت
بأنك مت ككل الأشياء
وصدئت ككل الأشياء
فلماذا عدت إلي ... !
لا شيء لدي ... إلا جبني
وبكائي المشدود الى أذني
فلماذا عدت ... لماذا عدت ... لما
يا وجه أمي المنفي
انزع وجهك من وجهي
اقلع كفك من كفي
يكفي
ان أسقط في عينك وجها آخر منفيا
في عري الصحراء
أفقر من عري الصحراء
أفقر من كسرة خبز أو قطرة ماء
فلماذا عدت الي
لا شيء لدي
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> مسيرة الخطايا السبع
مسيرة الخطايا السبع
رقم القصيدة : 68634
-----------------------------------
1
ومرة ركضت خلف ظلي
حاولت ان امسكه
حاولت ان أصير فيه كلي
وعندما انحنيت كان
منحنيا مثلي
محدقا مثلي
في كسرة عتيقة من وجهي الطفل
ظللت بلا أرض ولا زمان
ظللت بلا ظل
2
أحلم
كي أرفض ان أولد في محرار
لأنني
أعلم ان الليل والنهار
لن يسألا أين أنا
في الثلج
أم في النار
3
وأمس
إذ ولدت في حقيبة لامرأة مريبة
أدركت في مرآتها
كل الذي أجهل من أسرارها الرهيبة
أدركت أن أرضها أصغر من حقيبة
4
وعندما نفيق او ننام
(1/15469)
________________________________________
لا نحفر الأرض ولا نبحث في الركام
عن وجهنا المطمور بين كومة العظام
ولن تقيس عمرنا
جمجمة تيبست في قبحها الأعوام
نحن هنا
مسافة
تجهل ان تطول او تقصر في أرقام
إذ ليس في طريقها مدينة
تولد في استغاثة الصباح
او تموت في انحناءة الظلام
وليس
في سنينا أيام
5
ساعة ان تغمر صحوة حلمنا البحار
ننساب في التيار
أشرعة
تحمل في حنينها اللؤلؤ والمرجان والمحار
او منية لصبية صغار
تمرح في شواطئ عذراء ما مر بها إعصار
6
أنا امرأة
ولدت في ليل شتائي طويل المدى
فكان أن سددت باب غرفتي
أغلقت شباكي على الرياح والنجوم والصدى
فصار ببيتي مدفأة
ونمت كي أولد كل لحظة في موت
7
لكي نظل نحلم
ان جاءنا مسيحكم
كنا كما أرادنا أدعية تتمتم
وان أبحتم قتله
صرنا له المسمار والنار التي لا ترحم
وحسبنا من كل ما كان له
من كل ما شاء لنا
أقنعة جوفاء لا تبكي ولا تبتسم
شعراء العراق والشام >> بلند الحيدري >> نداء الخطايا السبع
نداء الخطايا السبع
رقم القصيدة : 68635
-----------------------------------
كررت
ألف مرة
بأننا زائفون ... ... زائفة أيامنا
وزائف ألهانا
وان ثقب بابنا
ليس له مفتاح
وانه
ما حبلت شمس به ولا زنت رياح
وأنه ما كان
إلا طريق الموت والنسيان
ألف ... ألف مرة
قلت لنا : بأنه لن يكون
وعدا لنا في الصباح
وإننا ... زائفون
وإننا ... ضائعون
وإننا لا أرض لا شمس لنا
إننا ... حالمون
هلا علمت أننا
الشمس التي تدفئنا
وإننا الأرض التي تحملنا
وإننا الصبح الذي نريد ان يكون
فأطفئ قناديلك يا مجنون
نريد ان ننام
نريد أن يعتقنا الظلام
كورس مشترك :
ربنا ... ربنا ... ربنا
هلا غفرت لنا ذنوبنا
فها نحن كهؤلاء وهؤلاء
نترسب في صوتيهم ونتوه في المسافة الضيقة
ما بين عينيهم
شئنا ان نبصر ... لم نبصر
شئنا أن نسمع ... لم نسمع
فالأرض مسافات يا رب ... الأرض
مسافات
ولكل مسافة
أبعاد قد تبدأ من هذي العين
ولا تبدأ من تلك العين
(1/15470)
________________________________________
قد ترحل من هذي اللمسة لا من تلك اللمسة
والحق هو البعد المتحرك بين الأشياء
بين الإنسان
وظل الإنسان
بين الزمن المتغلغل في الداخل
والزمن المتخثر في الخارج
يا رب فمن ... بعد عنك ... لم يرك
والقائل :
اني أنا الرب ... لم يرك
ربنا
ربنا ... ربنا
هلا غفرت لنا ... ذنوبنا
فأنت
أنت أقمت الناس حدودا
صيرت الواحد منها نفيا للآخر
ليكون الموت خلودك في الأرض
يا ربنا
في الحب وفي البغض
أقبلنا شاهد عدل ... لم يبصر شيئا
لم يسمع شيئا
لم يدرك إلا بعدك بين الأشياء
يصير رجاء في قلب
ويصير فناء في قلب
والخالد مثل الموت هو أنت
يا ربي
هللويا
هللويا ... هللويا
*
ان خفت
تسترت بجوعي من خوفي
وكبرت على ضعفي
ان جعت
اقتت بجوعي
ومددت ذراعي لجياع خلفي
وكبرت على ضعفي
وإذا جفت شفتي يبست كظهيرة صيف
أوسعت لها جرحا في كفي
خبأت به صوتي
خبأت به شفتي
ونظرنا
وانتظرت أن تندى في زمن النزف
وكبرت على ضعفي
... ...
ومشيت دروب الناس
لملمت خطاهم
لملمت رؤاهم
ما يسقط منهم في رقم أو حرف
فعلمت
بأن السراق هم الوجه الآخر للحراس
وعلمت بأنني بين الناس
وجهان لهذا العبد
وذاك النخاس
وعلمت بأني في الجبل الشامخ حد
فكبرت على ضعفي
ما هنت
ولا شئت
ولا كنت
ألا الموت الناطر في حد السيف
والمقت المترصد في الجوع
وفي الخوف
فاعتقني يا زمن النزف
أنزل ابليسك عن كتفي
سأدك جبالهم
سأهد كهوفهم
وسأوقظ في موتهم حتفي
_ صه ... لا تحك
_ لا تحك
_ لا تحك ... لا
لن أسكت ... لن أسكت ... لن
يا أنت الحجر الساقط في الموت بلا مأساة
كن موتي
كي تولد في الزمن الآت
كن جرحا في كفي
كن أفعى في صوتي
كن أنت الله الانسان
بلا موت
...
ماذا قلتم وبماذا تفتون
فليعدم ... يعدم ... يعدم ... فليعدم
باسم الرب ... سيعدم
باسم الشعب ... سيعدم
باسم القانون
*
اكره أن اشنق في مفارق الطرق
_ تشنق في
ترجم في
تحرق في مفارق الطرق
ولن تكون شارة لقرية
أو مرتجى مدينه
ولن تكون ملتقى دروبنا في منيه
(1/15471)
________________________________________
ولا يدا
تبحث عن دفء دماها في يدي
هنا
على مفارق الطرق
غدا تصير مسربا للريح والرمال والغسق
وتنتهي
لا جبهة كنت ولا
دما ... ولا
فما ... ولا
ألا جذى ما كنت من تلك الرؤى
وذلك الملتقى ...
_ أجل وذلك الملقى هوى أضاء دربا واحتراق
_ كذبت ... لا
لا شيء غير رمة للصقر الجائع ...
لا شيء سوى جمجمة تصفر فيها الريح ...
لا شيء سواك مأتما وميتا ملقى على مفارق الطرق
... ...
يا أيها الناس
أيتها المآذن الولهى ويا أجراس
من يوقد النار له ... ؟
أنا
أنا
أنا
أنا
من يغرز المسمار في كفيه من ... ؟
أنا
أنا
أنا
أنا
من يجمع الحجار كي نرجمه ...
أنا
أنا
أنا
أنا
....
يا أيها الناس
يا وجهي الآخر في الانسان
يا وجهي الآخر في المسمار والنيران
متى ... متى
تدرك ان من أتى
بوجدك الحي يظل حيا
يبعث من مسمارك الغارز في راحته
نبيا
_ تكذب يا مجنون
تكذب فالمسمار درب المطرقة
_ جدفت يا ملعون
_ يا وجهي الآخر في الانسان
الى متى
تصير لي في مرة سنبلة
ومرة
تصير لي موتا وحبل مشنقة
كورس مشترك :
ربنا ... ربنا ... ربنا
شاهدنا شيئا لم نفهمه ... ورأينا حقا لم ندركه
وجه امرأة محفورا في جبل قرب المفرق
ورأينا في عينها نبعي ماء
قمرا
ونجوما
وسماء
ورأينا الجسد العاري رغم الصقر الجائع
والريح الملعونة والليل الداجي
رغم المسار ورغم النار يتحول أرضا
خضراء
وسمعنا صوتا لم يأت من أرضك يا رب
لم يأت من تلك النار الموعودة ... يا رب
لم يأت من جنتك المرصودة ... يا رب
صوت امرأة قال :
ابني لم يشنق ... ابني ما مات
من مات إذن قرب المفرق ... يا ربنا
يا ربنا ... يا ربنا
من مات إذن قرب المفرق ... ؟
والمرأة
تلك المرأة من كانت ... يا رب
؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الخرافة
الخرافة
رقم القصيدة : 68636
-----------------------------------
حين كنا .. في الكتاتيب صغارا
حقنونا .. بسخيف القول ليلا ونهارا
: درسونا
"ركب المرأة عورة"
"ضحكة المرأة عورة"
(1/15472)
________________________________________
"صوتها - من خلف ثقب الباب - عورة"
.. صوروا الجنس لنا
.. غولا .. بأنياب كبيرة
.. يخنق الأطفال
.. يقتات العذارى
خوفونا .. من عذاب الله إن نحن عشقنا
.. هددونا .. بالسكاكين إذا نحن حلمنا
.. فنشأنا.. كنباتات الصحاري
. نلعق الملح ، ونستا ف الغبارا
يوم كان العلم في أيامنا
.. فلقة تمسك رجلينا وشيخا.. وحصيرا
.. شوهونا
شوهوا الإحساس فينا والشعورا
.. فصلوا أجسادنا عنا
.. عصورا .. وعصورا
.. صوروا الحب لنا .. بابا خطيرا
لو فتحناه.. سقطنا ميتين
فنشأنا ساذجين
وبقينا ساذجين
نحسب المرأة .. شاه أو بعيرا
.. ونرى العالم جنسا وسريرا
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تذكرة سَفر لامرأةٍ أحبّها
تذكرة سَفر لامرأةٍ أحبّها
رقم القصيدة : 68637
-----------------------------------
أرجوك يا سيدتي .. أن تتركي لبنان
، أرجوك باسم الحب ، باسم الملح
أن تغادري لبنان
.. فالبحر لا لون له
.. والشكل لا شكل له
والموج - حتى الموج - لا يكلم الشطآن
.. أرجوك يا سيدتي أن ترحلي
.. حتى أرى لبنان
.. أرجوك يا سيدتي أن تختفي
.. بأي شكل كان
.. باي سعر كان
أن ترجعي البحر إلى حدوده
وترجعي الشمس إلى مكانها
وترجعي الجبال والوديان
.. أرجوك يا سيدتي
.. أن ترجعي براءتي
.. والزمن المكسور .. فوق ساعتي
.. وترحلي عني ، وعن لبنان
.. بأي شكل كلن
.. بأي سعر كان
أرجوك يا سيدتي
أن تدركي بأني إنسان
وتسحبي السيف الذي زرعته في فوهة الشريان
أرجوك .. باسم الزعتر البري ، والشربين ، والريحان
.. والثلج ، والضباب ، والرعاة ، والقطعان
وباسم عامين .. هما .. خلاصة الزمان
باسم ( جعيتا ) واليدان فوقها يدان
ونحن مبحران في عرس من الألوان
( وباسم نادي الصيد في ( جبيل
.. والنبيذ .. والدخان
( وبيتنا المهجور في ( طبرجة
وشعرك المنثور فوق الأرض والحيطان
وباسم ثوب أحمر
كنت به رائعة كزهرة الرمان
.. أرجوك يا سيدتي
باسم جميع الكتب المقدسة
(1/15473)
________________________________________
والشمع ، والبخور، والصلبان
أرجوك بالأحزان يا سيدتي
إن كنت تعرفين ما الأحزان
أرجوك .. بالأوثان يا سيدتي
إن كنت تؤمنين في عبادة الأوثان
أرجوك .. باسم الأنس
أرجوك .. باسم الجان
.. أن تتركي لبنان
.. كل هداياك التي تحرك الشجون
( كل المناديل التي تحمل حرف ( النون
( أزرار قمصاني التي تحمل حرف ( النون
.. فكلها أفيون
.. يا أنت
.. يا أخطر ما عرفت من أفيون
أرجوك أن تسترجعي
مصباحك القريب من وسادتي
وكلبك الأبيض من سياراتي
فإنها قد أصبحت .. نوعا من الإدمان
.. يا امرأة .. قد جعلتني أدمن الإدمان
رفيقتي ، على دروب ( اليرزة )الخضراء
رفيقتي ، أمام باب مريم العذراء
رفيقتي بالحزن والبكاء
أرجوك ، يا سيدتي ، أن ترجعي
علاقنتي الأولى مع الأشياء
.. أن ترجعي الأشجار مستقيمة
،، والأرض مستديرة
والقمح ، والنجوم، والسنابل الخضراء
.. أرجوك يا سيدتي
أن ترجعي إلى البحار الماء
.. والرب للسماء
.. أرجوك يا سيدتي
أن تحزمي حقائب النسيان
أكبر من مساحة الأجفان
أرجوك يا سيدتي
أن تتركي بيروت في عناية الرحمن
.. وتتركي لي الحزن
.. فهو صاحبي الوحيد من زمان
.. لبنان
كان أنت .. يا حبيبتي
.. ويوم ترحلين عن صدري
.. لبنان
كان أنت .. يا حبيبتي
.. ويوم ترحلين عن صدري
.. فلا لبنان
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> يا زوجة الخليفة
يا زوجة الخليفة
رقم القصيدة : 68638
-----------------------------------
! يا زوجة الخليفة
، لا يفهم الحراس ما قضيتي
.. يا زوجة الخليفة
.. رسائلي إليك .. يرفضونها
.. أزهاري الحمراء .. يرفضونها
.. يا زوجة الخليفة
قصائدي الكتبتها بالضوء والقطيفة
لم يقبلوا استلامها
يا زوجة الخليفة
أنك كنت زوجتي
قبل وجود القصر .. والخليفة
، حراسك الغلاظ، يا سيدتي
لا يقرأون الشعر
.. لا يفهمون الشعر
حاولت أن أقنعهم
أنك شمس العمر
.. جربت سحري معهم
فما أفاد السحر
.. جربت أن أرشوهم بالمال
أو بالخمر
.. لكنهم .. لم يقبلوا
(1/15474)
________________________________________
أن يدخلوني القصر
- كل القصور - منذ أن كانت
.. تخاف الشعر
.. تخاف الشعر
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أُقَدِّمُ اعتِذارِي
أُقَدِّمُ اعتِذارِي
رقم القصيدة : 68639
-----------------------------------
.. أقدم اعتذاري
لوجهك الحزين مثل شمس آخر النهار
.. عن الكتابات التي كتبتها
.. عن الحماقات التي ارتكبتها
عن كل ما أحدثته
في جسمك النقي من دمار
وكل ما أثرته حولك من غبار
.. أقدم اعتذاري
عن كل ما كتبت من قصائد شريرة
.. في لحظة انهياري
فالشعر ، يا صديقتي ، منفاي واحتضاري
.. طهارتي وعاري
ولا أريد مطلقا أن توصمي بعاري
من أجل هذا .. جئت يا صديقتي
.. أقدم اعتذاري
.. أقدم اعتذاري
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أنا قطار الحزن
أنا قطار الحزن
رقم القصيدة : 68640
-----------------------------------
.. أركب آلاف القطارات
.. وأمتطي فجيعتي
وأمتطي غيم سجاراتي
حقيبة واحدة .. أحملها
.. فيها عناوين حبيباتي
.. من كن ، بالأمس ، حبيباتي
يمضي قطاري مسرعا.. مسرعا
.. يمضغ في طريقه لحم المسافات
يفترس الحقول في طريقه
يلتهم الأشجار في طريقه
.. يلحس أقدام البحيرات
يسألني مفتش القطار عن تذكرتي
.. وموقفي آلاتي
.. وهل هناك موقف آتي ؟
فنادق العالم لا تعرفني
.. ولا عناوين حبيباتي
.. لا رصيف لي
أقصده .. في كل رحلاتي
أرصفتي جميعها .. هاربة
.. هاربة .. مني محطاتي
.. هاربة .. مني محطاتي
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أعنف حب عشته
أعنف حب عشته
رقم القصيدة : 68641
-----------------------------------
تلومني الدنيا إذا أحببته
كأني أنا خلقت الحب واخترعته
كأنني على خدود الورد قد رسمته
.. كأنني أنا التي
للطير في السماء قد علمته
وفي حقول القمح قد زرعته
.. وفي مياه البحر قد ذوبته
.. كأنني أنا التي
كالقمر الجميل في السماء قد علقته
.. تلومني الدنيا إذا
.. سميت من أحب .. أو ذكرته
.. كأنني أنا الهوى
(1/15475)
________________________________________
.. وأمه .. وأخته
من حيث ما انتظرته
.. مختلف عن كل ما عرفته
مختلف عن كل ما قرأته
.. وكل ما سمعته
.. لو كنت أدري
أنه نوع من الإدمان .. ما أدمنته
.. لو كنت أدري أنه
باب كثير الريح ، ما فتحته
.. لو كنت أدري أنه
عود من الكبريت ، ما أشعلته
هذا الهوى . أعنف حب عشته
.. فليتني حين أتاني فاتحا
يديه لي .. رددته
.. وليتني من قبل أن يقتلني
.. قتلته
.. هذا الهوى الذي أراه في الليل
.. أراه .. في ثوبي
.. وفي عطري .. وفي أساوري
.. أراه .. مرسوما على وجه يدي
.. أراه .. منقوشا على مشاعري
.. لو أخبروني أنه
.. طفل كثير اللهو والضوضاء ما أدخلته
.. وأنه سيكسر الزجاج في قلبي
.. لما تركته
.. لو اخبروني أنه
سيضرم النيران في دقائق
ويقلب الأشياء في دقائق
ويصبغ الجدران بالأحمر والأزرق في دقائق
.. لكنت قد طردته
.. يا أيها الغالي الذي
.. أرضيت عني الله .. إذ أحببته
أروع حب عشته
فليتني حين أتاني زائرا
.. بالورد قد طوقته
.. وليتني حين أتاني باكيا
.. فتحت أبوابي له .. وبسته
.. وبسته
.. وبسته
.. فتحت أبوابي له .. وبسته
.. وبسته
.. وبسته
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بإنتظار سيدتي
بإنتظار سيدتي
رقم القصيدة : 68642
-----------------------------------
أجلس في المقهى.. منتظرا
.. أن تأتي سيدتي الحلوة
.. أبتاع الصحف اليومية
أفعل أشياء طفوليه
"أفتش عن "برج الحمل
" .. ساعدني يا "برج الحمل
" .. طمئني يا "برج الحمل"
.. هل تأتي سيدتي الحلوة ؟
هل ترضى أن تتزوجني
هل ترضى سيدتي الحلوة ؟
.. يخبرني برجي عن يوم
.. يشرق بالحب وبالأمل
.. يخبر .. عن خمسة أطفال يأتون
.. وعن شهر العسل
.. أبقى في المقهى .. منتظرا
.. عشرة أعوام قمرية
.. منتظرا .. سيدتي الحلوة
تقرأني الصحف اليومية
.. ينفخني غيم سجاراتي
.. يشربني .. فنجان القهوة
.. ينفخني غيم سجاراتي
.. يشربني .. فنجان القهوة
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى صامتة
(1/15476)
________________________________________
إلى صامتة
رقم القصيدة : 68643
-----------------------------------
.. تكلمي .. تكلمي
أيتها الجميلة الخرساء
فالحب .. مثل الزهرة البيضاء
تكون أحلى .. عندما
.. توضع في إناء
، كالطير في السماء
والأسماك في البحار
. واعتبريني منك يا حبيبتي
.هل بيننا أسرار ؟
أبعد عامين معا؟
.تبقى لنا أسرار
.. تحدثي
عن كل ما يخطر في بالك من أفكار
، عن قطة المنزل
عن آنية الأزهار
عن الصديقات اللواتي
.. زرت في النهار
.. والمسرحيات التي شاهدتها
.. والطقس ، والأسفار
.. تحدثي
عما تحبين من الأشعار
، عن عودة الغيم
وعن رائحة الأمطار
.. تحدثي إلي عن بيروت
.. وحبنا المنقوش
فوق الرمل والمحار
.. فإن أخبارك يا حبيبتي
.. سيدة الأخبار
.. تصرفي حبيبتي
كسائر النساء
.. تكلمي عن أبسط الأشياء
وأصغر الأشياء
، عن ثوبك الجديد
عن قبعة الشتاء
عن الأزاهير التي اشتريتها
(من (شارع الحمراء
، تكلمي ، حبيبتي
عما فعلت اليوم
- أي كتاب - مثلا
قرأت قبل النوم؟
أين قضيت عطلة الأسبوع ؟
وما الذي شاهدت من أفلام ؟
بأي شط كنت تسبحين ؟
هل صرت
لون التبغ والورد ككل عام ؟
.. تحدثي .. تحدثي
من الذي دعاك
هذا السبت للعشاء ؟
بأي ثوب كنت ترقصين ؟
وأي عقد كنت تلبسين ؟
،فكل أنبائك ، يا أميرتي
أميرة الأنباء
.. عادية
تبدو لك الأشياء
.. سطحية
تبدو لك الأشياء
.. لكن ما يهمني
أنت مع الأشياء
.. وأنت في الأشياء
.. وأنت في الأشياء
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أين أذهب .؟
أين أذهب .؟
رقم القصيدة : 68644
-----------------------------------
لم أعد داريا .. إلى أين أذهب
كلَ يومٍ .. أحس أنك أقرب
كل يوم .. يصير وجهك ُجزءاً
من حياتي .. ويصبح العمر أخصب
وتصير الأشكال أجمل شكلا
وتصير الأشياء أحلى وأطيب
قد تسربتِ في مسامات جلدي
مثلما قطرة الندى .. تتسرب
.. اعتيادي على غيابك صعبٌ
واعتيادي على حضورك أصعب
كم انا .. كم انا أحبك حتى
أن نفسي من نفسها .. تتعجب
(1/15477)
________________________________________
يسكن الشعر في حدائق عينيك
فلولا عيناك .. لا شعر يكتب
منذ احببتك الشموس استدارت
والسموات .. صرن انقي وارحب
منذ احببتك .. البحار جميعا
اصبحت من مياه عينيك تشرب
حبك البربري .. أكبر مني
فلماذا .. على ذراعيك أصلب ؟
خطأي .. أنني تصورت نفسي
ملكا ، يا صديقتي ، ليس يغلب
.. وتصرفت مثل طفل صغير
.. يشتهي أن يطول أبعد كوكب
سامحيني .. إذا تماديت في الحلم
.. وألبستك الحرير المقصب
أتمني .. لو كنت بؤبؤ عيني
أتراني طلبت ما ليس يطلب ؟
أخبريني من أنت ؟ إن شعوري
كشعور الذي يطارد أرنب
أنت أحلى خرافة في حياتي
.. والذي يتبع الخرافات يتعب
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حارقة روما
حارقة روما
رقم القصيدة : 68645
-----------------------------------
. كفي عن الكلام يا ثرثارة
.. كفي عن المشي
على أعصابي المنهارة
ماذا أسمي كل ما فعلته ؟
.. سادية
.. نفعية
..قرصنة
.. حقارة
ماذا أسمي كل ما فعلته ؟
يا من مزجت الحب بالتجارة
.. والطهر بالدعارة
ماذا أسمي كل ما فعلته ؟
.. فإنني لا أجد العبارة
أحرقت روما كلها
.. لتشعلي سجارة
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ثلاث أغنيات شيوعية
ثلاث أغنيات شيوعية
رقم القصيدة : 68646
-----------------------------------
-1-
إذا نزل الليل هذي الروابي فقم يا رفيق
نراقبه من ثقوب الدجى في السكون العميق
لعلّ الظلام يعدّ مؤامرة في الخفاء
ويحبكها مع ضوء النجوم وصمت المساء
فهذي الروابي وذاك الطريق
وهذا الدجى , كلّهم عملاء
وسوف نفتّش حتى الأريج وحتّى المطر
نقلّب حتى خيوط الضياء ولون الزهر
ونفضح ما دّبرت كلّ جاسوسة زنبقه
وما روّجته العصافير بالرقص والزقزقه
وإنّا لنعلم أنّ القمر
تآمر فلننصب المشنقه
***
وتزوير سوسنة نذلة وعريش لعين
وتلك الينابيع إنّ دسائسها أبديّه
وهذا الأصيل يذيع أراجيفه الغسقيّه
حذار رفيقي فللورد دين
وهذا الشذى روحه عربيّه
-2-
تحيّة شقائق النعمان
(1/15478)
________________________________________
يا لون ما نضمر من حقود
***
وردتنا الشريفة الحمراء
يا راية الكفاح
يا حمرة القتل لك الدماء
***
إن تظمأي فبالدم المعش
أختاه لا نبخل
هيهات يا حمراء أن تعطشي
وثمّ من نقتل
من أجل هذا اللون نجري النجيع
جداولا تنثال
وباسمه نقتل حتى الربيع
ونذبح الأطفال
***
يا غلّة محرقه
بحقدنا نقسم أن تسلمي
يا وردة المشنقه
***
والآن جئناك به فاحتسي
دم كثير فاشبعي وانعسي
يا أخت واحمرّي
-3-
ظلمة , وخز , صراخ في وجودي
الرياح السود ملح في دمي فوق خدودي
وجززت الورد من خدّيه حبّا للسلام
فإذا أشلاؤه تصحو وتحيا من جديد
وأراه باسما منتصبا تحت الظلام
ومن الآفاق ينهال دويّ
عربيّ عربيّ عربيّ
ثمّ ماذا ؟ أصبح الدرب أعاصير وقصفا
الغلام الأرعن الغادر قد أصبح ألفا
هبطوا لم أدر من أين: صبايا وشبابا
أوجه أسقيت السمرة والشمس شرابا
بدّلوا أمني شكوكا ومحاذير وخوفا
وتهاوى حلمي الأحمر للأرض ترابا
لاعنا تسعين مليون محيا
عربيّا عربيّا عربيّا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> إلى وردة بيضاء
إلى وردة بيضاء
رقم القصيدة : 68647
-----------------------------------
كنز البرودة والرحيق وخبأ اللين العطر
يا من عصرت من الثلوج من الحليب من القمر
يا ضوء خدّ من حرير أبيض ملء النظر
بيضاء يا ملقى فراشات الربيع المنتظر
الشمس ودّت لو سقيت ضياءها منحا أخر
والفجر تابعك الأمين يريق ظلّك في النهر
يا ملتقى حبّ السّواقي والقنابر والشجر
واحسرتاه على البشر
مرّوا بكنزك سائلين
مسكينة ما تملكين ؟
***
بيضاء : نحن أنا وأنت سنكتم السرّ المثير
سرّي وسرّك لن نبوح به إلى الركب الضرير
ماذا ملكنا ؟ لا ضياع ولا عبيد ولا قصور
لا شيء إلا رعشة القمر المرّنح في الغدير
وغناء أنسام المساء المخمليّات المرور
وصداقة العصفور والفجر الملوّن والعبير
ومودّة الشمس الحنون وقبلة المطر الغزير
ووساد أعشاب وثير
وارحمتا للسائلين
وسؤالهم : ما تملكين ؟
(1/15479)
________________________________________
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> أغنية لطفلي
أغنية لطفلي
رقم القصيدة : 68648
-----------------------------------
ماما ماما ماما ماما ماماما
برّاق الحلو اللثغة ينوي النوما
والنوم وراء الربوة هيّأ حلما
والحلم له أجنحة ترقى النجما
والنجم له شفة ويحبّ اللثما
واللثم سيوقظ طفلي :
ماما ماما
***
بابا بابا بابا بابا بابابا
برّاق الغافي الساهي يسرق قلبا
والقلب سيمرع ينبت وردا رطبا
والورد يرشّ المهد أريجا عذبا
وأريج الورد لعوب يهوى الوثبا
والوثب سيوقظ طفلي :
بابا بابا
***
دادا دادا دادا دادا دادادا
الحقل مشوق للخضرة لا يهدا
والخضرة خاوية لا تملك وردا
والورد إلى الحمرة مرتعش وجدا
والحمرة عند صغيري ثغرا خدّا
وسيصحي الورد صغيري :
دادا دادا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> البعث
البعث
رقم القصيدة : 68649
-----------------------------------
أنّا غنيت للظلال وأعطي
ت هواي المفتون للأشباح
وعبرت الحياة وسنى وشيّد
ت قلاعا جدرانها من رياح
وعصرت الأوهام في قبضتي حي
نا وأهديت للطيوف صداحي
وأخيرا أتيت أنت واسلم
ت كؤوسي إلى شفاه الصباح
نغمي كان جدولا سكّريّ ال
ماء ينساب ليس يسقي العطاشا
ضنّ أن تسبح العصافير فيه
وأهان الضحى وصدّ الفراشا
وورودي لمّت رحيقا عبيريّ
ا وآلت لا تمنح الأحراشا
خزنت في عروقها قطرات ال
عطر بخلا بشهدها وانكماشا
***
الفقاعات فيه ضاقت بما يث
قلها من حرارة وحياة
بحثت في تحرّق وارتعاش
عن شفاه أو أعين عطشات
لتصّب الصباح فيها وتسي
ها كؤوسا مشغوفة الحافات
***
وورودي التي تغصّ بما قي
ها من العطر والرحيق الثمين
أنت علّمت عطرها سكرة التج
وال علّمتها اشتعال الحنين
أنت نبّهت غفوة الفلّ في حق
لي وبخل البنفسج المفتون
***
أنّا أغلقت باب قلبي على كلّ
جمال وكلّ خلجة شوق
وجعلت الهوى المزنبق سرا
ضائع الحدّ في امتداد وعمق
خفت أن يخدش النهار حواشي
ه فأبقيته رهينة رقّ
***
(1/15480)
________________________________________
ذلك الحبّ لم أحدّث به قطّ
غديرا أو ربوة أو حقلا
لم أصفه لتلّة تطعم اللي
لك من قلبها وتسقي الظلاّ
غرت أن تعرف العصافير اٍر
ري فأسلمتها السكون الملاّ
***
يا هوى ظلّ شاحب الخدّ خجلا
ن من الشمس خائف الألحان
يتوارى عن النجوم ويخفي
وجهه عن زنابق الغدران
ألحدت ذكرياته بخرير ال
جدول العذب وانفعال الأغاني
وبنى الصمت معبدا كفر المر
مر فيه ولاذ بالكتمان
أنّا لولاك كنت ما زلت سرّا
خافت اللحن باهت التلوين
أنت حرّرت ذلك الوله الخص
ب وأخجلت فيه ذلّ السكون
جئت كالضوء فانحنى لك قيدي
وتلاشى توحّشي وجنوني
وأفاق الشعور ينفض علر ال
صمت عن سرّ قلبي المكنون
***
أنت صيّرتني هتافة حبّ
ثرّة الوقع بعد طول نضوب
أنّا غنيت باسمك العذب في كلّ
انحناء ومفرق موهوب
لا تلمني إذا ملأت بك الدن
يا فصاحت معي : حبيبي , حبيبي !
جئت كالضوء فانحنى لك قيدي
وتلاشى توحّشي وجنوني
وأفاق الشعور ينفض علر ال
صمت عن سرّ قلبي المكنون
***
أنت علّمت قلبي المطبق الكفّ
سخاء الندى وبذل اللهيب
أنت صيّرتني هتافة حبّ
ثرّة الوقع بعد طول نضوب
أنّا غنيت باسمك العذب في كلّ
انحناء ومفرق موهوب
لا تلمني إذا ملأت بك الدن
يا فصاحت معي : حبيبي , حبيبي !
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> المدينة التي غرقت
المدينة التي غرقت
رقم القصيدة : 68650
-----------------------------------
وراء السداد التي ضمّدوا جرحها بالحصير
وخلف صفوف الصرائف حيث يعيش الهجير
يسير طريق تدثّر بالطين نحو المدينه
وأطلاها حيث بات يعيش اصفرار السكينه
***
وكانت تجيش وتزخر ساحاتاتها بالحياة
***
وكانت تهشّ وتضحك للشمس كلّ صباح
***
وكانت منازلها المرحات تلاقي القمر
بضحك نوافذها فاستكانت وصاح القدر
وجاء الخراب ومدّد رجليه في أرضها
وأبصر كيف تنوح البيوت على بعضها
***
لسقف هوى وتداعى وشرفة حبّ صغيره
***
وأرسل عينيه في نشوة يرمق الأبنيه
***
وجاء الخراب وسار بهيكله الأسود
(1/15481)
________________________________________
ذراعاه تطوي وتمسح حتى وعود الغد
واسنانه الصفر تقضم بابا وتمضغ شرفه
وأقدامه تطأ الورد والعشب من دون رأفه
***
وسار يرشّ الردى والتأكّل ملء المدينه
يخرّب حيث يحلّ وينشر فيها العفونه
***
يهبّ الخراب ويضحك نشوان بين الحفر
***
ويرسل ضحكته العصبّية ملء الفضاء
***
وتنمو الخشونة حيث يلامس وجه التراب
وتنبت أقدامه طحلبا لزجا وذباب
ويأتي الصباح ويختبىء في مكمن
وتخفيه مستنقعات فساح عن الأعين
***
وماذا تبقّى سوى الموت والملح في كأسها ؟
ويرسل ضحكته العصبّية ملء الفضاء
فتنفر منه النجوم ويثقل مسّ الهواء
***
وتنمو الخشونة حيث يلامس وجه التراب
وتنبت أقدامه طحلبا لزجا وذباب
***
ويأتي الصباح ويختبىء في مكمن
وتخفيه مستنقعات فساح عن الأعين
***
وتصحو المدينة ظمأى وتبحث عن أمسها
وماذا تبقّى سوى الموت والملح في كأسها ؟
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> حدود الرجاء
حدود الرجاء
رقم القصيدة : 68651
-----------------------------------
كنّا نراها في ضباب الكرى
ملفوفة الهيكل بالمستحيل
كنّا شفاها عطشت والتظت
وكان مرآها يروّي الغليل
كنّا ملايين نعاني اللّظى
وظلّها فوق منانا ظليل
وكانت الأحلام تلقي بنا
في كلّ فجر فوق صحو ثقيل
وكم عبرنا نحوها من مدى
الرّيح فيه تلتقي بالأنين
دماء مقتولين من يعرب
تضجّ في أعماق ليل حزين
وموكب يعقبه موكب
من شهداء سقطوا هاتفين
يا صوتها , يا وجهها , يا اسمها
إبقي ضياء يتحدّى السنين
***
وكم بنينا صرحها المشتهى
على تلال الرّمل في أمسنا
وكم حسبنا أنّها قد دنت
منّا فأخفى ضوءها المنحنى
وجه سرابيّ السّنا كم هوى
كلّ رجاء دونه مثخنا
***
من دونها ضعنا فلا زهرة
توقظنا أشذاؤها الساريه
لا نخلة تضحك في أرضنا
لا زارع ينشد لا راعيه
جفّت أراضينا وأشجارنا
وارتحلت أطيارنا باكيه
***
نحن عبرنا كلّ أفق نأى
نبحث عن شذاها الجميل
عن لونها عن روحها عن صدى
منها يدوّي في السكون الثقيل
(1/15482)
________________________________________
وانصرمت تلك السنين التي
تاهت خطاها في ضباب العويل
***
واليوم حان الفجر يا أمتّي
فنحن قاربنا حدود الرّجاء
تلالها تبدو وراء المدى
مغرقة في غمرة من ضياء
الوحدة الكبرى دنا ركبها
منّ فيا بشرى الشفاه الظماء
***
واليوم حان الفجر يا أمتّي
فنحن قاربنا حدود الرّجاء
تلالها تبدو وراء المدى
مغرقة في غمرة من ضياء
الوحدة الكبرى دنا ركبها
منّ فيا بشرى الشفاه الظماء
يا فرحة السارين تحت الدجى
قد لاحت الدار وحان اللقاء
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> إن شاء الله
إن شاء الله
رقم القصيدة : 68652
-----------------------------------
ناديت الوردة ذات صباح : " يا وردة إني عطشى "
فرنت وانتفضت وابتسمت
وجها , قلبا , شفة , رمشا
منحتني العطر , اللون , الحبّ , وما بخلت
فرشت لي خدّيها وحنت
.. .. .. ..
وسألت حبيبي أن ألقاه
فتطلّع فيّ وقال : أجل , إن شاء الله..
بضعة ألفاظ ثم مضى
وعد منه وحماس من قلبي ورضى
وغدا أو بعد غد يحضر إن شاء الله..
إن شاء الله..
وعد في شفة الزنبق غطّى المرج شذاه
وتألّق فجر منبثق خلف مسافات مبهوره
ونسائم تعبر في وديان مسحوره
(إن شاء الله ) رؤى أغنية طافحة وندى وصلاه
(إن شاء الله ) تسابيح وصدى أجراس
وبشاشة كأس لامس كأس
(إن شاء الله ) تفجّر أعياد وحياه
وتلاقي أعناب ومياه
***
فجّرت العالم بالخضره
(إن شاء الله ) وجاش البحر وأعطانا
سمكا ولآلي ورشاشا رطّب أوجهنا ورؤانا
(إن شاء الله ) وألف يد مرّت وتيقّظ ألف وتر
وتألّق حولي ألف قمر
وأنا ما زلت أعيش وأحلم أن ألقاه
فمتى يشرق لي فجرك يا (إن شاء الله ) ؟
***
( هل ) و ( متى ) لحن جفون ضارعه وشفاه
هل تحضر ؟ هل يأتي المطر ؟
هل يسخو العطر وينهمر ؟
إن شاء الله
إن شاء الله
ومتى يسري نسغ السكّر
في الرمّان الحامض ؟ والفجر متى يظهر ؟
والشاطىء بعد ضنى الأسفار متى سنراه
إن شاء الله ؟
في الرمّان الحامض ؟ والفجر متى يظهر ؟
(1/15483)
________________________________________
والشاطىء بعد ضنى الأسفار متى سنراه
إن شاء الله ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لحمُها .. وأظَافري
لحمُها .. وأظَافري
رقم القصيدة : 68653
-----------------------------------
.. لا تقولي : أرادت الأقدار
إنك اخترت ، والحياة اختيار
إذهبي .. إذهبي إليه .. فبعدي
.. لن تعيش الدفلى ، ولا الجلنار
بعت شعري .. بحفنة من حجار
أخبريني . هل أسعدتك الحجار
وظننت السراب ، جنة عدن
.. حين لا جنة .. ولا أنهار
لا تقولي : خسرت أيام عمري
هكذا .. هكذا .. يكون القمار
كنت في معصميك إسوار شعر
وعلى الدرب .. ضاع منك السوار
أو هذا .. الذي انتهيت إليه ؟
.. مجدك الآن .. قنب .. وغبار
كنت سلطانة النساء جميعا
.. ولك الأرض كلها ، والبحار
ثم أصبحت ، يا شقية ، بعدي
.. ربوة .. لا تزورها الأمطار
شامت .. شامت أنا بك جدا
.. لا يريح المقتول .. إلا الثأر
إنني منك .. لا أريد اعتذارا
ما تفيد الدموع والأعذار ؟
ما بوسعي أن أفعل الآن شيئا
.. كل ما حولنا دمار .. دمار
ما بوسعي إنقاذ وجه جميل
.. أكلته من جانبيه النار
.. وسهل على النساء الفرار
فلماذا ؟ تبكين ملكا مضاعا
.. أنك اخترت . والحياة اختيار
.. أنك اخترت . والحياة اختيار
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قصِيدة واقِعية
قصِيدة واقِعية
رقم القصيدة : 68654
-----------------------------------
.. لو كنت امرأة مثل سواك
.. لما أكملت معي شهرا
.. لو أطلب ملكا في نهديك
ملكتها .. شبرا.. شبرا
.. أو أطلب نصرا من شفتيك
.. لكنت تركتهما قشرا
، لو كانت تعنيني الأرقام
.. لكنت بأوراقي صفرا
.. لو كنت مجرد عابره
.. تأتي .. وامرأة تتعرى
.. لغدوت الآن .. مع الذكري
.. لحصلت عليه .. من امرأة أخرى
.. من أية واحدة أخرى
.. لكنك .. معجزة كبرى
معجزة .. اكبر من كبرى
تمطرني .. تمطرني .. شعرا
.. وأنا يا سيدتي رجل
.. لا يقدر أن ينسى الشعرا
.. يا امرأة
.. تساوي عيناها عصرا
(1/15484)
________________________________________
.. لو عندي امرأة .. مثلك أنت
.. لكنت هرقلا
.. أو كسرى
.. لكنت هرقلا
.. أو كسرى
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قطتي الشامية
قطتي الشامية
رقم القصيدة : 68655
-----------------------------------
.. أضناني البرد ، فكومني
داخل قبضتك السحرية
.. خبئني فيها أياما
.. إحبسني فيها أعواما
.. إحبسني كالطير المرسوم
.. على مروحة صينيه
.. فالحبس لذيذ، ومثير
.. داخل قبضتك السحرية
.. لا تفتح كفك .. واتركني
.. أرعى كالأرنب
.. في غابات يديك الوحشية
لا تغضب مني .. لا تغضب
فأنا قطتك الشامية
.. هل احد
يغضب من قطته الشامية ؟
.. أتركني ألعب كالسنجاب
على الأدراج العاجية
.. وفتات السكر ، ألحسه
.. داخل قبضتك السحرية
أمنيتي تلك ، وما عندي
.. أغلى من تلك الأمنية
.. لو أملك زاوية بيديك
.. لكنت ملكت البشرية
.. خبئني .. في خلجان يديك
فإن الريح شمالية
، خبئني .. في أصداف البحر
وفي الأعشاب المائية
.. خبئني .. في يدك اليمنى
.. خبئني .. في يدك اليسرى
.. لن أطلب منك الحرية
.. فيداك .. هما المنفى
.. وهما.. أروع أشكال الحرية
.. أنت السجان.. وأنت السجن
وأنت قيودي الذهبية
.. قيدني .. يا ملكي الشرقي
.. فإني امرأة شرقية
.. تحلم بالخيل .. وبالفرسان
.. وبالكلمات الشعرية
- إني مولاتك - يا مولاي
.. فغص في صدري كالمدية
.. سافر في جسدي كالأفيون
.. وكالرائحة المنسية
.. سافر في شعري .. في نهدي
.. كطعنة رمح وثنية
سافر - يا ملكي - حيث تريد
.. فكل شطوطي رملية
.. سافر .. فالريح مواتية
.. وأنا .. راضية مرضية
.. ضيعني
.. في أحراج يديك
.. سئمت .. سئمت المدنية
.. حيث الأشجار بلا عمر
.. حيث الأزمان خرافية
.. أرجعني .. صافية كالنار
.. وكالزلزال بدائية
.. حررني .. من عقدي الأولى
.. مزق .. أقنعتي الشمعية
وادفني .. تحت رماد يديك
.. شهيدة عشق صوفية
.. أدفني
.. حيث يشاء الحب
.. أنا رابعة العدوية
(1/15485)
________________________________________
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> بالأحمرِ فقَط
بالأحمرِ فقَط
رقم القصيدة : 68656
-----------------------------------
في كل مكان في الدفتر
إسمك مكتوب بالأحمر
حبك تلميذ شيطان
.. يتسلى بالقلم الأحمر
يرسم أسماكا من ذهب
ونساء .. من قصب السكر
وهنودا حمرا .. وقطارا
.. ويحرك آلاف العسكر
يرسم طاحونا ، وحصانا
.. يرسم طاووسا يتبختر
وامرأة يرسم .. عارية
.. ولها ثديان من المرمر
يرسم عصفورا من نار
مشتعل الريش ، ولا يحذر
وقوارب صيد ، وطيورا
.. وغروبا وردي المئزر
يرسم بالورد والياقوت
ويترك جرحا في الدفتر
حبك رسام مجنون
.. لا يرسم إلا .. بالأحمر
، ويخربش فوق جدار الشمس
ولا يرتاح ، ولا يضجر
ويصور عنترة العبسي
ويصور عرش الإسكندر
ما كل قياصرة الدنيا؟
. ما دمت معي .. فأنا القيصر
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مع بيروتيه
مع بيروتيه
رقم القصيدة : 68657
-----------------------------------
.. لم يبقى سوانا في المطعم
لم يبقى سوى
.. ظل الرأسين الملتصقين
لم يبقى سوى
.. حركات يدينا العاشقتين
وبقايا البن الراسب
.. في أعماق الفنجانين
.. لم يبق سوانا في المطعم
.. بيروت . تغوص كلؤلوة
.. داخل عينيك السوداوين
.. بيروت . تغيب بأكملها
، رملا ، وسماء ، وبيوتا
.. تحت الجفنين المنسبلين
، بيروت . أفتش عن بيروت
.. على أهدابك ، والشفتين
فأراها طيرا بحريا
وأرها عقدا ماسيا
.. وأرها امرأة فاتنة
تلبس قبعة من ريش
تشبك دبوسا ذهبيا
وتخبيء .. زهرة غاردينيا
.. خلف الأذنين
بيروت ! وأنت على صدري
.. شيء .. لا يحدث في الرؤيا
.. من يوم تلاقينا فيها
.. صارت بيروت
.. هي الدنيا
لم يبقى سوانا .. في المطعم
.. شال الكشمير .. على كتفيك
.. يرف حديقة ريحان
.. يدك الممدودة .. فوق يدي
.. أعظم من كل التيجان
.. عيناك .. أمامي صافيتان
.. صفاء سماء حزيران
وطفولة وجهك مقنعة
.. أكثر من كل الأديان
ما دامت مملكتي عينيك
(1/15486)
________________________________________
.. فإني سلطان زماني
.. المطعم أصبح مهجورا
.. وأنا أتأمل فنجاني
ماذا سيكون بفنجاني ؟
، غير الأمطار ، وغير الريح
.. وغير طيور الأحزان
.. تذبحني امرأة من لبنان
.. تساوي ملك سليمان
.. آه.. يا حبي اللبناني
.. آه.. يا جرحي اللبناني
.. لا غيرك يسكن ذاكرتي
لا غيرك يسكن أجفاني
قد ماتت كل نساء الأرض
.. وأنت بقيت بفنجاني
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> يَدي
يَدي
رقم القصيدة : 68658
-----------------------------------
جزءاً من يدي
جزءاً من انسيابها
من جوها الماطر
من سحابها
.. كأنما
في لحمها ، حفرت
.. في أعصابها
.. أصبحت جزءا من يدي
، أراك في عروقها ، في غيمها الازرق ، في ضبابها
أراك في هدوئها
أراك في اضطرابها
، في حزنها ، في صمتها الطويل ، في اكتئابها
أراك في الدمع الذي
.. يقطر من أهدابها
أراك يا حبيبتي
.. على يدي نائمة
.. كطفلة نامت على كتابها
.. أصبحت جزءاً من يدي
إسمك مكتوب على أبوابها
وجهك مرسوم على ترابها
.. تذكري
كم مرة .. لعبت بالثلج على هضابها
وضعت كالنجمة في أعشابها
.. كم مرة
.. دفأت كفيك على أحطابها
لا .. لست جزءاً من يدي
. أنت يدي
بشمسها .. وبحرها
.. وطهرها .. وكفرها
.. ونثرها .. وشعرها
، وحبك المحفور ، بالسكين
.. في أعصابها
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قصة خلافاتنا
قصة خلافاتنا
رقم القصيدة : 68659
-----------------------------------
برغم .. برغم خلافاتنا
.. برغم جميع قراراتنا
.. بأن لانعود
.. برغم العداء .. برغم الجفاء
.. برغم البرود
.. برغم انطفاء ابتساماتنا
.. برغم انقطاع خطاباتنا
.. فثمة سر خفي
.. يوحد مابين أقدارنا
.. ويدني مواطئ أقدامنا
.. ويفنيكِ فيّ
.. ويصهر نار يديكِ بنار يديّ
.. برغم جميع خلافاتنا
.. برغم اختلاف مناخاتنا
.. برغم سقوط المطر
.. برغم استعادة كل الهدايا .. وكل الصور
.. برغم الإناء الجميل
.. الذي قلت عنه.. انكسر
..برغم رتابة ساعاتنا
(1/15487)
________________________________________
.. برغم الضجر
..فلا زلت أؤمن أن القدر
.. يصر على جمع أجزائنا
.. ويرفض كل اتهاماتنا
.. برغم خريف علاقاتنا
.. برغم النزيف بأعماقنا
..وإصرارنا
.. على وضع حد لمأساتنا
.. بأي ثمن
.. برغم جميع ادعاءاتنا
.. بأنيَ لن
.. وأنكِ لن
.. فإني أشك بإمكاننا
.. فنحن برغم خلافاتنا
.. ضعيفان في وجه أقدارنا
.. شبيهان في كل أطوارنا
.. دفاترنا .. لون أوراقنا
.. وشكل يدينا .. وأفكارنا
.. فحتى نقوش ستاراتنا
.. وحتى اختيار اسطواناتنا
.. دليل عميق
.. على أننا
.. رفيقا مصير .. رفيقا طريق
.. برغم جميع حماقاتنا
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الحَسْناء والدّفتَر
الحَسْناء والدّفتَر
رقم القصيدة : 68660
-----------------------------------
قالت : أتسمح أن تزين دفتري
.. بعبارةٍ أو بيت شعرٍ واحد
بيت ٍ أخبئه بليل ضفائري
و أريحه كالطفل فوق و سائدي
قل ما تشاء فإن شعرك شاعري
أغلى و أروع من جميع قلائدي
ذات المفكرة الصغيرة .. أعذري
ما عاد ماردك القديم بمارد
من أين ؟ أحلى القارئات أتيتني
.. أنا لست أكثر من سراج خامد
أشعاري الأولى .. أنا أحرقتها
ورميت كل مزاهري وموائدي
أنت الربيع .. بدفئه و شموسه
. ماذا سأصنع بالربيع العائد ؟
لا تبحثي عني خلال كتابتي
شتان ما بيني وبين قصائدي
أنا أهدم الدنيا ببيتٍ شاردٍ
و أعمر الدنيا ببيتٍ شارد
بيدي صنعت جمال كل جميلةٍ
و أثرت نخوة كل نهدٍ ناهد
أشعلت في حطب النجوم حرائقاً
وأنا أمامك كالجدار البارد
كتبي التي أحببتها و قرأتها
ليست سوى ورقٍ .. وحبرٍ جامد
لا تُخدعي ببروقها ورعودها
فالنار ميتةٌ بجوف مواقدي
سيفي أنا خشبٌ .. فلا تتعجبي
إن لم يضمك ، يا جميلة ، ساعدي
إني أحارب بالحروف و بالرؤى
ومن الدخان صنعت كل مشاهدي
شيدت للحب الأنيق معابداً
.. وسقطت مقتولاً .. أمام معابدي
.. قزحية العينين .. تلك حقيقتي
هل بعد هذا تقرأين قصائدي ؟
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> القصيدة البحرية
(1/15488)
________________________________________
القصيدة البحرية
رقم القصيدة : 68661
-----------------------------------
في مرفأ عينيك الأزرق
أمطار من ضوء مسموع
وشموس دائخة .. وقلوع
ترسم رحلتها للمطلق
في مرفأ عينيك الأزرق
شباك بحري مفتوح
وطيور في الأبعاد تلوح
.. تبحث عن جزر لم تخلق
في مرفأ عينيك الأزرق
يتساقط ثلج في تموز
ومراكب حبلى بالفيروز
أغرقت الدنيا ولم تغرق
في مرفأ عينيك الأزرق
أركض كالطفل على الصخر
.. أستنشق رائحة البحر
.. وأعود كعصفور مرهق
في مرفأ عينيك الأزرق
أحلم بالبحر وبالإبحار
وأصيد ملايين الأقمار
وعقود اللؤلؤ والزنبق
في مرفأ عينيك الأزرق
تتكلم في الليل الأحجار
في دفتر عينيك المغلق
من خبأ آلاف الأشعار ؟
لو أني .. لو أني .. بحار
لو أحد يمنحني زورق
أرسيت قلوعي كل مساء
في مرفأ عينيك الأزرق
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لو كنت في مدريد
لو كنت في مدريد
رقم القصيدة : 68662
-----------------------------------
لو كنت في مدريد في رأس السنة
كنا سهرنا وحدنا
في حانة صغيرة
ليس بها سوانا
تبحث في ظلامها عن بعضها يدانا
كنا شربنا الخمر في اوعية الخشب
.. كنا اخترعنا - ربما - جزيرة
.. أحجارها من الذهب
.. أشجارها من الذهب
.. تتوجين فيها اميرة
لو كنت في مدريد في رأس السنة
كنا راينا .. كيف في اسبانيا
.. أيتهاالصديقة الاثيرة
تشتعل الحرائق الكبيرة
.. في الاعين الكبيرة
.. كيف تنام الوردة الحمراء في الضفيرة
كنا عرفنا لذة الضياع في الشوارع
وجوهنا تحت المطر
ثيابنا تحت المطر
كنا رأينا في مغارات الغجر
.. كيف يكون الهمس بالاصابع
.. والبوح والعتاب بالمشاعر
. وكيف للحب هنا .. طعم البهار اللاذع
.. لو كنت في مدريد في رأس السنة
كنا ذهبنا آخر الليل للكنيسة
.. كنا حملنا شمعنا وزيتنا
.. لسيد السلام والمحبة
كنا شكونا حزننا اليه
.. كنا أرحنا رأسنا لديه
.. لعله في السنة الجديدة
.. ايتها الحبيبة البعيدة
.. يجمعني اليك بعد غربة
(1/15489)
________________________________________
في منزل جدرانه محبة
.. وخبزه محبة
لو كنت في مدريد في رأس السنة
.. كنا ملأنا المدخنة
.. عرائسا ملونة
. لطفلة دافئة العيون
.. نعيش ياحبيبي بوهمها
.. من قبل أن تكون
نبحث ياحبيبتي عن اسمها
من قبل ان تكون
كنا صنعنا تختها الصغير من ظنون
تختا من الاحلام .. والقطيفة الملونة
.. تنام فيها - ربما - بعد سنة
. لو كنت في مدريد في رأس السنة
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> نحن وجميلة
نحن وجميلة
رقم القصيدة : 68663
-----------------------------------
جميلة ! تبكين خلف المسافات , خلف البلاد
وترخين شعرك كفّك دمعك فوق الوساد
أتبكين أنت ؟ أتبكي جميلة ؟
أما منحوك اللحون السخيّات والأغنيات ؟
أما أطعموك حروفا ؟ أما بذلوا الكلمات ؟
ففيم الدموع إذن يا جميلة ؟
وجرّحنا الوصف , خدّش أسماعنا المرهفه
وأنت حملت القيود الثقيله
وحين تحرّقت عطشى الشفاه إلى كأس ماء
حشدنا اللحون وقلنا سنسكتها بالغناء
ونشدو لها في الليالي الطويله
***
وقلنا : لقد سمّروها على خشبات صليب
وقلنا : سننقذها , سوف نفعل ! ثم غرقنا
وراء مدى " سوف " بين الحروف النشاوى وصحنا
تعيش جميلة ! تعيش جميلة !
***
وذبنا غراما ببسمتها وعشقنا الخدود
وهمنا بغمّازة وجديله
أمن جرحها الثرّ نطعم أشعارنا بالمعاني ؟
وذوبي أمام الجراح النبيله
***
هم حمّلوها جراح السكاكين في سوء نيّه
ونحن نحملّها - في ابتسام وحسن طويّه-
فيا لجراح تعمّق فيها نيوب فرنسا
وجرح القرابة أعمق من كلّ جرح وأقسى
فوا خجلتا من جراح جميلة !
فيا لجراح تعمّق فيها نيوب فرنسا
وجرح القرابة أعمق من كلّ جرح وأقسى
فوا خجلتا من جراح جميلة !
جراح المعاني الغلاظ الجهوله
فيا لجراح تعمّق فيها نيوب فرنسا
وجرح القرابة أعمق من كلّ جرح وأقسى
فوا خجلتا من جراح جميلة !
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> خصام
خصام
رقم القصيدة : 68664
-----------------------------------
(1/15490)
________________________________________
زمان الصفاء مضى وتلاشى مع الذكريات
وها نحن مختصمان
وجاء زمان الصراع فلا لطف لا بسمات
ولا دفقة من حنان
وها نحن مختصمان دفنّا الوئام
وراء التوتّر في قعر ألفاظنا البارده
ولم نبق كأسا ولا منهلا للغرام
ولم نبق عشّا لأحلامنا الساهده
***
بأعماق أنفسنا من عيوب جميله
ويدرك كلّ بأنّ الهوى
طوى ما طوى من معايبنا المترفات الأصيله
ولم نبق إلا محاسننا الفجّة المستحيله
***
وها نحن نعرف أبعادنا الشاسعه
وكيف ملكنا عيوبا منوّعة رائعه
تخبّيء أوجهها خلف ستر الرضى والليونه
وخلف الوداعة خلف السكينه
***
وفي لحظات الصفاء لمسنا شذاها الرصينا
وذقنا محاسننا السمحة المنعمه
وغطّى الحماقة والضعف فينا
***
وفي لحظات الحنين هوينا
بساطتنا وعشقنا العذوبه
وها نحن نعشق ما تخلق الآدميّة فينا
وما في حماقتنا من جمال شذ وخصوبه
***
وكنّا عشقنا انبثاق الحرارة في مقلتينا
فدعنا نحبّ النضوب
وكنّا هوينا التورّد والشعر في شفتينا
فلم لا نحبّ الشحوب
***
وكنّا عقدنا الصداقة بين المحاسن فينا
فدعنا نقم أسس الحبّ والودّ بين العيوب
وأفسح مكانا لبعض الحماقات بعض الذنوب
ودعنا نكن بشرا طافحين نفيض جنونا
وننصح ضحكا ودمعا سخينا
***
وكنّا عقدنا الصداقة بين المحاسن فينا
فدعنا نقم أسس الحبّ والودّ بين العيوب
وأفسح مكانا لبعض الحماقات بعض الذنوب
ودعنا نكن بشرا طافحين نفيض جنونا
وننصح ضحكا ودمعا سخينا
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ثلاث أغنيات عربية
ثلاث أغنيات عربية
رقم القصيدة : 68665
-----------------------------------
-1-
الساعة
دقّت الساعة في أرض بلادي العربيّه
جلجلت , ضجّت , ودوّت ملء وديان قصيّه
غلغلت عبر بساتين النخيل العنبريّه
وتلوّت في صحاررسخت كالأبديّه
دقّت الساعة واهتزّت لها سمر الصحاري
وارتوت بيد عطاش لانبلاج , لانفجار
ورمال لم تزل منذ عصور في انتظار
فتحت أذرعها العطشى وألوت بالإسار
***
(1/15491)
________________________________________
إحملي أغنية الصحو إلى خضر المروج
ووعودا مورقات عربيّات الأريج
نبضت بين المحيط المترامي والخليج
***
إثنتا عشرة من دقّاتها هزّت ربانا
غلغلت عبر صحارينا النشاوى وقرانا
وسمعناها تنادي وأفقنا من كرانا
***
-2-
اللصوص
ولصوص هناك كثار
أقبلوا من وراء البحار
***
يأخذون الثرى والهواء
***
يخنقون الأغاني الحنون
***
إنّهم يقطعون الطرق
-3-
النسر المطعون
حيث النخيل السامق المزدهي
وحيث أغنيات أنهارنا
هناك ألقى طائر ظلّه
***
في كبرياء الريش تحيا ذرى
أقام فوق الأرض لا يرتقي
واللانهايات تنادي وفي
في قلبه النابض قد أغمدوا
من صدره الحرّ يغذّي الثرى
يا رمح اسرائيل مهما ارتوى
-3-
النسر المطعون
حيث النخيل السامق المزدهي
حيث الينابيع وكاساتها
وحيث أغنيات أنهارنا
هناك ألقى طائر ظلّه
***
جنحاه مبسوطان فوق المدى
في كبرياء الريش تحيا ذرى
أقام فوق الأرض لا يرتقي
واللانهايات تنادي وفي
***
في قلبه النابض قد أغمدوا
من صدره الحرّ يغذّي الثرى
يا رمح اسرائيل مهما ارتوى
يبقى ثرانا عربيّ الشذى
***
يافا وحيفا في غد نلتقي
تبقى فلسطين لنا نغمة
ونسرنا الشامخ لن ينثني
غدا فلسطين لنا كلّها
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> ثلج ونار
ثلج ونار
رقم القصيدة : 68666
-----------------------------------
تسأل ماذا أقصد ؟ لا , دعني , لا تسأل
لا تطرق بوّابة هذا الركن المقفل
اتركني يحجب أسراري ستر مسدل
إنّ وراء الستار ورودا قد تذبل
إن أنا كاشفتك , إن عرّيت رؤى حبّي
وزوايا حافلة باللهفة في قلبي
فستغضب مني , سوف تثور على ذنبي
وسينبت تأنيبك أشواكا في دربي
***
هل يقبل ثلج عتابك قلبي الملتهب ؟
أترى أتقبّل ؟ لا أغضب ؟ لا اضطراب ؟
لا ! بل سأثور عليك..سيأكلني الغضب
***
وإذا أنا ثرت عليك وعكّرت الأجواء
فستغضب أنت وتنهض في صمت وجفاء
وستذهب يا آدم لا تسأل عن حوّاء
***
وإذا ما أنت ذهبت وأبقيت الشوقا
عصفورا عطشانا لا يحلم أن يسقى
(1/15492)
________________________________________
وإذا ما أنت ذهبت..فماذا يتبقّى ؟
***
لا , لا تسأل..دعني صامتة منطويه
أترك أخباري وأناشيدي حيث هي
اتركني أسئلة وردودا منزويه
***
يا آدم لا تسأل.. حوّاؤك مطويّه
في زاوية من قلبك حيرى منسّيه
ذلك ما شاءته أقدار مقضيّه
آدم مثل الثلج , وحوّاء ناريّه
***
يا آدم لا تسأل.. حوّاؤك مطويّه
في زاوية من قلبك حيرى منسّيه
ذلك ما شاءته أقدار مقضيّه
آدم مثل الثلج , وحوّاء ناريّه
شعراء العراق والشام >> نازك الملائكة >> مشغول في آذار
مشغول في آذار
رقم القصيدة : 68667
-----------------------------------
ينام الورد أو يصحو
ويبسم في المدى ليل ند أو ينتشي صبح
سواء ذاك أو هذا , حبيبي , أنت مشغول
سدى مني أوتار تصّلي وتراتيل
على مكتبك البارد تنكبّ بلا أحلام
وتسرق روحك الأرقام
وعند رتاجك المسدود ترتدّ المواويل
وقد أضحك , قد أبكي , وأسهر في الدّجى وأنام
سواء ... أنت مشغول
بأوراقك , والحبّ على المكتب مقتول ,
ألا فلتسقط الأوراق والأقلام
وآذار الندي وأنا ..وراء الباب
نرشّ جبينك الجديّ بالأطياب
نرقرق في دواة الحبر بعض تحرّق الموج
وننجي خشب المكتب من برد ومن ثلج
ونهديك الندى والعطر كأس شراب
حبيبي فافتح الأبواب
أنا والقمر المشتاق جئنا نطرق الشبّاك
عبرنا الصخر والأشواك
ووديانا من الآهات والأوصاب
أتينا هاهنا لنراك
حبيبي فافتح الشبّاك
***
حبيبي فافتح الأبواب , نحن هنا
جميعا :
أنت , آذار , وفرحة حبّنا , وأنا
أنا والشمس نحمل سمرة النهر
وأكوابا من العطر
وحزمة أنجم وسنا
حبيبي فافتح الأبواب , نحن هنا
جميعا :
أنت , آذار , وفرحة حبّنا , وأنا
شعراء الجزيرة العربية >> صالح بن سعيد الزهراني >> قاعدة الزعنفة
قاعدة الزعنفة
رقم القصيدة : 68668
-----------------------------------
يحدّثنا النّحو مِلَّةُ آبائنا صانعي الزهو ، زهوِ الكلام ، وزهو الرِّجالِ ،
وزهوِ سيوفِ الهوى المُسرِفه
يعلّمنا كيف تعلو الرّؤوس
(1/15493)
________________________________________
تُشَدّ الكفوف ، السيوفُ
يصوغ الفتى أحرُفَه
كيف كان يُسافر في لُجَّة البوحِ ، يَجُدل من طينة المستحيلِ لنا موقَفِه
يُحَدِّثنا أنَّ للصَّافِناتِ الجسارهْ
وأنَّ " لأحلى وأغلى الكلام الصَّدارة "
وأنَّ الحروف الحضارة
فكيف تجلّت لنا " المبهمات " وبدَّل نهر القوافي مسارَه ؟؟!
فيا أيّها النَّحو أين " الرُّؤى المُنصِفَه "
أناشِدُك الله هل تُصطفى " النكراتُ " على " المعرفة " ؟!
أما قلت : إنّ الكلام حضارة
وإنّ " لأحلى وأغلى الكلام الصَّدارة "
وللصافنات الجسارة
فكيف تجلّت لنا " المُبهمات " وبَدَّل نهرُ القوافي مساره ؟؟!
أجب أيُّها النَّحو أين " قاعدة الزُّعنفة "
هل أنت يا لغة السابحين على السَّيفِ
أذعنت للألسُنِ المترفة ؟؟!
كيف تستدرجُ " النخلةَ " " الرِّيحُ " ، كيف تُطاطيءُ للعاصِفَة
يُولد المجد من " جملة ناسفة "
يبتدي الوجد من لحظة نازفة
كل شيءٍ يهونُ ، تهونُ العواصِفُ ، قصفُ الرّصاصِ ، دِماءُ الجروحِ يظلُّ لنا غارةً زاحِفة
نظَلُّ نقادِمُ ، نخرج من جمرة الأرجوانِ ، ومن صفرةِ الزَّعفرانِ لظى قاذِفة
الموتُ
والموتُ
والموت
في لغة زائفة
لم يُجب ، كنت أقرأ أغلى الوجوهِ ، الحروف تنام على الأرصفَة
ومن شُرْفِة القصر كانت تُطِلُّ على العابرين " قاعدة الزعنَفة "
أيها النُّحوُ
في النّحو لا نحوَ
في الموتَ لا موتَ
في الصوتِ لا صوتَ
إن سقط المحتوى أوَّلُ الشامتين له الأغلِفَة
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حُبْلَى
حُبْلَى
رقم القصيدة : 68669
-----------------------------------
لا تَمْتَقِعْ!
هيَ كِلْمَةٌ عَجْلَى..
وصرختَ كالملسوعِ بي.. "كلاَّ"..
سنُمزِّقُ الطفلا..
وأخذتَ تشتُمُني..
وأردتَ تطرُدُني..
لا شيءَ يُدْهِشُني..
فلقد عَرَفْتُكَ دائماً نَذْلا..
*
وبَعَثْتَ بالخَدَّام يدفَعُني..
في وحشة الدربِ
يا مَنْ زَرَعْتَ العارَ في صلبي
وكَسَرتَ لي قلبي..
ليقولَ لي:
"مولايَ ليس هنا.."
(1/15494)
________________________________________
مولاهُ ألفُ هنا..
لكنهُ جبُنَا..
لمَّا تأكَّدَ أنني حُبْلى..
ماذا.. أَتَبْصُقُني؟
والقيءُ في حَلقي يُدَمِّرُني
وأصابعُ الغَثَيان تخنُقُني..
ووريثكَ المشؤومُ في بَدَني
والعَارُ يسحَقُني..
وحقيقةٌ سوداءُ.. تملؤني
هي أنني حُبْلَى..
هذا إذنْ ثَمَني؟
ثمنُ الوفا يا بُؤرَةَ العَفَنِ..
أنا لم أجِئْْكَ لمالِكَ النَتِنِ..
"شُكْراً.."
سأُسقِطُ ذلك الحَمْلاَ
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
أنا لا أُريدُ له أباً نَذْلا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أوعيةَ الصَّدِيد
أوعيةَ الصَّدِيد
رقم القصيدة : 68670
-----------------------------------
" لا.. لا أُريدْ.."
"المرَّةُ الخمسونَ.. إني لا أُريد.."
ودَفَنْتَ رأسكَ في المِخدَّة يا بَليدْ
وأدرتَ وجهكَ للجدار.. أيا جداراً من جَليدْ
وأنا وراءَك - يا صغيرَ النَفْس- نابحةُ الوريدْ
شَعْري على كَتِفي بَدِيدْ..
والريحُ تَفْتُلُ مقبضَ الباب الوَصِيدْ
ونباحُ كلْْبٍ من بعيدْ
والحارسُ الليليُّ، والمِزْرَابُ مُتَّصِلُ النشيدْ..
حتى الغطاءَ .. سَرَقْتَهُ
وطعنتَ لي الأملَ الوحيدْ
أملي الذي مَزَّقتَهُ..
أملي الوحيدْ..
ماذا أُريدْ؟
وقُبيلَ ثانيتينْ..
كنتَ تجولُ كالثور الطَريدْ
والآنَ..
أنتَ بجانبي..
قفصٌ من اللحمِ القديدْ..
ما أشنَعَ اللحمَ القَديدْ..
*
ماذا أريدْ؟
يا وارثاً عبد الحميدْ..
والمُتَّكى التركيُّ، والنرجيلةُ الكسلى تَئِنُّ وتستعيد
والشَرْكسيَّاتُ السبايا حول مضجعهِ الرغيدْْ
يَسْقُطْنَ فوقَ بساطهِ..
جيداً فجيدْ..
وخليفةُ الإسلام، والمَلِكُ السعيدْ
يرمي.. ويأخُذُ ما يُريدْ..
لا.. لم يمُتْ عبدُ الحميدْ
فلقد تَقَمَّصَ فيكمُ عبدُ الحميدْ
حتى هنا. حتى على السُرُر المقوَّسةِ الحديدْ
(1/15495)
________________________________________
نحنُ النساءَ لكمْ عبيدْ
وأحطُّ أنواع العبيدْ..
كم ماتَ تحت سياطكمْ نَهْدٌ شهيدْ
وبكى من استئثاركمْ خَصْرٌ عميدْ..
هي ليس تملكُ .. أن تُريدَ ولا تُريدْ..
هي ليس تملكُ .. أن تُريدَ ولا تُريدْ..
هي ليس تملكُ .. أن تُريدَ ولا تُريدْ..
هي ليس تملكُ .. أن تُريدَ ولا تُريدْ..
هي ليس تملكُ .. أن تُريدَ ولا تُريدْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى أجيرة
إلى أجيرة
رقم القصيدة : 68671
-----------------------------------
بِدَراهمي!
لا بالحديثِ الناعمِ
حَطَّمتُ عزَّتَكِ المنيعَةَ كُلَّها .. بِدَراهمي
وبما حَمَلْتُ من النَفَائسِ، والحريرِ الحالِمِ
فَأطَعْتِني..
وتَبِعْتِني..
كالقِطَّة العمياءِ مؤمنة بكلِّ مزاعمي..
فإذا بصَدْرِكِ - ذلك المغْرُورِ - ضمْنَ غَنَائمي
أينَ اعتدادُكِ؟
أنتِ أطوَعُ في يدي من خَاتَمي..
قد كان ثغرُكِ مَرَّةً..
رَبِّي.. فأصبح خادمي
آمنتُ بالحُسْن الأجيرِ.. وطأْتُهُ بدراهمي..
ورَكَلْتُهُ..
وذَلَلْتُهُ..
بدُمىً، بأطواقٍ كَوَهْم الوَاهمِ..
ذَهَبٌ .. وديباجٌ .. وأحجارٌ تَشُعُّ فقاومي!!
أيُّ المواضع منكِ .. لم تَهْطُلْ عليهِ غَمَائِمي
خَيْراتُ صدركِ كُلُّها ..
من بَعضِ .. بَعْضِ مواسمي..
بدراهمي!
بإناءِ طيبٍ فاغمِ
ومشيتِ كالفأرِ الجَبَان إلى المصير الحاسمِ
ولَهَوْتُ فيكِ.. فما انتخَتْ شفتاكِ تحت جرائمي
والأرْنَبَانِ الأبيضانِ.. على الرُخَامِ الهاجِمِ
جَبُنا .. فما شَعَرا بظُلْم الظَالمِ..
وأنا أصبُّ عليهما..
ناري.. ونارَ شتائمي..
رُدِّي.. فلستُ أُطيقُ حُسْناً..
لا يَرُدُّ شَتَائِمي..
*
مسكينةٌ..
لم يَبْقَ شيءٌ منكِ... منذُ اسْتَعْبَدَتْكِ دَرَاهمي!!
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> لن تُطفِئي مَجدِي
لن تُطفِئي مَجدِي
رقم القصيدة : 68672
-----------------------------------
ثَرْثَرْتِ جدّاً.. فاتْرُكيني
شيءٌ يُمَزِّقُ لي جبيني
أنا في الجحيم، وأنتِ لا
(1/15496)
________________________________________
تَدرينَ ماذا يَعتريني
لنْ تفهمي معنى العَذابِ
بريشتي.. لن تفهميني
عَمياءُ أنتِ .. ألم تَرَيْ
قلبي تَجمَّعَ في عُيوني؟
ماتَ الحنينُ .. أتسمعينَ؟
ومُتِّ أنتِ مع الحنينِ
لا تسأليني.. كيف قِصَّتُنَا
انْتَهتْ، لا تَسأليني
هي قصَّةُ الأعصاب، والأفْيونِ
والدمِ.. والجنونِ
مَرَّتْ.. فلا تَتَذكَّري
وجهي.. ولا تتذكَّريني
إنْ تُنكِريها.. فاقرَأي
تاريخَ سُخفْكِ .. في غُضُوني
*
أمريضةَ الأفكارِ.. يأبى
الليلُ أن تستضعفيني
لنْ تُطْفِئي مجدي على
قَدَحٍ.. وضمَّةِ ياسمينِ
إن كان حُبُّكِ.. أن أعيشَ
على هُرائكِ.. فاكرهيني..
*
حَاولتِ حرقي.. فاحْترقتِ
بنار نفسكِ.. فاعذريني
لا تطلبي دَمْعي، أنا
رَجُلٌ يعيشُ بلا جُفُونِ
مَزَّقْتِ أجملَ ما كتبتُ
وغِرْتِ حتى من ظُنُوني
وكسرتِ لوحاتي، وأضرمتِ
الحرائقَ في سُكُوني
وكرِهتني .. وكرهتِ فَنَّاً
كنتُ أُطعمهُ عيوني
ورأيتني أهَبُ النُجومَ
محبَّتي فوقفتِ دُوني
حاولتُ أن أعطيكِ من
نفسي، ومن نور اليقينِ
فسخرتِ من جُهدي، ومن
ضرباتِ مطرقتي الحَنون
وبقيتِ - رغم أناملي-
طيناً تراكمَ فوق طينِ
لا كُنتِ شيئاً .. في حسابِ
الذكرياتِ، ولَنْ تَكُوني
*
شَفَتي سأقطعها.. ولَنْ
أمشي إليكِ على جبيني..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى نَهْدَيْن مَغروُرَيْن
إلى نَهْدَيْن مَغروُرَيْن
رقم القصيدة : 68673
-----------------------------------
عندي المَزيدُ من الغُرُورِ .. فلا تَبيعيني غُرُورَا
إنْ كنتُ أرضى أن أُحِبَّكِ..
فاشْكُري المولى كثيرا..
منْ حُسن حَظِّكِ..
أَنْ غَدَوْتِ حبيبتي.. زَمَناً قصير
فأنا نفختُ النارَ فيكِ..
وكُنتِ قَبْلي زَمْهَريرا..
وأنا الذي أَنْقَذْتُ نَهْدَكِ من تَسَكُّعِهِ..
لأجعَلَهُ أميرا..
وأدَرْتُهُ.. لولا يدايَ .. أكان نهدُكِ مُسْتديرا؟
وأنا الذي حَرَّضتُ حَلْمَتَكِ الجبانةَ كي تَثُورا
وأنا الذي ..
في أرضكِ العَذْراءِ.. ألقيتُ البُذُورا
(1/15497)
________________________________________
فتفجَّرتْ.. ذَهَباً، وأطفالاً، ويَاقُوتاً مُثيرا
*
مِنْ حُسْنِ حَظِّكِ.. أن تُحِبِّيني
ولو كذِباً وزُورا..
فأنا بأشعاري فَتَحتُ أمامكِ البَابَ الكبيرا
وأنا دَلَلْتُ على أُنوثتِكِ .. المراكبَ والطُيُورا
وجَعَلْتُ منكِ مليكةً
ومَنَحْتُكِ التاجَ المُرصَّعَ ، والسريرا
حَسْبي غُرُوراً أنَّني علَّمتُ نَهْدَيكِ الغُرُورا
فَلْتَشْكُري المولى كثيرا..
أنِّي عَشِقْتُكِ ذاتَ يومٍ..
اشْكُري المولى كثيرا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> نَهْدَاكِ
نَهْدَاكِ
رقم القصيدة : 68674
-----------------------------------
سَمْرَاءُ.. صبِّي نهدَكِ الأسمرَ في دُنْيَا فَمِي
نَهْدَاكِ نَبعَا لذَّةٍ حمراءَ تُشعِلُ لي دمي
مُتمردانِ على السماء، على القميص المُنْعَمِ
صَنَمانِ عاجيَّانِ... قد ماجا ببحرٍ مُضْرَمٍ
صَنَمانِ.. إنِّي أَعْبُدُ الأصنامَ رَغْمَ تَأثُّمي
فُكِّي الغِلالةَ.. واحْسِري عن نَهْدِكِ المُنْصَرمِ
لا تكبتي النارَ الحبيسةَ، وارتعاشَ الأعظُمِ
نارُ الهوى، في حَلْمَتيكِ، أكُولةٌ كجهنَمِ
خَمْريَّتانِ.. احْمَرَّتا بلظى الدمِ المُتَهَجِّمِ..
مَحْرُوقَتَانِ.. بشهوةٍ تبكي، وصَبْرٍ مُلْجَمِ
*
نَهْداكِ وحشيَّان.. والمصباحُ مَشْدوهُ الفمِ
والضوءُ مُنْعكسٌ على مَجرى الحليبِ المُعتِمِ
وأنا أمُدُّ يدي.. وأسْرُقُ من حُقُول الأنْجُمِ
والحَلْمَةُ الحمقاءُ.. ترصُدُني بظِفْرٍ مُجْرِمٍ
وتَغُطُّ إصْبَعَها وتغمسُها بحبرٍ من دمي..
يا صلبَةَ النَهْدَيْنِ.. يأبى الوهمُ أن تَتَوهَّمي
نَهْداكِ أجملُ لوحَتَينِ على جدارِ المَرْسَمِ..
كُرَتَانِ من زَغَب الحرير، من الصَبَاح الأكرمِ
فتقدَّمي، يا قِطَّتي الصُغْرَى، إليَّ تقدَّمي..
وتحرَّري ممَّا عليكِ.. وحَطِّمي.. وتَحَطَّمي..
*
مَغْرُورةََ النَهْدَينِ.. خَلِّي كبرياءَكِ وانْعَمي
بأصابعي ، بزوابعي ، برُعُونتي ، بتَهَجُّمي
فغداً شبابُكِ ينْطَفي مثلَ الشُعَاع المُضْرَمِ
(1/15498)
________________________________________
وغداً سيذوي النَهْدُ والشَفَتَانِ منكِ.. فأقدِمي
وتَفَكَّري بمصير نهدكِ.. بعدَ موتِ المَوْسِمِ
لا تَفْزعي.. فاللَّثمُ للشُعَرَاء غيرُ مُحَرَّمِ
فُكِّي أسيرَيْ صدركِ الطِفْلَيْنِ.. لا.. لا تظلمي
نَهْداكِ ما خلِقا للثمِ الثوبِ.. لَكنْ.. للفمِ
مَجنونةٌ مَنْ تحجبُ النهدين.. أو هي تحتمي
مَجنونةٌ.. من مَرَّ عهدُ شبابِها لم تُلْثَمِ..
*
.. وجَذَبْتُ منها الجسمَ، لم تَنْفُرْ ولم تتكَلَّمِ
مخمورةٌ.. مالتْ عليَّ بقدِّها المُتَهَدِّمِ
وَمَضَتْ تُعلِّلُني بهذا الطافرِ المُتَكَوِّمِ
وتقولُ في سُكْرٍ ، مُعَرْبِدَةً ، بأرشق مبسمِ
"يا شاعري.. لم أَلقَ في العشرينَ مَنْ لم يُفْطَمِ.."
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> البغي
البغي
رقم القصيدة : 68675
-----------------------------------
1
نازفَ الشريانِ ، مُحمرَّ الفتيلهْ
في زقاقٍ ضَوَّأتْ أوكارُهُ
كلُّ بيتٍ فيه، مأساةٌ طويلَهْ
غرَفٌ .. ضيِّقَةٌ .. موبوءةٌ
وعناوينُ لِ (ماري) و (جميلَهْ)
وبمقهى الحيِّ.. حاكٍ هَرِمٌ
راح يَجْتَرُّ أغانيهِ الذليلَهْ
وعَجوزٌ خلفَ نرجيلتها
عُمْرُها أقدمُ من عُمْر الرذيلَه
إنَّها آمِرَةُ البيتِ هنا..
تَشْتُمُ الكسلى، وتَسترضي العَجولَهْ
وأمامَ الباب.. صُعلوكُ هَوَىً
تافهُ الهيئة، مسلوبُ الفضيلهْ
يعرضُ اللحمَ على قاضِمِه..
مثلما يعرضُ سَمْسَارٌ خيولَهْ
"هذهِ.. جاءتْ حديثاً.. سيِّدي
ناهدٌ ما زالَ في طور الطُفُولهْ..
أو إذا شئتَ.. فرافِقْ هذهِ
إنَّها أشهى من الخمر الأصيلَهْ.."
أيُّ رِقٍّ .. مثلَ أُنثى ترتمي
تحت شاريها، بأوراقٍ ضئيلَهْ
قيمةُ الإنسان ، ما أحقَرَها
زَعَموهُ غايةً.. وهْوَ وسيلَهْ..
لو تَرَى الرُدْهَةَ فيها اضْطَجَعَتْ
كلُّ بنتٍ كانفتاح الزَهَرَهْ
نَهْدُها منتظرٌ جَزَّارَهُ
صابرٌ حتى يُلاقي قَدَرَهْ
هذه المُذْهَبةُ السِنِّ.. هنا
ترقُبُ البابَ بعينٍ حَذِرهْ
حَسرَتْ عن رُكبَةٍ شاحبةٍ
(1/15499)
________________________________________
لونُها لون الحياة المُنكرَهْ
مَنْ سيأتي؟ مَنْ سيأتي معها؟
أيُّ صُعْلوكٍ، حقيرٍ، نَكِرَهْ؟
وهناكَ.. انْفَرَدَتْ واحدةٌ
عطرُها أرخَصُ من أنْ أذْكُرَهْ..
حَاجِبٌ بُولِغَ في تخطيطِهِ
وطَلاءٌ كجدار المقبَرهْ..
وفَمٌ .. مُتَّسِعٌ.. مُتَّسِعٌ
كغلافِ التينةِ المُعْتَصَرَهْ
الفُضُوليُّونَ من خلف الكُوَى
أعيُنٌُ ، جائعةٌ مُسْتعرهْ
وشِجارٌ دائرٌ في منزِلٍ
وسكارى.. ونكاتٌ قَذِره..
من رآهُنَّ.. قواريرَ الهوى
كنعاجٍ بانتظار المجْزَرَه
كم صبايا، مثلَ ألوان الضُحى
أفْسَدَتْهُنَّ عَجُوزٌ خَطِرَهْ
3
كوباءٍ.. كبعيرٍ نَتِنِ
مثلَ مَيْتٍ خارجٍ من كَفَنِ..
حُفَرٌ في وجهها مُرْعبةٌ
تَرَكَتْها عَجَلاتُ الزَمَنِ..
نَهْدُها حَبَّةُ تينٍ.. نَشِفَتْ
رَحِمَ اللهُ زمانَ اللَّبنِ..
فالعصافيرُ التي كانت هنا
تتغذَّى بالشذَا والسوسَنْ
كلُّها طارَتْ بعيداً.. عندما
لم يَعُدْْ في الأرضِ غيرُ الدِمَنِ
إنها الخمسونَ.. ماذا بعدَها؟
غيرُ أمطارِ الشتاء المُحزِنِ
إنَّها الخَمسُونَ.. ماذا ظَلَّ لي؟
غيرُ هذا الوَحْلِ، هذا العَفَنِ
غيرُ هذي الكأس أستهلكُها
غيرُ هذا التَبْغ يَسْتهلِكُني
غيرُ تاريخٍ مُدَمَّىً .. حيثُما
سِرتُ، ألقى ظلَّهُ يتبعُني
غيرُ أقدامِ الخطايا.. رجعتْ
تُحْرِقُ الغرفة بي.. تُحرقُني
غيرُ رَبٍّ.. كنتُ لا أعرفُه
وأراهُ الآنَ.. لا يعرِفُني..
4
يا لصوصَ اللحم.. يا تجَّارَهُ
هكذا لحمُ السَبَايا يُؤكَلُ
أنتمُ الذِئبُ.. ونحنُ الحَمَلُ
تَفْعَلُ الحُبَّ، ولا تَنْفَعِلُ..
أُنْبُشُوا في جُثَثٍ فاسِدةٍ
سارقُ الأكفانِ لا يَختَجِلُ
وارقُصُوا فوق نُهُودٍ صُلِبَتْ
ماتَ فيها النورُ.. مات المُخْمَلُ
من أنا؟ إحدى خطاياكمْ أنا
نَعْجَةٌ في دمكمْ تغتسلُ
أشْتهي الأسرةَ والطفلَ .. وأنْ
يحتويني، مثلَ غيري، مَنْزِلُ
ارْجموني.. سَدِّدوا أحجاركُمْ
كُلَّكُمْ يومَ سقُوطي بَطَلُ
يا قُضاتي، يا رُماتي، إنَّكمْ
(1/15500)
________________________________________
إنَّكم أجبنُ منْ أن تَعْدِلوا..
لَن تُخيفوني ففي شُرعَتِكُمْ
يُنْصَرُ الباغي، ويُرمى الأعْزَلُ
تُسْأَلُ الأُنثى إذا تَزْني.. وكم
مُجْرمٍ دامي الزِنَا.. لا يُسْأَلُ
وسريرٌ واحدٌ.. ضَمَّهُمَا
تَسْقُطُ البِنْتُ، ويُحْمَى الرَجُلُ..
يُنْصَرُ الباغي، ويُرمى الأعْزَلُ
تُسْأَلُ الأُنثى إذا تَزْني.. وكم
مُجْرمٍ دامي الزِنَا.. لا يُسْأَلُ
وسريرٌ واحدٌ.. ضَمَّهُمَا
تَسْقُطُ البِنْتُ، ويُحْمَى الرَجُلُ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أبي
أبي
رقم القصيدة : 68676
-----------------------------------
أماتَ أَبوك؟
ضَلالٌ! أنا لا يموتُ أبي.
ففي البيت منه
روائحُ ربٍّ.. وذكرى نَبي
هُنَا رُكْنُهُ.. تلكَ أشياؤهُ
تَفَتَّقُ عن ألف غُصْنٍ صبي
جريدتُه. تَبْغُهُ. مُتَّكَاهُ
كأنَّ أبي - بَعْدُ - لم يّذْهَبِ
وصحنُ الرمادِ.. وفنجانُهُ
على حالهِ.. بعدُ لم يُشْرَبِ
ونَظَّارتاهُ.. أيسلو الزُجاجُ
عُيُوناً أشفَّ من المغرب؟
بقاياهُ، في الحُجُرات الفِساحِ
بقايا النُوُر على الملعبِ
أجولُ الزوايا عليه، فحيثُ
أمرُّ .. أمرُّ على مُعْشِبِ
أشُدُّ يديه.. أميلُ عليهِ
أُصلِّي على صدرهِ المُتْعَبِ
أبي.. لم يَزلْ بيننا، والحديثُ
حديثُ الكؤوسِ على المَشرَبِ
يسامرنا.. فالدوالي الحُبالى
تَوَالَدُ من ثغرهِ الطَيِّبِ..
أبي خَبَراً كانَ من جَنَّةٍ
ومعنى من الأرْحَبِ الأرْحَبِ..
وعَيْنَا أبي.. ملجأٌ للنجومِ
فهل يذكرُ الشَرْقُ عَيْنَيْ أبي؟
بذاكرة الصيف من والدي
كرومٌ، وذاكرةِ الكوكبِ..
*
أبي يا أبي .. إنَّ تاريخَ طيبٍ
وراءكَ يمشي، فلا تَعْتَبِ..
على اسْمِكَ نمضي، فمن طّيِّبٍ
شهيِّ المجاني، إلى أطيبِ
حَمَلْتُكَ في صَحْو عَيْنَيَّ.. حتى
تَهيَّأ للناس أنِّي أبي..
أشيلُكَ حتى بنَبْرة صوتي
فكيف ذَهَبْتَ.. ولا زلتَ بي؟
*
إذا فُلَّةُ الدار أعطَتْ لدينا
ففي البيت ألفُ فمٍ مُذْهَبِ
فَتَحْنَا لتمُّوزَ أبوابَنا
(1/15501)
________________________________________
ففي الصيف لا بُدَّ يأتي أبي..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إلى قِدّيسَة
إلى قِدّيسَة
رقم القصيدة : 68677
-----------------------------------
ماذا إذَنْ تَتَوقَّعينْ؟
يا بِضْعَةَ امْرأةٍ.. أجيبي.. ما الذي تَتَوقَّعينْ؟
أَأَظلُّ أَصطَادُ الذُبابَ هُنا؟ وأنتِ تُدَخِّنين
أَجتْرُّ كالحشَّاش أحلامي..
وأنتِ تدَخِّنينْ..
وأنا أمامَ سريرك الزَاهي كقِطّ مُسْتَكين..
ماتتْ مخالبُهُ، وعزَّتُهُ، وهَدَّتْهُ السِنينْ
*
أنا لَنْ أكونَ - تأكَّدي- القطَّ الذي تتصورينْ..
قِطَّاً من الخَشَب المُجوَّفِ.. لا يُحرِّكُهُ الحنينْ
يغفو على الكُرسيِّ إذ تَتَجردينْ
ويَرُدُّ عَيْنَيْهِ.. إذا انْحَسَرَتْ قِبَابُ الياسَمينْ..
*
تلكَ النهايةُ ليس تدهِشُني..
فمالكِ تدهشينْ؟
هذا أنا.. هذا الذي عندي..
فماذا تأمُرينْ؟
أعصابيَ احْتَرَقَتْ.. وأنتِ على سريركِ تقرأين..
أَأَصُومُ عن شَفَتَيْكِ؟
فوقَ رُجُولتي ما تطلبينْ..
ما حِكْمَتي؟
ما طيبتي؟
هذا طعامُ الميِّتينْ..
مُتَصوِّفٌ! من قالَ؟ إنِّي آخرُ المتصوِّفينْ
أنا لستُ يا قدِّيستي الرَبَّ الذي تَتَصورينْ
رَجُلٌ أنا كالآخرينْ
بطَهَارتي..
بِنَذَالتي..
رَجُلٌ أنا كالآخرينْ
فيهِ مزايا الأنبياء، وفيهِ كُفْرُ الكافرينْ
وَوَداعةُ الأطفالِ فيهِ..
وقَسْوَةُ المُتَوحِّشينْ..
رَجُلٌ أنا كالآخرينْ..
رَجُلٌ يُحِبُّ -إذا أحَبَّ- بكُلِّ عُنْفِ الأربعينْ
لو كنتِ يوماً تَفْهَمينْ
ما الأربَعُونَ.. وما الذي يَعْنيهِ حُبُّ الأربعينْ
يا بضْعَةَ امْرأةٍ.. لو أنَّكِ تفهمينْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> كُونْشِرتُو البيانو
كُونْشِرتُو البيانو
رقم القصيدة : 68678
-----------------------------------
1
في ذلك الليلِ الذي يثقبُهُ صوتُ المَطَرْ
كلُّ شيءٍ ممكنٌ..
حينَ يكون المرءُ بالكونياكِ مغسولاً
وبالأحزان مغسولاً
وبالمجهول مسكوناً
وحين المرءُ لا يرضى بأن يبقى حَجَرْ..
(1/15502)
________________________________________
فلماذا؟
تستشيرينَ الفناجينَ، لماذا؟
تطرحينَ الأسئلَهْ..
ولماذا؟
جئتِ صوبَ البحر،
إن كنتِ تخافينَ السَفَرْ..
2
ما بينَ تشرينَ، وتشرينَ،
كهذا السُكَّرِ الدافقِ من قلب الثَمَرْ...
فاتْرُكي أمركِ للهِ.. ونامي
إن نهدَيْكِ يجيئانِ إلى الدنيا قضاءً وقَدَرْ..
ويموتانِ قضاءً وقَدَرْ..
3
سوفَ يأتي الحبُّ في موعدِهِ..
فالبسي قُفْطَانَكِ المصريَّ..
أذكُرُ الآنَ حقولَ القطن في الدِلْتَا..
فاجلسي حيثُ تُحِبّينَ..
فكونشرتُو البيانُو
سوفَ يُلغي الوقتَ..
يُلْغِيكِ..
ويُلْغِيني
ويُلْغي العُقَدَ الأولى التي نحملها منذُ الولادَهْ
سيجيءُ الحبُّ في موعدهِ..
ويجيءُ الجنسُ في موعدِهِ..
إنَّ كونشرتو البيانو
يمسحُ الأشياءَ بالكافور والزيتِ،
يذيبُ الثلجَ عن وجه البحيراتِ..
ويأتي بالفراشاتِ الغريباتِ،
ويأتي بالحقولْ..
فاتركي الأمرَ طبيعياً.. وسَهْلاً..
إنَّ كونشرتو البيانو
يتولّى هو إيجادَ الحُلُولْ..
سيجيءُ الحبُّ في موعده..
والبيانو..
سينادينا إلى غرفته المائيَّةِ الشكلِ،
ولا أعلمُ ما سوفَ يقولْ..
4
كلُّ شيءٍ ممكنٌ..
في ذلك الليل الذي يثقبُهُ صوتُ المطَرْ
إن تشايكوفسكي..
يمرُّ الآنَ كالعصفور من ساحاتِ بطرسبرغَ،
ينساب كحُلْمٍ أخضرٍ من حيِّ مونبارناسَ،
يمرُّ الآنَ من ذاكرة الورد،
يلمُّ الورقَ الأصفرَ من غابات أوربا..
يُصلِّي في أياصُوفْيا..
ويبكي في رحاب النجفِ الأشرفِ،
ما بين المرايا.. والقبابِ الذهبيَّهْْ..
5
كلُّ شيءٍ ممكنٌ..
في ذلك الليل الذي يثقبُهُ صوتُ المطَرْ..
فالبسي قُفْطَانَكِ الكُرديَّ..
لا أدري لماذا..
أذكرُ الموصلَ أيّامَ الربيعْ
وحقولَ القَصَبِ المائيِّ في الأهوارِ،
تحضر الآنَ إلى بالي بساتينُ الرصافَهْ
والكتاباتُ التي يكتبها اللهُ.. بوردٍ وذهَبْ..
عند لَحْظَاتِ الغروبْْ
فوقَ شَعْر النخل في شطِّ العربْ..
6
يا صباحَ الفُلِّ.. هل أنتِ بخيرٍ؟..
إنَّ كونشرتو البيانو
(1/15503)
________________________________________
أشعلَ النارَ لنا.. ثمَّ ذَهَبْ..
تحضر الآنَ إلى بالي بساتينُ الرصافَهْ
و (الشناشيلُ) التي تملأ شطَّ الأعظميَّهْ
والكتاباتُ التي يكتبها اللهُ.. بوردٍ وذهَبْ..
عند لَحْظَاتِ الغروبْْ
فوقَ شَعْر النخل في شطِّ العربْ..
6
يا صباحَ الفُلِّ.. هل أنتِ بخيرٍ؟..
إنَّ كونشرتو البيانو
أشعلَ النارَ لنا.. ثمَّ ذَهَبْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> البرتقالة
البرتقالة
رقم القصيدة : 68679
-----------------------------------
1
يُقشِّرُني الحبُّ كالبُرْتُقَالةِ..
يفتحُ في الليل صدري،
ويتركُ فيهِ:
نبيذاً، وقمحاً، وقنديلَ زيتْ
ولا أتذكَّرُ أنّي انْذَبَحتُ
ولا أتذكَّرتُ أني نَزَفْتُ
ولا أتذكّرُ أنّي رأيتْ..
2
يبعثرني الحبُّ مثلَ السحابةِ،
يُلغي مكانَ الولادةِ،
يُلغي سنينَ الدراسةِ،
ييُلغي الإقامةَ، يُلغي الدِيانةَ،
يُلغي الزواجَ، الطلاقَ ، الشهودَ ، المحاكمَ..
يسحبُ منِّي جوازَ السَفَرْ..
ويغسلُ كلَّ غُبار القبيلةِِ عنِّي
ويجعلني..
من رعايا القَمَرْ..
3
يُغيِّرُ حُبُّكِ طقسَ المدينةِ، ليلَ المدينةِ،
تغدو الشوارعُ عيداً من الضوء تحت رَذّاذ المَطَرْ
وتغدو الميادينُ أكثرَ سحرا
ويغدو حمامُ الكنائس يكتبُ شِعْرا
ويغدو الهوى في مقاهي الرصيف
أشدَّ حماساً، وأطولَ عمرا..
وتضحكُ أكشاكُ بيع الجرائدِ حين تراكِ..
تجيئينَ بالمعطفِ الشَتَويِّ إلى الموعد المنتظَرْ..
فهل صدفةٌ أن يكونَ زمانُكِ
مرتبطاً بزمانِ المَطَرْ؟..
4
يُعلِّمني الحبُّ ما لستُ أعلمُ،
يكشفُ لي الغيبَ، يجترحُ المعجزاتْ
ويفتَحُ بابي ويدخُلُ..
مثلَ دخول القصيدة،
مثلَ دخول الصلاةْ..
وينثرني كعبير المانوليا بكلِّ الجهاتْ
ويشرحُ لي كيف تجري الجداولُ،
كيف تموجُ السنابلُ،
كيف تُغنِّي البلابلُ والقُبَّراتْ
ويأخُذ مني الكلامَ القديمَ،
ويكتُبُني بجميع اللُّغَاتْ..
5
يقاسمني الحبُّ نصفَ سريري..
ونصفَ طعامي،
ونصفَ نبيذي،
(1/15504)
________________________________________
ويسرق منِّي الموانئَ والبحرَ،
يسرقُ منِّي السفينَهْ
وينقُرُ كالديكِ وجهَ الشراشفِ،
يصرخُ فوق قباب المساجدِ..
يصرخُ فوقَ سطوح الكنائسِ..
يوقظُ كلَّ نساءِ المدينَهْْ..
يعلّمني الحبُّ كيف تكونُ القصائدُ مائيَّةَ اللونِ،
كيف تكون الكتابةُ بالياسمينْ..
وكيف تكون قراءةُ عينيكِ..
عَزْفاً جميلاً على المانْدُولينْ
ويأخذني من يدي.. ويُريني بلاداً
نهودُ جميلاتها من نحاسٍ..
وأجسادُهُنَّ مزارعُ بُنٍّ..
وأعيُنُهُنَّ غناءُ فلامنكو حزينْ
وحينَ أقولُ: تعبتُ
يمدُّ عباءتَهُ تحت رأسي
ويقرأ لي ما تيسَّرَ من سورةِ الصابرينْ
7
يفاجئني الحبُّ مثلَ النُبُوءة حين أنامْ
ويرسمُ فوق جبيني
هلالاً مضيئاً، وزوجَ حَمَامْ
يقولُ: تكلَّمْ!!
فتجري دموعي، ولا أستطيعُ الكلامْ
يقولُ: تألَّمْ!!
أُجيبُ: وهل ظلَّ في الصدر غيرُ العظامْ
يقولُ: تعلَّمْ!!
أجاوبُ: يا سيِّدي وشفيعي
أنا منذُ خمسينَ عاماً
أحاولُ تصريف فعل الغرامْ
ولكنني في دروسي جميعاً رسبتُ
فلا في الحروب ربحتُ..
ولا في السلامْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> حين أحبك
حين أحبك
رقم القصيدة : 68680
-----------------------------------
يتغيَّرُ - حينَ أُحِبُّكِ - شكلُ الكرة الأرضيَّهْ..
تتلاقى طُرق العالم فوق يديْكِ.. وفوقَ يَدَيَّهْ
يتغيَّرُ ترتيبُ الأفلاكْ
تتكاثرُ في البحر الأسماكْ
ويسافرُ قَمَرٌ في دورتي الدَمَوِيَّهْ
يتغيَّرُ شَكْلي:
أُصبحُ شَجَراً.. أُصبحُ مَطَراً..
أُصبِحُ أسودَ، داخلَ عينٍ إسبانيَّهْ..
***
تتكوَّنُ - حينَ أُحبّكِ- أَوديَةٌ وجبالْ
تزدادُ ولاداتُ الأطفالْ
تتشكَّلُ جُزرٌ في عينيكِ خرافيَّهْ..
ويشاهدُ أهلُ الأرضِ كواكبَ لم تخطُرْ في بالْ
ويَزيدُ الرزق، يزيدُ العشقُ، تزيدُ الكُتُبُ الشِعريَّهْ..
ويكونُ اللهُ سعيداً في حجْرَتِهِ القَمَريَّهْ..
تتحضَّرُ - حينَ أُحبّكِ- آلافُ الكَلماتْ
تتشكَّلُ لغةٌ أخرى..
مُدُنٌ أُخرى..
أُمَمٌ أُخرى..
(1/15505)
________________________________________
تُسرِعُ أنفاسُ الساعاتْ
ترتاحُ حروفُ العَطْف.. وتَحْبَلُ تاءاتُ التأنيثِ..
وينبتُ قمحٌ ما بين الصَفَحَاتْ
وتجيءُ طيورٌ من عينيكِ.. وتحملُ أخباراً عسليَّهْ
وتجيءُ قوافلُ من نهديكِ.. وتحملُ أعشاباً هنديَّهْ
يتساقطُ ثَمَرُ المانغو.. تشتعلُ الغاباتْ
وتَدُقُّ طُبُولٌ نُوبِيَّهْ..
***
يمتلئُ البحرُ الأبيضُ - حينَ أُحِبُّكِ- أزهاراً حمراءْ
وتلوحُ بلادٌ فوق الماءْ
وتغيبُ بلادٌ تحت الماءْ
يتغيَّرُ جلدي..
تخرجُ منهُ ثلاثُ حماماتٍ بيضاءْ
وثلاثُ ورودٍ جُوريَّهْ
تكتشفُ الشمسُ أنوثَتَها..
تَضَعُ الأقراطَ الذهبيَّهْ
ويهاجرُ كلُّ النحل إلى سُرَّتكِ المنسيَّهْ
وبشارع ما بين النهدينْ..
تتجمَّعُ كلُّ المَدَنِيَّهّْ..
يستوطنُ حزنٌ عبَّاسيٌّ في عينيكِ..
وتبكي مُدُنٌ شِيعيَّهْ
وتلوحُ مآذنُ من ذَهَبٍ
وتُضيءُ كُشُوفٌ صوفيَّهْ
وأنا الأشواقُ تُحوِّلني
نَقْشاً.. وزخارفَ كُوفيَّهْ
أتمشّى تحت جسور الشَعْر الأسودِ،
أَقرأُ أشعاري الليليَّهْ
أَتَخَيَّلُ جُزُراً دافئةً
ومراكبَ صيدٍ وهميَّهْ
تحمل لي تبغاً ومحاراً.. من جُزُر الهند الشرقيَّهْ..
***
يتخلَّصُ نهدُكِ - حينَ أُحِبُّكِ - من عُقْدَتِهِ النفسيَّهْ
يتحوَّلُ برقاً. رعداً. سيفاً. عاصفةً رمليَّهْ..
تَتَظَاهرُ - حينَ أُحِبُّكِ - كلُّ المُدُنِ العربيَّهْ
تتظاهر ضدَّ عصور القَهرِ،
وضدَّ عصور الثأر،
وضدَّ الأنظمة القبليَّهْ..
وأنا أتَظَاهرُ - حينَ أُحِبُّكِ - ضدَّ القبح،
وضدَّ ملوكِ الملحِ،
وضدَّ مؤسَّسة الصحراءْ..
ولسوفَ أَظَلَّ أُحِبُّكِ حتى يأتي زَمَنُ الماءْ...
ولسوفَ أَظَلَّ أُحِبُّكِ حتى يأتي زَمَنُ الماءْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قِراءةٌ في نَهدَين إفريقيَّينْ
قِراءةٌ في نَهدَين إفريقيَّينْ
رقم القصيدة : 68681
-----------------------------------
أعطيني وقتاً..
كي أستقبلَ هذا الحبَّ الآتي من غير استئذانْ
أعطيني وقتاً..
(1/15506)
________________________________________
كي أتذكَرَ هذا الوجهَ الطالعَ من شَجَر النسيانْ
أعطيني وقتاً..
كي أتجنَّبَ هذا الحبَّ الواقفَ في نِصْفِ الشِرْيَانْ
أعطيني وقتاً..
حتَّى أعرفَ ما اسِْمُكِ..
حتَّى أعرفَ ما اسْمِي..
حتَّى أعرفَ أين ولدتُ،
وأينَ أموتُ،
وكيف سأُبْعَثُ عُصفوراً بين الأجفان
أعطيني وقتاً..
حتى أدرسَ حالَ الريحِ،
وحالَ الموجِ،
وأدرسَ خارطةَ الخلجانْ..
***
يا امرأةً تسكُنُ في الآتي..
يا حَبَّ الفُلْفُلِ والرُمَّانْ..
أعطيني وطناً يُنسيني كلَّ الأوطانْ
أعطيني وقتاً..
كي أتفادى هذا الوجهَ الأندلسيَّ، وهذا الصوتَ الأندلسيَّ،
وهذا الموتَ الأندلسيَّ..
وهذا الحزنَ القادمَ من كلّ مكانْ..
أعطيني وقتاً يا سيِّدتي
كي أتنبَّأ بالطوفانْ..
***
يا امرأةً..
كانوا كتبوها في كُتُب السِّحْرْ
من قَبْلِكِ كان العالمُ نثراً..
ثم أتيتِ فكان الشِّعْرْ
أعطيني وقتاً..
كي أستوعبَ هذا النهدَ الراكضَ نحوي مثلَ المهْرْ..
كرويٌّ نهدُكِ مثل النقطة فوق السطرْ..
بدويٌّ.. مثل حبوبِ الهالِ،
ومثلَ القهوة فوق الجمرْ..
وقديمٌ مثل نحاس الشامِ..
قديمٌ مثل معابد مصرْ..
وأنا مهتمٌ بالتاريخِ،
وعصرٍ يُخرجُني من هذا العصرْ
وأنا بدويٌّ.. أَخزنُ في رئتيَّ الريحَ،
وأخزنُ في شفتيَّ الشمسَ،
وأخزن في أعصابي الثأرْْ..
فانكسِري فوق سرير الحُبِّ، انكسري
مثل دواة الحبرْ..
وانتشري.. كالعطر الهنديّ
فإنّي اللحمُ.. وأنتِ الظِفْرْ..
***
أَعطيني الفرصةَ..
كي ألتقطَ السَمَكَ السابحَ تحت مياه الخصرْ..
قَدَماكِ على وَبَرِ السُجَّادةِ.. حالةُ شِعْرْ
ويداكِ.. على البطن المتحمّسِ للأطفالِ،
قصيدةُ شِعْرْ..
أعطيني الفرصةَ..
كي أكتشف الحدَّ الفاصلَ بين يقين الحُبّ..
وبين الكُفْرْ..
أعطيني الفرصةَ..
حتى أَقْنَعَ أنيِّ قد شاهدتُ النجمَ
وكَلَّمني سيِّدُنا الخُضْرْ..
***
يا امرأةً.. يسقُطُ من فخذيْها البَلَحُ الأشقرُ..
مثلَ النخلة في الصحراءْ..
(1/15507)
________________________________________
يتكلَّمُ نهدُكِ سبعَ لُغَاتٍ..
وأنا أحترفُ الإصغاءْ..
أعطيني الفرصةَ..
كي أتجنّبَ هذا الحبَّ العاصفَ،
هذا الحبَّ الجارفَ..
هذا الحبَّ الشَتَويَّ الأجواءْ
أعطيني الفرصةَ حتى أقنعَ، حتى أؤمنَ، حتى أكفرَ..
حتى أدخلَ في لحم الأشياءْ..
أعطيني الفرصةَ.. حتى أمشيَ فوقَ الماءْ..
***
أعطيني الفرصةَ..
كي أتَهَيّأَ قبل نزول البحرْ..
فكثيفٌ ملحُ البحر العالقُ بين السُرَّةِ.. والنهدينْ
وكثيفٌ سَمَكُ القرش القادمُ.. لا أدري من أينْ؟
أعطيني الفرصةَ كي أتنفَّسَ..
إن حشيشَ البحر خرافيٌّ تحت الإبطينْ
أعطيني الفرصةَ..
حتى أقرأ حظّي في عينيكِ المغلقتينْ..
فأنا سيِّدتي لم أتعوّدْ..
أن أتقمَّصَ في رَجُلَيْنْ..
***
يا ذاتَ الوجه الإفريقيِّ، المأساوِيِّ، السِنْجاني..
يا امرأةً تدخل في تركيب النار، وفي تركيب الأعشابِ..
أعطيني الفرصةَ كي أتهيَّأَ..
كي أتأقلَمَ..
كي أتعوَّدَ..
كي أتأكَّد من ماهيّة إعجابي..
أعطيني عشرَ دقائقَ.. خمس دقائقَ..
حتى يهدأَ زَبَدُ الجنسِ، وتهدأَ حربُ الأعصابِ..
***
أعطيني الفرصةَ كي أرتاحَ..
وعند الفجر، سأُعطيكِ جوابي..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أُحبّك.. أُحبّك.. والبقية تأتي
أُحبّك.. أُحبّك.. والبقية تأتي
رقم القصيدة : 68682
-----------------------------------
حديثُكِ سُجَّادةٌ فارسيَّهْ..
وعيناكِ عُصفوتانِ دمشقيّتانِ..
تطيرانِ بين الجدار وبين الجدارْ..
وقلبي يسافرُ مثل الحمامة فوقَ مياه يديكِ،
ويأخُذُ قَيْلُولةً تحت ظلِّ السِّوارْ..
وإنِّي أُحبُّكِ..
لكنْ أخافْ التورُّطَ فيكِ،
أخافُ التوحُّدَ فيكِ،
أخافُ التقمُّصَ فيكِ،
فقد علَّمتْني التجاربُ أن أتجنَّب عشقَ النساءِ،
وموجَ البحارْ..
أنا لا أناقش حبَّكِ.. فهو نهاري
ولستُ أناقشُ شمسَ النهارْ
أنا لا أناقش حبَّكِ..
فهو يقرِّرُ في أيِّ يوم سيأتي.. وفي أيَّ يومٍ سيذهبُ..
وهو يحدّدُ وقتَ الحوارِ، وشكلَ الحوارْ..
***
(1/15508)
________________________________________
دعيني أصبُّ لكِ الشايَ،
أنتِ خرافيَّةُ الحسن هذا الصباحَ،
وصوتُكِ نَقْشٌ جميلٌ على ثوب مراكشيَّهْ
وعِقْدُكِ يلعبُ كالطفل تحت المرايا..
ويرتشفُ الماءَ من شفة المزهريَّهْْ
دعيني أصبُّ لكِ الشايَ، هل قلتُ إنِّي أُحبُّكِ؟
هل قلتُ إنِّي سعيدٌ لأنكِ جئتِ..
وأنَّ حضورَكِ يُسْعِدُ مثلَ حضور القصيدَهْ
ومثلَ حضور المراكبِ، والذكرياتِ البعيدَهْْ..
***
دعيني أُترجمُ بعضَ كلام المقاعدِ وهي تُرحِّبُ فيكِ..
دعيني، أعبِّرُ عمّا يدورُ ببال الفناجينِ،
وهي تفكّرُ في شفتيكِ..
وبالِ الملاعقِ، والسُكَّريَّهْ..
دعيني أُضيفُكِ حرفاً جديداً..
على أحرُفِ الأبجديَّهْ..
دعيني أُناقضُ نفسي قليلاً
وأجمعُ في الحبّ بين الحضارة والبربريَّهْ..
***
- أأعجبكِ الشايُ؟
- هل ترغبينَ ببعض الحليبِ؟
- وهل تكتفينَ -كما كنتِ دوماً- بقطعةِ سُكَّرْ؟
- وأمّا أنا فأفضّلُ وجهكِ من غير سُكَّرْ..
.................................................. .............
.................................................. .............
.................................................. .............
أُكرّرُ للمرَّة الألفِ أنّي أُحبُّكِ..
كيف تريدينني أن أفسِّرَ ما لا يُفَسَّرْ؟
وكيف تريدينني أن أقيسَ مساحةَ حزني؟
وحزنيَ كالطفل.. يزدادُ في كلِّ يوم جمالاً ويكبرْ..
دعيني أقولُ بكلِّ اللغات التي تعرفينَ والتي لا تعرفينَ..
أُحبُّكِ أنتِ..
دعيني أفتّشُ عن مفرداتٍ..
تكون بحجم حنيني إليكِ..
وعن كلماتٍ.. تغطّي مساحةَ نهديكِ..
بالماء، والعُشْب، والياسمينْ
دعيني أفكّرُ عنكِ..
وأشتاقُ عنكِ..
وأبكي، وأضحكُ عنكِ..
وأُلغي المسافةَ بين الخيال وبين اليقينْ..
***
دعيني أنادي عليكِ، بكلِّ حروف النداء..
لعلّي إذا ما تَغَرْغَرْتُ باسْمِكِ، من شفتي تُولدينْ
دعيني أؤسّسُ دولةَ عشقٍ..
تكونينَ أنتِ المليكةَ فيها..
وأصبحُ فيها أنا أعظمَ العاشقينْ..
(1/15509)
________________________________________
دعيني أقودُ انقلاباً..
يوطّدُ سلطةَ عينيكِ بين الشعوبِ،
دعيني.. أغيّرُ بالحبِّ وجهَ الحضارةِ..
أنتِ الحضارةُ.. أنتِ التراث الذي يتشكّلُ في باطن الأرض
منذ ألوف السنينْ..
***
أُحبُّكِ..
كيفَ تريديني أن أبرهنَ أنّ حضوركِ في الكون،
مثل حضور المياهِ،
ومثل حضور الشَجَرْ
وأنّكِ زهرةُ دوَّار شمسٍ..
وبستانُ نَخْلٍ..
وأُغنيةٌ أبحرتْ من وَتَرْ..
دعيني أقولُك بالصمتِ..
حين تضيقُ العبارةُ عمّا أُعاني..
وحين يصيرُ الكلامُ مؤامرةً أتورّط فيها.
وتغدو القصيدةُ آنيةً من حَجَرْ..
***
دعيني..
أقولُكِ ما بين نفسي وبيني..
وما بينَ أهداب عيني، وعيني..
دعيني..
أقولكِ بالرمزِ، إن كنتِ لا تثقينَ بضوء القمرْ..
دعيني أقولُكِ بالبَرْقِ،
أو برَذَاذ المَطَرْ..
دعيني أُقدّمُ للبحر عنوانَ عينيكِ..
إن تقبلي دعوتي للسَفَرْ..
لماذا أُحبُّكِ؟
إنَّ السفينةَ في البحر، لا تتذكَّرُ كيف أحاط بها الماءُ..
لا تتذكَرُ كيف اعتراها الدُوارْ..
لماذا أُحبّكِ؟
إنَّ الرصاصةَ في اللحم لا تتساءلُ من أينَ جاءتْ..
وليست تُقدِّمُ أيَّ اعتذارْ..
***
لماذا أُحبُّكِ.. لا تسأليني..
فليسَ لديَّ الخيارُ.. وليس لديكِ الخيارْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تناقضات ن.ق الرائعة
تناقضات ن.ق الرائعة
رقم القصيدة : 68683
-----------------------------------
1
وما بين حُبٍّ وحُبٍّ.. أُحبُّكِ أنتِ..
وما بين واحدةٍ ودَّعَتْني..
وواحدةٍ سوف تأتي..
أُفتِّشُ عنكِ هنا.. وهناكْ..
كأنَّ الزمانَ الوحيدَ زمانُكِ أنتِ..
كأنَّ جميعَ الوعود تصبُّ بعينيكِ أنتِ..
فكيف أُفسِّرُ هذا الشعورَ الذي يعتريني
صباحَ مساءْ..
وكيف تمرّينَ بالبالِ، مثل الحمامةِ..
حينَ أكونُ بحَضْرة أحلى النساءْ؟.
2
وما بينَ وعديْنِ.. وامرأتينِ..
وبينَ قطارٍ يجيء وآخرَ يمضي..
هنالكَ خمسُ دقائقَ..
أدعوك ِ فيها لفنجان شايٍ قُبيلَ السَفَرْ..
هنالكَ خمسُ دقائقْ..
(1/15510)
________________________________________
بها أطمئنُّ عليكِ قليلا..
وأشكو إليكِ همومي قليلا..
وأشتُمُ فيها الزمانَ قليلا..
هنالكَ خمسُ دقائقْ..
بها تقلبينَ حياتي قليلا..
فماذا تسمّينَ هذا التشتُّتَ..
هذا التمزُّقَ..
هذا العذابَ الطويلا الطويلا..
وكيف تكونُ الخيانةُ حلاًّ؟
وكيف يكونُ النفاقُ جميلا؟...
3
وبين كلام الهوي في جميع اللّغاتْ
هناكَ كلامٌ يقالُ لأجلكِ أنتِ..
وشِعْرٌ.. سيربطه الدارسونَ بعصركِ أنتِ..
وما بين وقتِ النبيذ ووقتِ الكتابة.. يوجد وقتٌ
يكونُ به البحرُ ممتلئاً بالسنابلْ
وما بين نُقْطَة حِبْرٍ..
ونُقْطَة حِبْرٍ..
هنالكَ وقتٌ..
ننامُ معاً فيه، بين الفواصلْ..
4
وما بين فصل الخريف، وفصل الشتاءْ
هنالكَ فَصْلُ أُسَمِّيهِ فصلَ البكاءْ
تكون به النفسُ أقربَ من أيِّ وقتٍ مضى للسماءْ..
وفي اللحظات التي تتشابهُ فيها جميعُ النساءْ
كما تتشابهُ كلُّ الحروف على الآلة الكاتبهْ
وتصبحُ فيها ممارسةُ الجنسِ..
ضرباً سريعاً على الآلة الكاتبَهْ
وفي اللحظاتِ التي لا مواقفَ فيها..
ولا عشقَ، لا كرهَ، لا برقَ، لا رعدَ، لا شعرَ، لا نثرَ،
لا شيءَ فيها..
أُسافرْ خلفكِ، أدخلُ كلَّ المطاراتِ، أسألُ كلَّ الفنادق
عنكِ، فقد يتصادفُ أنَّكِ فيها...
5
وفي لحظاتِ القنوطِ، الهبوطِ، السقوطِ، الفراغ، الخِواءْ.
وفي لحظات انتحار الأماني، وموتِ الرجاءْ
وفي لحظات التناقضِ،
حين تصير الحبيباتُ، والحبُّ ضدّي..
وتصبحُ فيها القصائدُ ضدّي..
وتصبحُ - حتى النهودُ التي بايعتْني على العرش- ضدّي
وفي اللحظات التي أتسكَّعُ فيها على طُرُق الحزن وحدي..
أُفكِّر فيكِ لبضع ثوانٍ..
فتغدو حياتي حديقةَ وردِ..
6
وفي اللحظاتِ القليلةِ..
حين يفاجئني الشعرُ دونَ انتظارْ
وتصبحُ فيها الدقائقُ حُبْلى بألفِ انفجارْ
وتصبحُ فيها الكتابةُ فِعْلَ انتحارْ..
تطيرينَ مثل الفراشة بين الدفاتر والإصْبَعَيْنْْ
فكيف أقاتلُ خمسينَ عاماً على جبهتينْ؟
وكيفَ أبعثر لحمي على قارَّتين؟
(1/15511)
________________________________________
وكيفَ أُجَاملُ غيركِ؟
كيفَ أجالسُ غيركِ؟
كيفَ أُضاجعُ غيركِ؟ كيفْ..
وأنتِ مسافرةٌ في عُرُوق اليدينْ...
7
وبين الجميلات من كل جنْسٍ ولونِ.
وبين مئات الوجوه التي أقنعتْني .. وما أقنعتْني
وما بين جرحٍ أُفتّشُ عنهُ، وجرحٍ يُفتّشُ عنِّي..
أفكّرُ في عصرك الذهبيِّ..
وعصرِ المانوليا، وعصرِ الشموع، وعصرِ البَخُورْ
وأحلم في عصرِكِ الكانَ أعظمَ كلّ العصورْ
فماذا تسمّينَ هذا الشعور؟
وكيفَ أفسِّرُ هذا الحُضُورَ الغيابَ، وهذا الغيابَ الحُضُورْ
وكيفَ أكونُ هنا.. وأكونً هناكْ؟
وكيف يريدونني أن أراهُمْ..
وليس على الأرض أنثى سواكْ
8
أُحبُّكِ.. حين أكونُ حبيبَ سواكِ..
وأشربُ نَخْبَكِ حين تصاحبني امرأةٌ للعشاءْ
ويعثر دوماً لساني..
فأهتُفُ باسمكِ حين أنادي عليها..
وأُشغِلُ نفسي خلال الطعامْ..
بدرس التشابه بين خطوط يديْكِ..
وبينَ خطوط يديها..
وأشعرُ أني أقومُ بِدَوْر المهرِجِ...
حين أُركّزُ شالَ الحرير على كتِفَيْها..
وأشعرُ أني أخونُ الحقيقةَ..
حين أقارنُ بين حنيني إليكِ، وبين حنيني إليها..
فماذا تسمّينَ هذا؟
ازدواجاً.. سقوطاً.. هروباً.. شذوذاً.. جنوناً..
وكيف أكونُ لديكِ؟
وأزعُمُ أنّي لديها..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> دعوة إلى حفلة قتل
دعوة إلى حفلة قتل
رقم القصيدة : 68684
-----------------------------------
ما لعينيكِ على الأرض بديلْ
كلُّ حبٍّ غيرُ حبِّي لكِ، حبٌّ مستحيلْ
فلماذا أنتِ، يا سيدتي، باردةٌ؟
حين لا يفصلني عنكِ سوى
هضبتيْ رملٍ.. وبُسْتَانَيْ نخيلْ
ولماذا؟
تلمسينَ الخيلَ إن كنتِ تخافين الصهيلْ؟
طالما فتّشتُ عن تجربةٍ تقتلني
وأخيراً... جئتِ يا موتي الجميلْ..
فاقتليني.. نائماً أو صاحياً
أقتليني.. ضاحكاً أو باكياً
أقتليني.. كاسياً أو عارياً..
فلقد يجعلني القَتْلُ وليَّاً مثل كلِّ الأولياءْ
ولقد يجعلني سنبلةً خضراءَ.. أو جدولَ ماءْ..
وحماماً...
وهديلْ..
***
اقتليني الآنَ...
(1/15512)
________________________________________
فالليلُ مُمِلٌّ.. وطويلْ..
اقتليني دونما شرطٍ.. فما من فارقٍ..
عندما تبتدئُ اللعبةُ يا سيِّدتي..
بين من يَقْتُلُ.. أو بين القتيلْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قصة قصيرة
قصة قصيرة
رقم القصيدة : 68685
-----------------------------------
لا تقنطي أبداً من رحمةِ المَطَرِ..
فقد أُحبّكِ في الخمسينَ من عُمُري..
وقد أُحِبُّكِ، والأشجارُ يابسةٌ
والثلج يسقطُ في قلبي، وفي شَعري
وقد أُحبُّكِ، حين الصيفُ غادَرَنا
فالأرضُ من بعدهِ، تبكي على الَثَمَر
وقد أُحِبُّكِ، يا عصفورتي، وأنا
مُحَاصَرٌ بجبال الحزنِ والضَجَر..
قد تحملُ الريحُ أخباراً مُطَمْئِنةً
لناهديكِ، قُبَيْلَ الفجر، فانتظري..
لَنْ تخرجي من رهان الحبِّ خاسرةً
عندي تُراثي.. وعندي حِكْمَةُ الشَجَرِ..
فاستمتعي بالحضاراتِ التي بقيتْ
على شفاهي، فإنّي آخرُ الحَضَرِ..
***
قرأتُ شعري عليها .. وهي نائمةٌ
فما أحسَّتْ بتجريدي، ولا صُوَري
ولا تحمَّسَ نهداها لقافيةٍ
ولا استجابا لقَيْثَارٍ ولا وَتَرِ..
هَزَزْتُها من ذراعَيْها.. فما انْتَبَهَتْ
ناديتُ: يا قِطّتي البيضاءَ.. يا عُمُري
قُومي.. سأُهديكِ تيجاناً مُرَصَّعةً
وأشتري لكِ ما في البحر من دُرَرِ..
وأشتري لكِ بلداناً بكاملها...
وأشتري لكِ ضوءَ الشمس.. والقَمَرِ..
***
ناديتُ .. ناديتُ.. لكنْ لم يُجِبْ أحَدٌ
في مخدع الحُبِّ، غيرُ الريحِ والمَطَرِ..
أَزَحتُ أثوابَها عنها.. فما اكترثتْ
كأنَّها يئِستْ مِنّي.. ومن خَطَري..
***
وكان ليلي طويلاً.. مثلَ عادتِهِ
وكنتُ أبكي على قبريْن من حَجَرِ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> وصفةٌ عربيةٌ لمداواة العشق
وصفةٌ عربيةٌ لمداواة العشق
رقم القصيدة : 68686
-----------------------------------
تصوَّرتُ حُبَّكِ..
طَفْحَاً على سطح جلْدِي..
أداويهِ بالماء.. أو بالكُحُولْ
وبرَّرتُهُ باختلافِ المناخْ..
وعلَّلتُه بانقلاب الفُصٌولْ..
(1/15513)
________________________________________
وكنتُ إذا سألوني، أقولْْ:
هواجسُ نَفْسٍ..
وضَرْبَةُ شمسٍ..
وخَدْشٌ صغيرٌ على الوجهِ.. سوف يزولْ...
سَيُحيي المراعي.. ويَرْوي الحقولْ..
ولكنَّهُ اجتاحَ برَّ حياتي..
فأغرَقَ كلَّ القرى..
وأتلفَ كلَّ السُهُولْ..
وجرَّ سريري..
وجدرانَ بيتي..
وخَلَّفني فوق أرض الذُهُولْ..
***
تصوَّرتُ في البدءِ..
أنَّ هواكِ يمرُّ مرورَ الغمامَه
وأنَّكِ شطُّ الأمانْْ
وبرُّ السلامَهْ..
وقدَّرتُ أن القضيّةَ بيني وبينكِ..
سوفَ تهونُ ككُلِّ القضايا..
وأنّكِ سوف تذوبينَ مثلَ الكتابة فوق المرايا..
وأنَّ مرورَ الزمانْ..
سيقطعُ كلَّ جُذور الحنانْ
ويغمُرُ بالثلج كلَّ الزوايا
***
تصوَّرتُ أنَّ حماسي لعينيكِ كان انفعالاً..
كأيِّ انفعالْ..
وأنَّ كلامي عن الحُبِّ، كان كأيِّ كلامٍ يُقَالْ
واكتَشفتُ الآنَ.. أنيَ كنتُ قصيرَ الخيالْ
فما كان حُبُّكِ طَفْحاً يُداوى بماء البنفسج واليانسُونْ
ولا كان خَدْشاً طفيفاً يُعالَجُ بالعشب أو بالدُهُونْ..
ولا كان نوبةَ بَرْدٍ..
سترحلُ عند رحيل رياح الشمالْ..
ولكنَّهُ كان سيفاً ينامُ بلحمي..
وجَيْشَ احتلالْ..
وأوَّلَ مرحلةٍ في طريق الجُنونْ..
وأوَّلَ مرحلةٍ في طريق الجُنونْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> إن الأنُوثة من علم ربّي
إن الأنُوثة من علم ربّي
رقم القصيدة : 68687
-----------------------------------
1
يذوبُ الحنانُ بعينيكِ مثلَ دوائر ماءْ
يذوبُ الزمانُ، المكانُ، الحقولُ، البيوتُ،
البحارُ، المراكبُ،
يسقطُ وجهي على الأرض مثلَ الإناءْ
وأحملُ وجهي المكسَّرِ بين يديَّ..
وأحلُمُ بامرأةٍ تشتريهِ..
ولكنَّ من يشترونَ الأواني القديمةَ، قد أخبروني
بأنّ الوجوهَ الحزينةَ لا تشتريها النساءْ
***
2
وصلنا إلى نقطة الصِفْرِ..
ماذا أقولُ؟ وماذا تقولينَ؟
كلُّ المواضيع صارتْ سواءْ..
وصارَ الوراءُ أَمَاماً..
وصار الأَمَامُ وراءْ..
وصلنا إلى ذروة اليأس.. حيث السماءُ رصاصٌ..
(1/15514)
________________________________________
وحيثُ العناقُ قِصاصٌ..
وحيثُ ممارسةُ الجنس، أقسى جزاءْ..
***
3
تُحِبِّين.. أو لا تُحِبِّينَ..
إنَّ القضيَّةَ تعنيكِ أنتِ على أيٍِّ حالْ
فلستُ أجيدُ القراءةَ في شفتيكِ..
لكي أتنبَّأ في أيِّ وقتٍ..
سينفجرُ الماءُ تحت الرمالْ
وفي أيِّ شهرٍ تكونينَ أكثرَ عُشْباً..
وأكثرَ خِصْباً..
وفي أيِّ يومٍ تكونينَ قابلةً للوصالْ
***
4
تُريدينَ.. أو لا تُريدينَ..
إنَّ الأنوثةَ من علم ربّي..
ولو كنتُ أملكُ خارطةَ الطقس،
كنتُ قرأتكِ سطراً.. فسطراً
وبرّاً.. وبحراً..
ونهداً.. وخصراً..
وكنتُ تأكّدتُ من أيِّ صوبٍ.
تهبُّ رياحُ الجنوبِ،
ومن أيِّ صَوْبٍ، تهبُّ رياحُ الشمالْ
وكنتُ اكتشفتُ طريقي
إلى جُزُر التبغ، والشاي، والبرتُقَالْ..
***
تُحِبِّين.. أو لا تُحِبِّينَ..
إنَّ السنينَ، الشهورَ، الأسابيعَ،
تمرقُ كالرمل من راحَتَيْنَا..
أحاولُ تفسيرَ هذا التشابه في الحزنِ في نظرتَيْنَا.
أحاولُ تفسيرَ هذا الخرابِ..
الذي يتراكمُ شيئاً.. فشيئاً على شَفَتَيْنَا..
أحاولُ أن أتذكَّرَ عصرَ الكلام الجميلْ
وعصرَ المياهِ وعصرَ النخيلْ
أحاولُ ترميمَ حبِّكِ.. رغمَ اقتناعي
بأنَّ التصاقَ الزُجَاجِ المكسَّرِ ضربٌ من المستحيلْ..
***
تجيئينَ .. أو لا تجيئينَ..
إنَّ القضيَّةَ لا تستحقُّ الوقوفَ لديها طويلاً..
ولا تستحقُّ الغَضَبْ..
لقد أَصبحَ الماءُ مثلَ الخَشَبْ
لقد أَصبحَ الماءُ مثلَ الخَشَبْ
وكلُّ النساء اللواتي دخلنَ حياتي
أَتَيْنَ.. ورُحْنَ.. بغير سَبَبْ!!
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تكذيبٌ رسمي لسيدة ثرثارة
تكذيبٌ رسمي لسيدة ثرثارة
رقم القصيدة : 68688
-----------------------------------
لماذا تقولينَ للناس إنِّي حَبيبُكِ؟...
في حينَ لا أتذكَّرُ أنِّي..
وتروينَ أشياءَ مرّتْ بظنّكِ أنتِ،
لكنَّها لم تمُرَّ بظنّي؟
لماذا تقولينَ ما لا يُقالْ؟
وتبنينَ كلَّ قصورِكِ فوق الرمالْ
(1/15515)
________________________________________
وَتَسْتَمْتِعينَ بنَسْج أقاصيصَ فاقتْ حدودَ الخيالْ
لماذا تقولينَ: إنِّي خدعتُكِ..
إنّي ابتَزَزْتُكِ..
إنّي اغتصبتُكِ..
في حين لا أتذكَّرُ أنِّي..
فهل تفعلينَ الذي تفعلينْ؟
ترى من قبيل التمنِّي..
***
لماذا تَغِشِّينَ في وَرَق الحُبِّ؟.
تحترفينَ الفضيحةَ،
تحترفينَ الإشاعةَ،
تحترفينَ التجنّي..
لماذا تقولينَ:
إنَّ بقايا الأظافرِ فوق ذراعيْكِ مِنِّي...
وإنَّ النزيفَ الخفيفَ بزاوية الثغر مِنِّي...
وإنَّ شظايا الزُجاج المكسَّرِ ما بين نهديكِ.. مِنِّي..
لماذا تقولينَ هذي الحماقاتِ؟
في حين لا أتذكَّرُ أنّي رأيتُكِ..
لا أتذكَّرُ أنّي اشتهيتُكِ..
لا أتذكَّرُ أنّي..
فهل تفعلينَ الذي تفعلينْ؟
تُرى من قبيل التمنّي..
***
لماذا تُسيئينَ فَهْمَ حناني؟
وتخترعينَ كلاماً عن الحُبِّ ما مرَّ فوق لساني
وتخترعينَ بلاداً إليها ذَهَبْنَا..
وتخترعينَ فنادقَ فيها نَزَلْنَا..
وتخترعينَ بحاراً..
وتخترعينَ مَوَاني
وتخترعينَ لنفسكِ ثوباً
من الورد، والنار، والأُرجوانِ..
لماذا ، على اللهِ سيِّدتي، تكذبينْ؟
وهل تفعلينَ الذي تفعلينْ؟
ترى من قبيل التمنّي..
لماذا تقولينَ؟
إنَّ ثلاثةَ أرباع شعري..
عن الحُبِّ، كانتْ إليكِ..
وإني اقتبستُ حروفَ الكتابةِ من شَفَتَيْكِ..
وإنّي تربَّيْتُ مثلَ خَرُوفٍ صغيرٍ على ركبتيْكِ..
لماذا تجيدينَ فنَّ الروايةِ؟
تختلقينَ الزمانَ..
المكانَ..
الوجوهَ..
الحوارَ..
الثيابَ..
المَشَاهِدَ...
في حين لا أتذكَّرُ وَجْهَكِ بين حُطَام الوجوهِ،
وبين حُطَام السنينْ..
ولا أتذكَّرُ أنِّي قرأتُكِ.. في كُتُب الورد والياسمينْ
فهل تكتُبينَ السيناريو الذي تشتهينْ؟
لكي تطمئِّني..
هل تفعلينَ الذي تفعلينْ؟
ترى، من قبيل التمنّي...
***
لماذا تقولينَ بين الصديقاتِ والأصدقاءْ؟
بأنّي اختطفتُكِ...
_ رغمَ احتجاج رجالِ القبيلةِ،
رغمَ نباح الكلابِ، وسُخْطِ السماءْ _
لماذا تُعانينَ من عُقْدَة النَقْص؟
(1/15516)
________________________________________
تختلقينَ الأكاذيبَ..
تنتحرينَ بقطرة ماءْ..
وتستعملينَ ذكاءكِ حتى الغباءْ..
لماذا تُحبّينَ تمثيلَ دور الضحيّةِ؟
في حين ليسَ هناكَ دليلٌ..
وليسَ هناكَ شهودٌ...
وليسَ هناكَ دماءْ...
لماذا تقولينَ:
إنّكِ منِّي حَمَلْتِ.. وأَجْهَضْتِ..
في حين لا أتذكّرُ أنّي تشرَّفتُ يوماً بهذا اللقاءْ
ولا أتذكَّرُ من أنتِ.. بين زحام النساءْ
ولا ربَطَ الجنْسُ بيني وبينكِ..
لا في الصباحِ.. ولا في المساءْ
ولا في الربيعِ.. ولا في الشتاءْ
فكيف إذن تزعُمينْ
بأنِّي .. وأنيِّ.. وأنِّي..
وهل كان حَمْلُكِ منِّي
تُرى من قَبيل التمنّي؟...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> سأبدأ من أول السطر
سأبدأ من أول السطر
رقم القصيدة : 68689
-----------------------------------
سأَبدأُ من أَوَّلِ السطر.. إن كنتِ تعتقدينْ
بأنيِّ سقطتُ أمام التحدّي الكبيرْ!!
سأَبدأُ من أوَّلِ الخَصْر.. إن كنتِ تعتقدينْ
بأنِّي تلعثمتُ، مثل التلاميذ، فوق السريرْ..
سأبدأ من قِمّة الصدر.. إن كنتِ تعتقدينْ
بأنّي تصرّفتُ كالأغبياءْْ
أمام دموع المرايا.. وشكوى الحريرْ..
سأبدأُ من شفتيكِ نزولاً..
إذا كنتِ تخشينَ من غربة الليل والزمهريرْ
سأَبدأُ من قَدَمَيْكِ صعوداً..
إذا كان لا بدَّ لي أن أموتَ..
لأَربَحَ هذا الرهانَ الكبيرْ!!
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> راسبوتين العَربي
راسبوتين العَربي
رقم القصيدة : 68690
-----------------------------------
صراخُكِ دونما طائلْ
ورفضُكِ دونما طالْ
أنا القاضي بأمر اللهِ، والناهي بأمر اللهِ،
فامْتَثِلي لأحكامي،
فحبّي دائماً عادلْ..
أنا المنحدرُ كُليّاً إلى نهديْكِ..
والعصريُّ والحجريُّ..
والمَدَنيُّ والهَمَجيُّ..
والرُوحيُّ والجِنْسيُّ..
والوثنيُّ والصوفيُّ..
والمتناقضُ الأبديُّ..
والمقتولُ والقاتلْ..
أنا المكتوبُ بالكوفيِّ.. فوق عباءة العشّاق..
والعلنيُّ والسريُّ..
المرئيُّ والمخفيُّ..
(1/15517)
________________________________________
والمجذوبُ، والمسلوبُ، والحشَّاشُ، والمتعهِّرُ الفاضلْ.
أنا الممتدُّ مثل القوس بين الثلج والتُفَّاح،
بين النار والياقوتِ،
بين البحر والخلجانِ..
والموجودُ والمفقودُ
والمولودُ كالأسماك عند سواحل الكلماتْ
أنا المُتَسَكِّعُ الغَجَريُّ تأخذني خطوطُ الطولِ
في سَفَرٍ إلى الأعلى.. وتأخذني خطوطُ العرضِ
في سَفَرٍ إلى الأحلى.. فأسقط مثلَ درويشٍ
أمام تقاطع الفخذين.. والطُرُقاتْ..
وأستلقي على ظهري
وتنزلُ فوقيَ الآياتْ...
أنا القِدّيسُ تأتيني نساءُ العالم الثالثْ
فأَغسِلُهُنَّ بالكافور والحِنَّهْ..
وأغمرُهُنَّ بالبَرَكاتْ..
وأعطي كلَّ واحدةٍ بنفسجةً.. ومُوالاً..
وأرزقهنَّ أطفالا..
وأزرعهنَّ كالأشجار في الغاباتْ
وأوصيهنَّ أن يحفظنَ أشعاري
فشِعْري يُدْخِلُ الجنَّهْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> يوميّات مريض ممنوع من الكتابة
يوميّات مريض ممنوع من الكتابة
رقم القصيدة : 68691
-----------------------------------
1
ممنوعةٌ أنتِ من الدخول، يا حبيبتي ، عَلَيَّهْ..
ممنوعةٌ أن تلمسي الشراشفَ البيضاءَ، أو أصابعي الثلجيَّهْ
ممنوعةٌ أن تجلسي.. أو تهمسي.. أو تتركي يديكِ في يَديَّهْ
ممنوعةٌ أن تحملي من بيتنا في الشامْ..
سرْباً من الحَمَامْ
أو فُلَّةً.. أو وردةً جُوريَّهْ..
ممنوعةٌ أن تحملي لي دُمْيَةً أحضُنُها..
أو تقرأي لي قصّةَ الأقزام، والأميرةِ الحسناء، والجنيَّهْ.
ففي جناح مرضى القلب يا حبيبتي..
يصادرونَ الحبَّ، والأشواقَ ، والرسائلَ السريَّهْ..
2
لا تَشْهَقي .. إذا قرأتِ الخَبَرَ المثيرَ في الجرائد اليوميَّهْ
قد يشعرُ الحصانُ بالإرهاق يا حبيبتي
حينَ يدقُّ الحافرَ الأوّلَ في دمشقْ
والحافرَ الآخرَ في المجموعة الشمسيَّهْ..
3
تَمَاسَكي.. في هذه الساعات يا حبيبتي
فعندما يقرّرُ الشاعرُ أن يثقبَ بالحروفِ..
جِلْدَ الكُرَة الأرضيَّهْ.
وأن يكونَ قلبُهُ تُفّاحةً
(1/15518)
________________________________________
يقضُمُهَا الأطفالُ في الأزِقّة الشعبيَّهْ..
وعندما يحاول الشاعرُ أن يجعل من أشعارِهِ
أرغِفَةً.. يأكُلُها الجياعُ للخبز وللحُريَّهْ
فلن يكونَ الموتُ أمراً طارئاً..
لأنَّ من يكتبُ يا حبيبتي..
يحملُ في أوراقه ذبْحَتَهُ القلبيَّهْ..
4
أرجوكِ أن تبتسمي.. أرجوكِ أن تبتسمي..
يا نَخْلَةَ العراق، يا عصفورةَ الرصافة الليليَّهْ
فَذّبْحةُ الشاعر ليستْ أبداً قضيَّةً شخصيَّهْ
أليسَ يكفي أنني تركتُ للأطفال بعدي لغةً
وأنني تركتُ للعُشّاق أبجديَّهْ..
5
أغطِيتي بيضاءْ..
والوقتُ، والساعاتُ، والأيَّامُ كلُّهَا بيضاءْ
وأوجُهُ الممرضات حولي كُتُبٌ أوراقُهَا بيضاءْ
فهل من الممكن يا حبيبتي؟
أن تضعي شيئاً من الأحمر فوق الشفة الملساءْ
فمنذ شهرٍ وأنا.. أحلُمُ كالأطفال أن تزورَني
فَرَاشةٌ كبيرةٌ حمراءْ..
6
أَطلب أقلاماً فلا يعطونني أقلامْ...
أطلبُ أيَّامي التي ليس لها أيَّامْ
أسألُهمْ برشامةً تُدخلني في عالم الأحلامْ
حتى حبوبُ النوم قد تعوَّدتْ مثلي على الصحو.. فلا تنامْ..
7
إن جِئتني زائرةً..
فحاولي أن تلبسي العقودَ، والخواتمَ الغريبةَ الأحجارْ
وحاولي أن تلبسي الغابات والأشجارْ..
وحاولي أن تلبسي قبّعةً مفرحةً كمعرض الأزهارْ
فإنّني سئمتُ من دوائر الكِلْسِ.. ومن دوائر الحَوَّارْ..
8
ما يفعلُ المشتاقُ يا حبيبتي في هذه الزنزانة الفرديَّه
وبيننا الأبوابُ ، والحُرَّاسُ، والأوامرُ العُرْفيَّهْ..
وبيننا أكثرُ من عشرين ألفَ سنةٍ ضوئِيَّهْ..
ما يفعلهُ المشتاقُ للحُبِّ، وللعزف على الأنامل العاجيَّهْ
والقلب لا يزالُ في الإقامة الجبريَّهْ..
9
لا تَشْعُري بالذنْبِ يا صغيرتي.. لا تشْعُري بالذَنْبْ..
فإنَّ كلَّ امرأةٍ أحببتُها..
قد أورثَتْني ذبحةً في القلب..
10
وصيَّةُ الطبيب لي:
أن لا أقولَ الشعرَ عاماً كاملاً..
ولا أرى عينيكِ عاماً كاملاً..
ولا أرى تحوُّلاتِ البحر في العين البنفسجيَّه
(1/15519)
________________________________________
الله.. كم تُضْحِكُني الوصيَّهْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> 100 رسالة حُبّ (1)-(10)
100 رسالة حُبّ (1)-(10)
رقم القصيدة : 68692
-----------------------------------
(1)
لا يُشبهُ الكلامْ
وأخترع لغةً لكِ وحدكِ
أفصّلها على مقاييس جسدك
ومساحةِ حبّي.
*
أريدُ أن أسافرَ من أوراق القاموس
وأطلبَ إجازةً من فمي.
فلقد تعبتُ من استدارة فمي
أريدُ فماً آخر..
يستطيع أن يتحوّل متى أرادْ
إلى شجرة كَرَز
أو علبة كبريت
أريد فماً جديداً
تخرج منه الكلماتْ
كما تخرج الحوريّات من زَبَد البحر
وكما تخرج الصيصَانُ البيضاء
من قبَّعة الساحر..
*
خذُوا جميعَ الكتب
التي قرأتُها في طفولتي
خذُوا جميع كراريسي المدرسيّة
خذوا الطباشيرَ..
والأقلامَ..
والألواحَ السوداءْ..
وعلّموني كلمةً جديدة
أُعلّقها كالحَلَقْ
في أُذُن حبيبتي
*
أريدُ أصابعَ أخرى..
لأكتبَ بطريقةٍ أخرى
فأنا أكرهُ الأصابعَ التي لا تطول .. ولا تقصر
كما أكرهُ الأشجار التي لا تموت .. ولا تكبر
أريد أصابعَ جديدة..
عاليةً كصوراي المراكبْ
وطويلةً ، كأعناق الزرافاتْ
حتى أفصّل لحبيبتي
قميصاً من الشِعرْ..
لم تلبسه قبلي.
أريدُ أن أصنع لكِ أبجديّة
غيرَ كلّ الأبجدياتْ.
فيها شيء من إيقاع المطرْ
وشيء من غبار القمرْ
وشيء من حزن الغيوم الرماديّة
وشيء من توجّع أوراق الصفصاف
تحت عَرَبات أيلول.
*
أريد أن أهديكِ كنوزاً من الكلماتْ
لم تُهْدَ لامرأةٍ قبلك..
ولنْ تُهْدَى لامرأةٍ بعدكْ.
يا امرأةً..
ليس قَبْلَها قَبْلْ
وليس بَعْدَها بَعْدَ
*
أريدُ أن أعلَّم نهديْكِ الكسوليْنْ
كيف يُهجِّيان اسمي..
وكيف يقرءان مكاتيبي
أريدُ .. أن أجعلكِ اللغة..
(2)
(2)
أريدُ .. أن أجعلكِ اللغة..
نهارَ دخلتِ عليَّ
نهارَ دخلتِ عليَّ
في صبيحة يومٍ من أيام آذارْ
في صبيحة يومٍ من أيام آذارْ
كقصيدةٍ جميلةٍ .. تمشي على قَدَمَيْها
كقصيدةٍ جميلةٍ .. تمشي على قَدَمَيْها
دخلت الشمسُ معك..
(1/15520)
________________________________________
دخلت الشمسُ معك..
ودخل الربيعُ معك..
ودخل الربيعُ معك..
كان على مكتبي أوراقٌ.. فأورقَتْ
كان على مكتبي أوراقٌ.. فأورقَتْ
وكان أمامي فنجانُ قهوة
وكان أمامي فنجانُ قهوة
فشربني قبل أن أشربه
فشربني قبل أن أشربه
وكان على جداري لوحةٌ زيتية
وكان على جداري لوحةٌ زيتية
لخيول تركض..
لخيول تركض..
فتركتْني الخيولُ حين رأتكِ
فتركتْني الخيولُ حين رأتكِ
وركضتْ نحوك..
وركضتْ نحوك..
*
*
نهارَ زُرتني..
نهارَ زُرتني..
في صبيحة ذلك اليوم من آذارْ
في صبيحة ذلك اليوم من آذارْ
حدثتْ قشعريرةٌ في جسد الأرض
حدثتْ قشعريرةٌ في جسد الأرض
وسقَطَ في مكان ما.. من العالم
وسقَطَ في مكان ما.. من العالم
نيزكٌ مشتعلْ..
نيزكٌ مشتعلْ..
حسبه الأطفال فطيرةً محشوةً بالعسلْ..
حسبه الأطفال فطيرةً محشوةً بالعسلْ..
وحسبتهُ النساء..
وحسبتهُ النساء..
سواراً مرصَّعاً بالماسْ..
سواراً مرصَّعاً بالماسْ..
وحسبه الرجال..
وحسبه الرجال..
من علامات ليلة القدْرْ..
من علامات ليلة القدْرْ..
*
*
وحين نزعتِ معطفكِ الربيعيّ
وحين نزعتِ معطفكِ الربيعيّ
وجلستِ أمامي..
وجلستِ أمامي..
فراشةً تحمل في أحقابها ثيابَ الصيف..
فراشةً تحمل في أحقابها ثيابَ الصيف..
تأكّدتُ أن الأطفال كانوا على حقّ..
تأكّدتُ أن الأطفال كانوا على حقّ..
والنساء كُنَّ على حقّ..
والنساء كُنَّ على حقّ..
والرجال كانوا على حقّ..
والرجال كانوا على حقّ..
والرجال كانوا على حقّ..
والرجال كانوا على حقّ..
وأنّكِ..
وأنّكِ..
شهيّةٌ كالعسلْ..
شهيّةٌ كالعسلْ..
وصافيةٌ كالماسْ..
وصافيةٌ كالماسْ..
ومذهلةٌ كليلة القدرْ...
ومذهلةٌ كليلة القدرْ...
(3)
(3)
عندما قلتُ لكِ :
عندما قلتُ لكِ :
"أُحبّكِ".
"أُحبّكِ".
كنتُ أعرف..
كنتُ أعرف..
أنني أقود انقلاباً على شريعة القبيلة
أنني أقود انقلاباً على شريعة القبيلة
وأقرع أجراسَ الفضيحة
وأقرع أجراسَ الفضيحة
كنتُ أريد أن أستلم السلطة
(1/15521)
________________________________________
كنتُ أريد أن أستلم السلطة
لأجعلَ غابات العالم أكثرَ ورقاً
لأجعلَ غابات العالم أكثرَ ورقاً
وبحارَ العالم أكثرَ زرقةً
وبحارَ العالم أكثرَ زرقةً
وأطفالَ العالم أكثرَ براءة.
وأطفالَ العالم أكثرَ براءة.
كنتُ أريد..
كنتُ أريد..
أن أُنهي عصرَ البربريَّة
أن أُنهي عصرَ البربريَّة
وأقتلَ آخر الخلفاء
وأقتلَ آخر الخلفاء
كان في نيّتي _عندما أحببتكِ_
كان في نيّتي _عندما أحببتكِ_
أن أكسر أبوابَ الحريم
أن أكسر أبوابَ الحريم
وأنقذَ أثداءَ النساء..
وأنقذَ أثداءَ النساء..
من أسنان الرجال..
من أسنان الرجال..
وأجعلَ حَلَمَاتهنّ
وأجعلَ حَلَمَاتهنّ
ترقصُ في الهواء مبتهجة
ترقصُ في الهواء مبتهجة
كحبّات الزعرور الأحمر..
كحبّات الزعرور الأحمر..
عندما قلتُ لكِ:
عندما قلتُ لكِ:
"أُحبّكِ".
"أُحبّكِ".
كنتُ أعرف..
كنتُ أعرف..
أنني أخترع أبجديةً جديدة
أنني أخترع أبجديةً جديدة
لمدينةٍ لا تقرأ..
لمدينةٍ لا تقرأ..
وأنشد أشعاري في قاعة فارغة
وأنشد أشعاري في قاعة فارغة
وأقدّم النبيذ
وأقدّم النبيذ
لمن لا يعرفون نعمة السُكْرْ.
لمن لا يعرفون نعمة السُكْرْ.
*
*
عندما قلتُ لكِ:
عندما قلتُ لكِ:
"أُحبّكِ"
"أُحبّكِ"
كنتُ أعرف.. أن المتوحّشين سيتعقبونني
كنتُ أعرف.. أن المتوحّشين سيتعقبونني
بالرماح المسمومة.. وأقواس النشّاب.
بالرماح المسمومة.. وأقواس النشّاب.
وأنّ صُوَري..
وأنّ صُوَري..
ستُلصَق على كلّ الحيطان
ستُلصَق على كلّ الحيطان
وأنَّ بَصَماتي..
وأنَّ بَصَماتي..
ستوزَّع على كلَّ المخافر
ستوزَّع على كلَّ المخافر
وأن جائزةً كبرى..
وأن جائزةً كبرى..
ستُعطى لمن يحمل لهم رأسي
ستُعطى لمن يحمل لهم رأسي
ليُعلّقَ على بوّابة المدينة
ليُعلّقَ على بوّابة المدينة
كبرتقالةٍ فلسطينية..
كبرتقالةٍ فلسطينية..
عندما كتبتُ اسمكِ على دفاتر الورد..
عندما كتبتُ اسمكِ على دفاتر الورد..
كنتُ أعرف..
كنتُ أعرف..
(1/15522)
________________________________________
أنّ كلَّ الأُميّين سيقفون ضدّي
أنّ كلَّ الأُميّين سيقفون ضدّي
وكلَّ آلِ عثمان.. ضدّي
وكلَّ آلِ عثمان.. ضدّي
وكلَّ الدراويش .. والطرابيش .. ضدّي.
وكلَّ الدراويش .. والطرابيش .. ضدّي.
وكلّ العاطلين بالوراثة
وكلّ العاطلين بالوراثة
عن ممارسة الحبّ .. ضدّي
عن ممارسة الحبّ .. ضدّي
وكلَّ المرضى بوَرَم الجنس..
وكلَّ المرضى بوَرَم الجنس..
ضدّي..
ضدّي..
عندما قرّرتُ أن أقتلَ آخر الخلفاءْ
عندما قرّرتُ أن أقتلَ آخر الخلفاءْ
وأُعلنَ قيامَ دولةٍ للحبّ..
وأُعلنَ قيامَ دولةٍ للحبّ..
تكونين أنتِ مليكتَها..
تكونين أنتِ مليكتَها..
كنتُ أعرف..
كنتُ أعرف..
أنَّ العصافير وحدَها..
أنَّ العصافير وحدَها..
ستعلنُ الثورةَ معي..
ستعلنُ الثورةَ معي..
(4)
(4)
حين وزَّع اللهُ النساءَ على الرجالْ
حين وزَّع اللهُ النساءَ على الرجالْ
وأعطاني إيَّاكِ..
وأعطاني إيَّاكِ..
شعرتُ..
شعرتُ..
أنّه انحاز بصورة مكشوفة إليّْ
أنّه انحاز بصورة مكشوفة إليّْ
وخالفَ كلَّ الكتب السماويّة التي ألَّفها
وخالفَ كلَّ الكتب السماويّة التي ألَّفها
فأعطاني النبيذ ، وأعطاهم الحنطة
فأعطاني النبيذ ، وأعطاهم الحنطة
ألبسني الحرير، وألبسهم القطن
ألبسني الحرير، وألبسهم القطن
أهدى إليَّ الوردة
أهدى إليَّ الوردة
وأهداهم الغصن..
وأهداهم الغصن..
*
*
حين عَرَّفني اللهُ عليكِ..
حين عَرَّفني اللهُ عليكِ..
وذهب إلى بيته
وذهب إلى بيته
فكَّرتُ .. أن أكتب له رسالة
فكَّرتُ .. أن أكتب له رسالة
على ورقٍ أزرقْ
على ورقٍ أزرقْ
وأضعها في مُغلّفٍ أزرقْ
وأضعها في مُغلّفٍ أزرقْ
وأغسلها بالدمع الأزرقْ
وأغسلها بالدمع الأزرقْ
أبدؤها بعبارة: يا صديقي
أبدؤها بعبارة: يا صديقي
كنتُ أريد أن أشكرَهُ
كنتُ أريد أن أشكرَهُ
لأنّه اختاركِ لي..
لأنّه اختاركِ لي..
فاللهُ _ كما قالوا لي _
فاللهُ _ كما قالوا لي _
لا يستلم إلا رسائلَ الحب
لا يستلم إلا رسائلَ الحب
(1/15523)
________________________________________
ولا يجاوب إلا عليها..
ولا يجاوب إلا عليها..
*
*
حين استلمتُ مكافأتي
حين استلمتُ مكافأتي
ورجعتُ أحملك على راحة يدي
ورجعتُ أحملك على راحة يدي
كزهرة مانوليا
كزهرة مانوليا
بستُ يدَ الله..
بستُ يدَ الله..
وبستُ القمر والكواكب
وبستُ القمر والكواكب
واحداً .. واحداً
واحداً .. واحداً
وبستُ الجبال .. والأودية
وبستُ الجبال .. والأودية
وأجنحة الطواحين
وأجنحة الطواحين
بستُ الغيومَ الكبيرة
بستُ الغيومَ الكبيرة
والغيومَ التي لا تزال تذهب إلى المدرسة
والغيومَ التي لا تزال تذهب إلى المدرسة
بستُ الجُزُرَ المرسومة على الخرائط
بستُ الجُزُرَ المرسومة على الخرائط
والجُزُرَ التي لا تزال بذاكرة الخرائط
والجُزُرَ التي لا تزال بذاكرة الخرائط
بستُ الأمشاط التي ستتمشّطين بها
بستُ الأمشاط التي ستتمشّطين بها
والمرايا .. التي سترتسمين عليها..
والمرايا .. التي سترتسمين عليها..
وكلَّ الحمائم البيضاء..
وكلَّ الحمائم البيضاء..
التي ستحمل على أجنحتها
التي ستحمل على أجنحتها
جهازَ عرسك..
جهازَ عرسك..
(5)
(5)
لم أكُنْ يوماً ملِكاً
لم أكُنْ يوماً ملِكاً
ولم أنحدر من سلالات الملوكْ
ولم أنحدر من سلالات الملوكْ
غير أن الإحساسَ بأنّكِ لي..
غير أن الإحساسَ بأنّكِ لي..
يعطيني الشعورَ
يعطيني الشعورَ
بأنني أبسط سلطتي على القارات الخمسْ
بأنني أبسط سلطتي على القارات الخمسْ
وأسيطر على نزوات المطر، وعَرَبات الريح
وأسيطر على نزوات المطر، وعَرَبات الريح
وأمتلك آلافَ الفدادين فوق الشمس..
وأمتلك آلافَ الفدادين فوق الشمس..
وأحكم شعوباً .. لم يحكمها أحدٌ قبلي..
وأحكم شعوباً .. لم يحكمها أحدٌ قبلي..
وألعب بكواكب المجموعة الشمسية..
وألعب بكواكب المجموعة الشمسية..
كما يلعب طفلٌ بأصداف البحر...
كما يلعب طفلٌ بأصداف البحر...
لم أكنْ يوماً مَلِكاً
لم أكنْ يوماً مَلِكاً
ولا أريدُ أن أكونه
ولا أريدُ أن أكونه
غيرَ أن مُجرَّدَ إحساسي
(1/15524)
________________________________________
غيرَ أن مُجرَّدَ إحساسي
بأنّكِ تنامين في جوف يدي..
بأنّكِ تنامين في جوف يدي..
كلؤلؤة كبيرة..
كلؤلؤة كبيرة..
في جوف يدي..
في جوف يدي..
يجعلني أتوهَّم..
يجعلني أتوهَّم..
بأنّني قيصر من قياصرة روسيا
بأنّني قيصر من قياصرة روسيا
أو أنّني..
أو أنّني..
كسرى أنو شروانْ..
كسرى أنو شروانْ..
(6)
(6)
لماذا أنتِ؟
لماذا أنتِ؟
لماذا أنتِ وحدك؟
لماذا أنتِ وحدك؟
من دون جميع النساء
من دون جميع النساء
تغيِّرين هندسةَ حياتي
تغيِّرين هندسةَ حياتي
وإيقاعَ أيّامي
وإيقاعَ أيّامي
وتتسلّلين حافيةً..
وتتسلّلين حافيةً..
إلى عالم شؤوني الصغيرة
إلى عالم شؤوني الصغيرة
وتُقفلين وراءكِ الباب..
وتُقفلين وراءكِ الباب..
ولا أعترض..
ولا أعترض..
*
*
لماذا؟
لماذا؟
أُحبّكِ أنتِ بالذاتْ
أُحبّكِ أنتِ بالذاتْ
وأنتقيكِ أنتِ بالذاتْ
وأنتقيكِ أنتِ بالذاتْ
وأسمح لكِ..
وأسمح لكِ..
بأن تجلسي فوق أهدابي
بأن تجلسي فوق أهدابي
تُغنّين،
تُغنّين،
وتُدخّنين،
وتُدخّنين،
وتلعبين الورق..
وتلعبين الورق..
ولا أعترض.
ولا أعترض.
*
*
لماذا ؟
لماذا ؟
تشطبينَ كلَّ الأزمنة
تشطبينَ كلَّ الأزمنة
وتوقفين حركةَ العصور
وتوقفين حركةَ العصور
وتغتالين في داخلي
وتغتالين في داخلي
جميعَ نساء العشيرة
جميعَ نساء العشيرة
واحدة .. واحدة..
واحدة .. واحدة..
ولا أعترض
ولا أعترض
*
*
لماذا؟
لماذا؟
أعطيكِ، من دون جميع النساء
أعطيكِ، من دون جميع النساء
مفاتيحَ مُدُني
مفاتيحَ مُدُني
التي لم تفتح أبوابَها..
التي لم تفتح أبوابَها..
لأيّ طاغية
لأيّ طاغية
ولم ترفع راياتها البيضاء..
ولم ترفع راياتها البيضاء..
لأيّة امرأة..
لأيّة امرأة..
وأطلب من جنودي
وأطلب من جنودي
أن يستقبلوك بالأناشيد
أن يستقبلوك بالأناشيد
والمناديل..
والمناديل..
وأكاليل الغار..
وأكاليل الغار..
وأبايعكِ..
وأبايعكِ..
أمامَ جميع المواطنين
أمامَ جميع المواطنين
وعلى أنغام الموسيقى، ورنين الأجراس
(1/15525)
________________________________________
وعلى أنغام الموسيقى، ورنين الأجراس
أميرةً مدى الحياة..
أميرةً مدى الحياة..
(7)
(7)
علّمتُ أطفالَ العالم
علّمتُ أطفالَ العالم
كيف يهجّون اسمكِ..
كيف يهجّون اسمكِ..
فتحولت شفاهُهُم إلى أشجار توتْ.
فتحولت شفاهُهُم إلى أشجار توتْ.
أصبحتِ يا حبيبتي..
أصبحتِ يا حبيبتي..
في كُتُب القراءة ، وأكياس الحلوى.
في كُتُب القراءة ، وأكياس الحلوى.
خبأتُكِ في كلمات الأنبياء
خبأتُكِ في كلمات الأنبياء
ونبيذ الرهبان.. ومناديل الوداع
ونبيذ الرهبان.. ومناديل الوداع
رسمتكِ على نوافذ الكنائس
رسمتكِ على نوافذ الكنائس
ومرايا الحُلُم..
ومرايا الحُلُم..
وخشب المراكب المسافرة..
وخشب المراكب المسافرة..
أعطيتُ أسماكَ البحر..
أعطيتُ أسماكَ البحر..
عنوانَ عينيكِ
عنوانَ عينيكِ
فنسيتْ عناوينها القديمة
فنسيتْ عناوينها القديمة
أخبرتُ تجّار الشرق..
أخبرتُ تجّار الشرق..
عن كنوز جسدك..
عن كنوز جسدك..
فصارت القوافل الذاهبةُ إلى الهند
فصارت القوافل الذاهبةُ إلى الهند
لا تشتري العاج
لا تشتري العاج
إلا من أسواق نهديك..
إلا من أسواق نهديك..
أوصيتُ الريحَ
أوصيتُ الريحَ
أن تمشّط خصلات شعرك الفاحم
أن تمشّط خصلات شعرك الفاحم
فاعتذرتْ.. بأنَّ وقتها قصيرْ..
فاعتذرتْ.. بأنَّ وقتها قصيرْ..
وشعركِ طويلْ..
وشعركِ طويلْ..
(8)
(8)
من أنتِ يا امرأة؟
من أنتِ يا امرأة؟
أيّتها الداخلة كالخنجر في تاريخي
أيّتها الداخلة كالخنجر في تاريخي
أيّتها الطيّبة كعيون الأرانب
أيّتها الطيّبة كعيون الأرانب
والناعمة كوَبَر الخوخة
والناعمة كوَبَر الخوخة
أيتها النقيّة، كأطواق الياسمين
أيتها النقيّة، كأطواق الياسمين
والبريئة كمرايل الأطفال..
والبريئة كمرايل الأطفال..
أيتها المفترسة كالكلمة..
أيتها المفترسة كالكلمة..
أُخرجي من أوراق دفاتري
أُخرجي من أوراق دفاتري
أُخرجي من شراشف سريري..
أُخرجي من شراشف سريري..
أُخرجي من فناجين القهوة
(1/15526)
________________________________________
أُخرجي من فناجين القهوة
وملاعق السُكَّرْ..
وملاعق السُكَّرْ..
أُخرجي من أزرار قمصاني
أُخرجي من أزرار قمصاني
وخيوط مناديلي..
وخيوط مناديلي..
أخرجي من فرشاة أسناني
أخرجي من فرشاة أسناني
ورغوة الصابون على وجهي
ورغوة الصابون على وجهي
أخرجي من كلّ أشيائي الصغيرة
أخرجي من كلّ أشيائي الصغيرة
حتى أستطيع أن أذهب إلى العمل...
حتى أستطيع أن أذهب إلى العمل...
(9)
(9)
إني أُحبّكِ..
إني أُحبّكِ..
ولا ألعبُ معكِ لعبةَ الحبّ
ولا ألعبُ معكِ لعبةَ الحبّ
ولا أتخاصم معكِ كالأطفال على أسماكِ البحر
ولا أتخاصم معكِ كالأطفال على أسماكِ البحر
سمكة حمراء لكِ..
سمكة حمراء لكِ..
وسمكة زرقاء لي..
وسمكة زرقاء لي..
خذي كلَّ السمك الأحمر والأزرقْ
خذي كلَّ السمك الأحمر والأزرقْ
وظلّي حبيبتي..
وظلّي حبيبتي..
خذي البحرَ ، والمراكبَ ، والمسافرين.
خذي البحرَ ، والمراكبَ ، والمسافرين.
وظلّي حبيبتي..
وظلّي حبيبتي..
إنني أضع جميع ممتلكاتي أمامك..
إنني أضع جميع ممتلكاتي أمامك..
ولا أفكر في حساب الربح والخسارة..
ولا أفكر في حساب الربح والخسارة..
ربّما ..
ربّما ..
لم يكن عندي أرصدة في البنوك
لم يكن عندي أرصدة في البنوك
ولا آبار بترول أتغرغر بها..
ولا آبار بترول أتغرغر بها..
وتستحمّ فيها عشيقاتي..
وتستحمّ فيها عشيقاتي..
ربّما .. لم تكن عندي ثروة آغاخان..
ربّما .. لم تكن عندي ثروة آغاخان..
ولا جزيرةٌ في عرض البحر كأوناسيس
ولا جزيرةٌ في عرض البحر كأوناسيس
فأنا لستُ سوى شاعر..
فأنا لستُ سوى شاعر..
كلُّ ثروتي.. موجودةٌ في دفاتري
كلُّ ثروتي.. موجودةٌ في دفاتري
وفي عينيكِ الجميلتينْ..
وفي عينيكِ الجميلتينْ..
(10)
(10)
رماني حبُّكِ على أرض الدهشة
رماني حبُّكِ على أرض الدهشة
هاجمني..
هاجمني..
كرائحة امرأةٍ تدخل إلى مصعدْ..
كرائحة امرأةٍ تدخل إلى مصعدْ..
فاجأني..
فاجأني..
وأنا أجلس في المقهى مع قصيدة
(1/15527)
________________________________________
وأنا أجلس في المقهى مع قصيدة
نسيتُ القصيدة..
نسيتُ القصيدة..
فاجأني..
فاجأني..
وأنا أقرأُ خطوطَ يدي
وأنا أقرأُ خطوطَ يدي
نسيتُ يدي..
نسيتُ يدي..
داهمني كديكٍ متوحّش
داهمني كديكٍ متوحّش
لا يرى.. ولا يسمع
لا يرى.. ولا يسمع
إختلط ريشُه بريشي
إختلط ريشُه بريشي
إختلطتْ صيحاتُه بصيحاتي
إختلطتْ صيحاتُه بصيحاتي
فاجأني..
فاجأني..
وأنا قاعدٌ على حقائبي
وأنا قاعدٌ على حقائبي
أنتظر قطارَ الأيام..
أنتظر قطارَ الأيام..
نسيتُ القطارْ..
نسيتُ القطارْ..
ونسيتُ الأيّامْ..
ونسيتُ الأيّامْ..
وسافرتُ معكِ..
وسافرتُ معكِ..
إلى أرض الدهشة..
إلى أرض الدهشة..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (11)-(20)
رسالة حُبّ (11)-(20)
رقم القصيدة : 68702
-----------------------------------
(11)
أحملكُ كالوّشم على ذراع بدويّ،
أَحملكِ .. كطُعْم الجُدَريّ
وأتسكّع معك..
على كلّ أرصفة العالم.
ليس عندي جوازُ سفر
وليس عندي صورةُ فوتوغرافية
منذ كنتُ في الثالثة من عمري.
إنّني لا أُحبّ التصاوير..
كلّ يوم يتغيّر لونُ عيوني
كلّ يوم يتغيّر مكانُ فمي
كلّ يوم يتغير عددُ أسناني
إنّني لا أحبّ الجلوس
على كراسي المصوّرين..
ولا أحبّ الصورَ التذكارية
كلّ أطفال العالم يتشابهون..
وكلّ المعذّبين في الأرض يتشابهون
كأسنان المشط..
لذلك..
نقعتُ جوازَ سفري القديم..
في ماء أحزاني.. وشربتُه..
وقررتُ..
أن أطوفَ العالم على درّاجة الحريّة
وبنفس الطريقة غير الشرعيّة
التي تستعملها الريح عندما تسافر..
وإذا سألوني عن عُنواني
أعطيتُهمْ عنوان كلّ الأرصفة
التي اخترتُها مكاناً دائماً لاقامتي.
وإذا سألوني عن أوراقي
أريتهمْ عينيك يا حبيبتي..
فتركوني أمرُّ
لأنّهم يعرفون..
أن السفر في مدائن عينيكِ..
من حقّ جميع المواطنين في العالم
(12)
وجهُكِ محفورٌ على ميناء ساعتي
محفورٌ على عقرب الدقائق..
وعقرب الثواني..
محفورٌ على الأسابيع..
(1/15528)
________________________________________
والشهور.. والسَنَواتْ..
لم يعد لي زمنٌ خصوصيّ
أصبحتِ أنتِ الزمنْ.
*
إنتهتْ معكِ..
مملكةُ شؤوني الصغيرة.
لم يعد لديَّ أشياء أملكها وحدي.
لم يعد عندي زهورٌ أنسّقها وحدي.
لم يعد عندي كُتُبٌ
أقرؤها وحدي..
أنتِ تتدخّلين بين عيني وبين وَرَقتي.
بين فمي ، وبين صوتي.
بين رأسي ، وبين مخدَّتي.
بين أصابعي ، وبين لُفافتي.
*
طبعاً..
أنا لا أشكو من سُكْناكِ فيّْ..
ومن تدخّلك في حركة يدي..
وحركة جفني.. وحركة أفكاري
فحقولُ القمح لا تشكو من وفرة سنابلها
وأشجارُ التين لا تضيق بعصافيرها
والكؤوس لا تضيق بسكنى النبيذ الأحمر فيها.
كلُّ ما أطلبه منكِ يا سيّدتي
أن لا تتحرّكي في داخل قلبي كثيراً..
حتى لا أتوجّع..
(13)
ليس لكِ زمانٌ حقيقي خارجَ لهفتي
أنا زمانكِ
ليس لكِ أبعادٌ واضحة
خارج امتداد ذراعيّ
أنا أبعادُكِ كلّها
زواياك ودوائرك..
خُطوطُكِ المنحنية..
وخُطوطُكِ المستقيمة.
يومَ دخلتِ إلى غابات صدري
دخلتِ إلى الحريّة
يومَ خرجتِ منها
صرتِ جارية..
واشتراكِ شيخُ القبيلة.
*
أنا علّمتُكِ أسماءَ الشجرْ
وحوارَ الصراصير الليليّة
وأعطيتكِ عناوينَ النجوم البعيدة.
أنا أدخلتكِ مدرسةَ الربيع
وعلّمتكِ لغة الطير
وأبجديَّةَ الينابيع.
أنا كتبتُكِ على دفاتر المطرْ
وشراشف الثلج ، وأكواز الصنوبر
وعلّمتُكِ كيف تكلّمين الأرانبَ والثعالب..
وكيف تمشّطين صُوفَ الخِراف الربيعيَّة.
أنا أطلعتُكِ..
على مكاتيب العصافير التي لم تُنْشَرْ
وأعطيتُكِ .. خرائطَ الصيف والشتاء..
لتتعلّمي .. كيف ترتفع السنابلْ
وتزقزقُ الصيصانُ البيضاءْ..
وتتزوّج الأسماكُ بعضَها..
ويتدفّق الحليبُ من ثدي القمرْ..
لكنّكِ ..
تعبتِ من حصان الحريّة
فرماكِ حصانُ الحريّة
تعبتِ من غابات صدري
ومن سمفونية الصراصير الليليّة
تعبتِ من النوم عاريةً..
فوق شراشف القمر..
فتركتِ الغابة..
ليأكلكِ الذئب..
ويفترسَكِ ــ على سُنَّة الله ورسُوله
شيخُ القبيلة..
(14)
(1/15529)
________________________________________
السنتان اللتان كنتِ فيهما حبيبتي
هما أهمُّ صفحتين..
في كتاب الحبّ المعاصرْ.
كلُّ الصفحات ، قبلَهما ، بيضاء
وكلُّ الصفحات ، بعدَهما ، بيضاءْ
إنّهما خطّ الاستواء
المارّ بين فمي وفمك
وهُما المقياس الزمنيّ
الذي تعتمده المراصد
وتُضبطُ عليه كلّ ساعات العالم..
(15)
كُلّما طالَ شَعْرُكِ
طالَ عُمْري..
كُلَّما رأَيتُهُ منثوراً على كتفيكِ
لوحةً مرسومةً بالفحم،
والحبر الصينيّ..
وأجنحة السنُونُو
حوَّطتُهُ بكلّ أسماء الله..
هل تعرفين؟
لماذا أستميتُ في عبادة شَعْرك..
لأنّ تفاصيلَ قصّتنا
من أوّل سطر إلى آخر سطرٍ فيها
منقوشةٌ عليه..
شعرُكِ .. هو دفترُ مذكّراتنا
فلا تتركي أحداً..
يسرقُ هذا الدفترْ..
(16)
عندما تضعين رأسكِ على كَتِفي..
وأنا أسوق سيّارتي
تترك النجومُ مداراتها
وتنزل بالألوف..
لتتزحلق على النوافذ الزجاجيّة..
وينزل القمر..
ليستوطنَ على كَتِفي..
عندئذ..
يصبح التدخينُ معكِ مُتْعة..
والحوارُ متعة
والسكوتُ متعة
والضَياعُ في الطُرُقاتِ الشتائيهْ
التي لا أسماء لها..
متعة.
وأتمنّى .. لو نبقى هكذا إلى الأبد
المطر يُغنّي..
ومَسَّاحات المطر تُغنّي
ورأسك الصغير،
متكمّشٌ بأعشاب صدري
كفراشةٍ إفريقية ملوّنة
ترفض أن تطير..
(17)
كُلَّما رأيتُكِ..
أيأسُ من قصائدي.
إنّني لا أيأس من قصائدي
إلا حين أكونُ معك..
جميلةٌ أنتِ .. إلى درجةِ أنّني
حين أفكّر بروعتك .. ألهث..
تلهث لغتي..
وتلهث مُفْرَداتي..
خلّصيني من هذا الإشكال..
كُوني أقلّ جمالاً...
حتى أستردَّ شاعريتي
كُوني امرأةً عادية..
تتكحّل .. وتتعطّر .. وتحبل .. وتلِدْ
كُوني امرأةً مثلَ كلّ النساء..
حتى أتصالح مع لغتي..
ومع فمي..
(18)
لستُ معلِّماً..
لأعلّمك كيف تُحبّينْ.
فالأسماك، لا تحتاج إلى معلِّمْ
لتتعلَّمَ كيف تسبحْ..
والعصافير، لا تحتاج إلى معلِّمْ
لتتعلّمَ كيف تطير..
إسبحي وحدَكِ..
وطيري وحدَكِ..
إن الحبّ ليس له دفاتر..
(1/15530)
________________________________________
وأعظمُ عشّاق التاريخ..
كانوا لا يعرفون القراءة..
(19)
دعي بورجوازيَّتكِ ، يا سيّدتي
وسريرَ لويس السادس عشر
الذي تنامين عليه..
دعي عطورَك الفرنسية
وحقائبك المصنوعة من جلد التمساح..
واتبعيني..
إلى جُزُر المطر..
والأناناسْ..
والتوابل الحارقة..
حيث مياه السواحل ساخنة كجسدك..
وثمار المانغو..
مستديرة كنهديكِ..
إرمي كلَّ شيء وراءك..
واقفزي على صدري..
كسنجاب إفريقي..
فأنا يعجبني..
أن تتركي خدشاً واحداً على سطح جلدي.
أو جرحاً واحداً على زاوية فمي..
أتباهى به..
أمام رجال العشيرة..
آهِ .. يا امرأةَ التردّد .. والبرودْ
يا امرأة ماكس فاكتور.. وإليزابيت آردنْ
متحضِّرة أنتِ إلى درجة لا تحتملْ..
تجلسين على طاولة الحب..
وتأكلين بالشوكة والسكّينْ
أما أنا يا سيّدتي..
فبدويّ يختزن في شفتيه
عصوراً من العطش..
ويخبّئ تحت عباءته
ملايينَ الشموس..
فلا تغضبي منّي..
إذا خالفتُ آدابَ المائدة
ونزعتُ عن رقبتي الفوطةَ البيضاء
وعرَّيتكِ من ملابسك التنكّرية
وعلّمتكِ ..
كيف تأكلين بكلتا يديكِ
وتعشقين بكلتا يديكِ
وتركضين على رمال صدري
كمهْرةٍ بيضاءْ
تصهل في البادية..
(20)
لأنّني أُحبُّكِ..
يحدث شيءٌ غير عاديّ
في تقاليد السماء..
يصبح الملائكةُ أحراراً في ممارسة الحبّ..
ويتزوّج اللهُ .. حبيبته..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (21)-(28)
رسالة حُبّ (21)-(28)
رقم القصيدة : 68712
-----------------------------------
(21)
وَعَدتُكِ..
أن أبقى محتفظاً بوقاري
كلّما ذكروا اسمكِ أمامي
أرجوكِ . أن تحرّريني من وعدي القديم.
لأنّني كلّما سمعتُهم..
يتلفّظون باسمك..
أبذُلُ جهدَ الأنبياء..
حتى لا أصرخ..
(22)
أتغرغرُ بذكرياتك الصغيرة الملوَّنة
كما يتغرغر عصفورٌ بأغنية..
كما تتغرغر نافورةُ بيتٍ أندلسي
بمياهها الزرقاءْ...
(23)
فكّرتُ أن أستولدكِ طفلاً..
يأتي.. وفي فمه قصيدة.
فكّرتُ أن استولدكِ قصيدة..
فكّرتُ..
(1/15531)
________________________________________
في ليالي الشتاء الطويلة
أن أعتدي على جميع الشرائع
وأزرعَ في رحمك عصفوراً..
يحفظ سلالةَ العصافير..
فكّرتُ ..
في ساعات الهّذَيان واحتراق الأعصابْ..
أن أستنبت في أحشائكِ
غابةَ أطفال..
يحفظون تقاليدَ الأُسرة
في كتابة الشعر
ومغازلةِ النساءْ..
(24)
من أيّ جنسٍ أنتِ يا امرأة؟
من قبَّعة أيّ ساحرٍ خرجتِ؟
مَنْ يدّعي أنه سرق مكتوباً واحداً
من مكاتيب حبّك .. يكذبْ
مَنْ يدّعي أنه سرق إسوارةَ ذهبٍ صغيرة
من خزانتك يكذبْ..
مَنْ يدّعي أنّه سرق مشطاً واحداً
من أمشاط العاج التي تتمشّطين بها..
يكذبْ..
مَنْ يدّعي..
أنه اصطاد سمكةً واحدة..
من بحار عينيك.. يكذبْ.
من يدّعي أنه اكتشف..
نوعَ العطر الذي تستعملينه
وعنوانَ الرجل الذي تكاتبينه..
يكذبْ..
من يدّعي .. أنه اصطحبكِ
إلى أيّ فندق من فنادق العالم
أو دعاكِ إلى أيّ مسرح من مسارح المدينة
أو اشترى لكَِ طوقاً من الياسمين..
يكذبْ .. يكذبْ .. يكذبْ ..
فأنتِ متحفٌ مُغْلَقْ..
يومَ السبت، ويوم الأحدْ..
يومَ الثلاثاء ، ويوم الأربعاءْ
وفي كلّ أيّام الأسبوع
متحفٌ مغلقْ..
في وُجُوه جميع الرجالْ
طَوَالَ أيّام السنة...
(25)
رسائلي إليكِ..
تتخطّاني.. وتتخطّاكِ..
لأن الضوءَ أهمُّ من المصباحْ
والقصيدةَ أهمُّ من الدفترْ
والقبلةَ أهمُّ من الشفة..
رسائلي إليكِ..
أهمُّ منكِ .. وأهمُّ منّي
إنّها الوثائق الوحيدة..
التي سيكتشفُ فيها الناس
جمالكِ..
وجُنوني..
(26)
لن أكونَ آخر رجلٍ في حياتكِ.
ولكنني آخرُ قصيدة
مكتوبةٍ بماء الذهبْ
تُعلَق على جدار نهديْكِ
وآخرُ نبيّ
أقنع الناسَ بوجود جنّة ثانية
وراء أهداب عينيكِ.
(27)
بيني وبينك..
اثنتان وعشرون سنةً من العُمْرْ..
وبين فمي وفمك..
حين يلتصقان..
تنسحق السَنَوات..
وينكسر زجاجُ العمرْ..
(28)
في أيّام الصيف..
أَتمدّد على رمال الشاطئ
وأمارس هوايةَ التفكير بكِ..
لو أنّني أقول للبحر..
ما أشعر به نحوكِ
لترك شواطئَه..
وأصدافَه..
(1/15532)
________________________________________
وأسماكَه..
وتبعني...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (29)-(50)
رسالة حُبّ (29)-(50)
رقم القصيدة : 68720
-----------------------------------
(29)
عندما أسمعُ الرجال..
يتحدّثون عنكِ بحماسة
وأسمع النساء..
يتحدّثن عنكِ بعصبيَّة..
أعرفُ..
كم أنتِ جميلة..
(30)
كنتُ أعرفُ دائماً..
أنّكِ فُلّة..
ولكنّني عندما رأيتُكِ بثياب البحر.
أدركتُ ..
أنّك شجرةُ فُلّْ..
(31)
صداقةُ يَدَيْنَا..
أقوى من صداقتي معك..
وأصفى .. وأعمقْ..
فحين كنَّا نختصمُ .. ونغضبْ..
ونرفعُ قبضاتنا في الهواءْ..
كانت يدانا تلتصقان.. وتتعانقان..
وتتغامزان.. على غبائنا...
(32)
طالت أظافرُ حبّنا كثيراً..
علينا..
أن نقصَّ له أظافرَهْ
وإلا ذبحكِ..
وذبحني..
(33)
كلّما قبَلتُكِ..
بعد طول افتراق..
أشعر أنني..
أضعُ رسالةَ حبٍّ مستعجلة
في علبة بريد حمراء..
(34)
رسائلي إليكِ..
ليستْ مقاعد من القطيفة
تستريحين عليها..
إنّني لا أكتب إليكِ .. كي تستريحي
إنني أكتب إليكِ..
كي تحتضري معي..
وتموتي معي..
(35)
يندفع حبِّي نحوكِ..
كحصانٍ أبيض..
يرفضُ سرجَه وفارسَه
لو كنتِ يا سيّدتي
تعرفينَ أشواقَ الخيول
لملأتِ فمي..
لوزاً .. وكرزاً..
وفستقاً أخضر..
(36)
عندما تذهبين إلى الجَبَل
تصبحُ بيروت قارةً غيرَ مسكونة..
تصبحُ أرملة..
أنا ضدَّ الاصطياف كلّه
ضد كلّ ما يأخذك
بعيداً عن صدري..
(37)
كلُّ رجل سيُقبِّلُكِ بعدي..
سيكتشف فوق فمك
عريشةً صغيرةً من العنب
زرعتُها أنا...
(38)
إبتعدي قليلاً عن حدقتيْ عينيّ
حتى أُميِّزَ بين الألوان
إنهضي عن أصابعي الخمسة
حتى أعرف حجمَ الكون..
وأقتنع..
أن الأرض كُرويَّة..
(39)
كان المطرُ ينزل علينا معاً..
فتنمو ألوفُ الحشائش
على معطفينا.
بعد رحيلك..
صار المطر يسقط عليَّ وحدي..
فلا ينبت شيء..
على معطفي..
(40)
أتكوَّم..
على رمال نهديكِ.. مُتْعبَاً
كطفلٍ لم ينم منذ يوم ولادته
(41)
(1/15533)
________________________________________
آهِ.. لو تتحرّرينَ يوماً..
من غريزة الأرانب..
وتعرفين..
أنني لستُ صيّادَكِ
لكنني حبيبُكِ..
(42)
خطر لي ذاتَ يوم..
أن أخطفكِ على طريقة الشراكسة..
وأتزوّجَكِ..
تحت طَلَقات الرصاصْ..
والتماع الخناجرْ..
لكنّكِ قتلت حصاني
وهو يَلحس الشمعَ عن أصابع قدميك
وقتلتِ معه..
أجملَ لحظة شعر.. في حياتك.
(43)
عندما تزورينني..
بثوبٍ جديدْ..
أشعر بما يشعر به البستانيّ
حين تُزهر لديه شجرة..
(44)
عيناكِ..
حفلةُ ألعاب ناريّة
أتفرّج عليها مرةً .. كلَّ سنة.
وأظلّ طَوَالَ العام..
أُطفيء الحرائق المشتعلة..
في جلدي..
وفي ثيابي..
(45)
أريد أن أركب معكِ
ولو لمرةٍ واحدة..
قطارَ الجنون..
قطاراً ينسى أرصفتَه،
وقضبانَهُ ، وأسماءَ مسافريه..
أريد أن تلبسي..
ولو لمرة واحدة...
معطفَ المطر..
وتقابليني في محطّة الجنون..
(46)
شكراً .. على الدفاتر الملوّنة
التي أهديتها إليّ.
لا شيء يفتح شهيتي في الدنيا
أكثر من ورق الدفاتر الملوّنة
أنا كالثور الإسباني..
يطيب لي أن أموت..
على أية ورقة ملوّنة
ترتعش أمامي..
فهل كنتِ تعرفين يوم أهديتني دفاترك
نَزَواتي الإسبانية؟
(47)
كلّما سافرتِ..
طالبني عطرُكِ بكِ
كما يطالب الطفل بعودة أمّه..
تصوّري..
حتّى العطور..
حتّى العطورْْ..
تعرفُ الغربةَ..
وتعرف النفيْ..
(48)
هل فكّرتِ يوماً .. إلى أينْ؟
المراكبُ تعرف إلى أينْ..
والأسماكُ تعرف إلى أينْ..
وأسرابُ السنونو تعرف إلى أينْ..
إلا نحن..
نحن نتخبَّط في الماء ولا نغرفْ..
ونلبس ثيابَ السفر ولا نسافرْ
ونكتب المكاتيبَ ، ولا نرسلها..
ونحجز تذكرتينْ..
على كلّ الطائرات المسافرة..
ونبقى في المطار.
أنتِ ، وأنا ، أجبنُ مسافريْنْ
عرفَهما العصرْ..
(49)
مزّقتُ ، يومَ عرفتُكِ ،
كلَّ خرائطي .. ونُبُوءاتي.
وصرتُ كالخيول العربية
أشمُّ رائحةَ أَمطاركِ ، قبل أن تبلّلني
وأسمعُ إيقاعَ صوتك
قبل أن تتكلَّمي..
وأفكُّ ضفائرَك .. بيدي
قبل أن تضفريها..
(50)
(1/15534)
________________________________________
إغلقي جميعَ كُتُبي
واقرأي خطوطَ يدي
أو خطوطَ وجهي..
إنني أتطلّع إليك بانبهار طفل
أمامَ شجرةِ عيد الميلادْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (51)-(60)
رسالة حُبّ (51)-(60)
رقم القصيدة : 68721
-----------------------------------
(51)
فكّرتُ أمس.. بحبّي لكِ..
وأحببتُ التفكيرَ بتفكيري..
تذكّرتُ فجأةً..
قَطَراتِ العَسَل على شفتيكِ
فلحستُ السُكَّرَ عن جدران ذاكرتي..
(52)
أرجوكِ أن تحترمي صمتي..
إنَّ أقوى أسلحتي هو الصمتْ.
هل شعرتِ ببلاغتي عندما أسكت؟
هل شعرتِ بروعة الأشياء التي أقولها؟
عندما لا أقولُ شيئاً..
(53)
عندما ركبتِ معي..
(تِلفرِيك) جونيه..
وانزلقتْ المركبةُ بنا على رؤوس الشجرْ..
وأكواز الصنوبرْ..
وصواري السفن..
شعرتُ أنّني ورثتُ العرشَ فجأة..
وخطر لي أن أتزوّجك
في هذه الغرفة الزجاجيّة
المتدحرجة على الغيم.. كفندقٍ صغير
وأن يكون شاهدَ عُرْسِنا الوحيدْ
هو الله..
(54)
علاّقةُ المفاتيح الذهبيّة
التي أهديتنيها..
لا تفتحُ باباً واحداً
من أبوابك الحجريّة
وإنما تفتحُ..
أبوابَ جُروحي..
(55)
لماذا تطلبينَ منّي أن أكتبَ إليكِ؟
لماذا تطلبين منّي
أن أتعرّى أمامكِ كرجل بدائيّ؟
الكتابةُ هي العملُ الوحيدُ الذي يعرّيني.
عندما أتكلّم..
فإنني أحتفظ ببعض الثياب
أما عندما أكتب..
فإنني أصير حرّاً ، وخفيفاً
كعصفور خرافيٍّ لا وزن له..
عندما أكتب..
أنفصل عن التاريخ.. وعن جاذبيَّة الأرض..
وأدورُ ككوكبٍ..
في فضاء عينيك..
(56)
المتعاملُ معكِ..
كالمتعامل مع طيّارة وَرَقْ..
كالمتعامل..
مع الريح، والصُدْفة، ودُوار البحر.
لم أشعر معكِ في يوم من الأيام
بأنني أقف على شيء ثابت..
وإنما كنتُ أتدحرجُ..
من غيمة.. إلى غيمة
كالأطفال المرسومين على سقوف الكنائس.
(57)
إنزعي الخنجرَ المدفونَ في خاصرتي
واتركيني أعيش..
إنزعي رائحتَك من مسامات جلدي
واتركيني أعيش..
إمنحيني الفرصة..
(1/15535)
________________________________________
لأتعرّف على امرأة جديدة
تشطب اسمَكِ من مفكّرتي
وتقطعُ خُصُلاتِ شعرك
الملتفّة حول عنقي..
إمنحيني الفرصة..
لأبحث عن طُرُقٍ لم أمشِ عليها معكِ
ومقاعد لم أجلس عليها معكِ..
ومقاهٍ لا تعرفكِ كراسيها..
وأمكنةٍ ..
لا تذكركِ ذاكرتُها.
إمنحيني الفرصة..
لأبحث عن عناوين النساء اللواتي
تركتٌهنّ من أجلك..
وقتلتُهنّ من أجلك
فأنا أريد أن أعيش..
(58)
كلّما ضربَ المطرُ شبابيكي..
أتلمّس مكانكِ الخالي..
كلّما لَحَسَ الضبابُ زجاجَ سياّراتي
وحاصرني الصقيع..
وتجمّعت العصافير
لتنتشل سيّارتي المدفونة في الثلج
أَتذكّر حرارةَ يديكِ الصغيرتين..
والسجائر التي كنا نقتسمها
كالجنود في خنادقهم..
نصفٌ لكِ ..
ونصفٌ لي..
كلما علكت الرياحُ ستائرَ غرفتي
وعلكتْني..
أتذكر حبَّكِ الشتائي..
وأتوسّل إلى الأمطار
أن تُمطِرَ في بلادٍ أخرى
وأتوسّلُ إلى الثلج
أن يتساقطَ في مُدُنٍ أخرى
وأتوسّل إلى الله
أن يلغي الشتاء من مفكّرته
لأنني لا أعرف..
كيف سأقابل الشتاء بعدك..
(59)
الطائرة ترتفع أكثرَ .. وأكثرْ..
وأنا أحبّكِ أكثرَ .. وأكثرْ..
إنني أعاني تجربةً جديدة
تجربةَ حبّ امرأة على ارتفاع ثلاثين ألف قدم.
بدأتُ الآن أفهم الصوفيّة
وأشواقَ المتصوّفين..
*
من الطائرة..
يرى الإنسانُ عواطفه بشكل مختلف
يتحرّر الحبُّ من غُبار الأرض
من جاذبيتها..
من قوانينها..
يصبح الحبُّ كرةً من القطن، معدومةَ الوزن.
الطائرة تنزلق على سجّادة من الغيم المنَّتف.
وعيناك تركضان خلفها..
كعصفوريْْنِ فضوليّينْ..
يلاحقان .. فراشة.
*
أحمق أنا..
حين ظننتُ أنّي مسافرٌ وحدي..
ففي كلِّ مطار نزلتُ فيه..
عثروا عليكِ..
في حقيبة يدي..
(60)
قبلَ أن أدخلَ مدائنَ فمك
كانت شفتاكِ زهرتيْ حَجَرْ
وقدحي نبيذٍ .. بلا نبيذْ
وجزيرتين متجمّدتين في بحار الشمالْ..
ويوم وصلتُ إلى مدينة فمك..
خرجت المدينة كلُّها..
لترشَّني بماء الورد
وتفرشَ تحت موكبي السّجادَ الأحمرْ
(1/15536)
________________________________________
وتبايعني خليفةً عليها..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (61) - (70)
رسالة حُبّ (61) - (70)
رقم القصيدة : 68722
-----------------------------------
(61)
قُضيَ الأمرُ.. وأصبحتِ حبيبتي
قُضيَ الأمر..
ودخلتِ في طيّات لحمي.. كالظفر الطويلْ..
كالزِرِّ في العُرْوَة..
كالحَلَق في أُذُن امرأةٍ إسبانية..
*
لن تستطيعي بعد اليوم..
أن تحتجّي..
بأنّي مَلِكٌ غيرُ ديمُقراطي
فأنا في شؤون الحُبِّ.. أصنعُ دساتيري
وأحكم وحدي.
هل تستشير الورقةُ الشجرةَ قبل أن تطلع؟
هل يستشير الجنينُ أمَّه قبل أن ينزل؟
هل يستشير النهدُ الغلالة..
قبل أن يتكوَّر؟
*
كوني إذَنْ حبيبتي
واسكتي..
ولا تناقشيني في شرعيّة حبّي لكِ
لأن حبّي لكِ شريعةٌ
أنا أكتُبها..
وأنا أنفّذها..
أما أنتِ..
فمهمّتك أن تنامي كزهرة مارغريت
بين ذراعيّ
وتتركيني أحكمُ..
مهمّتك يا حبيبتي
أنْ تظلي حبيبتي..
(62)
أنتِ امرأةٌ مستريحة..
مستريحةٌ ككلّ المقاعد التي لا طموح لها..
وككلّ الجرائد المتروكة في الحدائق العامة.
الحبّ لديك.. حصانٌ
لا يتقدّم.. ولا يتقهقر
ساعي بريد .. يجيء أو لا يجيء
أيّامك كلُها..
مرسومةٌ في خطوط فناجين القهوة..
ووَرَق اللعِبْ..
ووَدَع المنجّماتْ..
مستريحةٌ أنتِ.. كأرجُلِ الطاولة..
نهدُكِ الأيمنُ، لا يعرف شيئاً ، عن نهدك الأيسرْ
وشفتُك العليا..
لا تدري، بشفتك السفلى..
*
أردتُ أن أنقل الثورة..
إلى مرتفعات نهديك.. ففشلتْ.
أردتُ أن أعلّمكِ الغضبَ، والكفرَ ، والحرّية
ففشلتْ..
الغضبُ لا يعرفه إلا الغاضبون
والكفرُ لا يعرفه إلا الكافرون..
والحرية سيفٌ..
لا يقطع إلا في يد الأحرار
أما أنتِ..
فمستريحةٌ إلى درجة الفجيعة
تراهنينَ على الخيول الراكضة
ولا تمتطينها..
وتلعبين بالرجال..
ولا تحترمين قواعدَ اللُّعْبَة..
أنتِ لا تعرفينَ قشعريرةَ المغامرة
والصدام مع المجهول ، واللامنتظَرْ
أنتِ تنتظرينَ المنتظَرْ..
(1/15537)
________________________________________
كما ينتظر الكتابُ من يقرؤه..
والمقعدُ من يجلس عليه..
والإصبعُ خاتمَ الخطبة..
تنتظرين رجلاً..
يُقشِّر لكِ اللوزَ والفستق
ويسقيكِ لبَنَ العصافيرْ
ويعطيكِ مفاتيحَ مدينةٍ
لم تحاربي من أجلها..
ولا تستحقّين شرفَ الدخول إليها..
(63)
يخطُرُ لي أحياناً..
أن أجلدكِ في إحدى الساحات العامة..
حتى تنشر الجرائد..
صورتي وصورتك في صفحاتها الأولى
وحتى يعرفَ الذين لا يعرفونْ..
أنّكِ حبيبتي.
*
لقد ضجرتُ .. من ممارسة الحبّ خلف الكواليس
ومن تمثيل دور العشَّاق الكلاسيكيين..
أريد أن أعتلي خشبةَ المسرحْ..
وأمزّق السيناريو..
وأعلن أمام الجمهور..
أنني عاشق على مستوى العصرْ
وأنكِ حبيبتي
رغمَ أنفِ العصرْ..
*
أريدُ..
أن تعترف الصحافةُ بي
كواحدٍ .. من أكبر فوضوييّ التاريخ
فهذه هي فرصتي الوحيدة..
لأظهرَ معكِ في صورةٍ واحدة
وليعرفَ الذين يقرأون صفحةَ الجرائم العاطفية
أنّك حبيبتي..
(64)
لا أستطيع أن أخرج من حدود بشريتي
وأعاملكِ على طريقة المجاذيب..
والأولياءْ..
إنني أهين أنوثتَكِ
إذا استبقيتُكِ عندي
كزهرةٍ من الورق..
*
ماذا تقول أنوثتك عني؟
إذا عاملتكِ..
كحقل لا يرغب أحدٌ في امتلاكه..
أو كأرضٍ محايدة..
لا يدخلها المحاربون..
ماذا يقول نهداكِ عني؟
إذا تركتهما يثرثران خلف ظهري..
ونمتْ..
ماذا تقول شفتاكِ عني..
إذا تركتُهما تأكلان بعضهما..
وذهبتْ..
*
ليس بوسعي
أن أنظرَ إليكِ
كما تنظر الأبقار الكسلى..
إلى خطوط سكّة الحديدْ..
ليس بوسعي أن أظلّ واقفاً
تحت جُنون مطرك الاستوائيّ..
بلا مظلّة..
(65)
عندما تكونينَ برفقتي
أحبُّ أن أتجاوز جميعَ إشارات المرور الحمراءْ
أُحسُّ بشهوة طفولية
لارتكاب ملايين المخالفات..
وملايين الحماقات..
*
عندما تكون يدُكِ مطمورةً في يدي
أُحبُّ أن أكسر جميعَ ألواح الزجاج
التي ركّبوها حول الحُبّ..
وجميعَ البلاغات الرسمية
التي أصدرتها الحكومة
لمصادرة الحُبّ..
وأشعرُ، بنشوةٍ لا حدود لها
(1/15538)
________________________________________
حين تصطدم نثاراتُ الزجاج المكسور..
بعجلات سيّارتي..
(66)
أنتِ لا تستحقّين البحرَ أيتها البيروتيّة..
ولا تستحقّين بيروتْْ
فمنذ عرفتك..
وأنتِ تقتربين من البحر..
كراهبة خائفة من الخطيئة..
تريدُ ماءً بلا بَلَل
وبحراً بلا غَرَق..
وعبثاً .. حاولتُ أن أقنعك
أن تخلعي نظَّارتكِ السوداءْ..
وجواربَكِ السميكة
وساعةَ يدِك..
وتنزلقي في الماء كسمكة جميلة..
ولكنّني فشلت.
وعبثاً حاولتُ أن أشرح لكِ
أن الدُوَارَ جزءٌ من البحر
وأن العشقَ فيه شيء من الموت
وأن الحُبَّ والبحر..
لا يقبلان أنصافَ الحلولْ..
ولكنني يئستُ من تحويلك إلى سمكة مغامرة..
فقد كانت كلُّ شروشك بريّة
وكلُّ أفكارك بريّة..
لذلك أبكي عليكِ يا صديقتي
وتبكي معي بيروت..
(67)
كان عندي قبلّكِ .. قبيلةٌ من النساءْ
أنتقي منها ما أريدْ..
وأعتق ما أريدْ..
كانت خيمتي..
بستاناً من الكُحْل والأساورْ
وضميري مقبرةً للأثداء المطعونة
كنتُ أتصرّف بنذالة ثريّ شرقي..
وأمارسُ الحبَّ..
بعقلية رئيس عصابة..
وحين ضربني حبُّكِ.. على غير انتظارْ
شبَّت النيرانُ في خيمتي
وسقطتْ جميعُ أظافري
وأطلقتُ سراحَ محظيّاتي
واكتشفتُ وجهَ الله..
(68)
مرّتْ شهورٌ..
وأنا لا أعرف رقم هاتفكْْ
أنتِ تفرضين حصاراً..
حتى على رقم هاتفكْ..
تمنعين الكلامَ أن يتكلّمْ..
ترفضين صداقةَ صوتي..
وزيارةَ كلماتي لكِ..
*
إذا كنتُ لا أستطيع أن أزورَكِ
فاسمحي لصوتي..
أن يدخلَ غرفةَ جلوسك
وينامَ على السجّادة الفارسيّة..
أنا ممنوع..
من دخول مملكتك الصغيرة..
فلا أعرف في أيِّ ركن تجلسينْ
وأيَّ المجلات تقرأينْ..
لا أعرف لونَ غطاء سريرك..
ولا لونَ ستائرك..
لا أعرف شيئاً عن عالمك الخرافيّّ
ولكنَّني أخترعه..
أضع الأبيضَ .. على الأحمرْ
والأزرقَ .. على الأصفرْ
حتى أصبحَ عندي ثروةٌ من اللوحاتْ
لا يمتلك مثلَها متحفُ اللوفر..
ولكنْْ..
إلى متى أظلّ أخترعك
كما يخترع الصوفيُّ ربَّهْ..
إلى متى؟
(1/15539)
________________________________________
أظلُّ أصنعكِ من خلاصة الأزهارْ
كما يفعل بائع العطور..
إلى متى أظلّ أجمعكِ..
قطعةً .. قطعة
من حقول التوليب في هولندا..
وكروم العنب في فرنسا
وهفيفِ المراوح في إسبانيا..
(69)
حين رقصتِ معي..
في تلك الليلة..
حدث شيء غريبْ.
شعرتُ .. أن نجمةً متوهّجة
تركت غرفتها في السماء
والتجأت إلى صدري..
شعرتُ ، كما لو أنّ غابةً كاملة
تنبتُ تحت ثيابي..
شعرتُ..
كما لو أن طفلةً في عامها الثالث
تقرأ .. وتكتب فُروضَها المدرسيّه
على قماش قميصي..
*
ليس من عادتي أن أرقص..
ولكنني .. في تلك الليلة
لم أكن أرقص فحسب..
ولكنني ..
كنتُ الرقصْ..
(70)
عاد المطرُ ، يا حبيبةَ المطرْ..
كالمجنون أخرج إلى الشرفة لأستقبلَهْ
وكالمجنون ، أتركه يبلّل وجهي..
وثيابي..
ويحوّلني إلى إسفنجة بحريّة..
*
المطر..
يعني عودةَ الضباب ، والقراميد المبلّلة
والمواعيد المبلّلة..
يعني عودتَكِ .. وعودةَ الشعر.
أيلول .. يعني عودة يديْنا إلى الالتصاقْ
فطوال أشهر الصيف..
كانت يدُكِ مسافرة..
أيلول..
يعني عودةَ فمك، وشَعْرك
ومعاطفك، وقفّازاتك
وعطركِ الهنديّ الذي يخترقني كالسيفْ.
*
المطر.. يتساقط كأغنية متوحّشة
ومَطَركِ..
يتساقط في داخلي
كقرع الطبول الإفريقية
يتساقط ..
كسهام الهنود الحُمْرْ..
حبّي لكِ على صوت المطرْ..
يأخذ شكلاً آخر..
يصير سنجاباً..
يصير مهراً عربياً..
يصير بَجَعةً تسبح في ضوء القمرْ..
كلما اشتدَّ صوتُ المطرْ..
وصارت السماء ستارةً من القطيفة الرمادية..
أخرجُ كخَرُوفٍ إلى المراعي
أبحث عن الحشائش الطازجة
وعن رائحتك..
التي هاجرتْ مع الصيف..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (71) - (80)
رسالة حُبّ (71) - (80)
رقم القصيدة : 68723
-----------------------------------
(71)
يوم تعثرينَ على رَجُل..
يقدر أن يحوّل كلَّ ذرَة من ذرّاتكِ
إلى شِعْرْ..
ويجعل كلَ شَعْرة من شَعَراتكِ .. قصيدة
يوم تعثرين على رَجُل..
(1/15540)
________________________________________
يقدر _ كما فعلتُ أنا _
أن يجعلك تغتسلينَ بالشِعرْ..
وتتكحّلين بالشِعرْ..
وتتمشّطين بالشِعرْ..
فسوفَ أتوسّلُ إليكِ..
أن تتبعيه بلا تردّد..
فليس المهمّ أن تكوني لي..
وليس المهمّ .. أن تكوني له
المهمّ..
أن تكوني للشعرْ..
هوايةً خطيرة..
وهي أن أتحدّثَ عنكِ إلى النساءْ..
لذةٌ كبيرةٌ .. أن أزرعَكِ في عيون النساءْ
في فضولهنّ..
في دهشتهنّ.
لذةٌ ما بعدها لذّة..
أن أُضرمَ النارَ في ثياب الجميلاتْ
وأتفرّج بفرح شيطاني..
على الحرائق المشتعلة فيهنّ..
عيونُ النساءْ..
هي المرايا المدهشة..
التي تطمئنني أن قصّة حبّنا غير مألوفة..
وأنكِ امرأة لا تكرّر..
سامحيني إذا فعلتُ هذا..
فأنا لا أطيقُ تعذيبَ الآخرينْ..
غير أنّي أردتُ رسْمَ صورتك
في أحداق النساء..
لأرى.. كيف تزدادُ اتساعا..
(73)
لا تشتكي من تطرّفي..
هي تلك الأيّام التي نسيتِ فيها تمدّنك
وانزرعتِ بلحمي .. كحربةٍ مسمومة..
أروعُ أيّامك..
_إذا كان لكِ أيَّامٌ قبلي_
هي الأيّام التي اختلط فيها رمادُك برمادي..
كما يختلطُ رمادُ لُفَافَتينْ..
في منفضةٍ واحدة..
(74)
لا أنا أستطيع أن أفعلَ شيئاً
ولا أنتِ تستطيعن أن تفعلي شيئاً
ماذا يستطيع أن يفعل الجرح
بعد دقائق . تضربُ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ..
وينتهي عامٌ .. ويولدُ عامْ..
لا تهمّني السنوات التي تولد..
ولا السنواتُ التي تموت..
فأنتِ الزمنُ الوحيد..
لن أُقَبِّلك عندما تُطفأ الأنوارْ..
كما يفعل كلُّ الأغبياء..
ولن أرقصَ معكِ بشراسة
كما يفعل كلُّ المجانين..
ولن اخترعَ كلاماً سخيفاً
يحمل إليكِ أطيبَ تمنياتي بعامٍ جديدْ.
فالتمثيلُ ليس مهنتي..
إنّي أحبّكِ..
بعيداً عن كؤوس الويسكي..
وقُبَّعات الورقْ..
بعيداً عن موسيقى الجاز..
وانفجار البالونات الملوّنة..
أحبّك..
وأنا أنزفُ على الطاولة وحدي..
كما ينزف مصارع الثيرانْ..
أحبّكِ..
قبل أن تضربَ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ..
وبعد أن تضربَ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ..
(1/15541)
________________________________________
وإنما حبيبة كلِّ الساعاتْ..
وكلِّ الأزمنة..
بعد دقائقْ..
سيرحل عامٌ كنتِ سيّدتَه ومليكتَهْ
فيا سيّدتي ومليكتي
لا أريد من الله ذهباً ولا قصوراً..
لا أريد منه ديباجاً ولا حريرا..
أريدُ منه فقط..
أن يُبقيكِ حبيبتي..
(76)
يوم تعرّفتُ عليكِ .. منذ عامينْ
كنتِ قطّةً تركية مدلّلهْ..
تتشمَّس..
وتتثاءب..
وتلحس فروتها..
كنتِ تموئين.. وتشربينَ الحليبَ المعقَّمْ..
وتلعبين بخيوط الصوفْ..
ومن بَصَمات أصابعي..
عندما تعرّفتُ عليكِ..
لم تكن لديكِ همومٌ عاطفية
كبقيَّة القِطَطْ..
ولم تكن لديكِ شهيّةُ المغامرة..
والتناسل ، في الأزقة الضيّقة
كملايين القِطَطِ الأخرى..
*
بعد عامينْ..
من المناقشات العصبيَّة
والغضَب ، والتشنّجاتْ..
تحوّلتِ من قطة سمينة ومترهّلة..
تتعاطى الحبوبَ المنوِّمة..
والماريجوانا..
إلى قطةٍ ترفض تاريخَها..
فكسرتِ زجاجةَ الحليب المعقَّمْ
ورميتِ كرةَ الصوف على الأرض..
ووثبتِ إلى حضني..
*
بعد عامين معي..
أصبحتِ قطةً غيرَ عاديَّهْ
أصبحتِ قطّتي..
(77)
كنتُ ساذجاً..
حين تصوّرتُ أنّني أستطيع أن أغتالكِ بالسفرْ..
وأقتلكِ..
تحت عَجلات القطارات التي تحملني..
صوتُكِ..
يتبعني على كلِّ الطائراتْ..
يخرج كالعصفور من قبّعات المضيفاتْ..
ينتظرني..
في مقاهي سان جرمان.. وسوهو..
كنتُ ساذجاً..
حين ظننتُ أنّي تركتكِ ورائي.
كلُّ حقيبة أفتحها..
أجدكِ فيها..
كلُّ قميصٍ ألبسه ، يحمل رائحتكِ...
كلُّ جريدةٍ صباحية أقرؤها..
تنشر صورتك..
كلُّ مسرحٍ أدخله..
أراكِ في المقعد المجاور لمقعدي..
كلّ زجاجة عطرٍ أشتريها..
هي لكِ..
فمتى .. متى أتخلّص منكِ
أيتها المسافرةُ في سفري..
والراحلةُ في رحيلي..
(78)
أعرف..
ونحن على رصيف المحطّة.
أنَّكِ تنتظرين رجلاً آخر..
وأعرفُ، وأنا أحمل حقائبك
أنكِ ستسافرين مع رجل آخر..
وأعرف .. أنني لم أكنْ..
سوى مروحةٍ صينية خفَّفتْ عنكِ حرارة الصيفْ
ورميتِها بعد الصيفْ..
أعرف أيضاً..
(1/15542)
________________________________________
أن رسائل الحبّ التي كتبتُها لكِ..
لم تكن سوى مرايا..
ومع هذا ..
سأحملُ حقائبك..
وحقائبَ حبيبك..
لأنّني .. أستحي أن أصفع امرأةً
تحمل في حقيبة يدها البيضاءْ..
أحلى أيّام حياتي..
(79)
كلَّما مرَّ صوتُكِ البنفسجيّ
من أسلاك الهاتف..
وصَبَّحَ عليّْ..
أتحوّلُ إلى غابة..
(80)
لنْ يكونَ ذهابُكِ مأساوياً
كما تتصوّرينْ..
فأنا كأشجار الصفصافْ
أموتُ دائماً..
وأنا واقفٌ على قدميّْ..
لأنّني .. أستحي أن أصفع امرأةً
تحمل في حقيبة يدها البيضاءْ..
أحلى أيّام حياتي..
(79)
كلَّما مرَّ صوتُكِ البنفسجيّ
من أسلاك الهاتف..
وصَبَّحَ عليّْ..
أتحوّلُ إلى غابة..
(80)
لنْ يكونَ ذهابُكِ مأساوياً
كما تتصوّرينْ..
فأنا كأشجار الصفصافْ
أموتُ دائماً..
وأنا واقفٌ على قدميّْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (81) - (89)
رسالة حُبّ (81) - (89)
رقم القصيدة : 68724
-----------------------------------
(81)
بعد ما احترقتْ روما
واحترقتِ معها..
لا تنتظري منّي..
أن أكتبَ فيكِ قصيدةَ رثاءْ
فما تعودتُ..
أن أرثي العصافير الميِّتة..
أنتِ قاتلتِ على طريقة دون كيشوتْ..
وأنتِ مستلقية على سريرك..
هجمتِ على الطواحين..
وقاتلتِ الهواءْ..
فلم يسقط ظفرٌ واحدٌ..
من أظافرك المطليّة..
ولم تنقطع شعرةٌ واحدةٌ.. من شعرك الطويلْ..
ولم تسقط نقطةُ دمٍ واحدة..
على ثوبك الأبيضْ..
*
أيّ حربٍ.. تتحدّثين عنها؟
فأنتِ لم تدخلي معركةً واحدةً
مع رجل حقيقي..
لم تلمسي ذراعَهْ..
ولم تشُمّي رائحةَ صدرهْ..
ولم تغتسلي بعَرَقِهْ..
وإنّما..
كنتِ تخترعينَ رجالاً من الورقْ..
وفرساناً من الورقْ..
وخيولاً من الورقَ..
وتحبّين .. وتعشقين.. على الورقْ..
*
فيا أيتها الدونكشوتيّه الصغيرة..
إستيقظي من نومك،
واغسلي وجهك،
واشربي كُوبَ حليبك الصباحيّ..
وستعرفين بعدها..
أن كلَّ الرجال الذين عشقتهمْ..
كانوا من ورقْ..
(83)
هل لديكِ حلٌّ لقضيتنا؟
(1/15543)
________________________________________
ولا تستطيع أن تغرقْ..
*
فلقد شربتُ من ملح البحر
ما فيه الكفاية..
وشَوَتِ الشموسُ جِلْدي
بما فيه الكفاية..
وأكلتِ الأسماكُ المتوحّشة من لحمي
ما فيه الكفاية..
*
أنا شخصياً..
ضجرتُ من السَفَر
وضجرتُ من الضَجَرْ
فهل لديك حلٌّ .. لهذا السيف
الذي يخترقنا .. ولا يقتلنا؟
هل لديك حلٌّ؟.
لهذا الأفيون الذي نتعاطاه..
ولا يخدّرنا..
*
أنا شخصياً..
أريد أن أستريحْ..
على أيّ حَجَرٍ.. أريد أن أستريحْ
على أيّ كَتِفٍ..
أريدُ أن أستريحْ..
فلقد تعبتُ من المراكب التي لا أشرعةَ لها.
ومن الأرصفة التي لا أرصفة لها.
فقدّمي حلولكِ يا سيّدتي!
وخذي توقيعي عليها قبل أن أراها..
واتركيني أنامْ..
(84)
جاءني صوتُكِ بعد الظهر..
متوهّجاً كسبيكة الذَهَبْ..
كان عندي امرأة..
من فوق أجساد جميع النساءْ..
أقفز إليكِ..
وأتركهنَّ في الظلّ..
وأذهب معكِ..
ومرعبٌ . وبَشِعْ..
فظيع.. أن أغازلكِ..
وأنا واقفٌ على نهديْنِ عارييْنْ..
ولكنني فعلتُها..
ولكنني فعلتُها..
لأتحدّاكِ بوفرة من أعرف من النساءْ
ولأتحرر من بَصَمات أصابعك على أيّامي..
*
ولكنني حين سمعتُ صوتك في الهاتف
يتوهّج كسبيكة الذهبْ..
نسيتُ نسائي، ومحظيّاتي على الأريكة
وتبعتُكِ..
فيا أيّتها المستعمرةُ دقائقَ عمري..
إرفعي يديكِ لحظةً.. عن شَهَواتي..
لأعرفَ..
كيف أستعملُ جَسَدي..
(85)
أحببتِني بالحساب. وأحببتُكِ بالشعرْ..
وضعتِ رأسي على مخدةٍ من الحَجَرْ..
ووضعتُ رأسكِ على مخدَّةٍ من القصائدْ
أعطيتِني سمكةً.. وأعطيتُك البحرْ..
أعطيتني قطرةً من زيت القنديلْ..
وطوّبتُ لكِ البيادرْ..
أخذتِني إلى المدن المسكونة بالزمهريرْ
وأخذتُك إلى المدن المسكونة بالدهشة..
*
كنتِ رصينةً كمعلّمة مدرسة..
وجليديةً كالآلات الحاسبة..
ورضيتِ أن أُطعم نهديكِ تيناً وزبيباً
لأنّهما لم يأكلا منذ قرون..
أعطيتني شفتيك، وأنتِ خائفة من الزُكامْ
وصافحتِني .. وأنت تلبسين قفازات الدانتيلْ..
أما أنا..
(1/15544)
________________________________________
فقد تركتُ في فمكِ نصف فمي..
وتركتُ في راحتكِ .. نصفَ أصابعي...
(86)
إشربي فنجانَ قهوتك..
واستمعي بهدوء إلى كلماتي..
فربّما..
لن نشربَ القهوةَ معاً.. مرةً ثانية
ولن يُتاح لي أن أتكلّم مرةً ثانية.
*
لن أتحدّثَ عنكِ..
سطرانِ مكتوبانِ بالرصاص على هامشهْ..
ولكنني سأتحدّث ..
عمّا هو أكبرُ منكِ .. وأكبرُ منّي
وأنظفُ منكِ .. وأنظفُ منّي..
سأتحدث عن الحبّ..
عن هذه الفَرَاشة المدهشة..
التي حطّتْ على أكتافنا وطردناها..
عن هذه السمكة الذهبيّة..
عن هذه النجمة الزرقاءْ
التي مدّت إلينا يدها
ورفضناها..
*
ليست القضية أن تأخذي حقيبتكِ .. وتذهبي.
كلُّ النساء يأخذن حقائبهنَّ
في لحظات الغضب ويذهبنْ..
ليست القضية أن أطفىء لفافتي بعصبيَّة
في قماش المقعدْ..
كلُّ الرجال يحرقون قماشَ المقاعد عندما يغضبونْ
القضيَّة ليست بهذه البساطة..
وهي لا تتعلّق بكِ .. ولا تتعلّق بي
فنحنُ صِفْرانِ على شمال الحبّ..
وسطرانِ مكتوبانِ بالقلم الرصاص.. على هامشهْ.
القضية هي قضيّة هذه السمكة الذهبيّة..
التي رماها إلينا البحر ذاتَ يوم..
وسحقناها بين أصابعنا..
(87)
أنا متَّهمٌ بالشهريارية..
من أصدقائي..
ومن أعدائي..
متَّهم بالشهرياريّة.
وبأنني أجمعُ النساءْ..
كما أجمعُ طوابعَ البريد..
وعُلَبَ الكبريت الفارغة..
وأعلقهنّ بالدبابيس..
على جدران غرفتي..
وبالأوديبيَّة
وبكلِّ ما في كُتُب الطبّ النفسيّ من أمراض..
ليُثبتوا أنّهم مثقفون..
وأنّني منحرِفْ..
*
لا أحَدَ . يا حبيبتي
يريد أن يستمع إلى إفادتي..
فالقضاةُ معقّدون..
والشهود مرتشون..
وقرار إدانتي
يفهمُ طفولتي..
فأنا أنتمي إلى مدينةٍ لا تحبُّ الأطفالْ..
ولا تعترف بالبراءة..
ولم يسبق لها..
أن اشترت وردةً.. أو ديوانَ شعرْ..
أنا من مدينةٍ .. خشنة اليدينْ..
خشنة القلب..
خشنة العواطف
من كثرة ما ابتلعت من المسامير.. وقِطَعِ الزجاج.
أنا من مدينة جليديّة الأسوار
مات جميعُ أطفالها..
(1/15545)
________________________________________
من البرد..
*
إنني لا أفكّر في الاعتذار لأحدْ..
وليس في نيّتي أن أوكّل محامياً
ينقذ رأسي من حبل المشنقة.
فلقد شُنِقتُ..
آلافَ المرّاتْ..
حتى تعوّدتْ رقبتي على الشنقْ..
وتعوّد جَسَدي..
على ركوب سيّارات الإسعاف..
*
ليس في نيّتي أن أعتذر لأحدْ..
ولا أريد حكماً بالبراءة..
من أحدْ..
ولكنّني .. أريد أن أقول لكِ..
لكِ وحدَكِ، يا حبيبتي
في جلسةٍ علنيّة..
وأمام جميع الذين يحاكمونني..
بتهمة حيازة أكثر من امرأة واحدة..
واحتكار العطور، والخواتم ، والأمشاط
في زّمّن الحربْ..
أريدُ أن أقول:
إنّني أحبّك وحدَكِ..
وأتكمَّش بكِ..
كما تتكمَّش قشرةُ الرمّانة بالرمّانة..
والدمعةُ بالعين..
والسكينُ بالجرحْ..
أريد أن أقولْ..
ولو لمرةٍ واحدة
إنني لستُ تلميذاً لشهريارْ
ولم أمارس أبداً هوايةَ القتل الجماعيّ
وتذويب النساء في حامض الكبريتْ.
ولكنني شاعرٌ..
يكتبُ بصوتٍ عالٍ..
ويعشق بصوتٍ عالٍ..
وطفلٌ أخضرُ العينين..
مشنوقٌ على بوّابة مدينةٍ..
لا تعرفُ الطفولة..
(88)
لماذا تخابرينَ .. يا سيّدتي؟
لماذا تعتدينَ عليَّ بهذه الطريقة المتحضِّرة؟
ما دام زمنُ الحنان . قد ماتْ.
وموسم البَيْلَسَان قد ماتْ.
لماذا .. تكلّفين صوتكِ..
أن يغتالني مرةً أخرى؟
إنّني رجلٌ ميّت.
والميّت لا يموت مرّتينْ.
صوتُكِ له أظافرْ..
ولحمي، مطرّز كالشرشف الدمشقيّ،
بالطَعَناتْ..
ممدوداً بيني وبينكِ .. حبلاً من الياسمينْ
وأصبح الآن حبلَ مشنقة..
كان هاتفكِ..
فراشَ حريرٍ أستلقي عليه..
صار صليباً من الشوك أنزف فوقه..
كنتُ أفرح بصوتك..
عندما يخرجُ من سمّاعة الهاتف..
كعصفور أخضرْ..
أشربُ قهوتي معهْ..
وأدخّن معهْ..
وأطير إلى كلّ الآفاق..
معهْ..
كان ينبوعاً، ومِظلّة، ومروحة..
يحمل لي الفرحَ، ورائحةَ البراري..
صار كنواقيس يوم الجمعة الحزينة
يغسلني بأمطار الفجيعة..
*
أوقفي هذه المذبحة يا سيّدتي
فشراييني كلُّها مقطوعة..
وأعصابي كلُّها مقطوعة..
(1/15546)
________________________________________
ربّما ..
لا يزال صوتُكِ بنفسجياً
كما كان من قبل..
ولكنني _ مع الأسف _
لا أراه .. لا أراه..
لأنني مصاب بعمى الألوانْ..
(89)
هل وصلنا بحبّنا إلى نقطة اللارجوعْ؟
الرجوع لا يدخل في نطاق همومي.
الذهاب معكِ.. ونحوكِ.. وإليكِ..
هو أساسُ تفكيري.
الذهاب الذي لا يرجع
وليس لديه تذكرةُ عودة.
*
إنني أُحبّكِ..
ولا أطلب منكِ وثيقةَ تأمين
ضدَّ الموت عشقاً.
بل سأطلب منكِ _ على العكس_
أن تساعديني على الموت حرقاً
على الطريقة البوذيّة..
امرأةً مثلك..
تتشقّق قشرةُ الكون
وتصبح الأرضُ
علبة كبريت في يد طفل..
*
مجنونةٌ أنتِ .. إذا فكّرتِ
أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة..
أو أنني أفكّر في العودة إلى البرّ
مرةً أخرى.
فأنا نسيتُ تاريخي البريَّ كلَّهْ
نسيت الشوارعَ ، والأرصفةَ ، وأشجارَ السَروْ.
وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها..
إنني أُحبّكِ..
ولا أريدُ أقراصاً منوّمة لأشواقي..
فأنا أكون في أحسن حالاتي
عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ..
فأنسى تاريخَ وجهي..
وأنسى مساحةَ جسدي
وأتلاشى.. تحت شمس نهديْكِ
كما تتلاشى مدينةٌ من الشمعْ..
أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة..
أو أنني أفكّر في العودة إلى البرّ
مرةً أخرى.
فأنا نسيتُ تاريخي البريَّ كلَّهْ
نسيت الشوارعَ ، والأرصفةَ ، وأشجارَ السَروْ.
وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها..
إنني أُحبّكِ..
ولا أريدُ أقراصاً منوّمة لأشواقي..
ولا حبوباً لمقاومة الدُوارْ
إنّني بخير هكذا..
إنّني بخير هكذا..
فأنا أكون في أحسن حالاتي
عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ..
فأنسى تاريخَ وجهي..
وأنسى مساحةَ جسدي
وأتلاشى.. تحت شمس نهديْكِ
كما تتلاشى مدينةٌ من الشمعْ..
أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة..
أو أنني أفكّر في العودة إلى البرّ
مرةً أخرى.
فأنا نسيتُ تاريخي البريَّ كلَّهْ
نسيت الشوارعَ ، والأرصفةَ ، وأشجارَ السَروْ.
وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها..
(1/15547)
________________________________________
إنني أُحبّكِ..
ولا أريدُ أقراصاً منوّمة لأشواقي..
ولا حبوباً لمقاومة الدُوارْ
إنّني بخير هكذا..
إنّني بخير هكذا..
فأنا أكون في أحسن حالاتي
عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ..
فأنسى تاريخَ وجهي..
وأنسى مساحةَ جسدي
وأتلاشى.. تحت شمس نهديْكِ
كما تتلاشى مدينةٌ من الشمعْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (90) - (95)
رسالة حُبّ (90) - (95)
رقم القصيدة : 68725
-----------------------------------
(90)
رسالتُكِ ، في صندوق بريدي ، فُلَّةٌ بيضاء
حمامةٌ أَليفة..
تنتظرني لتنامَ في جوف يدي
فشكراً لكِ يا سخيَّةَ اليدينْ..
شكراً على موسم الفُلّْ..
*
تسألين:
ماذا فعلتُ في غيابك؟
غيابُكِ لم يحدثْ.
ورحلتُكِ لم تتم.
ظللتِ أنت وحقائبك قاعدةً على رصيف فكري
ظلَّ جوازُ سفرك معي
وتذكرةُ الطائرة في جيبي..
*
ممنوعةٌ أنتِ من السَفَرْ..
إلا داخلَ الحدود الإقليمية لقلبي..
ممنوعةٌ أنتِ من السفرْ..
خارجَ خريطة عواطفي واهتمامي بك..
أنتِ طفلةٌ لا تعرف أن تسافر وحدَها..
أن تمشي على أرصفة مُدُن الحبّ.. وحدَها..
أن تنزل في فنادق الأحلام.. وحدَها.
تسافرينَ معي.. أو لا تسافرينْ..
تتناولينَ إفطارَ الصباح معي..
وتتكئين في الشوارع المزدحمة على كَتِفي.
أو تظلّين جائعة..
وضائعة..
رسالتُك في صندوق بريدي
جزيرةُ ياقوتْ..
وتسألين عن بيروتْ..
شوارعُ بيروت، ساحاتُها، مقاهيها، مطاعمُها،
مرفأها.. بواخرها.. كلُّها تصبُّ في عينيْكِ
ويوم تغمضين عينيكِ..
تختفي بيروتْ.
لم أكن أتصوّر من قبل..
أن امرأةً تقدر أن تعمِّرَ مدينة..
أن تخترعَ مدينة..
أن تعطي مدينةً ما..
شمسَها ، وبحرها ، وحضارتَها..
لماذا أتحدّث عن المدن والأوطانْ؟
أنتِ وطني..
وجهُكِ وطني..
صوتُكِ وطني..
تجويف يدك الصغيرة وطني..
وفي هذا الوطن ولدتُ..
وفي هذا الوطن..
أريدُ أن أموت...
*
رسالتُكِ في صندوق بريدي
شمسٌ إفريقيَّة..
وأنا أُحبّكِ
(1/15548)
________________________________________
على مستوى الهمجيّة أُحبّك..
على مستوى النار والزلازل أُحبّكِ..
على مستوى الحمّى والجنون.. أُحبّكِ
فلا تسافري مرةً أخرى..
لأنّ الله _ منذ رحلتِ _ دخل في نوبة بكاء عصبية..
وأضربَ عن الطعام..
رسالتُكِ في صندوق بريدي..
ديكٌ مذبوحْ..
ذبحَ نفسَه.. وذبحني..
أحبّ أن يكون حبي لكِ على مستوى الذبحْ
على مستوى النزيف والإستشهادْ..
أُحبّ أن أمشي معكِ دائماً
على حَدِّ الخنجرْ..
وأن أتدحرجَ معكِ عشرةَ آلاف سنة
قبل أن نتهشَّم معاً على سطح الأرض.
تقرأين تعاليمَ ماو..
وكلَّ كُتُب الثورة الثقافية..
وتمشينَ في المسيرات الطويلة
ترفعين لافتات الحريّة
وتطالبين أن يحكم الطلاب العالم
وأن يكسروا جدرانَ العالم القديم..
وحين يهاجمك الحبّ..
كوحش أزرق الأنيابْ..
ترتعشين أمامه كفأرة مذعورة..
وترمين صورة ماو على الأرض
وترمين معها، كلَّ لافتات الحرية
التي رفعتِها .. أنت وزميلاتك..
وتلتجئين باكيةً..
إلى صدر جدّتك
وتتزوَّجين..
على طريقة جدّتك..
(91)
تلبسين ملابسَ الهيبيّينْ..
وتعلّقين على شعرك الزهورْ
وفي رقبتك الأجراسْ..
وتمشينَ في المسيرات الطويلة
ترفعين لافتات الحريّة
وتطالبين أن يحكم الطلاب العالم
وأن يكسروا جدرانَ العالم القديم..
وحين يهاجمك الحبّ..
كوحش أزرق الأنيابْ..
ترتعشين أمامه كفأرة مذعورة..
وترمين صورة ماو على الأرض
وترمين معها، كلَّ لافتات الحرية
التي رفعتِها .. أنت وزميلاتك..
وتلتجئين باكيةً..
إلى صدر جدّتك
وتتزوَّجين..
على طريقة جدّتك..
(92)
أشعر بالحاجة إلى النطق باسمك هذا اليوم..
لم أزرعه شمساً في رأس الورقة.. لم أتدفّأ به..
واليوم، وتشرين يهاجمني ويحاصر نوافذي، أشعر بحاجة إلى النطق به. بحاجة إلى أن أوقد ناراً صغيرة.. بحاجة إلى غطاء.. ومعطف.. وإليك.. يا غطائي المنسوج من زهر البرتقال، وطرابين الزعتر البريّ..
(1/15549)
________________________________________
لم أعد قادراً على حبس اسمكِ في حلقي. لم أعد قادراً على حبسك في داخلي مدةً أطول. ماذا تفعل الوردةُ بعطرها؟
أين تذهب الحقول بسنابلها، والطاووس بذيله، والقنديل بزيته؟
أين أذهب بكِ؟ أين أُخفيكِ؟
والناس يرونك في إشارات يدي، في نبرة صوتي في إيقاع خطواتي..
من رائحة ثيابي يعرف الناس أنكِ حبيبتي، من رائحة جلدي يعرف الناس أنكِ كنتِ معي، من خَدَر ذراعي يعرف الناس أنكِ كنتِ نائمة عليها..
لن أستطيع إخفاءك بعد اليوم..
فمن أناقة خطي يعرف الناس أنني أكتب إليكِ..
من فرحة خطاي يعرفون أنني ذاهبٌ إلى موعدك..
من كثافة العشب على فمي يعرفون أني قبّلتكِ..
لا يمكننا.. لا يمكننا .. أن نستمر في ارتداء الملابس التنكريَّة.. بعد الآن..
فالدروبُ التي مشينا عليها لا يمكن أن تسكت..
والعصافيرُ المبلّلة التي وقفت على أكتافنا سوف تخبر العصافيرَ الأخرى..
كيف تريدينني أن أمحو أخبارنا من ذاكرة العصافير..
كيف يمكنني أن أُقنع العصافير.. أن لا تنشر مذكّراتها؟
(93)
هذه رسالة غير عاديّة، عن يوم غير عاديّ.
قليلة جداً هي الأيّام غير العاديّة في حياة الإنسان. الأيّام التي يخرج بها من قفص بشريّته .. ليصبح عصفوراً.
يوم.. أو نصف يوم.. ربّما.. في حياة الانسان كلّها، يخرج فيه من السيلول الضيق، ليمارس حرّيته، ليقول ما يشاء.. ويحرّك يديه كما يشاء، ويحبّ من يشاء في الوقت الذي يشاء..
فإذا كتبتُ لكِ عن هذا اليوم غير العاديّ، فلأنني أشعر أنني تحرّرت في هذا اليوم من دَبَقي ومن صمغي.. وخرجتُ من صندوق النفاق الإجتماعي، ومن مغارة التاريخ، لأمارس حريتي كما يمارسها أيّ عصفور شارد في البريّة.
*
البحر كتابٌ أزرقُ الغلاف.. أزرقُ الصفحات..
وأنتِ بثوب الإستحمام، تقرأين تحت الشمس.
الحشرات الصغيرة تزحف على جسدك الزنبقيّ لتشرب الضوء..
ظَهْرُكِ مكشوف.. وقدماكِ تلعبان بحرية وطفولة على العشب النابت أمام باب بيتنا البحريّ..
(1/15550)
________________________________________
وأخيراً.. أصبح لنا بابٌ .. ومفتاحٌ.. ومنزلٌ بحريّ نلتجيء إليه..
ربّما لا تدركين معنى أن يكون للإنسان بيت، ومفتاح، وامرأة يحبّها..
ربّما لا تدركين أنني تلميذٌ هاربٌ من جميع مدارس الحبّ ومعلّميها..
هارب من ممارسة الحبّ بالإكراه، وممارسة الشوق بالإكراه، وممارسة الجنس بالإكراه..
وللمرة الأولى منذ عشرين سنة، أدخل معك منزلنا البحريّ فلا أشعر أن له سقفاً .. وجدراناً..
للمرة الأولى أدفن وجهي في صدر امرأةٍ أُحبُّها.. وأتمنى أن لا أستيقظ..
للمرة الأولى أقيم حواراً طويلاً مع جسد امرأةٍ أُحبّها.. ولا أفكر في الحصول على إجازة..
للمرة الأولى منذ عصور، أفكّر بتجديد إقامتي معك..
وحين يفكر رجل في تمديد إقامته مع امرأة .. فهذا يعني أنه دخل مرحلة الشعر.. أو مرحلة الهيستريا..
*
البحر شريطٌ من الحرير الأزرق على رأس تلميذة..
ونهداكِ يقفزان من الماء.. كسمكتين متوحّشتين..
وأنا أنكش في الرمل الساخن بحثاً عن لؤلؤة تشبه استدارة نهدَيْكِ..
نخلتُ كلَّ ذرّات الرمل، وفتحتُ مئات الأصداف، ولم أعثر على لؤلؤة بملاستهما..
إنتهى رملُ البحر كلُّه.. وانتهت قواقعي كلُّها.. ورجعتُ إلى صدرك نادماً ومعتذراً.. كطالبٍ راسبٍ في امتحاناته..
نتخبّط في الماء.. كطائرين بحرييّن لا وطن لهما.
قطراتُ الماء تكرج على الجسدين المتشابكينْ..
تتدحرج.. تشهق.. تغنّي.. ترقص.. تصرخ.. لا تعرف أيَّ الجسدَيْن تبلِّل..
قطراتُ الماء دوَّختها جغرافيةُ الجسدينْ المتداخلين..
لم تعد تعرف أين تسقط.. على أيّ أرض تتزحلق..
ضاعت جنسيّةُ الرخام. لم يعد للعنق اسم.. ولا للذراع اسم.. ولا للخصر اسم.. ضاعت أسماء الأسماء. الرخام كلّه معجون ببعضه.. براري الثلج كلها تشتعل.. وأنا.. وأنتِ.. مزروعان في زرقة الماء.. كسيفيْنِ من الذَهَب..
*
الحبُّ يجرفنا كصَدَفتيْن صغيرتيْن..
وأنا أتمسّك بشعرك بشراسة إنسان يغرق..
(1/15551)
________________________________________
لم يكن بإمكاني أن أكون أكثر تحضّراً، فحين تلتصقين بي كسمكة زرقاء.. أكونُ سخيفاً وغبيّاً إذا لم أجرّك معي إلى الهاوية.. لنستقرّ في قعر البحر سفينتيْن لا يعرف أحدٌ مكانَهما...
*
إنتهى يومُنا البحريّ..
ذهبتِ أنتِ . وظلّتْ رغوةُ البحر تزحف على جسدي..
ظلّت الشمس جرحاً من الياقوت على جبيني.
حاولتُ أن أستعيدَكِ ، وأستعيدَ البحر..
نجحتُ في استرداد البحر.. ولم أنجح في استردادك.. فما يأخذه البحر لا يردّه.
حاولتُ أن أركِّبَ يومنا البحريّ تركيباً ذهنيّاً..
وألصق عشرات التفاصيل الصغيرة ببعضها.. كقطع الفسيفساء.
تذكّرتُ كلَّ شيء.
قبَّعتكِ البيضاء، ونظّارة الشمس، وكتابك الفرنسيّ المطمور بالرمل.. حتى النملة الخضراء، التي كانت تتسلّق على ركبتك الشمعيّة.. لم أنْسَها.. حتى قطرات العَرَق التي كانت تتزحلق كحبّات اللؤلؤ.. على رقبتك لم أنسَها..
حتى قَدَمُكِ الحافية التي كانت تتقلّب على الرمل، كعصفورة عطشى.. لم أنْسَها..
*
إنتهى يومُنا البحريّ..
لا زال ثوبُ استحمامك البرتقاليّ، مشتعلاً كشجرة الكرز في مخيّلتي..
لا زال الماء المتساقط من شعرك.. يبلّل دفاتري..
كلُّ سطر أكتبه .. يغرق في الماء.
كلُّ قصيدة أكتبها.. تغرق في الماء..
واتركي الشمس.. تُشرق ثانيةً، على جَسَدي
*
إنتهى يومُنا البحريّ..
وكتبَ البحرُ في دفتر مذكّراته:
"كانا رجلاً وامرأة..
وكنتُ بحراً حقيقياً.."
(94)
ساعة الكرملين تدقُّ في موسكو.. منتصف الليل..
وأنا عائد إلى فندقي من مسرح البُلْشوي حيث شاهدت باليه (بحيرة البجع)، تحفة تشايكوفسكي المذهلة.
خلال فترة العرض بحثتُ عن يدك أكثر من مرة.. عن يميني بحثت عنها.. وعن يساري بحثت عنها..
عندما أكون في حالة الفن، أو في حالة العشق.. أبحث عن يدك.. ألتجيء إليها، أكلّمها.. أضغط عليها.. أنزلق على لزوجتها.. أنام في جوفها..
ومن خلال أمطار الياسمين، خرجتِ أنتِ بَجَعةً بيضاء من بحيرة ذكرياتي.
(1/15552)
________________________________________
ورجعتُ إلى فندقي في آخر الليل.. لألملم زَغَبَ القطن المتناثر على ثيابي..
(95)
الفودكا.. تمرُّ فوق لساني سيفاً من نار..
ومع كلّ قطرةٍ تمرين أنتِ.
حاولتُ هذه الليلة أن أجامل..
حاولتُ أن أكون روسياً..
يبتلع عَشَرات الحرائق.. ولا يحترقْ
لكنني فشلت..
لأنّني كنتُ أواجه ناريْنْ..
فتاةُ المطعم موسكوفيَّة. إسمُها ناتاشا..
وأُحبّ أن أسمّيكِ ، مثلها، ناتاشا..
وأحبّ أن تركضي معي
وأحبّ أن تركضي معي
كحمامةٍ، على ثلوج الساحة الحمراء..
كحمامةٍ، على ثلوج الساحة الحمراء..
*
*
القدحُ الصغيرُ يشتعلُ كالحمرة
القدحُ الصغيرُ يشتعلُ كالحمرة
ووجهكِ ، يعوم كالوردة،
ووجهكِ ، يعوم كالوردة،
على سطح السائل اللؤلؤيّ..
على سطح السائل اللؤلؤيّ..
يا ناتاشا.. يا حبيبتي
يا ناتاشا.. يا حبيبتي
يشربُ الرجالُ الخمرةَ ليهربوا من حبيباتهم.
يشربُ الرجالُ الخمرةَ ليهربوا من حبيباتهم.
أما أنا فأشربُها..
أما أنا فأشربُها..
لأهربَ إليك..
لأهربَ إليك..
وأحبّ أن تركضي معي
كحمامةٍ، على ثلوج الساحة الحمراء..
*
القدحُ الصغيرُ يشتعلُ كالحمرة
ووجهكِ ، يعوم كالوردة،
على سطح السائل اللؤلؤيّ..
يا ناتاشا.. يا حبيبتي
يشربُ الرجالُ الخمرةَ ليهربوا من حبيباتهم.
أما أنا فأشربُها..
لأهربَ إليك..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> رسالة حُبّ (96) - (100)
رسالة حُبّ (96) - (100)
رقم القصيدة : 68726
-----------------------------------
(96)
أكتب إليكِ من لينغراد. عاصمة القياصرة.
درجة الحرارة صفر. وأنا ألبسك على جسدي كنزةً من الحنان.. واتدفَّأ بكِ كما تتدفَّأ كنيسةٌ بشموعها..
يُريحني أن ألبسَكِ على جسدي، فأنتِ حَطَبي وفحمي في هذه القارَّة المرتعشة المفاصل.
قضيتُ اليوم كلَّه في متحف الهيرميتاج.
كلُّ متاحف العالم تبدو أكواخاً فقيرة من القشّ أمام هذا المتحف الخرافة، حتى اللوفر العظيم يغطِّي وجهه بيديه مختجلاً إذا ذُكر اسمُ الهيرميتاج.
(1/15553)
________________________________________
ألفا غرفة تضمّ أروع وأثمن ما صنعته أصابع البشر، جمعها القياصرة قطعةً قطعةً من كلّ زاوية من زوايا الأرض.
كلُّ مصوّري العالم ونحّاتيه يتنفّسون في غرف الهيرميتاج ويتحدّثون مع الزوّار..
الهيرميتاج هو فندق كلّ عباقرة العالم.. فيه ينامون.. وفيه يرسمون .. وينحتون...
هنا وطن الفنّانين.. فلوحات رينوار، وماتيس، وفان غوخ ، وغويا، والغريكو، وروبنس، الموجودة هنا أعظم من آثارهم الموجودة في بلادهم الأصلية.
زرتُ الجناح الخاص بالامبراطورة كاترينا الثانية. رأيت ملابسها، وجواهرها، وأمشاطها، وخواتمها، وأثواب نومها المطرّزة بالذهب، ومعاطفها المشغولة بالحجارة الثمينة.
في لحظة من لحظات الحلم تصوَّرتك كاترين الثانية..
وأردتُ أن أُخرج جميع ما في الخزائن البللورية من عقود وأساور وأطرحها على قدميكِ.. يا قيصرةَ القياصرة..
في لحظة من لحظات الشرود، تصوّرت أن المتحف متحفك، والتيجان تيجانك، والوصيفات وصيفاتك..
وأنكِ تركبين العربة الملكيّة الموشّاة بالذهب وأحجار الياقوت والزمرّد.. وتنزلقين على ثلوج لينغراد.
هل تسمعين صوتي، وأنا أهتف مع الرعايا المتناثرين على أرصفة لينغراد (حفظ الله الملكة).
أنا واحدٌ من رعاياكِ يا قيصرة القياصرة.
أنا مواطنٌ يُحبّكِ..
على سواحل بحر الشمال تلتفّ ذراعي حول خصرك بحركة تلقائية..
على كلّ البحار أنت متمدّدة..
وعلى سطوح كلّ المراكب أنت مستلقية..
سمك منتشر في شراييني كبقعة حبر على ثوب أبيض..
ونهدك يطيعني كما تطيع التفاحة جاذبية الأرض..
إنفصالي عنكِ خرافة..
فنحن نسقط إلى الأعلى، نتدحرج إلى ذروة الشمس، يمسح الواحدُ منا حدودَ الآخر.. يُلغيه..
حين تكونين معي. يكون واحدٌ منّا فقط، ينتهي واحدٌ منّا. يصير صوتكِ امتداداً لفمي، وتصير ذراعي امتداداً طبيعياً لذراعك.. ويصير شعركِ الأسود امتداداً لأحزاني.
إنفصالي عنكِ خرافة..
(98)
(1/15554)
________________________________________
فنحن نسقط إلى الأعلى، نتدحرج إلى ذروة الشمس، يمسح الواحدُ منا حدودَ الآخر.. يُلغيه..
لستُ نادماً على أعوامي الضائِعةِ معكِ..
لستُ نادماً على أعوامي الضائِعةِ معكِ..
حين تكونين معي. يكون واحدٌ منّا فقط، ينتهي واحدٌ منّا. يصير صوتكِ امتداداً لفمي، وتصير ذراعي امتداداً طبيعياً لذراعك.. ويصير شعركِ الأسود امتداداً لأحزاني.
حين تكونين معي. يكون واحدٌ منّا فقط، ينتهي واحدٌ منّا. يصير صوتكِ امتداداً لفمي، وتصير ذراعي امتداداً طبيعياً لذراعك.. ويصير شعركِ الأسود امتداداً لأحزاني.
فأنا لا أحترفُ الندامة.
فأنا لا أحترفُ الندامة.
ولستُ آسفاً ..
لأنني لعبتُ على حصانٍ خاسرْ..
إن المقامرة على النساء.. كالمقامرة على الخيولْ..
غيرُ مضمونة النتائج..
ولا تصدُقُ فيها النُبُوءاتْ..
فكلُّ رجل ينتقي فَرَساً..
وكلُّ امرأة تنتقي جواداً..
ولا يربح في نهاية الشوط..
سوى النساءْ..
*
إن تجاربي مع الخيل والنساء.. متشابهة..
أربحُ مرةً.. وأخسرُ مرّاتْ..
أنتصرُ مرةً.. وأُهزم مرّاتْ..
ورغم هذا أستمرُّ في اللعبة..
وأجدُ في ممارستها الكثير من الشعرْ..
فلا أجمل من السقوط المفاجئ..
تحت حوافر الخيلْ..
أو تحت حوافر الحُبّ..
(99)
إطمئني يا سيّدتي!
فما جئت لأشْتُمَكِ،
أو لأشنقَكِ على حبال غَضَبي
ولا جئتُ، لأراجع دفاتري القديمة معكِ
فأنا رجلٌ ..
لا يحتفظ بدفاتر حبّه القديمة..
ولا يعود إليها أبداً..
لكنني جئتُ لأشكرك..
على زهور الحزن التي زرعتها في داخلي
فمنكِ تعلّمتُ أن أحبَّ الزهورَ السوداءْ..
وأشتريها..
وأوزّعها في زوايا غرفتي.
*
ليس في نيّتي،
أن أفضح انتهازيّتكِ..
أو أكشف الأوراق المغشوشة
التي كنتِ تلعبين بها.. خلال عامينْ..
لكنني جئتُ لأشكرك..
على مواسم الدمع..
وليالي الوجع الطويلة..
وعلى كلّ الأوراق الصفراء
التي نثرتِها على أرض حياتي..
فلولاكِ، لم أكتشفْ
لذّةَ الكتابة باللون الأصفرْ
ولذّةَ التفكير..
(1/15555)
________________________________________
باللون الأصفرْ..
ولذّةَ العشق باللون الأصفرْ..
(100)
هذه هي رسالتي الأخيرة..
ولن يكون بعدها رسائلْ...
هذه.. آخرُ غيمةٍ رماديةٍ
تمطر عليكِ..
ولن تعرفي بعدها المطرْ..
هذا آخرُ النبيذ في إنائي..
وبعده..
لن يكون سُكْرٌ.. ولا نبيذْ..
هذه آخرُ رسائل الجنونْ..
وآخرُ رسائل الطفولة...
ولن تعرفي بعدي، نقاءَ الطفولة، وطرافة الجنونْ..
لقد عشقتُكِ..
كطفلٍ هاربٍ من المدرسة..
يخبئ في جيوبه العصافير..
ويخبّئ القصائدْ..
كنتُ معكِ..
طفلَ الهلوسة، والشرود، والتناقضاتْ..
كنتُ طفلَ الشعر، والكتابة العصبيّة
أما أنتِ..
فكنتِ امرأةً شرقيّةَ الشروشْ
تنتظر قدَرَها..
في خطوط فناجين القهوة..
وملاءات الخاطباتْ....
ما أتعسكِ يا سيّدتي..
فلن تكوني في الكُتُب الزرقاء.. بعد اليوم
ولن تكوني في ورق الرسائلْ،
وبكاء الشموعْ..
وحقيبة موزع البريدْ..
لن تكوني في عرائس السُكَّرْ..
وطيّارات الورق الملوّنة..
لن تكوني في وَجَع القصائدْ..
فلقد نفيتِ نفسكِ خارجَ حدائق طفولتي..
وأصبحتِ نثراً....
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> الحب لا يقف على الضوء الأحمر
الحب لا يقف على الضوء الأحمر
رقم القصيدة : 68727
-----------------------------------
" أنت في العشرين تستطيع أن تُحبّ..
وأنت في الثمانين تستطيع أن تُحبّ..
هناك دائماً مناسبة لاشتعال البرق.."
فرانسواز ساغان
- - -
إفتتاحيّة
هذا كتابي الأربعُونَ .. ولم أزَلْ
أحْبُو كتلميذٍ صغيرٍ .. في هَوَاكِ
هذا كتابي الأربَعُونَ..
ورغمَ كلِّ شَطَارتي .. ومَهَارتي
لم يرضَ عنّي ناهداكِ...
كلُّ اللغات قديمةٌ جداً..
وأَضْيَقُ من رُؤايَ ومن رُؤاكِ..
لا بدَّ من لغةٍ أُفَصِّلُها عليكِ .. حبيبتي..
لا بدَّ من لغةٍ تليقُ بمستواكِ
***
حَلَّقتُ آلافَ السنين.. وما وصلتُ إلى ذُرَاكِ
وجلبتُ تيجانَ الملوكِ..
وما حصلتُ على رضَاكِ..
وصعدتُ فوق الأبْجَديَّة كي أراكِ..
(1/15556)
________________________________________
يا مَنْ تخيطُ قصائدي ثوباً لها..
هل ممكنٌ بين القصيدةِ .. والقصيدةِ ..
أنْ أراكِ؟؟...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> القرار
القرار
رقم القصيدة : 68728
-----------------------------------
إنّي عشِقْتُكِ .. واتَّخذْتُ قَرَاري
فلِمَنْ أُقدِّمُ _ يا تُرى _ أَعْذَاري
لا سلطةً في الحُبِّ .. تعلو سُلْطتي
فالرأيُ رأيي .. والخيارُ خِياري
هذي أحاسيسي .. فلا تتدخَّلي
أرجوكِ ، بين البَحْرِ والبَحَّارِ ..
ظلِّي على أرض الحياد .. فإنَّني
سأزيدُ إصراراً على إصرارِ
ماذا أَخافُ ؟ أنا الشرائعُ كلُّها
وأنا المحيطُ .. وأنتِ من أنهاري
وأنا النساءُ ، جَعَلْتُهُنَّ خواتماً
بأصابعي .. وكواكباً بِمَدَاري
خَلِّيكِ صامتةً .. ولا تتكلَّمي
فأنا أُديرُ مع النساء حواري
وأنا الذي أُعطي مراسيمَ الهوى
للواقفاتِ أمامَ باب مَزاري
وأنا أُرتِّبُ دولتي .. وخرائطي
وأنا الذي أختارُ لونَ بحاري
وأنا أُقرِّرُ مَنْ سيدخُلُ جنَّتي
وأنا أُقرِّرُ منْ سيدخُلُ ناري
أنا في الهوى مُتَحكِّمٌ .. متسلِّطٌ
في كلِّ عِشْقِ نَكْهةُ اسْتِعمارِ
فاسْتَسْلِمي لإرادتي ومشيئتي
واسْتقبِلي بطفولةٍ أمطاري..
إنْ كانَ عندي ما أقولُ .. فإنَّني
سأقولُهُ للواحدِ القهَّارِ...
عَيْنَاكِ وَحْدَهُما هُمَا شَرْعيَّتي
مراكبي ، وصديقَتَا أسْفَاري
إنْ كانَ لي وَطَنٌ .. فوجهُكِ موطني
أو كانَ لي دارٌ .. فحبُّكِ داري
مَنْ ذا يُحاسبني عليكِ .. وأنتِ لي
هِبَةُ السماء .. ونِعْمةُ الأقدارِ؟
مَنْ ذا يُحاسبني على ما في دمي
مِنْ لُؤلُؤٍ .. وزُمُرُّدٍ .. ومَحَارِ؟
أَيُناقِشُونَ الديكَ في ألوانِهِ ؟
وشقائقَ النُعْمانِ في نَوَّارِ؟
يا أنتِ .. يا سُلْطَانتي ، ومليكتي
يا كوكبي البحريَّ .. يا عَشْتَاري
إني أُحبُّكِ .. دونَ أيِّ تحفُّظٍ
وأعيشُ فيكِ ولادتي .. ودماري
إنّي اقْتَرَفْتُكِ .. عامداً مُتَعمِّداً
إنْ كنتِ عاراً .. يا لروعةِ عاري
(1/15557)
________________________________________
ماذا أخافُ ؟ ومَنْ أخافُ ؟ أنا الذي
نامَ الزمانُ على صدى أوتاري
وأنا مفاتيحُ القصيدةِ في يدي
من قبل بَشَّارٍ .. ومن مِهْيَارِ
وأنا جعلتُ الشِعْرَ خُبزاً ساخناً
وجعلتُهُ ثَمَراً على الأشجارِ
سافرتُ في بَحْرِ النساءِ .. ولم أزَلْ
_ من يومِهَا _ مقطوعةً أخباري..
***
يا غابةً تمشي على أقدامها
وتَرُشُّني يقُرُنْفُلٍ وبَهَارِ
شَفَتاكِ تشتعلانِ مثلَ فضيحةٍ
والناهدانِ بحالة استِنْفَارِ
وعَلاقتي بهما تَظَلُّ حميمةً
كَعَلاقةِ الثُوَّارِ بالثُوَّارِ..
فَتشَرَّفي بهوايَ كلَّ دقيقةٍ
وتباركي بجداولي وبِذَاري
أنا جيّدٌ جدّاً .. إذا أحْبَبْتِني
فتعلَّمي أن تفهمي أطواري..
مَنْ ذا يُقَاضيني ؟ وأنتِ قضيَّتي
ورفيقُ أحلامي ، وضوءُ نَهَاري
مَنْ ذا يهدِّدُني ؟ وأنتِ حَضَارتي
وثَقَافتي ، وكِتابتي ، ومَنَاري..
إنِّي اسْتَقَلْتُ من القبائل كُلِّها
وتركتُ خلفي خَيْمَتي وغُبَاري
هُمْ يرفُضُونَ طُفُولتي .. ونُبُوءَتي
وأنا رفضتُ مدائنَ الفُخَّارِ..
كلُّ القبائل لا تريدُ نساءَها
أن يكتشفْنَ الحبَّ في أشعاري..
كلُّ السلاطين الذين عرفتُهُمْ..
قَطَعوا يديَّ ، وصَادَرُوا أشعاري
لكنَّني قاتَلْتُهُمْ .. وقَتَلْتُهُمْ
ومررتُ بالتاريخ كالإعصارِ ..
أَسْقَطْتُ بالكلمَاتِ ألفَ جِدَارِ ..
أَصَغيرتي .. إنَّ السفينةَ أَبْحَرتْ
فَتَكَوَّمي كَحَمَامةٍ بجواري
ما عادَ يَنْفعُكِ البُكَاءُ ولا الأسى
فلقدْ عشِقْتُكِ .. واتَّخَذْتُ قراري..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> معها .. في باريس
معها .. في باريس
رقم القصيدة : 68729
-----------------------------------
لا الشعرُ ، يُرضي طُمُوحاتي ، ولا الوَتَرُ
إنّي لعَيْنَيْكِ ، باسمِ الشِعْرِ ، أَعتذِرُ..
يا مَنْ تَدُوخُ على أقدامِكِ الصُوَرُ
يُروِّجُونَ كلاماً لا أُصَدِّقُهُ
كم صَعْبةٌ أنتِ .. تَصْويراً وتَهْجِيَةً
إذا لَمَسْتُكِ ، يبكي في يدي الحَجَرُ
(1/15558)
________________________________________
ولا البصيرةُ ، تكفيني ، ولا البَصَرُ
نَهْداكِ .. كان بودِّي لو رَسَمْتُهُمَا
***
أيا غَمَامةَ مُوسيقى .. تُظلِّلُني
الحَرْفُ يبدأُ من عَيْنَيْكِ رحْلتَهُ
كلُّ اللُغاتِ بلا عينيكِ .. تَنْدثِرُ
إلى نبيذٍ ، بنار العِشْق يَخْتَمِرُ
ولم أُخَطِّطْ لهُ .. لكنَّهُ القَدَرُ..
هزائمي في الهوى تبدو مُعَطَّرَةً
تركتُ خَلْفيَ أمجادي .. وها أنذا
بطُولِ شَعْرِكِ _ حتى الخَصْرِ _ أفْتَخِرُ
وأنتِ .. أجملُ ما في حُبِّكِ الخَطَرُ
يا مَنْ أُحِبُّكِ .. حتى يستحيلَ فمي
جرائرُ الكُحْلِ في عينيكِ مُدْهِشَةٌ
ماذا سأفعلُ لو ناداني السفرُ؟؟
ولُؤلُؤُ البحر شفَّافٌ .. ومُبْتَكرُ
هل تذكرينَ بباريسَ تسكُّعَنَا ؟
خُطَاكِ في ساحة (الفاندوم) أُغنيةٌ
وكُحْلُ عينيكِ في (المادلين) ينتثرُ ..
ما زال في رُكْنِنَا الشعريِّ ، ينتظرُ
كلُّ التماثيل في باريسَ تعرفُنا
حتّى النوافيرُ في (الكونكُورد) تذكُرُنا
ما كنتُ أعرفُ أن الماءَ يَفْتكِرُ ..
نبيذُ بُوردو .. الذي أحسُوهُ يصرعُني
ودفءُ صوتِكِ .. لا يُبْقي ولا يَذَرُ
ما دامَ حُبُّكِ يُعْطيني عباءتَهُ
فكيفَ لا أفتحُ الدنيا .. وأنتصِرُ ؟
والعاشقُ الفذُّ .. يحيا حين ينتحِرُ ...
تمشينَ أنتِ .. فيمشي خلْفكِ الشجرُ
خُطَاكِ في ساحة (الفاندوم) أُغنيةٌ
وكُحْلُ عينيكِ في (المادلين) ينتثرُ ..
صَديقَةَ المطعم الصِينيِّ .. مقعدُنا
ما زال في رُكْنِنَا الشعريِّ ، ينتظرُ
كلُّ التماثيل في باريسَ تعرفُنا
وباعةُ الورد ، والأكشَاكُ ، والمَطَرُ
حتّى النوافيرُ في (الكونكُورد) تذكُرُنا
ما كنتُ أعرفُ أن الماءَ يَفْتكِرُ ..
***
نبيذُ بُوردو .. الذي أحسُوهُ يصرعُني
ودفءُ صوتِكِ .. لا يُبْقي ولا يَذَرُ
ما دُمْتِ لي .. فحدودُ الشمس مملكتي
والبرُّ ، والبحرُ ، والشُطْآنُ ، والجُزُرُ
ما دامَ حُبُّكِ يُعْطيني عباءتَهُ
فكيفَ لا أفتحُ الدنيا .. وأنتصِرُ ؟
سأركبُ البحرَ .. مَجنوناً ومُنْتَحراً..
(1/15559)
________________________________________
والعاشقُ الفذُّ .. يحيا حين ينتحِرُ ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> من يوميات تلميذ راسب
من يوميات تلميذ راسب
رقم القصيدة : 68730
-----------------------------------
1
ما هُوَ المطلوبُ منّي ؟
ما هُوَ المطلوبُ بالتحديد منّي ؟
إنَّني أنْفَقتُ في مدرسة الحُبّ حياتي
وطَوالَ الليل .. طالعتُ .. وذاكرتُ ..
وأنهيتُ جميعَ الواجباتِ..
كلُّ ما يمكنُ أن أفعلَهُ في مخدع الحُبِّ ،
فَعَلْتُهْ ...
كلُّ ما يمكنُ أن أحفرَهُ في خَشَب الوردِ ،
حَفَرْتُهْ ...
كلُّ ما يمكنُ أن أرسُمَهُ ..
من حُرُوفٍ .. ونقاطٍ .. ودوائرْْ ..
قد رَسَمْتُهُ ..
فلماذا امتلأَتْ كرَّاستي بالعَلاَمات الرديئَهْ ؟.
ولماذا تَسْتَهينينَ بتاريخي ..
وقُدْراتي .. وفنّي ..
أنا لا أفهمُ حتى الآنَ ، يا سيِّدتي
ما هُوَ المطلوبُ منّي؟.
2
ما هُوَ المطلوبُ منّي؟
يشهدُ اللهُ بأنِّي ..
قد تَفرَّغْتُ لنهديْكِ تماما ..
وتَصَرَّفْتُ كفنّانٍ بدائيٍّ ..
فأنْهَكْتُ .. وأَوْجَعْتُ الرُخَاما
إنّني منذُ عصور الرِقِّ .. ما نِلْتُ إجازَهْ
فأنا أعمَلُ نَحَّاتاً بلا أَجْرٍ لدى نَهْدَيْكِ
مُذْ كنتُ غُلامَا ..
أحملُ الرملَ على ظَهْري ..
وأُلْقِيهِ ببحر اللانهايَهْ
أنا منذ السَنَة الألفَيْنِ قَبْلَ النهدِ ..
يا سيِّدتي - أفعلُ هذا ...
فلماذا؟
تطلبينَ الآنَ أن أبدأَ - يا سيّدتي - منذُ البدايَهْ
ولماذا أُطْعَنُ اليومَ بإبْداعي ..
وتشكيلاتِ فنّي ؟
ليتني أعرفُ ماذا ...
يبتغي النَهْدَانِ منّي؟ ؟
3
ما هُوَ المطلوبُ منّي ؟
كي أكونَ الرجُلَ الأوَّلَ ما بين رجالِكْ
وأكونَ الرائدَ الأوَّلَ ..
والمكتشفَ الأوَّلَ ..
والمستوطنَ الأوَّلَ ..
في شّعْرِكِ .. أو طَيَّاتِ شَالِكْ ..
ما هو المطلوبُ حتّى أدخلَ البحرَ ..
وأَستلقي على دفءِ رمالِكْ ؟
إنني نفَّذْتُ - حتى الآنَ -
آلافَ الحماقاتِ لإرضاء خيالِكْ
وأنا اسْتُشْهِدتُ آلافاً من المرَّاتِ
من أجل وصالِكْ ..
(1/15560)
________________________________________
يا التي داخَتْ على أقدامِها
أقوى الممالِكْ ..
حَرِّريني ..
من جُنُوني .. وجَمالِكْ ..
4
ما هُوَ المطلوبُ منّي ؟
ما هُوَ المطلوبُ حتى قطَّتي تصفحَ عنّي ؟
إنَّني أطْْعَمْتُها ..
قمحاً ... ولَوْزاً ... وزَبيبا ..
وأنا قدَّمتُ للنهديْنِ ..
تُفَّاحاً ..
وخمراً ..
وحليباً ..
وأنا علّقتُ في رقْبَتِها ..
حَرَزَاً أزْرَقَ يحميها من العَيْنِ ،
وياقُوتاً عجيبا ..
ما الذي تطلبهُ القِطَّةُ ذاتُ الوَبَر الناعِم منّي ؟
وأنا أَجْلَسْتُها سُلْطَانةً في مقعدي ..
وأنا رافقتُها للبحر يومَ الأَحَدِ ...
وأنا حَمَّمْتُها كلَّ مساءٍ بيدي ..
فلماذا ؟
بعد كلِّ الحُبِّ .. والتكريمِ ..
قد عضَّتْ يدي ؟.
ولماذا هي تدعوني حبيباً ..
وأنا لستُ الحبيبا ..
ولماذا هيَ لا تمحُو ذُنُوبي ؟
أبداً .. واللهُ في عَليائهِ يمحُو الذُنُوبَا ..
5
ما هُوَ المطلوبُ أن أفعلَ كي أُعْلِنَ للعشق وَلاَئي
ما هُوَ المطلوبُ أن أفعلَ كي أُدْفَنَ بين الشُهَدَاءِ ؟
أَدْخَلُوني في سبيل العِشْق مُسْتَشفى المجاذيبِ ..
وحتَّى الآنَ - يا سيِّدتي - ما أَطْلَقُوني ..
شَنَقُوني _في سبيل الشِعْر_ مرَّاتٍ .. ومرَّاتٍ ..
ويبدُو أنَّهُمْ ما قَتَلُوني
حاولو أن يقلَعُوا الثورةَ من قلبي .. وأوراقي ..
ويبدُو أنَّهُمْ ..
في داخل الثورة - يا سيِّدتي -
قد زَرَعُوني ...
6
يا التي حُبِّي لها ..
يدخُلُ في باب الخُرَافاتِ ..
ويَسْتَنْزِفُ عُمْري .. ودمايا ..
لم يَعُدْ عندي هواياتٌ سوى
أن أجْمَعَ الكُحْلَ الحجازيَّ الذي بَعْثَرْتِ في كلِّ الزوايا ..
لم يعُدْ عندي اهتمامَاتٌ سوى ..
أَنْ أُطفيءَ النارَ التي أشْعَلَها نَهْدَاكِ في قلب المرايا ..
لم يعُدْ عندي جوابٌ مُقْنِعٌ ..
عندما تسألُني عنكِ دُمُوعي .. وَيَدَايا ..
7
إشْرَبي قهوتَكِ الآنَ .. وقُولي
ما هو المطلوبُ منِّي ؟
أنا منذُ السَنَةِ الألفَيْنِ قَبْلَ الثَغْرِ ..
فكَّرْتُ بثغرِكْ ..
(1/15561)
________________________________________
أنا منذُ السنَة الألفَيْنِ قَبْلَ الخَيْل ..
أَجْري كحصانٍ حَوْلَ خَصْرِكْ ..
وإذا ما ذكروا النيلَ ..
تَباهَيْتُ أنا في طُول شَعْرِكْ
يا التي يأخُذُني قُفْطَانُها المشْغُولُ بالزَهْر ..
إلى أرض العَجَائبْ ..
يا التي تنتشرُ الشَامَاتُ في أطرافِها
مثلَ الكواكبْ ..
إنَّني أصرخُ كالمجنون من شِدَّة عِشْقي ..
فلماذا أنتِ ، يا سيِّدتي ، ضدَّ المواهبْ ؟
إنّني أرجُوكِ أن تبتسمي ..
إنني أرجُوكِ أن تَنْسَجمِي ..
أنتِ تدرينَ تماماً ..
أنَّ خِبْراتي جميعاً تحتَ أَمْرِكْ
وَمَهاراتي جميعاً تحتَ أَمْرِكْ
وأصابيعي التي عَمَّرتُ أكواناً بها
هيَ أيضاً ..
هيَ أيضاً ..
هيَ أيضاً تحت أَمْرِكْ ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> تصوير
تصوير
رقم القصيدة : 68731
-----------------------------------
إضْطَجعي دقيقةً واحدةً..
كي أُكْمِلَ التصويرْ.
إضْطَجعي مثلَ كتابِ الشِعْر في السريرْ
أريدُ أن أُصَوِّرَ الغاباتِ في ألوانها
أريدُ أن أُصَوِّرَ الشاماتِ في اطمئنانِها
أريدُ أن أُفاجيءَ الحَلْمَةَ في مكانِها
والناهدَ الأحمقَ _ يا سيِّدتي _
قُبَيْلَ أن يطيرْ.
فساعديني..
_ إن تكرَّمْتِ _ لكَيْ أصالحَ الحريرْ
وساعديني..
_ إنْ تكرَّمْتِ_ لكي أفوزَ في صداقة الكَشْمِيرْ
لعلَّهُ يسمحُ لي بِرَسْمِ هذا الكوكبِ المُثيرْ..
ولْتَقْبلي تحيّتي..
مَقْرُونةً بالحُبِّ والتقديرْ.
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> من غير يَدَيْن
من غير يَدَيْن
رقم القصيدة : 68732
-----------------------------------
لم أكُنْ مُنْتَظراً..
أنْ تَثْقُبيني مثلَ رُمْحٍ وَثَنِيّْ
لم أكُنْ منتظِراً..
أن تدخلي في لُغتي .. وكَلامي..
وإشاراتِ يَدَيّْ
لم أكُنْ منتظِراً..
أن تُصبحي أنتِ الثقافَهْ..
لم أكُنْ منتظراً..
أن أخسرَ التاجَ.. وحَقِّي بالخِلافَهْ..
فلقد كنتُ قويَّاً .. وشهيراً
وجُنُودي يملأونَ البرَّ والبحرَ..
(1/15562)
________________________________________
وراياتي تُغَطِّي المَشْرِقَينْ
لم أكنْ منتظراً أن يحدثَ الزَلْزَالُ..
أن ينْشَطِرَ البحرُ..
وأن تكسِرَني عيناكِ ، يوماً ، قِطْعَتَيْنْ..
***
لم أكُنْ منتظراً..
حينَ قَبَّلتُكِ أن أنسى لَدَيْكِ الشَفَتَينْ
لم أكُنْ منتظراً..
حينَ عانقتُكِ.. أن أرجعَ من غيرِ يَدَيْنْ...
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> التقصير
التقصير
رقم القصيدة : 68733
-----------------------------------
منذُ ثلاثينَ سَنَهْ
أحلُمُ بالتغييرْ
وأَكتُبُ القصيدةَ الثورةَ.. والقصيدةَ الأزْمةَ..
والقصيدةَ الحريرْ...
منذُ ثلاثينَ سَنَهْ
وأكتبُ التاريخَ بالشكل الذي أَشاءْ..
وأجعلُ النقاطَ، والحروفَ ، والأسماءَ ، والأفعالَ،
تحت سُلْطَة النساءْ.
وأدَّعي بأنّني الأوّلُ في فَنِّ الهوى..
وأنَّني الأخيرْ..
***
وعندما دخلتُ .. يا سيِّدتي
إنْكَسَرتْ فوق يدي قارورةُ العبيرْ
وانْكَسَرَ التعبيرْ...
***
ولا أزالُ كلَّما سافرتُ في عينَيْكِ .. يا حبيبتي
أشعرُ بالتقصيرْ..
وكلَّما راجعتُ أعمالي التي كتبتُها..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
وكلَّما راجعتُ أعمالي التي كتبتُها..
قُبَيْلَ أن أراكِ يا حبيبتي..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> قصيدة سريالية
قصيدة سريالية
رقم القصيدة : 68734
-----------------------------------
1
لا أنتِ ، يا حبيبتي ، معقولةٌ
ولا أنا معقولْ..
هل من صفات الحُبِّ..
أن يُحَطِّمَ العاديَّ ، والمألوفَ ، والمعقولْ؟
هل من شروط الحُبِّ ..
أن نجهلَ ، يا حبيبتي ، أسماءَنا؟
هل من شُرُوط الحُبِّ ، يا حبيبتي؟
أن لا نَرَى أمامَنا..
ولا نَرَى وراءَنا..
هل من شُرُوط الحُبِّ ، يا حبيبتي؟
بأنْ أُسَمَّى قاتلاً حينَ أنا المقتولْ..
2
لا أنتِ يا حبيبتي معقولةٌ..
ولا أنا معقولْ
فَشَطِّبي _ حينَ أكونُ غاضباً
من كلماتي ، نِصْفَ ما أقُولْ..
(1/15563)
________________________________________
وهذِّبي مشاعري..
وقَلِّمي أظَافري..
ولَمْلِمي جميعَ ما أرميهِ من شوكٍ ومن وُحُولْ
وصَدِّقيني دائماً..
حين أجيءُ حاملاً إليكِ يا حبيبتي
الأزهارَ .. والأقمارَ .. والفُصُولْ..
3
لا أنتِ يا حبيبتي معقولةٌ..
ولا أنا معقولْ..
ورغْمَ هذا..
يستمرُّ الرفْضُ والقَبُولْ
ورغْمَ هذا ..
يستمرُّ الضِحْكُ ، والصُرَاخُ ، والشُرُوقُ ، والأُفُولْ
فما الذي نَخْسَرُ يا حبيبتي؟
لو أنتِ قد أعطيتني يَدَيْكِ
وسافرتْ يَدَايَ فوق الذَهَب المَشْغُولْ
وما الذي نخسرُ يا مليكتي؟
لو انْطَلَقْنَا مثلَ عُصْفُورَيْنِ في الحُقُولْ
وما الذي نخسرُ يا أميرتي؟
إذا طَبَعْتُ قُبْلةً في الأحمر الخَجُولْ..
وما الذي نخسرُ يا سبيكتي؟
إذا ارْتَفَعْنَا مثل صُوفيٍّ إلى مرتبة الفَنَاءِ والحُلُولْ
وما الذي نَخْسَرُ يا حبيبتي؟
لو نحنُ صلَّيْنا على الرَسُولْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> من يوميّات رجل مجنون
من يوميّات رجل مجنون
رقم القصيدة : 68735
-----------------------------------
1
إذا ما صَرَختُ:
" أُحِبُّكِ جِدَّاً"
" أُحِبُّكِ جِدَّاً"
فلا تُسْكِتيني.
إذا ما أضعتُ اتزّاني
وطَوَّقتُ خَصْرَكِ فوق الرصيفِ،
فلا تَنْهَريني..
إذا ما ضَرَبتُ شبابيكَ نَهْدَيْكِ
كالبَرْقِ، ذات مَسَاءٍ
فلا تُطْفئيني..
إذا ما نَزَفْتُ كديكٍ جريحٍ على سَاعِدَيْكِ
فلا تُسْعِفيني..
إذا ما خرجتُ على كلِّ عُرْفٍ ، وكُلِّ نظامٍ
فلا تَقْمَعيني..
أنا الآن في لَحَظاتِ الجُنُونِ العظيمِ
وسوفَ تُضيعين فُرْصَةَ عُمْركِ
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنُوني.
2
إذا ما تدفَّقْتُ كالبحر فوقَ رِمَالكِ..
لا تُوقِفيني..
إذا ما طلبتُ اللجوءَ إلى كُحْل عَيْنَيْكِ يوماً،
فلا تطرُديني..
إذا ما انْكَسَرتُ فتافيتَ ضوءٍ على قَدَميْكِ،
فلا تَسْحقيني..
إذا ما ارْتَكَبْتُ جريمةَ حُبٍّ..
وضَيَّع لونُ البرونْزِ المُعَتَّقِ في كَتِفَيْكِ .. يقيني
(1/15564)
________________________________________
إذا ما تصرّفتُ مثلَ غُلامٍ شَقيٍّ
وغَطَّسْتُ حَلْمَةَ نهداكِ بالخَمْرِ...
لا تَضْرِبيني.
أنا الآنَ في لَحَظات الجُنُونِ الكبيرِ
وسوفَ تُضيعينَ فُرْصَةَ عُمْرِكِ،
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنُوني.
4
إذا ما كتبتُ على وَرَق الوردِ،
أَنِّي أُحِبُّكِ...
أرجوكِ أَنْ تقرأيني..
إذا ما رَقَدتُ كطفلٍ، بغاباتِ شَعْرِكِ،
لا تُوقظيني.
إذا ما حملتُ حليبَ العصافير .. مَهْرَاً
فلا تَرْفُضيني..
إذا ما بعثتُ بألفِ رسالةِ حُبٍّ
إليكِ...
فلا تُحْرِقيها .. ولا تُحْرِقيني..
5
إذا ما رأَوكِ معي، في مقاهي المدينة يوماً،
فلا تُنكريني..
فكُلُّ نِسَاء المدينة يعرفْنَ ضَعْفي أمامَ الجَمَالِ..
ويعرفنَ ما مصدرُ الشِعْرِ والياسمينِ..
فكيف التَخَفّي؟
وأنتِ مُصَوَّرَةٌ في مياه عُيوني.
أنا الآنَ في لحظات الجُنُون المُضيءِ
وسوفَ تُضِيعينَ فُرْصَةَ عُمْركِ،
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنُوني.
6
إذا ما النبيذُ الفَرَنْسيُّ ،
فَكَّ دبابيسَ شَعْرِكِ دونَ اعتذارِ
فحاصَرَني القمحُ من كُلِّ جانبْ
وحاصَرَني الليلُ من كُلِّ جانبْ
وحاصَرَني البحرُ من كُلِّ جانبْ
وأصبحتُ آكلُ مثلَ المجانينِ عُشْبَ البراري..
وما عدتُ أعرفُ أينَ يميني..
وما عدتُ أعرفُ أينَ يساري؟
7
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،
ألغى الفُروقَ القديمةَ بين بقائي وبين انتحاري
فأرجوكِ ، باسْمِ جميع المجاذيبِ ، أن تَفْهَميني
وأرجوكِ، حين يقولُ النبيذُ كلاماً عن الحُبِّ.
فوق التوقُّع .. أن تعذُريني.
أنا الآنَ في لحظات الجُنُونِ البَهيِّ
وسوفَ تُضيعينَ فُرْصَةَ عُمركِ
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنوني..
8
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،
ألْغَى الوُجُوهَ ،
وألْغَى الخُطُوطَ،
وألْغَى الزوايا.
ولم يَبْقَ بين النساءِ سواكِ.
ولم يَبْقَ بين الرجال سوايا.
وما عدتُ أعرفُ أين تكونُ يَدَاكِ ..
وأينَ تكونُ يدايا..
وما عدتُ أعرفُ كيف أُفرِّقُ بين النبيذِ،
وبين دِمَايا..
(1/15565)
________________________________________
وما عدتُ أعرفُ كيف أُميِّز بين كلام يديْكِ
وبين كلام المرايا..
إذا ما تناثرتُ في آخر الليل مثلَ الشظايا
وحاصَرَني العشْقُ من كُلِّ جانبْْ
وحاصَرَني الكُحْلُ من كُلِّ جانبْ
وضَيَّعتُ إسْمي.
وعُنوانَ بيتي..
وضيَّعْتُ أسماءَ كُلِّ المراكِبْ
فأرجوكِ ، بعد التناثُرِ ، أن تَجْمَعيني.
وأرجوكِ ، بعدَ انْكِساريَ ، أن تُلْصِقيني
وأرجوكِ ، بعدَ مَمَاتيَ ، أن تَبْعَثيني
أنا الآن في لَحَظاتِ الجنونِ الكبيرِ
وسوف تُضِيعين فُرْصَةَ عُمْرِكِ
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنوني.
9
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ ،
شالَ الكيمونُو عن الجَسَد الآسيويِّ
فأطْلَعَ من عُتْمةِ النَهْد فَجْرَا
وأطْلَعَ منهُ مَحَاراً..
وأطْلَعَ منه نُحاساً، وشاياً وعاجاً
وأطْلَعَ أشياءَ أُخرى..
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،
ألغى اللُّغاتِ جميعاً.
وحوَل كُلَ الثقافات صِفْرَا..
وكُلَّ الحضاراتِ صِفْرَا
وحوَّل ثَغْرَكِ بُسْتَانَ وردٍ
وحوَّلَ ثَغْريَ خمسين ثَغْرا..
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ أعلنَ في آخر الليلِ ،
أنّكِ أحلى النساءْ..
وأرشقُهُنَّ قواماً وخَصْرَا
وأعْلَنَ أنَّ الجميلاتِ في الكون نَثْرٌ
ووَحْدَكِ أنتِ التي صِرْتِ شِعْرَا
فباسْم السُكَارى جميعاً
وباسْمِ الحَيَارى جميعاً
وباسْمِ الذينَ يُعانونَ من لعنة الحُبِّ ،
أرجوكِ لا تَلْعَنيني..
وباسْمِ الذين يعانونَ من ذَبْحةِ القلبِ،
أرجوكِ لا تَذْبحيني..
أنا الآنَ في لَحَظاتِ الجُنُونِ العظيمِ
وسوفَ تُضِيعين فُرْصَة عُمْرِكِ،
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنُوني..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> فاطمة في الريف البريطاني
فاطمة في الريف البريطاني
رقم القصيدة : 68736
-----------------------------------
1
شهرُ ديسمبرَ رائعْ...
شهرُ ديسمبرَ في لندنَ ، هذا العامَ ، رائعْ
فبِهِ هاجَمَني الحُبُّ ..
وألقاني جريحاً كمصابيح الشَوَارعْ..
هذه فاطمةٌ تلبسُ بَنْطَالاً من الجلد نبيذيَّاً..
(1/15566)
________________________________________
وتُوصيني بأَنْ أُمْسِكَها من يدِها كي لا أضيعْ
وهي تدري جيِّداً..
أنَّني من يوم ميلادي ، ببحر الحُبِّ ضَائعْ
فلماذا في (هارودزِ) نَسِيَتْني؟
ولماذا غضِبَتْ منّي .. لماذا أَغْضَبَتْني؟
وهي تدري أنَّني من دُونها..
لا أَقْطَعُ الشارعَ وحدي..
لا ولا أدخُلُ في المعطفِ وحدي..
لا ولا أشرَبُ فنجاناً من القهوة وحدي..
لا ولا أعرف أن أرجعَ للفُنْدُق وحدي..
فلماذا في (هارودزٍ) صَلَبَتْني؟
فوق أكداس هداياها .. لماذا صَلَبَتْني؟
وهي تدري أنني أعبُدُها
من رأسِها حتّى الأصابعْ..
شهرُ ديسمبرَ رائعْ.
2
شهرُ ديسمبرَ ، يبقى مَلِكاً بين الشُهُورْ
فهو أعطاني مفاتيحَ السماواتِ..
وأعطاني مفاتيحَ العُصُورْ..
ورماني كوكباً مُشْتَعِلاً
حول نَهْدَيْكِ يدُورْ..
سَقَطَتْ في لندنٍ ، كلُّ التواريخِ،
وغَابَتْ تحت جفنَيْكِ جبالٌ وبُحُورْ..
شهرُ ديسمبرَ ، ألغاكِ .. وألغاني..
فنحنُ الآنَ ضوءٌ غيرُ مرئيٍّ..
وعطرٌ .. وبَخُورْ..
شهرُ ديسمبرَ .. مجنونٌ تَعلَّمْتِ به.
أن تَثُوري..
وتعلَّمتُ به كيف أثُورْ..
شهرُ ديسمبرَ ..
ألغى عُقْدَةَ الحُبِّ التي نحملُها
فإذا بي مثلَ عُصْفُورٍ طليقٍ..
وإذا بكِ ، يا فاطمةٌ ،
دونَ جُذُورْ..
3
لندنٌ .. باردةٌ جدّاً..
فيا فاطمةٌ..
إفْتَحي فوقي مِظَلاَّتِ الحَنَانْ
لندنٌ قاسيةٌ جدّاً..
وإنِّي خائفٌ جدّاً..
فرُدّي لي شعوري بالأمَانْ
خَبِّئيني تحت قفطانِكِ ، يا فاطمةٌ
مثلَ طفلٍ..
فلقد ضيَّعتُ أبعادي، وأبعادَ المكانْ
حاولي أن تُصْبحي أُمِّي .. كما أنتِ الحبيبَهْ
من زمانٍ .. لم أضَعْ رأسي على صدرٍ حَنُونٍ..
مِنْ زمانْ...
4
لندنٌ حُبِّي..
وفي بارْكَاتِها غَنَّيْتُ أحلى أُغْنِياتي
لندنٌ مَجْدي..
ففيها قد تَغَرْغَرْتُ بأُولى كَلِماتي..
لندنٌ حُزْني..
على كلِّ رصيفٍ دمْعةٌ من دَمَعَاتي
لندنٌ عاصمةُ القلبِ..
وفيها قد تلاقيتُ بسِتِّ المَلِكَاتِ..
لندنٌ،
تعرفُ وجهي جيّداً..
(1/15567)
________________________________________
فأنا جُزْءٌ من اللون الرَمَاديِّ..
ومن أعْمِدَة النُورِ..
وأضْوَاءِ الميادينِ..
وصَوْتِ القُبَّراتِ..
منذُ أنْ جئتُ إليها عاشقاً
أصبحتْ لندنُ إحدى المُعْجزاتِ..
لندنٌ .. تأخذني كالطفل في أحضانِها..
وطَوَالَ الليل، تتلو من كتاب الذكرياتِ..
لندنٌ صاحبةُ الفَضْلِ .. فقد
علَّمَتْني العِشْقَ في كُلِّ اللُغَاتِ...
5
هذه فاطمةٌ..
تقتحمُ التاريخَ من كُلِّ الجِهَاتِ..
إنَّها تدخُلُ كالإبْرَةِ..
في كلِّ تفاصيل حياتي..
آهِ .. كم تعجبني فاطمةٌ..
عندما تجلسُ كالقِطَّةِ بين المُفْرَدَاتِ..
تأكُلُ الفَتْحَةَ .. والضَمَّةَ .. في شِعْري..
وتَبْتَلُّ بأمطار دَوَاتي..
مُبْحِرٌ في زَمَن الكُحْل..
ولا أدري لأينْ؟
مُبْحِرٌ فيكِ .. ولا أدري لأينْ؟
يا صباحَ الخير.. يا عُصْفُورتي
أنا في أحسن حالاتي..
فما أطيبَ القهوةَ في قُرْبكِ..
ما أرْشَقَ هاتَيْنِ اليَدَيْنْ..
ثم ما أروعَ أن يكتشفَ الإنسانُ
في ذاتِ صباحٍ لندنيٍّ..
في مكانٍ ما.. على ظهر الحبيبَهْ...
شامَتَينْ...
لم تكونا، عندما جئتِ مساءَ البارحَهْ..
مولودتْينْ...
فاتركيني.. أضفُرُ الشَعْرَ الذي
طالَ في لندنَ، من فَرْط حناني، بُوصَتَيْنْ..
واتركيني..
أُمْسكُ الشمسَ التي تغطُسُ بين الشفَتَينْ..
أتركيني ، أوقفُ التاريخَ يا فاطمةٌ
لحظةً .. أو لحظتَينْ..
أخذُوا كلَّ عناويني.. ولم يبقَ أمامي
غيرُ هذا الشارعِ الضَيِّقِ بين الناهِدَينْ...
7
لندنٌ تُمْطرني ثلجاً .. وأبقى باشتهائي بَدَويَّا..
لندنٌ تمنحني كلَّ الثقافات .. وأَبقى بجنوني عربيَّا..
لندنٌ تُمطرني عقلاً .. وأبقى فوضويَّا..
لندنٌ تجهل حتى الآنَ .. من أنتِ لديَّا
آهِ .. يا سَنْجابةَ الليل التي تدخُلُ في الأعماقِ
رُمْحاً وَثَنيَّا...
إنَّ تاريخَكِ قَبْلي كان تاريخاً غبيَّا
إنَّ عَصْري قَبْلَ أن يُرْسِلَكِ اللهُ إليَّا
كان عصراً حجريَّا..
فاشْرَبي شيئاً من الخمر معي..
(1/15568)
________________________________________
إشْرَبي شيئاً من الحُلْم معي..
إشْرَبي شيئاً من الوَهْم معي..
إشْرَبي شيئاً من الفَوْضَى معي..
إشْرَبي حتَّى تصيري امرأةً..
واتْرُكي الباقي عليَّا..
شهرُ ديسمبرَ يأتي
لابساً معطفَ شاعرْ
شهرُ ديسمبرَ يُهديني دموعاً .. وشُمُوعاً .. ودَفَاترْ..
هذه فاطمةٌ تلبسُ كيمُونو من الصينِ..
مُوَشَّى بالأزَاهرْ..
شايُ بَعْدَ الظهر مِنْ بين يَدَيْها
مهرجاناتٌ من اللون..
ومُوسيقى أساورْ..
لم تكُنْ فاطمةٌ مُشْرِقةَ الوجهِ
كما كانتْ (بمارلُو)..
لم تكُنْ صافيةَ العين كما كانتْ (بمارلو)..
لم تكنْ معتزَّةَ النهدَيْن مِنْ قَبْلُ..
كما كانتْ (بمارلو)..
لم تكن ملفوفة الخَصْرِ..
كما كانتْ (بمارلُو)..
إنّني آمنتُ أنَّ الحُبَّ ساحرْ..
9
هذه فاطمةٌ..
تغسلُ نَهْدَيها النُحاسِيَّينِ بالماء.. كطائرْ
وأنا في الغرفة الخضراءِ أسْتَلقي سعيداً
تحت أشجار الكاكاوُ..
وهُتافاتِ المرايا والستائرْ..
فاشْرَبي شيئاً من الشِعْر معي..
فأنا _ دونَكِ يا سيّدتي_ لستُ بشاعرْ
إشربي حتى تصيري امرأةً..
إن حُبِّي لك مَجْنُونٌ .. ومَلْعُونٌ..
وَوَحْشِيُّ الأظافرْ..
وَرَق الأشجار في (مارلُو)..
نحاسيٌّ .. وورديٌّ .. وأصفَرْ..
ولقائي بكِ في الريف البريطانيِّ
حُلْمٌ لا يُفسَّرْ..
والعصافيرُ ترى ثغرَكِ في أحلامها
وردةً .. أو نجمةً .. أو قُرْصَ سُكَّرْ
وأنا معتقلٌ ما بين نهديْكِ ..
ولا أطلبُ - يا سيّدتي- أن أتحرَّرْ..
آهِ .. يا قِطَّةَ (مارلُو)..
ليتَني أقدرُ أن أغرقَ في فَرْوكِ أكثَرْ...
ليتَني أقدرُ أن أبقى..
بهذا الفندق الضائعِ بين الغيم أكثَرْ.
ليتَني أقدرُ أن أدخلَ في جِلْدكِ..
في شَعْرِكِ..
في صوتكِ أكثَرْ..
آهِ .. يا أيَّتُها الأنثى التي لا تتكرَّرْ
هل عشقتُ امرأةً قَبْلَكِ.. يا فاطمةٌ؟
إنَّني لا أتذكَّرْ..
هل سأهوى امرأةً بَعْدَكِ .. يا فاطمةٌ
إنَّني لا أتصوَّرْ..
11
آهِ .. يا قِطَّةَ (مارلُو) الساحِرَهْ
(1/15569)
________________________________________
علِّميني .. كيف تُلغى الذَاكِرَهْ
هل سألقاكِ (بمارلُو)؟.
بعد عامٍ ، ربَّما ، أو بعد شَهْرِ..
فتنامينَ على أعشاب صدري..
وتُفيقينَ على أعشاب صدري..
قبل (مارلُو) ليس لي عمرٌ .. فأنتِ الآن عُمْري..
بعدَ (مارلُو) سيقولُ الناسُ:
ما أجملَ عينيكِ .. وما أعظمَ شِعْري..
لم أُشاهِدْ ليلةَ القَدْر.. فهلْ
أنتِ ، يا فاطمةٌ ، ليلةُ قَدْري؟؟
12
أرْجِعيني مرةً أخرى إلى (مارلو)..
ففيها عِشْتُ عصري الذَهَبيَّا..
لم يرَ الريفُ البريطانيُّ من قبلكِ
عَيْنَيْنِ تَقُولانِ كلاماً عربيَّا..
قبلَ أن ألقاكِ في فندق (مارلو)
كنتُ إنساناً..
وأصبحتُ نبيَّا
أَرْجِعي لي غرفتي في ملتقى النهرِ،
وأحلامي..
ورُكْني الشاعريَّا..
قبل (مارلُو) لا يُساوي العمرُ شيَّا
بعدَ (مارلُو) لا يُساوي العمرُ شيَّا
إنَّ عيْنَيْكِ هُمَا ما كَتَبَ اللهُ عليَّا
فاتركيني نائماً بينهما..
واقْفِلي البابَ عليَّا..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> مع فاطمة في قطار الجنون
مع فاطمة في قطار الجنون
رقم القصيدة : 68737
-----------------------------------
1
إبْحَثي عن رَجُلٍ غيري..
إذا كنتِ تريدينَ السَلامَهْ..
كلُّ حُبٍّ حارقٍ..
هو _ يا سيِّدتي _ ضِدَّ السلامَهْ
كلُّ شِعْرٍ خارقٍ..
هو _ في تشكيلِهِ _ ضِدَّ السلامَهْ
فابحثي عن رَجُلٍ غيري..
إذا كنتِ تُحسِّينَ بأصوات الندامَهْ
إبحثي عن رَجُلٍ..
يمتلكُ القدرةَ والصبرَ .. لتثقيف حَمَامَهْ
فأنا من قَبْلُ .. ما حاولتُ تثقيفَ حَمَامَهْ...
إنَّ حُبِّي لكِ يا سيِّدتي
أشْبهُ في يوم القيامَهْ..
من تُرَى يقدرُ أن يهربَ من يوم القيامَهْ؟
فاقْبَلي ما قسمَ اللهُ عليكِ..
بإيمانٍ عميقٍ .. وابتسامَهْ..
واتْبَعيني ..
عندما أركبُ في الليل قطاراتِ الجُنُونْ..
طالما أنتِ معي..
لستُ مهتمّاً بما كانَ..
وما سوفَ يكُونْ...
2
آهِ .. يا سُنْبُلةَ القمح التي تخرج من وَسْط الدُمُوعْ
(1/15570)
________________________________________
دَخَل السيفُ إلى القلب، ولا يمكننا الآنَ الرُجُوعْ
إنّنا الآنَ على بوَّابة العشق الخطيرَهْ..
وأنا أهواكِ حتى الذَبْحِ..
حتى الموتِ..
حتى القَشْعريرَهْ..
نحنُ مَشْهُورانِ جداً..
وجريئانِ على التاريخ جدّاً..
والإشاعاتُ كثيرَهْ..
هكذا يحدث دوماً في العلاقات الكبيرَهْ.
آهِ .. يا فاطمتي..
يا التي عِشْتُ وإيّاها ملايينَ الحماقاتِ الصغيرَهْ
إنّني أعرفُ معنى أن يكونَ المرءُ في حالة عشْقٍ
خلفَ أسوار الزمان العربيّْ
وأنا أعرفُ معنى أن يبوحَ المرءُ..
أو يهمسَ..
أو ينطقَ..
في هذا الزمان العربيّْ..
وأنا أعرفُ معنى أن تكوني امْرأتي..
رَغْمَ إرهابِ الزمان العربيّْ..
فأنا تطلبني الشُرْطةُ للتحقيق في ألوان عَيْنَيْكِ..
وفيما تحتَ قُمصَاني..
وفيما تحتَ وجداني..
وأسفاري .. وأفكاري .. وأشعاري الأخيرَهْ..
وأنا لو أمْسَكُوني..
أسرُقُ الكُحْلَ الذي يُمْطِرُ من عينيْكِ..
صَادَتْني بواريدُ العشيرَهْ..
فافْتَحي شَعْرَكِ عن آخرِهِ..
إنَّني مُضْطَهَدٌ مثلَ نبيٍّ..
ووحيدٌ كجزيرَهْ..
إفْتَحي شعرَكِ عن آخرِهِ..
وانْزَعي منه الدبابيسَ .. فهذي فرصةُ العمر الأخيرَهْ
3
آهِ .. يا أَيْقُونةَ العمر الجميلَهْ
يا التي تأخذني كلَّ صباحٍ من يدي
نحو ساحات الطفولَهْ..
وتُريني تحت جَفْنَيْها شُمُوعاً مُسْتَحيلَهْ..
وبلاداً مستحيلَهْ..
أيُّها الكنزُ الخرافيُّ الذي كان معي
في قطاراتِ الشمالِ..
إنَّ حِبْرَ الصين في عيْنَيْكِ _ يا سيِّدتي_
فوق احتمالي..
يا التي تمرُقُ من بين شراييني..
كعطر البرتُقالِ..
4
يا التي تشطُرُني نِصْفَيْنِ في الليل..
وعند الفجر، تُلقيني على رُكْبَتِها .. نِصْفَ هلالِ..
يا التي تحتلُّني شرقاً .. وغرباً..
ويميناً .. وشمالاً..
إسْتَمرّي في احتلالي..
أنا مشتاقٌ إلى أيام (وندرمير)..
مشتاقٌ لأنْ أمشي وإياكِ على الماءِ..
وأن أمشي على الغيمِ..
وأن أمشي على الوقتِ..
(1/15571)
________________________________________
ومشتاقٌ لأنْ أبكي على صدركِ حتى آخرِ العمرِ..
وحتّى آخرِ الشِعْرِ..
ومشتاقٌ لحانات الضَواحي..
وكراسينا أمامَ النار..
مشتاقٌ إلى كلّ الذُرَى البيضاءِ..
حيثُ أختلط الكُحْلُ الحجازيُّ مع الثلج..
ومشتاقٌ إلى شيءٍ من الكونياكِ..
في بَرْد الليالي..
5
آهِ .. يا عصفورةَ الماء التي تجلس قربي..
في قطارات الشِمالِ..
إمْسِكيني من ذراعي جيّداً..
فالقراراتُ التي يصدرها السلطانُ لا تُشْغِلُ بالي..
ومِلفَّاتي لدى الشُرْطة لا تُشْغِلُ بالي..
وحدَهُ حبُّكِ - يا سيّدتي- يُشْغِلُ بالي..
نحنُ قامرنا كثيرا..
وتطرَّفْنَا كثيرا..
وتجاوزنا إشاراتِ المُرُورْ..
فامْسِكيني من ذراعي جيداً..
لتدورَ الأرضُ..
فالأرضُ بلا حُبٍّ كبيرٍ .. لا تدُورْ..
شعراء العراق والشام >> نزار قباني >> أحبكِ.. أحبكِ.. وهذا توقيعي
أحبكِ.. أحبكِ.. وهذا توقيعي
رقم القصيدة : 68738
-----------------------------------
1
هل عندكِ شَكٌّ أنَّكِ أحلى امرأةٍ في الدُنيا؟.
وأَهَمَّ امرأةٍ في الدُنيا ؟.
هل عندكِ شكّ أنّي حين عثرتُ عليكِ . .
ملكتُ مفاتيحَ الدُنيا ؟.
هل عندكِ شكّ أنّي حين لَمَستُ يَدَيْكِ
تغيَّر تكوينُ الدنيا ؟
هل عندكِ شكّ أن دخولَكِ في قلبي
هو أعظمُ يومٍ في التاريخ . .
وأجمل خَبَرٍ في الدُنيا ؟
2
هل عندكِ شكٌّ في مَنْ أنتْ ؟
يا مَنْ تحتلُّ بعَيْنَيْها أجزاءَ الوقتْ
يا امرأةً تكسُر ، حين تمرُّ ، جدارَ الصوتْ
لا أدري ماذا يحدثُ لي ؟
فكأنَّكِ أُنثايَ الأُولى
وكأنّي قَبْلَكِ ما أحْبَبْتْ
وكأنّي ما مارستُ الحُبَّ . . ولا قبَّلتُ ولا قُبِّلتْ
ميلادي أنتِ .. وقَبْلَكِ لا أتذكّرُ أنّي كُنتْ
وغطائي أنتِ .. وقَبْلَ حنانكِ لا أتذكّرُ أنّي عِشْتْ . .
وكأنّي أيّتها الملِكَهْ . .
من بطنكِ كالعُصْفُور خَرَجتْ . .
3
هل عندكِ شكٌّ أنّكِ جزءٌ من ذاتي
وبأنّي من عَيْنَيْكِ سرقتُ النارَ. .
وقمتُ بأخطر ثَوْرَاتي
(1/15572)
________________________________________