الكتاب: الشرح الصوتي لزاد المستقنع
المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
عدد الأجزاء: 2
هذا الكتاب: تفريغ مكتوب لشرحين صوتيين للعلامة ابن عثيمين - رحمه الله - على زاد المستقنع
1 - الشرح الأول/ الكتاب كاملا [299 ملفاً]
2 - الشرح الثاني/ ثلث الكتاب [132 ملفاً] أبواب/ صفة الصلاة، والمناسك، والبيع، والوقف والوصايا، والنكاح، والطلاق، والإيلاء والظهار واللعان والعِدَد والرضاع، والنفقات، والجنايات والديات، والحدود، والأطعمة، وجزء من الأيمان والقضاء، وجزء من الشهادات
مميزات ليست في (الشرح الممتع) المطبوع:
1 - إضافة مسائل كثيرة تعرّض لها الشيخ في الشرح , خلا منها الشرح المطبوع.
2 - إيراد مناقشة الشيخ رحمه الله للطلاب في الدورس , والتي تكون عادة قبل بداية الدرس , إضافة لأسئلة الطلاب للشيخ أثناء الشرح , وأسئلتهم بعد كل درسٍ , وإجابته عليها رحمه الله
3 - إضافة شرح ثانٍ جديدٍ. (لثلث زاد المستقنع).
4 - أنّ الرجوع للتفريغ فيه حل لبعض المواضع المُشْكِلة في الشرح المطبوع.
5 - أنّ الشيخ ربما زاد في شرحه للكتاب ما ليس منه إما لإتمام الفائدة، أو لحاجة الطلاب، أو لأسباب أخرى، ومن ذلك:
• زياداته في الشرح من كتب أخرى كزياداته في بعض الأبواب من كتاب (الروض المربع) وغيره، بل إنه أحيانًا: يزيد فصولًا بالكامل، ومثال ذلك شرحه لفصل في الأمان والهدنة، في كتاب الجهاد.
• شرحه لمؤلفات خاصة به كشرحه لرسالته في زكاة الحلي، وذلك في كتاب الزكاة.
• شرحه خلال الشرح الثاني "لمذكرة الجامعة" وذلك للأبواب التالية: (النفقات، والجنايات، والديات، والحدود، والأطعمة، والأيمان والقضاء، وجزءًا من الشهادات).
• شرحه لفصول لا تعلق لها بالكتاب لحاجة الطلبة، كشرحه لفصل في فضل العلم وآداب طالبه في كتاب الفرائض.
أعده للشاملة: ملتقى أهل الحديث
[مصدر النص تطبيق مجاني للأجهزة الذكية برعاية مؤسسة وقف فهد بن عبد العزيز السعيد وإخوانه , وكرسي الشيخ ابن عثيمين للدراسات الشرعية، وقد التزموا فيه بالتفريغ الحرفي لكامل الشرح]
نقول: هذا بالنسبة لحق الله، أما بالنسبة لحق المخلوق فإنهم يلزمون به، أرأيت لو أن نائمًا انقلب على شيء من مالك وأتلفه، هل يضمن ولّا لا؟ يضمن؛ لأن الإتلاف يستوي فيه العامد والمخطئ، والصغير والكبير.
قال المؤلف: (وإن أتلفوه لم يضمنه، ويلزمهم أيضًا ضمان مال من لم يدفعه إليه) (ضمان مال من لم يدفعه إليه) ويش معناه؟ يعني: لو أتلفوا مالًا لي لم أدفعه إليهم فعليهم الضمان، ويش مثاله؟ مثل: أتوا إلى دكان إنسان فأشعلوا به النار فاحترق ما فيه يضمنون ولَّا لا؟ يضمنون؛ لأنه ما دفعه إليهم ولا سلطهم عليه، أتوا إلى مطعم فنهبوا خبزًا ومرقًا ولحمًا وأكلوه يظمنونه؛ لأنه لم يسلطهم عليه، أما لو سلطهم عليه، مثل: هؤلاء الصبيان دخلوا في المطعم، وجلسوا على كرسي المائدة، وقالوا: أعطنا رزًا ولحمًا وإدامًا وخبزًا، وأعطاهم حتى شبعوا، فلما شبعوا قالوا: أكرمك الله، قال: أعطنا القيمة، قالوا: ما نعطيك، يلزمون بالضمان ولّا لا؟
طلبة: لا يلزمون.
الشيخ: ما يلزمون بالضمان؟
طلبة: يلزمون ( ... ).
الشيخ: المذهب لا يلزمون بالضمان؛ لأنه هو اللي سلَّطهم على ماله.
طالب: ( ... ).
الشيخ: وهذه مشكلة ( ... ) يعني: لو فُتح هذا الباب للناس، كان مثلًا الصبيان يملؤون المطاعم ويأكلون ما فيها، ويقولون: خلاص ما عندنا ضمان، لكن هذا فيه نظر، يعني: يجب أن يقال: إن مثل هذه الأمور يُلْزَمون بها، لكن إذا لم يكن عندهم مال، هل يؤخذ من وليهم؟ لا، لكن يبقى في ذممهم حتى يكبروا ويتجروا أو يتوظفوا، ويؤخذ منهم.
طالب: ( ... ).
الشيخ: إيه ما يخالف، لا يعطيه، وهذا هو الأولى لأصحاب المطاعم أن يحترزوا لأنفسهم إذا جاء مثل هؤلاء ( ... )، إذا لم يسلم يقول: ما عندنا شيء.
طالب: ( ... ).
الشيخ: يعني: صاحب المطعم يدخله، هيقول ( ... ) صاحب المطعم يخاطر ( ... ) نعطيك.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: هذا بعدُ فاهم أنه تبرع، عاد يمكن فاهم أنها تبرع.
الطالب: ( ... ).
(1/4899)
________________________________________
الشيخ: إي صح، ما جاوبت السؤال، نعم، الإخوان يقولون: وما جاوبت السؤال.
يقول المؤلف رحمه الله: (يلزمه أرش الجناية وضمان من لم يدفعه إليهم)، إذن خلاصة المقام أن هؤلاء الثلاثة محجور عليهم في أموالهم وذممهم، وأن مَنْ سلَّطهم على ماله ببيع أو إجارة أو قرض أو غير ذلك، فإنه لا ضمان عليهم؛ لأنه هو الذي سلطهم على ماله، أما إن اعتدوا هم بأنفسهم فعليهم الضمان، فيلزمهم أرش الجناية وضمان من لم يدفعه إليهم، هذا خلاصة ما نقول في الحجر على هؤلاء الثلاثة.
نحن الآن محتاجون إلى بيان متى يزول الحجر عن هؤلاء؛ لأن الآن ثبت الحجر فمتى يزول؟ الصغير لا بد أن يبلغ، والمجنون لا بد أن يعقل، والسفيه لا بد أن يرشد.
بيَّن المؤلف متى يبلغ الصغير، فقال: (وإن تم لصغيرٍ خمس عشرة سنة) نقول: خمس عشر ولَّا خمسة عشر؟
طلبة: خمسة عشر.
الشيخ: إن قلنا: عامًا قلنا: خمسة عشر، وإن قلنا: سنة، قلنا: خمس عشرة؛ لأن الذي يلي المعدود على عكسه، الذي يلي المعدود في المركب على وفقه، والذي قبل على عكسه، العدد المركب يكون على عكس المعدود في الجزء الأول، وعلى وفق المعدود في الجزء الثاني فتقول: خمسة عشر رجلًا، وخمس عشرة امرأة، أفهمتم الآن؟ العدد المركب يكون على عكس المعدود في الجزء الأول.
طالب: إذا كان الجزء الأول ( ... ).
الشيخ: إي ويكون على وفقه في الجزء الثاني، تقول مثلًا: خمس عشرة أيش؟
طلبة: سنة.
الشيخ: سنةً، وتقول: خمسة عشر؟
طلبة: عامًا.
الشيخ: عامًا، في واحد يكون على وفق المعدود، في الجزأين فتقول: أحد عشر رجلًا، وتقول: إحدى عشرة امرأة، كذا ولَّا لا؟ وكذلك في الاثنين تقول: اثنتا عشرة امرأة، واثنا عشر رجلًا، فصار أحد المركب مع أحد، ومع اثنين موافق للمعدود في الجزأين، وثلاثة عشر وما فوق مخالف للمعدود، في الجزء الأول موافق له في الجزء الثاني؛ فتقول: ثلاثة عشر رجلًا وثلاث عشرة امرأةً.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، المركب قصدي.
(1/4900)
________________________________________
الطالب: الخامس عشر.
الشيخ: نعم.
الطالب: مركب؟
الشيخ: لا، الخامس عشر هذا محلًّى بـ (أل).
يقول المؤلف: (وإن تمَّ لصغيرٍ خمس عشرة سنة بلغ) قال: (وإن تم) ولم يقل: وإن بلغ، وعلى هذا فمن له خمس عشرة سنة إلا يومًا فليس ببالغ، فرجل بلغ في الساعة الثانية عشرة صباحًا نقول: صلاة الفجر لا تجب عليه وصلاة الظهر تجب عليه؛ لأن صلاة الفجر قبل البلوغ، وصلاة الظهر بعد البلوغ؛ الدليل استدلوا بذلك بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني (7).
في الأول لم يجزه وفي الثاني أجازه، وهذا دليل على أنه في الثاني كان من الرجال، وفي الأول كان من الصبيان. هذا واحد.
الثانية: قال: (أو نبت حول قُبُلِهِ شعرٌ خَشِن).
فإنه يكون بالغًا؛ لأن سعد بن معاذ رضي الله عنه حكم في بني قريظة أن من أنبت منهم قُتل، ومن لم ينبت فهو من الذرية فأقر النبي صلى الله عليه وسلم حكمه (8)، فدل ذلك على أن إنبات العانة علامة البلوغ.
وقول المؤلف: (نَبت) ظاهره أن النبات يكون طبيعيًّا، أما لو ادهن الإنسان بدهنٍ ينبت الشعر فإن ( ... ).
أو نَبَتَ حولَ قُبُلِه شَعْرٌ خَشِنٌ
(1/4901)
________________________________________
أو أَنْزَلَ، أو عَقَلَ مجنونٌ ورَشَدَا، أو رَشَدَ سفيهٌ، زالَ حَجْرُهم بلا قَضاءٍ، وتَزيدُ الجاريةُ في البلوغَ بالحيضِ، وإن حَمَلَتْ حُكِمَ ببُلُوغِها، ولا يَنْفَكُّ الحجْرُ قبلَ شُروطِه، والرُّشْدُ الصلاحُ في المالِ بأن يَتَصَرَّفَ مِرارًا فَلا يُغْبَنُ غالبًا , ولا يَبْذُلُ مالَه في حرامٍ أو في غيرِ فائدةٍ، ولا يُدْفَعُ إليه حتى يُختَبَرَ قبلَ بُلوغِه بما يَليقُ به، ووَلِيُّهُم حالَ الْحَجْرِ الأبُ ثم وَصِيُّه ثم الحاكمُ، ولا يَتَصَرَّفُ لأحدِهم وَلِيُّه إلا بالأَحَظِ , ويَتَّجِرُ له مَجَّانًا، وله دَفْعُ مالِه مُضارَبَةً بجُزْءٍ من الربْحِ، ويَأكلُ الوَلِيُّ الفقيرُ من مالِ مُوَلِّيهِ الأقلَّ من كِفايتِه أو أُجْرَتِه مَجَّانًا , ويُقبلُ قولُ الوليِّ والحاكمِ بعدَ فكِّ الحَجْرِ في النفَقَةِ والضرورةِ والغِبطةِ والتلَفِ ودَفعِ المالِ، وما استدانَ العبدُ لَزِمَ سَيِّدَه إن أَذِنَ له، وإلا ففي رَقبتِه كاستيداعِه وأَرْشِ جِنايتِه وقِيمةِ مُتْلَفِه.
(باب الوكالة):
تَصِحُّ بكلِّ قولٍ يَدُلُّ على الإِذْنِ، ويَصِحُّ القَبولُ على الفَوْرِ والتراخِي بكلِّ قولٍ أو فِعْلٍ دال عليه، ومَن له التَّصَرُّفُ في شيءٍ فله التَّوكيلُ والتوكُّلُ فيه،
لكنه ما بعد بلغ، هو الآن في الثالثة عشرة من عمره، قال: إني شايف إني ما بلغت، ما تَمِّيت خمس عشرة سنة، ولا احتلمت، ولا نبتت عانتي، قال: طيب، فذهب إلى الأطباء، وقال: أعطوني دُهنًا ينبت الشعر، فأعطوه ذلك، فجاء إلى وليه، وقال: تفضل، الآن بلغت، أعطني إياه، هل يُعطَى ماله؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا؛ لأنه أنبت بعلاج، والمؤلف يقول: (أو نَبَت حول قُبُلِه)، نَبَت، فإذا أُنْبِتَ بعلاج فلا عبرة به، لو نبتت لحيته لا عانته؟
طالب: لا عبرة.
(1/4902)
________________________________________
الشيخ: لا عبرة من باب أولى، نقول: لا عبرة لو نبت له لحية، لكن ما نبت له عانة، ولم يتم له خمس عشرة سنة، ولم يُنزِل فإنه ليس ببالغ؛ فالعبرة هي نبات العانة.
وقول المؤلف: (شعر خشن) احترازًا من الشعر الناعم الرقيق، فهذا ليس بعلامة على البلوغ؛ لأنه يكون في الإنسان من صغره فلا عبرة به، والله أعلم.
( ... ) أَنْزَلَ يعني أَنْزَل مَنِيًّا؛ لكن بشرط أن يكون بشهوة إلا من نائم؛ لأن النائم لا يحس به، فإذا أنزل مَنِيًّا يقظةً أو منامًا بشهوة حُكم ببلوغه؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59]، ولقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6]، والإنسان يبلغ النكاح إذا أنزل، يعني صالح الآن للتزوُّج حيث يُنجب بهذا الإنزال.
إذن العلامة الثالثة وهذه الأخيرة بإجماع المسلمين أنها علامة على البلوغ، وأما العلامتان السابقتان ففيهما خلاف بين أهل العلم؛ ولكن الإنزال علامة بالاتفاق، فإذا أنزل فقد بلغ، لو أنزل بمحاولة الإنزال، بمعنى أنه عالج نفسه وحرَّك بدنه حتى أنزل، يعني بدون احتلام، يحصل بلوغ ولَّا لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم يحصل البلوغ، وكذلك لو قَبَّل امرأة أجنبية حرامٌ عليه تقبيلُها فإنه إذا أنزل بهذا يكون بالغًا، المهم أن وسيلة الإنزال لا يُشْتَرَط أن تكون مباحة، فمتى وُجِدَ الإنزال صار بالغًا.
قال المؤلف -رحمه الله-: (أو أنزل، أو عَقَلَ مجنونٌ) انتهى الكلام على الصغير، فصار الصغر يزول بواحد من أمور ثلاثة: تمام خمس عشرة سنة، إنبات الشعر الخشن حول القُبُل، الثالث الإنزال، ويكون هذا للرجال والنساء.
( ... ) (أو عَقَلَ مجنونٌ) يعني ارتفع عنه الجنون، فإنه مع الرُّشد يزول عنه الْحَجْر، كيف نعرف عقله؟
طالب: بتصرفه.
الشيخ: بتمييزه وتصرفه.
(1/4903)
________________________________________
قال المؤلف: (ورَشَدَا) الفاعل يعود على الصغير وعلى المجنون.
طالب: فيها ألف؟
الشيخ: نعم فيها ألِف (ورَشَدَا)، أي: الصغير والمجنون، من أين نأخذ أنه للصغير وللمجنون؟ لأنه قال: (وإن تم لصغير خمس عشرة سنة)، ثم عطف عليه، ثم قال: (أو عَقَل مجنون ورشَدَا) أي: الصغير الذي بلغ، والمجنون الذي عَقَل.
الدليل على أنه لا بد من الرُّشْد قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}، هذا الدليل: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}، إذن إذا لم نُونِس الرُّشد ولم نَرَه فإننا لا ندفع إليهم الأموال؛ ولهذا اشترط المؤلف -رحمه الله- أن يَرْشُد، قال: (أو رَشَد سفيهٌ)، هنا قال: سفيه، ولم يقُل: أو بلغ؛ لأن المحجور عليهم كم؟
طلبة: ثلاثة.
الشيخ: صغير، ومجنون، وسفيه، فمعنى (رَشَدَ سفيهٌ) يعني أن يكون رجلًا بالغًا عاقل، لكنه سفيه من حيث التصرف، هذا ما نقول: إذا بلغ، ولا نقول: إذا عقل، لماذا؟ لأنه بالغ عاقل، ولكن نقول: إذا رشَدَ، فصار الصغير لا يزول حَجْرُه إلا بشرطين: البلوغ والرُّشد، والمجنون لا يزول حَجْره إلا بشرطين: العقل والرُّشد، والسفيه يزول حَجْره بشرط واحد وهو الرُّشد؛ لأنه هو بالغ عاقل.
قال: (زال حجرهم بلا قضاء) (زال) هذه جواب (إن) في قوله: (وإن تم لصغير خمس عشرة سنة)، هذا جوابه (زال حجرهم بلا قضاء) قضاء أيش؟ قضاء الْحَجْر؛ لأن هذا الصغير اللي كان ماله عند وليه بلغ ورشد بأنه يزول الْحَجْر، نحتاج أن نذهب إلى القاضي ونقول: فك الحجر عنه؟ لا، عَلِّل؛ لأن هذا الْحَجْر ثبت بدون القاضي، فزال بدونه، بخلاف الحجر السابق؛ الحجر على المفلِس بحظ غيره، فإنه لا يثبت إلا بحكم القاضي ولا يزول إلا بحكم القاضي.
(1/4904)
________________________________________
قال: (وتزيد الجارية في البلوغ بالحيض)، والمؤلف -رحمه الله- قال فيما سبق: (وإن تم لصغير خمس عشرة سنة) وهو عامٌّ في الذكر والأنثى، لكن تزيد الجارية الأنثى في البلوغ بالحيض؛ لأنها إذا حاضت صارت صالحة للحمل وصار رحمها قابلًا له؛ لأن هذه الإفرازات الدموية تكون من الرحم إذا صار قابلًا لتلقي الماء من الرجل، ونشوء الحمل فيه، وعليه فإذا حاضت صارت بالغة؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ حَائِضِ إِلَّا بِخِمَارٍ» (1)، والحائض بمعنى التي بلغت بالحيض.
قال المؤلف -رحمه الله-: (وإن حملت حُكِم ببلوغها) لم يقل المؤلف: إن الحمل من علامات البلوغ، وإنما قال: (إن حملت حُكِم ببلوغها)، لماذا؟ ؛ لأن الحمل لا يكون إلا عن إنزال، وإذا أنزلت صار البلوغ بإنزالها لا بحملها، شوف دقة العبارة مع أنها إذا حملت فهي بالغة قطعًا؛ لكننا لا نقول: إن حملها هو الذي حصل به البلوغ؛ لأن بلوغها حصل بماذا؟
طلبة: بالإنزال.
الشيخ: بالإنزال السابق على الحمل، فيكون الحمل قطعًا بعد الإنزال، ولهذا نحكم ببلوغها منذ إنزالها السابق، مثال ذلك: امرأة جامعها زوجها في أول ليلة من الشهر وسافر، وبعد نصف الشهر تبيَّن حملها، لو جعلنا الحمل علامة البلوغ لم تبلغ إلا من نصف الشهر، لكن نقول: لا، البلوغ منذ الإنزال السابق على الحمل، إذن من أي وقت بلغت هذه المرأة؟
طالب: من أول الشهر.
الشيخ: من أول الشهر وعلى هذا فتصرُّفها فيما بين أول الشهر ونصفه تصرف صحيح؛ لأنها بالغة.
قال: (ولا ينفك قبل شروطه) ولا ينفك الْحَجْر قبل شروطه، وهي في الصغير: البلوغ والرُّشد، وفي المجنون: العقل والرُّشد، وفي السفيه: الرُّشد، فإذا تمت الشروط زال الْحَجْر بلا قضاء، أما ما دامت الشروط لم تتم فإن الحجر لا يزول.
(1/4905)
________________________________________
ثم قال المؤلف: (والرُّشد الصلاح في المال) لا في الدِّين، الدِّين ما هو شرط، لا يُشترط صلاح الدين في هذا الباب؛ لأن الكلام في هذا الباب عن التصرف في المال، الرُّشد هو الصلاح في المال، لو كان في دينه غير صالح، وفي ماله صالح؟
طالب: يُدفَع له المال.
الشيخ: فهو رشيد يُدفع إليه المال، لو كان هذا الرجل بلغ؛ تم له خمس عشرة سنة، لكنه حالق للحيته، مُسْبِل لثوبه، عاقٌّ لأمه، قاطع لرحمه، مغتاب لعباد الله، نَمّام بينهم، شارب للخمر، سارق للأموال، كل شيء فيه من العيوب، هل يزول عنه الْحَجْر ولَّا لا؟ إي نعم.
إذن الرُّشد في كل موضع بحسبه، فقوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7] هذا الراشدون في ماذا؟
طلبة: في الدِّين.
الشيخ: في الدين، وسبق لنا أن الولي للنكاح يُشْتَرَط أن يكون رشيدًا، لماذا؟ رشيدًا في معرفة الكفء ومصالح النكاح وإن كان سفيهًا في ماله، هنا رشيد في المال، فالرُّشد في كل موضع بحسبه.
قال المؤلف في تفصيل رشد مع صلاح المال، قال: (بأن يتصرف مرارًا فلا يُغبَن غالبًا)، هذا الرُّشد (يتصرف مرارًا).
كلمة (مرارًا) تصلح بثلاث فأكثر؛ لأن (مرار) جمع فلا تفيد مرتين، مرارًا، هذا الرجل تصرف ثلاث مرات، أو أربع، أو خمس، ووجدنا أنه لا يُغبَن، غالب تصرفاته تصرفات سليمة ما فيها غَبْن، لا في البيع ولا في الشراء، نقول: هذا رشيد.
فإن تصرف مرة واحدة ولم يُغبن فليس دليلًا على رشده؛ لأن هذه قد تكون مصادفة، مرتين؟ فليس دليل على الرُّشد، ثلاث مرات؟ فهو دليل على الرُّشد.
رجل، أو صغير، أو بالغ، لكن ما بنعطيه المال، الآن تصرف عشر مرات، لكنه يبيع ما يساوى مئة بخمسين، ويشتري ما يساوي خمسين بمئة.
طالب: يُغبَن.
الشيخ: رشيد ولَّا غير رشيد؟
طالب: غير رشيد.
(1/4906)
________________________________________
الشيخ: غير رشيد، ليش؟ لأنه يُغبَن، قال: ما دام أكثر تصرفاته يُغبَن فيها فليس برشيد.
يقول: (بأن يتصرف مرارًا فلا يُغبَن غالبًا)، هذا ( ... ).
(ولا يبذل ماله في حرام)، (لا يبذل ماله) يحتمل أن يكون قوله: (ماله) يُراد به الجنس ليشمل بعض المال، ويحتمل أن يُراد بكلمة (ماله) جميع ماله، وهذا وارد، انتبه، إذا قلنا بالاحتمال الأول ألَّا يبذل شيئًا من ماله في حرام فهذا مشكل غاية الإشكال؛ لأنه يلزم منه أن هؤلاء الذين يشربون الدخان كلهم سفهاء غير مرشدين؛ لأنهم يبذلون شيئًا من مالهم في محرَّم، ولما كان هذا اللازم باطلًا كان الملزوم باطلًا، وعليه فيُراد بقوله: (ماله) أي كل ماله، أو أكثره، هذا الرجل كل المال اللي عنده يروح يشتري به آلات لهو؛ عود، طنبور، كمنجة، ربابة، كل ما ( ... ).
طلبة: ( ... ).
الشيخ: نعم ( ... ) هذا سفيه ولَّا رشيد؟
طالب: سفيه.
الشيخ: هذا سفيه ولَّا لا؟ هذا حرام، خمر، يبذل ماله في الخمر، كلما أُعْطِي راح -والعياذ بالله- إلى خانات الخمور واشترى وشرب، هذا سفيه لا شك، وكذلك لو صرفه في البغاء فهو سفيه ( ... )، إذا صرف ماله في حرام فهو سفيه.
(أو في غير فائدة) وهو عندي أنا كغناء ونفط، والمراد بالغناء غير المحرَّم؛ لأن الغناء المحرَّم محرَّم من القسم الأول؛ لكن الغناء غير المحرَّم، كيف غناء غير محرَّم؟ يعني مثل غناء مسجل على أشرطة غير محرَّم؟ ! لكنه غناء اقتداء الإبل، غناء العمال على عملهم، غناء اقتداء الإبل جائز ولَّا لا؟ جائز؛ لأن الرسول –عليه الصلاة والسلام- أقره، غناء العمال على عملهم ليستعينوا بذلك على العمل، جائز ولَّا لا؟
طالب: جائز.
الشيخ: جائز؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يتغنى وهو يحفر الخندق في بشعر عبد الله بن رواحة (2):
اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
حتى أنه إذا وصل آخرها يمد صوته: أبينااا
(1/4907)
________________________________________
وكذلك الصحابة ينتظرون عنده يقولون:
لَإِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلْ
لَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلَّلْ
فيجيبهم، فالبناؤون مثلًا الذين يستعينون على البناء بالأغاني؛ أرجوزة، أو مثلًا مطوَّلة من الطويل والبسيط، وما أشبه ذلك من بحور الشعر، فإن هذا لا بأس به.
هذا الرجل أعجبه حُدَاء هذا الإنسان للإبل ( ... ) نقول: هذا لا شك أنه سفيه، ولَّا لا؟
ونفط، ليشتري بماله النفط، نقول: هذا سفيه؟ النفط المعروف هذا.
طالب: أيش هو؟
الشيخ: إي نعم، البترول يسمى نفط، موجود من زمان، من عهد الرسول أو قبله، نقول: ما ندري كلام المؤلف ما هو على ظاهره، إلا لو اشترى نفطًا يَطَّلِي به ( ... ) لكان رشيدًا، لكن اشترى نفطًا لأجل يوقِد به النار، يحطه في قوارير، ولَّا يضعه في ( ... ) يَصُفُّهم مثلًا صَفًّا هندسيًّا، ثم يبدأ يشعل الكبريت ويحطه في واحد علشان يشوف أيش لون ارتفاع اللهب، أو إذا كان في ريح مثلًا يشوف الريح تميله يمينًا وشمالًا، ويطرب بهذا ويستأنس الرجل، يستأنس بهذا الشيء، ماذا نقول، سفيه ولَّا لا؟
طالب: سفيه.
الشيخ: هذا سفيه لا شك، المهم هو أن هذا مثالٌ ما هو للحصر، كل من يبذل ماله في غير فائدة دينية أو دنيوية فهو سفيه فلا يُعطَى المال.
يقول المؤلف: (ولا يبذل ماله في حرام، أو في غير فائدة) لو كان يبذل ماله في مستحب، كلما أعطيناه شيئًا راح للفقراء وقسمه عليهم ( ... )، هل تقولون: هذا رشيد ولَّا غير رشيد؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ( ... ) يعني إذا كان أهله محتاجين وراح يعطي الناس فهو سفيه، كذا؟ وإن كان أهله غير محتاجين وراح يعطي الناس فليس بسفيه، ويش تقولون؟
(1/4908)
________________________________________
لاحظوا الآن هذا الرجل، له الآن ست عشرة سنة، بالغ، قال لوليه: أعطني المال، قال: ( ... ) راح سوق الفقراء ووزَّعه عليهم ورجع، قال: أعطني مالًا، أنا رشيد، قال: أعطيك مالًا وتروح تعطيه الناس؟ ! قال له: أنا أتصدق به ( ... ) أَبَى أن يعطيه، وذهبنا إلى القاضي، وقال القاضي: يجب تعطيه ولَّا ما يجب؟
طالب: لا، ما يجوز.
الشيخ: واحد بذل ماله في الخير، بفائدة ولَّا غير فائدة؟
طالب: تصرَّف في ماله.
طالب آخر: تصرُّف ما فيه غبن.
الشيخ: ما فيه غبن.
طالب: ( ... ).
الشيخ: إي نعم، كلام المؤلف: (أو في غير فائدة).
طلبة: ( ... ).
الشيخ: في هذه الحال ليس برشيد، نعم لو تصدق بالشيء اليسير اللي جرت العادة بمثله فهذا يعتبر رشيدًا، والدليل على ذلك أن الفقهاء يقولون: إن الصبي أصلًا لا يصح أن يتبرع بشيء من ماله، لكن يصح أن يوصي بشيء من ماله.
وعَلَّلُوا ذلك بأنه إذا أوصى بشيء من ماله فإنه سوف يدفع بعد موته بعد أن تزول حاجته، بخلاف ما إذا تبرع، على كل حال الظاهر لي أن هذا الرجل لا يُدْفع إليه المال؛ لأنه يبذله بذلًا ليس ( ... )، ولكن الكلام في رجل بالغ، ما رأيكم الآن لو جاءنا رجل بالغ وقال: أنا أريد أن أتصدق بجميع مالي، تُبْطِلُون عليه؟
طلبة: لا، ( ... ).
الشيخ: (ولا يدفع إليه) الضمير يعود على الْمَحْجُور عليه لِحَظِّه من صغير، أو مجنون، أو سفيه.
(ولا يدفع إليه حتى يُختبر قبل البلوغ) بماله، (يُختبر) المعنى هنا ما هو الامتحان، معناه الوصول إلى العلم بباطن الحال؛ لأنه من الخبرة، والخبرة هي العلم ببواطن الأمور، وهي عند الناس الآن بمعنى الامتحان.
(1/4909)
________________________________________
قال المؤلف: (قبل بلوغه) يعني لا بد أن يكون الاختبار قبل البلوغ، لماذا؟ لأجل إذا بلغ، فمن حين بلوغه ندفع إليه المال؛ لأن الأصل في بقاء المال في يد الولي التحريم؛ لأنه لا بد ألَّا يستولي على المال أحد، فالأصل التحريم، ولهذا نقدِّم الاختبار قبل البلوغ من أجل أن ندفع إليه ماله فور بلوغه إذا علمنا رشده.
قال الله -عز وجل-: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُم}، قال: {ابْتَلُوا الْيَتَامَى}؛ ولكن لا بد أن يكون قبل البلوغ، وقال: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}، إذن فالاختبار قبل أن يبلغوا النكاح ولَّا بعد؟
طلبة: قبل.
الشيخ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} بعد بلوغ النكاح {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}، هذا الدليل على ما ذكره المؤلف رحمه الله.
وقوله: (بما يليق به) أفادنا -رحمه الله- أن اختبار هؤلاء ليس على حد سواء، بل يُختبر بما يليق به، فالمرأة لا نختبرها بالبيع والشراء، ليش؟ لأنها ليست من أهل البيع والشراء، نختبرها بما يليق بها في شؤون البيت، إذا عرفنا أنها مُصْلِحة للبيت، مُدَبِّرة في الطعام والشراب والأواني، وما أشبه ذلك، عرفنا أنها رشيدة، أما إذا كانت لا تعرف تدبير هذا الشيء، إذا أرادت أن تُخرِج طعامًا لثلاثة أخرجت طعامًا يكفي ثلاثين، وطبخته والباقي يُلْقَى، هذه رشيدة ولَّا غير رشيدة؟
طلبة: غير رشيدة.
الشيخ: غير رشيدة؛ لأنها بذلت مالًا في غير محله، كذلك إذا عرفنا أنها ( ... ) ما تبالى هذا الشيء، هذه رشيدة ولَّا غير رشيدة؟
طالب: غير رشيدة.
الشيخ: غير رشيدة، لا تنظف الأواني، ما يهمها يبقى الفنجان لا يُغسل شهرًا، هذه رشيدة ولَّا غير رشيدة؟ غير رشيدة، ؛ لأن الرشيدة هي اللي تُحْسِن التصرف.
(1/4910)
________________________________________
إذا كان هذا الرجل أو هذا الصغير ابنًا لتاجر، فبماذا نختبره؟ بالتجارة بالبيع والشراء، وما أشبه ذلك، ابنًا لفلاح؟ بشؤون الفلاحة.
المهم أن المؤلف يقول: (بما يليق به)، لا نطالب ابن الفلاح أن يكون عارفًا للبيع والشراء والأخذ والعطاء؛ لأن هذا ليس من شؤونه ( ... )، لكن لا يعرف شيئًا، لكن نقول: هل ( ... ) الفلاحة تمامًا ولَّا لا؟ يعني ننظر ( ... ) الأحواض، يعني لو حتى يتقطع وبنى الأحواض لحد النص والباقي ماشي، قلنا: ليش يا ولد هذا؟ قال: كله واحد ( ... )، هذا يحسن التصرف ولَّا ما يحسن؟
طالب: ما يحسن التصرف.
الشيخ: ما يحسن التصرف.
على كل حال المؤلف أعطانا قاعدة، قال: (حتى يُخْتَبَر قبل بلوغه بما يليق به)، ثم انتقل المؤلف بعد أن ذكر حكم الْحَجْر على هؤلاء، وبماذا يزول، وما هي الطريق إلى إزالته، بيَّنَ مَن وَلِيُّهم حال الْحَجْر.
يقول: (وولِيُّهُم حال الحجر الأب)، (الأب) خبر المبتدأ، (الأب) المراد به الأب الصلب دون الجد، فهذا وَلِيُّه.
(ووكيله يقوم مقامه) كما لو سافر الأب وأقام عليهم وكيلًا فإنه يقوم مقامه.
(ووَصِيّه)، قال المؤلف: (ثم وَصِيّه)، وصيه هو الذي وَكَّلَه عليهم بعد موته؛ لأن النائب عن المالك ذكرنا أنهم أربعة أصناف: وَلِيّ، ووَصِيّ، ووكيل، ونائب، فإذا أقام الإنسان مَن ينوب عنه في ولده الصغير فإن كان في حياته فهو وكيل، وإن كان بعد موته فهو وَصِي.
إذن وليهم (الأب، ثم وصيه، ثم الحاكم)، الحاكم يعني القاضي، الحاكم هو القاضي، فصار أولياء المحكوم عليهم الْحَجْر ثلاثةً، وإن شئت فقل: اثنان، وإن شئت فقل: أربعة.
نقول: اثنان، باعتبار الأصول، وهم الأب، والحاكم، وأربعة باعتبار الفروع، وهي: الأب، ومَن ينوب منابه مِن وكيل أو وصي، والحاكم ومَن ينوب منابه كالوكيل، عرفتم الآن؟
(1/4911)
________________________________________
فصار أولياء هؤلاء كم؟ اثنان أصالةً، وأربعة باعتبار نُوَّابِهم، فهو الأب والحاكم، أو مَن يُنِيبُه الأب من وكيل، أو وصي، والفرق بين الوكيل والوصي؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: يوصِي به، يعني يُوَلِّيه، يعني يُوَكِّله؟
الطالب: يوصِي به بما بعد ..
الشيخ: بعد الموت، والوكيل؟
الطالب: والوكيل ما أعرفه.
الشيخ: ما عرفته؟
الطالب: أنت ما عرَّفْتَه ( ... ).
الشيخ: الجد، هل له ولاية على أولاد ابنه؟ لا، الأخ الشقيق له ولاية على إخوته؟ لا، الأم لها ولاية على أولادها؟ لا، هذا على المذهب، المذهب ما فيه ولاية في المال إلا هؤلاء: الأب ومَن ينوب منابه، والحاكم ومَن ينوب منابه، هذا في المال، الابن يكون وَلِيًّا على أبيه؟
طالب: لا.
الشيخ: أنا قصدي الأب وصل إلى درجة لا يُحْسِن التصرف لكِبَر، أو مرض، هل يكون ابنه وليًّا له؟ المذهب لا، لا يكون وليًّا له، فإذا وجد أنه رجل كبير السن ولا يحسن التصرف في ماله وله ابن عاقل رشيد عَدْل وبَارّ ومن أحسن الناس تصرفًا، نقول: ما يجب تستولي على مال أبيك، ولا تتصرف في مال أبيك، مَن يقول بهذا؟ القاضي هو الذي يملك الولاية، إن شاء ولَّاك، وإن شاء وَلَّى غيرك، هذا ما ذهب إليه المؤلف -رحمه الله- وهو المذهب.
والقول الثاني في المسألة: أن الولاية تكون لأولى الناس به، ولو كانت الأم إذا كانت رشيدة؛ لأن المقصود حماية هذا الطفل الصغير، أو حماية المجنون، أو السفيه، فإذا وجد مَن يقوم بهذه الحماية من أقاربه فهو أولى من غيره، وهذا الذي ذكرناه هو الحق، إن شاء الله تعالى.
وعليه فالجد أبو الأب يكون وليًّا لأولاد ابنه، والأخ الشقيق وليّ لأخيه الشقيق الصغير، والأم إذا عدم العَصَبَة تكون وليَّة لابنها.
نعم إذا قُدِّر أن أقاربه ليس فيهم الشفقة والْحُنُوّ والعطف فحينئذ نلجأ إلى الحاكم ليولي مَن هو أحلم.
قال المؤلف -رحمه الله-: (ولا يتصرف لأحدهم وَلِيُّه إلا بالأحظ)، أيش إعراب (وَلِيُّه)؟
(1/4912)
________________________________________
طالب: فاعل.
الشيخ: فاعل، (لا يتصرف لأحدهم وَلِيُّه) لأحدهم، أي: هؤلاء الثلاثة، وهم: الصغير والمجنون والسفيه، إلا بالأحظ، وما الأحظ؟ يعني الأفضل والأحسن.
دليل ذلك: أثرٌ ونظرٌ؛ أما الأثر فقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
وأما النظر فلأن هذا الولي يتصرف لغيره، فوجب عليه أن يأخذ بالأحظّ، لو كان الإنسان تصرف بنفسه فهو حُرّ، لكن يتصرف لغيره؟ لا بد أن يأخذ بالأحَظّ، وهذا شامل في الولايات الدينية والولايات الدنيوية، لا يتصرف الولي على أحد، سواء كانت الولاية دينية أو دنيوية إلا بالأحسن، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» (3)، لماذا؟ لأنه إذا كان إمامًا فهو ولي، وإذا كان يُصلي وحده فهو أمير نفسه، ومِن ثَمَّ أيضًا نقول: لا يجوز للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعلَ ما يجب، ويُكْرَه أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يُستحب، ويطيل؛ لأنه يحرم عليه أن يخالف السنة.
لو قيل بذلك لكان له وجه، لا سيما إذا علمنا أن المأمومين يودون تطبيق السنة، فمثلًا إذا أراد أن يصلي الفجر بقصار المفصَّل على المذهب هذا جائز، ؛ لكن لو قيل بأنه ليس بجائز؛ لأنه خلاف السنة، لا سيما إذا علمنا أن أهل المسجد يرغبون أن يفعل السنة فيهم، لو قيل أنه غير جائز لكان له وجه؛ لأنه قال: إن مَن يتصرف لغيره فإنه يجب عليه أن يعمل بالأحسن.
{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فمثلًا هذا الرجل الولي نقول: لا تتصرف إلا بما هو أَحَظّ، فإذا أردت أن تشتري سلعة وأمامك سلعة أخرى، السلعة الأولى فُرِضَ أنها تربح عشرة بالمئة، والثانية تظن أنها تربح عشرين بالمئة، أيهما تأخذ؟
طالب: الثانية.
الشيخ: الثانية، وجوبًا ولَّا جوازًا؟
طالب: وجوبًا.
(1/4913)
________________________________________
الشيخ: وجوبًا؛ لأن هذا هو الأحسن، لكن لو كنت تتصرف لنفسك وعُرِضَت عليك سلعتان، والأولى تربح عشرة بالمئة والثانية عشرين بالمئة، وأخذت بالعشرة في المئة، يجوز ولَّا لا؟ يجوز، لكن تتصرف لغيرك لا يجوز، لو عُرِض عليك أن يبيع العقار أو يبقيه، أيهما أحسن؟
طالب: ينظر المصلحة.
الشيخ: ؛ ينظر المصلحة، لكن الغالب أن بقاء العقار أنفع، لا سيما العقار المغِلّ الذي يأتي بغَلَّة، ولهذا قال بعض العلماء: أنه لا يبيع العقار إلا إذا كان هناك ضرورة أو غبطة.
وقد جرت المحاكم عليه الآن، فالعقار لا يُباع إلا بواسطة المحكمة؛ لأن العقار ثابت وباقٍ، والدراهم عُرْضَة للتلف والزوال، فيحتاط الإنسان في العقار أكثر ما يحتاط في غيره.
قال: (ويَتَّجِر له مجانًا)، وأيش معنى يَتَّجِر؟ يعني يبيع ويشتري بماله بالتجارة مجانًا بدون مقابل، لماذا؟ لأنه نائب مَنَاب المالك، والنائب مَنَاب المالك لا يتصرف بما فيه حَظٌّ لنفسه، فإذا اتَّجَر له بدراهم أو بسهم فقد تصرَّف تصرفًا يعود نفعه إلى نفسه، وهذا لا يجوز.
مثال ذلك: رجل ( ... ) ويشتري بمال هذا الصغير، نقول: ليس لك شيء من المال أبدًا، لماذا؟ السبب لأنه يتصرف لغيره بنفسه، ومَن تصرف لغيره بنفسه لا يأخذ على ذلك أجرًا، هذا ما مشى عليه المؤلف -رحمه الله- أن الولي يتَّجِر له مجانًا، ومعلوم أننا إذا قلنا للولي أنه يجب عليك أن تَتَّجِر له مجانًا فلا تأخذ شيئًا، لو قلنا له هذا هل يكون حريصًا على الاتجار بالمال؟ أسألكم ولا تجيبوا إلا باليقين.
طالب: لا، لا يحدث.
(1/4914)
________________________________________
الشيخ: غالبًا لا يحدث، يقول: أنا مثلًا أتعب وأنا ما آخذ شيئًا، لا، فأنا بريّح نفسي، ويأتي بالمذهب المشهور عند العامة الذي يقول: احفظ للناس ولا تُصْلِح لهم، كلمة مشهورة عند العامة، احفظ للناس ولا تُصْلِح لهم، أنا حافظ المال الآن، ولا أتصرف فيه، ما دام ما أنا آخذ شيئًا، ولهذا كان القول الثاني في المسألة أنه إذا اتَّجَر فله أن يأخذ أقل مما يأخذه غيره.
يُقال: لو أن غيرك اتَّجر بهذا المال، كم يُعطَى منه؟ قال: يُعطَى الرُّبع، أو الْخُمُس، نقول: خذ الْخُمس، يعني أقل ما يمكن أن يُعطَى، لماذا؟ لأن تصرف هذا الإنسان في مال هذا الصغير ليس باختيار منه، ولكنه بولاية من الشرع، فهو في الحقيقة إنما يتصرف تصرفًا شبه مُجْبَر عليه، فله أن يَتَّجِر ويأخذ من الربح، لكن بأقل مما يأخذه مَن يَتَّجِر بهذا المال.
يقول: (وله دفع ماله مضاربةً بجزء من الربح)، (مضاربة) ويش معناها؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ( ... ) المضاربة دفع المال لمن يَتَّجِر به بجزء مشاع معلوم من الربح، هذه المضاربة، انتبه، بجزء لا بِكُلّ، مشاع لا معيَّن، معلوم لا مجهول، من الربح لا من رأس المال، كم الشروط؟
طالب: أربعة.
الشيخ: عدهم.
طالب: أن يكون بجزء، مشاع، معلوم.
طالب آخر: من الربح.
الشيخ: من الربح، بجزء لا بكل، فلو أعطيتك المال وقلت: خذ هذا المال اتَّجِر به ولك جميع الربح، هل هو مضاربة؟
طالب: لا.
الشيخ: هذا ( ... ) ولو قلت: خذ هذا المال اتَّجِر به ولك من ربحه مئة درهم؟
طالب: غير مضاربة.
الشيخ: غير مضاربة، نحن قلنا: جزء مشاع، وهذا جزء معين، معلوم، لو قلت: خذ هذا المال اتَّجِر به ولك بعض ربحه، ما يصح، ليش؟ لأنه غير معلوم، ولو قلت: خذ هذا المال اتَّجِر به ( ... )، أعطيتها زيدًا يَتَّجِر بها وله نصف الربح، جائز ولَّا لا؟ جائز.
(1/4915)
________________________________________
عندي مئة ألف ريال ( ... ) أعطيتها رجلًا يَتَّجِر بها مضاربة بجزء من الربح، قلت: خذ هذا المال اتَّجِر به مضاربة ولك نصف ربحه، يجوز ولَّا لا؟ يجوز، لكن بشرط أن أرى أن هذا هو أحسن ما يكون في مال هذا الصبي، {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
إذا كان هذا الرجل يأخذ النصف، ولكن جاء رجل آخر يقول: يكفيني ثلث الربح، يجوز أُعْطِي الأول؟ إن قلتم: لا، قلنا: خطأ، وإن قلتم: نعم، قلنا: خطأ.
طالب: إذا كان الأول أحسن خِبْرَة ( ... ) نعطيه.
الشيخ: إذن فيه تفصيل، جاءني رجلان قال أحدهما: أنا آخذ مئة ألف بالمضاربة بثلث الربح، وآخر قال: آخذها بنصف الربح، مَن نعطيها؟ لو تساوى الرجلان في الأمانة وفي التصرف والمعرفة والحرص وجب أن نعطِي الأقل اللي يقول: يكفيني الثلث، لكن إذا كان الذي طلب النصف أقوى أمانة من الآخر، يعني: أكثر أمانة وأقوى، أو كان أعرف وأحسن تصرفًا، فالواجب أن نعطي الأخير، ولو كان السهم الذي طلبه أكثر من السهم الذي طلبه الآخر، والآية الكريمة يقول الله -عز وجل- فيها: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فأنت تنظر إلى الأحسن واتبعه، والله أعلم. ( ... )
(الفقير من مال موليه الأقل من كفايته، أو أجرته مجانًا)، مجانًا يعني بلا عِوَض، يأكل الولي الفقير، أفادنا المؤلف أنه لا يجوز للولي الغني أن يأكل، وإنما يأكل الولي الفقير فقط؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}، يعني من كان غنيًّا ووليًّا على مال اليتامى فليستعفف عنه ولا يأكل منه شيئًا، ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف، أي: بما جرى به العُرْف من غير إسراف ولا نقص، والأفضل أن يستعفف.
(1/4916)
________________________________________
فقوله: {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}، اللام للأمر المقابل للأمر بالترك، فيكون المراد بالأمر هنا الإباحة؛ لأن الأمر في مقابلة النهي للإباحة، أي: ومن كان فقيرًا فلا بأس أن يأكل، ولكن يأكل بالمعروف، أي بما جرى به العرف، ولكن ما هو المعروف؟ قال المؤلف: (الأقل من كفايته، أو أُجْرَتِه)، هذا المعروف، هذا رأي المؤلف.
فإذا قيل: هذا الرجل كفايته في الشهر مئة ريال، يبغي غداء، وعشاء، وفطورًا، وغسيل ثياب، وما أشبه ذلك، هذا يكفيه مئة ريال، وأُجْرَة مثله، يعني لو أننا استأجرنا شخصًا يتولى مال هذا اليتيم صارت ثمانين ريالًا، ويش يأخذ؟
طالب: ثمانين ريالًا.
الشيخ: ثمانين ريالًا؛ لأنها أقل من مئة، بالعكس كفايته ثمانون؛ ولكن أجرته مئة، ويش يأخذ؟ يأخذ ثمانين، أجرته مئة وكفايته مئة، يأخذ أيش؟
طالب: يأخذ مئة.
الشيخ: على أنها أجرة، أو على أنها كفاية؟
طالب: الاثنين؛ على أنها أجرة وكفاية.
الشيخ: يأخذ مئة، سَمِّهَا أجرة، أو سَمِّها كفاية، وظاهر الآية الكريمة أنه يأكل بالمعروف مطلقًا، سواء كان الأكل أكثر من أجرته أم أقل، لكن العلماء -رحمهم الله- وفقهاءنا يقولون: نعامله بالأبَرّ، من أجل مصلحة اليتيم.
ولكن مَن ذهب إلى ظاهر الآية قال: إننا لا نقيس هذا الرجل الولي الذي عنده من الْحُنُوّ والشفقة ما ليس عند غيره، لا نقيسه بالأجنبي، يعني لو فرضنا أن غيره لو قام على هذا المال لكفاه ثمانون، وهذا كفايته مئة، نقول: هذا يمتاز عن الأجنبي، بماذا؟ بالحنو، والشفقة، وأنه يعطف على هذا اليتيم، ويحرص على حماية ماله، فهو أعظم من الأجنبي.
لكن مَن سلك سبيل الورع فلا شك أن الورع ما ذهب إليه الفقهاء -رحمهم الله- وألَّا يأخذ أكثر من كفايته، وأن يأخذ الأقل من كفايته، أو أجرته مجانًا.
(ويُقبَل قول الولي والحاكم بعد فك الحجر في النفقة، والضرورة، والغبطة، والتلف، ودفع المال)، هذه عدة أشياء، أولها: قد يُقبل قول وليه في النفقة.
(1/4917)
________________________________________
لما فُك الْحَجْر، وكان هذا اليتيم قد ورث من أبيه مئة ألف، لما بلغ أعطاه الولي خمسين ألفًا، قال: وين الخمسون الباقية؟ قال: أنفقتها عليك هذا المدة، مَن القول قوله؟ القول قول الولي، إذا قال هذا اليتيم الذي بلغ: أنت ما أنفقت إلَّا ثلاثين ألفًا، وقال الولي: بل أنفقت خمسين، فالقول قول الولي، لماذا؟ لأنه مؤتَمَن، والأمين قوله مقبول؛ ولكن لا بد من اليمين، ويُشترط في قبول قول الولي ألا يخالف العادة، فإن خالف العادة فإنه لا يُقْبَل إلا ببينة، مثلًا بقي المال بيده أي بيد الولي ثلاث سنوات، وهو ينفق على هذا الصغير، وبلغ بعد ثلاث سنوات، وقال: أنفقت عليك في هذه السنوات ستة وثلاثين ألفًا، أي: كل سنة اثني عشر ألفًا، يعني كل شهر ألف ريال، إذا نظرنا إلى معدل النفقة في هذه المدة وجدنا أنه لا يستغرق أكثر من خمس مئة ريال، وعليه فيكون العادة أن مثل هذه المدة ينفق عليه كم ريال؟
طالب: النصف.
الشيخ: ثمانية عشر ألف ريال، وهذا قال: أنفقت عليك ستة وثلاثين، فهل يُقبَل قول الولي حينئذ؟ لا؛ لأن هذا يخالف العادة، والفرق كثير، ؛ لكن لو قالوا: العادة أن ينفق عليه خمسة وثلاثين ألفًا، وهو ادعى ستة وثلاثين ألفًا، أيش نقول؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: أحسنت، هو قال: ستة وثلاثين، والناس قالوا: إن مثل هذا الزمن ينفق عليه خمسة وثلاثين، يُقبَل ولَّا لا؟ يُقبَل قول الولي؛ لأن واحدًا من ستة وثلاثين أمر مقبول، يمكن يأتي حالات مثلًا تزيد المعيشة، أو هذا الصبي يحتاج إلى دواء مثلًا، أو ما أشبه ذلك، أما شيء يخالف العادة والعرف فهذا لا يُقْبَل.
ويقول: (في النفقة).
والثاني: (في الضرورة والغبطة)، الضرورة والغبطة متى تكون؟ تكون في بيع العقار؛ لأنه سبق لنا أنه لا يجوز للولي أن يبيع العقار إلا لضرورة، أو غبطة، الضرورة مثل أن يحتاج اليتيم إلى نفقة، وما عندنا فلوس، ما فيه إلا أن نبيع العقار ونأخذ النفقة، ويش تكون هذه؟ ضرورة.
(1/4918)
________________________________________
الغبطة أن يساوي هذا العقار ثمنًا زائدًا كثيرًا، فهذا غبطة، بمعنى أننا لو بعناه لاشترينا مثله مرتين، فهذه غبطة، فإذا بلغ الصبي وقال للولي: ليش تبيع عقاري؟ العقار أبقى من الدراهم، الدراهم تطير، تروح، والعقار ثابت، ليش تبيعه؟
قال: بعته لأني اضطررت إلى هذا، ما عندي نفقة، ماذا أصنع؟ يقدر يقول الصبي: اثبت ذلك ببينة؟ لا، نقول: يُقبَل قول الولي بذلك، لكن لا بد من أن يبيع.
كذلك الغبطة، قال: ليش تبيع عقاري؟ قال: لأنه جاب، هو يساوي مئة وبعته بمئتين، هذا غبطة ( ... )، هذه لولا أن جارك احتاج إلى عقارك ( ... ) شيء أبدًا، فيُقبَل قول الولي ولَّا لا؟ يُقْبَل.
كذلك يُقبَل قول الولي في التلف؛ تلف المال، كان هذا اليتيم قد خلَّف له أبوه خمس مئة ألف، وهذا الرجل قد وضع الخمس مئة ألف في صندوق محكَم وراء الأبواب، والأغلاق الوثيقة، وجاءت اللصوص تحتمل الصندوق ومشوا، قال له: أين الدراهم؟ يقول: أخذها اللصوص، يُقْبَل ولَّا لا؟ يُقْبَل.
خلَّف له والده غَنَمًا مئة رأس، ولما بلغ قال للولي: أين غنمي؟ يقول: غنمك أكلها الذئب، ( ... ) وهلكت الماشية، ماذا نقول؟ يُقبَل قوله؟ إي نعم.
لكن إذا ادعى التلف بسبب ظاهر، وهذا قاعدة عامة، إذا ادعى بسببٍ ظاهر فإنه لا يُقبَل حتى يُقيم بينةً بذلك السبب، ثم بعد ذلك نقبل القول بأنه تلف، فمثلًا إذا قال: والله مالك احترق، شبَّ حريقٌ في البيت واحترق، نقول: جيب بيِّنَة على أن بيتك احترق، ثم بعد ذلك ( ... ) نقبل قولك.
قال: والله المال انهدم عليه البيت، جاءت أمطار غزيرة وانهدم عليه البيت وراح، محتاج لبينة أم لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لأن السبب ظاهر، إذن التلف يُقبَل إلا إذا ادَّعَاه بسبب ظاهر فلا بد من إقامة البينة على هذا السبب، ثم يُقْبَل قوله بالتلف.
(1/4919)
________________________________________
ويُقبل قوله في دفع المال إلى اليتيم، ( ... ) والمجنون، والسفيه، هذا الصغير الذي بلغ، بلغ مثلًا قبل شهرين، ثم جاء إلى الولي، قال: أعطني المال، قال: مالك قد أعطيتك إياه، أعطيتك إياه قبل شهر، قال: جيب شهودًا، يُقبَل قول الولي أم لا؟ يُقبَل قوله في دفع المال، نقول: يُقبَل قول الولي، لكن على كل حال بيمين، هذا ما ذهب إليه المؤلف.
والقول الثاني: أنه لا يُقبَل قوله في دفع المال؛ لأن الله قال: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ}، فيُقال لهذا الولي: قولك غير مقبول؛ لأنه لو كان قوله مقبولًا لم يحتج إلى إشهاد.
فإن قلت: إن الله ذكر الإشهاد ليفتدي الإنسان يمينه بالشهود، يعني علشان إذا ادَّعَى عليه الصغير أنه لم يعطِه قال: هذا الشهود، وإذا أقام الشهود يحتاج إلى يمين ولَّا لا؟ ما يحتاج يمينًا، يعني لو قلت لي: إن الله أمر بالإشهاد، لا لأن قول الولي لا يُقبَل، ولكن من أجل أن يفتدي يمينه بالشهود علشان ما يحتاج إلى يمين، فأرشده الله إلى ذلك.
قلنا: ولنفرض أن الأمر كما قلت، فإن مخالفة الإنسان هذا لأمر الله يُعَدّ تفريطًا، لماذا لم يسترشد بإرشاد الله؟ ومعلوم أن المفرِّط لا يُقْبَل قوله، وهذا القول هو الراجح، ويؤيده أيضًا من حيث القواعد العامة أن الأصل عدم الدفع.
فإن قلت: إن الأصل عدم الدفع، لماذا لم تقل: إن الأصل عدم التلف، وأنت قلت الآن: أنه يُقبل قولُه بالتلف، قلنا: الفرق أن مُدَّعِي الدفع يدعي فعلًا مُرَكَّبًا من فعل نفسه وفعل غيره؛ لأن الدافع يحتاج إلى مدفوع إليه، بخلاف التلف، فظهر الفرق بينهم.
إذن فالصواب أن قول الولي في دفع المال إلى الصغير غير مقبول، الدليل قوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ}.
(1/4920)
________________________________________
والتعليل أن الأصل عدم الدفع، ؛ ولأن الدافع يَدَّعِي أن المدفوع إليه قد قبض، سواء قد ادعى على غيره فعلًا وقع منه والغير ينكر ذلك، والبينة على المدَّعِي، واليمين على مَن أنكر. ( ... )
***
(وما استدان العبدُ لزم سيدَه إن أذِن له)، (ما استدان) هذه شرطية، و (لزم) جواب الشرط، يعني أن العبد إذا استدان شيئًا بإذن سيده لزم سيدَه.
مثاله: ذهب العبد بإذن سيده إلى صاحب الدكان، وقال: أعطني السلعة الفلانية، فأعطاه السلعة الفلانية مثلًا بقيمة تبلغ ألف ريال، مَن الذي يدفع الألف ويطالَب به؟ السيد، هو الذي يُطالَب بالألف ويُلزم بدفعها؛ لأنه إنما استدان بإذن سيده، فلزم السيد.
فإن قال السيد: أنا لم آذن لك، قلنا: إما أن يأتي العبد بالبينة، وإلَّا تعلق برقبته؛ برقبة العبد، الفرق بين التعلق بالرقبة والتعلق بذمة سيده أنه إذا تعلَّق بذمة السيد لزمه وفاؤه مهما بلغ، حتى لو كان أكثر من قيمة العبد عشر مرات يلزمه بكل حال.
يقول المؤلف: (وما استدان العبد لزم سيدَه إن أذِن له وإلا ففي رقبته)، يعني: وإلّا يأذن له ففي رقبته، (إلّا) هذه حُذِفَ منها شيء، فعل الشرط، يعني: وإلَّا يأذن ففي رقبته، أي: رقبة العبد، وإذا تعلق برقبته فإنه يُخيَّر السيد بين أن يسلِّم عنه الدَّيْن، وبين أن يبيعه ويدفع ثمنه في الدَّيْن، وبين أن يسلِّمه إلى صاحب الدَّيْن، كم هذه؟ ثلاثة، يُخيَّر بينهم؛ إذا تعلق الدَّيْن برقبة العبد فإنه يُخيَّر السيد بين ثلاثة أمور؛ إما أن يفديه، يعني يسلِّم الدَّيْن عنه، ويبقى العبد للسيد، أو يسلِّم العبد إلى مَن له الدَّيْن، يقول: هذا العبد اللي استدان ما أبغاه، خذوه، أو يبيعه على إنسان آخر ويسلِّم ثمنه لصاحب الدَّيْن.
(1/4921)
________________________________________
أما المسألة الأولى واضحة؛ أن السيد يدفع الدَّيْن عن العبد، ويبقى العبد للسيد، لكن المسألة الثانية والثالثة ما الفرق بين كونه يسلمه إلى صاحب الدَّيْن، أو يبيعه ويسلِّم ثمنه؟ الفرق ( ... ) يكون صاحب الدَّيْن رجلًا سيئ الأخلاق غير أمين على العبد، ما هو أمين، فحينئذٍ أُرَجِّح أي شيء؟ أرجح أن يبيعه على إنسان موثوق، وآخذ الثمن وأعطيه لصاحب الدَّيْن، وقد يكون الأمر بالعكس، يكون صاحب الدَّيْن رجلًا أمينًا ثقة، وأخلاقه طيبة، فأسلِّم إليه العبد، هذا التخيير الذي يكون للسيد هل هو تخيير تَشَهٍّ، أو تخيير مصلحة؟ هذا تَشَهٍّ، بمعنى أن السيد مُخَيَّر اللي يرى أن يفعله يفعله، التخيير يكون تخيير مصلحة إذا كان الإنسان يتصرف لغيره، فإنه يكون تخيير مصلحة، أما اللى يتصرف لنفسه فهو تخيير تَشَهٍّ.
ولهذا السيد هنا ماذا يختار؟ هل يختار أن يفديه بأن يسد الدَّيْن عنه، أو يختار أن يسلمه لصاحب الدَّيْن، أو ماذا؟ ( ... )
إذا كان الدَّيْن أقل من قيمة العبد يختار أن يفديه، إذا كان الدَّيْن أكثر من قيمته يختار أن يسلِّمه، أو أن يبيعه، واضح؟ لكن في المسألتين ( ... ) أي بيعه، أو تسليمه لصاحب الدَّيْن قد نقول: إن التخيير هنا يجب أن يكون تخيير مصلحة، يُنْظَر فيه إلى مصلحة العبد.
قال: (وإلا ففي رقبته)، وإذا كان في رقبته ماذا يقول؟ يُخيَّر بين أمور ثلاثة: (كاستيداعه) يعني أن أضع عنده الوديعة فيتصرف فيها ويتلفها، يعني رجل وَضَعَ عند هذا العبد وديعة، العبد جاب له الدراهم ألف ريال ( ... )، بدي أشتري أشياء، أو يذهب إلى مباريات، أو ما أشبه ذلك؛ لأن العبد يهوى الرياضة، فصار ينفق هذه الدراهم في هذه الأشياء.
صاحب الوديعة جاء يطلبها، الدراهم صرفناها ( ... ) ذهب يتفرج على المصارعين وما أشبه ذلك، ماذا يقول صاحب ( ... )؟ نقول: الآن هذا الدَّيْن يتعلق في رقبته، أي: رقبة العبد، ويُخيَّر سيده بين الأمور الثلاثة.
(1/4922)
________________________________________
قال: (وأَرْش جنايته)، أرش الجناية أيضًا يتعلق برقبة العبد، ويش معنى أرش؟ أي: قيمة الجناية.
مثاله: عبدٌ جرح رجلًا في رأسه حتى أوضح العظم، كم فيه من الإبل؟ فيها خمس من الإبل، يتعلق الأرش هنا برقبة العبد، فنقول لسيده: سَلِّم خمسة إبل ( ... )، أو يبيعه ويسلِّم الثمن لِمَن جنى عليه، هذا معنى قوله: (أرش جنايته).
(وقيمة مُتْلَفِه)، يعني ما أتلفه فإنه يتعلق برقبته.
مثال هذا: رجل أتلف على إنسان طعامه، عبد أتلف على إنسان طعامه، يتعلق ذلك برقبته، أتلف له سيارة ( ... ) يتعلق برقبته، قتل بعيره يتعلق برقبته، والذي يتعلق برقبته فإنه كما قلنا: يخيَّر السيد بين أمور ثلاثة.
[باب الوكالة]
ثم قال المؤلف: (باب الوكالة).
الوكالة يُقال: وَكالة، ووِكالة، كما يُقال: وَلاية، ووِلاية، وهي في اللغة التفويض، ومنه قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 81] أي: كفى به مفوَّضًا إليه الأمور.
والوَكالة لغةً: التفويض، وأما شرعًا: فهي استنابة جائزِ التصرفِ مثلَه بما تَدْخُلُه النيابة، فيُشْتَرَط أن يكون الموكِّل جائز التصرف، وأن يكون الوكيل كذلك التصرف، وأن يكون وكيله كذلك جائز التصرف، وأن يكون العمل مما تَدْخُلُه النيابة، ولهذا نقول: استنابة جائز التصرف مثلَه، أي: شخص جائز التصرف، بما تَدْخُله النيابة.
لو أن صغيرًا وكَّل إنسانًا في بيع ماله، تصلح هذه الوَكالة؟ لا تصلح، ليش؟ لأنه غير جائز التصرف.
لو أن شخصًا بالغًا عاقلًا رشيدًا وكَّل صغيرًا في شيء من الأشياء فإنه لا تصح؛ لأنه ليس جائز التصرف، لو وكَّل إنسانًا يصلِّي عنه، لا تصح، لماذا؟ ما تدخله النيابة.
وكّله يتوضأ عنه ويصلي، قال: توضأ عني، وأنا أصلي، لا يصح هذا، ليش؟ ما تدخله النيابة.
وكّله أن يصوم عنه؟ ما يصح، لكن إذا مات وعليه صيام صام عنه وكيله.
(1/4923)
________________________________________
وكَّله أن يحج عنه؟ فيه تفصيل؛ إن كان في واجب والإنسان الموكِّل غير قادر، ولا يُرْجَى أن يقضي في المستقبل فإنه يصح، وإلا فلا.
وكَّله أن يُخْرِج الزكاة عنه، جائز، وكَّله أن يَذْبَح الهدي عنه، جائز؛ لأنه تدخله النيابة.
إذن العمل الذي تدخله النيابة يجوز التوكيل فيه، والذي لا تدخله النيابة لا يجوز فيه التوكيل.
ثم قال المؤلف: (تصح لكل قول يدل على الإذن، ويصح القبول على الفور والتراخي بكل قول أو فعل يدل عليه).
الوَكالة من أوسع العقود، يصح بها الإيجاب بالقول وبالفعل، والقبول بالقول وبالفعل.
مثال القول، أقول: وكَّلْتك في بيع كذا وكذا، هذا إيجاب بالقول، ومثاله في الفعل: رجل صاحب دكان يبيع للناس التمر والخضار، وما أشبه ذلك، فجاء الفلاح ووضع التمر على عتبة دكانه، أو وضع الخضار على عتبة دكانه، هذا توكيل ولَّا لا؟
طالب: توكيل.
الشيخ: بماذا؟
الطالب: بالفعل.
الشيخ: بالفعل، هذا توكيل بالفعل، القبول كذلك يصح بالقول وبالفعل، مثل قلت: وكَّلْتُك أن تبيع هذا لي، فقال: قبلت، هذا قبول بالقول، بالفعل؛ قلت: وكَّلتك أن تبيع هذا لي، فأخذته أنت من يدي، وذهبت وبعته، هذا قبول بالفعل.
وتصح الوكالة أيضًا مقيَّدة ومطلقة؛ مقيدة بشيء معين، ومطلقة عامة، وتصح مؤقتة ومؤبَّدة، المهم أنها من أوسع العقود، والله أعلم.
( ... ) القرآن، والسنة، والقياس، يعني النظر، أما القرآن فقال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام، قال لهارون: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ}، هذه وَكالة، وكَّل سليمان الهدهد: {اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِه إِلَيْهِمْ، ثم تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}، وما ذكره الله في القرآن عمن سبق فهو عبرة لنا وشرع.
(1/4924)
________________________________________
أما السنة فالأحاديث في هذا كثيرة، وكَّل النبي عليه الصلاة والسلام عروة بن الجعد أن يذبح له أضاحي، ووكَّل علي بن أبي طالب أن يذبح ما تبقى من الهدي في حجة الوداع، ووكّل أُنَيْسًا -رجل من الأنصار- أن يذهب إلى المرأة التي زنت، وقال: إن اعترفت فارجمها، والأحاديث في هذا كثيرة.
أما القياس والنظر فإنه يقتضي حِلَّها وجوازها، لماذا؟ لأن الإنسان قد لا يتمكن من فعل الشيء بنفسه، فإذا لم يتمكن من فعل الشيء بنفسه فإما أن تفوت مصلحة هذا الشيء، وهذا ضرر على بني آدم، وإما أن يتجرأ على إقامة غيره مقامه مع التحريم، وهذا أيضًا مضرة؛ لأنه في الأول تفوته مصلحته الدنيوية، وفي الثاني تحصل له العقوبة الأخروية.
فكان من حكمة الشرع أن أجاز الوكالة فيما تدخله النيابة، وَجْه النظر؛ وجه دلالة النظر على جواز الوكالة؟
طالب: أن فيها منفعة للموكِّل ( ... ).
الشيخ: فكان من حكمة الشرع الحكيم أن أباح الوكالة.
الوكالة لها صيغة، صيغة العقد وهي: إيجاب، وقبول، الإيجاب هو اللفظ الصادر من الموكِّل، يعني أقول: وكَّلت فلانًا في كذا.
يقول المؤلف: (تصح الوكالة بكل قولٍ يدل على الإذن)، لو قلت: وكَّلتك أن تبيع هذا الشيء، انعقد، كذا؟ خذ هذا الشيء بعه، فأنا أعطيتك ما وَكَّلْتُك، لكن لما قلت: بعه، هذه الصيغة تدل على التوكيل.
(بكل قولٍ يدل على الإذن) هل له صيغة معينة شرعًا؟
الجواب: لا، وفي هذا الباب مشى الفقهاء -رحمهم الله- على القول الراجح؛ من أن العقود تنعقد بما دَلَّ عليها، وهذا هو القول الراجح المتعيِّن؛ أن العقود كلها تنعقد بما دل عليها، ولا ترتبط بلفظ معين، وعلى هذا فإذا قال الرجل للإنسان المتزوج: جَوَّزْتُك بنتي، فقال: قَبِلت، يصح العقد ولَّا لا؟
طالب: يصح.
الشيخ: على القول الراجح، أما على المذهب فلازم تقول: زَوَّجْتُك، أو أَنْكَحْتُك، أما جَوَّزْتك ما يصح، لكن الصحيح أنه يصح.
(1/4925)
________________________________________
لو قال: مَلَّكْتك بنتي، يصح على القول الراجح.
فالمهم ( ... ) ذكروا أنه يصح بكل قول يدل عليه، هل تصح بالفعل؟ يعني هل يكون الإيجاب بالفعل؟
الجواب: ذكرنا أمس أنه يصح بالفعل، وضربنا لذلك مثلًا لرجل أَعَدَّ مكانًا لتلقي السلع ليبيعها، فجاء أصحاب السلع ووضعوها في هذا المكان، يُعْتَبَر هذا إيجابًا بالفعل، وقلنا: إن هذا يقع كثيرًا في أسواق الخضر، وبيع التمر، تجدهم مثلًا عندنا يجيبون التمر يضعونها في محل هذا الرجل الدلَّال ويبيع، نقول: هذا توكيل بالفعل.
لكن لننظر كلام المؤلف الآن: (تصح بكل قول يدل على الإذن، ويصح القبول بكل قول وفعل)، فإن كلام المؤلف يدل على أن الإيجاب لا يصح إلا بالقول؛ لأنه قال: (بكل قول)، وفي القبول قال: (بكل قولٍ أو فعل).
الآن نقول: كلام المؤلف يدل على أن الإيجاب لا يصح إلا بالقول، بخلاف القبول؛ فهو يصح بالقول أو بالفعل، والصحيح أن الإيجاب والقبول كلاهما يصحان بالقول وبالفعل.
قال: (بكل قول يدل على الإذن، ويصح القبول على الفور والتراخي)، يعني يصح أن يقبل الموكَّل، أو بعبارة أصح الوكيل، يصح أن يقبل الوكيل بكل قول، فإذا قال: وكَّلتك تبيع هذا الشيء، قال: قبلت، هذا قول، الفعل؛ قال: وكّلتك تبيع هذا الشيء، فأخذه الوكيل وباعه بدون أن يقول: قبلت، يصح ولّا لا؟ يصح.
يقول المؤلف: (على الفور والتراخي)، يعني يصح أن يقبل فورًا ( ... ) أو على التراخي، بأن يقول له: بع هذا الشيء، سكت الوكيل ما قال شيئًا، يعنى لم يقل: قبلت، فلما كان من الغد باعه، هذا قبول على التراخي ولَّا على الفور؟
طلبة: على التراخي.
(1/4926)
________________________________________
الشيخ: على التراخي، ويصح القبول بالقول والفعل، فوريًّا كان أم متراخيًا، فإن قلت: أتُصَحِّحُون القبول على التراخي؟ أفلا يمكن أن يكون الموكِّل قد عدل عن توكيله؟ يعني مثلًا هو قال لي: خذ هذا بِعْه ( ... )، وفي الصباح جئت به، ألا يمكن أن يكون صاحب الشيء هذا وهو الموكِّل قد عدَلَ عن رأيه؟ نقول: نعم يمكن، لكن الأصل عدم ذلك، فيكون تصرفه مبنيًّا على الإذن السابق.
(بكل قول أو فعل يدل عليه)، وعرفتم القول والفعل؛ القول بأن يقول: قبلت، والفعل: أن يسكت، ولكن يتصرف حسب الموقف.
ثم قال المؤلف قاعدة: (ومَن له التصرف بشيء فله التوكيل والتوكل فيه)، (مَن له) (مَن) شرطية ولَّا موصولية؟
طلبة: شرطية.
الشيخ: انتبهوا يا إخوان، الشرطية معروف أنها لا بد تدخل على الفعل، ما تدخل الشرطية إلا على فعل، نقول: إذا جعلناها شرطية نحتاج أن نُقَدِّر فعل الشرط، ونمتنع عن تصرف الشيء، وإذا جعلناها موصولة ما نحتاج إلى تقدير، وإذا دار الأمر بين التقدير وعدمه فالأصل عدمه، إذن نجعلها موصولة.
وأما الفاء في قوله: (فله)، فإنه قد سبق لنا مرارًا بأن الاسم الموصول يجوز أن يقترن بخبره الفاء؛ لأنه يشبه الشرط في العموم ( ... )، إذن هي موصولة.
(مَن له التصرف في شيء فله التوكيل والتوكل فيه)، يعني: ومَن ليس له التصرف فليس له التوكيل ولا التوكُّل، هذه القاعدة ليست على إطلاقها؛ لأن المراد بقوله: (في شيء)، أي: مما تدخله النيابة، فأما ما لا تدخله النيابة فإنه لا يصلح أن يوكِّل به ولا أن يتوكل، ثم إنه حتى فيما تدخله النيابة أشياء مُستثناة.
سنبدأ أولًا فيما إذا وكَّل شخصًا في أمرٍ ليس له التصرف فيه، مثل: قال: وكَّلتك في بيع بيت فلان، يصح ولَّا ما يصح؟
طلبة: ( ... ).
(1/4927)
________________________________________
الشيخ: ( ... )، قال: وكَّلتك أن تبيع بيت فلان، هذا الوكيل ( ... ) قال: وكّلتك في طلاق فلانة، وهو بعد ما تزوجها، ثم تزوجها، الرجل الموكِّل تزوج المرأة التي وكَّله في طلاقها، يصح التوكيل ولا ما يصح؟
الطلبة: ما يصح.
الشيخ: ما يصح؛ لأنه حين التوكيل لم يتزوجها.
وكّلتك في عتق هذا العبد، وهو إلى الآن ما ملكه؟ لا يصح؛ لأنه هو إذا اعتقه يصح ولَّا ما يصح؟
طلبة: ما يصح.
الشيخ: ما يصح، هذا الذي ليس له لما كان الموكِّل لا يتصرف هذا التصرف ما صح أن يوكِّل عليه.
يُسْتَثْنَى من ذلك توكيل الأعمى بصيرًا في شراء ما يُشْتَرَط لصحة بيعه الرؤية، الأعمى إذا اشترى شيئًا لا يصح شراؤه إلا برؤية، يصح ولَّا ما يصح؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لأنه مجهول له.
ومَن له التَّصَرُّفُ في شيءٍ فله التَّوكيلُ والتوكُّلُ فيه،
ويَصِحُّ التوكيلُ في كلِّ حقِّ آدَمِيٍّ من العُقودِ والفُسوخِ، والعِتْقِ والطلاقِ، والرَّجعةِ وتَمَلُّكِ الْمُباحاتِ من الصيدِ والحشيشِ ونحوِه، لا الظِّهارِ واللعانِ والأَيْمَانِ وفي كلِّ حقٍّ للهِ تَدْخُلُه النيابةُ من العِباداتِ والحدودِ في إثباتِها واستيفائِها، وليس للوَكيلِ أن يُوَكَّلِ فيما وُكِّلَ فيه إلا أن يُجْعَلَ إليه. والوَكالةُ عَقْدٌ جائزٌ، وتَبْطُلُ بفَسْخِ أحدِهما ومَوْتِه وعَزْلِ الوَكيلِ وحَجْرِ السفيهِ، ومَن وُكِّلَ في بيعٍ أو شِراءٍ لم يَبِعْ ولم يَشْتَرِ من نفسِه ووَلَدِه، ولا يَبيعُ بعَرَضٍ ولا نَسَاء ولا بغيرِ نقْدِ البَلَدِ، وإن باعَ بدونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أو دونِ ما قَدَّرَه له أو اشترى له بأكثرَ من ثَمَنِ الْمِثْلِ أو مما قَدَّرَه له صَحَّ , وضَمِنَ النقصَ والزيادةَ،
الشيخ: فقير.
طالب: الموكّل.
الشيخ: الموكّل اللي معي، لكن أنا واثق من هذا الرجل، أليس يجوز أن أوكل شخصًا في شراء شيء غائب عني ولو اشتريته أنا وهو غائب عني؟
طلبة: ما يجوز.
(1/4928)
________________________________________
الشيخ: ما يجوز، لكن يجوز إني أوكل، فمعنى هذا إني لو باشتري ذراعًا ( ... ) مدة، معناه على كلامك ما يجوز؛ لأني ما شفته، لكن يجوز إني أوكل واحدًا يشتريها لي، إذن هذا مستثنى.
رجل ما يشم الرائحة، يبغي يشتري طِيبًا، قطعًا اللي ما يشم يمكن يجيبوا له خبيزة أسود، وجابوا له مثلًا ..
طالب: دهن عود.
الشيخ: لا، دهن العود فيه سواد شوي، لكن ماء الورد أبيض، قالوا: هذا خبيزة، هذا دهن عود طَيِّب، وهو أسود مر، وهذا ( ... ) ويش اللي يشتري؟
طالب: يشتري خبيزة.
الشيخ: نعم، بيشتري خبيزة، هذا الرجل قال: ما أشتري، أبغي أوكل واحدًا بيشم علشان يشتري لي طِيبًا، يجوز ولّا لا؟
طلبة: نعم يجوز.
الشيخ: يجوز، على هذا إذن هذه مستثناة من قوله: (ومن له التصرف في شيء فله التوكيل فيه). نقول: يُسْتَثْنَى من ذلك ما يُشْتَرَط لعلمه الرؤية، فإن الأعمى يجوز أن يوكِّل فيهم بصيرًا يشتري له، وما يشترط لصحة بيعه الشم فلمن لا يشم أن يوكِّل، وما يُشْتَرَط لصحة بيعه العلم به، هو لا يعلم بهذه الأشياء، لكن وَكَّلَ شخصًا في ذلك فإنه جائز، المهم أن مثل هذه المسائل تجوز؛ لأن هذه من الْحِكَم، ( ... ).
(وله التوكُّل فيه)، يعني مَن له التصرف في شيء فله أن يتوكَّل فيه، فمن ليس له أن يتصرف في شيء فليس له التوكل، هذه قاعدة عامة ولا يُسْتَثْنَى منها شيء؟
طالب: يُسْتَثْنَى منها.
الشيخ: يُسْتَثْنَى منها شيء؛ من ليس له التصرف في شيء فليس له أن يتوكل فيه، لكن يُسْتَثْنَى من هذا شيء، مثلًا فقير وَكَّلَ غنيًّا في قبض الزكاة له، الغني يجوز يأخذ الزكاة؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، لكن لو وَكَّلَه الفقير في قبض الزكاة له يجوز، إذن هذا جاز أن يتصرف لغيره بالوكالة، ولا يجوز أن يتصرف لنفسه، امرأة يجوز أن تطلِّق نفسها؟
طالب: لا.
الشيخ: وكَّلها زوجها بطلاق نفسها.
طالب: يجوز.
(1/4929)
________________________________________
الشيخ: يجوز، لماذا؟ لأن هذا لمعنى يتعلق بالزوج، والزوج قد أذن فيه، بخلاف ما إذا طلقت هي نفسها، فصارت القاعدة هذه يُسْتَثْنَى منها شيء، ثم قال المؤلف (ويصح للتوكيل).
طالب: التوكيل والتوكل ويش معناه؟
الشيخ: التوكيل هو الصادر من الموكِّل، والتوكُّل الصادر من الوكيل، يعني أتوكل أكون وكيلًا لك، أُوَكِّل يعني أقيم غيري مقامي.
يقول المؤلف: (ويصح التوكيل في كل حقِّ آدميٍّ من العقود والفُسُوخ والعتق والطلاق والرجعة وتملُّك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه، لا الظِّهار).
حقوق الآدميين تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم يصح التوكيل فيه مطلقًا.
وقسم لا يصح مطلقًا.
وقسم يصح عند العذر.
القسم الذي يصح مطلقًا، يقول: (يصح التوكيل في كل حق آدمي من العقود)، سواء كانت العقود عقود تبرعات، أو معاوضات، أو أنكحة، أو توثيقات، أو غير ذلك، مثال عقود المعاوضات: وكَّلْتك تبيع لي شيئًا أو تشتري، أو لا؟
الدليل؛ أولًا: قلنا إن الأصل في العقود الحل، فلا يطالَبَنَا أحد بالدليل؛ لأن المانع هو الذي عليه الدليل، وعلى هذا فنقول: الدليل هو عدم الدليل، فإذا قال لنا قائل: ما هو الدليل على الحل؟ نقول؟
طالب: الدليل عدم الدليل.
الشيخ: الدليل عدم الدليل، أي: عدم الدليل على المنع؛ لأن الأصل في العقود الحل؛ هذه العقود.
قال: (والفسوخ)، كيف أُوَكِّل في الفسخ، الفسوخ مثل الْخُلع، الْخُلع فسخ للنكاح، مَن الذي يُوَكِّل في الخلع؟ الزوج أو الزوجة؟
طلبة: الزوج.
الشيخ: كيف ذلك؟
طالب: أن يقول الزوج: أنا موكلك على الطلاق بالنسبة ( ... ).
الشيخ: لا، هذا طلاق.
الطالب: الْخُلع.
الشيخ: الْخُلع غير الطلاق.
الطالب: الْخُلع اللي هي يخلع الطلاق.
الشيخ: يخلع الزوجة يعني؟
الطالب: إي.
الشيخ: لا، يخلعها بأيش.
الطالب: بالطلاق. ( ... )
(1/4930)
________________________________________
الشيخ: فيذهب الوكيل إلى الزوجة ويقول: إن زوجك قد وَكَّلَنِي في خلعك، فكم تفديني من الدراهم مثلًا؛ لأن الخلع هو فراق الزوجة بعِوَض، قالت: أنا بعطيك مثلًا عشرة آلاف ريال، قال: هاتيها، فيكتب الوكيل: خالعت زوجة موكلي فلان فلانة على عِوَض قدره كذا وكذا.
هنا التوكيل منين؟ من الزوج، ولا بد أن نقول: هذا زوجة موكلي فلان فلانة، يسميها.
يكون أيضًا التوكيل من الزوجة، كيف؟ تقول لإنسان: وكلتك تخالعني من زوجي بعشرة آلاف ريال، فيذهب هذا الوكيل إلى الزوج ويقول: إن زوجتك وكلتني في مخالعتك، فخالعها، فيقول الزوج: خالعت زوجتي فلانة على عِوَض قدره كذا وكذا، سلَّمَني إياه وكيلُها، وإذا لم يكن سلَّمها الوكيل ما فيه مانع، المهم أنه يجوز التوكيل في الخلع من الزوج ومن الزوجة، الإقالة يجوز التوكيل فيها ولّا لا؟
طالب: ويش الإقالة؟
الشيخ: ويش الإقالة؟ الإقالة هي فسخ عقد البيع أو الإجارة أو غيرها، مثاله: اشتريت منك سيارة، ثم إن السيارة ما جزتني، فرجعت إليك وأنت البائع، وقلت: السيارة ما جزتني، ودِّي تقيلني البيع، فقلت: نعم أقيلك، هذه الإقالة، لو وَكَّلْت إنسانًا يقيلني في الإقالة يجوز ولّا لا؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: سواء من البائع أو من المشتري، هذا فسخ، هذا نسميه فسخًا، ما الفرق بين العقد والفسخ؟
العقد هو إيجاد العقد، والفسخ إزالة العقد، فالعقد إيجاد، والفسخ إزالة، والله أعلم.
( ... ).
يقول المؤلف رحمه الله: (العتق)، يعني أن أُوَكِّل فلانًا يعتق عبدي فلانًا، ما فيه مانع، وكَّلْت العبد نفسه في عتق نفسه، يجوز ولّا لا؟
طالب: نعم يجوز.
الشيخ: يجوز كذلك أيضًا الطلاق، يجوز أن أوكِّل شخصًا يطلق زوجتي مثلًا، حتى الزوجة؟
طالب: نعم.
(1/4931)
________________________________________
الشيخ: حتى الزوجة يجوز أن أوكلها في طلاق نفسها، مثل أن تقول مثلًا المرأة لزوجها: طلِّقْنِي، أتعبتني وفعلت وفعلت وفعلت، فقلت لها: أنت وكيلة في طلاق نفسك، متى شئت طَلِّقِي نفسك، فيجوز، وماذا تقول عند إيقاع الطلاق؟ تقول: طلقت زوجي فلانًا؟
طلقتُ نفسي من فلان، كذا؟
طالب: من زوجي.
الشيخ: من زوجي فلان.
طالب: أو موكلي.
الشيخ: أو موكلي فلان، لكن لا تقول: طلقت فلانًا، ما يصلح؛ لأن الطلاق إنما يقع من الزوج على زوجته.
والثالث: (والرجعة)، الرجعة يكون رجل قد طلق زوجته طلاقًا فيه رجعة، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما هو الطلاق اللي فيه الرجعة، فوكَّل إنسانًا يراجع زوجته، قال لرجل: أنت ذاهب إلى البلد الفلاني الذي فيه زوجتي، فأنت وكيلي في مراجعتها، فيذهب الوكيل إلى الزوجة ويقول: قد راجعتك بالوكالة عن زوجك، تصح ولّا ما تصح؟ تصح، هذه الرجعة.
(وتملُّك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه)، وكَّلت إنسانًا في تملُّك المباحات من الصيد، ورأيت صيدًا شارعًا على ماء، يعني قد وقع على الماء يشرب منه، فقلت لشخص: خذ هذه البندقية واذهب اصطده بالوكالة عني، فذهب الرجل وصاد الصيد، يصح ولّا لا؟
في ماء للطيور أو للأسماك، إذا كان في البحر فقلت لشخص جالس على الماء اللي فيه الشبكة، قلت: إذا جاء صيد من طيور أو سمك فأنت وكيلي في إمساكه، فجلس هذا الرجل عند الشبكة، فإذا جاء الصيد أمسكه بالشبكة، أو الحيتان أمسكها بالشبكة، يجوز ولّا لا؟ يجوز؛ لأن هذا فعلٌ مباح اسْتَنَبْتُ فيه غيري، فهو جائز.
كنت أريد أن أحش حشيشًا؛ لأنه قال: (من الصيد والحشيش)، حشيشًا لإبلي، ولكن عندي شغل بعد الظهر، فقلت لشخص: وكَّلتك أن تحش عشاء إبلي، يجوز ولّا لا؟ يجوز، وإذا حش الحشيش يكون لي ولّا له؟ يكون لي؛ للموكِّل، فإذن يجوز التوكيل في تملُّك المباحات؛ الحشيش.
(1/4932)
________________________________________
وقول المؤلف: (المباحات) يعني بالمباحات هي التي لم تكن على ملك الغير، يعني اللي تأتي من الله ما هي بعلى ملك الغير، أما مثل الدجاج لفلان، والظباء لفلان، والعلف الذي يسقى لفلان، فهذا هو مباح، لكن لا يسمى عند العلماء مباحات، المباح هو الذي حصل من غير صنع آدمي، مثل الكلأ اللي هو الحشيش، أو الصيد؛ سواء كان الصيد بريًّا أو بحريًّا، عرفتم المباحات ما هي؟
ويش هي المباحات؟ الذي ليس فيها صنع آدمي، إنما هي من الله عز وجل، يقول: (تملُّك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه)، مثل إحياء الموات، معلوم إن الأرض الموات اللي ما لها مالك لا يملكها الإنسان إلا بإحيائها، فوكَّلت إنسانًا يحييها عني، يعني يضع عليها جدارًا أو يزرعها، هذا جائز ولّا لا؟ هذا جائز.
قال: (لا الظِّهار واللِّعان والأيمان)، الظِّهار لا يصح فيه التوكيل، مثاله: رجل عنده زوجة سيئة العِشْرة، فقال لشخص آخر: يا فلان، جزاك الله خيرًا، هذه المرأة أتعبتني، وَكَّلْتُك في أن تظاهِر عني منها، الظِّهار أن يقول الرجل لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي، فقال الرجل الوكيل: نعم، ثم ذهب إلى الزوجة فقال لها: أنت على زوجك كظهر أمه، يصلح ولّا ما يصلح؟
طالب: ما يصلح.
الشيخ: هذا لا يصلح؛ لأن الظهار مما يتعلق بنفس الشخص، كاليمين والقسم بين الزوجات، وما أشبه ذلك.
اللعان أن توكِّل شخصًا يلعن شخصًا، تقول: يا فلان، من فضلك روح العن فلانًا عني، يصلح ولّا لا؟
طالب: لا.
الشيخ: ما يصلح؟
طالب: ليس هذا.
(1/4933)
________________________________________
الشيخ: ليس هذا المراد، المراد باللعان ما يكون بين الزوج وزوجته، وهي أيمان مؤكَّدة بشهادات سببها قذف الزوج زوجته بالزنا، يعني إذا قال رجل لزوجته -والعياذ بالله-: زنيتِ، هذا قذف بالزنا، يقال له: الآن إما أن تأتي ببينة، أو تُقِرّ المرأة بالزنا، أو نجلدك ثمانين جلدة، أو تلاعِن، يُخَيَّر بين أمور أربعة، يعني لا بد من واحد من أحوال أربعة؛ إما أن يأتي ببينة بأنها زنت، فماذا نصنع؟
أجب على هذا السؤال.
طالب: ماذا نصنع؟
الشيخ: إي.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا لا.
الطالب: الملاعنة.
الشيخ: انتهينا من التخيير.
الطالب: هو اختار الملاعنة؟
الشيخ: ما أدري، أجب عن سؤالي.
الطالب: تُرْجَم المرأة.
الشيخ: تُرْجَم المرأة إن كان قد جامعها، وإن كانت بكرًا فإنها تُجْلَد وتُغَرَّب، المهم يقام عليها الحد، نقول: إذا أتى بالبينة وهي التي سألت عنها يقام عليها الحد، إذا أقرَّت.
طالب: إذا أقرَّت يقام عليها الحد.
الشيخ: يقام عليها الحد، صح، إذا لاعن سقط الحد عنه وعنها، إن أبى أن يلاعن جُلِدَ ثمانين جلدة؛ حد القذف، المهم أن هذا الزوج قذف زوجته ولم يأتِ ببينة، ولم تُقِرّ الزوجة، واختار اللعان، اللعان يقول: أشهد بالله أن زوجتي فلانة قد زنت، أربع مرات، ويقول في الخامسة: وأن لَعْنَة الله عليه إن كان من الكاذبين، فقال لرجل من الناس، وكان هذا الزوج في نفسه رفيعًا وشريفًا، قال: ما أنا برايح للقاضي علشان فلانة اللي فيها ما لا فيها، ولكن يا خادم روح لاعن عني، هذه ما هي بكفء إني أنا أحضر عند القاضي من أجلها، روح أنت لاعن عني، الخادم يأبى ولّا يمشي، يمشي، خادم، يجوز ولّا ما يجوز؟
طلبة: ما يجوز.
الشيخ: لا يجوز، لماذا؟ لأن اللعان يتعلق بالإنسان نفسه، الخادم اللي بيقول: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين؟ ! ما يقول هذا، والخادم أيضًا ما قذف فلا يجوز أن يوكَّل في اللعان.
(1/4934)
________________________________________
المرأة؛ المرأة قالت لأبيها: أنا أستحيي أن أذهب إلى القاضي، وأنت وكيلي يا أبي في الملاعنة عني، يجوز؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، ليش؟ لأن هذا يتعلق بالشخص نفسه، يهودي عليه جزية، أو نصراني عليه جزية، وكان موعد أخذ الجزية من النصارى في يوم الاثنين، تعرفون كيف نأخذ الجزية منهم؟ عن يد وهم صاغرون، فقال اليهودي لخادمه، أو النصراني قال لخادمه: اذهب أَعْطِ المسلمين الجزية، أنا ما يمكن أذهب إليهم، اذهب أنت، فذهب الخادم وأعطى الجزية، يصح التوكيل ولّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: ليش؟ هذا يتعلق بالإنسان نفسه، ولهذا إذا جاء بها لا بد أن يسلِّمها عن يد، يعني من يده أو عن يد، أي عن قوة منا عليه، وهو أيضًا صاغر، لو جاء يعطي الجزية على سيارة كاديلك، والخدم بين يديه، وربما نقول: يضربون الطبول أمامه، يقول الناس: تفرقوا عن سيدنا، تفرقوا عن سيدنا، وعلى رأسه ريشة النعام، حتى جاء ووقف على الوالي أو الجابي للجزية، وقال في أنف شامخ: خذ يا ولد، يجوز ولّا لا؟
طالب: ما يجوز.
الشيخ: لا، ما يجوز طبعًا، ما نُمَكِّنُه من هذا أبدًا، العلماء يقولون: يأتي إلينا ليسلم الجزية، ولا نأخذها على طول، خليه يبقى واقفًا، حتى نعلم أنه تعب من الوقوف، نطوّل وقوفه حتى لو ما عندنا شغل، ثم إذا أخذناها منه ما نأخذها بسهولة، نأخذها ونجر إيده حتى ربما تملكَنْ إيده من كتفه، لماذا؟ يقولون: هذا معنى عن يد.
لا بد يكون عندنا قوة، ونريه أننا أعزة، لكن لا وَكْس ولا شطط، لا نقول بالأول اللي جاء يزمر علينا بسياراته وخدمه وفخمه، ولا نقول بالثاني، المهم أن يأتي بها ذليلًا ويسلمها إلينا، هذا المهم، ونسأل الله تعالى أن يعيد للمسلمين هذا المجد الذي فقدوه بفقدهم كثيرًا من دينهم.
إذن نقول: الجزية لا يجوز فيها التوكيل؛ لأنها تتعلق بمن؟ بنفس الشخص.
(والأيمان) أيضا ما فيها توكيل، ويش معنى الأيمان؟
(1/4935)
________________________________________
الأيمان اليمين، سواء كانت في خصومة أو في غير خصومة، اليمين لا بد من نفس الحالف، فلو ادعى رجل عند القاضي على شخص بمئة درهم، قال القاضي للمدَّعِي: ألك بينة؟ قال: لا، ماذا يقول للخصم؟ يقول: عليك اليمين، إذا رضي الخصم بيمينه يحلف، قال: علي اليمين؟ قال: عليك اليمين. قال: فأنا وكلت فلانًا يحلف عني، يصلح؟
طلبة: ما يصلح.
الشيخ: ليش؟
طلبة: لأنها ما تتعلق به.
الشيخ: لأن هذا يتعلق بشخص الإنسان؛ لأن اللي بيحنث أو يَبَرّ باليمين هو الحالف الذي تتعلق به بشخصه، فلا يجوز أن يوكّل في الأيمان.
القاعدة في هذا: كل شيء يتعلق بشخص الإنسان أو بنفس الإنسان شخصيًّا فإنه لا يجوز أن يوكّل فيه، رجل عنده زوجتان، وكانت الليلة لفلانة، فقال لأخيها: أنا عندي شغل، واذهب الليلة لها بدلًا عني، طبعًا في غير الفراش؛ لأن القسم ما هو لازم الفراش، القسم المهم أن يبقى عندها، فقال: اذهب لأختك بدلًا عني، يجوز ولّا لا؟
طلبة: ما يجوز.
الشيخ: لا يجوز، نعم لو قال مثلًا: أنا عندي شغل واذهب لأختك لإزالة الوحشة عنها فقط، لا باعتبار أنه عن القسم، فإن هذا لا بأس به، وأنا الآن ما وكلته عني، ولكنني طلبت منه أن يتفضل بأن يذهب إلى أخته ليؤنسها فقط، إي نعم.
قال: (وفي كل حق لله تَدْخُلُه النيابةُ من العبادات).
(كل حق لله) قيَّدَه المؤلف بقوله: (تَدْخُلُه النيابةُ)، أما في الأول فقال: (في كل حقِّ آدميٍّ)، وقسم المؤلف حق الآدمي إلى قسمين: قسم تدخله النيابة، وقسم لا تدخله، فما يتعلق بشخص الإنسان لا نيابة فيه، ولا وكالة فيه، وما لا ففيه الوكالة.
حق الله أيضا ينقسم لا إلى قسمين، بل إلى ثلاثة أقسام:
قسم تدخله النيابة مطلقًا.
وقسم لا تدخله مطلقًا.
وقسم تدخله بتفصيل، ولننظر، قال:
(1/4936)
________________________________________
(وفي كل حق لله تدخله النيابة من العبادات)، فالضابط أن كل العبادات المالية تدخلها النيابة، كتفريق زكاة، وصدقة، وكفارة، هذه كلها تدخلها النيابة، العبادات المالية تدخلها النيابة؛ تفريق زكاة؛ وكَّلت إنسانًا أن يفرِّق الزكاة، جائز ولّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: جائز أن أوكِّله لتفريق الزكاة؛ لقبض الزكاة، فقير وكَّل شخصًا يقبض الزكاة له؟
طالب: يجوز.
الشيخ: يجوز، كفارة، إنسان عليه كفارة يمين؛ إطعام عشرة مساكين، نقول: يجوز أن توكِّل مَن يطعم عشرة مساكين.
القاعدة إذن أو الضابط: جميع الحقوق المالية تدخلها النيابة، يعني جميع العبادات المالية تلحقها النيابة،
العبادات البدنية لا تصح فيها الوكالة، مثل الصلاة والصيام والوضوء والتيمم، وما أشبهها، هذه عبادة بدنية تتعلق ببدن الإنسان فلا يمكن أن تدخلها النيابة.
أقول: كل عبادة بدنية لا تدخلها النيابة، مثل: الصلاة، الطهارة، والصوم؛ لأن هذه تتعلق بنفس الفاعل، عبادة تكليفية يكلَّف بها الفاعل نفسه، فلا تصح أن يقوم بها غيره، لو قلت لشخص مثلًا: اذهب فَصَلِّ عني، هذا لا يُقْبَل ولا يصح، تَطَهَّر عني وأنا أصلي، لا يصح؛ لأن هذه عبادة بدنية، والعبادة البدنية لا يصح فيها التوكيل.
لو وكَّلت شخصًا يستفتي عني، هذا لا بأس به؛ لأن هذا نقل علم، وهو يقصد به الإخبار فقط، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يوكِّل بعضهم بعضًا في استفتاء النبي صلى الله عليه وسلم. (1)
فإن قلت: يرد على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» (2)، فإن هذا يدل على أن العبادة البدنية تكون فيها نيابة؟
(1/4937)
________________________________________
فالجواب: إن هذا ليس عن طريق التوكيل، ولكن هذا تشريع من النبي عليه الصلاة والسلام، فهو في الحقيقة أصيل وليس بوكيل، ولهذا يصوم الإنسان عن ميته، سواء أوصى به أم لم يُوصِ به، فالمسألة هنا ليست من باب الوكالة، لكنها من باب القيام مقام الشخص بأمر من الشرع.
القسم الثالث من العبادات هو الذي يصح فيه التوكيل على التفصيل، وهو العبادة المركَّبة من البدن والمال، مثل الحج، الحج يجوز فيه التوكيل في الفرض للذي لا يستطيع أن يحج، يعني معناه أنه عاجز عن الحج عجزًا مستمرًّا، هذا يجوز أن يوكِّل في فرض الحج، فإن كان غير عاجز فإنه لا يجوز أن يوكِّل، ولولا أن الحديث ورد بذلك ما أجزناه حتى في العاجز، الحديث الوارد في هذا، في جواز توكل الإنسان في الحج عن العاجز.
طالب: ( ... ) المرأة الَّتِي استفتت النبي صلى الله عليه وسلم على أن والدها لا يستطيع أن يركب الراحلة ( ... ) صلى الله عليه وسلم. (3)
الشيخ: إي نعم، فصارت الحقوق كلها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم تجوز فيه الوكالة مطلقًا، وضابطه في العبادات المالية.
وقسم لا يجوز مطلقًا، وضابطه في العبادات البدنية.
وقسم يجوز على تفصيل في ذلك، وهو العبادة المركَّبة كالحج، على أن الحج مَرَّ علينا أن القول الراجح أنه من العبادات البدنية، أما الذي يكون عبادة بدنية ومالية فهو الجهاد، فإن الله تعالى أمر بالجهاد بالمال وبالنفس، أما الحج فإنه عبادة بدنية في الواقع، والمال ليس شرطًا به ولا ركنًا، بدليل أنه يمكن للإنسان أن يحج على قدميه، سواء من مكة أو من بلده، فإن من الناس من يحج على قدميه من بلده حتى يرجع إليهم.
( ... ).
(1/4938)
________________________________________
ويصح التوكيل في الحدود، الحدود سبق لنا قريبًا تعريفها، وقلنا: إنها جمع حد، وهو في اللغة: المنع، وفي الاصطلاح: عقوبة مقدَّرة شرعًا في معصية لتمنع من الوقوع في مثلها، وتكفِّر ذنب صاحبها، كحد الزنا مثلًا، فيصح أن توكِّل شخصًا في حضورك في إثباتها واستيفائها؛ في إثباتها بأن يقول الحاكم لشخص: اذهب إلى فلان ليُقِرَّ بما يقتضي الحد، هذا في إثباتها، واستيفاؤها يكون المذنب قد اعترف وثبت الحد، فيوكِّل مَن يقيم هذا الحد، نقول: هذا لا بأس به.
الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأنيس -رجل من الأنصار-: «اذْهَبْ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» (4)، هذا فيه توكيل في إثبات الحدود وفي استيفائها؛ «فَإِنِ اعْتَرَفَتْ» هذا إثبات، «فَارْجُمْهَا» هذا استيفاء، إذن يجوز أن يُوَكَّل في الحدود لإثباتها واستيفائها.
في القصاص؛ لو أن أهل الميت الذين وجب لهم القصاص وَكَّلُوا شخصًا يقتص منه، يجوز ولّا لا؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأن أولياء المقتول هم الذين يباشرون قتل القاتل، ما هو الحاكم، الحاكم والسلطان يباشر قتل القاتل في الحدود، لكن في الحقوق الذي يباشر هو صاحب الحق، قال الله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33]، {فَلَا يُسْرِفْ} الضمير يعود على مَن؟
طالب: الولي.
الشيخ: الولي، إذن هو اللي بيقتل، {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33].
هل يجوز الاستيفاء؛ استيفاء الحدود في غيبة الموكِّل؟ قلنا: لا بد من حضور الموكِّل، يجوز في غيبة الموكل؛ لأن الوكيل يقوم مقام موكله، وهو ظاهر الحديث الذي أشرنا إليه آنفًا، حيث قال: «إِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» (4)، ولم يقل: فأت بها، أو فَآذِنِّي حتى أحضر، فدل ذلك على جواز الاستيفاء بحضرة الموكِّل وغيبته.
(1/4939)
________________________________________
ثم قال: (وليس للوكيل أن يوكِّل فيما وُكِّلَ فيه إلا أن يجعل إليه)، الوكيل هو مَن أَذِنَ له في التصرف، إذا كان تصرف الوكيل معتمدًا على الإذن وموقوفًا عليها فإنه لا يجوز أن يتصرف الوكيل في أمر لم يؤذَن له فيه، وعلى هذا فليس له أن يُوَكِّل فيما وُكِّل فيه إلا أن يُجْعَل إليه.
مثال ذلك: وَكَّلْتُكَ أن تبيع لي هذا الكتاب، ليس لك الحق في أن تأخذ مني الكتاب وتُوَكِّل شخصًا آخر، إلا إذا جعل ذلك إليه، ويش معنى جعل إليه؟ بأن قال له: ولك أن تُوَكِّل مَن شئت.
فإذا قال: ولك أن تُوَكِّل، جاز أن يُوَكِّل، لماذا لا يجوز؟ لأن تصرف الوكيل موقوف على أيش؟
طالب: إذن الموكِّل.
الشيخ: على الإذن، فوجب أن يتقيَّد فيما أذن له فيه وألَّا يتعداه، وأنا عندما قلت: خذ بِعْ هذا ( ... ) يستثنى من ذلك، إذا كان الشيء كثيرًا يعجزك، إذا كان شيء كثير يُعْجِز الوكيل فله أن يستعين بغيره يقوم فيه.
مثل: لو وَكَّلَه في بيع هذه الأموال، وقال: لا تغب الشمس إلا وقد بعتها، وهذه الأموال لا يتمكن من بيعها بنفسه في يوم واحد، فهنا يجوز أن يوكِّل غيره ولّا لا؟ نعم يجوز؛ لأن كون الموكِّل يقول: بِعْ هذا قبل أن تغيب الشمس، وهي أموال كثيرة يعرف أنني لا أستطيع أن أقوم ببيعها وحدي، معناه أنه قد أذن لي في أن أُوَكِّل غيري، فيكون هنا الإذن معلومًا من قرينة الحال، هذا في المسألة الثانية تُسْتَثْنَى.
الثالثة: إذا كان مثله لا يتولاها، إذا كان مثل الوكيل لا يتولى هذا العمل فله أن يوكِّل.
مثال ذلك: قلت لشخص: يا فلان، وَكَّلْتُك تنظف المجاري، مجاري بيتي، وكان هذا الوكيل وزيرًا، المراد أن هذا الوكيل يأخذ المكنسة وينظف المجاري؟
طلبة: لا.
الشيخ: ليش؟
طالب: ما يتولاها.
(1/4940)
________________________________________
الشيخ: لا يتولاها مثله، مثل هذا العمل اللي وكلته فيه ما يمكن يتولاه، إذن وَكَالَتِي تتضمن أن يأمر مَن ينظف هذه المجاري، فإذا كان مثله لا يتولاه فإنه بالضرورة سوف يقيم غيره مقامه، فصار الوكيل لا يُوَكِّل غيره إلا في ثلاث مسائل؛ الأولى: أن تُجْعَل إليه، والثاني؟
طالب: الضرورة.
الشيخ: أن يعجز عنه، وهذا ضرورة، والثالث: أن يكون مثله لا يتولى هذا العمل، ففي هذه الأحوال الثلاث يجوز للوكيل أن يوكِّل فيما وُكِّلَ فيه.
يقول: (إلا أن يجعل إليه، والوكالة عقد جائز) إلى آخره، اعلم أن الجائز يراد به الحكم التكليفي، ويراد به الحكم الوضعي، يعني الأحكام الشرعية قسمان: تكليفية ووضعية، الجائز الذي يراد به الحكم التكليفي يقابله الحرام، وهي الأحكام الخمسة التي تعرفونها: واجب، وحرام، ومكروه، ومستحب، وجائز، مباح.
الجائز باعتبار الحكم التكليفي هو الذي ليس بحرام، وأما الجائز باعتبار الحكم الوضعي فهو الذي ليس بلازم؛ لأن العقود باعتبار الأحكام الوضعية ثلاثة أقسام: جائز من الطرفين، ولازم من الطرفين، وجائز من طرف لازم من طرف.
مثلًا البيع هل هو جائز ولّا لا يجوز؟
طالب: لا يجوز.
طلبة آخرون: جائز.
الشيخ: جائز؟
طالب: لازم من الطرفين.
الشيخ: إن قلت: جائز، فهو خطأ، وإن قلت: لازم، فهو خطأ.
طالب: تفصيل.
الشيخ: وإن قلت: فيه تفصيل فهو خطأ، نقول: جائز باعتبار الحكم التكليفي، يعني ليس بحرام، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] لازم باعتبار الحكم؟
طلبة: الوضعي.
الشيخ: الوضعي، فلو سألت أي واحد: ما تقول في البيع، أجائز هو أم لا؟
إن قلت: جائز؛ أخطأت، لازم؛ أخطأت، جائز باعتبار ولازم باعتبار، هذا صح، لكن أنا أقول: عندما تسأل أي إنسان عن البيع هل هو جائز أم لا، سوف يتبادر إلى ذهنه أنه الحكم؟
طالب: التكليفي.
(1/4941)
________________________________________
الشيخ: التكليفي، صفة شرعية، لكن هذا تكليفي، وهذا وضعي، قلت: إن الوكالة عقد جائز باعتبار الحكم التكليفي أو الوضعي؟
طلبة: التكليفي.
الشيخ: لا يا أخي، الوضعي.
طالب: ويش الفرق بين الوضعي؟
الشيخ: لأن التكليفي سبق في أوله تصح بكل قول.
طالب: ( ... ) الفرق بين التكليفي والوضعي؟
الشيخ: التكليفي هو الذي يترتب عليه الثواب والعقاب، والوضعي وصف للعقد نفسه هل هو من العقود اللازمة أو الجائزة أو ما أشبه ذلك، الشروط مثلًا والموانع والأسباب كلها؟
طالب: أحكام وضعية.
الشيخ: أحكام وضعية، فالأحكام التكليفية هي التي يُثَاب عليها الإنسان أو لا يثاب، يعاقَب أو لا يعاقَب، فهي تعود إلى نفس العامل، أما هذه فتعود إلى نفس العقد، فالوكالة مثلًا باعتبار كون الإنسان مُثَابًا عليها أو غير مثاب.
طالب: حكم تكليفي.
الشيخ: حكم تكليفي، جائزة بهذا الاعتبار، فتكون الأحكام تكليفية باعتبار هل هي عقد لازم أو عقد جائز؟
طالب: جائز، حكم وضعي.
الشيخ: هذه باعتبار الحكم الوضعي، أقول: العقود باعتبار الحكم الوضعي تنقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث الجواز وعدمه: جائز من الطرفين، ولازم من الطرفين، ولازم من أحدهما جائز من الآخر، فاللازم ما لا يمكن فسخه إلا برضا الآخر، ما هذا؟
( ... ).
فقد وجب البيع ( ... ) الرهن لازم من أحد الطرفين، في حق مَن لازم؟
طالب: الراهن.
الشيخ: في حق الراهن، جائز في حق المرتهن، الضمان؟
الطالب: كذلك.
الشيخ: الكذلكة في مقام الإجابة لا تنفع، كذلك يعني؟
الطالب: الضامن.
الشيخ: إي، باعتبار الضامن، لازمة باعتبار المضمون له، باعتبار الضامن لازمة؛ ما ينفع يتخلص الضامن، باعتبار المضمون له جائز؛ لو شاء المضمون له لقال للضامن: أبرأتك من الضمان.
الوكالة عقد جائز من الطرفين، فيجوز للوكيل أن يفسخ الوكالة، فيذهب إلى الموكِّل ويقول: والله أنا توكلت، يعني: على هذا العقد، لكن فسخت، ما أبغي تتوكل، يجوز ولّا لا؟
طالب: نعم.
(1/4942)
________________________________________
الشيخ: يجوز، ويجوز أيضًا للموكِّل يفسخ الوكالة، فيذهب للوكيل ويقول: والله أنا وكَّلْتُك بالأمس، ولكن الآن فسخت الوكالة، ولهذا قال المؤلف: الوكالة عقد جائز، يعني من الطرفين، التعليل، لماذا؟ لماذا كانت عقدًا جائزًا؟ نقول: لأنها من جهة الموكل إذْن، ومن جهة الوكيل بذْل نفس، وكلاهما جائز، ما فيه معارضة.
وبناء على ذلك إذا كانت الوكالة بعِوَض فهل تكون عقدًا لازمًا لأنها إجارة، أو يُنْظَر إلى أصلها؛ لأنها وكالة؟ مرت علينا هذه في القواعد قبل أيام قليلة.
إذا تضمن الفسخ ضررًا على أحد الطرفين فإن العلماء يقولون: إن العقود الجائزة تنقلب لازمة درءًا للضرر. ( ... )
الأول قال: (تبطل بفسخ أحدهما)، إذا فسخ أحدهما الوكالة فإنها تبطل، سواء كان الموكِّل أو الوكيل، فإذا وكلتك أن تبيع سيارتي مثلًا ثم بعد يوم أو يومين فسخت الوكالة، قلت: إني فسخت وكالتك، يجوز ولّا لا؟
طالب: يجوز.
الشيخ: يجوز، وكذلك لو أن الوكيل رجع إلى الموكِّل في المثال اللي ذكرنا وقال: أنا والله توكَّلْت في بيع سيارتك، ولكني هوَّنْت، فسخت الوكالة، يجوز ولّا لا؟ يجوز، وظاهر كلام المؤلف أن الفسخ جائز، سواء تضمن ضررًا على الآخر أم لا.
ولكن هناك قول آخر: إنه إذا تضمن ضررًا فإما أن نقول بعدم الجواز، ونلزمه بإتمام العمل، وإما أن نقول بالجواز مع ضمان الضرر، وهذا القول هو الصحيح؛ لأنا قلنا قبل: الوكالة عقد جائز، افسخها، لكن إذا تضمن ضررا فعليك ضمان هذا الضرر.
مثال ذلك: وَكَّلتُ شخصًا في أن يبيع سيارتي في الموسم، فقال: نعم أبيعها لك، ثم إنه بعد ذلك فسخ الوكالة، وجاء إليّ وقال لي: فسخت الوكالة، معناه: إنه فوَّت عليّ، ويش فَوَّت؟
طلبة: الموسم.
(1/4943)
________________________________________
الشيخ: الموسم، على المذهب تنفسخ الوكالة ولا عليه شيء، ولكن الصحيح أنها تنفسخ وعليه ضمان الضرر؛ النقص الذي حصل، وقال: تباع اليوم وتُقَدَّر قيمتها في الموسم، فيضمن النقص؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ» (5)، وعمل هذا الرجل كم هو ضَرَّنِي، هذا غَرَّني قبل الوكالة، ولما ذهب وقت الموسم جاءني وقال: لقد فسخت وكالتك مِن قِبَلِك.
وقول المؤلف: (تبطل بفسخ أحدهما)، ظاهره سواء عَلِم الوكيل أم لم يعلم، فإذا وَكَّلْت هذا الرجل على أن يبيع بيتي، ثم في اليوم الثاني أشهدتُ رجلين بأني فسخت الوكالة، ثم باع البيت في اليوم الثالث ولم يعلم، على المذهب البيع غير صحيح، لماذا؟
وَكَّلْته يوم الأحد، وعزلته يوم الاثنين، وباع يوم الثلاثاء، وهو معنا، على المذهب أن البيع غير صحيح؛ لأني فسخت وكالته قبل أن يبيع، فباع وهو لا يملك العقد عليه فلا يصح.
القول الثاني: أنه لا ينفسخ إلا بعد العلم، ليش؟ لأن تصرفه مستنِد إلى إذن سابق لم يعلم زواله، فكان تصرفًا صحيحًا، وهذا القول هو الصحيح، ويقال للموكِّل: أنت الذي فرَّطت، لماذا لم تُخْبِره بفسخ الوكالة من فَوْرِها، أو من فَوْرِك؟ فأنت المفرِّط، فعلى نفسها جنت براقش، وهذا القول هو الراجح، لا سيما وأنه في هذه الحال تعلق به حق أيش؟
طالب: المشتري.
الشيخ: المشتري، وهو طرف ثالث، فلا يمكن أن يبطل حقه، فإن باع قبل العزل فالبيع صحيح، البيع صحيح على كل حال.
وقول المؤلف: (تبطل بفسخ أحدهما) يشمل الفسخ بالقول والفسخ بالفعل؛ الفسخ بالقول مثل أن يقول: فسخت وكالة فلان على كذا وكذا.
الفسخ بالفعل أن يفعل فعلًا ينافي تصرف الوكيل، مثل: وكلتك أن تبيع عبدي، وبعد أن ذهبت تحرج على العبد، أعتقت العبد، إعتاقي إياه يتضمن فسخ التوكيل في البيع؛ لأنه لا يمكن بيعه بعد عتقه، وحينئذ نقول: هذا فسخ بالقول ولّا بالفعل؟
طلبة: بالفعل.
الشيخ: بالفعل، وكلتك في طلاق امرأتي.
(1/4944)
________________________________________
ثم إن الموكل جامع زوجته بعد أن وكَّله في طلاقها، فهذا فسخ بماذا؟ بالفعل؛ لأن وطأه إياها معناه العدول عن الطلاق، وكلتك أن تبيع بيتي، ثم أَجَّرْتُه إنسانًا لمدة سنة؟
طالب: ما تنفسخ.
الشيخ: وكلتك لتبيع بيتي، ثم أجرته سنة بعدما وكلت على بيعه؟
طالب: ما تنفسخ.
الشيخ: فنقول: هذا ليس فسخًا للوكالة، لماذا؟ لأن عملي هذا لا يقتضي بطلان ما وكلته فيه، فإن بيع المؤجَّر جائز ولّا غير جائز؟
طلبة: جائز.
الشيخ: جائز، فلما لم يفعل التنافي بين وَكَالَتِي وبين فعلي لم يكن ذلك فسخًا.
رهنته بعد أن وكلتك في البيع، تنفسخ ولّا ما تنفسخ؟
طلبة: تنفسخ.
الشيخ: ليش؟
طالب: لأنه مرتهن.
الشيخ: لأن بيع المرهون لا يصح، فلما رهنته أنا عُلِمَ بذلك أني عدلت عن بيعه؛ إذ إن بيع المرهون لا يصح.
الخلاصة الآن أن الوكالة تبطل بفسخ أحدهما القولي والفعلي، والقولي مثل أن يقول: فسخت وكالة فلان، الفعلي مثل أن يتصرف تصرفًا يتنافى مع ما وكَّله فيه، ما رأيكم في العزل بالكتابة، هل هو من الفسخ القولي أو الفعلي؟
طالب: القولي.
طالب آخر: قولي وفعلي.
الشيخ: واحد كتب: بسم الله الرحمن الرحيم، لقد وَكَّلت فلانًا في بيع بيتي، وإني فسخت هذه الوكالة، وأرسل، هذا؟
طلبة: قولي.
الشيخ: إي نعم، هذا قولي مُؤْذِن بالفعل وهو الكتابة، هذا الفسخ.
قال: (وموته) ليش إذا مات الوكيل أو الموكل انفسخت الوكالة؟ لأنه إن مات الموكِّل بطل تصرفه في ماله؛ لأن المال ينتقل إلى مَن؟
طلبة: إلى الورثة.
الشيخ: إلى الورثة، وهم ما وَكَّلُوه، وإن مات الوكيل فإن الموكِّل لم يوكِّل إلا إياه، ولّا لا؟ ما تنتقل لورثته، والله ما وَكَّلْت هؤلاء، أنا مُوَكِّل هذا الرجل، فتنفسخ إذن بموت الموكِّل وموت الوكيل.
لو أن الورثة -ورثة الوكيل- كان عندهم علم بأن مُوَرِّثهم قد وُكِّلَ في بيع هذا الشيء فباعوا بعد موته، فما حكم البيع؟ غير صحيح؛ لأن الوكالة بطلت بموت الوكيل.
(1/4945)
________________________________________
قال المؤلف: (وتبطل أيضًا بعزل الوكيل)، ويش معنى عزل الوكيل؟ يعني أني أعزله، ما أقول: فسخت الوكالة، أكتب إليه وأقول: قد عزلتك، بهذا اللفظ، فإذا عزله انفسخت الوكالة، ونقول: وعزل الموكِّل ولّا لا؟ ما يمكن يعزل الموكِّل؛ لأن الموكِّل هو صاحب الحق الأصلي.
طالب: هذا للوكيل.
الشيخ: هذا الوكيل يقول: عزلت فلانًا، ما يقول: فسخت الوكالة.
الطالب: الثاني اختلاف لفظي.
الشيخ: اختلاف لفظي، لكن المعنى واحد، لكن لو عزلت الوكيل ( ... ) قد عزلتك؟ قال: لا، يمكن ولّا ما يمكن؟
طالب: جائز هذا.
طالب آخر: ما ينفسخ.
الشيخ: أنا قلت لهذا الرجل: يا فلان وكلتك أن تبيع لي هذا الشيء، ولكن عزلتك الآن، قال: أبدًا ولا ( ... ) يمكن؟
طالب: ما يمكن.
الشيخ: ما يمكن؛ لأنه ما يعتبر رضاه، كما أن الرجل لو قال لزوجته: طلقتك، قالت: لا، قبول، يمكن ولّا ما يمكن؟
طلبة: ما يمكن.
الشيخ: ما يمكن؛ لأن هذا لا يُشْتَرَط فيه رضا العاقد الآخر، انتبه، فنحن نقول: ينعزل، سواء رضي أم لم يَرْضَ.
قال: (وبِحَجْر السَّفَه) يعني تبطل أيضًا إذا حُجِرَ عليه حَجْرَ سَفَهٍ، على مَن؟ على الموكِّل أو على الوكيل، وقوله: حَجْر السفه، لم يقل: حَجْر الصِّغَر ليش؟ لأن الكبير ما يصغر، ولّا لا؟ لكن الرشيد يمكن يسفه ولّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يمكن يكون بالأول يحسن التصرف، ثم بعد ذلك تصيبه آفة لا يحسن التصرف، حجر الجنون يمكن ولّا ما يمكن؟
طالب: يمكن.
(1/4946)
________________________________________
الشيخ: يمكن، لكن الجنون نوعان: مُطْبِق وغير مُطْبِق، فتبطل بدون المطبِق، يعني معناه الدائم، أما الذي يُجَنّ ساعة من نهار فهذا لا تنفسخ الوكالة في حقه، إنما تنفسخ بالجنون المطبق، فالحجر إما للصغر أو للجنون أو للسفه، السفه وارد على كل حال، ولّا لا؟ الصغر غير وارد على كل حال، ليش؟ لا يمكن للكبير إنه يصغر، لكن أنا أقول: يمكن للكبير أن يصغر، يمكن عمره بالتابعية خمسون، لكن الحقيقة لم يبلغ الأربعين، لكن زود ستين في التابعية، صغر ولّا ما صغر؟
طالب: لا، ما صغر.
الشيخ: مكتوب العمر في التابعية، تعرفون التابعية؟ العمر خمسون سنة، نعم مولود عام سبع وخمسين، عرفتم هذا في التابعية، وهو لم يولد إلا سبع وستين، صغر ولّا ما صغر؟
طالب: صغر.
طالب آخر: في الظاهر.
الشيخ: أجيبوا.
طلبة: ما صغر.
الشيخ: هل صغر ولّا ما صغر؟ لأن حقيقة عمره ليس هو المكتوب في التابعية، حقيقة عمره ما أمضاه في الدنيا بعد ولادته، إذن الحجر للصغر غير وارد أبدًا، الحجر للجنون وارد ولّا غير وارد؟ فيه التفصيل؛ إن كان مطبِقًا انفسخت الوكالة، وإن كان غير مطبِق فإنها لا تنفسخ، انتبهوا، فثلاثة أسباب للحَجْر تنقسم هذا التقسيم الثلاثي؛ سفه يمكن؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: بكل حال تنفسخ به الوكالة بكل حال، صغر؟
طالب: لا يمكن.
الشيخ: لا يمكن بكل حال، جنون فيه تفصيل؛ إن كان مطبِقًا انفسخت الوكالة وإلا فلا.
وقول المؤلف: (حجر السفه) احترازًا من الحجر لحظ الغير، وهو حجر الفلس، فإن الوكالة لا تنفسخ به إلا إذا كانت الوكالة في أعيان مال الموكِّل، فإنها تنفسخ إذا حجر على الموكِّل.
حجر الفلس وهو الحجر للفقر، لا تنفسخ به الوكالة، إلا إذا كانت الوكالة في أعيان ملك الموكِّل وحُجِر على الموكِّل فإنها تنفسخ الوكالة.
مثال ذلك: وكَّلْتُ شخصًا أن يبيع سيارتي، فافتقر الوكيل، افتقر وحُجِرَ عليه في ماله، تنفسخ الوكالة ولّا لا؟
طلبة: ما تنفسخ.
(1/4947)
________________________________________
الشيخ: لا تنفسخ، إذن الحجر على الوكيل لفلس لا تنفسخ الوكالة على كل حال، حجر على الموكِّل فيه التفصيل؛ فإن كانت الوكالة في أعيان المال انفسخت الوكالة، إن كانت في ذمته لم تنفسخ، وكَّلْتُك أن تبيع سيارتي، ثم حُجِر عَلَيّ لفلس، تنفسخ الوكالة ولّا ما تنفسخ؟ تنفسخ، ما يمكن تبيع سيارتي الآن؛ لأني أنا شخصيًّا لا أتمكن من بيعها، ووكيلي فرع عني، فإذا لم يتمكن الأصل لم يتمكن الفرع، واضح يا جماعة؟
أما لو قلت: وكَّلْتُك أن تشتري لي سيارة، ثم حُجِرَ علَيَّ لفلس، فإن الوكالة لا تنفسخ؛ لأن هذا ليس تصرفًا في مالي، ولكنه تصرف في ذمتي.
إذن الْحَجْر نوعان؛ حجر لقصور المحجور عليه؛ وهو المحجور عليه لحظه، وحجر لحق الغير؛ وهو الحجر لأيش؟
طالب: لفلس.
الشيخ: لفلس، الحجر لأمر يعود إلى المحجور عليه قلنا: إنه ثلاثة أشياء؛ حجر لسفه، وحجر لصِغَر، وحجر لجنون، الحجر للصغر غير وارد، للجنون فيه تفصيل؛ إن كان مطبِقًا انفسخت الوكالة وإلا فلا.
الحجر لسفَهٍ يَرِد ولّا ما يَرِد؟ يَرِد في كل حال، كل إنسان يمكن أن يكون سيئ التصرف بعد أن كان رشيدًا، هذا الأخير إذا وُجِدَ السفه بعد الرشد سواء من الوكيل أو من الموكِّل فإنها تنفسخ.
الحجر لفلس إن كان المحجور عليه الوكيل، أجيبوا؟
طلبة: لا تنفسخ.
الشيخ: لم تنفسخ مطلقًا، وإن كان المحجور عليه الموكِّل ففيه تفصيل؛ إن كانت الوكالة في أعيان ماله انفسخت، وإلا فلا هذا خلاصة البحث.
(1/4948)
________________________________________
قال المؤلف رحمه الله: (ومن وُكِّل في بيع أو شراء لم يبع ولم يشتر من نفسه)، إذا وُكِّل في بيع فإنه لا يبيع على نفسه، وإذا وُكِّلَ في شراء فإنه لا يشتري من نفسه، لماذا؟ لأنني إذا وَكَّلْتُك أن تبيع لي هذا لو كنت أريد أن أبيعه عليك لقلت: اشتر مني هذا، بدل ما أقول: بِعْه، أقول: اشتر مني، فكوني أقول: وَكَّلْتُك في بيعه، يعني أني لا أريد أن تشتريه أنت، لو كنت أريد أن تشتريه أنت لقلت: اشتر مني هذا، واستغنيت عن الوكالة، هذا تعليل.
العلة الثانية: أن بيع الإنسان على نفسه محل اتهام، كيف محل اتهام؟ يعني لأن الإنسان إذا أراد أنه بيشتري السلعة هو سوف لا يستقصي في طلب الزيادة، ولّا لا؟ لأنه يحابي نفسه، فمثلًا قلت له: بع هذا الكتاب، ما يجوز إنك تشتريه أنت؛ لعلَّتين:
العلة الأولى: أن مقتضى الوكالة ألَّا تشتريه أنت؛ لأني لو أردت أن تشتريه لقلت: اشتر مني الكتاب، فكوني وَكَّلْتُك معناه لا أريد أن تشتريه أنت، هذه واحدة.
ثانيًا: أنك مُتَّهَم في محاباة نفسك، بحيث لا تستقصي في طلب الزيادة، فربما هذا الذي وكَّلْته في بيع الكتاب يحرج عليه عند الناس مَن يشروه، قال: واحد بعشر، قال الثاني: بأحد عشر، قال الثالث: باثنى عشر، قال هو: بأربعة عشر، بس خلاص بعناه، وقف وخلّيه عليّ، بينما لو رد ( ... ) لكان يمكن يصل إلى أكثر من ذلك، إلى عشرين وثلاثين، ولّا ( ... ) هذا وارد، خصوصًا إذا كان الإنسان ما ( ... ).
كذلك لا يشتري من نفسه، يعني: وكَّلْتُك أن تشتري لي كتابًا، وكان هذا الكتاب عندك، فقيَّدته عليَّ بقيمته، نقول: هذا لا يجوز للعلَّتين السابقتين، لو كنت أريد أن تبيع أنت عليَّ لقلت: بِعْ عليَّ كذا وكذا، ما أقول: اشتر لي.
ثانيا: أنك متهم، ربما تقيد علي الشيء الذي لا يساوي عشرة بكم؟ بعشرين، وأنا ويش يدريني، فإذن لا تبِع على نفسك إذا وكَّلتك في البيع، ولا تشتري منها إذا وكلتك؟
طالب: في الشراء.
(1/4949)
________________________________________
الشيخ: في الشراء، وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يكون ذلك في المزاد العلني أو لا، ولا بين أن أزيد على الثمن في مسألة البيع ولا أن أنقص منه في مسألة الشراء.
يعني مثلًا إذا قلت: بِع هذا الشيء وكانت قيمته عشرة، فقيدته على نفسي بعشرين، يصح ولّا لا؟ على كلام المؤلف لا يصح، في المزاد العلني حَرَجْت عليه من ( ... ) قيل: بعشرة، بعشرة، بعشرة، مَن يزيد مَن يزيد، ما زاد أحد، روحت يمين ويسار في السوق ما زاد أحد، فقلت: آخذه بأحد عشر، أو زدت على السائم الأول اللي بيقول: عشرة، قلت: بأحد عشر، قال: بأحد عشر ونصف، قلت: باثني عشر، قال: باثني عشر ونصف، خمسة عشر ( ... ) علشان أقف، لما وصل لخمسة عشر، قال: خلاص ما لي رغبة، دَوَّرْنا أحد يزيد ما لقينا، قيدته لنفسي بخمسة عشر، يجوز ولّا ما يجوز؟
طالب: على المذهب لا يجوز.
الشيخ: على رأي المؤلف لا يجوز، مع أن المصلحة الآن لمن؟ للموكِّل، لو رجعنا إلى الناس لكان ما زاد على اثني عشر ونصف، لكنهم يقولون: لا، نمنع ذلك سَدًّا للباب، ولئلا يؤدي إلى النزاع.
بالعكس لو وَكَّلَنِي في الشراء، فذهبت إلى المكاتب بشراء كتاب، ذهبت للمكاتب، كل المكاتب ما نقصت عن عشرة، وأنا قيدته لي من عندي بخمسة، فيه مصلحة له ولّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: فيه مصلحة، لكن مع ذلك على المذهب لا يصح، لماذا؟ سَدًّا للباب.
ويزول المحظور على المذهب بشيء واحد، وهو أن أقول له عندما وَكَّلَنِي: أرأيت لو كان هذا من عندي تقبل؟ فإذا قال: نعم ما فيه مانع، حينئذ يجوز أن أبيع عليه إذا وَكَّلَنِي في الشراء، وأن أشتري منه إذا وَكَّلَنِي في البيع، ولا حرج في ذلك.
( ... )
مطلقًا ولو في المزاد العلني، ولو زاد على الثمن الذي انقطع به السعر؛ لأن كلامه عامّ، لكن يُسْتَثْنَى من ذلك:
أولًا: إذا قال له: اشترِ ولو من نفسك، أو بِعْ ولو من نفسك، يعني إذا أَذِنَ في ذلك.
(1/4950)
________________________________________
ثانيًا: إذا قطع الثمن، يعني الموكِّل قطع الثمن بأن قال: بِعْهُ بعشرة مثلًا، وحرج عليه والناس ساموا وساموا، حتى وقف على عشرة عليه هو نفسه، يجوز ولّا لا؟ قال العلماء: إنه يجوز إذا عَيَّن الثمن، يجوز أن الإنسان يشتريه لنفسه؛ لأن أصل منع بيع الإنسان على نفسه وشرائه منها خوف المحاباة التي تضر الموكِّل، فإذا عَيَّن الموكِّل الثمن زال هذا المحذور.
إذا عيَّن الثمن ورأى الوكيل أن السلعة تزيد على هذا، وذلك بأن يكون الموكِّل خِبْرَتُه بالأثمان قليلة، أو كان يحضرها من زمان، فهل يجوز للوكيل في هذا الحال أن يبيع بما قدر أو لا يجوز؟
طالب: ما يجوز.
الشيخ: الجواب: لا يجوز، وسيأتي في كلام المؤلف.
قال: (ولا يبيع من ولده)، ما يبيع من ولده، يعني ولا يَشْتَرِ منه.
وَكَّلْتُكَ أن تبيع هذا الكتاب، فذهبت بعته على ولدي، على ولدك أنت، يجوز ولّا لا؟ يقول المؤلف: لا يجوز.
حتى ولو في المزاد العلني؟ نعم، ولو في المزاد العلني، لماذا؟ قالوا: لأن الإنسان متهم في حق ولده، ويش لون متهم، كيف يكون متهمًا.
أقول: هذا رجل قال له شخص: خذ هذا الكتاب فبعه، فباعه على ولده، يجوز ولّا لا؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، يبيع على ولده ليش؟ لأنه متهم في حقه، قد لا يحتاط في طلب الزيادة؛ لأن ولده هو الذي اشتراه، أليس كذلك؟
مثاله: أعطاني الكتاب، ولقيت في السوق مَن يَسُوم الكتاب، وقال واحد: بعشرة، قال واحد: بخمسة عشر، قال واحد: بعشرين، قال ابني: باثنين وعشرين، على طول بعت عليه، يمكن هذا ولّا ما يمكن؟
طالب: ما يمكن.
الشيخ: لا، أقول: يمكن يقع ولّا ما يمكن؟
طلبة: يقع.
الشيخ: يمكن يقع كثيرًا، إذا سام ولده ما راح يجيب آخرين؛ لأنه يحابي ولده، لهذا لا يجوز أن يبيع على ولده.
على ولد ولده؟
طالب: كذلك.
الشيخ: ولد بنته؟
طلبة: كذلك.
الشيخ: إي نعم، مثل ولد البنت كولد الابن؛ لأنه أيضًا يُخْشَى أن يحابيهم، ولو كان أبا الأنثى.
(1/4951)
________________________________________
إذن لا يبيع على ذريته من قِبَل أبنائه أو من قِبَل بناته، ما يبيع لأنه متهم.
هل يبيع على والده؟ نقول: لا، البيع على الوالد كالبيع على الولد، بل أشد، ربما يحابي والده أكثر مما يحابي ابنه؛ لأنه يهاب والده، فإذا زود أبوه بأن زاد في الثمن على طول باع عليه؛ لأنه يخاف من أبيه، فلهذا لا يبيع على والده ولا جده ولا جده من قِبَل أمه، إذن لا يبيع على الأصول ولا على الفروع؛ لأنه متهم، لكن يُسْتَثْنَى من ذلك ما إذا عَيَّن الموكِّل؟
طالب: الثمن.
الشيخ: الثمن؛ لأنها تزول التهمة حينئذ، وكذلك قال بعض العلماء: إن الصواب أنه يبيع على ولده، ويبيع على والده، وعلى أمه وجدته وبنته وبنت بنته، وغير ذلك، إلا إذا ظهرت المحاباة، وإلا فإنه يبيع؛ لأني وَكَّلْتُه في البيع، ولم أقل: لا تبع على ولدك، فاللفظ يشمل هؤلاء وهؤلاء.
وهذا القول هو الصحيح؛ أنه يجوز البيع على ولده، وعلى والده، إلا إذا كان شريكًا لهم، فإذا كان شريكًا لهم فلا؛ لأن حقيقة الأمر أنه باع على مَن؟ على نفسه.
هل يبيع على إخوته؟
طالب: لا.
الشيخ: نعم يبيع على إخوته وأعمامه وبني إخوته، ما لم يكن شريكًا لهم.
طالب: على المذهب يا شيخ.
الشيخ: لماذا نفرق بين الأب والأخ؟ قالوا: لأن الأب أصل، والأخ ليس أصلًا ولا فرعًا، ولكن قد يقال: إن بعض الإخوة يحابيه الإنسان أكثر مما يحابي والده، ولّا لا؟ يكون أخًا أكبر منه شقيقًا شفيقًا رفيقًا به، فيحبه أكثر، فالتهمة لا تزال موجودة.
وهذا القول هو الصحيح؛ أن الحكم يدور مع علَّته، فإذا وُجِدَت التهمة مُنِعَ البيع، وإذا لم توجَد لم يُمْنَع البيع، هذا هو الصواب.
(1/4952)
________________________________________
قال المؤلف: (ولا يبيع بعَرَض)، العَرَض ما سوى النقد، يعني ولا يبيع أيضًا بعَرَض، فإذا وَكَّلْتُك على أن تبيع سيارتي هذه، فذهبت إلى المعرض ووجدت هناك سيارة أحسن، فبعت السيارة بالسيارة، وجئت إليك بهذه السيارة أقودها، قرعت الباب: السلام عليكم، وعليكم السلام، وإذا الرجل قد تأهب وأتى بالكيسة ليجعل فيها الدراهم، فقلت له: افتح باب الكراج لأدخل السيارة، يجوز هذا ولّا لا؟
طالب: هذا تصرف فضولي.
الشيخ: هذا تصرف فضولي، ما يجوز، على المذهب نقول: هذا لا يجوز؛ لأني إنما وَكَّلْتُك أن تبيع، والعادة أن الوكالة تنصرف إلى النقد، ما هو إلى العَرَض، فلا يصح.
طالب: ولو رَضِي الموكِّل؟
الشيخ: لو رضي، إلا على القول بجواز تصرف الفضولي.
(ولا يبيع نَسَاءً)، ويش معنى (نَسَاء)، أي: بثمن مؤخَّر، سواء كان مؤجَّلًا أو غير مؤجَّل، فهو لا يبيع نَسَاء أي: بثمن مؤخَّر، سواء كان مؤجَّلًا أم غير مؤجَّل، فإذن الوكيل لا يبيع إلا نقدًا، فإذا وَكَّلْتُك أن تبيع هذه السيارة، بعتها بعشرين ألفًا، لازم تأخذ الثمن نقدًا، لا تبعها نَسَاءً، فإن بعتها مؤجَّلَة بثمن مؤجَّل فإن ذلك لا يصح، ولو كان الثمن المؤجَّل أكثر، فلو قلت: بعها بعشرة آلاف، فذهبت إلى السوق وبعتها بخمسة عشر ألفًا مؤجَّلة، صح البيع ولّا لا؟ خمسة عشر ألف ( ... ).
السؤال مرة ثانية: قلت: بع هذه السيارة بعشرة آلاف ريال، فذهبت إلى السوق وبعتها بخمسة عشر ألف ريال، يصح ولّا ما يصح؟
طلبة: ما يصح.
الشيخ: ما يصح؛ لأن المؤلف يقول: (ولا يبيع نَسَاءً)، أي مؤخَّر القبض.
(ولا بغير نقد البلد)، نحن الآن في السعودية، قلت: خذ هذه السيارة بعها، فبعتها بدولارات، وجئت بالدولارات، يصح البيع ولّا لا؟
طالب: سهل يحوِّلها.
(1/4953)
________________________________________
الشيخ: ما هو بسهل يحوِّلها، المهم جاء لي بالدولار، قلت: هذه قيمة السيارة دولارات، ما أذنت إنك تبيعها بدولار، قال: يا مسكين، هذا الدولار عملة صعبة، كل الناس يبغونها، ويش الجواب؟
نحن الآن لسنا في أمريكا، ولكننا في البلاد السعودية، ونقدنا هو النقد السعودي، فأنت الآن بعت بغير ما ينصرف الإطلاق إليه، وهو النقد السعودي، فالبيع إذن لا يصح.
أعطيتك هذه السيارة تبيعها هنا في السعودية، فأتيت إليّ بدل الورق بدراهم فضة سعودية؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؟
طالب: لا يعد نقدًا يا شيخ.
الشيخ: لا؛ لأنه إذا تعدَّد النقد اعتبر أكثره رواجًا، والأكثر رواجًا الآن هو هذه الأوراق ( ... ).
قال: (ولا بغير نقد البلد، وإن باع بدون ثمن المثل أو بدون ما قدَّره له أو اشترى له بأكثر من ثمن المثل، أو مما قدره له صح، وضمن النقص والزيادة) هذه أربع مسائل.
أولًا: باع بدون ثمن المثل، وَكَّلْتُك أن تبيع هذه السيارة، وثمن مثلها عشرون ألفًا، فبعتها بخمسة عشر ألفًا، البيع صحيح، ولكن تضمن النقص، ما هو النقص؟ خمسة آلاف، لماذا كان البيع صحيحًا؟
كان البيع صحيحًا لأنه تعلَّق به حق امرئ ثالث وهو المشتري، فلا نبطل حقه بسوء تصرف غيره، ويضمن النقص؛ لأنه دون ثمن المثل، ومن المعلوم أن الإذن المطلَق ينصرف إلى ما يتعارفه الناس، وهو ثمن المثل.
وظاهر كلام المؤلف أنه ضامن مطلقًا، حتى وإن اجتهد وتصرف تصرفًا تامًّا، لكن تبيَّن أن السلع قد زادت وهو لا يعلم، ظاهر كلام المؤلف أنه يضمن حتى في هذه الحال.
والصحيح أنه لا يضمن في هذه الحال؛ لأنه مجتهد غاية الاجتهاد، وحريص، وكون السلع تزيد وهو لا يعلم هو معمول فيه، وهذا يحدث أحيانًا، أحيانًا تأتي الزيادة طفرةً، الغالب أن الزيادة تكون شيئًا فشيئًا، لكن أحيانًا تأتي طفرة ( ... )، فمثل هذا الرجل كيف نضمنه؟ نفس الموكِّل لو باع في هذه الحال لعذر نفسه، ولّا لا؟
طالب: نعم.
(1/4954)
________________________________________
الشيخ: عذر نفسه، فهكذا أيضًا الوكيل، ولو قلنا بأنه يضمن في هذه الحال ما استقامت الوكالة أبدًا؛ لأن كل وكيل يقول: يحتمل أن تكون الأمور قد زادت وأنا ما دريت، فإذن ما أتصرف، فإذا كان الرجل قد اجتهد وتحرى، ولكن أتى أمر بغير اختياره ولا بسبب التفريط، فالصواب أنه لا ضمان عليه.
أما المسألة الثانية: إذا باع بدون ما قدَّرَه له، هذا لا شك أنه يضمن بكل حال، قلت: خذ هذه السيارة بعها بعشرين ألفًا، خذها، حَرَج عليها يومين ثلاثة أربعة، عشرة، ما قدر الثمن إلا خمسة عشر ألفًا، فقال ( ... ) تزيد ببيعها بخمسة عشر ألفًا، وباع، يصح البيع؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: البيع يصح يا إخوان، قلنا: إن البيع يصح؛ لأن الطرف الثالث وهو المشتري ما أذن، هو معذور، ولكن يضمن النقص، كم يضمن في المثال؟
طلبة: خمسة.
الشيخ: يضمن في هذا المثال خمسة آلاف.
لو أنه باعها بما قدَّره الموكِّل، ولكن السلع قد زادت حتى صارت تساوي خمسة وعشرين، والموكِّل ما علم، فهل يضمن أو لا يضمن؟
طالب: لا يضمن.
طالب آخر: يضمن.
أو اشترى له بأكثرَ من ثَمَنِ الْمِثْلِ أو مما قَدَّرَه له صَحَّ , وضَمِنَ النقصَ والزيادةَ، وإن باعَ بأَزيدَ، أو قالَ: بِعْ بكذا مُؤَجَّلًا, فباعَ به حالاً، أو: اشْتَرِ بكذا حالًا , فاشْتَرَى به مُؤَجَّلًا ولا ضَررَ فيهما صَحَّ وإلا فلا.
(فصلٌ)
(1/4955)
________________________________________
وإن اشْتَرَى ما يُعْلَمُ عيبُه لَزِمَه إن لم يَرْضَ مُوَكِّلُه، فإن جَهِلَ رَدَّه، ووَكيلُ البيعِ يُسْلِمُه ولا يَقْبِضُ الثمَنَ بغيرِ قَرينةٍ، ويُسَلِّمُ وَكيلُ الْمُشترِي الثمَنَ , فلو أَخَّرَه بلا عُذْرٍ وتَلِفَ ضَمِنَه، وإن وَكَّلَه في بيعٍ فاسدٍ فباعَ صَحيحًا , أو وَكَّلَه في كلِّ قليلٍ وكثيرٍ أو شِراءٍ ما شاءَ أو عَيْنًا بما شاءَ ولم يُعَيِّنْ لم يَصِحَّ، والوكيلُ في الْخُصومةِ لا يَقْبِضُ والعكسُ بالعكسِ، واقْبِضْ حَقِّي من زَيْدٍ لا يَقْبِضُ من وَرَثَتِه , إلا أن يَقولَ الذي قِبَلَه , ولا يَضْمَنُ وكيلٌ الإيداعَ إذا لم يُشْهَدْ.
(فصلٌ)
والوَكيلُ أَمينٌ لا يَضْمَنُ ما تَلِفَ بيدِه بلا تَفريطٍ، ويُقْبَلُ قولُه في نفيِه والهلاكِ مع يَمِينِه، ومَن ادَّعَى وَكالةَ زيدٍ في قَبْضِ حَقِّه مِن عمرٍو لم يَلْزَمْه دَفْعُه إن صَدَّقَه ولا اليمينُ إن كَذَّبَه،
خمسة عشر، عشرين، وهو يعرف أنها تساوي خمسة وعشرين، فباعها بعشرين، قال: ما دام جابت اللي قدَّر له أبيت في الحرم، وباعها بعشرين، هل يضمن أو لا يضمن؟
طلبة: لا يضمن.
الشيخ: ما يضمن؟
طلبة: ما يضمن.
طلبة آخرون: يضمن.
الشيخ: أنتم الآن بين قياسيِّين وظاهريِّين، الظاهريون يقولون: لا يضمن، ما يضمن الظاهر، وصاحبها يقول: بِعْها بعشرين، بعتها بعشرين، أنا اتبعت ظاهر اللفظ، والقياسيون يقولون: يضمن؛ لأن صاحبها لما قال: بعها بعشرين يظن أن هذا أعلى ما تبلغ، صح ولَّا لا؟
ولو ظن أنها تبلغ خمسة وعشرين أو ثلاثين لقال: بعها بثلاثين، صح ولَّا لا؟ لكن هو لما يقول: بعها بعشرين خاف أن الرجل يتهاون في بيْعِها، فقال: بِعْها بعشرين وهو في تلك الساعة يظن أن هذا أعلى سعر لها.
(1/4956)
________________________________________
فنقول: من طلب العشرين فهو يطلب الخمس وعشرين، وأنا مع القياسيِّين في هذه المسألة، ولكن في هذه المسألة نقول: يلزمك أحد أمرين؛ إما أن تراجع صاحبك، وتقول: هذه السلعة تساوي أكثر مما قَدَّرْت، فإن قال: بعها ولو بما قدرت فهي على ما قَدَّر، وإن قال: اجتهد، باعها بما تساوي.
وحُكي لنا أن بعض أهل الورع السابقين أعطى ابنه مساويك، وقال له: بِعْ كل واحد بقرش، الابن راح ( ... )، وصار يبيع المسواك بقرشين، فرجع إلى أبيه وقد زاد الثمن الضعف، قال له: منين جاء هذا؟ قال: والله بعتها على قرشين، قال: أنا قلت لك: بعها على قرش، ليش تبيع على قرشين؟ ! وجعل يؤنبه، قال: يلَّا عاد رُوح، دوِّر اللي شرى منك، وأعطهم على قرش رُدَّ عليهم الزائد، وألزمه بذلك، ما تقولون في هذا؟
طالب: خطأ من هذا الأب.
الشيخ: خطأ منين؟
الطالب: من الأب.
الشيخ: نعم، خطأ من الأب، إلا إذا علمنا أن الوكيل غبن المشتري، ما هو قد يكون الثمن حقيقة كما قدَّره الموكِّل، لكن هذا أخذ بغُرَّة الناس، وزوَّد عليهم مثل ما يُوجد الآن، الآن يوجد ناس يأخذون بغرة الإنسان تجد يبيع عليه الشيء بعشرة وهو يبيعه بخمسة، فإذا علمنا أن القيمة هو ما قدره الموكل، وأن هذا أخذ بغرة الناس ويبيع عليهم بزيادة فحينئذٍ لا بد أن ترد.
طالب: يرد عليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: وهو؟
الطالب: اللي وكل رجلًا يشتري شاة وباع الشاة.
الشيخ: إي هذا تاجر، هو اشترى شاتين بدينار هذا ( ... )؛ لأنه جاء واحد وأخذ شاة واحدة بدينار؛ لأنه محتاج، لكن الثمن العام هو اللي ( ... ).
إذن نقول: إذا عيَّن الموكل ثمنًا، وكانت تساوي أكثر مما عيَّن وجب على الوكيل ألَّا يتقيد بالثمن الذي عيَّنه، فإن باعها بالثمن الذي عيَّنه وهو دون ثمن المثل ضمن النقص.
(1/4957)
________________________________________
إلا في حال واحد: إذا قال: بعها على فلان بعشرين، وأدتها له خمسة وعشرين، فهنا لا يتعدى ما قُدِّر له؛ لأنه لما قال: بِعْها على فلان وعيَّنه فإن فيه احتمالًا قويًّا أنه يريد أيش؟
طالب: أن يضره.
الشيخ: أن يضر مَنْ؟
الطالب: أن يضر المشتري.
الشيخ: المشتري، فيه احتمال كبير للمحاباة، قد عرف أن فلانًا يحتاج لهذه السيارة، وأنه رجل ليس ذا مال كثير، وقال: شوف، اعرضها على فلان، وبِعْها عليه بعشرين ألفًا، فذهب الرجل وجدها تسوى خمسة وعشرين، يبيعها على هذا الرجل بكم؟
طلبة: بعشرين.
الشيخ: بعشرين، ويضمن ولَّا ما يضمن؟
طلبة: ما يضمن.
الشيخ: لا يضمن؛ لأنه ما دام عيَّن الرجل معناها أنه يريد محاباة الرجل.
قال المؤلف: الصورة الثالثة قال: (أو اشترى بأكثر من ثمن المثل) أعطيت رجلًا قلت: خذ اشترِ لي مسجلًا، فذهب واشترى مسجلًا كم ( ... ) كم؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ويش هي؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: اشترى بأيش؟
الطالب: اشترى بمئة ( ... ).
الشيخ: ما قدَّر، قلت: اشترِ لي مسجلًا صفته كذا وكذا، ( ... ) كذا وكذا، فذهب فاشترى المسجل بمئتي ريال ( ... )؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: بأربع مئة ريال، وهو يساوي مئتين، يصح الشراء ولَّا ما يصح؟
طلبة: يصح.
الشيخ: يصح؛ لأنه تعلَّق به حق ثالث، ولكن يضمن الزيادة، يضمنها مَنْ؟ الوكيل، يقول الموكل: أنا وكَّلتك تشتري لي مسجلًا، كيف تشتريه بأكثر من ثمن المثل؟ ! قال: والله ودي ( ... ) البائع، البائع رجل طيب وحبيب، واشتريت المسجل بأربع مئة؛ لأنه ( ... ). أقول: نعم، أنا الآن ( ... )، لكن ما قلت: تشتريه بأكثر فيضمن أيش؟
طلبة: الزيادة.
الشيخ: الزيادة مئتا ريال.
الصورة الرابعة: أو اشترى بأكثر مما قدَّره له، قال: خُذْ، اشترِ لي شاة بأربع مئة، فذهب واشترى لي شاة بثماني مئة، يصح الشراء؟
طلبة: يصح.
(1/4958)
________________________________________
الشيخ: ولكن يضمن الزيادة وهي أربع مئة، واضح؟ فكيف ( ... ) الثمن مثله، وهذا ما قدَّره له، فإن قال مثلًا: هذه شاة طيبة وزينة وتسوى ثماني مئة، ويش يقول له؟ يقول: لكني ما قدرت لك إلا أربع مئة، وإذا ترى بتسوى ثمان مئة كما تقول: خُذْها وبِعْها بثمان مئة وجب لي أربع مئة. المهم أنه يضمن الزيادة التي زاد بها على ما قدَّره له.
يقول: (صح وضمن النقص والزيادة) ضمن النقص في مسألة البيع، وضمن الزيادة في مسألة الشراء.
إذا قال: بِعْه بالنقد الفلاني فباعه بنقد آخر أكثر منه، قال: خُذْ هذا بِعْه بدرهم، وراح باعه بدولار؛ يعني بريال، وباعه بدولار، يجوز ولَّا لا؟
طلبة: ما يجوز.
طلبة آخرون: ما يصح.
الشيخ: أي أزْيَن؟
طلبة: الدولار.
الشيخ: الدولار، أو قال: خذ بِعْه بدرهم، فباعه بدينار، يصح ولَّا ما يصح؟
طلبة: ما يصح.
الشيخ: يقول: إنه يصح هنا؛ لأنه زاده خيرًا، إذا قال: والله أنا ما أبغي الدينار، أبغي الدرهم، قال: هات، وارح وصرفه دراهم، الدينار بأربع مئة ريال، كيف ( ... ) أربع مئة ريال؟ يجب له ريال واحد، ويرجع للوكيل ثلاث مئة وتسعة وتسعون، لكن في ظني أن هذا لا يمكن ( ... )، لكن ما يمكن أن يقع، يعني لا يمكن لأحد أن يقول: بِعْ هذا بدرهم، وإذا باعه بدينار قال: والله ما أبغي ( ... ).
طالب: ( ... ) وكَّله في السعودية، وجاب له دولارات، والدولارات يصرفها هنا وتصير فيها زيادة.
الشيخ: لا، هو باعه بدولار بقيمة الدراهم.
الطالب: يعني؟
الشيخ: يعني ما قلت: بِعْه ( ... ) دولارات.
الطالب: وكَّلته مثلًا الحاجة، هذه بأربع مئة ريال اللي أنا وكَّلته عليها ( ... ) السعودية، لكن جاب دولارات إذا صرفناها صارت خمس مئة.
الشيخ: ما يخالف، إذا جاب دولارات تكون أكثر لا بأس، لكن إذا جاب دولارات مساوية؛ يعني باعها بدولارات تساوي أربع مئة فقط ما يجوز، ما يصح ( ... ).
(1/4959)
________________________________________
(ثمن المثل أو دون ما قدره له) فالبيع صحيح، والزيادة لمن؟ الزيادة للموكِّل، مثاله: قلت: يا فلان، خُذْ هذا الكتاب بِعْه بعشرة، فذهبت وبِعْته بأحد عشر، يصح البيع ولَّا لا؟ يصح؟
طالب: نعم.
الشيخ: والزيادة؟
طلبة: للموكِّل.
الشيخ: الزيادة للموكل معلوم؛ لأنه ملكه، فإذا قلت: بعْ هذا الكتاب وأطلقتَ، وكان الكتاب يساوي عشرة، فباعه بأحد عشر؛ يعني بأزيد من ثمنها، يصح؟
طلبة: يصح.
الشيخ: والزيادة؟
طلبة: للموكِّل.
الشيخ: للموكل.
قال المؤلف: (إن باع بأزيد أو قال: بِعْ بكذا مؤجلًا فباع به حالًّا) أيهما أحسن؟
طلبة: الحال.
الشيخ: الحال؟ تقول: مثلًا بِعْ بكذا مؤجلًا، أعطيتك كتابًا وقلت: بِعْ هذا الكتاب بعشرين درهمًا مؤجَّلة إلى سنة، فباعه بعشرين درهمًا نقدًا، فإن البيع يصح؛ لأنه زاده خيرًا، لو باعه بخمسة عشر نقدًا؟
طلبة: يضمن النقص.
الشيخ: يضمن النقص؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: هو قال: بِعْه بعشرين مؤجَّلة، فباعه بخمسة عشر نقدًا؟
طالب: يصح.
الشيخ: يصح، ويضمن النقص.
يقول المؤلف: (أو) قال: (اشترِ بكذا حالًّا فاشترى به مؤجلًا) اشترى به أي بالذي قدَّر.
(مؤجلًا) صح.
(ولا ضرر فيهما) كذا عندكم؟ قال له: اشترِ لي كتابًا بعشرة دراهم نقْدًا، قال: طيب، ذهب واشترى له كتابًا بعشرة دراهم مؤجلة إلى سنة، يصح ولَّا لا؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: يصح، إي نعم، يصح، لماذا؟ لأنه زاده خيرًا، الآن اشترى له الكتاب، وبقي الدراهم عند الموكل ينتفع بها إلى نصف السنة، ربما هذه الدراهم إذا باع أو اشترى ربما إذا باع بعد السنة تكون العشرة عشرين أو مئة، حسب السوق، فهنا زاده خيرًا.
الصور الآن عندنا أربعة: صورتان في البيع، وصورتان في الشراء.
باع بأزيد من ثمن الْمِثل، أو بأزيد مما قدره له، يصح ولَّا ما يصح؟
طلبة: يصح.
الشيخ: يصح؛ باع بالشيء الذي قال: بِعْه مؤجلًا، باعه بالحال، يصح ولَّا ما يصح؟ يصح.
الشيء الذي قال: اشتراه حالَّا اشتراه مؤجلًا.
(1/4960)
________________________________________
يقول المؤلف: (ولا ضرر فيهما) أيهما؟ المسألتان ( ... )، وهو بِعْ لي كذا مؤجلًا، فباع به حالًّا، اشترِ بكذا حالًّا فاشترى به مؤجلًا، إذا ما فيه ضرر يصح؛ لأنه زاده خيرًا.
فإن كان فيهما ضرر فإنه لا يصح، كيف يكون الضرر فيما إذا قال: بِعْه بكذا مؤجلًا فباع به حالًّا، يكون الضرر فيما لو قُدِّر أن الموكِّل لا يُحب أن يقبض الثمن الآن؛ لأنه يخشى عليه من اللصوص، أو يخشى عليه من تنفيذه فيما لا ينبغي، هو يقول: إذا بقي في ذمة المشتري لمدة سنة كان أحسن، أو ما يمكن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ما يمكن؟
طلبة: يمكن.
الشيخ: يمكن إذن فيه ضرر، ( ... ) الحمد لله، شوف أنت قلت: بِعْه بعشرة آلاف مؤجَّلة إلى سنة، والآن جبت لك عشرة آلاف نقْدًا، احمد ربك على ها النعمة، هو جاب شيئًا نقدًا وأنت تريد مؤجلًا، يقول: لا يا أخي، ما أريده نقدًا، أولًا: ما عندي مكان أحفظه فيه الآن، إذا جعلته في بيتي أخشى عليه من السراق، من اللصوص.
أو أنا رجل كثير الإنفاق، لو جعلته عندي أنفقته، ما يأتي آخر السنة إلا وقد ذهب، أنا ما أبغيها الآن، ظاهر كلام المؤلف أن البيع لا يصح؛ لأنه اشترط ألا يكون فيهما ضرر، فإن كان فيهما ضرر فإنه لا يجوز.
في مسألة الشراء قال: اشترِ بكذا حالًّا، فاشترى به مؤجَّلًا، ويش الضرر؟ ويش سبب الضرر؟
طالب: ( ... ).
(1/4961)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، هو قال له مثلًا: اشترِ الآن لي سيارة بعشرة آلاف نقدًا، ذهب الرجل واشترى السيارة، لكن بعشرة آلاف مؤجلة، وجاء إليه وقال: اشتريتها مؤجَّلة بعشرة آلاف، خلِّ العشرة آلاف عندك هذه بِعْ بها واشترِ، إذا جاء السنة القادمة يمكن يسوى عشرين ألفًا. أقول: لا يا أخي، ما يصح، أنا علي ضرر، إذا بقيت العشرة عندي الآن ربما تُصرف ولَّا لا؟ ربما أني أنا أتصرف فيها بإتلاف، أنا رجل الدراهم ما ( ... )، إذا صار عندي دراهم عزمت الناس على ذبيح من أول النهار وذبيح من آخر النهار، ولا يأتي الشهر إلا ( ... )، أنا ما أبغي هذا، ولَّا لا؟
أو يقول أيضًا: أنا إذا صار عندي عشرة آلاف ريال، عندي زوجة مُتعبة تقول: يلَّا أعطني عشرة آلاف ريال، اليوم أشتري طوق ذهب، وغدًا قرط، والثاني ثوب، والرابع ثوب ثاني جديد وما أشبه ذلك ولَّا لا؟ ( ... ) الشنطة ما فيها شيء، إذن فيه ضرر ولَّا لا؟
لكن قد يقول قائل: أنه مثلًا: الضرر هذا يزول بأن يرجع الوكيل إلى المشتري، يقول: إنه ( ... ) الدراهم خليهم عندك، نقول: هذا ممكن ( ... )، لكن المشكلة أن المشتري أيضًا قد يمنع ( ... )، ما أريده هذا إذا باقي عندي بيروح أو يصرف، أنا ما أريده، أو ما يُقال هذا؟
طلبة: يُقال.
الشيخ: يُقال؛ إذن: يجب أن نقول: ولا ضرر فيهما أذكر نوع الضرر فيما إذا باع؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ( ... ) هو الآن الموكل يقول: إن الدراهم إذا بقيت عندي الآن صارت عُرضة للتلف؛ إما بسرقة، أو بإتلاف مني أنا لأني أنا متلاف، أنا كثير الرماد طويل العماد صح؟ كناية عن؟
طالب: عن الكرم.
الشيخ: يعني الكرم، كثير الرماد يعني كريم؛ لأن الكريم يأتيه الضيوف، والضيوف يحتاجون إلى طعام، والطعام يحتاج إلى طبْخ، والطبخ يحتاج إلى نار، حطب والحطب يصير رمادًا، فكثرة الرماد تدل على الكرم.
(1/4962)
________________________________________
طويل العماد أيضًا يعني معناها أن الخيمة عمودها طويل؛ لأن رئيس القوم يجعل له خيمة طويل عمودها لأجل يشتهر، ومن رآه من الضيوف من بعيد جاء إليه، فهو يقول: الضرر اللي حصل لي هو أني إذا بقى عندي المال أتلفته.
صورة أخرى في مسألة الشراء: نفس الشيء وهو أنا الآن عندي دراهم، لكن إذا بقيت عندي إلى السنة القادمة ربما تتلف أو تُسرق أو ما أشبه ذلك.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فصل: وإن اشترى ما يعلم عيبه لزمه إن لم يرضَ مُوكِّله، فإن جهل رده)
هذا حكم تصرف الوكيل في بيع أو شراء. الوكيل يجب عليه إذا وُكِّل في الشراء أن يتقي الله عز وجل فيما يشتريه، وفي ثمنه، فإذا رأى شيئًا بأنقص لم يجب أن يشتريه بأكثر، وإذا رأي طيِّبًا بثمن ورديئًا بذلك الثمن نفسه لم يجب أن يشتري الرديء، وإذا رأى معيبًا وسليمًا لم يجب أن يشتري ..
فإن اشترى معيبًا فلا يخلو من حالين:
إما أن يكون عالمًا بعيبه أو جاهلًا به، فإن كان عالمًا بعيبه؛ فإنه يلزمه العقد يلزم منْ؟ الوكيل؛ لأنه دخل على بصيرة، فلا حق له في الرد بالنسبة للبائع؛ إذ إنه لو رجع وقال: والله، أنا ما أريد الشيء هذا؛ لأنه معيب، ماذا يقول له البائع؟ يقول: قد علمت به.
مثال ذلك: وكَّلته في شراء سيارة، فذهب إلى المعرض، واشترى لي سيارة فيها عيب قد أعلمه صاحب المعرض به، قال: هذه السيارة فيها عيب وهو هذا النوع من العيب وعيَّنه له، قال: ما يخالف، أنا قابل. ثم ذهب بها إلى الموكل، قال: اتفضل هذه السيارة، فقال الموكِّل: هذه فيها عيب، لا أريدها، فهل للوكيل أن يردها على البائع؟
طلبة: ما يردها.
الشيخ: لا، لماذا؟ لأنه قد علم العيب، ودخل على بصيرة فلا يمكن أن يردها. هل تلزم الموكِّل؟
طلبة: لا تلزمه.
الشيخ: لا تلزمه؛ لأنه ما وكَّله على أن يشتري معيبًا، الوكالة تقتضي السلامة، فحينئذٍ تلزم مَنْ؟
طلبة: الوكيل.
(1/4963)
________________________________________
الشيخ: تلزم الوكيل، لكن لو قال الوكيل للبائع: أنا وكيل لفلان بشرائها ولا أدري أيرضى بها معيبة أم لا، ثم ذهبنا بها إلى الموكل، وقال الموكل: لا أريدها، له الرد ولَّا لا؟
طلبة: له الرد.
الشيخ: ليش؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لأنه أعلمه، أعلم البائع، فدخل على بصيرة.
وقول المؤلف: (إن لم يرضَ موكله) فإن رضي مُوكِّله؟
طلبة: فلا بأس.
الشيخ: فلا بأس؛ لأن الحق له إن رضي، إن جئت إليه بالسيارة، وقلت: هذه السيارة لكن ترى فيها العيب الفلاني قال: أنا راضٍ؛ فإنه يلزم الموكل.
فإن قلت: كيف يرضى الموكِّل بالعيب؟ فالجواب: أنه يمكن يرضى بالعيب لأسباب متعددة؛ منها: أنه يُحابِي الوكيل، يقول: ما دام اشتراها لي ما أود ( ... ) أمام الناس أنا راضي، وهذه محاباة لمن؟
طلبة: للوكيل.
الشيخ: للوكيل، ومنها: أن تكون السيارة رخيصة؛ يعني أنها بالنسبة لعيبها رخيصة؛ إذ إنها لو كانت سليمة من هذا العيب لكانت تساوي خمسة عشر، والآن أخذها بعشرة، والعيب لا ينقصها إلا ثلاثة، معناها أنها تساوي الآن كم؟
طلبة: اثنتي عشر.
الشيخ: اثنتي عشر، فأخذتها بعشرة فأقبله. ربما تكون معيبة بعيب عندي له جواب، قطعة غِيار مثلًا، فيها قطع غيار، لكن عندي لها قطعة الغيار، قطعة الغيار تُساوي في السوق مثلًا خمسين، واللي عندي ما تهمني إذا ذهبت، فأرضى بذلك لهذا السبب.
المهم أن الموكِّل إذا رضي بالسلعة معيبة لزمته، هل يمكن أن نأخذ من هذا دليلًا على القول الراجح في جواز تصرف الفضولي؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: ( ... ) إي نعم، يؤخذ منه، ولهذا كان القول الراجح أن جميع تصرفات الفضولي إذا أُجيزت فهي جائزة ولازمة.
قال: (فإن جهل ردَّه) أيش جهل؟
طلبة: العيب.
الشيخ: إن جهل العيب ردَّه، فإن رضيه الموكِّل؟
طلبة: لزمه.
الشيخ: يرده ولَّا لا؟
طلبة: لا يرده.
(1/4964)
________________________________________
الشيخ: هو بعد أن ذهب إلى الموكل وأعطاه السيارة وجد العيب وهو ما يدري بها عيب، قال الوكيل: إذن أنا برده. قال الموكل: أنا راضٍ. قال: أنا برده. قال: أنا راضٍ، مَنْ نقبل؟
طلبة: الموكِّل.
الشيخ: الموكل، لكن الوكيل يقول: أنا برده لأجل أني ما أعلم هذا الدلال أو هذا البائع، ما أخليه يتجرأ على بيع المعيب، هذا غرر ولَّا ما هو غرر؟
طالب: غرر.
الشيخ: غرر صحيح، لكن إذا قال: ما أعرف السيارة ( ... )، فمن نأخذ بقوله؟
طلبة: الموكل.
الشيخ: بقول الموكل؛ لأن الوكيل اشتراها له، فهو من حين اشتراها دخلت في ملكه، وإذا رضي بها معيبة فالحق له.
طالب: ( ... ).
الشيخ: الحق له إن شاء أخذ ( ... )، وإن شاء رضي بها معيبًا.
يقول المؤلف رحمه الله: (ووكيل البيع يسلمه ولا يقبض الثمن) (وكيل البيع يسلمه) يسلم أيش؟
طلبة: المبيع.
الشيخ: يسلم المبيع ولا يضمنه؛ يعني وكَّلتك في أن تبيع هذا الكتاب فبعته، هل تملك تقديره ولَّا لا؟ هل تملك تقدير الكتاب ولَّا لا؟
(ووكيل البيع يسلمه) أي: يُسلِّم المبيع.
إذا قال قائل: هو قد وكَّله في البيع ولم يُوكِّله في التسليم؟
فالجواب: هذا من اللازم أن يُسلِّم المبيع، وإلا ما اسمه توكيل ولَّا لا؟ هل يستلم الثمن؟
يقول: (ولا يقبض الثمن) وكيل البائع ما يقبض الثمن، فمثلًا إذا أعطيتني هذا الكتاب، وقلت: خذ هذا الكتاب بِعْه، فبعته، ثم قلت للمشتري: أعطني الثمن. قال: ما أعطيك إياه، أنت وكيل في البيع، ولست وكيلًا في قبض الثمن. أعطني الوكالة، يقول: قد وكلت فلانًا على بيع كذا وكذا، ولم يقل في قبض الثمن يروح للمشتري ولَّا لا؟ مشكلة ولَّا لا؟ أقول: يروح بلا تسليم ولَّا ما يروح؟
(1/4965)
________________________________________
على كلام المؤلف يروح بلا تسليم، حتى لو كان أجنبيًّا من غير البلد هو معروف، لكنه من بلاد بعيدة، كيف؟ أنا ما وكَّلته لتسلم الثمن، ولهذا قال: (ولا يقبض الثمن) انتبه! ولكن عمل الناس اليوم أنه يقبض، بل أنا أطالبه أن يقبض؛ يعني لو قال: إنه ما قبض عند العقد ( ... ) الدراهم، وأطالبه بذلك، وهذا هو الصحيح.
لكن يقول المؤلف: (بغير قرينة)، فإن وُجدت قرينة فإنه يقبض الثمن.
مثال القرينة: وكَّلتك أن تبيع هذه السلعة في الرياض وأنت الآن في عنيزة، ورحت بعتها ويش القرينة تقتضي؟
أنك تقبض الثمن، ما دام ما هو في بلدي، أنا ما راح أسافر أو أوكل واحد آخر يقبض، هذه قرينة على قبض الثمن.
هذا الذي مشى عليه المؤلف هو الصحيح، هو أحد الأقوال؛ لأن الأقوال ثلاثة:
قول: بأنه يقبض الثمن مُطلقًا.
والقول الثاني: لا يقبضه مطلقًا إلا بتوكيل خاص.
والقول الثالث: يقبضه بالقرينة، ومعلوم أن هذا القول يتضمن القول الثاني: أنه بالتوكيل الخاص يقبضه.
المذهب: لا يقبضه إلا بإذنٍ خاص، فلو أعطاني هذا الشيء قال: خُذْ بِعْه بالرياض وهو في عنيزة وبعْته بالرياض ورجعت، ترانا بعنا هذا الشيء على فلان بن فلان، معروف، دكانه في الصفا، الدكان الثالث في أول شارع على يدك اليمنى إذا دخلت الصفا، وهو فلان بن فلان، الآن حصر الرجل ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: معروف الآن، عُرِف بالاسم والوَصْف، ( ... ) والله ما وكَّلتني ( ... )، وأيش نقول على المذهب؟
عمله صحيح، تصرف صحيح؛ لأنه ما وكله في قبض الثمن.
إذن المسكين الموكَّل الآن يحتاج إلى وكيل ثانٍ، يروح ويقبض الثمن، على كلام المؤلف هل يقبض الثمن ولَّا لا؟
يقبض الثمن؛ لأنه قرينة معلومة، وكلت وكيل في غير بلادي معناه أنه لازم يجيب الثمن.
على القول الثالث: نشوف هذا رجل وكَّل شخصًا يبيع هذا الشيء ببلده، وباعه في السوق على فلان وفلان معروف، هل يملك استلام الثمن أو لا على القول الثالث؟
طلبة: نعم.
(1/4966)
________________________________________
الشيخ: نعم، يملكه وهذا القول هو الراجح وعليه العمل: أن الوكيل وكيل بالبيع وفي القبض، فهمتم ولَّا لا؟
كذلك أيضًا: إذا وكَّلتك في شراء أن تشتري لي شيئًا، هل تملك تسلُّمه؟ قلت: يا فلان، خذ هذه عشرة ريالات اشترِ لي رز، ذهبت إلى صاحب الدكان واشتريته، وخليته عندي جيت للموكل، وقلت: يا فلان، ترى اشتريت لك ( ... ) أنا عندي ظروف الآن، عندك دكان وصاحب دكان، ( ... ) صاحب الدكان غلق الدكان ما يفتح إلا بالليل، فات المقصود ولَّا لا؟ فات المقصود.
هل نقول: إن صاحب الشراء لا يستلم المبيع؟ يقول: لا، الشراء يستلم المبيع، شوف الفرق عندهم: الوكيل في الشراء يستلم المبيع أو المشترَى على الأصلح، يستلم ويفرقون بين ذلك وبين مسألة البيع.
يقولون: لأن الوكيل في الشراء لا يريد الموكل إلا أن يأتي له بما وكَّله فيه، واضح ما هو يقولك: اشترِ ( ... ) الدكان، ما أحد يقول هذا، إيه الفائدة؟ إلا إذا أراد، إذا كان له غرض بأن قال: اشتره لي، وخلُّوه عنده لأني باشتري أغراض أخرى في السوق، ودي أحمل عليه الجميع، فهذا يمكن إي نعم، والله أعلم.
طالب: البائع كذلك يا شيخ.
الشيخ: هو في الواقع أن القول الراجح فيهم كلهم أنه يستلم هذا وهذا.
طالب: ووجه التفريق بينهم؟
الشيخ: ما هو بشيء إلا أن يكون هذا هو ما جرت به العادة.
طالب: ( ... ).
الشيخ: أعطيتك مئة درهم لتشتري لي بها حاجة فاشتريته، تسلم الثمن ولَّا لا؟ تُسلِّم الثمن؛ لأن إعطائي إياك الثمن إذْنٌ في تسليمه، أعطيتك مئة درهم وقلت: خُذْ هذه، اشترِ لي بها حاجة فاشتريت الحاجة، تُسلِّم الثمن ولَّا لا؟
طلبة: تُسلِّمه.
الشيخ: تُسلِّم الثمن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ويش الدليل أو التعليل؟ لأن إعطائي إياك الثمن إذنٌ في تسليمه بلا شك.
أما الدليل: فحديث عروة بن الجعد أن رسول الله أعطاه دينارًا ليشتري به أضحية فاشترى أضحيتين، وباع واحدة بدينار، وجاء بأضحية ودينار، فهمنا القصة هذه؟
(1/4967)
________________________________________
فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي بَيْعِكَ». فكان لا يبيع شئيًا إلا ربح فيه حتى لو باع ترابًا لربح فيه (1).
هل وكيل المشتري يستلم المبيع ولَّا لا؟ الخلاف في استلامه المبيع كالخلاف في استلام الثمن بالنسبة للوكيل في البيع.
فالصحيح أنه يستلمه، هذه تصورتوها ولَّا اللغة أعجمية؟
طالب: تصورناها.
الشيخ: قلت: خذ هذه مئة درهم اشترِ لي بها، ماذا نطلب؟
طالب: مسجل.
الشيخ: مسجل، اشترِ بها مسجلًا، ذهبت إلى صاحب المعرض واشتريت المسجل وسلمته النقود، هل تقبض المسجل ولَّا لا؟
المذهب: لا تقبضه إلا بإذن، ولَّا بالكتاب؟
طالب: بالقرينة.
الشيخ: قرينة، والصحيح أنك تستلمه مطلقًا.
ولكن العرف عندنا الآن أنني إذا وكَّلتك في شراء الشيء، فإن ذلك يتضمن الإذْن في قبضه، بل لو أني اشتريت هذه الحاجة من صاحب الدكان وأعطيته الدراهم ورجعت بدون استلام السلعة، ماذا يعُدني الناس؟ مفرطًا بلا شك، كيف تعطيه الدراهم ولا تستلم السلعة؟ !
إذن نقول: إن استلام الوكيل في السلعة المشتراة أقوى من استلام الثمن بالنسبة للوكيل في البيع، ومع ذلك فالصحيح أن العُرف يقتضي استلام الثمن في الوكيل في البيع واستلام الثمن في الوكيل في الشراء.
قال المؤلف: (فلو أخَّره بلا عُذر وتلف ضمنه) لو أخَّر تسليم الثمن بلا عذر ضمنه، ويش يضمن؟ يضمن الثمن سواء تلف بتعدٍّ أو غير تعدٍّ.
مثال ذلك: أعطيتك مئة ريال لتشتري لي بها مُسجِّلًا فذهبت واشتريت المسجل، وأخذته من صاحب المحل، وأنا سلمته لك، والثمن ( ... ) بدون إذن في أثناء الرجوع سُرِق مني، أو سقط في السوق وضاع ثمنه، تضمنه ولَّا لا؟ تضمنه؛ لأنه كان يجب عليك أن تُسلِّم الثمن فورًا بدون تأخير، فإذا أخَّرت فأنت ضامن؛ لأنك متعدٍّ بالتأخير، وما ترتب على التعدي فهو مضمون.
(1/4968)
________________________________________
قال: (فلو أخَّره بلا عُذْر) فإن أخَّرته لعذر بأن اشتريت المسجل، لكن يوم ( ... ) الثمن ما هو معي، نسيته في البيت، ثم ذهبت لتأتي به، وفي أثناء الطريق سُرق منك.
طالب: لا ضمان.
الشيخ: لا ضمان، لماذا؟ لأنني أخَّرته لعذر.
قال: (وإن وكَّله في بيع فاسد فباع صحيحًا) لم يصح، (وكله في بيع فاسد فباع صحيحًا) فإنه لا يصح.
مثاله: قال: خُذْ هذا العصير لا تبِعه إلا على الخمار، وكَّله في بيع صحيح ولَّا فاسد؟
طلبة: فاسد.
الشيخ: فاسد؟
طلبة: نعم.
الشيخ: باعه على شخص غير خَمَّار، يبغي يشرب العصير الآن قبل أن يتخمَّر، يصح البيع ولَّا ما يصح؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح، طيب باعه على الخمَّار؟
طلبة: يصح.
الشيخ: لا يصح، كيف يصح؟ فبيعه الأول لا يصح لمخالفته إذن الموكل، وبيعه الثاني لا يصح لمخالفته إذْن الشارع.
إذن نبحث بحثًا آخر: هل يجوز للوكيل أن يتوكَّل على هذه الصورة ولَّا لا؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، من الأصل لا يجوز، فالوكالة إذن غير صحيحة، فما ترتب على غير الصحيح فليس بصحيح.
وكَّله في شراء بيت فلان، قال: شوف لا تشترِ منه إلا إذا أذَّن لصلاة الجمعة الأذان الثاني، إذا سمعت المؤذن يُؤذِّن الثاني لصلاة الجمعة فاشترِ البيت منه، أيش تقولون؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: اشتراه قبل الأذان برُبع ساعة؟
طلبة: ما يصح.
الشيخ: لا يصح، ليش؟
طلبة: لمخالفته إذن الموكِّل.
الشيخ: لمخالفته إذْن الموكِّل. طيب بعد الأذان؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح لمخالفته إذْن الشارع، وبالتالي نقول: الوكالة من أصلها؟
طلبة: فاسدة.
الشيخ: غير صحيحة؛ لأنها وكالة في عقد فاسد، هذه واحدة.
ثانيًا: يقول: (وإن وكله في بيع فاسد فباع صحيحًا أو وكله في كل قليل وكثير) قال: أنت وكيل عني في كل شيء، كل قليل أو كثير يتعلق بي فأنت وكيل عني فيه، ما يصح، ليش؟
(1/4969)
________________________________________
لأن هذا خطر عظيم يمكن يروح مثلًا، أنا عندي زوجة يروح يعقد لي على ثلاث زوجات، هذا مشكل يمكن عندي أربع زوجات يروح يطلقهم جمعيهم، ولَّا ما يمكن؟
طلبة: يمكن.
الشيخ: يمكن، يمكن يروح يشتري لي أشياء بملايين ( ... )، كيف تشتري هذا بملايين؟ قال: نعم؛ لأنك وكلتني في كل قليل وكثير؛ عندي خمسة أعْبُد؛ واحد في الفلاحة، وواحد في السيارة، وواحد في البيت، وواحد في الدكان، هذا الرجل جاء وأعتقهم جميعًا، يمكن هذا ولَّا ما يمكن؟
طلبة: يمكن.
الشيخ: ويش يقول؟ قال له: أنت ليش تعتقهم؟ قال: أنت وكلتني في كل قليل وكثير؛ عندي بيوت أستغلها، فإذا هو قد ذهب إلى كاتب العدل وكتبها كلها أوقافًا، يصح هذا؟
ولهذا إذا وكَّله في كل قليل وكثير من شؤونه يعتبر هذه الوكالة فاسدة؛ لأن فيها ضررًا وغررًا وخطرًا كبيرًا.
أما لو قال: بِعْ من مالي ما شئت فهذا صحيح؛ لأن الوكالة الآن محصورة؛ بِعْ من مالي ما شئت، ما يقدر يتصرف في عبيدي، ولا يتصرف في وقْف، ولا رهن ولا شيء.
(أو) وكَّله في (شراء ما شاء) قال: أنت وكيل عني في الشراء، طيب ويش اشتري؟ قال: اللي تبغي، أنت وكيل عني في شراء ما شئت، يصلح؟
طلبة: ما يصلح.
الشيخ: ما يصلح، السبب؛ لأنه قد يشاء ما لا أشاء؛ صح ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ربما يشتري لي مثلًا سيارات، وأنا لا أريد السيارات، يشتري لي ( ... ) وأنا لا أريده، يشترى لي أشياء من الأمتعة كالأواني والثياب وما أشبه ذلك، وأنا لا أريدها، فإذا قلت: اشترِ ما شئت ما يصلح.
إذا قلت: اشترِ ما تراه رابحًا، مثلًا أنا صاحب تجارة، وجاء لي إنسان بيسافر إلى بلد وأعطيته دراهم، قال: ويش تبغي أشتري لك من السلع؟ قلت: اشترِ لي ( ... )، فذهب إلى البلد واشترى ما يراه رابحًا، هذا لا بأس به، لكن هنا يقول: (شراء ما شاء).
(أو عينًا بما شاء ولم يُعيِّن؛ لم يصح) يعني ما عيَّن الثمن ولا قدَّر؛ فهو ما يصح.
(عينًا بما شاء) كيف عينًا بما شاء أيش؟
(1/4970)
________________________________________
قلت: اشترِ لي سيارة وعيَّنت السيارة، السيارة الفلانية بما شئت، يجوز ولَّا لا؟
طلبة: ما يجوز.
الشيخ: ما يجوز؟ ليش ما يجوز؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لأني لو قلت: اشترِ لي سيارة بما شئت يمكن يحابي البائع وهى تساوي خمسة يشتريها بعشرة، وإذا جاءني، وقال: أنا اشتريتها بعشرة، قلت: ما أعطيك عشرة، ما تساوي إلا خمسة. قال: لكني قلت: اشترِ بما شئت، وهذا الذي شئت، هكذا. قال الفقهاء: إن فيه غررًا، والغرر أنه قد يشتريها بما شاء، ولكن كان ثمنها كثيرًا، كذا؟ ربما أيضًا ما دمت قلت: اشترِ عينًا بما شئت، يمكن يشتريها بالبيت ولَّا لا؟ جاء إلى بائع السيارة تساوي خمسين ألفًا. قال: كيف تبيع عليَّ السيارة؟ قال: نعم ( ... ). قال: عندي ليك فيلا في المكان الفلاني ووصفها له، أو راح وراها إياه، اشتريت السيارة بهذه الفيلا، يثبت اللفظ ولَّا ما ما يثبت؟
طلبة: يثبت.
الشيخ: لأنه قال: بما شاء، فيثبت اللفظ، هذا فيه ضرر، لكن الصحيح في هذه المسألة أننا نرجع إلى العرف في ذلك، وأنا إذا قلت: اشترِ بما تبغي ليس معناه أنني أريد منك أن تشتري ما يساوي خمسة ريال بعشرة، المقصود أني أريد أن تشتري بما تشاء من الثمن الذي تراه مناسبًا.
أيضًا عندما أقول: اشترِ بما شئت، ليس معناه أنني أريد أن تشتري بعرض، تروح تشتري سيارة بالسيارة اللي عندي أو البيت أيش قصدي تشتري بأيش؟ بنقد، فالصحيح في هذه المسألة أن الوكالة صحيحة، ولكنها تتقيَّد بما يدل عليه العُرف، وهنا نقول: الشرط العرفي كالشرط اللفظي، فكأني قلت لك: اشترِ بنقد البلد بالقيمة المناسبة، وهذا واضح.
(1/4971)
________________________________________
يقول: (والوكيل في الخصومة لا يقبض، والعكس بالعكس) (الوكيل في الخصومة) ويش هو معناه؟ يعني يكون بيني وبين زيد دعوة ادعيت على زيد بأن في ذمته لي ألف درهم، فقال زيد: لا، ما عندي لك درهم، أنا ما أعرف أخاصم، أو ما أريد أن أذهب إلى القضاة وأجلس عندهم، فوكَّلت إنسان يخاصم عني، خاصم وكيلي عند القاضي، وثبت الحق على المدَّعى عليه، هل يقبض ولَّا لا؟
يقول المؤلف: ما يقبض الوكيل في الخصومة لا يقبض، لماذا؟ لأن اللفظ لا يتناول القبض، أنا وكَّلتك تخاصم، ما وكلتك تقبض؛ ولأنني قد أرتضِي للخصومة من لا أرتضيه في القبض صح ولَّا لا؟
إذن اللفظ لا يتناوله، والمعنى لا يقتضيه، اللفظ أني وكَّلتك في الخصومة، والمعنى لأنني قد أرتضي في الخصومة من لا أرتضيه للقبض، أليس كذلك؟
وفُهم من كلام المؤلف أنه يجوز التوكيل في الخصومة، يجوز أن أُوكِّل شخصًا يخاصم عني أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ولكن هل يجوز أن أتوكل لشخص في خصومة؟
هنا مسألتان؛ المسألة الأولى: هل يجوز أن أُوكِّل شخصًا يخاصم عني؟ وهل يجوز أن أتوكَّل لشخص في الخصومة؟
أما الأول: فيجوز أن أُوكِّل شخصًا يُخاصم عني بشرط ألا يكون هذا الشخص معروفًا بالأحاجيج الباطلة، فإن كان معروفًا بذلك فإنه لا يجوز أن أوكِّله؛ لأن مثل هذا يمكن أن يوكلني ما لا أستحق، يمكن يخاصم، ويحسم الخصم ( ... )، فيأتي إليَّ بهذا الأمر، وآكله وهو حرام عليَّ. هل يجوز أن أتوكل في الخصومة؟
الجواب: إن كان الذي وكَّلني أعرف أنه مُحِق، فيجوز أن أتوكَّل عنه، وإن كنت أعلم أنه مُبطِل فلا يجوز أن أوكل عنه؛ لأن الله يقول: {لَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. فإن لم أعرف حاله، فإما أن يغلب على ظني أنه مُحِقٌّ أو أنه مبطِل أو أتردد، إذن كم حالة له؟
طالب: ثلاثة.
الشيخ: خمس حالات، تكون الحالات خمس: إما أن أعلم أنه محق، أو أعلم أنه مُبطِل، أما الأولى؟
طلبة: جائز.
(1/4972)
________________________________________
الشيخ: فجائز، والثانية؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: حرام، يغلب على ظني أنه محق؟
طلبة: جائز.
الشيخ: يجوز، يغلب على ظني أنه مُبطِل؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، أشك؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: يجوز؟
طلبة: يتوكل.
الشيخ: يجوز، هو يتوكل نعم، يجوز أن أتوكل؛ لأن الأصل البراءة، لكن قال بعضهم: إن التنزه أوْلَى.
(الوكيل في الخصومة لا يقبض والعكس بالعكس) يعني الوكيل في القبض وكيل في الخصومة، ما الفارق؟ قالوا: لأن القبض قد لا يتأتَّي إلا بخصومة؛ يعني وكلتك تقبض ديني من زيد، كذا؟ ذهب الوكيل إلى زيد، وقال: أعطني حق فلان. قال: ما عندي بحق، هنا لا يمكن أن أقبض إلا بأيش؟
طلبة: بخصومة.
الشيخ: إلا بخصومة، إذن أُخاصم، فالوكيل في القبض له أن يُخاصم، والوكيل في الخصومة ليس له أن يقبض، لماذا؟ ما الفرق بينهما؟
وكَّلتك في الخصومة؛ يعني مثلًا قلت لك: خاصِمْ عني فهدًا، خاصمته حتى ثبت الحق عليه ما تقبض منه الحق؛ لأني ما وكَّلتك في القبض، وكَّلتك تقبض حقي اللي عند فهد لما ذهبت إلى فهد، قال فهد: ما عندي لك حق، تخاصمه ولَّا ما تخاصمه؟ تخاصمه ويذهب وياك للقاضي، روح تثبت الحق، واضح الآن يا جماعة؟
(واقبض حقي من زيد لا يقبض من ورثته) ( ... ).
(اقبض حقي من زيد) يعني وكَّله أن يقبض حقه من زيد، لكن الصيغة صيغة الوكالة يقول: اقبض حقي من زيد. أو يقول: وكَّلتك قي قبض حقي من زيد.
وكلمة: (زيد) هذا على سبيل المثال لا يُراد به زيد معين. وفهمنا الآن أن زيدًا ما شاء الله يتنازعه الفقهاء والنحويون.
يقول: (اقبض حقي من زيْد لا يقبض من ورثته) هذا الرجل قال لشخص: أنت وكيل عني كي تقبض ديني من زيد، أو حقي من زيد، ذهب إليَّ زيد فوجده قد مات، وانتقل المال إلى مَنْ؟
طلبة: الورثة.
(1/4973)
________________________________________
الشيخ: إلى الورثة، يقول المؤلف: (لا يقبض من ورثته) علَّل؛ لأنه لم يُؤْمر بذلك، ولا يقضيه العُرْف، لم يُؤمر بذلك، ما قلت: يقبض منه أو الورثة، والعرف أيضًا لا يقتضيه، أما الأول فهو قوله: لأنه لم يؤمره بذلك فهذا مُسلَّم ولَّا غير مُسلَّم؟
طلبة: مُسلَّم.
الشيخ: مُسلَّم، وأما قوله: ولا يقتضيه العُرف، فهذا قد يكون غير مُسلَّم؛ لأنني أنا عندما أقول لك: اقبض حقي من فلان، هل أنا أريد أن تقبضه منه بعينه، أو أريد أن تقبض الحق الذي من قِبلِه؟ لأنه هو المراد، الثاني هو المراد، لكن مع ذلك إذا وجدته قد مات فالأمر بسيط، أتصل بموكلي وأقول: إني وجدت الرجل قد مات فيقول هو: اقبض من ورثته، وقد يقول: لا تقبض من ورثته؛ لأن ورثته قُصَّار، فأحب أن يبرئهم من الدَّيْن الذي على والدهم ربما يقول هذا.
قال المؤلف: (إلا أن يقول الذي قبله) (إلا أن يقول) الضمير يعود على الموكِّل (الذي قِبله) يعني: اقبِض الحق الذي قِبله أي: من جهته، فإذا قال: اقبض الحق الذي لي من قِبل زيد، من قِبله؛ أي: من جهته، وذهب إلى زيد ووجده قد مات، هل يقبض من الورثة؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأنه قال: قِبله يعني جهته، وهذا يشمل ما إذا كان حيًّا، وإذا كان ميتًا؛ لأنه قال: من قِبله، لكن إذا ذهب إلى الورثة، وقال: أعطوني حق مُوكِّلي. فقالوا: لم يُخلِّف الميت تركة، فهل يلزمهم القضاء؟
الجواب: لا، ما يلزمهم، يعني لا يلزم الورثةَ قضاءُ الدَّيْن عن المورث إلا إذا خلَّف تركة؛ لأن الله قال في المواريث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]، فإذا كان ليس هناك مال يُقضى منه، فإن الورثة لا يلزمهم أن يقضوا دينه، ولكن إن قضوه فهم على خيْر.
طالب: شيخ.
الشيخ: ما فيه سؤال يا أخي.
الطالب: ما هو سؤال، الجملة التي ذكرت ما يلزمهم.
الشيخ: وين؟
الطالب: من ورثته إلا أن يقول الذي؟
الشيخ: إي، الذي قِبَله.
الطالب: قبل أنت ذكرت كذا.
(1/4974)
________________________________________
الشيخ: هذا تمثيل من عندي. من ورثته إلا أن يقول الذي قِبله، يعني ويش معنى إلا أن يقول الذي قبله؟ يعني إلا أن يقول: اقبِض حقي الذي قبله، فإذا قال ذلك قبضه ورثته.
قال: (ولا يضمن وكيل الإيداع إذا لم يشهد) الحقيقة أن هذه الجملة ينبغي أن تكون في باب الوديعة، لكن صارت في باب الوكالة؛ لقوله: (ولا يضمن وكيل الإيداع إذا لم يشهد) ويش معنى وكيل الإيداع؟ يعني أعطيتك شيئًا وقلت: خُذ هذا أعطِه فلانًا وديعة عنده، فذهبت أنت إلى فلان وقلت: هذه وديعة عندك، خذ هذه وديعة عندك لفلان، ثم إن المودَع بالفتح فيما بعد أنكر قال: أبدًا ما عندي وديعة لأحد، فهل يضمن الوكيل في الإيداع ولَّا ما يضمن؟
يقول المؤلف: إنه لا يضمن، السبب؟ قال: لأن المودَع يُقبَل قوله في الرد، فإنه إذا جاء صاحب الحق الذي له الوديعة وقال للمودَع: أعطني وديعتي، فقال: رددتها عليك؛ يُقبل قوله. قول مَنْ؟
طلبة: المودَع.
الشيخ: المودَع، لكن بيمينه، فلما كان يُقبل قولُه لم يلزم الوكيل أن يُشهِد، فإذا لم يُشهِد كان غير مُفرِّط؛ والوكيل إذا كان غير مُفرِّط لا ضمان عليه، هذه المسألة واضحة ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: الصورة ولا يضمن وكيل الإيداع إذا لم يشهد؟ قُل يا أخ ما هي الصورة؟
طالب: الصورة أنه أودع الأمانة ولم يُشهِد عليها.
الشيخ: من اللي أودعها؟
الطالب: أودعها الوكيل.
الشيخ: الوكيل.
الطالب: إذا أشهد عليها لا يضمن.
الشيخ: هل إذا أشهد ما ( ... ) إذا لم يُشهد المؤلف يقول؟
الطالب: إذا لم يُشهد ..
الشيخ: فلا ضمان.
الطالب: إذا لم يُشهِد ( ... ).
الشيخ: الوكيل ما أشهد، قلت: يا أخي، خُذْ هذه وديعة وأوْدِعها إنسانًا أمينًا، فأخذها وراح للشخص وقال: خُذْ هذه وديعة تراها لفلان، ولكن ما أشهد، ثم إن المودَع -بالفتح- أنكر، قال: أبدًا يا جماعة، ما عندي وديعة لأحد، هل يضمن الوكيل ولَّا ما يضمن؟ أنت يا أخ.
طالب: نعم، لا يضمن.
الشيخ: ما يضمن، ها عندك مخالفة؟
(1/4975)
________________________________________
طالب: يضمن؛ لأنه مفرط.
الشيخ: المؤلف يقول: (لا يضمن وكيل الإيداع إذا لم يُشهد)، أنتم قلتم الآن الصورة ولَّا الحكم، وبعدين نبحث للتعليل، ونبحث أيضًا في الحكم المبني على هذا التعليل، أنتم فاهمون الصورة الآن ولَّا لا؟
أعطيت رجلًا ألف ريال، قلت: أنا أبغي أسافر، خُذْ هذا أعطه إنسانًا أمينًا يكون وديعة عنده إلى هنا مفهوم ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: أخذها الوكيل، ثم ذهب إلى رجل أمين وقال: يا فلان، هذه الوديعة ألف ريال، تراها لفلان، ما هي لي، لفلان، أخذها منه، ثم رجع الموكِّل اللي وكَّله في الإيداع، وقال له: من أودعتَ دراهمي؟ قال: أودعت دراهمك فلانًا. فذهب الموكِّل إلى الْمُودَع وقال له: أودعك فلان ألف ريال لي، قال: أبدًا، ما عندي لأحد شيء. أنكر، فذهب الموكِّل إلى الوكيل، وقال له: الرجل يقول: ما أعطاني شيئًا. قال: أنا مُعطيه. قال: هل لك شهود؟ قال: ما أشهدت أحدًا. يضمن ولَّا ما يضمن؟
طلبة: لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: حتى على قول ياسر؟
طلبة: لا يضمن.
الشيخ: حتى على قول ياسر؛ لأن ياسرًا رجع الآن، أجاب كما أجبتم. طيب لماذا لا يضمن؟ أفلا يعد مفرطًا، يقول: لا يضمن. ليش؟ قالوا: لأن المودَع لو ادَّعى الرد قُبِل، صح ولَّا لا؟
المودَع لو قال لصاحب الدراهم: والله نعم، هو أعطاني الوديعة، لكن رددتها يُقبل قوله. إذن لا فائدةَ من الإشهاد؛ لأنه إذا أراد أن يتخلَّص المودع أيش يقول؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لو جاء بشهود أنه مودعه إياه، والله تمام، لا يمكن، لكن رددته عليه يُقبل ولَّا لا؟
طلبة: يُقبل.
الشيخ: يُقبل. قالوا: فلما كان يُقبل قوله في الرد صار الإشهاد غير واجب، ليش؟ لأنه لو ثبتت الوديعة عند هذا الرجل، لو ثبتت عنده ماذا يقول؟
طلبة: رددتها.
الشيخ: رددتها. إذن ترك الإشهاد ليس بتفريط، هذا ما ذهب إليه المؤلف، وهذا هو التعليل.
(1/4976)
________________________________________
ولكن هناك قول آخر يقول: إنه يضمن، كيف ذلك؟ يقول: لأنه مُفرِّط. وقولكم: إنه يُقبل قوله في الرد، نقول: هذا صحيح، لكن قد لا يدَّعي المودَع الرد، قد يدعي عدم الإيداع، يقول: ما أودعني. يقول: نعم، لو ثبت أنه أودعني أنا ما رديت شيئًا، أنا أعطيك، لكن ما أودعني، وحينئذٍ يحتاج إلى إثباتها ببينة ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: إذا قال: ما أودعني يحتاج إلى إثبات الوديعة ببينة ولَّا ما يحتاج؟
طلبة: يحتاج.
الشيخ: يحتاج ولَّا لا؟ هذه واحدة. الآن صرنا نحتاج إلى الإشهاد في صورة أيش؟ في صورة الرد ولَّا الإنكار؟ في صورة الإنكار.
ثانيًا: نقول: قد يموت هذا الرجل، وينتقل ماله إلى ورثته، وورثته قد لا نَقبل قولهم في الرد؛ لأنهم غير مودعين، وحينئذٍ نحتاج إلى البَيِّنة.
ثالثًا: أن المودَع قد يدعي الرد صح، ويُقبل قوله، لكن إذا كان عليه شهود قد لا يُقدِم على دعوى الرد، ليش؟ لأن من العلماء من يقول: ما ثبت بقول وببينة لا يُقبل قوله إلا ببينة حتى المودَع الْمُحسِن إذا ادعى الرد فإننا لا نقبل قوله، وهذا القول أصح كما مر علينا، فإن ما ثبت ببينة لا يرتفع إلا ببينة، وقد نتحاكم إلى قاضٍ لا يرى قبول قول المودع في الرد وحينئذٍ ( ... ).
الأمر الرابع: أن نقول: إن الناس لا يشُكُّون في أن من أودع عند إنسان مليون ريال بدون إشهاد لا يشكون أنه مُفرِّط أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يعني يجي الواحد تعطيه مليون ريال ( ... ) أيضًا، واحد وكَّلته في الإيداع، تعطيه مليون ريال ولا تشهد عليه، كل يعرف أن هذا تفريط.
وعلى هذا فنقول: إن القول الراجح أن الوكيل في الإيداع يَضمن إذا عد الناس ذلك تفريطًا أو مطلقًا؛ يعني معناها أن القول الراجح أنه يضمن إما مطلقًا وإما فيما عدَّهُ الناس تفريطًا، وعليه فلو قلت: أنا بأسافر، وهذا قال الناس: حطه وديعة عند فلان، وحطه وديعة عند فلان بدون شهود.
طالب: ليس مفرطًا.
الشيخ: يكون مفرط ولَّا لا؟
طلبة: لا.
(1/4977)
________________________________________
الشيخ: هل تعرف الآن أن واحدًا قال الناس ( ... ) يعطيه واحد وديعة، ثم يقول: أبغي أشهد عليه؟
طلبة: لا.
الشيخ: يمكن لو يقول: أبغي أشهد عليه ( ... ) درهم وهو ريال.
المهم أنه لو ثبت التفريط بين ما له خطر من الأموال الكبيرة، وما ليس له خطر لكان له وجه، وحينئذٍ يكون أمامنا ثلاثة احتمالات:
إما القول بأنه لا يضمن مطلقًا، وهذا هو المذهب، القول بأنه يضمن مطلقًا، وهذا قول ذكره صاحب الرعاية، والقول الثالث: التفريق بين ما يعد عدم الإشهاد عليه تفريطًا وما لا يعد، فما عُدَّ تفريطًا وجب عليه الضمان، وما لم يُعدَّ لم يجب.
الوكيل في قضاء الدَّيْن هنا يعني لو ذكر هنا لكن ذُكر في باب الرهن. سبق لنا في باب الرهن أن الوكيل في قضاء الدَّيْن؛ أنه إذا لم يُشهِد فعليه الضمان مُطلقًا على المذهب، وقلنا فيمن سبق: إنه ينبغي أن يُرجَع في ذلك إلى العُرف، فما عدَّه الناس تفريطًا ضمن، وما لم يعدوه تفريطًا لم يضمن، فمثلًا إذا قلت لي: فلان يطلبني ( ... )، فذهبت وأعطيته إياه بدون إشهاد، ثم إنه نسي أو اعتدى، المهم أنه أنكر القضاء تضمن ولَّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: ما تضمن ليش؟ لأن هذا ما جرت العادة بالإشهاد عليه أبدًا، كل الناس الآن يشترون حوائجهم من البقالات، ومن المكتبات ( ... ) أليس كذلك؟ غاية ما هنالك أنه إذا كان صاحب الدكان يكتب ويقيد قال له: اشطب عليه ( ... ) شهود لا، بخلاف الأشياء الكبيرة، فإن الناس يشهدون على قضائه.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فصل: والوكيل أمين لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط) الوكيل من هو؟
إحنا ذكرنا أن هناك أربعة ينوبون عن المالك؛ إما بإذن من الشرع، أو بإذن من المالك، مَنْ هم الأربعة الذين ينوبون عن المالك؟
طالب: ولي الأمر، الوالي.
الشيخ: هذه ولاية عامة، نحن نريد الولاية الخاصة.
طالب: الوكيل، والوصي، وناظر الوقْف، وولي اليتيم.
(1/4978)
________________________________________
الشيخ: والولي، ولي اليتيم، كذا ولي اليتيم أحسن ليعم، هؤلاء الأربعة ينوبون عن المالك، الوكيل، والوصي، والناظر، والولي.
الولي من قِبل الشرع، والوكيل والناظِر والوصي من قِبل الإنسان؛ ما الفرق بين الوكيل والوصي؟
طالب: الوكيل ( ... ) بعد الموت.
الشيخ: ( ... ) بعد الموت.
الطالب: أما الوكيل ففي الحياة.
الشيخ: ففي الحياة، لو قال لك قائل مريض، قال: أبغيك تكتب وصية، وكتبت الوصية، وقال: اكتب الوكيل على ذلك فلان وفلان، أيش تقول؟
طالب: أقول: والوصي.
الشيخ: تقول: والوصي، لاحظوا الآن أن كثيرًا من الكتابات حتى اللي يكتبوها الآن أئمة مساجد، يكتب: أوصيت بكذا وكذا والوكيل فلان، هذا خطأ؛ لأننا لولا أننا نعلم المراد من الوصية لقلنا: إن الوصي بطلت؛ لأن الوكالة تفسد بالموت، لكن نعلم أن هؤلاء الموصين يريدون بذلك الوصي، لكن الخطأ ممن؟ الخطأ من الكاتِب.
ولهذا أنتم طلبة ينبغي أن تبينوا هذا للناس، تقولون: يا جماعة، هناك فرق بين الوكيل وبين الوصي.
الناظر على الوقْف بأن يقول: وقفت هذا البيت على الفقراء والوكيل عليه فلان ولَّا والناظر عليه فلان؟
طلبة: الناظر.
الشيخ: الناظر عليه، يشمل ما بعد الموت وفي الحياة.
الولي هو الذي ولَّاه الشرع على السفهاء من الأيتام ونحوهم، والوكيل الذي وكَّله الإنسان للتصرف في حال الحياة.
طالب: ( ... ) ويش يترتب على الفرْق بين الوصي والوكيل؛ لأن معروف ( ... ).
الشيخ: الوكيل إذا مات الموكِّل انفسخت الوكالة، أما مرت علينا هذه؟
الطالب: نعم.
الشيخ: أو لا؟ الوصي ما أن تكتب الوصية إليه بموت الموصي، هذا فرق، فرْق آخر؛ الوكيل يملك التصرف الآن في الحياة، والوصي لا يملك ذلك، لا يملك إلا بعد الموت.
الطالب: ( ... ) العرف.
(1/4979)
________________________________________
الشيخ: العرف، نقيد العرف هذا، إذا كان الرسول يقول: «لَا يَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى صَلَاتِكِمُ؛ الْعِشَاءِ» (2). كيف؟ هذا لفظ يختلف فيه المعنى؛ فلهذا يجب أن نعدل ها الشيء، نقول: بالوصف ترى الناس إذا علموا وتداولوا الكلام، عرفوه وفهموه.
الطالب: ولكن أقول: هذا ( ... ).
الشيخ: نحن الآن نُنكِّر كلمة الوكيل، نجعلها بمعنى الوصي، ما فيه إشكال، لكن نقول: ينبغي لنا أننا نُعوِّد الناس على الكلمات المعروفة المحمودة شرْعًا علشان أنهم يصدقون هذا الشرع.
الطالب: لكن يعني أقول: ( ... ) المتعارف عليه عند العلماء.
الشيخ: لا، هذا واضح حتى في الشرع، أو قال فلان يعني بعد الموت ( ... ).
(فصل: والوكيل أمين) (أمين) أي: مُؤتَمَن، فهو فعيل بمعنى مفعول؛ أي مؤتمن؛ وذلك لأن المال حصل بيده بإذن مالكه، فكان أمينًا عليه.
يترتب على ذلك قوله: (لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط)، فما تلف بيده مما وكل فيه فإنه لا يضمنه، لكن بشرط، قال: (بِلا تفريط) أي ولا تعدٍّ، وإنما لم يذكر المؤلف التعدي؛ لأنه إذا كان يضمن بالتفريط فضمانه بالتعدي من باب أولى، ولكن مع هذا الأولى أن يذكر بلا تفريط ولا تعدٍّ، فما الفرق بين التفريط وبين التعدي؟
الفرق بينهما: التفريط ترك ما يجب، والتعدي فعل ما يحرُم، هذا الفرق بينهما،
مثال ذلك رجل أعطاه شخص بهيمة ليبيعها فلم يسقها، ولم يطعمها، فماتت؟
طلبة: مُفرِّط.
الشيخ: هذا مُفرِّط؛ لأنه ترك ما يجب، وآخر أعطاه شخص بعيرًا ليبيعه، فجعل يكُد البعير، يُحمِّل عليه، ويركبه لحاجته، هل يضمن ولَّا لا؟
طلبة: يضمن.
الشيخ: ليش؟
طلبة: لأنه متعدٍّ.
الشيخ: نسمي هذا متعديًا؛ لأنه فعل ما يحرم. فإذا تعدى أو فرَّط انتقلت يده من الأمانة إلى الخيانة، وصار خائنًا، لكن هل تنفسخ الوكالة أو لا تنفسخ، ستأتينا إن شاء الله تعالى في القاعدة الخامسة وأربعين ( ... ).
(1/4980)
________________________________________
يقول: (ويُقبل قوله في نفيه والهلاك مع يمينه) (يُقبل قوله) أي قول: الوكيل (في نفيه) أي: نفي التفريط، فإذا قال له الْمُوكِّل: أنت فرطت، ما سقيت البهيمة، ما أطعمتها. قال: أبدًا، ما فرطت، من نقبل قوله؟
طلبة: قول الوكيل.
الشيخ: قول الوكيل، لكن بيمينه؛ لأن كل إنسان قلنا: القول قوله فيما يتعلق بحق العباد فلا بد فيه من اليمين، هذا ضابط عند الفقهاء، وإن كان يُستثنى منه بعض الشيء، لكنه ضابط يُعتبر ضابطًا صحيحًا، كل من قلنا القول قوله في حقوق العباد فلا بد فيه من اليمين.
ويقبل قوله أيضًا في الهلاك مع يمنيه، أيش معنى في الهلاك؟ يعني في التلف مع يمنيه مثل أن يقول: السلعة التي أعطيتنيها تلفت، قال الموكل: ما تلفت، فمن يُقبل قوله؟
طلبة: الوكيل.
الشيخ: الوكيل، لكن مع يمنيه. لماذا نقبل قوله؟ لأنه أمين، وقد سبق أنه إذا ادَّعى التلف بسبب ظاهر فلا بد من إقامة البينة على ذلك السبب، ثم يُقبل قوله بأن هذا الشيء تلف به.
مثال السبب الظاهر: الحريق والفيضان، والجنود، العدو، لو قال: جاء عدو وأخذ البعير أو السيارة، وما أشبه ذلك عدو يعني جيش، ما هو واحد، ما هو سبب ظاهر، لكن غزوا، هذا سبب ظاهر لا بد من إقامة البينة عليه، ثم يُقبل قوله في التلف.
ثم قال: (ومن ادَّعى وكالة زيد في قبْض حقه من عمرو) هذا المثال زيد وعمرو مأخود منين؟
طلبة: من النحويين.
الشيخ: من النحويين.
(من ادَّعى وكالة زيد في قبض حقه من عمرو) أنا عندي من عمرو من عمرو بالواو صح؟
طلبة: صح.
الشيخ: متى تُكسر الواو في عمرو؟
طالب: ما عندي الواو.
الشيخ: ما عندك واو؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لا.
الطالب: عندنا ولد.
الشيخ: إذن نقول: متى تكسر الواو في عمرو؟
الطالب: إذا وقفنا عليها.
الشيخ: لا.
طالب: إذا دخل عليها حرف الجر أو الوصل.
الشيخ: لا.
طالب: إذا كان مرفوعًا أو مجرورًا.
الشيخ: صح؟
طلبة: نعم.
(1/4981)
________________________________________
الشيخ: صحيح، إذا كان مرفوعًا أو مجرورًا ليش؟ لأجل الفرْق بينه وبين عمر. ولماذا لا تُكتب إذا كان منصوبًا؟ لأن يُغني عنها الألف يعني منصوبة يحط فيها ألف فيغني عنها.
(من ادعى وكالة زيد في قبض حقه من عمرو لم يلزمه دفعه) (لم يلزمه) أي عمرًا، (دفعه) أي دفع ذلك الحق، (إن صدقه) أي: صدق مدعي الوكالة (ولا اليمين إن كذبه).
مثال ذلك: جاء رجل إلى عمرو، وكان عمرو يطلبه زيد ألف درهم، فقال الرجل لعمرو: قد وكلني زيد في قبض ألف الدرهم منك، يُطالب الدَّيْن لم ( ... ) الدين. قال: وكلَّني زيد في قبضه منك. قال: ما أعطيك إياه. قال: ما تصدقني؟ قال: بلى، أصدقك، وأنت عندي من أصدق عباد الله، لكن ما أنا معطيك. أفهمت؟ هو يقول: نعم، أنت صادق أن زيد وكَّلك في قبض حقه مني، ولكني ( ... ) هل يلزمه الدفع ولَّا لا؟
طلبة: ما يلزمه.
الشيخ: لا يلزمه إلا إذا جاء الوكيل ببينة تشهد بأنه وكَّله، إذا جاء ببيِّنه تشهد بأنه وكله يلزمه الدفع، لكن مجرد كلامه لا يلزمه الدفع، ولو كان قد أقر بأنه وكَّله، الآن المطلوب أن يقر يقول: نعم، أنا أُقر بأني وكلك وأصدقك ولا شك في هذا، وكلامك عندي يعدل ( ... )، لكن ما أنا معطيك، لكن لو يجيب له شهود اثنين أنه يوكله يلزمه إعطاؤه.
قال له -أي عمرو المطلوب- قال للوكيل: أنت كاذب، ما وكلته، هل يلزم عمرًا أن يحلف للوكيل يقول: والله ما وكَّلته ولَّا ما يلزمه؟
طلبة: لا يلزمه.
الشيخ: لا يلزمه أن يحلف، لماذا؟ الآن عندنا مسألتان، ونحب أن نعرف التعليل فيهما:
المسألة الأولى: إذا صدَّقه؛ لم يلزمه الدفع.
المسألة الثانية: إذا كذَّبه؛ لم يلزمه اليمين.
المسألة الأولى لماذا؟ لأنه من الجائز أن الطالب وهو زيد يُنكر أن يكون وكل هذا؛ قال: ما وكلته، ما يمكن هذا ولَّا يمكن؟
طلبة: يمكن.
الشيخ: يمكن أن يُنكِر، وإذا أنكر الوكالة أُلزِم المطلوب بالدفْع، فيدفع كم مرة؟
طلبة: مرتين.
(1/4982)
________________________________________
الشيخ: مرتين، يلزم بالدفع؛ لأنه يقول: أنا ما وكلته، عندك شهود أني موكلك. قال: ما عندي شهود. قال: إذن ما وكَّلتك ( ... ). واضح يا جماعة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: إذن عمرو المطلوب لما امتنع من تسليم الوكيل صار معذورًا ولَّا غير معذور؟
طلبة: معذور.
الشيخ: معذورًا؛ لأنه إذا أنكر الموكِّل أُلزم بالدفع، لكن لو قال قائل: ثم إذا ألزم بالدفع فسيرجع على مدعي الوكالة ولَّا ما يرجع؟
طلبة: يرجع.
الشيخ: يرجع، لكنه يقول: ما له لزوم أدخل مع الناس في مشاكل ارجع، لا ترجع، خاصم، لا تخاصم، أنا بأريح نفسي.
المسألة الثانية: إذا كذَّبَه لم يلزمه اليمين، لماذا؟
لأن اليمين إنما تلزم مَنْ إذا نكل عنها حُكِم عليه؛ على اليمين، اليمن لا تلزم إلا من إذا نكل عنها حُكِم عليه، وهذا الرجل عمرو المطلوب لو نكل عن اليمين، هل يُلزم بالدفع؟
طلبة: ما يلزم.
الشيخ: لا، إذن ويش الفائدة من تحليفه؟ ما له فائدة، واضح التعليل ولَّا ما هو واضح؟
طالب: ( ... ) يا شيخ.
الشيخ: ( ... ).
طالب: اليمين من الموكَّل ولَّا من عمرو؟
الشيخ: اليمين من المطلوب، ما يلزمه إذا قال: تكتب ما وُكِّلت ما يقول الوكيل: احلف أني وكَّلتك، ما يقول هكذا.
طالب: التعليل يا شيخ مرة ثانية.
الشيخ: التعليل مرة ثانية؛ لأن عمرًا لو نكَل لم نلزمه بالدفع، وكل شخص لا يُقضى عليه بالنكول إذا حلف فإنه لا يحلف.
طالب: ( ... ) إذا نكل؟
الشيخ: إذا نكل، إذا امتنع، نكل؛ يعني امتنع عن اليمين.
المثال مرة ثانية: عندنا حمد بن الطيبي، وعندنا ياسر بن عبد الرحمن، وعندنا سامي بن محمد، الطالب حمد الطيبي، والذي ادعى الوكالة ياسر، والمطلوب سامي، فجاء ياسر إلى سامي، وقال له: إن حمد مُوكِّلني في أن أقبض الدَّيْن الذي له عليك، وليس عندي بينة. قال: عندك شهود. قال: لا، ما عندي شهود. قال: ما أني بأعطيك اللي يقول من؟
طلبة: سامي.
الشيخ: سامي هو المطلوب. قال ياسر: ليش ما تعطيني؟ قال: لا أُصدِّقك.
(1/4983)
________________________________________
فإن دَفَعَه فأَنْكَرَ زيدٌ الوَكالةَ حَلَفَ وضَمِنَه عمرٌو، وإن كان المدفوعُ وَديعةً أَخَذَها، فإن تَلِفَتْ ضَمِنَ أيَّهما شاءَ.
(باب الشركة)
وهي اجتماعٌ في استحقاقٍ وتَصَرُّفٍ، وهي أنواعٌ:
فشَركةُ (عَنانٍ) أن يَشترِكَ بَدَنَانِ بِمَالَيْهِما أن يَشترِكَ بَدَنَانِ بِمَالَيْهِما المعلومِ ولو مُتَفَاوِتًا ليَعْمَلَا فيه ببَدَنَيْهِما، فيَنْفُذُ تَصَرُّفُ كلٍّ منهما فيهما بحُكْمِ الْمِلْكِ في نصيبِه , وبالوكالةِ في نَصيبِ شَرِيكِه، ويُشْتَرَطُ أن يكونَ رأسُ المالِ من النقدينِ الْمَضروبينِ ولو مَغشوشينِ يَسيرًا، وأن يَشْتَرِطَا لكلٍّ منهما جُزءًا من الرِّبْحِ مَشاعًا مَعلومًا، فإن لم يَذْكُرَا الرِّبْحَ أو شَرَطَا لأَحَدِهما جُزءًا مَجهولًا أو دَراهِمَ معلومةً أو رِبحَ أَحَدِ الثوبينِ لم تَصِحَّ , وكذا مُساقاةٌ ومُزارعةٌ ومُضاربةٌ، والوَضِيعَةُ على قَدْرِ المالِ. ولا يُشْتَرَطُ خَلْطُ المالَيْنِ ولا كونُهما من جِنْسٍ واحدٍ.
(فصلٌ)
الثاني: (الْمُضارَبَةُ) لِمُتَّجِرٍ به ببعضِ رِبْحِه، فإن قالَ: والرِّبْحُ بينَنا. فنِصفانِ، وإن قالَ: ولِي أو لك ثلاثةُ أرباعِه أو ثُلُثُه. صَحَّ , والباقِي للآخَرِ، وإن اخْتَلَفا لِمَن الشروطُ فلعامِلٍ، وكذا مُساقاةٌ ومُزارعةٌ، ولا يُضارِبُ بمالٍ لآخَرَ إنْ أَضَرَّ الأوَّلَ ولم يَرْضَ، فإن فَعَلَ رَدَّ حِصَّتَه في الشَّرِكَةِ، ولا يُقْسَمُ مع بقاءِ العَقْدِ إلا باتِّفَاقِهما، وإن تَلِفَ رأسُ المالِ أو بعضُه بعدَ التصرُّفِ , أو خَسِرَ جُبِرَ من الربْحِ قبلَ قِسمتِه أو تَنْضِيضِه.
ممكن نقول: أنا ما وفيت ياسرًا، إذا ما وفيت ياسرًا يأخذ حقه من فهد ولَّا لا؟ يأخد حقه من فهد، وسامي يرجع على ياسر، لكن يقول سامي: لماذا ( ... ) أنا ما أعطيته.
(1/4984)
________________________________________
طيب، جاء ياسر إلى سامي وقال له: محمد موكلني أقبض الدين الذي له عليك، فقال الأخ سامي: كذبت، ما وكلك، قال ياسر لسامي: افرض أنه ما وكلني ( ... )، عرفت؟ هل يلزم سامي أن يحلف؟
طلبة: لا يلزمه.
الشيخ: لا يلزمه، السبب لأنه لو ( ... ) لليمين ما هو قضينا عليه بالنكول ( ... )، يلزمك تحلف ولَّا ما يلزمك؟
طلبة: ما يلزمه.
الشيخ: ما يلزمه ( ... )؛ فلهذا نقول: لا يلزمه دفعه إن صدَّقه، علِّل؟ لاحتمال أن ينكر ( ... ) ولا اليمين إن كذبه؛ لأنه لو امتنع عن اليمين لم نلزمه بالدفع، والقاعدة الفقهية: أن كل من لا يُحْكَم عليه بالنكول فإنه لا يُحَلَّف، هذه القاعدة لهذا المثال.
يقول المؤلف: (فإن دفعه) مين اللي دفع؟ سامي اللي دفع، (إن دفعه) أي: دفع الحق، (فأنكر زيدٌ الوكالة حلف) من اللي يحلف؟
طلبة: الموكل.
الشيخ: اللي يحلف ( ... ) يحلف أنه ما وكله، ليش يحلف أنه ما وكله؟ لأنه يحتمل أن مدعي الوكالة -وهو ياسر- يحتمله صادق ولَّا لا، فنقول: احلف أنه ما وكلك ( ... ).
طيب، قال حمد: أنا بأحلف، لكني سأحلف على نفي العلم أو على نفي الذكر، سأقول: واللهِ لا أذكر أني وكلتك، يصير ولَّا ما يصير؟
طلبة: ما يصير.
الشيخ: ما يصير، نقول: احلف على ( ... ) فيحلف، فإنه في هذه الحال نقول له: ( ... ) يقضى عليك بالنكول أو تكون أنت موكل ياسر ( ... )، إي نعم.
قال: (حلف وضمنه عمرو) ( ... ) طيب حلف حمد قال: واللهِ ما وكلت ياسرًا ( ... )، قال: واللهِ ما وكلت ياسرًا، نقول: خلاص، الآن الوكالة لا تثبت، وخذ حقك من سامي من ( ... ).
(حلف وضمنه عمرٌو) وهو المطلوب ( ... ) ضمنه سامي، فصار ( ... ) الآن ياسر ظهر ( ... ) ولزمه الضمان، فإذا قال ياسر: يا جماعة ( ... ) أنا قد دفعت الحق ( ... )، نقول ( ... ) ما وفيته ( ... )، هل فهمتهم؟
طيب، أتى ببينة أنه دفعه إليه، نقول لسامي: الآن لك أن ترجع على ياسر أو على حمد؛ إن كان ياسر فقيرًا ( ... ) حمد، إن كان حمد فقيرًا ( ... ).
(1/4985)
________________________________________
قال المؤلف: (وإن كان المدفوع وديعة أخذها) ويش معنى الوديعة؟ تسمى عند الناس الوديعة، تسمى عندهم أمانة، (أخذها) مين اللي يأخذها؟ المودع هو الذي يأخذها ولَّا لا؟ أو الدافع اللي يأخذها؟ الدافع.
(فإن تلفت ضمن أيهما شاء) الآن مثلًا ( ... ) هذا -مثلًا- حمد أودع سامي ساعة قال: خذ هذه الساعة عندك، ثم إن ياسرًا جاء إلى سامي وقال له: إن حمدًا وكَّلني في قبض السلعة منك وهي وديعة، سامي صدَّق ياسرًا وأعطاه الساعة، وفي اليوم الثاني جاء حمد إلى سامي وقال: أعطني الساعة اللي أنا أودعتك، فقال: إنها أخذها وكيلك، فقال: ما وكلت ياسرًا ( ... ) سامي ليش أعطى ياسر هذه؟ قال: تصديقًا له وإحسانًا للظن به، حلف حمد أنه ما وكَّل ياسرًا في قبض الساعة، الآن تلزم من؟
طلبة: سامي.
الشيخ: تلزم سامي، لكن الساعة موجودة في بيت ياسر، يقول المؤلف: (وإن كان المدفوع وديعةً أخذها) أخذها أي: حمد.
(فإن تلفت ضمن أيهما شاء) فإن تلفت فلحمد -اللي هو المودِع- أن يضمن أيهما شاء، أي منهم؛ ياسر لأنه قبضها، أو سامي لأنها كانت عنده ( ... ).
[مدخل]
الشَّرِكة، ويقال: شِرْكة، ويقال: شَرَكة، فيها ثلاث لغات: شَرِكة، شِرْكة، شَرَكة.
الشركة معناها: الاجتماع في شيء، كل اجتماع في شيء يسمى شركة، لكنها في الاصطلاح يقول المؤلف: (هي اجتماع في استحقاق أو تصرف)، (اجتماع في استحقاق) يعني: أن يجتمع شخصان فأكثر في استحقاق شيء معين، أو اجتماع في تصرف؛ يعني: لا يجتمعان في استحقاق هذا الشيء، لكن يجتمعان في التصرف، وتسمى الثانية شركة عقود، والأولى شركة أملاك. الاجتماع في الاستحقاق: شركة أملاك، والاجتماع في التصرف: شركة عقود.
مثال ذلك: ورث رجلان من أبيهما دارًا، نقول: هذه اجتماع في استحقاق؛ يعني: هما استحقاها من ميراث والدهما، فهما مشتركان في ملكها.
وُهب لرجلين كتابًا، ما نوع الشركة؟ استحقاق، هذه شركة استحقاق.
(1/4986)
________________________________________
وقد تكون في المنافع لا في الأعيان؛ كما لو منحت رجلين الانتفاع بهذا البيت فقلت لهما: انتفعا بهذا البيت ما دمتما في هذا البلد. هذا اجتماع في استحقاق ولَّا في تصرف؟
طلبة: في استحقاق.
الشيخ: في استحقاق؛ لأنهما استحقا منفعة هذا البيت، استحقاه فيكون هذا الاجتماع في الاستحقاق.
إذن كل شريكين في عين أو منفعة على سبيل الملك؛ أي: أن ذلك ملك بينهما نسميه شركة استحقاق. أما شركة التصرف فهي التي تحتاج إلى تعاقد بين الشريكين، وهي التي قسمها المؤلف إلى الأقسام الخمسة الآتية. هذه تسمى شركة العقود؛ لأنها ثبتت بالتعاقد بين الطرفين.
واعلم أن من رحمة الله عز وجل وتوسيعه على عباده أن أباح عقود الشركة؛ وذلك أن الإنسان قد لا يستطيع الاستقلال باستغلال ملكه.
هذا رجل عنده أموال كثيرة، لكنه مشلول، أو زمِن، أو أعمى، أو مريض، فيعطي غيره من هذا المال لينتفع به ويتجر به ويكون الربح بينهما، فالإنسان لما كان قد لا يستطيع الاستقلال بالتصرف في ماله أباح الشارع للعباد جميعًا أن يشتركا بينهما.
وهل المشاركة أفضل أم الانفراد؟
يرى بعض العلماء أن المشاركة أفضل؛ لما فيها من التعاون والتآخي، وكل واحد منهما يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ» (1). ولأن كل واحد منهما ينتفع بما عند الآخر من مال أو عمل، فكان الاشتراك أفضل.
(1/4987)
________________________________________
ويرى آخرون أن الانفراد أفضل؛ لأن الإنسان إذا انفرد بملكه والتصرف فيه كان حرًّا؛ إن شاء عمل وإن شاء ترك، وإن شاء عمل في هذا النوع من التجارة وإن شاء عمل في غيره، وإن شاء تبرع من المال وإن شاء لم يتبرع، بخلاف الشركة؛ فإنها مقيدة بما يتفق عليه الشريكان، ولا يمكن لأي واحد أن يتبرع بشيء منها، لكن الانفراد الإنسان فيه حر؛ له أن يتبرع بما شاء من ماله، وله أن يبيع برخص، وله أن يشتري بغلاء، أما الشركة فهي مقيدة.
والحقيقة أن كل واحد من الانفراد والاشتراك له مزية على الآخر، لكن المزية التي قد لا يعدلها شيء هي السلامة في مسألة الانفراد، فالإنسان إذا كان منفردًا في تصرفه في ماله أسلم؛ لأن الشريكين يصعب على الإنسان مراعاة واجب الشركة، ولأن الشريكين أيضًا لو جاءك شخص من أقاربك أو من أصحابك يريد أن يشتري منك سلعة مشتركة يجب عليك أن تبيعها بماذا؟ بثمن المثل، لكن لو كنت منفردًا لأمكنك أن تبيعها بأقل.
وكذلك لو اشتريت شيئًا بأكثر من ثمنه محاباةً للبائع؛ فإنك إذا كنت منفردًا تكون حرًّا، إذا كنت مشاركًا لا تكون حرًّا في ذلك، فهي من ناحية السلامة أسلم؛ الانفراد أسلم، أما من ناحية التعاون والتفاعل وما ينتج من الاشتراك فالاشتراك أفضل وأكمل، وعلى هذا فيكون كل واحد منهما أكمل من الآخر من وجه.
ثم قال: (وهي أنواع) ظاهر كلام المؤلف: (وهي) أنه يعود إلى الشركة بقسميها؛ أي: شركة الأملاك وشركة العقود، ولكن هذا غير مراد، وهو إنما يريد شركة العقود؛ يعني (وهي) أي: الاجتماع في التصرف التي هي شركة العقود، (أنواع) والأنواع في الشركة هذه خمسة:
[شركة العنان]
الأول: شركة عِنان؛ وهي اشتراك في المال والعمل، وسميت شركة عنان لأن الشريكين كالمتسابقين، كل واحد منهما قد أمسك بعنان فرسه، وهذه التسمية وإن كانت بعيدة الأخذ لكن المهم أنها عُرفت عند الناس بأنها شركة عنان.
(1/4988)
________________________________________
هي (أن يشترك) يقول: (بدنان بماليهما ليعملا فيه ببدنيهما)، إذن هي اشتراك في مال وعمل، (يشترك بدنان) أي: رجلان أو امرأتان، (بماليهما ليعملا فيه ببدنيهما).
مثال ذلك: أنا عندي عشرة آلاف ريال، ورجل آخر عنده عشرة آلاف ريال، واتفقنا على أن نفتح محلًّا أو محلين، ونشتري بضاعة بالدراهم التي اشتركنا فيها، وهي عشرون ألفًا، وصار كل واحد منا يعمل بهذا المحل، نعمل فيه جميعًا، نسمي هذه شركة عنان، لكن يقول المؤلف: لا بد أن يكون المال معلومًا، فإن كان مجهولًا -كما لو قلت: سأشترك أنا وإياك فيما عندي من هذا المال، وهو في صرة مجهول العدد، وفيما عندك من هذا المال، وهو في صرة مجهول العدد- يقول: هذا لا يصح، لماذا؟ لأنه مجهول، والمجهول لا يمكن الرجوع إليه عند فسخ الشركة؛ لأنا إذا فسخنا الشركة فإلى أي شيء نرجع؟ ما ندري إلى أي شيء نرجع، فلا بد أن يكون المال معلومًا.
هل يُشْتَرط أن يكون متساويًا؟ لا يُشْتَرط؛ ولهذا قال: (ولو متفاوتًا) يمكن أن تحضر عشرة آلاف ريال وأحضر أنا عشرين ألف ريال، ونشترك، ويكون الربح بيننا كم؟ نصفين ولَّا ثلث وثلثان؟ إن رجعنا إلى المال فالربح يكون ثلثًا وثلثين، لكن قد نجعله نصفًا ونصفًا، بمعنى أن صاحب الثلثين يجعل الربح أنصافًا؛ لأن صاحب الثلث أقوى منه في العمل وأعرف منه، فيزيد في نسبته من أجل عمله، وهذا ممكن، لكن لو جعلناه بالعكس وقلنا: لصاحب الثلث أقل من الثلث، يصح ولَّا ما يصح؟ هل يصح ولَّا لا؟ يصح، يعني معناه سواء جعلنا نسبة كل واحد منهما من الربح بقدر ماله أو أكثر فلا بأس؛ لأن هذا يعتمد على قوة العمل والتجارة والمعرفة بأحوال التجار، وقد يكون أحدهما أعلم من الآخر.
قال: (ليعملا فيه ببدنيهما) فإن قالا: يعمل فيه أحدنا فقط، أنت تأتي بعشرين ألفًا وأنا آتي بعشرين ألفًا وتعمل فيه أنت؟
طلبة: ما يصح.
الشيخ: يقول في الشرح: إنه من العنان، وظاهر كلام الماتن أنه ليس من العنان.
(1/4989)
________________________________________
والواقع أن هذا فيه شبه من العنان وفيه شبه من المضاربة؛ فبالنظر إلى أن هذا يعمل بماله وبدنه -أحدهما يعمل بماله وبدنه- يكون شبيهًا بالعنان، وبالنظر إلى أن أحدهما لا يعمل ببدنه وإنما العمل في ماله يشبه المضاربة، فيمكن أن نقول: إن هذا جامع بين المضاربة وبين العنان، ولكن يُشْتَرط في هذا النوع أن يكون له من الربح أكثر من ربح ماله؛ لأجل أن يشتمل على شيء من المضاربة.
أتيتَ بعشرة آلاف ريال، وأتيت أنا بعشرة آلاف ريال وقلت لك: اعمل أنت، أما أنا لا أستطيع العمل، ولك من الربح النصف، يصح ولَّا ما يصح؟ ما يصح، لا بد أن يكون له أكثر من ربح ماله؛ يعني لك من الربح الثلثان.
لماذا لا تصح المسألة الأولى؟ لأن الذي دفع المال ولم يعمل يكون أتاه ربح ماله كاملًا، والذي جمع بين المال والعمل لم يأته إلا ربح ماله فقط، فيكون عمله هباء لا ينتفع منه بشيء.
هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وعندي أنه لا مانع من هذا العمل؛ أن يكون له بمقدار ماله؛ لأن صاحب المال الذي لم يعمل إذا أُعطي ربح ماله كاملًا فهو إحسان من العامل، ومن يمنع الإحسان؟ ! أليس يجوز أن أعطيك مالًا لتعمل فيه ويكون الربح كله لي؟ يجوز، وتكون أنت متبرعًا لي بالعمل، فالصواب في هذه المسألة أنه يجوز أن يُعْطَى من الربح بقدر ماله؛ وذلك لأنه يكون بهذا محسنًا إلى صاحبه.
شركة العنان إذن لها صورتان؛ الصورة الأولى: أن يشترك البدنان بماليهما وبدنيهما، ويكون الربح بينهما على ما اشترطاه.
الصورة الثانية: أن يشترك بدنان بماليهما دون بدنيهما، فيختص أحدهما بالعمل، والثاني لا يعمل.
(1/4990)
________________________________________
في هذه الصورة يُشْتَرط أن يُعْطَى العامل من الربح أكثر من ربح ماله؛ على المذهب، لئلا يضيع عمله هباءً؛ لأننا لو أعطيناه بقدر ماله صار عمله هباء، ما استفاد منه، والصواب أنه لا بأس به؛ لأنه يقول: أنا مستعد أن أتبرع لأخي بعمل بدني، وأكون كأني اشتغلت بماله وجعلت جميع الربح له، وهذا لا بأس به.
يقول المؤلف رحمه الله: (فينفذ تصرف كل منهما فيهما) أي: في المالين، (بحكم الملك في نصيبه وبالوكالة في نصيب شريكه).
الآن اشتركنا في هذا المال، وبدأنا نبيع ونشتري، إذا كان المال نصفين؛ مني عشرة آلاف، ومنك عشرة آلاف، فإن تصرفي في نصيبي بالأصالة، وتصرفي في نصيبك بالوكالة، وأنت كذلك مثلي، تصرفك في نصيبي بالوكالة وفي نصيبك بالأصالة؛ ولهذا يقول: (بحكم الملك في نصيبه وبالوكالة في نصيب شريكه).
فإذا قال قائل: كيف تقولون: إنه بالوكالة وهو لم يوكله؟
نقول: لأن مقتضى عقد الشركة أن يتصرف في هذا المال المشترك، والوكالة تنعقد بما دل عليها من قول أو فعل، فعلى هذا يغني عقد الشركة عن الإذن الصريح في التوكيل؛ لأنه من لازم عقد الشركة أن يتصرف في المال المشترك بطريق الوكالة في نصيب شريكه وبطريق الأصالة في نصيبه.
(ويُشْتَرط أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين) هذا الشرط الأول بالإضافة إلى ما سبق أن يكون المالان معلومين. الشرط الثاني: أن يكونا من النقدين المضروبين، المراد بالنقدين: الذهب والفضة، المضروبين: المجعولين سكة ونقدًا؛ احترازًا مما لو كانت حليًّا من الذهب أو كان تِبرًا من الذهب؛ يعني قطعًا من الذهب أو من الفضة فإن ذلك لا يصح، لماذا؟ لأن القيمة تختلف في غير النقد.
(1/4991)
________________________________________
لو أن هذين الرجلين أحضرا سيارات، قال: هذه عشر سيارات داتسون، والآخر جاء عشر سيارات مازدا، واشتركا فيهما، فعلى المذهب لا يصح، لماذا؟ لأن المال المشترك ليس من النقدين، ولأنه من الجائز أن تكون قيمة السيارات عند عقد الشركة متساوية، وعند فسخ الشركة مختلفة، فمثلًا عند عقد الشركة كانت المازدا تساوي عشرين ألفًا والداتسون عشرين ألفًا، هذه ما فيها إشكال، ولَّا لا؟ لكن عند فسخ الشركة كانت المازدا تساوي تسعة عشر والداتسون خمسة وعشرين أو أكثر، أيهما أرغب عند الناس؟
طالب: المازدا.
الشيخ: المازدا.
طالب: على حسب.
الشيخ: على كل حال، عند عقد الشركة قدَّرنا أن الثمن متساوٍ، عند انفساخ الشركة زادت الداتسون على المازدا بخمسة آلاف، كيف نقسم المال إذن؟ هل نقسمه على الأول عند عقد الشركة؛ يعني أنصافًا، أو نقسمه عند فسخ الشركة بحيث يزيد هذا الخمس؟ لذلك قال العلماء: إنه لا يجوز إلا أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين.
وقال بعض العلماء -وهو الصحيح-: يجوز أن يكون رأس المال من العرض؛ يعني: ليس نقدًا، لكنه يُقَوَّم عند عقد الشركة بنقد، ثم عند انفساخ الشركة يحول المال إلى النقد الذي يكون به في ذلك الوقت.
مثال هذا: أتيت أنت بسيارات وأتيت أنا بإبلٍ، بينهما فرق ولَّا لا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: إي نعم، الإبل والسيارات بينهما فرق، لكن على القول الراجح نقدر كم قيمة الإبل وكم قيمة السيارات، قالوا: قيمة السيارات مئة ألف، وقيمة الإبل خمسون ألفًا، إذن نجعل رأس المال مئة ألف لصاحب السيارات وخمسين ألفًا لصاحب الإبل، وعند فسخ الشركة نعود إلى رأس المال هذا، فنقول: لصاحب الإبل الثلث، ولصاحب السيارات الثلثان، وحينئذٍ لا يحصل ضرر.
(1/4992)
________________________________________
صحيح أننا لو قلنا: إنه عند فسخ الشركة نعطي صاحب السيارات سيارات وصاحب الإبل إبلًا، هذا جهل عظيم جدًّا، ليش؟ لأنه ربما تستوعب قيمة السيارات عند فسخ الشركة أكثر من الثلثين، أو بالعكس، وربما تستهلك قيمة الإبل أكثر من الثلث، فصار مجهولًا. هذه الجهالة بماذا تزول؟ تزول بتقويم هذه العروض عند عقد الشركة، فيقال لصاحب الإبل: إبلك تساوي خمسين ألفًا، ولصاحب السيارات: سياراتك تساوي مئة ألف، إذن يكون رأس المال مئة وخمسين ألفًا، منها خمسون ألفًا لصاحب الإبل، ومئة ألف لصاحب السيارات، ويمشون على هذا.
العمل الآن على القول الأول الذي هو المذهب، أو على القول الثاني؟
طلبة: على القول الثاني.
الشيخ: العمل الآن على القول الثاني؛ يعطي الإنسان الشخص أراضي ويقول: خذ هذه الأراضي مضاربة، فيقدر قيمتها -مثلًا- عند العقد بمئة ألف ويقول: رح وبعها، يبيعها -مثلًا- بمئة وخمسين ألفًا، يكون رأس المال مئة ألف لصاحب الأرض يؤخذ من الأصل، والخمسون ألفًا تقسم على حسب ما اشترطاه.
يقول المؤلف رحمه الله: (أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين) لو جعلنا رأس المال فلوسًا يصح؟ لا، هم يقولون: لا؛ لأن الفلوس عندهم تزيد وتنقص، ما هي مثل وقتنا الآن، الفلوس وقتنا الآن مقررة، كم الريال من قرش؟ عشرون قرشًا؛ يعني: مئة هللة ما تزيد ولا تنقص، فالعروض في وقتنا الحاضر كالنقود لا تزيد، لكن في وقتهم تزيد وتنقص، سلعة، يمكن يكون الدرهم بعشرة فلوس، ويمكن يكون من بكرة بعشرين، أو بأكثر أو بأقل؛ لذلك قالوا: إنه لا يصح أن يكون رأس المال فلوسًا؛ ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: إن الدراهم والدنانير يجوز الاتجار بها، ولا يجوز الاتجار فيها.
طالب: ( ... )؟
الشيخ: بينهما فرق؛ يعني يُتَّجَر بها جائز، يُتَّجَر فيها لا.
طالب: ( ... )؟
الشيخ: لا، يقول: يُتَّجَر بها ولا يُتَّجَر فيها، ويش الفرق بينهما؟
(1/4993)
________________________________________
طالب: يعني أن تكون السلعة هذا جائز ( ... ) لا يُبَاع ولا يُشْتَرى.
الشيخ: لا، ( ... ) يجعلها سببًا للتجارة؛ يشتري بها الأشياء ويبيعها. يتجر فيها: يجعل التجارة فيها هي نفسها، هذا يقول: لا يجوز؛ لأنه يضر بالناس ضررًا عظيمًا، كيف يضر بالناس؟ يأتي تجار النقود في هذا اليوم يقول: يلَّا اشتروا كل اللي في السوق بالنقود، تصبح السلع رخيصة ولَّا غالية؟
طلبة: غالية.
الشيخ: لا، رخيصة؛ لأن الدراهم إذا قلَّت صارت غالية، إذا غلت الدراهم رخصت السلع، فمثلًا إذا أخذوا جميع اللي في السوق تجد اللي يساوي أمس عشرة يؤخذ اليوم بخمسة أو بريالين يتضرر الناس، في اليوم الثاني بعدما أخذوا كل اللي في السوق من الدراهم قال: يلَّا نزِّلوا الدراهم، يتضرر الناس ولَّا لا؟ يعني: تزيد قيمة العشرة ولَّا تنقص؟ تزيد قيمة العشرة؛ لأنهم لما رجعوا الدراهم إلى الأسواق زادت الدراهم؛ زادت بأيدي الناس، إذا زادت بأيدي الناس اشتروا بها السلع بزيادة ولا يهمهم؛ لأن الدراهم موجودة، فتجد لو اتجروا في الدراهم أو اللي اتجروا في النقود صاروا سببًا لإفلاس كثير من الناس ولتضخم كبير في الأموال.
طالب: هذا ما يفعله اليهود الآن.
الشيخ: إي نعم، يفعلون اليهود الآن في الدولارات؛ يلعبون بالناس بالدولارات.
المهم أن ابن القيم رحمه الله يقول: إن الدراهم والدنانير يُتَّجَر بها ولا يُتَّجَر فيها، يُتَّجَر بها؛ يعني: تجعل وسيلة للتجارة، أما هي يُتَّجَر فيها لا؛ يعني: ما تجعل شيئًا محل تجارة هي؟
طالب: تجارة العملات.
الشيخ: متاجرة العملات الآن، بالنسبة لنا ما فيه متاجرة الظاهر، الدراهم ثابتة، لكن بالنسبة للدولار فيه متاجرة، وأظن العملات الأخرى أيضًا فيها متاجرة.
فالمهم أن الاتجار في الدراهم والدنانير يضر بالناس إضرارًا كبيرًا، ووجهه كما شرحت لكم.
(1/4994)
________________________________________
لهذا نقول: إن الفلوس لا يجوز أن تُجْعَل رأس مال في الشركة، لماذا؟ لأنها تزيد وتنقص، وهذا بناءً على ما كان معروفًا في عهد العلماء الذين اشترطوا هذا الشرط، أما في وقتنا الآن فإن عشرين قرشًا تساوي ريالًا، ولا يزيد ولا ينقص، لكن على فرض أن الفلوس قد تزيد وتنقص ممكن نحول المسألة إلى القول الراجح؛ أنه يجوز أن يكون رأس المال عرضًا، وتُقَدَّر قيمته عند العقد ليرجع إليها.
قال المؤلف رحمه الله: (ولو مغشوشين يسيرًا) النقدان الأصل أن الدنانير ذهب خالص وأن الدراهم فضة خالصة، لكن يوجد بعض الناس يغش؛ يخلط مع الذهب معدنًا آخر لا يتغير به لونه، لكن ذات الدينار مخلوطة، وكذلك يقال في الدراهم، فهل يصح أن تُجْعَل الدنانير المغشوشة رأس مال في الشركة؟
نقول: في هذا تفصيل؛ إن كان الغش يسيرًا فلا بأس، وإن كان الغش كثيرًا فإنه لا يجوز؛ لأن الدراهم والدنانير المغشوشة تُتَّخَذ سِلعًا يُتَّجَر فيها؛ لأن الناس ما هم مأمونون، فلا يصح أن تكون الدنانير والدراهم مغشوشة كثيرًا، أما اليسير فإنه لا بأس به، قالوا: لأنه لا يخلو الذهب منه ولا الفضة غالبًا؛ لأن الذهب لو جُعِلَ خالصًا ما صار بهذه المتانة، لصار لينًا؛ كل شيء يؤثر عليه، فلا بد أن يُدْخَل معه أجزاء تجعله صلبًا لا يتثنى، كل هذا الذي قاله المؤلف غير موجود عندنا الآن؛ لأن ضبط النقود الآن أقوى بكثيرٍ من ضبطها فيما سبق قديمًا، فإنه قديمًا يدخلها الغش؛ يمكِن أي واحد من التجار يجي ويسك له دنانير أو دراهم يقلد بها الدنانير والدراهم التي في أيدي الناس ويُدخِل فيها الغش، أما الآن فالمسألة مضبوطة، وهذا غير وارد، وهو قوله: (ولو مغشوشين يسيرًا).
(أن يشترطا لكل منهما جزءًا من الربح مشاعًا معلومًا) هذا يتضمن ثلاثة شروط في الواقع: أن يشترطا لكل منهما جزءًا من الربح، فإن شرط الربح لأحدهما فقط فإنه -على كلام المؤلف- لا يصح.
(1/4995)
________________________________________
لو قال قائل لشخص ( ... ) مثلًا في ماله، نعمل فيه والربح كله لك، فعلى كلام المؤلف لا يصح، ليش؟ قال: لأن الشركة مبناها على المساواة، وأنت إذا جاءك ربح مالك وربح ماله، وكذلك ربح مالك أنت لهذا الرجل، فليس هناك مساواة، فلا بد أن يكون لكل منكما شيء من الربح.
وأنت إذا نظرت إلى هذا الشرط وجدت أن فواته لا يؤثر من الناحية الشرعية، فمن الجائز أن يقول هذا الرجل: أنا أريد أن أنشط هذا الرجل على العمل، هذا رجل خامل ما يعمل، فقلت: جب مالك وأجيب مالي ونشترك والربح كله لك، فأنا قصدي بهذه الشركة أن أنفع هذا الرجل وأحركه، ولماذا تحولون بيني وبين الإحسان إلى هذا الرجل؟ أنا الآن محسن إليه، بماذا؟ بالربح؛ حيث جعلت ربح مالي له، وربح عملي أيضًا له، ويش المانع من هذا؟
فالذي يترجح عندي أن الأصل في المعاملات الحل، وألَّا يُدخَل عليها شروط إلا إذا دلَّ الدليل على وجوب هذه الشروط.
(مشاعًا) هذا صحيح، لا بد أن يكون الربح مشاعًا؛ يعني: غير معين، المشاع يعني اللي يكون شائعًا في جميع المال، أو في جميع الربح؛ مثل: الثلث، والربع، والخمس، والثلثان، وثلاثة الأرباع، وما أشبهها.
فإن كان غير مشاع؛ بأن قال: لك من الربح مئة درهم، والباقي لي، يجوز ولَّا لا؟ لا يجوز.
قال: لك ربح هذا المال، ولي ربح هذا المال؛ يعني نحن نتجر بالسكر والشاي والقماش، فقال: لك ربح السكر والشاي، ولي ربح القماش، يجوز؟ لا يجوز، لماذا؟ لأنه غير مشاع، ففيه جهالة عظيمة.
لو قال: نحن نتجر الآن في السفر إلى بلاد أخرى نجذب منها الأموال، فلك ربح السفرة الأولى، ولي ربح السفرة الثانية، يجوز؟ لا يجوز؛ لأنه غير مشاع.
(معلومًا) يعني: لا بد أن يكون هذا المشاع معلومًا؛ كالثلث والربع والنصف، أما لو قلت: لي بعض الربح ولك بعضه، يجوز ولَّا لا؟ لا يجوز، ليش؟ لأن البعض قد يكون أقل من النصف، وقد يكون أكثر من النصف، وقد يكون بمقدار النصف، فهو مجهول.
(1/4996)
________________________________________
فصار على كلام المؤلف يشترط أربعة شروط، بل خمسة شروط: أن يكون المالان معلومين، أن يكونا من النقدين المضروبين، أن يشترطا لكل منهما جزءًا من الربح، أن يكون هذا الربح مشاعًا، أن يكون معلومًا. خمسة شروط ( ... ).
***
لك ربح السلعة التي تباع في مكة ولي ربح السلعة التي تباع في المدينة؟ لا يصح.
لك ربح الشهر الأول ولي ربح الشهر الثاني، يصح ولَّا لا؟ لا يصح.
لك ربح الطعام، ولي ربح الأواني؟ لا يصح.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فإن لم يَذكرا الربح)، وعندي: (فإن لم يُذْكَر الربح)، لكن الصواب: (فإن لم يَذكرا الربح)، بدليل قوله: (أو شرطا لأحدهما).
إن لم يذكرا الربح فإنها لا تصح الشركة؛ يعني بأن قال: اشتركنا جميعًا شركة عنان، يقول: فإنها لا تصح؛ لأنه يبقى الأمر مجهولًا، فيحصل النزاع والعداوة بين الناس.
(أو شرطا لأحدهما جزءًا مجهولًا) مثل: لك بعض الربح، فإن هذا لا يصح؛ لأنه مجهول، أو شرطا لأحدهما (دراهم معلومة) كعشرة ومئة وألف، فلا يصح، لماذا؟ لأنه ليس مشاعًا، ولأنها ربما لا تربح إلا هذا القدر من الربح، فيكون الآخر مهضومًا حقه.
(أو ربح أحد الثوبين) على التعيين لم يصح، يقول: (لم تصح) العلة في ذلك: لأنه قد ينحصر الربح فيما شُرِطَ لأحدهما دون الآخر، والشركة أصلها مبنية على العدل؛ وهو تساوي المشتركين في المغنم والمغرم، هذه هي قاعدة الشركة الأصيلة؛ أن يشترك الطرفان في المغنم والمغرم، إذا عرفت هذه القاعدة التي تُبنى عليها الشركة فإنه يسهل عليك أن تحكم على كل شيء ورد عليك من أنواع الشركة بأنه صحيح أو فاسد.
(1/4997)
________________________________________
يقول المؤلف: (وكذا مساقاة ومزارعة ومضاربة) (كذا): أي كشركة العنان، (مساقاة ومزارعة ومضاربة) المساقاة: هي دفع الشجر لمن يقوم عليه بجزء من ثمره، وتسمى عندنا الفلاحة، أنا لي بستان ولا أستطيع القيام عليه، فدفعته إلى رجل يعمل فيه بجزء من ثمره، ما الذي يُشْتَرط في هذا الجزء؟ أن يكون مشاعًا ( ... )، يصح ولَّا ما يصح؟ يصح.
لك ثمرة هذا العام، ولي ثمرة العام المقبل؟ لا يصح.
لك ثمر العنب، ولي ثمر النخل؟ لا يصح؛ لأنه لا بد أن يكون جزءًا مشاعًا معلومًا.
خذ هذا الثمر أو هذا البستان اعمل به ولا شيء لي؟
طلبة: لا تصح.
الشيخ: إي نعم، نقول: لا تصح مساقاة؛ لأنه لم يشترطا الربح لكل منهما.
بالعكس لو قال: خذ هذا البستان اعمل به وليس لك شيء، هذا لا يصح، على أنه من باب الشركة، لكن لو أنه تبرع لك وقال: أنا أريد أن أعمل على هذا البستان مجانًا، لا على أنه من باب المساقاة، فلا بأس به.
المزارعة: دفع أرض لمن يقوم بزرعها بجزء من الزرع، إذن فرق بينها وبين المساقاة؛ المساقاة على شجر، والمزارعة على أرض؛ أدفع له الأرض وأقول: خذ هذه الأرض ازرعها، ولك نصف الزرع أو ربعه أو ما أشبه ذلك. هذا يصح، ولكن لا بد أن يشترطا لكل منهما جزءًا مشاعًا معلومًا، فلو دفعت الأرض إليه وقلت: لك زرع هذا العام ولي زرع العام الثاني؟ لا يصح.
لك زرع الشعير، ولي زرع الحنطة؟ لا يصح.
لك الجانب الشرقي، ولي الجانب الغربي؟ لا يصح.
لا بد أن يكون مشاعًا معلومًا؛ لأنه -كما أسلفنا قريبًا- مبنى جميع الشركات على العدل؛ وهو التساوي في المغنم والمغرم.
وكذلك المضاربة، المضاربة: أن يدفع الإنسان مالًا لشخص يتجر به بجزء من ربحه.
مثاله: أعطيت هذا الرجل مئة ألف وقلت: اعمل بها ولك نصف الربح، جائز ولَّا لا؟ جائز.
(1/4998)
________________________________________
وقد ذكرنا أن هذا من العقود التي كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام، وأن فيها مصلحة للناس؛ لأن من الناس من يكون عنده طاقة بدنية ومن الناس من يكون عنده مال، صاحب المال لا يستطيع أن يتصرف، وصاحب الطاقة لا يستطيع أن يتصرف، صاحب المال لأنه زمِن قاصر ضعيف مريض، وما أشبه ذلك، وصاحب البدن قوي لكن ليس بيده مال، كيف يمكن أن ينتفع الطرفان؟ بالمضاربة، يدفع صاحب المالِ المالَ إلى هذا الرجل القوي العامل ويقول: اتجر به ولك نصف الربح، أو ربع الربح، أو ثلثه، حسب ما يتفقان عليه، فجوازها من محاسن الشريعة في الواقع.
إذا قال: خذ هذا المال مضاربة، على أن لك ربح هذا الشهر ولي ربح الشهر الثاني؟ لا يصح.
لك ربح السكر، ولي ربح الشاي؟ لا يصح.
لك مئة درهم من الربح، والباقي لي؟ لا يصح. لا بد أن يكون مشاعًا معلومًا.
قال المؤلف: (والوضيعة على قدر المال) (الوضيعة): يعني الخسارة، (على قدر المال) في شركة أيش؟ الآن نتكلم على أي شركة؟ العنان.
(الوضيعة على قدر المال) يعني: الخسران على قدر المال، بخلاف الربح؛ الربح على ما اشترطاه، والوضيعة على قدر المال، لا يمكن أن يحمل أحدهما خسارة أكثر من قدر ماله، فإذا قدَّرنا أن أحدهما أتى بمئة ألف، والثاني أتى بمئتين، وصارا يتجران، فصار كم اللي معنا من الآلاف؟ ثلاث مئة ألف، وصارا يتجران، وعند التصفية لم يكن لديهما إلا مئة وخمسون ألفًا، كيف نوزع الخسارة؟ نقول: على كل واحد منهما نصفها؟ لا، على قدر المال، أصل المال المشترك ثلاث مئة ألف، وخسر مئة وخمسين، يكون على صاحب المئتين خسارة مئة، وعلى صاحب المئة خسارة خمسين، ولا يمكن أن نقول: إن الخسارة بينهما أنصافًا، لماذا؟ لأننا نحمل الناقص أكثر مما يستحق.
(1/4999)
________________________________________
يقول: (الوضيعة على قدر المال) الربح على ما شرطاه؛ لأن الربح مبني على العمل والقدرة والمهارة، فيكون على ما شرطاه، فإذا أتى أحدهما بمئتي ألف والثاني أتى بمئة، وقالا: الربح بيننا أنصافًا، يجوز ولَّا لا؟ يجوز؛ الربح على ما شرطاه.
إذا قال: الربح بيننا؛ لك ربعه، ولي ثلاثة أرباعه، يصح ولَّا لا؟ يصح؛ لأن مبنى الربح على العمل والقدرة والمهارة، بخلاف الخسارة، فصارت الوضيعة -التي هي الخسارة- على قدر المالين والربح على ما شرطاه، سواء كان ذلك أكثر من قدر ماله أو أقل.
علل العلماء ذلك بأنه -أي: الربح- مبني على القدرة والمهارة، وربما يكون أحدهما أقدر من الآخر وأمهر في تسويق السلع وشرائها، فكان الربح على حسب ما اشترطاه.
قال: (ولا يُشْتَرط خلط المالين) في شركة العنان -كما عرفتم- يأتي كل واحد منهما بمال ويكون من كل واحد منهما عمل، أو يأتي كل واحد منهما بمال ويكون العمل من واحد.
هل يُشْتَرط خلط المالين؟
يقول المؤلف: لا يُشْتَرط؛ لأن المقصود هو الربح، وعليه فيجوز أن أتجر أنا بمالي في دكاني وحدي، وأنت كذلك بمالك في دكانك وحدك، ويجوز أن أكون أنا في بلد وأنت في بلد آخر، ويجوز أن أتجر أنا في نوع من المال وأنت في نوع من المال، فخلط المالين ليس بشرط.
وذلك قالوا: لأن المقصود هو الربح لا الخلط، لكن لو خلطناهما جميعًا يجوز ولَّا لا؟ معلوم يجوز من باب أولى؛ لأنه إذا كان خلط المالين ليس بشرط، فليس المعنى أن خلطهما مؤثر، بل إن خلطهما أبلغ في الاشتراك، خلطهما بأن نأتي بالدراهم، ثم نشتري سلعة بهذه الدراهم، ثم نتصرف، فهنا المالان صارا مختلطين.
قال: (ولا كونهما من جنس واحد) فيجوز أن يأتي أحدهما بإبل والثاني بسيارات؟
طالب: لا يجوز.
(1/5000)
________________________________________
الشيخ: يقول: لا يُشْتَرط كونهما من جنس واحد، (ولا كونهما من جنس واحد) يعني: في النقدين، فيجوز أن يأتي أحدهما بالدراهم والثاني بدنانير. انتبهوا لهذه النقطة، يجوز أن يأتي أحدهما بالدراهم والثاني بدنانير، فيأتي أحدهما بمئة دينار والثاني بألف درهم. كيف نعمل عند التصفية؟ نعطي صاحب الدنانير دنانير وصاحب الدراهم دراهم، كلٌّ يرجع إلى أصل ماله، لكن إذا تأملت هذا وجدت أنه قد يكون فيه غرر؛ لأنها قد ترتفع قيمة الدنانير فيحيط بالربح كله، وقد يكون بالعكس؛ ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنه يجب أن يكونا من جنس واحد، وهو أحد القولين في المسألة.
وعللوا ذلك بأنهما إذا كانا من جنسين مختلفين فقد يرتفع أحد الجنسين حتى يحيط بالربح.
ولنفرض الآن أن أحدهما أتى بمئة دينار والآخر أتى بألف درهم، وقيمة مئة الدينار ألف درهم؛ يعني: كل دينار بعشرة، لكن عند التصفية صار كل دينار بعشرين، معناه أنه يحيط بالربح كله، أو بالعكس؛ صار الدينار بخمسة، معناه أن صاحب الفضة -الدراهم- ربح، وصار الربح كله له، ولكن الصحيح ما ذهب إليه المؤلف بشرط ألَّا يزيد سعر الدنانير ولا ينقص؛ بأن يكون مقررًا من قبل الدولة، فإن كان يمكن فيه الزيادة والنقص فإنه لا يجوز.
في الوقت الحاضر هل الدنانير مقدرة من قبل الدولة؟ لا، الذهب غير مقدر؛ ولهذا أحيانًا يرتفع، وأحيانًا ينخفض، وبناء على ذلك فإنه لا يصح أن يكون أحدهما دنانير والثاني دراهم، إلا على القول الذي أشرنا إليه فيما سبق؛ أنه يجوز أن يكون رأس المال من الأعراض، عرضًا، ولكن يُقَدَّر بقيمته، فحينئذٍ نعم، إذا قلنا: يُعْطَى بالدنانير والدراهم، لكن تُقَدَّر الدنانير بدراهم، فيقال: الآن أتيت بمئة دينار، وقيمتها ألف درهم، فنكتب بأن رأس مالك الذي أتيت به أيش؟ ألف درهم، وحينئذٍ يتساويان عند انتهاء الشركة.
طالب: الراجح يا شيخ؟
(1/5001)
________________________________________
الشيخ: هذا القول هو الراجح؛ أنه إذا كانت الدنانير تختلف فإن الواجب أن تُقَدَّر بقيمتها أو أن تحول إلى دراهم.
***
( ... ) والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
في شركة العنان ( ... ).
بعض العلماء يقول: يُشترط أن يكونا من جنس واحد، ما هو القول الذي رجحناه في هذه المسألة؟ ( ... ).
ولهذا نص المؤلف على نفيه، قال: لا يُشْتَرط خلط المالين، فإن بعض أهل العلم يقول: إنه يُشْتَرط خلط المالين؛ لأن الشركة لا تتحقق إلا بالخلط، فنجمع المالين في متجر واحد، أو نقول: إن هذين المالين كلٌّ منا يتصرف فيها، بمعنى أنك تأتي أنت إلى متجري وتبيع وتشتري، وأنا آتي إلى متجرك وأبيع وأشتري.
***
[شركة المضاربة]
ثم قال المؤلف رحمه الله: (الثاني: المضاربة) الثاني من أنواع شركة العقود، ولَّا لا؟ ولَّا شركة الأملاك؟
الطلبة: العقود.
الشيخ: العقود.
(الثاني: المضاربة) وهي من: ضَارَبَ يُضَارِبُ، مأخوذة من الضرب في الأرض، وهو السفر؛ لأن الغالب أن التجارة تكون بالسفر، يذهب الإنسان إلى بلد ويأتي بسلع من هذا البلد ويبيعها، ثم ينصرف إلى بلد آخر، وهكذا، كما قال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20].
المضاربة هي أن يشترك بدنان؛ المال من أحدهما والعمل من الآخر، وهي جائزة، وجوازها من محاسن الشريعة، لماذا؟ لأن من الناس من يكون عنده المال لكن لا يقدر على التصرف فيه، ومن الناس من ليس عنده مال وهو قادر على التصرف، فكان من محاسن الشريعة أن نقول لمن عنده المال: ادفع المال لهذا الشخص ليعمل فيه، فيحصل لهذا الفقير الذي ليس عنده مال يحصل له عمل وربح، ويحصل لهذا العاجز الذي عنده مال يحصل له ربح، أليس كذلك؟
طلبة: بلى.
(1/5002)
________________________________________
الشيخ: فما هو تعريفها؟ يقول: (المضاربة لمتجر به ببعض ربحه) يعني هي أن يدفع مالًا لمتجر به؛ أي لمن يتجر به ببعض ربحه، وكلمة (بعض) هنا سبق أنه لا بد أن يكون مشاعًا معلومًا، فيقول: هذه ألف درهم اتجر بها والربح بيننا، أو ولك ربع الربح، أو لي ربع الربح، أو ما أشبه ذلك، على حسب ما يتفقان عليه.
المضارب الآن يتصرف في المال بحكم الوكالة ولَّا لا؟ نعم، بحكم الوكالة، فإن ظهر ربح صار يتجر فيه بحكم الوكالة والشركة أيضًا؛ لأن تصرفه فيه بعد أن ظهر الربح تصرف بالأصالة، ويش بعد؟ والوكالة.
قال: (لمتجر به ببعض ربحه) ويش بعده؟ (فإن قال: والربح بيننا فنصفان) لأن البينية تقتضي التسوية، هذا الضابط.
فإذا قال: خذ هذا المال اتجر به والربح بيننا فإن الربح يكون بينهما نصفين.
إذا قال: الربح بيننا أثلاثًا وقيده فعلى ما شرط، لكن عند الإطلاق تقتضي التسوية.
قال: (وإن قال: ولي أو لك ثلاثة أرباعه أو ثلثه صح) إذا قال: خذ هذا المال اتجر به ولي ثلاثة أرباعه يصح، والربع الباقي للعامل، لي ثلثه يصح، والثلثان للعامل، لك ثلاثة أرباعه يصح، والربع لصاحب المال، لك ثلثه يصح، والثلثان لصاحب المال. المهم أنهما إذا عينا لأحدهما جزءًا فالباقي للآخر.
(قال: ولي أو لك ثلاثة أرباعه أو ثلثه صح والباقي للآخر) كيف علمنا أن الباقي للآخر؟ لأن المال بين اثنين، فإذا حُدِّدَ نصيب أحدهما تبين حق الآخر.
إذن لا يُشْتَرط أن أقول: لك ثلاثة أرباع الربح ولي ربعه، أو يُشْتَرط؟ لا يُشْتَرط؛ لأننا إذا علمنا نصيب واحد فالباقي للآخر، ولا إشكال فيه.
(1/5003)
________________________________________
قال: (وإن اختلفا لمن المشروط فلعاملٍ) أعطاه المال مضاربة وقال: لك الثلث، ثم عند الحساب قال العامل: إن الثلث المشروط لك أنت يا صاحب المال، وقال صاحب المال: بل لك أنت أيها العامل، من يكون له؟ يقول: للعامل، فيكون له ثلث الربح، ولصاحب المال الثلثان، لماذا؟ قالوا: لأن الربح تبع للمال، فإذا ادَّعى صاحب المال أن الثلثين له -مثلًا- فهذا هو الأصل، والعامل يستحق الربح بعمله، فهو مدعٍ، فلا يُقْبَل قوله.
إذا قال العامل: اشترطنا الثلثين فهي لي، وقال صاحب المال: اشترطنا الثلثين لي أنا، فمن القول قوله؟ للعامل، المؤلف يقول: (إن اختلفا لمن المشروط فللعامل) سواء كان المشروط هو الأقل أو هو الأكثر.
هذا ما ذهب إليه المؤلف، ولكن القول الراجح في هذه المسألة أن ينظر إلى القرائن، فإذا كانت العادة أن الذي يُشرط له هو العامل وأن هذا النصيب أو الجزء مطابق للواقع أو مقارب فالقول قول العامل، وأما إذا كان الأمر بالعكس والذي جرت به العادة أن الذي يُشرط له جزء هو صاحب المال، وكان هذا الجزء أيضًا كبيرًا لا يمكن أن يُشرط للعامل مثله، فإنه يكون لصاحب المال.
مثال ذلك: كان الجزء المشروط ثلثين، ادَّعى العامل أنه له، وادَّعى صاحب المال أنه له، والعادة أن المضاربة لا يُعْطَى فيها العامل إلا الثلث فأقل، فهنا العرف يشهد لمن؟ لصاحب المال، فيؤخذ بقول صاحب المال.
مثال آخر: المشروط ثلاثة أرباع، قال العامل: إنه لي، وقال صاحب المال: إنه لي، فعلى كلام المؤلف القول قول العامل، وعلى القول الراجح يُنظر: إذا كانت العادة جارية بأن المضارَب لا يُعْطَى إلا ربعًا أو شبهه، ثم يأتي يدعي ثلاثة أرباع يقول: إن المشروط لي أنا، فهنا لا نوافقه؛ لأن العرف يكذبه.
(1/5004)
________________________________________
وهو نظير ما سبق لنا في باب الرهن أن الراهن والمرتهن إذا اختلفا في قدر الدين فإنه يُرْجَع إلى الرهن، إذا كان الرهن كثيرا والمَدين يدعي أن الدين قليل فإن القول قول صاحب الحق، الذي هو المرتهِن، وهذه المسألة مثلها، فنقول: إذا ادَّعى العامل ما يمكن أن يكون مشروطًا له في العادة فالمشروط للعامل، وإن ادعى شيئًا بعيدًا عن العادة فالقول قول المالك.
يقول: (وكذا مساقة ومزارعة) يعني: إذا اختلفا لمن المشروط فهو للعامل، ما هي المساقاة؟ أن يدفع شجرًا لمن يقوم عليه بجزء من ثمره.
مثال هذه المسألة: دفعت هذا الشجر إلى عامل -أي: فلاح- قلت: خذ قم على هذا النخل ولك نصف الثمر، أخذه وعمل فيه، فإذا حصلت الثمرة نقسمها نصفين؛ للعامل نصف، ولصاحب الأصل النصف.
أعطيت شخصًا آخر هذا النخل ليقوم عليه وقلت: لك ربع الثمرة، وعند الجذاذ قال العامل: إن الذي شرط له ربع الثمرة صاحب النخل، وقال صاحب النخل: بل العامل، من القول قوله على المذهب؟ يكون المشروط للعامل، وعلى القول الراجح ننظر: إذا كان هذا النخل يمكن أن يُسَاقى عليه بالربع أو قريب من الربع فنعم، أما إذا كان لا يمكن فإننا لا نجعله للعامل، لو كان هذا النخل لا يمكن أن يُسَاقى عليه إلا بثلاثة أرباع فأكثر فإننا نقبل قول العامل، ويكون الربع لمن؟ لصاحب النخل.
المزارعة: أن يدفع الإنسان أرضًا لمن يزرعها بجزء من الزرع، فعند التصفية اختلفا لمن المشروط؟ فالمذهب أنه للعامل، والقول الثاني أنه للعامل إن كانت دعواه مقاربة، أما إذا كانت بعيدة من الواقع فإن القول قول صاحب الأرض.
قال المؤلف: (ولا يُضارب بمالٍ لآخر إن أضر الأول ولم يرض، فإن فعل ردَّ حصَّتَه في الشركة) لا يضارب من؟ المضارَب، الذي هو العامل لا يضارب بمال لآخر بشرطين؛ يعني: المنع لشرطين إن أضر الأول ولم يرض.
(1/5005)
________________________________________
مثاله: أعطيتك مئة ألف على أن تتجر بها في الكتب، أخذت أنت المئة ألف وبدأت تتجر بها في الكتب، ثم جاءك إنسان آخر وقال: الكتب رابحة وأنا بأعطيك خمسين ألفًا لتتجر بها أيضًا في الكتب، هذا يضر بالأول ولَّا لا يضر به؟
طلبة: نعم.
الشيخ: كيف؟ لأنه إذا كثرت الكتب رخصت، فيكون فيه ضرر على الأول، فهنا لا يجوز أن يأخذ هذا المال ليضارب به في الكتب؛ لأنه يضر الأول. فإن استشار الأول وأذن له؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأن الحق له.
أعطيتك دراهم مئة ألف تتجر بها بالسيارات مضاربة، وجاءك إنسان وقال: خذ هذه الخمسين ألفًا اتجر بها في الطعام في البر والرز وما أشبه ذلك مضاربة، يجوز ولَّا لا؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: نشوف، هو الأصل ألَّا يضر، لكن ربما يضر بحيث إنه يتفرغ للطعام أكثر مما يتفرغ للسيارات فيضر به، فإذا كان يضر بالأول منع إلا برضا الأول.
فإن قُدِّر أنه فعل وأخذ المضاربة مع إضراره بالأول بدون إذنه قال: (فإن فعل رد حصته في الشركة) ويش معنى رد حصته في الشركة؟ يعني: أخذ المال مضاربة من شخص آخر وربح فيه عشرة آلاف ريال نقول: هذه العشرة تدخل في الشركة الأولى، لماذا؟ لأن وقت المضارب مستحق لصاحب المال الأول، فإذا ذهب يتجر بمال آخر فإن الربح الذي حصل له يدخل في الشركة.
(1/5006)
________________________________________
أعطيتك مئة ألف ريال تتجر بها واتجرت فيها، وجاءك إنسان وأعطاك خمسين ألف ريال تتجر فيها بجزء من الربح مضاربة ثانية بدون إذن مني، والمضاربة هذه تضرني؛ لأنها ستأخذ وقتًا كثيرًا من وقت هذا العامل، أو لأن السلعة نفس السلعة التي يتجر بها لي، المهم أن العامل أخذ المضاربة وربح فيها، ولنقل: إنه ربح فيها عشرة آلاف ريال، يقول المؤلف: إن هذا الربح يضم إلى الشركة الأولى، فيكون الربح الذي ربحه من مالي يضاف إليه الربح الذي ربحه هذا من مال الرجل الآخر، فإذا كان قد ربح بمئة ألف من مالي ربح عشرة آلاف ريال وربح من الثاني خمسة آلاف ريال كم يكون الربح؟ خمسة عشر ألف ريال.
وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يحل لصاحب المال الأول أن يأخذ شيئًا من ربحه؛ لأن هذا الربح الذي حصل عليه ليس من ماله وليس من تعبه، فكيف يحل له؟ نعم، نقول للعامل: أنت أخطأت في كونك أخذت مال مضاربة لشخص آخر مع إضرار الأول، أما أن نقول: إن الربح الذي حصلته لازم تضيفه إلى الربح الأول فهذا يقولون: إنه أكل للمال بالباطل؛ لأنه ليس من صاحب المال الأول لا عمل ولا مال، فيكف يستحقه؟
وإذا كانت المضاربة لا تضر بالأول يجوز ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يجوز، مثل أن تكون العادة أن عمله في المال الأول في النهار وعمله في المال الثاني في الليل وجنس المال مختلف، فهذا لا يضره، فيجوز أن يضارب بمال للآخر، على أن في المسألة قولًا آخر أنه يجوز أن يضارب بمال للآخر؛ لأنه حر في نفسه وليس للأول أن يمنعه.
طالب: طيب على فرض هذا ( ... )؟
الشيخ: فالمشهور من المذهب أن الربح يرد إلى الشركة الأولى كأنه ربح من الشركة الأولى، والصحيح أنه لا يرد، لكنه آثم، إي نعم.
يقول المؤلف: (ولا يُقْسَم مع بقاء العقد إلا باتفاقهما) (ولا يُقْسَم) الضمير يعود إلى الربح.
فإن قلت: كيف تقول: إنه يعود إلى الربح ولم يسبق له ذكر؟
(1/5007)
________________________________________
فالجواب: أن الذي يقسم بين المضارِب والمضارَب هو الربح، أما رأس المال فهو لمن؟ لصاحبه للمضارب، ما يمكن يقسم، فيتعين أن يكون الضمير في (يُقْسَم) يعود إلى الربح.
(لا يُقْسَم مع بقاء العقد) أي: المضاربة، (إلا باتفاقهما) باتفاق المضارِب والمضارَب، فلو أن هذا المال الذي أعطيتك إياه مضاربة قلت: خذ هذا المال مضاربة إلى سنة، لما مضى نصف السنة ربح المال النصف، مثل: أعطيتك عشرة آلاف ريال، فلما مضى نصف السنة بلغت خمسة عشر ألف ريال فقال المالك: اقسم الربح، فقال المضارب: لا، أيهما الذي يطاع؟ الممتنع؛ المضارب في هذا المثال، ليش؟ لأن المضارب يقول: أنا أريد أن يبقى الربح هنا؛ لأني بأشتري به سلعة بدل ما أشتري بألف، لو قسمنا الربح أبغي أشتري قصدي بعشرة آلاف، أبغي أشتري الآن بخمسة عشر ألف، وهذا يُرْجَى فيه الربح أكثر من عشرة آلاف.
لو طلبه المضارب لو قال المضارب لرب المال: اقسم الربح، نقول: لا يقسم إلا إذا رضي صاحب المال، لماذا؟ لأن المال قد يخسر في النصف الأخير من العام، فإذا كان الربح قد قسم صارت الخسارة على رأس المال، لكن لو بقي الربح صارت الخسارة على الربح.
مثال ذلك: الآن أعطيتك عشرة آلاف ريال مضاربة، وفي نصف السنة صارت خمسة عشر ألف ريال؛ ربحت خمسة، فقال المضارب لصاحب المال: اقسم الربح، لو قسم كم يبقى معنا؟ عشرة، عمل فيها المضارب فنقصت خمسة، خسر خمسة آلاف، صار النقص على صاحب المال، لكن لو بقي الربح غير مقسوم وخسرت خمسة لم يخسر صاحب المال شيئًا، صح ولَّا لا؟ إي نعم.
إذن نقول: لا يُقْسَم الربح ما دام العقد باقيًا إلا باتفاق الطرفين؛ لأنه قد يكون فيه ضرر على أحدهما، إذا اتفقا جميعًا على أن يقسما ربح كل شهر؛ يعني: في أصل العقد، قال: أعطيتك هذا مضاربة لمدة سنة على أن نقسم الربح على رأس كل شهر، يجوز ذلك؟ نعم يجوز؛ لأن الأمر على ما شرطاه.
(1/5008)
________________________________________
قال: (ولا يُقْسَم مع بقاء العقد إلا باتفاقهما، وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد التصرف أو خسر جُبِر من الربح قبل قسمته أو تنضيضه) إن تلف رأس المال فلا يخلو من حالين: إما أن يكون قبل التصرف، وإما أن يكون بعده، فإن كان قبل التصرف انفسخت الشركة؛ لأن المال المعقود عليه تلف.
مثال ذلك: أعطيتك عشرة آلاف ريال مضاربة، وقبل أن تعمل أي عمل سرقت الدراهم، الحكم تنفسخ الشركة، لو جاء العامل المضارب قال لصاحب المال: المال سُرِق، أعطني بدله، لا يلزمه؛ لأن المال الذي جرى الاتفاق عليه قد سُرِق فتلف عليَّ وعليك.
أما بعد التصرف فيقول رحمه الله: إنه يجبر من الربح؛ إذا تلف رأس المال أو بعضه فيجبر من الربح، لكن بشرط أن يكون قبل القسمة، أما بعد القسمة فكلٌّ أخذ حقه.
مثال ذلك: أعطيتك عشرة آلاف ريال مضاربة، ضاربت بها فبلغت عشرين ألفًا، ثم تلف منها عشرة، ماذا نقول؟ يجبر منين؟ من الربح، يكون الربح الباقي هو رأس المال كأنه رأس المال؛ لأن الربح وقاية لرأس المال حتى يُقْسَم.
طالب: فيه تفصيل إذا فرق ..
الشيخ: لا، دعنا من التفريق، هذا تلف من الله عز وجل أو خسر.
مثاله، أعيد المثال مرة ثانية: أعطيتك عشرة آلاف ريال مضاربة، فتلفت قبل أن تتصرف، ماذا يكون؟ تنفسخ الشركة، أعطيتك عشرة آلاف ريال مضاربة، فعملت فيها وربحت عشرة آلاف ريال، ثم تلف منها عشرة تلفًا لا ضمان فيه؛ يعني: العامل ما فرَّط ولا تعدَّى ولا شيء، تلف منها عشرة فماذا يكون؛ تنفسخ الشركة ولَّا لا؟ ما تنفسخ الشركة تبقى، لكن هل نقول: إن هذا الربح يكون الآن رأس مال؟
طلبة: نعم.
الشيخ: هو ما صار قسم، ما قسمنا الربح ولا شيء، ما قسمنا الربح ولا نضيناه.
الجواب: نعم؛ ولهذا قال المؤلف: (جُبِرَ من الربح) فيجبر التالف من الربح،
(1/5009)
________________________________________
طيب، خسر؛ يعني: أعطيتك عشرة آلاف ريال مضاربة، وبدأت تتصرف فيها، فربحت عشرة في النصف الأول من العام، ثم استمر التصرف، وفي آخر العام خسرت عشرة، أقول: يُجْبَر من الربح؟
طلبة: إي نعم.
الشيخ: ولَّا نقول: لا، الربح اللي ربحناه يُقْسَم، والخسارة تكون على رب المال؟
طالب: لا.
الشيخ: نقول: لا، لازم يكون من الربح؛ لأنه ما دامت الشركة موقتة فالعقد باقٍ حتى يتم الوقت، فما حصل من زيادة أو نقص فإنه يكون في الربح، طيب إن خسرت اثني عشر ألفًا؟
طالب: ألفين على المالك.
الشيخ: يكون ألفين على المالك.
أعطيتك عشرة وربحت عشرة أخرى، ثم خسرت في آخر العام اثني عشر ألفًا على المالك، كم نعطي المالك الآن؟ ثمانية آلاف ريال، كذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب، إذا قال المالك: ليش أخسر؟ أنا ما يمكن أخسر مالي اللي تبقى ألفين في ذمة المضاربة.
طالب: ( ... ).
الشيخ: نقول: والعامل أيضًا خسر، المسكين خسر عمله؛ عمل سنة كاملة في هذا المال ما جاءه ربح، صح ولَّا لا؟ فإذن أنت وإياه مشتركان في المغنم والمغرم، فما دمت أنت خسرت ألفين من مالك فهو أيضًا قد خسر كل عمل السنة، يمكن لو راح يشتغل في شركة أو عند الحكومة بمرتب ربح أكثر من هذا.
قال المؤلف رحمه الله: (وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد التصرف أو خسر) هذه المسألة الثانية وقد عرفناها.
(جُبِرَ من الربح قبل قسمته أو تنضيضه) التنضيض هو اللي يسمى عندنا التصفية، فإذا قُسِمَ ناضًّا؛ معناه: صفينا المال وبعناه، وبقيت عندنا الدراهم وقسمنا الربح فإن الخسارة لا تكون من الربح، تكون على رأس المال.
طالب: على الربح؟
(1/5010)
________________________________________
الشيخ: قسمناه يا إخوان، نضضناه وقسمناه، تكون على رأس المال، والمثال: أعطيتك عشرة آلاف ريال مضاربة لمدة سنة، فصرت تشتري وتبيع بها، وبعد مضي ستة أشهر ربحت عشرة آلاف أخرى، كم صارت؟ عشرين، صفى الرجل المضارب المال وعادت الدراهم، صارت دراهم الآن، فقسمنا الربح ثم خسرت بعد ذلك الخسارة، على من؟ على رأس المال؛ ولهذا قال: (قبل قسمته أو تنضيضه) ولكن يُشْتَرط في القسمة أن يكون ناضًّا؛ يعني بمعنى أنه يحاسب عليه ويعود إلى أصله؛ إن كان ذهبًا فذهب، وإن كان فضة ففضة.
وخلاصة الكلام الآن أنه إذا تلف المال قبل التصرف؟ أجيبوا.
طلبة: انفسخت الشركة.
الشيخ: انفسخت الشركة، إذا تلف المال قبل القبض؟
طلبة: ( ... ).
طالب: على المالك.
الشيخ: إي، تنفسخ، معلوم لو قال: شوف هذا المال عندك -مثلًا- مضاربة دراهم معينة بالكيس، هذه مضاربة لك لمدة سنة، وفي أثناء ذلك جاء سارق فخطفها من بين أيديهم تنفسخ، معلوم، من باب أولى، أما إذا كان بعد التصرف فإنه يجبر منين؟ من الربح.
فإن قُسِمَ الربح باتفاقهما ثم جاء الخسران بعد ذلك فعلى رأس المال.
طالب: ويش معنى التنضيض؟
الشيخ: التنضيض يعني: التصفية، مثلًا أنا أخذت هذه الدراهم منك مضاربة إلى مدة سنة، وفي نصف السنة ربحت صارت العشرة آلاف ريال عشرين ألفًا، لكن هي إلى الآن بضاعة ما بعد نضيناها، فهنا لو قسمناها فلا تعتبر هذه القسمة حتى تباع السلعة، وبعد بيعها وتنضيضها يُقْسَم الربح، هذا معنى التنضيض؛ يعني التنضيض يسمى عند العامة عندنا يسمونه تصفية؛ يصفي البضاعة، أما ما دامت أعيانها باقية فإن الخسارة لا تزال باقية على الربح.
طالب: إذن حكمها غير ( ... ).
الشيخ: ما فيه إذا صفى كل واحد منهما أخذ نصيبه من ..
أو غَرامةً نادِرَيْنِ أو ما يَلْزَمُ أحدَهما من ضَمانِ غَصْبٍ أو نحوِه فَسَدَتْ.
(باب المساقاة)
(1/5011)
________________________________________
تَصِحُّ على شَجَرٍ له ثَمَرٌ يُؤْكَلُ، وعلى ثَمَرَةٍ موجودةٍ، وعلى شَجَرٍ يَغْرِسُه ويعملُ عليه حتى يُثْمِرَ بجُزْءٍ من الثمرةِ، وهو عَقْدٌ جائزٌ، فإن فَسَخَ المالِكُ قبلَ ظُهورِ الثمرةِ فللعاملِ الأُجْرَةُ، وإن فَسَخَها فلا شيءَ له، ويَلزَمُ العاملَ كلُّ ما فيه صلاحُ الثمرةِ من حَرْثٍ وسَقْيٍ وزبارٍ وتَلقيحٍ وتشميسٍ وإصلاحِ مَوضِعِه وطُرُقِ الماءِ وحَصادٍ ونحوِه، وعلى ربِّ المالِ ما يُصْلِحُه كسَدِّ حائطٍ وإجراءِ الأنهارِ والدُّولَابِ ونحوِه.
(فصلٌ)
الثالثُ (شَرِكَةُ الوُجوهِ) أن يَشْتَرِيا في ذِمَّتَيْهِما بجاهيهما, فما رَبِحا فبينَهما، وكلُّ واحدٍ منهما وَكيلُ صاحبِه وكَفيلٌ عنه بالثَّمَنِ، والْمِلكُ بينَهما على ما شَرَطَاهُ، والوَضيعةُ على قَدْرِ مِلْكَيْهِما، والربحُ على ما شَرَطاه.
الرابعُ (شَرِكَةُ الأبدانِ) أن يَشْتَرِكا فيما يَكتسبانِ بأَبْدَانِهما، فما تَقَبَّلَه أحدُهما من عَمَلٍ يَلْزَمُهما فِعْلُه، وتَصِحُّ في الاحتشاشِ والاحتطابِ وسائرِ الْمُباحاتِ، وإن مَرِضَ أحدُهما فالكَسْبُ بينَهما، وإن طالبَه الصحيحُ أن يُقيمَ مُقامَه لَزِمَه.
الخامسُ (شَرِكَةُ المفاوَضَةِ) أن يُفَوِّضَ كلٌّ منهما إلى صاحبِه كلَّ تَصَرُّفٍ ماليٍّ وبَدَنِيٍّ من أنواعِ الشَّرِكَةِ، والربحُ على ما شَرَطَاه، والوَضيعةُ بقَدْرِ المالِ، فإن أَدْخَلَا فيها كَسْبًا
الشرط، فنقول: الشرط فاسد، والشركة صحيحة على ما هي عليه، والله أعلم.
( ... ) والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ما هي أعم أنواع الشركة؟
( ... ).
باب المساقاة.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا.
الطالب: أو ما يجوز.
(1/5012)
________________________________________
الشيخ: إي، نعم، (أَوْ غَرامةً نَادِرَيْنِ أَوْ مَا يَلزمُ أَحَدَهُمَا مِنْ)، الغرامة النادرة مثل الغرامة التي تكون بالحوادث، فيقول أحد الشريكين للآخر: إذا وقع عَلَيّ غرامة من حادث أخذتُه من مال الشركة، فيقول صاحبه: نعم لا بأس. نقول: إن هذا الشرط فاسد مفسِد، لماذا؟ لأنه ربما تكون هذه الغرامة مُجْحِفَة بمال الشركة كله، أليس كذلك؟
هذا الرجل اشترك مع شريكه شركة مفاوَضة في مال قدره مئة ألف، ثم صار على هذا الشريك حادث قُدِّر بمئة ألف، إذا شرط أن يكون من الشركة معناه أنه أجحف بالمال كله، فظهر شريكه فقيرًا، وظهر هو أيضًا فقير، فلا يصح هذا الشرط.
ولكن هل هو فاسد غير مُفْسِد؟ بمعنى أن الشركة صحيحة، وعلى ما شرطَاه من الملك والربح، أو أنه فاسد مُفْسِد؟ المذهب أنه فاسد مُفْسِد؛ لأنه يعود بجهالة الربح والأصل؛ إذ لا يُدْرَى ماذا يحصل من الربح بعد أن تُخْصَم منه هذه الغرامة، بل لا يُدْرَى ما يبقى من رأس المال إذا خُصِمَت منه هذه الغرامة.
وكل شرط يعود إلى الشركة بجهالة الربح فهو مُفْسِد لها، فهذه قاعدة الشركات؛ أن كل شرط يؤدي إلى جهالة الربح فهو فاسد مُفْسِد.
على المذهب لو تَمَّت الشركة على هذا الشرط، واشتغلت الشركة لمدة سنة، ثم قيل لهما: إن الشركة فاسدة، فماذا نصنع؟ يقولون: حينئذ يكون لكل واحد منهما ربح ماله، ولا يشاركه الآخر فيه، ليش؟ لأن الشركة فاسدة، ويكون لكل واحد منهما على الآخر أجرة مثله فيما عمله بماله.
(1/5013)
________________________________________
أحيانًا تكون أجرة أحدهما تُجْحِف بمال الثاني كله ربما، قد يكون أحد الشريكين شخصًا ذا خبرة في المحاسبات أو غيرها من التي ترتفع بها أجرته، وحينئذ يأخذ من مال صاحبه الشيء الكثير، ولهذا القولُ الثاني في المسألة أنها إذا فسدت الشركة فإنه يُرْجَع إلى سهم المثل لا أجرة المثل؛ لأن هذا إنما أخذ المال برضا صاحبه على أساس أيش؟ على أساس الشركة، فإذا فسدت الشركة، أي فسد العقد الذي اتفقَا عليه فإننا نرجع إلى سهم المثل، ونقول: لكل واحد منهما من الربح سهم مثله، لا السهم الذي اتفقَا عليه؛ لفساد الشركة.
قال المؤلف: (أَوْ مَا يَلزمُ أَحَدَهُمَا مِنْ ضَمانِ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِ)، يعني إذا اشترطَا ما يلزم أحدهما من ضمان غصب، وهذا غير الغرامة، الغرامة تأتي بغير اختيار الإنسان، والغصب؟
طلبة: باختياره.
الشيخ: باختياره، قال أحدهما للآخر في الشركة: أي غصب أو سرقة تصدر من أحدنا فإنها تُخْصَم من مال الشركة، نقول: هذا لا يصح، ليش ما يصح؟ لأنه يذهب أحد الشريكين ويغصب أموال الناس ويأكله، ويقول: اجعلها من مال الشركة، وهذا لا يستقيم، ولّا لا؟
لو أنه قال هذا واتفقا على هذا الشرط، قال: نعم، أنت الآن هاديك الله، وأنت رجل الآن ما تريد أكل الحرام، ولا يمكن أن تغصب، نبغي نتفق على هذا الشرط، لما تم العقد ذهب واحد وغصب سيارة إنسان، وقال: نكدّها، حتى تكسرت وتلفت، على من تكون السيارة؟
طلبة: على مال الشركة.
الشيخ: على مال الشركة، هذا لا يمكن، فلذلك نقول: لا يصح أن يشترط أحدهما على الآخر ما يلزمه من ضمان غصب أو نحوه، كخيانة في أمانة ونحو ذلك، لا يجوز أن يُشْتَرَط؛ لأن هذا قد يُجْحِف بمال الشركة، ويفتح باب الطمع لأحدهما والفساد، واشتراط هذا لا شك أنه غير صحيح.
لكن الشركة إما أن نقول بصحتها، أو نقول بفسادها، ولكن نرجع إلى سهم المثل، لا إلى أجرة المثل.
***
[باب المساقاة]
(1/5014)
________________________________________
ثم قال المؤلف: (باب المساقاة)، المساقاة مفاعَلة من السقي، والمفاعلة غالبًا تأتي بين اثنين، كالمشارَكة والمقاتَلة والمجاهَدة والمصارَعة، وما أشبه ذلك.
المساقاة لا تكون إلا بين اثنين؛ مُسَاقٍ ومساقَى، فما هي المساقاة؟ المساقاة تكون على الأشجار، والمزارعة تكون على الأراضي؛ الأشجار أن يدفع الإنسان شجر بستانه، سواء كان من النخل، أو من العنب، أو من الرمان، أو من البرتقال، أو غيره، يدفع هذا البستان بشجره إلى شخص على أن يقوم عليه بالسقي والمصالح، وله جزء من الثمر.
فعندنا الآن شجر ومالِك وعامل، يقوم المالك فيدفع الشجر للعامل بجزء من ثمرته، يقوم عليه ويصلحه، وهذه جائزة.
وإذا قال قائل: أين الدليل على جوازها؟ فنقول: لنا على ذلك دليلان؛ الدليل العام، وهو أن الأصل في المعاملات الحِل إلا ما قام الدليل على تحريمه.
والدليل الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر عامَل أهلها عليها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، قال: «تَبْقَوْنَ فِيهَا عَلَى أَنَّ لَكُمْ نِصْفَ الثَّمَرَةِ، وَلَنَا نِصْفُ الثَّمَرَةِ» (1).
وبقي هذا الحكم حتى توفي النبي عليه الصلاة والسلام، وحتى خلافة عمر بن الخطاب، وفي أثناء خلافته حصل من اليهود اعتداء وظلم، فأجلاهم رضي الله عنه.
الحاصل أن المساقاة أن يدفع الإنسان بستانه الذي فيه الشجر لمن يقوم على هذه الشجر بجزء منين؟ من ثمرها، وهي جائزة بالنص.
وجائزة أيضًا بالنظر الصحيح، ما هو النظر الصحيح؟ هو أن الإنسان قد يعجز عن القيام بما تحتاجه هذه الشجرة عجزًا بدنيًّا أو عجزًا ماليًّا، فيكون حينئذ بين أمرين؛ إما أن يهمل هذا الشجر فيموت ويهلك، وهذا فساد وإضاعة مال، وإما أن يعطيه مَن يعمل به بأجرة، وهذا قد يكون شاقًّا عليه، بأجرة بأن يقول: خذ هذا البستان فقُم بسقيه ومصالحه، لك كل شهر كذا وكذا. هذا جائز لكنه قد يشق على صاحب البستان، خصوصًا إذا كان عجزه من أجل المال.
(1/5015)
________________________________________
وإما أن يعطيه شخصًا يقوم عليه بجزء منه من ثمره، وهذا هو المساقاة، فصار النظر الصحيح يدل عليه.
فإن قلت: إذن تكون المساقاة جارية على القياس.
فالجواب: نعم، هي جارية على القياس، خلافًا لمن قال: إنها جارية على خلاف القياس؛ لأن الجزء المشروط للعامل مجهول، فإن هذا الشجر قد يثمر ثمرًا كثيرًا يقابل أضعاف ما أنفق العامل عليه، وقد يُثْمِر ثمرًا قليلًا دون ما أنفق عليه، وقد لا يثمر شيئًا، أليس كذلك؟
طلبة: بلى.
الشيخ: فيكون العامل خاسرًا مئة في المئة، لذلك كان نصيب العامل مجهولًا، فكانت على خلاف القياس، فيقال: هذه نظير المضاربة تمامًا، ليش؟ لأن المضاربة يأخذ العامل الدراهم، ويسافر ويتعب، ويذهب يمينًا وشمالًا، ويربح ربحًا عظيمًا كثيرًا، وفي النهاية يشتري سلعة تُجْحِف بجميع الربح، إذن خسر ولّا لا؟ خسر البدن وخسر المال؛ لأن هذا الربح اللي كان متوقع أن يحصل له ذهب، ومع ذلك فهي جائزة.
وأقول: إن المضاربة على خلاف القياس أيضًا؛ لأن العامل يتعب تعبًا عظيمًا، ولا يحصل على شيء إذا خسر المال، أو إذا لم يربح المال، فنقول: ما هو القياس الذي تعنيه؟ القياس الذي يكون على خلافه أن يكون أحد المتشارِكَيْن غانمًا والثاني غارمًا، أما إذا اشتركَا في الْمَغْنَم والْمَغْرَم فإن هذا على وفق القياس، وكون العامل تحت الخطر لا يعني خلاف القياس؛ لأن كل إنسان يعمل في هذه الدنيا فهو تحت الخطر، حتى الإنسان اللي يعمل في ماله تحت الخطر، لذلك نقول: هي لما تتضمنه من المصلحة ولكونها جارية على سنن الحياة هي موافقة للقياس.
إذن المساقاة ما اسمها عندنا في اللغة العامية؟ الْمُفَالَحَة.
(1/5016)
________________________________________
قال المؤلف رحمه الله: (تَصِحُّ)، كلمة (تصح) تدل على أنها تجوز؛ لأنه يلزم من الصحة الحِلّ؛ إذ لا يكون الشيء صحيحًا حتى يكون حلالًا، ولهذا الحرامُ فاسد، إلا ما لا حكم له، يعني ما لا يترتب عليه حكم فإنه حرام، ولا يقال: فاسد ولا غير فاسد، كاللعن والسب والشتم والظهار، وما أشبه ذلك من الأشياء التي هي حرام بنفسها، ما يترتب عليها صحة وفساد فهذه تكون حرامًا، ولا يقال صحيحة ولا فاسدة، إذن قول المؤلف: (تصح) يلزم منه الحِلّ والجواز، ولّا لا؟
يقول: (تَصِحُّ عَلَى شَجَرٍ)، إذن لا بد من شجر، فلو دفع أرضًا لمن يغرسها مساقاةً فإنها -على كلام المؤلف- لا تصح، لا بد أن يكون الشجر موجودًا، لكن لو دفعت إليه أرضًا ليشتري شجرًا على حسابي، ثم هو عامِلٌ فيه بعد غرسه، فهذا جائز؛ لأنني جعلته وكيلًا لي في تحصيل الشجر وغرسه، ثم هو عامل بالمساقاة بعد أن يُغْرَس.
قال: (لَهُ ثَمَرٌ) احترازًا مما لو ساقَيْتُه على شجر لا ثمر له، مثل الأثل؛ الأثل له ثمر لكن ما هو يؤكَل، فيه شجر لا ثمر له؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لا الشجرة هذه لها ثمر، ما يخالف، على كل حال فيه أشجار ليس لها ثمر، هذه الأشجار إذا ساقَيْتُه عليها فإن المساقاة لا تصح؛ لأن المساقاة دفع شجر لمن يقوم عليه بجزء من ثمره، فإذا كان ما له ثمر فإذن لم يكن له شيء.
ولكن الصحيح في هذه المسألة أنه إذا كان هذا الشجر الذي لا ثمر له مما تكون غلته بقطعه فإن المساقاة عليه تصح، مثل الأثل؛ الأثل فيه ثمر لكنه غير مقصود، فإذا ساقيته على هذا الأثل على أن يكون له نصفه إذا قُطِع فهذا لا بأس به؛ لأني اشترطت أنا وإياه فيما يحصل من هذا الشجر، سواء كان من ثمره أو من أصله الذي يُقْطَع ويأتي بدله ما يخلفه.
(لَهُ ثَمَرٌ يُؤْكَلُ)، فإن كان الثمر لا يؤكَل لم تصح المساقاة عليه، حتى وإن كان هذا الثمر مما يُقْصَد ويُنْتَفَع به بأدوية أو غيرها، وهذا فيه نظر، كلام المؤلف فيه نظر.
(1/5017)
________________________________________
فالصحيح أنه يجوز على الشجر الذي يُنْتَفَع به بقطعه وإن لم يكن له ثمر، وتصح على الشجر الذي له ثمر لا يؤكَل لكنه مقصود، مثل الأثل، له ثمر يسمى عندنا باللغة العامية ( ... )، ما يخالف، لا مشاحة في اللفظ، هذا يؤخذ هذا الثمر ويُجْعَل في الدباغ، يشبه القَرَظ إن لم يكن هو القَرَظ، تُدْبَغ به الجلود.
إذن فهو ثمر مقصود لكنه لا يؤكَل، فعلى كلام المؤلف لا تصح المساقاة على هذا الشجر.
وعلى القول الصحيح تصح؛ لأن القاعدة هي أن يكون للعامل شيء في مقابلة عمله، فإذا كان له شيء في مقابلة عمله من ثمر يؤكَل، أو ثمر لا يؤكَل لكنه مقصود يُنْتَفَع به، أو من قطع الشجر نفسه عند تكامل نموه فلا مانع من المساقاة.
فإن قلت: ما مثال الشجر الذي ينطبق عليه ما قال المؤلف، ويش مثاله؟
طالب: النخل.
الشيخ: النخل، له ثمر يؤكَل، العنب له ثمر يؤكَل، الرمان، الفواكه، كلها لها ثمر يؤكَل، هل يُشْتَرَط في المأكول أن يُقْتَات؟ يعني أن يكون قوتًا مُدَّخَرًا؟ الجواب: لا.
(لَهُ ثَمَرٌ يُؤْكَلُ، وَعَلَى ثَمرَةٍ مَوْجُودَةٍ)، تصح المساقاة على ثمرة موجودة، بأن يكون صاحب البستان بعد أن أثمر النخل انسحب من النخل، عجز عن إتمام سقيه إلى أن يَجُذَّه، فاتفق مع شخص على أن يعمل على هذا النخل بالسقي والإصلاح بجزء من الثمرة، يجوز ولّا لا؟
يجوز، أقول: المساقاة على أيش؟ على الثمرة، يعني معناه أنه لا فرق بين أن يسلِّمه الشجر قبل أن يثمر، وبين أن يسلمه إياه بعد الثمر.
(وَعَلَى شَجَرٍ يغْرِسُهُ وَيَعْمَلُ علَيْهِ حتى يُثْمِرَ)، يعني: ويجوز أيضًا على شجر ليس له ثمر الآن، لكن له ثمر في المستقبل، يعمل عليه هذا العامل حتى يثمر، فالمساقاة إذن ثلاثة أنواع أو ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن تكون على شجر يُثْمِر، لكن في حال عدم الثمر يجوز ولّا لا؟
طالب: نعم.
(1/5018)
________________________________________
الشيخ: مثل بعد أن جُذَّت النخيل وخلت من الثمرة ساقاه عليها لسنوات مستقبلة، يجوز، وإن كان الثمر حين العقد غير موجود.
الصورة الثانية: أن يدفع إليه الشجر وفيه الثمرة.
الصورة الثالثة: أن يطلب منه أن يَغْرِس؛ أن يساقيه على شجر يغرسه، فيقول: ساقَيْتُك على مئة نخلة تغرسها في هذه الأرض وتقوم عليها حتى تثمر بنصف ثمرتها، يجوز ولّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يجوز، لكن قيمة الشجر على مَن؟
طلبة: على المالك.
الشيخ: على صاحب الأرض، على المالك؛ لأن هذا الشجر سيعود إليه فتكون قيمته عليه.
فيه صورة رابعة: لو ساقاه على الشجر بكل الثمرة، قال: لك كل الثمرة، فالمذهب أن هذا لا يجوز، والصحيح أنه جائز بلا شك؛ لأنه إذا جازت المساقاة بجزء من الثمرة جازت بكل الثمرة؛ لأن ذلك أَحَظّ للعامل.
ولو ساقاه على أن يعمل ولا شيء له من الثمر؟ فالمذهب أيضًا لا يجوز، ليش؟ لأن العامل ما ربح شيئًا، ولكن لو قيل بالجواز لكان له وجه؛ لأن العامل تبرَّع بنفسه، يعني يعمل في هذا البستان، نعم قد يقال: إذا قلنا بالجواز هنا فيجب أن تكون مؤونة الموادّ على مَن؟
طلبة: على المالك.
الشيخ: على المالك، على صاحب الشجر؛ لئلَّا نجمع على العامل بين الخسارة المالية والبدنية؛ ولأن هذا مجهول؛ إذ لا يُدْرَى ماذا يستحقه النقل من المواد.
أنا مثلًا عندي نخل وساقَيْتُ عليه شخصًا، قلت: خذ النخل هذا اعمل فيه، قال: والله أنا عارف إنك محتاج، ولكن أن باعمل فيه بدون مقابل، عرفتم الآن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ترى عكس الذي قلنا: إن الصحيح جوازه، وهو أن يدفع إليه النخل وله الثمر كله، هذا بيعمل في النخل والثمر كله لصاحب المال، لصاحب النخل، هذا لا يجوز على المذهب.
(1/5019)
________________________________________
وأقول: لو قيل بالجواز بشرط أن تكون المواد على صاحب النخل، النخل يحتاج إلى لقاح، طُلْعة ( ... ) الذي يُشْتَرَى بالدراهم ويوضع في الثمرة، يحتاج إلى مِسْحَاة يُصَرّ فيها الماء، وربما يحتاج إلى رشاشات، ربما يحتاج إلى آلة يصعد بها إلى الشجرة، وتسمى عندنا الْكَرّ، لكنه ليس ضد الفَرّ.
على كل حال لو قلنا بالجواز في هذه الصورة فيجب أن يقيَّد بأن تكون المواد على مَن؟
طلبة: على المالك.
الشيخ: على المالك، ليش؟ لأن هذا العامل الذي تبرَّع ببدنه ليعمل في نخلك قد يتصور أن المؤونة قليلة، وتكون أكثر مما يتصور، قد يقول: هذه النخلة تحتاج إلى عشرة ريالات من اللقاح، ولكنها بعد ذلك يتبين أنها تحتاج إلى عشرين ريالًا أو أكثر، فلذلك إن قلنا بالجواز فيجب أن يقيَّد بأن تكون المؤونة على مَن؟
طلبة: على المالك.
الشيخ: على صاحب المال، إي نعم.
طالب: ( ... ).
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سبق لنا أن المساقاة هي: دفع شجر لمن يعمل عليه بجزء من ثمرته، سواء كان الشجر قد أثمر أو بعد إثماره.
وسبق لنا أن هذه المعاملة نوع من المشاركة، وأنه يلاحَظ فيها ما يلاحَظ في الشركة مما سبق بأن يُشْتَرَط للعامل جزء من الثمرة مشاع معلوم، وسبق لنا أنها من الأمور الجائزة لا المحرمة، وسبق لنا أيضًا دليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عامَل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع (1).
وأن النظر الصحيح يقتضي حِلَّها؛ لأن الإنسان قد يكون عنده أشجار لا يستطيع القيام عليها، ويوجد بعض الناس عنده قدرة وليس عنده بساتين، أي أنه يوجد من الناس مَن عنده بساتين ولا قدرة له على العمل بها، ومن الناس من ليس عنده وعنده قدرة على العمل، فكان من المصلحة أن يُعْطِيَ صاحبُ البساتين العاجز عن القيام عليها مَن يقوم عليها بجزء من الثمرة.
(1/5020)
________________________________________
وسبق لنا أنه يُشْتَرَط أن يكون عَلَى شجر له ثمر يُؤْكَل، وأن الشجر الذي لا ثمر له لا تصح المساقاة عليه، والشجر الذي له ثمر لا يُؤْكَل لا تصح المساقاة عليه، وأن الصحيح في هذا الجواز، وأنه يجوز أن يساقَى على شجر له ثمر لا يُؤْكَل لكنه مقصود، بل وعلى شجر ليس له ثمر لكنه يُقْطَع ويُنْتَفَع بقطعته كالثمرة.
وسبق لنا أيضًا أنه لا بد أن يكون جزء مشاعًا معلومًا، وأنه لو قال: ساقَيْتُك على هذا البستان، على أن يكون لك ثمر النخل الشرقي ولي ثمر النخل الغربي، لم تصح المساقاة، أو على أن يكون لك ثمر الشجر الذي على السواقي والبِرَك دون ثمر الشجر الذي على النواشف، فهذا أيضًا لا تصح المساقاة فيه.
وأنه لو قال: لك ثمر السُّكَّرِي ولي ثمر البَرْحِي، فإن ذلك لا يصح، وأنه لو قال: ساقيتك على مئة كيلو لك والباقي لي، أو مئة كيلو لي والباقي لك، فإنه لا يصح.
كل ذلك؛ لأن مثل هذه الشروط تؤدي إلى الْمَغْنَم أو الْمَغْرَم لأحدهما دون الآخر، والأصل في الشركة اشتراك الشريكين في الْمَغْنَم والْمَغْرَم.
ثم قال المؤلف في بيان حكم هذا العقد من الناحية الوضعية لا التكليفية؛ لأن الأحكام كما في أصول الفقه قسمان: تكليفية ووضعية، فالتكليفية هي التي يُتَكَلَّم فيها من حيث العقاب والثواب، الوضعية من حيث الصحة والفساد واللزوم والجواز، فهل المساقاة عقد جائز أو عقد لازم؟ يعني إذا عقدنا اتفاقًا بيننا على أن تكون فلاحًا في هذا النخل بجزء من ثمرته، فهل هذا العقد لازم أو جائز؟ يقول المؤلف: (وهو عقد جائز)، (وهو) أي: عقد المساقاة عقد جائز، ويش معنى جائز؟ يعني: غير لازم، يعني: يجوز للعامل والمالك الفسخ بدون عذر.
وهنا نقول: إن العقود تنقسم ثلاثة أقسام: عقد لازم من الطرفين، وعقد جائز من الطرفين، وعقد لازم من أحد الطرفين جائز من الطرف الآخر.
العقد اللازم ما لا يمكن فسخه إلا بسبب أو تراضٍ من الطرفين، واضح؟
طلبة: نعم.
(1/5021)
________________________________________
الشيخ: العقد اللازم ما هو؟ ما لا يمكن فسخه إلا بسبب أو تراضٍ من الطرفين، وإلا فليزم كل واحد منهما أن يَفِيَ به، مثل البيع والإجارة، البيع لا يمكن لأحدنا فسخه إلا برضى من الطرفين أو بسبب من الأسباب التي تُبِيحُ الفسخ.
الوكالة عقد جائز من الطرفين، يجوز للوكيل أن يفسخ الوكالة، ويجوز للموكِّل أن يفسخ الوكالة، ولا إثم في ذلك، لا على الوكيل ولا على الموكِّل، العقد اللازم من أحد الطرفين دون الآخر هو ما كان فيه الحق لأحد الطرفين، فلمن له الحق الفسخ، ومن عليه الحق فهو لازم في حقه ليس له الفسخ، مثل الرهن، الرهن لازم من طرف الراهن، جائز من طرف المرتهن، لماذا؟ لأن الحق فيه للمرتَهِن وعلى الراهن، فالراهن لا يمكنه فسخه، والمرتَهِن يمكنه فسخه.
مثال ذلك: استقرضت منك مئة درهم وأرهنتك سيارة، الرهن من قِبَلي أنا أيها الراهن لازم، ما أستطيع أني أفسخه، ومِن قِبَلِك جائز، فإنه يجوز لمن استقرضت منه وأرهنته السيارة أن يقول: قد فسخت الرهن فتصرف في سيارتك كيف شئت، أما أنا –الراهن- لا أستطيع أن أفسخ الرهن؛ لأنني لو فسخته لقال المرتهن: فسخك هذا يضيع حقي، فليس لك حق في الفسخ.
فصارت العقود الآن من حيث اللزوم والجواز ثلاثة أقسام: لازم من الطرفين، وجائز من الطرفين، ولازم من طرف جائز من طرف.
المساقاة هل هي كالإجارة فتكون عقدًا لازمًا، أو كالوكالة فتكون عقدًا جائزًا؟
المؤلف رحمه الله يرى أنها عقد جائز من الطرفين، فلكل واحد منهما الفسخ، كل واحد له أن يفسخ، العامل ومَن؟
طالب: المالك.
(1/5022)
________________________________________
الشيخ: والمالك، مثاله: أعطيت هذا العامل بستاني على أن يعمل فيه على النصف، نصف الثمرة، فأخذ البستان، ولما مضى شهر أو شهران قال: والله أنا هَوَّنْت، العمل شاق وبيتعبني وهَوَّنْت. فقال المالك: كيف تُهَوِّنه؟ أنت الآن فَوَّتَّنِي الزبائن؛ لأنه معروف أن المساقاة لها وقت معين، يعني الموسم موسم المساقاة معروف، عند جذاذ النخل مثلًا تكون المواسم، قال: أنت الآن فَوَّتَّنِي المواسم، قال: والله أنا ما أستطيع، خلاص، له أن يفعل؟
طلبة: له.
الشيخ: إي نعم، على القول بأنها عقد جائز له أن يفعل.
فسخنا بناءً على طلبه، ثم عاد إليَّ وقال: أنا عملت في بستانك، حرثت ووجَّهت الماء، وسقيت النخل لمدة شهرين، أَعْطِنِي الأجرة، فماذا أقول؟ أقول: ليس لك شيء، الفسخ جاء من قِبَلِك فليس لك شيء، كَمِّل ولك السهم الذي اتفقنا عليه.
ولهذا يقول المؤلف: (وَهو عَقْدٌ جَائِزٌ لكل منهما فسخها، فَإِنْ فَسَخَ المالكُ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فلِلعَامِلِ الأُجْرَةُ، وَإِنْ فَسَخَها هُوَ -أي العامل- فَلَا شَيْءَ لَهُ).
إذا فسخها هو، أي العامل، له الأجرة ولّا لا؟ ليس له الأجرة؛ لأنه هو الذي أسقط عمله بنفسه، وإن فسخها المالك فللعامل الأجرة؛ لأنه فَوَّت ثمرة عمل العامل باختياره، وهذا إذا كان قبل ظهور الثمرة، فإن كان بعد ظهور الثمرة فإنها تنفسخ، لكن يلزم العامل إتمام العمل وله أجرة المثل، أجرة المثل في إتمام العمل، وإن كان من المالك فكذلك، نقول: يصح وللعامل أجرة المثل.
وقال بعض العلماء: إنه إذا كان بعد ظهور الثمرة أُلْزِمَ العامل بإتمام العمل، وصار على ما شرطَاه.
(1/5023)
________________________________________
القول الثاني في أصل المسألة: أن المساقاة عقد لازم كالإجارة، وبناء على هذا القول يتعيَّن تعيين المدة، فيُقال: ساقيتك على سنة أو سنتين أو ثلاث سنين، أو ما أشبه ذلك؛ لأن العقد اللازم لا بد أن يُحَدَّد حتى لا يكون لازمًا مدى الدهر، فعلى هذا القول -القول بأنها عقد لازم- يتعين تعيين المدة، ولا يمكن لأحد منهما فسخها ما دامت المدة باقية، فإن تعذَّر العمل عليه لمرض أو غيره أُقِيمَ مَن يقوم بالعمل على نفقة مَن؟
طلبة: العامل.
الشيخ: العامل، وله السهم المتفَق عليه، وهذا القول الثاني هو الصحيح؛ أنها عقد لازم، وهو الذي عليه عمل الناس اليوم، فإنهم يعتبرون المساقاة عقدًا لازمًا.
وربما يُسْتَدَلّ لذلك بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لأهل خيبر عاملهم بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع، وقال: «نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا». (2)
يعني: نُقِرُّكُم ما شئنا من الإقرار، وأنتم ما دمتم باقين فعلى المعاملة، ولأننا لو قلنا بأنها عقد جائز، لزم من ذلك الضرر، وكثر النزاع والخلاف بين الناس، وكل ما يتضمَّن الضرر أو يُفْضِي إلى النزاع والخصومة بين الناس فإن الشارع يمنع منه، ولأن العامل لو قلنا بأن العقد جائز ربما يتحيل، فيأتي إلى صاحب الملك ويأخذ منه الملك مساقاةً في موسم المساقاة، فإذا زال الموسم جاء إلى المالك وفسخ، وكذلك بالعكس؛ ربما يكون المالك أعطى العامل هذا الملك ليعمل فيه، فإذا زادت الأسهم للمُلَّاك فسخها، يعني تكون الْمُلّاك عند موسم المساقاة تكون رخيصة بالنسبة لأهل الملك، فإذا زادت أسهم الملك فيما بعد قال للعامل: قد فسخت، وأجرة مثلك أعطيك إياها، واضح؟
طالب: نعم واضح.
الشيخ: كأنه ما هو واضح لبعض الإخوان؟
طالب: ما اتضح يا شيخ.
(1/5024)
________________________________________
الشيخ: إذا قلنا بأنها عقد جائز وأعطى المالك بستانه لعامل يعمل عليه بالنصف؛ نصف للمالك، ونصف للعامل، في أثناء هذه المدة ارتفعت الأسهم، وصار مثل هذا البستان إذا أُعْطِيَ مساقاةً يعطَى المالك الثلثين، والعامل الثلث، ماذا يصنع المالك إذا كان عقدًا جائزًا؟
طلبة: يفسخ.
الشيخ: يفسخ، يذهب إلى العامل ويقول: والله أنا فسخت، وأجرة مثلك أعطيك إياها؛ لأنه يعرف أنه سيربح السدس إذا فسخ، واضح الآن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: على كل حال القول المتعيّن والصواب هو أن المساقاة عقد لازم، وأنه يتعين فيها تحديد المدة.
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (وَيَلْزَمُ العَامِلَ كُلُّ ما فِيهِ صلاحُ الثَّمَرَةِ؛ من حَرْثٍ وسَقْيٍ وزِبَارٍ وتَلقِيحٍ وتشْمِيسٍ وإِصْلاحِ موضعِهِ وطُرُقِ الماءِ وحصادٌ –أو: وحصادٍ، بالجر، جائزة بالوجهين- ونحوِه).
كل ما فيه صلاح الثمرة فهو على العامل، وكل ما فيه حفظ الأصل فهو على المالك، ولهذا قال: (وعلى ربِّ المَالِ ما يُصْلِحُهُ)، يعني ما يحفظ الأصل، (كسَدِّ حَائِطٍ، وإِجْرَاءِ الأَنْهَارِ، والدُّولابِ وَنَحْوِهِ).
نمشي مع المؤلف ثم نذكر القول الراجح في هذه المسألة.
قال: (كُلُّ ما فِيهِ صلاحُ الثَّمَرَةِ من حَرْثٍ) الحرث تصح به الثمرة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: معلوم؛ لأن حرث الأرض وتقليبها يؤدي إلى ظهور طعم الأرض في الشجر، وبالتالي إلى إصلاح الثمرة.
(وسقي) فيه صلاح الثمرة ولّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ما فيه شك فيه صلاح الثمرة.
(وزِبَار) ويش هو الزبار؟ الزِّبَار يقول الشارح: إنها قطع الأغصان الرديئة، ويش تسمى عندنا؟
طالب: التحسين.
الشيخ: لا، اللي يقطعون الأغصان الرديئة في العنب؟
طالب: التقليم.
الشيخ: التقليم أظن، هذا يَلْزَم العامل، وكذلك بالنسبة للنخل يلزم العامل قص الجريد اليابس مثلًا، ويلزمه أيضًا قلع القنوان الفاسدة كالتي يكون فيها السوس وشبهه، المهم كل ما يعود إلى إصلاح الثمرة.
(1/5025)
________________________________________
(التلقيح) يلزم العامل، وشراء اللقاح على المالك، والتلقيح على العامل، فإن كان البستان فيه فحول فعلى العامل أن يأخذ من هذه الفحول ليلقح بها النخل.
يقول: (وتشميس)، تشميس أيش؟ تشميس الثمر؛ لأنه جرت العادة بأنه إذا جُذّ النخل وُضِع الثمر في مكان شامِس من أجل أن يَيْبَس، فالتشميس على مَن؟
طلبة: على العامل.
الشيخ: على العامل.
(وإِصْلاحِ موضعِهِ)، أي موضع التشميس، وهو ما يسمى بالبَيْدَر، يُصْلِح الموضع، ينظفه ويكسوه بالأسمنت أو شبهه؛ ليكون نظيفًا، حتى إذا وضع الثمر عليه لم يتلوَّث.
قال: (وطُرُق الماء)، السواقي، هو الذي يصلحها –العامل- وكذلك تصريف الماء وتعديله من مكان إلى مكان، كله على العامل.
(وحصاد)، الحصاد أيضًا على العامل، وهذا في المزارعة، والجذاذ يقول الفقهاء: إنه عليهما بقدر حصتَيْهِمَا، بخلاف الحصاد، فجذاذ النخل على العامل والمالك بقدر حصتيهما؛ إذا كان أنصافًا فعلى العامل النصف وعلى المالك النصف، وقيل: إن الجذاذ على العامل كالحصاد.
قال: (وعلى رب المال ما يُصْلِحُه كسد حائط)، ( ... ).
والباقي أعيان، في المسألة الأولى الباقي من رأس المال، هذا الفرق بينهما، فالتنضيض يكون للجميع.
[شركة الوجوه]
(فصل. الثالث: شَرِكَةُ الوُجُوهِ)، الوجه هنا ليس الوجه الذي في الرأس، المراد بالوجه الجاه، وجاه الإنسان يعني شرفه وقيمته عند الناس ومنزلته بينهم.
فشركة الوجوه يعني الشركة التي مبناها على الجاه؛ على جاه الشريكين.
قال: وهي (أَنْ يَشْتَرِيَا فِي ذِمَّتَيْهِمَا بِجَاهَيْهِمَا، فَمَا رَبِحَا فَبَيْنَهُمَا)، هذان رجلان ليس عندهما مال، فقراء، لكن لهم جاه عند الناس وهما معروفان بالصدق والأمانة، فذهبَا إلى صاحب محل كبير، وقالَا له: بِعْ علينا كذا وكذا، أو أقرضنا دراهم، فأقرضهما دراهم، أو باع عليهما سيارات أو أطعمة، أو ما أشبه ذلك.
(1/5026)
________________________________________
اتفقا على أن يأخذَا بجاهيهما ويعملَا بهذا المال الذي أخذاه، وما ربحَا فبينهما، هذه نسميها شركة الوجوه، اشتركَا بماذا؟ اشتركَا ببدن، صح؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لكن المال من غيرهما، وبهذا يحصل الفرق بينها وبين شركة العِنَان؛ لأن شركة العنان كما سبق يُحْضِر كل واحد منهما مالًا من عنده ويشتركان فيه، أما هذه فهما فقراء ليس عندهما مال، لكن اشتريَا شيئًا بذمتيهما أو استقرضَا شيئًا ثم اشتريَا به بذمتيهما، فتسمى هذه شركة الوجوه، بمعنى الجاهات، ليس معنى الوجوه اللي في الرؤوس.
فإن قال قائل: هل هذا أمر مشروع وجائز أو لا؟ يعني أصل هذه المسألة هل ينبغي للإنسان أن يعمل هذا العمل؟
نقول: سبق لنا أنه لا ينبغي للإنسان أن يستَدِين؛ لأن هذا يُثْقِل كاهله، وربما لا يقدر على قضاء الدَّيْن فيما بعد، فهذان الرجلان اللذان اشترَكَا بجاهيهما، لنفرض أنهما ذهبَا إلى رجل تاجر واشتريَا منه عشر سيارات، كل واحدة قيمتها ثلاثون ألفًا، كم صار عليهما؟ عشر سيارات من ثلاثين ألف، ثلاث مئة ألف.
هذان فقيران متى يحصل لهما ثلاث مئة ألف؟ ربما يتَّجِرَان بهذه السيارات ويبيعانها على أناس مُعْدِمين؛ لأن بعض الناس يجلبه الطمع، يأتيهم رجل فقير ويقول: هذه السيارة أنتم اشتريتموها بثلاثين ألفًا، أنا بأخذها منكم بخمسة وأربعين ألفًا إلى سنة، يقولو: خمسة عشر ألفًا في سنة واحدة، النصف، خذ. ويأتي الثاني ومثله، وهؤلاء الذين أخذوا السيارات معدمين فقراء.
إذن الشريكان اللذان اشتريَا بجاهَيْهِمَا يقيَا مشغولي الذمة، فيحصل بهذا ضرر عظيم، لهذا نقول: إن شركة الوجوه، وإن كان الفقهاء رحمهم الله يقولون: هذه شركة الوجوه، ويجوِّزونها في الأصل، لكنها لا تنبغي؛ لأنها خطر على الإنسان أن يُرْهِق نفسه بالديون، ثم تتلف عليه، وليس له وفاء.
(1/5027)
________________________________________
فإن قال قائل: أنا بأشتري شيئًا قليلًا، كما يوجد مثلًا عند أهل الْخُضَر الآن، يأتي اثنان يشترون لهم مثلًا عشرة سطول بعشرين ريالًا، من الريالين، ويبيعوهم من أربعة، يصلح؟
طلبة: نعم يصلح.
الشيخ: هذا يصلح، وهذا أمر بسيط، وربما يفتح الله بها رزقًا كثيرًا.
الخلاصة أن شركة الوجوه أن يشتركَا بَدَنَانِ بمال يأخذانِه من غيرهما بجاهِهِمَا، فما ربحَا فبينهما.
قوله: (ما رَبِحَا فبينهما) حسب الشرط.
بقي عندنا الملك؛ ملك هذه الشركة.
قال المؤلف رحمه الله: (والملك بينهما على ما شرَطَاه)، يقول: (وَكُلُّ وَاحِدٍ منهُمَا وَكِيلُ صَاحِبِهِ وكَفِيلٌ عَنْهُ بِالثَّمَنِ) إلى آخره.
هذا الرجلان اشتريَا المال من شخص على أنهما شريكان فيه، سوف يتصرفان في المال، ولّا لا؟ كل واحد منهم يتصرف فإنه يتصرف بالوكالة في نصيب شريكه، وبالأصالة في نصيبه، هذه من جهة، بالنسبة للرجل الذي أعطاهم المال ما موقفهما أمامه؟ موقفهما أن كل واحد منهما كفيل عن الآخر بمعنى أنه لو قُدِّرَ تلف هذا المال فلصاحبه أن يطالب كل واحد منهما.
فإن قال أحدهما: إننا اتفقنا على أن يكون المال بيننا نصفين، فلا تطالبني إلا بالنصف الذي علَيّ؟
فالجواب: يقول: لا، أنتما كل واحد منكما كفيل عن الآخر؛ لأنني ما بعت إلا عليكما جميعًا، والله أعلم.
( ... ) نحن في القسم الثالث من الشركة، وهي ( ... ) تكون خسارة وكيف يكون الربح؟
قال المؤلف رحمه الله في بيان ذلك: (الملك بينهما على ما شرَطَاه).
فإذا قال أحدهما للثاني: سنشتري من صاحب المحل الكبير هذا سنشتري منه سيارات نترزَّق الله فيها، على أن يكون لي الثلث، ولك الثلثان، يصح ولَّا ما يصح؟
طلبة: يصح.
الشيخ: وافق الثاني يصح.
قال: على أن يكون الملك بيننا، يصح؟
طلبة: نعم.
الشيخ: أنصاف يعني.
طالب: إي نعم.
الشيخ: على أن يكون لك الربع ولي ثلاثة أرباع؟
طلبة: يصح.
(1/5028)
________________________________________
الشيخ: يصح، الدليل؟ نقول: عندنا دليل عام؛ وهو أن الأصل في المعاملات أيش؟
طلبة: الحِلّ.
الشيخ: الحِلّ حتى يقوم دليل على المنع، هذا هو الأصل، بخلاف العبادات فالأصل فيها المنع حتى يقوم دليل على الإذن.
دليل آخر: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (3)، فيكون على ما اشترطَاه.
ممكن أن نقول دليلًا آخر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، فما تعاقد عليه الناس يجب الوفاء به.
الأمر الثاني: الوضيعة، يعني الخسران على قَدْر ملكَيْهِما، فإذا اتفقَا على أن يكون لأحدهما الربع وللآخر ثلاثة أرباع، وخسرَا، فالخسارة تكون بينهما أرباعًا، على صاحب الربع ربعه، وعلى صاحب الثلاثة أرباع ثلاثة أرباع.
لو قال: لي الربع ولك ثلاثة أرباع، والخسارة أنصافًا، لا يجوز؛ لأننا حينئذ نحمِّل صاحب الربع أكثر من خسارة ماله، وتحميلنا إياه أكثر من خسارة ماله معناه إضافة شيء من ماله إلى مال الآخر، ولّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: وهذا أكل للمال بالباطل، ننظر الآن، إذا قلنا: لك ثلاثة أرباعه ولي ربعه، خسرنا أربع مئة، وقد قلنا: إن الخسارة أنصافًا، يكون على صاحب الربع؟
طالب: مئتان.
الشيخ: زيادة، فمعنى ذلك أننا اقتطعنا من ماله شيئًا أضفناه إلى مال الآخر، بدل ما يكون على صاحب ثلاثة الأرباع ثلاث مئة صار عليه مئتان، ولّا لا؟ وهذا لا يجوز، لماذا؟ لقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188].
فأنت إذا حَمَّلْت صاحب الربع إضافة من الخسارة اللي عليك فقد أكلتَ مالًا بالباطل، فيكون هذا حرامًا.
(1/5029)
________________________________________
الربح، يقول المؤلف: (على ما شَرَطَاه)، لا على قَدْر المال، لماذا؟ لأن الربح قد يكون نتيجة للعمل، ولا ريب أن الناس يختلفون في العمل، في النشاط فيه، في الحذق، هذا أيضًا ربما يسافر وهذا لا يسافر، المهم أن الربح على ما اتفقَا عليه، فإذا اتفقا على أن الملك بينهما، اشتريا من هذا التاجر بضاعة على أن الملك بينهما أنصافًا، جائز؟
طلبة: نعم.
الشيخ: جائز، على ما شَرَطَاه، قال: وعليك من الخسارة الثلثان، وعلَيَّ الثلث؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لأن الخسارة على قدر المال، قال: ولك من الربح الثلث ولي الثلثان؟
طلبة: جائز.
الشيخ: هذا جائز؛ لأن الربح يعود أحيانًا إلى العمل، ولهذا نعطي المضارب يعمل، والمال كله مني، وله نصف الربح مثلًا.
إذن هذه الأمور الثلاثة: الملك، والوضيعة التي هي الخسارة، والربح، نقول فيها كما يلي: الملك على ما شَرَطَاه، الربح على ما شَرَطَاه، الوضيعة على قَدْر المال لا على ما شَرَطَاه، فإن قالَا: الخسارة على قدر مَالَيْنَا، تكون الخسارة على ما شَرَطَاه؟
طالب: نعم.
طالب آخر: لا.
طلبة آخرون: على قدر ملكه.
الشيخ: انتبه الآن، قال: الخسارة على قدر مَالَيْنَا؟
طلبة: صحيحة.
الشيخ: إذا كانوا أثلاثًا يبقى الخسارة أثلاثًا، يصح الشرط ولّا لا؟
طلبة: يصح.
الشيخ: يصح، ويكون هذا الشرط من باب؟
طالب: اللغو.
الشيخ: ما هو لغو، من باب التوكيد، يعني ما هذا إلا توكيد للعقد، كما لو بعت عليك هذا الشيء واشترطت على أني أنتفع بالثمن، وأنت اشترطت على أن تنتفع بالمبيع، ويش يصير هذا؟ تأكيد ولّا لا؟
طالب: تأكيد.
الشيخ: تأكيد إي نعم.
[شركة الأبدان]
يقول المؤلف رحمه الله: (الرابع شركة الأبدان)، شركة الأبدان ما فيها مال، ليس عندهما مال يشتركان فيه ولا أَخَذَا مالًا من غيرهما بجاههما، إنما اشتركَا في أبدانهما.
(1/5030)
________________________________________
قال المؤلف وهي: (أَنْ يَشْتَرِكا فِيمَا يَكْتسِبانِ بأبْدَانِهِمَا)، إذن هذان الشريكان ليس عندهما مال، أو عندهما مال لكن لا يريدان أن يشتركَا في المال، وهذه تكون بين النَّجَّارين والحدادين والحطابين والحرَّاثين، وغيرهم ممن يعملون بالبدن، ويشتركون في الْمَغْنَم.
قال: (فَمَا تَقبَّلَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ عَمَلٍ يَلزَمْهُمَا فِعْلُهُ) نقول: (يلزمْهما) بالجزم؛ لأن (يلزمهما) جواب الشرط، كيف ذلك؟ (ما) شرطية، و (تقبل) فعل الشرط، و (يلزم) جواب الشرط، يعني فأي عمل تقبَّلَه أحدهما يلزم الشريكين فعلُه، قلت: إنه يلزم الجزْم هنا، مع أنه من الناحية العربية يجوز الرفع، كما قال ابن مالك:
وبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ
وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ
فهنا (تَقَبَّل) ماضٍ، فيجوز أن نرفع المضارع الذي هو جواب الشرط، لكننا لو رفعنا جواب الشرط هنا لأوهم أن تكون جملة (يلزمهما) صفة لـ (عمل)، يكون التقدير: (فما تقبَّله أحدهما من عمل لازمٌ فعله لهما)، وهذا يُخِلّ بالمعنى، أما إذا قلنا بالجزم يلزمهما فإنه يزول هذا الاشتباه.
على كل حال معنى العبارة أن أحد الشريكين المشترِكَيْن في الأبدان إذا تقبَّل عملًا لزمهما جميعًا فعله، فلو أن رجلين اشتركَا في نِجَارة، وفتحَا محلًّا، وجاء شخص من الناس إلى أحدهما واتفق معه على أن يصنع له عشرة أبواب، وذكر الأبواب، وصح عقد الإجارة، هل يطالِب الشريكين جميعًا بتنفيذ هذا الاتفاق؟
طلبة: نعم.
الشيخ: أو يكون الاتفاق بينه وبين أحدهما فقط؟
طلبة: يلزمهما جميعًا.
الشيخ: يلزمهما جميعًا، يطالب الذي باشر العقد والذي لم يباشر؛ لأن هذا هو مقتضى الشركة، وإلا لو قلنا: إنه لا يطالب إلا مَن باشر العقد، لم يكن للشركة فائدة أبدًا، ولهذا قال المؤلف: (فَمَا تَقبَّلَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ عَمَلٍ يَلزَمْهُمَا فِعْلُهُ).
(1/5031)
________________________________________
إذا اشترك اثنان في صناعة واحدة كنَجَّارَيْنِ فتحَا محلًّا واشتركَا فيه، فالأمر ظاهر، لكن هل تَصِحّ الشركة مع اختلاف الصنائع؟ كأن يكون أحدهما نجارًا والآخر حدادًا، واشتركَا، فهل يصح؟
هذا محل خلاف بين العلماء؛ منهم من قال: إنه لا يصح الشركة مع اختلاف الصنائع؛ لأنه لا يمكن إلزام أحدهما بصنعة لا يعرفها فيما لو تعذَّر التنفيذ مع العاقد.
ومنهم من قال: تصح مع اختلاف الصنائع، وإذا تعذَّر تنفيذ الاتفاق مع أحدهما أُلْزِمَ الآخر بأن ينفِّذَه، وإن لم يكن على يده، فليستأجر مَن ينفِّذه ويقوم به، انتبهوا.
هذا الأخير هو المذهب؛ أنه يصح الاشتراك مع اختلاف الصنائع، فنفتح مثلًا ورشة كبيرة فيها حدادة ونجارة وسباكة، وكل ما يمكن من الصنائع، ويكون الشيء بيننا أيش؟ مشتركًا، فمثلًا هذا حداد يصنع الأبواب، وهذا نجار يصنع الدواليب، وهذا زَجَّاج يصنع الزجاج، وهذا صاحب ألمونيوم، كل واحد منا خمسة أو ستة له صنعة خاصة، فيصح الاشتراك، ويكون ما قدَّره الله من الربح بيننا.
واستمع يقول المؤلف: (وَتَصِحُّ في الاحْتِشَاشِ والاحْتِطَابِ وَسَائِرِ المُبَاحَاتِ، وَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُما فالكَسْبُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ طَالَبَهُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقِيمَ مُقامَهُ لَزِمَه).
(تَصِحُّ في الاحْتِشَاشِ)، وهذا عمل بدني ولّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يشترك اثنان؟
طالب: ممكن.
الشيخ: يشترك اثنان، يخرجان إلى البَرّ، يحتشان ويبيعانه في السوق، يصح، تصح أيضًا في الاحتطاب؛ يشترك اثنان في الحطب، يقول: نخرج إلى البَرّ ونحطب ونبيعه في السوق، ويكون بيننا.
سائر المباحات مثل: الصيد، المعادن، الأحجار النفيسة، السمك، وغيرها من الأشياء التي تكون بعمل البَدَن، فسواء كان العمل صنعة ومهنة كالنَّجَّارين والحدَّادِين، وما أشبه ذلك، أو كان العمل اجتناء وتحصيلًا فإنه تصح الشركة، وتسمى هذه شركة أبدان.
(1/5032)
________________________________________
قال المؤلف: (إِنْ مَرِضَ أَحَدُهُما فالكَسْبُ بَيْنَهُمَا)، يعني هذان الشريكان اشترَكَا في عمل نجارة، وتم العقد معهما على نجارة باب أو بابين، في أثناء العمل مرض أحدهما، وأَتَمّ الثاني العمل، يكون الكسب بينهما.
فإن قال العامل الذي أتم العمل: العمل الذي انفردت به لا يشاركني به الآخر، يعني الاتفاق، نضرب مثلًا ليكون أوضح، الاتفاق على بَابَيْن، لما صنع الشريكان الباب الأول مرض أحدهما، وأتم الثاني الباب الثاني، فقال الذي أتم: نحن في الباب الأول شريكان، أما في الباب الثاني فهو لي، فماذا نقول؟
نقول: هذا ليس بصحيح؛ لأن الشركة لا تنفسخ بالمرض، فالشركة إذن باقية، والأجرة بينهما على ما شَرَطَاه.
فإذا قال: كيف يَحِلّ له أن يأخذ شيئًا لم يعمل مقابله شيئًا؟
فالجواب: أن الأصل بقاء الشركة، وأن كل واحد منكما مطالَب بما التزم به الآخر، فأنتما شريكان في الْمَغْنَم، وشريكان في الْمَغْرَم.
ثم نقول له: لماذا لما رأيت أخاك قد مَرِض لماذا لم تطالبه بأن يقيم مَن يقوم مقامه؟ أليس هذا بواجب؟ نعم، نقول: كان الذي ينبغي أنك لما رأيته قد مرض طالبته بأن يقيم مُقَامه مَن يساعدك في العمل.
ولهذا قال: (وَإِنْ طَالَبَهُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقِيمَ مُقامَهُ لَزِمَه)، فإن أبى قال: خَلِّ واحدًا من قِبَلِك يشتغل معي، قال: لا، أنا إذا كنت صحيحًا عملت معك، وإلا فلا أستطيع، فللآخر فسخ الشركة، تقول: إذا كنت الآن لا تقيم معي مَن يقوم مقامك، فإنني أفسخ الشركة، وله أن يفسخ ولّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم له أن يفسخ، فإن قال قائل: كيف تُمَكِّنُونه من الفسخ وقد تم العقد بينه وبين صاحبه وهما شريكان؟
(1/5033)
________________________________________
قلنا: لكن تَعَذَّر العمل من قِبَل صاحبه، ولا يمكن أن ينفرد هذا بالعمل ونقول: إن صاحبك يشاركك، وهو لم يعمل، فله أن يفسخ، الصواب مُقامه ولا مَقَامه؟ مُقَامه؛ إذا كان من الرباعي فهو بضم الميم، وإن كان من الثلاثي فهو بفتح الميم، فتقول مثلًا: قام الرجل مَقَام أخيه، ولَّا مُقَام أخيه، قام الرجل مَقَام أخيه؛ لأنه من (قام) الثلاثي، وتقول: أَقَمْت الرجل مُقَام أخيه، ولا تقل: مَقام أخيه.
ثم قال المؤلف رحمه الله، فيه عندي بالشرح مسألة مهمة.
قال: (وإن اشترَكَا على أن يحملَا على دابَّتَيْهِما والأجرة بينهما صح)، صحيح؟ ويش مقابل الدابة في الوقت الحاضر؟
طلبة: السيارة.
الشيخ: السيارة، اتفق صاحبَا سيارَتَيْ شحن على أن يعملَا بسيارتيهما، وما رزقهما الله فهو بينهما، نقول: هذا جائز ولا بأس به؛ لأن فيه تعاونًا، ولأن أحدهما ربما يكون الحظ في أن ينصرف إلى هذا الوجه، والآخر ينصرف إلى وجه آخر، فيقول أحدهما: إذا فاتني الربح في وجهي لم يَفُتْنِي في وجه شريكي، ( ... ).
قال: ويصح دفع دابة ونحوها لمن يعمل عليها، وما رزقه الله بينهما على ما شَرَطَاه، هذه أيضًا مفيدة جدًّا، يقول: عندي سيارة وأقول لهذا الرجل السائق: خذ هذه السيارة كُدَّها، وما حصَّلت من الأجرة فبيننا على ما شرطناه، يجوز؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يجوز، ما الذي يشبه ذلك مما تقدَّم؟
طلبة: المضاربة.
(1/5034)
________________________________________
الشيخ: المضاربة، هذه تشبه المضاربة؛ لأن المضارِب يعطي المضارَب مالًا، ويكون الربح بينهما، هذا يعطيه سيارة وتكون الأجرة بينهما، وهي أيضًا من محاسن الشريعة؛ لأن الإنسان قد يكون تاجرًا وعنده أموال، وهناك أناس آخرون يُجِيدُون العمل في هذه الأموال ليس عندهم مال، فكان من محاسن الشرع أن نقول لصاحب المال: أَعْطِ هؤلاء مالك ينتفعون به ويتَّجِرُون به، ولك ربحه، فتستفيد أنت ربحًا أولى من أن يبقى مالك راكدًا، ويستفيد هؤلاء ربحًا أولى من أن يكونوا مُعَطَّلِين ليس لهم شغل.
لو قال قائل: إن هذا مجهول؛ لأن هذا الرجل الذي أخذ السيارة وصار يَكُدّ عليها يمكن يصيبها حادث في حال استعماله لها، فيذهب كل الكسب، ويش الجواب؟
نقول: كذلك المضارَبة، يمكن هذا المضارَب يعمل ويتعب ويسافر ولا يستقر، وأخيرًا يخسر المال، أو على الأقل لا يكسب، ويضيع عمله هباء، والله أعلم.
طالب: ( ... ).
الشيخ: يتحرك، أنا أعطيه دراهم ويروح يشتري مثلًا سلعًا أخرى ويبيعها ويحرِّك المال، أما هذا فالدابة ما يتصرف فيها، الدابة اللي أنا أعطيته ما يتصرف فيها لا ببيع ولا غيره.
طالب: ما ينطبق عليها وصف شركة الأبدان؟
الشيخ: لا، ما هي من الأبدان، شبيهة بالأبدان؛ لأن هذا في الواقع عَمِلَ ببدنه الذي أُعْطِيَ الدابة، إي نعم. ( ... )
***
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
آخر ما مَرّ علينا من أنواع الشركة شركة الأبدان، فما تعريفها؟
طالب: ( ... ).
[شركة المفاوضة]
الشيخ: الخامس من أنواع الشركة شركة الأملاك ولَّا العقود؟ شركة العقود، شركة المفاوَضة من فاوَض يُفَاوِض، أي: حصول التفويض من كل من الشريكين للآخر، ولهذا قال المؤلف: (أَنْ يُفَوِّضَ كُلُّ واحدٍ مِنْهُمَا إِلى صاحِبهِ كُلَّ تَصَرُّفٍ مَاليٍّ وبَدَنِيٍّ مِنْ أَنْواعِ الشَّرِكَةِ).
(1/5035)
________________________________________
شركة المفاوضة أن يجتمع اثنان يشتركان في مالَيْهِمَا، وكل واحد منهما يُفَوِّض إلى الآخر كل تصرف مالي أو بدني من أنواع الشركة، فيقول: الآن نحن شركاء، ولكل منا أن يضارب بماله لآخر، لكل منا أن يشترك ببدنه مع آخر، لكل واحد منا أن يأخذ مالًا من غيره مضاربَةً، لكل واحد منا أن يأخذ بوجهه ما يَكْفُلُه في مال الشركة.
كل أنواع الشركة السابقة وهي: المضاربة، والعِنَان، والأبدان، والوجوه، تدخل في شركة المفاوضة، إذن المفاوضة عبارة عن عقد شركة يجمع جميع الأنواع، فيقول: أنا مشترك في مالَيْنَا، فإذا عملنا في مالَيْنَا جميعًا فهي شركة أيش؟
طالب: مضاربة.
الشيخ: لا يا أخي.
طالب: عِنان.
الشيخ: عِنان، فهي شركة عنان، وإن أخذ أحدنا من شخص مالًا مضاربةً فأنا أكون شاركت غير المضاربة، يدخل الربح اللي حصل من المضاربة يدخل في الشركة، شركتنا، ويُضَمّ إلى ربحها.
عملت أنا مع غيري بالبدن، شاركت غيري بالبدن، يعني ذهبت أنا وإياه واحتطبنا مثلًا أو جنينا عسلًا، أو ما أشبه ذلك، فما حَصَّلْتُه يدخل في الشركة، المهم أن هذه الشركة عقد شامل لجميع أنواع الشركة فيما بيننا وفي تصرُّفِنَا مع غيرنا.
ولهذا قال: (كُلَّ تَصَرُّفٍ مَاليٍّ وبَدَنِيٍّ مِنْ أَنْواعِ الشَّرِكَةِ)، فهذا النوع الخامس هو أوسع الشركات، لكنه لا يخرج عن إطار أنواع الشركة، فيجمع عِنانًا، ويش بعد؟ مضاربة، وأبدانًا، ووجوهًا، كل الأنواع يشملها، وهذا في الغالب يحصل بين شريكين اتفقَا من أول الأمر كَوَّنَا رأس مال، واستمرَّا يعملان فيه، كما يوجد مثلًا في شركة الراجحي، والشركات الأخرى، ما يحضرني الآن عَدُّها، لكن هي معروفة، كل واحد من الشريكين مُفَوَّض يعمل ما شاء من أنواع الشركة.
قال المؤلف: (والرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ)، الربح على ما شَرَطَاه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». (4)
(1/5036)
________________________________________
(والوَضِيعَةُ بِقَدْرِ المَالِ)، ولا يمكن أن تكون على ما شَرَطَاه؛ لأنا ذكرنا أن القاعدة في الشركة أن الوضيعة على قدر المال، لا يمكن أن يكون على أحدهما خسارة أكثر من نسبة ماله، فإذا كان ماله بالنسبة إلى مال الشركة الربع، كان عليه من الخسران الربع فقط، لو جعلنا عليه أكثر لكان هذا حرامًا؛ لأنه يستلزم أكل المال بالباطل بغير عِوَض.
يقول المؤلف: (فَإِنْ أَدْخَلَا فِيهَا كَسْبًا أَوْ غَرامةً نَادِرَيْنِ، أَوْ مَا يَلزمُ أَحَدَهُمَا مِنْ ضَمانِ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِ فَسَدَتْ)، ويش اللي يفسد؟ تفسد الشركة، ويكون لكل واحد منهما أجرة عمله فقط؛ لأن القاعدة: إذا فسدت الشركة في كل الأنواع فللعامل أجرة عمله، على المشهور من المذهب.
وسبق لنا أن القول الصحيح أن للعامل سهمَ مثلِه لا أجرة مثله؛ لأن هذا العامل يعمل على أنه شريك لا على أنه أجير، فنقول: إذا فسدت رجعنا إلى البدل والعِوَض وهو سهم المثل لا أجرة المثل.
نرجع الآن إلى كلام المؤلف: (إِنْ أَدْخَلَا فِيهَا كَسْبًا) كسبًا نادرًا، الكسب النادر مثل: أدخل فيها الميراث، فقال: في الشركة ما حصل لنا من ميراث فهو بيننا، فهو داخل في الشركة، هذا لا يجوز، لماذا؟ قالوا: لأنه يتضمن غَرَرًا كثيرًا وجهالة كثيرة.
قد يموت لأحدهما رجل يملك ملايين الدراهم، رأس مالهم كل واحد جاب مئة، يعني اشتركوا شركة المفاوضة في مئة، وقالوا: كل ما حصل لأحدنا من شيء من كسب، وكل ما حصل على أحدنا من غرامة فهو داخل في الشركة، هذا فيه غرر وجهالة.
مات لأحدهما رجل هو عاصبه، وخلَّف مئة مليون ريال، ويش يصير؟ هذا يعني أطاح بكل الشركة، لو يقعدون ( ... ) بشركتهم يمكن مئة سنة ما حَصَّلوا مئة مليون ريال، ومع ذلك حَصَّلُوها بلحظة، نقول: هذا لا يصح.
(1/5037)
________________________________________
إذن الميراث يختص به أحدهما، الذي يرث له، ولا يدخل في الشركة، كذلك إذا أدخل فيها غرامة نادرة، يعني ما تتعلق بالعمل، مثل: قالوا: كل ما حصل على أحدنا من غرامة في الحادث فهو داخل في الشركة، هذا لا يجوز؛ لأنه ربما يحصل على أحدهما حادث يُجْحِف بكل مال الشركة، إذا قَدَّرْنا أن مال الشركة كله مئة ألف، وحصل حادث من أحدهما مات به رجل، ودية الرجل مئة ألف، إذن ذهب مال الشركة كله في هذا الحادث الذي حصل من أحدهما، فلا يجوز أن نجعل ما يَغْرَمُه الإنسان من الغرامات النادرة داخلًا في الشركة.
أما الكسب الذي ليس بنادر، والغرامة التي ليست بنادرة، فهي داخلة بالشركة بلا شك.
مثال الكسب الذي ليس بنادر كسب الإنسان من تحصيل شيء بسيط يحصل له، أو هبة يسيرة، أو هدية يسيرة كهدية الساعة والقلم والمسجِّل والراديو والأشياء البسيطة هذه، هذه لا بأس أن تُدْخَل في الشركة، أما الشيء النادر فلا يدخل في الشركة.
الغرامة التي ليست بنادرة مثل أن يحصل على أحدهما غرامة بسيطة بسبب عملٍ عَمِلَهُ غير متعلق بالشركة، وأما العمل المتعلِّق بالشركة فهذا وإن كان كثيرًا فهو داخل في الشركة.
فالحاصل أن الغُرْم الذي لا يتعلق بعمل الشركة، والكسب النادر الذي لا يتعلق بعمل الشركة، هذا لا يجوز إدخاله في الشركة.
وقال الشافعي وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري وجماعة من العلماء: إنه يجوز إدخال الكسب النادر في الشركة، ولا مانع، ما دام الشريكان قد رَضِيَا بذلك فما المانع؟ بأن يقول كل واحد منهما للآخر: ما حصل لنا من ميراث أو غيره فهو داخل في الشركة، فإنهم يقولون: إنه لا بأس بهذا.
(1/5038)
________________________________________
ولكن الذي يظهر لي أن المسألة تحتاج إلى تفصيل، فيقال فيها: ما كان داخلًا بغير فعل من الإنسان ولا اختيار فإنه ينبغي ألَّا يُدْخَل في الشركة؛ لأنه ليس له فيه عمل، وليس له فيه اختيار، مثل أيش؟ كالميراث، الميراث ليس من كسبي أنا ولا باختياري، فلا يدخل في الشركة؛ لأنني ما كسبته بعمل ولا إرادة، فهذا يبقى لصاحبه ولا يدخل في الشركة.
وما كان بكسب مني وعمل كالتقاطٍ وشبهه فهذا لا بأس أن نُدْخِلَه في الشركة، وإن كان نادرًا؛ لأن كون الإنسان يجد لقطة هو أمر نادر، لكنه يَتَمَلَّكُه باختياره ولَّا قهرًا عليه؟
طلبة: باختياره.
الشيخ: باختياره، مثال ذلك: أحد الشريكين وجد ذهبًا يساوي مئة ألف، وعَرَّفَه سنة، إذا عَرَّفَه سنة ولم يجد صاحبه يدخل في ملكه ولّا لا؟
طلبة: يدخل.
الشيخ: يدخل في ملكه، لكنه في الحقيقة حصل بفعله وباختيار منه؛ لأنه لو شاء لم يلتقط هذه اللقطة، والميراث لا يأتي فيه مثل ذلك، فهذا نقول: إنه يدخل في الشركة؛ لأنه من جنس الاحتشاش والاحتطاب والاصطياد وشبهه، دخل ملكه بفعله، ويش بعد؟ واختياره.
القسم الثالث: ما كان باختياره دون فعله، مثل أن يُوهَب له هبة، فهنا الهبة لا تدخل في ملكه إلا بقبولها، فهذه يحتمل أن نُلْحِقَها بالميراث، ويحتمل أن نُلْحِقَها بالالتقاط وشبهه، فليُنْظَر إلى أيهما أقرب، هل هي أقرب إلى الميراث، أو أقرب إلى ما ملكه بفعله واختياره؟
طالب: ( ... ).
(1/5039)
________________________________________
الشيخ: نعم، يحتمل، إنما إن قلنا بأنها أقرب إلى الأخير صح إدخالها في الشركة، ونقول: ما قَبِلَهُ أحدهما من هبة وأدخله في الشركة فلا بأس؛ لأن هذا دخل في الشركة باختياره كسبًا وتشريكًا، وإن قلنا: إنه يشبه الميراث؛ لأن هذا الموهوب له لم يعمل أي عمل، قلنا بأنه لا يجوز إدخال ذلك؛ لأن هنا جائز إذا أدخل فيها ما يُوهَب لأحدهما أن يأتي شخص ويَهَب له المال الكثير، فإذا قلنا: لا بد أن يدخل في الشركة ويكون صاحبك شريكًا لك فيه، فقد يُجْحِف به.
على كل حال أصل المسألة فيها للعلماء أيش؟
طلبة: قولان.
الشيخ: قولان، أحدهما: جواز إدخال الكسب النادر؛ لأن كل واحد منهما اختار ذلك، سواء كان هذا الكسب النادر بتَمَلُّكٍ قهري، أو بتملك اختياري، وسواء كان بفعل الإنسان أو بغير فعله.
والقول الثاني: أنه لا يجوز إدخال الأكساب النادرة، فإن أُدْخِلَ فيها الكسب النادر فسدت ولم تصح؛ لأن أصل الشركة مبنية على الاشتراك في أنواع الشركة الأربعة، لا في كل شيء، ولكن القول الراجح عندي كما أسلفت لكم: إن هذه الأكساب تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: أكساب قهرية لا إرادة للإنسان فيها ولا فعله، فهذه لا تدخل في الشركة، ولا يجوز اشتراط دخولها.
الثاني: ما يحصل بفعل من الإنسان وإرادة مثل الالتقاط؛ اللُّقَطَة يجدها الإنسان فيأخذها وينشدها سنة كاملة، ولا يوجَد صاحبها فتكون له.
القسم الثالث: ما أخذه بهبة ونحوها مما تملَّكَه بإرادته واختياره، فهذا مُتَرَدِّد بين القسمين؛ فإما أن نُلْحِقَه بالقسم الأول؛ الميراث، أو بالقسم الثاني؛ الالتقاط، هذا بالنسبة إذا أدخل فيها كسبًا نادرًا، ولكن لو قيل -على القول بالفساد-: إنه يفسد الشرط دون العقد، لو قيل بفساد الشرط دون العقد لكان له وجه، يعني رجلان اشتركَا شركة مفاوضة ..
(باب المزارعة)
(فصلٌ)
(1/5040)
________________________________________
وتَصِحُّ الْمُزارَعَةُ بجُزْءٍ معلومِ النسبةِ مِمَّا يَخْرُجُ من الأرضِ لرَبِّها، أو للعاملِ , والباقي للآخَرِ، ولا يُشْتَرَطُ كونُ البَذْرِ والغِراسِ من ربِّ الأرضِ، وعليه عَمَلُ الناسِ.
(باب الإجارة)
تَصِحُّ بثلاثةِ شُروطٍ: مَعرفةُ الْمَنفعةِ كسُكْنَى دارٍ وخِدمةِ آدَمِيٍّ وتعليمِ عِلْمٍ.
الثاني: مَعرِفةُ الأُجرةِ وتَصِحُّ في الأَجِيرِ والظِّئْرِ بطعامِهما وكِسْوَتِهما، وإن دَخَلَ حَمَّامًا أو سفينةً أو أَعْطَى ثوبَه قَصَّارًا أو خَيَّاطًا بلا عَقْدٍ صَحَّ بأُجرةِ العادةِ.
الثالثُ: الإباحةُ في العينِ , فلا تَصِحُّ على نَفْعٍ مُحَرَّمٍ , كالزنا والزَّمْرِ والغناءِ , وجَعْلِ دارِه كنيسةً أو لبَيعِ الخمرِ، وتَصِحُّ إجارةُ حائطٍ لوَضعِ أطرافِ خَشبِهِ عليه، ولا تُؤَجِّرُ المرأةُ نفسَها بغيرِ إذنِ زَوْجِها.
(فصلٌ)
ويُشترَطُ في العينِ المؤجَّرَةِ مَعرفتُها برؤيةٍ أو صِفةٍ في غيرِ الدارِ ونحوِها، وأن يَعْقِدَ على نَفْعِها دونَ أجزائِها، فلا تَصِحُّ إجارةُ الطعامِ للأكلِ ولا الشمْعِ ليُشْعِلَه ولا حيوانٍ ليَأْخُذَ لبَنَه إلا في الظِّئْرِ، ونقْعِ البِئْرِ وماءِ الأرضِ يَدخلانِ تَبَعًا.
لأن هذا يحفظ الأصل.
كذلك أيضًا: إجراء الأنهار إذا كانت البلاد تشرب من الأنهار فإن إجراء ماء النهر إلى المكان على المالك.
ومثل أيضًا: حفر الآبار تكون على المالك، وكذلك الدولاب ونحوه تكون على المالك، الدولاب ويش؟ دولاب الكتب اللي عندي؟
طلبة: لا.
الشيخ: الدولاب الذي يُستخرج به الماء، والأخ يمكن يشرحه لنا.
طالب: المكائن.
الشيخ: لا، المكائن ما هي بدواليب.
الطالب: لا، لكن هو ( ... ).
الشيخ: إي هذا هو، اشرحه لإخوانك.
طالب: هو فيه يا شيخ حاجات تسمى ( ... ).
الشيخ: المؤلف، اللي ما ذكره هو. عرفتم الدولاب الآن؟
(1/5041)
________________________________________
الدولاب: عبارة عن صفائح مثل التنك، مربوط بعضها ببعض بالجنزير، وفيها تدور على ترس، هذا الترس اتجاهه إلى البئر، أنا شاهدته في بعض الآبار عندنا قديمًا، اتجاهه إلى البئر؛ الترس، يعني قال هكذا يدور، وهذا اللي فيه الصفائح اللي كالتنك في الترس تدور طبعًا.
الترس هذا المستقيم هكذا على البئر فيه ترس آخر قال هكذا، واضح الآن؟ هذا الترس اللي هكذا قائل على البئر الذي تدوره إما إبل ولا بغال ولا حمير له خشبة على الدائر، فإذا استدارت استدار هذه المكرة اللي فيها الأتراس، ثم الأتراس هذه متداخلة بالأتراس التي على البئر، إذا دارت هذه دارت الأخرى، ثم هذه السلسلة من الصفائح تنزل إلى البئر وتغرف الماء، تخرج ممتلئة وتنزل فاضية، هذه الممتلئة تكب في حوض مجبى ماء، تكب فيه الماء ويمشي.
طالب: مثل السواني.
الشيخ: لا ما هي مثل السواني، أحسن من السواني؛ لأنها تحمل أكثر من السواني ماء، وتدور.
على كل حال هذا الدولاب، بدلًا من الدولاب الآن ما يعرفه الأخ وهي؟
طالب: المكائن.
الشيخ: المكائن الآن تكون على من؟
طالب: المالك.
الشيخ: على المالك، هو الذي يؤمن المكائن، هذا ما قاله المؤلف في هذا الباب.
والصحيح أنه يلزم كل واحد منهما ما جرى به العرف، هذا الصحيح.
فنبدأ أولًا بالعرف: فما جرى به العرف فهو الذي يلزم كل واحد منهما؛ لأن الشرط العرفي كالشرط اللفظي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (1)، فما جرى به العرف أنه على العامل فهو على العامل، وما جرى به العرف أنه على المالك فهو على المالك.
والمعروف عندنا الآن أن المكائن على من؟ على المالك ولَّا على العامل؟
طلبة: على المالك.
الشيخ: إي على المالك، إذن ماشي على ما قال المؤلف، اللقاح؟
طلبة: على العامل.
الشيخ: على العامل، ما هو التلقيح، اللقاح على العامل هذا اللي جرى به العرف، واضح؟
(1/5042)
________________________________________
فالصواب أن ما جرى به العرف يرجع إليه، فإن لم يوجد عرف فحينئذٍ ربما نرجع إلى ما قاله الفقهاء -رحمهم الله- ونقول: إن ما يعود بحفظ الأصل يكون على المالك، وما تعود مصلحته إلى الثمرة يكون على العامل.
طالب: يقدم الشرط.
الشيخ: يقدم الشرط؛ لأن هذا ما له حد شرعي، يرجع إلى ما اعتاده الناس وما شرطوه ( ... ).
سبق لنا في (باب المساقاة) ما يلزم العامل وما يلزم المالك، وأن ذلك يعود إلى أمرين؛ فما يحفظ الأصل ويصلح الأصل فهو على المالك؛ لأن الأصل له وسيبقى، وما يحفظ الثمرة فهو على العامل؛ لأن العامل ينمي الثمرة، وله منها نصيب بقدر ما اشترط، وليس له نصيب في الأصل.
سبق لنا أنه لا بد أن يكون السهم جزءًا مشاعًا معلومًا، وأنه لو ساقاه على أنه له ثمر السكري والآخر ثمر الشقر مثلًا فإن المساقاة لا تصح، وعلى أن له هذا الجانب وللآخر الجانب الآخر لا تصح؛ لأن المشاركة مبناها على الاشتراك في الغنم والغرم، فإذا عين لأحدهما جزءًا فإنه لا يكون الآخر شريكًا له في غنمه وغرمه، فيكون فاسدًا.
***
[باب المزارعة]
المزارعة هي: دفع أرض لمن يزرعها بجزء من الزرع، ولا بد أن يكون جزءًا مشاعًا معلوم النسبة، فخرج بقوله: (بجزءٍ) ما لو دفع الأرض لمن يزرعها بدون جزء، فهذا على ظاهر كلام المؤلف لا يصح.
وهو نعم لا يصح على سبيل المزارعة، لكن على سبيل المنحة يصح بلا شك، فإذا كان عند شخص أراض بائرة لا تزرع، وجاءه صديق له أو فقير وقال: خذ هذه الأرض ازرعها لمدة سنة أو سنتين، أو ازرعها ولا يقيد بسنة ولا سنتين فإن هذا جائز بلا شك، وهو يشبه المنيحة التي جاءت بها السنة أن يعطي الإنسان شاته أو بقرته أو بعيره لمن ينتفع بدره.
لو جعل الزرع كله للمالك يجوز أو لا؟
طلبة: ما يجوز.
الشيخ: نعم، ظاهر كلام المؤلف أنه لا يجوز؛ لأنه لا بد أن يكون بجزء، فإن جعل كله للمالك لم تصح.
(1/5043)
________________________________________
فنقول: نعم هي لا تصح المزارعة؛ لأن المزارعة نوع من المشاركة، لكن تصح استخدامًا، بمعنى أن هذا الرجل يقول: أنا ما لي شغل وأنا أحسن الزراعة وأنت رجل غالٍ عندي ورجل لا تستطيع أن تبث بأرضك وتحرثها، فأنا سأقوم بها مجانًا كرامة لك ومعونة لك على الفائدة، فهل يمكن أن نقول: إن هذا حرام؟ لا، نقول: هذا رجل تبرع بعمل لهذا الشخص جزاه الله خيرًا، لكنها لا تصح على سبيل المزارعة؛ لأن المزارعة مفاعلة لا بد فيها من اشتراك.
قال المؤلف: (بجزء معلوم النسبة) يعني بأن يقال: ثلث، ربع، خمس، وما أشبهه، فإن قال: خذ هذه الأرض ازرعها ولك بعض الزرع، الآن بجزء -المزارعة بجزء- لكن غير معلوم النسبة فلا تصح، لا بد أن يكون معلوم النسبة.
فإن قال: خذ هذه الأرض مزارعة بمئة صاع مما يخرج منها لك والباقي لي؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؛ لأنه ليس بمشاع، ولا بد أن يكون مشاعًا كنصف وثلث وربع ونحوه، لماذا لا يصح بمئة صاع لك والباقي لي؟ لأن هذه الأرض قد تنتج آلاف الأصواع، فيكون العامل إذا كانت مئة الصاع له يكون غارمًا وخاسرًا، وقد لا تنتج إلا مئة الصاع، فيكون المالك خاسرًا غارمًا، لكن إذا قلت بنصف ما يخرج منها وأنتجت مئة صاع استوى المالك والمزارع في النقص، وإذا جاءت مئات الأصواع استوى المالك والمزارع بالمغنم.
يقول المؤلف رحمه الله: (بجزء) مشاع (معلوم النسبة مما يخرج من الأرض لربها أو للعامل والباقي للآخر) يعني يشترط الجزء إما لرب الأرض أو للعامل، فيقول: أعطيتك هذه الأرض مزارعة بالثلث لك، شرط الآن لمن؟
طلبة: للعامل.
الشيخ: للعامل، يكون الثلثان الباقيان لرب الأرض.
أعطيتك هذه الأرض مزارعة بالثلثين لك، يكون شرط الآن للعامل، والباقي وهو الثلث للمالك.
(1/5044)
________________________________________
المهم ما دام الحق بين شخصين فإنه إذا عين حق أحدهما فالباقي للآخر، وهذا نظير قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» (2)، فإذا كان هذا صاحب الفرض معينًا له نصيبه نعطيه إياه والباقي يكون لصاحب التعصيب.
قال: وإن شُرط للعامل فالباقي لرب الأرض. عندكم هذا متن ولَّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: شرح الظاهر.
قال: (ولا يُشترط كون البذر والغراس من رب الأرض وعليه عمل الناس).
قوله: (ولا يُشترط) إذا قال قائل: لماذا نفى المؤلف أن يكون هذا شرطًا، مع أن مجرد سكوته عن اشتراطه يدل على أنه ليس بشرط، انتبه لهذه الفائدة! يعني أحيانًا تأتي في كتب الفقهاء، نفي شيء السكوت عنه معلوم لأنه لو كان ثابتًا لذكروه، يقال: إن هذا يؤتى به فيما إذا كان هذا المنفي مثبتًا عند بعض العلماء، فيأتي بنفيه لئلا يتوهم واهم أن السكوت عنه لا يدل على انتفائه، أما فهمتم؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يعني لو أننا ما قرأنا العبارة، وقال لنا قائل: هل المؤلف يرى أنه يشترط أن يكون البذر في المزارعة والغرس يعني الشجر في المغارسة على رب المال أو لا يرى ذلك؟ قلنا: لا يرى ذلك، لماذا؟ لأنه لم يذكره شرطًا، فعدم ذكره شرطًا يدل على أنه لا يرى، لكن فيه احتمال أنه يراه، أما إذا نفى وقال لا يشترط فهو صريح في أنه لا يراه.
هنا يقول المؤلف: (ولا يُشترط كون البذر من رب الأرض) وهذا في المزارعة، فإذا أعطيتك الأرض لتزرعها على النصف فمن الذي يأتي بالحب؟ الذي يأتي بالحب هو المزارع، يعني العامل، أما رب الأرض فلا يشترط أن يأتي بالبذر، فإن جاء به فلا بأس لكنه ليس بشرط.
في المغارسة، المغارسة: أن أبتاع الأرض لشخص يغرسها بأشجار وله جزء من هذه الأشجار، هل يشترط أن آتي أنا بالأشجار أو يجوز أن يأتي بها العامل؟ يرى المؤلف أنه يجوز أن يأتي بها العامل ولا بأس بذلك.
(1/5045)
________________________________________
يقول: (لا يُشترط كون البذر والغراس من رب الأرض)، (كون البذر) في أيها؟ في المزارعة، والغراس: في المغارسة، وهذه المغارسة غير المساقاة، لا يشترط أن يكون من رب الأرض.
قال: (وعليه عمل الناس) يعني أن الناس ما زالوا يدفعون أراضيهم لمن يزرعها ولا يعطونه الحب الزرع، ويدفعون الأرضين لمن يغرسها ولا يعطونه الغراس، وعمل الناس على هذا من غير نكير يدل على أنه ليس بشرط، وقد يدعى فيه الإجماع ما دام عمل الناس منذ زمن قديم على هذا من غير نكير، فقد يدعى فيه الإجماع، إنما كون الناس يتعاقبون على العمل به من غير أن ينكر عليهم يدل على قوته.
ولنأتِ بالدليل على ما قال المؤلف؟ الدليل على ما قال المؤلف سلبي وإيجابي:
ما هو السلبي؟ السلبي: أن نقول: الأصل عدم الشرط، وأن العقود بين المسلمين جائزة بدون شرط، هذا هو الأصل، ولهذا من منع عقدًا من العقود نقول: ائتِ بالدليل، ومن منع عقدًا من العقود إلا بشرط قلنا أيضًا: ائتِ بالدليل؛ لأنه إذا كان منع العقد من أصله يحتاج إلى دليل، فمنع وصف في العقد يحتاج أيضًا إلى دليل؛ لأن منع العقد إلا بوصف أو شرط هو في الحقيقة منع لكنه ليس منعًا مطلقًا، بل منعًا مقيدًا بحالة، وهي عدم وجود الشرط. ما أدري الكلام هذا مفهوم ولَّا لا؟
لو جاءنا جاءٍ وقال: المزارعة حرام ممنوعة، ماذا نقول له؟ نقول: هات الدليل؛ لأن الأصل في غير العبادات الحل، نقول: هات الدليل.
ولو جاءنا جاءٍ وقال: المزارعة جائزة ولكن بشرط أن يكون البذر من المالك، من رب الأرض؟ نقول أيضًا: هات الدليل، لماذا؟
أولًا: لأن الأصل إذا ثبت جواز العقد فالأصل عدم الشرط فيه، هذه واحدة.
ثانيًا: أننا إذا أضفنا شرطًا إلى حله معناه أو مقتضاه أننا نمنع هذا العقد عند عدم وجود الشرط، وهذا يقتضي أن هذا العقد ممنوع في بعض الأحوال، صح ولَّا لا؟
(1/5046)
________________________________________
فنقول: منعك إياه في بعض الأحوال، وهو عند تخلف هذا الشرط يحتاج إلى دليل، فصار من اشترط شرطًا للعقود فإننا نطالبه بالدليل من وجهين:
الوجه الأول: نقول: الأصل عدم الشرط، فهات دليل على إثباته.
ثانيًا: نقول: إنك إذا وضعت شرطًا فإنك تمنع هذا العقد في حال تخلف الشرط، وهذا يقتضي أن العقد ممنوع عندك أنت في بعض الأحوال، فهات الدليل على منعه.
إذن نقول: اشتراط أن يكون البذر من رب الأرض يحتاج إلى دليل. ودليلنا هنا سلبي ولَّا إيجابي؟
طلبة: سلبي.
الشيخ: سلبي؛ لأننا نقول: الدليل أنه لا يشترط عدم الدليل، الدليل عدم الدليل، يعني الدليل عدم الشرط عدم الدليل على أنه يشترط.
فيه دليل إيجابي على أنه لا يشترط أن يكون البذر والغراس من رب الأرض، الدليل الإيجابي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر حين فتحها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع (3).
وهل أعطاهم البذر والغراس؟ لا، ما أعطاهم ذلك، ولو كان شرطًا لأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم البذر والغراس، وهذا دليل إيجابي.
الدليل الإيجابي فيما دليله سلبي: نحتاج إليه للتقوية من جهة، وللتنصيص عليه من جهة أخرى، لماذا؟ لأن الدليل السلبي دليل عام، قد يأتي متحذلق مجادل فيحاول أن يخرج هذا العقد من العموم، الدليل الإيجابي: نص لا يمكن لأي متحذلق أو مجادل أن ينفي هذا الدليل الإيجابي.
خلاصة القول الآن: المزارعة: أن يدفع الإنسان أرضًا لمن يزرعها بجزء معلوم النسبة مما يخرج منها، واضح؟ هي عقد جائز ولَّا لازم؟
طالب: جائز.
طالب آخر: لازم.
الشيخ: على كلام المؤلف هي عقد جائز، والصحيح أنها عقد لازم كالمساقاة، وبناء على أنها عقد لازم لا بد من تحديد مدة.
ثانيًا: هل يشترط أن يكون البذر من رب الأرض؟ فيه خلاف: المذهب عندنا المشهور من مذهب الحنابلة أنه شرط، والصحيح أنه ليس بشرط، وهو الذي مشى عليه صاحب المتن، ولهذا أشار إلى نفي هذا الشرط؛ لأن المشهور من المذهب اشتراطه.
(1/5047)
________________________________________
الحكمة من جواز المزارعة والمساقاة وما أشبه ذلك؟ الحكمة ظاهرة وهي أن الإنسان قد يعجز عن تصريف ماله والقيام عليه، فيدفعه لمن يقوم بذلك، وقد يكون هناك رجل عامل قادر لكن ليس عنده أرض ولا مال، فيحتاج إلى أن يأخذ الأرض من غيره ليبثها ويعمل فيها.
طالب: الدليل الإيجابي؟
الشيخ: الدليل الإيجابي أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعط أهل خيبر شيئًا من البذر أو الغراس.
لدينا غراس، مساقاة، مزارعة، الفرق بينهم المساقاة على الثمر، والمغارسة: على الشجر، والمزارعة: على الزرع، هذا الفرق بينهما.
فإذا دفعت إليك أرضًا لتغرسها بجزء من الغراس، قلت: اغرس هذه الأرض ولك نصف النخل، نسمي هذه مغارسة.
عندي نخل أو سأبث نخلًا في هذه الأرض، وقلت: اعمل في هذا النخل بثلث ثمره، هذه مساقاة، المزارعة أن أعطيك أرضًا لتزرعها أو أعطيك أرضًا قد نبت زرعها على أن تقوم عليه بجزء منه، هذه تسمى مزارعة، وكلها لا بد أن يكون الجزء المشروط معلوم النسبة.
هل تجوز إجارة الأرض بدراهم معلومة لمن يزرعها والزرع كله له؟ يجوز؛ لأنني أجرت له الأرض على أن يستغل منفعتها، كما لو أجرت له السيارة ليركبها يومًا أو يومين أو ليوصل بها حملًا إلى مكان معين، وتسمى هذه إجارة ولا مزارعة؟
طلبة: إجارة.
الشيخ: تسمى إجارة، هل يجوز أن أوجر شخصًا النخل بدراهم معلومة والثمر كله له؟
طلبة: لا يجوز.
طلبة آخرون: يجوز.
الشيخ: يجوز جزمًا؟
طلبة: إي نعم.
الشيخ: إي، هذه فيها خلاف، فالمشهور من المذهب أنه لا يجوز، قال: لأنه يؤدي إلى بيع الثمرة قبل ظهورها وقبل بدو صلاحها، ولأن الثمرة مجهولة، قد يعطيه هذا العامل عشرة آلاف ريال ثم لا يخرج من النخل إلا شيء قليل لا يساوي خمسة آلاف ريال، فيكون المسكين غارمًا وأنا الذي غنمت.
(1/5048)
________________________________________
وقال بعض العلماء: إن كان البياض من الأرض أكثر من النخل جاز؛ لأنه يجوز تأجير الأرض لمن يزرعها، فلما كان الأكثر البياض -الذي يكون زرعًا- صار الحكم للأكثر، وهذا اختيار ابن عقيل من أصحابنا رحمهم الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: يجوز مطلقًا سواء كان الشجر أكثر أم بياض الأرض أكثر. واستدل لذلك بأن الأصل في العقود الحل، وبأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضمن حديقة أسيد بن الحضير، ضمنها شخصًا يقوم عليها بدراهم معلومة أوفى بها غرماء أسيد (4). واضح؟
أسيد بن الحضير كان مدينًا، فجاء أهل الديون يطلبونها منه وليس عنده شيء، قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عند أسيد بستان، وضمنه شخص، قال: خذ هذا البستان مثلًا عشر سنوات بعشرة آلاف، أعطني عشرة آلاف الآن لنوفي بها ديون أسيد وأنت استغل هذا البستان لمدة عشر سنوات، والفاعل هذا هو عمر، وعمر رضي الله عنه له سُنة متبعة، ثم لم يظهر معارض يعارض عمر في ذلك.
فاستدل شيخ الإسلام على هذا بدليلين: الدليل الأول: عام، والدليل الثاني: خاص.
وقولهم: إن النخل قد يثمر وقد لا يثمر، نقول: وكذلك الزرع، ألستم تجيزون أن يؤجر الأرض من يزرعها بدراهم معلومة قالوا: بلى، طيب ربما يزرع ويتعب ويحرث ثم لا تنبت، وربما تنبت ثم يفسد الزرع، وربما تنبت ويحصل على الزرع آفة من برد أو ماء كثير يغرقه، فالخطر الموجود في الثمر -ثمر النخل- كالخطر الموجود في زرع الأرض ولا فرق. فالصواب إذن ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقد بدأ الناس أخيرًا يفعلون ذلك وإلا فإنهم كانوا بالأول لا يفعلون؛ بناء على المشهور من المذهب، فإن المذهب يفرقون بين تأجير الأرض للزراعة وبين تأجير النخل للاستثمار ( ... ).
***
وأصحابه أجمعين.
سبق لنا ثلاثة أمور فيما يتعلق بالزروع والأشجار، وهي: المغارسة، والمساقاة، والمزارعة.
فما الفرق بين كل واحدة والأخرى؟ ( ... ).
(1/5049)
________________________________________
مقدار الحد المزروع، خسر المزارع بدنيًّا وماليًّا، ولنفرض أنه زرع خمس مئة صاع، وجاء الزرع يعني خمس مئة صاع من الحب، وجاء الزرع خمس مئة صاع فقط، كم بيروح من الخمس مئة؟ بيروح مئتين وخمسين مثلًا لصاحب الأرض، وهذا خسر -المزارع- خسر مئتين وخمسين، وخسر أيضًا العمل والتعب، فيكون ربح هذا المالك بغير حق؛ لأنه أخذ من المزارع جزءًا من ماله بدون أي عمل، ما عمل شيئًا، ويكون هذا المالك غانمًا، والمزارع غارمًا، يكون غارمًا.
وهذا الحقيقة لولا الحديث -حديث معاملة خيبر- لكان القول قول من يقول بأنه لا بد في المزارعة من أن يكون الحب من صاحب الأرض. عمل الناس اليوم ليس إلا على ما مشى عليه المؤلف.
***
[باب الإجارة]
ثم قال المؤلف: (باب الإجارة).
الإجارة مأخوذة من الأجر، وهو العوض المقابل بعمل يسمى أجرًا.
ولهذا يسمى ثواب العمل أجرًا، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 185].
وهي نوع من البيع، الإجارة نوع من البيع، ولهذا يحرم عقد الإجارة في المسجد كما يحرم عقد البيع، ويحرم عقد الإجارة بعد نداء الجمعة الثاني كما يحرم عقد البيع؛ لأنها نوع من البيع، فهي بيع المنافع في الواقع.
الإجارة تكون على أعيان، أي: على منافع الأعيان وعلى أعمال.
مثال الأول: استأجرت منك السيارة لمدة عشرة أيام أو للحج عليها، هذا عقد على أيش؟ على منفعة عين.
عقد على عمل: استأجرتك على أن تعمل بمزرعتي لمدة يومين أو ثلاثة أو شهر أو شهرين، هذا عقد على أيش؟ على عمل. وسيأتي أقسامها إن شاء الله تعالى في كلام المؤلف.
عقد الإجارة: جائز بدلالة القرآن والسنة وإجماع الأمة:
أما القرآن فإن الله سبحانه وتعالى يقول عن المرأتين اللتين سقى لهما موسى: إنهما قالتا لأبيهما: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26].
(1/5050)
________________________________________
وأما في السنة فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استأجر عبد الله بن أريقط على أن يدله على الطريق من مكة إلى المدينة.
وأما إجماع المسلمين فمعلوم.
وأما النظر والقياس فلأن الحاجة داعية إلى ذلك، قد أحتاج إلى سيارة تحملني إلى الرياض وليس عندي قيمتها، لكن عندي أجرتها، أملك خمس مئة ريال أستأجر بها هذه السيارة، لكن قيمة السيارة، كم قيمتها؟ عشرون ألف ريال، ليس عندي عشرون ألف ريال، فالحاجة داعية إلى ذلك.
الذي يحتاج هو المستأجر ولَّا المؤجر؟
طلبة: المستأجر.
الشيخ: المستأجر والمؤجر، المستأجر حاجته معلومة، والمؤجر أيضًا حاجته معلومة؛ لأنه يقول: كوني أؤجر مثل هذه السيارة ولا تبقى معطلة ليس فيها فائدة، فلما كانت المصلحة أو الحاجة داعية إليها من الطرفين أباحها الشرع.
فيكون الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، كلها دالة على جواز الإجارة.
لكن لا بد لها من شروط، وكل عقد من العقود يذكر له شروط فإنه لا بد أن نستدل لكل شرط من هذه الشروط، وإلا فإن الأصل عدم الشروط.
الأصل حل الشيء على الإطلاق، هذا الأصل، ولهذا كل من ادعى في عقد بيع أنه حرام، قلنا له: هات الدليل؛ لأن الأصل في عقد البيع الحل، وكل من ادعى حرمة في عقد إجارة نقول له: هات الدليل؛ لأن الأصل في العقود الحل.
ولهذا أقول لكم: إن الشروط التي يقولها العلماء -رحمهم الله- في العقود لا بد لها من دليل وإلا فإنها لا تقبل.
الإجارة لها شروط، يقول المؤلف: (تصح بثلاثة شروط) أفادنا المؤلف بقوله: (تصح) إلى أن الإجارة تقع صحيحة وتقع فاسدة، فما وافق الشرع منها فصحيح، وما خالف الشرع ففاسد، وإذا فسدت الإجارة فإنه لا يترتب عليها ما جاء في العقد، بل يثبت فيها أجرة المثل.
ثم هل تكون يد المستأجر يد أمانة أو يد غصب؟ سبق لنا هذا في القواعد قواعد ابن رجب، وذكرنا أن الصحيح أن يده يد أمانة؛ لأنه قبضها من صاحبها برضاه.
يقول: (تصح بثلاثة شروط).
(1/5051)
________________________________________
أحدها: (معرفة المنفعة) لا بد أن تكون المنفعة المعقود عليها معلومة، أما إذا كانت مجهولة فإنها لا تصح، ما الدليل؟
الدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} [المائدة: 90، 91].
وجه الدلالة: أنه إذا كانت المنفعة مجهولة صارت من الميسر؛ لأن المستأجر وكذلك المؤجر بين غانم وغارم للجهالة، ثم إنها إذا كانت مجهولة ستحدث الخصومة أو المخاصمة والمنازعة المؤدية إلى العداوة والبغضاء.
أما دلالتها من السنة فهو حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر (5)، وكل مجهول فهو غرر، والإجارة -كما أسلفنا- نوع من البيع.
العلم يكون إما بالعرف وإما بغير العرف، بالعرف مثل سكنى الدار: استأجرت منك هذا البيت للسكنى، كيف السكنى، ويش هي السكنى هذه؟
طلبة: الإقامة.
الشيخ: ما هي السكنى؟ السكن، لكن ويش معناها: إني أستعمل المطبخ مطبخًا، والمعشى معشى، والقهوة قهوة وإلى آخره، ولا أخلي المعشى مربط حمير؟ !
طالب: على العرف.
الشيخ: على العرف هذا، لو مثلًا استأجر مني البيت، لما دخلت عليه ولا حاط من المحل مجلط، حاط مثلًا حوش غنم، وحاط لي القهوة حاطها مربط حمير، وحاط من الصالة حوش بقر، يصلح هذا ولَّا لا؟
لو قال: أنا استأجرت منك البيت فملكت منفعته، ولي أن أنتفع فيه بما شئت، ويش أقول له؟
أقول: استأجرت مني البيت للسكنى، والسكنى يرجع فيها إلى العرف، فهل من عرف الناس أن هذا الرجل الذي استأجر مني البيت يسكن فيه الدواب والمواشي؟
(1/5052)
________________________________________
لا، لكن لو استأجرت مني حوشًا تبغي تحط فيه الغنم، وجيت ولقيتك حاطت فيه غنم أو حاطت بقر أو حاطت إبل يصلح؟
طلبة: لا.
الشيخ: ليش؟ لأن هذا هو العرف، لكن لاحظوا أنه لو استأجره مني أن يكون حوش مثلًا للغنم وحط فيه بقر هل يجوز ولَّا لا؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: أيهما أشد تأثيرًا على الحوش؟
طلبة: الغنم.
طلبة آخرون: البقر.
الشيخ: أيهم أشد؟ من اللي عنده بقر وغنم منكم؟ أنت عندك شيء؟
طالب: نعم.
الشيخ: أيهم أشد؟
الطالب: الغنم يا شيخ.
الشيخ: أشد الغنم ليش؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: كيف ذلك؟
طالب: البقر أهدى.
الشيخ: البقر أهدى! والله ما أدري، أنا أخشى أن البقر ( ... ) الباب من ..
طالب: تكسر الباب.
الشيخ: وتكسر الباب.
طالب: يقولون: البقر بقرة ( ... ).
الشيخ: على كل حال تأملوا هذا ( ... ).
***
السلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم لنا أن الإجارة هي العقد على منفعة العين أو على عملها، وأنها جائزة بالكتاب والسنة والإجماع، والقياس يعني النظر الصحيح، وبينا أدلة ذلك، فمن القرآن؟ ( ... ).
طيب يخدمه بأيش؟ لازم يبين ويش الخدمة هذه، تخدمني مثلًا تذهب معي إلى المسجد، تذهب معي إلى السوق، تذهب معي إلى المكتبة وما أشبه ذلك أو ما حاجة نبين هذا؟
طالب: لا حاجة.
الشيخ: نقول: لا حاجة؛ لأن مرجع ذلك إلى العرف ( ... ).
إلى بيانه، فلو استأجره للخدمة قال: يلا الآن عندي مزرعة احرثها، وعندي مصنع اصنع فيه، وعندي ورشة صلح فيها السيارات هل يملك ذلك؟
طلبة: لا يملك.
الشيخ: انتبهوا يا جماعة، هو استأجره للخدمة، وصار يشغله بالمزرعة، والورشة، وبالمصنع، وبكل شيء، نقول: لا يملك هذا؛ لأن هناك فرقًا بين العامل والخادم، فإذا استأجره للخدمة فإنه لا يمكن ( ... ).
(1/5053)
________________________________________
لأن هذا مما لم تجر العادة به، لا سيما إذا نص على شيء معين من العمل فإنه لا يملك أن يجعله في غيره؛ لأن بعض الناس عاد يأتون بالعمال الآن -كما يجري الشكوى كثيرًا من العمال- يأتون به ليكون مهندسًا لأنه يجيد الهندسة، ثم يقول: يلا ( ... ) في المزرعة، يقول: ما أعرف في المزرعة، ما أعرف كيف ( ... ) ما أعرف كيف أعدل ولا أعرف كيف أحرث، نقول: لا، هذا نقول: حرام عليه ولا يجوز لأنه دخل معه بعقد على شيء معين فلا يمكن أن يلزمه بغيره.
الثالث: قال (وخدمة آدمي، وتعليم علم) هذا أيضًا مما تصح الإجارة عليه، ولكنه عمل، يقول: استأجرتك على أن تعلم ولدي مادة الحساب لأنه أكمل فيها، فأبغي استأجرك على أن تعلمه هذه المادة يجوز ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يجوز ولا بأس به، ولكن كيف نقدر هذا العمل؟ هل نقدره بالزمن، أو نقدره بالعلم؟
نقول: يجوز أن نقدره بالزمن وهو أحوط، أو أن نقدره بالعلم، لكن تقديره بالعلم فيه صعوبة؛ لأن هذا المعلَّم -الولد- ربما يهمل فيحتاج في تعليمه إلى زمن طويل، لكن إذا قدر بالزمن بأن أقول: استأجرتك تعلم ابني مادة الحساب كل يوم ساعتين، فهذا يكون أضبط وأسلم من النزاع، واضح؟
كذلك أيضًا يجوز أن يستأجره للدلالة على شيء معين، بأن يقول: استأجرتك لتدلني طريق مكة، طريق المدينة، هذا أيضًا جائز؛ لأنه عمل، استأجرتك لتبني هذا الجدار يجوز، لتسلك هذا البيت يجوز، المهم أنه لا بد من معرفة أيش؟ المنفعة المعقود عليها، وذكرنا الأدلة في ذلك.
(الثاني: معرفة الأجرة) ودليل ذلك هو دليل اشتراط معرفة المنفعة؛ لأن الأجرة أحد المعقود عليها، فالإجارة فيها عقد على المنفعة بأجرة، فالأجرة إذن معقود عليها فلا بد من العلم بها.
فلو قال: استأجرت منك هذا البيت بما في هذا الكيس من الدراهم، يجوز ولَّا لا؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لأن الأجرة مجهولة فلا تجوز ( ... ).
( ... ) مثلًا أسلاك أو تمزق فيه شيء فعليك إصلاحه؟
طلبة: لا يجوز.
(1/5054)
________________________________________
الشيخ: ليش؟
طلبة: مجهولة.
الشيخ: مجهولة صحيح؛ لأنه قد يتلف منه شيء كثير، وقد يتلف منه شيء قليل، وقد لا يتلف منه شيء، واضح؟ فالأجرة إذن مجهولة فلا تصح.
قال: (وتصح في الأجير والظئر بطعامهما وكسوتهما).
(وتصح في الأجير والظئر)، الأجير واضح، الرجل المستأجر أو المرأة المستأجرة (بطعامهما وكسوتهما).
الظئر هي المرضعة، يصح أن نستأجر امرأة لترضع ولدي بطعامها وكسوتها؛ انتبهوا الآن فعندنا الطعام والكسوة هل هو معلوم ولَّا غير معلوم؟ هو معلوم بالعرف وليس معلومًا بالتعيين، فإذا استأجرت أجيرًا بطعامه قلت: اعمل عندي اليوم بغدائك وعشائك يجوز ولَّا لا؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز، لكن هذا الرجل قد يأكل كثيرًا وقد يأكل قليلًا؟
طلبة: العرف.
الشيخ: نعطيه كفايته، ولكن هل نعطيه من أعلى أنواع الطعام أو من أدونه أو مما جرت به العادة؟ نقول: مما جرت به العادة، فلو طلب أعلى الطعام ما نعطيه، ولو أعطيناه أدنى الطعام لكنا ظلمناه، فنعطيه ما جرت به العادة للعمال ويكفي.
طيب والمرأة المرضعة؟ كذلك، إنسان استأجر امرأة ترضع طفله على أن يقوم بطعامها وكسوتها، نقول: هذا أيضًا لا بأس به، والمرجع في ذلك إلى العرف، فكما رجعنا إلى العرف في تقدير المنفعة فيما سبق كخدمة آدمي وسكنى الدار نرجع أيضًا إلى العرف في تقدير الأجرة.
هل يجوز أن نستأجر حيوانًا لأخذ لبنه بطعامه والقيام عليه؟ ظاهر كلام المؤلف أنه لا يجوز؛ لأنه خص الأجير والظئر بطعامهما وكسوتهما، وظاهره أن ما سواهما لا يصح، وهذا هو المشهور من المذهب.
والصحيح أن ذلك جائز وأنه يجوز للإنسان أن يستأجر بهائم غيره بطعامها وشرابها وما يصلحها؛ لأنه لا فرق بين استئجار هذه المرأة لترضع الطفل بطعامها وكسوتها أو استئجار هذه الشاة لأخذ لبنها لمدة أسبوع مثلًا بالقيام عليها بعلفها وسقيها وما أشبهها.
فالصواب أن ذلك جائز كما هو جائز في الظئر.
(1/5055)
________________________________________
قال المؤلف: (وإن دخل حمامًا، أو سفينة، أو أعطى ثوبه قَصَّارًا، أو خياطًا بلا عقد؛ صَحَّ بأجرة العادة).
إذا دخل الإنسان حمامًا بلا عقد فإنه يصح بأجرة العادة؛ وذلك لأن صاحب الحمام لم يضع هذا الحمام إلا من أجل أن ينتفع الناس به ويأخذ عليهم الأجر، ولو شاء ألا يدخله أحد لأغلق بابه، وهكذا كل المصالح العامة المفتوحة لعموم الناس، إذا دخلها الإنسان بلا عقد فإنه يصح لكن بأجرة المثل.
فهذا مثلًا حمام قد بناه صاحبه يأتي الناس إليه فيتحممون به، فجاء رجل فدخل وجد الباب مفتوحًا ودخل وتحمم وخرج بدون عقد، هل هذا جائز أو لا؟
الجواب: جائز، وعلى هذا الذي استعمل الحمام عليه أجرة المثل، فإذا كان الرجل البالغ بعشرة، والصغير بخمسة، وهذا رجل بالغ يأخذ عشرة منه، فإن قال: أريد خمسة عشر لم يعط ذلك؛ لأن هذا يرجع فيه إلى العادة والمثل.
كذلك سفينة، سفينة راسية على الميناء يريد صاحبها أن إلى مصر مثلًا، فالناس يأتون ويدخلون بدون عقد للسفر إلى مصر، يجوز ولَّا لا؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز ويعطى أجرة المثل.
ومثل هذا عندنا النقل الجماعي، النقل الجماعي: يقف ويأتي الناس يدخلون ويركبون ويحاسبهم على أجرة المثل.
وكذلك أصحاب التاكسي، وجدت مثلًا صاحب تاكسي في المكان الذي يسافر منه الناس وركبت ولم تقطع معه أجرة ولا عقدًا، فيصح بأجرة المثل.
وهذه قاعدة عامة، في كل من وضع شيئًا ينتفع به الناس على سبيل العموم بالأجرة فإنه يصح أن ينتفع به الإنسان بدون عقد، ولكن عليه أجرة المثل.
(أعطى ثوبه قصارًا) القصار هو الغسال، الذي يغسل الثياب، هذا رجل جاء إلى الغسال فرمى إليه ثوبه -ثوبه الوسخ- فغسله الغسال بدون أن يتفق معه على عقد، فهذا صحيح، ويكون ذلك بأجرة المثل.
طلب القصار من صاحب الثوب عشرة، قال: يا أخي، ثوبي كله ما يسوى عشرة، كيف أعطيك عشرة ريالات، قال: هذه عادتي، شوف القوائم، أنا أغسل الناس الثوب بعشرة، فمن الذي نأخذ بقوله؟
(1/5056)
________________________________________
طلبة: القصار.
الشيخ: قول القصار، قال صاحب الثوب: خذ ثوبي لك، خذه، لا أنا معطيك ولا أبغي ثوبي. قال: أنا لا أريده، ثوبك هذا ما يساوي خمسة ريالات، يلزم بأخذ الثوب؟
طلبة: لا يلزم.
الشيخ: لا يلزم، فإذا جاءنا هذا يتظلم صاحب الثوب، قال: أنا لو علمت أنه بعشرة ما أعطيته إياه، نقول له: أنت الذي فرطت، فلماذا لم تسأله؟ أما هذا الرجل فكان معدًّا نفسه لغسل الثياب كل ثوب بعشرة، فإن قال: أنا قد وجدت قصارًا أو غسالًا غسله لي بريالين، نقول: لماذا لم تذهب إلى ذاك؟ وهذه مغسلة راقية، والمغاسل تختلف بلا شك، هل يمكن أن نجعل هذه المغسلة الراقية الذي يخرج منها الثوب كالجديد كمغسلة يخرج منها الثوب كما دخل وربما أسوأ، تجده يخرج متعرفط مثلًا، وكان معطيه إياه متسيبًا، ومع ذلك جاءني متجعدًا كرأس الجارية، هذا يختلف الحكم.
(أو خياطًا) أعطى ثوبه خياطًا جاء إلى الخياط، وقال: خذ هذا الثوب خطه لي، ولم يتفق معه على عقد ولا على أجرة، فخاطه الخياط وطلب منه الأجرة، يلزمه تسليمها؟
طلبة: نعم.
الشيخ: فإذا قال: أنا ما عقدت معه على هذا القدر، قلنا: هذه هي العادة، وإذا كان كثيرًا لم تكن تتوقع أن يبلغ هذا المبلغ فأنت الذي فرطت.
القاعدة في هذه المسائل الأربع -اللي هي: الحمام، والسفينة، والقصار، والخياط-: أن من أعد نفسه للعمل على وجه العموم فإنه يصح استخدامه أو الانتفاع بهذا العمل بأجرة المثل وبدون عقد، وما زال الناس يفعلونه، ولا سيما في مسألة ما يشبه السفينة كالنقل الجماعي وغيره، تجد الإنسان يدخل ويحاسب كما يحاسب غيره.
قال المؤلف: (الثالث: الإباحة في العين)، قوله: (الإباحة في العين) يعني أن تكون عينًا مباحةً أو يكون نفع العين مباحًا؟
طلبة: كلاهما.
الشيخ: إحنا نتكلم الآن على المنافع، فيكون الإباحة في العين: إباحة في نفع العين، وإن كانت هي محرمة، فالحمار مثلًا محرم ولَّا لا؟
طلبة: محرم.
(1/5057)
________________________________________
الشيخ: عينه محرمة لا شك، لكن نفعه مباح، فيكون المراد الإباحة في نفع العين، إي نعم ( ... ).
***
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سبق لنا أنه من شروط الإجارة العلم بالأجرة، وما دليل هذا الشرط ( ... ).
قد دعاني إلى بيته لوليمة، قلت له: أنا ودي أتحمم، قال: تفضل ادخل الحمام، لما أردت الخروج بعدما أكلت الوليمة قال: الأجرة عندك، لي أجرة، ويش الأجرة؟ قال: أجرة الحمام، الناس يتحممون بخمسين ريال. له ذلك ولَّا لا؟
طلبة: لا، ما له ذلك.
الشيخ: ليش؟
طلبة: ما أعده لهذا.
الشيخ: لأنه ما أعده لهذا العمل، وإذا كان يريد مني شيئًا فليقل، والحاصل أنه يجب أن ننتبه لعبارة المؤلف: (إن دخل حمامًا) يعني معدًّا لذلك، سفينة معدة لذلك، والسفينة معروف أنها معدة للركوب بالأجرة.
(أو أعطى ثوبه قَصَّارًا) ولم يقل: أعطى ثوبه رجلًا فقصره، قال: (قصارًا) يعني معدًّا نفسه لذلك، (خياطًا) مثله، خياط معد نفسه للخياطة، أما لو أعطيت ثوبي رجلًا من أصحابي وخاطه لي ثم جاء يطلب الأجرة فإنه لا يستحق؛ لأنه لم يعد نفسه لذلك العمل.
ثم قال المؤلف رحمه الله: الثالث يعني من شروط الإجارة (الثالث: الإباحة في العين)، قال: (الإباحة في العين) والمراد: الإباحة في نفع العين، وإنما قلنا ذلك لأن الباب باب الأجرة، والمعقود عليه في الأجرة النفع أو العين؟
طلبة: النفع.
الشيخ: النفع هذه من جهة، ومن جهة أخرى أن المقصود الإباحة في النفع، لا في العين، ولهذا يجوز استئجار الحمار للعمل عليه مع أن عينه محرمة، فهنا يتعين أن نعرف أن المراد بقوله: (في العين) أي في نفع العين.
استأجرت بيتًا لأسكنه، سكنى البيت مباح ولا غير مباح؟
طلبة: مباح.
الشيخ: مباح، استأجرت هذا البيت لأجعله مسجدًا، يعني مصلى للناس يصلون فيه، يجوز ولَّا لا؟
طلبة: يجوز.
(1/5058)
________________________________________
الشيخ: يجوز؛ لأن هذا نفع مباح، بل هذا نفع مشروع، استأجرته لأجعله مدرسة أعلم فيها القرآن، والسنة هذا جائز ولَّا لا؟ جائز.
غير الجائز قال: (فلا تصح على نفع محرم، كالزنا، والزمر، والغناء) يعني: استأجر امرأة يزني بها -والعياذ بالله- فهذا حرام، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ» (6)، يعني حرامًا، ولأن الله يقول: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، والاستئجار للعمل المحرم تعاون على الإثم والعدوان.
(الزمر) استعمال المزمار، استأجرت إنسانًا ليزمر عندي يجوز ولَّا لا؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، سواء كانت الآلة من عندي أو من عنده؛ لأن الزمر حرام.
استأجرته ليضرب بالعود عندي؟
طلبة: كذلك.
الشيخ: كذلك لا يجوز؛ لأن هذا النفع محرم.
(الغناء) أطلق المؤلف ولم يفصل، ولكن يجب التفصيل؛ فالغناء المحرم لا يجوز الاستئجار له؛ لأنه نفع محرم، فلو استأجرت مغنيًا يغني عندي بآلته التي معه كالموسيقا، فهذا حرام ولا يجوز. استأجرت مغنيًا يغني بهجاء قوم، قوم لا يستحقون الهجاء فهذا حرام. استأجرت مغنيًا يغني بمدح قوم لا يستحقون المدح فهذا حرام ولا يجوز. استأجرت مغنية تغني في العرس غناء مباحًا، جائز ولَّا لا؟
طلبة: جائز.
الشيخ: جائز، وعلى هذا يُعلم ما في إطلاق المؤلف من النظر. استأجرت حاديًا يحدو لإبلي، يجوز؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يجوز؛ لأنه نفع مباح. استأجرت مغنيًا يغني أمام القوم الذين يحرثون أرضي حتى يخلي الواحد منهم يضرب على الأرض وهو يعني ما يشعر، يجوز ولَّا لا؟
طلبة: لا يجوز.
طالب: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأن الغناء على العمل للتقوي عليه جائز كما كان الصحابة رضي الله عنهم يغنون للتقوي على حفر الخندق، فالإنسان الذي يغني ليتقوى على العمل لا بأس به.
(1/5059)
________________________________________
ومنه، بل هو من الحداء في الواقع، ما يفعله الناس لما كانوا يحدون على الإبل، كان فيه بعض العمال يسمونه عاملًا، اللي يسوق الإبل للسواني يسمى العامل عندنا، فيه ناس من العمال عندهم صوت وأداء إذا سمعته الإبل صارت تمشي وكأنها مجنونة حتى تبدى تخرج من المشي العظيم، تسرع في الانحدار وفي الرقي وتخرج ماء عظيمًا، فلو استأجرنا هذا العامل وزدنا في أجرته من أجل حسن حدائه للإبل فإن هذا جائز ولا بأس به.
والمهم العمل هل هو حرام ولَّا حلال؟ إذا كان حرامًا فالاستئجار عليه حرام، وإذا كان حلالًا فالاستئجار عليه حلال.
(وجعل داره كنيسة) جاء نصراني يستأجر مني الدار ليسكنها، وجاءني نصراني آخر يستأجر هذه الدار ليجعلها كنيسة، معبد نصارى، ماذا نقول في الإجارتين؟ الأولى: صحيحة وإن كانت مكروهة عند بعض أهل العلم، والثانية حرام بلا شك، استأجرها ليحولها إلى كنيسة هذا لا يجوز؛ لأن هذا إعانة على الإثم والعدوان.
فإن قال قائل: أليست الكنيسة جائزة للنصارى؟ قلنا: ولكنها ليست مرضية لله ولا لرسوله، ولا يجوز لنا أن نمكنهم من إقامة عباداتهم في بلادنا.
(أو لبيع الخمر) استأجر مني هذا البيت ليبيع فيه الخمر -خمار- يبغي يصنع الخمر في البيت ويبيعه يجوز ولَّا ما يجوز؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز؛ لأن هذا عمل محرم، والتأجير من أجله تعاون على الإثم والعدوان وقد نهينا عنه: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
وكلام المؤلف هنا لا يعني أن من باع الخمر يقر عليه، أو من صنع الخمر يقر عليه، لكن لبيان الواقع، وبيان الواقع لا يدل على الإذن والحل، ألم تر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» (7) وهذا يدل على الإذن والإباحة ولَّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا يدل على الإذن والإباحة، كلام المؤلف يريد أن يبين الواقع، فإذا وقع مثل هذا فهو لا تصح الإجارة عليه.
(1/5060)
________________________________________
إذا اشتراها لبيع الدخان؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: الدخان مثل الخمر؟
طلبة: هو محرم.
الشيخ: الدخان مثل الخمر يا شيخ؟ !
طلبة: إي نعم، هو محرم.
الشيخ: إي نقول: كما لا يصح لبيع الخمر لا يصح أيضًا لبيع الدخان، العلة: التحريم في كل منهما، فإذا جاءني إنسان يريد أن يستأجر هذا الدكان ليكون محلًّا لبيع الدخان، قلنا: حرام لا يجوز، وأجرته حرام لا يحل لي أكلها ولا الانتفاع بها.
استأجره مني ليجعله مخزنًا مستودعًا للدخان، ما يبيع فيه؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: حرام ولَّا لا؟
طلبة: حرام.
الشيخ: حرام أيضًا. استأجره مني ليجعله بقالة؟
طالب: يجوز.
الشيخ: يجوز، كذا؟ لكن إذا قال: من شرط حياة البقالة أن يكون فيها دخان، والناس إذا قلت: هذه بقالة ما فيها دخان ما يشترون منه يروحوا للبقالة الأخرى، وأنا أعرف أنه سيجعل فيها هذا الدخان يجوز ولَّا لا؟
طلبة: ما يجوز.
الشيخ: لا يجوز، لكن لو استأجرها مني على أنه سيبيع فيها أشياء مباحة وبعد ذلك صار هو يجعل فيها أشياء محرمة، فالعقد صحيح، كما لو استأجر مني البيت ليسكنه ثم صار يصلي فيه يتعبد عبادة النصارى كما يتعبدون في الكنائس، فهذا يكون العقد صحيحًا، لكن إذا انتهت مدة العقد فإنه لا يجوز لي أن أجدد العقد في حقه، وأنا أعلم أنه سيبيع فيه الشيء المحرم، واضح يا جماعة؟
استأجر مني دكانًا ليجعله بنكًا ربويًّا؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، كذا؟ وهل نقول: إن المؤجر ملعون؟ نقول: أما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد لعن آكله وموكله وشاهديه وكاتبه (8)، والمؤجر أشد عونًا على الربا من الكاتب والشاهد؛ لأنه مشارك مشاركة فعلية، لكن الجزم في دخوله في اللعنة لا نجزم به، نخشى أن نكون افترينا على الله كذبًا، إنما نقول: نحن نخشى أن يكون داخلًا في اللعنة لأن معاونة المرابي على الربا في إجارته هذا الدكان أشد من كاتب يكتب أو شاهد يشهد.
(1/5061)
________________________________________
خلاصة الكلام: كل نفع محرم فإنه لا يجوز التأجير له، الدليل قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
(وتصح إجارة حائط لوضع أطراف خشبه عليه) من اللي بيستأجر؟ الجار، يستأجر هذا الحائط ليضع أطراف خشبه عليه، نقول: هذا يجوز، لكن إذا كان يتعين على الجار أن يمكنه من وضع أطراف الخشب عليه، وقال: لا يمكن أن تضع أطراف الخشب إلا بأجرة صارت الأجرة حرامًا، حرامًا على من؟
على صاحب الجدار، أما الجار الذي يضع الخشب فليست حرامًا عليه؛ لأنه مظلوم، وذلك هو الظالم، لكن إذا كان الجدار لا يلزم صاحبه أن يمكن جاره من وضع الخشب عليه وأجره إياه حينئذ يجوز ذلك.
وإنما نص المؤلف على هذا مع كونه أمرًا معلومًا؛ لأن المدة هنا غير معلومة؛ إذ إن صاحب الخشب سيملك الوضع على الجدار حتى ينهدم، فهنا المدة غير معلومة لكن سقط وجوب تعيينها للحاجة.
ثم قال المؤلف: (ولا تؤجر المرأة نفسها بغير إذن زوجها) المرأة لا تؤجر نفسها بغير إذن زوجها لأنها إذا أجرت نفسها فوتت على زوجها الاستمتاع بها.
فلو أن امرأة تزوجت رجلًا، وبعد عقد النكاح تعاقدت مع وزارة التعليم لتكون مدرسة، فإن هذا حرام، ولا يجوز لها أن تفعل ذلك إلا بإذن الزوج، فإذا قالت: أنا أملك نفسي وأنا حرة، قلنا: ليس كذلك، أنت الآن مملوكة المنافع، لمن؟
طلبة: للزوج.
الشيخ: للزوج، ولهذا قال الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24]، فلا يمكن أن تؤجري نفسك إلا بإذن الزوج.
فإن اشترطت عليه عند العقد أن يمكنها من التدريس وقبل؛ صح ذلك، ولزمه الوفاء بالشرط.
وعلم من قول المؤلف: لا تؤجر نفسها؛ أنها لو استؤجرت على عمل -ما هو تأجير النفس- على عمل، مثل الخياطة، أعطيتها ثوبًا لتخيطه، فلها أن تعقد الأجرة معي بدون إذن الزوج، ولكن ليس لها الحق في أن تضيع حق زوجها لتقوم بخياطة هذا الثوب، واضح؟
(1/5062)
________________________________________
الفرق واضح؛ لأن تأجير النفس يملك المستأجر نفس المرأة تعمل عنده، وهذه المرأة تبغي تعمل في بيتها، استأجرها لخياطة الثوب تخيطه في أول النهار، في آخر النهار، في أول الليل، إذا غاب زوجها ما تضيع حق الزوج، لكن إذا أجرت نفسها فقد ضيعت حق الزوج.
هل يجوز أن تكون خادمًا عند الناس بدون إذن زوجها؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز؛ لأن هذا إجارة نفس، بخلاف ما إذا استؤجرت على عمل تعمله وهي في بيت زوجها، فهذا جائز، لكن ليس لها الحق في أن تضيع حق زوجها.
فإن قال قائل: قد يغريها هذا العقد فتضيع حق زوجها، يعني أننا إذا أبحنا لها أن نستأجرها لخياطة الثوب يمكن يغريها هذا العقد، تبدأ تأخذ الثياب من الناس وتشتغل بالخياطة وتنسى حقوق الزوج، قلنا: إذا أدى هذا إلى هذه الحال وجب منعه وإلا فالأصل الجواز ( ... ).
***
(ويشترط في العين المؤجرة) إلى آخره.
سبق أنه يشترط لصحة الإجارة أن يكون في العين نفع مباح، أن يكون في العين نفع، والثاني: مباح.
فإن لم يكن لها نفع فإن الإجارة لا تصح كما سيأتي إن شاء الله تعالى في شروط إجارة العين.
وإن كان فيها نفع محرم واستأجرها لهذا العمل المحرم كذلك أيضًا لا يصح، وهو حرام؛ لأنه تعاون على الإثم والعدوان.
مثاله في المحرم: استئجار العين المحرم ( ... ).
(ويشترط في العين المؤجرة: معرفتها برؤية أو صفة) يشترط في العين المؤجرة معرفتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر (5)، ولأن عدم معرفتها يفضي إلى النزاع، وما أفضى إلى النزاع فإن الشارع يمنع منه.
فإذا قال قائل: النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، وهذا إجارة؟
فالجواب: أن الإجارة نوع من البيع فهي بيع المنافع، يشترط أن تكون معروفة.
(برؤية) بأن يقول: آجرتك هذه الدار يدخل في الدار ويشوفها وينظر لها، آجرتك هذه السيارة وينظر للسيارة.
(1/5063)
________________________________________
(برؤية أو صفة) يعني أن للعلم طريقين: الرؤية والصفة، لكن الصفة فيما ينضبط بالوصف، مثل أن أقول: آجرتك سيارة نوعها كذا، وموديلها كذا، وأصفها بوصف تام لتحج عليها، يجوز هذا ولَّا لا؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: السيارة تنضبط بالوصف ولَّا ما تنضبط؟
طلبة: تنضبط.
الشيخ: تنضبط بالوصف، فيجوز عقد الإجارة على علم بالصفة.
قال: (في غير الدار ونحوها) أما الدار ونحوها مما لا يمكن ضبطه بالصفة فإنه لا يصح تأجيره بالصفة، بل لا بد من الرؤية، فلو استأجرت منك بيتًا ووصفته لي أنت وصفًا دقيقًا تامًّا فإن الإجارة لا تصح.
لو قلت: عندي لك بيت فيه حوش كذا وكذا مترًا عرضًا وطولًا، فيه حجرتان طولهما كذا، عرضهما كذا، فيه مطبخ طوله كذا، عرضه كذا، فيه حمام وتصفه بكل أوصافه، هل تصح الإجارة لهذا البيت ولَّا لا؟
لا تصح، حتى تذهب وتراه بعينك، لماذا؟
لأن الوصف في هذا لا يضبطه بالكلية أبدًا، لا بد أن يكون هناك ميل من الإنسان لما استأجره، أحيانًا تدخل البيت من حين ما تدخله ينشرح صدرك وتطمئن إليه، أحيانًا تدخل البيت من حين ما تدخله يضيق صدرك وتحب أن تخرج منه، حتى وإن كان فيه مثلًا حجر وفيه حمامات وفيه كل منافعه لكن هذا شيء يتوقف على الرؤية، ولهذا لا يجوز تأجير البيوت بالوصف، بل لا بد من الرؤية.
إذا قال قائل: هل يجوز أن أوكل شخصًا يقوم بالرؤية عني؟ الجواب: نعم، ولهذا يجوز أن أوكل شخصًا فأقول: استأجر لي بيتًا فيه كذا وكذا وكذا، فيذهب ويستأجر، والوكيل يقوم مقام الموكل.
يقول المؤلف: والثاني: (أن يعقد على نفعها دون أجزائها) أن يعقد على نفعها، أي نفع العين، دون أجزائها، البعير مثلًا ويش نفعها بماذا؟ بالركوب والحمل. الدار: نفعها بالسكنى. الدكان: نفعه بعرض البضاعة فيه، وهكذا، فلا بد أن يكون العقد على النفع دون العين.
(1/5064)
________________________________________
فإن عقد على العين بأن قال: بعت عليك داري مدة سنة بكذا وكذا، فإنه على المذهب لا يصح العقد؛ لأنه أضيف إلى العين، ومورد العقد في الإجارة النفع.
فإذا قلت: بعتك داري لمدة سنة بألف ريال مثلًا، قلنا: هذ العقد لا يصح، ليش يا جماعة؟ قال: لأنه قال: بيع، أضاف البيع إلى العين.
لو قال: بعتك منافعها أو بعتك سكناها لمدة سنة، يصح، هذا يصح؛ لأنه ورد العقد على المنفعة، فلا بد أن يعقد على النفع دون الأجزاء.
لو قال: آجرتك هذا التمر لتأكله.
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: ليش؟
طلبة: لأنه على العين.
الشيخ: على العين، تقول: يا بني ويش يبقى لك؟
طالب: النوى.
الشيخ: بخلاف الدار إذا سكنتها بقيت لك الدار، فلا بد أن يكون العقد على المنافع.
قال: (فلا تصح إجارة الطعام للأكل) معلوم مثلًا ياسر قال للأخ نصر: أجرتك هذه الخبزة لتأكلها بدرهم، فأكلها نصر، ويش بقي لياسر؟ ما بقي شيء، إذن لا يصح.
إجارة الطعام للأكل، الثوب للبس؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يصح؛ لأنه ينتفع به مع بقاء العين، فالثوب للبس لا بأس به، الشراب للشرب؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، آجرتك لبنًا لتشربه، ما يجوز.
يقول: (ولا الشمع ليشعله)، نعم آجرتك الشمع لتشعله بعشرة ريالات، يقول المؤلف: لا يصح، لماذا؟ لأن الشمع يذوب ويزول إذا أشعل، فلا يبقى شيء.
وقال شيخ الإسلام: هذا صحيح، أنه يصح أن يؤجره الشمع ليشعله، فإذا آجره هذه الشمعة أو هذا العمود من الشمعة بعشرة ريالات صح، إن أتلفه كله فقد تلف كله واستحق الأجرة كاملة، وإن أتلف بعضه فإنه يستحق من الأجرة بقسطه، هذا إذا كان استأجره لعمل، بأن قال: استأجرت منك الشمعة للضيوف، أما إذا قال: استأجرتك مطلقًا فإن الباقي يكون على المستأجر.
شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: إن هذا من جنس البيع، كما أنه يجوز أن أقول: بعتك هذه الصبرة ( ... ) من الطعام كل صاع بكذا، كذلك الشمع أجرتك إياه كل ساعة بكذا وكذا، ولا مانع ( ... ).
(1/5065)
________________________________________
إي نعم يذوب ( ... ) إي نعم يعني يمكن يستعمل مرة ثانية، لكن تكرر الاستعمالات يحترق، يذوب.
طالب: القلم يا شيخ.
الشيخ: القلم إذا كان قلم رصاص فهذا ما يصح؛ لأنه بيتلف بالاستعمال، أما إذا كان قلم حبر فلا بأس، ما فيه مانع.
(ولا الشمع ليشعله، ولا حيوان ليأخذ لبنه إلا في الظئر) يعني: ولا يصح أن يستأجر حيوانًا لأخذ لبنه إلا في الظئر.
ما هي الظئر؟ المرضعة، أما الظئر فيجوز استئجارها لأخذ لبنها، بأن تستأجر امرأة لإرضاع طفلك لمدة سنة، هذا جائز، ودليل ذلك من القرآن قال الله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]
فصرح الله تعالى بأن هذا أجر، وهو يدل على صحة هذه الإجارة.
استأجر شخص حيوانًا ليرضع طفلًا صغيرًا عنده من الحيوان، يقول المؤلف: إنه لا يصح، يعني مثلًا إنسان عنده شاة ذات لبن، وأنا عندي سخلة صغيرة تحتاج إلى لبن، ماتت أمها فاستأجرت شاة فلان لإرضاع هذه السخلة الصغيرة، يجوز، على رأي المؤلف لا يجوز، لماذا؟ قال: لأنه لم يرد استئجار شيء تذهب عينه إلا في الظئر.
بل قال: إن استئجار الظئر ليس لأجل اللبن، شوف -سبحان الله- استئجار الظئر ليس لأجل اللبن ولكن لخدمة الطفل، أخذ الطفل ووضعه على الفخذ وإلقامه الثدي وتهدئته إذا صاح عند الرضاع هذا هو الذي استؤجرت الظئر من أجله، ماذا تقولون في هذا التعليل؟
نقول: هذا التعليل عليل، إن لم يكن ميتًا، لو تأتيني امرأة عجوز ليس في ثديها لبن تقول: تعال أنا باهدي لك ها الصبي هذا إذا صاح علي حطيته على رجلي وهدأته وألقمته هذا الثدي اليابس، يعطيها إياه ولَّا لا؟
طلبة: لا يعطيها.
الشيخ: ما يعطيها إياه، ويش أخليه بس يمصمص شيئًا ما فيه لبن.
إذن ما هو المعقود عليه حقيقة في الظئر؟ المعقود عليه حقيقة هو اللبن بلا شك، ولا أحد يشك في هذا، فإذا كان المعقود عليه هو اللبن فلا فرق بين الظئر وبين حيوان آخر الذي أستأجره لأخذ لبنه.
(1/5066)
________________________________________
ولهذا صحح شيخ الإسلام ابن تيمية جواز استئجار الحيوان لأخذ لبنه، وقال: إن الله عز وجل أباح استئجار المرضع لأخذ لبنها، ولا فرق، ثم أخذ من هذا قاعدة وقال: إن الأعيان التي يخلف بعضها بعضًا بمنزلة المنافع، الأعيان التي يخلف بعضها بعضًا يعني معناه إذا ذهبت عين جاء بدلها أنها تكون بمنزلة المنافع، فاللبن إذا خلا الضرع منه امتلأ مرة أخرى وهكذا، فيجعل هذه الأعيان الذي يخلف بعضها بعضًا بمنزلة المنافع.
وما قاله شيخ الإسلام رحمه الله هو الصواب، وعلى هذا فيجوز استئجار الحيوان لأخذ لبنه، وله صورتان:
الصورة الأولى: أن يكون عندي سخلة صغيرة تحتاج إلى رضاعة، وليس عندي أم ترضعها، فآتي إلى هذا الرجل عنده أم ترضعها وأقول: خذ هذه السخلة أرضعها ولك في كل شهر كذا وكذا، وهذه كما تعلمون نظير الظئر من كل وجه، حتى صاحب الشاة والماعز الذي عنده شاة أو ماعز سوف يأخذ هذه السخلة ويذهب بها ويلقمها الثدي ويقوم عليها نوعًا من القيام، فهي تشبه تمامًا الظئر لا شك في هذا.
الصورة الثانية: أن أستأجر منك الحيوان لمدة أسبوع لأخذ لبنه، وهذه تقع أحيانًا، يأتي إلى الإنسان ضيوف وليس عنده من اللبن ما يكفيهم، فيقول: بدل ما أذهب أشتري من السوق لبنًا آخذ غنمًا من جاري أستأجرها منه كل يوم بكذا وكذا، هذا جائز أيضًا، وإن كان هذا يخالف الظئر من بعض الوجوه لكنه بمعناه؛ لأن المقصود من استئجار الظئر هو اللبن، هذا أيضًا المقصود منه اللبن، فيجوز أن أستأجر الحيوان لأخذ لبنه على الصورتين.
وهذا القول هو الراجح؛ لأن الأعيان التي يخلف بعضها بعضًا بمنزلة المنافع.
قال المؤلف: (وماء الأرض ونقع البئر يدخلان تبعًا) الله أكبر، هذا جواب سؤال مقدر، وهو أن الإنسان يؤجر أرضًا مثلًا ولنقل: إنه البيت، أجر بيتًا وفيه بئر يدخل استعمال الماء -ماء البئر- في الإجارة ولَّا لا؟
طالب: يدخل.
الشيخ: يدخل تبعًا، مع أن الماء لا ينتفع به إلا بذهاب عينه.
(1/5067)
________________________________________
يقول المؤلف: إنه يدخل تبعًا، وعلى هذا فإذا استأجرت أرضا وفيها بئر فإن ماء البئر الذي فيها يدخل تبعًا.
ويغتفر في التوابع ما لا يغتفر في الأصول؛ لأن الشيء قد يدخل تبعًا لا استقلالًا، قد يدخل في الشيء لغيره تبعًا، وإن يكن لو ..
والقدرةُ على التسليمِ , فلا تَصِحُّ إجارةُ الآبِقِ والشارِدِ، واشتمالُ العينِ على الْمَنفعةِ , فلا تَصِحُّ إجارةُ بَهيمةٍ زَمِنَةٍ لِحَمْلٍ، ولا أَرْضٍ لا تُنْبِتُ للزرْعِ، وأن تكونَ الْمَنفعةُ للمُؤَجِّرِ أو مَأذونًا له فيها، وتَجوزُ إجارةُ العينِ لِمَنْ يَقومُ مَقامَه , لا بأكثرَ منه ضَرَرًا. وتَصِحُّ إجارةُ الوَقْفِ , فإن ماتَ الْمُؤَجِّرُ وانْتَقَلَ إلى مَن بَعْدَه لم تَنْفَسِخْ , وللثاني حِصَّتُه من الأُجْرَةِ، وإن أَجَّرَ الدارَ ونحوَها مُدَّةً ولو طَويلةً يَغْلِبُ على الظنِّ بقاءُ العينِ فيها صَحَّ، وإن اسْتَأْجَرَها لعمَلٍ كدَابَّةٍ لرُكُوبٍ إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أو بَقَرٍ لحَرْثٍ أو دياسِ زَرْعٍ أو مَن يَدُلُّه على طريقٍ اشْتَرَطَ مَعرفةَ ذلك وضَبَطَه بما لا يَخْتَلِفُ.
ولا تَصِحُّ على عَملٍ يَخْتَصُّ أن يكونَ فاعلُه من أهلِ القُربةِ وعلى الْمُؤَجِّرِ كلُّ ما يَتَمَكَّنُ به من النفْعِ كزِمامِ الجمَلِ ورَحْلِه وحِزامِه والشَّدِّ عليه , وشَدِّ الأحمالِ والْمَحامِلِ والرفْعِ والحطِّ , ولُزومِ البعيرِ ومَفاتيحِ الدارِ وعِمارتِها، فأَمَّا تَفريغُ البالوعةِ والكنيفِ فيَلْزَمُ المستأْجِرَ إذا تَسَلَّمها فارِغَةً.
(فصلٌ)
وهي عَقْدٌ لازمٌ، فإن آجَرَه شيئًا ومَنَعَه كلَّ الْمُدَّةِ أو بعضَها فلا شيءَ له، وإن بدأَ الآخَرُ قَبلَ انقضائِها فعليه،
الأرض كلها، وبها بئر به ماء، فإنه يصح، ولكن الصحيح أنه يصح أن يستأجر البئر لأخذ مائه، وأن يستأجر الأرض وفيها بئر، وينتفع بالماء، لماذا؟
طالب: الأعيان.
(1/5068)
________________________________________
الشيخ: لأن الماء من الأعيان التي يخلف بعضها بعضًا؛ فإنك كلما غرفت الماء من البئر جاء بدله ماء آخر، فالصواب أنه يجوز أن تستأجر البئر لأخذ الماء، وأن تستأجر أرضًا فيها بئر، وتأخذ ماءه، ولا حرج في هذا.
كذلك أيضًا ماء الأرض؛ يعني كما لو كانت الأرض لها أنهار فاستأجرت الأرض للزرع، فإنك سوف تُنفق هذا الماء، فنقول: هذا الماء يدخل تبعًا، والشيء قد يثبت تبعًا، ولا يثبت استقلالًا.
استأجرتك لتكتب لي كتابًا؛ الأوراق على مَنْ؟ الأوراق عليَّ، وعليك الحبر والكتابة والقلم، الحبر عَيْن ولَّا لا؟ عين، وقد دخلت في الإجارة، يقولون: إن هذا يكون تبعًا؛ لأن الناس لا يهتمون به، كذلك الخياط أعطيته ثوبك يخيطه، الخياط منه عمل، ومنه مال خيوط ولَّا لا؟ هذه الخيوط أعيان، وصح عقد الإجارة عليها تبعًا؛ لأن المقصود من الخياطة ما هو هذه الأسلاك، المقصود الثوب الذي يُخاط على حسب ما اتفقنا عليه، بل المقصود خياطة الثوب على حسب ما اتفقنا عليه، وهذا عمل فيدخل تبعًا.
كذلك مرهم الطبيب؛ الطبيب ذهبت مثلًا لتشق عنده جرحًا، وعند شق الجرح يجعل مرهمًا من أجل أن يُخدِّر مكان الجرح، هذا عين ولَّا غير عين؟ عين، لكنها تدخل تبعًا.
قال المؤلف: الشرط الثالث ( ... ).
***
والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ؛ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ». رواه الترمذي (1) وقال: هذا حديث حسن غريب).
(1/5069)
________________________________________
قال: «إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ»، هذا من باب التحذير، والتعري يعني خلع الثياب، فحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من خلع الثياب، ولا شك أن هذا النهي محمول على ما إذا لم يكن هناك حاجة، أما إذا كان هناك حاجة كما لو تعرَّى الإنسان للاغتسال، فلا بأس به، وقد ثبت في صحيح البخاري (2) أن موسى عليه الصلاة والسلام اغتسل عريانًا، ووضع ثوبه على حجر، فهرب به الحجر.
ولكن إذا لم يكن حاجة فلا ينبغي للإنسان أن يتعرَّى، أما إذا كان هناك حاجة سواء كانت الحاجة شرعية؛ كالاغتسال للجنابة، أو كانت الحاجة؛ عادية كالاغتسال للتنظف والتبرد؛ فلا بأس به.
وقوله: «فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ»، يريد بذلك الملائكة الذين وُكِّلوا بحفظ بني آدم أو بحفظ أعمال بني آدم {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، أحدهما: عن اليمين، والثاني: عن الشمال، هؤلاء يفارقوننا عند الغائط، ولكنهم لا يبتعدون عنا، ولا يفوتهم شيء من أعمالنا وإن فارقونا، ومن ثم قال بعض الناس ساخرًا، قال: إذن إذا أردت أن أعمل معصية، فإنني أدخل الحمام؛ لأن الملائكة تفارقني في هذا الحال، نقول: هذا غير صحيح، بل إن الملائكة وإن فارقتك فإنها تعلم ما تعمل فتكتبه.
ثانيًا: «حِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ»؛ لأنه إذا أفضى إلى أهله فإنه سوف يكشف عن عورته، والملائكة تستحي أن تكون مع رجل قد كشف عن عورته، قال: «فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ» يعني ولا تتعروا؛ لأن ذلك يؤدي إلى مفارقتهم، وهذا الحديث ضعفه كثير من أهل العلم، لكننا شرحناه على تقدير صحة الحديث.
ثم قال: (باب ما جاء في العزل: عن جابر رضي الله عنه، قال: كنا نعزل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل. متفق عليه (3)).
(1/5070)
________________________________________
قوله: كنا نعزل. معنى العزل أن يعزل الرجل عن زوجته إذا جامعها حتى يُنزِل خارج الفرج، يفعل ذلك لئلا تحمل؛ لأن الحمل إنما يكون من الماء، فإذا أنزل خارج الفرج لم يكن هناك ماء، وحينئذٍ لا تحمل، وقول جابر: والقرآنُ يَنزل. الجملة هذه حالية الغرض منها الاستدلال على جواز العزل.
ووجه ذلك: أنه لو كان العزل مُحرَّمًا لكان القرآن ينهى عنه، وهو كذلك؛ أي أن العزل جائز، ولكن هل هو مستوٍ الطرفين؟
الجواب: لا، ليس مستويَ الطرفين، بل تركه أوْلى لعدة أمور:
الأمر الأول: أنه من إكمال الشهوة، فإن كون الإنسان ينزع، فيُنزل خارج الفرج يكون فيه نقص في شهوته، وربما يحصل له عند نزعه هبوط في الشهوة فيتحجَّر الماء في أوعية القصبة ويضره ذلك، وهو ما يسمى عند الناس بـ (الرِّدَّة).
ثانيًا: أن فيه تنغيصًا على المرأة، فإن المرأة بلا شك لا تقضي شهوتها إذا أنزل الإنسان خارج الفرج، ويكون في هذا شيء من الاعتداء على حق المرأة، ولهذا يحرم على الإنسان أن يعزل عن المرأة الحرة إلا بإذنها، كما سيأتي.
ثالثًا: أن فيه محاولة لتقليل النسل -وانتبه إلى كلمة محاولة- لأنه ربما يعزل، ولكن يخلق الله الولد، لكن في محاولة لتقليل النسل الذي هو خِلاف مُراد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (4).
رابعًا: أنه يُشبه الوَأْد من بعض الوجوه، والوَأْد -كما نعلم جميعًا- من كبائر الذنوب: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9].
وهذا وَأْد؛ لأنه حيلولة بين وجود الولد وعدمه؛ بمعنى أن الإنسان يحول بفعله هذا دون وجود الولد، كذلك الموؤودة فيها إهلاك للولد، لكن هذا قبل وجوده، وهذا بعد الوجود، فمن أجل هذا نقول: إن العَزْل جائز، لكن ليس مستوي الطرفين. ( ... )
***
(1/5071)
________________________________________
وعلى نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. سبق أنه يُشترط في العين المؤجرة شروط ( ... ) القدرة على التسليم.
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لا يا إخوان، الشرط الثالث: القدرة على التسليم؛ لأن في ذلك دليلًا وتعليلًا؛ أما الدليل؛ فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» (5). والإجارة نوع من البيع، وغير المقدور عليه ليس عند الإنسان، ولا في حوزته، ولا في استطاعته أن يقدر عليه.
دليل آخر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغَرَر (6)، وغير المقدور عليه إجارته غرر؛ لأن مُؤجِره سوف يخفض من الأجرة، وإلا لما استأجر منه، والمستأجر سوف يخفض أيضًا من الأجرة، فإن قدر على هذا المعجوز عنه صار هو الغانم، وإن عجز صار غارمًا، وهذا نوع من الغرر وهو أيضًا ميسر.
التعليل: أن نقول: إن الإجارة نوع من البيع، فإذا اشترطنا في البيع أن يكون مقدورًا على تسليم المبيع، فكذلك نشترط في الإجارة أن يكون مقدورًا على تسليم المستأجر.
الخلاصة الآن: أنه لا يجوز تأجير غير المقدور عليه، بدليل وتعليل؛ الدليل ما ذكرناه، والتعليل أيضًا ما ذكرناه من كون الإجارة بيعًا.
قال: (فلا تصح إجارة الآبق والشارد) (إجارة الآبق) (الآبق) العبد، (والشارد) الجمل. هذا رجل له عبد آبِق هارب، ما يدري وين، جاء إليه إنسان وقال: أجِّرني عبدك فلانًا، قال: والله العبد هرب، قال: أجِّرني إياه، أنا أروح أدوِّر، بس اكتب لي إجارة، قال: أجرتك هذا العبد الآبق لمدة خمسة شهور ابتداءً من الآن. نقول: لا يجوز، لماذا؟ لأنه غرر، والنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الغَرَر (6)، ولأنه ميسر؛ فإن هذا الذي استأجر العبد الآبق سيستأجره بنصف الأجرة، أليس كذلك؟
لا يمكن أن يُعطي أجرة كاملة في عبد آبق أبدًا، إلا رجل سفيه، والرجل السفيه ما تصح إجارته أصلًا، فهذا إن وجد العبد صار غانمًا، وإن لم يجده صار غارمًا، وهذا هو الميسر.
(1/5072)
________________________________________
إذن نقول: هذه الإجارة لا تصح، مثل أيضًا الجمل الشارد، هذا رجل عنده جمل شارد، جاء إنسان وقال: أبغي أستأجر منك جملك لمدة كذا وكذا، فقال: أجرتك إياه، لكن الجمل شارد. لا تجوز الإجارة؛ لأنه غير مقدور على تسليمه.
الطير في الهواء، يجوز؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز أن تُؤجِّر طيرًا في الهواء كإنسان استأجر صقرًا ليصيد به، فلا يجوز، حتى لو ألِف الرجوع، وكان من عادته أن يرجع في الليل فإنه لا يصح تأجيره وهو في الهواء؛ لاحتمال ألا يرجع؛ لاحتمال أن يُرمى، احتمال أن يهلك، فلا يصح إجارته.
الرابع: (اشتمال العين على المنفعة)، وسبق في الباب قبل فصل أن تكون منفعته مباحة.
إذن فلا بد أن يكون في العين منفعة، وأن تكون المنفعة مباحة اشتمال العين على منفعة، هذا واحد، وأن تكون مباحة، سبق التنبيه عليه، اشتمال العين على منفعة فلا تصح إجارة بهيمة زمنة لحمل، لماذا؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: ما يمكن أن أستوفي المنفعة، إنسان عنده جمل زَمِن، الزَّمِن اللي ما يستطيع المشي، فجاء إليه رجل، قال: أريدك أن تؤجرني جملك لأسافر عليه إلى الرياض بمئة ريال، قال: الجمل زَمِن، ما يقدر يمشي، ولا يقوم، ولا يقعد. قال: ما يخالف، أجِّرني إياه، يجوز ولَّا لا؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: ما يجوز؛ لأن المنفعة مُتعذِّرة، فلا يجوز أن يُؤجره. أرض لا تنبت استأجرها للزرع؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، ليش؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لأن المنفعة التي يريدها لها المستأجر مُتعذِّرة، فلا يجوز أن يستأجر أرضًا لا تنبت للزرع، لكن كيف نعلم أنها لا تنبت؟
طالب: سبخة ( ... ).
الشيخ: إي نعم، تكون سبخة، معروف ما تنبت، ولا الشجر العادي، هذه لا يجوز أن يستأجرها للزرع.
إن استأجرها لوضع أشياء فيها؛ مثل أن يضع فيها مواسير، أو أخشابًا، أو غير ذلك مما يوضع في الأرض يجوز ولَّا لا؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأن المنفعة المقصودة ممكنة.
(1/5073)
________________________________________
الشرط الخامس: (أن تكون المنفعة للمؤجر أو مأذونًا له فيها)، ولم يقل المؤلف أن تكون العين للمؤجر؛ لأن الإنسان قد يملك المنفعة، ولا يملك العين؛ فالشرط أن تكون المنفعة للمؤجر.
(أو مأذونًا له فيها) هل يمكن أن يملك الإنسان المنفعة دون العين؟ نعم، مثل أن تُوهب المنفعة لهذا الشخص منفعة هذه العين دون رقبتها بأن يقول لرجل: وهبتك منفعة جملي، فما دام الجمل يُنتفع به؛ فالمنفعة للموهوب له، لكن إذا لم ينتفع به، فالعين لصاحبها هو الذي يملكها فينحره مثلًا، ويأكله أو يتصدق به، أما المنفعة فهي لمن وهبت له، أو لمن أوصي له فيها إذا كانت وصية، ومن ذلك أيضًا قوله: (أو مأذونًا له فيها) مين المأذون له فيها؟ كالوكيل والوصي والولي والناظر.
طالب: ( ... ).
الشيخ: ( ... ) هذه أربعة؛ الوكيل، والوصي، والولي، والناظر، وبينهم فروق.
الوكيل هو من أُذن له في التصرف في حياة الآذِن بأن أقول لزيد: وكَّلتك تُؤجر بيتي، تؤجر دكاني، تؤجر سيارتي، وما أشبه ذلك، ومنه على سبيل المثال أصحاب إجارة العقارات، ويش تسمونها عندنا؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، العقاريين، المكاتب العقارية، فإن هؤلاء وكلاء عن أصحاب الأملاك في تأجير أملاكهم، الولي من يتصرف بإذن من الشارع، ما هو بإذن من المالك في حال حياته، بإذن من الشارع، مثل: ولي اليتيم، وكولاية الحاكم على الأموال التي لا يُعلم لها مالك.
الثالث: الوصي مَنْ أُذِن له بالتصرف بعد موت الآذن، هذا الوصي مثل أن أقول: وكَّلْت فلانًا على ثلثي يُؤجِّره ويصرفه في المصالح التي عيَّنها، هذا نسميه أيش؟ وصي.
الرابع: الناظر، وهو من أُمِر بالتصرف في الوقف، اللي يتصرف في الأوقاف وينظر فيها ويؤجرها، فهؤلاء أربعة، كلهم يقومون مقام المالك، وهم داخلون في قول المؤلف أو مأذونًا له فيها.
(1/5074)
________________________________________
قال: (وتجوز إجارة العين المؤجرة لمن يقوم مقامه لا بأكثر منه ضررًا) تجوز إجارة العين لمن يقوم مقامه؛ يعني لو استأجرتُ منكَ بيتك لمدة خمس سنوات، وسكنت فيه لمدة سنة، وانتهت رغبتي فيه، كم باقي لي فيه؟
أربع سنوات، يجوز أن أؤجر هذا البيت لشخص مدة أربع سنوات، وظاهر كلام المؤلف أنه يجوز أن يؤجره بمثل الأجرة أو أقل أو أكثر، فإذا أجَّره بأقل من الأجرة فلا شك في جوازه.
مثل أن يكون هذا الرجل قد استأجره كل سنة بألف ريال، ثم أجره بقية مدته أربع سنوات، كل سنة بثمان مئة، هذا لا شك في جوازه. بألف؛ يعني أجَّره بمثل ما استأجر به أيضًا جائز، ولا شك فيه. إذا أجَّره بأكثر بألف ومئتين، أو ألف وخمس مئة، أو ما أشبه ذلك، فهل يجوز أو لا؟
نقول: ظاهر كلام المؤلف الجواز؛ لأنه أطلق، قال: (تجوز إجارة العين المؤْجَرة) ولم يقل بأقل من الأجرة، أو بمثلها، فيشمل ما إذا أجر بأكثر أو بأقل أو بمثل.
وقال بعض أهل العلم: لا يجوز إجارة العين المؤجرة بأكثر مما استأجرها به؛ لأنه يربح فيما لم يدخل في ضمانه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يُضمن.
فهذا الرجل الذي ربح في الأجرة في منافع ما حصلت له، ما دخلت في ضمانه حتى الآن؛ لأن ما تدخل في ضمانه إلا بعد قبضها، ولا يقبض المنافع إلا ساعة بعد ساعة، ويومًا بعد يوم، وشهرًا بعد شهر؛ فهي غير داخلة في ضمانه، وحينئذٍ تكون داخلة في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يُضْمَن (7).
لكن المشهور من المذهب يقولون: لأن هذا مالك للمنفعة، والمالك له أن يبيع بمثل الثمن أو أقل أو أكثر.
يقول: لكن (لمن يقوم مقامه) في استغلال أو في استيفاء المنفعة (لا بأكثر منه ضررًا) فلو استأجرها شخص للسُّكنى وأجَّرها آخر لتكون مستودعًا، يجوز ولَّا لا؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: ما يجوز، أيهما أكثر ضررًا؟
طلبة: المستودع.
الشيخ: المستودع، استأجرها للسكنى فآجرها غَسَّالًا؟
(1/5075)
________________________________________
طلبة: ما يجوز.
الشيخ: لا يجوز، ليش؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: أكثر ضررًا، كيف؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: بالماء، إي نعم، بالماء لا سيما مثل إذا كان البيت من الطين. استأجرها للسكنى فآجرها حدادًا؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: كذلك أشد ضررًا، كل النهار ينفخ في الكير، وتسود الجدران وتفسد.
أجَّرها طحانًا؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: مثله؟ لأن الرحا ( ... ) تُؤثِّر، تُحرِّك الجدران، تهزها، المهم أنه لا يجوز أن يُؤجِّرها لشخص أكثر منه ضررًا.
استأجرها وهو أعزب، أو ليس له إلا زوجة واحدة، وآجرها رجلًا له أولاد وأطفال؟
طلبة: لا يجوز.
طالب: خلاف.
الشيخ: لا، نوسع التبعة ها الحين.
طلبة: أكثر ضررًا.
الشيخ: أيهم أكثر ضررًا؟
طلبة: اللي عنده أولاد.
الشيخ: اللي عنده أولاد أكثر ضررًا، قد .. لكن الآن قلنا: إنه أعزب، أو ما عنده إلا زوجة، والزوجة متى تحمل؟ ولنفرض أنه خمسة أشهر مثلًا لو حملت ما ( ... )، الظاهر أن اللي عنده أولاد أكثر ضررًا من الذي ليس عنده أولاد، ليش؟
لأنه صعب؛ لأن الأولاد يُكسرون الأشياء، يكتبون بالجدران، يكسرون الأبواب، يكسرون الزجاج، وهذا شيء مشاهَد.
طالب: معمول به الآن يعني.
الشيخ: لا، ما يجوز لأحد أنه يؤجر إلا بإذن صاحبها، إذا أذن، أو كان العرف مطردًا بجوازه صار إذنًا عرفيًّا، وإلا فالأصل أنه ما يجوز لا شك أن الإنسان ما عنده إلا نفسه، ولا ما عنده إلا امرأته حريصين على البيت، ولا تكسير، ولا تصفيق بالأبواب، ولا شيء، ما هو مثل صبيان يلعبون ( ... ).
***
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إذا كان لك ( ... ) قدم يعطون مثلًا عشرة آلاف أو أقل أو أكثر، ولكن السؤال الآن اللي أنا أريد أن أطرحه، ولا أدري هل عرفتموه ولَّا لا؟
هل صاحب البيت أو الدكان يُطالِب الذي استأجر منه مباشرة، أو يطالب الثاني؟
طلبة: ( ... ).
(1/5076)
________________________________________
الشيخ: يطالب الأول، إلا إذا كان بموافقته وإذنه، فإن الثاني ينزل منزلة الأول. وفائدة ذلك أنه لو أفلس الثاني أو ماطل فإنه يرجع على الأول، ويقول: ما علمت، أنا ما أجرت إلا أنت، ولا أريد إلا منك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وتجوز إجارة الوقف)، تجوز إجارة الوقف.
طالب: ( ... ).
الشيخ: ( ... ) لكن أنا في نفسي شيء، هل يجوز للمستعير أن يؤجر أو يعير؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لا، لا يجوز للمستعير أن يؤجر، ولا أن يعير؛ يعني لو أعرتك مثلًا البيت ما يجوز أنك تؤجره، ولا يجوز أن تعيره أيضًا، لماذا؟
لأنني إنما ملكتك الانتفاع، فأنا أبحتك إياه لتنتفع به، ولم أبحك النفع. عرفتم الفرق؟ ولهذا المستعير لا يؤجر ولا يعير إلا بإذن المالك، والفرق بينه وبين المستأجر أن المستأجر مالك للمنفعة، قد دفع عنها عِوضًا، فهي ملكه، وأما المستعير فإنما أُذِن له في الانتفاع؛ ولهذا نُفرِّق بين مالك النفع ومالك الانتفاع.
قال: (وتصح إجارة الوقف) تصح إجارة الوقف، ووجه ذلك؛ لأن الموقوف عليه مالك لمنفعته، فقد وقع العقد من أهله، مثاله: قال شخص: هذا البيت وقْف على فلان، فلان لا يملك بيع البيت ولَّا لا؟
لكن يملك تأجير البيت، وذلك لأن منفعة هذا البيت لمن؟ للموقوف عليه، فهو مالك للمنفعة، فإذا أجَّرها فقد وقع العقد من مالك، فتصح إجارة الوقف.
وظاهر كلام المؤلف أنها تصح إجارة الوقف مدة طويلة أو قصيرة، سواء كانت مدة طويلة أو قصيرة، ولكنَّ في هذا نظرًا؛ فإننا نقول: إن الموقوف عليه لا يؤجر الوقف إلا مدة يغلب على الظن بقاؤه فيها، فلو أن رجلًا له تسعون سنة موقوف عليه، أجَّر وقفًا مئتي سنة، ويش يغلب على الظن؟
طلبة: ( ... ).
(1/5077)
________________________________________
الشيخ: يعني بيبقى عنده .. بيصير له مئتين وتسعين سنة، هذا يغلب على الظن أن الإنسان لا يعيش مئتين وتسعين سنة، بل نقول: ما شاء الله عليه اللي بقي إلى تسعين سنة، كيف بيؤجر الوقف مئتين سنة، معناه إنه الآن تعدَّى على حق غيره، فلا يصح أن يؤجره مدة يغلب على الظن أنه لا يبقى فيها.
كم مدة يُؤجِّره؟ سنة؟ ما يغلب على الظن، مثلًا إذا كان الموقوف عليه له عشرون سنة، فالغالب أن الأعمار بين الستين إلى السبعين، كم يؤجر؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: عشرين سنة، خمسين سنة لا بأس؛ لأن هذا هو الغالب أنه يبقى ما بين الستين إلى السبعين، لكن أكثر من ذلك لا.
وقيل: إنه لا يُؤجِّر إلا سنتين أو ثلاث سنوات أو نحوها، ولا يؤجر مدة أطول؛ لأنه وإن كان الغالب أن يعيش الإنسان مثلًا إلى الستين أو إلى السبعين، ولكن هذا أمر موكول إلى الرب عز وجل {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34]، لكن السنتين والثلاث هذا أمر جرى به العرف، ولا بأس به، وهذا ما لم تتعطل مصالح الوقف، فإن تعطلت مصالح الوقف، ودار الأمر بين أن يبيع الوقف أو يؤجره مدة طويلة فإنه يُنظر المصلحة من بيعه أو تأجيره مدة طويلة، ويسمى التأجير مدة طويلة عندنا يسمى صُبْرة، ويسمى باتجار الحكورة، وكذلك الفقهاء يعبرون عنه بالحكورة.
الخلاصة الآن: إجارة الوقف صحيحة من حيث الجملة؛ التعليل: لأن الموقوف عليه يملك المنفعة، فوقع العقد من أهله فصح.
البحث الثاني: هل يصح أن يُؤجِّر مدة طويلة؟
قلنا: لا يؤجر مدة يغلب على الظن ألا يبقى فيها؛ لأن في ذلك اعتداء على حق الغير، وهم الذين يأتون من بعده.
(فإن مات الْمؤْجِر فانتقل إلى من بعده لم تنفسخ، وللثاني حصته من الأجرة) شوف إن مات المؤجر، مَنِ المؤجر؟
طالب: صاحب الملك .. الواقف.
طالب آخر: الموقوف عليه.
الشيخ: الموقوف عليه، (وانتقل إلى من بعده لم تنفسخ)، لم تنفسخ أيش؟ لم تنفسخ الإجارة.
(1/5078)
________________________________________
(وللثاني) يعني؛ للبطن الثاني (حصته من الأجرة) مثال ذلك: هذا البيت وقْف على زيد، ومن بعده عمرو، أجَّر زيد البيت لمدة سنتين، كل سنة بألف، ولما تمت السنة الأولى مات زيد، انتقل الوَقْف الآن إلى عمرو، صار المستحق للوقف الآن عمرو، هل تنفسخ إجارة زيد؟ يقول المؤلف: إنها لا تنفسخ.
(وللثاني حصته من الأجرة) نحن ذكرنا أنه أجره سنتين بألفين، كم للثاني؟
ألف ريال، فإن كان الأول قد قبضها مقدمًا، فإن عمرًا -وهو الثاني- يرجع بها على ورثة القابض لها مع أنه ليس له، أي: ليس للأول أن يتسلم الأجرة مُقدَّمة لما في ذلك من الإضرار على الطبقة الثانية، ما أدري هذا معلوم ولَّا غير معلوم.
طلبة: معلوم.
الشيخ: معلوم؟
طلبة: إي نعم.
الشيخ: إذن نقول: إذا آجر الوقف، ومات في أثناء المدة، فإن الإجارة لا تنفسخ، تبقى.
(وللثاني حصته من الأجرة) فإذا مات بعد مُضِي نصف المدة فللثاني نصف الأجرة.
إن مات بعد مضي ثلاثة أرباع المدة فللثاني ربع المدة وهكذا، هذا هو الذي مشى عليه المؤلف، والمذهب الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أن الإجارة تنفسخ.
ولننظر الآن بين القولين الذين قالوا: إنها لا تنفسخ، قالوا: لأن هذا الموقوف عليه أجَّره في مدة يستحق المنفعة فيها، ولَّا لا؟ ما هو فيها منفعة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: إذن وقع العقد صحيحًا من أهله فوجب تنفيذه، وإذا مات لم تنفسخ، كما لو أن رجلًا أجَّر بيته لشخص، ثم مات، فإن الورثة لا يفسخون الإجارة، واضح؟
وجه المماثلة بين هذا وهذا، نقول: لأن هذا الرجل أجَّر بيته في حالٍ يملك تأجيره، فلم تنفسخ الإجارة بموته، هذا الموقوف عليه أجَّر الموقوف في زمن يملك منفعته، فلم تنفسخ الإجارة بموته كالمالك. واضح ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: الذين قالوا بالانفساخ، قالوا: إن هذا الموقوف عليه مُلكُه مُقيَّد، يملك المنفعة ما دام حيًّا، فإذا مات انتقلت المنفعة لا من الموقوف عليه، ولكن من الواقِف.
(1/5079)
________________________________________
الثاني من الموقوف عليهم لا يتلقاها من الذي قبله، إنما يتلقَّاها من الواقف رأسًا، وحينئذٍ لا يتمشى تصرف الموقوف عليه من الطبقة الأولى على الموقوف عليهم من الطبقة الثانية؛ لأن الطبقة الثانية لا تتلقاها من الطبقة الأولى، تتلقاها من الواقف أولًا.
أما مسألة الميت إذا أجَّر ملكه ومات، فإن الورثة يتلقون الملك منين؟ من المورث رأسًا، والمورث حُرٌّ في ماله، أرأيتم لو باعه هل يقولون: ليش يبيعه؟
ما يقولون هذا، الرجل أجره، والملك ملكه، وهم إنما يتلقونه من الميت، أما هذا فإنهم لا يتلقونه من الميت، وإنما يتلقونه من الواقف، ولهذا قالوا عن المذهب، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، قالوا: إن الإجارة تنفسخ؛ لأن الموقوف عليه، إنما يملك النفع ما دام حيًّا فقط، ويملكه من الواقِف، وهؤلاء يملكونه أيضًا من الواقف، إلا أنهم قالوا يقولون: إذا كان المؤجر مشروطًا له النظر، فإن الإجارة لا تنفسخ سواء كان الشرط من الواقف أو من الشارع، انتبهوا معنا كيف مشروطًا له النظر؟
يعني أن الواقف قال: هذا وقف على ذريتي، والناظر فلان، سماه، سواء كان من الذرية أو من خارج الذرية، ثم إن هذا الناظر أجَّر الوقف لمدة، ومات الناظر، فإن الإجارة لا تنفسخ، لماذا؟
قالوا: لأن هذا أجَّر الوقف بنظر خاص من الواقف.
الموقوف عليهم هم الذين ينظرون في الوقف إذا لم يشترط له ناظر، فإذا أجَّر الموقوف عليه بمقتضى استحقاقه فقد سبق أن المذهب أن الإجارة تنفسخ، وما مشى عليه المؤلف أن الإجارة لا تنفسخ.
إذا كان النظر على هذا الوقف مستفادًا من شرط الواقف؛ يعني أن الواقف جعل النظر لفلان، ثم آجر هذا الناظر، آجر الوقف ومات فالإجارة لا تنفسخ قولًا واحدًا، لماذا؟
(1/5080)
________________________________________
لأن هذا أجَّره بمقتضى إذن من الواقف، فقام مقام الواقف؛ وعلى هذا، فنقول: إذا كان الذي أجَّر الوقف أجَّره بمقتضى تنصيب الواقف له فإن الإجارة لا تنفسخ قولًا واحدًا. لو كان هذا الوقف مؤجرًا من قِبل القاضي بأن يكون هذا البيت وقفًا على الفقراء، الوقف على الفقراء ناظره مَنْ؟
طلبة: القاضي.
الشيخ: القاضي أجَّر هذا الوقف، ومات القاضي تنفسخ الإجارة؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا؛ لأن هذا مشروط له النظر بمقتضى الولاية العامة، فصار المؤجِّر للوقف ثلاثة أقسام:
مُؤجِّر بمقتضى الوقفية؛ يعني أن له النظر، أو له التصرف بأنه موقوف عليه.
ثانيًا: مُؤجِّر بمقتضى شرط الواقف بأن قال: النظر لفلان.
ثالثًا: مؤجر بمقتضى الشرع (الولاية العامة)، مثل القاضي. متى لا تنفسخ الإجارة؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: في الحالين، إذا كان الحاكم، أو إذا كان المشروط له النظر من قِبل الواقف، هذه الإجارة لا تنفسخ قولًا واحدًا.
إذا كان التأجير من الموقوف عليه لا؛ لأنه مشروط له النظر، لكن لأنه هو المستحق فهنا يأتي الخلاف؛ فمن العلماء من قال: تنفسخ وهو المذهب، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ومنهم من قال: إنها لا تنفسخ، وهو الذي مشى عليه الماتن، قال: (لم تنفسخ، وللثاني حصته من الأجرة).
انتبهوا للتفصيل الآن، الخلاصة؛ أن مؤجر الوقف ثلاثة أقسام: القاضي من شرط له النظر، من آجَرَه بمقتضى الاستحقاق.
القاضي ومن شرط له النظر، إذا أجَّر ومات، فإن الإجارة لا تنفسخ بموته قولًا واحدًا؛ لأن هذا إنما تصرف بإذن من الشارع إن كان هو القاضي، أو بإذن من الواقف إن كان الواقف هو الذي جعل النظر له.
الثالث: إذا كان المؤجر آجره بمقتضى استحقاقه، فإن هذا موضع خلاف بين العلماء؛ فمنهم من قال: إنه لا تنفسخ الإجارة، وهو الذي مشى عليه الماتن، ومنهم من قال: إنها تنفسخ، وهو المشهور من المذهب.
(1/5081)
________________________________________
عمل الناس اليوم؛ الغالب على ما مشى عليه الماتِن أن الإجارة لا تنفسخ، وينهونها حتى في مسألة الصبرة إذا اقتضت الحال ذلك، فإن القضاة يجيزونها ( ... ) لأنه مالك للمنفعة. إذا مات الأول مؤجر أوقاف الفقراء، هل تنفسخ الإجارة أو لا؟
طالب: لا تنفسخ.
الشيخ: لا تنفسخ؛ لأنه أجرها؟
طالب: لعقد صحيح.
الشيخ: نعم، لكونه ناظرًا بالشرط. طيب إذا مات الثاني؟ الموقوف عليه إذا أجَّرها ثم مات، هل تنفسخ الأجرة أو لا تنفسخ؟
طالب: لا تنفسخ.
الشيخ: لا تنفسخ قولًا واحدًا في المسألة ولَّا فيها خلاف؟
طالب: في قول آخر في المسألة.
الشيخ: ما هو الذي ذهب إليه المؤلف؟
الطالب: أنها لا تنفسخ.
الشيخ: أنها لا تنفسخ، كذا؟ توافقونه على قوله؟
طلبة: نعم.
الشيخ: القول الثاني؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: إي نعم، القول الثاني أنها تنفسخ، وهذا هو المشهور من المذهب.
ذكرنا أن الناظر إما أن يكون ناظرًا بالشرط وهو أجنبي من الوقف، أو ناظرًا بالشرط وهو من أهل الوقْف، أو ناظرًا بالاستحقاق، فأما الأول والثاني فإنه إذا آجر لا تنفسخ الأجرة قولًا واحدًا.
وكذلك الحاكم؛ لأن نظره عام، أما الثالث وهو المؤجِر بأصل استحقاق فإن فيه الخلاف؛ المذهب أنها تنفسخ، والقول الثاني أنها لا تنفسخ، فنريد من الأخ أن يُبيِّن لنا الناظر بالشرط وهو من أهل الوقف؟
طالب: نعم، الناظر بالشرط، وهو من أهل الوقف.
الشيخ: ( ... ) مثال الناظر بالشرط، وهو أجنبي من الوقف ( ... )، والناظر عليه أخي. طيب إذا آجر أخوه هذا الوقف، ثم مات؟
طالب: لا تنفسخ.
الشيخ: لا تنفسخ؟ صح؛ لأنه ناظِر بالشرط، مثال للناظر بأصل الاستحقاق؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: كيف؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ( ... ) الناظر بأصل الاستحقاق.
طالب: أن يكون هذا وقفًا على اثنين فيكون ( ... ).
الشيخ: (وإن آجر الدار ونحوها مدة، ولو طويلة، يغلب على الظن بقاء العين فيها صح).
(1/5082)
________________________________________
يعني لو أجَّر الإنسان، ما هو بالواقف، أجَّر الدار ونحوها مُدَّة طويلة، يغلب على الظن بقاء العين فيها؛ فإنه يصح، سواء ظُنَّ بقاء العاقد أم لم يظن، مثال ذلك: رجل أجَّر بيته لمدة عشرين سنة، والبيت جديد يجوز ولَّا لا؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأن المدة يغلب على الظن بقاء العين فيها.
رجل عنده بيت متداعي للسقوط أجَّره شخصًا لمدة عشرين سنة، لا يصح؟
طالب: نعم.
الشيخ: لماذا؟ لأن الغالب أنه لا يبقى ولا سنتين، كيف يؤجره عشرين سنة؟ !
فلا يصح.
ثالث أجَّر بيته، وهو غير متداعٍ للسقوط لمدة عشرين سنة، لكن أتى الله عز وجل بأمطار غزيرة فانهدم، تصح الأجرة ولَّا ما تصح؟
طلبة: تصح.
الشيخ: تصح الأجرة، ولكن تنفسخ فيما بقي من المدة إذا انهدم البيت، فصار الآن إذا آجر البيت مدة يغلب على الظن بقاؤه فيها صحت الأجرة.
إذا كان يغلب على الظن بقاء البيت، لكن لا يغلب على الظن بقاء العاقد، رجل أجَّر بيته لمدة ثلاثين سنة، أجَّره لشخص عمره مئة سنة، يصح ولَّا ما يصح؟
طلبة: يصح.
الشيخ: يصح، مع أن الغالب أن من له مئة سنة أنه على إشراف الموت، وقد يبقى ثلاثين سنة، ليس ذلك على الله بعزيز، لكن في الغالب أنه لا يبقى، يُقال: هذا صحيح، الإجارة صحيحة، وإذا مات العاقد تنتقل إلى مَنْ؟
طلبة: إلى ورثته.
الشيخ: إلى ورثته، ولا إشكال.
أجَّره سيارة لها عشرون سنة طالعة، موديل كم؟ 68 ولَّا لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: 68 بتاريخهم هم، أجَّره إياها لمدة خمسين سنة، سيارة كم يكون عمرها؟ عشرين وخمسين: سبعين، تبقى السيارة لمدة سبعين سنة؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: تبقى؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: الكلام على الغالب.
طلبة: الغالب ( ... ).
الشيخ: الغالب لا، إذن ما تصح الأجرة، الإجارة لا تصح.
أجَّره جملًا مُسنًّا لمدة ثلاثين سنة؟
طلبة: لا تصح.
الشيخ: ليش؟
طلبة: لأن الغالب لا يبقى.
الشيخ: لأن الغالب ألَّا يبقى، تمام؟
(1/5083)
________________________________________
عندنا شيء يسمونه الصُّبرة، وفي الحجاز يسمى الحكورة، يُصبِّرون البيت لمدة خمس مئة سنة، الغالب أنه ما يبقى خمس مئة سنة، ما يبقى خمس مئة سنة، فكيف نُنزِّل هذا على كلام الفقهاء؟
نقول: إن الفقهاء نصوا في هذه المسألة -في مسألة الحكورة- على أنها تصح إلى مدة، ولو طويلة، وتصح إلى الأبد بدون تقدير مدة؛ لأن قصد العاقد صاحب الأرض أن يستغل الأرض في هذه الأجرة المعينة، فهي تُشبه الخراج الذي ضربه أمير المؤمنين عمر على الأراضي الخراجية؛ لأن أرض العراق لما فتحت رأى عمر رضي الله عنه أنها تبقى وقفًا، لا تقسم على الغارمين، وأنه يُضرب على كل مساحة معينة شيء من الدنانير أو الدراهم تُؤخذ ممن يستغلها كلها بدون تقدير مدة، قالوا: فالحكورة مثلها؛ لأن المحتكر أو المتصبِّر لا يريد بقاء العين نفسها، إنما يريد الأرض أيضًا، ولذلك تجد المتصبِّر يستطيع أن يهدم البيت ويبنيه من جديد، يستطيع أن يغير في حُجرِه وغُرفِه وصالاته، المستأجر يستطيع ذلك ولَّا لا؟
أبدًا، ما عُقد بالإجارة، ما يتمكن المستأجر من هذا، ما يتمكن المستأجر ولا من فتح باب إلا بعد مراجعة المالك.
فالناس يفرقون بين الحكورة وبين الأجرة، وعلى هذا، فإذا صبَّرت البيت هذا لمدة خمس مئة سنة، أو مئتي سنة، أو ألف سنة، فلا مانع؛ لأن تصبيري إياه ليس معناه أني أنا أجرته إياه ينتفع به فقط كأنه ملك البيت بما فيه، يستطيع أنه من بكرة يأتي بالشيء ويهدمه، ويبنيه من جديد، لكن في الإجارة لا، ويُذكَر عن بعض قضاتنا -رحمه الله- أنه تنازع إليه شخصان في حكورة، قال المحكِّر: أنا أريد أن أجعل المدة خمس مئة سنة، وقال المحتكر: أريد أن تكون المدة ألف سنة، جاؤوا للشيخ يكتب بينهم: قال المحتكر: يا شيخ، أنا ما يمكن خمس مئة سنة ( ... )، إذا تمت المدة يطلعون عيالي للسوق، قال له الشيخ: إذا تمت المدة خمس مئة سنة، وأطلعوا عيالك للسوق ( ... ) وأنا أكفيك! ! انحلت المشكلة، قال: صحيح تكفيني؟
(1/5084)
________________________________________
قال: نعم، أكفيك، كان الرجل سليم القلب، قال: ما دام تكفيني، اكتب خمس مئة سنة بدل ألف سنة.
على كل حال يجب أن نعرف الفرق بين الأُجرة، وبين الصبرة أو الحكورة، المحتكر ليس يريد أن ينتفع فقط، بل يريد أن ينتفع بالعين والمنفعة، ويستطيع أن يغيِّر العين ويهدمها، ويبني من جديد، ويتصرف كما شاء بخلاف المستأجر حتى لو انهدمت الدار في باب الحكورة، يرجع على المحكِّر ولَّا لا؟ ما يرجع، لكن في باب الأجرة يرجع ويفسخ العقد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وإن استأجرها لعمل كدابة لركوب إلى موضع معين، أو بقر لحرث، أو دياس زرع، أو من يدله على طريق اشتُرِط معرفة ذلك وضبطه بما لا يختلف).
(إن استأجرها) أي العين؛ لأن إحنا سبق أن العين إجارة العين تنقسم إلى إجارة منافع وإجارة عمل.
إذا استأجرها لعمل، مثل دابة لركوب إلى موضع معين يجوز ولَّا لا؟ يجوز أن يستأجر الدابة لركوب إلى موضع معين، مثلًا يقول: استأجرت منك البعير لأحج عليها، يجوز؛ لأن موضع الحج معلوم ولَّا لا؟ استأجرتها لأسافر بها إلى الرياض، يجوز؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لأنه موضع مُعيَّن، ولكن إن اختلفت الطرق في السهولة والوعورة وجب أن يعين أي الطريقين أراد، لماذا؟ لأن المؤلف قال في الأخير: (وضبطه بما لا يختلف) لا بد أن يعين.
إذا استأجر بقرًا لحرث، يجوز ولَّا لا؟ استأجرت منك بقرك لحرث هذه المساحة من الأرض؟ يجوز، لكن لا بد أن تُعرف الأرض؛ لأن الأرض إما سهلة فيسهل حرثها، وإما شديدة قوية فيكون حرثها صعبًا وقويًّا، فلا بد أن نعرف الأرض التي ستُحرث بالبقر.
(لدياس زرع) يجوز ولَّا لا؟
يجوز، لدياس الزرع، كيف دياس الزرع؟ ويش لون دياس الزرع؟ يعني نجيب البقر يدوس لنا الزرع وهو على سوقه؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، لكن نحصد الزرع، ثم نجمعه في مكان، وهو البيدر، ثم نأتي بالبقر، ونجعلها تمشي عليه، تدوسه من أجل أن يخرج الحب، ويتميز عن السوق والورق، هل شاهدتم ذلك؟
طلبة: نعم.
(1/5085)
________________________________________
الشيخ: إي، منكم من شاهد، ومنكم من لم يشاهد، صفها لنا.
طالب: رأيت جسمًا ليس بقرة .. ( ... ).
الشيخ: والزرع بسوقه وأوراقه مُكدَّس، ثم يربط، أنا رأيت أربعة أو خمسة، تُربط جميعًا ومربوطة في الخشبة هذه بالحبل، وتدور على هذا، تدور عدة مرات حتى إنه يندك هذا الدياس، الآن بدل الحرث، وبدل الدياس على البقر صار الحرث والدياس بالآلآت ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: جريات، وحرَّاثات، فلا بد إذا استأجرنا حرَّاثة أو جراية، لا بد أن يكون العمل معلومًا، إذا كان الحب يختلف، فبعضه مثلًا يخرج بسهولة وبسرعة، وبعضه يصعب، فلا بد أن نُعيِّن الحب ليكون العمل معلومًا.
يقول: (أو من يدُلُّه على طريق) استأجر شخصًا يدله على طريق، فلا بأس، لكن لا بد أن يكون الطريق مُعيَّنًا، طريق مثل مكة، طريق المدينة، الطريق الشمالي الجنوبي الشرقي الغربي، المهم أن لا بد أن يكون معينًا، ويوصف بما ينضبط به العمل.
إن قال قائل: ما هو الدليل على ذلك؟
الجواب: الدليل عدم الدليل، كيف الدليل عدم الدليل؟ يعني الدليل على الجواز عدم الدليل على المنع؛ لأن ما الأصل فيه الحل لا يطالب بالدليل على حله.
وقد مر علينا عدة مرات أن الأصل في المعاملات بين العباد الحل إلا ما قام الدليل عليه، فإن أبيتم إلا دليلًا موجبًا، فنحن نقول: أما الاستئجار للركوب إلى بلد معين فدليله: حديث جابر رضي الله عنه حين باع على النبي صلى الله عليه وسلم جمله، واشترط حملانه إلى المدينة (8)، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم، عدَّ ذلك الشرط، وهذه منفعة مقابلة بعوض أجازها الشارع، فتكون الإجارة مثلها.
أما بالنسبة للدلالة على الطريق فقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أُرَيْقط حين الهجرة ليدله على طريق المدينة (9)، وهذا يدل على الجواز مع أنه لا حاجة إلى دليل موجب؛ لأن الأصل هو الجواز، والله أعلم. ( ... )
***
سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. ما تقول في رجل ( ... )
(1/5086)
________________________________________
(يختص أن يكون فاعله من أهل القربة) (لا تصح) إي الإجارة (على عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القربة)؛ يعني يشترط لفعله الإسلام هذا المعنى، كل عمل يُشترط لفعله الإسلام فإنها لا تصح الإجارة عليه؛ لأن كل عمل يُشترط لفعله الإسلام فإنه لا يقع إلا قربة، وما وقع قُربة فإنه لا يصح أن يُراد به الدنيا كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16]، فهدد الله عز وجل من يريد بعمل الآخرة الدنيا. إذن كل قربة لا تصح الإجارة عليها كل قربة، لماذا؟ أجيبوا؟
أولًا: لقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [هود: 15، 16].
ثانيًا: أن ما قصد به وجه الله لا يجوز أن يراد به ما دونه، وكل ما سوى وجه الله فهو دون ذلك؛ يعني كل الدنيا دون إرادة وجه الله، فكل ما يقصد به وجه الله لا يجوز أن يُراد به ما دونه؛ أي ما دون وجه الله.
مثال ذلك: الصلاة، واحد رأى شخصًا لا يصلي، قال: تعالَ يا أخي، أبغي أتفق معك أنا وإياك، كل صلاة بخمس ريالات، يأخذ باليوم كم؟
خمسة وعشرين، قال: ما يخالف، إذا كان إجارة فأنا أقبل، هذا بدأ يصلي كل يوم، وصلى الأخير، قال: أعطني الخمس وعشرين ريالًا، يجوز ولَّا لا؟
لا يجوز؛ لأن هذا مما يشترط فيه الإسلام، ولا يقع إلا قربة، الصلاة لا تقع إلا قربة، هذه من وجه. من وجه آخر: هل أنا انتفعت؟
لا، ما انتفعت؛ لأن الصلاة لك أنت، أنا ما انتفعت بشيء، فأنا أُعطيك عوضًا بدون معوض، ويكون هذا من أكل المال بالباطل.
رجل قال: أنا والله ما أنا مندي، الأذان يحبسني، وتتعطل بعض مصالحي ( ... ) بأجرة، كل أذان كم؟
طالب: عشرة ريالات.
(1/5087)
________________________________________
الشيخ: بعشرة ريالات، غالٍ.
طالب: بريالين.
الشيخ: لا، بريالين، كل أذان بريالين.
قالوا: ما يخالف، كل أذان بريالين، ولا يكون كصاحب المؤذن اللي أذن وأسقط بعض جُمل الأذان، وقالوا: ليش يا فلان أسقطت بعض جُمل الأذان؟ قال: لأنهم أخذوا على الراتب قيمة ( ... )، لما نقص الراتب بأنقص الأذان؛ لأنه عوض ومعوض.
المهم أن هذا الذي قال: أنا لا أؤذن إلا بأجرة، واستأجرناه على الأذان، يجوز ولَّا ما يجوز؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، ليش؟ لأن الأذان لا يقع إلا قربة؛ فهو ذكر لله عز وجل؛ ولهذا يشترط فيه النية.
استأجرنا شخصًا يقرع علينا الباب كلما دخل الوقت يجي يقرع على الباب، يقول: انتبهوا للصلاة، يجوز ولَّا لا؟
طلبة: لا يجوز.
طالب: يجوز يا شيخ.
الشيخ: يجوز؛ لأن هذا عمل، ما هو قربة.
طالب: واجب عليه.
الشيخ: لا، ما هو بواجب.
طالب: لا يشترط فيه ..
الشيخ: المهم أن هذا عمل غير قربة فيجوز، ففرق بين الأذان الذي لا يقع إلا قربة وبين أن يأتي واحد ينبهنا ونُؤجِّره، ما فيه مانع هذا.
ومن أجل ذلك نقول: إنه لا يجوز أن يجعل بدل المؤذن شريط مسجل، فإن هذا حرام، ومن اتخاذ آيات الله هزوًا، يقال لي: إن بعض الناس يجعل شريطًا مسجلًّا، يرقمه لساعات معينة، ويخلي هذا عند السماعة، فإذا حان وقت الأذان شغل المسجل، وقام يسمع بالميكرفون، يجوز هذا؟
هذا لا يجوز، حرام بلا شك، كما أنه لا يجوز أن نجعل إمامنا شريطًا مسجلًا، لو جه واحد سجل صلاة إمام جيد القراءة وحسن القراءة، قال: يا جماعة، تعالوا نصلي بكم التراويح خلف فلان بن فلان، من أحسن القراءة، وخلوا المسجل قدام، وبدأ يقرأ، وإذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، قلنا: آمين، ولما قال: الله أكبر؛ ركعنا، يجوز ولَّا لا؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، إذن نقول: كل عمل يختص أن يكون فاعله على القربة فإنه لا يجوز أخذ الأجرة عليه. مثاله؟ أظن ما ذكر.
الأذان قلنا: لا يصح، الوضوء؟
(1/5088)
________________________________________
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح، لكن التوضئة؛ يعني واحد عاجز عن الوضوء بنفسه، أجَّر شخصًا يوضئه، يجوز ولَّا لا؟ يجوز، قراءة القرآن؟
طالب: لا تجوز.
الشيخ: لا يجوز أخذ الأجرة عليها؛ يعني لا يجوز أن نستأجر واحدًا يقرأ لنا القرآن، سواء أردنا أن يكون ثوابه للميت كما يفعله بعض الناس، أو أن يكون ثوابه لنا، أو أن يكون ثوابه للقارئ، فإن هذا لا يجوز.
تعليم القرآن، هل يجوز أخذ الأجرة عليه؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: فيه خلاف؛ فيرى بعض العلماء أنه جائز؛ لأن المعلم لا يتخذ أجرة على قراءته، وإنما يتخذ الأجرة على تعليمه ومعاناته لهذا المتعلم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» (10). فالتعليم غير القراءة. هل يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن لشفاء المريض؟
طلبة: نعم.
الشيخ: الصحيح أيضًا أنه يجوز، والأجرة هنا ليست على القراءة، بل على البرء كما فعل الصحابة رضي الله عنهم، كما في حديث أبي سعيد حين لُدِغ سيد القوم، وجاؤوا يطلبون من الصحابة مَنْ يقرأ، قالوا: لا نقرأ عليه إلا بكذا وكذا (11).
الحج تجوز أخذ الأجرة عليه؟
طلبة: لا يجوز.
طالب: خلاف.
الشيخ: لا تجوز، فيه خلاف، لكن على كلام المؤلف: لا تجوز؛ لأن الحج لا يقع إلا من مسلم، وكل عمل لا يصح إلا من مسلم فإن أخذ الأجرة عليه لا تصح.
إذن لو أن رجلًا من الناس أردت أن يحج عن ميت، فقال: أنا والله لا بد من إجارة، أجِّرْني لا بأس، فاتفقت معه بأجرة، فإن ذلك لا يجوز ولا يصح، افرض أن الأمر نفد، وراح وحج، وجاء يطلب منا الأجرة؟
طلبة: لا نعطيه.
الشيخ: نقول: الحج يكون له، ويرد الأجرة إن كان قد أخذها، ولا يصح أخذها إن كان لم يأخذها.
(1/5089)
________________________________________
وقال بعض أهل العلم: إنه إذا كانت العبادة متعدية فلا بأس بأخذ الأجرة عليها، والعبادة المتعدية هي التي تدخلها النيابة، وعلَّلوا ذلك بأن المستأجر انتفع بعمل هذا، لما عمله من العبادة وهو إبراء ذمته مثلًا. وبناءً على هذا القول يصح الاستئجار للحج؛ لأن هذه العبادة متعدية ينتفع بها غير صاحبها، وهذا هو الذي عليه عمل الناس اليوم.
وقال بعض العلماء: يجوز ذلك للحاجة فقط، وأما مع عدم الحاجة فلا يجوز، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فجعل المدار على حاجة المستأجر الذي أجَّر نفسه إن كان محتاجًا جاز أخذ الأجرة وإلا فلا، ولكن الذي يظهر المنع مطلقًا لئلا ينفتح للناس باب النظر للدنيا في عباداتهم إلا ما حصل به نفع المتعدي كتعليم القرآن، وتعليم الفقه، وتعليم العبادات، كما لو أن إنسانًا أراد أن يعلمني كيف أتوضأ، وأن يُعلِّمني كيف أصلي وما أشبه ذلك، فإن هذا لا بأس به؛ لأن نفعه متعدٍّ، أما النفع الخاص للفاعل، فهذا لا يجوز أخذ الأجرة عليه.
هل يجوز إعطاء الجائزة عليه؟ تشجيعًا له على هذا العمل؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يجوز، ولهذا يجوز أن نعطي مثلًا من حفظ عشرة أجزاء من القرآن نعطيه كذا وكذا جائزة، ولا مانع. هل من ذلك أن يقول الإنسان لصبيانه وأولاده: الذي يصلي منكم أعطيك في اليوم ريالًا.
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأن هذا من باب الجائزة، من باب التشجيع، ولكن لا يبقى معهم إلى أن يبلغوا سنًّا كبيرًا؛ لأن إذا بلغوا سنًّا كبيرًا وصاروا ما يصلون إلا بقروش اعتادوا على ذلك، لكن ما داموا صغارًا، وطبعًا الصغير ما يهتم بالدين إلى ذاك، لكن يهتم بالدنيا أكثر، أعطه قرشًا ( ... ) يصلي، فهذا لا بأس أنه يشجعه، لكن إذا كبر فلا ينبغي تصل به إلى هذه؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «اضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ» (12).
(1/5090)
________________________________________
ثم قال المؤلف: (وعلى المؤجر كل ما يتمكن به من النفع) (كل ما يتمكن به) يعني المستأجِر (من النفع كزمام الجمل، ورحله، وحزامه، والشد عليه، وشد الأحمال، والمحامل، والرفع، والحط، ولزوم البعير، ومفاتيح الدار، وعمارتها)
بَيَّنَ المؤلف في هذه الكلمات ما يلزم المؤجر، وما يلزم المستأجر، المؤجِر إذا أجَّر بعيره لشخص فله صورتان:
الصورة الأولى: أن يؤجره البعير فقط ويُسلمها له، وفي هذه الصورة لا يلزم المؤجر سوى تسليم البعير، والباقي على مَنْ؟
طلبة: على المستأجر.
الشيخ: على المستأجر، فالمستأجر هو الذي يأتي بالرَّحْل، وحِزام الرَّحْل، وزمام البعير، ويلزم البعير، ويراعيه في أكله وشربه؛ لأن المؤجِر الآن لم يؤجره إلا عين معينة البعير.
والصورة الثانية: أن يستأجره ليحمله إلى البلد الفلاني، فهذا على المؤجِر ما قاله المؤلف، يكون المؤجر الآن بيلزم بعيره، بيروح معه، فكأنه آجره ليحمله على هذا البعير إلى المكان الفلاني، واضح؟
هذا نقول على المؤجر كل ما يتمكن به المستأجر من النفع (كزمام الجمل)، ويش هو زمام الجمل؟
طلبة: الحبل.
الشيخ: ما يُقاد به، الْمِقْود، لو قال المؤجر: أنا ما أجيب الزمام، أنت اللي تجيب الزمام، نقول: لا، الزمام عليك أنت؛ لأنك الآن صاحبه.
كذلك (رحله)، ويش هو الرحل؟ الشداد اللي يشد على البعير ويُركب عليه.
(حزامه) يعني حزام الرحل؛ لأنه معلوم، لو جاء بالرحل، وقال: عليك الحزام، ما يلزم، يجب عليه هو.
كذلك (الشد عليه) على الرحل، يعني معناه أنه هو الذي يربط الرحل، مَنْ؟
طلبة: المؤجر.
الشيخ: المؤجر هو الذي يضع الرحل على ظهر البعير، ويأتي بالحزام، ويشد الرحل على البعير.
كذلك أيضًا (شد الأحمال والمحامل)؛ يعني (شد الأحمال) اللي يُحمل على البعير، مثل: متاع المسافر يحتاج إلى شد، الذي يشده هو المؤجِر الجمَّال.
(المحامل) كذلك هو الذي يشدها، ويش هي المحامل؟
(1/5091)
________________________________________
المحامِل: ما تُحمل على الرَّحْل من أجل أن يركب عليها الراكب، هذه المحامل؛ فالأحمال ما يُحمل كالمتاع، والمحامل ما يُشدُّ على الرحل للجلوس عليه، وهذا أكثر ما يكون فيما عهدناه في رِحال النساء، رحْل النساء فيما سبق -شوف الأمر تغيَّر- فيه شيء مثل البيت من الخشب، له أقواس يُوضع عليها الستر، وتجلس المرأة في هذا وعليها الستر، ما يراها أحد أبدًا، وامرأة أخرى على الجانب الآخر من البعير، يسمونها الناس أيش؟
طلبة: هودج.
الشيخ: هودج، يُسمى الهودج، وبلغتنا إحنا أهل القصيم نسميه الكواجه، والظاهر أن هذه لغة تركية.
طالب: نسميها مقصر.
الشيخ: مقصر؟ إي نعم. على كل حال تسمى في اللغة الهودج، المرأة تُناخ بعيرها عند الخيمة، وتنزل من الهودج إلى الخيمة مباشرةً من غير أن تُرى، وعند الركوب تركب من الخيمة في الهودج، لا يراها أحد، إلى أن ترجع إلى بيتها، هذا من الذي يشد هذه الهوادج؟
طلبة: المؤجِر.
الشيخ: المؤجِر الجمَّال.
كذلك (الرفع والحط) على الجمَّال، لو مثلًا تنازع المستأجر والجمَّال، الجمَّال قال: ما أرفعها، ارفع لي أنت وأنا بأشدها، بأربطها، وذاك يقول: عليك الرفع، على من نحكم؟
طلبة: على الجمَّال.
الشيخ: على الجمَّال، يقول: أنت ( ... ) تكلفه، بعدين تخليه رافع دائمًا، تقول: خليه يبغيني حبل ( ... ). فعلى كل حال الحط والرفع على المؤجِر.
(لزوم البعير) نفرض أن المستأجر نزل ليقضي حاجته، يبول أو يتغوط، يبتعد، من الذي يلزم البعير؟
طلبة: الجمال.
الشيخ: الجمال المؤجِر، ما يقول: والله خلِّ البعير تمشي مع الإبل ولا عليك منها، نقول: لا، أنت الذي تلزمها، حتى يرجع صاحبها ويركبها.
قال: (ولزوم البعير).
(1/5092)
________________________________________
ثم قال: (ومفاتيح الدار) مفاتيح الدار على المؤجِر، هذه هي المشكلة، كل ما سبق هيِّن، ويمكن يتصرفون فيه، لكن مفاتيح الدار، أجَّرتك بيتي، وأخذت كل المفاتيح حتى مفتاح الباب الخارجي، أخذتها، قلت له: ويش أسوِّي بالباب؟ قال: زين مفاتيح أنت. المفاتيح على؟
طلبة: على المؤجر.
الشيخ: نعم، على المؤجِر، قصدي أنا قلبت المسألة، المفاتيح على المؤجِر لا على المستأجر؛ يعني معنى ذلك أنه إذا استأجر بيتًا فإنه يطالب المؤجِر بأيش؟
طلبة: بمفاتيح.
الشيخ: بمفاتيح. إذا انكسر المفتاح أو ضاع؟
نقول: إن كان بتفريط من المستأجر أو تعدٍّ فعليه؛ على المستأجر، وإن كان بغير تفريط ولا تعدٍّ فعلى المؤجِر.
قال: (وعمارتها) عمارة البيت المستأجَر على المؤجِر، لو مثلًا حصل فيه سقط، أو شق، أو انكسرت فيه خشبة، أو باب، فعلى مَنْ؟ على المؤجِر؛ لأنه ملكه، فأما إصلاح شيء زائد إذا طلبه المستأجر فليس على المؤجر منه شيء، مثل: لو قال: أنا أحتاج إلى زيادة الغرفة أو إلى زيادة الحجرة، فهل يلزم المؤجِر أن يقوم بذلك؟ الجواب: لا.
كذلك لو قال: أنا والله ما ( ... )، تطوَّر الناس، وصار يحتاج إلى أن أقطع على الغمر سقف ( ... ) على السقف، يلزمه ولَّا لا؟
طلبة: لا يلزمه.
الشيخ: تعرفون ( ... ) على السقف؟ أضع تحته خرقة، كان في الزمن لما كانت السقوف من الخشب يضعون خرقة تحت السقف عشان ما يبين الخشب، فهذا الرجل قال: الناس تطوروا الآن أريد أن تستر السقف، فقال المؤجِر: لا، من القول قوله؟ المؤجر؛ لأن هذا زائد على العمار.
قال المؤلف: (فأما تفريغ البالوعة والكنيف، فيلزم المستأجر إذا تسلمها فارغة) البالوعة يعني البلاعة، يسمونها الناس الآن بيَّارة، البيَّارة، مَنِ الذي يُفرِّغها إذا امتلأت؟ يُنظر، فيه التفصيل، إن كان المستأجر سلَّمها فارغة فيقول المؤجِر: أنت الذي ملأتها ففرِّغها، وإن كان قد استلمها مملوءة فعلى المؤجِر.
(1/5093)
________________________________________
إذا استلمها وفيها شيء يشترك المؤجِر والمستأجر، تنازع المؤجر والمستأجر، قال المستأجر: أنا لما تسلمتها فيها ثلاثة أرباعها، وقال المؤجر: فيها ربعها، علشان إذا فُرِّغت بمئة إذا كان فيها ربعها، كم يلزم المؤجر؟
طلبة: خمسة وعشرون.
الشيخ: خمسة وعشرون. إذا كان فيها ثلاثة أرباعها؟
طلبة: خمسة وسبعون.
الشيخ: خمسة وسبعون فتنازعا، كيف نعمل؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: الأصل ما فيها شيء، فالقول إذن قول المؤجر، هذا الأصل.
طالب: إذا كان البيت مسكونًا؟
الشيخ: إذا كان البيت مسكونًا يُنظر متى نزح الرجل، هل أن البيت مهجور من قديم، فالأصل أن ما فيها شيء؟ المهم إذا أشكل علينا الأمر فالحل الوسط أن نقول: النفقة بينكما.
(الكنيف) كذلك يلزمُ المستأجِر إذا تسلمها فارغة.
طالب: ما هو الكنيف؟
الشيخ: الكنيف محل العذرة.
طالب: هو نفسه الحمام.
الشيخ: لا، الكنيف ما فيه ماء، فيما سبق البيوت فيها الكنيف، هذا تُقضى فيه الحاجة فقط، ما فيه ماء، ولا يوجد فيه إلا -أكرمكم الله- العذِرة فقط، البوْل إذا كان فيه فهو يصير وييبس ويروح، تفريغ هذه الكُنُف على المستأجر إن تسلَّمها فارغة، وهذا لا شك أنه من العدل، والله أعلم. ( ... )
تعارض الأصل والظاهر، وإن كان البيت لم يُخلَ إلا من قريب فالظاهر أنها لا تخلو من شيء.
ثم قال المؤلف: (فصل وهي) أي: الإجارة (عقد لازم) كلمة عقد لازم يُستفاد منه أن من العقود ما هو لازم، ومنها ما هو ليس بلازم؛ وهو العقد الجائز، والأمر كذلك، فإن العقود تنقسم إلى قسمين: لازم من الطرفين، وجائز من الطرفين، ولازم من طرف، جائز من طرف، فالأقسام إذن ثلاثة: لازم من المتعاقدين، وجائز منهما،
ولازم من أحدهما جائز من الآخر.
أولًا: ما هو اللازم؟
(1/5094)
________________________________________
اللازم: هو الذي لا يمكن فسخه إلا بسبب شرعي أو تراضٍ من الطرفين، هذا اللازم، هو الذي لا يمكن فصْله إلا بسبب شرعي أو تراضٍ من الطرفين، مثل: البيع، إذا تبايع الرجلان فالبيع لازم إلا إذا كان في مجلس العقد، فلكل منهما الخيار، وهذا سبب شرعي، إذا تبايع رجلان فالبيع لازم، لكن لو وجد أحدها عيبًا فيما اشتراه فله الفسخ، وهذا سبب شرعي، إذا تبايع الرجلان فالبيع لازم، لكن لو أقال أحدهما الآخر فالإقالة جائزة، وهذا فُسِخ برضا من الطرفين.
المشاركات التي سبقت لنا في باب الشَّرِكة، والمساقاة والمزارعة على المذهب عقود جائزة لكل منهما الفسخ.
الوكالة: عقد جائز لكل منهما الفسخ؛ الوكيل أو الموكِّل، هذا جائز من الطرفين.
اللازم من طرف دون الآخر: إذا كان العقد حقًّا لأحدهما وحقًّا على أحدهما فهو لمن هو له جائز، ولمن هو عليه لازم، مثال ذلك: الرهن: عقد لازم من أحد الطرفين جائز من الطرف الآخر، رهنتك بيتي في دراهم تطلبني إياها، الرهن عليَّ ولَّا لي؟
طلبة: عليَّ.
الشيخ: عليَّ، إذن هو لازم من قبلي، وللمرتهن؟
طلبة: جائز.
الشيخ: جائز؛ لأنه له، فيجوز للمرتهن أن يقول للراهن: خُذ بيتك، أنا لا أريد الرهن. طيب لو قال الراهن: لا، ما أبغيه، خليه يبقى رهن، قال: لا، خُذْ أنا لا أريده، من نأخذ بقوله؟
بقول المرتهِن؛ لأن الحق له وقد تنازل، واضح؟
بالنسبة للراهن، هل يملك أن يفسخ الرهن بدون رضا المرتهِن؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا يمكن، فهذا عقد لازم من أحد الطرفين. الإجارة، ذكرنا أنها نوع من البيع، لكنها بيع منافع، فإذا كانت نوعًا من البيع، فالبيع من العقود اللازمة، ولهذا قال المؤلف: (وهي عقد لازم) يعني من الطرفين.
(فإن آجره شيئًا ومنعه كل المدة أو بعضها فلا شيء له).
(1/5095)
________________________________________
(إن آجره) يعني آجر شخصٌ شخصًا آخر، ثم منعه المدة أو بعضها فلا شيء له، فلا شيء لمن؟ فلا شيء للمؤجر، مثال ذلك: رجل آجر بيته رجلًا آخر لمدة سنة، تبتدئ من ثامن محرم عام ألف وأربع مئة وتسعة، فلما جاء اليوم الثامن جاء المستأجر إلى صاحب البيت، قال: أعطِني البيت. قال له: اصبر، جه من باكر قال: اصبر ها الأسبوع هذا، بعده، اصبر نصف ها الشهر، بعده، اصبر الشهرين، ما أنا مسلمك، أنا محتاج للبيت، أنا حاسس أني بخلص شغلي قبل يوم ثمانية، والآن ما خلص، اصبر إلى أن يخلص الشغل، هل له أجرة؟
طلبة: لا.
الشيخ: يقول المؤلف: ما له أجرة؛ لأنه منعه ما اتفقا عليه؛ وهي سَنة. لو أخرجه في آخر المدة قبل تمام المدة، فهل له أجرة ولَّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: ليس له أجرة؛ لأنه منعه من استيفاء المنفعة، أو من استيفاء بعض المنفعة، فإذا منعه من أول الْمُدَّة أو من آخرها فلا شيء له.
وإن منعه كل المدة استأجرها شهرًا من هذا الرجل، ولكن الرجل منعها، قال: أنا محتاج، وأنا ما أعطيك إياها الشهر، اللي هو زمن الإجارة، فهل له شيء؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا شيء له؛ لأن المستأجر لم تحصل له المنفعة التي عُقد عليها، ولهذا قال: (فمنعه المدة كل المدة أو بعضها فلا شيء له).
لو قال قائل: لماذا لا تعطونه القسط من الأُجرة إذا منعه بعضها؟ نقول: لأن الإجارة وقعت على صفة معينة؛ وهي سنة كاملة، وهذا الرجل لم يُسلِّم له العين المؤجرة على هذه الصفة، فلما لم يسلمها على هذه الصفة لم يستحق الأجرة، هذا وجه.
الوجه الثاني: أنه ظالم مُعتدٍ على حقه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (13).
وقال تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 42].
(1/5096)
________________________________________
الوجه الثالث: أن نقول: الأمر بيدك، أنت الذي منعت، وأنت الذي تُمكِّن، فلما منعتَ كنتَ أنت الذي أسقطتَ حقك بنفسك، فلا حق لك.
فهذه ثلاثة وجوه تدل على أنه إذا منعه بعض المدة، فلا حق له، ليس له شيء من الأجرة.
قال: (وإن بدأ الآخر قبل انقضائها فعليه) (إن بدأ الآخر) من هو الآخر؟ المستأجر، إن بدأ فتركها قبل انقضائها فعليه، عليه أيش؟ كل الأجرة، كذا؟
طالب: نعم.
الشيخ: مثال ذلك: رجل جاء إلى بلد يصطاف فيها، وكان من تقديره أن يبقى ثلاثة شهور، فاستأجر بيتًا ثلاثة شهور، ثم بدا له أن يرجع إلى بلده حين تم له شهران، فقال لصاحب البيت: أنا الآن استغنيت عن البيت، وأنا مستأجره منك بثلاثة آلاف، والآن بقيت شهرين، فهذه ألفان وألف، ما أنا معطيك، لماذا؟
قال: لأن أنا ما بساكن، صح؟
طلبة: لا.
الشيخ: هذا غير صحيح، يعني ما يمكن من هذا؛ لأن صاحب البيت يقول: أنا اتفقت معك على ثلاثة آلاف، أستحقها الآن، وأنا ما منعتك حقك، خُذْ، البيت أمامك الآن كمِّل. فنقول: يلزمه الأجرة كاملة. طيب لو أن هذا الرجل أجَّر بقية المدة بثلاثة آلاف، المستأجر أجَّر بقية المدة بثلاثة آلاف؟
طلبة: يجوز.
طلبة آخرون: لا يجوز.
الشيخ: يجوز بشرط ألا يكون أكثر منه ضررًا على المذهب. في قول آخر: أنه لا يجوز أن يربح في الأجرة، لكن المذهب هو الجواز؛ وهو الأصح.
إذن نقول: هذا المستأجِر يُلزم بدفع الأجرة كاملة، ويُقال: إن الرجل عقد على كم من ألف؟
طلبة: ثلاثة ..
الشيخ: ثلاثة آلاف، فعقد الإجارة على صفة معينة ثلاثة آلاف، لازم تكمل له الصفة هذه وإلا فلا شيء لك.
إذا قال: أنا ويش ذنبي أنكم تلزموني بأجرة شهر، وأنا ما أنا موجود؟ نقول: حق لك، استوفِ هذا الشهر بنفسك أو ..
(1/5097)
________________________________________
وتَنْفَسِخُ بتَلَفِ العينِ المؤَجَّرَةِ وبموتِ الْمُرْتَضِعِ والراكبِ , إن لم يُخَلِّفْ بَدَلًا وانقلاعِ ضِرْسٍ أو بُرْئِه ونحوِه، لا بموتِ الْمُتعاقِدَيْنِ أو أحدِهما ولا بضَياعِ نَفقةِ المستأْجِرِ ونحوِه، وإن اكْتَرى دارًا فانْهَدَمَتْ , أو أَرْضًا لزَرْعٍ فانْقَطَعَ ماؤُها , أو غَرِفَتْ انْفَسَخَت الإجارةُ في الباقي، وإن وَجَدَ العينَ مَعيبةً أو حَدَثَ بها عيبٌ فله الفَسْخُ وعليه أُجرةُ ما مَضَى , ولا يَضمنُ أجيرٌ خاصٌّ ما جَنَتْ يَدُه خطأً ولا حَجَّامٌ وطَبيبٌ وبَيطارٌ لم تَجْنِ أَيْدِيهم إن عُرِفَ حِذْقُهم ولا راعٍ لم يَتَعَدَّ، ويَضمنُ المشتَرِكُ ما تَلِفَ بفِعْلِه، ولا يَضْمَنُ ما تَلِفَ من حِرْزِه أو بغيرِ فِعْلِه ولا أُجرةَ له، وتَجِبُ الأجرةُ بالعَقْدِ إن لم تُؤَجَّلْ وتَستحِقُّ بتسليمِ العملِ الذي في الذِّمَّةِ، ومَن تَسَلَّمَ عينًا بإجارةٍ فاسدةٍ وفَرَغَت الْمُدَّةُ لَزِمَه أُجرةُ الْمِثلِ.
وذهب شهر المحرم كله ما سكن، تلزمه الأجرة كاملة ولَّا لا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: نعم، تلزمه كاملة؛ لأنه هو الذي أسقط حقه من أول المدة.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وتنفسخ) أي الإجارة (بتلف العين المؤجرة) صح؛ لتعذر الاستيفاء، فتنفسخ بتلف العين المؤجرة، ويكون للمؤجِر من الإجارة بالقسط.
مثال ذلك: استأجر بيتًا للسكنى فانهدم، استأجره لمدة سنة فانهدم حين مضى ستة أشهر، فقال المستأجِر للمُؤجِر: دبِّر لي بيتًا. قال: ما أُدبِّر لك، البيت الذي أنت استأجرت انهدم، مَنْ نَقْبل؟
الطلبة: قول المستأجر.
الشيخ: قول المستأجر؛ يعني نُلزمه بأن يُدبِّر له بيتًا؟ !
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: المؤجِر، إذن نقبل قول المؤجِر، المؤجر يقول: البيت الذي استأجرته انهدم، فالعين زالت، فلا تطالبني، قال له: أُلزمك ببنائه، ابنِ، ولو بناءً مُؤَقتًا، يلزمه ولَّا لا؟
الطلبة: لا.
(1/5098)
________________________________________
الشيخ: لا يلزمه؛ لأن العين الذي وقع عليها العقد تلفت، هذه واحدة.
كذلك أيضًا استأجر سيارة للسفر عليها إلى الحج، وقدَّر الله على هذه السيارة أن احترقت في أثناء الطريق لما وصل ( ... ) احترقت، قال له: يلَّا، دبِّر لي سيارة توصلني مكة وترجعني، يلزمه ولَّا لا؟
الطلبة: لا.
الشيخ: يا إخواني، استأجر السيارة هذه بعينها، استأجرتُ منكَ هذه السيارة أحُج عليها.
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما يلزمه؟ ليش؟ لأن العين التي وقع العقد عليها تلفت ولا يلزمه، أما لو استأجره على أن يحج به، لا بأس؛ لأنه استأجره على عمل يلزمه إفاؤه، إذا تلفت هذه العين جاب له عينًا أخرى. هذه واحدة تلف العين المؤجرَة.
قال: (وتنفسخ بموت) ذكرنا أنها لو تلفت في أثناء المدة، فهل يلزم المستأجر أجرة ما مضى وإلا نقول كما سبق أنه لا أجرة له؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: نعم، نقول: يلزمه أُجرة ما مضى بالقسط، فإذا استأجرها لمدة سنة بألف ومئتين، وانهدمت البيت بعد تمام ستة أشهر، كم يلزمه؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: ست مئة، يلزمه ست مئة. فإن قدر أن الزمن الذي تلفت فيه زمن موسم تكون فيه العقارات أغلى، فهل يلزمه ست مئة أو أقل؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: يعني هذا البيت استأجره سنة بألف ومئتين، لكن أربعة الشهور الأخيرة تساوي ثلثي الأجرة؛ لأنها موسم، وهذا وُجِد كثيرًا في بيوت مكة وبيوت المدينة، تختلف باختلاف المواسم، فهل نقول له بالقسط باعتبار الزمن أو باعتبار قيمة المنفعة؟
باعتبار قيمة المنفعة، قد تكون ستة أشهر إذا وزَّعنا الأجرة عليها مع بقية السنة لا تساوي إلا رُبع الأجرة، كم نعطيه فيما إذا كانت لا تساوي إلا ربع الأجرة؟
طالب: الربع.
الشيخ: كم؟
الطالب: الربع.
الشيخ: كم الربع؟
الطالب: ثلاث مئة.
الشيخ: ثلاث مئة، إي نعم.
(1/5099)
________________________________________
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وتنفسخ بموت المرتضع) أيش لون هذا؟ استأجر رجل امرأة على أن ترضع هذا الولد، الولد مات، جاءت المرضِعة لولي الطفل، قالت: أبغي بقية الأجرة، أنت استأجرتني أن أرضعه سنتين، وهذا الطفل مات لسنة، أعطني أُجرة السنتين جميعًا. قال: لا، ما أعطيك أجرة السنتين؛ لأن الإجارة انفسخت، قالت: تجيب لي طفلًا أرضعه. يلزمه ولَّا لا؟
الطلبة: ما يلزمه.
الشيخ: ما يلزمه؟ له أخ صغير توأم معه، قالت: جيب أخوه، يلزمه؟
الطلبة: لا يلزمه.
الشيخ: لا يلزمه؟ لماذا؟ لأن العقد وقَع على عين المرتضِع، والمرتضع مات. أيش نسوي، ترضعه بقبره؟ ! ما ينفع، إذن تنفسخ.
هو استأجرها لمدة سنتين بألفي ريال، ومات الطفل لسنة كم تستحق من الأجرة؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: ألف؟ تأمل.
طالب: أقل يا شيخ.
الشيخ: أقل من الألف؟ ليش؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: صح، تكون بالقسط الزمني ولَّا المنفعي؟
الظاهر المنفعي؛ لأن الطفل إذا كبِر صارت مشقة حمله أشد، ورضاعه أكثر ولَّا لا؟
إذن القسط باعتبار المنفعة لا باعتبار الزمن، هذا هو الظاهر، لكن اعتبار المنفعة خصوصًا بالنسبة للطفل صعب.
فلو قيل: إنه في هذه الحال نرجع إلى القسط الزمني، ونقول: كل واحد منهم يشيل الآخر، مثل ما يُعرف في علم الحساب بالمتوسط، يعني لو قيل بهذا فليس ببعيد، أما إذا أمكن الضبط فلا شك أن هذا مُعتبَر؛ لأنك لو أتيت بطفل له سنة لامرأة تُرضعه بقية السنتين لكانت أجرتها أكثر ولَّا لا؟
أكثر مما لو أعطيت امرأة طفلًا له شهر لترضعه لمدة سنة، هذا واضح والله أعلم ( ... ).
سبق لنا أن الإجارة من باب العقود اللازمة، وكل عقد لازم فإنه لا يملك أحد المتعاقِدَيْن فسخه إلا لسبب شرعي، أو رضًا من الطرفين.
(1/5100)
________________________________________
وذكرنا أنه إذا تسلَّم العين المستأجرَة، ثم منعه المالِك بقية المدة فإن الإجارة تنفسخ، ولا حق للمؤجِر؛ لأنه منع المستأجر من كمال الانتفاع، أما إذا منعه من الانتفاع ابتداءً فإن ظاهر كلام المؤلف أنه لا أُجرة له أيضًا.
يعني لو أجَّره هذا البيت لمدة سنة ومنعه أول المدة، ثم سلَّمه، فظاهر كلام المؤلف أنه لا أجرة له، وأن للمستأجر الفسخ، وهذا هو الصحيح.
وقيل: إنه إذا سلَّمها له بعد منعها في أول السنة فإن الإجارة تنفسخ فيما مضى فقط، ولصاحب البيت المؤجِر أجرة ما بقي، لكن ما ذهب إليه المؤلف أصح.
وسبق لنا أن الإجارة تنفسخ بتلف العين المؤجرة، وأن المؤجِر لا يُلزم بإبدالها، مثاله؟ تلف العين المؤجرة؟ ( ... ).
ربما يقول هذا الكلام كيف نزلت؟ يعني مثلًا استأجر مني هذه الفيلا بمئة ألف، لما مضى نصف السنة انهدمت الفيلا، فقال: أنا أعطيك الفيلا الأخرى، فقال: لا، أنا لا أريد، أعطِني خمسين ألفًا؛ أجرة الفيلا الأخرى لا تساوي عشرة آلاف، صح ولَّا لا؟ الآن المؤجِر يقول: أنا أعطيك بدالها، خذ، قال: لا، أنا استأجرت منك الفيلا معينة وانهدمت، فأعطني بقية الأجرة.
العكس بالعكس قد تكون الأجور زادت، فيطالِب المستأجِر المؤجِر، يقول: أعطني الفيلا الثانية جنبها، ما فيه أحد يقول: لا، له الحق في هذا ولَّا لا؟ له الحق.
قال: تنفسخ أيضًا (بموت المرتضع) (موت المرتضع)؛ يعني رجل أعطى مرضعة ولده لترضعه لمدة سنتين، فمات بعد سنة، تنفسخ ولَّا لا؟
إذا انفسخت وقسموا الأجرة، على الزمن، أو على الزمن مقرونًا بالعمل؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: الثاني، الظاهر الثاني؛ لأنه سبق أن هناك فرقًا بين إرضاع الطفل الذي له سنة والذي له سنتان.
قال المؤلف: وتنفسخ أيضًا بموت (الراكب إن لم يُخلِّف بدلًا) تنفسخ الإجارة بموت الراكب إن لم يخلف بدلًا، كيف؟ يعني رجل جاء إلى شخص واستأجر منه بعيره إلى مكة، ومات المستأجر، تنفسخ الإجارة ولَّا لا؟
(1/5101)
________________________________________
يقول المؤلف: في هذا تفصيل، إن خلف بدلًا فإنها لا تنفسخ، وإن لم يخلف بدلًا فإنها تنفسخ، كيف؟ إن خلف بدلًا، مثل هذا الرجل الذي مات كان معه ولده، فقال الولد: أنا أركب الناقة بدل أبي، فعلى كلام المؤلف لا تنفسخ الأجرة، ليش؟
لأن الراكب خلف بدلًا وهو مستحِق لنفع البعير إلى مكة، فلما مات قام وارثه مقامه، أما إذا لم يخلف بدلًا، يعني مات هذا الرجل وبقيت البعير عُريًا، لا أحد يركبه، فهنا الإجارة تنفسخ.
وما ذهب إليه المؤلف هو الصواب على أن الراكب إن خلف بدلًا فإنها لا تنفسخ، وإن لم يُخلِّف فإنها تنفسخ. من هو البدل؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: البدل: الوارث، أو رجل أوصى له بها. هذا المستأجر رأى نفسه مريضًا فكتب: إن مِتُّ ففلان يخلفني في ركوب البعير، إذن خلَّف بدلًا ولَّا لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: وارثًا؟ لا، لكن مُوصًى له، أما إذا لم يُخلِّف فالإجارة تنفسخ، أيهما أحظ لصاحب البعير أن تنفسِخ أو لا تنفسخ؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: لصاحب البعير؟ ! ما هو المستأجر يا إخوان؟
الطلبة: لصاحب البعير، حسب الحال.
الشيخ: حسب الحال، ربما يجي واحد يقول: أنا بستأجر منك الآن البعير من نصف الطريق إلى مكة، أنت مؤجرها بمئة، أنا بستأجر بمئتين، فيكون من حظه أن تنفسخ، لكن إذا قلنا: لا تنفسخ صارت المئتان لِمَنْ؟ للمستأجر، صارت المئتان للمستأجر.
فعلى كل حال لا نقول بالإطلاق: إن المصلحة للمؤجِر ولا للمستأجر؛ لأن هذا يختلف بحسب الحال.
خلاصة المقال: لو قال قائل: هل تنفسخ الإجارة بموت الراكب؟
نقول: فيه تفصيل؛ إن خلَّف بدلًا لم تنفسخ، وقام بدله مقامه، وإن لم يُخلِّف انفسخت.
(1/5102)
________________________________________
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وبانقلاع ضرس)، انقلع الضرس، أيش لون انقلاع ضرس؟ يعني رجل استأجر شخصًا أن يقلع ضرسه، قال: والله أنا لي ضرس يوجع، وأبغيك تقلعه، قال: والله الآن مصيفين ( ... )، وبيؤذن المغرب، ائت بكرة، كم؟ قال: بقلعه لك بعشرة ريالات، في الليل، انقلع الضرس، طاح، تنفسخ الأجرة ولَّا لا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: جاء صاحب المقلاع في الصباح، قال: يلَّا، أعطني ضرسك، قال: ضرسي انقلع. هل يقول: أعطني أجرتي ولَّا لا؟
الطلبة: لا.
الشيخ: ليش؟ لأن المعقود عليه مُعيَّن وتلِف، ولَّا لا؟ قال: أعطني الضرس الثاني أقلعه بداله، نطيعه ولَّا لا؟ ! ما نطيعه، معلوم، أنا مستأجرك أنك تقلع الضرس اللي يوجعني، وكفى الله المؤمنين القتال، هذا الضرس راح وانتهى، واضح أظن؟
ومثل ذلك: لو استأجره لمداواة عينه، فشُفيت قبل أن يداويها فإنها تنفسخ؛ لأن الشيء المعين فات.
قال: (بانقلاع ضرس أو بُرئه) كيف برئه؟ شُفي، لكن لو جاء صاحب المقلاع وقال: يلَّا، أعطِني الضرس، قال: الحمد لله، هان عليَّ الآن، وبرد وشُفِي. قال له: ما شفي، فتنازعا، هذا يقول: شُفي ليسلم من الأجرة، وهذا يقول: ما شُفي ليأخذ الأجرة. مَن القول قوله؟
الطلبة: الطبيب.
الشيخ: لا، ما هو الطبيب، هذا ضرر، الظاهر أن القول قول صاحب الضرس، لكنه يُحَلَّف إن أدت المسألة إلى محاكمة يُحَلَّف، وإلا القول قول صاحب الضرس؛ لأن الأمر ممكن ولَّا غير ممكن؟
الطلبة: ممكن.
الشيخ: ممكن؛ دائمًا يثور عليك الضرس في الليل وفي النهار يبرأ، ودائمًا جالس ما فيك إلا ( ... ) هذا شيء ما يمكن له ضابط.
فعلى هذا إذا قال: إنه برئ؛ فالقول قوله، فإن تنازعوا رُفِع الأمر إلى الحاكم، ويُحلِّف صاحب الضرس.
قال: (أو برئه) لو فرضنا أنه ما برئ، ما زال يوجعه، لكن تحسب، صاحب الضرس تحسب وقال: ( ... ) هونت أقلعه بصبر عليه، ولعله إن شاء الله يهون ويبرأ، هل يُجبر على القلع؟
طلبة: لا يُجبر.
(1/5103)
________________________________________
الشيخ: لا يجبر، لكن يدفع الأجرة.
قال المؤلف: (ونحوه) يعني نحو برء الضرس وقلعه، يعني كل شيء استؤجِر له بعينه، ثم زال الشيء المعقود عليه فإن الإجارة تنفسخ.
قال المؤلف: (لا بموت المتعاقدين أو أحدهما)، يعني لا تنفسخ الإجارة بموت المتعاقِدَيْن أو أحدهما، مثل رجل استأجر مني بيتًا، وفي أثناء المدة تُوفِّي، هل تنفسخ الإجارة؟ لا تنفسخ، ويكون حق الاستيفاء لمن؟
الطلبة: لورثته.
الشيخ: لورثته. كذلك بالعكس، لو أن المؤْجِر مات، فإن الإجارة لا تنفسخ، ويكون بقية الأجرة لمن؟
الطلبة: للورثة.
الشيخ: للورثة. فإن قلت: هل يتعارض هذا مع ما سبق من قوله: (تنفسخ بموت الراكب إلى أن يخلف بدلًا)؛ لأنه هناك اشترط، قال: (تنفسخ بموت الراكب) مع أن الراكب عاقد، (إن لم يُخلِّف بدلًا)؟
فالجواب: لا تناقض؛ لأنه هناك عُقِد الإجارة على عيْن الراكب، ولهذا قد لا يكون الراكب هو المستأجِر، قد أستأجر الناقة أنا، لفلان يركبها، أنا المستأجِر وهو الذي يركبها، فقد يكون هكذا.
على كل حال لا تعارُض؛ لأنه هناك فاتت المنفعة بفوات المعقود عليه بعينِه، أما المتعاقدان فقد عقدا على شيء، عقدا على هذا البيت، لا على شخص معين، فهذا هو الفرق بينهما.
قال: (أو أحدهما، ولا بضياع نفقة المستأجر ونحوه) (بضياع نفقة المستأجر) رجل استأجر مني بعيرًا ليحج عليه فهو مؤجِر، ولَّا مستأجر؟
الطلبة: مستأجر.
الشيخ: مستأجر، كان معه فلوس قد هيأها للحج، وجمعها للحج، جاء واستأجر مني البعير، ثم إن الفلوس التي معه سُرقت أو احترقت أو ضاعت، جاءني قال: والله الفلوس اللي أنا هيأتها للحج ضاعت، الآن، ما أنا بحاج، ما أستطيع، تنفسخ الإجارة ولَّا لا؟
طلبة: لا تنفسخ.
(1/5104)
________________________________________
الشيخ: لا تنفسخ الإجارة؛ لأن هذا أمر خارج عن العقد، لا يتعلق بالمعقود عليه ولا بالعاقِد، يتعلق بأمر خارجي، إذا قال: ما أنا بحج الآن، ولا أستطيع أن أحج، أقول: روح تسلف، وإلا تؤجر البعير على حسابك، وما نقص من الأجرة يكون عليك؛ لأن هذا أمر خارجي.
قوله: (ونحوه) كاحتراق متاع، استأجر الدكان لبيعه فيه، مثل الرجل عنده ثياب أقمشة، جاء بها من بلد، ووضعها عنده في البيت، واستأجر مني الدكان من أجل أن يبيع هذه البضاعة فيه، ولكن هذه الأقمشة احترقت، وجاءني قال: أنا استأجرت منك الدكان لأبيع فيه الأقمشة، والأقمشة احترقت، فأريد أن تقيلني، فقال صاحب الدكان: لا، فهل تنفسخ الإجارة هنا ولَّا لا؟
الطلبة: لا تنفسخ.
الشيخ: لا تنفسخ، أنا ما استأجرتها منك إلا لبيع هذه الأقمشة، قال: هذا أمر خارج عن العقد، ليس هو المعقود عليه، فلا تنفسخ الإجارة في هذا. هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.
وفي المسألة قول آخر: أنها تنفسخ إذا عُلم أنه إنما استأجرها لهذا الغرض، فإنها تنفسخ، وجعل صاحب هذا القول هذه المسألة من باب الجوائح، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ » (1).
فيقول: إن المؤجر عنده علم بأن المستأجر، إنما استأجر هذا المكان لهذا الغرض، هذا الغرض، فات بغير سبب منه من الله عز وجل، فيكون كالثمرة التي اشتراها صاحبها للأكل، ثم أصابتها جائحة من الله، فلا يحل للبائع أن يقول: والله هذا شيء ما هو منه، هذا من الله، لازم تعطيني قيمة الثمرة، نقول: لا، ليس لك ثمرة، إذن نقول لهذا: ليس لك إجارة؛ لأنك تعلم أنه إنما استأجرها لهذا الغرض، وقد تلف بفعل من الله.
(1/5105)
________________________________________
لكن لو جاء المستأجر وقال: والله أنا استأجرت منكَ الدكان لأبيع البضاعة فيه، والآن تبين لي أنا البضاعة غالية في بلد آخر، وتركت البيع هنا، أبغي أروح أبيع في البلد الثاني، تنفسخ الإجارة ولَّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا تنفسخ، لماذا؟ لأن هذا أمر بفعل المستأجر، وباختياره يقول: أعطني أجرتي، وروح بِعْ في البلد اللي تبغي أنت، أما شيء بغير فعلي، بل ومِن الله، وأنا أيها المؤجر أعلم بأنه ما استأجره لهذا الغرض، فكوني آخذ منك الأجرة هو في الحقيقة أخذ للمال بغير حق، بل نقول: تنفسخ الإجارة، ويرجع الدكان إلى مَنْ؟ إلى صاحبه، إلى المالك، وهذاك يسلم من الأجرة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الحق.
ولا يسوغ -فيما أرى- القضاء بغيره، أو الحكم بغيره، لا سيما أن هذا يدري أنه مما استأجره لهذا الغرض، أما لو جاء يستأجر مني الدكان، ونيته لهذا الغرض، وأنا ما أدري، فهنا نقول: إن الإجارة لا تنفسخ؛ لأن المؤجر لم يدخل على هذه النية، وبينهما فرق بين رجل استأجر مني دكانه من غير أن أعلم ما مقصوده، وبين رجل أعلم أنه استأجره لبيع هذه البضاعة المعينة، فتلفت بفعل الله، فهذا لا أستحق شيئًا منه.
قال المؤلف: (وإن اكترى دارًا فانهدمت، أو أرضًا لزرع، فانقطع ماؤها أو غرقت انفسخت الإجارة في الباقي) رجل استأجر بيتًا للسُّكنى في أثناء المدة انهدم البيت، نقول: تنفسخ الإجارة من أصلها أو في الباقي؟
الطلبة: في الباقي.
الشيخ: في الباقي، وأما ما مضى فعليه قِسْطه من الأجرة؛ لأنه استوفاه كاملًا.
كذلك استأجر أرضًا لزرع، فانقطع ماؤها، أو غرقت، كيف يتصور هذا؟ يتصور، استأجرها للزرع على أن النهر يسقيها، النهر توقَّف، انقطع ماؤه ولَّا لا؟ طيب استأجر الأرض على أن فيها بئرًا يخرج منه الماء، ثم غار البئر، ماذا نقول؟
الطلبة: تنفسخ الإجارة.
(1/5106)
________________________________________
الشيخ: تنفسخ الإجارة؛ لأن هذا أمر بغير اختيارهما، فتنقطع الإجارة لتعذُّر استيفاء المنفعة. كذلك لو غرِقت، كيف تغرق؟ يعني جاء فيضان، غرقت الأرض، ما تصلح للزراعة، فإن الإجارة تنفسخ لأنني استأجرتها للزرع، وتعذَّر الانتفاع.
فإن قال قائل: ألا يؤيد هذا ما سبق إن قلنا: إنه الصحيح فيمن استأجرها لبيع سلعة لتعذر الانتفاع؟
نقول: هذا يؤيد من بعض الوجوه، لكن الفرق أن هذا لخلل في المعقود عليه، لا في المعقود له.
في المسألة الأولى فيما إذا استأجر الدكان ليبيع فيه المتاع، هذا تعذر الانتفاع للمعقود له، أما هنا فتعذَّر الانتفاع للمعقود عليه، وهي الأرض أو الدار، ولكن مع ذلك هذا الفرْق قد نقول: إنه غير مؤثر؛ لأن الانتفاع تعذَّر في هذا وفي هذا بغير إرادة الإنسان ( ... ).
***
والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وقفنا على قوله: (وإن وجد العين معيبة) وسبق لنا ما تنفسخ به الإجارة، والسؤال الآن هل تنفسخ الإجارة بموت الراكب؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، ( ... ) لا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا.
وسبق لنا أنه استأجره لقلع الضرس فانقلع الضرس، فإن الإجارة تنفسخ، لا يُقال: إنها لا تنفسخ، وأنه يلزمه أن يخلع ضرسه الثاني كذا؟ أقول: لا نقول بهذا، ولَّا نقول؟ لا نقول بهذا.
لا نقول للمستأجر: دوِّر إنسان يوجع ضرسه على ( ... ) المستأجر؟ لا؛ لأن العقد على عين الضرس، والضرس انقلع أو برئ.
لو عدل المستأجر عن قلع ضرسه مع بقائه؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: فإنه تلزمه الأجرة؛ لأنه ترك الاستيفاء باختياره.
لو ضاعت نفقة المستأجر؟
طالب: لا تنفسخ.
الشيخ: لم تنفسخ؛ لأن العذر من جانب واحد، فإذا استأجر هذه البعير ليحُجَّ عليها، ثم سُرقت النفقة أو ضاعت فإنه يلزمه الأجرة.
(1/5107)
________________________________________
وهذا أيضًا ينبغي أن يُقال فيه ما قلنا بموت الراكب، وأنها إذا ضاعت أُجرة المستأجِر، ولم يتمكن من استيفاء المنفعة، فلا شيء عليه، تنفسخ الإجارة؛ لأن هذا بغير اختياره.
لو احترق متاعه، استأجر دكانًا للبضائع، فاحترقت البضائع، فهل تنفسخ الأجرة أو لا؟
المذهب أنها لا تنفسخ، والصحيح أنها تنفسخ إلا إذا كان الاحتراق بسبب منه؛ يعني هو الذي فرَّط بأن أبقى السراج في الدكان، وأغلقه، فسقط السراج، واحترق الدكان، أو كان لم يضبط تسليك الدكان، فحصل التماس فاحترق، فهذا لا تنفسخ؛ لأنه منه.
وسبق لنا أنه يجوز للمستأجِر أن يؤْجِر المكان الذي استأجره بشرط ألا يكون الثاني أكثر منه ضررًا، وشرط آخر عند بعض العلماء ألا يؤجره بأكثر مما استأجره.
لو استُؤْجر لعمل شيء، ثم مرض، هل يلزمه أن يقيم غيره مقامه؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما هو؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: أو بالعكس؟ بالعكس إن كان العقد على عينه، وتعذَّر الانتفاع، فإنه ما يلزم، وإن كان على العمل فإنه يلزم، لكن المذهَب أنه يلزم مطلقًا إلا إذا اشتراه مباشرة بنفسه، فلا يلزمه.
هل لمن استُؤجر لعمل أن يؤجر غيره للقيام به؟ يعني مثلًا استأجرتني لأخيط لك هذا الثوب، فدفعتُه لغيري ليخيطه، فهل يجوز؟
نقول: في هذا أيضًا تفصيل؛ إن دفعته إلى مَنْ هو أحسن مني، فهذا لا بأس به وجائز، وإن دفعته إلى من هو أقل، فلا يجوز.
لو أعطاني أحد مالًا لأحج عنه، فهل يجوز أن أدفعه لغيري؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: الغالب أنه لا يمكن تحقيق هذا الشرط؛ لأن هذا الذي دفع المال إليَّ ربما لا يرضيه إلا أنا؛ لأني في نظره عندي مثلًا عِلْم، وعندي دين، وغيري قد لا يكون عنده عِلْم ولا دين.
فالمهم أنه إذا كان الشيء يختلف فيه القصد، فإنه لا يجوز أن تُقيم غيرك مقامك، وإن كان لا يختلف فيه القصد، فإنه يجوز بشرط ألا تسلمه إلى أحد أقلَّ منك معرفة بهذا العمل.
(1/5108)
________________________________________
يقول المؤلف رحمه الله: (وإن وجد العين معيبة، أو حدث بها عيب فله الفسخ، وعليه أجرة ما مضى) إن وجد العين معيبة فله الفسخ، ولكن ما هو ضابط العيب هنا؟
ضابط العيب هنا ما تختلف به الأجرة؛ بمعنى أننا لو قدَّرنا هذه خالية من العيب لكانت أجرتها مئة، ومعيبة لكانت أجرتها ثمانين، فإن هذا هو العَيْب، أما ما لا تختلف فيه الأجرة فليس بعيب، على ظاهِر كلام المؤلف.
مثال ذلك: استأجر الإنسان بيتًا، ثم وجد فيه عيبًا، وجد فيه تشققًا في الجدران، أو تكسرًا في الخشب، أو في الزجاج، أو ما أشبه ذلك، وهو لم يعلم به حين العقد، فهنا نقول: له الخيار، إن شاء فسخ، وعليه أجرة ما مضى، وإن شاء بقي، ولكن هل له الأرش؟
المذهب أنه ليس له الأرش، فيقال: إما أن تأخذها، تبقى فيها بالأجرة التي تسمى العقد عليها، وإما أن تدعها.
استأجر بيتًا ووجد فيه عيبًا، لكنه شق يسير لا تختلف به الأجرة، أو مثلًا يعني لون مخالف للون البيت كجص مثلًا في جانب منه، فاختلف فيه لون البيت، أو ما أشبه هذا من العيوب التي لا تختلف فيها الأجرة، فإن هذا لا يوجب الفسخ، بل لا يُجيز الفسخ إلا برضا المؤْجِر.
إذن نقول في المسألة الأولى التي وَجَدَ فيها عيبًا تنقُص به الأجرة: أنتَ بالخيار، إن شئتَ فافسخ، وإن شئتَ تبقى بلا أرْش، إذا فسخ فعليه أجرة ما مضى؛ لأنه استوفى المنفعة، فإذا استوفاها لزمه عِوضُها، وكيف ذلك؟
نقدر هذا البيت إجارته سنة، اثنا عشر ألفًا، وقد مضى من السنة شهران، نقول: عليه من الأجرة ألفان، إي نعم، عليه ألفان من الأجرة إلا إذا كان آخر السنة، تزيد الأجرة لكونه موسمًا، فيُنقص من الألفين بقسطها.
(1/5109)
________________________________________
وإن شاء بقي بالبيت على عيبه، وليس له أرش، وهذا فيما إذا كان المؤجر غير مدلس، فإن كان مدلسًا فإنه -على الصحيح- لا شيء له من الأجرة؛ لأنه غاش، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» (2). وهو ظالم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (3).
فإذا كان المؤجِر يعلم العيب، وكتَمَه عن المستأجر فإنه لا شيء له؛ لأنه ظالم.
يقول: (أو حدث بها عيب) أيش معنى حدث بها عيب؟
يعني بعد أن استأجرها، استأجر هذا البيت وهو سليم، حصل به عيب، فله الفسخ، وعليه أجْرة ما مضى، وهذا واضح؛ لأنه لم يكن من المؤجر تدليس ولا غرر، فيقال له: إما أن تبقى فيها معيبة، وإما أن تفسخ.
ومثل ذلك لو استأجر سيارة للركوب، فحصل فيها خلل، فيُنظر إذا كان هذا الخلل مما تنقص به الأجرة فهو عيب، وإن كان مما لا تنقُص به الأجرة فليس بعيب، ويش مثال الذي تُنقص به الأجرة؟
لو فُرِض أنها صارت لا تقوم بسرعة، يشغلها، ولكن لا تقوم بسرعة، هذا عيب تنقص به الأجرة ولَّا لا؟
الطلبة: ما تنقص.
الشيخ: الظاهر أنه لا تنقص، لكن لو كانت لا تقوم إلا بدفع هذا تنقص به الأجرة، عيب تُنقص به الأجرة، فإذا حدث في السيارة هذا العيب، فله فسْخ الأُجرة؛ لأن هذا عيب تنقُص به الأجرة، فله الفسْخ.
خلاصة المسألة هذه: أنه إذا وجد العين معيبة فله فسْخ الأجرة، وله الإمضاء مجانًا على المذهب، وبالأرْش على القول الراجح، وهو قياس ما قالوه في عيب النبيذ، فإنهم قالوا في عيب النبيذ: له الفسخ أو الأرْش، الإمساك مع الأرْش، وهنا قالوا: له الفسخ أو الإمساك مجانًا ولا فرق؛ لأن الإجارة بيع منافع، والبيع بيع أعيان، أو بيع منفعة؟
ومن العجب أن شيخ الإسلام رحمه الله في مسألة البيع يقول: له الإمساك بدون أرش، أو الفسخ فقط، فوافقوا هم شيخ الإسلام في باب الإجارة، وأما في البيع فخالفوه.
ذكرنا أن له الفسخ، وهل يلزمه أُجْرة ما مضى؟
(1/5110)
________________________________________
المذهب: نعم، يلزمه أُجْرة ما مضى بدون تفصيل، والصحيح التفصيل، وهو إن كان مُدلِّسًا فلا شيء له، وإن كان غير مُدلِّس فله الأجرة؛ لأن المستأجر استوفى المنفعة، إن حدث بها عيب فالحكم كذلك في أنه يجوز له الإمضاء، ويجوز له الفسخ، لكن هل عليه أجرة ما مضى؟
الجواب: نعم، عليه الأجرة، يحتاج أن يكون بشرط ألا يكون مدلسًا؟
الطلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه أعطاها له على حالها.
الشيخ: لأنه أعطاها إياه سليمة، ما فيه تدليس.
قال المؤلف: (ولا يضمن أجير خاص ما جنت يده خطأ) ثم قال: (ويضمن المشترك ما تلف بفعله).
الفرق بين الأجير الخاص والأجير المشترك أن الأجير الخاص منفعته مُقدَّرة بالزمن، والأجير المشتَرك منفعته مُقدَّرة بالعمل، هذا الفرق بينهما.
فرق آخر: الأجير الخاص يكون مملوكًا للمستأجر مدة الأجرة؛ يعني منفعته، والمشترك لا يكون مملوكًا، فالخياط مثلًا من باب الأجير المشترك، لماذا؟ لأن منفعته غير مُقدَّرة بالزمن، بل بالعمل، ولأن المستأجِر لم يختصه لنفسه، وإنما أعطاه ثوبًا يخيطه سواء خاطه اليوم أو بكرة أو غدًا، ما دام في المدة المحددة.
الأجير الخاص: هذا وهو الذي قُدِّرت منفعته بالزمن، يقول المؤلف: (لا يضمن أجير خاص ما جنت يدُهُ خطأ) لماذا؟ لأنه نائب عن المالك في التصرف بماله، فإذا أخطأ، فإنه لا ضمان عليه.
مثاله: استأجرته أجرة خاصة ليقوم بحرث هذه الأرض، فأخطأ في حرثها، وتجاوز إلى أرض أخرى بجانبها، فهل يضمن حرثه في الأرض الأخرى التي ( ... ) في الحرث؟
الجواب: لا، لماذا؟ لأنه لم يتعدَّ ولم يُفرِّط، فلا يضمن.
كذلك أيضًا لو أنني استأجرت هذا الرجل، أو آجرته البعير، فحصل منه جناية على هذا البعير خطأ، فإنه لا ضمان عليه؛ لأنه لم يتعدَّ ولم يُفرِّط.
(1/5111)
________________________________________
وكذلك مما يشوب هذا، لو أن الإنسان المستأجر للبيت أخطأ بدون قصد، فحصل فيه تلف باب، أو تلف رف، أو ما أشبه ذلك، فلا ضمان عليه؛ لأنه غير مُفرِّط ولا مُتعدٍّ.
يقول المؤلف رحمه الله: (ولا يضمن حجام، وطبيب، وبيطار لم تجن أيديهم إن عُرف حذقهم).
أيضًا الحجام والطبيب والبيطار؛ الحجام: هو الذي يحجم، والطبيب: هو الذي يُداوي، والبيطار: هو الذي يداوي، لكنه خاص بالبهائم بالحيوانات، هذا لا يضمن ما جنت يده خطأ، لكن بشرط يقول: (لم تجنِ أيديهم إن عرف حذقهم) فاشترط المؤلف رحمه الله شرطين:
الشرط الأول: ألا تجني أيديهم.
والشرط الثاني: أن يُعرف حذقهم؛ أي تُجرَّب إصابتهم ومعرفتهم، مثال ذلك: حجَّام حجم شخصًا على الوجه المعتاد، ولم يأخذ أكثر من الدم الذي ينبغي أخذه، ولكن هذا المحجوم ضعُف وتزايد به المرض حتى مات ( ... ).
مثل أن يُقال: هذا الرجل يكفي لحجامته أن يؤخذ منه ثلاث قارورات، فأخذ هو أربعًا خطأ، افرض أنه نسي العدد، فأخذ أربعًا، فعليه الضمان، لماذا؟ لأن يدَهُ جَنَتْ بالزيادة على المطلوب.
لو أخذ ثلاثًا، وكان هذا هو المعتاد، ولكن المريض لم ترجع إليه قوته، وبقي ضعيفًا ضعيفًا ضعيفًا حتى مات، فهنا ليس عليه شيء؛ لأن يده لم تجن.
طبيب، ولنجعله صرف دواء معتادًا كحبتين لهذا المريض، ثم إن المريض تناول الحبتين على الوجه المعتاد، ولكن المرض استمر به ومات، فليس عليه ضمان، أما لو أخطأ فصرف له حبوبًا غير الحبوب المطلوبة، أو صرف له حبوبًا أكثر من المطلوب، فعليه الضمان، وإن كان خطأ؛ لأن الإتلاف في حق الآدمي يستوي فيه العامد والمخطئ، وهذا الرجل أخطأ، أراد أن يكتب مثلًا حبوبًا من نوع معين، فكتبها من نوع آخر، فتناولها المريض فمات، أراد أن يكتُب حبتين لكل يوم، فكتب ثلاث حبات، فتناولها المريض، فمات فعليه الضمان.
(1/5112)
________________________________________
وكذلك أيضًا في الختَّان: ختن صبيًّا خِتانًا معتادًا، ثم تعفن الجرح، وفسد اللحم، وتآكل حتى مات الطفل المختون، فعليه الضمان ولَّا لا؟
الطلبة: لا.
الشيخ: ليس عليه ضمان؛ لأنه لم تجنِ يده، وإنما ختن في الموضع المعتاد. فإن جنت يده بأن تجاوز فقطع أكثر مما يكفي، أو قطع رأس الحشفة، فتعفَّن الجرح، ومات فعليه الضمان؛ لأن يده جنت، ولكن الضمان هنا بالدية، وليس بالقصاص؛ لأن هذا ليس عمدًا.
وقول المؤلف: (إن عرف حذقهم)، فإن لم يُعرف حذقهم بأن كانوا أُناسًا يتخرصون، ويتعلمون فعليهم الضمان مطلقًا، وجه ذلك أن هؤلاء معتدون في كونهم يباشرون هذه الأعمال بدون حذق.
فإذا قال قائل: إذن متى يتعلمون، إذا كان لا بد أن يكونوا حاذقين، فمتى يتعلمون؟ لا بد للإنسان اللي يبغي يتعلم يجري تجارب على بني آدم، ويش الجواب؟
نقول: نعم، هو إذا أجرى تجارب فهو على خطر، إن سلِم المريض، نعم، سلِم، وإن لم يسلم.
فإن قال: لو أنه أخبر المريض، قال: أنا والله ما عندي عِلْم، ولكن بجرب، وأنا وإياك تحت الله، عليه الضمان ولَّا لا؟
طلبة: لا.
طلبة آخرون: إي، عليه.
الشيخ: هذه قد نقول: ليس عليه شيء؛ لأن المريض رضي بما عنده من العلم، وليس هذا خطأ محققًا لاحتمال أن ينجح، وقد نقول: عليه الضمان؛ لأنه لو أذِن لك رجل أن تقطع يده فقطعتها؛ وجب عليك الضمان؛ يعني رجل قال لك: تعالَ، خذِ اقطع إصبعي، كيف أقطع إصبعك؟ ! قال: نعم، أقطع، ما أبغي إلا أربعة، يكفيني، فقطعه هل عليه الضمان ولَّا لا؟
طالب: عليه.
الشيخ: عليه الضمان؛ لأنه آثِم في الاعتداء عليه حتى لو أذن له؛ ولهذا قال العلماء: إنه لا يجوز لأحد أن يأذن لغيره في قطع عضو منه، ولا أن يوصي به بعد وفاته أيضًا.
إذا قال قائل: هذا المريض مُشفِق على الشِّفا، وقال بالخاطر، فجاءه رجل وقال: ما أعرف، ولا جرَّبت، ولا أعلم عن شيء، فهل يجوز أن يُمكِّنه من مداواته؟
(1/5113)
________________________________________
الجواب: لا يجوز أن يمكنه من مداواته؛ لأن نفس المريض لا يجوز له أن يأذن لشخص غير حاذق بمداواته؛ لأنه قد ألقى بنفسه إلى التهلكة، لكن لو فُرض أنه فعل، فهل يجوز لهذا الطبيب الذي ليس بحاذق أن يباشر العمل، وهو يعلم أنه تحت الخطر؟
الجواب: لا يجوز بلا شك، لكن لو أقدم وفعل، وهلك المريض، فهل يضمن؟
نقول: يحتمل أن يضمن؛ لأن فعله فعل مُحرَّم، ويحتمل ألا يضمن؛ لأنه فعل ذلك برضا المريض، والمسألة فيها احتمال للنجاح بخلاف الشيء المحقَّق ( ... ).
***
طالب: صلاة وسلامًا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ولا راعٍ لم ( ... ).
الشيخ: حكم ما إذا وجد المستأجر العين معيبة، ونأتي بأسئلة على هذا الحكم.
استأجر رجل من شخص سيارة، ووجد العين معيبة، إذا وجد العين معِيبة، فله الخيار بين الفسْخ والإمضاء مجانًا على المذهب.
والقول الثاني: والإمضاء بالأرْش.
والقول الثالث: التفريق بين المدلِّس وغيره، فالمدلس يُؤخذ منه الأرش، وغير المدلس لا يُؤخذ منه.
ما هو الأرْش؟ الأرش: فرْق ما بين الأجرتين، أجرتها سليمة، وأجرتها معيبة، فإذا قُدِّر أن هذه السيارة إذا كانت سليمة تؤجر بألفي ريال، وإذا كانت غير سليمة تؤجر بألف وخمس مئة، كم ينقص من الأجرة؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، لا تقل خمس مئة.
الطالب: الربع.
الشيخ: نقول: الربع؛ لأنه جائز أن يكون استأجرها بألف، فينقص.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، هي تُؤجَّر سليمة بألفين، ومعيبة بألف وخمس مئة، كم النقص الربع؟
الطلبة: الربع.
الشيخ: الربع، ما نقول: خمس مئة؛ لأنه لو كان قد استأجرها بألف، يمكن تؤجر بألفين، ويستأجرها بألف، إما محاباة، وإما أن تكون الأجرة ارتفعت بعد، فإذا كان قد استأجرها بألف، كم يكون الأرْش؟
الطلبة: مئتين وخمسين.
(1/5114)
________________________________________
الشيخ: مئتين وخمسين، ما هي خمس مئة، لو جعلتها خمس مئة لكانت النصف، لكن نقول: مئتان وخمسون؛ لأنه الربع، وهذه المسألة قد نبهناكم عليها سابقًا، وقلنا: إن الأرش يُنسب بماذا؟ بالقسط ما هو بالعدد؛ لأن القيمة قد تكون أكثر من الثمن أو أقل.
افرض أن هذا الرجل استأجرها بأربعة آلاف، وعند وجود العيب قدرناها، تؤجر بألفين إن كانت سليمة، وبألف وخمس مئة إن كانت معيبة، كم يكون الأرش؟ لأنه استأجرها بأربعة آلاف، كم يكون الأرش؟
الطلبة: الربع.
الشيخ: نعم، الربع. كم هو بالنسبة لأربعة آلاف؟ ألف يكون ألفًا، بينما عند الأجرة المعتادة يكون كم؟ خمس مئة، واضح؟ هذا خلاصة العين إذا كانت معيبة.
إذا حدث بها العيب فإنه لا يلزم المؤجر إصلاحها، ويخيَّر المستأجر بين الإمضاء مجانًا وبين الفسخ إلا إذا كان هناك تدليس، إذا كان هناك تدليس فإن له أن يمضي مع الأرش. وسبق لنا أيضًا أن الأجراء قسمان: خاص ومشترك. نعم، ما هو الخاص؟ ( ... ).
الخاص إذا أخطأ، هل يضمن أو لا؟ يقول المؤلف: (لا يضمن الأجير الخاص ما جنت يده خطأ) لا يضمن، فهذا الخادم الذي عندي، افرض أنه أخطأ في الطبخ، وجعل بدل الملح؟
طلبة: سكر.
الشيخ: لا، السكر، يمكن يكون زيتًا.
طالب: تايت.
الشيخ: تايت إي نعم، جعل بدل الملح تايت، هل يُؤكل الطعام ولَّا لا؟ هل يُضمَّن ولَّا ما يضمن؟ لا يُضمن، لماذا؟ لأنه نائب عن المالك، أخطأ، فكأنه المالِك، لا يَضْمن، واضح؟
في الحرْث كان يسقي الزرع، فأخطأ، وسقى مرتين هذا الحوض مِن الزرع، سقاه مرتين في اليوم، وهو لا يتحمَّل السقي مرتين فتلف الزرع، يضمن ولَّا لا؟
الطلبة: لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن. يقول المؤلف أيضًا: الحجام، والطبيب، والبيطار، هل هم أجراء خاصين أو عامين؟
الطلبة: عامين.
(1/5115)
________________________________________
الشيخ: هم من الأجراء العامين؛ عامي من وجه، وخاصي من وجه آخر، إن أتيتَ بهم إلى البيت فإنهم يُشبهون الخاصين، ولكن مع ذلك هم مُشترَكون، هؤلاء لا يضمنون بشرط أيش؟ أن يُعرف حذقهم، وألا تجني أيدهم، وأن يكونَ عملهم بإذن مكلَّف يعني بالِغ عاقِل، فلو أن الصبي ذهب إلى الختَّان وقال: اختني، وتُوفِّي، ختنه ختانًا عاديًّا، ولكن تعفن الجرح ومات يضمن ولَّا لا؟ يضمن، إذن الشروط كم؟ ثلاثة، المؤلف ما ذكر إلا شرطين، لكن نكمل بالثالث، نقول: الشروط ثلاثة؛ أن يكون عمله بإذن مكلف، أو ولي غير مكلف.
والثاني: ألا تجني أيديهم.
والثالث: أن يُعرف حذقهم.
قال المؤلف رحمه الله قال: (ولا راعٍ لم يتعدَّ) يعني ولا يضمن راعٍ لم يتعد، الراعي من الأجراء المشتركين ولَّا من الخاصين؟
طالب: خاصين.
الشيخ: قد يكون خاصًّا، وقد يكون مشتركًا إن كان مقدر نفعه بالزمن بأن كان عندك يشتغل لك لمدة شهر يرعى غنمك فهو خاص، وإن كان يرعى لنفسه، ويأخذ غنمي وغنم زيد وعمرو إلى آخره فهو مشترك.
الراعي لا يضمن إذا لم يتعدَّ يعني، أو يُفرِّط، فلا يضمن الراعي إذا لم يتعدَّ، أو يفرط؛ لأنه مُؤتمن على أموال الناس، على إبلهم، على غنمهم، على بقرهم، ونحو ذلك، فإن تعدَّى أو فرط ضمِن، مثال التفريط: أن يترك ما يجب، التفريط هو أن يترك ما يجب، والتعدي أن يفعل ما لا يجوز، فإذا عبَر بالغنم في أرض مسبغة، وأُكلت، يضمن ولَّا لا؟
الطلبة: يضمن.
الشيخ: يضمن؛ لأنه؟
الطلبة: مُفرِّط.
الشيخ: لا.
الطلبة: متعدٍّ.
الشيخ: لأنه مُتعدٍّ، فعل ما لا يجوز، وإن أرسلها ترعى، وجعل يلعب كرة مع راعٍ آخر، وتركوا الغنم، ثم نُهِبت أو أُكِلت، فهو ضامن لماذا؟
الطلبة: مُفرِّط.
الشيخ: لأنه مُفرِّط. وكذلك لو خرج بها المرعى ومعه فراش ونام إلى العصر، وفي أثناء النهار أُخذت الغنم، أو أكلتها الذئاب، فإنه يضمن لأنه مُفرِّط.
(1/5116)
________________________________________
والخلاصة أن الرعاة ينقسمون إلى قسمين: خاص ومشترك، وكل منهم سواء كان خاصًّا أو مشتركًا، لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرَّط.
هل من التعدي أن يأخذ ماشية شخص بلا إذنه؟ لو دخل على غنم هذا الرجل في حظيرتها، وأخذها يرعاها بدون إذن صاحب الغنم، فهو متعدٍّ، ليس له أن يتصرف في ملك غيره، اللهم إلا إذا كان يعلم من صاحب هذه الغنم أنه يرضى بذلك، ويحب ذلك فهو كما لو أذن له.
ثم قال المؤلف: (ويضمن المشترك ما تلف بفعله) المشترك مَنْ؟ الذي قُدِّر نفعه بالعمل، وسُمِّي مشتركًا؛ لأنه يتقبَّل العمل من كل أحد لا يختص نفعه بشخص معين، مثل مَن؟ مثل: الغسَّالين، والخيَّاطين، والحطَّابين، وغيرهم، كل هؤلاء مشترك.
يقول: (ما تلف بفعله)، ولو خطأ، والخاص سبق أنه لا يضمن إذا كان خطأ غير متعمد، المشترك: يضمن ما تلف بفعله ولو خطأ، لماذا؟ قالوا: لأن ذلك ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم ضمَّنوه مطلقًا.
ثانيًا: لأن العمل مضمون عليه؛ لأنه قُدِّر نفعه بماذا؟ بالعمل، فالعمل مضمون عليه، فإذا أخطأ لم يُؤدِّ العمل الذي هو مضمون عليه، فلزمه الضمان.
مثال ذلك: جئت إلى هذا الخياط، قلت: خُذ هذه الخِرقة، فصِّلها لي ثوبًا، فصَّلها سراويل لا ثوبًا، يضمن ولَّا ما يضمن؟ يضمن حتى لو قال: إنني أخطأت، أو نسيت، أو ما أشبه ذلك، للآثار الواردة في هذا عن الصحابة؛ ولأن العمل مضمون عليه، ولم يُسلمه، فلزمه ضمانه.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يضمن ما تلف بفعله خطأ؛ لأنه مؤتمن، فلا فرق بينه وبين الأجير الخاص، فكما أن الأجير الخاص لا يضمن ما تلف بفعله خطأ، فكذلك هذا، إذ لا فرق، كل منهما مؤتَمن، لكن العمل على ما مشى عليه المؤلف أنهم يضمنون ولو أخطؤوا.
(1/5117)
________________________________________
ومن ذلك: إذا سلَّم الثوب مثلًا إلى غير صاحبه خطأ، أعطيت الغسَّال ثوبي فغسله، ثم سلَّمه رجلًا آخر خطأ، إما أنه يظن أن الرجل أنا، أو يظن أن ثوبي هو ثوب الرجل، ففي كلا الحالين يكون ضامنًا؛ لأن هذا بفعله ولا بغير فعله؟
الطلبة: بفعله.
الشيخ: بفعله، أما ما تلف بغير فعله، فقال المؤلف: (ولا يضمن ما تلف من حرزه أو بغير فعله) ما تلف من حرزه، لا يضمنه مثل أن يكون هذا الخياط قد أغلق الدكان، وقفله، فجاء سارق في الليل، فكسر القفل، وأخذ الثياب التي في الدكان، فهنا لا يضمن؛ لأن التلف بغير فِعْله وهو لم يتعدَّ، ولم يُفرِّط.
فإن أعطيته ثوبي يبيعه هو دلَّال عام مشترك، ثم علَّق الثوب على ظاهِر الدكان، فاختُطف، هل يضمن أو لا يضمن؟
الطلبة: لا يضمن.
الشيخ: إن أطلقتم، نقول: إن كان في الليل يضمن؟
طلبة: يضمن.
طلبة آخرون: لا يضمن.
الشيخ: في الليل؟ ! يضمن؛ لأن هذا تفريط يبقي الثياب مُعلَّقة في ظاهر الدكان في الليل، هذا تفريط، اللهم إلا أن تكون هناك قوة قوية في السلطان، فربما يقال: إن هذا حِرْز، ولهذا المؤلف يقول: (لا يضمن ما تلف من حرزه).
فربما يُقال: إذا كان السلطان قويًّا جدًّا بحيث يهابه الناس من أن يتحركوا أي حركة في السرقات وشبهها، فهنا قد يكون تعليقه حرزًا، ونحن نشاهد في مكة وفي غيرها من البلاد، نجد أصحاب الدكاكين الصغار هذه، يضعون قماشًا على البسطات، حتى في الليل، ويدَعونها، فهل نقول: إن هؤلاء مفرطون، أو نقول: غير مفرطين؟ هذا يرجع إلى قوة السلطان، إذا كان الأمن قويًّا فهم غير مفرطين، وإن كان الأمن ضعيفًا فهم مفرطون، مخاطرون، هم على خطر.
على كل حال: (ما تلف من حرزه) فلا ضمان.
وكذلك ما تلف بغير فعله، مثل: لو احترق الدكان، دكان الخياط احترق، فإنه لا ضمان عليه؛ لأن هذا أيش؟
طالب: بغير فعله.
(1/5118)
________________________________________
الشيخ: بغير فِعْله، فصار الفرْق بين الخاص والمشترَك أن ما تلف بفعل الخاص خطأً لا يضمن، وما تلف بفعل المشترك خطأ يُضمَن، ما تلف من حرزه في الخاص والمشترك لا يضمن، ما تلف بغير فعله لا يضمن أيضًا.
إذن يشتركان في هاتين المسألتين، ويختلفان فيما إذا كان التلف بفعل الأجير.
يختلفان أيضًا في قوله: (ولا أُجرة له)، يعني ما تلف بفعله فإنه يضمنه، ولا أجرة له، إذا كان تلف بفعله يضمن ولا أجرة له، إذا تلف بغير فعله، أو من حرزه، فلا يضمنه، ولا أجرةَ له؛ يعني لا أُجرة له في المسألتين.
الأجرة في المشترك إذا تلف المستأجَر عليه، لا يستحقها المؤجَر أو الأجير، أما الضمان فعرفتم أن في ذلك تفصيلًا إن تلِف بفعله فهو ضامِن، وبغير فعله أو من حرزه فليس بضامِن، المهم أنه لا أُجرة له مطلقًا.
مثال ذلك: رجل خاط لي الثوب خاطه، وأتمه، جئت إليه بعد العصر، فقلت له: أنت خيطتَ الثوب؟ قال: نعم، خيطته. هات الثوب، ما بقي إلا تركيب الأزرار، ولكن الآن كما ترى غابت الشمس، وغلَّق السوق، وإن شاء الله في الصباح تأتيني مبادرًا.
أقفل الباب، وأحرز ما فيه، ولكن جاء السارق، فكسر الباب وسرق الثوب، ماذا نقول؟ ليس عليه ضمان، وليس له أجرة مع أني أنا شاهدته، كمَّل الثوب، ما بقي إلا تركيب الأزرار، نقول: لا أُجرة له، لماذا؟ قالوا: لأنه لم يُسلِّم العمل الذي استؤجِر عليه، ما أعطاني ثوبي الآن، كيف أعطيه أجرة وأنا خسرت الثوب؟ !
وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وهو المذهب، والقول الثاني: أن له الأجرة مطلقًا؛ وذلك لأن الرجل فعل ما عليه، وإذا فعل ما عليه فإنه يستحق العمل، وما دام الرجل لا يضمن في هذه الحالة لك الثوب؛ فإنه لا يضمن لك العمل في الثوب؛ لأننا إذا قلنا: ليس له أجرة، فمعناه أننا ضمناه العمل في الثوب، وراح عليه الخسارة.
(1/5119)
________________________________________
فالصحيح أن له الأجرة في هذه الحال؛ لأنه غير متعدٍ ولا مفرط، وقد قام بالعمل الذي عليه، لكن يستثنى منها الأجرة، يسقط منها؟
الطلبة: تركيب الأزرار.
الشيخ: تركيب الأزرار في المثال الذي قلنا. قال: يُخاط الثوب مثلًا بعشرة، ويركِّب أزراره بنصف ريال، كم؟
الطلبة: تسعة ونصف.
الشيخ: تسعة ونصف، يستحق تسعة ونصف، إي نعم.
طالب: شيخ ( ... ).
الشيخ: تقدم لنا أنا الأُجراء ينقسمون إلى قسمين: خاص ومشترك، وأن الخاص: من قُدِّر نفعه بالزمن، والعام أو المشترك من قُدِّر نفعه بالعمل، وأنه سُمِّي خاصًّا لاختصاص المستأجِر به؛ لأنه لا يشركه فيه أحد، ومثَّلنا لذلك بالخادم يكون أيش؟ في البيت، والسائق يكون في السيارة، استأجرته يسوق السيارة، نقول: هذا حكمه -هذا الخاص- حكمه؟ أنه لا يضمن إلا إن تعدى أو فرط، فالسائق مثلًا لو حصل خلل في السيارة من فِعله، لكن بدون تعدٍّ ولا تفريط فليس عليه ضمان؛ لأنه قائم مقام المالِك، ومؤتَمَن على عمله.
أما المشترك فهو من قُدِّر نفعه بالعمل، وسُمِّي مشتركًا لاشتراك الناس في نفعه كالخياط، ولهذا يأتي زيد إلى الخياط يستأجره ليخيط ثوبه، وفي نفس الوقت يأتي عمرو إلى الخياط يستأجره ليخيط ثوبه، ويأتي ثالث ورابع، وهكذا في آنٍ واحد، إذن فهو مشترَك.
وسبق أن المشترك يضمن ما تلف بفعله ولو خطأ، لكن لا يضمن ما تلف من حرزه، أو بغير فعله.
لو أن هذا المشترَك حمل لك متاعك إلى البيت، وزلق وتكسَّر المتاع، المتاع كان زجاجات فيها شراب طاح، ولَّا بيض، خلُّوها بيض أحسن، حمل لك ثلاثة أطباق بيض إلى البيت، ثم زلق وطاح وتكسر البيض يضمن ولَّا لا؟
الطلبة: لا يضمن.
الشيخ: لا، يضمن؛ لأن هذا بفعله لولا أنه زلق، ما ينكسر البيض، ولكن سبق لنا أن الصواب فيه أنه لا يضمن كالأجير الخاص؛ لأنه وإن كان مشتركًا لكنه مؤتمَن، والأمين إذا لم يتعدَّ أو يفرط فلا ضمان عليه، هذا القول هو الصحيح.
(1/5120)
________________________________________
وفيه قول وسط، يقول: ما تلف بفعله الذي يفعله هو بنفسه هو اختيار فهو ضامِن، وأما ما كان بغير إرادة كالزلق وشبهه فليس بضامن، لكن الصحيح أنه لا ضمان مطلقًا إذا لم يتعدَّ أو يفرط.
بقي علينا الأُجرة، يفترق الخاص والمشترك في أن الخاص تجب له الأجرة بكل حال، والمشترَك إذا تلف الشيء ولو بغير فعله فليس له أجرة.
وسبق لنا أن الصحيح أن له الأجرة؛ لأنه أدى ما استؤجر عليه، والتلف ليس منه، فله الأجرة.
أما لو كان التلف بفعله فإنه يضمنه مصنوعًا أو مغسولًا أو مخيطًا، وإذا ضمنه هكذا فاتت عليه الأجرة ولَّا لا؟ المشترك خاط لي الثوب، وسُرق الثوب من الحرز، سؤال: هل يضمن الثوب؟
الطلبة: لا.
الشيخ: لا يضمنه، هل له الأُجرة؟ المذهب: لا أجرة له، والصحيح أن له الأجرة.
تعمد إتلاف الثوب يضمن ولَّا ما يضمن؟
الطلبة: يضمن.
الشيخ: يضمن، هل يضمنه مخيطًا أو لا؟
طالب: نعم، مخيطًا.
الشيخ: إذا ضمنه مخيطًا، فالحقيقة أنه لا أجرة له، الواقع أنه إذا ضمنه مخيطًا فلا أُجرة له؛ لأنه قدر الثوب غير مخيط بعشرة ومخيطًا باثني عشر، إذن أُضيفت الأجرة إلى هذا الرجل، فإذا ضمَّناه قيمة الخياطة، فمعناه أنه لا أجرة له، ربما يكون هناك فرق بما إذا خاطه بأجرة قليلة مراعاة لي، فهنا نُضمِّنه إياه بأكثر من أجرته، مثل: خاطه لي بريال، وقدرنا قيمته مخيطًا باثني عشر، وهو أصله بعشرة كم ضمناه الآن؟
طالب: ضمناه العشرة.
الشيخ: لا، ضمناه ريالين مع أنه إنما خاطه بريال واحد، فضمناه أكثر من أجرته؛ لأننا نضمنه الثوب مخيطًا، فصار الفرق بينهما -أي الخاص والمشترك-: أولًا: من حيث التعريف، وثانيًا: من حيث الضمان، وثالثًا: من حيث الأجرة، هل تُستحق أو لا؟
(1/5121)
________________________________________
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وتجب الأجرة بالعقد إن لم تؤجل) يقول: (تجب الأجرة بالعقد) أي: بمجرد العقد تجب الأجرة لمن؟ للأجير، إلا إذا أُجِّلت، فلا تجب حتى يحل الأجل، وذلك؛ لأنه كما أن المستأجر ملك المنفعة بالعقد، فالمؤجر يملك عِوَضها بماذا؟ بالعقد.
يتفرع على ذلك لو استأجرتك لعمل، بهذه الشاة، فالشاة تكون ملكًا لمن؟ تكون ملكًا للمستأجر من حين العقد، لبنها لمن؟ للمستأجر، لبنها للمستأجر؛ لأنه ملكها من حين العقد؛ حيث إنها معينة، فيكون دَرُّها له، وصوفها له -أي للمستأجر- وولدها الذي نشأ بعد عقد الأجرة لمن؟ للمستأجر؛ لأن الأجرة تجب بمجرد العقد. وعرفتم التعليل؛ نقول: كما أن المستأجر ملك منافع المستأجَر بالعقد، فكذلك عِوض هذه المنافع -وهو الأجرة- يُملَك بالعقد.
وقوله: (إن لم تؤجل) يعني فإن أُجِّلت فإنه لا يملكها ملكًا تامًّا حتى يحضر الأجل، إذا تم الأجل ملكها؛ لأنها مؤجَّلة.
قال: (وتُستحق بتسليم العمل الذي في الذمة) تُستحق الأجرة إذا كانت غير معينة، أو معينة بتسليم العمل الذي في الذمة، ولا يجب تسليمها قبله.
مثال ذلك: استأجرت هذا الرجل على أن يخدمني لمدة سنة بهذه الشاة، الشاة تكون لمن؟
طلبة: للخادم.
الشيخ: لهذا الخادم المستأجَر، تكون لهذا الخادم بمجرد العقد، لكن هل يطالبني بتسليمها له؟
الجواب: لا يطالبني بذلك؛ لأنه من الجائز ألا يتمم العقد الذي بيني وبينه، فلا يملك المطالبة حتى يُسلِّم العمل الذي في الذمة، يعني حتى تنتهي المدة إذا كان في المدة.
إذا كانت على عمل بأن استأجرته ليبني هذا البيت في هذا القطيع من الغنم، الإجارة صحيحة ولَّا غير صحيحة؟ صحيحة، ملك القطيع لمن؟
طالب: للمستأجر.
الشيخ: لا، للأجير ولَّا نقول للباني؟ للباني اللي بيبني البيت، لكن هل يطالبني بتسليم القطيع له قبل أن ينتهي البيت؟
(1/5122)
________________________________________
الجواب: لا يستحق ذلك حتى ينتهي بناء البيت. يبقى هذا القطيع أمانة عندي حتى يتم بناء البيت، ثم أسلمه له.
قال المؤلف: (ومن تسلم عينًا بإجارة فاسدة، وفرغت المدة لزمه أجرة المثل) فإن لم تبتدئ المدة لم يلزمه شيء ولزمه ردها إلى صاحبها، فإن مضى شيء من المدة لزم ردها إلى صاحبها، وأجرة ما استعملها فيه بقسطها من أجرة المثل.
الأحوال ثلاثة: تسلم عينًا بإجارة فاسدة، لكن لم تبتدئ المدة، نقول: يردها إلى صاحبها مجانًا، انتهت المدة، يُسلِّم أجرة المثل كاملة، في أثناء المدة يُسلِّم القسط من أجرة المثل.
قوله: (بإجارة فاسد) بماذا تفسد الإجارة؟ نقول: تفسد الإجارة، إما بفوات الشرط، وإما بوجود مانع، فلنمثِّل لما فسدت بفوات شرط.
سبق لنا أنه من شروط الإجارة في العين المؤجرة أن تكون معلومة برؤية أو صفة، بما يمكن فيه الوصف، ومن شروطها أن تكون من مالِك، أو مَن يقوم مقامك.
فهذا رجل استأجر بيتًا من غير مالكه، ولا قائم مقام المالك، الإجارة؟
طالب: الإجارة فاسدة.
الشيخ: فاسدة، مضت المدة، يثبت لصاحب البيت أُجرة المثل سواء كانت مثل ما اتفق عليه، أو أقل أو أكثر، واضح؟ هذا رجل تسلَّط على بيت زيد، وصار يُؤجِّره، أجَّره شخصًا، الإجارة؟
طالب: فاسدة.
الشيخ: فاسدة، لماذا؟ لفوات الشرط؛ لأنها ليست من مالك، ولا من يقوم مقامك، فالإجارة إذن فاسدة.
مضت المدة، يلزم المستأجر أجرة المثل، هذا المستأجر قد استأجر البيت بعشرة آلاف ريال، وهو يساوي عشرين ألف ريال، كم يلزم المستأجر؟
الطلبة: عشرين.
الشيخ: يلزمه عشرون ألفًا. هو استأجره بعشرة، على مَنْ يرجع بالعشرة الزائدة؟ يرجع بها على الذي غرَّر، وهو الظالم المعتدي الذي آجر بيت غيره بغير رضا منه.
كان قد استأجره بعشرين ألفًا، وانتهت المدة، ولكنه قُدِّرت أجرته بعشرة آلاف، كم يلزمه؟
طلبة: عشرة آلاف.
(1/5123)
________________________________________
الشيخ: يلزمه عشرة آلاف ريال فقط، والعشرة الثانية تسقط عنه، ولا يستحقها المؤجِر؛ لأن المؤجر ظالم، واضح؟
وجود مانع: عَقَدا الإجارة في المسجد، اتفق زيد وعمرو على استئجار البيت، والبيت ملك للمؤجِر، لكن كانت الإجارة في المسجد، الإجارة في المسجد لا تصح؛ لأنها حرام: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ؛ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» (3)، فالإجارة إذن لا تصح، لماذا؟ لوجود مانع.
تمت المدة، فنقول: للمؤجر أُجرة المثل، البيت قد استؤجر بعشرين ألفًا، ولما تمت المدة صار لا يساوي إلا عشرة آلاف ريال، صارت الأجرة الحقيقية عشرة آلاف ريال، كم يجب على المستأجر؟ عشرة آلاف ريال، كذا؟
وهذا واضح فيما إذا كان جاهلًا، إذا كان المستأجر والأجير جاهلين بذلك، فإن كانا عالِمَين فينبغي أن نُعاملهما بما يقتضيه العقْد، والزائد نجعله في بيت المال، لئلا يحصل التلاعب، ليش؟ لأنه ربما يأتي واحد لشخص من الناس غريب، يقول له: أجِّرني بيتك بعشرة آلاف ريال، والأُجرة عشرة آلاف ريال، قال: والله أنا بيتي غالٍ عندي ولن أؤجره بعشرة آلاف، قال: خلِّ واحد يعرضه للناس، قال: أنا أعرف أنه لو عُرض للناس لا يزيد على عشرة آلاف ريال، ولكني ما أنا مؤجره، قال الرجل: تفضل نروح نصلي، ذهبا يصليان وفي المسجد قال له: ما دام البيت غاليًا عندك آخذه منك بعشرين ألف ريال، صاحب البيت وافق، لماذا؟ لزيادة الأجرة بدل العشرة بيعطي عشرين، وافق على هذا، وتم العقد في المسجد.
لَمَّا انتهت المدة قال المستأجر: والله يا أخي، نحن قوم نخاف الله عز وجل، ولا نحب أننا نمضي إجارة فاسدة، وقد وقع عقد الإجارة بيني وبينك في المسجد؛ فالإجارة إذن فاسدة، والواجب عليَّ وعليك أن نرجع إلى أُجرة الْمِثل، نذهب إلى مكتب عقاري، ونقول: ويش يسوَى هذا البيت؟ قال: يسوى عشرة آلاف ريال.
(1/5124)
________________________________________
على كلام المؤلف لا يلزم المستأجر إلا عشرة آلاف ريال؛ لأن المؤلف أطلق ولا فصَّل، لكن الذي نرى أنه لا يلزمه إلا عشرة آلاف ريال لصاحب البيت، لا شك، أما العشرة الثانية فنلزمه بها، ونجعلها في بيت المال إن كان صاحب البيت عالمًا، وإن كان جاهلًا غريرًا، فإننا نعطيه كل الأجرة؛ لأنه لم يرضَ بتأجير بيته إلا بعشرين ألفًا وهو غير آثِم، ولا معتدٍ؛ لأنه جاهل، فحينئذٍ نقول: إذا كان عالمًا أخذنا العشرة الزائدة هذه الزائدة عن أجرة المثل، وجعلناها في بيت المال، وإن كان جاهلًا فله جميع الأجرة؛ لأنه معذُور غير آثِم، ولم يُسلِّم بيته إلا على هذا الشرط.
لو قال قائل: إذا تسلَّم عينًا بإجارة فاسدة، فلماذا لا نلغي العقد والأجرة؟ نقول: ما له لا أجرة المثل ولا الأجرة المتفق عليها؟
نقول: هذا لا يمكن؛ لأنه ظلم. كيف كان ظلمًا؛ لأن المالك فُوِّتت عليه منفعة ملكه مدة الإجارة، فلو قلنا: لا أُجرة لك، فإننا نظلمه بذلك، والمستأجِر قد استوفى المنفعة، فلو قلنا: لا أُجرة عليك، لكنا أبحنا له أن يأكل أموال الناس بالباطل.
وحينئذٍ نقول: يلزم أجرة الْمِثل، هذا إذا تمت المدة، فإن كانت المدة لم تبتدئ فلا عمل على هذا العقد، ويرجع كل على ملكه.
مثاله: آجَرَ بيتَه سنة عشر في سنة تسع إجارة فاسدة، واطُّلِع على فساد الأجرة قبل أن تدخل سنة عشر، ماذا نقول؟
طلبة: يلغى العقد.
الشيخ: يُلغى العقد، ولا يكون شيء؛ لأن المستأجر ما استوفى شيئًا من المنافع، والمؤجر ما استوفى شيئًا من الأجرة، فنقول: يلغى العقد، ولا شيء لأحد على أحد.
(1/5125)
________________________________________
في أثناء المدة آجَرَهُ البيت سنة تسع إجارة فاسدة، ولم يعلموا إلا بعد مُضِيِّ ستة أشهر من الأجرة؟ نقول له: قسط ذلك نصف الأجرة، هذا إذا كان البيت لا تختلف فيه الإجارة بين أول السنة وآخرها، أما إذا كانت تختلف، فربما لا يستحق في أولها إلا الثلث له ستة أشهر، أو يستحق الثلثين، ولو كان باقي ستة أشهر، واضح الكلام هذا ولَّا لا؟
طالب: واضح.
الشيخ: واضح؛ يعني قد يكون هذا الدكان له موسم في أول السنة؛ ربما تكون ثلاثة أشهر تقابل تسعة أشهر، وإذا كان الموسم في آخر السنة، فإنه قد يمضي ستة أشهر لا يساوي نصف الأجرة ( ... ).
***
[باب السبق]
الطالب: والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
باب السبق
يصح على الأقدام وسائر الحيوانات والسفن والمزاريق، ولا تصح بِعوض إلا في إبل وخيل وسهام، ولا بد من تعيين المركوبين واتحادهما والرماة والمسافة بقدر معتاد، وهي جعالة لكل واحد فسخها، وتصح المناضلة على معينين يُحسنون الرمي.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم ..
(باب السَّبْق)
يَصِحُّ على الأقدامِ وسائرِ الحيواناتِ والسفُنِ والْمَزَارِيقِ، ولا تَصِحُّ بعِوَضٍ إلا في إِبِلٍ وَخَيْلٍ وسِهامٍ، ولا بُدَّ من تَعيينِ الْمَرْكُوبَيْنِ واتِّحادِهما والرماةِ والمسافةِ بقَدْرٍ مُعتادٍ، وهي جِعالةٌ لكلِّ واحدٍ فَسْخُها، وتَصِحُّ الْمُناضَلَةُ على مُعَيَّنَيْنِ يُحْسِنون الرَّمْيَ.
(بابُ العَارِيَّةِ)
وهي إباحةُ نفْعِ عينٍ تَبْقَى بعدَ استيفائِه، وتُباحُ إعارةُ كلِّ ذي نَفْعٍ مُباحٍ، إلا البُضْعَ وَعَبدًا مسلِمًا لكافرٍ وصَيدًا ونحوَه لِمُحْرِمٍ , وأَمَةً شابَّةً لغيرِ امرأةٍ أو مَحْرَمٍ، ولا أُجرةَ لِمَن أَعارَ حائطًا حتى يَسْقُطَ، ولا يُرَدُّ إن سَقَطَ إلا بإذْنِه، وتُضْمَنُ العَاريَّةُ بقِيمتِها يومَ تلفت - ولو شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِها - وعليه مؤونة رَدِّها، لا الْمُؤَجَّرَةُ،
(1/5126)
________________________________________
إذا استأجر شيئًا بأجرة معينة، فهل يستحق الأجرة ( ... )؟
***
يقال: السبْق، ويقال: السبَق؛ أما السبَق بالفتح فهو العوض الذي جعل على السبْق، وأما السبْق فهو الغلبة؛ أن يغلب غيرَه فيما جرى فيه التسابق.
الباب هنا الأنسب أن نقول: السبْق، ولَّا السبَق؟ الأنسب أن نقول: السبْق -باب السبْق- لأن السبْق يشمل ما فيه سبَق؛ أي: معاوضة وما ليس فيه سبَق.
والأصل في المسابقة: الأصل فيها أنها حلال، ومع ذلك قسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام؛ قسم يجوز بعوض وبغير عوض، وقسم لا يجوز لا بعوض ولا بغير عوض، وقسم يجوز بلا عوض ولا يجوز بعوض؛ فالأقسام ثلاثة:
القسم الأول: ما يجوز بعوض وبغيره.
والقسم الثاني: ما لا يجوز بعوض ولا بغيره.
والقسم الثالث: وسط يجوز بغير عوض، ولا يجوز بعوض.
وكل هذا ذكره المؤلف أو أشار إليها؛ قال: (يصح على الأقدام، وسائر الحيوانات، والسفن، والمزاريق، ولا تصح بعوض) إلى آخره، هذا القسم الذي يجوز بغير عوض.
(على الأقدام) يعني: يجوز أن يتسابق اثنان على أقدامهما؛ لأن في ذلك ترويحًا للنفس، وتنشيطًا للجسد، وتحريضًا على المغالبة؛ إن الإنسان يحب أن يغالب غيره حتى يغلبه، هذا من حيث التعليل، فالتعليل إذن يتضمن ثلاثة أمور؛ عُدَّها.
طالب: من حيث التعليل؟
الشيخ: نعم، يعني: يجوز المسابقة على الأقدام ذكرنا لها ثلاث علل.
الطالب: الترويح على النفس.
الشيخ: إي نعم، ترويح عن النفس.
الطالب: التقوية.
الشيخ: تقوية البدن.
الطالب: حب المغالبة.
الشيخ: نعم، تعويد الإنسان على المغالبة وأن يغالب غيره، وإن كان المغالبة قد تكون في خير أو في شر، لكن كون الإنسان راكدًا لا يحب أن يَغْلِب ولا يُغْلَب هذا لا شك أنه ما هو من مصلحته.
أما الدليل: فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة رضي الله عنها (1)، ومسابقته لعائشة تدل على الجواز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل فعلًا كان ذلك دليلًا على جوازه.
(1/5127)
________________________________________
ولا بد من تعيين المسافة ابتداءً وانتهاءً، ولا بد أن تكون المسافة مما يمكن إدراكه؛ فإن قال: أسابقك من هنا إلى مكة، من عنيزة إلى مكة على الأقدام، يصح؟
ما يصح؛ لا بد أن تكون مقيَّدة بمسافة معتادة.
كذلك على (سائر الحيوانات)؛ سائر الحيوانات: الحُمُر، البغال، وغيرها؟
طالب: الخيل.
طالب آخر: والإبل.
الشيخ: لا، دعونا من الخيل والإبل هذه لها حكم خاص.
البقر! ما يمكن تركب البقرة؟ !
طلبة: لا.
الشيخ: لا، يمكن في بعض البلاد يركبونها.
طالب: هل يجوز أو لا يجوز؟
طالب آخر: الجاموس.
الشيخ: إي، الجاموس، الفيل. المهم: سائر الحيوانات.
طالب: والنعام والزراف.
الشيخ: اللي يمكن المسابقة فيها.
(السفن) معروفة، يجوز المسابقة في السفن، في الماء، في البحر، وكذلك في السفن البرية وهي: السيارات، وفي السفن الجوية وهي: الطائرات، كذا ولَّا لا؟ تجوز المسابقة فيها.
لكن كيف تكون المسابقة في السيارات؛ في الجري ولا في أيش؟
طالب: في الجري.
الشيخ: الظاهر في الجري. الطائرات: في الطيران –يعني: سرعة الطيران- ولا في تمكن التصرف في الطائرة يمينًا وشمالًا وغير ذلك؟
طلبة: في الأمرين.
الشيخ: في الأمرين جميعًا.
(المزاريق) يقول: هو الرمح القصير، هذا المزاريق؛ الرماح القصيرة، يعني: يحذفونها هكذا أو يضربون بها، يصح.
من ذلك مثل المزاريق؛ فيه بندق صغيرة تسمى أيش؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لا، تُسَمَّى الظاهر أم حبة، هذه نجعلها مما سيأتي ولَّا نجعلها من جنس المزاريق؟
الظاهر أنها لا تقتل العدو ولا يقاتل بها في العدو، فتكون من جنس المزاريق.
طالب: الحذف بالحصى؟
الشيخ: الحذف بالحصى أيضًا مثله يجوز، أيهما أطول؟ أبعد؟ أو أيهما أصوب؟ يعني يضعون هدفًا يترامَوْن عليه، هذا أيضًا لا بأس به.
المصارعة؛ تجوز المسابقة فيها ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: تجوز المسابقة فيها، أيهما يصرع.
طالب: الملاكمة؟
(1/5128)
________________________________________
الشيخ: لا، الملاكمة الظاهر لا تجوز؛ لأنها خطيرة، حسب ما سمعنا أنها خطيرة، وفيها ضرب على الوجه.
طالب: ( ... ) في الملاكمة ( ... ).
الشيخ: لا، الظاهر أنه ما يتكلف الوجه.
طالب: الأصل فيها الوجه.
الشيخ: الأصل فيها الوجه؟
الطالب: حتى يدوخ ويطيح.
الشيخ: إذن نقول: هذه ما تجوز؛ لما فيها من الخطر، ولما فيها من الوقوع فيما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام من الضرب على الوجه (2)، هذا القسم الأول الذي يجوز بلا عوض.
ولكن يجب أن نعلم أن المباح إذا تضمن ضررًا صار محرمًا، فلو أُجريت المسابقة في هذه الأمور في وقت تمنع من صلاة الجماعة مثلًا؛ كانت المسابقة حرامًا، ولو أدى ذلك إلى العداوة والبغضاء والتحيز والتعصب كان ذلك حرامًا.
الكرة القدمية من هذا النوع؟
طلبة: نعم.
الشيخ: من هذا النوع؛ يعني: تجوز بلا عوض؛ لأن فيها تقوية للبدن، وفيها ترويح عن النفس، وفيها تعويد على المغالبة، لكن بشرط ألا يدخل التحزب المشين كما يوجد الآن من بعض الناس؛ يتحزبون إلى نادٍ معيَّن، ويحصل بهذا فتنة، أحيانًا تصل إلى حد الضرب بالأيدي أو بالعصيان أو الحذف بالحجارة.
قال: (ولا تصح بعوض إلا في إبل وخيل وسهام)
(لا تصح) يعني: المسابقة (بعوض) إلا في هذه الثلاثة: (الخيل، والإبل، والسهام)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» (3).
«لَا سَبَقَ» أي: لا عوض إلا في هذه الثلاثة.
وإنما جاز في هذه الثلاثة؛ لما في المسابقة عليها من المصلحة العامة في الجهاد في سبيل الله؛ لأن الإبل فيها مصلحة عامة في الجهاد في سبيل الله، وهي نقل الأمتعة والمجاهدين وغير ذلك.
الخيل كذلك فيها الكرُّ والفر، السهام: فيها الرمي أيضًا، فهذه الثلاثة تجوز فيها المسابقة بعوض وبغير عوض.
(1/5129)
________________________________________
لو أننا وجدنا في عصرنا الحاضر شيئًا يشبه هذه الأشياء؛ كسيارات نقل الجيش مثلًا، وسيارة الجيب التي يُكَرُّ عليها ويُفر والطائرات الحربية، هل تجوز المسابقة عليها بعوض؟
الجواب: نعم؛ لأن القياس هنا واضح؛ إذ إن العلة فيها التنشيط على الجهاد في سبيل الله، والتعويد عليه، وهذا موجودٌ في السيارات الخاصة بالحرب، أما السيارات المدنية فهي من القسم الأول.
لكن اشترط المؤلف لهذا شروطًا: قال: (ولا بد من تعيين المركوبين) (تعيين المركوبين)؛ لأنه إذا قال: أسابقك على فرس وفرس، ولم يُعَيَّن لا يُعْلَم هل هذا الفرس جيد أو ردئ، وهل هو من نوع غير النوع الذي عندي؛ فلا بد من تعيين المركوبين.
الراكبان، هل يُشْتَرط تعينهما؟
المذهب: لا يُشْتَرط تعيين الراكبين، والصحيح: أنه يُشترط، وهو مذهب الشافعي، وتعيين الراكبين أمرٌ مهم؛ لأنه قد يركب هذا الفرس من لا يجيد ركوب الخيل، والفرس جيد، ثم يُغلَب لأن راكبه لا يعرف، وقد يركبه راكب جيد، وهو رديء -أي: الفرس- فيسبق بناء على حذق راكبه.
ولا أحد يشتبه عليه الأمر في أن للراكبين تأثيرًا على سبق الفرس، فالصواب: أنه لا بد من تعيين المركوبين وتعيين الراكبين، بل إن تعيين الراكبين أشد ضرورةً من تعيين المركوبين.
ولا بد أيضًا من: (اتحادهما) اتحاد المركوبين، في أي شيء؟ في النوع؛ يعني: أن يكونا من نوع واحد، فلا تصح بين فرس هجين وفرس عربي؛ لأن النوع يختلف، وكذلك في الإبل لا يصح بين العراب والبخاتي؛ لاختلاف النوع.
قال: (والرماة) يعني: فيما إذا كانت المسابقة بالسهام فلا بد من تعيين الرماة؛ لأن القصد معرفة حذقهم وهذا لا يحصل إلا بالتعيين، كما قال المؤلف.
ولا بد أيضًا من اتحاد النوع في القوسين، وفي عصرنا الآن نقول: لا بد من اتحاد النوع في السلاح، فلا يصح مثلًا المسابقة في بندقيتين مختلفتين، بل لا بد أن تكونا متحدتي النوع.
(1/5130)
________________________________________
شوف الشروط الآن؛ تعيين المركوبين، اتحادهما، والصحيح في الشرط الثالث: تعيين الراكبين.
في باب المسابقة في السهام لا بد من تعيين الرماة، أما القوسان فلا يحتاج إلى تعيينهما، لكن لا بد أن يكونا من نوع واحد.
قال: ولا بد أيضًا من تحديد (المسافة)؛ المسافة سواء كانت في الخيل والإبل أو السهام؛ من تحديد المسافة ابتداء وانتهاء، ولَّا انتهاء؟ ابتداءً وانتهاءً؛ لئلا تختلف.
كم المسافة المقدرة في السهام؟
يقول العلماء رحمهم الله: لا تصح على أكثر من ثلاث مئة ذراع في السهام.
ثلاث مئة ذراع الآن ليست بشيء، الآن يجعلونها تعبر القارات؛ السهام.
فنقول: إذن المثال اللي ذكروه أنها لا تصح على أكثر من ثلاث مئة ذراع بناء على عُرْفِهم وأن هذه بحسب قوة الرامي نفسه، أما الآن فصارت القذيفة بحسب قوة السلاح، أما الرامي يمكن يجيء واحد يعمل حركة بأصبعه ويغمز الزند ثم تنطلق القذيفة إلى مدى بعيد جدًّا.
فنقول: المدار على العرف وعلى إمكان وصول القذيفة.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا أكثر من عشرة متر، وأيش عشرة متر؟ !
طالب: تعبر القارات.
الشيخ: تعبر القارات الآن.
طالب: بالنسبة للصواريخ؟
الشيخ: إي نعم، الصواريخ سهام، الصاروخ سهم من السهام. على كل حال هذا يرجع إلى العرف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والمسافةِ بقدرٍ معتاد).
ثم قال: (وهي جعالة)؛ (وهي) أي: المسابقة، (جعالة، لكل واحد منهما فسخُها)؛ يعني: لو اتفقنا على المسابقة في سهام؛ كل واحد منا معه بندق نبغي نترامى، وبعد أن اتفقنا وكتبنا الاتفاقية يجوز لكل واحد منا أن يفسخ؛ لأنها عقدٌ جائز، ليس فيها ضرر على أحد، إلا إذا تبين الفضل لأحدهما، فإنها تكون لازمة في حق المفضول، جائزة في حق الفاضل، لماذا؟
لأننا لو قلنا: إنها جائزة في هذه الصورة، لأمكن كل إنسان يُغْلَب أو يتبين أنه يُغْلَب يقول: فسختها، وحينئذٍ يفوت المقصود من المسابقة.
(1/5131)
________________________________________
لو أننا جعلنا الرمي عشر مرات، والإصابة ستة من عشرة، فصار لأحدهما الآن خمسة، وللثاني ثلاثة، من الذي له الحق أن يفسخ؟ الذي له الخمسة، وأما الذي له الثلاثة فليس له أن يفسخ.
لكن لو قال قائل: أفلا يجوز أن يكون الذي له الثلاثة يتقدم على الآخر؟
قلنا: هذا ممكن، لكن العبرة بما حصل.
ولو أصاب واحد ستةً من العشرة، والثالث لم يصب شيئًا، أيهما الذي يجوز له؟ الذي أصاب ستة؛ لأن الثاني لا يمكن أن يغلبه الآن، أبدًا ما فيه احتمال، ما دام وصل العدد إلى أكثر من النصف والثاني لم يحرز شيئًا، فإنه لا يمكن تقدمه أبدًا.
إذن هي جعالة لكل واحد فصلها إلا إذا تبين الفضل لأحدهما، فالحق للفاضل دون المفضول.
قال: (وتصحُّ المناضَلَةُ على مُعَيَّنِينَ يُحْسنون الرميَ) يعني معناه: المناضلة هي المسابقة بالسهام، فيصح بشرطين:
الشرط الأول: تعيين الرماة، والثاني: أنهم يحسنون الرمي. فلو كانوا لا يحسنون الرمي فإنه لا فائدة من المسابقة، ولو كان أحدهما يحسن والثاني لا يحسن فلا فائدة من المسابقة، لماذا؟ لظهور الفضل للذي يحسن دون الآخر.
لم يذكر المؤلف رحمه الله القسم الثالث؛ وهو الذي لا يجوز لا بعِوَض ولا بغير عوض؛ نقول: كل ما فيه لهو ويصد كثيرًا عن النافع فهو حرام.
كل شيء فيه اللهو؛ يعني معناه أنه يُلْهِي الإنسان، ويجذب القلب، ويصد كثيرًا عما هو نافع، فإنه حرام بعوض وبغير عوض؛ مثل: الشِّطْرَنْج، والنَّرد، والوَرَقة، وغير ذلك مما يلهي كثيرًا، مما يشغل القلب ويلهي كثيرًا عما هو نافع.
أما ما لا يشغل القلب، ولا يتعلق به القلب حين فعله، ولا يشغل كثيرًا عما هو نافع، فهذا يدخل في القسم الأول.
القسم الأول: إذا كان يستلزم ترك واجب، أو وقوع المحرم، فهو حرام.
فيه ألعاب للقسم الثالث معينة؟
طالب: الـ (ميني بُول).
الشيخ: ويش هو الـ (ميني بُول)؟
الطالب: هذه لعبة تجارية لكنها تطول يا شيخ، وليس فيها فائدة.
الشيخ: تجارية هي؟
(1/5132)
________________________________________
الطالب: إي نعم، هي عبارة عن لوح، وعليه مربعات، وفنادق، وشقق، وكذا، يلعب فيها بالحظ، هذه تطول ( ... ).
الشيخ: طيب، هذه حرام، ويش الفائدة؟
طالب: تعلِّم شيئًا من التجارة.
الشيخ: التجارة ليست مما يُنتفع به في الدين، قد تنفع وقد تضر.
فيه أيضًا عدد في مربعات، يدخِّل بعضه في بعض.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، غير، يعني: كبرى اليدين، كبرى اليد، ويقولك: طلع هذا لأن يتسكن اللي من نوع واحد في صف واحد، هذه من جنس اللي قاله الأخ؛ يعني: يمكن الواحد يقف فيها ساعة وساعتين ما وصل إلى الغاية مع أن الفائدة لا فائدة في الواقع ( ... ).
إذن معناه أنها ضارة ومضيعةُ وقتٍ، وهذه توجد كثيرًا مع الصبيان، من جنس الآلات الحاسبة، وفيها أرقام أو ألوان، يقول: حط كل واحد جنب الثاني، يمكث الواحد له ساعتين ثلاث، ما زين شيئًا، وإذا زيَّن صفًّا ما زيَّن الصف الثاني.
طالب: الورقة؟
الشيخ: الورقة، والله الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله يُحَرِّمها، والشيخ ابن باز كان يحرمها، وقال لي واحد: إنه يقول: ما فيها بأس إذا لم تله عن واجب، لكنه رجع، ما أدري عنها.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا؛ لأنها تلهي، الإنسان يقضي الليل كله ما شعر به، تلهي كثيرًا، ثم فيها أيضًا إلقاء العداوة والبغضاء.
طالب: الكرة ( ... ).
الشيخ: إي لكن الكرة -بارك الله فيك- فيها منفعة للجسم؛ حركة وجري ومشي.
طالب: ( ... ) حركة ذهنية؟
الشيخ: أبدًا.
الطالب: الشطرنج فيها حركة ذهنية.
(1/5133)
________________________________________
الشيخ: أنا قال لي بعض الإخوة اللي درسوا في أمريكا، يقول: تبين أن هذا الشطرنج وشبهه أنها من أكبر ما يكون ضررًا على العقل والتفكير؛ لأن التفكير ينحصر في مثل هذا النوع من الفكر، ينحصر في مثل هذا النوع مما يفكَّر فيه؛ مثل اللي يقرأ مثلًا علم الفرائض ما يجيد علم فقه الصلاة مثلًا، يقول: يبدأ العقل ما يعرف إلا ما كان مثل هذا النوع، ولا يستريح إلا لِمَا كان مثل هذا النوع، وحينئذ يتضرر، وهذا صحيح؛ يعني تعويد الفكر على شيء معين يركز عليه معناه أنه يضيع الشيء الآخر.
طالب: فيمن قال: ( ... ) يجيز العوض على كل شيء ( ... ) لعب كرة، أو على .. ؟
الشيخ: لا، يجوز، العوض من جانب آخر ما هو من باب التسابق؛ يعني مثلًا أنا قلت لاثنين: تسابقا على الأقدام، أو في المصارعة، واللي يغلب أعطيه كذا وكذا، هذا مرادي، أما من الجانبين ..
المذهب أيضًا يشترطون أنه لا بد من المحلل؛ يعني واحد ثالث مع الاثنين يدخل معهم في المسابقة، ولا يجعل عوضًا، قالوا: لأجل أن تخرج عن شبه القمار؛ لأن المحلل الثالث إذا سبق أخذ العوض، وليس عليه غرم، ولكن هذا القول ليس بصحيح، الصواب: أنه يجوز بدون محلل.
طالب: ( ... ).
الشيخ: والله ما أعرف الـ (دومنا)، وأيش هي الـ (دومنا)؟
الطالب: قطع ( ... ).
طالب آخر: تشبه الورقة.
الطالب: ما فيها فائدة.
الشيخ: ما فيها فائدة، لكن تلهي كثيرًا؟
الطالب: تلهي.
الشيخ: تلهي كثيرًا، إذن معَنا هذه القاعدة؛ شيخ الإسلام جعل قاعدة يقول: ما ألهى كثيرًا عن الأمور النافعة وليس فيه نفع هو حرام.
لكن لاحظوا أنه يُرخَّص للصغار ما لا يرخَّص للكبار؛ يعني مثل هذا لو أن الصغار ما لهم وقت؛ لأن وقتهم ما هم منتفعين به، ولا بد أن ينشغلوا بشيء، هذا قد يرخص للصغار اللي دون البلوغ، أما الكبار فلا.
طالب: الكاراتيه؟
الشيخ: الكاراتيه؟ والله، الكاراتيه قال لي بعض الناس: إنها طيبة ومفيدة.
الطالب: فيها ضرر كبير.
الشيخ: لا، ما فيها ضرر.
(1/5134)
________________________________________
الطالب: فيها ضرر؛ أنا أعرف واحدًا يطلع الأول على المملكة فنكسر ذراعه ورجله.
الشيخ: لا يا أخي يقولون: إنها جيدة مفيدة، وفيها حذق تام يمكن تقتل عشرين واحدًا من أعدائك وتسلم أنت.
طالب: التدريب عليها ( ... ) قدر من التدريب ( ... ) ولا تتعلم إلا إذا كنت ..
الشيخ: لا بد من التدريب، حتى التعلم على السهام وغيرها لا بد فيها من أول ما تعلم يحصل عليك آداب وربما يحصل عليك ضرر.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم ( ... ).
الشيخ: كل سيئة بحسنة، نعم.
هل يجوز الرهان في مسائل العلم؟
نقول: العلم نوعان: أحدهما علمٌ لا يُستفاد منه في الدين، ولا يقوى به الدين، فالرهان فيه لا يجوز بعوض؛ مثل علم الجغرافيا، وعلم الفلك، وعلم الحساب.
وعلم النحو؟ وسيلة، حتى الحساب قد يكون وسيلة، حتى الجغرافيا يكون وسيلة، حتى الفلك يكون وسيلة أيضًا، فالظاهر أن الوسائل هذه لا تعتبر، لكن بعضها وسائل مهمة، وبعضها وسائل بعيدة.
المسائل الشرعية بذاتها، هذا النوع الثاني؛ وهو ما يستفاد منه في الدين بذاته، كعلم التوحيد والفقه، ومنه الفرائض.
فقد اختلف العلماء في هذا هل تجوز المسابقة فيه بعوض أو لا؟
فالمشهور من المذهب: أنها لا تجوز؛ لأن الحديث حاصر: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ» (3).
(1/5135)
________________________________________
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إن المسابقة فيه بعوض جائزة؛ لأن الدين يقوم بالجهاد بالسلاح وبالجهاد بالعلم، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام جعل وسائل الجهاد بالسلاح جعل العوض فيها جائزًا، فكذلك العلم؛ لأن العلم وسيلة الجهاد في بيان الحق وهداية الخلق، ولأن أبا بكر رضي الله عنه راهن قريشًا حين نزل قوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 1 - 4]، فإنه راهنهم على أن الروم ستغلب، وقريش يقولون: إن الروم لن تغلب، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك (4).
وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله قوي جدًّا وله وجه، لكن يبقى النظر؛ إذا كان القصد من المسابقة المغالبة، لا الوصول إلى الحق بعد البحث والمناقشة، فهل نقول: إن عموم كلام الشيخ رحمه الله يشمل هذه الصورة، أو نقول: إن هذه الصورة لا تحل؛ لأن المقصود بها المال دون العلم؟
الظاهر لي الثاني، وإن كان الأول فيه احتمال، لكن الظاهر الثاني؛ لأن هذين المتسابقين بالعوض لم يقصدا في الواقع العلم الشرعي، وإنما قصدا الوصول إلى الغلبة وأخذ المال الذي جُعِلَ.
مثال ذلك: تراهنا في مسألة أمرها بسيط وسهل، والوصول إليها يحصل بأدنى مطالعة، وأدنى مناقشة وجعلا العوض فيها عشرات الآلاف، هذه نعلم أن المقصود المال.
مثلًا: قال أحدهما: النية واجبة في الوضوء، قال الثاني: إنها غير واجبة، هذه المسألة سهلة وبسيطة، العوض إن غلبتني فعلي عشرة آلاف ريال، وإن غلبتك فعليك عشرة آلاف ريال.
طالب: قصد المال.
الشيخ: هذا واضح أنه قصد المال، لكن إذا كان المقصود من المغالبة الوصول إلى الحق، وجعل المال كالوسيلة ينشط، فهذا هو الذي أراده شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو جائز.
***
[باب العارية]
ثم ننتقل الآن إلى (باب العاريَّة)
(1/5136)
________________________________________
يقال: العاريَة، ويقال: العاريَّة؛ سميت بذلك لعروها عن العوض.
وهي إباحة نفع عينٍ تبقى بعد استيفائِه. هذا تعريفها شرعًا: (إباحة نفع عين تبقى بعد استيفائه).
لم يقل المؤلف: تمليك نفع عين، بل قال: (إباحة نفع عين) هذه العارية، وهذا باعتبار المعير، وباعتبار المستعير استباحة نفع عين.
فهي باعتبار المعير إباحة، وباعتبار المستعير استباحة نفع عين تبقى بعد استيفائه.
مثال ذلك: أعرتك سيارتي لتذهب بها إلى بُريدة مثلًا، الآن أبحتك نفع هذه السيارة حتى تصل إلى المكان الذي عينته، ولم أملِّكْك النفع؛ وعلى هذا فالمستعير لا يملك تأجير العين المستعارة، لا يملك تأجيرها، ولا يملك إعارتها لغيره، ولا يملك نفعًا سوى ما استعارها له؛ لأنه إنما أبيح له فقط الانتفاع ولم يملكه.
وقوله: (تبقى بعد استيفائه) خرج بذلك ما لو أباحه نفع عين لا يمكن الانتفاع بها إلا بإتلافها؛ مثل أن أقول: هذه دراهم أعرتك إياها، أعرتك هذه الدراهم لتقضي بها حاجتك، هذا لا يُسَمَّى إعارة، ليش؟ إذ لا يمكن الانتفاع بهذه الدراهم إلا بعد إتلافها وشراء شيء فيها بخلاف ما إذا قلت: أعرتك سيارة، فإنك تنتفع بالسيارة مع بقائها.
الفرق بينها وبين الإجارة؛ أن الإجارة ملكٌ للمنفعة، والاستعارة إباحة للمنفعة؛ ولهذا سبق لنا أن المؤجر يجوز أن يؤجر غيره، ويجوز أن يعير غيره، ويجوز أن يستوفي المنفعة بنفسه، وبخادمه، وغلامه، وما أشبه ذلك.
قال: (وتباح إعارة كل ذي نفع مباح) قوله: (تباح) يعني: معناه أنه يجوز، ولا ينفي ذلك الاستحباب مثلًا.
فإذا قال قائل: كيف قال المؤلف: (تباح)؟ نقول: هذا بيان لما تباح إعارته، لا بيان لحكم العاريَّة، انتبه! شوف العبارة: (وتباح إعارة كل ذي نفع مباح)؛ إذن فالعبارة يراد بها بيان ما الذي يعار، وليس المراد بيان حكم العاريَّة.
إذن فما حكم العارية؟
حكم العارية بالنسبة للمُعِير سُنة مستحبَّة، وبالنسبة للمستعير جائزة.
(1/5137)
________________________________________
أما الأول؛ فلأن العارية من الإحسان، وقد قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، والإحسان عام يشمل كل إحسان {أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
أما بالنسبة للمستعير فهي مباحة؛ لأن القرض أشد منها وأعظم منَّة، ومع ذلك فقد أباحه الشارع.
وقد وقعت العارية أيضًا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه استعار من صفوان بن أمية استعار منه دروعًا (5)؛ إذن هي بالنسبة للمعير سنة، وبالنسبة للمستعير جائزة مباحة.
وقال بعض العلماء: إن العارية واجبة في كل ما لا يحتاجه الإنسان، يعني: لو طلب منك أحدٌ أن تعيره شيئًا وأنت لا تحتاج إليه وجب عليك أن تعيره، لكن بشرط أن تأمن هذا الذي طلب العاريَّة، أن تأمنه من إتلاف العاريَّة أو إفسادها، فإن لم تأمن لم يلزمك.
وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال لأن الله تعالى قال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4 - 7] يعني يمنعون إعارة الماعون، وهذا وعيد لهؤلاء الذين لا يقومون بهذا، وما ذهب إليه رحمه الله قوي جدًّا؛ لأن العارية فيها دفع حاجة أخيك المسلم بدون ضرر، أما إذا كان صاحبُك إذا كنت تخشى من الضرر بإفساد هذه العاريَّة، أو تخشى أن يُتلِفها، أو تخشى أن يهرب، أو أن يجحدها؛ فإنه لا يجب عليك أن تُعيرَه، لكن إذا كان محتاجًا وأنت مستغنٍ عنها، فإن الواجب الإعارة على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن جمهور أهل العلم على أن ذلك مستحب، وليس بواجب.
وما ذهب إليه شيخ الإسلام قوي جدًّا؛ لظهور دليله.
(1/5138)
________________________________________
وقد يقال: إنها لا تجب العاريَّة إلا حيث اضطرَّ الطالب إليها، وأظن أن هذا -حتى على المذهب- يجب إذا كان الإنسان مضطرًّا إلى ذلك أن يعيره إياها، لكن المذهب كما مر علينا يقيدون ذلك بالأجرة، على خلافهم في ذلك.
فالحاصل أن العارية بالنسبة للمعير سنة وقد تجب، بالنسبة للمستعير مباحة.
ما الذي يباح بإعارته؟
قال: (كل ذي نفع مباح) مثل: كتاب، قلم، ساعة، بيت، سيارة، مسجِّل، أي شيء له نفع مباح.
وعُلم منه أن ما لا نفع فيه فلا تُباح إعارته.
ولكن قد يقال: إن ما لا نفع فيه تباح إعارته لأنه ما فيه عوض، مثل أيش؟ كالمناظر الطبيعية مثلًا؛ لو جاء إنسان إليك وقال: أنا والله عازم جماعة يحبون الفخفخة، وأحب أن تعطيني هذه المناظر الطبيعية، عنده مثلًا لوحات فيها مناظر طبيعية أبغي أعلقها بالجدار، هذا نفع ولَّا لا؟ ما فيه نفع، وأيش النفع؟
نعم هذا ( ... ) شيء. فنقول: هذا لا بأس به؛ لأنه وإن لم يكن نفعًا مقصودًا ولا فائدة فيه، فإنه لا عوض فيه حتى نقول: إن الإنسان أتلف ماله في غير فائدة.
فالمباح احترازًا من ذي النفع المحرم؛ كرجل جاء إلى شخص يطلب منه أن يعيره آلة لهو؛ كالعود مثلًا، تجوز إعارته؟ لا تجوز، ولكن بقاؤه عند المعير أيضًا لا يجوز؛ لأن الواجب تكسيره.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، ليس شيئًا، لا، هذا ما يرغب لأنه جرت العادة بأنه لا منة فيه في الغالب كالقرض، القرض يجوز الرجل يستقرض ولا بأس به، إنما إحنا ما نقول: لا يجوز، لكن صحيح أن الإنسان ينبغي له أن -بالنسبة للمستعير- ينبغي ألا يستعير إلا ما هو محتاج إليه؛ أولًا: لئلا يوقع نفسه في المذلة. وثانيًا: لئلا يعرض نفسه لضمان شيء، وإلا العارية قد تتلف فيضمن.
فنقول: نعم، الأحسن، الأولى ألا تستعير إلا للحاجة.
طالب: بالنسبة للسيارات إذا واحد يعلم يسوق، وما عنده رخصة، جاء استلف منك سيارة ( ... )، أو كذا، وفيه منع من المرور، هل إذا ما أعطيته في هذا ( ... )؟
(1/5139)
________________________________________
الشيخ: أيش يقول هذا؟
الطلبة: يريد يعطيه لكن ما عنده رخصة.
الشيخ: لكن هل يجوز أني أمنع العارية هنا ولَّا لا؟
الطلبة: خطأ، يجب منعها.
الشيخ: يجب هنا، الظاهر أنه يجب؛ لأنه لا يجوز أن تعطيه، نعم لأنك إذا أعطيته مكنته من السياقة وهو ما عنده رخصة، وهذا تعاون على الإثم والعدوان، أفهمت؟ ولكن إذا عرفت أن الرجل محتاج فأنت بنفسك اذهب بسيارتك، أنت والسيارة.
طالب: ماذا لو تبين أنه يريد بها احتمال منفعة لبعض الناس؛ يعني بالنسبة ( ... ) الأشجار والبحار وكأنه مثلًا على البحر ( ... )؟
الشيخ: عجيب.
الطالب: ( ... ) يعني فيه بيوت كثيرة الإخوان لا يضعون الصور، ووضعوا مكانها مناظر طبيعية للزينة أساسًا كمان ( ... ).
الشيخ: إذن معناها أنها نسبيًّا.
الطالب: نعم.
الشيخ: نسبيًّا ما هي دائمًا.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، الظاهر أنه الشيء العظيم اللي يُخْشَى منه؛ يعني مثلًا أن خسارته كثيرة، قد نقول: إنه ما يدخل في الآية الكريمة، وإن الماعون غالب الناس يحتاجونه دائمًا ولا يكون عندهم، فما كان مثل الماعون والدلو وما أشبه ذلك فهو يجب مع الاستغناء عنه، وأما الشيء الذي قلت: مثل البيت، جاء يستعير مني بيتي مثلًا ليقيم فيه حفلًا، فهذا لا يلزم لي فيما يظهر.
وقد يقال: إنه يفرق أيضًا بين الشيء الذي يتضرر كثيرًا كالسيارة وشبهها يتضرر بالمشي، بخلاف البيت فإن الغالب إذا كان الساكن فيه عاقلًا ما يتضرر.
على كل حال الشيخ رحمه الله إنما يقول بالوجوب بشرط ألا يكون هناك ضرر ( ... ).
أن تستعين بها على أمر مباح، فليس على بر وتقوى، واضح؟
لكن الاستدلال بالآية الأخرى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، هذا واضح.
الاستعارة حكمها ( ... ).
(1/5140)
________________________________________
(تباح إعارة كل ذي نفع مباح إلا البُضْعَ) البضع يعني الفرج فإنه لا يعار، فلو كان عند شخص أمة ورأى شابًّا أعزب فقال له: أعرتك أمتي تجامعها، فإن هذا حرام ولا يجوز؛ لماذا؟ لأن الفرج لا يباح إلا بأمرين؛ إما نكاح وإما ملك؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5 - 7] هذا البضع.
قال: (وإلا عبدًا مسلمًا لكافر) لا يجوز؛ يعني: عندك عبدٌ مسلم أعرته لكافر ليخدمه، فإن هذا لا يجوز؛ لأن فيه إذلالًا للمسلم، فهذا الكافر سوف يتسلط على هذا المسلم، ويؤذيه بالاستخدام؛ ربما يقول مثلًا: مَحِّشِ النجاسة اللي عليَّ، احمل نعلي على رأسك، وما أشبه ذلك، فلا يجوز أن يعير الإنسان عبدًا مسلمًا لكافر.
وإن أعار عبدًا كافرًا لكافر، فهذا جائز بشرط أن يكون هذا الكافر ممن يجوز بِرُّه، فإن كان مما لا يجوز بره، فإنه لا يحسن إليه، كالكافر المحارب فإنه لا يحسن إليه؛ لأنه ليس أهلًا للبر.
إن أعار عبدًا كافرًا لمسلم فلا بأس، كذا؟ إن أعار عبدًا مسلمًا لمسلم؟ جائز.
إذن الصور أربعة: أن يعير عبدًا مسلمًا لمسلم، وعبدًا كافرًا لكافر، وعبدًا كافرًا لمسلم، وفي هذه الصور الثلاث يجوز. أن يعير عبدًا مسلمًا لكافر هذه الصورة الرابعة لا تجوز.
(1/5141)
________________________________________
قال: (وإلا صيدًا ونحوه لِمُحْرِمٍ) أعار صيدًا لمحرم؛ عنده غزال ونعامة وأرنب، فقال له المحرم: إني عازم فلانًا، داعيه ليأتي إلى البيت، أبغيك تعيرني الغزال والنعامة والأرنب، أحطهن عندي في الحوش؛ من أجل إذا دخل يُسَرُّ؛ لأن بعض الناس يُسَرُّ بمثل هذه الأمور، هل يجوز أن يعيرها هذه الثلاثة للمحرم؟ لا يجوز؛ لأن المحرم لا يمكن أن يتسلط على الصيد، بل إن الإنسان لو أحرم وفي يده صيد وجب عليه إطلاقه، فكيف نسلطه على الصيد.
وقول المؤلف: (ونحوه لِمَحرِم) كالقميص مثلًا، طلب مني المحرم أن أعيره قميصًا ليلبسه، يجوز ولَّا لا؟ لا يجوز، ودليل هذا قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
مثله أيضًا لو جاءني رجل وقال: إني أريد أن تعيرني هذا السلاح ليقتل به صيدًا وهو مُحرِم، أو ليقتل به صيدًا في الحرم، يجوز ولَّا لا؟ لا يجوز؛ لدخوله في قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
قال: (وأمة شابة لغير امرأة أو مَحْرَمٍ) يعني: لا يجوز أيضًا أن يعير أَمة شابَّة لغير امرأة أو محرم.
قال: (أمةً شابَّة لغير امرأة أو محرم) مثل أن يعير هذه الأمة الشابة لأجنبي منها، رجل أجنبي منها، فهذا لا يجوز، لماذا؟ لخوف الفتنة؛ لأنه إن كان هذا الرجل المستعير ليس في بيته غيره فالمفسدة حاصلة على كل حال، ما هي؟
الخلوة، وهذا حرام، وإن كان في البيت غيره فالخلوة قد تنتفي لكن الفتنة لا تنتفي؛ لأنه ربما مع كون هذه المرأة الشابة، ولا سيما إن كانت جميلة أيضًا ربما تدعوه نفسه إلى فعل الفاحشة بها لأنها معارة عنده، فهي فيما تسول له نفسه كالمملوكة، فيعتدي على عرضها.
وظاهر كلام المؤلف: أنه لو أعار أمة غير شابة، أنه يجوز، وفي هذا نظر؛ لأنه يحتاج إلى تفصيل.
(1/5142)
________________________________________
فنقول: غير الشابة إن أعارها لشخص ينفرد بها في البيت فهو حرام؛ أي: فإعارتها حرام؛ لأن ذلك يستلزم الخلوة بها، والخلوة بها حرام.
أيضًا: لو كانت غير شابة لكنها جميلة فإنها فتنة، فالمحظور في الشابة كالمحظور في الجميلة، وكم من امرأة غير شابة لكنها جميلة وضيئة يحصل من الفتنة بها ما لا يحصل من الفتنة بشابة غير جميلة.
وعلى هذا فنقول: المدار كله على الفتنة أو الوقوع في المحرم، فإذا كان إعارة الأمة تُخشى منه الفتنة، أو فيه وقوع في محرم كالخلوة، فإن إعارتها حرام.
قوله: (أمة شابة) لو أعار حرَّة شابة؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لا، نقول: إعارة الحرة أصلًا لا تجوز؛ ولهذا ما قالها المؤلف لأنها غير مملوكة؛ الحرة. والعارية لا تكون إلا من مالك.
فهذا الإنسان لو جاءه شخص، وقال: أريد أن تعيرني زوجتك لأن عندي اليوم مأدبة، أبغيك تعيرني إياها ( ... )، نقول: بدل من أن يقول: أبغيك تعيرني إياها، يقول: إن عندنا حاجة خليها تجيء وتساعدونا، هذا جائز الأخير ولَّا لا؟
طلبة: نعم جائز.
الشيخ: والأول؟
طلبة: ما يجوز.
الشيخ: غير جائز؛ ما يمكن الإعارة تقع عليها.
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (ولا أجرة لمن أعار حائطًا حتى يسقط) يعني: أنه لو أعار شخصٌ حائطًا له لشخص آخر يضع عليه خشبه، ثم لما وضع الخشب وبنى قال له: رجعت في عاريتي، فأعطني أجرة على بقاء الخشب على الجدار، هل يجوز هذا أو لا؟
يقول: لا، لا يملك هذا، حتى لو رجع في العارية، فإن رجوعه لا يُقبل؛ لأن الرجوع في العارية على وجه يتضرر به المستعير لا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (6)، فهذا الرجل الذي أعارني حائطه أبني عليه بعد أن بنيت وانتهى البناء رجع.
(1/5143)
________________________________________
نقول: نحن الآن بين أمرين؛ إما أن يلزمني بأن أنقض البناء، وهذا ضرر عليَّ، أو يلزمني بالأجرة، وهذا أيضًا ضرر عليَّ؛ لأنني لو كنت أعلم أنه يطلب الأجرة لأقمت أعمدة أقيم عليها بنائي، حينئذٍ نقول لهذا الراجع: لا رجوع لك ولا أجر لك، إلى متى؟ قال: حتى يسقط، فلو سقط الجدار فإن هذا الذي بنى على الجدار الأول لا يعيد البناء على الجدار الثاني إلا بإذنه ما لم يحتج إليه، فإن احتاج إليه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِهِ» (7).
عُلِمَ من كلام المؤلف هنا أنه لا يجوز الرجوع في العارية إذا تضمن ذلك ضررًا، وهو كذلك، كالجدار الذي أعاره ليبني عليه، وكما لو أعاره سيارة ليذهب بها إلى الرياض، وفي أثناء المسير قال له: خلاص، أنا رجعت في العارية، ما يمكن تكمل المشوار إلا بأجرة.
فنقول: لا أجرة لك؛ لأني الآن ما أتمكن من أن أنزل من السيارة وأستأجر سيارة أخرى، فإن كان يتمكن فللمعير الرجوع.
وكذلك لو أعاره سفينة يذهب بها من جُدَّة إلى مصر، في أثناء البحر قال: هونت، رجعت بالعارية، يمكن ولَّا؟ ما يمكن، لماذا؟ لأن المستعير لا يتمكن من النزول، ولأن هذا يفتح باب شر، يأتي إنسان قد كسدت سيارته أو سفينته، ثم يقول لشخص: أنا أراك محتاجًا إلى السفر عن طريق البحر وهذه سفينتي. فإذا ركبها وصار في لجة البحر قال: رجعت في العاريَّة، فلا بد من ضرب الأجرة عليك. مشكلة هذه.
لهذا نقول: إذا تضمن الرجوع في العارية ضررًا فإنه لا يجوز أن يرجع، ونمثل لهذا بالجدار، وبالسفينة، وبالسيارة.
بالزرع؟ لو أعاره أرضًا ليزرعها ثم زرع، خسر الرجل؛ حرث الأرض وأتى بالماكينة وأخرج الماء وأتى بالصبيان، وفي أثناء ذلك قبل أن ينتهي الزرع قال: رجعت، يلَّا خذ زرعك، هل يُلزِمه بهذا أو لا؟ لا يلزمه، هل له أجرة؟ الصحيح أنه ليس له أجرة؛ لأن إذنه له بالزرع يَستلزم رضاه ببقائه حتى يحصد.
(1/5144)
________________________________________
والمشهور من المذهب أن له الأجرة إذا رجع في أثناء مدة الزرع، لكنه قولٌ ضعيف، ولا تكاد تجد فرقًا بين هذا وبين الحائط والسفينة.
إذن لا يجوز الرجوع ولا يمكن الرجوع في العارية إذا تضمن ضررًا.
ثانيًا على القول الراجح أيضًا: إذا كانت العارية موقَّتة بوقت فإنه لا يجوز أن يرجع ما دام الوقت باقيًا.
مثل أن يقول: أعرتك هذه لمدة شهر فلا يجوز أن يرجع في نصف الشهر؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ؛ إِذَا حَدَّثَ كَذِبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» (8) وهذا الرجل الذي أعاره لمدة شهر إذا رجع في أثناء المدة فقد أخلف، ولقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34]، وهذا قد عهد له أن تبقى هذه العين عنده لمدة شهر، ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (9).
فالنصوص تدل على أن العارية الموقتة لا يجوز الرجوع فيها قبل انتهاء الوقت.
قال المؤلف: (وتُضمَن العارية بقيمتها يوم تلفت) (تضمن العارية) أفادنا المؤلف: أن العارية مضمونة بكل حال؛ لقوله: (تضمن العارية) ولم يُفصِّل.
فالعارية مضمونة على المستعير؛ سواء تلفت بتفريط أو بتعدٍّ، أو بغير تفريط ولا تعدٍّ.
فإذا أعرتك إناء، فجاء اللص فدخل البيت وأخذ الإناء، مع أنك قد أحكمت إغلاق البيت، فعليك الضمان؟
عليك الضمان على كلام المؤلف.
احترق البيت بما فيه، ومنه العين المستعارة، يضمن صاحب البيت ولَّا لا؟
يضمن؛ على كلام المؤلف، مع أنه لم يفرِّط؛ إذن عليه الضمان سواء فرَّط أو لم يفرِّط.
(1/5145)
________________________________________
الدليل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، وهذه أمانة وأنت مأمورٌ بأدائها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» (10). وهذه عينٌ مأخوذة فعلى المرء أن يؤدِّيَها. فاستدل هؤلاء بدليلين؛ أحدهما من القرآن والثاني من السنة.
وقال بعض العلماء: إن العارية لا تضمن إلا بواحد من أمور ثلاثة؛ أن يتعدى، أو يُفَرِّط، أو يشترط الضمان؛ يشترط المستعير على نفسه بالضمان فيقول: أنا أضمنه إذا تلفت، ففي هذه الأحوال الثلاث يضمن.
أما في مسألة التعدي والتفريط؛ فلأنه بتعديه وتفريطه زال ائتمانه وصار غير أمين، وأما فيما إذا شرط أن يَضْمَنها فلقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (9)، وهذا قد التزم بذلك، والحديث عام: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ».
وفيه حديث خاص في الموضوع؛ وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار أدرُعًا من صَفْوان بن أُمَيَّة، فقال له صفوان: أغصبًا يا محمد؟ ! قال: «بَلْ عَارِيةٌ مَضْمُونَةٌ» (5).
كلمة: «مَضْمُونَةٌ» من قال: إن العارية مضمونة بكل حال قال: إن «مَضْمُونَة» صفةٌ كاشفة ليست مقيدة، والصفة الكاشفة لا يخرج مفهومها عن الحكم، يصير معنى عارية مضمونة يعني العارية كأنه قال: عارية، وكل عارية مضمونة.
والذين قالوا: لا تُضمَن إلا بشرط، قالوا: لأن «مَضْمُونَة» صفةٌ مقيدة وليست كاشفة، وإذا تعارض القولان هل الصفة مقيدة أو كاشفة فالأصل أنها مقيدة؛ لأن الكاشفة لو حذفت لاستقام الكلام بدونها، والمقيدة لا بد من وجودها في الكلام، لا يتم الكلام إلا بها، والأصل أن المذكور واجب الذكر، هذا هو الأصل، وعلى هذا فتكون الصفة هنا صفة مقيدة، وهو الصحيح، فتكون دالة على أن العاريَّة تُضمَن إن شُرط ضمانها وإلا فلا.
(1/5146)
________________________________________
إذا قال قائل: بأي شيء تردون استدلالهم بالدليلين السابقين؟
الجواب أن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] تردوا الأمانات، متى تُرد الأمانات؟ إذا كانت باقية، أما إذا تلفت فالآية ليس فيها دليل على وجوب الرد؛ لأن الأمانات زالت الآن، تلفت، وهذا الرجل تلفت تحت يده بلا تفريط ولا تعدٍّ، فلا يكون ضامنًا.
وكذلك نقول: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» (10)، هذا يدل على أنه موجود، وأنه يجب أن يُؤَدَّى إلى صاحبه حيث وجب أداؤه إليه.
ثم نقول: أنتم بأنفسكم لم تأخذوا بمقتضى الآية، فالمستأجر عندكم الذي بيده العين المستأجرة أمين ولَّا غير أمين؟ أمين، والعين بيده أمانة، ومع ذلك تقولون: لو تلفت العين المستأجرة تحت يد المستأجر بدون تعدٍّ ولا تفريط فليس بضامن، فكيف تستدلون بالآية على شيء وتخرجون ما تشمله الآية، والحكم واحد فيهما؟ !
إذن فلا دلالة في الآية والحديث على ما ذهبوا إليه، وتبقى العارية على القواعد العامة، وهي أنها وقعت بيد المستعير برضا صاحبها؛ فيد المستعير يدٌ أمينة ولا خائنة؟ أمينة؛ لأن المال حصل فيها برضا صاحبها، فهي يدٌ أمينة، والأمين لا يضمن إلا بتعدٍّ أو تفريط، هذه القاعدة العامة.
أما إذا شرط ضمانها؛ فلقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ولقوله: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34] ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (9)، ولقوله لصفوان بن أمية: «بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ» (5)، وهذا القول الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصحيح؛ لدلالة النصوص عليه.
(1/5147)
________________________________________
قال المؤلف: (بقيمتها يوم تلفت) يعني: متى وجب ضمانها؛ في الصور الثلاث التي ذكرنا، أو مطلقًا على المذهب؛ فإنها تُضْمن بقيمتها يوم تلفت وقت التلف لا وقت الإعارة، قد تكون قيمتها وقت الإعارة مئة ووقت التلف خمسين، فبكم تُضمن؟
طلبة: بخمسين.
الشيخ: تُضمن بخمسين، وقد يكون الأمر بالعكس؛ قيمتها وقت الإعارة مئة وقيمتها وقت التلف خمسين، فتُضمن؟ بخمسين.
ولكن قول المؤلف: (بقيمتها) ..
طلبة: بالعكس.
الشيخ: كيف؟
طلبة: يعنى: الأولى أنها بمئة.
الشيخ: نعيد المثال.
قد تكون قيمتها يوم الإعارة مئة وقيمتها يوم التلف خمسين، بكم تُضْمن؟
طلبة: بخمسين.
الشيخ: بخمسين. وقد تكون قيمتها وقت الإعارة بخمسين وقيمتها وقت التلف بمئة، تضمن بمئة.
إذن المعتبر وقت التلف.
لكن قول المؤلف: (بقيمتها) فيه نظر؛ لأنها لم تُؤخَذ على سبيل المعاوضة، وضمانها ضمان إتلاف، وإذا كان ضمانها ضمان إتلاف فالواجب أن تضمن بالبدل لا بالقيمة.
وما هو البدل؟ البدل هو المثل إن كانت مثلية، والقيمة إن لم تكن مثلية، فإذا قدرنا أن العاريَّة فناجين -تعرفون الفناجين؟ أكواب الشاي- ثم تكسرت الفناجين يضمنها بقيمتها ولَّا بمثلها؟
طلبة: بمثلها.
الشيخ: بمثلها؛ لأنها مثلية، ما يضمنها بالقيمة، يقول المعير: أنا أريد فناجين مثلما أعطيتك، فله ذلك.
لكن لو استعار شيئًا لا مثيل له؛ مثل بعض المعدات التي لا يوجد لها نظير في البلد، فهذا يضمنها بماذا؟ يضمنها بالقيمة. هذا هو الصحيح في مسألة الضمان.
ولهذا نقول: لو قال المؤلف: تضمن ببدلها لكان أحسن؛ لأن البدل يشمل القيمة في المتقوَّم والمثل في المثلِيِّ، فالضمانات كلها تدور على هذا؛ ما كان ضمانه ضمان يد لا ضمان ملك فإنه يضمن بالمثل إن كان مثليًّا، وبالقيمة إن كان متقومًا.
يستثنى على المذهب من ضمان العارية أربع صور:
الصورة الأولى إذا تلفت فيما استُعملت له، كيف فيما استعملت له؟
(1/5148)
________________________________________
يعني: استعار مني ثوبًا، الثوب هذا مع اللُّبس تقطع، فلا ضمان على المستعير، لماذا؟ لأن المعير لما أعاره للبس فهو يعلم أنه سيبلى، فهو داخل على بصيرة، وعلى رضًا بما يتلف به.
وكذلك لو أعاره منشفة، تعرفون المنشفة؟ المنشفة فيها خمل، والخمل معروف، هذا الحب؛ حب خيوط صغيرة، كأنك ما عرفتها أنت؟
طالب: الفوطة.
الشيخ: تعرف الفوطة؟
الطالب: فوطة صغيرة.
الشيخ: فوطة صغيرة أو كبيرة. ما فيها خمل؛ يعني: فيها خيوط كأنها نابتة مثل الزرع، كذا عرفت هذا؟ إذا نشف الإنسان فيها فإنها تزول هذه؛ الخمل يزول، أعاره هذه المنشفة لمدة سنة يتنشف فيها، هذا الرجل صار يتنشف فيها فتقطعت هذه الخيوط التي تسمى خملًا، نقول: لا ضمان عليه؛ لأنها تلفت فيما استعيرت له، إلا إذا صار يستعملها بشدة؛ يعني يفرك فيها بشدة، فهذا يكون متعدِّيًا فيضمن.
أعرته قلمًا يكتب به، يجوز؟ هذا القلم مع كثرة الكتابة صار غليظًا، ولَّا لا؟ الغالب أنه يكون غليظًا، فهل يضمن؟ لا يضمن، إلا إذا كان يتكئ عليه كثيرًا، يتكئ عليه جدًّا فإنه يضمن لتعديه، واضح؟ هذه الصورة الأولى.
الصورة الثانية إذا كان المعير لا ضمان عليه؛ إذا استعارها ممن لا ضمان عليه؛ كالمستعير من المستأجِر، المستأجر عليه ضمان إذا لم يتعدَّ أو يفرط؟ لا، فإذا استعار من مستأجر ولم يتعدَّ أو يفرط فلا ضمان عليه؛ لأنه فرعٌ عن المستأجر، المستعير فرعٌ عن المعير، والمعير ليس عليه ضمان فلا يكون عليه ضمان.
الصورة الثالثة إذا استعار شيئًا موقوفًا على عموم الناس؛ كرجل استعار كتابًا موقوفًا على طلبة العلم، وهو من طلبة العلم، فتلف الكتاب عنده بلا تعدٍّ ولا تفريط، فليس عليه ضمان؛ لماذا؟
لأنه أحد المستحقين لهذا الكتاب، أحد المستحقين فهو الآن ينتفع به بالاستحقاق لا بالإعارة، وهو إنما طلبه إعارة من القيِّم على المكتبة مثلًا، وإلا فله الحق في أن يطالع فيه ويراجع فيه.
(1/5149)
________________________________________
الصورة الرابعة إذا أرْكَب منقطعًا للثواب فإنه لا يَضْمن، كيف منقطعًا للثواب؟
يعني: إنسان معه بعير وهو مسافر إلى مكة، ووجد شخصًا ليس له مركوب، فقال له: اركب بعيري. قصده بذلك الثواب والأجر، ركب هذا الرجل البعير، في أثناء الطريق عثر البعير وانكسر، وهو عليه هذا الراكب، هل يضمن الراكب أو لا؟
يقول: لا يضمن؛ لأن هذا في الحقيقة لم يُعَر البعير، وإنما منح الركوب فقط، والبعير تحت تصرف مَنْ؟ صاحبها ومالكها.
هذه الصور الأربع؛ يقول الفقهاء: إن العارية لا تُضمَن فيها، لا تضمن العارية في هذه الصور الأربع.
طالب: شيخ بالنسبة ( ... ) الفوائد؟
الشيخ: لا، لهم الحق في هذه المسألة.
طالب: شيخ، المسألة الثانية؛ إذا كان البعير لا ضمان عليه.
الشيخ: ذكرنا مثالها.
الطالب: كيف؟
الشيخ: استأجرت مني بعيرًا لمدة عشرة أيام، وأعرته فهدًا لمدة يومين، في أثناء المدة هذه تلف عند فهدٍ بلا تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه.
الطالب: لا ضمان عليه؟
الشيخ: إي نعم، ولا ضمان عليك أنت أيضًا؛ لأنه فرعك.
طالب: المستعير لا يجوز أن يعير لي ( ... ).
الشيخ: صحيح.
الطالب: لأنه ما ملكه.
الشيخ: نعم، صح.
الطالب: ليش الآن هو أعار خطأ، نقوم نضمنه؛ لأنه ليس له الحق في التصرف إلا ..
الشيخ: هذا مستأجِر أعار.
الطالب: نحن قلنا: إنه يكون ليس بضامن.
الشيخ: إي، أن يكون المعير غير ضامن، كالمستعير من المستأجر.
الطالب: مستعير مِنْ مستأجر؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: ولا مستعير من مستعير؟
الشيخ: إذا استعار من مستأجر فالمستأجر معير، أو لا؟ فقد استعار ممن لا ضمان عليه، واضح؟ إي نعم.
طالب: ( ... ).
الشيخ: يعني أيش؟ أيهما أحسن ولَّا أيش؟
الطالب: يعني أيهما ( ... ) في الموضوع؟
الشيخ: الظاهر أنه ما يجوز.
الطالب: ما هو من باب العلم يا شيخ؟
الشيخ: لا، من باب العلم معرفة الحكم الشرعي.
الطالب: إي، لكن هو موجود ( ... ).
(1/5150)
________________________________________
الشيخ: إي موجود، لكن ما وُجِدَ أنهم يتسابقون فيه بعوض.
يقول: هل يجوز الشرط في العارية؛ بأن أقول: لا أعيرك كتابي حتى تعيرني كتابك، أو هذا من باب الشغار؟
المذهب: لا يجوز؛ لأن شرط عقد في عقد لا يجوز، والصحيح: أنه جائز ولا بأس به، لا بأس أني أشرط عليك أنك تعيرني كما لا بأس على القول الراجح أن أقول: لا أبيع عليك بيتي حتى تبيع علي بيتك.
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، لو استعار مني دكانًا ليجعله بنكًا ربويًّا، يجوز أعيره ولَّا لا؟
طالب: لا.
الشيخ: إذن كل ما يستعان به على محرم فإنها لا تجوز إعارته، والدليل قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
جاء لي واحد قال: بدي تعيرني دكانك لأن ودي أحلق فيها اللحى، يجوز ولَّا لا؟
طالب: ما يجوز.
الشيخ: ليش؟
الطلبة: محرم.
الشيخ: لأنه إعانة على محرم.
إذن نأخذ قاعدة؛ كل ما أعير لفعل محرم، فإعارته حرام؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
(ولو شرط نفي ضمانها) هذه إشارة خلاف؛ لأن من العلماء من يقول: إنها مضمونة إلا أن يشرط نفي الضمان، من اللي يشترط؟ المستعير؛ لأن الضمان عليه، فيقول المعير: أنا أريد أن تعيرني بشرط ألا أضمن حيث لا يحصل تعدٍّ ولا تفريط، فإذا شرط نفي الضمان فإنه لا يضمن، وإن سكت يضمن على القول هذا؛ إن سكت يضمن، وإن شرط نفي الضمان لا يضمن.
هذا القول يقول: إن الأصل في العارية الضمان، ما لم يشترط نفي الضمان، فإن شرط نفي الضمان فلا ضمان.
ما الفرق بينه وبين القول الذي رجحنا؟ الفرق بينهما يحصل فيما إذا سكت، فعلى هذا القول يضمن ولَّا لا؟
يقول: يضمن إلا أن يشترط نفي الضمان؛ فإذا جاءت العارية مسكوتًا عن الضمان، فهل يضمن على هذا القول؟ يضمن.
على القول الذي رجحنا، يضمن ولا ما يضمن؟ لا يضمن، كذا؟
(1/5151)
________________________________________
المذهب يقولون: حتى لو شرط نفي الضمان فإنه يضمن؛ فإذا استعرت منك ثوبًا وقلت: يا أخي الإنسان عرضة أخشى أن هذا الثوب يحترق، أو يسرق، أو ما أشبه ذلك. قال: أبدًا ما عليك ضمان. فسُرق أو احترق؛ على المذهب يضمن، ولو شرط نفي الضمان، كذا ولَّا لا؟
فالأقوال اللي عندنا الآن كم صارت؟ ثلاثة.
فيه قول رابع: لا يضمن ولو شرط الضمان.
حجة هذا القول يقول: لأن المستعير يده يد أمانة، والأصل في يد الأمانة، أو مقتضى عقد الأمانة أن لا ضمان، فإذا شرط الضمان كان شرطًا مُنافيًا لمقتضى العقد، والشرط المنافي لمقتضى العقد فاسد لا يقبل؛ كما لو شرط الضمان في الإجارة مثلًا، فإنه لا يقبل لأنه شرطٌ مخالفٌ لمقتضى العقد، فصار الأقوال الآن -ما شاء الله- أربعة:
الضمان مطلقًا إلا في المسائل المستثناة، وهذا المذهب عند الحنابلة؛ الضمان مطلقًا إلا في المسائل المستثناة الأربعة، وهذا هو المذهب.
الثاني: عدم الضمان مطلقًا، وهذا مذهب أبي حنيفة، حتى لو شرط الضمان؛ قال: لأنه عقد أمانة وعقد الأمانة مقتضاه عدم الضمان، فإذا شرط الضمان فهو شرط مخالف لمقتضى العقد فيكون فاسدًا.
القول الثالث: الضمان إلا إذا اشترط نفي الضمان.
القول الرابع: عدم الضمان إلا إذا اشترط الضمان، وهذا القول هو الراجح، الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وعرفتم أدلته، فصارت الأقوال الآن أربعة.
الحقيقة أن قول أبي حنيفة قوي جدًّا؛ لولا الحديث: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (9).
وأيضًا إذا قلنا بأنه إذا شرط الضمان لزمه فإنك تجد المستعير يداري ويحرص على ألا يصيب العارية شيء.
إذا قلنا: لا ضمان عليه ولو شُرط الضمان عليه، فإنه لا يهتم، قد لا يهتم ولا يبالي إذا أصابها شيء ( ... ).
قال: (وعليه مَؤونة ردِّها، لا المؤجَّرة) العين المستعارة يجب على المستعير مؤونة ردها؛ يعني: إذا كان الرد يحتاج إلى مؤونة يعني: نفقة، فعليه نفقة ردها.
(1/5152)
________________________________________
مثاله: استعار شخصٌ من آخر ماكينة وانتهى شغله منها، مؤونة ردِّها على مَن؟ على المستعير، الماكينة هذه تحتاج إلى شيء يرفعها وسيارة تحملها وشيء ينزلها، يمكن مؤونة الرد بألف ريال، نقول: مؤونة الرد على مَنْ؟ على المستعير.
الدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» (10)، فكل ما يستلزم لرد هذه العين المعارة فإنه على مَنْ؟ على المستعير.
ولأن هذا الرجل –هذا التعليل- قبض العين لمصلحته الخاصة، فكان عليه أن يقابل هذه المصلحة بتحمل نفقة الرد.
ثالثًا: ولأن المعير محسن، وقد قال الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].
رابعًا: ولأننا لو ألزمنا المعير مؤونة الرد لكان في هذا سد باب للعارية، أليس كذلك؟ إذا قال المعير: إذا كان يلزمني النفقة؛ المؤونة، مؤونة الرد، فأنا ما أنا معير، خل العين عندي، وأسلمُ من الخسارة، فهذه أربعة أوجه تدل على أن نفقة الرد على المستعير.
قال: (لا المؤجَرة) المؤجرة لا يلزم المستأجر مؤونة الرد؛ لأن عليه مجرد رفع يده عن هذه العين المؤجرة، ولأنه قبضها لا لمصلحته الخاصة، بل لمصلحة مشتركة؛ مصلحة المستأجر الانتفاع، ومصلحة المؤجر الأجرة، فلست منفردًا بالمصلحة، ولأنني إنما أعطيته الأجرة في مقابلة النفع، بدلٌ ببدل، وهذا يقتضي أنه لا مؤونة عليَّ، كما لو استأجرت بيتًا وخرب فيه شيء، فإن أجرة تعميره على مَنْ؟ على المؤجِر إلا إذا كان بتعدٍّ أو تفريط.
إذن نقول: إذا استأجر شخصٌ شيئًا واحتاج في رده إلى مؤونة، فالمؤونة على مَنْ؟ على المؤجِر، كذا؟
مثال ذلك: استأجرت منك حرَّاثة أَحْرُث بها الزرع، وانتهى عملي، من الذي ينقل الحراثة إلى صاحبها؟ المؤجِر صاحب ال ..
(1/5153)
________________________________________
ولا يُعِيرُها، فإن تَلِفَتْ عندَ الثاني اسْتَقَرَّتْ عليه قِيمَتُها، وعلى مُعِيرِها أُجْرَتُها، ويَضْمَنُ أيَّهُما شاءَ، وإن أَرْكَبَ مُنقَطِعًا للثوابِ لم يَضْمَنْ، وإذا قالَ: أُجرتُك. قالَ: بل أَعَرْتَنِي. أو بالعكْسِ عَقِبَ العَقْدِ قُبِلَ قولُ مُدَّعِي الإعارَةِ، وبعدَ مُضِيِّ مُدَّةِ قولِ الْمَالِكِ في ماضيها بأُجرةِ الْمِثْلِ، وإن قالَ: أَعَرْتَنِي أو قالَ: أَجَرْتَني. قال: بل غَصَبْتَنِي. أو قالَ: أَعَرْتُكَ. قالَ: بل أَجَرْتَنِي والبهيمةُ تالفةٌ. أو اخْتَلِفَا في ردٍّ فقولُ الْمَالِكِ.
(باب الغصب)
وهو الاستيلاءُ على حقِّ غيرِه قَهْرًا بغيرِ حقٍّ من عَقارٍ ومَنقولٍ، إن غَصَبَ كَلبًا يُقْتَنَى أو خَمْرَ ذِمِّيٍّ رَدَّهُما، ولا يَرُدُّ جِلْدَ مَيْتَةٍ، وإتلافُ الثلاثةِ هَدَرٌ. وإن اسْتَوْلَى على حُرٍّ لم يَضْمَنْه، وإن اسْتَعْمَلَه كَرْهًا أو حَبَسَه فعليه أُجْرَتُه، ويجب ردُّ المغصوبِ بزِيادتِه وإن غَرِمَ أَضعافَه وإن بَنَى في الأرضِ أو غَرَسَ لَزِمَه الْقَلْعُ وأَرْشُ نَقْصِها وتَسويتِها والأُجرةُ، ولو غَصَبَ جارحًا ولو غَصَبَ جارحًا أو عَبْدًا أو فَرَسًا فحَصَّلَ بذلك صَيْدًا فلِمَالِكِه،
المؤجر صاحب الحراثة، أما أنا ما يلزمني؛ لأن المستأجر عليه أن يرفع يده فقط، والمصلحة للمؤجر هو الذي يأتي يأخذ ماله، فهذا الفرق بين المعارة والمستأجرة.
قال المؤلف: (ولا يعيرها) الضمير الفاعل (يعيرها) يعود على؟
طلبة: المستعير.
(1/5154)
________________________________________
الشيخ: على المستعير؛ يعني: أن المستعير لا يجوز أن يعير العارية ولو لمن دونه في الضرر أو مثله، لماذا؟ لأن المستعير لا يملك النفع، وإنما يملك الانتفاع؛ لأن العارية إباحة النفع وليست تمليك النفع؛ فلهذا لا يجوز للمستعير أن يعير العين، فإن فعل فهو متعدٍّ وعليه الضمان، وكذلك لا يؤجرها، كيف ما يؤجرها؟ إي معلوم؛ لأنه لم يملك النفع، إنما أذن له في الانتفاع، وإذا لم يملك النفع فقد آجر ما ليس يملك، ولكن هذا القول مقيد بما إذا أذن المعير، فإن أذن المعير فلا بأس؛ يعني لو ذهب المستعير إلى المعير وقال: إن فلانًا طلب مني أن أعيره هذه العين، فقال: لا بأس، يجوز ولَّا لا؟ يجوز؛ لأن الحق لمالكها وقد أذن في إعارتها.
قال: (فإن تلفت عند الثاني استقرت عليه قيمتها، وعلى معيرها أجرتها) إذا أعارها المستعير وتلفت عند الثاني استقرت عليه قيمة العين على من؟ على الثاني، واستقر على المعير أجرة العين، وجه ذلك: لأن العين تشتمل على منفعة، المنفعة مضمونة على من؟ على المستعير الأول؛ لأنه هو الذي قد أذن له في إتلافها واستعمالها، فكانت أجرتها عليه.
أما العين فإن العين تلفت عند الثاني وهو المباشر للتلف، فتستقر عليه القيمة، سواء علم أم لم يعلم؛ يعني: سواء علم أن هذه العين معارة عند الشخص أو ظن أنها ملكه فإن قيمة العين تستقر عليه.
مثال ذلك: أعرتك كتابًا، ثم إنك أعرته آخر أنت أعرته بدون إذن مني فتلف الكتاب، من الذي يضمنه؟ أنت أعرته شخصًا فتلف الكتاب عند هذا الشخص قيمة الكتاب على من؟
طلبة: على الثاني.
الشيخ: تستقر على الثاني؛ لأن العين تلفت تحت يده فاستقر عليه ضمانها، المعير الأول عليه أجرة الكتاب من حين أعاره، إذا قُدِّر أن هذا الكتاب يؤجر باليوم بعشرة ريالات، وبعد أن استلمه المستعير الثاني بقي عنده عشرة أيام ثم تلف، كم يضمن المعير الأول؟ مئة ريال؛ لأنا قدَّرنا اليوم بعشرة، فيضمن مئة ريال.
(1/5155)
________________________________________
وهل يمكن أن نضمن المستعير الثاني الأجرة ولَّا ما يمكن؟ نقول: يمكن أن نضمنه الأجرة وتستقر عليه إن كان عالمًا بالحال، إن كان يدري أن هذه العين معارة فإنه يستقر عليه الضمان، فتبين بهذا الآن أن ضمان العين يستقر على الثاني بكل حال؛ ضمان المنفعة يستقر عليه إن كان عالمًا بأن الأول ليس بمالك وإنما هو مستعير.
صاحب العين له أن يضمن من شاء؛ ولهذا قال المؤلف: (ويضمن أيهما شاء) له أن يضمن المعير قيمة العين وقيمة المنفعة، وأن يضمن المستعير الثاني قيمة العين وقيمة المنفعة.
نعيد المثال مرة ثانية: أعرت -مثلًا- ياسرًا كتابًا، وليكن كتاب المغني لابن قدامة في الفقه، ثم إن سامي طلب من ياسرٍ أن يعيره إياه فأعاره، هو كتاب ثمين، تلف عند سامي، أنا لي أن أُضَمِّن ياسرًا وأن أُضَمِّن سامي، أنا بالخيار، لكن الكلام على من يستقر عليه الضمان؟ نشوف. لي أن أُضَمِّن ياسرًا وأن أُضَمِّن سامي، أنا بالخيار الآن، أضمن ياسرًا أقول: يالا أنت لما أعرته سامي صرت ويش نقول؟ متعدِّيًا، فعليك الآن ضمان الكتاب وضمان أجرته من حين أعرته إلى سامي، كذا ولَّا لا؟
الآن ضمنته الكتاب؛ قيمة الكتاب وأجرته، هل يرجع ياسر على سامي بشيء؟
طالب: يرجع.
الشيخ: يرجع عليه بقيمة الكتاب على كل حال.
وهل يرجع عليه بقيمة المنفعة في الأجرة؟ فيه تفصيل؛ إن كان سامي قد علم أن ياسرًا مستعير فعليه أيضًا ضمان الأجرة؛ لأنه علم أنه تلقاه من شخص لا يملك هذا، وإن كان لا يعلم -ظن أن الكتاب لياسر- فإنه لا يرجع ياسر عليه بالأجرة، كذا ولَّا لا؟ الآن ضمنت ياسرًا اللي أنا أعرفه، إن ضمنت سامي قلت: يالا عليك الكتاب وأجرة الكتاب، هل يرجع على ياسر بشيء؟ نقول: أما باعتبار قيمة الكتاب فإنه لا يرجع عليه بشيء؛ لأن قرار الضمان على من؟ على الثاني اللي هو سامي. هذا بالنسبة لقيمة الكتاب.
(1/5156)
________________________________________
وأما بالنسبة لأجرة الكتاب فإن كان سامي قد علم فإنه لا يرجع على ياسر، وإن لم يعلم رجع عليه؛ لأن ياسرًا قد غرَّه. واضح أظن؟
طالب: الأجرة الآن لماذا؟
الشيخ: الأجرة من الانتفاع، هذا الانتفاع لا بد له مقابل.
طالب: الاستعارة ( ... )؟
الشيخ: لكن لما صار معتديًا فكل إنسان ينتفع بمال غيره بدون إذن شرعي أو إذن من المالك فعليه أجرته، كل من قبض -مر علينا هذا قبل مرات في الإجارة- كل من قبض شيئًا بغير حق فإن عليه ضمان أجرته إن كان مما يؤجر.
إذن يجب أن نعرف الفرق بين الضمان وبين قرار الضمان الذي يستقر عليه الضمان لا يرجع على أحد، والذي لا يستقر عليه الضمان إذا ضمن فإنه يرجع على من؟ على من يستقر عليه الضمان.
يقول المؤلف: (ولا يعيرها) الفاعل من؟
طلبة: المستعير.
الشيخ: المستعير، فإن فعل وأعارها وتلفت عند الثاني استقرت عليه قيمتها، وعلى معيرها أجرتها، قلنا -المسألة الأخيرة-: وعلى المعير أجرتها، تقيد بما إذا لم يكن الثاني عالمًا، فإن كان عالمًا استقر عليه ضمان العين وضمان الأجرة.
ثم قال المؤلف: (ويُضَمِّن أيهما شاء) يعني: في الصورتين يُضَمِّن من؟ يُضَمِّن المالك أيهما شاء؛ يعني: المستعير الأول أو المستعير الثاني، لكن إذا ضَمَّن واحدًا منهما هل يرجع على الثاني فيما ضمن؟ فيه تفصيل؛ إذا ضَمَّن الثاني قيمة العين فقط، أجيبوا.
طلبة: لم يرجع على الأول.
الشيخ: لم يرجع على الأول؛ لأن الضمان يستقر عليه.
إذا ضمنه المنفعة -يعني أجرة المنفعة- هذا فيه التفصيل؛ إن كان عالمًا لم يرجع على الأول، إن كان جاهلًا رجع عليه، وإن ضَمَّن الأول رجع على الثاني بقيمة العين ولا يرجع عليه بقيمة المنفعة إلا أن يكون عالمًا.
(1/5157)
________________________________________
قال المؤلف رحمه الله: (وإن أركب منقطعًا للثواب لم يضمن) (إن أركب) أي إنسان، (منقطعًا للثواب لم يُضَمَّن) (منقطعًا) أيش منقطع؟ يعني عاجزًا عن السير، أنت الآن في سفر ومعك بعير، ووجدت شخصًا تعبان من السير فأركبته البعير للثواب، لا بأجرة لكن للثواب؛ تريد ثواب الله عز وجل، ركب البعير ثم عثرت البعير وانكسرت، فعليه الضمان؟ ليس عليه الضمان، لماذا؟ لأن يد صاحبها عليها، ما أعطاه إياها إعارة مطلقة، بل هي تمشي معه الآن، فيد صاحبها عليها فلا ضمان عليه.
فإن ضربها هذا الذي أُرْكِبَ للثواب، ضربها؛ صار يجلدها حتى تسير سيرًا شديدًا كأنما يسابق عليها، فعثرت وانكسرت، فعليه الضمان، ليش؟
طلبة: متعدٍّ.
الشيخ: عليه الضمان؛ لأنه متعدٍّ، وهذه إحدى المسائل الأربع التي لا تضمن فيها العارية.
***
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وإذا قال: آجرتك، قال: بل أعرتني، أو بالعكس) بأن قال: أعرتك قال: بل آجرتني، (عقب العقد قُبِلَ قَوْلُ مُدَّعي الإعارة، وبعد مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أجرة قول المالك بأجرة المثل).
هذا تنازع بين المالك والقابض؛ المالك قال: آجرتك، وهذا قال: أعرتني، هذا الخلاف وقع بعد أن مضى ثلاثة أيام، المالك يقول: آجرتك، وهذا يقول: أعرتني، من الذي يُقْبَل قوله؟ يُقْبَل هنا قول المالك؛ لأن الأصل في القابض لملك غيره الضمان؛ لأن الأصل أن الإنسان لا يسلطك على ماله إلا بأيش؟ إلا بعوض، هذا الأصل، والتبرع أمر طارئ، فإذا قال: آجرتك، قال: بل أعرتني، ولا فيه شهود، إن كان فيه شهود فالأمر واضح، لكن إذا لم يكن فيه شهود فقول المالك هنا؛ لأنه مضى مدة لها أجرة.
(1/5158)
________________________________________
ويحلف ولَّا ما يحلف؟ يحلف أنه أجرها، المستعير اللي يدعي الإعارة يحلف ولَّا ما يحلف؟ يحلف، ما عنده بينة، كلهم ما عندهم بينة يحلف، حينئذٍ نقول: ترد العين إلى صاحبها، وعليه -أي: على القابض للعين- أجرة المثل، ولَّا نلزم قابض العين؟ لا نلزمه بمدة الإجارة التي ادعاها صاحب العين؛ لأنه لم يثبت؛ لا بإقرار ولا ببينة، ولا نذهب منفعة العين هدرًا على مالكها لا نذهبها هدرًا، ولا نقبل قوله في مقدار الأجرة؛ لأنه مدعٍ ولا عنده بينة، فنرجع حينئذٍ إلى أجرة المثل. واللهِ ما أدري نتكلم إحنا باللغة العربية، أنتم فاهمون المثال؟
أولًا: أعطى رجل شخصًا عينًا، وبعد مضي ثلاثة أيام ادعى صاحب العين المالك على الثاني أنه آجره إياها عشرة أيام كل يوم بدرهم، شوف الآن ويش تضمنت الدعوة هذه؟ تضمنت أن له أجرة، وأن مقدار الإجارة عشرة أيام، الثاني الذي بيده العين قال: أبدًا ما عقدت معك إجارة، وإنما أعطيتني إياها إعارة، فتضمن الآن دعوى هذا أنه لا يلزمه عشرة أيام، ولا يلزمه أجرة، طلبنا من كل مدعٍ منهما بينة قال: ما عندي بينة، نقول: إذن نرجع إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (1)، نقول: احلف أنت -اللي بيده العين- احلف أنك ما استأجرتها منه، قال: واللهِ ما آجرني وإنما أعارني، نقول لمدعي الإجارة: احلف أنك ما أعرته، فيقول: واللهِ ما أعرته وإنما آجرته.
ما عندنا الآن شهود، نقول: إذن نأخذ العين ونردها إلى صاحبها، كيف نردها إلى صاحبها؟ نعم، صاحبها الآن ما هو براضٍ أنها تبقى عند اللي بيده إلا بأجرة، وهذا ما هو براض أن تبقى بأجرة، لا طريق لنا إلى الخلاص إلا بردها إلى مالكها.
بقي علينا الأيام الثلاثة اللي مضت والتي حسب دعوى صاحب العين أنه يستحق فيها كم من درهم؟
طلبة: ثلاثة.
(1/5159)
________________________________________
الشيخ: ثلاثة دراهم، والذي قبض العين ويش يدعي؟ أنه ليس له شيء؛ لأنها عارية، نقول: الآن ما نقبل قولك أنت يا صاحب العين بأنك تستحق ثلاثة دراهم، ولا نقبل قولك أنت القابض أنه ليس عليك شيء؛ لأن ما فيه شيء يرجح؛ لا قول المالك ولا قول القابض، ويش نرجع إليه؟ إلى أجرة المثل؛ لأن الأصل في القابض لملك غيره الضمان، والضمان الآن لم يثبت لشيء معين، فنرجع إلى قيمة المثل، وهي أجرة المثل في باب الإجارة؛ لأن الله تعالى ذكر في المرأة التي لم يُسَمَّ لها المهر أنها تمتع، وبينت السنة أن تمتيعها أن تُعْطَى مهر المثل، كما في حديث ابن مسعود (2).
وبناءً على ذلك نقول: لصاحب العين أجرة المثل، كم تؤجر هذه العين ثلاثة أيام؟ قال: واللهِ هذه تساوي كل يوم ثلث ريال، كم عليه؟ ريال واحد، وذاك يقول: أبغي ثلاثة، يقول: لا، ما كلها ريال؛ لأن هذا أجرة المثل.
لكن المشكل لو قالوا: إن هذا الكتاب يؤجر بستة، هل نعطيه الستة، ولَّا نقول: أنت الآن ما لك إلا ما ادعيت؟ نشوف، مشكلة؛ المذهب نعطيه الستة وإن كان لا يدعيها، والقول الثاني إنما نعطيه إلا ما ادعاه، إلا إذا قال: أنا آجرتك كل يوم بريال؛ لأنه بيأخذه عشرة أيام، ولو علمت أنه ما بآخذه إلا بثلاثة أيام كان ما آجرتها إلا بستة أو بعشرة، وهذا معقول ولَّا غير معقول؟
طلبة: معقول.
الشيخ: معقول، إذا قال هكذا نقول: إذن لك الستة. والله أعلم.
إذا قال المالك: آجرتك، وقال: بل أعرتني، أو قال المالك: أعرتك، وقال: بل آجرتني، فهذا له حالان:
(1/5160)
________________________________________
الحال الأولى: أن يكون عقب العقد؛ أي: قبل أن تمضي مدة لها أجرة؛ يعني مثلًا عقب ما تكلموا بربع ساعة، عقب ما أعطاه العين بربع ساعة اختلفوا هذا الاختلاف، فهذا القول قول من؟ يقول: (عقب العقد قُبِلَ قَوْل مُدَّعِي الإعارة)، إذا قبلنا قول مدعي الإعارة نقول للمالك: خذ مالك، ما فيه شيء، لا مضى مدة تستحق الأجرة، وأنتم اختلفتم الآن؛ هو يقول: آجرتني، وأنت تقول: أعرتك، أو بالعكس، خذ مالك؛ لأنه إن قال المالك: آجرتك وقال من بيده العين: بل أعرتني وأنكر الإجارة، ويش نقول؟ لا يلزم من بيده العين الإجارة ما تلزمه، إذن فهي عارية، نقول للمالك: خذ، ما دام ما هو بحاصل لك أجرة خذ مالك.
فإن قال المالك: ما دام الرجل يقول: إني معيره، وهو يمكن أنا نسيت وهو أضبط مني، خليها تبقى عنده إعارة لا بأس، ولَّا لا؟ لا بأس، ما فيه إشكال.
لو قال مثلًا: أعرتك، وقال من بيده العين: بل آجرتني، فالقول قول؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: المالك، لا يا أخي، المالك يقول: أعرتك، واللي بيده العين يقول: بل آجرتني، هو المؤلف يقول: القول قول مدعي الإعارة في الصورتين، فهنا الذي ادعى الإعارة من؟
طلبة: المالك.
الشيخ: المالك، نقول: القول قوله، نقول: هي الآن معارة، وخذها إذا كان تبغيها، ولا نلزم من بيده أن تكون إجارة؛ لأننا لو قلنا: القول قوله لزمه الأجر، ولزمه عدم الضمان، أيضًا لم يلزمه الضمان؛ لأنها مستأجرة يقول وبعد مضي مدة ( ... ).
قول المالك بأجرة المثل إذا مضى مدة يُقْبَل، يقول المؤلف: (قول المالك) يعني: أعطيته هذه السيارة وبقيت عنده يومين وجيت لمه قلت: يالا أعطيني الأجرة، أنا مأجرك إياها كل يوم بعشرة، قال: أبدًا، أنت معيرني إياها، كم مضى عندنا الآن كم فيهما؟ عشرون ريالًا، المالك يقول: إنها بإجارة، فأعطني عشرين ريالًا، وهو يقول: بإعارة، فلا شيء لك، من يُقْبَل قوله؟
طلبة: قول المالك.
(1/5161)
________________________________________
الشيخ: قول المالك، نقول الآن للذي بيده العين: سَلِّم عشرين ريالًا، لماذا نقبل قول المالك؟ قالوا: لأن الأصل في قابض مال غيره الضمان، وأن الإنسان لا يسلط أحدًا على ماله إلا بعوض، هذا هو الأصل، فما دام الأصل فيمن قبض مال غيره الضمان وأن المالك لن يسلط أحدًا على ماله إلا بعوض إذن فالقول قول المالك.
لكن لاحظ أنه يُقْبَل قول المالك هنا في شيء ولا يقبل في شيء؛ يُقْبَل بالنسبة للمدة الماضية، ولا يُقْبَل بالنسبة للمدة المستقبلة.
لو قال المالك في هذه الصورة: أنا معطيك إياها بأجرة لمدة أربعة أيام، وحصل الاختلاف بعد أن مضى يومان، نقبل قول المالك فيما مضى من المدة، ولا نقبله فيما يستقبل، لماذا؟ لأن خصمه ينكره؛ خصمه يقول: أبدًا، ما أخذتها بأجرة، أخذتها بإعارة، نقول: إذن لا نقبل قول المالك فيما بقي من المدة، ونقبله فيما مضى، ومع هذا نقبله فيما مضى لا على الوجه الذي ادعاه، ويش نقبله فيما مضى؟ بأجرة المثل لا بالأجرة التي ادعاها.
وبهذا نعرف أن الأحكام تتبعض، وهذه قاعدة فقهية: تبعض الأحكام؛ بمعنى إذا وجد ما يثبت أحدها من وجه دون الآخر حكمنا بالوجه الثابت وتركنا الوجه الذي لم يثبت، وهذه قاعدة مفيدة تنفعك في مسائل عديدة، تبعض الأحكام؛ يعني: إذا وجدت صورة تشتمل على حكمين؛ أحدهما وجد ما يقتضيه، والثاني لم يوجد، فهل تلغي ذلك الذي وجد ما يقتضيه تبعًا للثاني، أو تثبت الثاني تبعًا للأول، أو تعطي كل واحد حكمه؟
طلبة: الأخير.
الشيخ: الأخير، أنتم فاهمون المسألة الآن؟ إذا وجدت صورة تشتمل على حكمين وجد ما يثبت أحدهما دون الآخر، فهل نثبت الحكمين جميعًا، أو ننفيهما جميعًا، أو نثبت ما وجد مقتضيه وننفي ما لم يوجد مقتضيه؟
(1/5162)
________________________________________
صورتنا هذه من تبعض الأحكام؛ هذا الرجل ادَّعى أنه آجره أربعة أيام، والثاني ينكر ويقول: إنه إعارة، وقد مضى نصف المدة، نقبل قول المالك من وجه ونرده من وجه؛ نقبله بأننا نضمن المستعير أجرة المثل؛ لوجود مقتضى الضمان وهو أن الأصل في قابض ملك غيره أيش؟
طلبة: الضمان.
الشيخ: الضمان، والأصل أيضًا أنه لا يسلط أحد أحدًا على ماله إلا بعوض فنقبل هذا، لكن لا نقبل ما ادعاه من الأجرة؛ لأن ذاك لم يقر بذلك، فنرجع إلى أجرة المثل، كذلك ما بقي من المدة نلزم المستعير بذلك الذي ادَّعى الإعارة ولَّا لا؟
طالب: لا.
الشيخ: لا؛ لأنه ما وجد مقتضيه؛ وهو الإقرار أو البينة.
ونظير ذلك أيضًا: رجل ادعى على شخص أنه سرق من بيته وأتى بشاهد رجل وامرأتين، هذه الصورة تضمنت حكمين؛ ضمان المال وقطع اليد سرقة، إذا ثبتت السرقة فإنه يترتب عليها حكمان؛ الحكم الأول: ضمان المال لصاحبه، والحكم الثاني: قطع اليد، هذا صاحب المال الذي ادعى أنه سُرِقَ أتى برجل وامرأتين، الحد لا يثبت برجل وامرأتين، وإنما يثبت بشهادة رجلين، والمال يثبت بشهادة رجل وامرأتين ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، يثبت في هذه الحال، نقول: يضمن السارق المال ولا تقطع يده، شوف صورة واحدة تضمنت حكمين مختلفين؛ لوجود مقتضي أحدهما دون الآخر، فتتبعض الأحكام، وهذا له أمثلة كثيرة.
المبعض -كما يقول الفقهاء في باب الميراث- يرث بحسب حريته، ويمنع من الإرث بحسب رقه.
يقول المؤلف رحمه الله: (وإن قال: أعرتني، أو قال: أجرتني، قال: بل غصبتني) (إن قال: أعرتني) من القائل؟ الذي بيده العين، وهنا ما نقول: المستعير، ولا نقول: المستأجر، ولا نقول: الغاصب.
طالب: لأنه ما ثبت.
الشيخ: لأنه ما ثبت لا هذا ولا هذا، شوف قال: الأحسن نقول: الذي بيده العين، قال: أعرتني، فقال المالك: بل غصبتني، بينهم فرق أو لا؟ المستعير أخذه بإذن واستعمله بحق، والغاصب أخذه بغير إذن واستعمله بغير حق.
(1/5163)
________________________________________
(أو قال: أجرتني) من اللي قال: أجرتني؟
طلبة: الذي بيده العين.
الشيخ: الذي بيده العين قال: أجرتني.
طالب: ( ... ).
الشيخ: (وإن قال: أعرتني أو قال: أجرتني، قال: بل غصبتني) قال: أجرتني -يقول من بيده العين- فقال المالك: بل غصبتني، بينهما فرق؛ المستأجر لا يضمن لصاحب المال إلا الأجرة إن أقر بعقد الإجارة، أو أجرة المثل إن لم يقر لكن العين يضمنها ولَّا لا؟
لا يضمنها الغاصب، يضمن العين، والمنفعة المالك، يقول: بل غصبتني، علشان يضمنه العين والمنفعة.
(أو قال: أعرتك) من القائل: أعرتك؟
طلبة: المالك.
الشيخ: المالك، ما هو الذي بيده العين، المالك (قال: أعرتك، قال: بل أجرتني، والبهيمة تالفة)، فالقول قول المالك، يقول المالك: أعرتك، وذاك يقول: أجرتني، فالقول قول المالك، السبب: لأن المالك إذا قال: أجرتك سوف يضمن له أيش؟ سوف يضمن له الأجرة.
وقول المؤلف: (والبهيمة تالفة) يعني: وكذلك لو كانت باقية، حتى لو ما هي باقية فالقول قول المالك؛ لأن الأصل في قابض ملك غيره الضمان، ما فائدته إذا قال: أعرتك وقال: بل أجرتني والبهيمة تالفة، أيهما أحظ للذي بيده العين الأجرة ولَّا الإعارة؟ الأجرة، السبب لأنه لا يضمن العين إذا كانت تالفة.
لكن قد يقول قائل: إذا قلنا بأن العارية لا تضمن إلا بالتعدية والتفريط.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، صار ادَّعاء الإجارة أغلظ عليه، وكذلك لو قلنا: إن الأجرة أكثر من قيمة العين، أحيانًا تكون الأجرة أكثر من قيمة العين فكذلك يكون الحظ للمالك.
(1/5164)
________________________________________
(أو اختلفا في رد) ويش معنى (اختلفا في رد)؟ يعني: جاء المالك إلى المستعير وقال: أعطني عريتي اللي أعرتك، قال: ردها عليك، فالقول قول المالك؛ لأن الأصل عدم الرد، ولكن كل من قلنا: القول قوله في هذه المسألة فالمراد قوله بيمينه، فإن أتى المستعير ببينة على أنه ردها فالقول قول المستعير، لا لمجرد قوله، ولكن من أجل البينة، في باب الإجارة إذا اختلفا في الرد فالقول قول من؟
طالب: المستأجر.
الشيخ: المستأجر، الفرق بينهما يقولون: إن من قبض العين لمصلحته فالقول قول صاحب العين في الرد، وأما إذا قبضه لمصلحة مالكه أو لمصلحتهما فالقول قول القابض، والفرق بينهما ظاهر؛ لأن هذا لمصلحة نفسه، فكان عليه أن يأتي بالبينة أو أن يشهد بخلاف الآخر فهو لمصلحة مالكه، ويأتي -إن شاء الله- بقية بحث في هذه المسألة؛ لأن فيها ترجيح ومناقشة.
***
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سبق لنا أنه إذا اختلف المالك ومن بيده العين؛ فقال الذي بيده العين: أعرتني، وقال المالك: غصبتني، فالقول قول من؟
طالب: قول المالك.
الشيخ: قول المالك. لماذا؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لكنا ألزمنا المالك بما لم نتحقق أنه أذن فيه، أليس كذلك؟ المالك الآن يقول: أنا ما أعرتك ولا أجرتك، إذن ما أذنت لك بأن تنتفع بمالي، بل غصبتني.
إذا اختلفا في ردها ( ... ) لم يكن فيما له حظ حصد، إذا كان القبض في شيء له فيه حظ فإنه لا يُقْبَل قوله في الرد، والمسألة هذه لها ثلاث حالات؛ إما أن يكون لمصلحة المالك، أو لمصلحة القابض، أو لمصلحتهما جميعًا، لمصلحة المالك فقط كالوديعة، القابض فقط كالعارية، لهما جميعًا كالإجارة، فيُقْبَل قوله في الرد إذا كان لمصلحة المالك فقط، وإذا كان لمصلحته هو فقط فلا يُقْبَل، إذا كان لمصلحتهما جميعًا ففيه وجهان لأصحابنا، والمذهب أنه لا يُقْبَل.
***
[باب الغصب]
(1/5165)
________________________________________
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب الغصب)، الغصب مصدر: غَصَبَ يَغْصِبُ غَصْبًا؛ بمعنى: قهر، فالغصب في اللغة: القهر، لكن في الاصطلاح (هو الاستيلاء على حق غيره قهرًا بغير حق).
(الاستيلاء) يعني: أن يستولي الإنسان على حق غيره، سواء كان مالًا أو اختصاصًا. (قهرًا بغير حق).
فقوله: (الاستيلاء على حق غيره) يشمل ما كان ملكًا أو اختصاصًا، فالملك كالدراهم والسيارات والكتب وغيرها والاختصاص كالشيء الذي لا يملك، لكن صاحبه أخص به؛ مثل: كلب الصيد، فإن كلب الصيد لا يُمْلَك؛ ولهذا لا يباع ولا يُشْتَرى، ولكن صاحبه أخص به، ومثل السرجين النجس، السماد النجس كروث الحمير -مثلًا- فإن صاحبه أحق به وليس بمال، ومثل الخمر بالنسبة للذمي فإنه أخص بها، ولكن هل هي مال أو ليست بمال؟ هي بالنسبة للمسلمين ليست بمال، وبالنسبة للذميين مال.
المهم أن الغصب هو الاستيلاء على حق الغير، سواء كان مالًا أو اختصاصًا.
(قهرًا) خرج به ما إذا استولى على مال الغير باختيار الغير فهذا لا يُسَمَّى غصبًا، لكن إن كان الغير مختارًا على سبيل الإكراه؛ يعني أنه ولاه على ملكه على سبيل الإكراه فإن هذا لا يُعَد إذنًا.
وأيضًا (قهرًا) خرج به ما لو استولى على ملك غيره أو على حق غيره خلسة أو سرقة أو ما أشبه ذلك فإن هذا لا يُعَد غصبًا اصطلاحًا، لماذا؟
طالب: ليس استيلاء.
الشيخ: لا، استيلاء.
طلبة: ليس قهرًا.
الشيخ: ليس قهرًا؛ يعني ما أمسك صاحبه غصبًا عليه وآخذه منه، لكن أتى في الليل وسرق نقول: هذا ليس بغصب.
وقوله: (بغير حق) خرج بذلك الاستيلاء بحق؛ كاستيلاء الحاكم على مال المفلس ليبيعه ويوفي الغرماء، واستيلاء ولي اليتيم على ماله فإن هذا بحق.
(1/5166)
________________________________________
إذن تعريف الغصب: الاستيلاء على حق غيره، وهذا جنس، وقوله: (قهرًا بغير حق) هذا فصلٌ، فخرج بقوله: (قهرًا) ما أُخِذَ على سبيل السرقة ونحوها، و (بغير حق) ما أخذ بحق؛ ما كان الاستيلاء فيه بحق؛ كالاستيلاء على مال اليتيم، واستيلاء الحاكم على مال المفلس ليبيعه ويوفي الغرماء، وما أشبه ذلك.
حكم الغصب؟
الغصب محرم بالإجماع بدلالة الكتاب والسنة على ذلك؛ فقد قال الله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، وقال تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 42].
وفي السنة قال النبي عليه الصلاة والسلام في أكبر مجمع من أمته: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» (3)، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقٍّ طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (4).
والنظر يقتضي ذلك أيضًا؛ يقتضي تحريمه؛ لما في تحليله من انتهاك أموال المسلمين وإشاعة الشر والفساد بين الناس؛ لأن أي واحد بيتسلط عليك بيأخذ ملكك فإنه لا يمكن أن تمكنه من هذا، وحينئذٍ يحصل القتال والعداوة والبغضاء.
قال: (من عقار ومنقول) (من عقار) هذه بيان لقوله: (على حق غيره) يعني: سواء كان هذا الحق عقارًا أو منقولًا، العقار مثل: البساتين والأراضي والدور، هذه العقار، المنقول: ما ينقل ويتحول عن مكانه؛ مثل: الدراهم والثياب والأقمشة والسيارات وغيرها، فما كان ثابتًا لا ينتقل من الأراضي والدور والمزارع وشبهها فهو عقار، وما كان ينقل ويتحرك ويتحول فهو منقول.
(1/5167)
________________________________________
وأشار المؤلف بقوله: (منقول) إلى رد قول من يقول: إن الغصب خاص بالعقارات، فإن الصواب أنه يكون في العقار ويكون في المنقول، كيف المنقول؟ تأتي إلى شخص معه كتابه وهو يراجع الكتاب وتأخذه منه قهرًا، نقول: هذا غصب.
ثم قال المؤلف: (وإن غصب كلبًا يُقْتَنى أو خمرَ ذِمِّيٍّ ردهما، ولا يرد جلد ميتة، وإتلاف الثلاثة هدر) هذه ثلاثة أشياء، (إذا غصب كلبًا يُقْتَنى) يعني: يحل اقتناؤه، والكلب الذي يحل اقتناؤه هو كلب الصيد والحرث والماشية، وما عداها فإن اقتناءه حرام.
ولكن ما تقولون في الكلب الذي يحرس الإنسان؟
نقول: إن الذي يحرس الإنسان يجوز اقتناؤه؛ لأنه إذا كان اقتناء الكلب لحراسة الماشية جائزًا فحراسة بني آدم أولى وأحرى، كذلك إذا كان اقتناء الكلب للصيد، والصيد ليس أمرًا ضروريًّا؛ لأن بإمكان الإنسان أن يعيش بدون؟
طالب: صيد.
الشيخ: بدون صيد، فإن اقتناءه للأمور الضرورية من باب أولى.
وأما اقتناء الكلب تشبهًا بالكفار وتفاخرًا به فإن هذا بلا شك حرام، وينقص من أجر الإنسان كل يوم قيراط أو قيراطان (5)، مع ما في ذلك من إثم التشبه وتقليد الكفار، مع في ذلك من الدناءة؛ لأن الكلب أخبث الحيوانات من حيث النجاسة، فإن نجاسته لا تطهر إلا بسبع غسلات إحداها بالتراب، ولا يوجد نجاسة أغلظ من نجاسة الكلب مع ما في ذلك من إلف الإنسان للأشياء الخبيثة، وقد قال الله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: 26].
فالمهم أن ما نسمع عن بعض التالفين المترفين من اقتناء الكلاب تشبهًا بأعداء الله لا شك أنه ضلال وخطأ وسفه في العقل ونقص في الدين ودناءة في النفس، كأن هؤلاء القوم الذين سبقونا بالصنائع والقوة كأنهم ما سبقونا إلا لأنهم يقتنون الكلاب، وهذا لا شك أنه من ضعف الإنسان في الواقع، وأسمع أن بعض الكلاب هذه تساوي أموالًا كثيرة؛ يعني: يشترون إلى عشرة آلاف ريال الكلب الواحد.
(1/5168)
________________________________________
طالب: رخيص بعشرة آلاف.
الشيخ: هذا اللي سمعت يصل إلى عشرة آلاف، والأخ يقول: إنها رخيصة بعشرة؛ يعني تبلغ أكثر من هذا؟
طالب: البوليسي.
الشيخ: لا، دعنا من البوليسي، البوليسي قد يكون فيه مصلحة ويكون اقتناؤه حلالًا، والبوليسي أيضًا ما هو بيحظى الإنسان يستصحبه معه، نسمع بعضهم يستصحبه معه في السيارة، يحطه على المرتبة، ويقعد هو ورا، ونسمع أيضًا أنهم يغسلونه بالصابون والشامبو، هذا اللي لو غسل بماء البحر كله -والبحر يمده من بعده سبعة أبحر- ما يطهر أبدًا؛ لأن نجاسته عينية، والنجاسة العينية لا يمكن أن تطهر إلا بطحنها وإتلافها.
واختلف العلماء فيما لو أحرقها حتى صارت رمادًا هل الرماد هذا نجس ولًّا طاهر؟ إحنا نقول: إذا بغيت تطهر كلبك أحرقه حتى يكون رمادًا وبعدين ننظر عاد هل يطهر بالاستحالة أو لا يطهر؟ نفتيك عاد هل هذا الرماد نجس ولًّا طاهر؟ !
على كل حال إن الكلب الذي يُقْتَنى إذا غصبه الإنسان فإنه يجب عليه رده، وهذا من المال ولَّا من الاختصاص؟
طالب: الاختصاص.
الشيخ: هذا من الاختصاص؛ لأن الكلب لا يجوز بيعه ولا شراؤه، وإنما صاحبه أحق به من غيره فهو مختص به.
كذلك إذا غصب خمر ذمي، الذمي هو: الذي أقام بدار الإسلام مؤمنًا وآمنًا على نفسه وماله وأهله ويُعْطِي الجزية، وهو عندنا معشر المسلمين حرام وليس بمال، ويجب إراقته وإتلافه، فإذا وجد إنسان عند ذمي خمرًا وغصبه فإن الواجب عليه رده.
فإذا قال قائل: كيف أرده؟ أعينه على المحرم؟
(1/5169)
________________________________________
قلنا: هو في دينه حلال؛ يعني: في رأيه أنه حلال، وماله عندنا محترم، فالواجب الوفاء له بالعهد، وأن يرد إليه ماله، وهذا متى؟ إذا كان هذا الذمي قد تستر بها، أما إذا أعلنها وخرج إلينا معه الكأس في السوق يشرب الخمر فإننا لا نردها عليه إذا أخذناها منه، بل يجب علينا أن نأخذها ونتلفها أمامه؛ لأنه لا يجوز للذمي أن يعلن ما كان محرمًا على المسلمين في بلاد المسلمين؛ ولهذا يُمْنَع من تعليق الصليب ولو على سيارته، ويُمْنَع أيضًا من الناقوس؛ ضرب الناقوس، ويُمْنَع من إظهار الخمر، ومن كل شيء حرام عندنا في الإسلام يمنع الذمي من إظهاره، والمعاهد كذلك أيضًا، بل من باب أولى أنه يمنع من إظهار الأشياء المحرمة عند المسلمين.
طالب: يقولون: الكلب البوليسي يعرف الحرامي.
الشيخ: يعرف أيش؟
طالب: يعرف الحرامي، إذا حرامي سرقت.
الشيخ: إذا حرامي سرقت؟
الطالب: إذا سرق الحرامي، هل نأخذ بقول الكلب؟ يقولون: الكلب يعرف الحرامي؟
الشيخ: يقول: إن فلانًا هو السارق؟ !
الطالب: يجي يمسك بسنونه كده.
طالب آخر: آه صحيح.
الشيخ: صحيح؟
طالب: ( ... ) السراق مجموعة متهمين.
الشيخ: إي، هذا إذن فيه مصلحة.
طالب: ( ... ) هو السارق.
الشيخ: شوف إن تكلم وقال: فلان هو السارق أخذنا بقوله، هو ما يتكلم، مثلما قلت: إنه يأخذ بأسنانه، لكن اعتمادًا على الرائحة، ولَّا هو ما يعلم الغيب، هذه الرائحة ربما يمر إنسان بريء من عند المكان ويلمس -مثلًا- هذا الباب أو ما أشبه ذلك، ثم يمسك به الكلب، مشكلة هذه.
طالب: هي قرينة.
(1/5170)
________________________________________
الشيخ: إذن هي قرينة، ما هي حكم، تعتبر قرينة لا حكمًا، لكن فيه كلاب .. ، أنا سمعت أن فيه كلابًا تشم -مثلًا- إذا جيء بشنطة فيها متفجرات -مثلا- تشم الرائحة هذه؛ يعني: يعودونه يجيبون له متفجرات وأشياء تستعمل للتهريب ويخلونها تشمها، يعودونها على هذا، فإذا شمت هذا الشيء في الحقيبة مسكت الحقيبة؛ يعني كالمغناطيس، وهو مستعمل هذا، هذا أيضًا لا بأس به؛ لأن ما فيه شيء، غاية ما فيه أن نقول لصاحب الحقيبة -مثلًا-: افتح الحقيبة.
طالب: إذا كان فيه مسألة اجتهادية ( ... ) شيخ يرى جائز، وواحد ثانٍ يرى ( ... ) غير جائز ( ... ) أخذ هذا وقال ( ... ) هذا غير جائز، ما أنا معطيك إياه، مع أن الأول يراه جائزًا؟
الشيخ: ما فيه بأس، ما فيه مانع؛ يعني مثلًا أنا أرى أن هذا الشيء حرام، وهو عندي -مثلًا- أو حصل عندي، وواحد آخر يرى أنه حلال، أعطيه إياه، ما فيه مانع، إي نعم.
طالب: في مسألة ( ... ) شيخ الإسلام ذكر ( ... ) تحسب ( ... ) طلقة ويؤمر بالمراجعة، ( ... ) هذا معنى غائب في الشرع ويحسب عليه ويؤمر ( ... )، مثل الحج إن أفسده يجب إتمامه وعليه أيضًا .. ؟
الشيخ: الحج فعل مأمور -بارك الله فيك- نستفيد من إعادته، الحج هو مأمور به، هذا أفسد المأمور يجب عليه أن يأتي بالمأمور على وجه صحيح، أما هذا ففعل محظور ما ترتفع المفسدة بإعادته.
طالب: لكن يلزمه الإتمام مثل ( ... )؟
الشيخ: لا، أبدًا، إلزامه بالإتمام هنا لأن الأصل فيمن التزم بالشيء أن يتمه، خاصة في الحج؛ لأنه يشبه الجهاد، فهنا ألزمناه بإتمامه ما هو لأنه نافذ وواقع.
***
(1/5171)
________________________________________
يقول المؤلف: (ولا يرد جلد ميتة) يعني: لو غصب الإنسان جلد ميتة فإنه لا يجب عليه رده، لماذا؟ لأن جلد الميتة نجس؛ لدخوله في عموم الميتة، وقد قال الله عز وجل: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]، فيكون داخلًا في عموم الميتة فلا يجب رده.
وقال بعض العلماء: يجب رده إذا دبغ، وقال بعض العلماء: يجب رده مطلقًا، وهذا القول الأخير هو الصواب؛ أنه يجب رد جلد الميتة إذا كان صاحبه قد تملكه، أما إذا كان قد رمى بالميتة وجاء شخص فسلخ جلدها وأخذه، فهذا لا يجب عليه رده؛ لأن رميها يدل على أن صاحبها لا يريده، لكن إذا كان صاحبها قد سلخ الجلد وأبقى عنده جلودًا من الميتات كثيرة بحيث يكون هذا الراعي -مثلًا- أو المالك كثر عنده الموت في ماشيته، فصار كلما ماتت شاة سلخها واحتفظ بجلدها، فهنا نقول: يجب عليه أن يرده، سواء كان ذلك قبل الدبغ أو بعد الدبغ.
فإذا قال قائل: كيف يرده وهو نجس؟
قلنا: نعم؛ لأن الله تعالى إنما حرم من الميتة أكلها؛ لقوله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145]، ما قال: على مستعمل يستعمله، قال: {عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} فالمحرَّم ما هو بالجلد، استعمال الجلد المحرم الأكل.
ثانيًا: أن جلد الميتة يمكن الانتفاع به إذا دُبِغَ، كيف يدبغ؟ إذا دبغ فإنه يطهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ بشاة يجرونها وهي ميتة، قال: «هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا»، قالوا: إنها ميتة، قال: «يَطَهِّرُهُ الْمَاءُ وَالْقَرَظُ» (6) يعني: الدباغ، وإذا طهر جلد الميتة بالدباغ صار صالحًا للاستعمال في كل شيء؛ في المائعات والجامدات، يمكن أن يجعل سقاء للماء أو للبن، ويمكن أن يجعل حذاء، ويمكن أن يجعل خفًّا.
(1/5172)
________________________________________
فالمهم أنه بعد الدبغ يكون طاهرًا تمامًا كجلد المذكاة.
فالصواب إذن:
أولًا: لا يجوز له غصب جلود الميتة.
ثانيًا: إذا غصبه وجب عليه أن يرده؛ لما ذكرنا.
وأما قول المؤلف رحمه الله: إنه لا يرد جلد الميتة ويرد خمر الذمي والكلب الذي يُقْتَنى فهذا عجيب منه رحمه الله؛ لأن الكلب الذي يُقْتَنى لا يمكن الانتفاع به على سبيل الإطلاق، إنما يُنْتَفع به في نطاق ضيق، وخمر الذمي أيضًا لا يمكن لكل أحد أن يشربها، إنما يشربها من؟ الذمي.
جلد الميتة إذا قلنا على المذهب: إنه إذا دبغ لا ينتفع به إلا في اليابسات ففيه نفع، فكان الواجب أن يقال برده، مع أن الصحيح أنه إذا دبغ طهر، ينتفع به في كل شيء.
قال المؤلف: (وإتلاف الثلاثة هدر) لماذا؟ لأنه ليس لها قيمة شرعًا، فإذا أتلف الكلب -كلب الصيد- فهو هدر، كلب الماشية هدر، كلب الحرث هدر، كلب حراسة البيوت في المواضع التي يحتاج فيها إلى حراسة يعتبر هدرًا، ومعنى قولنا: هدر؛ أنه لا يضمنها بالقيمة، ولكن لولي الأمر أن يعذره على عدوانه إذا كان معتديًا؛ مثل أن يتعمد أن يقتل هذا الكلب، أو يتعمد أن يريق خمر الذمي، أو يتعمد أن يغصب جلد الميتة ويتلفه، فلولي الأمر أن يعاقبه على ذلك، وبالنسبة للكلب والخمر الأمر فيهما واضح؛ أنه ليس لهما قيمة شرعًا؛ ولهذا حرَّم الله عز وجل بيع الخمر وبيع الميتة والخنزير، وحرَّم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الكلب؛ نهى عن ثمنه (7)، فليس له قيمة شرعًا.
(1/5173)
________________________________________
بالنسبة لجلد الميتة؛ إن كان قد دبغ فإن بيعه يجوز، وحينئذٍ يضمن متلفه بالقيمة أو بالمثل إن وُجِدَ له مثل؛ لأنه بعد الدبغ يكون طاهرًا، وإذا كان طاهرًا صار عينًا ينتفع بها في كل شيء، فيجوز بيعها، وحينئذٍ نقول: إذا أتلفه بعد الدبغ ضمنه بمثله إن أمكن، وإلا فبقيمته، أما إذا كان قبل الدبغ فإنه محل نظر، قد نقول بأنه يضمنه؛ لأنه إذا كان مما يمكن تطهيره فهو كالثوب النجس، والثوب النجس يجوز بيعه ولَّا لا؟ يجوز بيعه، وقد نقول: إنه لا يضمنه؛ لأنه إلى الآن لم يكن مما يباح استعماله، وصاحبه قد يدبغه وقد لا يدبغه.
فالمسألة هذه تحتاج إلى نظر وإلى تأمل، فإذا نظرنا إلى أن هذا عين يمكن تطهيرها قلنا: إنه يضمنه؛ كالثوب النجس إذا أتلفه فإنه يضمنه، وإذا نظرنا إلى أنه جزء من الميتة وأنه حتى الآن لم يصل إلى درجة الطهارة والإباحة قلنا: إنه لا يضمنه، فيرجع في هذا إلى نظر القاضي الذي يحكم في القضية.
قال: (وإن استولى على حُرٍّ لم يضمنه) إن استولى على حر فإنه لا يضمنه؛ مثل وَجَدَ صبيًّا يمشي في السوق أخذه وقال: تعال، أنا أبوك، أو أنا أخوك، اقعد عندي، وأغراه، صار مرة يخرج به للملاهي، ومرة يطلع يتمشى بالسيارة، ومرة يشتري له أشياء تفرحه حتى نسي أهله، هذا الصبي استولى عليه، بقي عنده سنوات أو سنين، يقول المؤلف: إنه لا يضمنه، لو مات هذا الصبي ما يضمنه، بل لو استولى على كبير، ويمكن يستولي على كبير ولَّا ما يمكن؟
طلبة: يمكن.
الشيخ: يمكن يستولي على كبير ولو غير مجنون، يصير عنده قوة يقول: ما يمكن تطلع من هذا البيت، يمكن يستولي عليه فإنه لا يضمنه لو مات، وإن استولى على عبد يضمنه إذا مات أو انكسر أو أتاه شيء من النقص.
قالوا: والفرق بينهما أن العبد مال يُمْلَك ويُبَاع ويُشْتَرى، فالاستيلاء عليه استيلاء حقيقي وحكمي، أليس كذلك؟
طلبة: بلى.
(1/5174)
________________________________________
الشيخ: أخذ عبد فلان وقال: تعال يلَّا أنت عبدي، واستولى عليه، سواء لبَّس عليه بأن قال: أنت عبدي اشتريتك من سيدك، أو لم يلبِّس. المهم أن الاستيلاء على العبد يوجب الضمان.
ووجه ذلك: أنه مال يُبَاع ويُشْتَرى ويُمْلَك فصح الاستيلاء عليه حقيقة وحكمًا، أما خالد فيقول: إن الحرَّ لا يُسْتَولى عليه؛ لأنه لا يُبَاع ولا يُشْتَرى ولا يُمْلَك، فالاستيلاء عليه استيلاء صوري، لكن سيأتينا في باب الديات -ومر علينا أيضًا- أنه لو غصب حُرًّا صغيرًا فأصابته صاعقة فإنه يضمنه، وأنه إذا مات بمرض ففي ضمانه قولان، ذكروه هناك، وهذا يقتضي أن اليد تستولي على الحر الصغير؛ لأنه لا يملك الدفاع عن نفسه بخلاف الكبير، وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال في مذهب الإمام أحمد:
القول الأول: أن الحر لا يستولى عليه أبدًا، وحينئذٍ لا يضمن، وهذا هو المذهب.
والثاني: أن الحر يمكن الاستيلاء عليه، وإذا استولى عليه فهو ضامن لعينه ولمنفعته.
القول الثالث: الفرق بين الصغير والكبير؛ فإذا استولى على الصغير فهو ضامن؛ لأن الصغير لا يمكنه الدفاع عن نفسه، وإن استولى على كبير فإنه لا يضمن؛ لأن الكبير يمكن أن يدافع عن نفسه ويتخلص.
نقرر ما قال المؤلف وإن كان ضعيفا، لكن لا بد أن نقرره، يقول: (وإن استعمله كرهًا أو حبسه فعليه أجرته)، هناك فرق بين الاستيلاء وبين الاستعمال (إذا استعمله كرهًا)
بأن قال: تعال، يلَّا احرث هذه الأرض، فقال له: نعم أحرثها، لكن بأجرة، كم تعطيني في اليوم؟ قال: احرثها غصبًا مجانًا، فحرثها تحت التهديد، يقول المؤلف: إن عليه أجرته؛ لأنه استوفى منه منفعة تلفت لمصلحته، فوجب عليه ضمان هذه المنفعة، وقيمة المنفعة الأجرة، فنقول: يجب عليك أجرة هذا الرجل مدة استعمالك إياه.
قال: (أو حبسه) ما استعمله، لكن يمسكه ويحبسه ليومين ثلاثة وقال: لا تشتغل، فعليه الأجرة.
(1/5175)
________________________________________
وظاهر كلام المؤلف في مسألة الحبس أن عليه الأجرة مطلقًا، سواء كان هذا الحر عاطلًا أو عاملًا، وفي المسألة نظر إذا كان عاطلًا؛ لأنه إذا حبسه وهو عاطل ما له شغل، ليس له شغل إلا الجلوس على العتب، فهل هذا الرجل الذي حبسه فَوَّت عليه شيئًا؟ لا، ما فوت عليه شيئًا، أو ربما يحبسه وهو شيخ كبير أعمى زمن ما يعمل، هل عليه أجرته؟
طلبة: لا.
الشيخ: أجرته، حتى لو أطلقه ما هو عامل، فالصواب أن قوله في الحبس: إن عليه أجرته ينبغي أن يقيد بما إذا كان مثل هذا الرجل يعمل، أما إذا كان غير عامل فإنه لم يعطل عليه شيئًا، حتى لو أطلقته ما هو براح يعمل، بل ربما لو أطلقته لذهب يتسكع في الأسواق ويؤذي الناس، ممكن هذا؟ ممكن، يمكن هذا، ومع ذلك يقول: عليه أجرته. أما إذا استعمله كرهًا فلا شك أن عليه الأجرة؛ لأنها في مقابلة العمل.
قال: (ويلزم رد المغصوب بزيادته وإن غرم أضعافه) (يلزم رد المغصوب) يلزم من؟ الغاصب يلزمه رد المغصوب بزيادته، سواء كانت الزيادة متصلة أو منفصلة.
مثال الزيادة المتصلة: غصب عناقًا صغيرة؛ شاة، ثم كبرت وسمنت، فيجب عليه أن يردها بزيادتها، وهذه الزيادة متصلة، غصب شاة حاملًا فولدت عنده عدة أولاد، يجب عليه أن يردها بزيادتها، والزيادة هنا منفصلة، اللبن الذي كان يشربه أو يبيعه يضمنه ولَّا لا؟
طلبة: يضمنه.
الشيخ: وهو زيادة منفصلة، فيلزمه رده بزيادته المتصلة والمنفصلة.
يلزمه نقصه ولَّا لا؟ نعم، يلزمه نقصه، لو أن هذه البهيمة هزلت وقَلَّ لحمها وجب عليه أرشها، فيضمن النقص. فالغاصب إذن ضامن للمنفعة؛ وهي الزيادة يردها بزيادتها، ولا يقول: الزيادة لي أنا؛ لأنها زادت عندي، نقول: لا، أنت ظالم، «وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (8)، ويلزمه ضمان النقص.
(1/5176)
________________________________________
قال: (ولو غرم أضعافه) أي: أضعاف المغصوب؛ يعني: لو كان لا يمكنه رده إلا يخسر قدر قيمته عشر مرات، نقول: يلزمه رده ولو غرم أضعافه، فلو غصب رزًّا؛ ثلاثة أصواع من الرز وخلطها في ثلاثين صاع من البر، يلزمه أن يرد ثلاثة أصواع من الرز على صاحبها، قال: أنا متى أخلص ثلاثة أصواع من ثلاثين صاعًا، كيف؟ قال: لو جبت واحدًا خليته يلقط حبات الرز من ثلاثين صاعًا يبغي يقعد ثلاثة أيام، ثلاثة أيام كل يوم ( ... )، وثلاثة أصواع الرز كم من ريال؟ تسعة ريالات، معناها بخسر الآن ثلاث مئة ريال، أنا بعطيك بدل ثلاثة أصواع بعطيك ثلاثين صاعًا، قال: لا، ما أبغي إلا الرز اللي أنت غصبته، يلزم بهذا ولَّا لا؟
طلبة: يلزم.
الشيخ: يلزم؛ ولهذا قال: (ولو غرم أضعافه).
كذلك لو غصب مني آلة؛ آلة سيارة -مثلًا- وربطها في ماكينة سيارة، وكان ربطها قد أكل عليه شيئًا كثيرًا، وفكها أيضًا يستوعب دراهم كثيرة، وقال: أنا أعطيك نظيرها من السوق جديدة أحسن منها، أقول: لا، أنا لا أريد إلا عين مالي، يلزم بذلك ولو غرم أضعافه؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ»، ولأن هذا عين مالي، فيجب أن يسلمه لي، فالمؤلف يقول: (يلزم رد المغصوب بزيادته وإن غرم أضعافه).
غصب مني -مثلًا- راديو وسافر به إلى أمريكا، ثم رجع وقلت: أعطني الراديو اللي غصبته مني، قال: واللهِ الراديو بأمريكا؛ نسيه ولَّا خلاه عمدًا، أقول له: لازم تجيبه لي بعينه، قال: هذا يأكل عليَّ شيء كثير، أقول: نعم، ولو أكل، حتى لو لزم أنك أنت تروح أمريكا وتجيبه، نعم إذا قال: بأعطيك أحسن منه في السوق، أقول: لا، ما دام يمكن الوصول إليه، أما لو تلف فنعم يضمنه لي بالمثل.
(1/5177)
________________________________________
وأما إذا كان باقيًا فإنه يلزمه ولو غرم أضعافه؛ ولهذا قال المؤلف في الشرح: ولو غرم أضعافه؛ لكونه بُنِيَ عليه أو بعد ونحوه، حتى لو بُنِي عليه، غصب مني -مثلًا- حجرًا وحطه في أثاث البيت، البيت الآن قائم عليه، فجئت أطلبه هذا الحجر، قال: واللهِ الآن بنيت عليه، عليه عمود لو بأنقض العمود الآن يمكن يطيح البيت كله، ويش أقول له؟ أقول: نعم، ما علينا منك، أنا أريد أن تعطيني مالي حتى وإن خسرت أضعافه.
وهذا يدل على عظم الغصب، وأنه ليس بالأمر الهين، كما قال المؤلف، والمسألة فيها خلاف؛ فإن بعض أهل العلم إذا كان الضرر كثيرًا وليس لصاحبه غرض صحيح بعينه فإنه يُعْطَى مثله أو قيمته، خصوصًا إذا علمنا بأن قصد المالك المضارة بالغاصب.
وهذا القول له وجه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (9)، ويقول: «مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ» (10). لكن لو كان هذا التضمين سبيلًا إلى تقليل الغصب والعدوان على الناس لكان القول بالمذهب أقوى من القول الثاني.
فإذن نقول -على القول الراجح-: الأصل أنه إذا كان يلزم على رده بعينه يلزم غرم كثير، وليس لصاحبه -أي: للمالك- غرض صحيح بعينه فإنه يضمن له بالمثل إن كان مثليًّا، وبالقيمة إن كان متقومًا، إلا إذا كان رد عين المغصوب مع الغرم الكثير يقتضي كف الناس عن الغصب والعدوان فهنا يتوجه القول بما قاله المؤلف رحمه الله ( ... ).
هذه المسألة؛ لو استأجرت شخصًا حرًّا فهل لي أن أوجره أو لا؟ هنا عندي عامل .. ، استأجرت عاملًا يعمل عندي بالشهر بمئة ريال، فهل لي أن أؤجره شخصًا آخر ولَّا لا؟ المذهب: لا؛ لأن اليد لا تثبت على الحر، لكن هو اللي يؤجر نفسه إذا شاء أن يؤجر.
ولو استأجرت عبدًا لمدة شهر فهل لي أن أوجره؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأن العبد تثبت عليه اليد، كما لو استأجرت بعيرًا فلي أن أؤجره من يقوم مقامي لا بأكثر مني ضررًا.
(1/5178)
________________________________________
ويرى بعض العلماء -في مسألة الاستئجار- أنه يجوز أن يؤجر هذا العامل؛ لأن المنفعة له، فجاز أن يأخذها هو هذه المنفعة بنفسه أو بوكيله.
وعمل الناس اليوم على أي القولين، أو نسأل أصحاب مكاتب الاستقدام الثاني ولَّا الأول؟
طالب: الأول.
الشيخ: الظاهر: الثاني؛ لأنهم يؤجرون العامل؛ يعني: يكون عنده عامل يؤجره لواحد يشتغل عنده يومًا، يومين، ثلاثة، سواء رضي العامل ولَّا ما رضي؛ لأن المنفعة له فجاز أن يستوفيها بنفسه وبوكيله.
رجل ( ... ).
قال المؤلف رحمه الله: (وإن بنى في الأرض أو غرس) (بنى) الفاعل يعود على الغاصب؛ يعني: غصب أرضًا فبنى فيها أو غرس، البنيان معروف، والغرس بأن يغرس نخلًا أو عنبًا أو تينًا أو غير ذلك من الأشجار، انظر ماذا يترتب عليه: (لزمه القلع) هذا واحد، (وأرش نقصها، وتسويتها، والأجرة) كم هذه؟
طلبة: أربعة.
الشيخ: بل نزيد خامسًا: الإثم؛ يعني يترتب عليه خمسة أشياء: الإثم، ووجوب القلع، وجوب تسوية الأرض، والرابع أرش نقصها، والخامس الأجرة؛ أجرة الأرض مدة بقاءها تحت يده.
مثال ذلك: رجل غصب أرضًا وغرس بها نخلًا، وشب النخل وصار طول النخلة مترين، وصارت تثمر، فطالبه المالك بأرضه، ماذا يلزمه؟ يلزمه أن يقلع النخل، إذا قال: اقلع النخل، يلزمه القلع الأرض سوف تنقص؛ لأن عروق النخل تدخل فيها وتفسدها، يلزمها نقص الأرض ولَّا لا؟ ثالثًا: الأرض سوف تحفر لقلع هذه النخل، يلزمه التسوية. رابعًا: الأرض مدة بقاءها لستِّ سنين أو سبع سنين تؤجر كل سنة -مثلًا- بعشرة آلاف، يلزم الغاصب إذا كان سبع سنين يلزمه سبعون ألفًا، وإذا كانت الأجرة أكثر فأكثر، صار هذا الغاصب يترتب على غصبه الأرض إذا غرس أو بنى فيها خمسة أشياء؛ الإثم، ويش بعد؟
طلبة: القلع.
الشيخ: قلع الغراس والبناء، أرش النقص، تسوية الأرض، أجرتها مدة استيلائه عليها. الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (11).
(1/5179)
________________________________________
فإذا قال الغاصب: أنا إذا قلعت الشجر هلك ومات، فخسرت، فأنا أطلب أن يبقى؛ نخليه وتقدر قيمته ويعطيني إياها مالك الأرض، فهل يلزم مالك الأرض ذلك؟
طلبة: لا يلزمه.
الشيخ: لا يلزمه ونخلص ملكي من ملكك وأنت المعتدي الظالم، و «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ».
إن كان الأمر بالعكس؛ أي: أن صاحب الأرض طلب من الغاصب أن يبقى الشجر وتقدر له القيمة، فهل يجبر الغاصب على ذلك أو لا؟
نقول: إن كان له غرض صحيح بقلعه فإنه لا يجبر، إذا قال: أنا بأقلع النخل هذا وبغرسه بأرضي فإنه لا يجبر، أما إذا لم يكن له غرض صحيح وعلمنا أنه سيقلع هذا الغرس ويرميه في الأرض ييبس ويتلف فإننا لا نوافقه على امتناعه، لماذا؟
أولًا: لأن هذا من باب إضاعة المال والفساد، والله عز وجل لا يحب الفساد، والنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن إضاعة المال (12).
ثانيًا: أننا نقول: إن صاحب الأرض لو غرس هذه الأرض في الوقت الذي غرست فيه شجرك لكان شجره كشجرك اليوم، فهو يقول: هذه المنفعة التي فوتها عليَّ، أنا أريد أن أنتفع بها؛ أستغلها، فله حق وله شبهة، ثم إن الغاصب يتضرر بذلك ولَّا ينتفع؟
طلبة: ينتفع.
الشيخ: ينتفع، ويش بيجيه؟ سيأتيه قيمة الشجر، وكيف نقوم الشجر؟ نقوم الشجر فنقول: كم قيمة الأرض لو كانت خالية منه؟ قالوا: قيمتها مئة ألف، كم قيمتها إذا كانت مغروسة به؟ قالوا: قيمتها مئة وعشرين ألف، كم قيمة الشجر الآن؟
طلبة: عشرون ألفًا.
الشيخ: عشرون ألفًا، هكذا التقويم، فعرفنا الآن ماذا يترتب على الغاصب إذا غرس أو بنى؟ يترتب عليه خمسة أشياء، ما هي ( ... )؟
أوردنا على هذا سؤالان؛ السؤال الأول: لو طالب الغاصب أن تبقى الأشجار وتقدر له القيمة هل يلزم رب الأرض ذلك؟
طالب: لا يلزمه.
الشيخ: لا يلزمه.
(1/5180)
________________________________________
لو طالب رب الأرض أن يبقي الغراس ويدفع القيمة ففيه تفصيل؛ إن كان للغاصب غرض صحيح بقلعه فإنه لا يجبر على إبقائه، كيف الغرض الصحيح؟ يقول: أنا بأقلع هذه النخل وأغرسها في أرضي، عند أرض بياض ما فيها نخل أبغي أقلعه وأغرسها في الأرض، ويمكن هذا ولَّا ما يمكن؟
طلبة: يمكن.
الشيخ: الآن فيه نخل يقلع وهو كبير ويغرس، ويسمى عندنا في العامية جسايس النخل، وإن لم يكن للغاصب غرض صحيح في امتناعه وإنما سيقلع هذا الغرس ويرميه في الشمس ويتلف فإننا لا نمكنه من ذلك، وذكرنا لهذا ثلاثة أوجه، بل أكثر.
الوجه الأول: أن هذا من الفساد، والله لا يحب الفساد.
الوجه الثاني: أنه إضاعة مال، والنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن إضاعة المال.
الوجه الثالث: أن في بقائه وإعطائه القيمة منفعة للغاصب، ورغبته عن المنفعة يعتبر سفهًا، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]، فإذا منعنا أن نعطي هؤلاء أموالهم فكيف لا نمنع هذا أن نعطيه مالًا زيادة على ماله؟
الوجه الرابع: أن لصاحب الأرض حقًّا؛ حيث يقول: لولا هذه الأشجار التي غرسها الغاصب لكنت أنا قد غرست وصارت شجري كشجر الغاصب، الآن فقد فوت عليَّ منفعة الأرض طيلة هذه المدة، والرجل لا ينتفع بغراسه لو قلعه، فله حق في ذلك، فصار هذا معللًا بكم؟
طالب: بأربعة.
الشيخ: بأربعة أوجه، نعم.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولو غصب جارحًا أو عبدًا أو فرسًا فَحَصَّل بذلك صيدًا) أو: (فحصل بذلك صيدٌ) -نسختان- (فلمالكه).
(غصب جارحًا) ويش هو الجارح؟ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِين} [المائدة: 4]، الجارح كلب الصيد أو الطير الصقر وشبهه هذا الجارح؛ أي: ما يصيد من الكلاب أو من الطيور، إذا غصبه وحصل بذلك صيدًا فالصيد لمالك الجارحة لا للغاصب.
(1/5181)
________________________________________
مثال ذلك: غصب رجل من شخص كلب صيده وخرج يصطاد به، وصاد به صيدًا كثيرًا، فالصيد لمن؟
طلبة: للمالك.
الشيخ: الصيد للمالك لا للغاصب. فإذا قال الغاصب: لولا أنا ما صاد شيئًا، قلنا له: ولولا الجارح ما صدت شيئًا، والجارح لمن؟
طالب: للمالك.
الشيخ: الجارح لمالكه، إذن فيكون هذا الذي حصل بهذا الجارح الذي لمالكه يكون لمالكه، هذا واحد.
(غصب عبدًا) والعبد جيد جدًّا في صيد الحيتان، نزل البحر وقام يصيد الحيتان الكثيرة، فلمن تكون هذه الحيتان؟
طالب: لمالك العبد.
الشيخ: لمالك العبد. فإذا قال الغاصب: لولا أنا هيأت له السفينة هذه ما اصطاد، قلنا: ولولا العبد ما صادت السفينة، وحينئذٍ يكون الصيد لمن؟
طلبة: للمالك.
الشيخ: للمالك.
(فرسًا) هذه هي الغريبة، غصب فرسًا فصار يعدو على الصيود ويصيد، فالصيد للمالك لا للغاصب، وهذه الأخيرة فيها نزاع، هذه الأخيرة في الواقع أن الغاصب ما توصل إلى الصيد إلا بالفرس، لكن الذي باشر الصيد ليس هو الفرس، الفرس وسيلة، والذي باشر الصيد من؟
طلبة: الغاصب.
الشيخ: الغاصب؛ ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن الصيد للغاصب وعليه أجرة الفرس، وهذا أقرب إلى القواعد؛ أن الصيد يكون للغاصب وعليه أجرة الفرس؛ لأن الذي باشر الصيد هو في الحقيقة هذا الغاصب؛ السهم سهمه، والقوس قوسه، والعمل عمله، وهذا وسيلة.
طالب: تنكيلًا به.
الشيخ: لا، التنكيل ما هو هكذا، التنكيل نلزمه بالأجرة، ثم لو أردنا أن ننكل فالتنكيل ما نجعل الصيد لصاحب الفرس، نجعل الصيد في بيت المال، وصاحب الفرس ليس له إلا أجرة فرسه.
(فلمالكه) عندي أنا بالشرح: وكذا لو غصب شبكة أو شركًا أو فخًّا وصاد به ولا أجرة لذلك، لمن؟ أقول: لا أجرة لذلك؛ لأن هذه الأشياء أجرتها ما حصل منها من صيد، فهذا استعملها في الصيد فحصل.
***
(1/5182)
________________________________________
قال: (وإن ضرب المصوغ، ونسج الغزل، وقصَّر الثوب، أو صبغه، ونجر الخشب ونحوه، أو صار الحب زرعًا أو البيضة فرخًا، والنوى غرسًا؛ رَدَّهُ وأرشَ نقصِه، ولا شيءَ للغاصب) هذه عدة مسائل نؤجل الكلام عليها إن شاء الله.
طالب: مسألة غصب الفرس والعبد ( ... ) هل أيضًا يعزر .. ؟
الشيخ: إي نعم، كل إنسان يعتدي على غيره يعزر.
وإن ضَرَبَ الْمَصوغَ ونَسَجَ الْغَزْلَ وقَصَّرَ الثوبَ أو صَبَغَه ونَجَّرَ الخشبَ ونحوَه أو صارَ الحبُّ زَرْعًا , أو البيضةُ فَرْخًا , والنَّوَى غَرْسًا رَدَّه وأَرْشَ نَقْصِه، ولا شيءَ للغاصبِ، ويَلزَمُه ضَمانُ نَقْصِه وإن خُصِيَ الرقيقُ رَدَّه مع قِيمتِه، وما نَقَصَ بسعرٍ لم يضْمَنْ ولا بِمَرَضٍ عَادَ ببُرْئِه، وإن عادَ بتعليمِ صَنعةٍ ضَمِنَ النَّقْصَ، وإن تَعَلَّمَ أو سَمِنَ فزَادَتْ قِيمتُه ثُم نَسِيَ أو هَزِلَ فنَقَصَتْ ضَمِنَ الزيادةَ كما لو عادَتْ من غيرِ جِنْسِ الأَوَّلِ، ومن جِنْسِها لا يَضْمَنُ إلا أَكْثَرَهما.
(فصلٌ)
وإن خَلَطَ بما لا يَتَمَيَّزُ كزيتٍ، أو حِنطةٍ بِمِثْلِهما، أو صَبَغَ الثوبَ، أو لَتَّ سَوِيقًا بدُهْنٍ أو عكسُه - ولم تَنْقُص القيمةُ ولم تَزِدْ - فهما شَريكانِ بقَدْرِ مالَيْهِما فيه، وإن نَقَصَت القيمةُ ضَمِنَها، وإن زادَتْ قِيمةُ أحدِهما فلصاحبِه، ولا يُجْبَرُ مَن أَبَى قَلْعَ الصبْغِ، ولو قُلَعَ غرسُ المشترِي أو بِنَاؤُهُ لاستحقاقِ الأرضِ رَجَعَ على بائعِها بالغَرامةِ، وإن أَطْعَمَه لعالِمٍ بغَصْبِه فالضمانُ عليه , وعَكْسُه بعَكْسِه، وإن أَطْعَمَه لِمَالِكِه أو رَهَنَه أو أَوْدَعَه أو آجَرَه إيَّاه لم يَبْرَأْ إلا أن يَعْلَمَ،
السلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ما تقول ( ... )؟
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1). لو طلب ( ... ).
(1/5183)
________________________________________
(ضرب الْمَصُوغَ) (المصوغ): يعني الحلي، ضربه: جعله نقدًا، يعني غصب حليًّا وضربه فجعله دنانير، أو غصب حلي فضة فضربه فجعله دراهم، فماذا يكون؟ سيأتي الجواب.
(ونسجَ الغزلَ) الغزل: الخيوط المغزولة من الصوف أو غيره نسجه، ويش جعله؟ جعله ثوبًا، نسجه وجعله ثوبًا قماشًا.
(وقصَّر الثوبَ) قصَّره يعني: غسله، وفي غسله تنظيف له.
قال: (أو صبَغه): صبغ الثوب، الثوب كان أبيض فجعله أصفر مثلًا أو أسود أو أزرق أو أخضر، صبغه.
(ونَجَرَ الخشبَة): نجرها على أن تكون بابًا أو دواليب، ما هو نجرها على سبيل الإفساد والإتلاف، نجرها فجعلها بابًا أو دواليب أو ما أشبه ذلك.
(ونحوه): كما لو عجن الدقيق أو خبَزَه، أو شوى اللحم أو ما أشبه ذلك مما يغير صفة المغصوب، فماذا يكون؟
قال: (أو صار الْحَبُّ زرعًا): غصب حبًّا ثم زرعه فصار زرعًا، تغير ولَّا لا؟ تغير صار الحب زرعًا تغيُّرًا بينًا.
(أو البيضةُ فرخًا): غصب بيضة وجعلها تحت الدجاجة وصارت فرخًا وكبرت وبدأت تبيض. سيأتي الجواب.
يقول: أو صار (النوى غرسًا): النوى غرسًا؟ ! أيش النوى؟ نوى التمر، صار غرسًا يعني: أخذ مني عدسًا خمس عدسات غصبهم مني وغرسهم بالأرض ( ... ) فهذا معنى قوله: (صار النوى غرسًا).
(رده وأرش نقصه، ولا شيء للغاصب) نبدأ بالمسألة الأولى:
(ضرب المصوغ) قلنا: إنه غصب حليًّا فضربه -إن كان ذهبًا- إلى دنانير، وإذا كان فضة إلى دراهم، يجب أن يرد هذه الدنانير وهذه الدراهم إلى المالك وعليه أرش النقص، فيقال مثلًا: هذا الدينار يساوي مئة، والمصوغ الذي حوَّله إلى دينار يساوي مئتين، ماذا يصنع؟ يرد الدينار ومئة ريال.
في الفضة أيضًا الحلي الذي حوله إلى دراهم كان يساوي مئة درهم وحوَّلَه هو إلى خمسين درهمًا، ماذا يصنع؟ يرد خمسين الدرهم والنقص خمسين أيضًا فيرد مئة درهم.
(1/5184)
________________________________________
إذا قال: أنا تعبت وخسرت أيضًا، نقول: لكنك ظالم وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 42] أنت ظالم.
لو قال: أنا أرد له مثل مصوغه أو أطيب. فقال المالك: لا، أنا أريد عين مالي. مَن القولُ قولُه؟ القول قول المالك؛ لأن عين ماله موجود، هذه الدنانير هي عين ماله، هذه الدراهم هي عين ماله. وعليه النقص.
ثانيًا: (ونسج الغزل) الغزل: خيوط، ولنقل: إنها تزن خمسة كيلوات، فنسجها، الخيوط اللي تزن خمسة كيلوات تباع بخمسين ريالًا، لما نسجها صارت تباع بخمسين ألف ريال ( ... ) النقص ولَّا لا؟ هذا ما فيه نقص.
هل يطالب رب الغزل بالزيادة؟ لا، الغزل ما له شيء الآن؛ ولهذا يقول المؤلف: (ضمان نقصه)، في الشرح: إن نقص.
في هذه الحال إذا نسج الغزل الغالب أنه يزيد ولَّا ينقص؟
الطلبة: يزيد.
الشيخ: الغالب أنه يزيد، فالزيادة تكون لرب المال.
كذلك يقول: (قصَّر الثوبَ) يعني: غسله، كم يأخذ الغسَّال فيه؟
طلبة: بريالين.
الشيخ: بريالين.
قبل أن يغسل يساوي الثوب خمسة، والآن يساوي سبعة، يرد الثوب ويرد النقص؟ ما فيه نقص، لكن لو نقص بالتغسيل، وهل يمكن أن ينقص بالتغسيل؟
طلبة: الغسالة ( ... ).
الشيخ: لا، غسله بيديه ما هو بالغسالة، ما تلف منه شيء.
طلبة: ( ... ).
الشيخ: نعم، صحيح، الآن نقول: غالبًا الصوف إذا غُسِل ينكمش ويقصر، فكان الغاسل بالأول يلبسه على السُّنَّةِ الآن صار فوق الركبة، نقص ولَّا لا؟ إي نعم نقص، نقول: يضمن النقص.
أما لو لم ينقص وزاد بالغسل فالزيادة لمالكه.
يقول: (أو صبغه): صبغ الثوب يرده ونقصه، يمكن يزيد ويمكن ينقص.
هذا ثوبي أبيض يصلح لي ألبسه، والآن خلَّاه ثوبًا أحمر، والرجل منهي عن اللباس الأحمر، ما يصلح الآن إلا للنساء، نقص ولَّا غير نقص؟ نقص.
إذن: يضمن النقص، إذا قال الغاصب: أنا خسرت الآن، خسرت أُجرة الصباغ وقيمة الصبغ.
(1/5185)
________________________________________
نقول: ليس لِعِرْقٍ ظالمٍ حقٌّ، ولا ( ... ) شيء.
يقول: (ونجر الخشبة): نجر الخشبة فصارت بابًا، يردها ويرد نقصها إن نقصت، تزيد يمكن، غالبًا تزيد.
لكن إن نقصت بأن قال المالك: إن أعدت هذا الخشب لسقف بيتي، ولا يوجد في السوق نظير لهذا الخشب، وهذا الخشب يساوي مئة باب من هذه الأبواب ربما تنقص. نقول: يجب عليك النقص.
يقول: (أو صار الْحَبُّ زرعًا): هذه هي أغرب شيء.
(ونحوه): ذكرنا نحوه، جعل الدقيق خبزًا، وشوى اللحم، وما أشبه ذلك.
(صار الْحَبُّ زرعًا): غصب حبًّا وبذَرَهُ في الأرض وصار زرعًا، الزرع لمن؟ الزرع للمالك. لكن المشكل إذا قال الغاصب: حَبُّك الآن انتقل من عين إلى عين. قلنا: ذُكِر فيما سبق العَيْن باقية، لكن الآن تحوَّل الحب إلى عين أخرى، استحال ( ... ) استحالة كاملة.
نقول: المذهب يقولون: ولو كان، ولو استحال.
فالزرع لصاحب البذر، الزرع الذي غُصِبَ بذْرُه يكون لصاحبِ البذر.
البذر كان أُخذ مثلًا مئة صاع تساوي ثلاث مئة ريال، الآن الزرع يساوي ثلاثة آلاف ريال، وقال الغاصب: أنا تعبت وحرثت الأرض وسقيت ولي ستة شهور أنا أسقيه، والآن يساوي ستة آلاف ريال، وهو ما لي عندي إلا ثلاث مئة ريال. ماذا نقول؟
نقول: لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ، والزرعُ لصاحبِ البذرِ.
كذلك أيضًا: صارت (البيضة فرخًا): غصَبَ بيضة تساوي كم قرشًا؟ سبعة قروش، وجعلها تحت الدجاجة فصارت فرخًا تساوي سبعة ريالات، ماذا نقول؟ نقول: هذا الفرخ لمالك البيضة.
فإذا قال: استحالت البيضة إلى فرخٍ، كانت البيضة جَمَادًا، الآن أصبحت حيوانًا فيه روح.
نقول: لكن أصله بيضة هذا الرجل، وإذا شئت ألا تعطيه الفرخ فحَوِّلْها إلى بيضة، حَوِّل الفرخ إلى بيضة ونقبل منك، مستحيل هذا ولَّا لا؟
طالب: مستحيل.
الشيخ: طيب، يقول المالك: يإما تعطيني الفرخ اللي بيضتي هي أصله، وإلا حوِّلْه إلى بيضة وأعطني إياها.
(1/5186)
________________________________________
طيب لو قال: أنا بعطيك عشر بيضات بدل بيضتك؟ لا يلزمنا؛ لأنه غاصب الآن؛ لأنه جانٍ في الواقع مُعْتَدٍ.
صار (النوى غرسًا): أخذ خمس أنواء وصَفَّها على مجرى الماء على الساقي، وظهرت نخلًا من أجود النخل قوة وثمرة طيبة، وكان أصله خمس نوى، فقال الغاصب: أنا بعطيك خمسة آصع من النوى بدلًا من خمس النوى.
قال مالك النوى: لا، هذا أصله ملكي فأعطني إياه. قال: أنا تعبت على هذا، زرعت وسقيت. نقول: ولكن أنت ظالم، وليس لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ.
إذن: الغاصب ضامن مهما حوَّل المغصوب ما دامت العين باقية، فإنها تُرَدُّ ولو تحولت.
قال: (وأرْشَ نقصِه) يعني: ورَدَّ أرْشَ نقصِهِ إن نقص، (ولا شيء للغاصب).
قال: (ويلزمُه ضمانُ نقصِه): هذا جديد، يعني عبارة جديدة، ما تتعلق بمسألة التحول المغصوب أو تغيره.
(يلزمه) يعني: يلزم الغاصبَ (ضمانُ نقصه) أي: المغصوب.
(يلزمه ضمانُ نقصِه): نقصُ المغصوبِ ولو كان بغير فعله، لو كان بغير فعل هذا الغاصب.
رجل غصب عبدًا شابًّا، وبقي عنده له عشر سنين، هذا الشاب ظهرت لحيته وذهبت نضارة شبابه، وأراد أن يرده على صاحبه، تنقص قيمته ولَّا لا؟ تنقص بلا شك تنقص قيمته، نقول: عليك ضمان النقص ولو كان بغير فعلك.
غصب أمةً وبقيت عنده لمدة شهرين أو ثلاثة وأتاها ما ( ... ) فابْيَضَّ شعرُها، صار شعر رأسها أبيض، كانت في الأول تساوي قيمة ألف درهم الآن تساوي كم؟ خمس مئة درهم، يلزمه أن يضمن خمس مئة.
إذا قال الغاصب: هذا ليس مني وليس بفعلي، هي اللي توحشت. نقول: لكنها نقصت تحت استيلائك فوجب عليك الضمان.
طيب لو ماتت عليه الضمان ولَّا لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم عليه الضمان، كل نقص يكون تحت يد الغاصب فعليه ضمانه، سواء كان بسببه أو بغير سببه.
(1/5187)
________________________________________
يقول: (وإن خَصَى الرقيقَ ردَّه مع قيمته): هذه غريبة، غصب الغاصب عبدًا فخصاه؛ قطع خصيتيه، فكان قبل الخصي يساوي ألفًا، وبعد الخصي يساوي خمسة آلاف؛ لأن العبد إذا خُصِيَ تزيد قيمته لأنه يُؤْمَن على النساء أكثر مما إذا كان فحلًا، واضح؟
نقول: الآن لما خَصَى الرقيقَ يرده ويرد قيمته، خصيًا ولا فحلًا؟
طالب: فحلًا.
الشيخ: لا، خصيًا؛ لأن الزيادة لمن؟ للمالك، والنقص على الغاصب.
كيف يرده بالقيمة؟ قال: نعم؛ لأن الإنسان إذا أتلف من العبد ما فيه دية الحر، لزمه قيمة العبد كاملة، هذه القاعدة، إذا أتلف من العبد ما فيه دية الحر لزمته قيمة العبد كاملة، القاعدة واضحة؟
طيب إذا أتلف من العبد ما فيه أيش؟ دية الحر: رد قيمة العبد كاملة.
الخصيتان من الحر: فيهما دية كاملة، إذن فيهما قيمة العبد كاملة.
العينان: دية كاملة، فيهما قيمة العبد كاملًا، يعني: لو جنى على العبد حتى أذهب عينيه فعليه قيمته كاملة، كذا؟
اليد: فيها نصف الدية، عليه نصف قيمة العبد وهكذا. عرفتم؟
والمسألة في الجزء فيها خلاف سبق لنا في: (باب الديات).
لأن بعض العلماء يقول: إذا أتلف من العبد ما ليس فيه الدية فإنه يضمن نقص قيمة العبد ما تُقَدَّر بـ (حر)، يعني: مثلًا قطعت يده اليمنى على المذهب: فيه أيش؟ نصف الدية.
القول الثاني: فيه ما نقص من قيمة العبد، فإذا قُدِّر أن العبد هذا يساوي عشرة آلاف، وبدون اليد اليمنى يساوي أربعة آلاف، كم الدية؟ ستة آلاف، أكثر من النصف.
ولو قُطِعت اليسرى فيها على المذهب: نصف القيمة.
وعلى القول الثاني: ما نقص من قيمة العبد.
ففي هذا المثال: إذا قالوا: إن العبد يساوي عشرة آلاف، ومقطوع اليد اليسرى يساوي ستة آلاف، كم لمالكه؟ أربعة آلاف.
على كل حال المهم: إذا خصى الرقيق، فقال السيد: أعطني قيمته.
(1/5188)
________________________________________
الآن زادت قيمته، كان يساوي ألفًا والآن يساوي خمسة، ويش يقولون؟ يقول القاعدة: أن النقص على الغاصب والزيادة للمالك، هذه القاعدة في باب الغصب.
القاعدة في باب الغصب: أن النقص أيش؟
طلبة: على الغاصب.
الشيخ: على الغاصب، والزيادة للمالك. فيقول: الزيادة الآن زاد وهو على ملكي فهي لي، والنقص عليك.
إذا قال: إن الفعل واحد، فأنا في الحقيقة زدتك خيرًا بفعلي. نقول: نعم أنت زدتني خيرًا بفعلك، لكنك أفقدتني أيش؟ أفقدتني ما فيه قيمة العبد، وهو الخصيتان.
والمسألة هذه ما تخلو من خلاف؛ لأن هذا زاد بفعل الغاصب ( ... ).
***
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ما تقول في رجل غصب نوى، ثم بذرها في الأرض وصارت غرسًا؟
طالب: يرد هذا الغرس لمالكه.
الشيخ: يرد النوى؟
الطالب: ويرد الغرس.
الشيخ: الغرس؟
الطالب: الغرس أصله ( ... ).
الشيخ: ويش تقولون؟ لأنه عين ماله لكنه تحول إلى الغرس، فيجب عليه أن يرده.
إذا قال: أنا أخذت منك خمس أنوية قيمتهم كم؟ ( ... ).
حيث إني لما خصيته زادت قيمته. يقول المالك: هذه الزيادة لي وإن كانت من عملك فهي لي.
كما لو نجر خشبًا، الآن لما نجر خشبًا يضمن ولَّا لا يضمن؟ يضمن إذا نقص، حتى لو زاد يضمن.
على كل حال الجواب على هذا: أن يقول المالك: إن العبد عبدي والزيادة لي، ما هو عليَّ الزيادة حتى تقول: والله أنا زدتك خيرًا!
والخصيتان: يُقَدَّران من الحر بأيش؟ بدية كاملة، فعليك قيمته كاملة.
أظن أني قد أشرت لكم أمس إلى أن بعض أهل العلم يقول: إن الجناية على العبد تقوم بأيش؟ بما نقص.
وبناءً على هذا الرأي نقول: ما دام العبد زاد بالخصاء فإن الغاصب لا يضمن شيئًا. وسيأتي إن شاء الله في القصاص أن القول الراجح: أن جناية العبد كالجناية على البهيمة يُقدَّر بأيش؟ يقدر بما نقص، وأنه إذا قطع يده اليمنى يُعطى السيد قيمة أكثر مما لو قطع يده اليسرى، بخلاف الحر فإن اليمنى كاليسرى في الدية.
(1/5189)
________________________________________
فالصحيح: أن الجناية على العبد تُقدَّر بما نقص العبد، هذا هو الصحيح.
قال المؤلف رحمه الله: (وما نقصَ بسعرٍ لم يضمَنْ): وذلك لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» (2). وهذا قد أدى ما أخذ كما هو.
مثال ذلك: غصب شاة تساوي مئتين وبقيت عنده ولم يلحقها نقص في ذاتها ولا عيب، ولكن القيمة نقصت، فصارت هذه الشاة التي تساوي مئتين صارت تساوي مئة، فردها على صاحبها، فهل يضمن مئة لأنه غصبها وهي تساوي مئتين أو لا يضمن؟ يقول المؤلف: لا يضمن، لماذا؟ لأنه رد العين بذاتها لم تتغير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: بل يضمن ما نقص بالسعر؛ لأن السعر صفة في العين، وهو قيمة العين.
فهذه العين مثلًا اللي تساوي مئتين إذن صفتها مرتفعة، وإذا نقصت عن المئتين نقصت صفتها، فالتقويم صفة في الْمُقَوَّم، وعلى هذا فما نقص بالسعر فإنه يضمن.
ولكن الحارثي رحمه الله -وهو مَن يعني مِن العلماء المعتبرين- رد هذا القول، وقال: إن ظاهر الأدلة أنه ليس له إلا عين ماله؛ لقوله: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» (2). وهذا قد أدى العين كما أخذها فلا ضمان بالسعر، إلا في مسألة واحدة:
إذا تلفت وقيمتها مئتان، ثم أراد أن يردها إلى الغاصب وقد نزل قيمتها، فعليه ضمان كم؟ ضمان مئتين اعتبارًا بحال التلف، هذا يضمن قولًا واحدًا؛ لأن العين لم تُرد الآن.
فإذا لم تُرد ننظر إلى وجوب قيمتها، متى وجبت؟ وجبت حين التلف، وهي حين التلف تساوي مئتين، وحينذٍ يجب عليه أن يرد المئتين وإن كانت الآن لو كانت موجودة لا تسوى إلا مئة، انتبهوا.
إذن: (ما نقَصَ بسعرٍ لم يضمنْ): إلا إذا تلفت وقت ارتفاع السعر فإنها تُضمَن بأيش؟ تُضمَن بسعرها وقت تلفها، وإن كان وقت الضمان قد نزل السعر.
(1/5190)
________________________________________
ائتِ بالمثال: غصب شاة وبقيت عنده أربعة أشهر، فزاد السعر حتى صارت تساوي مئتين وتلفت في ذلك الوقت، وهي تساوي مئتين، ثم إن المالك طالبه بالشاة، فقررت المحكمة أن يضمن الشاة، أو هو تاب إلى الله ورجع وندم وجاء إلى المالك وقال: أنا بضمن لك شاتك.
قال: أين الشاة؟ قال: الشاة تلفت منذ ثلاثة أشهر، كانت قيمتها حين التلف كم؟ مئتين، الآن لو كانت موجودة لا تساوي إلا مئة، فهل يضمنها بمئة أو يضمنها بمئتين؟ يضمنها بمئتين؛ لأن الاعتبار بالقيمة وقت التلف؛ لأن قيمتها وجبت عند التلف.
هذه الصورة مستثناة من قوله: (وما نقص بسعر لم يضمن).
ولو ذهب ذاهب إلى التوسط بين القولين، فقال: إن عُلم من الغاصب إرادة حرمان المالك فإنه يضمن السعر، يضمن نقص السعر، وإن لم يُعلم ذلك منه فإنه لا يضمن.
مثال إرادة ضرر المالك: أن يغصب هذا العين وقت الموسم، ومعروف أن وقت الموسم تكون القيمة مرتفعة، غصبها وقت الموسم ولما زال الموسم ورخصت الأشياء ردها على صاحبها، هذه قرينة تدل على أي شيء؟ على أن الرجل أراد الإضرار بالمالك، فحينئذٍ نُضَمِّنه، أيش نُضَمِّنه؟ نقص السعر.
ونقول: هي تساوي وقت الغصب مئتين، والآن ما تساوي إلا مئة، فنأخذ الشاة ونقول: أعطني مئة نقْص السعرِ. أعرفتم يا جماعة؟
أما إذا لم نعلم ذلك فإنه لا يلزمه إلا رد العين، والزيادة والنقص بالسعر هذا من حظ صاحبها، مثل: أن يغصبها وهي تساوي مئة ثم يرتفع السعر وهي تحت يده -تحت يد مَن؟ الغاصب- إلى مئتين، ثم ينزل السعر مرة ثانية إلى مئة فإنه لا يلزمه هنا ضمان نقص السعر؛ لأننا نعلم أنه لم يرد لأيش؟ الإضرار، فقد غصبها وهي تساوي مئة وردها وهي تساوي مئة، ولا أحد يعرف الغيب أنها سترتفع قيمتها فيما بين الغصب والرد، أقول: لو سلك إنسان هذا المسلك لكان له وجه.
(1/5191)
________________________________________
أما أن نلزمه برد العين وبقيمة تساوي قيمتها الآن ونحن نعلم أنه ما أراد الضرر فهذا شيء لا يطمئن إليه الإنسان؛ لأنه على رأي من يرى أنه يضمن السعر إذا غصبها وهي تساوي مئة، ثم ارتفع السعر إلى مئتين ثم ردها وهي تساوي مئة أيش يلزمه؟ يلزمه مئة ثانية مع الشاة، مع الشاة يلزمه مئة ثانية، وحينئذٍ نقول: إلزامنا هذا الرجل برد ما غصبه وبرد ما يبلغ قيمته الحاضرة: هذا النفس لا تطمئن إليه كثيرًا.
أما إذا ظهر أن الرجل الغاصب قصد الإضرار فهذا نعم، نلزمه بما قصد.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا بمرضٍ عاد ببُرْئِه) يعني: ولا يضمن النقص الحاصل بالمرض إذا برئ من المرض.
مثل: أن يغصب بعيرًا، بعيرة سليمة ما فيها شيء، ثم تمرض عند الغاصب فتنحط قيمتُها من خمس مئة إلى مئة، ثم تُشفى من المرض وتعود قيمتها إلى خمس مئة، فإن هذا لا يضمن النقص اللي حصل.
السبب: لأنه زال النقص ببُرئِه من المرض، أظنه واضح؟ فهذا الغاصب حصل عنده النقص، ثم زال النقص وهي عنده، فنقول: لا شيء عليك.
كما لو غصب عبدًا وعنده صنعة ثم نسي الصنعة، ثم عاد فذكر الصنعة فإنه لا يضمنه.
(وإن عاد بتعليم صنعة ضمِنَ النقصَ): إن عاد نقْصُه بتعليم صنعة فإنه يضمن النقص.
المعنى: لو مرض هذا العبد الذي غصبه، وهو سليم قيمته عشرة آلاف ريال، ثم مرض فصار يساوي خمسة آلاف ريال، لو رده الآن كم يضمن؟ خمسة آلاف نقْص المرضِ، لكن العبد تعلم عند الغاصب صنعة فصار يساوي عشرة آلاف ريال، فقد نقص بالمرض وزاد بالصنعة، فهل يضمن نقْصَ المرض الغاصبُ؟
يضمنه، لماذا؟ لأن جبْرَ النقص لم يكن بزوال الذي نقص، بل كان بوجود صفة جديدة وهي تعلم الصنعة، فجبْرُ النقصِ إذن لم يحصل بزوال الناقص، ولكن حصل بصفة أخرى جديدة، الصفة الأخرى الجديدة التي زاد بها الثمن تكون لمن: للغاصب ولَّا للمالك؟
طالب: للمالك.
(1/5192)
________________________________________
الشيخ: تكون للمالك، إذن فيقول المالك: زيادته بتعليم الصنعة لي، ونقْصُه بالمرض عليك. ولهذا قال: (وإن عاد بتعليمِ صنعةٍ ضمِنَ النقصَ) كلام المؤلف معقد جدًّا، يعني: ما تفهمون هذا المعنى من كلماته.
طالب: ( ... ).
الشيخ: ( ... ) لكن هذا المقصود يعني: إذا عاد النقص بتعليم صنعة فإنه يضمن النقص؛ لأن تعليم صنعة صفة جديدة، طيب لو عاد بغير تعليم صنعة، لو عاد بسِمَنٍ مع وجود أصل المرض فيه، يضمن النقص ولَّا لا؟
طلبة: يضمن.
الشيخ: يضمن النقص؛ لأن الزيادة ليست بزوال الناقص، بل بحدوث صفة جديدة.
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما هو؟
الطالب: أن الصنعة نفسها لما تعلمها نقصت قيمته.
الشيخ: لا.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، إن عاد النقص بتعليم الصنعة ضمن النقص.
(وإنْ تعلَّم أو سَمِنَ) التعلم: صفة معنوية، والسِّمَن: صفة حسية.
(وإن تعلم أو سمن فزادت قيمته، ثم نسي): في مسألة العلم.
(أو هُزِلَ): في مسألة السمن.
(فنقصَتْ ضمِنَ الزيادةَ): الزيادة حصلت عند الغاصب، والنقص حصل عند الغاصب.
غصب عبدًا أميًّا ما يعرف، فعلمه الكتابة والحساب وشيئًا من الفقه والتوحيد والتفسير والعربية، وصار يأخذ جيدًا جدًّا ولكن نسي وعاد إلى أميته، يضمن النقص ولَّا لا؟
طلبة: يضمن.
الشيخ: يضمن؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: كيف يضمن؟ ! إذا قال الغاصب: أنا أخذنه منك أميًّا، ورددته إليك أميًّا. يقول: ولكن تعلم عندك صنعة، والتعلم لي، ما زاد على ملكي، فلما نسي وجب عليك الضمان. إذا قال: نسي وأنا اللي مُعَلِّمه. نقول: نعم؛ لأن عملَك في المغصوب يكون ملكًا للمالك، أنت وإن كنت أنت اللي علمته لكن الزيادة للمالك، فتضمنه.
كذلك (سمن): كان العبد عند سيده هزيلًا، يعني ما يعطيه طعامًا جيدًا، فلما غصبه الغاصب قام عليه، قام يعطيه من المغذيات حتى سمن وصار اللي يراه يقول: ما هو بذلك. فأراد الله عز وجل فنقص، هُزِل إما لنقص الغذاء وإما لمرض، المهم: أنه هزيل، فهل يضمن للمالك؟
(1/5193)
________________________________________
طلبة: يضمن.
الشيخ: نعم يضمن؛ لأن الزيادة على ملك المالك وهي له.
قال: (ضمِنَ الزيادةَ كما لو عادتْ من غير جنسِ الأولِ) يعني: كما لو عادتِ الزيادةُ من غير جنس الأول فيضمنها.
غصب عبدًا فسمن، غصب عبدًا هزيلًا فسمن؛ زادت القيمة، ثم هُزِل؛ نقص، لكن علَّمَه صنعةً فزاد بهذه الصنعة مقدارَ ما نقص بالهزالِ، يضمن ولَّا لا؟ يضمن مثل الأولى اللي ذكرنا أنه إذا عاد بتعليم صنعة ضمِنَ النقصَ، فحينئذٍ نقول: عليك ضمان السمن الذي زال بهزاله. فإذا قال: أنا علمته صنعةً جبَرَتِ النقصَ. نقول: لكن الصنعة من غير الجنس.
ثم قال: (ومن جنسِها لا يضمن إلا أكثرَهما) يعني: لو نقص ثم زاد من جنس ما نقص به فإنه لا يضمن إلا الأكثر.
مثال ذلك: غصب عبدًا وهو صناع، ثم لما غصبه وهو صناع نسي الصنعة، لكن تعلم النجارة فصار نجارًا، الجنس واحد ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ويش هو الجنس؟ صناعة، لكن هذا حديد وهذا خشب، هل يضمن نسيانه لصنعة الحديد؟ ينظر نشوف: يضمن الأكثر، إن كان الأكثر صناعة الحديد ضمن الفرق بينهما، نقول: لو كان هذا نجارًا يساوي عشرة آلاف، لو كان صناعًا يساوي اثني عشر: يضمن ألفين.
أما لو كان صناعًا يساوي عشرة، ونجارًا يساوي اثني عشر فإنه لا يضمن شيئًا؛ لأنه عاد بصنعة أكثر قيمةً من الصنعة الأولى؛ ولهذا قال: (ومن جنسها لا يضمن إلا أكثرهما).
***
طالب: وإن خُلِط بما لا يتميز كزيت أو حنطة بمثلهما، أو صبَغَ الثوبَ، أو لتَّ سويقًا بدهنٍ، أو عكسه ولم تنقص القيمة ولم تزد: فهما شريكان بقدر ماليهما فيه، وإن نقصت القيمة ضمنها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق لنا أن الأصل في الغاصب أيش؟ الضمان، أي إنه ضامن كل ما يترتب على غصبه؛ وذلك لأنه ظالم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1) فالأصل في الغاصب الضمان.
(1/5194)
________________________________________
فإذا غصب شيئًا وخلطه بما يتميز وجب عليه تخليص المغصوب من المخلوط به، أنتم معي؟ إذا غصب شيئًا وخلطه بما يتميز وجب عليه تخليص المغصوب من أيش؟ من المخلوط به.
مثال ذلك: غصب حنطة فخلطها بشعير، غصب عشرة أصواع من الحنطة فخلطها بعشرة أصواع من الشعير، خلطها مزجها، فجاء صاحب الحنطة وقال: أعطني حنطتي. قال: والله يا أخي أنا خلطتها بالشعير؛ لأني كنت أبغي أجعلها للبيت. قال: أخلطت عشرة أصواع برًّا بعشرة أصواع شعيرًا لأجل البركة. ما هي البركة المعنوية اللي يفعلونها الصوفية، البركة يعني الكثرة، يكون هذا مخلوط شعير ببر يكون فيه بركة.
فقال صاحب البر: استخرج لي البر من الشعير. قال: عشرة أصواع أبغي أستخلصها لمدة شهر، أبلقط كل حبة من البُر أخليها وحدها؟ ! ماذا نقول له؟ نقول: نعم، ولْتَبْقَ شهرًا أو شهرين أو سنة أو سنتين؛ لأنك ظالم فلا بد أن تخلصه.
طيب غصب جزرًا –الجزر المعروف- وخلطه بطماطم وبصل يريد أن يجعله سلطة، سلطة بأشياء متعددة، فجاء صاحب الجزر قال: أعطني الجزر. قال: والله أنا قطعته وخلطته، شوف السلطة وخذها كلها لك. قال: لا، أنا لا أريد إلا أيش؟ الجزر، يلَّا لَقِّطْه لي. يُلزم بهذا؟
طلبة: إي نعم.
الشيخ: يلزم بهذا، ثم نقول أيضًا: ( ... ) أنت أخذت مني الجزر كاملًا، والآن هو مقطع، لو أبيع هذا المقطع ما يساوي إلا نصف القيمة ولَّا لا؟ لأني لو أبيع الجزر المقطع يقول الناس: إن هذه فضلة طعام جابه يبيعه علينا، لكن إذا كان على تمامه اشتراه بثمنه الذي يساويه، أو بقيمته التي تساويه، فقال: اضمن لي النقص. يضمن ولَّا لا؟ نعم يضمن؛ لأن الغاصب الأصل أنه ضامن بكل حال. واضح؟
إذا خلط بما يتميز فهذا الحكم.
إذا (خلط بما لا يتميزُ كزيتٍ أو حنطةٍ بمثلِهما) فهنا يلزمه مثلُه، يلزمُه مثلُ المختلط، المؤلف سلك مسلكًا خلاف المذهب، المذهب: يلزمه مثلُه.
(1/5195)
________________________________________
فمثلًا: إذا كان خلط عشرة أصواع بعشرة أصواع؛ عشرة أصواع برًّا بعشرة أصواع برًّا، خلط المغصوب بمثله ولَّا بغير مثله؟ بمثله، نقول: الآن التخليص غير ممكن، فهل يكون الغاصب والمغصوب منه شريكين في هذا المختلط؟
كلام المؤلف يقول: إنهما شريكان، فيكون هذا المختلط للغاصب نصفه، وللمغصوب منه نصفه.
إن باعاه فلهما أنصاف القيمة؟ إن تقاسماه فلكل واحد النصف؛ لأن المؤلف يقول: (فهما شريكان).
والمذهب: يلزمه مثل المغصوب من غير المشترك، فيقال: اشتر مثل الذي غصبْتَ وأعطني إياه.
طالب: إذا أُمر الغاصب ( ... ).
الشيخ: خلط برًّا ببر، فهمت؟
الطالب: نعم.
الشيخ: فهل يكون لشريكين في هذا أم يلزمُه مثلُه؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: طيب. والقول الثاني: أنه يلزمُه مثلُه. نقول: ما الفرق؟ الفرق أنه إذا قلنا: إنهما شريكان، لزم أن يدخل في ملك المالك ما كان ملكًا لمن؟ للغاصب، هذه واحدة.
ثانيًا: إذا كانا شريكين فإن الشركة قد تكون أحيانًا نكدة يتنازعان، نبغي نبيع، يقول: ما إحنا بايعين. فيقول: نبغي نقسم. يقول: ما إحنا بقاسمين.
لكن إذا قلنا: هات بدله، على طول الغاصب نقول له: يلَّا روح اشترِ من السوق بدل الذي غصبت منه.
ثالثًا: أنه يندر أن تنطبق أوصاف المخلوطات، يعني يندر أن يكون البر الذي غصبه الغاصب مثل البر الذي خلطه به، أليس كذلك؟ وحينئذٍ يدخل على المالك من ملك الغاصب ما هو دون ملكه، أليس كذلك؟ لكن إذا قلنا: يلزمك مثله، فسوف يشتري لي مثله نوعًا ووصفًا، فأسلمُ من هذا الاختلاف.
لهذا نقول: إن ما ذهب إليه الأصحاب أقرب إلى الصواب مما ذهب إليه المؤلف، ومع هذا فنحن سنتكلم على ما مشى عليه المؤلف؛ لأنه لم يشر إلى القول الثاني.
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم هما شريكان، لكن الخسارة والفائدة حتى في هذا الذي أخذ المثل ربما يربح ويخسر بعد.
(1/5196)
________________________________________
يقول: (وبما لا يتميز كزيت أو حنطة بمثلهما). الثاني قال: (أو صبغ الثوب): صبغ الثوب بأيش؟ أيهما مغصوب: الصبغ ولَّا الثوب؟
طلبة: الثوب.
الشيخ: أو الصبغ، يعني قد يغصب الصبغ فيصبغ به الثوب، وقد يغصب الثوب فيصبغه بالصبغ.
على كل حال غصب ثوبًا فصبغه، وهذا هو الأقرب لكلام المؤلف؛ ولهذا قال: (أو صبغ الثوب) أي: المغصوب.
فهذا رجل غصب ثوبًا وصبغه، يمكن أن يخلص الثوب من الصبغ ولَّا لا؟ لا يمكن.
فإذا قال قائل: يمكن يضع عليه الطامس، نقول: إذا وضع عليه الطامس أفسده أفسد من الصبغ، كذا؟
إذن نقول: الغاصب وصاحب الثوب شريكان؛ لأن الصبغ هنا لا يمكن أن يتميز عن المصبوغ.
لكن لو قُدر أنه يمكن أن يغسل هذا الثوب غسلًا يزيل هذا الصبغ، وطالب صاحب الثوب -وهو المالك- أن يغسل ويضمن النقص، قال: أنا ثوبي أريده؛ لأنه من نوع جيد ولا يوجد نظيره في الأسواق، وهنا غسال يغسل بالبخار وينظف الثوب تمامًا من هذا الصبغ، فأنا أريد أن يزيل الصبغ وأُضَمِّنه نقص الثوب.
فالجواب: أن ذلك له، لمن؟ للمالك.
كما لو غصب الأرض وبنى فيها أو غرس فإنه يُلزم بقلع البناء والغراس ويضمن النقص، هذا أيضًا مثله، وقال: إذا أمكن أن يُزال الصبغ ويضمن النقص فإنه يجب.
طالب: يصبغه مرة ثانية.
الشيخ: مَن؟
الطالب: يصبغها مرة أخرى بنفس اللون.
الشيخ: على كل حال إزالته سواء بإزالة اللون الجديد أو بصبغه بلون آخر.
الطالب: الأفضل؟
الشيخ: يُنظر هذا، قد يضره إذا تكررت الأصباغ عليه، ربما يكون هذه المواد الكيماوية في هذه الأصباغ تؤثر على أصل الثوب.
(أو لَتَّ سويقًا بدهن): سويقًا مغصوبًا ولَّا الدهن المغصوب؟
طلبة: السويق.
الشيخ: السويق، كلام المؤلف: (لتَّ سويقًا) (لت) الغاصبُ (سويقًا) غصبَه (بدهنٍ).
لتَّه به: يعني أنه وضع عليه الدهن.
السويق: هو الشعير المحمص، وربما يحمص البُر أيضًا، تحميص تعرفونه الحمص يحمص على النار، ثم يُطحن ويكون سويقًا.
(1/5197)
________________________________________
فهذا الرجل لَتَّ سويقًا بدهن، يعني: غصب سويقًا وصب عليه الدهن، هل يمكن تخليص السويق من الدهن ولَّا ما يمكن؟
طالب: لا يمكن.
الشيخ: طبعًا لا يمكن، إذن ماذا يعمل؟ نقول: يبقى الدهن، ويكونان شريكين كما قال المؤلف.
(أو عكسه) عكسه يعني: بأن غصب صبغًا فصبغ به الثوب، أو دهنًا فَلَتَّ به السويق.
قال: (ولم تنقص القيمةُ) يعني: قيمة المغصوب (ولم تزد: فهما شريكان بقدر ماليهما فيه) يعني: لما لَتَّ السويق بالدهن لم تزد القيمة ولم تنقص، كيف لم تزد ولم تنقص؟ هو لا بد أن تتغير لأن الشعير المحمص الذي لم يُلَتَّ أنقص قيمةً من الملتوت، وقد يكون العكس.
لكن مراد المؤلف قيمتهما مجموعة، يعني بحيث يقال: الشعير يساوي عشرة، والدهن يساوي خمسة، والقيمة الآن ملتوتًا: خمسة عشر، إذن لم تنقص القيمة ولم تزد، صح ولًَّا لا؟ ما نقصت ولم تزد، فهنا نقول: هما شريكان بقدر ماليهما، يكون لصاحب الشعير عشرة، ولصاحب الدهن خمسة.
يقول: (وإن نقصت القيمة ضمنها) قيمة أيش؟ قيمة المغصوب فإنه يضمنها، الشعير يساوي عشرة غير ملتوت، وإذا لَتَّ يساوي ثمانية، الدهن يساوي خمسة، وإذا لت به الشعير يساوي خمسة، كم المجموع الآن؟
ثلاثة عشر: ثمانية للشعير، وخمسة للدهن، الدهن ما زادت قيمته ولا نقصت، الشعير نقصت ولَّا لا؟ كم يساوي لو انفرد عن الدهن؟ عشرة، إذن نقص، يضمن الغاصب النقص، فنقول: الآن سلِّم المغصوب منه كم؟ ريالين زيادة على الثمانية التي أخذها لما بيع هذا الشعير الملتوت.
إذا زادت بحيث تكون قيمة الشعير اثني عشر درهمًا بعد لتِّه وعشرة قبل أن يُلَتَّ، وقيمة الدهن خمسة ملتوتًا به السويق وغير ملتوت، وبيع الجميع بسبعة عشر، فالزيادة لمن؟ الزيادة لصاحب السويق، لصاحب الشعير؛ لأنه هو الذي زادت قيمة ماله.
(1/5198)
________________________________________
بالعكس: لو كان الشعير يساوي عشرة ملتوتًا وعشرة مفرودًا، وبيع ملتوتًا بسبعة عشر، والدهن يساوي خمسة مفرودًا، فالزيادة لمن؟ الزيادة لصاحب الدهن؛ لأنه هو الذي زادت قيمة ماله بهذا الخلط.
لكن إذا قال المغصوب منه، إذا قال المالك: دهنك لم يزد إلا حيث كان في شعيري، فأنا وأنت شريكان في هذه الزيادة؛ لأن الزيادة الآن مركبة من كون الدهن في الشعير يعني: 1 + 1 = 2.
إذن: فهذه الزيادة بيني وبينك، أنت لو بعت دهنك لكان يساوي خمسة، الآن صار سبعة، فإذن الزيادة بيني وبينك. أقول: لو قال المالك هذا القول لوجبت إجابته خلافًا لكلام المؤلف، ولو لم يقل بهذا لكان كلُّ إنسان الدهنُ عنده كاسدٌ يذهب ويأخذ شعيرًا ويلته به يزيد قيمته ويقول: هذه زيادة ملك لي، ما لك منها شيء!
فالصحيح في هذه المسألة: أنه لو طلب المالك أن تكون الزيادة بينه وبين الغاصب لوجبت إجابته؛ لأن الزيادة في الواقع حصلت بضم الدهن إلى الشعير، ولو انفرد الدهن ما ساوى هذه الزيادة، واضح؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، قوَّمُوه قالوا: هذا الشعير وحده يساوي عشرة، وهذا الدهن وحده يساوي خمسة، هذا الشعير يساوي عشرة سواء كان ملتوتًا أو مفرودًا، يعني: لم تزد قيمته باللَّتِّ، الدهن هو الذي زادت قيمته باللَّتِّ؛ لأنه صار هذا يساوي سبعة عشر، واضح ولَّا غير واضح؟
يقول المؤلف رحمه الله: (وإن نقصتِ القيمةُ ضمِنَها، وإن زادتْ قيمةُ أحدِهما فلصاحبِه).
(وإن زادت قيمة أحدهما) يعني: الشعير أو الدهن (فلصاحبه)، لكن إذا قال قائل: كيف نعرف الزيادة؟
أقول: إن معرفتها بسيطة، قَدِّرْ قيمة الشيء ملتوتًا ومفرودًا، فإذا لم تتغير فهو لم يزد ولم ينقص، وإن تغيرت فعلى حسب الحال، المهم: أن النقص يكون على مَن؟ على الغاصب. وزيادة المغصوب لمن؟ للمالك. وزيادة ما أضافه الغاصب؟ للغاصب على رأي المؤلف.
(1/5199)
________________________________________
ولكن إحنا قلنا: إنه لو طلب المالك أن تكون الزيادة بينهما فله ذلك؛ لأن الواقع أن هذه الزيادة إنما كانت فيما لو ضُمَّ ملكُ الغاصبِ إلى ملك المالك.
قال: (ولا يُجْبَر مَن أَبَى قَلْعَ الصبغِ) يعني: لو قال المالك -الذي غُصِب منه ثوبُه ثم صُبِغ- قال للغاصب: أَزِلِ الصبغَ. فهل يُجبَر؟ يقول المؤلف: (ولا يُجبَر)؛ لأن قلع الصبغ مشكل، ما يمكن قلع الصبغ غير ممكن؛ فلهذا يقول: إنه لا يُجبَر.
ولكن إذا عُلم أنه قد تجدت الوسائل لإمكان إزالة الصبغ، فهل يُلزم ولَّا ما يُلزم؟ يُلزَم إذا وُجِدَتْ، يعني في زمان المؤلف ما يوجد هذا الشيء، لكن ربما في زماننا يوجد هذا الشيء، فإذا وُجِدَتْ وسائل يمكن أن يُزال بها الصبغ، وطلب أحدهما أن يُزال الصبغ فإنه يجبر الغاصب على إزالته.
(ولو قُلِعَ غَرْسُ المشتري أو بناؤُه لاستحقاق الأرض: رجعَ على بائعها بالغرامةِ)
(ولو قُلِعَ غرْسُ المشتري): رجل اشترى أرضًا من شخص فقلع غرْسه وغرَسَ فيه، ثم قام رجل فادَّعى أن الأرض له وثبت ذلك شرعًا؛ أن الأرض لهذا المدعي وليست للبائع.
يقول: (ولو قُلِعَ غَرْسُ المشتري أو بناؤُه لاستحقاق الأرض): نأخذ المثل بالغرس.
اشترى رجل أرضًا وغرس فيها، ثم قام رجل آخر يدَّعِي أن الأرض له وثبت ذلك عند القاضي، صارت الآن الأرض مستحقة لمن؟ لغير البائع؛ ولهذا قال المؤلف: (لاستحقاق الأرض) أي: لبيان أو لخروج الأرض مستحقها لغير البائع.
هذا الذي ثبتت الأرض له طلب من المشتري أن يقلع غرسه، قال: اقلعْ غرسك عن أرضي؛ لأني أنا أريد أن أنتفع بالأرض بغير الغراس، هل لمن ثبتت له الأرض أن يطالب المشتريَ بقلعِ الغرس؟
الجواب: نعم، له أن يطالبه؛ لأن الأرض أرضُه، والغراس ربما يؤثر على هذه الأرض، فله أن يطالب بقلعه.
(1/5200)
________________________________________
(أو بناؤه): يعني بأن اشترى أرضًا من شخص وبنى فيها، وقام رجل فادَّعى أن الأرض له وثبت أن الأرض له، وطلب من المشتري أن يهدم البناء: فله ذلك، إذا هدم البناء وقلع الغرس -يقول المؤلف-: (رجع على بائعها بالغرامة): على بائع الأرض.
يرجع الذي قلع غرسَه أو الذي هدم بناءه على البائع بالغرامة، ويش معنى (بالغرامة)؟ أي: بغُرمِ ما تلف عليه، فهو يقول الآن: أنا تعبت على غرس الشجر، تعبت في شراء الشجر، وتعبت في غرسِه، فأرجع عليك بقيمة الشجر الذي تلف عليَّ، وبأجرة الغارس. فهل يوافق على قوله؟ نعم، يوافق على قوله، ويرجع على البائع بالغرامة.
كذلك البناء: هذا الرجل بنى فِيلَّا على هذه الأرض وأخذت من ماله مئة ألف مثلًا، يرجع على البائع بالغرامة؟ نعم يرجع؛ لأنه هو الذي غرَّه، لكن يُستثنَى من ذلك ما إذا كان المشتري عالِمًا بالحال، يعني: عالمًا بأن الأرض ليست للبائع، فحينئذٍ لا يرجع على البائع بشيء؛ لأنه ( ... ).
فإذا قال قائل: كيف يعلم؟ نقول: يعلم، علم أن هذه الأرض ليست للبائع ويدري أنه غصبها، لكن قال: لعل المسألة تفوت ولا يعلم بها، واشتراها وبنى عليها، فنقول: أنت الآن عالِمٌ، فلا حقَّ لك.
ثم قال المؤلف أيضًا: (وإن أطعمه لعالم بغصبه فالضمان عليه، وعكسه بعكسه) (إن أطعمه) الفاعل مَن؟ الغاصبُ، يعني: أطعم المغصوبَ (لعالم بغصبه).
(فالضمان عليه) أي على الطاعم -لا على الْمُطْعِم- وهو الآكِل.
(وعكسه بعكسه): إذا أطعمه لغير عالم بغصبه فالضمان على الغاصب لا على الآكل، والأمر أظنه واضح. التعليل واضح؟
أما الأولى -وهو كون الضمان على الآكل-: فلأنه أكل مال غيره وهو يعلم أنه مالٌ لغيره بغير حق.
وأما الثانية: فلأنه أكل هذا المال استنادًا إلى أن الذي يتصرف في المال هو المالك أصلًا، هذا هو الأصل؛ أنه لا يتصرف في المال إلا مالِكُه.
(1/5201)
________________________________________
مثال الأول: رجل استضاف شخصًا ونزل عنده ضيفًا، فخرج صاحب البيت وسرق طعامًا وقدَّمه إلى الضيف، فأكله وهو يعلم أنه مسروق، فالضمان على مَن؟ على الآكل. والقطع؟ القطع على السارق: ضمان المال على الآكل، والقطع على السارق.
مثال الثاني: رجل استضاف شخصًا وقدَّم له طعامًا وأكله، وبعد أن أكل علم أن هذا الطعام مسروق، فليس عليه ضمان لأنه معذور، والأصل أن من قدم الطعام فهو مالك له.
هل يلزم الإنسانَ إذا قدم إليه شخص طعامًا أن يقول له: هل أنت ملكته بطريق شرعي؟ أبدًا لا يلزم ولا يجوز أيضًا؛ لأن في هذا اتهامًا لعباد الله عز وجل، ثم إن السارق الذي سرق الشيء أو غصبه وقدمه إليك لا يمكن أن يخبرك، حتى لو الواقع أنه سارقه أو غاصبه لا يمكن أن يخبرك، فالسؤال إذن عبث وعدوان على الناس واتهام لهم.
قال: (وإن أطعمه لمالكه، أو رهنه، أو أودعه، أو آجره إياه: لم يبرأ إلا أن يعلم).
(أطعمه لمالكه): فهل يبرأ منه؟ لا، كيف أطعمه لمالكه؟ نزل المالك ضيفًا على شخص، فخرج صاحب البيت إلى دكان النازل ضيفًا الذي فيه خدمه، وسرق منه وجاء به ليقدمه إلى الضيف فأكل، فهل يبرأ السارق؟
طالب: لا.
الشيخ: ليش؟ لأن صاحبه لم يعلم، وصاحبه أكله بناءً على أنه ملك للسارق الذي هو صاحب البيت فلا يبرأ، ويلزمه الضمان لهذا الذي أكله، وهذه ربما يلغز بها، فيقال: رجل أكل طعامًا وصار له الحق في أن يُضَمِّن مَن أطعمه إياه قيمة هذا الطعام؟ !
نقول الجواب على هذا: أن هذا رجل غصب مالًا وأطعمه لمالكه دون أن يعلم.
وعُلِم من قوله: (إلا أن يعلم): أنه لو عَلم فلا ضمان على الغاصب؛ لأنه عَلم أن هذا ملْكُه وأتلفه هو بنفسه بأكله.
كذلك لو (رهنه): إنسانٌ غصب بعيرًا واستدان من شخص ورهنه البعيرَ والبعيرُ مغصوبُه من هذا الدائن، فتلفت البعير، فهل يبرأ الغاصبُ من هذه البعير؟ لا، إلا إذا كان يعلم.
كذلك إذا (أودعه): إياه فتلف عنده؟ فإنه لا يبرأ إلا أن يعلم.
(1/5202)
________________________________________
رجل غصب شيئًا من شخص أو سرقه منه ثم أودعه إياه ثم تلف عند المودَع سواء تلف بتعدٍّ أو تفريطٍ أو بلا تَعَدٍّ ولا تفريط: فإن الضمان يكون على الغاصب أو السارق، لكن إذا كان قد تلف بتعدٍّ أو تفريطٍ في مسألة الوديعة ومسألة الرهن أيضًا: فإن عليه الضمان، لكن الضمان يكون على مَن؟
إذا كان عليه الضمان وهو ملكه فإنه لا يستحق على الغاصب شيئًا ولا يستحق الغاصب عليه شيئًا.
كذلك (آجره) إياها: غصب من شخص بعيرًا وآجَرَهُ إياها فهل يبرأ؟ لا يبرأ (إلا أن يعلم) كما قال المؤلف رحمه الله.
فهنا ذكر المؤلف ما إذا تصرف الغاصب بالمغصوب مع غير المالك، وما إذا تصرف الغاصب بالمغصوب مع المالك.
إذا تصرف الغاصب في المغصوب مع غير المالك: فالضمان على مَن؟ الضمان على الغاصب إلا أن يعلم الثاني فالضمان عليه.
إذا تصرف مع مالكه: فالضمان على الغاصب إلا أن يعلم المالك.
ثم قال: (ويبرأ بإعارته) مين اللي يبرأ؟
الطلبة: الغاصب.
الشيخ: يبرأ الغاصب (بإعارته) أي: إعارة المغصوب لمالكه.
طالب: بإعادته؟
الشيخ: لا، بإعارته بالراء، (يبرأ بإعارته) يعني: أنه لو غصب من شخص حاجة ولنقل: إنه غصب منه قلمًا أو كتابًا، ثم جاء المالك يطلب الإعارة فأعاره إياه، يقول المؤلف: إنه يبرأ، يعني: لو تلف عند المالك فلا ضمان على الغاصب، لماذا؟ بناءً على أن العارية مضمونة على المستعير بكل حال، سواء تعدَّى أو فرَّط أم لم يتعدَّ ولم يفرط؛ لأنه سبق لنا في العارية أن المستعير يضمن مطلقًا أو لا؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما يضمن؟ ! ما مر علينا؟ طيب.
يعني: إنك لو أعرت شخصًا كتابًا وتلف أو نقص فالضمان على المستعير وإن لم يفرط ولم يتعدَّ، ولكن سبق لنا أن العارية كغيرها من الأمانات، إن تعدى المستعير أو فرط فهي مضمونة، وإن لم يتعدَّ ولم يفرط فليست بمضمونة؛ لأن المستعير أخذ المال من مالكه باختياره ليس بغاصب، فكيف نُضَمِّنه بكل حال؟
(1/5203)
________________________________________
على كل حال المذهب يرون رحمهم الله: أن المستعير ضامن بكل حال، وعلى هذا فإذا غصب الإنسان شيئًا وأعاره لمالكه فلا ضمان على الغاصب.
ومثاله كما أذكره الآن: رجل غصب كتابًا ثم أعاره لمالكه فتلف عنده فلا ضمان على الغاصب؛ وذلك لأن المستعير ضامن بكل حال.
فإذا قلنا بالقول الراجح: أنه لا يضمن المستعيرُ -المالكُ- إلا إن تعدى أو فرَّط، فإننا نقول: لا يبرأ الغاصب بإعارته، ولكن لو تلف بتعدٍّ أو تفريط برئ والله أعلم ( ... ).
وهي أن جميع الأيدي المترتبة على يد الغاصب ضامنة كلها ضامنة، لكن إن كان المنتقل إليه المغصوب عالمًا فقرار الضمان عليه، وإن كان جاهلًا فقرار الضمان على الغاصب، وإلا فكلها أيدي ضمان، هكذا قرر أهل العلم.
يقولون: إن مالك الشيء له أن يُضَمِّن الغاصب ومن انتقل إليه الغصب، لكن إن كان المنتقل إليه الغصب عالمًا فقرار الضمان عليه، وإن كان جاهلًا فقرار الضمان على الغاصب، وهذه قاعدة مفيدة، يعني كل صورة تأتيكم نزِّلُوها على القاعدة هذه، عرفتم؟
هل يستثنى من هذه القاعدة شيء؟ يستثنى منها باعتبار القرار –قرار الضمان- إذا كان الذي انتقلت إليه العين من الغاصب ضامنًا على كل حال فقرار الضمان عليه، حتى لو ضمن الغاصب، وإن كان غير ضامن فقرار الضمان على الغاصب.
القاعدة المرة الثانية: نقول: جميع الأيدي المترتبة على يد الغاصب، أيش يعني المترتبة على يد الغاصب؟ يعني التي انتقل إليها المغصوب من الغاصب، كلها أيدي ضمان.
لكن هل يستقر الضمان على هذه اليد أو على الغاصب؟ نقول: إن كانت اليد عالمة فقرار الضمان عليها، وإن كانت جاهلة فقرار الضمان على الغاصب، إلا ما دخلت على أنه مضمون عليها بكل حال فيكون قرار الضمان عليها.
أضرب مثلًا مسألة الطعام اللي ذكرنا: الغاصب أطعمه لشخص؛ للضيف، هل قرار الضمان على الضيف أو على الغاصب؟
(1/5204)
________________________________________
الجواب: إن كان الضيف عالمًا أيش؟ فقرار الضمان عليه، يعني حتى لو أن صاحب الطعام أتى إلى الضيف ووجد أن الضيف لا يمكن أن نُضَمِّنه، يعني أتى ووجد الضيف من كبراء البلد لا يمكن أن نُضَمِّنه، صح ولَّا لا؟
يجي يقول مثلًا ( ... ) وزير من الوزراء أو ملك من الملوك استضاف شخصًا، وقدم له خبزًا، وأكل الخبز، فجاء المغصوب منه المالك يبغي يُضَمِّن الملك، هل من الممكن أن يقول: أعطني قيمة الخبز اللي أكلت؟ ! أعتقد: لا. عادةً لا يمكن، إذن نرجع على مَن؟
الطلبة: على الغاصب.
الشيخ: على الغاصب، يرجع على الغاصب، حتى وإن كان الضيف عالمًا؛ لأن له الخيار بين أن يُضَمِّن هذا أو هذا، والكلام على القرار.
أقول: إن صاحب الطعام قال: أنا لا أريد أن أُضَمِّن هذا الضيف؛ لأن هذا الضيف فقير، أو لأن هذا الضيف عالي المرتبة، لا يمكن أن أقول له: أنت ضامن، أبغي أريد أن أُضَمِّن الغاصب. له ذلك ولَّا لا؟
الطلبة: له.
الشيخ: له ذلك، هل الغاصب يرجع على الآكل؛ على الضيف؟
فيه تفصيل: إحنا قلنا: إذا كان عالمًا فقرار الضمان عليه، وإلا فعلى الغاصب، الآن نقول للغاصب: إن كان صاحبك الذي أعطيته الطعام عالمًا بأنه مغصوب فارجع عليه، وإن كان غير عالم فلا ضمان عليه؛ لأن الضيف يأكل الطعام، لا لأنه مضمون عليه، يأكله على أنه متبرع به له.
مثال آخر: غصب إنسان إناء وأعاره لشخص فتلف الإناء، وجاء صاحب الإناء، فمن يُضَمِّن؟
طالب: يُضَمِّنه الغاصب.
الشيخ: له أن يُضَمِّن من شاء، ( ... ) يعني مسألة التضمين يُضَمِّن المالكُ مَن شاء: الغاصب، ومن انتقلت إليه العين، له أن يُضَمِّن مَن شاء، الكلام على أيش؟ على قرار الضمان على مَن؟ حسب الحال.
هذه المسألة تعرفون أن المذهب في العارية أنها مضمونة على المستعير في كل حال: فرَّط أم لم يفرط، اعتدى أم لم يعتدِ، مضمونة عليه بكل حال.
إذن: المستعير أخذها على أنها مضمونة عليه ولَّا على أنه بريء منها؟
(1/5205)
________________________________________
الطلبة: مضمونة عليه.
الشيخ: أخذها على أنها مضمونة عليه، ففي هذه الحال إذا ضمن الغاصب يرجع الغاصب على المستعير، لماذا؟ لأن المستعير دخل على أنها مضمونة عليه، فيكون قرار الضمان عليه لا على الغاصب.
مثال آخر: غصب إنسان إناء، فجاء آخر فغصبه منه، يعني غصب شخص من غاصب، كم عندنا من غاصب؟ غاصبان، فجاء المالك للغاصب الأول قال: أين إنائي؟ قال: والله غصبه فلان وتلف. من نُضَمِّن؟
طلبة: نُضَمِّن أيهما شاء.
الشيخ: نُضَمِّن أيهما شاء صح، مَن قرار الضمان عليه؟
طلبة: الأول.
الشيخ: يا إخوان.
طلبة: على الثاني.
الشيخ: على الثاني، الثاني غاصب وتلف المالُ تحت يده فهو الضامن؛ لأنك لو قلت: قرار الضمان على الأول، كان لو ضمن الثاني رجع الثاني على الأول، وهذا لا يصح، كيف يكون غاصبًا ونقول: لك القيمة، خذها من الأول؟ ! هذا ما يستقيم.
إذن: في هذه الصورة قرار الضمان على مَن؟
الطلبة: على الثاني.
الشيخ: زين، المالك ضمَّن الأولَ، نقول: يرجع الأول على الثاني.
طيب المالك ضمَّن الثانيَ: لا يرجع على أحد بشيء، واضح الآن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: زين.
مثال ثالث: غصب إنسان إناء ثم أعطاه شخصًا آخر وديعة، تعرفون الوديعة؟ يعني: احفظه لي حتى أرجع -مثلًا- من سفري أو ما أشبه ذلك.
الغاصب أعطاه الثاني وديعة، ثم تلف عند الثاني بدون تعدٍّ ولا تفريط، ثم جاء المالك يطالب، فمن يطالب؟
طلبة: يطالب الغاصب.
الشيخ: لا، يطالب أيهما شاء، أما مطالبته للغاصب فظاهرة، وأما مطالبته المستودَع -الذي أُودِعَتْ عنده العين-: فلأن العين تلفت تحت يده، فله أن يطالب هذا، وله أن يطالب هذا.
إذا طالب الوديعَ وأعطاه القيمة مثلًا أو إناءً مثل إنائه، هل يرجع على المودِع؟
طلبة: على الغاصب.
الشيخ: على الغاصب صح، هل يرجع على الغاصب –المودِِع هو الغاصب-؟
(1/5206)
________________________________________
قلت لكم في أول المثال: الوديع ليس مفرطًا ولا متعديًا، فهنا يرجع على الغاصب، لماذا؟ لأن الوديع أخذ العين على أنها غير مضمونة، فهو ليس بضامن إلا بتعدٍّ أو تفريط، وهو لم يتعدَّ ولم يفرط، إذن يرجع على الغاصب ولَّا لا؟
طالب: يرجع.
الشيخ: يرجع على الغاصب؛ لأن الوديع أخذ منه العين على أنها غير مضمونة عليه.
لو أن المالك ضمَّنَ الغاصب لا يرجع على أحد، كذا؟ لأن الوديع لا ضمان عليه.
لو فرضنا في هذا المثال أن الوديع تعدَّى أو فرط وجاء المالك، فمن يُضَمِّن؟ نقول: يُضَمِّن أيهما شاء.
فمن القرار عليه؟ على الوديع؛ لأنه ضامن متعدٍّ أو مفرط.
المالك رأى أن الغاصب رجل شرير لا يمكن تضمينُه، أو أنه فقير لا يمكن طلبُه فضمَّنَ المودَع، هل يرجع المودَع على الغاصب؟ لا؛ لأنه ضامن على كل حال، إن لم يضمَنْ للمالك ضمِنَ للغاصب.
ولو أن المالك ضمَّن الغاصب في هذه الصورة؟ يرجع أيش؟ يرجع على المودَع، وهو الوديع؛ لأنه فعيل بمعنى مفعول، أفهمتم الآن؟
القاعدة: جميع الأيدي المترتبة على يد الغاصب، كلها أيدي ضمان، جميع الأيدي أيدي ضمان.
يعني: للمالك أن يُضَمِّن أيَّها شاء، ولكن قرار الضمان على مَن؟ على الغاصب، إلا ما دخل الثاني على أنها مضمونة عليه فقرار الضمان عليه، واضح؟
نأخذ مثالين ( ... ) الباقي.
المثال الأول: إذا غصب شخص من غاصب، فالغاصب الثاني أخذ العين على أنها مضمونة عليه؛ لأنه متعدٍّ، ففي هذه الحال: إذا ضمَّن المالكُ الغاصبَ الأولَ رجع على الغاصب الثاني.
وإن ضمَّن الثانيَ: لم يرجع على أحد بشيء، واضح؟
طالب: ( ... ) أيهما يضمن ( ... ).
الشيخ: وقرار الضمان عليه ولّا لا؟
الطالب: عليه.
الشيخ: عليه، ( ... ) عن المثال.
غاصب غصب من غاصب، يعني: رجل غصب ساعة إنسان أخذها من إنسان قهرًا، فجاء آخر وأخذها من الغاصب قهرًا.
فهنا غاصبٌ غصب من غاصبٍ ولّا لا؟ مَن قرار الضمان عليه؟ على الثاني ( ... ) القرار عليه لما تلفت تحت يده.
(1/5207)
________________________________________
جاء مالكُ الساعةِ إلى الغاصب الأول وقال: والله ساعتك جاء واحد أقوى مني أنا وأخذها مني غصبها.
فالمالك الآن مُخَيَّر بين أن يُضَمِّن الغاصب الأول أو الثاني، واضح؟
طيب إذا ضمن الغاصب الأول يرجع على الثاني؟ رجع على ( ... ).
طالب: الغاصب؟
الشيخ: الغاصب يرجع على الثاني، ضمن الغاصب الأول قال للمالك: أنا بضمنك ساعتي كم تسوى؟ ألف ريال. فأخذ من الغاصب الأول ألف ريال، الغاصب الأول يرجع على الغاصب الثاني؛ لأن قرار الضمان عليه، فيأخذ من الغاصب الثاني ألف ريال. واضح أظن؟
المثال الذي يقول ليس فيه قرار على الثاني: غصب إنسان ساعة ثم جعلها وديعة عند شخص، ثم سُرقت الساعة من بيت المودَع مع تَحفُّظه ووضعِها في الحرز، هل المودَع عليه ضمان؟ لا؛ لأنه ما تعدَّى ولا فرَّط.
فجاء صاحب الساعة؛ جاء إلى الغاصب الذي غَصَب منه قال: أعطني ساعتي. قال: ساعتك أعطيتها فلانًا وديعة. ذهب إلى فلان قال: أين الساعة؟ قال: والله أُخِذت من البيت سُرقت. فقال: أنا لا أعرف إلا أنت. يقول لمن؟ للمودَع. أنا لا أعرف إلا الرجل الذي سُرقت الساعةُ من بيته. قال: والله عاد ما ( ... ) أنا محسنٌ وحافظٌ للساعة ومُقدِّم الواجب، وهذا شيء بغير اختياري. فقال: لا أعرف إلا أنت. قال: اتفضل كم القيمة؟ ألف ريال، فأعطاه ألف ريال.
هل يرجع المودَع على الغاصب؟ يرجع، لماذا رجع؟ لأنه أخذ الساعة على أنها غير مضمونة عليه، على أنه محسن، وما على المحسنين من سبيل، وحينئذٍ يرجع على الغاصب.
لو صاحب الساعة لم يُخطِر المودَع، قال للغاصب: أعطني قيمة الساعة. قال: تَلِفَتْ عند فلان. قال: ما أعلم بفلان، أنا ما أريد إلا أنت. أخذ من الغاصب قيمتها ألف ريال. هل يرجع الغاصب على المودَع؟
الطلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟
الطلبة: لأنه غير ضامن.
(1/5208)
________________________________________
الشيخ: لأنه غير ضامن؛ لأن الغاصب لو فرض أن الساعة له، وأعطاها المودَع وتلفت عند المودَع بلا تعدٍّ ولا تفريط، فإنه لا يرجع على المودَع؛ لأن المودَع محسن، وما على المحسنين من سبيل.
المحسن لا سبيل عليه إلا إذا أساء، إذا أساء بتعدٍّ أو تفريط، رجع عليه. عرفتم الآن القاعدة، خذوا هذين المثالين وقيسوا عليهما ما سواهما.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله: أن الأيدي المترتبة على يد الغاصب عشر. وذكروا صُوَرَها، ولكن لا يهمنا.
المهم: هي القاعدة وأن يأخذ الإنسان مثالًا أو مثالين تتضح بهما القاعدة، والإنسان إذا أخذ القاعدة وطبق عليها مثالًا أو مثالين أي صورة تأتي من بعد يقيسها بهذين المثالين ويصح.
***
طالب: وما تلِفَ أو تغيَّب من مغصوب مثلِيٍّ غرِم مثلَه إذن، وإلا فقيمتُه يوم تعذَّر، ويضمن غير المثلي بقيمته يوم تلفِه، وإن تخمَّر عصيرٌ فالمثلُ. فإن انقلب خلًّا دفَعَه ومعه نقْصُ قيمتِه عصيرًا.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سبق لنا حكم الأيدي المترتبة على يد الغاصب، ما حكمه؟
طالب: أنها كلها ضامنه.
الشيخ: كلها أيدي ضمان ..
وإن أَطْعَمَه لِمَالِكِه أو رَهَنَه أو أَوْدَعَه أو آجَرَه إيَّاه لم يَبْرَأْ إلا أن يَعْلَمَ، ويَبرأُ بإعارتِه، وما تَلِفَ أو تَغَيَّبَ من مغصوبٍ مِثْلَيْ غُرْمِ مِثلِه إِذْنٌ، وإلا فقيمتُه يومَ تَعَذُّرِهِ، ويَضْمَنُ غيرَ المِثْلِيِّ بقيمتِهِ يومَ تَلَفِهِ، وإن تَخَمَّرَ عصيرٌ فالمِثْلُ، فإن انْقَلَبَ خَلًّا دَفَعَه ومعَه نَقْصُ قِيمتِه عَصِيرًا.
(فصلٌ)
(1/5209)
________________________________________
وتَصَرُّفَاتُ الغاصِبِ الحُكْمِيَّةُ باطلةٌ، والقولُ في قِيمةِ التالِفِ أو قَدْرِه أو صِفَتِه قولُه، وفي رَدِّه وعَدَمِ عَيْبِه قولُ رَبِّه، وإن جَهِلَ ربَّه تَصَدَّقَ به عنه مَضمونًا، ومَن أَتْلَفَ مُحْتَرَمًا أو فَتَحَ قَفَصًا أو بابًا أو حَلَّ وِكاءً أو رِباطًا أو قَيْدًا , فذَهَبَ ما فيه أو أَتْلَفَ شيئًا ونحوَه ضَمِنَه، وإنْ رَبَطَ دابَّةً بطريقٍ ضَيِّقٍ فعَثَرَ به إنسانٌ ضَمِنَ، كالكلبِ العَقورِ لِمَن دَخَلَ بيتَه بإِذْنِه أو عَقَرَه خارجَ مَنْزِلِه،
(وإن أطعمه لمالكه أو رَهَنَه أو أودعه أو آجَرَه إياه لم يبرأ إلا أن يعلم، ويبرأ بإعارته).
مَن اللي يبرأ؟
طلبة: الغاصب.
الشيخ: الغاصب، (بإعارته) أي: إعارة المالك، فلو غصب ساعة وجاء المالك إلى هذا الغاصب وقال: أَعِرْنِي الساعة، فأعاره الساعة على أنها عاريَّة، ثم تلفت، هل يبرأ الغاصب أو لا؟
طلبة: يبرأ.
الشيخ: يبرأ، لماذا؟ لأن المذهب أن العاريَّة مضمونة على المستعير لكل حال، فنقول: أنت الآن مستعير، والعاريَّة إذا تلفت عندك فأنت ضامن، ولا فائدة من أن نقول: اضمن ونرد عليك القروش، ما لك هذا. إذن نقول: يبرأ الغاصب بالإعارة، فإن قلنا: إن المستعير لا يضمن إلا إذا تعدى وفرَّط، فإنه لا يبرأ الغاصب إلا إذا تعدَّى أو فرَّط، فإن لم يتعدَّ أو يفرِّط فإنه يرجع على الغاصب.
فإذا قال قائل: هل هذه الصورة ممكنة؟ يعني هل يمكن أن المالك يأتي إلى الغاصب ليستعير منه العين المغصوبة؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لا يعلم من ( ... ).
طلبة: ( ... ).
الشيخ: إي نعم، يمكن بتغير الصفة، أو يأخذ منه مثلًا حيوانًا كشاة ويذبحه، ويمكن يعيره لحمًا.
طالب: أو يكبر.
الشيخ: ممكن يغير الجلد.
طلبة: يمكن.
الشيخ: يمكن، لكن اللحم أظنه ما يُسْتَعَار؛ لأن اللحم لا يُنْتَفَع به إلا بإتلافه، إلا بأكله، إذن نقول: هذه عدة صور؛ أولًا: إذا أطعمه لمالكه فهو يبرأ، ولّا لا؟
(1/5210)
________________________________________
طلبة: إن علم المالك برئ.
الشيخ: نعم، إن علم المالك برئ الغاصب، وإن لم يعلم لم يبرأ.
إذا رهنه لمالكه؛ إن علم المالك أن هذا ملكه، نصف ملكه وقد ( ... ) وبرئ الغاصب، وإن لم يعلم لم يبرأ، وكذلك لو أودعه إياه أو آجَرَهُ إياه؛ لأن المالك إذا لم يعلم فإنه يتصرف مع الغاصب على أنه مالك لا غاصب.
قال المؤلف: (وما تلف أو تغيَّب من مغصوب مِثْلِيٍّ غَرِمَ مثله إذن، وإلا فقيمته).
قوله: (وما تلف أو تغيَّب) (ما) هذه شرطية أو موصولة؟
طالب: يحتمل.
الشيخ: يحتمل، لكن ظاهر الجواب قوله: (غرم) أنها شرطية، يعني: أي مغصوب يتلف وهو مِثْلِيّ غرم الغاصب مثله، ولو زادت قيمته أضعافًا مضاعفة، ولو نقصت قيمته إلى أدنى شيء، المهم أن الْمِثْلِيّ يضمن بمثله.
ما هو الْمِثْلِيّ؟ استمع إلى تعريف المثلي في المذهب: كل مَكِيل أو موزون يصح السَّلَم فيه وليس فيه صناعة مباحة.
كل مكيل أو موزون، هذا الجنس ويش بعد؟
طلبة: يصح السَّلَم فيه.
الشيخ: يصح السَّلَم فيه ليس فيه صناعة مباحة، فخرج بقولنا: كل مكيل أو موزون، كُلُّ ما ليس بمكيل ولا موزون، مثل الحيوان والثياب والأعلاف والفواكه وما أشبهها؛ لأننا نقول: كل مكيل أو موزون يصح السَّلَم فيه، خرج بذلك ما لا يصح السَّلَم فيه وهو الذي لا يمكن انضباط صفاته، فالذي لا يمكن انضباط صفاته ولو كان مكيلًا أو موزونًا لا يعتبرونه مِثْلِيًّا.
وقوله: لا صناعة فيه، خرج به ما كان مصنوعًا، فالمصنوع ليس بِمِثْلِيّ، وإن كان له مثله في السوق، مثل الفناجيل مِثْلِيَّة ولّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، على المذهب ليست بمثلية، حتى لو كانت الشركة واحدة والمنتج واحدًا، بل لو كان من كرتون واحد نقول: هذا ليس بِمِثْلِيّ؛ لأن فيه صناعة مباحة، احترازًا مما فيه صناعة محرَّمة فهذا لا يخرج عن المثلية، مثاله: الْبُرّ التمر الشعير الذهب الفضة الحديد السكر، وما أشبه ذلك، اللحم مِثْلِيّ ولّا غير مثلي؟
طلبة: مثلي.
(1/5211)
________________________________________
الشيخ: نعم، مثلي؛ لأن اللحم يصح السَّلَم فيه إذا عُيِّن موضع القطع ثم الذبيحة، وما أشبه ذلك، اللؤلؤ والجواهر وما أشبهها لا يصح، لماذا؟ لأنه لا يصح فيها السَّلَم، الفناجيل الأباريق الكؤوس الأقلام يقولون: ليست بمثلية، الآن مثلًا هذا القلم اللي معي معكم كثير من جنسه ولّا لا؟ لو أضعه هنا وتضع قلمك هنا وأنصرف، ثم تغير المكان، تحطها لي في المكان هذا وأرجع، ويش آخذ؟
طالب: القلم.
الشيخ: آخذ القلم اللي في المكان اللي راح قلمي فيه؛ لأنهما سواء متماثلان، ما هما متشابهان، أيهما أشد تماثلًا؛ تماثل هذه الأقلام أو تماثل صاع بُرّ بصاع بُرّ، أيهما أشد؟
طلبة: الأقلام.
الشيخ: الأقلام بلا شك أشد، ولهذا التعريف للمثلي بهذا المذكور ضعيف جدًّا، والصواب أن المثلي ما كان له مماثل أو مقارب من أي شيء كان، هذا المثلي، حتى الحيوان مثلي، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ البعير بالبعيرين والثلاثة إلى إبل الصدقة (1)، ما يأخذها بالقيمة، يأخذها بالمماثلة، لكن نظرًا للتأخير يزيد المثل على المثل الأول في العدد.
إذنالصحيح في المثلي ما كان له مثيل أو مقارب فهو مثلي، ويدل على هذا:
أولًا: الاشتقاق، هذا مثل هذا، أي: نظيره على أي وجه كان.
ثانيًا: أن إحدى أمهات المؤمنين أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت عائشة طعامًا بإناء، فلما جاء به الرسول إلى بيت عائشة، وكانت عائشة رضى الله عنها شديدة الغيرة على رسول صلى الله عليه وسلم لعِظَم محبتها له، لما جاء الرسول ضربت بيده حتى سقط الإناء وانكسر وانتثر الطعام، فماذا صنع الرسول عليه الصلاة والسلام؟ أخذ إناء عائشة وردَّه مع الرسول وقال: «إِنَاءٌ بِإِنَاءٍ، وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ» (2)، والإناء فيه صناعة ولَّا ما فيه صناعة؟
طلبة: فيه صناعة.
(1/5212)
________________________________________
الشيخ: فيه صناعة، وهذا دليل على أن المثلي ليس كما خصه الفقهاء رحمهم الله بهذه القيود التي ليس عليها دليل، لكن الحكم صحيح، وهو قوله: إن المثلي يضمن بمثله، سواء زادت القيمة أم نقصت، فإذا أتلف شخص لي شيئًا غصبه وأتلفه وكان يساوي حين ذاك مئة درهم، وعند المطالبة لا يساوي إلا عشرة دراهم، هل لي أكثر من ذلك؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، ليس لي أكثر من ذلك، وعلى هذا فالمثلي يضمن بمثله؛ نقصت القيمة أم زادت، لو كان هذا الشيء الذي غصبه مني حين تلفه يساوي عشرة، وعند المطالبة يساوي مئة، هل أكون ظالِمًا له إذا ألزمته بإعطاء المثل مع الزيادة؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا؛ لأن لي المثل، سواء زادت أم نقصت، لكن بعض أهل العلم رحمهم الله يقولوا: إن النقص بالسعر كنقص الصفة، فكما أنك لو أخذت بعيرًا ونقص عندك تضمن نقصه، فإذا نقص سعره ضمنت نقصه، وهذا القول متجه جدًّا، لا سيما إذا كان الغاصب غصب هذا الشيء في موسمه ثم رده مع الكساد، فلا يمكن أن نقول: إنك لا ترد النقص.
يعني هذا الإنسان مثلًا غصب من شخص فراشًا في موسم تزيد فيه الفُرُش، غصبه منه وهو يساوي مثلًا ألف درهم، ثم عند المطالبة لا يساوي هذا الفراش إلا مئة درهم، هل نقول: إنه إذا ضمن هذا الفراش لا يعطى شيئًا؟ لا نقول بهذا، هذا في الواقع ظلم، نقول: الآن غصبت مني الفراش وذهبت بِعْتَه في ذلك اليوم بألف، والآن تأتي إليَّ وتقول: هذا فراشك لا يساوي إلا مئة؟ والله أعلم. ( ... ).
ثم قال المؤلف رحمه الله عندي بالشرح: و (ينبغي أن يستثنى منه الماء في المفازة، فإنه يضمن بقيمته في مكانه، ذكره في المبدع) يُسْتَثْنَى من هذا -على كلام المؤلف- الماء في المفازة، يعني: في المهلكة، (فإنه يضمن بقيمته في مكانه)؛ لأن الماء في المفازة يساوي قيمة كثيرة، فرجل مثلًا غصب قربة ماء في أرض مفازة من شخص، فلما وصلَا إلى البلد قال: أعطيك قربة ماء، ما تقولون في هذا؟
(1/5213)
________________________________________
نقول: أما على القاعدة فإنه ماء بماء، وهو مثله ويكفي، ولكن هذا مستثنى، قالوا: بل يعطى قيمته في مكانه، القربة في المفازة تساوي مثلًا ألف ريال، في البلد ولا ريال، إي نعم، فكيف أنه أخذها منه في ذلك المكان وربما يكون باعها وانتفع بها، ثم يأتي ويقول: أعطيك مثلها في البلد، فهذا مستثنى حتى على المذهب.
قال: (وإلا فقيمته يوم تعذَّر) يعني: وإلا يمكن الضمان بالمثل فإنه يضمن بقيمته يوم تعذُّره.
مثال ذلك: غصب نوعًا من الحب، ولتكن ذرة، غصب صاعًا من الذرة، وانقطعت الذرة، ما صارت تُزْرَع، فهل نُلْزِم الغاصب بصاع من هذه الذرة التي انقطعت؟ الجواب: لا؛ لأنه لا يستطيع، لكن نقول له: قيمتها وقت التعذر، قيمتها يوم الغصب الصاع بعشرة، قيمتها يوم التعذر الصاع بعشرين، كم يضمن؟
طلبة: عشرين.
الشيخ: قيمتها وقت الطلب الصاع بمئة.
طلبة: عشرين.
الشيخ: عشرين، لاحظوا عندنا ثلاثة أوقات؛ وقت الغصب، ووقت التعذر، ووقت الطلب، هذا الرجل حين غصب الذرة يساوي الصاع عشرة، وحين تعذَّرت وانقطعت يساوي عشرين، وحين الطلب لما طلبه الغاصب به يساوي مئة، فقال الغاصب: أنا أريد أن يعطيني مئة؛ لأن الأصل أن الصاع باقٍ في ذمته تقديرًا، وأنا لا أقبل إلا مئة. نقول: نعم، لو كانت هذه الذرة موجودة الآن وارتفع سعرها إلى مئة فلك الحق أن تقول: أعطني صاعًا أو أعطني مئة؛ لأنه إذا أعطاك صاعًا فكما لو أعطاك مئة، أما وقد انقطعت فإنه بمجرد انقطاعها وتعذر تسليمها سقط المثل ووجبت؟
طلبة: القيمة.
الشيخ: القيمة، فنعتبر القيمة وقت أيش؟
طلبة: وقت التعذر.
(1/5214)
________________________________________
الشيخ: وقت التعذر لا وقت الطلب، قيمتها وقت التعذر تساوي عشرين، فإذا قال الغاصب: أنا أخذت هذا الصاع منه وهو يساوي عشرة، ولا أعطيه إلا عشرة؛ لأني أخذت الصاع، وفي الحال طحنته وأكلته، ماذا نقول؟ نقول: لا؛ لأنك لما أخذته وطحنته وأكلته كان الواجب صاعًا، الواجب قيمته صاع إلا إن تعذَّر وانقطع، فيلزمك قيمة الصاع وقت؟
طالب: التعذر.
الشيخ: التعذر، وهذا القول الذي مشى عليه المؤلف هو القول الوسط، وهو الصحيح؛ أن له قيمة المثلي المتعذِّر وقت؟
طلبة: التعذر.
الشيخ: وقت التعذر، قال: (وإلا فقيمته يوم تعذر).
(ويضمن غير المثلي بقيمته يوم تلفه).
طالب: يوم تعذر رده.
الشيخ: (ويضمن غير المثلي بقيمته يوم تلفه).
الطالب: اللي قبله.
الشيخ: اللي قبله، وإلا يمكن رد المثل يعني؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: فقيمته يوم تعذر، بس.
طالب: رده.
الشيخ: يوم تعذر أيش؟
الطالب: رده.
الشيخ: يوم تعذر الرد؟ لا، عندنا يوم التعذر؟ ما هي موجودة ولا بالشرح، عندك بالشرح؟
طالب: ( ... ) وإلا فقيمته يوم تعذر.
الشيخ: لكن ما فيها رد، الإخوان يقولون: إن فيها (يومَ تَعَذُّرِ رَدٍّ).
طالب: ( ... ).
الشيخ: يوم تعذر.
الطالب: يوم تعذر رده.
الشيخ: لا، ما هي موجودة، غلط، ما هي موجودة لا بالشرح ولا بالمتن، اشطبوا عليها.
طالب: فيه ضمير يا شيخ.
الشيخ: رد، اشطبوا عليها.
طالب: وإلا فقيمته يوم تعذُّرِه.
الشيخ: هذه أهون، الضمير ما عندنا ضمير، لكن يوم تعذر ردا ما هو بصحيح، المهم الآن فهمنا أن الواجب في ضمان المثل ما هو؟
طلبة: المثل.
الشيخ: ضمان المثل ولو زادت قيمته لو كان حين الغصب يساوي مئة وصار حين الضمان يساوي ألفا فعليه أيش؟
طلبة: المثل.
الشيخ: عليه المثل عليه إعطاء المثل على كل حال وإن كان يساوي في الغصب ألفا وحين الرد مئة فليس عليه إلا المثل ولكن هل يضمن نقص السعر أو لا يضمن المذهب؟
طلبة: لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن، والصحيح أنه يضمن.
(1/5215)
________________________________________
أما غير المثلي فقال بقيمته يوم تلفه، يضمن غير المثلي بقيمته يوم تلفه، ويش مثال غير المثلي؟ على المذهب غير المثلي أكثر من المثلي بكثير؛ لأن المثلي عندهم ضيق جدًّا، فالثياب مثلًا كلها عندهم غير مثلية، فإذا غصب ثوبًا وتلف الثوب فعليه قيمته وقت التلف؛ لأنه حين وجوده وهو باقٍ على ملك صاحبه، فإذا تلف زال ملك صاحبه، فلتثبت القيمة لصاحبه حين أيش؟ حين التلف.
مثال هذا: رجل غصب ثوبًا فلبسه، هذا الثوب يساوي خمسين ريالًا، تلف الثوب، احترق، وكان حين احتراقه يساوي مئة ريال، ثم طالب المالك بثوبه، وكان حين الطلب يساوي مئتي ريال، فما الواجب؟
طالب: مئة.
الشيخ: الواجب مئة ريال، مع أن الثوب له نظير في السوق الآن، نظيره في السوق يساوي مئتين، فلماذا لا يعطيه مئتين؟ نقول: لأنه لما تلف المغصوب بعينه ثبتت قيمته من حين؟
طالب: تلفه.
الشيخ: من حين تلفه، وليس الواجبُ مثلَه حتى نقول: اذهب الآن إلى السوق واشترِ لنا مثله، وإلا فأعطنا قيمة المثل الآن؛ لأن الواجب في المتقوَّم القيمة، وهذا المتقوَّم ما زال على ملك صاحبه إلى؟
طالب: أن تلف.
الشيخ: إلى أن تلف، لما تلف وجبت قيمته، فيجب قيمته وقت التلف، فيُعْطَى مئة ريال وإن كان الآن يساوي مئتين، وهكذا كل المتقوَّمات على الغاصب قيمتها وقت أيش؟
طلبة: التلف.
الشيخ: وقت التلف، لا وقت الغصب ولا وقت المطالبة، فتبيَّن الآن أن الفرق بين المثلي والمتقوَّم أنه لو كان هذا التالف له مثل إلى وقت المطالبة فإن كان من المثليات فإنه يُلْزَم بإحضار مثله بقيمته ولو زاد، وإن كان من غير المثليات فالواجب إحضار قيمته، متى؟ الآن، وقت الطلب؟ لا، وقت التلف.
في المثلي إذا تعذَّر المثل فعليه قيمته وقت التعذُّر؛ لأنه لما تعذَّر صار متقوَّمًا، وجبت قيمته، فتؤخذ قيمته وقت التعذر.
(1/5216)
________________________________________
قال المؤلف رحمه الله: (وإن تَخَمَّر عصير)، في الشرح فائدة مهمة جدًّا، قال: ولو أخذ حوائج من بقال ونحوه في أيام ثم حاسبه، فإنه يعطيه بسعر يوم أَخْذِه. وهذه مفيدة جدًّا، يكون إنسان له بقال، البقال هذا الذي يبيع الحوائج البيتية ويعامله، كلما أخذ منه شيئًا قيَّده، فعند المحاسبة هل يحاسبه بسعره وقت المحاسبة؟
طالب: لا.
الشيخ: الجواب: لا، يحاسبه بسعره وقت الأخذ، وقت الشراء، ولهذا يجب على البقال؟
طالب: أن يقيِّد.
الشيخ: أن يقيِّد، يقول: في يوم كذا أخذت كذا وكذا، قيمته كذا وكذا، أما إنه يأخذه ثم عند المحاسبة يقدِّر قيمته بوقت المحاسبة فهذا لا يجوز؛ لأنه دخل في ملك المشتري متى؟ يوم الشراء، وخرج من ملك البائع يوم الشراء، فإن زادت القيمة أو نقصت بين يوم الشراء ويوم المحاسبة فهي على من؟
طلبة: البائع.
الشيخ: لا، على المشتري؛ لأنه دخل ملكه، هذه الحوائج التي آخُذُهَا أنا من البقال، في اليوم اللي أشتريها فيه تدخل ملكي، وتخرج من ملك البائع، زيادتها بعد ذلك أو نقصها؟
طالب: على المشتري.
الشيخ: على المشتري؛ لأنها خرجت من ملك البائع، فلو اعتبرنا قيمتها وقت المحاسبة فمعناه أننا نظلم البائع إن كانت القيمة نقصت، أو المشتري إن كانت القيمة زادت، وحينئذ أيضًا فيه محذور آخر وهو أنه يبقى ثمنها مجهولًا؛ لأنني حين العقد أخذتها على ثمن لا ندري ماذا يكون عند وقت المحاسبة، فيكون الثمن مجهولًا، ومعلوم أن من شروط صحة البيع العلم بالثمن.
فصار في اعتبار قيمتها وقت المحاسبة صار فيه محذوران؛ المحذور الأول الظلم إما للبائع وإما للمشتري، والمحذور الثاني الجهل بالثمن؛ لأننا لا ندري ماذا يستقر عليه السعر وقت المحاسبة، أعرفتم؟
(1/5217)
________________________________________
ثم فيه أيضًا محذور ثالث، وهو التعويد على التحيل؛ لأن المشتري إذا علم أن المعتبَر في الثمن وقت المحاسبة يتحيل، إذا رخصت الأشياء جاء يحاسب قال: يلَّا حاسِبْنِي، وذاك إذا غلت الأشياء بحث عنه ليحاسبه، فيكون في هذا فتح باب للتحيل والمنازعات والخصومات، فالواجب الآن أن نقول لهذا الشخص: قَيِّد ما أشتريه منك كل يوم بثمنه.
لو اتفق شخص مع آخر قال: أنا أريد أن أجعل معك راتبًا كل يوم أريد منك رطل لحم قيمته خمسة ريالات، نقول: رطل، بدل الرطل كيلو؛ لأن ما تعرفون الرطل، كيلو لحم قيمته خمسة ريالات كل يوم، واتفقوا على هذا، وكتبوا بينهما عقدًا، هل يصح هذا العقد ولّا لا؟
طلبة: ما يصح.
الشيخ: ليش؟
طالب: ( ... ).
طالب آخر: يصح.
الشيخ: أنا اشتريته الآن.
طالب: الرضا.
الشيخ: رضينا.
طالب: يصح.
الشيخ: إن قلتم: يصح، خطأ، وإن قلتم: لا يصح، خطأ.
طالب: بسعر يومه.
الشيخ: لا، ما هو بسعر يومه، اتفقوا على هذا، الصورة هذه؛ اشترى منه كل يوم كيلو لحم بخمسة ريالات، اتفقوا على هذا لمدة سنة؛ لأن هذا الرجل عنده مقاولة أنه يعمِّم طعامًا مثلًا لمستشفى ولّا لغيره.
طالب: ( ... ) إذا كان.
الشيخ: ( ... ) الصحة أو عدمها غير صحيح، التفصيل هو أنه إن سلَّم الثمن نقدًا قبل التفرق فصحيح، وإلا فليس بصحيح؛ لأن العلماء يجعلون هذا من باب السَّلَم، والسَّلَم لا بد فيه من قبض الثمن في مجلس العقد، إذن أيهما أريح؛ أن يتفق معه على أنه محتاج كل يوم كليو لحم بسعر أخذه، مثل ما قال المؤلف هنا: يشتري منه كل يوم كيلو لحم أو كيلوين، المهم بسعر أَخْذِه، أو أنه يقدِّر الثمن وينقده في وقت العقد؟
طالب: على حسب الحالة.
الشيخ: الظاهر أنه حسب الحالة؛ إن كان المشتري غنيًّا فالثاني أيسر له؛ لأنه يسلم من احتمال الزيادة في المستقبل، وإن كان المشتري ليس بغني فلا ( ... ) طريقة إلا ما قال المؤلف أنه يتفق معه على أنه كل يوم يقدر بثمنه وقت العقد.
***
(1/5218)
________________________________________
( ... ) والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ما هو الواجب في المثلي إذا تلف؟
طالب: المثلي إذا تلف ( ... ).
(وإن تخمر عصيرٌ فالمثل) تخمر عصير يعني: رجل غصب عصير عنب، وبقي عنده خمسة أيام، عشرة أيام، فتحول إلى خمر؛ لأن العصير إذا لم يُصَبّ عليه الخل قبل تخمُّره يكون خمرًا إذا مضى عليه عدة أيام حسب الحر، حسب الجو، كلما كان الجو حرًّا كان إلى التخمر أسرع وأقرب، هذا رجل غصب عصير عنب من شخص، فتخمر، الآن ذهبت ماليته، عينه موجودة، لكن ماليته شرعًا مفقودة، كذا ولّا لا؟
لأن الخمر يجب شرعًا إراقته وإتلافه، ماذا يجب على الغاصب الذي غصب العصير ثم تخمر؟ يجب عليه رد مثله، فإذا قال: هذا عصير، هذا عين العصير، كيف تضمنه لمثله وعينه موجودة؟ أنا أعطيك إياه وأضمن النقص إذا كان نقصًا، أو أعطيك القيمة؛ لأنه الآن لا يمكن تملكه.
فالجواب: لأن تحوله إلى خمر بمنزلة تلفه؛ لأن المتعذَّر شرعًا كالمتعذَّر حسًّا، فلما تعذَّر الانتفاع به شرعًا صار كالمتعذر حسًّا، أي كأنه تلف، وإذا تلف فالواجب رد مثله، فيجب على هذا أن يعطيه عصير عنب على مثل العصير الذي تخمَّر، إذا كان ملء كأس يعطيه ملء كأس، إذا كان ملء ( ... ).
طالب: زق.
الشيخ: ( ... ) فيعطيه ملء ( ... )، على كل حال هي أعجمية معرَّبة.
(وإن تخمر عصير فالمثل، فإن انقلب خَلًّا دفعه ومعه نقص قيمته عصيرًا)، هذا العصير الذي تخمَّر انقلب بنفسه إلى خَلّ، فإنه يرده؛ لأن ماليته الآن عادت وصار مالًا شرعيًّا يُنْتَفَع به، ولكن ستنقص قيمته عن كونه عصيرًا؛ لأنه سيتغير طعمه، ولا شك أن الشيء الذي هو باكورة خير من الشيء الذي تخمَّر ثم عاد، فالعائد أنقص من الأصل بلا شك، فيُعْطَى هذا الخَلّ ويضمن النقص، فيقال: كم قيمة هذا الكأس إذا كان عصيرًا؟ قالوا: قيمته درهم، كم قيمته إذا عاد خَلًّا بعد التخمر؟ قيمته درهم، فيعطيه كأسًا ويعطيه درهمًا.
(1/5219)
________________________________________
فإن قال مالك العصير: أنا لا أريده الآن، أنا أريد عصيرًا أصلًا، وأنت إذا أعطيتني درهمًا وهذا الكأس سوف أريق هذا الكأس، لا أريده؛ فأنا أطلب منك إما المثل أو قيمة المثل، فظاهر كلام المؤلف أنه لا يملك ذلك؛ لأن الغاصب يقول للمالك: هذا عين مالك، لم يكن مني إلا أنه نقص، فأنا أضمن النقص، كما لو غصبت بعيرًا وهزل فأنا أعطيك البعير وأضمن لك النقص، وكما لو غصبت ثوبًا فاتسخ أو انخرق، فأنا أعطيك الثوب وأضمن لك النقص، ليس عليّ أكثر من ذلك.
وقول المؤلف: (فإن انقلب خَلًّا دفعه) قال: (انقلب خَلًّا) ولم يقل: فإن قلب، وهل هناك فرق؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم هناك فرق؛ لأن الخمر إن تخلل بنفسه فهو حلال؛ لأن هذا بفعل الله وليس بفعلنا، وإن تخلل بفعلك فهو حرام؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن الخمر تُتَّخَذُ خلًّا، قال: «لَا» (3)، ولأن الشارع أمر بإراقة الخمر، ولو كان يحل بالتخليل لأَمَرَ بتخليله؛ لأن تخليله إبقاء له، وإراقته إتلاف له، ولو كان يمكن أن تعود ماليته شرعًا لأرشد إليه الشارع، فلما لم يرشد إليه عُلِمَ أن التخليل حرام.
لكن لو خَلَّلَه من يعتقد حل التخليل من مسلم أو كافر فهل يَحِلّ؟
الصحيح أنه يحل؛ أنه لو خُلِّلَ مِن قِبَل مَن يرى حِلّ تخليله فالصحيح أنه حلال؛ لأن هذا انقلب خَلًّا على وجه مباح ولّا حرام؟
طلبة: مباح.
الشيخ: على وجه مباح، فصار مباحًا، وعلى هذا فالخل الوارد من بلاد الكفار الذين يعتقدون حل التخليل يكون حلالًا للمسلمين وإن كان مخلَّلًا بفعل آدمي؛ لأنه مُخَلَّل بفعل آدمي يعتقد تحليله.
طالب: ( ... ).
الشيخ: أقول لك هكذا، سواء قال: إن كان لم يَمُرّ، فلا إشكال فيه، لكن إن كان قد مَرَّ فهذا حكمه.
ثم قال: (فصلٌ: وتصرفات الغاصب الْحُكْمِية باطلة)
قوله: (تصرفات الغاصب) يعني: في المغصوب.
(1/5220)
________________________________________
(الْحُكْمية) التي يلحقها حُكْم من صحة أو فساد؛ لا من حِلّ أو حُرْمَة؛ لأن تصرفات الغاصب من حيث الحل والحرمة كلها سواء، ما حكمها؟ حكمها أنها حرام، تصرفات الغاصب في المغصوب كلها حرام، تصرفات الغاصب من حيث الصحة والبطلان إن كانت حُكْمِيّة -بمعنى أنها توصف بالصحة والفساد- فتصرفاته باطلة لا تنفذ، مثلًا الأكل هل هو حكمي ولَّا غير حكمي، هل يقال: أكل صحيح وأكل فاسد؟
طلبة: ما يقال.
الشيخ: ما يقال؟ لكن يقال: أكل حلال وأكل حرام، إذن لو أكل الإنسان الغاصب وأكل المغصوب، هل نقول: إن هذا الأكل غير صحيح؟ لا يوصف لا بصحة ولا فساد، لكن لو باع المغصوب فالبيع تصرف حكمي، يقال: إنه صحيح، ويقال: إنه فاسد، يكون البيع فاسدًا.
طيب، أَجَّرَ؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: هذا تصرف حُكمي ولّا غير حُكمي؟
الطالب: حُكمي.
الشيخ: حكمي، تكون الإجارة؟
الطالب: فاسدة.
الشيخ: زَوَّجَ الأمة التي غصبها؟ تصرُّف حكمي لا يصح، وَقَّفَ المغصوب؟ تصرف حكمي لا يصح.
إذن كل تصرف يصح أن يوصَف بالصحة والفساد فإنه إذا وقع من الغاصب يعتبر فاسدًا، والأخ يعطينا مثالًا آخر.
طالب: ما أعرف.
الشيخ: ما تعرف.
طالب آخر: مثلًا ..
الشيخ: الهبة، لو وَهَبَهُ لم يصح.
طالب: والإعارة.
الشيخ: والإعارة، المهم كل تصرف يوصَف بالصحة والفساد فإنه إذا وقع من الغاصب لا يصح، ولهذا قال المؤلف: (تصرفات الغاصب الْحُكْمِيَّة)، لو حج بمال مغصوب؟
طالب: كذلك.
الشيخ: كذلك؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يصح، يكون صحيحًا ويكون فاسدًا، لو صلى في مكان مغصوب؟
طالب: صلاته فاسدة.
الشيخ: فصلاته فاسدة؛ لأن الصلاة يصح أن توصف بأنها صحيحة وأنها فاسدة، المهم كل تصرف في المغصوب يصح أن يوصف بالصحة والفساد فإنه يقع فاسدًا، ولهذا عندما يقول: أو التي لها حكم من الصحة والفساد، كالحج والطهارة ونحوهما، والبيع والإجارة والنكاح ونحوها باطلة، هذا المذهب.
(1/5221)
________________________________________
وعلى هذا فلو دار المغصوب بين عدة أناس فالتصرف كله باطل، ولكن القول الصحيح في هذه المسألة أن تصرفات الغاصب إن كانت لا تتعلق بآخر فهي باطلة، مثل الحج والطهارة والصلاة -على القول بأن التصرف في المغصوب بهذه الوجوه يعتبر باطلًا- والمسألة خلافية وسبقت.
وأما إذا كان يتعلق بشخص آخر فإن كان عالِمًا بالغصب فالتصرف باطل، وإن كان غير عالم فالتصرف صحيح، ولا يمكن استرداده من الثاني، لا سيما مع طول المدة، ولكن يضمن الغاصب على الوجه الذي يقتضيه الضمان؛ إما مثلي وإما متقوَّم، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ولا يمكن العمل إلا بذلك؛ لأنه أحيانًا يغصب الإنسان الأرض ويبيعها، ثم يُعْمَر عليها ويتملكها الثاني والثالث والرابع، فلو قلنا بعدم الصحة لترتب على هذا مفاسد كثيرة، وأحيانًا يربح المشتري من الغاصب، وتكون أرباح طائلة، فكيف نضيِّع هذه الأرباح، مع أن الإنسان اللي تلقاها من الغاصب يمكن أنه عمل أعمالًا كثيرة فيها، والغاصب قد لا يمكن الرجوع إليه، وإن كان القرار على الغاصب إذا لم يَعْلَم الثاني.
فالمسألة في الحقيقة يترتب عليها مضار كثيرة، لهذا قال بعض العلماء: إنه إذا تصرف تصرفًا يتعلق بالغير الذي لا يعلم فالتصرف ماضٍ، ولكن على الغاصب الضمان، وهذا القول لا شك أنه أرجح من القول بالبطلان على كل حال.
ولو قال قائل بالتفصيل بأنه إذا سَهُل إبطالها أبطلناها وضَمَّنَّا الغاصب جميع ما يترتب على عمله بالنسبة للمنتقلة إليه، مثل لو كان الذي اشترى من الغاصب عمل فيها أعمالًا وخسر فيها فيُضَمَّن الغاصب ويرجع الملك إلى صاحبه، يعني لو قلنا بهذا بأن يُفَرَّق بين ما إذا شق إبطال التصرف وإذا لم يشق لكان هذا أيضًا قولًا لا بأس به، والله أعلم.
( ... ) والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ما تقول في رجل غصب عصير عنب فصار خمرًا؟
طالب: عليه مثله.
الشيخ: عليه مثله عصيرًا ولّا خمرًا؟
(1/5222)
________________________________________
الطالب: مثل العصير.
الشيخ: مثل العصير، أحسنت، هذا الخمر ( ... ).
كل تصرفات الغاصب على المذهب باطلة يجب ردها، وهذا القول الذي ذهبوا إليه يعارض ظاهر ما نص عليه الإمام أحمد رحمه الله في أن الغاصب إذا اتَّجَرَ بمال مغصوب فالربح للمالك، مثل غصب سيارة وباعها، واشترى سلعة وربح، وصار يبيع ويشتري وربح، قيمة السيارة كانت أربعين ألفًا، وربح إلى أن بلغ أربع مئة ألف، فقد نص الإمام أحمد على أن الربح للمالك، وليس للغاصب شيء، الحقيقة أن هذا النص من الإمام أحمد يدل على أن التصرف صحيح ولّا باطل؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: صحيح؛ لأنه لو كان باطلًا لبطل ما انبنى عليه، وهو الربح، لكنه قال: إن الربح للمالك، ولهذا اختلف الأصحاب رحمهم الله في تخريج هذا النص، ولكننا إذا قلنا بالقول الصحيح لم يكن في هذا النص إشكال، وهو صحة تصرف الغاصب مالم ينقضه؟
طلبة: المالك.
الشيخ: المالك، فإذا قلنا بهذا انتهى الإشكال، ولهذا بعض الأصحاب قال: إن هذا من الإمام أحمد يدل على صحة تصرف الغاصب، وقال بعضهم: إنه محمول على ما إذا كثرت التصرفات، وصار رد التصرف شاقًّا، فتُدْرَأ هذه المشقة، ويبقى التصرف صحيحًا والربح للمالك.
وقال بعضهم: إن هذا فيما إذا أجازه المالك، فيكون مبنيًّا على صحة تصرف الفضولي، المهم أنهم اختلفوا، ولكننا إذا مشينا على القول الراجح؛ وهو صحة التصرف ما لم ينقضه المالك، لم يبقَ في هذا إشكال.
قال المؤلف رحمه الله: (والقول في قيمة التالف أو قدره أو صفته قوله، وفي رده وعدم عيبه قول رَبِّه).
هذه عدة اختلافات:
الأول: اختلاف المالك والغاصب في قيمة التالف المغصوب، الآن تالف؛ غصب سيارة واحترقت، فاختلف المالك والغاصب في قدر قيمتها، فقال المالك: القيمة عشرون ألفًا، وقال الغاصب: القيمة أربعون ألفًا، صح المثال؟
طلبة: ما يمكن.
الشيخ: ما يمكن؟
طالب: الأولى العكس.
(1/5223)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، إذن قال المالك: القيمة أربعون ألفًا، وقال الغاصب: القيمة عشرون ألفًا، فمَن القول قوله؟
يقول: القول قول الغاصب؛ لماذا؟ لنا في ذلك دليل وتعليل؛ أما الدليل فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (4)، فهنا عشرون ألفًا متفق عليها، ولَّا لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: الغاصب يقول: إنها عشرون ألفًا، والمالك يقول: أربعون ألفًا، إذن عشرون ألفًا متفق عليها ما فيها إشكال، يبقى العشرون الثانية يدَّعِيها المالك، نقول: أنت مُدَّعِي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي»، هاتِ بينة تشهد بأن السيارة تساوي أربعين ألفًا، وإلا فليس لك إلا ما أَقَرَّ به المدَّعَى عليه، وهو الغاصب، واضح؟ هذا الدليل.
التعليل أن الغاصب غارم، والغارم قوله مقبول؛ لأن ما زاد على قوله الأصل براءته منه، الأصل براءة الذمة، فلا يمكن أن نخالف هذا الأصل إلا ببينة، ما أدري القاعدة واضحة ولَّا لا؟ الغاصب غارم ولَّا غير غارم؟
طلبة: غارم.
الشيخ: غارم؛ لأننا بنغرمه القيمة، الغارم قوله مقبول فيما يُطْلَبُ غُرْمُه؛ لأن الأصل براءته مما زاد على ما يُقِرُّ به، فمثل هذا الغاصب سنُغَرِّمُه قيمة السيارة، إذن فهو غارم ولّا غير غارم؟
طالب: غارم.
الشيخ: غارم، هو الآن مقر بعشرين ألفًا، نُغَرِّمه إياها، العشرون الأخرى الأصل براءة ذمته منها حتى يقوم دليل على أن ذمته مشغولة بها، وهذه قاعدة عند العلماء؛ أن كل غارم فقوله مقبول فيما غَرِم، أعرفتم يا جماعة؟ على أي أساس قلت هذه القاعدة؟
طالب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم ..
الشيخ: نعم، على الحديث: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (4)، وعلى أن الأصل براءة الذمة، فما أقر به فقد أقر بأن ذمته مشغولة به، وما أنكره فالأصل؟
طلبة: البراءة.
(1/5224)
________________________________________