الكتاب: شرح زاد المستقنع
المؤلف: أحمد بن محمد بن حسن بن إبراهيم الخليل
عدد الأجزاء: 6
[الكتاب مرقم آليا]
إذاً النهي لا يختص بالصلاة لأن سببه التشبه والتشبه لا يجوز لا في الصلاة ولا في خارج الصلاة
وفهم من كلام المؤلف - رحمه الله - أن الإنسان لو شد وسطه بما لا يشبه الزنار فلا بأس وهذا هو الصحيح
وقد كان لأسماء رضي الله عنها نطاقان تشد بهما وسطها
وثبت عن عدد من الصحابة شد الوسط بما لا يشبه الزنار
•
ثم قال - رحمه الله - بدأً بالمحرم
وتحرم الخيلاء في ثوبه وغيره
الخيلاء في الثوب وفي غير الثوب كالعمامة ونحوها محرمة
الدليل
قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ... وجر الثوب خيلاء محرم وهو من الكبائر
مسألة فإن جَرَّ ثوبه لغير خيلاء
فاختلف الفقهاء
منهم من قال يجوز جر الثوب لغير الخيلاء
لأن الحديث جاء فيمن جره خيلاء
والقول الثاني أنه يحرم الإسبال مطلقاً للخيلاء ولغير الخيلاء
واستدلوا بدليلين
الأول قوله - صلى الله عليه وسلم - ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار وهذا حكم آخر وعقوبة أخرى لمجرد الإسبال
الدليل الثاني أن عمرو بن زرارة رضي الله عنه رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - مسبلاً فنهاه وغضب فقال رضي الله عنه إن في ساقي حموشه فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وزجره وقال إن الله لا يحب المسبل والحديث حسن
ففي هذا الحديث أن عمرو رضي الله عنه أسبل لا للخيلاء وإنما لتغطية عيب ساقيه ومع ذلك نهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فدل على أن النهي لا يختص بالخيلاء وإنما الخيلاء تسبب زيادة الإثم وعظيم العقوبة
الراجح القول الثاني أن الإسبال محرم مطلقاً
ومن الفقهاء من قال كل مسبل فقد اختال أراد أو لم يرد
فهؤلاء يناقشون في أصل المسألة ويقولون لا يثبت أن يوجد رجل يسبل قصداً من غير خيلاء وممن نصر هذا القول ابن العربي المالكي - رحمه الله -
وعلى كل سواء
قلنا أن كل مسبل فهو مختال
أو قلنا أنه يتصور أن يوجد مسبل لا يختال
فالراجح أن الإسبال محرم مطلقاً ولا يجوز وهو من الكبائر مع الخيلاء وبدون الخيلاء
الأذان
انتهى الدرس
(1/292)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• قال المؤلف - رحمه الله -:
والتصوير واستعماله.
أي: ويحرم التصوير.
والتصوير محرم وهو من الكبائر والاحاديث والنصوص في تحريم التصوير كثيرة جداً منها:
- قوله - صلى الله عليه وسلم - (إن المصورين يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خقلتم).
- ومنها قوله: - صلى الله عليه وسلم -: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة).
وستأتي معنا أحاديث أخرى.
ويفهم من عموم قول المؤلف - رحمه الله -: (والتصوير).
أنه يحرم سواء كان له ظل أو لم يكن له ظل.
وهذا هو الصحيح الذي تدل عليه النصوص:
- كحديث علي - رحمه الله - الثابت الصحيح أنه قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا أدع صورة إلا طمستها.
ومعلوم أن الطمس يكون للصور المسطحة لا للصور المجسمة.
فتبين من هذا كله: أن التصوير: =عند الحنابلة: محرم. سواء له كان له ظل أو لم يكن له ظل.
والمقصود بالتصوير المحرم هو: تصوير ذوات الأرواح.
أما تصوير ما ليس له روح مما يوجد في الطبيعة كالأشجار أو مما صنعه الإنسان كالمصنوعات الحديثة ونحوه فهو جائز بلا إشكال.
- مسألة / يذهب حكم التصوير أي: يزول التحريم إذا زال من الصورة الرأس.
فإن زال من الصورة غير الرأس بقي التحريم ولو كان الذي زال تزول معه الحياة.
إذاً الشيء الوحيد الذي إذا زال زال حكم الصورة هو: الرأس.
لدليلين:
- الأول: حديث جبريل أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - (مر برأس التمثال يقطع فيصيركهيئة الشجرة).
- والثاني: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما الصورة الرأس).
وهذا الحديث اختلفوا فيه: رفعاً ووقفاً:
- والأقرب والله أعلم: أنه موقوف ومع ذلك هو قوي لأن القول بأنه ليس مما يقال من قبل الرأي وجيه.
إذاً: الجزء الوحيد الذي يذهب حكم الصورة معه هو الرأس.
• ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
واستعماله.
أي: يحرم استعمال الصور.
(1/293)
________________________________________
وليس مقصود المؤلف - رحمه الله -: يحرم استعمال التصوير.
لأهذا تكرار لا فائدة منه. لأنه إذا قال: (يحرم التصوير) فلا فائدة في أن يقول: (يحرم استعماله) لأن استعمال التصوير هو التصوير.
وإنما الذي يستعمل هو المُصَوَّر.
فلا يجوز أن يستعمل لا في اللباس ولا في ستر الجدر ولا في أي نوع من أنواع الاستعمال.
الدليل على ذلك:
- ما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وقد سترت سهوة لها بقرام - والقرام هو: الستر الرقيق - فيه تصاوير فهتكه وغضب وتغير وجهه - صلى الله عليه وسلم - وقال: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة).
فدل هذا الحديث على أن استعمال الصور لا يجوز.
واستعمال الصور في اللباس: أشد تحريما منه في ستر الجدر بسبب: أن الانسان يصلي عادة في ما يلبس.
- مسألة / هل يزول تحريم الصور استعمال الصور بكونها ممتهنة؟
الجواب: في هذا خلاف بين أهل العلم:
= فذهب الجمهور من السلف والخلف من الصحابة والتابعين والائمة الأربعة - ورجحه عدد من المحققين كالحافظ بن عبد البر: أن الامتهان يرفع التحريم أي: أنه يجوز استعمال الصورة الممتهنة الموضوعة في الأرض.
واستدل الجماهير على هذا الحكنم:
- بأن عائشة - رضي الله عنها - لما غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الستر أخذته فقطعته وسائد واتكأ عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فدل هذا على: أن ما يتكأ عليه مما يمتهن ويداس يجوز ولو كان فيه تصاوير.
= والقول الثاني: أنه لا يجوز استعمال الصور ولو كانت ممتهنة:
- لعموم النصوص.
- ولما ثبت في صحيح البخاري - أيضاً - أن عائشة - رضي الله عنها - اتخذت نمارق - يعني: وسائدة فيها تصاوير - فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والنصوص في هذه المسألة فيها شيء من التعارض.
- - ومن حيث الإحتياط: لا شك أن الابتعاد عن الصور مهما كانت هو الأحوط والأبعد عن الشبهة.
- - ومن حيث الاستدلال والبحث العلمي: ففي الحقيقة أنا مقلد - في هذه المسألة - لجماهير الصحابة والأئمة الأربعة فأرى أن ما قالواه هو الصواب - تقليداً.
والسبب: أنه لم يتبين لي ترجيح بسبب تعارض الأدلة.
(1/294)
________________________________________
فحديث عائشة في البخاري وحديثها الآخر في البخاري.
والحديثان: - أحدهما: يدل على جواز استخدام الوسائد أو ما يتكأ عليه.
- وحديثها الآخر: يدل على التحريم.
وذكر ابن حجر في فتح الباري أوجه كثيرة في الجمع لم أر أن شيئاًمنها صحيح.
ففي الحقيقة يوجد تعارض. ولذلك كما قلت لكم - أنا مقلد فيها للصحابة والأئمة الأربعة.
•
ثم قال - رحمه الله -:
ويحرم استعمال منسوج أو مموه بذهب قبل استحالته.
يحرم على المسلم أن يستعمل المنسوج والمموه بذهب.
- فالمنسوج هو ما فيه خيوط من ذهب إما في أطرافه أو في الأكمام.
- والمموه هو: المطلي بالذهب.
وإذا كان المنسوج والمموه محرم الإستعمال فالخالص من باب أولى ولذلك لم يذكره المؤلف - رحمه الله - استغناء بذكر المنسوج والمموه.
فتحصل لنا الآن: أن استعمال الذهب للرجال محرم. ولو كان على سبيل النسج ولو كان مموهاً.
الدليل:
في الباب أحاديث كثيرة تدل على تحريم الذهب للرجال لكن غالب هذه الأحاديث ضعيف ولا يثبت وسنذكر حديثين هما أقوى أحاديث الباب:
- الحديث الأول: حديث علي ابن أبي طالب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الذهب بيمينه والحرير بشماله وقال: (إن هذين محرمان على ذكور أمتي).
هذا الحديث - أيضاً - فيه ضعف لكن حسنه الحافظ ابن المديني - رحمه الله - وله شواهد يتقوى بها.
- الدليل الثاني: أن صحابياً اتخذ خاتماً من ذهب فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب وأخذه وألقاه وقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيضعها في يده).
فهذان حديثان يدلان على تحريم الذهب ولو كان يسيراً.
وتحريم الذهب ولو كان يسيراً: = مذهب الجمهور. وهو الاحوط بلا شك.
• ثم قال - رحمه الله -:
قبل استحالته.
الضمير يعود فقط على المموه.
والاستحالة هي: تغير اللون بحيث لا يتحصل منه شيء إذا عرض على النار.
وتعليل هذا الحكم: وهو جواز المموه استعمالاً إذا استحال.
- القاعدة التي تقدمت معنا مراراً وهي: ((أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً)).
فلما استحال الذهب الذي مُوِّهَ به الثوب أو الاناء زال الحكم مع زوال الذهب لأنه علة التحريم.
•
ثم قال - رحمه الله -:
وثياب حرير.
ثياب الحرير: محرمة.
والدليل على تحريمها:
(1/295)
________________________________________
- ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثياب الحرير وقال: (من لبسها في الدنيا لم يلبسها في الآخرة).
ولذلك فحديث تحريم الحرير ثابت في الصحيحين لا إشكال فيه بخلاف تحريم الذهب فكما سمعتم أحاديث فيها ضعف.
ثم بدأ المؤلف - رحمه الله -: التفصيل في مسألة ثياب الحرير وسيذكر تفصيلاًَ كثيراً لأن الحاجة كانت كثيرة إلى ثياب الحرير بخلاف وقتنا هذا فإنه في وقتنا هذا المنسوجات صارت تضاهي رقة وجودة الحرير بينما في السابق لا يجد الإنسان ثوباً جيداً ليناً إلا في الغالب أن يكون من الحرير.
ولذلك تجد أن الفقهاء فصلوا تفصيلاً دقيقاً في حكم لبس ثياب الحرير.
ويقصد - رحمه الله - هنا في قوله: (وثياب حرير): أي الحرير الخالص.
• ثم قال - رحمه الله -:
وما هو أكثره ظهوراً على الذكور.
يحرم الثوب الذي خيط من حرير ومن غيره إذا كان الحرير هو الأكثر ظهوراً ولو كان الأقل وزناً.
الدليل:
- ما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حلة سيراء فلبسها فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يعطيها نسائه.
والحلة السيراء هي: نوع من البُرُد مخطط بالحرير.
فدل الحديث على أن الحرير إذا وجد في الثوب وكان له الظهور الأكثر فيعتبر الثوب كله محرم لهذا الحديث.
فإن الخطوط التي في الحلة السيراء - هذه البرد - فيها خطوط.
سبب التحريم: كونها ظاهرة.
وعلى هذا حمل كثير من الفقهاء هذا الحديث وهو الحمل الصحيح: أن التحريم بسبب: أن الخطوط كان لها الظهور - كانت هي: الظاهرة للعيان والمشاهدة.
إذاً عرفنا:
- أن الحرير الخالص محرم.
- وأن الثوب إذا كان فيه حرير وفيه غير الحرير والظهور للحرير أنه أيضاً محرم.
تأتينا الصورة الثالثة: المتبادرة إلى الذهن:
• قال - رحمه الله -:
لا إذا استويا.
إذا لبس الإنسان حلة استوى فيها الحرير وغيره:
= فعند الحنابلة تجوز. لقوله: (لا إذا استويا) يعني: فلا يحرم.
واستدلوا على ذلك بأمرين:
- الأول: الأصل في اللباس الحل.
(1/296)
________________________________________
- والثاني: حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: إنما حرم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحرير المصمت ولم ينه عن العلم ولا عن سدى الثوب.
فهذا الحديث نصٌ في جواز لبس الثوب إذا كان مخيطاً من حرير وغيره ولم يكن الظهور للحرير.
= والقول الثاني: أنهما إذا استويا: يحرم الثوب. وهذا القول اختاره من محققي الحنابلة ابن عقيل وشيخ الإسلام ابن تيمية وأيضاً نصره الشوكاني - من المتأخرين.
واستدلوا - أيضاً - بدليلين:
- الأول: العمومات فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحرير نهياً عاماً.
- الثاني: حديث مهم في باب أحكام الحرير وهو: حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي أخرجه مسلم في صحيحه أنه - رضي الله عنه - قال: (نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة).
وهذا الحديث بين مسلم والدارقطني خلاف في تصحيحه وإعلاله - لا نريد أن ندخل في هذا الخلاف لكن الأقرب والله أعلم أن الصواب مع مسلم.
فهذا الحديث ثابت.
ثم لو فرضنا أن الحديث موقوف على عمر فلا شك أنه - فيما أرى - مما لا يقال: من قبل الرأي لاسيما وفيه هذا التحديد الدقيق بأربع أصابع.
فإذاً الحديث من حيث الثبوت لا إشكال في الاستدلال به.
إذاً تلخص معنا: أن القول الثاني: إذا استويا يحرم وأن اختيار ابن عقيل وشيخ الإسلام بن تيمية وأن لهم دليلين أخذناهما. وهذا القول هو الصواب.
وسيتم المؤلف - رحمه الله - الكلام على ما يستثنى من ما يحرم من الحرير.
•
فيقول - رحمه الله -:
أو لضرورة.
يجوز أن يلبس الإنسان الحرير للضروة.
- لأن أهل العلم: اتفقوا على أن: (الضرورات تبيح المحرمات).
وهي قاعدة متفق عليها - في الجملة متفق عليها.
- وقياساً على الحكة التي ستأتينا الآن والمرض فلكل منهمل دليل.
إذاً ما هو الدليل على جواز لبس الحرير للضرورة؟
أمران: - الأول: القاعدة: (الضرورات تبيح المحرمات). - والثاني: القياس على الحكة والمرض.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو حكة.
(1/297)
________________________________________
- ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشتكى إليه عبد الرحمن بن عوف والزبير - رضي الله عنهما - حكة يجدانها فرخص لهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحرير.
فهذا دليل - نص على الحكة وأنها من أسباب جواز لبس الحرير.
والفقهاء يرون: أنه يجوز أن نلبس الحرير للحكة ولو وجد بديل. - فيرخصون في هذا الأمر:
- لعموم الحديث لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل منهما.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو مرض.
يعني: أنه يجوزأن يلبس الإنسان الحرير لمرض.
ولكن يشترط في المرض أن يكون من الأمراض التي ينفع معها الحرير فإن لم يكن مجدياً فحرك لبس الحرير.
الدليل:
- أنه ثبت في حديث آخر أن عبدالرحمن بن عوف والزبير - رضي الله عنهما - أيضاً أصيبا بالقمل فاشتكوا إلى - صلى الله عليه وسلم - فرخص لهما في لبس الحرير.
إذاً: يقول - رحمه الله -: لضرورة أو حكة أو مرض.
أخذنا الآن الأدلة على استثناء تحريم لبس الحرير وجوازه في حال الضرورة والحكة والمرض.
•
ثم قال - رحمه الله -:
أو حرب.
= يجوز عند الحنابلة: أن يلبس الإنسان الحرير في الحرب.
وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد واختارها شيخ الاسلام لكن في كتابة شرح العمدة.
((ومما ينبغي أن يعمله طالب العلم أن شرح العمدة شرح متقدم لشيخ الإسلام - رحمه الله - قبل أن يستكمل وينضج علمياً بالشكل الذي هو عليه أخيراً في سائر حياته العلمية - رحمه الله -)).
ففي الحقيقة وإن كان لاختياراته - رحمه الله - في العمدة وزن وقدر لكن ليست كاختياراته بعد أن تمكن من العلوم الشرعية - رحمه الله -.
على كل حال اختار شيخ الإسلام في شرح العمدة جواز لبس الحرير في الحرب.
ومقصود الحنابلة: ولو بلا حاجة. هكذا بدون أي حاجة.
الدليل: استدلوا بأمرين:
- الأمر الأول: أن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - كان يتخذ ثوباً من خز يلبسه في الحرب.
- والأمر الثاني: أن الحرير إنما حرم لما فيه من الخيلاء والتكبر والخيلاء في الحرب تجوز: بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي دجانة لما رآه يمشي بين الصفوف: (إنها لمشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموضع) وهذا الحديث ضعيف.
(1/298)
________________________________________
فدل الحديث على: جواز الخيلاء في الحرب: لما فيه من إضعاف نفسيات الاعداء.
= القول الثاني: وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد أن لبس الحرير لا يجوز ولا في الحرب.
ودليل هؤلاء: واضح وهو:
- العمومات.
- وأنه لم يأت دليل صحيح يستثني حال الحرب.
والأقرب - والله أعلم - القول الثاني: لأنا لا نستطيع أن نستثني بلا دليل صحيح.
- مسألة / لبس الحرير في الحرب لحاجة يجوز بلا نزاع بين الفقهاء.
إذاً الخلاف السابق إذا كان اللبس بلا حاجة.
•
ثم قال - رحمه الله -:
أو حشو.
مراد المؤلف في هذه العبارة: أنه يجوز استعمال الثوب المحشي بحرير أو السجاد المحشي بحرير بحيث لا يكون الحرير ظاهراً:
- لا من الأعلى ولا من الأسفل بالنسبة للسجاد.
- ولا في البطانة ولا الظاهر بالنسبة للثوب.
الدليل: استدلوا بعدة أدلة:
- الدليل الأول: أن هذا لا يعتبر لبساً ولا استعمالاً للحرير: لأنه في الحقيقة هو يَلْبَس ويَسْتَعْمِل الجزء الخارجي: فلإن الحرير في الداخل لا يُسْتَعْمَل ولا يوطأ. يعني: لا يستعمل في الفراش ولا يستعمل في اللباس.
- الثاني: أنه ليس في هذا خيلاء لكون الحرير مخفياً.
- الثالث: - وهو أقوى الأدلة -: أنه ثبت عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم لبسوا الخز.
والخز هو: الثوب الذي يكون سُدَاهُ من حرير ولُحْمَتُهُ من غير الحرير.
والسُّدَى هو: الداخل.
واللُّحْمَة: الذي يخاط فوق والسُّدَى.
فإذا: أيهما الذي يغطي الآخر اللُّحْمَة أو السُّدَى؟
اللُّحْمَة تغطي السُّدَى.
فأيهما المخفي: الحرير أو القماش الآخر؟
الحرير.
قالوا: لما كان الصحابة - رضي الله عنهم - يستعملون الخز لكونه مخفياً دل ذلك على جواز الحشو. حشو الحرير.
هذه ثلاثة أدلة وهذا الحكم صحيح: أنه يجوز استعمال الحرير المحشي.
= والقول الاخر: أنه لا يجوز الجلوس ولا لبس ما سُدِّيَ بالحرير.
- لأنه استعمال في الجملة.
لكن مع أثر الصحابة - في الحقيقة وهي آثار متعددة صحيحة ثابتة في مسألة لبس الخز وهذا يدل على جواز ما سُدِّيَ بالحرير سواء كان مما يجلس عليه أو مما يلبس.
•
ثم قال - رحمه الله -:
أو كان علماً أربع أصابع فما دون.
(1/299)
________________________________________
أي: يجوز أن يلبس الإنسان الثوب الذي فيه علم من الحرير بقدر أربع أصابع فما دون.
والدليل: ظاهر وهو:
- حديث عمر السابق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة.
المقصود بالأصابع هنا: من حيث العرض لا من حيث الطول.
فيجب أن لا يتجاوز هذا الموضع عرضه: أربع أصابع.
سواء كان في موضع واحد أو في مواضع.
والدليل هو ما سمعتم.
- والدليل الثاني: - مع حديث عمر - رضي الله عنه - أن الآثار والنصوص دلت على جواز الحرير إذا لم يكن له الظهور.
ومن المعلوم أن الحرير إذا كان يشكل أربع أصابع فقط فإن الظهور لغيره في الثوب.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو رقاعاً.
يعني: ويجوز أن يرقع الإنسان ثوبه بالحرير إذا تمزق. بشرط أن لا يكون: أكثر من أربع أصابع.
والدليل على جواز الرقاع:
- هو: حديث عمر - رضي الله عنه -.
فيقاس على جواز الأربع أصابع.
بل هو نص في الرقاع: - لأن الشارع أجاز أن يوجد في الثوب أربع أصابع من الحرير سواء كان على سبيل الخياطة أو على سبيل الرقاع.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو لبنة جيب وسُجُفِ فراء.
- لبنة الجيب:
أولاً: - الجيب هو: مخرج الرأس من الثوب.
ثانياً: - اللبنة هي: الزيق المحيط بالعنق. وهو معروف الآن يلبس في جميع الثياب والذي نسميه بالعامية: ......... ((لم يتضح من التسجيل)).
يشترط في لبنة الجيب أيضاً: أن لا تتجاوز أربع أصابع.
ودليل الجواز - أيضاً -:
- قياساً على حديث عمر - رضي الله عنه -.
- أو نقول - أيضاً -: أن حديث عمر نص على جوازها.
- وسُجُفِ فراء:
- الفراء هي: اللباس المعروف الذي يتخذ لدفع البرد.
- والسجف من الفراء هي: أطرافه الأمامية أو حواشيه.
فيجوز أن نضع فيها الحرير: أيضا إذا كان بمقدار أربع أصابع.
والدليل:
- ما تقدم معنا وهو أمر واضح. ... (حديث عمر).
انتهى البحث في الحرير وانتقل المؤلف إلى أنواع أخرى من اللباس:
• فقال: - رحمه الله -:
ويكره المعصفر والمزعفر للرجال.
نبدأ: - بالمعصفر.
المعصفر هو: الثوب المصبوغ بالعصفر. وهو: لون أحمر - معروف -.
فحكمه:
= عند الحنابلة مكروه.
فيكره للإنسانأن يلبس ثوباً صبغ بالعصفر.
الدليل:
قالوا الدليل على هذا:
(1/300)
________________________________________
- حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَيَّ ثوبين معصفرين فقال: (إنها من لبس الكفار) وفي رواية قال - عبد الله -: أغسلهما؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: (بل أحرقهما).
فدل هذا على أنه ينهى عن لبس المعصفر.
= والقول الثاني: أنه محرم.
واستدلوا:
- بحديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - السابق. وقالوا: أن مدلول الحديث يفهم منه التحريم لا الكراهة.
= والقول الثالث: أنه يجوز بلا كراهة. - ففي هذه المسألة تباينت أقوال الفقهاء -.
قالوا: يجوز بلا كراهة. وهذا مذهب جمهور السلف والخلف من الصحابة والتابعين واختاره - أيضاً - ابن قدامة.
واستدلوا:
- بما ثبت في الصحيح عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالعصفر. - هذا الحديث في البخاري وفي رواية في سنن أبي داود - يصبغ ثيابه كلها.
صارت الأقوال: ثلاثة. ومتباينة جداً والخلاف في هذه المسألة بين الفقهاء شديد.
والأقرب - والله أعلم - المذهب الكراهة. وهو وسط.
سبب الترجيح: - أن في هذا القول جمعاً بين النصوص والجمع.
والجمع مهما أمكن يجب المصير إليه.
والقائلون بالتحريم هم في الحقيقة في الغالب من المعاصرين أو ممن قبلهم بقليل وهو: الشيخ الشوكاني.
أما الجماهير - جماهير الأئمة الأربعة وغيرهم: يسرون أنه جائز بلا كراهة.
إذاً: فيه ثلاثة أقوال. والأقرب الكراهة.
- والمزعفر:
أيضاً: يكره للإنسان = عند الحنابلة أن يلبس ثوباً مزعفراً.
والدليل:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الثوب المزعفر.
- والمزعفر هو: الثوب المصبوغ بالزعفران. - النبتة المعروفة -. والزعفران لونه قريب من المعصفر.
لكن مما يحسن التنبيه إليه: أن بعضهم ساق الخلاف في المعصفر والمزعفر مساقاً واحداً وهذا ليس بصحيح فمن حيث الأقوال هناك فرق كبير بين أقوال الفقهاء في المعصفر وبين أقوالهم في المزعفر.
= القول الثاني: أنه يحرم.
- للنهي.
= القول الثالث: الجواز بلا كراهة. - كالأقوال في المعصفر -.
الأدلة: أدلة الذين قالوا أنه جائز بلا كراهة - وممن اختار هذا القول من المحققين الشيخ المجد جد شيخ الاسلام. هي:
- الدليل الأول:
(1/301)
________________________________________
- قالوا: ثبت في حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى المحرم أن يلبس المزعفر.
فدل مفهوم الحديث أن غير المحرم لا يحرم عليه أن يلبس المزعفر.
- الدليل الثاني: أن عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد مس زعفراناً فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أنه حديث عهد بعرس.
ولم ينهه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الزعفران.
إذاً: الذين يرون الجواز بلا كراهة استدلوا بدليلين وهما حديثان صحيحان.
والأقرب: - كذلك -: الكراهة.
ولنفس الحكم وهو: جمعاً بين النصوص.
بهذا انتهى الكلام عن المعصفر والمزعفر والبحث فيهما خاص بالرجال.
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى الشرط الرابع من شروط الصلاة:
• فقال - رحمه الله -:
ومنها: اجتناب النجاسات.
أي: أنه من شروط صحة الصلاة أن يجتنب المصلي النجاسة:
- في بدنه.
- وفي ثوبه.
- وفي بقعته.
فإن لم يفعل عمداً مع العلم والاستطاعة: بطلت صلاته.
الدليل:
- الدليل على البدن:
- قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه). هذا للبدن.
- وأما الثياب فدليله:
- قوله سبحانه وتعالى: {وثيابك فطهر} [المدثر/4] على احد التفسيرين.
(((الأذان))).
انتهى الدرس
(1/302)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
حيث طلب عدد من إخواننا الكلام عن مسألة التصوير الفوتوغرافي فسأذكر حولها خلافاً مختصراً
فأقول
أولاً التصوير الفوتوغرافي تعريفه
هو حبس ونقل الصورة الواقعية بعد تسليط الضوء عليها
ومن هنا سمي التصوير الشمسي
اختلف فيه الفقهاء على قولين في الجملة مشهورين
القول الأول أن التصوير الفوتوغرافي محرم وأنه داخل تحت نصوص الوعيد
ولا يخفى عليكم أن الخلاف والأدلة والمسألة برمتها مسألة حادثة لم يتطرق إليها الفقهاء المتقدمون لأن التصوير حادث معاصر
إذاً القول الأول التحريم وأنه داخل تحت نصوص الوعيد
(1/303)
________________________________________
وذهب إلى هذا القول
سماحة الشيخ المفتي محمد ابن إبراهيم - رحمه الله - مفتي الديار
وأيضاً سماحة الشيخ المفتي عبد العزيز بن باز أيضاً مفتي الديار
وهو قول عامة علمائنا المعاصرين
واستدلوا بأدلة كثيرة من أقواها
الدليل الأول أن الصورة الفوتوغرافية صورة شرعاً ولغةً وعرفاً وبهذا تتناولها نصوص والوعيد في داخلة تحت النصوص
- أما أنها صورة لغة فلأن الصورة في اللغة هي: الشكل ولا شك أن الصورة الفوتوغرافية تتخذ شكلاً معيناً
هذا في اللغة
- وأما أنها صورة شرعاً فلأنها إذا دخلت تحت تعريف الصورة اللغوية دخلت في مسمى الصور المذكور في النصوص والشارع نهى عن مسمى الصورة بلا تفريق
- وأما أنها صورة عرفاً فهذا معلوم عند الناس أنهم يسمون الصور الفوتوغرافية صورة
الدليل الثاني أن الشارع الحكيم حرم التصوير لعدة علل من أهمها ـ خشية تعظيم المُصَوَّر ووقوع الفتنة فيه وهذا المعنى متحقق في الصورة الفوتوغرافية
الدليل الثالث أن غاية التصوير الفوتوغرافي أن يكون من المشتبهات والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه يعني ومن لم يفعل فلا أي لم يكن مُسْتَبْرِأً لدينه وعرضه
الدليل الرابع أن المضاهاة في الصورة الفوتوغرافية أعظم منه في الصورة المرسومة باليد لشدة التطابق
وستأتي مناقشة هذه الأدلة ضمن أدلة الفريق الثاني
بالنسبة للقول الأول أن التصوير محرم وأن هذا مذهب من سمينا من أهل العلم لكن هم قيدوه بأن لا تكون حاجة أو ضرورة وهذا معلوم
فإن كانت حاجة أو ضرورة كالأوراق الرسمية أو الشهادات أو الجوازات فإنني لا أعلم من منع من ذلك كأنه محل إجماع تجويز الصورة لهذه الأغراض للحاجة الواضحة لها فأحببنا أن نقيد القول الأول بهذا
القول الثاني: أن التصوير الفوتوغرافي لا يدخل في نصوص الوعيد ولا يسمى صورة شرعاً فهو جائز إلا إذا أدى إلى محظور ومنكر
كما إذى أدى
إلى شدة الافتتان وخشية التعظيم
أو أدى إلى نشر الفساد الأخلاقي
أو أدى إلى أي مفسدة معلومة يقدرها أهل العلم
(1/304)
________________________________________
وذهب إلى هذا القول
شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -
وأيضاً ذهب إليه
مفتي الديار المصرية الشيخ محمد نجيب مطيعي - رحمه الله -
وذهب إليه عدد كبير من أهل العلم من المعاصرين
واستدلوا بأدلة منها استدلوا بأدلة كثيرة ونذكر أقوى هذه الأدلة
الدليل الأول أن الصورة الفوتوغرافية لا تدخل في مسمى الصورة الشرعية
والسبب أن التصوير في اللغة هو التشكيل والتخطيط وإظهار براعة الراسم وهذا لا يوجد في الصورة الفوتوغرافية
لأن غاية الصورة الفوتوغرافية نقل الصورة المخلوقة لله فلذلك فليس فيها أي معنى من معاني المضاهاة وهي تخلو تماماً من التخطيط والتكشيل المباشر
وأما عمل المصور من تجهيز الكاميرة والفيلم تحديد المصور ... إلخ فليس هذا من التشكيل ولا من التخطيط في شيء
الدليل الثاني قالوا أن الصورة في المرآة وعلى سطح الماء جائزة بالإجماع فكذلك الصورة الفوتوغرافية للتساوي والتطابق بينهما
الدليل الثالث والأخير عدم وجود أي معنى من معاني المضاهاة لأن الصورة الفوتوغرافية هي نفس الخلق الأول
هذه أبرز الأدلة ولهم أدلة كثيرة لكن في الحقيقة لا تعتبر بقوة هذه الأدلة
باقي الترجيح
قبل الترجيح في الحقيقة المسألة المهمة وهي:
هل تدخل الصورة في مسمى التصوير لغة؟ وهل فيها مضاهاة؟
في هذه المسألة الذي يظهر لي أنه لا يوجد مضاهاة ولا يوجد تصوير وأن ما ذكره شيخنا - رحمه الله - في هذا الباب في هذه الجزئية صحيح
لكن باقي مسألة الترجيح بالنظر إلى عموم الأدلة
الذي يظهر قوة القول الأول وأن أدلتهم أرجح من أدلة القول الثاني
سبب الترجيح
الذي يجعلني أرجح القول الأول هو مسألة أن من علل تحريم الصور خشية تعظيم المُصَوذَّر والمبالغة في ذلك الأمر وهذا موجود
فإذا ثبت أن هذه من علل التصوير وقد ثبت ذكره الفقهاء وهو صحيح فإن هذه العلة موجودة في التصوير
يبقى البحث الآن هل التصوير ممنوع لمجموع العلل أو هو ممنوع ولو وجدت إحدى العلل؟
العلل هي:
المضاهاة
والتعظيم
وعدة علل اخرى ذكروها لكن هاتان العلتان هما أبرز العلل
(1/305)
________________________________________
هل يجب لنمنع من الصورة وجود جميع العلل أو يكتفى بوجود علة واحدة؟
الأقرب والله أعلم كما قلت أنه بوجود علة واحدة يحصل المنع من الصور لأن الشارع الحكيم نهى لكي لا يقع هذا المحذور
ولذلك أقول
أن الراجح أن الصورة الغوتغرافية لا تجوز
وأنه بناء على هذا البحث داخلة تحت نصوص الوعيد
وأنها إذا وجدت في منزل فإن الملائكة لا تدخل هذا المنزل
وأن المصور بالكاميرا يعذب يوم القيامة ويقال له أحيي ما خلقت
وأنه بالجملة داخل تحت نصوص الوعيد على مقتضى الأدلة
ولا يخفاكم أن المسألة مشكلة وأن أدلتها متعارضة وقوية ومتقابلة
لكن كما سمعتم
بقينا في تصوير الفيديو
التصوير بالفيديو البحث فيه قريب من البحث في التصوير الفوتوغرافي
لكن الذي يظهر والله أعلم من حيث الأدلة أن التصوير بالفيديو جائز ولا يستوي هو والتصوير الفوتوغرافي
لعدة أمور
أولاً قياس الصورة الفوتغرافية على الصورة في المرآة قياس غير صحيح
لأن الصورة الفوتغرافية تبقى والصورة في المرآة تذهب
لكن قياس الصورة الموجودة في شريط الفيديو على المرآة قياس صحيح فيما أرى لأن علة جواز الصورة المرآة عند الفقهاء جميعاً هي ذهاب هذه الصورة ومن المعلوم أن صورة الفيديو لا يمكن أن تبقى لا بد أن تذهب فلا يمكن أن تبقى بمفردها تعرض ثم تذهب
فإن قيل هي وإن ذهبت عن الشاشة إلا أنها موجودة في شريط الفيديو وإن كانت صغير؟
فالجواب أن الصورة الموجودة على شريط الفيديو غير معتبرة شرعاً لأنها صغيرة وغير مرئية أصلا والصورة التي بهذه المثابة عند جميع العلماء لا حكم لها لأنها غير موجودة أصلاً حتى نحكم عليها بالجواز أو بالتحريم
ثالثاً شدة مطابقة الصورة في الفيديو للواقع أكبر بكثير منها في الصورة الفوتغرافية فهي في الحقيقة تمثل الواقع تماماً
وهذه العلل أو هذه الأشياء التي يفرق فيها بين الصورة في الفوتغرافية والصورة في الفيديو مقطع الفيديو كفيلة بالتفريق بينهما في الحكم
ودرج على هذا أي على التفريق بينهما وتخفيف الكلام في الفيديو عنه في الفوتغرافية عدد كبير من الفقهاء المعاصرين
فإذاً الخلاصة
(1/306)
________________________________________
أن الصورة الفوتغرافية تحرم
وأن الصورة في الفيديو الأمر فيها أسهل وقد لا تصل إلى التحريم بناء على ما ذكرت من علل ومسوغات
ومع هذا كله واجب طالب العلم بعد ذلك كله
أن يحذر الناس من هذه الفتنة فإن الصور الآن انتشرت فلا تكاد تخلو منها بضاعة ولا متاع من أمتعة الناس فلا شك أن واجب طالب العلم التحذير
وحث الناس على الإبتعاد عن الصور
وعدم استعمالها إلا للحاجة
وأن الصورة الفوتغرافية للتذكار أو لإثبات أشياء معينة غير ضرورية أو ليست من الحاجيات أنها محرمة
ولا شك أن قيام طالب العلم بدوره في هذا الباب واجب متحتم عليه لأن الصورة لها متعلق بالفقه ولها متعلق بالعقيدة
ثم نرجع إلى مسائل الكتاب
• قال - رحمه الله - مبيناً شروط الصلاة
ومنها اجتناب النجاسات
تقدم معنا
أن اجتناب النجاسات شرط لصحة الصلاة عند الأئمة الأربعة
وأن الصلاة بدونه عمداً مع العلم مبطل للصلاة
وتقدم معنا أيضا
ان اجتناب النجاسة يتعلق بثلاثة أمور
الأول البدن
والثاني البقعة
والثالث الثوب
فأهم هذه الثلاثة البدن
ودليله
قوله - صلى الله عليه وسلم - استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه
ودليل البقعة
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بأن يصب على بول الأعرابي ذنوباً من ماء
ودليل الثياب
قول سبحانه وتعالى {وثيابك فطهر} المدثر على أحد التفسيرين
ويمكن أن يستدل على وجوب تطهير الثياب
بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه أنه كان يصلي فخلع نعليه أثناء الصلاة فخلع الصحابة نعالهم ثم لما سلم قال مالكم خلعتم نعالكم قالوا رأيناك فعلت ففعلنا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لقد أتاني جبريل وأخبرني أن بهما أذى والنعال من جملة الملبوس
فإذاً ثبت بهذا أن تجنب النجاسة واجب في هذه الثلاثة أمور
•
ثم قال - رحمه الله - مفرعاً على هذا الشرط
فمن حمل نجاسة لا يعفى عنها أو لاقاها بثوبه أو بدنه لم تصح صلاته
(1/307)
________________________________________
من حمل نجاسة فإن صلاته باطلة إذا كان عالماً عامداً ولو لم تكن هذه النجاسة مماسه لجسده أو لثوبه فمجرد حمل النجاسة يؤدي إلى الإخلال بهذا الشرط
الدليل
أن حامل النجاسة لا يسمى مجتنباً لها وإذا لم يجتنب النجاسة فقد أخل بهذا الشرط
بناء على هذا
ـ لا يجوز حمل قارورة فيها نجاسة فلو حمل قارورة فيها نجاسة لغير حاجة أو مرض فأن صلاته باطلة
ـ وأيضا لا يجوز حمل الطفل إذا كان فيه نجاسة فما يسمى الآن بالحفاظة إذا كان فيها نجاسة خارجة من الطفل فإنه لا يجوز للإنسان أثناء الصلاة أن يحمل الطفل وهو بهذه المثابة لأنه في الحقيقة حامل للنجاسة
وذهب الإمام الشافعي إلى أنمن حمل النجاسة لا تبطل صلاته
وهو مذهب ضعيف والصواب مع مذهب الحنابلة
• ثم قال - رحمه الله -
لا يعفى عنها
فإن حمل نجاسة يعفى عنها فإن صلاته صحيحة
تقدم معنا في آخر كتاب الطهارة ذكر الأشياء التي يعفى عن نجاستها
وذكر الحنابلة شيئين فقط
الأول المتبقي من الاستجمار
والثاني ويسير الدم من حيوان طاهر
وقد تقدم معنا أن القول الصواب أن كل النجاسات يعفى عن يسيرها
إذاً القاعدة أن من حمل نجاسة يعفى عن يسيرها حسب الإختلاف في هذا الأمر فإنه يعفى عن ذلك وتصبح صلاته صحيحة
• ثم قال - رحمه الله -
أو لاقاها بثوبه أو بدنه
إذا لاقى النجاسة بثوبه أو ببدنه فإن صلاته لا تصح
والدليل على هذا
النصوص السابقة جميعاً الدالة على صحة هذا الشرط
وعدم صحة صلاة من لاقى النجاسة ببدنه أو بثوبه اتفق عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله
لأنه لم يجتنب النجاسة واجتنابها شرط لصحة الصلاة
• ثم قال - رحمه الله -
وإن طين أرضاً نجسةً أو فرشها طاهراً كره وصحت
إذا أراد الإنسان أن يصلي فيأرض فوجدها نجسة فيها نجاسة فإن
طين هذه الأرض يعني وضع عليها طيناً طاهراً
أو فرشها بفراش طاهر يغطي هذه النجاسة
فإن الصلاة على هذه الأرض عند الحنابلة صحيحة لكن تكره
ويشترط في هذا المفروش أن يكون صفيقاً يحول بين المصلي والنجاسة
دليل صحة الصلاة
(1/308)
________________________________________
أن هذا المصلي لم تصب النجاسة لا بدنه ولا أرض الصلاة ولا ثوبه فتحقق فيه الشرط
دليل الكراهة
أنه اعتمد على النجاسة أي أنه يعتمد عليها عند القيام والقعود وغيره من أعمال الصلاة
والصواب أن الصلاة صحيحة بلا كراهة لما تقدم معنا أن الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل وليس في هذه المسألة دليل على الكراهة
إذاً الخلاصة أن الصلاة تصح بلا كراهة ما دام الإنسان قد غطى النجاسة
• ثم قال - رحمه الله -
وإن كانت بطرف مصلى متصل صحت إن لم ينجر بمشيه
إذا صلى الإنسان على شيء على بساط أو على أرض وفي طرف هذا البساط أو هذه الأرض نجاسة فان صلاته صحيحة ولو تحركت النجاسة بتحرك المصلي
فلو فرضنا أنه إذا ركع أو سجد تحركت النجاسة بسبب تحرك الأرض أو ما هو عليه يصلي فإنه مع ذلك تبقى الصلاة صحيحة
إلا إذا كانت هذه النجاسة تنجر بمشيه فلو فرضنا أن بينه وبين ما عليه النجاسة ارتباطاً بحبل أو بغيره بحيث لو فرضان أنه مشى لانجرت معه النجاسة فحينئذ تكون الصلاة غير صحيحة
التعليل لهذا الحكم الأخير
قالوا أنه في هذه الصورة مستتبع للنجاسة فأشبه الحامل لها
مستتبع أي النجاسة تتبعه فلو فرضنا أنه مشى لتبعته هذه النجاسة
فهم من كلام المؤلف أنه إذا ارتبط بمكان للنجاسة لا يمكن أن تتبعه إذا مشى فإن الصلاة تكون صحيحة
والقول الثاني وهو وجه للشافعية وليس مذهباً لهم أن الصلاة صحيحة مطلقاً بغير شرط
التعليل أن هذا المصلي تحقق فيه الشرط في بدنه وثوبه وبقعته فلا دليل على إبطال صلاته ولو انجر هذا الشيء بمشيته فإن هذا لا يؤثر في الحكم
وهذا هو الصحيح إن شاء الله لأنه لا دليل على اشتراط هذا الشرط ولا على إبطال صلاة هذا المصلي
• ثم قال - رحمه الله -
ومن رأى عليه نجاسة بعد صلاته وجهل كونها فيه لم يعد
أي إذا اكتشف الإنسان بعد الانتهاء من الصلاة أن عليه نجاسة سواء في بدنه أو في ثوبه أو في بقعته ولكن جهل هل هذه النجاسة كانت موجودة في أثناء الصلاة أو لم توجد إلا بعد الصلاة؟
فإنه إذا كان هذا حاله فصلاته صحيحة
لأنه لا يمكن أن نبطل الصلاة الثابتة بشك عارض لم يثبت
(1/309)
________________________________________
وهذا صحيح ولا إشكال فيه
• ثم قال - رحمه الله -
وإن من علم أنها كانت فيها لكن نسيها أو جهلها أعاد
إذا انتهى من الصلاة ثم وجد في ثوبه نجاسة وعلم أن هذه النجاسة كانت موجودة أثناء الصلاة فيجب عليه
عند الحنابلة أن يعيد الصلاة
الدليل
قالوا أن شرط اجتناب النجاسة شرط صحة يقاس على شرط طهارة الحدث وهو لا يسقط بالجهل والنسيان
أو بعبارة أخصر أن طهارة النجاسة كطهارة الحدث لا تسقط بالجهل والنسيان
والقول الثاني أن صلاته صحيحة ولا يعيد اختار هذا القول الشيخ الموفق بن قدامة والشيخ المجد بن تيمية
واستدلوا
بحديث اأبي سعيد الخدري السابق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلع نعليه في الصلاة لأن جبريل أخبره أن فيهما أذى ولم يستأنف
وهذا هو وجه الاستدلال
إذاً لما لم يستأنف النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة علمنا أن وجود النجاسة أثناء الصلاة مع الجهل بها لا يؤدي إلى إبطال الصلاة
والراجح القول الثاني
- المسألة الثانية
إذا علم الانسان بالنجاسة ثم نسيها اخلتفوا في هذه المسألة
منهم من قال يفرق بين الجهل والنسيان ففي النسيان عليه أن يعيد
لأن في النسيان تفريطاً وليس في الجهل تفريط
والقول الثاني أنه لا يجب عليه أن يعيد الصلاة
لأن الله سبحانه وتعالى سَوَّى في العذر بين الجهل والنسيان فقال {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} البقرة
فجعل العذر بالجهل كالعذر بالنسيان
وهذا القول في مسألة النسيان هو الصواب
لكنك علمت من سياق الخلاف أنه ينبغي على الإنسان
أن يحتاط في مسألة النسيان أكثر منه في مسألة الجهل وإن كان الاحتياط في المسألتين واجب لكن القائلين بإبطال صلاة الناسي أكثر من القائلين بإبطال صلاة الجاهل
أي من العلماء من لا يبطل صلاة الجاهل ولكنه يبطل صلاة الناسي
فإذا تذكر الإنسان نجاسة على ثوبه فينبغي أن يبادر ينبغي ولا يجب أن يبادر بغسلها قبل الصلاة وإنما الوجوب يكون عند إرادة الصلاة
• ثم قال - رحمه الله -
ومن جُبِرَ عظمه بنجس لم يجب قلعه مع الضرر
معنى هذه المسألة
(1/310)
________________________________________
إذا جَبَرَ المكسور عظمه بعظم نجس كأن يجبره بعظم حيوان نجس فإنه لا يجب عليه ان يقلع هذا العظم النجس إذا ترتب على القلع ضرر ويصلي بهذا العظم وصلاته صحيحة
التعليل
قالوا أن وجوب المحافظة على النفس وأطرافها مقدم على شروط الصلاة
- فإذا كان قلعه لا يسبب ضرراً وجب عليه أن يقلعه وأن يبعده عن جسده فإن صلى بلا ذلك فصلاته باطلة
لأنه صلى مع النجاسة مع استطاعته اجتناب النجاسة بلا ضرر
إذاً الآن تصورنا المسألة كاملة فيما إذا جَبَّرَ عظمه بعظم نجس وصور هذه المسألة عند الحنابلة وتعليل هذا التفصيل عند الحنابلة
وهذا الكلام هو الراجح وهو الصحيح فإن ما ذكروه في هذه المسألة هو الصحيح وما استدلوا به صحيح
• ثم قال - رحمه الله -
وما سقط منه من عضو أو سن فطاهر
ما سقط من الإنسان من عضو أو سن فهذا الساقط يعتبر طاهر
والتعليل
ما تقدم معنا أيضاً في آخر كتاب الطهارة قبل باب الحيض
أن من القواعد الصحيحة أن ما أبين من حي فهو كميتته
وميتتة بني آدم تقدم معنا أنها طاهرة لا سيما المسلم فما أبين منه حال الحياة فهو أيضاً طاهر
فإذا حمله أو تَرَطَّبَ ثوبه به فإن الثوب والحمل لا يسبب النجاسة
أنهى المؤلف الكلام عن شرط اجتناب النجاسة ثم ذكر عدة مسائل مندرجة تحت هذا الحكم تحت مسألة اجتناب النجاسات لأنهم يعللون فيها بقضية اجتناب النجاسة
وسيأتينا الكلام حول هذه المسائل المهمة وهي تتعلق بالمواضع التي نهى الشارع عن الصلاة فيها
• قال - رحمه الله -
ولا تصح الصلاة في مقبرة وحش وحمام وأعطان إبل ومغصوب وأسطحتها
نحن سنذكر تسهيلاً لكم الخلاف عموماً في المقبر والحش والحمام وأعطان الإبل في هذه الأربع فقط
ثم نرجع إلى تفصيل الكلام عليها من حيث الإستدلال
فنقول
ذهب الحنابلة إلى أن الصلاة في هذه الأماكن الأربعة أي المقبر والحس والحمام وأعطان الإبل لا تصح
إذاً نحن نتكلم عن الأربعة فقط ومسألة المغصوب والأسطح ستأتينا
وهي من مفردات الحنابلة
واستدلوا على المنع من الصلاة فيها وإبطال صلاة المصلي بأدلة سنذكرها عند الكلام عند كل واحدة من هذه الأربع
(1/311)
________________________________________
القول الثاني وهو رواية عن الإمام أحمد أن المصلي إن علم النهي بطلت صلاته وإن لم يعلم صحت صلاته
التعليل
لخفاء أحكام هذه المسائل على عامة الناس واختار هذه الرواية شيخ مشائخنا العلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -
القول الثالث وهو مذهب الأئمة الثلاثة مالك وأبي حنيفة والشافعي أن الصلاة في هذه الأماكن صحيحة
واستدلوا على ذلك
بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً
قالوا فهذا الحديث عام يتناول هذه الأماكن
والصواب القول الأول وهو الرواية المشهورة عن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -
في الحقيقة الإمام أحمد في هذه المسالة تميز بالأخذ بالنصوص وستأتينا نصوص لكل مكان من هذه الأماكن وهبي نصوص واضحة ولذلك تمسك بها الإمام أحمد وأخذ بالأحاديث - رحمه الله -
فقوله - رحمه الله - في هذه المسألة هو الصواب وأن الصلاة في هذه الأماكن الأربع لا تجوز
• يقول المؤلف - رحمه الله -
ولا تصح الصلاة في مقبرة
المقبرة لا تصح الصلاة فيها وأخذت الخلاف فيما سبق
الدليل
استدلوا بقول - صلى الله عليه وسلم - الأرض كلها مسجدٌ إلا المقبرة والحمام
هذا الحديث اختلف فيه تصحيحاً وتضعيفاً
فذهب الأئمة منهم الإمام الترمذي ومنهم الإمام الدارمي والدارقطني والبيهقي هؤلاء أربعة وغيرهم من الأئمة إلى أن هذا الحديث مرسل لا يثبت موصولاً
وذهب بعض العلماء إلى أن هذا الحديث صحيح مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن صححه شيخ الإسلام بن تيمية
وتصحيح شيخ الإسلام ضعيف والصواب مع الأئمة بأنه مرسل
الدليل الثاني قوله - صلى الله عليه وسلم - لا تتخذوا القبور مساجد
الدليل الثالث قوله - صلى الله عليه وسلم - لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
وهذه النصوص واضحة قوية تمسك بها الإمام أحمد والحديث الأول مع أنه مختلف فيه إلا أنه وإن كان مرسلاتً إلا أن الشواهد العامة تؤيده وتقدم معنا أن المرسل خير من أقوال الرجال
(1/312)
________________________________________
- مسألة هل يقصد بالنهي عن الصلاة في المقابر في الحديث الأرض التي فيها جمع من المقابر لا يقل عن ثلاثة أو المقصود الأرض التي قبر فيها وإن لم يكن فيها إلا قبرواحد؟
الجواب فيه خلاف
فالحنابلة يشترطون في المقبرة لكي ينهى عن الصلاة فيها أن يكون فيها ثلاث قبور فأكثر
والقول الثاني أنه ينهى عن الصلاة في الأرض التي قُبِرَ فيها وإن لم يكن فيها إلا قبر واحد
وهذا القول الثاني اختاره شيخ الإسلام بن تيمية وقال والمقبرة في الحديث يقصد بها الأرض التي يُقْبَر فيها وليست العدد من القبور
وهذا القول الثاني هو الصواب أنه لو لم يكن في الأرض إلا قبر واحد فإنه لا يجوز أن نصلي في هذه الأرض ولو لم يكن معه قبر آخر فمجرد وجود قبر واحد يمنع من الصلاة في هذه الأرض
• ثم قال - رحمه الله -
وحش وحمام
الحمام هو مكان الإغتسال
والحش هو مكان قضاء الحاجة
فالحش أشد من الحمام
الدليل على النهي عن الصلاة في الحش والحمام
أولاً الحديث السابق الارض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام وأخذتم أنه وإن كان حديثاً مرسلاً إلا أنه تعضده النصوص الأخرى والمرسل بحد ذاته اختلفوا في الاستدلال به
ثانياً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - امتنع عن رد السلام لأنه لم يكن على طهارة فكيف بالصلاة التي هي أعظم من رد السلام وكيف بالحش الذي هو أعظم من حال انتقاض الطهارة
ثالثاً الأصول العامة الدالة على تعظيم الله وتعظيم قدره وتعظيم الصلاة وهذا يتنافى تماماً مع الصلاة في الحش أو الحمام
وبهذا ثبت النهي عن هذه الأمور الثلاثة المقبرة والحش والحمام وباقي أعطان الإبل نؤخر الكلام عليه إلى الدرس القادم
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
انتهى الدرس
(1/313)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فتكلمنا بالأمس عن الأماكن الخمسة وباقي علينا بقية الأماكن وهو مكان واحد وهو ما يسمى: بأعطان الإبل:.
نحتاج في مسالة أعطان الإبل إلى عدة مسائل:
- المسألة الأولى:
الدليل على تحريم الصلاة في هذا المكان والدليل عليه هو:
- حديث جابر - رضي الله عنه - قال: (قلنا يا رسول الله أنصلي في مرابض الغنم؟ قال: (نعم). قلنا أنصلي في معاطن الإبل؟ قال: (لا) وهذا حديث صحيح.
ففي هذا الحديث: النص على النهي عن: الصلاة في معاطن الإبل.
- المسألة الثانية:
الحكمة من نهي الشارع عن الصلاة في هذا المكان:
اختلفوا في الحكمة على أقوال كثيرة:
أقوى هذه الأقوال - وهو الذي نقتصر عليه لقوته وضعف البقية: ما اختاره الشافعي ورجحه شيخ الإسلام بن تيمية: أن علة النهي:
- كون معاطن الإبل محلاً للشياطين.
والدليل على هذا:
- ما جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تصلوا في معاطن الإبل فإنها خلقت من الشياطين).
وما عدا هذه العلة مما ذكره الفقهاء فهو ضعيف.
- المسألة الثالثة:
ما هي معاطن الإبل؟
اختلف فيها الفقهاء على قولين:
= القول الأول: أن معاطن الإبل هي: ما ترجع إليها وتبيت فيها.
واستدل أصحاب هذا القول:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قابل في الحديث بين مرابض الغنم ومعاطن الإبل. ومرابض الغنم هي: التي تبيت فيه وترجع إليها فدل على أن معاطن الإبل كذلك.
= والقول الثاني: واختاره الشافعي - أنها الأماكن التي ترجع إليها بعد شرب الماء. فإنه جرت العادة أن الإبل إذا شربت الشربة الأولى رجعت فبركت في مكان قريب من حوض الماء فترة معينة ثم ترجع لشرب مرة أخرى تفعل ذلك في كل يوم.
فهذا المكان الذي تبرك فيه بعد شرب الماء المرة الأولى لترجع إلى الشرب في المرة الثانية هو المعاطن عند الشافعي وليس المكان الذي تبيت وترجع إليه في الليل.
= والقول الثالث: أن معاطن الإبل تشمل الموضعين.
وهذا هو الصحيح فكل منهما يعتبر مأوى للشياطين.
وبهذا انتهى الكلام عن معاطن الإبل.
• قال - رحمه الله -:
ومغصوب.
= من مفردات الحنابلة: عدم صحة الصلاة في المكان المغصوب.
وعللوا ذلك:
- بأن قيامه واتكائه وجلوسه في هذا المكان معصية ولا يتقرب إلى الله بمعصية.
(1/314)
________________________________________
= والقول الثاني: أن الصلاة بالأماكن المغصوبة محرمة والمصلي آثم لكن الصلاة صحيحة.
- لأن النهي عن الصلاة فيها لا يتعلق بذات الصلاة وإنما يتعلق بالبقعة. أي: بأمر خارج عن الصلاة.
ولذلك فإنه لا يجوز للغاصب أن يصلي ولا أن ينام ولا أن يأكل ولا أن يشرب في البقعة المغصوبة فهو أمر لا يتعلق بالصلاة.
وهذا القول الثاني هو الذي تدل عليه الأدلة.
•
ثم قال - رحمه الله -:
وأسطحتها.
أسطحة هذه الأماكن المذكورة تستوي معها في الحكم: أنه لا يجوز أن نصلي فيها.
= واستدل الحنابلة على ذلك:
- بأن القاعدة الشرعية تقول أن الهواء تابع للقرار. هواء الشيء تابع له. فما فوق هذه الأماكن تابع لها وهي لا يجوز أن يصلى فيها فكذلك ما فوقها.
= والقول الثاني: جواز الصلاة فوق هذه الأماكن.
- لأن النص لا يتناول هذه الأماكن.
- ولعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).
= والقول الثالث: صحة الصلاة في أسطحة هذه المواضع ما عدا المقبرة.
- لأن العلة التي نهي عن الصلاة في المقبرة من أجلها موجودة في الصلاة على سطح المقبرة. وهي: خشية التعظيم ووقوع الشرك.
وهذا القول الثالث هو الصواب.: أن الصلاة في أسطح هذه الأماكن جميعاً جائز ما عدا المقبرة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وتصح إليها.
أي: أن الصلاة تصح إلى هذه الأماكن.
- لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).ومن صلى في أرض أمامه أحد هذه الأماكن فقد صلى في أرض طاهرة.
= والقول الثاني: أنها تصح الصلاة إلى هذه الأماكن ما عدا المقبرة والحمام والحش.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تصلوا إلى المقابر ولا تجلسوا عليها).
وأما الحش فليس - في الحقيقة - في المسألة دليل ولكن فيها عدد كبير من الآثار المروية عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وتقدم معنا مراراً أن طالب العلم يجب أن يعظم الآثار المروية ويقف عندها ويستدل بها لا سيما إذا لم يكن نص في الباب.
= القول الثالث: تجوز الصلاة إلى هذه الأماكن جميعاً ما عدا المقبرة فقط دون الحش والحمام.
- لعدم الدليل عليها.
والقول الراجح: الثالث.
(1/315)
________________________________________
والثاني هو: الأحوط الذي يتعين فيه الحذر والإحتياط فيمن يصلي إلى الحش أو إلى الحمام.
لكن أن نبطل صلاة من صلى إلى الحمام - في الحقيقة - لا يجرؤ الإنسان إبطال الصلاة تماماً وليس في الباب نصوص واضحة لكن الإحتياط فيها متعين لوجود الآثار الكثيرة عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا تصح الفريضة في الكعبة.
المؤلف - رحمه الله - استمر في الكلام عن المواضع التي يصلى فيها والتي لا يصلى فيها.
فتعرض إلى الكعبة:
= يقول - رحمه الله -: لا تصح الصلاة الفريضة خاصة في الكعبة.
التعليل:
- قالوا: لأن المصلي في الشيء لا يعتبر مصلياً إليه والواجب أن نصلي إلى الكعبة.
- ثانياً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى النافلة في الكعبة ثم خرج وقال: (هذه القبلة) وهذا في البخاري.
فالحديث دل على أن جميع البناية - بناية الكعبة برمتها تعتبر قبلة ومن صلى في الداخل فقد صلى إلى جزء منها.
- ثالثاً وأخيراً: لم يثبت أن - صلى الله عليه وسلم - صلى الفريضة داخل الكعبة.
= القول الثاني: أن صلاة الفريضة في الكعبة صحيحة.
بدليل:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى فيها النافلة والصلاة النافلة تستوي مع الفريضة في كل شيء إلا بدليل مخصص صحيح ولا يوجد.
والراجح من هذهين القولين: القول الأول.
سبب الترجيح: أن ابن عباس - رضي الله عنه - راوي حديث (هذه القبلة) فهم من الحديث هذا الفهم ولذلك أفتى بأنه لا يجعل المصلي - يعني: للفريضة - شيئاً من الكعبة خلف ظهره ومن صلى في داخل الكعبة فقد جعل جزء من الكعبة خلف ظهره.
فهذا الفهم من هذا الفقيه الكبير ابن عباس يرجح القول بإنه لا تصلى الفريضة داخل الكعبة وأيضاً مال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -.
•
ثم قال - رحمه الله -:
ولا فوقها.
يعني: لا يجوز أن نصلي الفريضة على سطح الكعبة.
والدليل على هذه المسألة:
- الإجماع. فقد حكى الإمام أحمد - رحمه الله - أنه أجمع الفقهاء على عدم صحة صلاة من صلى على سطح الكعبة - الفريضة.
وتقدم معنا مراراً أن الإمام أحمد - رحمه الله - من المتثبتين في حكاية الإجماع.
• ثم قال - رحمه الله -:
وتصح النافلة باستقبال شاخص منها.
(1/316)
________________________________________
أي: أنه يجوز أن يصلي الإنسان داخل الكعبة إذا:
- كانت الصلاة نافلة.
وبشرط آخر:
- أن يستقبل شاخصاً من الكعبة.
فإان صلى داخل الكعبة ولم يستقبل شاخصاً منها فإن الصلاة: لا تصح.
التعليل:
- قالوا: أن الواجب في الصلاة استقبال القبلة وهي الكعبة وهذا لم يستقبل شيئاً منها.
= [القول] الثاني: أن الواجب استقبال شاخص من الكعبة حتى ولو هدمت فكيف بها وهي قائمة.
بدليل: - أن عبد الله بن الزبير لما هدم الكعبة ليعيد بنائها أمره عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن ينصب أخشاباً ويجعل عليها الستور ليستقبلها الناس.
فدل هذا على أن الصحابة كانوا يرون أنه لا بد للمصلي من استقبال شاخص من الكعبة أو بدلها إذا لم توجد.
وهذا القول هو الصواب.
لكن من يذكر لنا صورة لمن يصلي داخل الكعبة ولا يستقبل منها شاخصاً؟
- الصورة هي: من يصلي إلى باب الكعبة وهو مفتوح.
لكن متى تقع هذه الصورة: والمهم أنها إذا وقعت فإنه لا تصح الصلاة.
طبعاً: مسائل الصلاة داخل الكعبة مسائل قليلة الوقوع لكن فقهها من التقرب إلى الله باعتباره من العلم.
•
ثم قال - رحمه الله -:
ومنها: استقبال القبلة.
أي: ومن شروط الصلاة: استقبال القبلة.
فإن صلى إلى غير القبلة مع العلم والقدرة فقد بطلت صلاته.
الدليل على هذا الشرط:
- ما أخرجه البخاري في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: للمسيء صلاته (ثم استقبل القبلة فكبر) هذا لفظ البخاري.
فهذا نص على وجوب استقبال القبلة.
- الدليل الثاني: الإجماع فقد أجمع الفقهاء على وجوب استقبال القبلة في الصلاة وأن من تركه عامداً قادراً بطلت الصلاة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومنها: استقبال القبلة فلا تصح بدونه.
أي: أن الاستقبال شرط للصحة.
والأدلة الدالة على أنه شرط للصحة هي:
- الأدلة السابقة.
- ويضاف إليها لتأكيد أنها شرط للصحة قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة/144].
والمقصود بالمسجد الحرام بالآية: الحرم.
ثم قال - رحمه الله -: مستثنياً من هذ الحكم العام وهو وجوب الاستقبال: مسألتين:
• فقال - رحمه الله -:
إلا لعاجز ومتنفل.
(1/317)
________________________________________
العاجز عن استقبال القبلة يسقط عنه هذا الشرط.
ومن أمثلة العاجز:
- المريض الذي لا يستطيع أن يتحول إلى القبلة ولا يوجد من يحوله.
- أو المربوط الذي لا يستطيع انفكاكاً.
- أو في شدة الحرب. فإنه إذا صلى الإنسان صلاة الخوف في شدة الحرب لم يلزمه إذا لم يستطع استقبال القبلة.
الدليل:
لهذه المسألة أدلة خاصة وعامة:
- فالأدلة العامة:
- قوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن/16].
- وقوله - صلى الله عليه وسلم - (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)
- وأما الدليل الخاص:
- فما أخرجه البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: - في الصلاة في شدة الخوف -: (فصلوا إلى القبلة وإلى غير القبلة). قال نافع: - راوي الحديث عن ابن عمر - ولا أُرَاه قاله إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
إذاً تقرر بهذا أإن شرط الاستقبال يسقط عند العجز وأن العجز له صور متعددة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومتنفل راكب سائر في سفر.
هذا هو النوع الثاني الذي يسقط فيه الاستقبال وهو: المتنفل المسافر.
ويسقط عنه الاستقبال بثلاثة شروط - ذكرها المؤلف - رحمه الله -:
- الشرط الأول: أن تكون الصلاة نافلة.
- الشرط الثاني: أن يكون راكباً سائراً.
الشرط الثالث: أن يكون مسافراً لا مقيماً.
إذا وجدت هذه الشروط الثلاثة جاز له بإجماع الفقهاء أن يصلي إلى غير القبلة.
إذاً: إذا تحققت هذه الشروط: - النافلة. - وأن يكون راكباً. - وأن يكون في سفر. يعني: وأن يكون هذا الركوب في سفر: جاز له بالإجماع.
الدليل:
- ما أخرجه البخاري عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسبح على راحلته قِبَلَ أي وجهة توجه ويصلي الوتر إلا أنه لا يصلي المكتوبة.
فدل الحديث على صحة تنفل المسافر إلى غير القبلة.
مسالة / هل يجوز للراكب السائر المتنفل داخل المدينة وفي الأمصار أن يصلي إلى غير القبلة؟
في هذا خلاف بين الفقهاء: على قوبين:
= الأول: أنه ليس له ذلك.
لدليلين:
- الأول: أنه لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع حرصه على الخير أنه كان يتنفل أثناء ركوبه داخل المدينة.
(1/318)
________________________________________
- الثاني: أن المعنى الذي لأجله أباح الشارع للمسافرأن يتنفل إلى غير القبلة لا يوجد في الراكب داخل الأمصار.
وهذا المعنى هو: أن الراكب المسافر يكثر ركوبه ويطول فلو مُنِعَ من النافلة لأدى هذا إلى تركه النافلة وقتاً طويلاً.
وهذا المعنى لا يوجد في الراكب داخل الأمصار.
= والقول الثاني: جواز التنفل إلى غير القبلة حتى ولو كان داخل المدينة من غير سفر.
وأيضاً استدلوا بدليلين:
- الأول: قياساً على الراكب في السفر.
- الثاني: أن هذا كان يفعله الصحابي الجليل أنس - رضي الله عنه -.
والراجح بلا إشكال إن شاء الله أنه لا يشرع أن يتنفل إلى غير القبلة وأن الصلاة لا تصح إن صلى داخل المدينة إلا غير القبلة ولو راكباً.
والجواب على فعل أنس - رضي الله عنه - مع وجوب تعظيم الآثار أن نقول:
هناك قاعدة مهمة لطالب العلم أن الإنسان يتقبل الآثار المروية عن الصحابة ويستدل بها ويقف عندها لا سيما إذا رويت من أكثر من وجه: ما لم يوجد ما هو أرجح منها.
فإن وجد ما هو أرجح منها قدم.
من أمثلة ما يكون أرجح منها:
- هذه المسالة:
- لأن هذه المسألة تتعلق بكون النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد السبب ولم يفعل هذا الفعل.
- ولأن الحاجة إليه كثيرة في الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي باقي الصحابة.
وإذا لم ينقل عن أحد منهم مطلقاً أنه فعل هذا الفعل إلا أنس دل على أنه شيء رآه يخالف ما عليه الباقين.
فهنا لا نستدل بأثر هذا حاله: يعني من مخالفته ظواهر حال الصحابة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - كذلك مخالفته الأصول فإنه من الأصول المتقررة وجوب استقبال القبلة. فهذا الأصل الكبير الذي دلت عليه نصوص عديدة لا نتنازل عنه إلا بشيء مثله في القوة.
ثم أكمل المؤلف - رحمه الله - الحديث عن هذه المسائل:
• فقال - رحمه الله -:
ويلزمه افتتاح الصلاة إليها.
إذا أراد الإنسان أن يتنفل في السفر فيجب عليه:
= عند الحنابلة إذا أراد أن يكبر أن يستقبل القبلة ثم يكبر ثم ينصرف عن القبلة ويتم صلاته.
ولكن هذا مشروط عند الحنابلة - أيضاً - بالإمكانية: أن يمكنه أن يفعل ذلك.
فإن لم يمكنه أن يستقبل القبلة عند افتتاح الصلاة لم يلزمه قولاً واحداً عند الحنابلة.
(1/319)
________________________________________
دليل هذا الشرط:
- حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يتنفل في السفر: يستقبل القبلة عند التكبير ثم انصرف.
وهذا الحديث إسناده ضعيف. وممن أشار إلى ضعفه من الحفاظ - المتأخرين - الحافظ ابن كثير - رحمه الله -.
= والقول الثاني: أنه لا يلزم المسافر أن يستقبل القبلة عند افتتاح الصلاة. واختار هذا القول عدد من المحققين منهم: الخلال ومنهم ابن قدامه ومنهم ابن القيم وغيرهم من المحققين.
واستدلوا على هذا الحكم - وهو: عدم وجوب استقبال القبلة عند افتتاح الصلاة للمسافر المتنفل:
- أن الأحاديث الصحيحة المتكاثرة ليس فيها هذا الشرط: فإنهروى صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - للنافلة في السفر عدد من الصحابة لم يذكر أحد منهم هذا الشرط.
فدل هذا على أن ما ذكر في حديث أنس وهم. وهم من أحد الرواة لا من أنس - رضي الله عنه -.
وهذا القول الثاني هو: الصواب. كما لا يخفى إن شاء الله.
•
ثم قال - رحمه الله -:
وماش ويلزمه الافتتاح والركوع والسجود إليها.
- وماش: يعني ويشرع: أو ويجوز للماشي أيضاً أن يتنفل في السفر إلى غير القبلة فيما عدا الافتتاح والركوع والسجود.
وجواز تنفل الماشي هي:
= إحدى الروايتين عن الإمام أحمد. وهي المذهب.
والدليل عليها:
- قياساً على الراكب فإن الماشي والراكب كلاهما محتاج إلى التنفل.
- الدليل الثاني: قوله تعالى {فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم} [البقرة/115].
وقد روي عن ابن عمر أن هذه الآية في استقبال القبلة. وهي عامة للراكب والماشي.
= الرواية الثانية عن الإمام أحمد: أن الماشي في السفر لا يجوز له أن يتنفل إلى غير القبلة. فإن فعل بطلت صلاته.
والدليل:
- قالوا: أن المتنفل الماشي يتحرك بنفسه لا بمركوبه وهذا يؤدي إلى كثرة العمل التي تؤدي إلى بطلان الصلاة.
- الدليل الثاني: أن هذا لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر أنه كان يتنفل ماشياً.
الراجح في هذه المسألة: مذهب الحنابلة: الجواز. أنه يجوز له أن يتنفل ماشياً إلى غير القبلة.
- لأن المعنى الذي شرع من أجله هذا الحكم للراكب موجود في الماشي. هذا شيء.
(1/320)
________________________________________
- الشيء الثاني: أن مسألة كثرة الحركة معفو عنها كما أننا نتجاوز عن كون المصلي الراكب يصلي على غير مستقر وهو مبطل عند جمع من الفقهاء ومع ذلك لم نبطل صلاته لورود النص فكذلك الماشي.
- وأما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتنفل ماشياً فلأنه - صلى الله عليه وسلم - كان غالباً ما يسافر راكباً ففي الغالب كان راكباً - صلى الله عليه وسلم -.
إذاً الخلاصة أن الراجح: جواز التنفل للماشي.
وهذه المسألة في الحقيقة الحاجة إليها موجودة إلى الآن ففي كثر من الدول إلى الآن يسافرون على أقدامهم لا سيما في الدول التي يكون ما بين المدن ليس طويلاً ومأهولاً بالمزارع والسكان والمحطات ... إلخ.
فتشاهد الناس يسافرون بين المدن القريبة على أرجلهم فقد يحتاجون - من كان منهم يريد أن يتنفل فله ذلك وصلاته إن شاء الله صحيحة.
وهو مذهب الحنابلة وهو الصواب كما سمعتم الآن في هذه المسألة.
لكن يلزمه كما يقول المؤلف رحمه الله أن يفتتح ويركع ويسجد إلى القبلة وهذا معنى قوله: (ويلزمه الإفتتاح والركوع والسجود إليها).
سنقسم هذه المسألة إلى قسمين:
- القسم الأول: الافتتاح إلى القبلة بالنسبة للماشي.
هذه ليس بين الحنابلة خلاف فيها: لم أر خلافاً بين الحنابلة في لزوم افتتاح الماشي الصلاة إلى القبلة.
التعليل: - أن هذا وإن شق على الراكب فإنه لا يشق على الماشي. فمن اليسير عليه أن يتوقف ويتجه إلى القبلة ويكبر ثم يمضي.
ولذلك الصواب في هذه المسألة: أنه يلزمه أن يتوجه إلى القبلة.
- (المسألة الثانية) - القسم الثاني: الركوع والسجود إلى القبلة.
= مذهب الحنابلة: وجوب الركوع والسجود إلى القبلة بالنسبة المتنفل الماشي.
- لأنه يستطيع ذلك لكونه يمشي على الأرض وليس كالراكب.
= والقول الثاني: أنه لا يلزمه الركوع والسجود إلى القبلة.
- لأن الركوع والسجود يتكرر وفي توقفه - يعني المصلي الماشي - له - للركوع والسجود - قطع له عن السفر.
- وفي ذلك مشقة ظاهرة.
وهذا القول هو الصواب: أنه لا يلزمه أن يركع ويسجد إلى القبلة خلافاً لمذهب الحنابلة.
(1/321)
________________________________________
إذاً بالنسبة للماشي يحتاج أن يستقبل القبلة إذا أراد أن يكبر ثم بعد ذلك يمضي إلى وجهته ولا يحتاج في الركوع والسجود أن يتوجه إلى القبلة.
أما الحنابلة - فكما سمعتم - فيلزمه عندهم: الافتتاح والركوع والسجود.
• ثم قال - رحمه الله -:
وفرض من قرب من القبلة إصابة عينها.
عندنا: - مباحث تتعلق بمن قرب من القبلة.
- ومباحث تتعلق بمن بعد من القبلة.
وإذا عرفت من قرب فستعرف من بَعُد. لأن من بعد هو الذي لم يقرب.
فمن هو المقصود بمن قرب؟
يقصد به من عاين الكعبة.
ويقصد به من عاش في مكة زمناً طويلاً.
ويقصد به من كان في مكة ووجد ثقة يخبره عن يقين عن اتجاه القبلة.
كم هؤلاء؟
ثلاثة:
1 - المعاين للقبلة.
2 - ومن عاش في مكة زمناً طويلاً.
3 - والغريب إذا قدم مكة ولكنه وجد ثقة يخبره عن يقين.
فهؤلاء يعتبرون قريبين من القبلة.
- ما هو فرضهم؟
• يقول المؤلف - رحمه الله -:
فرضهم إصابة عينها.
هؤلاء يجب عليهم أن يصيبوا عين الكعبة لا جهة الكعبة.
= ووجوب إصابة عين الكعبة للمعاين محل إجماع بلا خلاف.
- لأن هذا هو الواجب وهو قادر عليه.
فإن صلى منحرفاً عن عين الكعبة ولو قليلاً فإن صلاته باطلة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ومن بعد: جهتها.
من بعد عن القبلة فرضه جهة الكعبة لا عين الكعبة.
ولا نحتاج أن نبين من هو الذي يبعد لأنه المقابل لمن يقرب.
من بعد ففرضه إصابة الجهة:
= هذا هو مذهب الحنابلة.
واستدلوا على هذا بأدلة:
- منها قوله تعالى - في الآية السابقة - {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة/144].
وجه الاستدلال: أن المسجد الحرام في الآية هو كل الحرم. فالبعيد مأمور بالاتجاه إلى الحرم لا إلى عين الكعبة. يعني إلى حدود الأميال لا إلى عين الكعبة. هذا الدليل الأول.
- الدليل الثاني: ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ما بين المشرق والمغرب قبلة).
قال الإمام أحمد: ضعيف. ولكنه صح عن عمر.
والظاهر والله أعلم أنه ليس مما يقال من قبل الرأي.
- الدليل الثالث: أن هذا محل إجماع بين الصحابة.
= والقول الثاني: وجوب إصابة عين الكعبة حتى لمن بعد.
(1/322)
________________________________________
- لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - (ثم استقبل القبلة).
وهذا القول - الثاني - وهو إيجاب استقبال عين الكعبة لمن بعد ضعيف جداً بل يمكن أن نقول يتعذر العمل به.
ولذلك فالصواب مع الجماهبر الذي قالوا: من بعد ففرضه الجهة لا العين: جهة الكعبة لا عين الكعبة.
انتهى الدرس
(1/323)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
• قال - رحمه الله -
فإن أخبره ثقة بيقين
بدأ المؤلف - رحمه الله - بالكلام على الطرق التي يتعرف بها المسلم على القبلة
وسيذكر نحو أربعة طرق
• قال - رحمه الله -
فإن أخبره ثقة بيقين
هذا هو الطريق الأول وهو
أن يخبره ثقة بيقين
والثقة هو البالغ العدل
ويقولون هو من اتصف بالعدالة ظاهراً وباطناً
ومعنى قوله أخبره ثقة بيقين أي أخبره عن يقين
ومن أمثلة اليقين المشاهدة
إن أخبره ثقة بيقين يعني إذا أخبره ثقة بطريق متيقن عن جهة القبلة وجب عليه أن ينصرف إلى الجهة التي أشار إليها المخبر
وفهم من كلام المؤلف - رحمه الله - أنه إذا أخبره ثقة باجتهاد لا بيقين فإنه لا يصير إلى قوله بل يجب عليه أن يجتهد هو إذا كان من أهل الاجتهاد
وهذا باتفاق الأئمة الأربعة أنه لا يجوز أن يقبل خبر الثقة عن اجتهاد بل يجب أن يجتهد هو بنفسه إذا كان من أهل الاجتهاد
وهذا الحكم أخذ من قول المؤلف - رحمه الله - بيقين أي لا باجتهاد
والقول الثاني أن المجتهد يجوز له أن يأخذ خبر الثقة المجتهد إذا ضاق الوقت وهذا القول اختاره شيخ الاسلام بن تيمية - رحمه الله -
والقول الثالث أنه يجوز له أن يأخذ خبر الثقة الذي اجتهد مطلقاً ولا يلزمه هو أن يجتهد
والذي يظهر والله أعلم أن عمل الناس على الثالث فتجد مجموعة من الناس كلهم أو أكثرهم يعرف كيفية الاستدلال على القبلة ثم يجتهد واحد منهم ويصلي البقية باجتهاد هذا المجتهد فعلى هذا عمل الناس وفي إلزام الكل بالاجتهاد مشقة
(1/324)
________________________________________
فما دام هذا المجتهد عارف بأدلة القبلة وهو ثقة فإنه يجوز قبول قوله ولو كان القابل لقوله يستطيع أن يجتهد هو بنفسه وهذه المسألة كثيرة الوقوع
وأرجو أن تكون مفهومة
• ثم قال - رحمه الله -
أو وجد محاريب إسلامية عمل بها
نحتاج إلى عدة مباحث
المبحث الأول
أنه يشترط في هذه المحاريب أن تكون إسلامية فإن كانت محاريب لليهود أو للنصارى أو لغيرهم من أهل الملل فإنه لا يجوز للمسلم أن يستدل بها
المبحث الثاني
التعليل الذي يدل على هذا الحكم والتعليل هو أن هذه المحاريب عمل بها المسلمون وتتابعوا على ذلك عصراً من بعد عصر بما يشبه الإجماع على صحتها فوجب المصير إلى ما تدل عليه
المبحث الثالث
هل المحاريب مشروعة أو تعتبر بدعة لا يجوز أن تبنى في المساجد؟
في هذا خلاف بين أهل العلم وهو خلاف قوي
ومن الفائدة أن تعلم أن أول من بنى المحاريب هو أمير المؤمنين عمر بن عبدا لعزيز رضي الله عنه ورحمه ثم من عهده حين كان والياً قبل أن يكون خليفةً بنى المحاريب ثم من ذلك الوقت إلى يومنا هذا والمحاريب تبنى في المساجد
واختلف الفقهاء على قولين
منهم من يرى أن المحاريب بدعة
لأنها لم تفعل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -
ولأن عدداً من السلف ذموا وجود المحاريب في المساجد
والقول الثاني أن هذه المحاريب مشروعة ولا تعتبر بدعة
لدليلين
الدليل الأول أنها داخلة في عموم المصالح المرسلة والمصالح المرسلة هي: المصالح التي لم ينص الشارع على مشروعيتها ولكن دلت على ذلك النصوص والقواعد العامة
ومن أبرز أمثلة المصالح المرسلة التي اتفق عليه الصحابة جمع المصحف فإن جمع القرآن لم يحدث في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما جمعه أبو بكر رضي الله عنه لما رأوا المصلحة في جمعه
إذاً بعد أن أخذنا فكرة موجزة عن المصالح المرسلة فقد استدل الذين قالوا بمشروعية المحاريب بمبدأ المصالح المرسلة
ذو القعدة الدليل الثاني إجماع الأمة بعد عصر الصحابة على وضع المحاريب في المساجد
• ثم قال - رحمه الله -
ويستدل عليها في السفر بالقطب والشمس والقمر ومنازلهما
- القطب
(1/325)
________________________________________
هو أحد النجوم التي يستدل بها على جهة القبلة وهو أهم هذه العلامات
والسبب في أهميته ثباته الدائم في مكانه فإن له مكاناً ثابتاً لا يتغير عنه
وهذا مما يسهل على من يطلب القبلة أن يستدل به عليها
- والشمس والقمر ومنازلهما
أي ويستدل الإنسان بالشمس والقمر ومنازل كل منهما
وهي: ثمانية وعشرون منزلاً ينزلها القمر في الشهر والشمس في السنة
واليوم أصبح الاستدلال على القبلة أمر يسير مع وجود الآلات الحديثة وسهولة استخدام هذه الآلات مع تيسر الاتصالات
ولذلك من الخطأ البين التساهل في معرفة القبلة مع هذا التيسير في الاستدلال عليها إما من طريق الآلات أو السؤال
ثم بدأ المؤلف - رحمه الله - الكلام عن الاختلاف في القبلة بين المجتهدين
•
فقال - رحمه الله -
وإن اجتهد مجتهدان فاختلفا جهة لم يتبع أحدهما الآخر
في هذه المسألة تفصيل وليست على الإطلاق الذي ذكره المؤلف
فإذا اختلفا المجتهدان في تحديد القبلة فإن ذلك على قسمين
القسم الأول
أن يكون اختلافهما في جهة واحدة
كأن يميل أحدهما يميناً والآخر شمالاً ولكن في جهة واحدة ففي هذا القسم يصح أن يقتدي احدهما بالآخر عند الحنابلة وعند غيرهم
التعليل
أنهما استقبلا جهة واحدة والواجب في الاستقبال استقبال الجهة وهو حاصل منهما
القسم الثاني أن يكون اختلافهما في جهتين لا في جهة واحد
بأن يستقبل أحدهما الشمال والآخر الغرب مثلاً
ففي هذه الصورة لا يجوز أن يقتدي أحدهما بالآخر
وهو مذهب الحنابلة
الدليل
أن كل منهما يعتقد خطأ الآخر فلا يجوز أن يقتدي بمن يعتقد خطأه
والقول الثاني أنه يجوز أن يقتدي أحدهما بالآخر ولو اختلفا جهة
وممن ذهب إلى هذا القول الفقيه المشهور أبو ثور - رحمه الله -
التعليل
أن الاختلاف في المسائل الفقهية لا يمنع الاقتداء في الصلاة
ولذلك يجوز أن يصلي من يرى نقض الطهارة بلحم الإبل خلف من يرى أن لا نقض بلحم الإبل
وأمثلة هذا الحكم كثيرة
(1/326)
________________________________________
بناء على هذا القول يصلون جماعة ولو اتجه بعضهم إلى غير جهة الإمام وبأس ولا محذور في ذلك كما أن الذين يصلون بجوار الكعبة يصلون إلى جهات مختلفة ولم يضر هذا بالإئتمام فكذلك في مسألتنا
والأقرب والله أعلم القول الثاني
•
ثم قال - رحمه الله -
ويتبع المقلد أوثقهما عنده
المقلد هو من لا يحسن الاجتهاد لتحديد القبلة
يبتع أوثقهما عنده لم يبين المؤلف - رحمه الله - مناط الثقة أوثقهما في ماذا؟
ومراده - رحمه الله - أوثقهما علماً وأكثرهما تحرياً لدينه
وهذا ضابط جيد في
مسألة القبلة
وفي مسالة أهم منها
وهي: مسألة الاستفتاء
فإن المقلد أي العامي يجب عليه في الاستفتاء أن يقلد ويستفتي الأوثق علماً الأكثر تحرياً لدينه
وقد يظن البعض أنهما شيء واحد وهذا خطأ فقد يكون الإنسان كثير العلم لكن قليل الدين وقد يكون كثير الدين وقليل العلم
فيجب أن يسأل من هو أكثر علماً وأكثر تحرياً لدينه
فإن استويا عنده تحرياً لدينه وعلماً بأدلة القبلة اختار من شاء منهما فيقلد من شاء من المجتهدين في تحديد القبلة
• ثم قال - رحمه الله -
ومن صلى بغير اجتهاد ولا تقليد قضى إن وجد من يقلده ويجتهد العارف
أذاً من صلى بغير اجتهاد ولا تقليد قضى إن وجد من يقلده
من صلى بغير اجتهاد أي ممن هو أهل للاجتهاد
ولا تقليد أي ممن ليس أهلاً للاجتهاد قضى
أي أعاد الصلاة
التعليل
أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة ولم يأت به فبطلت صلاته
ومفهوم كلام المؤلف أن من صلى بغير اجتهاد ولا تقليد فإن صلاته باطلة ولو أصاب
وهذا أحد القولين في المسألة أي في مسألة إذا أصاب
فالقول الأول أنه يعيد ولو أصاب
التعليل
قالوا أنه لم يفعل ماأمر به على الوجه الشرعي فلم تنفعه أصابته كما أن من أفتى بغير علم آثم ولو أصاب ومن قضى بين خصمين آثم ولو قضى بالعدل فكذلك من صلى إلى القبلة بغير اجتهاد ولا تقليد فصلاته باطلة ولو أصاب
والقول الثاني أنه إن أصاب فصلاته صحيحة
لأن شرط الاستقبال تحقق فيه
أي القولين أرجح؟
(1/327)
________________________________________
- ما ترون في رجل صلى بغير طهارة فلما انتهى من الصلاة وجد أنه على طهارة؟
فهل صلى في حقيقة الأمر مستكملاً الشروط؟
الجواب لا
وهل صلاته صحيحة؟
الجواب لا
هذه الصورة من صلى وهو يرى أنه على غير طهارة صلاته باطلة بل قد يكفر لأنه مستهتر
فلو كان صلى على طهارة في حقيقة الأمر لم تقبل صلاته
فهذا كذلك إذا صلى بغير اجتهاد ولا تقليد فإن صلاته ليست صحيحة
وهذا الذي يظهر والله أعلم
• ثم قال - رحمه الله -
ويجتهد العارف بأدلة القبلة لكل صلاة
أي إذا اجتهد لصلاة الظهر ورأى أن القبلة في اتجاه معين ثم حضرت صلاة العصر فإنه يجب أن يجتهد وينظر في الأدلة مرة أخرى إلى أن يتبين له الاتجاه الصحيح للقبلة وإن كان في نفس المكان
وهذا باتفاق الأئمة الأربعة أنه يجب أن يجتهد مرة أخرى
القول الثاني وهو وجه فقط عند الشافعية أنه لا يجب أن يجتهد
التعليل لأن الأصل بقاء الظن الأول إلا إذا وُجِدَ سبب يقتضي إعادة الاجتهاد فيجب حينئذ أن يجتهد أن يعيد الاجتهاد
والراجح والله أعلم القول الثاني
بقينا في شيء واحد وهو
ما هو دليل الأئمة الأربعة؟
دليلهم أنها حادثة جديدة فتحتاج إلى اجتهاد جديد
والأقرب كما قلت لكم القول الثاني أنه لا يحتاج أن يجتهد مرة أخرى
• ثم قال - رحمه الله -
ويصلي بالثاني
يصلي بالثاني دون الأول لأنه بالاجتهاد الثاني ترجح عنده الظن الثاني والعمل بالظن الراجح واجب وترك المرجوح أيضاً واجب
ولا إشكال في هذا إذا اجتهد مرة أخرى فإنه يأخذ بالإجتهاد الثاني ولا يجوز له أن يأخذ بالاجتهاد الأول
وهذا يقع عند كثير من الناس فمثلاً إذا خرجوا خارج المدينة اجتهدوا أن القبلة بالاتجاه المعين ثم إذا حضرت الصلاة الثانية قال أحدهم أنا أرى جازماً أن القبلة في اتجاه آخر لكن سأصلي معكم
فنقول إنه لا يجوز له أن يصلي معهم إذا كان من أهل الاجتهاد فإنه لا يجوز أن يصلي معهم
لماذا؟
لأن العمل بالاجتهاد الثاني واجب
(1/328)
________________________________________
لكن كثير من الناس يتساهل في هذا لأنه يرى أن الأول اجتهاد والثاني اجتهاد فإن صلينا إلى الأول أو إلى الثاني فلا بأس وهذا خلاف القواعد الشرعية بل يجب أن يعمل بالاجتهاد الثاني
• ثم قال - رحمه الله -
ولا يقضي ما صلى بالأول
يعني بالاجتهاد الأول
وهذا صحيح للقاعدة المتفق عليه أن الاجتهاد لا ينقض بمثله
فهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم وتدخل في أبواب كثيرة من أبواب الفقه
انتهى المؤلف - رحمه الله - بهذا من الكلام عن الشرط الخامس وهو مسألة استقبال استقبال القبلة وما فيها من تفاصيل وانتقل إلى الشرط السادس وهو النية
• فقال - رحمه الله -
ومنها النية
النية هي: الشرط السادس من شروط الصلاة ويتعلق بها مباحث كثيرة
المبحث الأول تعريف النية
أولاً النية في لغة العرب هي: القصد
أي معنى نويت كذا قصدته
ثانياً تعريف النية في الإصطلاح هي: قصد العمل على وجه القربة
هذا المبحث الأول
المبحث الثاني أدلة اشتراط النية
لها أدلة نأخذ دليلاً من الكتاب وآخر من السنة
فدليلها من الكتاب
قوله تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} البينة
يعني أن العبادة تقبل حال كونها مع الإخلاص
ودليلها من السنة
قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى
وأدلة النية أكثر من أن تحصر نصاً واستنباطاً في الكتاب والسنة
المبحث الثالث المراد بالنية
ذكر الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - بحثاً جيداً في المراد بالنية فقال يراد بالنية أمران
الأول نية المعمول له
والثاني نية نفس العمل
فالمقصود
- بنية المعمول له يعني الإخلاص
والمعمول له في العبادات هو الرب جلا وعلا
وهذه النية لا يتكلم عنها الفقهاء وإنما يتكلم عنها الذين يتكلمون عن أعمال القلوب وهو من المباحث العقدية
وأعمال القلوب فيها مؤلفات كثيرة مفيدة ونافعة لطالب العلم من أحسنها وأخصرها التحفة العراقية لشيخ الإسلام ابن تيمية وهو مطبوع
- الثاني نية نفس العمل
والمقصود بها
تمييز العبادة عن العادة
(1/329)
________________________________________
تمييز العبادة عن العبادة
يعني تمييز العبادات عن العادات وتمييز العبادات بعضها عن بعض
من أمثلة تمييز العادة عن العبادة
أن الإنسان قد يغتسل بنية التبرد
أو بنية التنظف
وقد يغتسل بنية غسل الجمعة أو الجنابة
فالصورة واحدة والفرق بين العملين هو في النية
من أمثلة الثاني وهو تمييز العبادات بعضها عن بعض مثل
إذا أراد الإنسان أن يصلي الظهر والعصر جمعاً فإن كلاً من الظهر والعصر أربع ركعات متشابهات في كل شيء إلا في النية فالذي يميز هذه عن هذه هو فقط النية
إذاً عرفنا الآن أن فائدة النية عند الفقهاء تمييز العبادات عن العادات وتمييز العبادات بعضها عن بعض
• ثم قال - رحمه الله -
فيجب أن ينوي عين صلاة معينة
يقصد المؤلف - رحمه الله - أنه يجب أن ينوي المصلي عين الصلاة
فيجب أن ينوي من يصلي الظهر أنه يصلي الظهر ويحدد هذه النية
ويجب أن ينوي من يصلي العصر أنه يصلي العصر
فإن لم ينوي هذه النية المعينة المحددة بطلت الصلاة وتخلف شرط النية
الدليل
استدلوا بدليلين
الأول عموم الحديث وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنيات
والثاني أنه بهذا يحصل التمييز بين العبادات
والرواية الثاني عن الإمام أحمد أنه لا يشترط تعيين الصلاة
لأن في إلزام المكلف بتعيين عين الصلاة قبل الشروع فيها مشقة وحرج إذ قد ينسى الإنسان إذا أراد الشروع في الصلاة أن يعين أنها صلاة الظهر
وهذا القول ضعفه المجد جد شيخ الإسلام بن تيمية
القول الثالث في هذه المسألة المهمة أن الواجب أن ينوي أنه يصلي فرض الوقت أو إذا فاتته صلاة الظهر والعصر ونسي أيهما التي فاتته فإنه يصلي بنية أنه يصلي عن تلك التي فاتته من غير تحديد
وهذا القول أومأ إليه الإمام أحمد ورجحه القاضي من أصحابه
فاحفظ هذا المثال فإنه من أمثلة إذا سمعت أن من شدة عناية أصحاب الإمام أحمد به وبأقواله أنهم كتبوا كل شيء من فتاويه وأقواله وإيماءاته فهذا من أمثلة الإيماء أومأ الإمام أحمد ولم يذكره وإنما فقط أومأ ومع ذلك حفظ وكتب
وهذا دليل على فضله وتمكنه في العلم
(1/330)
________________________________________
هذا القول هو القول الراجح
الدليل
أنه بهذا القول تجتمع الأدلة فيحصل التمييز وتنتفي المشقة
بناء على هذا إذا أراد الإنسان أن يصلي الظهر ونوى أنه سيصلي الفريضة في هذا الوقت ولم يأت في ذهنه أنها الظهر
فعلى القول الثالث والثاني الصلاة صحيحة
وعلى المذهب الصلاة باطلة
والأقرب والله أعلم القول الثالث كما قلت لكم
• ثم قال - رحمه الله -
ولا يشترط في الفرض والأداء إلى آخره
يعني لا يشترط أن ينويه فرضاً وإنما يكتفي بنية الظهر
التعليل
قالوا أن نية التعيين تغني عن نية الفرض
فإذا أراد أن يصلي فإنه لا يشترط أن ينوي أنه يصلي فرضاً بل يكتفي بأنها الظهر بل يكتفي بالتعيين
إذاً إذا قيل لك لماذا لا يشترط من يصلي الظهر أن ينويها فرضاً؟
فتقول لأن نية التعيين تكفي
ومعلوم أنه على القول الثالث السابق أنه إذا لم ينو أنها الظهر يجب أن ينوي أنها الفرض أنها فرض الوقت
فإذاً المصلي لا يخلو أبداً
إما أن ينوي عين الصلاة وأنها الظهر مثلاً
أو ينوي أنها فرض الوقت
فإن لم ينو لا أنها الظهر ولا أنها فرض الوقت فهي باطلة عند جميع العلماء إلا على هذه الرواية التي لا تشترط نية التعيين
وفي الغالب أن هذا لا يحصل لأن الإنسان إذا توضأ وقصد المسجد ففي الغالب ينوي فرض الوقت
•
ثم قال - رحمه الله -
ولا يشترط في الفرض والأداء والقضاء
يعني أن المصلي إذا أراد أن يصلي صلاة أداء أو قضاء فإنه لا يشترط أن ينوي أن هذه الصلاة أداء ولا أنها قضاء إذا كانت أداء أو قضاء
بعبارة أخرى لا يشترط أن ينوي الأداء أداء والقضاء قضاء
لماذا؟ ... التعليل
قالوا لأنه إذا تبين الأمر بخلاف ذلك صحت الصلاة بالإجماع
فلو صلى الإنسان يظن أن الوقت خرج فنوى أنها قضاء ثم تبين بعد الصلاة أن الوقت باقٍ فالصلاة الأولى صحيحة مع أنه نواها قضاء وهي في الواقع أداء فهذه صحيحة بالإجماع
والعكس صحيح لو صلى الإنسان يظن أن الوقت باقٍ بنية الأداء ثم تبين أنه خرج فإنها تصح بالإجماع
الأذان
تكملة بعد صلاة العشاء
قال شيخنا حفظه الله
(1/331)
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
• قال - رحمه الله -
والأداء والقضاء
تقدم معنا قبل الصلاة أن ذكرت أن من صلى القضاء أو الأداء فإنه لا يشترط أن ينوي الأداء أداء والقضاء قضاء
وتعليل ذلك
أنه لو صلى الصلاة بنية الأداء فتبين أنها قضاء أو صلى الصلاة بنية القضاء فتبين أنها أداء صحت بالإجماع
وذكرت صورة ذلك
فصورة الأولى أن يصليها ناوياً أنها أداء ظاناً بقاء الوقت ثم يتبين أن الوقت خرج فهي في الحقيقة قضاء ومع ذلك تصح الصلاة
والعكس أن يصلي ظاناً خروج الوقت بنية القضاء ثم يتبين بقاء الوقت وأنه لم يخرج فالصلاة أيضاً في هذه الصورة صحيحة
فلهذا الإجماع قال الفقهاء أنه تصح الصلاة
• ثم قال - رحمه الله -
والنفل والإعادة
من صلى صلاة النافلة فإنه لا يشترط أن ينوي أنها نفل سواء كانت الصلاة
نافلة معينة كالوتر والاستسقاء والتراويح
أو كانت نافلة مطلقة كصلاة الليل
في الصورتين لا يشترط أن ينوي أنها نفل
ويدخل في عبارة المؤلف الصبي الذي لم يبلغ إذا صلى الظهر فهي في حقه نافلة ومع ذلك لا يشترط أن ينويها نافلة
لماذا؟ ... قالوا
لأن نية الوتر مثلاً تكفي عن نية النفل
كذلك لأن نية صلاة الليل المطلقة تكفي عن تحديد نية صلاة الليل
كذلك الصبي الذي لم يبلغ إذا صلى الظهر فنيته للظهر تكفي عن نية النفل
الخلاصة أن نية النفل لا تشترط لمن يصلي نفلاً سواءً كان النفل معيناً أو كان مطلقاً لما تقدم معنا الآن
•
ثم قال - رحمه الله -
والنفل والإعادة
لا يشترط فيمن صلى الصلاة الفريضة إعادة أن ينوي أنها إعادة
قياساً على عدم وجوب نية الفريضة بل هذا أولى
فإذا صلى الظهر ثم تبين له بطلان الصلاة وأراد أن يعيدها فإنه لا يشترط أن ينوي أن هذه الصلاة إعادة وإنما يكتفى على
المذهب بالتعيين
أو يكتفى على القول الراجح بنية الفريضة فريضة الوقت
• ثم قال - رحمه الله -
وينوي مع التحريمة
يعني أنه يستحب أن ينوي الفريضة ويعينها مع التكبيرة فيأتي بالتكبيرة مع النية في وقت واحد
التعليل
(1/332)
________________________________________
لكي تقارن النية الفريضة
التعليل الثاني لتكون الصلاة جاءت بجميع أجزاءها بنية حقيقية لا حكمية
ولكن هل هذا على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب؟
في هذا خلاف بين الفقهاء
فالقول الأول أن هذا على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب وهو مذهب الحنابلة
التعليل
أن من نوى قبل التكبيرة بزمن يسير فقد صلى الصلاة مع النية فتحقق الشرط وهو شرط النية
والقول الثاني في هذه المسألة هو القول الذي تبناه الإمام الشافعي أنه يجب أن تقارن النية التكبيرة
واستدل
بالحديث إنما الأعمال بالنيات
والصواب القول الأول بل إن أصحاب الإمام الشافعي أنفسهم يحكون قول الشافعي ويرجحون خلافه
لماذا؟
لأن في هذا القول مشقة وعنت شديدين
•
ثم قال - رحمه الله -
وله تقديمه عليها بزمن يسير في الوقت
يجوز تقديم النية على التكبيرة بشرطين
الأول أن يكون التقديم بزمن يسير
الثاني وأن يكون التقديم بعد دخول وقت الفريضة
- نبدأ بالشرط الأول
يشترط لجواز تقديم النية وإجزائها أن يكون التقديم بزمن يسير
التعليل
لأن هذا هو الذي يُحْتَاجُ إليه
ثانياً لأن التطويل يقطع الارتباط بين النية والعمل
والقول الثاني أنه يجوز أن يقدم النية على التحريمة ولو بوقت طويل ما دام مستديماً للنية ولم يقطعها
لأن الاستصحاب الحكمي كالاستصحاب الحقيقي
وأظن أنا أخذنا في أول كتاب الطهارة الفرق بين الاستصحاب الحكمي والاستصحاب الحقيقي
وهذا القول الثاني هو الصواب
- الشرط الثاني
أن يكون هذا التقدم بعد دخول الوقت
ولتوضيح هذا الشرط نذكر التفصيل التالي
ـ أولاً إن نوى النية قبل دخول الوقت ثم عزبت عن ذهنه وقطعها أيضاً قبل دخول الوقت فالنية لا تجزئه بلا خلاف
لأن النية والإبطال حصلا قبل دخول الوقت
ـ ثانياً أن ينوي قبل الوقت ويستصحبها إلى ما بعد الوقت
وهذه الصورة هي التي يريدها المؤلف - رحمه الله - فهي على
المذهب لا تجزئ
لأنه نوى قبل دخول الوقت
والقول الثاني أنه إذا نوى قبل الوقت واستصحبها إلى ما بعددخول الوقت فإنه يجزئ
(1/333)
________________________________________
لأن وهذا هو التعليل المهم استصحاب النية التي حصلت قبل الوقت كابتدائها فيه
وهذا القول هو الصواب إن شاء الله
فتبين معنا أنه يجوز أن يقدم النية على التحريمة بوقت طويل قبل الوقت وبعد الوقت بشرط أن لا يفسخ ويقطع هذه النية وسيذكر المؤلف - رحمه الله - مسألة قطع النية
• يقول - رحمه الله -
فإن قطعها في أثناء الصلاة بطلت
إذا قطعها في أثناء الصلاة بطلت بلا خلاف
وكذا إذا قطعها قبل الصلاة ثم صلى بلا نية جديدة فإنها تبطل بلا خلاف
التعليل
أن النية من شروط الصلاة ولم يأت بها وهذا أمر متبادر إلى الذهن
إذاً إذا فسخ وقطع النية بطلت بلا إشكال ولا خلاف
• ثم قال - رحمه الله -
أو تردد بطلت
إذا تردد الإنسان في النية أثناء الصلاة فإن الصلاة تبطل
وهذا مذهب الحنابلة
لأن هذا التردد يذهب اليقين
ولأنه لم يبق جازماً مع هذا التردد
والقول الثاني أن التردد لا يبطل الصلاة
لأن اليقين مقدم على الشك فهو متيقن للنية متردد في ما عداها
وهذا القول اختاره من الحنابلة الشيخ ابن حامد - رحمه الله - وهو من علماء الحنابلة الذين لهم اختيارات ليست كثيرة لكنها جيدة
وهذا القول هو الصواب وهوعدم الإبطال
بدليل يعني سبب الترجيح
أن ابن مسعود رضي الله عنه قال صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ وأطال حتى هممت بأمر شر قيل وبما هممت؟ قال هممت أن اجلس وأدعه
ففي هذا الحديث تردد ابن مسعود لأنه يقول هممت فهو متردد في الاستمرار في الصلاة أو قطعها وترك النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك لم تبطل صلاته
فدل هذا الأثر على صحة قول من قال أن التردد لا يبطل الصلاة ولا يقدح في النية
•
ثم قال - رحمه الله -
وإن قلب منفرد فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز
تأمل معي في هذه المسألة
يقول إن قلب منفرد فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز
أي أنه يجوز عند الحنابلة أن يقلب المصلي فرضه الذي دخل به إلى نفل جاز بشرط أن يكون الوقت متسعاً ط
وفي هذه المسألة تفصيل فهي تنقسم إلى قسمين
القسم لأول أن يقلب فرضه نفلاً لسبب صحيح
(1/334)
________________________________________
القسم الثاني أن يقلب فرضه نفلاً لغير سبب
- نبدأ بالقسم الثاني
إذا قلب فرضه إلى نفل بغير سبب صحيح
فعند الحنابلة تصح مع الكراهة
قال تصح
لأن نية النفل مندرجة في الفرض
بدليل لو أحرم وهو يظن دخول الوقت ثم تبين له أن الوقت لم يدخل انقلبت صلاته إلى نفل
فهذا يدل على أن النفل مندرج في الفرض
وقالوا يكره
لأنه أبطل عمله
والقول الثاني أنه لا يجوز ولا يصح أن يقلب فرضه نفلاً بلا عذر ولا سبب صحيح
لأن في هذا إبطال لفريضته بلا سبب
- القسم الثاني وهو الذي ذكرته لك أولاً
أن يقلب فرضه نفلاً لسبب صحيح
فالصواب أنه يجوز بلا كراهة
مثال للسبب الصحيح أن يحرم بالفريضة ثم تحضر جماعة ويريد أن يدخل معهم ليصلي الفريضة جماعة فيجوز له أن يقلب هذه الفريضة إلى نفل ويتمها ثم يدخل مع الجماعة التي حضرت
فهذا سبب شرعي صحيح
وقلت أنه يجوز ويصح بلا كراهة
لأن جنس قلب النية جاء في السنة
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما صلى الليل منفرداً دخل معه ابن عباس رضي الله عنه وهو في هذه الحالة قلب النية من الانفراد إلى الإمامة
وسيأتينا شواهد كثيرة في المسائل التالية
بهذا كمل الكلام حول مسألة قلب المفترض نيته إلى نافلة قلب الفريضة إلى نافلة بهذا التفصيل كمل
والذي يظهر لي في المسألة الأولى إذا كان القلب بلا حاجة مطلقاً أنه لا يجوز
ولا أظن أن أحداً يفعل هذا الفعل إذ ما هو السبب أن الإنسان يدخل في الفريضة ثم يقلبها نافلة بلا سبب
فإن فعل لو تصور وجود هذه الصورة فالذي أراه أنه لا يجوز ولا يصح كما هي الرواية الثانية عن الإمام أحمد - رحمه الله -
• ثم قال - رحمه الله -
وإن انتقل بنيته من فرض إلى فرض بطلى
إذا انتقل بنيته من فرض إلى فرض بطل الفرض الأول والفرض الثاني
وهذا يحتاج إلى إيضاح
أولا
يقول وإن انتقل بنيته
ولهذ الكلمة مفهوم لأنه لو انتقل بغير النية بأن كبر ونوى نية جديدة للفريضة الثانية بطلت الأولى وصحت الثانية
لأنه هنا لم ينتقل بنيته وإنما انتقل بنيته وتكبيره وشروعه في فرض آخر
إذاً عندنا صورتان
(1/335)
________________________________________
الصورة الأولى أن ينتقل بمجرد النية فقط ينوي كمن كان يصلي العصر وتذكر أنه لم يصل الظهر فقلب نيته فوراً إلى نية الظهر فهو هنا هل كبر للظهر من جديد أو انتقل بمجرد النية؟ بمجرد النية
إذا انتقل بمجرد النية بطلت الأولى ولم تصح الثانية
لماذا؟
بطلت الأولى لأنه قطع نيتها
ولم تصح الثانية لأنه لم يدخل فيها دخولاً شرعياً
إذاً عرفنا الآن أنه إذا انتقل بغير النية بأن يشرع شروعاً جديداً بتكبيرة الإحرام ونية جديدة في الفريضة الثانية فإنه في هذه الصورة تبطل الأولى وتصح الثانية
وأما إن انتقل وهو المقصود بكلام المؤلف - رحمه الله - بنيته فقط بطلت الأولى ولم تصح الثانية وعرفت التعليل
- مسألة هل الذي بطل الفريضة بالنسبة للأولى أو الصلاة؟
الجواب
إن نوى إبطال الفريضة صحت الصلاة نافلة لأنه إنما نوى إبطال الفريضة لا الصلاة من أصلها
وإن نوى إبطال الصلاة من أصلها لم تصح الأولى لا فريضة ولا نافلة
بعبارة أخرى أسهل
إذا انتقل الإنسان بنيته من فريضة إلى فريضة بطلت الفريضتان ولكن هل تصبح الأولى نافلة؟
الجواب
إن نوى بالإبطال إبطال الفرض فقط بالنسبة للأولى دون الصلاة صحت الأولى نافلة وبطلت فريضة
وإن نوى إبطال الصلاة من أصلها بطلت الأولى والثانية
فنفرق بين نية الفريضة ونية أصل الصلاة لأن نية الفريضة أمر زائد على مجرد الصلاة
مداخلة من أحد الطلاب ليست واضحة من الشريط قال الشيخ بعدها هذا ينبني على الخلاف السابق قال الحنابلة وهذا ينبني على الخلاف السابق فيمن قلب فرضه نفلاً إن صحت تلك صحت هذه أحسنت تنبه ممتاز
إذاً نقول إذا انتقل الإنسان نت فرضه إلى فرضه فهل تصبح الأولى نافلة أو تبطل؟
الجواب تصبح نافلة إن نوى إبطال الفريضة فقط
وتبطل برمتها إن نوى إبطال الصلاة
والقول بكونها تصبح نافلة مبني على المسألة السابقة وعي قلب المصلي نيته من الفرض إلى النفل
وهاتان الصورتان اللتان ذكرتهما الأولى أن ينوي إبطال الفريضة فقط والثانية أن ينوي إبطال الصلاة برمتها فهذه هي الصورة الثانية
(1/336)
________________________________________
أن ينوي إبطال الصلاة كلها لا إبطال فريضة الظهر فقط في المثال المذكور
يعني إذاً الصورة الثانية تسهيلاً من يصلي العصر ثم يذكر أنه لم يصل الظهر فإن نوى إبطال فريضة العصر صحت نافلة على القول بصحة النافلة
وإن نوى إبطال الصلاة برمتها لم تصح لا نافلة ولا فريضة
•
ثم قال - رحمه الله -
وتجب نية الإمامة والائتمام
المؤلف - رحمه الله - يقول تجب نية الإمامة والائتمام
يعني
يجب على الإمام أن ينوي أنه إمام يقتدى به
ويجب على المأموم أن ينوي أنه مأموم يقتدي بالإمام
فان لم ين هذه النية الإمام والمأموم بطلب الصلاة في الإمام والمأموم
إذاً عندنا مسألة الإمامة ومسألة المأموم
- نبدأ بالمأموم
المأموم بلا نزاع بين الفقهاء الأربعة أنه لا يكون مأموم إلا بنيته فإن لم ينو لم يكن مأموماً
إذاً لا إشكال في مسألة الإئتمام أنه لا تصح إلا بالنية
- نأتي لنية الإمامة
فالمذهب يرون أنه يتشرط لصحة الإمامة وصحة صلاة الجماعة أن ينوي الإمام الإمامة
الدليل
قالوا الدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنيات
وذكروا تعليلاً حسناً آخر
فقالوا أنه يترتب على صلاة الجماعة أحكام كثيرة منها
سقوط السهو عن المأموم
ومنها وجوب المتابعة
وأحكام أخرى كثيرة
ولا يتميز الإمام عن المأموم إلا بنية
بناء على هذا لو صلى اثنان كل منهما يظن أنه الإمام بطلت صلاة الجميع
ولو صلى اثنان يظن كل منهما أنه مأموم بطلت صلاة الاثنين
لماذا؟
لأن شرط الإمامة والإئتمام لم يتوفر فبطلت الصلاة
والقول الثاني أنه لا يتشرط للإمام أن ينوي الإمامة بل لو اقتدى شخص بشخص لم ينو أن يكون إماماً صحت الصلاة جماعة
واستدل هؤلاء
بحديث عائشة الثابت في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في حجرته وكان جدار الحجرة قصيراً فصلى بصلاته أناس من الصحابة
فظاهر هذا الخبر أنهم اقتدوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينو أن يكون إماماً
(1/337)
________________________________________
ولا يستدل بحديث ابن مسعود ولا حديث ابن عباس رضي الله عنهما لأن بعد دخولهما نوى النبي - صلى الله عليه وسلم - الإمامة فصار يؤمهما
لكن في هذا الحديث لم يعلم بهم أصلاً فهو ألصق
وهذا القول كما ترون فيه حديث صحيح يجب المصير إليه
فالراجح أنه لا يشترط للإمامة وصحت صلاة الجماعة أن ينوي الإمام الإمامة
فما يحصل كثيراً وهو أن يقوم شخص يقضي الصلاة فيقف بجواره شخص لم يدرك الصلاة وؤيصلي بصلاته مع أن الإمام لم يشعر بذلك كله ففي هذه الصورة عند
الحنابلة لا تصح
لأن نية الإمامة والإئتمام واجبة
وعلى القول الثاني صلاة الإمام صحيحة وصلاة المأموم صحيحة ولو لم ينو الإمام الإمامة
لكن هناك بحث آخر الإمام له أجر الجماعة في مثل هذه الصورة وأن لم ينو؟ أو له أجر الانفراد لأنه لم ينو؟
هذا فيه خلاف والأقرب أنه ليس له نية الجماعة
لأن الأعمال بالنيات
ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال يعني صحتها بالنيات يعني إنما تصح الأعمال وتبطل بالنية
•
ثم قال - رحمه الله -
وإن نوى المنفرد الائتمام لم يصح
يعني إذا نوى المنفرد في أثناء الصلاة الائتمام لم يصح
لأن النية لم توجد من أول الصلاة والنية شرط
والقول الثاني أن المنفرد إذا نوى الإئتمام تصح الصلاة ولو في أثناء الصلاة
الدليل على هذا
ما تقدم معنا أن في السنة شواهد كثيرة لقلب النية وأن الصلاة تصح مع ذلك منها
حديث ابن مسعود رضي الله عنه السابق حيث دخل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في أثناء الصلاة
ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام يصلي الليل فقام معه ابن عباس في أثناء الصلاة وصف عن يساره فأخذه وجعله عن يمينه
ومنها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صلى بالناس إماماً فلما حضر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجع وصار الإمام النبي - صلى الله عليه وسلم - فهنا انقلبت نية أبي بكر الصديق رضي الله عنه من الإمامة إلى الائتمام
وفي حديث ابن عباس انقلبت نية النبي - صلى الله عليه وسلم - من الإنفراد إلى الإمامة
(1/338)
________________________________________
فهذه الشواهد تدل على أن جنس قلب النية ما دام لغرض شرعي صحيح أنه جائز ولا حرج فيه
فالقول الثاني هو ما قلت لك في مسألة المنفرد إذا نوى الإئتمام أنه يصح
• ثم قال - رحمه الله -
قوله كنية إمامته فرضاً
أي كما أنه لا يجوز أن يقلب المنفرد نيته من الانفراد إلى الإمامة في الفريضة فقط
يعني أن
الحنابلة يرون أن المنع من قلب نية المنفرد إلى نية الإمامة ممنوع في الفريضة فقط دون النافلة
لأن الإمام أحمد يقول في النافلة جاء حديث ابن عباس فهو نص في قلب النية من الانفراد إلى الإمامة لكن قاتل الإمام أحمد هذا جاء في النافلة وليس كذلك يقول الفريضة لأنه لم يأت
والقول الثاني أنه يجوز
لأن ما ثبت في النافلة ثبت في الفريضة إلا بدليل خاص ولا دليل يستثني هذه الصورة
• ثم قال - رحمه الله -
وإن انفرد مؤتم بلا عذر بطلت
مقصود المؤلف - رحمه الله - بقوله إذا انفرد المؤتم يعني خرج عن الجماعة وصلى منفرداً
فالحكم يقول - رحمه الله - بطلت بشرط أن يكون ذلك بلا عذر
التعليل
أنه ترك متابعة الإمام بلا عذر كما لو تركها في أثناء الصلاة فإن المأموم لو ترمك متابعة الإمام في صلاة الجماعة بلا عذر بطلت صلاته فكذلك إذا انفرد
والقول الثاني أنه إذا ترك متابعة الإمام بلا عذر تصح الصلاة
قياساً على ما إذا نوى المنفرد الإمامة أو نوى المنفرد الائتمام
والصواب القول الأول وهو المذهب ومن ترك الجماعة بلا عذر ولا سبب شرعي فصلاته باطلة
- القسم الثاني
أن ينفرد عن الجماعة ويترك المتابعة بعذر فهنا صلاته صحيحة
لما ثبت في البخاري ومسلم أن معاذاً رضي الله عنه صلى بقومه فقرأ بالبقرة فانصرف رجل وصلى وحده فلما أخبر معاذ رضي الله عنه قال إنك منافق فقال الرجل لآتين النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما حصل قال - صلى الله عليه وسلم - أفتان أنت يا معاذ
ففي الحديث إقرار للرجل على انفراده ولم يأمره بإعادة الصلاة
الخلاصة أن انفراد المؤتم عن الجماعة ينقسم إلى قسمين
إما أن يكون بعذر
أو يكون بغير عذر
(1/339)
________________________________________
فإن كان بعذر جاز وصح
وإن كان بغير عذر حرم وبطل
•
ثم قال - رحمه الله -
وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه بلا استخلاف
مقصود المؤلف - رحمه الله -
أنه إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم
وأنه لا يجوز ولا يصح للإمام أن يستخلف وهذا معنى قوله بلا استخلاف
والاستخلاف هو أن ينيب الإمام رجلاً من الجماعة ليكمل الصلاة بالباقين
فعند الحنابلة إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم ولا يصح ولا يجوز أن يستخلف
التعليل
قالوا لارتباط صلاة الإمام بالمأموم فإذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم
والقول الثاني أن بطلان صلاة الإمام لا يؤدي إلى بطلان صلاة المأموم وعليه أن يستخلف
الدليل
الدليل على ذلك
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعن استخلف عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فأتم بالمسلمين الصلاة
وقد وقع هذا بحضرة الصحابة ولم ينكره منهم أحد فهو كالإجماع
وهذا القول الثاني ظاهر القوة
فتبين من ذلك أن بطلان صلاة الإمام لا يؤدي إلى بطلان صلاة المأموم إلا
إذا بطلت في ما يحمله الإمام عن المأموم ففي هذه الصورة تبطل صلاة الإمام والمأموم
القاعدة أن بطلان صلاة الإمام لا يؤدي إلى بطلان صلاة المأموم إلا فيما يحمله الإمام عن المأموم
مثاله على القول بأنه لا يجب على المأموم قراءة الفاتحة في الجهرية أو في السرية على هذا القول من الذي يحمل عن المأموم قراءة الفاتحة؟
الإمام
فلو فرضنا أن الإمام في السرية نسي أن يقرأ الفاتحة وذهب والمأموم لم يقرأ الفاتحة بناء على أن الإمام يحمل عنه قراءة الفاتحة ففي هذه الصورة بطلت صلاة الإمام وبطلت أيضاً صلاة المأموم
هذا على القول بأن الإمام يحمل عن المأموم قراءة الفاتحة وستأتينا هذه المسألة في صفة الصلاة
ثم في المسألة الأخير
• قال - رحمه الله -
وإن أحرم إمام الحي بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتماً صح
معنى هذه المسألة
أنه إذا تأخر الإمام عن الصلاة وتقدم النائب وأحرم بالصلاة ثم حضر بعد ذلك الإمام فإنه يجوز أن يؤم الجماعة ويصبح النائب مأموماً بعد أن كان إماماً
(1/340)
________________________________________
وهذا معنى قوله - رحمه الله - وإن أحرم إمام الحي بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتماً صح
الدليل على هذا الحكم
حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه نص في هذه المسألة بالذات حيث أصبح الإمام مأموماً وهو أبو بكر وأصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - إماماً
فهذه المسألة دليها هذا النص
وبهذا نكون قد توقفنا على باب صفة الصلاة والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد
انتهى الدرس
(1/341)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
[باب صفة الصلاة]
هذا الباب من كتاب الزاد هو أهم باب على الإطلاق لأنه يتعلق بالصلاة والصلاة هي أهم مباحث كتاب الزاد واهم مباحث الفقهاء وإنما اعتبرنا هذا الباب هو أهم الأبواب لمزيد عناية الشارع بالصلاة والتأكيد عليها وفزع النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها وكونها فرضت في السماء وأهمية الصلاة لا تخفى على مسلم.
فإن قيل: الأبواب السابقة أيضاً في الصلاة فهي في شروط الصلاة؟
فالجواب: أن هذا صحيح لكن الباب الذي يتحدث عن ماهية الصلاة والأعمال داخلها أهم من الأبواب التي تتحدث عن الشروط التي تسبق الصلاة.
فمن هذه الجهة صار باب صفة الصلاة أهم من الأبواب السابقة له وإن كانت تتعلق بالصلاة أيضاً.
ومما يؤسف له أن عامة المسلمين اليوم لا يؤدون الصلاة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤديها.
ونظرة سريعة إلى المصلين في المساجد تنبئك عن حال الناس اليوم في معرفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والإخلال بها من قبل عامة الناس.
ويزيد الأمر سوءاً أن يقع هذا الإخلال من طلبة العلم الذين يفترض فيهم وبهم أن يفقهوا صفة الصلاة تماماً وأن يدرسوها ويقرؤوا الأحاديث التي تعتني ببيان كيفية صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وكذلك لو نظر الإنسان إلى صلاة طلبة العلم لوجد أنها صلاة فيها كثير من الأخطاء والتجاوز السرعة الإخلال بالسنن.
(1/342)
________________________________________
وقد نظرت أنا إلى كثير من إخواننا في مناسبات مختلفة وهم يصلون فراعني وأحزنني جداً كيفية الصلاة التي يصلون عليها لا سيما بالذات ما يتعلق بالطمأنينة. فإنك تجد بعض الناس يصلي ولا تدري هل هو يصلي أو لا يصلي من كثرت الحركة.
وأنا ذكرت مثالاً - لكثير من الإخوان - لأنه يحزنني جداً وهو أن الفقهاء ذكروا أن من ضوابط الطمأنينة والخشوع أن من يصلي إذا رأيته وحسبت أنه لا يصلي فقد أخل بشرط الطمأنينة وهو ركن من أركان الصلاة وكنت إذا مرَّ عليَّ هذا الكلام أو هذا الضابط عند الفقهاء أستغرب أن يوجد إلى هذه الدرجة أن لا يميز الإنسان هل هو يصلي؟ أو لا يصلي؟ من كثرت حركته حتى نظرت مرَّةً من المرَّات في أحد المساجد إلى شخص يصلي وقد والله ظننت أنه لا يصلي إلى أن ركع فعلمت أنه يصلي وقبل كنت لا أشك أنه لم يبدأ بالصلاة من كثرت حركته وعدم إقباله على الله إلى آخره ...
وهذه الهيئة لا شك أنها تخالف سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وتعلمون كلكم يعلم القصص الكثيرة عن صلاة الصحابة لا سيما صلاة أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه وأرضاه وكثير من السلف الذين كانوا يصلون صلاة تشبه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن أكثر هذه القصص لفتاً للانتباه ما روي أن رجلاً دخل البصرة لزيارة الحسن البصري رضي الله عنه ورحمه وكان لا يعرف وجهه فقال لرجل في الشارع كيف لي بالحسن؟ أين أجد الحسن؟ فقال أدخل هذا الجامع يقصد جامع البصرة وابحث عن أحسنهم صلاة وأكثرهم طمأنينة فسيكون هو الحسن البصري.
فسيستدل عليه لا بشكله وإنما بهيئته في الصلاة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على الخشوع والطمأنينة كما نسأله أن يعيننا فقه هذا الباب وأن يوفقنا فيه لإصابة الحق مما اختلف فيه أهل العلم.
• قال رحمه الله تعالى
((باب صفة الصلاة))
الصفة هي: الهيئة صفة الشيء أي هيئة الشيء ومقصود الفقهاء بصفة الصلاة أي الكيفية التي تصلَّى بها الصلاة على جهة التفصيل لا الإجمال.
والعمدة في معرفة صفة الصلاة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فأمر أمراً عامَّاً بالاقتداء به اقتداء خاصاً.
(1/343)
________________________________________
وباب صفة الصلاة ذكره المؤلف بعد باب شروط الصلاة لأن هذا هو الترتيب المنطقي والطبعي وهو أن يذكر الشرط قبل ذكر المشروط وهذا الترتيب شرعي وعقلي ومنطقي.
•
قال رحمه الله:
يسن القيام عند: ((قَدْ)) من إقامتها
المؤلف رحمه الله سيذكر في هذا الباب السنن والواجبات والأركان والمكروهات وكل ما يتعلق بالصلاة على جهة التفصيل ثم يعقد باباً خاصَّاً للأركان والواجبات والمكروهات إلى آخره تفصيلاً.
لكنه في هذا الباب سيذكر كل ما يفعله المصلي سواء كان واجباً أو مسنوناً أو ركناً أو غير ذلك.
• يقول رحمه الله:
((يسن القيام عند: قَدْ من إقامتها)) أي عند قول المقيم: قد قامت الصلاة.
والمؤلف يريد بهذه العبارة بيان الوقت الذي يستحب فيه أن يقوم المصلي.
وفي هذه المسألة تفصيل فهي تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يقيم المؤذن الصلاة والإمام لا يرى في المسجد – ليس موجوداً في المسجد.
ففي هذا القسم لا يقوم المصلي إلا إذا رأى الإمام لما في الصحيحين من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)).
القسم الثاني: أن يكون الإمام موجوداً يرى وفي هذا القسم اختلف الفقهاء على أقوال:
القول الأول: وهو المذهب أن المصلي يقوم إذا قال المقيم قد قامت.
والقول الثاني: أن المصلي يقوم إذا بدأ المقيم بالإقامة وهذا مذهب الأحناف.
والقول الثالث: أن المصلي ليس لقيامه حدَّاً محدوداً شرعياً وإنما يختلف ذلك بالمصلي فإن كان ضعيفاً شرع له أن يقوم مبكراً ليتمكن من تحصيل تكبيرة الإحرام وإن كان قويَّاً فلا بأس بتأخره لأنه يستطيع أن يقوم ويدرك تكبيرة الإحرام.
والخلاصة أنه ليس لهذا القيام حدٌّ معروفٌ شرعاً.
وهذا مذهب الإمام مالك.
وهذا القول الثالث هو أعدل الأقوال.
وأنتم الآن عرفتم أن هذا الخلاف والتفصيل متى؟ إذا كان الإمام يرى إذا كان الإمام لا يرى فالأمر محسوم بالحديث الذي أخرجه الشيخان.
•
قال رحمه الله:
وتسوية الصف
أي ويسن أن يسوي الإمام الصف الصفوف وتسوية الصفوف سنة بإجماع الفقهاء.
ولكن اختلفوا هل هي واجبة؟ أو ليست بواجبة؟
فالجمهور على أنها سنَّة وهو القول الأول وهو المذهب.
(1/344)
________________________________________
والقول الثاني: أن تسوية الصفوف واجبة.
وهو مذهب الإمام البخاري رحمه الله وغفر له – واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
واستدل هؤلاء بالنصوص الآمرة كقوله - صلى الله عليه وسلم - ((سووا صفوفكم))
وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)).
وهذه النصوص صريحة بالأمر والإيجاب.
وهذا القول هو المتوافق مع ظواهر النصوص.
وعلى القول بالوجوب هل تبطل صلاة من ترك التسوية؟ أو لا تبطل.
أيضاً اختلف فيه الفقهاء ونكتفي فيه بالقول الراجح وهو أن الصلاة لا تبطل بترك التسوية.
وهي مسألة مهمة جدا لكثرة من يترك تسوية الصفوف من الأئمة.
إذا القول الراجح: أنها واجبة ولكن تركها لا يبطل الصلاة.
الدليل الأول أن أنس بن مالك رضي الله عنه دخل المدينة بعد غياب طويل ووجد الناس لا يعتنون بتسوية الصفوف فأنكر عليهم ولم يحكم ببطلان الصلاة.
الدليل الثاني: أن تسوية الصفوف واجبة للصلاة وليست واجبة في الصلاة.
فتركها لا يؤدي إلى بطلان الصلاة.
ومع كون هذا القول هو الراجح وهو عدم البطلان إلا أن طالب العلم يعرف من خلال هذا الخلاف خطورة ترك تسوية الصفوف.
المقدار الواجب:
بماذا يحصل تسوية الصفوف؟
تحصل بتطبيق ضابطين ذكرهما الفقهاء – وهي المسألة الثالثة من مسائل تسوية الصفوف.
الضابط الأول:
اعتدال الصف على سمت واحد.
الضابط الثاني: تراص الصف بحيث لا يبقى فيه فرجة.
هذا ضابطان إذا تحققا تحققت التسوية وإذا اختل أي منهما اختلت التسوية.
• قال رحمه الله:
ويقول: ((اللَّه أَكْبَرُ)).
أيضاً تتعلق بهذا اللفظ عدة مباحث.
المبحث الأول: أن الصلاة لا تنعقد إلا بهذا اللفظ وهو قول المصلي: الله أكبر.
وعلى هذا جماهير العلماء من السلف والخلف أن الصلاة لا تنعقد إلا بهذا اللفظ بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفتتح الصلاة إلا به ولم يحفظ عنه قط افتتاح الصلاة بغير هذا اللفظ فدلَّ ذلك على تعين هذا اللفظ.
فإذا قال: الله الأكبر أو الله الأعز أو الله الجليل فإن صلاته لم تنعقد.
المسألة الثانية:
الدليل على ركنية التكبير:
له أدله نأخذ دليلاً من القرآن ودليلاً من السنة.
فدليله من القرآن قوله تعالى ((وربك فكبر)).
(1/345)
________________________________________
وقد أجمع المفسرون على أن هذه الآية في الصلاة.
الدليل الثاني وهو من السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمسيء لصلاته استقبل القبلة ثم كبِّر.
مسألة ثالثة: معنى الله أكبر.
اختلفوا في معناها على قولين:
القول الأول: أن الله أكبر تفسر بتقدير محذوف وهو الله أكبر أي من كل شيء.
وإلى هذا ذهب العلامة سيبويه.
القول الثاني: أن معنى الله أكبر أي من أن يذكر بغير التحميد والتمجيد والتعظيم.
والصواب أن التكبير يشمل المعنيين.
المبحث الثالث:
أن التكبير لا ينعقد في الفريضة إلا من قائم فإن قال التكبير أو قال بعضه قبل أن يستتم قائماً انقلبت الفريضة إلى نافلة إن اتسع الوقت وإن لم يتسع لزمه قطع الأولى واستئناف الفريضة.
•
قال رحمه الله:
رافعاً يديه
أي أنه يسن لمن أراد أن يكبر تكبيرة الإحرام أن يرفع يديه وهذه السنة وهي رفع اليدين لتكبيرة الإحرام ثابتة بإجماع الفقهاء ورواها عدد كبير من الصحابة منهم العشرة المبشرون بالجنة رحمهم الله ورضي الله عنهم وأرضاهم.
بل قال الشافعي: لم يرو سنة عدد من الصحابة كما رويت هذه السنة.
فهي سنة متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
بقينا في مسألة وهي: متى يرفع اليدين بالنسبة للتكبير؟
فمذهب الحنابلة– كما ترون –ويفهم من عبارة المؤلف أن التكبير يقترن برفع اليدين.
فيرفع ويكبر في وقت واحد واستدلوا على ذلك بحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبَّرَ ورفع يديه.
ففهموا من هذا المقارنة.
والقول الثاني: أن الرفع يكون قبل التكبير فيرفع يديه ثم يكبر.
واستدل أصحاب هذا القول برواية لحديث ابن عمر وفيه: رفع يديه ثم كبَّر.
والقول الثالث: أن التكبير يسبق الرفع لما جاء في حديث مالك بن الحويرث في مسلم أنه كبر ثم رفع.
إذاً إذا أردنا أن نلخص الأقوال:
كبر ورفع في وقت واحد.
رفع ثم كبر وهو في حديث ابن عمر.
كبر ثم رفع وهو في حديث مالك بن الحويرث.
أغرب هذه الصفات الصفة التي جاءت في حديث مالك بن الحويرث ولذلك لا تكاد تجد أحداً من الفقهاء يقول بهذه الصفة.
لكن هذه الصفة ثابتة في حديث مسلم وإذا كانت ثابتة في حديث مسلم فإن الإنسان في سعة من أمره أن يأخذ بها إن شاء الله.
(1/346)
________________________________________
وعمل عامة الناس إما على حديث ابن عمر الذي يوافق مذهب الحنابلة أو على رواية ابن عمر الأخرى وهي التي توافق القول الثاني.
أما أن يقول الإنسان الله أكبر ثم بعد قليل يرفع قليل من الناس من يعمل هذه الصفة ففي الحقيقة فيها غرابة لكن مادام أنها ثابتة في حديث مالك بن الحويرث فالإنسان كما قلت في سعة أن يعتمدها.
والقول الرابع: أن السنة التنويع واختار هذا القول من العلماء المحققين الشيخ ابن مفلح في الفروع وقوله هو الأقرب: أن الإنسان يفعل هذا تارة وهذا تارة.
• قال رحمه الله:
مضمومتي الأصابع
يعني أنه يسن لمن أراد أن يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام أن يضم أصابعه هكذا.
الدليل قالوا الدليل على ذلك حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر رافعاً يديه مدَّاً.
وجه الاستدلال في هذا الحديث أن المصلي إذا مدَّ يديه فإن هذا يؤدي في الغالب إلى ضم الأصابع.
والقول الثاني في هذه المسألة وهو مذهب الشافعية أن السنة نشر الأصابع لا الضم.
واستدلوا على ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كبَّر نشر أصابعه وهذا الحديث ضعيف.
ولو قيل أن مسألة ضم أو تفريق الأصابع الأمر فيها فيه سعة وليس في هذا تحديد لكان قولاً حسناً جداً لأنه ليس في السنة ما يثبت الضم أو التفريق لكن هذا القول الثالث لم أجد من قال به ولو قيل به لكان قولاً متجهاً جداً فإن كان قيل بهذا القول فهو الراجح وإن كان العلماء اختلفوا على قولين فقط الضم والتفريق فالضم هو الصواب.
• ثم قال رحمه الله:
ممدودة حذو منكبيه
إذاً مع الضم السنة المد ودليل المد هو الحديث السابق كما هو ظاهر وهو حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه ممدودة.
ففي هذا دليل على أن الأصابع أثناء التكبير تضم وتمد.
واستدلوا على بأن هذه الصفة الضم والمد أقرب للخشوع من النشر والطوي وهذا صحيح ولذلك تجد غالب من يكبر بدون مد وبدون ضم ينسب إلى نوع من الاستهانة بالتكبير لأن صفته وهيئته لا تدل على الخشوع والعناية بالصلاة فهذا المعنى يؤيد مذهب الحنابلة.
• ثم قال رحمه الله:
((ممدودة حذو منكبيه))
(1/347)
________________________________________
يعني أن السنة أن يكون الرفع بحيث تكون اليد حذو المنكب وهذه الهيئة جاءت في حديثين صحيحين.
الحديث الأول: حديث أبي حميد الساعدي.
والحديث الثاني حديث ابن عمر.
ففي كل من الحديثين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع إلى أن يحاذي بيديه منكبيه - صلى الله عليه وسلم -.
والقول الثاني أن الرفع إلى محاذاة الأذنين.
لما في حديث وائل بن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إلى أذنيه - صلى الله عليه وسلم -.
والقول الثالث: أن المصلي مخير فأحياناً يرفع إلى المنكبين وأحياناً إلى الأذنين.
فائدة: كان الإمام أحمد رحمه الله يقول بالتخيير بين الرفع إلى الأذنين أو إلى المنكبين ولكنه يميل ويحب الرفع إلى المنكبين وعلل ذلك بقوله أن أحاديث الرفع إلى المنكبين أكثر وأصح وأشهر مع صحة حديث الرفع إلى الأذنين.
إذاً هو يرى التخيير ولكنه يحب ويقدم الرفع إلى المنكبين ولذلك نقول المستحب للإنسان أن ينوع تارة إلى الأذنين وتارة إلى المنكبين ولكن يكون الأغلب عليه إلى المنكبين لكثرة أحاديثه وشهرتها وصحتها.
كالسجود
أي كما يفعل في السجود فإنه في السجود يضع يديه حذو منكبيه – سيأتينا التفصيل في هيئة السجود لأن المؤلف سينص عليها.
• ثم قال رحمه الله:
ويسمع الإمام من خلفه
أي أنه يسن أن يسمع الإمام المأمومين التكبير فهذا عند الحنابلة بل عند الجمهور بل الجماهير كما سيأتينا سنة.
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا كبر فكبروا.
والقول الثاني أن الجهر بالتكبير واجب والتعليل أن اقتداء المأموم بالإمام لا يتم إلا بذلك.
وهذا القول اختاره شيخنا رحمه الله وغفر له الشيخ محمد العثيمين.
ولكن يشكل على هذا القول مسألة واحدة وهي أن الفقهاء يحكون الإجماع على الاستحباب وممن حكى الإجماع الشيخ النووي في كتابه المجموع.
فإذا لم يثبت الإجماع وصار في المسألة خلافاً فإن الراجح ما قاله شيخنا من أن هذا واجب وليس سنة فقط.
(1/348)
________________________________________
لأنه في الحقيقة لا يحصل الاقتداء والإئتمام على الوجه المطلوب إلا بالجهر بالتكبير وأسماع المصلين واستدل شيخنا على الوجوب بدليل آخر وهو أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يبلغ المأمومين تكبيرات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو لم يكن تبليغ المأمومين واجباً لما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
في الحقيقة الأدلة التي ذكرها قوية جداً وواضحة لكن فقط يشكل عليها هذه المسألة وهي حكاية الإجماع.
• ثم قال رحمه الله:
كقراءَته في أولتي غير الظهرين.
أي كما يسن أن يسمع من خلفه بالتكبير كذلك يسن أن يسمعهم القراءة في صلاة العشاء والمغرب والفجر.
والجهر بهذه الصلوات بالقراءة سنة لدليلين.
الأول: الإجماع فقد أجمع الفقهاء أن الجهر فيها سنة.
الثاني: فعله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يجهر بالقراءة في هذه الصلوات.
انتهى الدرس
(1/349)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
• قال رحمه الله
وغيره نفسه
يعني ويسمع غير الإمام نفسه - وهو المنفرد والمأموم فالمنفرد والمأموم يجب عليهما أن يسمعا أنفسهما
والدليل على هذا الحكم أنه لا يسمى الكلام كلاماً إلا إذا كان مع الصوت والصوت حده ما يتأتى سماعه بلا عذر
بناء على هذا إذا لم يسمع المنفرد والمأموم نفسه أثناء القراءة فإنه لم يقرأ فإذا كان منفرداً وقرأ الفاتحة بلا صوت بطلت الصلاة
والقول الثاني أنه لا يشترط أن يسمع نفسه بل يكتفى بالنطق بالحرف لأن الصوت أمر زائد على النطق ولا دليل على إيجابه
وهذا هو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله وهذا هو الصواب
فائدة مهمة هذا البحث يتعلق بكل ما يشترط له النطق كالطلاق والأذكار وغيرها مما يشترط له النطق فالخلاف فيه كالخلاف في هذه المسألة فإذاً هي مسألة مهمة
(1/350)
________________________________________
ومذهب الحنابلة مع كونه مرجوحاً من حيث الدليل فهو مع ذلك يسبب التشويش على الناس فإن المأموم إذا صار يقرأ بصوت يسمع نفسه شوَّش على من بجانبه كما هو مشاهد من بعض الناس الذين يرفعون أصواتهم إذا أرادوا أن يقرؤوا
• ثم قال رحمه الله
ثم يقبض كوع يسراه
ذهب الجماهير من السلف والخلف إلى أن السنة للمصلي أن يقبض فإن أرسل يديه فقد خالف السنة
واستدلوا على هذا الحكم بنصوص كثيرة أصحها ما أخرجه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال كان الناسي يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة
واستدلوا بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن وائل بن حجر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة
وهذه أحاديث صحيحة ثابتة في البخاري ومسلم
والقول الثاني أن السنة الارسال لا القبض وإلى هذا ذهب الإمام مالك بن أنس والإمام الليث بن سعد رحمهما الله
واستدلوا على هذا القول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المسيء صلاته بالقبض
والجواب على دليلهم من وجهين
الوجه الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر في هذا الحديث إلا الواجبات فقط ونأخذ السنن الكثيرة من الأحاديث الأخرى
والوجه الثاني قاعدة تقدمت معنى كثيراً وهي من القواعد التي تساعد في الترجيح ومعرفة الحق من الأقوال أن الخاص مقدَّم على العام
فأحاديث الجمهور خاصة بالقبض وحديث المسيء عام في صفة الصلاة
والراجح كما لا يخفى الذي ينبغي المصير إليه أن السنة القبض لا الإرسال
وقد يخلط بعض إخواننا بين هذه المسألة وبين مسألة القبض بعد الرفع من الركوع وهذه مسألة أخرى إذا وصل المؤلف إلى الكلام عليها تكلمنا عنها
الآن عرفنا أن القبض هو السنة وأن الإرسال خلاف السنة
المسألة الثانية كيفية هذه السنة؟
عن الإمام أحمد في هذه المسألة روايتان صحيحتان عنه
الرواية الأولى أن السنة أن يقبض باليمنى على اليسرى على الرسغ والرسغ هو العظم الذي يفصل الكف عن الذراع
(1/351)
________________________________________
وهذه الرواية هي المذهب وقول المؤلف يقبض على كوعه لا يختلف مع ما ذكرته من القبض على الرسغ وإنما عبَّرت بالرسغ لأنه هو المروي عن الإمام أحمد ولأنه أدق ولكن هذا لا يختلف عما ذكره المؤلف لأن الكوع هو العظم الذي يلي الإبهام فهو والرسغ واحد فمن قبض على الرسغ فقد قبض على الكوع
دليل هذه الرواية حديث وائل بن حجر في مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع يده اليمنى على اليسرى وفي رواية أخرجها الدارقطني في سننه قبض بيمينه على شماله
الرواية الثانية أن السنة أن يضع يده اليمنى على الكف والرسغ والذراع لا على الكف ولا على الذراع وإنما هكذا
ودليل هذه الرواية أيضاً لفظ في حديث وائل بن حجر أنه قال ووضع يده اليمنى على ظهر كفه والرسغ والساعد
ودليل هذه الرواية ايضاً اللفظ الذي في مسلم وهو أنه وضع يده اليمنى على اليسرى
وليس عن الإمام أحمد فيما أعلم رواية سوى هاتين الروايتين
وذهب بعض الفقهاء إلى أن للقبض صفة ثالثة وهي أن يضع يده اليمنى على الذراع
واستدل على هذا باللفظ الذي أخرجه مسلم عن سهل الساعدي رضي الله عنه أنه قال ووضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى
ولكن في النفس من ثبوت هذه الصفة شيء بل الأقرب عدم ثبوتها أولاً لأنه لم يذكر أحد من متقدمي العلماء هذه الصفة – فيما أعلم – ثانياً لما أراد الحافظ بن حجر أن يشرح حديث سهل في البخاري ووصل إلى هذه اللفظة وهي وضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى قال وأبهم الراوي موضع القبض وفصلته الأحاديث الأخرى
فهو لا يرى أن هذه الصفة مقصوده أو هذا الفظ مراد للراوي فلذلك يعتبر أن الصحابي الجليل سهل في هذه الرواية أبهم
وإن تمسك أحد بظاهر النص وعمل به واعتبر هذه الصفة صفة ثالثة فلا حرج عليه إن شاء الله
• ثم قال رحمه الله
تحت سرته
لما بين المؤلف أن السنة القبض وبين كيف يقبض بيده اليمنى على يده اليسرى أراد أن يبين الموضع الذي يضع عليه يديه فقال تحت سرته
وهذا مذهب الحنابلة المذهب الاصطلاحي والأحناف أن الإنسان يقبض تحت السرة
والقول الثاني أن القبض يكون فوق السرة وتحت الصدر وهو مذهب الشافعية
(1/352)
________________________________________
القول الثالث أنه يضع حيث شاء وأن المصلي مخير وهذا رواية عن الإمام احمد واختارها الحافظ الكبير الترمذي واختارها أيضاً الشيخ الفقيه المجد ابن تيمية واستدلوا بأنه ليس في السنة الصحيحة ما يدل على موضع وضع اليدين
وهذا القول الاخير هو القول الصحيح وفهم من حكاية الخلاف انه لا يوجد من يقول بسنية وضع اليدين على الصدر وهذا صحيح بل الامام ابو داود صاحب السنن سئل الامام أحمد عن وضع اليدين على الصدر فكرهه
فوضه اليدين على الصدر عند الإمام أحمد حكمه مكروه
لأنه لم يرد ولما فيه من التشدد الغير وارد في الشرع
فإذاً لا يشرع أن يضع الإنسان يديه على صدره ولا قائل بذلك بل قيل بالكراهة
فإن قيل أليس في هذا الباب حديث صحيح يدل على موضع وضع اليدين من الصدر أو مما تحت الصدر؟
الجواب لا ليس في الباب أي حديث صحيح أي حديث يمرُّ بك يحدد موضع وضع اليدين فهو حديث ضعيف
فإن قلت في حديث وائل بن حجر أنه قال وضع يده اليمنى على اليسرى على صدره
فالجواب هذا صحيح وهو مروي في السنن وهو أقوى ما يستدل به على وضعها على الصدر ولكن مع ذلك هذه اللفظة شاذة منكرة لا تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديث وائل رواه الإمام مسلم بدون هذه الزيادة
الخلاصة أنه لا يثبت في هذه المسألة حديث صحيح فيضع الإنسان يده حيث شاء
ولكن من المعلوم أن وضع اليدين تحت الصدر وفي المنطقة التي بين الصدر والبطن أنه والله أعلم أقرب للخشوع
• ثم قال رحمه الله
وينظر مسجده
كما تلاحظ عناية المؤلف العناية الشديدة بتفصيل كل مرحلة من مراحل الصلاة اهتماماً وتعظيماً لأمرها
ينظر إلى مسجده أي أن السنة أن ينظر المصلي إلى مكان السجود فإن رفع بصره في قيامه عن مكان السجود فقد خالف السنة
وإن رفع بصره إلى السماء فقد ارتكب محرَّماً
الدليل على سنية النظر إلى موضع السجود مارواه سعيد بن منصور بإسناده عن ابن سير ين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقلب بصره في السماء فلما نزل قوله تعالى والذين هم في صلاتهم خاشعون طأطأ رأسه - صلى الله عليه وسلم -
(1/353)
________________________________________
وهذا الاسناد صحيح ثابت إلى ابن سيرين ومعلوم ان ابن سيرين من التابعين فهو حديث منقطع لكنه ثابت إلى ابن سيرين أي أنا نجزم أن ابن سيرين نسب هذا الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
وتقدم معنى أن الحديث المرسل الثابت من طريقة الإمام أحمد أن يأخذ به وأنه أولى من أقوال الرجال لا سيما وأنه يجزم هذا التابعي الجليل بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
وهذا المذهب هو اختيار الجمهور
والقول الثاني وهو مذهب المالكية أن الإنسان ينظر إلى الأمام وهو مذهب ضعيف جدا إذ لا يعتمد على أثر ثم إن فيه تشتيتاً وإشغالاً للمصلي وإبعاداً له عن الخشوع الطمأنينة ولوضح ضعف هذا القول نجد أن محققي المالكية ضعفه واختار مذهب الجمهور وهو الحافظ ابن عبد البر مع كونه مالكياً إلا أنه يرى أن هذا القول ضعيف وأن الصواب مع الجمهور في أن السنة النظر إلى موضع السجود
واستثنى العلماء من هذا الحكم العام بعض الصور العارضة
فمثلاً في صلاة الخوف إذا كان العدو تجاه القبلة فالمشروع أن ينظر إلى العدو لا إلى موضع سجوده
أيضاً إذا كان الإنسان يخشى على ماله وولده وهم في تجاه القبلة يخشى عليهم من الهلاك أو الضرر فإنه ينظر إليهم ولا ينظر إلى موضع سجوده
وذكروا عدة مسائل مستثناة
ولكن الأصل الثابت الواضح أن السنة في حق المصلي أن ينظر إلى مصلاه
مسألة هل ينظر المصلي إلى مصلاه وإن كان في الجلوس بين السجدتين أو للتشهد الجواب أن هذا موضع خلاف بين الفقهاء
فمنهم من يرى أن المصلي ينظر إلى إصبعه في الجلوس لحديث رواه أبو داوه في سننه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصنع هكذا
والقول الثاني أن الانسان ينظر في جميع أجزاء الصلاة إلى موضع السجود
والأقرب النظر إلى اليد إن صح الحديث الذي في سنن أبي داود
• ثم قال رحمه الله
ثم يقول سُبْحَانَكَ اللَّهمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ
السنة بعد أن يقبض الإنسان يديه ويلقي ببصره إلى موضع سجوده أن يبدأ بالاستفتاح
(1/354)
________________________________________
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنواع عديدة من الاستفتاحات اختار الإمام أحمد منها هذا الاستفتاح المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
مع تجويزه رحمه الله قول غير هذا النوع من أنواع الاستفتاحات
فيتعلق بهذا عدة مباحث أولاً هذا الحديث المروي عن عمر في الاستفتاح روي مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وموقوفاً على عمر بن الخطاب رضي الله عنه
والصواب الذي رجحه الإمام مسلم أن هذا الحديث موقوف على عمر رضي الله عنه
ولكني لا أشك أنه مرفوع حكماً لأنه لا يعقل أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يحدث ذكراً في الصلاة ويعلمه الناس ولم يأثره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
إذا هو من جهة الاسناد موقوف على عمر لكن له حكم الرفع
المسألة الثانية لماذا رجح الامام أحمد هذا النوع من الاستفتاحات على غيره؟
مع أن البخاري ومسلم أخرجا في صحيحيهما حديث أبي هريرة المشهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستفتح صلاته بقوله اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب الحديث
لماذا اختار الإمام أحمد هذا الحديث على ذاك مع تجويزه قول الامرين
اختاره لسببين
السبب الاول مافيه من تمجيد وتعظيم لله
السسبب الثاني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يجهر بهذا الاستفتاح يعلمه الناس مما يدل على أهميته واعتناء الصحابة به
مسألة هل المشروع في دعاء الاستفتاح الجهر أو الاسرار؟
الجواب المشروع فيه إجماعاً الاسرار
السؤال لماذا إذا جهر به عمر بن الخطاب الجواب ليعلمه للناس
وباعتبار أنا نتكلم عن الجهر والاسرار فينأخذ قاعدة في هذه المسألة وهي أن كل ما يشرع أن يجهر به وكل مايشرع أن يسر به فهو على سبيل السنية
فمثلاً المشروع في قراءة الركعة الأولى والثانية من صلاة المغرب الجهر أو الاسرار؟ الجهر فهذا الجهر هو مشروع على سبيل السنية والاستحباب لا الوجوب
وما حكم الاسرار بقراءة الركعة الثالثة من المغرب؟ سنة
فالاسرار به يسن على سبيل الاستحباب لا الوجوب لدليلين
الأول إجماع الفقهاء على ذلك
(1/355)
________________________________________
الثاني أنه هكذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جهر فيما جهر به وأسر فيما أسر به
فإن قرأ سراً في الركعة الأولى من المغرب فقد خالف السنة ولا حرج عليه
وإن جهر في الركعة الثالثة فقد خالف السنة ولا حرج عليه
ومن المعلوم أن هذا وإن قرر علماً وفقها ودليلاً إلى أنه لا ينبغي أن يعمل به بين الناس
اولاً لأنه مخالفة صريحة للسنة ثانياً لما يسببه من تشوش وإشكال بالنسبة لعوام الذين لا يعرفون الأحكام الفقهية
•
ثم قال رحمه الله
ثم يستعيذ
الاستعاذة سنة عند جماهير الفقهاء عند أحمد والشافعي وأبي حنيفة
واستدلوا على سنية الاستعاذة بقوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله
والآية عامة في القراءة داخل الصلاة وخارجها
واستدلوا على ذلك بعدة أحاديث لا يخلو شيء منها منن ضعف ولكن هذه الأحاديث باعتبار أن ضعفها يسير مع ما تدل عليه الآية يكفي لإثبات سنية الاستعاذة
والقول الثاني للأمام مالك أن المصلي لا يستعيذ وإنما يشرع بالقراءة واستدل على ذلك بحديث أنس أنه قال كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العاملين والجواب عن الاستدلال بالحديث أن مقصوده يفتتحون القراءة – قراءة القرآن – بالحمد لله رب العالمين وهذا صحيح ولا يمنع ذلك أن يسر بالاستعاذة
والراجح من القولين القول باستحباب الاستعاذة والعمدة في الحقيقة على الآية
ثم لما ذكر الاستعاذة انتقل إلى البسملة فقال
ثم يبسمل سراً وليست من الفاتحة
ذكر عدة مسائل في البسملة نأخذ هذه المسائل على ترتيب المؤلف ثم يبسمل
أي أن المشروع للمصلي بعد أن يستعيذ وقبل أن يبدأ بالفاتحة أن يبسمل فيقول بسم الله الرحمن الرحيم
وإلى هذا أيضاً ذهب الجمهور واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة أنه رضي الله عنه صلى وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال إني أشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ففي هذا الحديث إثبات البسملة وأنه إنما قالها اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -
(1/356)
________________________________________
والقول الثاني للمالكية وهو أن المصلي لا يذكر بسم الله الرحمن الرحيم قبل القراءة واستدل الإمام مالك رحمه الله على ذلك بحديث أنس قال صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وكانوا يفتتحون القراءة بالحمدلله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها
وهذا نص صريح في نفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب أن مقصوده رضي الله عنه أنهم كانوا لا يجهرون ببسم الله ويدل على أن هذا مراده الرواية الأخرى عنه وفيها كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم وبهذه الرواية يزول الاشكال وإلا بلى هذه الرواية فإن الحديث مشكل فهو ينفي البسملة صراحة لكن لما جاءات هذه لاالرواية زال معها الاشكال واستطعناأن نجمع بين أقوال الصاحبي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه
والصواب أن المصلي يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
المسألة الثانية هل يسر بها أويجهر؟
فالحنابلة والجمهور كما ترون يذهبون إلى أن المصلي لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم واستدلوا بدليلين الأول حديث أنس السابق حيث تقدم معنا أن المنفي فيه هو الجهر
والدليل الثاني وهو قوي جداً ومن أسباب الترجيح في المسألة أنه لا يعقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في كل يوم بسم الله الرحمن الرحيم جهراً في ثلاث صلوات ولا ينقل هذا نقلاً متواتراً ولا يعرفه الخلفاء الراشدون
قال ابن القيم هذا من أمحل المحال – وصدق رحمه الله فلا يمكن أي يقع هذا مطلقاً
وذهب الشافعية كمل هو المشهور وكما ترون بعض إخواننا الشافعية إلى الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
واستدلوا على هذا بأحاديث كثرة ثبت فيها الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والجواب عن هذه الأحاديث التي ذكروها إجمالاً من وجهين
الجواب الأول أن الإمام الحافظ الناقد الدارقطني قال لايصح في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم حديث قط
الجواب الثاني عن أحاديثهم ماذكره ابن القيم فقال أحاديبثهم صريحة غير صحيحة أو صحيحة غير صريحة
إما أن تكون صريحة في المقصود لكنها ضعيفة غير صحيحة
(1/357)
________________________________________
أو تكون ثابتة من جهة الإسناد لكنها غير صريحة يعني لايفهم منها الجهر
والراجح من القولين الاسرار
وإنما ينتفع طالب العلم إذا سمع هذا الخلاف أنه إذا سمع من يجهر عرف أن هذا قول معتبر وأن من ذهب إليه إمام أهل الحديث وهو الشافعي فلا إنكار وإنما الإنسان مقصوده معرفة الحق
•
ثم قال رحمه الله وهو المبحث الثالث
وليست من الفاتحة
بسم الله الرحمن الرحيم الصواب فيها أنها آية من كتاب الله ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور وإنما أتي بها للفصل بين السور وتذكر قبل كل سورة إلا التوبة
هذا خلاصة الراجح في بسم الله الرحمن الرحيم إذاً هي آية في كتاب الله لكنها ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور أتي بها للفصل بين السور عدا سورة التوبة
الدليل على هذه الأجزاء الثلاثة
أولاًَ الدليل على أنها آية في كتاب الله استدل الفقهاء على ذلك بأن بسم الله الرحمن الرحيم مكتوبة في المصاحف وقد جرد الصحابة في المصاحف القرآن أي لم يذكروا فيه إلا القرآن
فإذا وجدنا أن الصحابة كتبوا في المصحف بسم الله الرحمن الرحيم وهم لم يكتبوا فيه إلا القرآن علمنا أنها من القرآن آية يعني أن جبريل نزل بها من عند الله وأن الله تكلم بها كما تكلم بغيرها من السور والآيات وتأخذ جميع أحكام المصحف في اليمين والمس وفي كل شيء والقراءة
ثانياً الدليل على أنها ليست من الفاتحة ما أخرجه الجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإاذا قال الحمدلله رب العالمين قال حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي الحديث ولم يذكر في أوله بسم الله الرحمن الرحيم ولو كانت من الفاتحة لذكرها
فهذا الدليل على أنها ليست من الفاتحة وهو مذهب الجمهور واختاره ابن تيمية وغيره من المحققين
(1/358)
________________________________________
وهذه المسألة وهي - هل بسم الله الرحمن الرحيم من الفاتحة أو لا - ينبني عليها أحياناً صحة الصلاة وبطلانها لأن الإنسان قد يبدأ في قراءة الفاتحة بقوله الحمد لله رب العالمين فإذا كانت البسملة منها فإن صلاته باطله باعتبار أنه لم يقرأ الفاتحة كاملة
فإذاً هي مسألة مهمة ويحتاج طالب العلم أن يعرف الحق فيها فالأقرب - والله أعلم - أنها ليست من الفاتحة
بناء على هذا كيف نقسم الآيات؟ فإنك إذا فتحت المصحف ستجد أن بسم الله الرحمن الرحيم تأخذ رقم واحد ونحن نعتبر أن الفاتحة سبع آيات بالإجماع فإذا أخرجنا بسم الله الرحمن الرحيم كيف سيكون تقسيم الفاتحة؟
التقسيم سهل وهو أن نقول أن الحمد لله رب العالمين آية ثم تستمر كما التقسيم في المصحف إلى قوله صراط الذين أنعمت عليهم بعد عليهم انتهت الآية السادسة وبدأت الآية السابعة وتبدأ من قوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين
هذا ليتصور الإنسان عدد الآيات وإلا لا إشكال أنه إذا قرأ من الحمدلله إلى آخرها فقد قرأ الفاتحة كاملة وصلاته صحيحة وإن لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
ثم بدأ رحمه الله تعالى بمسألة الفاتحة كما ستلاحظ سيذكر عدة مباحث كما تلاحظ في المتن كلها يتعلق بالفاتحة
• ثم قال رحمه الله
ثم يقرأ الفاتحة
الفاتحة كما أشرت يتعلق بها أحكام كثيرة سيذكرها المؤلف رحمه الله
الحكم الأول الفاتحة ركن من أركان الصلاة بالنسبة للإمام والمنفرد أما بالنسبة للمأموم فسيأتي بحث هذه المسألة مطولاً عند موضعها إن شاء الله
وهذا مذهب الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أنها ركن لا تصح الصلاة إلا بها واستدلوا رحمهم الله على هذا الحكم بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث معاذ الثابت الصحيح لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب
انتهى الدرس
(1/359)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• قال رحمه الله:
ثم يقرأ الفاتحة
التعليق على هذه المسألة من الدرس الثالث:
بدأنا بالأمس بالمسألة الأولى وهي حكم قراءة الفاتحة:
فنعيد هذه المسألة:
نقول الجمهور يرون من الأئمة من الصحابة ومن بعدهم أن الفاتحة ركن من أركان الصلاة فإن تركها عمداً أو سهواًَ بطلت الصلاة.
واستدلوا على ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "" وهو حديث صحيح ومعناه صريح.
واستدلوا أيضاً بحديث أبي هريرة في مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج "" قال ثلاثاً.
وهذه الأدلة صريحة في المقصود وهي صحيحة ثابتة من حيث الإسناد.
القول الثاني: للأحناف أن قراءة الفاتحة سنة فإن تركها وقرأ غيرها من كتاب الله صحت صلاته.
واستدلوا على ذلك بدليلين:
الأول: قوله تعالى ((فاقرأوا ما تيسر منه)) وجعلووا الآية عامة في الصلاة وخارج الصلاة.
والدليل الثاني: استدلوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي ثم اقرأ ماتيسر معك أي في الصلاة.
وهذا الخلاف خاص بالمنفرد والإمام وأن حكم قراءة الفاتحة للمأموم سيأتي في موضعه وهي مسألة مهمة سنتحدث عنها إذا جاء موضعها من الكتاب.
والراجح من القولين السابقين مذهب الجماهير لصحة وقوة وصراحة ما ستدلوا به فهي أحاديث صريحة في المقصود وصحيحة من حيث الثبوت.
كما أن في هذه الأحاديث زيادة علم وهو تخصيص الفاتحة بالقراءة وزيادة العلم يجب المصير إليها.
ويشترط في قراءة الفاتحة أن تكون متوالية مرتبة والمؤلف رحمه الله سيذكر هذين الشرطين وسيبدأ بشرط التوالي:
• فيقول رحمه الله:
فإن قطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين وطال
لزمه أن يعيد قراءة الفاتحة من الأول فيستأنف القراءة ووجوب الإعادة في موضعين:
إما أن يسكت سكوتاً طويلاً أو يذكر ذكراً طويلاً ويشترط في السكوت وفي الذكر أن لا يكونا مشروعين.
التعليل: لأن في هذا السكوت والذكر الذي قطع به قراءة الفاتحة إخلال بنظم الفاتحة فإذا قرأها على هذا الوجه لم يقرأها كما كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأها.
(1/360)
________________________________________
وفهم من كلام المؤلف أنه إن قطع القراءة بسكوت قصير أو بذكر قصير فإن القراءة صحيحة ولا يحتاج إلى الإعادة والاستئناف لان هذا السكوت القصير والذكر القصير لا يخل بنظم السورة.
وفهم من كلام المؤلف أيضاً إن قطع الفاتحة بذكر وسكوت طويلين لكنهما مشروعين فإن قراءة الفاتحة أيضاً صحيحة لأنه ذكر وسكوت مشروعين.
من أمثلة الذكر المشروع قول المصلي آمين ومن أمثلة الذكر المشروع تسبيح المصلي لتنبيه الإمام.
ومن أمثلة السكوت المشروع أن يسكت استماعا لقراءة الامام.
فهذه أمثلة للذكر والسكوت المشروعين.
إذاً تبين أن معنا ثلاث صور وجوب الاعادة في صورة واحدة وهي: إذ قطعها بذكر وسكوت طويل وأيضا غير مشروع وهذا هو شرط التوالي لانه في الحقيقة اذا قطعها في ذكر وسكوت طويلين قطع الموالاة.
• ثم قال رحمه الله:
أو ترك منها تشديدة
في الفاتحة إحدى عشرة تشديدة إن ترك منها واحدة لم تصح قراءة الفاتحة.
التعليل: أن التشديدة بمنزلة الحرف فإذا ترك تشديدة فكأنه ترك حرفاً.
• ثم قال رحمه الله:
أو حرفاً
أي أو ترك حرفاً فإذا ترك حرفاً واحداً من الفاتحة وجب عليه أن يعيد.
السبب: أنه إذا ترك حرفاً من الفاتحة فهو في الحقيقة لم يقرأ الفاتحة وإنما قرأ بعض الفاتحة والواجب قراءة الفاتحة بأكملها.
إذا هذا هو تعليل وجوب الإعادة على من ترك حرفاً من الفاتحة.
•
ثم قال رحمه الله:
أو ترتيباً:
إذا ترك ترتيب الفاتحة فإنه يجب عليه أن يعيد والإخلال بالترتيب يحصل في صورتين:
الأول: تقديم كلمة على كلمة.
والثاني: قراءة الفاتحة منكسة.
فإن فعل وجبل عليه أن يعيد قراءة الفاتحة لأن من شروط صحة القراءة أن نقرأ كما نزل من الله إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -.
• ثم قال رحمه الله:
لزم غير مأموم إعادتها
إذا أخل الإنسان بالموالاة فإنه يجب عليه أن يعيد السورة من أولها لأن شرط الموالاة اختل ولا يمكن الاتيان به على وجهه إلا بإعادة قراءة الفاتحة من أولها.
وإن أخل بالفاتحة بترك تشديدة أو حرفاً أو ترتيباً ففي وجوب الإعادة عليه تفصيل:
إن كان ترك ذلك عمدً فيجب عليه أن يعيد القراءة من أول الفاتحة.
وإن ترك ذلك بلا تعمد وجب عليه أن يعيد قراءة الكلمة.
(1/361)
________________________________________
فإذا قرأ كلمة من الفاتحة بلا تشديدة كأن يقرأ الرحمن بلا تشديدة أو الرحيم بلا تشديدة بلا قصد وجب عليه أن يعيد قراءة الكلمة فقط ولا يجب عليه أن يستأنف قراءة الفاتحة من أولها.
وإن ترك ذلك متعمداً وجب عليه أن يبدأ قراءة الفاتحة من أولها.
هذا إذا لم تبطل صلاته بتعمده ترك حرف من الفاتحة لأنه متلاعب ولكن قد يتصور هذا بسبب التساهل لا بسبب التلاعب كأن يتساهل في النطق ويستعجل عامداً ويترك حرفاً حينئذ نقول له أعد السورة ولا تعد الكلمة.
أما إذا اجتهد ونطق بالكلمة ناقصة حرفاً بلا تعمد فنقول أعد الكلمة فقط.
الخلاصة إذا ترك هذه الثلاثة أشياء التشديدة أو الحرف أو الترتيب متعمدا وجب أن يعيد قراءة الفاتحة من أولها.
وإذاتركها بلا تعمد وجب أن يعيد الكلمة فقط.
•
ثم قال رحمه الله:
ويجهر الكل
يقصد بالكل: المأموم والإمام والمنفرد فكلهم يجهرون بآمين والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الإمام غفر له وفي رواية غفر له ما تقدم من ذنبه.
وفي السنن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أمن ارتج المسجد تأميناً.
ولكن الذي يظهر أن في إسناد هذا الحديث ضعف.
مسألة: متى يؤمن المأموم؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن المأموم يؤمن مع الإمام فإذا قال الإمام ولا الضالين قال الإمام والمأموم: آمين.
والقول الثاني: أن المأموم يؤمن إذا انتهى الإمام من قوله آمين.
وعلى هذا إذا قال الإمام ولا الضالين يسكت المأموم وينتظر إلى أن يقول الإمام آمين ثم يقول هو بعد ذلك آمين.
واستدل هؤلاء بظاهر حديث أبي هريرة لأنه يقول إذا أمن الإمام فأمنوا.
والصواب القول الأول لأن حديث أبي هريرة رضي الله عنه جاء مفسراً في صحيح البخاري حيث قال: فإذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين.
(1/362)
________________________________________
وهذه الرواية وهي - فإذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين - موجودة في صحيح البخاري لكن المجد في المنتقى نسبها إلى سنن النسائي ومسند الإمام أحمد فوهم بذلك وهي موجودة في صحيح البخاري وهي مرجح قوي للقول الأول وهو دليل على أن عمل الناس اليوم هو الموافق للسنة أنهم يقولون آمين هم والإمام في وقت واحد.
ثم إن في القول الثاني: وهو انتظار قول الإمام آمين إرباك للمصلين كما يشاهد ممن يفعل هذه السنة فإنا لا ندري متى سيقول آمين ولاندري هل سيجهر الإمام بآمين أو لن يجهر إلى آخره فيحصل إرباك بسبب هذا القول.
فالراجح والله أعلم دليلاً ونظراً مع القول الأول.
•
قال رحمه الله:
ويجهر الكل ((بِآمِيْنَ)) في الجهرية
عندكم في نسخة في الجهريات هذه النسخة أصح لوجهين:
أولاً أنها أوضح في المقصود.
ثانياً هي أرجح من حيث النسخة الخطية لأن النسخة الخطية التي أخذت منها لفظة الجهريات هي النسخة المنقولة عن نسخة الشيخ عبد الله بن با بطين التي صححها هو بنفسه ومعلوم أن الشيخ رحمه الله أولاً بارع في الفقه ثانياً له عناية جداً بهذا المتن وهذه الأمور ترجح النسخة التي أشرف عليها.
فاجتمعت في هذه الكلمة المرجحات من حيث النسخ الخطية ومن حيث المعنى والأمر سهل لكن على كل حال في الجهريات أحسن.
• ثم قال رحمه الله:
ثم يقرأ بعدها سورة:
يسن بعد قراءة الفاتحة أن يقرأ الإنسان سورة في الركعتين الأولتين فقط والدليل على قراءة هذه السورة السنة المستفيضة المشهورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان يفعل ذلك أي يقرأ سورة بعد الفاتحة في الركعة الأولى والثانية فقط دون الثالثة.
مسألة والسنة أن يقرأ الإنسان سورة كاملة ولا يقرأ بعض سورة والدليل أن هذا هو الغالب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يقرأ سورة كاملة ولا يقرأ بعض سورة وهذا سنة ويجوز أن يقرأ الإنسان بعض السورة بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ الأعراف في صلاة المغرب ومن المعلوم أن قرأ بعضها في الركعة الأولى وبعضها في الركعة الثانية فقرأ في ركعة بعض سورة.
• ثم قال رحمه الله:
تكون في الصبح من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره وفي الباقي من أوساطه.
(1/363)
________________________________________
طوال المفصل من القرآن يبدأ من ق إلى عم.
وأوساط المفصل: من عم إلى والضحى.
وقصار المفصل من والضحى إلى الناس.
فالسنة أن يقرأ في المغرب بقصار المفصل وفي الفجر بطواله وفي الباقي وهي العشاء والظهر والعصر اوساط المفصل.
والدليل على هذا حديث أبي هريرة أنه قال رضي الله عنه ماصليت خلف رجل أشبه صلاة برسول الله - رضي الله عنه - من فلان قال وكان يقرأ في الفجر بطوال المفصل وفي المغرب بقصار المفصل وفي العشاء بأوساط المفصل.
قال الحافظ بن حجر إسناده صحيح.
ويدل على ذلك أيضاً أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلى أبي موسى كتابا وقال فيه واقرأ في الظهر من أوساط المفصل.
فهذان دليلان على هذا التفصيل الذي ذكره المؤلف.
• ثم قال رحمه الله:
ولا تصح بقراءَة خارجة عن مصحف عثمان 0
مصحف عثمان هو المصحف الذي جمعه أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وله رسم معين معروف وهو الرسم الموجود بين أيدينا اليوم وتناقلته الأمة بالتواتر العظيم سلفاً عن خلف إلى أن وصل إلينا محفوظاً بحفظ الله كاملاً برسمه الذي رسمه الصحابة.
فإذا رويت قراءة خارجة عن رسم المصحف العثماني فإنه لا يجوز أن نقرأ بها في الصلاة ولو صح إسنادها.
التعليل: لأن هذه القراءة ليست متواترة ولا يصح أن نقرأ في الصلاة بغير المتواتر.
والقول الثاني: أن القراءة إذا صح إسنادها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - جازت القراءة بها في الصلاة والاستدلال بها على الأحكام.
وهذا القول اختاره ابن الجوزي واختاره أيضاًَ شيخ الإسلام بن تيمية رحمهم الله.
الدليل: قال شيخ الإسلام: اتفق أئمة السلف على أن مافي مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة التي نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن المصحف لم يستوعب جميع الحروف وقد كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأون في عصره وبعد عصره بالقراءات السبع بالأحرف السبع وكانت صلاتهم صحيحة بلا شك فدل ذلك على أن القراءة بهذه القراءات تصح معها الصلاة.
وهذا القول الثاني: هو القول الراجح بل يظهر لي أنه لا ينبغي القول بخلافه لأننا نجزم أن صلاة الصحابة بالقراءات الخارجة عن مصحف عثمان كانت صحيحة.
(1/364)
________________________________________
مسألة: فإن رويت قراءة بإسناد صحيح متوافقة مع الرسم العثماني صحت الصلاة بها ولو كانت خارج القراءات العشر المعروفة.
بهذين الشرطين صحة الإسناد وأن توافق الرسم العثماني حينئذ تصح حتى عند الحنابلة.
انتهى المؤلف من الكلام على القراءة وانتقل إلى الركوع.
• قال رحمه الله:
ثم يركع
يعني بعد فراغه من القراءة يركع.
وفات المؤلف رحمه الله سنة وهي السكتة اليسيرة التي تكون بين القراءة والركوع فإن الإمام أحمد كره أن يصل المصلي القراءة بالتكبير وذلك لما ثبت في السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسكت قليلاً قبل أن يركع.
وليس في السنة تحديد لمقدار هذه السكتة.
وذهب ابن القيم إلى أنها بقدر ما يرجع النفس للقارئ.
ومن هنا نعلم أن ما يفعله بعض الأئمة من أنهم يصلون القراءة بالتكبير مباشرة أنه خلاف السنة بل كرهه الإمام أحمد.
ثم بعد هذه السكتة كما قال المؤلف: يركع:
والركوع ركن من أركان الصلاة فإن تركه جاهلاً أو ناسياً بطلت صلاته إلا أن يذكر وهو في الصلاة فإنه يأتي به على تفصيل سيأتينا في باب سجود السهو.
الدليل على ركنيته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمسيء ثم اركع حتى تطمأن راكعاً والله سبحانه وتعالى يقول: ((اركعوا واسجدوا)).
• ثم قال رحمه الله:
مكبراً
يعني أن السنة أن يكبر للانتقال والدليل على تكبير المصلي إذا أراد أن ينتقل من القيامإلى الركوع حديث أبي هريرة الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة كبر وإذا أراد أن يركع كبر فنص - رضي الله عنه - على أن المصلي إذا أراد أن ينتقل يكبر تكبيرة الانتقال.
مسألة: واختلف الفقهاء في موضع هذه التكبيرة.
فذهب الحنابلة إلى أنه يجب أن يبدأ التكبير مع بداية الانتقال وينتهي من التكبير مع انتهاء الانتقال. فإن خرج شيء من التكبير عن ذلك لم يصح.
التعليل: قالوا: أن خروجه عن ذلك تكبير في غير محله والتكبير في غير محله لا يصح.
(1/365)
________________________________________
الوجه الثاني: أن الأمر في هذه المسألة واسع فيجوز أن يبدأ بالتكبير قبل أن يبدأ بالانحناء ويجوز أن يتم بعض التكبير بعد انتهاء الركوع وهذا القول وجه عند الحنابلة واختاره منهم ابن تميم من الحنابلة وعللوا ذلك بأن مراعاة هذا الأمر شاق جداً وعسر على الناس ولا يكاد يلتزم به مصلي.
وهذا القول الثاني هو القول الصواب لأنه كما قالوا يكاد يتعذر على المصلي أن يراعي هذا دائماً وأبداً فمن الصعب أن يلتزم الإنسان أن يبدأ بالتكبير إذا بدأ بالانتقال وينتهي من التكبير إذا انتهى من الانتقال الالتزام بهذا لاشك أنه متعذر أو أشبه ما يكون بالمتعذر.
•
ثم قال رحمه الله:
رافعاً يديه:
يعني أن السنة لمن أراد أن يركع أن يرفع يديه إذا كبر.
ذهب الجمهور إلى أنه يسن للمصلي إذا راد أن يكبر للركوع أن يرفع يديه واستدلوا على ذلك بأحاديث صريحة صحيحة كثيرة منها حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا استفتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع من الركوع.
ومنها حديث الساعدي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع في هذه المواضع.
والرفع عند الركوع سنة ثابتة.
والقول الثاني أنه لا يشرع للإنسان إذا أراد أن يركع لأنه لم يذكر في حديث المسيء.
وتقدم معنا مراراً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ذكر في حديث المسيء الواجبات فقط.
• قال رحمه الله مبيناً ماذا يفعل المصلي بعد الركوع:
ويضعهما على ركبتيه مفرجتي الأصابع
السنة للمصلي ....
انتهى الدرس
(1/366)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
• قال - رحمه الله -
ويقول سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ
يجب عند الحنابلة أن يدعو المصلي إذا ركع بهذا الدعاء سبحان ربي العظيم وهو واجب من واجبات الصلاة كما سيأتينا عند تعداد واجبات الصلاة
والدليل على هذا الحك
حديث حذيفة رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم قال وكان إذا ركع أي النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول سبحان ربي العظيم
والدليل الآخر
حديث عقبة أنه لما نزل قوله تعالى {فسبح باسم ربك العظيم} قال النبي - صلى الله عليه وسلم - اجعلوها في ركوعكم وفي إسناد هذا الحديث ضعف
مسألة والواجب في قول سبحان ربي العظيم مرة
وأدنى الكمال ثلاث
وأقصى الكمال عشر
وقيل لا حد لأكثره
وقيل أن الأمر في عدد التسبيح واسع ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص وليس في السنة ما يحدد الكمال وأدنى الكمال
وهذا القول الأخير هو الصواب
مسألة هل يتعين على المصلي أن يسبح بهذا اللفظ؟ فإن سبح بغيره فإنه لا يجزئ
فيه خلاف على قولين
القول الأول أن هذا اللفظ يتعين
لقوله - صلى الله عليه وسلم - اجعلوها في ركوعكم
ويصدق هذا عمله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يقول في الركوع سبحان ربي العظيم
والقول الثاني أن هذا اللفظ لا يتعين فإن سبح الله بأي صيغة كأن يقول سبحانك أجزأ وهذا مذهب المالكية
واستدلوا
بأنه ثبت في الصحيحين وفي غيرهما أذكار متعددة للركوع كما في حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي
فدل ذلك على أنه لا يتعين قول المصلي سبحان ربي العظيم
والقول الثاني هو الراجح
والأحوط أن لا يترك المصلي في ركوعه سبحان ربي العظيم اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وخروجاً من الخلاف
مسألة هل يشرع أن يزيد المصلي في ركوعه وسجوده على قوله سبحان ربي العظيم؟
في هذا أيضاً خلاف
فذهب الحنابلة إلى أنه في صلاة الفريضة لا يزيد على هذا اللفظ ويجوز أن يزيد في النافلة
وذهب الشافعي إلى أنه يجوز أن يزيد على سبحان ربي العظيم في الفريضة والنافلة
لأن الأحاديث التي فيها زيادات على هذا الذكر لم تخصص النافلة بهذا الحكم
من أمثلته قول المصلي سبوح قدوس رب الملائكة والروح فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوله وما ثبت في النفل ثبت مثله في الفريضة
وهذا كما قلت لكم مذهب الشافعي
(1/367)
________________________________________
ومذهب الشافعي في هذه المسألة أصح من مذهب الحنابلة
مسألة هل يشرع أن يقول المصلي سبحان الله العظيم وبحمده؟ فيزيد كلمة وبحمده
أيضاً اختلفوا فيه على قولين
القول الأول أنه لا يزيد هذه اللفظة
قال الإمام أحمد - رحمه الله - أما أنا فلا أقول وبحمده
والقول الثاني أن هذه الزيادة مشروعة
لما جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول سبحان الله العظيم وبحمده في ركوعه
والراجح القول الأول وزيادة وبحمده ضعيفه وممن أشار إلى ضعفها الحافظ أبي داود وقد نقول أن إعراض الإمام أحمد عن العمل بها أيضاً يدل على تضعيفها
وعلى كل حال هي زيادة ضعيفة
هذه بعض المسائل التي تتعلق بالتسبيح في الركوع وينبغي أن تعلم أن مثل هذه المسائل ستتكرر معنا في تسبيح السجود فمن المفيد لطالب العلم أن يتقنها
• ثم قال - رحمه الله -
ثم يرفع رأْسه ويديه
المشروع للمصلي إذا رفع من الركوع أن يرفع يديه مع التكبير
والدليل على سنية الرفع في هذا الموضع
حديث ابن عمر السابق
ولكن اختلف الفقهاء متى يرفع يديه؟
على قولين هما روايتان عن الإمام أحمد
القول الأول أنه يرفع يديه مع التكبير
لحديث أبي حميد الساعدي وفيه ثم قال سمع الله لمن حمده ورفع يديه
ولحديث ابن عمر ثم رفع رأسه ورفع يديه كذلك
والرواية الثانية عن الإمام أحمد وهو القول الثاني أنه لا يرفع يديه حتى يستتم قائماً فيقول سمع الله لمن حمده فإذا استتم قائماً رفع يديه
واستدلوا
برواية في حديث ابن عمر وفيها ثم رفع يديه بعدما رفع رأسه
ولما ذكر الإمام أحمد هذه الرواية في المسند ذكر أن راوي الحديث وهو سفيان كان يتردد في هذه اللفظة كأنه لم يضبطها قال الإمام أحمد كان أحياناً يقول فرفع يديه وأحياناً يقول ثم بعد ذلك رفع يديه ثم ثبت على ثم بعد ذلك رفع يديه
فإشارة الإمام أحمد في المسند إلى تردد الإمام سفيان وهو يقصد ابن عيينة لأن الإمام أحمد لا يروي عن الثوري يضعف هذا القول لا سيما وأن اللفظ الذي في الصحيحين ليس فيه كلمة بعد ذلك
(1/368)
________________________________________
الخلاصة أن الراجح القول الأول وهو أن الرفع يكون مع سمع الله لمن حمده ولا ينتظر إلى أن يستتم وإنما يرفع مع الرفع وهذا هو المذهب الرواية الأولى القول الأول هي المذهب وهذا يفهم من عبارة المؤلف - رحمه الله -
• ثم قال - رحمه الله -
قائلاً إمام ومنفرد
أي دون المأموم فلا يقول هذا الذكر وسيأتي الكلام في الذكر المشروع للمأموم في هذا الموضع ونبقى الآن مع ذكر الخاص بالإمام والمنفرد
•
يقول - رحمه الله -
قائلاً إمام ومنفرد سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ
المشروع للإمام إذا رفع رأسه وكذا المنفرد فقط
عند الحنابلة أن يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً ملء السموات وملء الأرض وملء ماشئت من شيء بعد
وهذا الذكر بطرفيه سمع الله لمن حمده وملء السموات وملء الأرض
جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه
كذلك جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
وكذلك جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنه
وكذلك جاء بعضه من حديث أنس رضي الله عنه
فالذين رووا تسميعه - صلى الله عليه وسلم - وذكره عدد من الصحابة نحو أربعة أو خمسة وهم كما ذكرت لكم ابن عباس وأبي هريرة وابن أبي أوفى وبعضه أنس
كلهم أثبت أنه يقول سمع الله لمن حمده
• ثم قال - رحمه الله -
وبعد قيامهما
أي الإمام والمنفرد
رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ
هذا الذكر وهو المكمل لذكر الإمام بعد قوله سمع الله لمن حمده جاء كما قلت لكم في عدة أحاديث
ملخص هذه الأحاديث أنه على أربع صيغ
أن يقول ربنا لك الحمد هذه الأولى
الصيغة الثانية أن يقول ربنا ولك الحمد بزيادة الواو
الثالثة أن يقول اللهم ربنا لك الحمد
والرابعة والأخيرة أن يقول اللهم ربنا ولك الحمد
هذه الصيغ في الأحاديث التي ذكرت لك ابن عباس وأيضاً أضف إليهم علي وابن أبي أوفى وأبي هريرة
وعلى المذهب الأفضل والمستحب أن يقول ربنا ولك الحمد أي يختار التي بزيادة الواو
(1/369)
________________________________________
لسببين
الأول لأن هذه الرواية أصح فهي في الصحيحين
والثاني ولأن فيها زيادة وهي الواو والزيادة أولى بالقبول
وأما بالنسبة ل اللهم ربنا لك الحمد والتي معها اللهم ربنا ولك الحمد فالأفضل عند الحنابلة التي بدون الواو
وأيضاً لنفس السبب لأنها أصح وأشهر وأكثر رواة
مع العلم أنهم يجوزون أن يقول الإنسان الصيغ الأربع ولكن يقولون بالنسبة ل ربنا ولك الحمد الأفضل بالواو وبالنسبة ل اللهم الأفضل بدون الواو ويرجعون في هذا إلى صحة الأسانيد وكثرة الطرق وعدد الرواة
مسألة قال ابن القيم لم يثبت في السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال اللهم ربنا ولك الحمد فلم يأت في السنة اللهم مع الواو
ووهم - رحمه الله - فإنه ثبت في صحيح البخاري حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول اللهم ربنا ولك الحمد
فالصيغ الأربع ثابتة في السنة
والأولى للمصلي أن ينوع بين الأربع ويكثر من اللهم ربنا لك الحمد أو يكثر من ربنا ولك الحمد
• ثم قال - رحمه الله -
ومأموم في رفعه رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فقط
أي أن المشروع للمأموم أن يقول ربنا ولك الحمد فلا يشرع له أن يقول سمع الله لمن حمده ولا يشرع له أن يقول أيضاً ربنا ولك الحمد ولا اللهم ربنا ولك الحمد
الدليل
قالوا الدليل على هذا
حديث أنس في البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد
فبين الحديث أن المأموم لا يقول سمع الله لمن حمده ولا يقول أيضاً ملء السماء وملء الأرض
ونحن نريد تسهيلاً أن نفصل الخلاف فنتكلم أولاً في حكم قول المأموم ملء السماء ومل الأرض ثم نذكر الخلاف في حكم قول المأموم سمع الله لمن حمده
إذاً
الحنابلة يرون أن المأموم لا يقول ملء السماء وملء الأرض ولا يقول سمع الله لمن حمده
نأخذ الخلاف في المسألة الأولى
أخذتم مذهب الحنابلة ودليلهم وهو حديث أنس رضي الله عنه
القول الثاني أن المأموم يقول ملء السماء وملء الأرض وهو اختيار المجد بن تيمية وأبو الخطاب
(1/370)
________________________________________
لحديث مالك بن الحويرث صلوا كما رأيتموني أصلي وهذا الحديث عام يشمل قول المأموم ملء السماء وملء الأرض وهذا القول هو الصحيح
ثانياً مسألة سمع الله لمن حمده
فالقول الأول وهو المذهب أنه لا يشرع للمأموم أن يقولها لحديث أنس السابق
القول الثاني للمالكية والشافعية وإسحاق ورواية لأحمد أنه يقول سمع الله لمن حمده
الدليل
قالوا النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يودع مالك بن الحويرث قال له ائت قومك صل بهم وصلوا كما رأيتموني أصلي وهو - صلى الله عليه وسلم - كان يقول سمع الله لمن حمده
وقوله صلوا كما رأيتموني أصلي عام يشمل المأموم والإمام والمنفرد
الجواب على حديث أنس من وجهين
الوجه الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال فإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ولم ينص على قول سمع الله لمن حمده لأن المأمومين كانوا يسمعون النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول سمع الله لمن حمده فكانوا يقتدون به بلا قول
وبهذا أجاب النووي - رحمه الله -
أي أنه لم يؤمر المأموم بقول سمع الله لمن حمده لأنه يسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - جهراً فسيقتدي به
شرح آخر لوجود إشكال إذا قيل للشافعية كيف تقولون يقول المأموم سمع الله لمن حمده والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا أيها المأمومين ربنا ولك الحمد فجعل ذكر الإمام سمع الله لمن حمده وذكر المأمومين ربنا ولك الحمد
الجواب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمرهم بقول سمع الله لمن حمده لأنهم يسمعونه يجهر بها ويعرفونها فلم يحتاجوا إلى الأمر بها
الجواب الثاني أن حديث أنس لو أفاد منع المأموم من سمع الله لمن حمده لأفاد منع الإمام من قوله ربنا ولك الحمد
والتزم بهذا أبو حنيفة فأبو حنيفة يقول الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد
(1/371)
________________________________________
مرة أخرى أن حديث أنس لو أفاد منع المأموم من قول سمع الله لمن حمده لأفاد منع الإمام من قوله ربنا ولك الحمد لأنه جعل الإمام يقول سمع الله لمن حمده والمأموم يقول ربنا ولك الحمد
وهذا لا يلتزم به الحنابلة بل يجعلون الإمام يقول ربنا ولك الحمد فهو إيراد عليهم
والذي يظهر لي في هذه المسألة أن المأموم يقول سمع الله لمن حمده
وهذا هو الراجح
انتهينا من هذه المسألة
المسألة الثانية
الحنابلة يرون أن المأموم لا يقول ملء السموات وملء الأرض وملء ماشئت من شيء بعد وإنما يقول فقط ربنا ولك الحمد كما في حديث أنس بلا زيادة ملء السماء وملء الأرض إلخ
استدلوا
بحديث أنس رضي الله عنه
والقول الثاني أنه يشرع لمأموم أن يقول ملء السماء وملء الأرض وملء ماشئت من شيء بعد
لأن حديث أنس ليس فيه المنع من الزيادة على هذا الذكر والأصل أن ماثبت في حق الإمام ثبت في حق المأموم إلا بدليل
والراجح أيضاً أن المأموم يقول ملء السماء وملء الأرض وملء ماشئت من شيء بعد
لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - صلو كما رأيتموني أصلي
تنبيه الخلاف في حكم قول المأموم سمع الله لمن حمده أقوى من الخلاف في حكم قول المأموم ملء السماء وملء الأرض
ويجب أن يعرف طالب العلم قوة الخلاف وضعفه فيعرف أن هذه المسألة الخلاف فيها قوي فيحتاط ويجتهد في معرفة الحق ويعرف أن الخلاف في هذه المسألة ضعيف فيكون اجتهاده في غيرها أكثر لأن بعض الناس لا يهمه إلا الراجح ولا يهتم بمسألة قوة الخلاف وضعف الخلاف
إذاً قول المؤلف - رحمه الله - هنا ومأموم في رفعه ربنا ولك الحمد فقط كلمة فقط تخرج قول المأموم سمع الله لمن حمده وأيضاً قول المأموم ملء السماء وملء الأرض
والآن عرفنا أن الراجح فيهما والله سبحانه وتعالى أعلم أن المأموم يقولهما
•
قال - رحمه الله -
ثم يخر مكبراً
لم يبين المؤلف - رحمه الله - إذا رفع المصلي من الركوع هل يقبض أو يرسل وهي مسألة اختلف فيها الفقهاء على قولين
(1/372)
________________________________________
القول الأول وهو مذهب الإمام أحمد وليس له في هذه المسألة إلا رواية واحدة جزم بها وليس له روايات أخرى أن المصلي بالخيار إن شاء قبض وإن شاء أرسل
دليل الإمام أحمد
أنه ليس في السنة نص صريح يدل على سنية القبض أو الإرسال
ويجب أن تقف عند العبارة وهي قوله وهذا ليس لفظ الإمام أحمد لكن هذا معنى كلامه ليس في السنة لفظ صريح فيوجد نصوص ولكنها ليست صريحة في المقصود
إذاً ليس في السنة شيء صريح ولذا قال الأمر فيه سعة إن شاء قبض وإن شاء أرسل
والقول الثاني وهو قول عند الحنابلة وليس رواية عند الإمام أحمد أن السنة القبض فإن أرسل يديه فقد خالف السنة
واستدلوا
بعموم حديث أبي حميد الساعدي السابق كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة
وجه الاستدلال قوله في الحديث في الصلاة عام يشمل ما قبل الركوع وما بعد الركوع فأخذوا بعموم اللفظ
والذين قالوا لا يقبض قالوا العام يحمل على المخصص فالسنة نصت بصراحة على القبض في القرءاة في قيام الصلاة ولم تذكر القبض صراحة بعد الرفع من الركوع
وهو قول ثالث لكن لا نريد أن نذكر هذا
المهم الآن المسألة على قولين
بالخيار إما القبض والإرسال
وأن السنة القبض
هذا القول الثالث وهو أن السنة الإرسال في ساعتي هذه لا أذكر من المتقدمين لا أقول ما قال به أحد لكن الآن ما أذكر هل قال به أحد من الأئمة المتقدمين أو أن أصحاب الأقوال في القرون الأربعة اختلفوا فقط على قولين الخيار أنه مخير أو أنه يقبض فربما يوجد قول ثالث لا أذكره أو لم أقف عليه كما يغلب على ظني لكن لا أنفي الآن فلم أراجع هل من الفقهاء من قال بأن السنة الإرسال وإن كان يعرف في المعاصرين من يتبنى هذا القول
لكن أريد قبل أن أقرر أنه قولاً ثالثاً أن أتأكد من وجوده في القرون الأربعة لأن هذه مسألة في الصلاة وفي الحقيقة الآن لا أذكر هل قيل به من الأئمة المتقدمين أو لا؟
الخلاصة أنهم اختلفوا على قولين
التخيير والقبض
والأقرب القبض أولاً لأن هذا أقرب للخشوع
(1/373)
________________________________________
ثانياً أن إدخاله في العموم مقبول ولا يعتبر بعيد في الاستدلال
• قال - رحمه الله -
ثم يخر مكبراً
السنة أن يخر الإنسان مكبراً بلا رفع لليدين
أي أن السنة أن لا يرفع يديه إذا أراد أن يسجد
والدليل على هذا
ما جاء في حديث ابن عمر أنه رضي الله عنه قال وكان لا يرفع في السجود
والقول الثاني أن السنة أن يرفع أيضاً إذا أراد أن يسجد
واستدلوا
بحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع في كل خفض ورفع وهذا من الخفض
والجواب على هذا الاستدلال أن لفظ كان يرفع وهم
والصواب وكان يكبر في كل خفض ورفع أما لفظ وكان يرفع فهو وهم لا يثبت
وكل زيادة فيها الرفع للسجود فهي شاذة
والأحاديث الصحيحة الصريحة في الصحيحين وغيرهما ليس فيها الرفع للسجود بل فيهما نفي الرفع كما سمعت عن ابين عمر رضي الله عنه
فلا شك أن رفع اليدين فيما يظهر والله أعلم ليس من السنة
•
ثم قال - رحمه الله -
ساجداً على سبعة أعضاء
يجب على المصلي بل هو من أركان الصلاة أن يسجد على سبعة أعضاء
لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال أمرنا بالسجود على سبعة أعضاء اليدين والركبتين والقدمين والجبهة هذه سبعة
فإن أخل بالسجود على أحد هذه الأعضاء السبعة بطل سجوده
لأنه أخل بركن من أركان الصلاة
القول الثاني أن الواجب السجود على الجبهة وباقي الأعضاء تبع للجبهة فإن سجد على الجبهة صحت الصلاة ولو لم يسجد على باقي الأعضاء السبعة
إذاً العمدة عند هؤلاء ماهو؟ الجبهة
استدلوا بدليلين
الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعاء السجود سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره الحديث
فقال سجد وجهي: فأضاف السجود إلى الوجه
الثاني قالوا أن من سجد على وجهه فهو المسمى ساجداً فصدق عليه الإتيان بالركن
والراجح القول الأول وهو مذهب الجمهور لصراحة وصحة ووضوح دليل ابن عباس
وإن الإنسان ليعجب ممن يخالف حديث ابن عباس مع وضوحه وصراحته أمرنا بالسجود على سبعة أعضاء
مسألة هل يجب السجود على الأنف؟
اختلفوا على قولين
(1/374)
________________________________________
الأول أنه يجب أن يسجد على الجبة والأنف معها فإن لم يسجد عليه لم يتم سجوده
واستدلوا
بحديث ابن عباس السابق وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والجبهة وأشار إلى أنفه
والقول الثاني أن الواجب السجود على الجبهة مع باقي الأعضاء ولا يجب أن يمكن ولا أن يسجد على أنفه
دليلهم
قالوا لو أوجبنا السجود على الأنف لكان الواجب السجود على ثمانية أعضاء لا سبعة والحديث نص على أن أعضاء السجود سبعة
الجواب على هذا الاستدلال
أن الأنف والجبهة بحكم العضو الواحد ولذلك سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الجبهة وأشار إلى الأنف ليبين أنهما كالعضو الواحد
وبهذا لا يكون ثامناً وإنما هو السابع لأنه مع الجبهة كالعضو الواحد
والراجح القول الأول أيضاًلأن حديث ابن عباس نص فيه على وجوب السجود على الجبهة مع الأنف
• قال - رحمه الله -
ساجداً على سبعة أعضاء رجليه ثم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته مع أنفه
أفاد المؤلف رحمه الله أن الواجب عند الهوي إلى الأرض إذا خر ساجداً لله أن يقدم ركبتيه
وهذا مذهب الجمهور وأكثر الصحابة واختاره ابن المنذر وشيخ الا سلام ابن تيمية وعدد من المحققين
استدلوا بدليلين
الأول حديث وائل بن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد قدم ركبتيه على يديه ... وهذا الحديث فيه ضعف
الثاني صح إن شاء الله عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقدم ركبتيه على يديه
القول الثاني في هذه المسألة أن السنة تقديم اليدين على الركبتين
استدلوا بدليلين
الأول صح في البخاري معلقاً أن ابن عمر رضي الله عنه كان يقدم يديه
الثاني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه
وهذا الحديث خاض الناس في تأويله وفي الأجوبة عنه وفي بيان معناه مع العلم أن الراجح أنه حديث ضعيف
وهذه من فوائد إتقان طالب العلم لعلم الحديث ودراسة العلل ومعرفة ما يثبن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما لا يثبت حتى لا يشتغل فيما لا يثبت
فهذا الحديث لا يثبت
(1/375)
________________________________________
وممن ضعفه الإمام البخاري والترمذي والدارقطني وابن المنذر وعدد من الأئمة لولم يكن معهم إلا البخاري لكفى كيف ومعه الترمذي كيف ومعه الدارقطني
إذاً هذا الحديث لا يثبت
والراجح القول الأول وهو المذهب وهو أن المشروع تقديم الركبتين على اليدين
سبب الترجيح
سبب الترجيح في الحقيقة الدرجة الأولى أنه مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو رضي الله عنه له سنة متبعة فضلاً عن أنه يغلب على الظن أنه أخذه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
ومن المرجحات أن حديث وائل بن حجر أقل ضعفاً من حديث أبي هريرة
إذاً الراجح هو ما سمعتم أنه يقدم ركبتيه
• قال - رحمه الله -
ثم جبهته مع أنفه
دليل على أن الحنابلة يرون أن السجود على الأنف يجب كما يجب السجود على الجبهة
الأذان
بعد صلاة العشاء
قال شيخنا حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
• قال - رحمه الله -
ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده
أفاد المؤلف - رحمه الله - بهذه العبارة أنه يجوز أن يسجد الإنسان بأعضائه السبعة على الأرض ولو وجد حائل بينهن وبين الأرض
ولإيضاح هذا الحكم نقول تنقسم الأعضاء إلى أقسام
- القسم الأول
الركبتان والقدمان
فهذه أجمع الفقهاء على عدم وجوب كشفهما وأنه لا يجب أن يباشرا الأرض
لدليلين
الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صح عنه أنه صح بالنعال وإذا صلى بالنعال فلم تباشر القدم الأرض
الثاني أن الركبتين يجب أن يسترا لأنهما من العورة التي يجب أن تستر في الصلاة
- القسم الثاني
اليدان
على المذهب لا يجب أن يباشر المصلي الأرض بيديه
واستدلوا على هذا
بما أخرجه البخاري عن الحسن البصري أنه قال كان القوم يصلون بالعمائم والقلانس ويده في كمه هكذا قال - رحمه الله -
قال الحافظ ابن حجر مراده بالقوم الصحابة
وقوله ويده في كمه أراد أن ينص على كل صحابي أن كل واحد منهم كان يفعل ذلك
وكل هذا من كلام ابن حجر - رحمه الله -
(1/376)
________________________________________
ولكن يشترط في اليدين أن لا يكون الساتر لهما أحد أعضاء السجود فلو وضع يداً فوق يد لم يصح السجود
- القسم الثالث
الجبهة
تنقسم إلى أنواع
النوع الأول أنه يكون الحائل بينها وبين الأرض أحد أعضاء السجود كأن يسجد على يده
فهنا لا يصح السجود
لئلا تتداخل أعضاء السجود
النوع الثاني أن يكون الحائل من غير أعضاء السجود وليس متصلاً بالمصلي
فهذا يصح بلا إشكال
لأنه ثبت في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد على الحصير
وأيضاً ثبت في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد على خمرة
والحصير والخمرة كلاهما مصنوع من سعف النخيل لكن الفرق بينهما أن الحصير أكبر من الخمرة
النوع الثالث أن يسجد مع حائل من غير أعضاء السجود ولكنه متصل بالمصلي كأن يسجد على طرف ثوبه
فهذا ينقسم إلى قسمين
الأول - أن يكون مع الحاجة فهو جائز بلا كراهة لما ثبت أن الصحابة كانوا يضعون حائلاً من شدة الحر فكان أحدهم يسجد على كمه من شدة الحر
والثاني - أن يكون بلا حاجة فهو جائز مع الكراهة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسجد بلا حائل
فإن قيل ما هو الجواب على الحديث الذي مر معنا وهو قولهم شكونا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شدة الحر فلم يشكنا؟ ولو كان السجود على حائل يجوز لسجدوا على حائل
فالجواب أن معنا لم يشكنا أي لم يزل شكوانا بتأخير الصلاة تأخيراً زائداً ولا علاقة له بمسألة السجود على حائل
مسألة هل يشترط في الحائل بين المصلي والأرض في الحائل المنفصل أن يكون من جنس الأرض كما مثلنا بالحصير؟ أو يجوز ولو لم يكن من جنس الأرض كالفرش؟
الجواب يجوز أن يسجد الإنسان على حائل سواء كان من جنس الأرض أو مما صنع بيد الإنسان بدليل
ماثبت في البخاري عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسجد أحياناً على طرف الفراش
فهذا دليل على أن الحائل سواء كان من جنس الأرض أو مما صنعه الآدمي فإنه يجوز للمصلي أن يسجد عليه
وبهذا التقسيم كملت عند الإنسان الصورة
فإذا قيل لك ما حكم السجود على طرق الشماغ فماذا تقول؟
(1/377)
________________________________________
فإذا قيل لك ما حكم ما يفعله بعض الصبيان إذا أراد أن يسجد وضع يديه مجتمعتين ثم سجد عليهما لا سيما إذا كان في التراب؟
فإذا قيل لك ما حكم السجود على الحصير؟ مسائل ناقش فيها شيخنا الطلاب تقريراً لما سبق لم تتبين إجاباتها من التسجيل
• ثم قال - رحمه الله -
ويجافي عضديه عن جنبيه
أي أن السنة لمن سجد أن يجافي أثناء السجود بين يديه وجنبيه
وسبق معنا أن معنى المجافاه هي: المباعدة
والدليل على هذا
حديث عبد الله بن بحينه رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد باعد بين يديه حتى نرى بياض إبطيه وهذا في البخاري
وبياض الإبطين إنما يرى مع شدة المجافاة لأنه لو كان يجافي مجافاة يسيرة لم ير الصحابة بياض إبطي النبي - صلى الله عليه وسلم -
فإذاً السنة أن يباعد الإنسان بين جنبيه ويديه ولا يجعل يده ملتصقه كما يفعل كثير من الناس بأن ينضم إذا سجد سيأتينا أن هذا ليس من سنن الرجال وإنما هو من سنن النساء وعلى قول فإنه سيأتينا الكلام حول هذا الموضوع
• ثم قال - رحمه الله -
وبطنه عن فخذيه
أيضاً السنة أن يباعد بين فخذيه وبطنه
لما ثبت في حديث أبي حميد الساعدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يباعد بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه
فالحديث أفاد أنه يباعد بين فخذيه ولا يحمل بطنه على شيء من الفخذين بل يباعد بين الفخذين والبطن
إذاً هذا الحديث سيتكرر معنا لأنه دليل على عدة سنن وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يباعد بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه
فيباعد بين الفخذين الاثنين وأيضاً يباعد بين البطن والفخذ وهذا أيضاً يدل على ما دل عليه الحديث الأول أن المصلي لا يشرع له أن يكون كهيئة المنضم عند إرادة السجود وإنما يجافي أعضائه ويبعدها لأن الهيئة الأولى تنافي الخشوع وتنافي استحضار أن الإنسان بين يدي الرب
بل هي تفيد نوعاً من الكسل والتثاقل في أداء مثل هذا الركن العظيم وهو السجود
• ثم قال - رحمه الله -
وبطنه عن فخذيه
(1/378)
________________________________________
تقدم معنا الآن في حديث أبي حميد الساعدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يجعل بطنه ملتصقاً بشيء من فخذيه
فإذاً السنة المباعدة بين الفخذين وبينهما وبين البطن كما ذكرت
مسألة لم يبين المؤلف - رحمه الله - السنة في هيئة القدمين
والسنة في هيئة القدمين أن يجعل الأصابع أثناء السجود متجهة إلى القبلة
واختلفوا هل يلصق القدمين أثناء السجود أو يباعد بين القدمين؟
القول الأول أنه يباعد بين القدمين وهو المذهب
لحديث أبي حميد السابق قالوا لن تفريق الفخذين يؤدي إلى التفريق بين القدمين
والقول الثاني أن السنة أثناء السجود أن يلصق القدمين
واستدلوا على هذا
بحديث عائشة أنها بحثت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي بالليل فوقعت يدها على قدميه وهو ساجد
وجه الاستدلال أنه لو لم يكن ملصق لقدميه لم تقع اليد على القدمين مجتمعتين
وفي الحقيقة الخلاف في هذه المسألة قوي لأن حديث أبي حميد فيه دلالة على إبعاد القدمين لأنه إذا أبعد الفخذين فسيبعد القدمين
وحديث عائشة أيضاً فيه دلالة لأنه يصعب على الإنسان أن يضع يداً واحدة على قدمين في وقت واحد وهما بعيدان عن بعضيهما لا سيما وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوصف بأنه كبير الأعضاء فهو - صلى الله عليه وسلم - كبير اليدين والقدمين والمنكبين
بالإضافة إلى أن عائشة لا توصف إلا بأنها صغيرة
وهذه الأمور مجتمعة تقوي القول الثاني
وإن كانت المسألة فيها إشكال والخلاف فيها قوي ولكن الأظهر والله أعلم هو أن يلصق
كما أن الإلصاق يعين على الطمأنينة والخشوع ويعين على طول السجود
فهذه الأشياء مجتمعة تجعل الإنسان يرجح القول الثاني الذي يأخذ بحديث عائشة
وإن كان مذهب الحنابلة هو القول الأول
• ثم قال - رحمه الله -
ويقول سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى
إذا سجد المصلي فالمشروع له أن يقول سبحان ربي الأعلى
لما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد قال سبحان ربي الأعلى
ولما جاء في حديث عقبة أنه لما نزل فسبح باسم ربك الأعلى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - اجعلوها في سجودكم
(1/379)
________________________________________
فهذه الأحاديث تدل على مشروعية التسبيح في السجود
ومسألة هل التسبيح وباقي الأذكار واجبة أو سنة ستأتينا في واجبات الصلاة
• قال - رحمه الله -
ثم يرفع رأسه مكبراً
السنة أنه إذا رفع من السجدة الأولى ليجلس الجلسة بين السجدتين أن يكبر
لما صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع
وتقدم معنا أن هذا هو اللفظ الصحيح لهذا الحديث وأن لفظ كان يرفع وهم من أحد الرواة
فإذاً هذا الحديث أنه يكبر فيث كل خفض ورفع ودليل على أنه يكبر إذا رفع من السجدة الأولى
• ثم قال - رحمه الله -
ويجلس مفترشاً يسراه ناصباً يمناه
أولاً قوله ويجلس الدليل عليه
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمسيء صلاته ثم اجلس حتى تطمأن جالساً
وهو نص في ركنية هذه الجلسة بين السجدتين
ثانياً قوله أنه يفترش اليسرى وينصب اليمنى
ثبت هذا في حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس افترش اليسرى ونصب اليمنى وهو في الصحيح
وفي حديث أبي حميد أيضاً أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك
فحديث عائشة وحديث أبي حميد يدلان على الحكم نفسه
وحديث عائشة وحديث أبي حميد السياق فيهما في التشهد وليس في الجلوس بين السجدتين لكن الفقهاء يقيسون الجلسة التي بين السجدتين على الجلسة التي في التشهد ويقولون أن صفة الجلوس في الجلسة بين السجدتين كصفة الجلوس في التشهد الأخير
ويستدلون بأحاديث الجلوس للتشهد كما في حديث عائشة وأبي حميد وغيرهما على هذا الجلوس
كذلك السنة أن الإنسان يبسط يده اليسرى ويضع يده اليمنى على فخذه كما يصنع في التشهد الأخير والتشهد الأول
أيضاً قياساً على التشهد الأخير
وأضافوا تعليلاً آخر لمشروعية هذا الجلوس ووضع اليدين وهو قولهم
وأن هذا عمل المسلمين سلفاً عن خلف أي أن كل المسلمين إذا جلسوا بين السجدتين توارثوا هذا العمل أنهم يضعون أيديهم على أفخاذهم ويفترشون اليسرى وينصبون اليمنى
ففي الحقيقة لا يوجد دليل صريح لكن قياساً على التشهد الأخير وهو قياس صحيح ولا أظن في المسألة خلاف
(1/380)
________________________________________
مسألة هي التي فيها خلاف هل يشرع لمن جلس بين السجدتين أن يشير بالسبابة؟
في هذه المسألة خلاف
القول الأول وهو الظاهر من كلام الحنابلة أنه لا يشرع
واستدلوا على ذلك
بأن الأحاديث الصحيحة ليس فيها رفع السبابة في الجلوس بين السجدتين ولو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك لنقل لنا لشدة عناية الصحابة بصفة الصلاة
والقول الثاني أنه يسن أن يشير بالسبابة
واستدلوا بدليلين
الدليل الأول أن الجلوس بين السجدتين داخل في عموم الأحاديث التي فيها الإشارة
الدليل الثاني أنه في حديث وائل بن حجر قال ثم أشار بسبابته ثم سجد فهو دليل على أن الإشارة كانت بين السجدتين
والراجح والله أعلم في هذه المسألة أنه لا يشرع للإنسان أن يشير بسبابته بل يبسط كفه اليمنى على فخذه اليمنى واليسرى معلوم أنها مبسوطة
أولاً الجواب على الاستدلال بالعمومات أن هذه العمومات تبينها وتفصلها الأحاديث الأخرى التي فيها أن رفع السبابة إنما هو في التشهدين
والمجمل يفهم من المفصل
ثانياً أن قوله ثم سجد لفظة شاذة لا تثبت في الحديث ولو ثبتت لكانت فيصلاً في المسألة لكنها لا تثبت
لذلك الأقرب والله أعلم أن الإنسان بين السجدتين لا يشير
هذا الذي يظهر لي من السنة وإن كانت المسألة كما ترون لكل فريق من الفقهاء مستند قوي في الحقيقة لكن مثل الصلاة مع عنية الصحابة بها واهتمامهم بصفتها إذا لم ينقل لنا فالأقرب أنه لم يقع
• ثم قال - رحمه الله -
ويقول رَبِّ اغْفِرْ لِي
السنة أن الإنسان بين السجدتين يقول رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي ثلاثاً أو يزيد
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي
وهو حديث ثابت صححه الإمام أحمد وغيره
وروي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول ذكراً آخر وهو رب اغفرلي وارحمني وعافني وارزقني
لكن هذا الحديث أشار بعض الحفاظ إلى ضعفه كابن عدي في الكامل أشار إلى أنه من منكرات أحد الرواة
(1/381)
________________________________________
وأشار الإمام أحمد إلى أنه يستحب أن يقول الإنسان رب اغفر لي وأنه مقدم على حديث ابن عباس رب اغفرلي وارحمني وعافني وارزقني إشارة إلى ضعف حديث ابن عباس
فنحن نقول من الخطأ البين أن يقتصر الإنسان على مافي حديث ابن عباس ويترك حديث رب اغفر لي، رب اغفر لي لأنه أصح كما قال الإمام أحمد
بل كان الإمام أحمد يقول رب اغفر لي رب اغفر لي
وإن أراد الإنسان أن يجمع بين رب اغفر لي وحديث ابن عباس رب اغفرلي وارحمني وعافني وارزقني فإن هذا لا بأس به لكن الخطأ أن يقتصر الإنسان على ما في حديث ابن عباس لأن الحديث الآخر أصح وأثبت منه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
ثم نختم بـ
• قوله - رحمه الله -
ويسجد الثانية كالأولى
أي أن الثانية من حيث الهيئة ومن حيث الأذكار تكون كالأولى تماماً
لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسيء ثم افعل هذا في صلاتك كلها
فهذا دليل على أن السجدة الثانية كالسجدة الأولى
في كل شيء تماماً من غير فرق
ولذلك قال المؤلف - رحمه الله - كالأولى
نكتفي بهذا ونبقى على مسألة الرفع وما يتبعه من أحكام
انتهى الدرس
(1/382)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بالأمس وفي موضعه من الدرس لم نتكلم عن أين يضع الساجد يديه أثناء السجود؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
=القول الأول: أنه يضع يديه بحذاء منكبيه.
واستدلوا:
- بحديث أبي حميد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (هكذا كان يصنع إذا سجد).
= والقول الثاني: أنه يضع يديه حذو إذنيه.
- وهذا في حديث وائل.
= والقول الثالث: أن المصلي مخير إن شاء فعل هذا وإن شاء فعل هذا ويكون من السنة التي جاءت على أنواع متعددة.
وهذا الثالث هو الصواب جمعاً بين الأدلة وإعمالاً للنصوص.
وهذه الجملة تناسب أن تقال عند قوله (عضديه عن جنبيه) فكان ينبغي أن تقال في هذا الموضع.
ونرجع إلى موضع الدرس.
(1/383)
________________________________________
انتهى المؤلف - رحمه الله - من الكلام عن السجدة الأولى كاملة والركعة الاولى بسجدتيها ثم انتقل إلى الكلام عن الركعة الثانية بداية من الرفع.
• فقال - رحمه الله -:
ثم يرفع مكبراً.
تقدم معنا مراراً أن السنة على تكبيرات الانتقال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع.
وليس في الصلاة من الأعمال إلا ماهو إما خفض أو رفع. إما ركوع أو سجود أو رفع منهما.
•
ثم قال - رحمه الله -:
ناهضاً على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه إن سهل.
إذا أراد المصلي أن يقوم من السجود:
= فإنه عند الحنابلة: كما ترون ينهض على صدور قدميه معتمداً أثناء ذلك على ركبتيه إن سهل.
وهذا هوخلاصة مذهب الحنابلة: أن السنة أن يقوم على صدور قدميه ويعتمد على ركبتيه إن سهل.
فإن شق اعتمد على يديه.
إذاً السنة للقوي المستطيع أن لا يعتمد على يديه وهذا مراد المؤلف - رحمه الله - وإنما يعتمد على صدور قدميه وعلى ركبتيه إلا في حالة واحدة إذا شق عليه أن يقوم بهذه الصفة كالمريض وكبير السن والعاجز عموماً فإنه حينئذ لا بأس أن يعتمد على يديه.
الآن تصورنا مذهب الحنابلة.
الأدلة:
استدلوا على هذا التفصيل:
- بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم على صدور قدميه.
وهذا الحديث إسناده ضعيف.
- ولكن صح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - وهو من فقهاء الصحابة انه كان يصنع ذلك.
- واستدلوا أيضاً بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يقوم اعتمد على فخذيه ونهض على ركبتيه.
وهذا الحديث إيضاً في إسناده ضعف.
= القول الثاني: أن الإنسان يعتمد على يديه ثم يقوم.
أي يقوم معتمداً على يديه.
واستدلوا على هذه الصفة:
- بحديث مالك بن الحويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الثانية جلس ثم قام معتمداً على الأرض.
فهؤلاء معهم حديث صريح وهو حديث مالك بن الحويرث.
= القول الثالث:
أن المصلي إذا أراد أن يقوم إن جلس للاستراحة قام معتمداً على يديه.
وإن لم يجلس جلسة الاستراحة وقام مباشرة فإنه يقوم معتمداً على صدور قدميه وعلى ركبتيه.
(1/384)
________________________________________
هذا القول نصره الحافظ الفقيه الشيخ ابن رجب وقال - رحمه الله -: إنه يفهم من كلام الإمام أحمد. هذا التفصيل يفهم من كلام الإمام أحمد.
وإذا نظر الإنسان في هذا التفصيل وجد أن النصوص تجتمع بهذا التفصيل. وأنه يؤلف بينها وهذا القول الثالث هو الصواب.
وهذا يدعونا إلى الحديث عن مسألة أخرى لصيقه بهذا البحث وهو:
حكم جلسة الاستراحة؟
وجلسة الاستراحة اختلف الفقهاء أيضاً فيها على ثلاثة أقوال:
=القول الأول:: أنها لا تستحب.
وإلى هذا ذهب الجماهير وهو منقول عن أغلب الصحابة وجمهور الأئمة.
واستدلوا بدليلين:
- الدليل الأول: أن أكابر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين يأخذون عنه ويقتدون به لم يكونوا يجلسون جلسة الاستراحة.
- الدليل الثاني: أن النصوص الصريحة الصحيحة المتكاثرة التي وصفت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر فيها أنه كان يجلس جلسة الاستراحة إلا في حديث واحد فقط وهو حديث مالك بن الحويرث.
= القول الثاني: أنه يشرع ويسن للمصلي أن يجلس جلسة خفيفة إذا قام إلى الثانية وإذا قام إلى الرابعة.
واستدلوا:
- بحديث مالك بن الحويرث السابق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس جلسة ثم يقوم معتمداً على الأرض.
وقال أصحاب هذا القول: إذا ثبت الحديث وجب أن نأخذ به وهو حديث في البخاري.
فائدة / قال الإمام أحمد: ليس لهذا الحديث ثان.
أي أن أي حديث يروى في جلسة الاستراحة عدا حديث مالك بن الحويرث فاعلم أنه حديث غير محفوظ وأنه ضعيف هذا مراد الإمام أحمد.
وهذا الذي يسمونه الاستقراء وهو أهل للاستقراء - رحمه الله -.
= القول الثالث: وهو قول للحنابلة واختاره الموفق واختاره ابن القيم وغيره من المحققين: أن جلسة الاستراحة تشرع لكبير السن أو للمريض ونحوهما ولا تشرع في جميع الأحوال.
واستدلوا على ذلك:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما جلس هذه الجلسة في آخر عمره لما جاءه الوفد الذي فيهم مالك بن الحويرث بعد ما ثقل - صلى الله عليه وسلم - وكبرت سنه صار يجلس هذه الجلسة.
(1/385)
________________________________________
وفهم أكابر الصحابة من هذه الجلسة أنه إنما جلسها - صلى الله عليه وسلم - لهذا السبب ولذلك لم يقتدوا به فيها مع حرصهم على الصلاة وما فيها من سنن.
وإذا قال الإنسان بهذا القول يعتبر لم يضيع أي شيء من الأدلة وإنما أخذ بأدلة القول الأول وأخذ بأدلة القول الثاني ولكن جمع بينها ووفق.
وهذا القول هو الراجح وهو الذي يرتاح إليه الإنسان ويرى أنه أن شاء الله متوافق مع السنة.
بناء على هذا: نرجع للمسألة السابقة: عرف الإنسان بالنسبة للتفصيل في القول الثالث: أنه إن جلس اتكأ على يده وإن لم يجلس اتكأ على ... عرف متى يجلس ومتى لا يجلس في هذا التفصيل.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويصلي الثانية كذلك.
تقدم معنا أن الثانية تصلى كالأولى.
- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمسيء ثم افعل هذا في صلاتك كلها.
فهذا دليل على أن الإنسان يصلي الركعة الثانية كما يصلي الركعة الأولى عدا ما سيستثنيه المؤلف - رحمه الله - وإلا ما لم يستثنى فالأصل أن تتساوى فيه الركعة الأولى مع الركعة الثانية. لحديث المسيء.
• يقول - رحمه الله -:
ما عدا التحريمة. التحريمة: شرعت لافتتاح الصلاة ولذلك فهي لا تكون إلا في الركعة الأولى ولا يشرع في الركعة الثانية.
بل لو كبر تكبيرة ينوي بها التحريمة في الركعة الثانية فكأنه أبطل صلاته لأنه لا يدخل في صلاة ثانية إلا وقد أبطل الأولى.
وعلى كل حال المؤلف - رحمه الله - ذكر هذا القيد احترازاً وإلا من المعلوم أن أحداً لن يكبر في الثانية بنية التحريمة.
•
ثم قال - رحمه الله -:
والاستفتاح.
لا يشرع للمصلي أن يقول دعاء الاستفتاح في الركعة الثانية ولو كان نسيه في الركعة الأولى أو تركه عمداً.
التعليل:
- أن هذه السنة محلها في الركعة الأولى وإذا فات محلها فاتت فلا يشرع أن يذكر هذا الاستفتاح في الركعة الثانية.
• ثم قال - رحمه الله -:
والتعوذ.
= ذهب الحنابلة واختاره ابن القيم أن المصلي إذا قام إلى الثانية فإنه لا يشرع له أن يستعيذ.
واستدلوا على هذا الحكم:
- بحديث أبي هريرة الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نهض إلى الثانية استفتح بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت. هكذا قال أبو هريرة - رضي الله عنه -.
(1/386)
________________________________________
فدل ذلك على أن الاستعاذة خاصة بالركعة الأولى.
واستدلوا على هذا الحكم بدليل آخر معنوي وهو:
- أن الصلاة كلها دعاء وذكر والفصل بين القراءتين بالدعاء والذكر لا يعتبر فصل حقيقي ولذلك يكتفي المصلي بالاستعاذة التي وقعت في الركعة الأولى لأنه في الحقيقة لم يفصل القراءة كأنه لم يفصل لأنه لم يفصل إلا بذكر ودعاء ولا يعتبر هذا من الفصل.
= والقول الثاني: أنه يشرع أن يستعيذ في كل ركعة.
وهو مذهب الظاهرية واختاره من المحققين شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -.
واستدل على ذلك:
- بالآية. وقال: الآية عامة في كل بداية قراءة. فالله أمرنا أن نستعيذ في كل مرة نريد أن نقرأ.
والراجح القول الثاني: - لأن دليلهم نص في المسالة. ودليل أصحاب القول الأول مفهوم.
إذاً أبو هريرة - رضي الله عنه - لم ينص على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر الاستعاذة وإنما فهم من كلامه أنه لم يستعذ.
فالأقرب والله أعلم أن المصلي يستعيذ في كل ركعة.
إذاً قول المؤلف - رحمه الله -: والتعوذ. الأقرب أنه لا يستثنى.
• ثم قال - رحمه الله -:
وتجديد النية.
أي: أنه لا يشرع للإنسان أن يجدد نيته في الركعة الثانية اكتفاء باستصحاب النية.
وقال بعض الفقهاء أن ذكر النية مع المستثنيات خطأ من أصله لأن النية ليست من صلب الصلاة وإنما من شروط الصلاة التي تتقدم على الصلاة فلا حاجة لاستثنائها من الركعة الثانية أصلاً.
وهذا القول قريب جداً أنه لا ينبغي أن لا تذكر أصلاً لأنها من الشروط وليست من أركان الصلاة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ثم يجلس مفترشاً.
هذا الجلوس هو الجلوس للتشهد الأول.
تقدم معنا أدلة صفة الافتراش.
وأن الذين رووا هذه الصفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنان من الصحابة: أبو حميد وعائشة. هم الذين ذكروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفترش اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى.
فإذاً أدلة الافتراش في التشهد سبقت.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويداه على فخذيه.
يريد المؤلف أن يبين كيف يضع الإنسان يديه في التشهد الأول.
= فالحنابلة يرون: أن الإنسان يضع يديه على فخذيه.
واستدلوا على هذا:
(1/387)
________________________________________
- بحديث عبد الله بن الزبير أن - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس وضع يده اليمنى على فخذه الأيمن ويده اليسرى على فخذه الأيسر وألقم يده اليسرى ركبته. هذا اللفظ ثابت في مسلم.
فقوله: (وضع يده اليمنى على فخذه الأيمن ويده اليسرى على فخذه الأيسر) دليل على أن المصلي إذا جلس للتشهد الأول هكذا يصنع. يضع يده اليمنى باسطها على فخذيه.
الصفة الثانية: أن يضع المصلي يديه على ركبتيه.
واستدلوا على هذه الصفة:
- بحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس وضع يديه على ركبتيه. وهذا حديث صحيح.
هناك صفة ثالثة جاءت في الآثار والأحاديث لكني لم أقف على قائل بها وهي أن يضع الإنسان يده على الفخذ والركبة.
والصفة هذه جاءت مصرحاً بها في حديث وائل بن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس للتشهد وضع يده على فخذه وركبته. هكذا.
ولعل الذين قالوا يضع يده على ركبته يقصدون هذا المعنى: يعني: مع فخذه.
لأن الإنسان قد لا يتمكن من وضع كل اليد على الركبة إلا بالتلقيم والتلقيم سيأتينا أنه سنة في اليسار فقط هكذا في الأحاديث. أما في اليمين فكيف سيصنع فلا يستطيع.
فلعل مقصودهم أن يضع الإنسان يده على فخذه وركبته.
الخلاصة أن السنة أن يضع أحياناً يده على فخذه وأحياناً يضع يده على ركبته.
ومن الطبيعي أنه إذا وضعها على ركبته سيكون بعضها على فخذه.
ويقصد الإنسان في الصلاة أن ينوع لتحصل له السنة في التنويع ويثاب ولا يضع يده كيفما تيسر وإنما يقصد أحياناً إن يضعها على الفخذ وأحياناً يضعها على الركبة.
مسألة / هل يسن أن يلقم يده اليسرى لركبته اليسرى؟
= الحنابلة يرون: أنه لا يسن.
= والقول الثاني: وهو قول للحنابلة واختاره ابن مفلح وقبله ابن قدامة - رحمهما الله - أنه يسن أن يضع الإنسان يده على ركبته اليسرى كالمقلم لها أحياناً.
والقول الثاني هو الصواب أن هذا يسن أحياناً للحديث الصريح وهو حديث بن الزبير وهو في مسلم فالأخذ به متعين لصحته وصراحته.
والذي يظهر لي - مع أن الحديث عام - أن هذه السنة الأنسب أن تفعل أثناء التورك ومن جرب هذه السنة سيجد أن الأنسب أن تكون أثناء التورك.
(1/388)
________________________________________
وإن كان الإنسان يستطيع أن يفعلها من غير تورك لكن قد يكون في هذا شيء من الصعوبة لكن أثناء التورك سهل جداً ولعلها كانت تفعل هكذا وإلا فإن الحديث عام أنه كان يلقم يده اليسرى ركبته اليسرى ولم يعين هل هو في التشهد الأول أو في الأخير وإنما هو عام.
بعدما انتهى المؤلف - رحمه الله - من بيان أين يضع يده من رجله بالنسبة للفخذ والركبة انتقل إلى كيفية وضع اليد من حيث هي
•
فقال - رحمه الله -:
يقبض خنصر اليمنى وبنصرها ويحلق إبهامه مع الوسطى ويشير بسباحته.
هذه إحدى صفات وضع اليد وهو أن يقبض الخنصر وهو الاصبع الصغير والبنصر وهو الذي يليه ويحلق بالوسطى - كحلقة الحديدة - مع الإبهام ويشير بالسبابة.
وهذه الصفة جاءت في حديث وائل بن حجر وهي صحيحة.
الصفة الثانية: وجاءت في حديث ابن عمر - رضي الله عنه - في صحيح مسلم أنه يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويجعل الإبهام عند أصل السبابة ويشير بالسبابة.
هذا في حديث ابن عمر في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبض على يده ثلاثة وخمسين وهذا العدد .. وبين الشارح حفظه الله ذلك عملياً ...
الصفة الثالثة والأخيرة: أن يقبض الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام يعني يقبض جميع الأصابع إلا السبابة ويشير بها كما سيأتينا وهذه الصفة أيضاً في صحيح مسلم عن ابن عمر صراخة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبض أصابعه كلها وأشار بالسبابة.
صارت الصفات ثلاثة.
واختلف الفقهاء هل هذه الصفات صفات متنوعة يشرع أن يأتي بكل واحد منها مرة؟ أو أنها صفات لفعل واحد؟
= فالقول الأول: أنها صفات متنوعة ولذلك جاء عن الإمام حمد ثلاث راويات في هذه الصفات فيشرع للإنسان أن ينوع أحياناً بالصفة الأولى وأحياناً بالثانية وأحياناً الثالثة.
= والقول الثاني: أن هذه الصفات عبارة عن صفة واحدة ولكن كل من الرواة عبر حسب ما شاهد وليس هناك اختلاف وإنما صفة القبض واحدة.
وذهب إلى هذا القول الحافظ ابن القيم. وقال: أن هذه الصفات لا تختلف وإنما كل يعبر بما رأى والصفة واحدة.
(1/389)
________________________________________
والراجح القول الأول واختيار ابن القيم في هذه المسألة فيه ضعف: - لأن النصوص صريحة في التفريق وصريحة في الوصف ولا يمكن أن نجعل صفة التحليق الواضحة في الحديث الأول كصفة ضم الأصابع الواضحة في حديث ابن عمر الأخير فلا يمكن التوفيق بينها إلا بشيء من التكلف.
فما ذهب إليه - رحمه الله - ضعيف والصواب أن هذه الصفات مختلفة جاءت بها أحاديث مختلفة وأن السنة أن ينوع المصلي بين هذه الصفات.
ثم لما أنهى المؤلف - رحمه الله - بيان صفة اليد اليمنى بين كيف يكون وضع اليسرى.
•
فقال - رحمه الله -:
ويبسط اليسرى.
أن المصلي إذا جلس للتشهد الأول يبسط اليسرى من غير ضم مطلقاً.
ودليل هذه الصفة:
- حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس باسطاً يده اليسرى على فخذه.
فهذا دليل كيفية وضع اليد اليسرى.
وتقدم معنا أن لها سنة أخرى وهي: الإلقام. وإنما لم يكرها المؤلف - رحمه الله - لأن الحنابلة يرون أن هذا لا يسن.
مسألة / هل يحرك المصلي أصبع يده اليمنى؟
قبل ذلك يخلط بعض إخواننا بين الإشارة والتحريك يظن أن الخلاف في الإشارة كالخلاف في التحريك.
والواقع أن الإشارة هي أن يشير بإصبعه هكذا من غير تحريك.
والتحريك (هكذا) ويعتبر أشار وحرك.
فالآن الإشارة لا شك في سنيتها كما سمعتم في أحاديث ثلاثة. إنما الخلاف في التحريك.
فاختلفوا على قولين:
= القول الأول: أنه يحرك.
- لما في حديث وائل بن حجر في آخره ((وانه أشار بالسبابة ثم قال يحركها يدعو بها)). وهذا لفظ صريح في التحريك.
= والقول الثاني: أن السنة الإشارة بلا تحريك.
- لأنه ليس في الأحاديث الصحيحة تحريك ولفظ يحركها شاذ وممن أشار إلى شذوذه الحافظ ابن خزيمة - رحمه الله -.
وأي إنسان عنده ملكة الحديث ويعرف نفس الأئمة المتقدمين يطالع الأسانيد التي رويت بحديث وائل بن حجر وينظر في أيها جاءت هذه الزيادة لا يشك إذا طالع أنها زيادة خطأ وأن راويها أخطأ فيها وشذ.
هذا لمن كان يحسن كيف يتعامل مع الأسانيد على طريقة الأئمة المتقدمين.
فلو رأيت الأسانيد لم تشك أنها زيادة شاذة.
(1/390)
________________________________________
وعلى كل حال نقول: أن هذه الزيادة شاذة وإذا كانت هذه الزيادة شاذة فليس في الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحرك ولذلك سن أن يقول الإنسان (هكذا).
ومن الأدلة على ضعف التحريك اضطراب القائلين به في موضعه فإنهم لا يدرون متى يحرك هل يحرك من أول التشهد إلى آخره؟ أو يحرك إذا أراد أن يتشهد الشهادتين؟ أو يحرك في أشهد أن لا إله إلا الله دون أشهد أن محمداً رسول الله؟ أو يحرك إذا دعا؟ أو يحرك في الجميع؟ أقوال متضاربة ليس لها دليل مما يدل على إن هذه السنة لم تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
• ثم قال - رحمه الله -:
ويقول التحيات لله والصلوات والطيبات .... إلخ.
هذا المقدار هو التشهد الأول.
وهذا التشهد مروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في الصحيحين وهو أصح أحاديث التشهد ولذلك اختاره الإمام أحمد - رحمه الله -.
وروي في التشهد أحاديث أخرى فروي فيه:
- حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - واختاره من الأئمة الإمام مالك بن أنس: (التحيات لله الزاكيات لله الصلوات الطيبات لله). وباقيه كحديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
- وروي أيضاً في التشهد: حديث ابن عباس - رضي الله عنه - واختاره من الأئمة الإمام الشافعي ولفظه: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله). ثم باقيه كحديث ابن مسعود.
صارت أنواع التشهدات المذكورة الآن: ثلاثة.
حديث ابن مسعود واختاره الإمام أحمد.
وحديث عمر واختاره الإمام مالك.
وحديث ابن عباس واختاره الإمام الشافعي.
والصواب أن الإنسان ينوع بين هذه التشهدات ليأتي بالسنة على أوجهها المختلفة.
ونحن نرى أن ما اختاره الإمام أحمد هو الأقرب يعني أن الإنسان يقدم تشهد ابن مسعود وإن كان يذكر أحياناً تشهد ابن عباس وتشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما لأن أصح التشهدات وأصح حديث روي في الباب كما قال الترمذي هو حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
• قال - رحمه الله -:
ويقول التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(1/391)
________________________________________
ظاهر كلام المؤلف - رحمه الله - أنه لا يشرع للمصلي ............ (((الأذان))).
انتهى الدرس
(1/392)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
ذكرنا بالأمس أن المؤلف - رحمه الله - ذكر التشهد الأول واختار الحنابلة تشهد ابن مسعود رضي الله عنه وذكرت اختيار مالك والشافعي ومازال البحث في التشهد الأول
• فقول المؤلف - رحمه الله - هنا
ويقول
يعني في التشهد الأول ولذلك ختمه بقوله هذا التشهد الأول
ظاهر عبارة المؤلف - رحمه الله - أن المصلي إذا قرأ التشهد الأول فإنه لا يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -
وهذا مذهب الحنابلة واختاره ابن القيم
واستدلوا على هذا بدليلين
الدليل الأول أن الأحاديث الصحيحة الصريحة لم تذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي على النبي في التشهد الأول
والدليل الثاني أن المشروع في التشهد الأول أن يخفف وهذا التخفيف يناسبه ألا يذكر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
والدليل على مشروعية تخفيف التشهد الأول
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه في الحديث الصحيح أنه إذا قعد في التشهد الأول كأنه جالس على الرضف
وهو الحجارة المحماة أي يبادر بقراءة التشهد وينهض وهذا الحديث صحيح
القول الثاني أن المشروع أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى في التشهد الأول
لما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره أنهم قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟
وجه الاستدلال أنهم ذكروا السلام والسلام يكون في التشهد الأول
والراجح القول الأول وهو أنه لا يشرع الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا اللفظ العام الذي استدلوا به يحمل على النصوص التي وضحت أن الصلاة الإبراهيمية تكون في التشهد الثاني
• يقول المؤلف - رحمه الله -
ثم يقول
يقصد أي في التشهد الأخير مع ما سبق في التشهد الأول
(1/393)
________________________________________
وتلاحظ أن المؤلف - رحمه الله - لم يختم جملة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله هذا التشهد الثاني اكتفاء بقوله في الاول هذا التشهد الاول
إذاَ ثم يقول يعني في التشهد الثاني مع ماسبق
• ثم قال - رحمه الله -
اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ الخ
ظاهر كلام المؤلف
أن الصفة الأفضل هي أن يقول صلي على آل إبراهيم ولا يقول صلي على إبراهيم وآل إبراهيم
هذا هو المذهب
والقول الثاني أن المصلي مخير إن شاء قال على إبراهيم وآل إبراهيم وإن شاء اكتفى بعلى آل إبراهيم
والقول الثالث أن الأفضل التنويع لأن قوله كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ثابت كما أن قوله كما صليت على آل إبراهيم ثابت
يعني ذكر إبراهيم ثابت وعدم ذكره ثابت
وذكر شيخ الاسلام أنه لا يوجد في الأحاديث الصحيحة اللهم صل على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
والصواب أن هذا الحديث ثابت قي صحيح البخاري بهذا اللفظ كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم أي بزيادة ذكر ابراهيم
إذاً الحنابلة يرون أن الصيغة الفاضلة المقدمة هي الصيغة التي ذكرها المؤلف بدون كما صليت على إبراهيم
والصواب أن المصلي يسن له أن ينوع أحياناً يذكر هذا وأحياناً يذكر هذا لأن الجميع ثابت في السنة الصحيحة
•
ثم قال - رحمه الله -
ويستعيذ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال
الدليل على استحباب هذا الدعاء والاستعاذة
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا انتهى أحدكم من تشهده فليستعذ من أربع وذكرها
والاستعاذة من هذه الأربع
عند الحنابلة سنة
والقول الثاني ان الاستعذاة من هذه الأربع واجبة إن تركها عمداً بطلت صلاته وإلى هذا ذهب طاووس وبعض الظاهرية
والأقرب والله أعلم أنها واجبة ولا تبطل الصلاة بتركها يعني الجمع بين القولين
(1/394)
________________________________________
والقول بأنها سنة أيضاً قول قوي باعتبار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم ابن مسعود التشهد وكذلك ابن عباس وكذلك عمر بن الخطاب ولم يذكر لهم وجوب الاستعاذة فالقول بأنه سنة قول قوي جداً ووجيه وهو كما ترون هو المذهب
لكن لما كان عندنا حديث صريح صحيح يصرح بالأمر فليقل أو فليستعذ فهذا يؤدي بالإنسان إلى أن يميل إلى الوجوب
لكن الإبطال صعب ويحتاج إلى أصول قوية لكن نقول هو واجب ولا تبطل الصلاة بتركه
• وقوله - رحمه الله -
فتنة المسيح الدجال
في بعض الألفاظ التي في مسلم ومن شر فتنة
أي أن مسلماً رواها أحياناً كما قال المؤلف - رحمه الله - وفتنة المسيح الدجال وأحياناً قال ومن شر فتنة لفظان ثابتان في صحيح مسلم
بناء على هذا الأفضل أن ينوع كذلك الإنسان أحياناً يقول فتنة المسيح الدجال وأحياناً يقول من شر فتنة المسيح الدجال
•
ثم قال - رحمه الله -
ويدعو بما ورد
أي أن السنة بعد أن ينهي المصلي التشهد والاستعاذة من أربع يسن له أن يدعو وينبغي له أن يدعو
لما ثبت في حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر له التشهد قال ثم ليتخير من الدعاء أحبه إليه أو ثم ليتخير من الدعاء ما يريد
فالسنة أن يتخير من الدعاء ما يريد ويحرص على ما ورد في السنة من الأدعية الوارة في السنة
مسألة
ذهب الحنابلة إلى أنه في هذا الدعاء لا يجوز له أن يدعوا بشهوات الدنيا فإن دعا بشهوات الدنيا بطلت صلاته
والواجب أن يقتصر على ما يخص الآخرة
واستدلوا على هذا الحكم
بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة إن صلاتنا هذه لا يصلح أن يكون فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتحميد وذكر الله وقراءة القرآن والدعاء بشهوات الدنيا من كلام الناس
القول الثاني وهو قول عند الحنابلة أنه يجوز أن يدعو بما شاء مما يتعلق بالآخرة أو بالدنيا
واستدلوا على هذا
بعموم حديث ابن مسعود السابق حيث لم يخصص دعاء من دعاء
(1/395)
________________________________________
والراجح القول الثاني لعموم النص على أن عدداً من السلف كره جداً أن يدعو الإنسان في آخر صلاته بما يتعلق بالدنيا ورأوا أن يخصه بأمور الآخرة فمن الأدب في الصلاة أن يفعل ذلك في الفريضة والنافلة
• ثم قال - رحمه الله -
ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله
التسليم ثابت في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال ثم سلم عن يمينه وعن شماله حتى رؤي بياض خده السلام عليكم ورحمة الله
فالسنة في السلام أن يسلم عن يمينه وأن يسلم عن شماله وأن يلتفت بحيث يُرَى بياض خده
والسنة في السلام
أن لا يُمَد
ولا يُطَوَّل
وتسكن الهاء فيه
والدليل على ذلك
ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حذف السلام سنة
وفسر الإمام أحمد والإمام الكبير ابن المبارك فسرا حذف السلام بهذا الشيء
وهذا الحديث الصواب أنه موقوف لكنه يصلح للاستدلال جداً في هذا الموضع لأنه يبعد أن يأتي الصحابي بهذه السنة الخاصة والكيفية المعينة من قبل نفسه بل الظاهر أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا يسلم
إذاً مَدَّ السلام الذي يصنعه بعض إخواننا الآن من خلال هذا البحث يعتبر خلاف السنة
مسألة فإن قال المصلي السلام عليكم ولم يقل ورحمة الله
فالمذهب أن هذا السلام لا يجزئ
والدليل
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال صلوا كما رأيتموني أصلي وكان يسلم هكذا - صلى الله عليه وسلم -
القول الثاني أنه لو قال السلام عليكم فقط ولم يقل ورحمة الله صح سلامه وأجزأ
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحليلها التسليم والتسليم يصدق بقول المصلي السلام عليكم
والصواب مع الحنابلة لأن التسليم ركن يجب الرجوع في كيفيته كاملة إلى السنة المفصلة والأركان اهتم بها الشارع فلا نكتفي فيها ببعضها
مسألة هل يشرع أن يقول المصلي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أو لا؟
فيه خلاف
فمن الفقهاء من يرى أنه لا يزاد في السلام على الصيغة التي جاءت في حديث ابن مسعود
لأنها الثابتة الصحيحة التي عملها النبي - صلى الله عليه وسلم - مراراً
والقول الثاني أنه يشرع أن يزيد أحياناً وبركاته
(1/396)
________________________________________
لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ثم سلم وقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وهذا الحديث إسناده حسن وهو مقبول ولا أعلم له علة ثم زيادة وبركاته جاءت عن بعض الصحابة
فالأقرب والله أعلم باعتبار هذا الحديث والآثار أنه لا باس أن يزيد المصلي أحياناً وبركاته
في الشمال واليمين
وبعضهم قال في الشمال فقط لأن الحديث هكذا فيه لكن آثار الصحابة عامة
•
ثم قال - رحمه الله -
وعن يساره كذلك
أي أن البحوث والمسائل التي ذكرت في تسليمة اليمين تنطبق على تسليمة اليسار
• قال - رحمه الله -
وإن كان في ثلاثية أو رباعية نهض
النهوض من التشهد الأول حكمه حكم النهوض من الركعة الأولى والثالثة
فالخلاف الذي ذكرناه في كيفية النهوض من الركعة الأولى والثالثة ينطبق على النهوض من التشهد الأول تماماً وقد صرح الفقهاء بذلك أيضاً أنهما يتساويان فمن رأى مشروعية الاعتماد على الأرض هناك فيراه هنا والعكس صحيح
• ثم قال - رحمه الله -
نهض مكبراً بعد التشهد الأول
إذا انتهى من التشهد الأول فإنه ينهض مكبراً
لما تقدم معنا مراراً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع
وظاهر كلام المؤلف أنه ينهض مكبراً بلا رفع لليدين
وهذا هو المذهب بل هذا مذهب الأئمة الأربعة حكي عن الأئمة الأربعة أنهم يرون أن لا يرفع يديه إذا نهض من التشهد الأول
والقول الثاني وهو رواية عن الإمام أحمد أنه إذا نهض من التشهد الأول يرفع يديه
واستدلوا على ذلك
بحديث ابن عمر الثابت في الصحيح أنه ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع في أربعة مواضع التكبير والركوع والرفع من الركوع قال وإذا قام من الركعتين
والصواب مع القول الثاني لصحة ما استدل به من حديث ابن عمر والمُثْبِتُ مقدم على النافي لا سيما والإسناد صحيح بل ثابت في الصحيح
ولم أر للفقهاء رحمهم الله كلاماً في متى يرفع يديه؟
ولكن السنة أن يرفع يديه مع التكبير كما قلنا في الرفع من الركوع وأن لا يؤخر رفع اليدين إلى أن يستتم قائماً لأنه إذا استتم قائماً سيشتغل بالواجبات وسنن وأركان الركعة الثالثة
•
(1/397)
________________________________________
ثم قال - رحمه الله -
وصلى ما بقي كالثانية
يصلي باقي صلاته أي الركعة الثالثة كما صلى الثانية والأولى تماماً
لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث المسيء ثم افعل هذا في صلاتك كلها
• قال - رحمه الله -
بالحمد فقط
أي أن المشروع للمصلي إذا نهض إلى الثلاثة أن يقتصر في الثالثة والرابعة على قراءة الحمد فقط دون سورة أخرى
والدليل على هذا
حديث أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم الظهر فقرأ في الركعتين الأولتين الفاتحة وسورة وقرأ في الأخيرتين بالفاتحة فقط
وهذا الحديث في البخاري
والقول الثاني أن المصلي يشرع له أن يقرأ سورةً مع الفاتحة حتى في الركعتين الأخيرتين
لما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الأخيرتين على النصف من قراءته للأولتين
والأقرب والله أعلم أن المصلي يشرع له أن يقرأ في الأخيرتين بسورة مع الفاتحة في أحيان قليلة ويكون الغالب عليه أن قراءة الفاتحة فقط
وبهذا تجتمع نصوص السنة
• ثم قال - رحمه الله -
ثم يجلس في تشهده الأخير متوركاً
يريد المؤلف - رحمه الله - أن يبين أن هناك فرقاً في الجلوس بين التشهد الأول والتشهد الثاني وأنه يسن في التشهد الثاني أن يتورك
واستدلوا على هذا الحكم
بحديث أبي حميد الساعدي الثابت في البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس في التشهد الأخير أخرج رجله اليسرى ونصب اليمنى وأفضى بمقعدته إلى الأرض وهذا هو التورك
مسألة هل يشرع التورك في التشهد الذي يعقبه السلام أو يشرع في التشهد الثاني في كل صلاة فيها تشهدان؟
فيه خلاف
والصواب أنه لا يشرع التورك إلا في الصلاة التي لها تشهدان فقط
أما الصلاة التي فيها تشهد واحد فإنه لا يتورك
مسألة ولجلوس التشهد الأخير صفة أخرى جاءت في حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وهي صفة ثابتة وسنة صحيحة فقد أخبر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس في التشهد الثاني أخرج قدمه اليسرى من بين فخذه وساقه وفرش اليمنى
هذه هي السنة
(1/398)
________________________________________
وقد لا يستطيع الإنسان أن يطبق أصلاً هذه السنة إلا مع فرش اليمنى وهو ثابت في الحديث الصحيح فيكون لهيئة الجلوس في التشهد الأخير صفتان
الصفة الأولى التورك
والصفة الثانية هذه الصفة التي ذكرت لك وهي فرش اليمنى وإخراج اليسرى من بين الفخذ والساق
• ثم قال - رحمه الله -
والمرأة مثله لكن تضم نفسها
قوله - رحمه الله - والمرأة مثله أي أن المرأة كالرجل في جميع ما سبق من
أذكار
وقراءة قرآن
وصفات للصلاة
وهيئات
وكل ما تقدم
تستوي فيه المرأة مع الرجل تماماً في السنن السابقة والواجبات والأركان
إلا ما سيستثنيه المؤلف - رحمه الله -
وقد بين - رحمه الله - ما يستثنى
• فقال - رحمه الله -
لكن تضم نفسها
أي أن السنة بالنسبة للمرأة أن تنضام وتضم بعضها إلى بعض في كل ما يتجافى فيه الرجل
فكل موضع نقول للرجل السنة أن يجافي فالسنة للمرأة ألا تجافي وإنما تضم بعضها إلى بعض
واستدلوا على هذا بأمرين
الأمر الأول أن هذا مروي عن أم سلمة وحفصة رضي الله عنهما وغيرهما
والأمر الثاني أن هذه الصفة أستر للمرأة
ولما ذكر الحافظ ابن رجب هذا القول وهو مسألة أن السنة للمرأة أن لا تجافي وإنما تضم بعضها إلى بعض قال - رحمه الله - وهذا قول أهل العلم ولم يذكر خلافاً
وإذا بحث الإنسان في كتب المذاهب يجد أنهم يذكرون هذا القول ولا يذكرون قولاً آخر في مسألة التضام وأنه لا يسن لها المجافاة
ولم أجد الآن بعد البحث من قال بأن المرأة تكون كالرجل في المجافاة بل كما تسمعون مروي عن الصحابيات الفقيهات منهن كأم سلمة وهي فقيهه وحفصة أيضاً نسبت للفقه أنهن ينضممن ولا يجافين
فلم أجد من قال بسنية المجافاة بالنسبة للمرأة
المسائل الأخرى فيها خلاف بالنسبة للمرأة لكن هذه المسألة كما قلت لكم ظاهر كلام ابن رجب أنه لا يوجد خلاف بدليل أنه نسب هذا القول لكل أهل العلم وقال هذا قول أهل العلم ومع ذلك لم يذكر خلافاً
• ثم قال - رحمه الله -
وتسدل رجليها في جانب يمينها
يعني ولا تفترش أي ولا تجلس كصفة الرجل في الافتراش
(1/399)
________________________________________
وصفة إخراج الرجلين من جهة اليمين بالنسبة للمرأة مروي عن عائشة رضي الله عنها
واستدلوا أيضاً
بأن هذه الصفة أستر للمرأة وأبعد عن الانكشاف
والقول الثاني في هذه المسألة وهي هيئة الجلوس أن المرأة كالرجل
وهذا قول أم الدرداء ذكره البخاري قولها ثم قال وكانت فقيهة فكأنه هو - رحمه الله - يميل إلى هذا القول يشعر تبويبه بأنه أيضاً هو يميل إلى أنه في الجلوس المرأة كالرجل
وأما الإمام أحمد - رحمه الله - فقال أما أنا فلا أذهب لما فعلت أم الدرداء
والراجح والله أعلم أن المرأة كالرجل ما دام أنه مروي عن فقيهة وثابت عنها وعلقه البخاري بصيغة الجزم فالقول به متوجه
والأصل في الحقيقة أن المرأة كالرجل
في المسألة السابقة وهي: مسألة أن السنة للمرأة أن تضم بعضها إلى بعض وأن لا تتجافى ذكرت لكم أن من الأدلة أنه مروي عن بعض الصحابيات
وفي الباب حديث مرسل صحيح إلى مرسله
ومرسله هو التابعي الجليل يزيد بن أبي حبيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر المرأة أن تضم اللحم إلى اللحم
وفي الباب آثار عن الصحابة
فصارت الأدلة على أن السنة بالنسبة للمرأة أن لا تجافي وأن تضم بعضها إلى بعض
أولاً مروي عن الصحابيات
ثانياً في الباب حديث مرسل صحيح إلى مرسله
ثالثاً مروي عن بعض الصحابة
رابعاً هو قول عامة أهل العلم الجماهير إن لم يكن إجماعاً
ولا شك أن هذه الأدلة قوية في هذا الباب متضافرة يقوي بعضها بعضاً ويؤيد أن السنة للمرأة أن تضم بعضها إلى بعض وأن لا تجافي عضديها
مسألة هل هذا الحكم خاص بالمرأة إذا صلت بحضرة الرجال أو الحكم عام للمرأة ولو صلت في بيتها؟
بعد التتبع لم أجد الآثار والأقوال المروية عن من ذكرت تفرق بين كون المرأة تصلي بحضرة رجال أو تصلي في بيتها فالنصوص جاءت هكذا مطلقة
ومن المعلوم أن الغالب على الصحابيات الصلاة في المنزل إأتماراً بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث حث المرأة على الصلاة في بيتها
فهو والله اعلم سنة مطلقاً
• ثم قال - رحمه الله -
فصل
(1/400)
________________________________________
ولعلنا نقف على هذا الفصل باعتبار أن تركنا عدداً من الأسئلة وباقي الآن خمس دقائق على الآذان فنريد أن نجيب عليها
انتهى الدرس
(1/401)
________________________________________
فصل
[فيما يكره في الصلاة ويباح ويستحب]
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• قال رحمه الله:
فصل:
عقد المؤلف هذا الفصل ليبين ثلاثة أشياء ما يكره ما يباح وما يستحب، وبدأ بما يكره ثم سيأتينا ما يباح عند قوله ((وله ... )) فما بعدها ثم ما يستحب.
• قال رحمه الله:
ويكره في الصلاة التفاته
الالتفات في الصلاة عند الحنابلة مكروه فإن فعل صحت الصلاة مع الكراهة والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل عن التفات الرجل في الصلاة فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد))
وذهب بعض الفقهاء إلى أن الالتفات في الصلاة لغير حاجة محرم.
مسألة: وهذه الكراهة ترتفع ويكون الالتفات مباحاً إذا كان لحاجة لدليلين:
الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صلى الصبح ودخل في الصلاة ((جعل يلتفت إلى الشعب)) وكان أرسل في الليل فارساً ليحرس فجعل يلتفت ينظر إلى مجيء هذا الفارس.
هذا الحديث صحيح وهو دليل على أن الالتفات إذا كان لحاجة فإنه يكره.
(1/402)
________________________________________
الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((خرج ليصلح بين فئتين متنازعتين فتأخر بلال لأبي بكر - رضي الله عنه -: أتصلي قال: نعم)) فلما دخل في الصلاة وأم الناس وهو في أثناء ذلك حضر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل الناس يصفقون لينبهوا أبا بكر وكان - رضي الله عنه - لا يلتفت في الصلاة مطلقاً حتى لما كان الالتفات مباحا في أول التشريع كان لا يلتفت مطلقا فلما اكثروا التصفيق التفت - رضي الله عنه - فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأشار له النبي أن ابقى في مكانك فرفع أبو بكر يديه إلى السماء وقال الحمد لله ثم رجع فتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لما انتهى من الصلاة قال مالك لم تبق كما أمرتك قال ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وجه الاستدلال: أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - التفت لما أكثروا التصفيق ففي هذا دليل على أن الكراهة تزول إذا كان الالفات لحاجة.
• ثم قال رحمه الله:
ورفع بصره إلى السماء
رفع البصر إلى السماء مكروه عند الحنابلة فإن فعل ورفع بصره لم تبطل الصلاة والدليل على أن رفع البصر مكروه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ((ما بال أقوام يرفعون رؤوسهم إلى السماء)) فاستدلوا بهذا الحديث على أنه يكره للإنسان أن يرفع بصره إلى السماء في الصلاة.
القول الثاني أن رفع البصر إلى السماء محرم وتبطل به الصلاة ومذهب الظاهرية.
والقول الثالث: أن رفع البصر إلى السماء محرم ولكن لا تبطل الصلاة به وهذا اختيار الشوكاني وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية يدل على أنه أيضاً يميل إلى هذا القول وإن كان لم يصرح بعدم البطلان صرح بالتحريم ولم يذكر بطلان الصلاة.
وهذا القول هو الصواب أنه محرم ولكن لا تبطل به الصلاة.
وكثير نت المصلين إذا رفع من الركوع رفع رأسه مع رفعه من الركوع أثناء الحمد وهذا خطأ وهو محرم وقد تبطل به الصلاة كما سمعتم في اخلاف:
• ثم قال رحمه الله:
وإقعاؤه
الاقعاء سيأتي تفسيره وهو مكروه باتفاق الأئمة لكن الاختلاف في تفسيره.
والدليل على أنه مكروه حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((نهى عن عقبة الشيطان)) وهو في مسلم.
(1/403)
________________________________________
قال الحافظ بن حجر وليس في النهي عن الإقعاء حديث صحيح إلا هذا.
بقينا في تفسير الإقعاء: والإقعاء له صور:
الصورة الأولى: أن يفضي يمقعدته إلى الأرض وينصب فخذيه كهيئة جلوس الكلب. أي قدميه وقد عبر أبو عبيد – وهو من أئمة اللغة – بقوله: " ينصب فخذيه " وهذا صحيح فإن الذي يرفع الفخذين.
وأما التفسير الذي في الروض قدمين فهو خلاف الدقيق والصواب كما قال أبو عبيد.
الصورة الثانية: أن يفرش بظاهر قدميه على الأرض ويجلس بمقعدته على عقبيه.
وهذا التفسير اختاره الإمام أحمد.
الصورة الثالثة: أن ينصب قدميه ويجلس بمعقدته بين عقبيه يعني بين الرجلين.
وهذه يفعلها بعض الناس.
كما قلنا في الفتراش أنه ينصب اليمنى فهنا ينصب اليمنى وينصب أيضاً اليسرى ويجلس بينهما.
فهذه ثلاث صور (للإقعاء) والصواب أن هذه الصور جميعاً مقصوده بالحديث وداخلة في النهي فكل صورة من هذه الصور منهي عنها.
مسألة: سنقسم الإقعاء إلى قسمين:
قسم منهي عنه: وهو يشمل الصور الثلاث السابقة.
قسم مسنون ولا ينهى عنه: وهو المروي عن ابن عباس – وصح أيضاً عن ابن عمر – فإنه - رضي الله عنه - (أي ابن عباس) جلس على صفة الإقعاء المسنون – وسيأتي بيانها – فلما سأل عن هذا الجلوس قال: ((سنة نبيكم)).
وهذه الصفة هي: أن ينصب قدنه اليمنى واليسرى ثم يجلس على عقبيه.
(فهنا) المصلي إذا نصب اليمنى واليسرى: إن جلس بينهما فهو الإقعاء المكروه.
وإن جلس على عقبيه فهو الإقعاء المسنون.
وذهب بعض الفقهاء كالخطابي إلى أن ما روي عن ابن عباس منسوخ بالأحاديث الصحيحة الدالة على الافتراش. الصواب خلاف ما ذهب إليه الخطابي وأن هذه سنة محفوظة (ليست منسوخة لصراحة حديث ابن عباس وابن عمر المروي عنهما في إثبات سنية الإقعاء على الصفة الثالثة) وأن هذا من باب التنويع.
وذهب بعض الفقهاء إلى أن الاقعاء كأنه يناسب أحياناً كبير السن كأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كبر وثقل صار يجلس أحياناً هذه الجلسة وإلا أنه في الغالب أن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفترش.
(1/404)
________________________________________
والتفسير الذي ذكرته بينه البيهقي في السنن (قال الشارح حفظه الله -: وكتاب حافل مفيد ينبغي لطالب العلم أن يعتني به لمسألتين أولاً: أنه أحياناً يشير إلى التعليلات واختلاف الأسانيد. الثانية: ما جمعه من السنن والآثار الكثير التي لا توجد في غيره من الكتب).
• ثم قال رحمه الله:
وافتراشه ذراعيه ساجدا
افتراش الذراعين هو: أن يلصق المصلي ذراعيه بالأرض.
وهو منهي عنه لأمرين.
الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اعتدلوا في سجودكم ولا ينبسط أحدكم انبساط الكلب))
الثانية: أن هذه الهيئة توحي بالكسل والتثاقل عن الصلاة وهو مما ينافي الأدب مع الرب سبحانه وتعالى.
(وهذا الفعل) مكروه ودليله واضح.
•
ثم قال رحمه الله:
وعبثه
العبث تعريفه: هو عمل مالا فائدة فيه.
وهو مكروه باتفاق الأئمة إلا أن أبا حنيفة يرى أنه محرم.
والدليل على أنه مكروه حديث معيقيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل عن المسح في الصلاة فقال - صلى الله عليه وسلم - ((إن كنت لابد فاعلاً فواحدة))
وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى المصلي أن يمسح مع حاجته أحياناً عند السجود إلى المسح فلأن يكره للمصلي أن يعبث من باب أولى.
مسألة: حكم المسح:
المسح إن كان مرة جاز بالإجماع لهذا الحديث الصحيح.
وإن أكثر من مرة فالجمهور على أنه مكروه والظاهرية يرون أنه محرم.
ومن أكثر ما يقع من المصلين اليوم – بلا شك – العبث فغالب ما يخل بصلاة المسلمين اليوم العبث تجد الإنسان كثير العبث جدا بحاجة وبلا حاجة بساعته وبثيابه وبما يلبس على رأسه وبما يحمل في جيبه – وإلى آخره) فتجد أن العبث كثير جداً.
وأما مسألة هل تبطل الصلاة به أو لا؟ فسيأتينا – الآن – ضابط العمل الذي تبطل به الصلاة والذي لا تبطل به الصلاة.
• ثم قال رحمه الله:
وتخصره
يكره للمصلي التخصر وتعريفه: هو أن يضع المصلي يده على خاصرته أثناء الصلاة.
ودليل الكراهة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((نهى عن التخصر في الصلاة))
والدليل الثاني: أنها صفة تهاون وأحيانا تكون صفة تكبر وكلا الصفتين مذمومتان في الصلاة، والتكبر مذموم في الصلاة وخارجها.
(1/405)
________________________________________
والقول الثاني: أن التخصر محرم لأن النهي صريح ولا صارف له والأصل في النهي التحريم.
والصواب: التحريم لأنه بالإضافة إلى النهي فإنه يشعر بنوع من التكبر.
((سأل الشيخ عن شيء في هذه المسألة فقال: لكنه لا يثبت – لم يتبين أثناء سماعي للتسجيل)).
•
ثم قال رحمه الله:
وتروحه
التروح: هو تحريك الهواء بالمروحة ونحوها طلباً لإزالة الغم ونحوه.
والتروح مكروه في الصلاة أولا: لأنه من العبث وتقدم معنا أن العبث مكروه.
ثانياً: لأنه يشغل عن الخشوع.
واستثنى بعض الفقهاء إذا كان التروح لحاجة عرضت للمصلي كشدة الحر أو قلة الهواء أو نحو ذلك.
أما المراوحة – المراوحة بين القدمين – فهذه عند الإمام أحمد: سنة.
والمراوحة بين القدمين: هي أن يتكئ أحياناً في الصلاة على اليمنى وإذا تعب اتكأ على اليسرى – فيراوح بين القدمين.
الدليل على سنية هذا الفعل أن ابن مسعود - رضي الله عنه - رأى رجلاً يصلي لا يراوح بين قدميه فقال ((أخطأ السنة لو رواح لكان أحب إلَّي)).
وهذب بعض الفقهاء إلى أن المراوحة مباحة ليست سنة.
والصواب مع الحنابلة لأن حديث ابن مسعود واضح وهو يقول أخطأ السنة – مع فقهه وجلالة قدره - رضي الله عنه - وأرضاه.
وخص بعض الفقهاء المراوحة بطول القيام وهذا مناسب – يعني أن المراوحة إنما تستحب وتطلب مع طول القيام أما إذا كانت الصلاة قصيرة فإنه يستحب له أن يبقى معتدلاً متكأ على القدمين.
وذكر بعض الفقهاء أنه يراوح بين قدميه ولكن لا يقدم قدماً على أخرى وإنما يراوح مع تساوي القدمين، ولعل مقصود هؤلاء الفقهاء عدم التقديم الزائد أما التقديم اليسير فلا بد منه – لأنه المراوحة لا يمكن أن يستفاد منها إلا بتقديم الرجل التي لا يتكأ عليها.
فكما قلت لعل مقصودهم أن لا يمدها كثيراً وإنما يمدها شيئاً يسيراً بمقدار ما يحصل الراحة للقدم الأخرى.
والصحابة والفقهاء والأئمة يبحثون في هذه المسائل لأنهم كانوا يطيلون الصلاة – إطالة شديدة جداً – فيحتاجون إلى – بحث – هذه المسائل التي نحن في وقتنا هذا لا نحتاج إليها بسبب قصر صلاة الناس فما يحتاج إلى المراوحة بسببها.
•
ثم قال رحمه الله:
وفرقعة أصابعه وتشبيكها
(1/406)
________________________________________
فرقعة الأصابع وتشبيكها جاء في النهي عنه عدة أحاديث – نحو أربعة أحاديث في كل منها النهي عن تشبيك الأصابع لكن لا يخلو طريق من طرق هذه الأحاديث من ضعف ولذلك قال ابن بطال في شرح البخاري: جاءت من طرق لا تخلو من ضعف.
فالحنابلة بناء على هذه الأحاديث المتكاثرة يرون أن فرقعة الأصابع والتشبيك مكروهان اعتماداً على مجموع هذه الأحاديث.
والقول الثاني: أن الفرقعة والتشبيك جائزان لعدم ورود حديث صريح في النهي عنهما بل جاءت الأحاديث الصحيحة بالتشبيك فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث في المسجد ويقول: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان)) وشبك بين أصابعه.
ولما سهى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة الرباعية وقام من الصلاة يظن أنها صلى كامل الصلاة جلس ((واتكأ وشبك بين أصابعه)) فهذه الأحاديث الصحيحة فيها التشبيك.
فقالوا: لم يأتي حديث صريح صحيح في النهي عنها وفي المقابل جاء أحاديث صحيحة تدل على جوازها فقالوا: تجوز بلا كراهة.
وتوسط آخرون فقالوا: أنه يكره التشبيك والفرقعة قبل الصلاة – وهو ينتظرها – أو في الصلاة وتجوز بعد الصلاة.
والأقرب والله سبحانه وتعالى أعلم أنها مكروهة والدليل: أولاً أنها تدخل في مفهوم العبث وتقدم معنا أن العبث يوجد له من الأدلة ما يدل على كراهته.
ثانياً: أن هذه الأحاديث ضعيفه ولكن بمجموعها مع أحاديث الكراهة للعبث يقوي بعضها بعضاً للنهي عن الفرقعة والتشبيك.
كما أن في الفرقعة عبث زائد على التشبيك وفيه محذور آخر وهو التشويش على المصلين بخلاف التشبيك فهو عائد إلى نفس المصلي فقط.
إذاً عرفنا الآن البحث في الفرقعة والتشبيك وأنهما مكروهان قبل الصلاة أو فيها وأما بعدها فتجوز بلا كراهة.
•
ثم قال رحمه الله:
وأن يكون حاقنا
يعني أن يصلي الإنسان وهو حاقن. والحاقن هو: حابس البول.
فإذا كان الإنسان يحبس البول عن الخروج فإنه يكره له والحالة هذه أن يصلي ويقاس على الحاقن كل ما يزعج ويشوش على المصلي – الكوع وشدة البرد والغضب وغيرها – أثناء الصلاة.
(1/407)
________________________________________
فإن صلى وهو على هذه الحالة صحت صلاته عند الجماهير واستدلوا بدليل فقالوا تصح صلاة الحاقن قياساً على من يصلي وهو منشغل بأحداث الدنيا انشغالاً تاماً فإن هذا الذي يصلي من غير خشوع ومنشغل بأعراض الدنيا يشبه الحاقن لأن كلاً منهما منصرف عن الصلاة.
والقول الثاني: للظاهرية وهو إن صلى الحاقن وإن كان في أول مراحل الحاجة إلى التبول فإن صلاته باطلة.
واستدلوا بعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا صلاة بحضر طعام ولا وهو يدافعه الاخبثان)).
والقول الثالث: أن الصلاة صحيحة إلا إن كانت المدافعة شديدة مزعجة جداً للمصلي تمنعه من تصور صلاته وتشغله عن الصلاة فحينئذ تكون باطلة.
وهذا القول – الثالث – هو الصواب ولا يخفى أنه في هذا القول جمع بين القولين – الثاني والأول.
• ثم قال رحمه الله:
أو بحضرة طعام يشتهيه
يكره للمصلي أن يصلي وهو بحضرة طعام لكن يشترط أن يكون هذا الطعام مما يشتهيه المصلي.
فإذا حضر الطعام وهو يشتهيه فإن الصلاة مكروهة وله أن يؤخر ولو فاتت صلاة الجماعة.
ونفس الحكم – (يحكم به) – في مسألة مدافعة الأخبثان.
فمدافعة الأخبثين وحضور الطعام يقدمان على الصلاة ولو أدى ذلك إلى فوات صلاة الجماعة.
الدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ((إذا حضرت العشاء والعشاء فابدءوا بالعشاء)) ولأن ابن عمر - رضي الله عنه - إذا وضع الطعام أكمل طعامه ولو صلى الناس.
فإن صلى بحضرة طعام يشتهيه فالخلاف المذكور في مسألة مدافعة الأخبثين ينطبق تماماً على هذه المسألة – ثلاثة أقوال كالأقوال السابقة.
مسألة: المؤلف يقول: بحضرة طعام يشتهيه، والحديث يقول: إذا حضر الطعام ولم يقيد هذا الأمر بكونه يشتهيه إذا ما الدليل على هذا التقييد الخارج عن الحديث؟ الدليل: أن العلة من تأخير الصلاة إذا حضر الطعام أن هذا الطعام يشوش على المصلي صلاته ويمنعه من الخشوع والطعام إنما يمنع من الخشوع إذا كان المصلي يشتهيه أما إذا كان المصلي لا يشتهيه فإنه لا يقدم ولا يؤخر حضور الطعام شيئاً بالنسبة للمصلي.
وهذا المعنى الذي ذكره بعض الفقهاء قوي جداً وهو دليل يكفي للتخصيص.
(1/408)
________________________________________
فقوله: (أو بحضرة طعام يشتهيه) صحيح فلا بد أن يكون الطعام حاضراً ولابد أن يكون المصلي يشتهيه حينئذ له أن يترك صلاة الجماعة مقدماً للطعام الذي يشتهيه.
(إذا تقصد إحضار الطعام فإنه يحرم عليه أن يأكل إذا كان الأكل يفوت عليه صلاة الجماعة لأن من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه وشيخ الإسلام عنده قاعدة مفيدة لطالب العلم أي حيلة يقصد منها تحليل المحرم أو إباحة الواجب فهي باطلة ولا تؤثر شيئاً.
فإذا كان يحتال لإسقاط صلاة الجماعة بإحضار الطعام أثناء الأذان فإنه يحرم عليه أن يأكل الطعام وعليه أن يصلي لكن هذه المسألة قليلة الوقوع أو لا تكاد توجد لأن من أراد أن يترك صلاة الجماعة لن يبلغ به الدين أن يحتال بإحضار الطعام حتى يصدق " لا صلاة بحضرة طعام " إذا وصل به الدين إلى هذه المرحلة سيصلي صلاة الجماعة.
وعلى كل حال لكن لو فرضنا أن أحداً فعل هذا الفعل فإنه يعاقب بأن يُلْزَمَ بالصلاة).
(هل يشترط حضور الطعام؟ قال الشيخ: نحن كنا لا نريد الدخول في هذه المسالة -.
(نعم) يشترط حضور الطعام كما قال المؤلف فلابد أن يكون الطعام حاضراً وإلا لم يجز له تأخير صلاة الجماعة لأن إذا لم يحضر الطعام فإنه لا فائدة من تركه الصلاة – أي فائدة حتى لو كان ينتظر.
إلا إذا كان ذهابه إلى الصلاة في هذه الحالة يؤدي إلى انشغاله بالطعام المعد بالبيت بحيث لا يشتحضر صلاة ولا خشوعاً حينئذ له أن يبقى وليس سبب بقائه في هذه الصورة حضور الطعام ولكن سبب بقائه انشغاله وهذا سبب سيأتينا في الأعذار المجيزة لترك صلاة الجماعة وهي انشغال الذهن بالمال أو بالولد أو بمريض أو بنحوه فيدخل هذا ضمناً لكن بالنسبة للطعام فلابد أن يكون حاضراً).
•
ثم قال رحمه الله:
وتكرار الفاتحة
أي أنه يكره للإنسان أن يكرر الفاتحة ودليل الكراهة أنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يكرر الفاتحة فهذه صفة جديدة لا أصل لها في الشرع.
وكذلك لم ينقل عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والدليل الثالث أن بعض الفقهاء يرى بطلان الصلاة بتكرار الفاتحة فمراعاة لهذا الخلاف نقول تكرار الفاتحة مكروه.
• ثم قال رحمه الله:
لا جمع سور في فرض كنفل
(1/409)
________________________________________
بدأ الشيخ الآن بالمباحات – وإن كانت البداية الحقيقية من قوله: وله – ولكن هذا العمل أيضاً جائز فهو مباحة.
يجوز للإنسان أن يقرأ أكثر من سورة في الركعة الواحدة سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة.
أما الدليل على جواز قراءة أكثر من سورة في الركعة الواحدة في الفريضة فهي ما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه ويختم القراءة ب ((قل هو الله أحد)). فهو قد قرأ في الركعة الواحدة أكثر من سورة. ولما أخير النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر عليه صنيعه هذا فدل على جوازه.
وأما الدليل على جواز أن يقرأ أكثر من سورة في الركعة الواحدة في النفل هو ما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في قيام الليل في ركعة واحدة البقرة وآل عمران والنساء.
كذلك لا يكره أن يقرأ سورة واحدة في أكثر من ركعة – عكس هذه الصورة – لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه يوماً الفجر فقرأ في الركعة الأولى والثانية (إذا زلزلت الأرض) وهذا الحديث ليس في طرقه ولا في ألفاظه ما يدل على أن هذه الصلاة كانت في سفر – كما يقع في أذهان عدد من إخواننا من طلاب العلم وأظن أن بعض الشراح ذكروه أيضاً – لكن بتتبع طرق هذا الحديث وألفاظه لم أجد أي إشارة إلى أن هذه الصلاة كانت في السفر لكن بعض الفقهاء يقول: لعل هذه الصلاة كانت في السفر وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الركعتين (إذا زلزلت) تسهيلاً على أصحابه باعتبار أنهم في السفر.
لكن الحديث – كما قلنا – ليس فيه تخصيص أو ما يدل على أن هذه الصلاة كانت في السفر.
ثم بدأ المؤلف بالمباحات.
• فقال رحمه الله:
وله رد المار بين يديه
قوله: وله: هذه العبارة تفيد الإباحة بينما مذهب الحنابلة الاصطلاحي أن رد المار سنة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح – عن أبي سعيد – ((إذا اتخذ أحدكم ما يستره في صلاته فإذا أحد أن يمر بينه سترته فليرده فإن أبي فليقاتله فإنه شيطان)).
فهذا الحديث صريح في سنية رد المار.
وهذب بعض الفقهاء إلى أن رد المار واجب للأمر به في هذا الحديث.
(1/410)
________________________________________
مسألة: ذكر النووي والشوكاني وغيرهما استنباطاً من حديث أبي سعيد أن رد المار والمقاتلة إنما تجوز لمن اتخذ سترة واحتاط لصلاته.
أما من لم يتخذ سترة ولم يحتط لصلاته فإنه لا يجوز له أن يقاتل ولا أن يرد رداً شديداً.
واستنبطوا هذا الحكم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في صدر الحديث ((إذا صلى أحدكم إلى ما يستره)).
فإذا: في الحديث - شرطية فكأنه أجاز المقاتلة إذا احتاط الإنسان لصلاته واتخذ سترة تمنع مرور الناس بينه وبين مصلاه.
وفي الحقيقة كلام النووي والشوكاني وجيه جداً وهو متوافق مع لفظ الحديث كما أن من لم يصلي إلى سترة ينسب إلى التفريط فلا يناسب أن يفرط ثم يقول يقاتل الناس على المرور بينه وبين مكان سجوده.
مسألة: هل رد المار يستوي فيه من يكون في مكة ومن لا يكون؟
في هذه المسألة المهم عن الإمام أحمد روايتان:
الرواية الأولى: أن مكة تستثنى من هذا الحكم ولا يرد المار بين يدي المصلي فيها واختار هذه الرواية الموفق وشيخ الإسلام ابن تيمية.
واستدلوا بدليلين: الأول: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف ثم صلى والناس بين يديه ليس له سترة.
لكن هذا الحديث فال عنه الحافظ ابن حجر: حديث معلول.
الدليل الثاني أن في رد المار بين يدي المصلي في مكة مشقة وحرج شديدين لكثرة المارين والطائفين وكثرة الناس بوجه عام في مكة.
الرواية الثانية عن الإمام أحمد: أنه يسن أن يرد المار في مكة وفي غيرها وأن مكة تستوي مع باقي البلدان في هذا الحكم.
واستدلوا أيضاً بدليلين: الدليل الأول: المعلومات قالوا: النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر لم يستثني مكة ولا غير مكة.
الدليل الثاني: أنه صح عن ابن عمر وأنس أنهما اتخذا سترة عند الكعبة.
(1/411)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
• قال رحمه الله في بيان المباحات
وله رد المار بين يديه
تقدم معنى عدة مسائل تتعلق بهذه العبارة وباقي أيضاً مسائل أخرى تتعلق أيضاً بهذه العبارة منها
مسألة وهي
اتفق الأئمة الأربعة كلهم على أنه لا يرد المار إذا كان مروره لحاجة أي أن رد المار يسن إذا لم تكن هناك حاجة فإن كانت هناك حاجة فلا يرد المار
ومن أمثلة الحاجة أن يصلي في طريق ضيق يحتاج الناس إلى المرور من أمام المصلي فهذه الحاجة اتفق الأئمة الأربعة أنها ترفع الكراهة
مسألة ثانية تلحق بلالمسائل السابقة وهي:
أن المؤلف بين حكم رد المار ولم يبين حكم المرور فالمرور بين يدي المصلي محرم والدليل على هذه قوله - صلى الله عليه وسلم - لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه
وفي لفظ لو يعلم المار ما عليه من الإثم وهذا اللفظ ضعيف لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال من الإثم
فرد المار سنة ولكن المرور محرم ففرق بين المرور ورد المار
مسألة لم يبين المؤلف الحكم إذا لم يتخذ المصلي سترة أي هل يمر الإنسان من أمامه أو لا؟
وحكمها أنه يجوز أن يمر إذا كان بعيداً من المصلي ويحرم إذا كان قريباًَ من المصلي
لكن اختلفوا في تحديد القريب والبعيد على عدة أقوال نأخذ أقوى هذا الأقوال وهو
أن حد ذلك ثلاثة أذرع والتحديد بهذا المقدار اختاره المجد وابن حزم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل الكعبة جعل بينته وبين الجدار ثلاثة أذرع
ويقصد بهذا أن يتم اعتبار هذه المسافة من قدم المصلي لا كما يظن بعض إخواننا من مكان السجود
القول الثاني لأن حد القريب هو موضع السجود والبعيد ما عدا ذلك
والأقرب القول الأول لأنه يستأنس فيه بالحديث الذي ذكرته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ابتعد عن الجدار بمقدار ثلاثة أذرع
(1/412)
________________________________________
وإذا تأمل الإنسان سيجد أن الفرق بين القولين يسير لأن موضع السجود يقرب أن يكون ثلاثة أذرع من قدم المصلي فالفرق بين القولين يسير لكن نحن نقول نلتزم بثلاثة أذرع لوروده في الحديث
هذه جملة من المسائل تتعلق بقوله له رد المار بين يديه
• ثم قال - رحمه الله -
وعد الآي
يعني يجوز للمصلي وهو يقرأ أن يعد الآي ولا حرج عليه في هذا العمل فهو جائز بلا كراهة والدليل على جواز عد الآي أثناء الصلاة أنه روي عن التابعين بلا خلاف فلم ينقل عنهم رضي الله عنهم خلاف في جواز عد الآي ولذلك اعتبره ابن قدامة كالإجماع بينهم
ومعنى عد الآي أي أن يحسب الإنسان الآيات في قلبه في ضميره ولا يجوز أن يعد الآي لفظاً فإن فعل عالماً بطلت الصلاة لأن هذا كلام أجنبي يبطل الصلاة
إذا معنى عد الآي هو أن يكون هذا العد في قلب الإنسان وضميره لا بصريح نطقه ولفظه
وذهب بعض الفقهاء كالإمام أبي حنيفة إلى أن عد الآي مكروه لأنه يشغل في الصلاة
والصواب القول الأول لكونه مروياً عن التابعين رضي الله عنهم وأرضاهم
• ثم قال - رحمه الله -
والفتح على إمامه
الفتح على الإمام هو الرد على الإمام إذا أخطأ وتلقينه إذا توقف فالفتح على الإمام عند الحنابلة مباح
والأقرب أن في الفتح على الإمام تفصيل وأنه ينقسم إلى نوعين
النوع الأول أن يكون الفتح على الإمام في الفاتحة فهذا واجب فإن تركه المأمومون جميعاً أثموا لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة فيجب أن تقرأ على الوجه الصحيح
النوع الثاني الفتح على الإمام في غير الفاتحة فهذا جائز بالإجماع وليس من الواجبات
إذا يختلف الأمر بالنسبة للمقروء بين الفاتحة وغيرها من السور
• ثم قال - رحمه الله -
ولبس الثوب والعمامة
لبس الثوب والعمامة جائز بلا كراهة والقاعدة التي تجمع الأفعال التي تجوز بلا كراهة هي أن
كل فعل يسير لحاجة فهو جائز بلا كراهة هذه قاعدة تريح الإنسان في أنواع الأعمال
والدليل على جواز مثل هذه الأفعال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تناول رداءه في الصلاة ولبسه - صلى الله عليه وسلم - وأيضاً النبي - صلى الله عليه وسلم - حمل أمامه في الصلاة فكان يضعها إذا سجد ويأخذها إذا قام وأيضاً النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوماً بالناس على المنبر ليعلمهم كيفية الصلاة وكان يصعد وينزل مراراً
(1/413)
________________________________________
وأيضاُ وهو الرابع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فتح الباب لعائشة لما جاءت إلى المنزل وهو يصلي وهذا الحديث فيه ضعف لكن له شواهد كثيرة وتعضده النصوص السابقة
فهذه أربعة أدلة تدل على أن العمل إذا كان يسيراً لحاجة جاز بلا كراهة
فإن كان يسيراً لغير حاجة جاز مع الكراهة أما الكثير فسيذكر المؤلف تفصيله قريباً
• ثم قال - رحمه الله -
وقتل حية وعقرب وقمل
قتل الحية والعقرب في الصلاة جائز لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب ولأن هذا العمل يحتاج إليه الإنسان
فإذا عرض للإنسان حية أو عقرب في أثناء الصلاة فإنه يقتل الحية أو العقرب ولو كان في ذلك عمل كثير
والدليل هو ما سبق للدليل وللحاجة إلى مثل هذا العمل ويقاس على الحية والعقرب كل ما يؤذي الإنسان ويشكل خطراً عليه فإنه كذلك يقتل
ثم قال والقمل القمل أيضاً يجوز للإنسان أن يقتله أثناء الصلاة لأنه مروي عن بعض الصحابة ولأنه مؤذي
والقول الثاني أنه يكره قتل القمل في الصلاة
وهذا الثاني في الحقيقة أقرب إذ الاشتغال بمثل هذا الأمر أثناء الصلاة قد ينافي الخشوع
ويستثنى من هذا حالة واحدة إذا كان هذا القمل مؤذي جداً وأشغله عن الصلاة فحينئذ يقتله في الصلاة
أما إذا كان لا يؤثر على صلاته فالأولى له أن يؤخر مثل هذا العمل إلى ما بعد الصلاة
وإنما قلنا الأولى ولم نقل يحرم لأنه مروي عن الصحابة أنهم فعلوا هذا في الصلاة أي قتل القمل
ثم قال مبيناً أحكام الفعل الكثير فإن أطال الفعل عرفا من غير ضرورة وبلا تفريق بطلت
أفاد المؤلف أن هناك فرقاً بين الفعل الكثير والفعل القليل والتفريق بين الفعل القليل والكثير محل إجماع
لكن اختلفوا في القدر الذي يعتبر به العمل كثيراً أو قليلاً إذاً اختلفوا في تحديد الكثير لكنهم لم يختلفوا في التفريق بين القليل والكثير
واختلفوا على أقوال
القول الأول أنه يرجع في تحديد الفرق بين القليل والكثير إلى العرف
وهذا مذهب الحنابلة والشافعية
القول الثاني أن ضابط الكثير هو أنه إذا رؤي الرجل ظن أنه ليس في صلاة
وهذا الضابط للمالكية والأحناف
(1/414)
________________________________________
والقول الثالث أن اليسير ما يشبه أعمال النبي - صلى الله عليه وسلم - التي قام بها في الأحاديث السابقة وما عداه فهو كثير
وهذا هو الراجح أنه يقاس القليل والكثير بأعماله - صلى الله عليه وسلم - وأيضاً إذا تأملت الأقوال السابقة ستجد أنها متقاربة فالإنسان إذا صلى وظن من رآه أنه لا يصلي قريبة من العرف العام عند الناس أن هذا عمل عملاً كثيراً يخل بالصلاة وهو أيضاً قريب من الضابط الأخير فإن هذا لا يشبه أبداً عمل النبي صلى الله عليه وسلم
فإذاً إذا فصل بهذا الكثير فإن الصلاة تبطل لانتقاء الموالاة بين أعمال الصلاة وللمنافاة بين هذه الأعمال وبين الطمأنينة والطمأنينة ركن من أركان الصلاة
وذكر الشيخ هنا قيود لهذا الشيء فقال فإن أطال الفعل عرفا تقدم معنا أن عرفاً هي أحد الأقوال في ضابط الكثير من غير ضرورة أما إن كان طول الفعل وكثرته للضرورة جاز ولو كثرت جداً فإذا هجم على الإنسان سبع في الصلاة جاز له أن يهرب عنه ولا يقطع صلاته لأن هذا العمل الكثير ألجأت إليه الضرورة ولا فرق بين أن تكون الضرورة خاصة به هو كما في المثال الذي ذكرت أو أن تكون الضرورة متعلقة بغيره كأن يذهب إلى إنقاذ غريق أو إنقاذ حريق أو ليتفادى سقوط طفل أو ما شابه هذه الأعمال التي تتعلق بالغير ولكنها أيضاً توصف بأنها ضرورة ويدل على هذا كله قوله تعالى فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً ومن المعلوم أن الإنسان إذا ركب الفرس أو مشى راجلاً هارباً من العدو أنه سيعمل أعمالاً كثيرة ومع ذلك أجاز الله سبحانه وتعالى له أن يصلي وهو في هذه الحالة مع كثرت الأعمال للضرورة
• ثم قال - رحمه الله -
وبلا تفريق
وهذا شرط مهم أي أنه يشترط في العمل الكثير الذي يبطل الصلاة أن يكون متوالياً فإن وقع متفرقاً فإنه لا يبطل الصلاة حتى لو فرضنا أنه لو جمعت هذه الأعمال لصارت مجتمعة فعلاً كثيرة فإن الصلاة لا تبطل
والدليل على هذا ما تقدم معنا من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحمل أمامه وهذا فعل لو جمع وضم بعضه لبعض لصار فعلاً كثيراً حيث يضعها في كل ركعة ويجملها في كل ركعة
(1/415)
________________________________________
كذلك لما صلى للناس معلماً لهم - صلى الله عليه وسلم - على المنبر كان يصعد المنبر ثم ينزل للسجود ثم يصعد أخرى ليريهم صلاته - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك كانت صلاته صحيحة
إذاً يشترط في الفعل الكثير الذي يبطل الصلاة أن يكون لغير ضرورة أو أن يكون متوالياً
• ثم قال - رحمه الله -
بطلت ولو سهوا
تبطل الصلاة ولو وقع الفعل منه سهواً أولاً لأن هذا الفعل الذي وقع منه سهواً يخل بالموالاة وإن كان ناسياً إلا أ، الإخلال وقع وحصل
الثاني أن الطمأنينة ركن والأركان لا تسقط بالسهو
والقول الثاني أن الإنسان إذا عمل عملاًَ كثيراً سهواً صحت صلاته ولم تبطل لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة ذي اليدين لما نسي وسلم قبل تمام الصلاة قام ثم جلس ثم شبك يديه وفي رواية ثم دخل المنزل وخرج ومن المعلوم أن هذه الأعمال كثير ومع ذلك بنى - صلى الله عليه وسلم - على صلاته ولم يستأنف
فدل هذا الحديث على أن الأعمال الكثيرة إذا كانت سهواً فإنها لا تبطل الصلاة
وكذلك يدل عليه عموم قوله تعالى ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا
وهذا القول الثاني هو الصواب أن الأعمال الكثيرة إذا كانت سهواً من غير عمد لا تبطل
ثم قال رحمه الله تعالى ويباح قراءة أواخر السور وأوساطها
هذا التقرير كان من الأنسب أن يضمه المؤلف إلى الكلام على القراءة عند قوله تكرار الفاتحة لا جمع سور في فرض كنفل فإنها أنسب أن تكون في هذا الموضع ليجتمع الكلام عن أحكام القراءة
أو يضمها إلى مسألة قراءة السورة كاملة لما أخذ السنة في القراءة وذكرنا أن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الغالبة عليه أنه يقرأ سورة كاملة فلو ذكر هذا هناك لكان أنسب
المهم أنه يجوز للإنسان أن يقرأ من أواخر السور أو من أواسط السور لما صح في صحيح مسلم من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في ركعتي الفجر قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم إسماعيل البقرة
وفي الركعة الثانية قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء آل عمران
(1/416)
________________________________________
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في هذه الصلاة بعض السورة من أوسط السورة فدل هذا على جواز القراءة
فتحصل معنا أنه يجوز للإنسان أن يقرأ من أول أو من وسط أو من آخر السور ولكن السنة أن يقرأ سورة كاملة
• ثم قال - رحمه الله -
وإذا نابه شئ سبح رجل وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى
قوله وإذا نابه شئ قوله شيء عام يتناول ما إذا نابه شيء يتعلق بمصلحة الصلاة أو نابه شيء لا يتعلق بمصلحة الصلاة كما إذا استأذنه آدمي أو إذا أراد أن ينبه طفلاً فإنه يسبح
إذاً التسبيح لا يتعلق بأعمال الصلاة وإنما يجوز حتى فيما هو خارج أعمال الصلاة
سبح رجل وصفقت امرأة
الدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال ولتصفق النساء وفي لفظ في البخاري إنما التصفيق للنساء باستخدام آلة الحصر إنما
فقوله إذا نابكم شيء في الصلاة دليل على العموم وهو يدل على صحة ما يفهم من كلام المؤلف أنه إذا ناب الإنسان في صلاته شيء سواء كان هذا الشيء يتعلق بمصلحة الصلاة أو خارج مصلحة الصلاة فالحديث عام والسنة أن يسبح الرجل وتصفق المرأة
فإن سبحت المرأة كره لها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل لها التصفيق
مسألة هل يجوز التصفيق للرجال في الصلاة؟
الجواب أنه لا يجوز أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال فجعل حظ الرجال التسبيح ونصيب النساء التصفيق
وهل يجوز التصفيق خارج الصلاة؟
محل خلاف بين الفقهاء
منهم من قال أن النهي عن التصفيق خاص بالصلاة للبعد عن التشبه بعبادات المشركين
ومنهم من قال أن النهي عن التصفيق عام في الصلاة وفي خارج الصلاة
وكما قلت لكم هي مسألة خلاف ولكن الأقرب والله أعلم أن الرجل منهي عن التصفيق داخل الصلاة وخارج الصلاة لأمرين
الأمر الأول أن الشارع الحكيم إذا نهى عن التصفيق في الصلاة مع الحاجة إليه ففي خارج الصلاة من باب أولى
الثاني هذا اللفظ الذي ذكرت لكم وهو في صحيح البخاري وهو قوله إنما التصفيق للنساء فحصر جواز التصفيق في النساء
(1/417)
________________________________________
فالأقرب والله أعلم أن الإنسان يبتعد عن التصفيق داخل الصلاة وخارج الصلاة وإن كانت مسألة خلاف لكن هذا الذي يظهر
وفي هذه المسألة بحوث كثيرة وآثار عن الصحابة تدل على أن النهي عام
• ثم قال - رحمه الله -
ببطن كفها على ظهر الأخرى
بين المؤلف الصفة التي تصفق المرأة عليها فقال ببطن كفها على ظهر الأخرى
والقول الثاني أنها تصفق ببطن اليمنى على بطن اليسرى
والصواب أن الأمر في هذا واسع تصفق كيفما تيسر لها لأن الحديث الذي في البخاري لم يعين صفة التصفيق فهي تصفق حسبما يتيسر لها
• ثم قال - رحمه الله -
يبصق في الصلاة عن يساره وفي المسجد في ثوبه
فرق المؤلف في البصاق بين أن يكون الإنسان في المسجد وخارج المسجد ونحن نلخص لكم هذه المسألة
فنقول البصاق ينقسم إلى قسمين
إما أن يكون داخل المسجد
أو أن يكون خارج المسجد
فإن كان في المسجد فإنه يبصق في ثوبه ثم يمسح بعضه ببعض أو يبصق بما تيسر الآن من المناديل ونحوها
والمقصود من قول الفقهاء يبصق بثوبه يعني لا يجوز له أن يبصق في الأرض
الدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أحدكم أن يتنخع فليتنخع على يساره تحت قدمه
فإن لم يمكن فليفعل هكذا ثم أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوبه وبصق فيه ومسح بعضه ببعض
إذاً الآن وضح معنا كيف يبصق الإنسان في المسجد
القسم الثاني أن يبدر إليه البصاق خارج المسجد فحينئذ يبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسار
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه وليتنخم عن يساره أو تحت قدمه اليسرى
في الحديث السابق يقول عن يساره تحت وهنا يقول أو تحت
إذاً في الحديث النهي الصريح عن التنخم قبل الوجه وعن اليمين
إذاً إذا كان في المسجد فإنه يتنخم في ثوبه ويمسح بعضه على بعض ليذهب صورة النخامة
أو يتنخم في المناديل ونحوها التي تيسرت في وقتنا هذا
وإذا كان خارج المسجد فإنه يتنخم إما عن يساره أو تحت قدمه اليسرى
والبحث الآن إذا بدر البصاق للإنسان وهو يصلي
(1/418)
________________________________________
مسألة قال الإمام أحمد من فقه الرجل أن لا يبصق عن يمينه ولو خارج الصلاة وكذلك ذهب النووي والشوكاني إلى أن هذا التفصيل في الصلاة وخارج الصلاة أي أنه لا ينبغي للإنسان أن يبصق عن يمينه ولا من قبل وجهه لأن حديث أبي هريرة السابق عام لم يقيد أو لم يحدد أن يكون هذا في صلاة أو يكون في خارج الصلاة
فمن فقه الرجل ومعرفته بالأدلة أن لا يبصق في أي مكان من قبل وجهه أو عن يمينه وإنما يبصق عن يساره
إذاً تم بهذا آداب البصاق فيما يتعلق في المسجد وخارج المسجد وفي الصلاة وخارج الصلاة
•
ثم قال - رحمه الله -
مبينا أحكام السترة وتسن صلاته إلى سترة
يعني أنه يسن أن يتخذ الإنسان سترة يصلي إليها والقول بأن اتخاذ السترة سنة وأن الصلاة لا تبطل ولا يأثم من تركه مذهب الأئمة الأربعة وجماهير الفقهاء
واستدلوا على السنية بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى أحدكم فليتخذ سترة وليدن إليها
والدليل على أنه لا يجب ما صح عن ابن عباس أنه قال أقبلت على حمار أتان والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه في منى إلى غير جدار
والقول الثاني أن اتخاذ السترة واجب
وقالوا أن الأحاديث الكثيرة تأمر بالسترة ولا يوجد في النصوص مخصص وأما حديث ابن عباس فإنه نفى الجدار ولم ينف غيره من أنواع السترة
والراجح أن السترة متأكدة جداً لكن لا تصل إلى الوجوب قال الإمام الشافعي رحمه الله وغفر له إلى غير جدار في الحديث أي إلى غير سترة
فالأقرب أن اتخاذها متأكد جداً لكنه لا يصل إلى الوجوب والإثم
هذا ما يتعلق بحكم اتخاذ السترة
• ثم قال - رحمه الله -
قائمة
معنى قائمة أي منصوبة يعني أنه إذا اتخذ الإنسان سترة ينبغي أن تكون منصوبة قائمة ولا تكون موضوعة على الأرض
• ثم قال - رحمه الله -
كآخرة الرحل
يريد المؤلف أن يبين مقدار السترة فذكر أنها تكون كآخر الرحل لما أخرجه مسلم عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل في عزوة تبوك عن السترة فقال - صلى الله عليه وسلم - كآخرة الرحل ولفظ مسلم كمؤخرة الرحل
وهذا يقرب من الذراع
(1/419)
________________________________________
فحد طول السترة ة ذراع أو نحواً من الذراع وإنما لم يجزم الإنسان بأنه ذراع بالضبط لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعله كمؤخرة الرحل ومؤخرة الرحل تختلف من مؤخرة إلى أخرى فبعضها طويل وبعضها قصير لكن الوسط بينها هو ذراع
ونلاحظ أن المؤلف رحمه الله بين مقدار السترة طولاً ولم يبين مقدار السترة عرضاً وقال الفقهاء أنه لا حد لمقدار السترة فيجوز أن يكون كالسهم ويجوز أن يكون جداراً لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ الحربة سترة وصلى إلى البعير وإلى الجدار
فإذاً الحد من جهةالعرض ليس له حد معين في الشرع وإنما المحدود شرعاً من جهة الطول
ومع ذلك قال الإمام أحمد كلما كانت السترة أعرض فهو أحب إليَّ
هذا معنى كلامه وليس لفظه واستدل الإمام أحمد بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى أحدكم فليستتر ولو بسهم
وجه الاستدلال في قوله ولو بسهم فهذا أدنى أنواع السترة وكل ما هو أعرض من السهم فهو أفضل من السهم
وهذا صحيح وهذا الحديث إسناده حسن
فإذا تمكن الإنسان من السترة العريضة فهي أولى من السترة السخيفة
• ثم قال - رحمه الله -
فان لم يجد شاخصا فإلى خط
أي أنه يشرع للإنسان إذا لم يجد شاخصاً قائماً أن يتخذ خطاً وهذا مذهب الحنابلة ومذهب الأوزاعي ومذهب أبي ثور
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يجد أحدكم عصى فليتخذ خطاً
وهذا الحديث ضعفه عدد من الأئمة منهم الإمام الشافعي ومنهم الإمام ابن عيينة ومنهم الإمام الدارقطني ومنهم الحافظ ابن الصلاح
فهؤلاء رأوا أن حديث الخط مضطرب وضعيف
إذاً عرفنا مذهب الحنابلة وما هو دليلهم ودرجة هذا الدليل
القول الثاني لجماهير العلماء يرون أن اتخاذ الخط لا يشرع ولا يجزئ واستدلوا على هذا أيضاً بدليل قوي فقالوا النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن السترة فذكر أنها كمؤخرة الرحل فجاء التحديد من النبي - صلى الله عليه وسلم - لكيفية السترة فما كان أقل من مؤخرة الرحل فإنه لا يجزئ لأن هذا تحديد من النبي - صلى الله عليه وسلم -
والأقرب والله أعلم مذهب الحنابلة
(1/420)
________________________________________
لكن ينتبه إلى أن الذين أجازوا اتخاذ الخط كلهم يشترط أن لا يجد شاخصاً فإن وجد شاخصاً فإنه لا يجزئه الخط
نحن نقول إذا لم يجد الإنسان شاخصاً فإنه يتخذ خطاً وهو أحسن من أن لا يصلي إلى شيء لاسيما وأن الحافظ ابن رجب يقول لعل الإمام أحمد اعتمد في القول بمشروعية الخط على آثار عن الصحابة وإلا فإنه صرح بضعف حديث الخط
السنة للمصلي
انتهى الدرس
(1/421)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• قال رحمه الله: -
وتبطل بمرور كلب أسود بهيم فقط.
ذهب الحنابلة إلى أن المصلي إذا لم يتخذ سترة ومر بينه وبين سجوده كلب أسود بطلت الصلاة وهذا من مفردات الحنابلة واستدلوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فإنه يستره مثل آخرة الرحل فإذا لم يضع مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود.
قال الراوي لأبي ذر وهو راوي الحديث: ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر فقال أبو ذر: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الكلب الأسود شيطان.
وهذا الحديث نص صريح في القطع لا يحتمل التأويل.
وذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأبو حنيفة رحمهم الله وغفر لهم إلى أن الكلب الأسود لا يقطع الصلاة.
واستدلوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقطع الصلاة شيء وادرؤوا ما استطعتم)).
وهذا الحديث ضعيف وممن ضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
والراجح كما لا يخفى مذهب الحنابلة لصراحة الدليل وقوته.
مسألة: جاء في بعض الآثار الصحيحة أن يقطع الصلاة الكلب ولم يقيده بكونه أسوداً وجاء في هذا الحديث - حديث أبي ذر - الذي معنا - تقييد الكلب بكونه أسوداً.
والصواب أن المطلق يحمل على المقيد في مثل هذه الأحاديث فنقول الكلب الأسود هو الذي يقطع الصلاة فقط وغيره لا يقطع الصلاة.
مسألة: علل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الصلاة تقطع بالكلب الأسود بأنه شيطان فإذا مر من أمام المصلي شيطان من الجن فهل تنقطع الصلاة؟
(1/422)
________________________________________
الجواب: أن مثل هذا لا تتعلق به الأحكام لأن الإنسان لا يعلم بمرور شيطان الجن فإن علم بطريقة أو أخرى أنه مر وأن المار شيطان من شياطين الجن فاختار شيخ الإسلام أن الصلاة تنقطع.
ولكن هذا قد لا يتأتى العلم به لكن إنما ذكرت لك حكم المسألة.
• وقول الشيخ رحمه الله:
فقط.
أي أن الحمار والمرأة لا يقطعان الصلاة وهذا المذهب بل هو مذهب الأئمة الأربعة واستدلوا بثلاثة أدلة:
الدليل الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم - لا يقطع الصلاة شيء فادرؤوا ما استطعتم.
والدليل الثاني: قول عائشة رضي الله عنها ((أني كنت أضطجع أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي)).
والدليل الثالث: أن ابن عباس رضي الله عنه لما جاء على حمار أتان في منى تركه يمر بين الصفوف.
والقول الثاني: وهو رواية للإمام أحمد وأظنها الرواية الثانية - واختيار شيخ الإسلام وابن القيم وعدد من المحققين أن الحمار والمرأة إذا مرا أمام المصلي تنقطع صلاته للحديث السابق الصريح أن المرأة والحمار والكلب الأسود يقطعون الصلاة.
وهذا القول - الثاني - هو الصواب.
وأما الجواب عن أحاديث القول الأول فكما يلي:
أولاً: حديث لا يقطع الصلاة شيء تقدم أنه ضعيف.
ثانياً: كون عائشة تعترض أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي الليل لا دليل فيه لأن الذي يقطع هو المرور لا الاعتراض.
ومن كانت معترضة أمام المصلي فإنها لم تمر من أمامه.
الخلاصة أن الذي يقطع هو المرور لا الاعتراض أو الجلوس.
وأما حديث ابن عباس في تركه الحمار يمر بين الصفوف فالجواب عنه: أن المأموم سترته سترة إمامه فإذا مر من أمامه شيء فإن صلاته لا تنقطع لأنه تبع للإمام في السترة ولا يستقل بذلك.
فتبين الآن أن القول الأول وه أن الصلاة تنقطع بالمرأة والحمار هو الصحيح وهو الذي دل عليه الحديث الصحيح الذي لا مدفع له.
((مسألتين - ذكرهما الشيخ حفظه الله في جواب على سؤالين بعد انتهاء الدرس وهي:
ما الحكمة من كون المرأة تقطع الصلاة ولماذا قرنت مع الكلب والحمار؟
(1/423)
________________________________________
الجواب: أن قرن المرأة بالكلب والحمار لا يدل على أي نوع من أنواع الغض من منزلة المرأة أو أنها قرنت مع هذين الشيئين مما يدل على أنها نازلة القدر؟ هذا قط ليس من مقصود الشارع ولا أحد يقول به مطلقاً.
لكن الحكمة من أن المرأة تقطع أحد أمرين:
أولاً: أن نقول الحكمة تعبدية. وأنه لا يعلم لهذا معنى معقولاً.
الثاني: أن تكون الحكمة أن المرأة عادة إذا مرت أمام الرجل أشغلته عن الصلاة وذهبت بلبها يعني بلب الصلاة من الخشوع والإقبال على الله سبحانه وتعالى فناسب أن يحكم بقطعها للصلاة.
مسألة: هل المرأة تقطع الصلاة مطلقاً أو المرأة الحائض فقط؟
جاء في حديث ابن عباس ((يقطع الصلاة المرأة الحائض)).
وأخذ بهذا بعض الفقهاء فقالوا: المرأة إذا كانت حائض تقطع الصلاة وإذا لم تكن حائضاً لم تقطع الصلاة.
والقول الثاني: أن المرأة سواء كانت حائضاً أو غير حائض تقطع الصلاة وأخذوا بعموم حديث أبي ذر.
الراجح – الحقيقة الراجح ينبني على صحة هذه اللفظة وهي محل إشكال كبير من حديث دراسة الأسانيد لأن يحيى بن سعيد القطان والإمام الحافظ أبو داود أشاروا إلى تضعيف زيادة ((المرأة الحائض)) ويحيى بن سعيد القطان فشبه جزم بأنه وهم وأما أبو داود فتشعر من سياقه في السنن أنه يرى عدم صحة هذا اللفظ.
لكن في المقابل أبو حاتم الرازي الحافظ سئل عن هذا الحديث في كتابه العلل فقال: هو عندي صحيح.
وإذا تأمل الإنسان في أسانيد الحديث يحصل له من التردد ما حصل عند الأئمة لأن الذي زادها الإمام الحافظ شعبة وهو رحمه الله إذا زاد مقبولة زيادته لكونه متثبت وحافظ لكن في المقابل الذين لم يزيدوا هذه اللفظة أيضاً عدد من الأئمة.
فلم يتبين لي ثبوت هذه اللفظة من عدم ثبوتها وإذا كان مثل هؤلاء الأئمة صار بينهم اختلاف فهذا يعني أن المسألة فيها نوع من الإشكال
لكن فقه هذه المسألة إن صحت هذه اللفظة فإنا نحمل المطلق على المقيد كما حملنا الكلب والكلب الأسود حملنا المطلق على المقيد هنا أيضاً نقول إن صحت هذه اللفظة فإنه لا يقطع الصلاة إلا المرأة الحائض فقط.))
•
ثم قال رحمه الله تعالى:
وله التعوذ عند آية وعيد والسؤال عند آية رحمة ولو في فرض.
(1/424)
________________________________________
أي أنه يشرع للمصلي في صلاة الفريضة والنافلة إذا مرت به آية رحمه يسأل الله وإذا مرت به آية عذاب يستعيذ بالله وإذا مرت به آية تعظيم يسبح الله لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسبح ويستعيذ ويسأل في صلاته إذا قام من الليل.
والقول الثاني: أن هذا الأمر مشروع في النافلة دون الفريضة.
واستدل أصحاب هذا القول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عدداً كبيراً من الفرائض وقرأ فيها من آيات الوعد والوعيد والتسبيح شيئاً كثيراً ولم ينقل أحد من أصحابه عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسأل أو يستعيذ أو يسبح في الفريضة.
وهذا الدليل مخصص لعموم القاعدة التي تقول أنه ما ثبت في الفريضة ثبت في النافلة إلا بدليل.
فنحن نقول هنا وجد الدليل وهو أنه لم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل ذلك في الفريضة.
وهذا القول الثاني هو الأقرب للنصوص أنه لا يشرع مثل هذا الأمر إلا في صلاة النفل لا سيما في صلاة الليل.
وأما الحنابلة فهم يرون أن الأمر مشروع في الفريضة والنافلة.
فصل
[في حصر أفعال الصلاة وأقوالها]
• ثم قال رحمه الله تعالى:
فصل أركانها
المؤلف يريد بهذا الفصل أن يبين أركان وواجبات وسنن الصلاة فإن قيل ما الفائدة من ذكرها وقد ذكرت في صفة الصلاة؟ فالجواب: أنه رحمه الله أراد أن يذكرها على سبيل الحصر والتعداد حتى يسهل على طالب العلم التفريق بين أنواع أعمال وأقوال الصلاة.
والأفعال والأقوال في الصلاة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما لا يسقط سهواً ولا جهلاً ولا عمداً. وهو الذي يسمى الركن ويسميه بعض الفقهاء الفرض.
القسم الثاني: ما لا يسقط عمداً ويسقط جهلاً أو نسياناً ويجبر بسجود السهو ويسمى الواجبات اصطلاحاً وإلا الأركان أيضاً من الواجبات لكن اصطلحوا على تسمية هذه الأعمال بالواجبات للتفريق بينها وبين الأركان فهي تسمية اصطلاحية.
القسم الثالث: ما يسقط عمداً وسهواً وجهلاً ولا يوجب سجود السهو وهي السنن والأصل أنه لا يسجد له في السنن وفي الباب الذي يلي هذا الباب - باب سجود السهو - سيأتينا تفصيل فيه هل هو مشروع أو جائز أو مكروه.
• ثم قال:
القيام
(1/425)
________________________________________
القيام ركن في الصلاة بالنص والإجماع.
أما النص فقوله تعالى: ((فقوموا لله قانتين)) فنص على القيام وأمر به.
وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً .... الحديث.
وأيضاً أجمع الفقهاء على أن القيام ركن من أركان الصلاة لا يسقط بحال.
مسألة: والقيام ركن من أركان الصلاة في الفريضة وأما في النافلة فهو جائز أن يأتي به أو أن يتركه لما صح في مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ليلاً طويلاً قاعداً.
فالقيام في النافلة إن شاء أتى به وإن شاء تركه ولو بلا عذر.
مسألة: والقيام في الفريضة ركن يسقط عند العجز لقوله تعالى ((فاتقوا الله ما استطعتم)).
وقوله - صلى الله عليه وسلم - ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)).
وفي المسألة نص خاص وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب)) فنص النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن القيام يسقط عند العجز.
مسألة: متى يسمى المصلي غير مستطيع؟
في هذا أقوال للفقهاء أقربها - إن شاء الله - أنه إذا كان القيام يذهب خشوع المصلي بسبب المرض أو نحوه بحيث لا يستطيع أن يخشع كما ينبغي جاز له حينئذ أن يصلي جالساً.
أي لا كما يفهم بعض الناس أنه لا يجوز أن يصلي قاعداً إلا إذا إن صلى قائماً سقط هذا الفهم غير وارد لا يجب على الإنسان أن يبقى قائماً إلى حد السقوط وإنما قوله فإن لم تستطع يحمل على الركن الهام في الصلاة وهو الخشوع.
مسألة: القدر المجزئ من القيام هو أن لا يصل إلى القدر المجزئ من الركوع فإذا انحنى انحناء يسيراً جاز ولا حرج على المصلي في ذلك.
التعليل: عللوا هذا بأن من انحنى انحناء يسيراً لم يخرج عن مسمى القيام فقد أتى بالركن.
وبهذه المسألة انتهت المسائل المتعلقة بقوله: القيام.
• قال رحمه الله:
والتحريمة
تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة عند الفقهاء لقوله - صلى الله عليه وسلم - تحريمها التكبير.
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - للمسيء استقبل القبلة ثم كبر.
(1/426)
________________________________________
فدل هذا على أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لا تسقط لا سهواً ولا جهلاً وأما عمداً فمعلوم أنه إذا لم يكبر لم يدخل في الصلاة أصلاً.
•
ثم قال - رحمه الله -:
• والفاتحة
الفاتحة تقدم معنا ذكر الخلاف فيها وأن الأقرب للصواب أنها ركن من أركان الصلاة وأن الدليل الدال على هذا حديث عبادة وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - لا صلاة لمن لم يقرا بفاتحة الكتاب.
وحديث أبي هريرة كل صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج قالها ثلاثاً.
لكن المسألة التي نريد أن ننبه عليها هنا هي هل الفاتحة ركن في كل ركعة أو أنها ركن يقرأ مرة واحدة في الصلاة؟
في هذا خلاف بين الفقهاء:
فذهب الجمهور أنها ركن في كل ركعة واستدلوا على هذا بأدلة قوية.
الدليل الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
وقال للمسيء صلاته ثم اصنع هذا في صلاتك كلها.
ومعلوم أن الإنسان يقرأ في الركعة الأولى الفاتحة فيجب أن يصنع ذلك في صلاته كلها.
الثاني: روي عن بعض الصحابة النص على أن الفاتحة واجبة في كل ركعة.
الثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم - لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة لكن هذا الزيادة - قوله في كل ركعة - ضعيفة.
فتحصل معنا الآن العمومات: ثم اصنع ذلك في صلاتك كلها والآثار وهذا الحديث الضعيف وأخيراً قوله - صلى الله عليه وسلم - صلوا كما رأيتموني أصلي وقد داوم بغير انقطاع على قراءة الفاتحة في ركعة هذا الدليل الخامس الدليل السادس حديث قتادة الذي مر معنا أنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب. فنص على أنه يقرأ بفاتحة الكتاب في جميع الصلاة - صلى الله عليه وسلم -.
وإذا رأى الإنسان أن هذه الأدلة مجتمعة علم أن هذا القول فيه قوة وأن الإنسان لا يجزأه مرة واحدة في الصلاة بل يجب أن يقرأ في كل ركعة فإذا تركها في ركعة من الركعات بطلت تلك الركعة إن كان سهواً أو جهلاً.
والقول الثاني: عن الحسن البصري رضي الله عنه أن الفاتحة تقرأ في ركعة واحدة.
(1/427)
________________________________________
والقول الثالث: لبعض الفقهاء أنها تقرأ في الركعتين الأوليين فقط يعني أنها واجبة في الركعتين الأوليين فقط.
والراجح هو قول الجماهير الذي ذكرنا لهم فيه عدة أدلة.
•
ثم قال - رحمه الله -:
• والركوع
الركوع ركن من أركان الصلاة. لقوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا)) ولقوله - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته ((ثم اركع حتى تطمأن راكعاً)).
وتقدم معنا القدر المجزئ من الركوع وهو أن ينحني بحيث أن تصل يديه إلى ركبتيه فإن لم يصل إلى هذا الحد فإن الركوع باطل فيعتبر أنه لم يأت بالقدر الواجب من الركوع.
والركوع ركن باتفاق الفقهاء.
• ثم قال - رحمه الله -:
والاعتدال عنه
الاعتدال من الركوع ركن من أركان الصلاة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته ((ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)).
ونحب هنا أن نأخذ قاعدة في مسألة الأركان وهي كيف نستدل بحديث المسيء (الأعرابي) على أركان الصلاة؟
ووجه الاستدلال به عليها أن كل ما في هذا الحديث من الواجبات التي لا تسقط إذا لو كانت تسقط لسقطت عن الأعرابي لجهله.
فتحتاج أن تفهم هذه القاعدة في كل ركن نتكلم عنه من أركان الصلاة.
إذاً إذا قيل لك ما هو الدليل؟ حديث المسيء.
ما وجه الاستدلال؟ أنه لو كان هذا الفعل يسقط لسقط عن الأعرابي لكونه جاهلاً.
إذاً الاعتدال من الركوع يعتبر ركن من الأركان.
ولم يذكر المؤلف: الرفع من الركوع وإنما ذكر: الاعتدال لأن المؤلف يرى أنه لا حاجة لذكر الرفع لأن الرفع داخل في الاعتدال لأنه لا يمكن أن يعتدل إلا بعد أن يرفع وهذا مذهب الحنابلة.
والقول الثاني: أن الرفع ركن والاعتدال ركن فكل منهما ركن مستقل وهذا القول مال إليه الشيخ ابن مفلح في الفروع وهو الصواب أن الرفع ركن وأن الاعتدال بعد الرفع ركن آخر لأن كل منهما جاءت به الأحاديث الصحيحة.
لو قال قائل: ما هي ثمرة الخلاف؟ لأنه لن يعتدل إلا بعد أن يرفع.
ثمرة الخلاف: قالوا لو رفع الراكع لا لأجل الرفع ولكن فزعاً من شيء ينوبه في الصلاة فهو حيئنذ رفع لا بنية الرفع من الركوع ولكن بنية الابتعاد عما أفزعه.
فهذا الشخص هل أتى با الرفع؟ لا.
(1/428)
________________________________________
وهل أتى باعتدال؟ نعم لأنه إذا قام قد ينوي أنه اعتدل فيأتي بالركن.
فإذاً هذا الشخص الذي رفع فزعاً لم يأت بالرفع وهو ركن من أركان الصلاة.
فنقول ارجع إلى الركوع وارفع بنية الركنية أنك ترفع عن الركوع.
فصار هناك ثمرة كبيرة لمسألة هل الرفع ركن وهل الاعتدال ركن آخر أو هما ركن واحد.
فتبين معنا أن الصواب أن كل منهما ركن مستقل.
• ثم قال - رحمه الله -:
والسجود على الأعضاء السبعة.
السجود على الأعضاء السبعة ركن من أركان الصلاة.
وهو ركن بإجماع المسلمين لقوله ((يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا)).
ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثم اسجد حتى تطمأن ساجداً)).
ولقول ابن عباس رضي الله عنه "" أمرنا بالسجود على سبعة أعظم"".
فالنصوص كثيرة في إثبات وجوب وركنية السجود.
والاعتدال عنه.
الاعتدال عن السجود ركن من أركان الصلاة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((ثم ارفع حتى تطمأن جالساً)).
والخلاف الذي ذكرناه في الاعتدال من الركوع والرفع منه يأتي معنا هنا في الاعتدال بين السجدتين والرفع منه.
والصواب هو أن الرفع من السجود ركن والاعتدال بين السجدتين ركن آخر.
• ثم قال - رحمه الله -:
والجلوس يبن السجدتين
والجلوس بين السجدتين ركن من أركان الصلاة لقوله في حديث المسيء ((ثم ارفع حتى تطمأن جالساً)).
ولحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفع لا يسجد - يعني مرة أخرى - حتى يطمأن قاعداً.
فالجلوس بين السجدتين أيضاً ركن يقابل الاعتدال من الركوع.
•
ثم قال رحمه الله:
والطمأنينة في الكل.
الطمأنينة في لغة العرب: السكون.
والطمأنينة في الشرع في الصلاة هي أن يسكن بقدر الذكر الواجب.
وقيل: هي أن يسكن أقل سكون.
والراجح هو القول الأول وممن اختاره من الفقهاء المجد – جد شيخ الإسلام ابن تيمية.
والفرق بينهما ظاهر فلو أن إنساناً سجد وسكن في السجود أقل سكون بدون ذكر ثم رفع فالواجب عليه في مثل هذه الصورة عند أصحاب القول الثاني ماذا؟ سجود سهو فقط لأنه ما ترك ركن وإنما ترك الواجب وهو الذكر.
والواجب عليه عند أصحاب القول الأول أن يعيد السجود لأنه أخل بركن من أركانه وهو الطمأنينة.
فصار الفرق بين القولين كبير جداً.
(1/429)
________________________________________
والطمأنينة ركن عند الجماهير من أهل العلم واستدلوا على هذا بأدلة نذكر منها اثنين:
الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعاد على المسيء قوله (ثم اطمأن أو حتى تطمأن).
وتقدم معنا أن المذكورات في حديث المسيء كلها واجبات أي أركان.
والدليل الثاني: حديث حذيفة أنه رأى رجلاً يصلي ولا يطمأن في صلاته فقال رضي الله عنه له إنك لم تصلي ولو مت لمت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمد - صلى الله عليه وسلم -.وهذا الحديث في البخاري.
فحذيفة يرى أنه لم يصلي لأنه لم يطمأن في صلاته.
وخالف في الطمأنينة الأحناف وقالوا ليست بركن لأن من صلى من غير طمأنينة مع الإتيان بباقي الواجبات والأركان فقد أتى بجميع واجبات الصلاة.
وقد شنَّع كثير من أهل العلم على هذا القول وردوه وبينوا خطأه وأنه إذهاب لروح الصلاة.
وقد أطال جداً شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير وجوب الطمأنينة في كتابه القواعد النورانية بكلام لا تجد في غير هذا الكتاب.
ذكر من أوجه الاستدلال والنصوص والشواهد والآثار ما إذا وقف عليه أي منصف عرف أنه الحق إن شاء الله.
انتهى الدرس
(1/430)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
• قال رحمه الله
والتشهد الأخير
التشهد الأخير ركن عند الحنابلة واستدلوا على ركنيته بحديث ابن مسعود قال كنا نقول قبل أن يفرض التشهد السلام على الله السلام على جبريل السلام على ميكائيل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - قولوا التحيات لله
واستدلوا أيضاً عليه بأنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - داوم عليه ولم يخل به وقال صلوا كما رأيتموني أصلي
وذهب الشافعية إلى أنه واجب
وذهب المالكية إلى أنه سنة
والصواب - إن شاء الله - مع الحنابلة لصراحة الأدلة التي استدلوا بها
• ثم قال رحمه الله
وجلسته
(1/431)
________________________________________
الجلسة للتشهد الأخير أيضاً ركن عند الحنابلة واستدلوا على هذا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله فنص على القعود - صلى الله عليه وسلم -؟
واستدلوا أيضاً بأن التشهد الأخير ركن والجلوس هو محله فهو تابع له
وذهب المالكية إلى أن اركن هو الجزء الأخير من الجلوس من التشهد الأخير وهو الذي يوافق السلام فقط وما قبله سنة
والصواب أيضاً – إن شاء الله تعالى – ما قاله الحنابلة أن التشهد والجلوس له كلاهما ركن من أركان الصلاة
•
ثم قال رحمه الله
الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيه
يعني في التشهد الأخير
ذهب الحنابلة كما ترون إلى أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ركن من أركان الصلاة فلا تسقط سهواً ولا جهلاً وبطبيعة الحال ولا عمداً
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
وجه الاستدلال أن الله سبحانه وتعالى إذا كان أمر بالصلاة فإن أحرى المواضع بالوجوب أن تكون داخل المروضة
واستدلوا أيضاً بالحديث الذي تقدم معنا من حديث ابن مسعود وغيره من الصحابة أنهم قالوا للني - صلى الله عليه وسلم - قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا
وفي لفظ أمرنا بالصلاة عليك فكيف نصلي عليك؟
وذهب الشافعية إلى أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبة وليست ركناً من أركان الصلاة وحملوا أحاديث الحنابلة على الوجوب لا على الركنية
وذهب المالكية إلى انها سنة واستدلوا على ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلمها المسيء صلاته
والجواب على دليل المالكية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما علم المسيء ما أساء فيه فقط ولذلك ليس في الحديث أنه علمه التسليم والتسليم ركن
ويجب أن يُعْلَمَ هذا الجواب لأن المالكية والأحناف يستدلون بحديث المسيء في أشياء كثيرة مما سيأتي معنا في آخر هذا الباب
الخلاف في مسألة حكم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد قوي والأدلة فيها شيء من التقابل أي من حيث القوة
(1/432)
________________________________________
والأقرب والله أعلم مذهب الشافعية فهو وسط بين القولين ولعل الأحاديث تدل على الوجوب لا على الركنية
مسألة في القدر المجزيء من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
على القول بأنها ركن فالقدر المجزيء منها أن يقول اللهم صل على محمد ولا يلزم أن يأتي بالصلاة الإبراهيمية كاملة
وأيضاً على القول بالوجوب كذلك
والقول الثاني أنه يجب أن يأتي بالصلاة الإبراهيمية بنصها كاملة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علمهم كيف يصلون علمهم الصلاة الإبراهيمية وقد سألوا عن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - داخل الصلاة والراجح هو القول الأول أن المجزئ هو اللهم صل على محمد لأن هذا الذي يتوافق مع ظاهر القرآن لأنه قال صلوا عليه وسلموا تسليماً فأمر بمطلق الصلاة
•
ثم قال رحمه الله
والترتيب
أي ترتيب أفعال الصلاة ركن عند الأئمة الأربعة بل حكاه بعض العلماء إجماعاً أنه لم يختلف في أن الترتيب ركن من أركان الصلاة
واستدلوا على هذا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علم المسيء الصلاة كان يقول له ثم افعل كذا ثم افعل كذا وثم تقدم معنا أنها نص في الترتيب
واستدلوا أيضاً بدليل آخر وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي مرتباً وقال صلوا كما رأيتموني أصلي ولم يخل بالترتيب أبداً - صلى الله عليه وسلم -
إذاً لا إشكال من جهة الترتيب أنه ركن
• ثم قال رحمه الله
والتسليم
لم يبين المؤلف رحمه الله هل التسليم يقصد به التسليمتين؟ أو يقصد به تسليمة واحدة؟ وعبر بهذا التعبير العام
فنقول المذهب أن التسليمتين ركن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحليلها التسليم وأل في قوله التسليم للعهد الذهبي ويقصد به تسليمه - صلى الله عليه وسلم - وتقدم معنا أنه ثبت في حديث ابن مسعود وثبت في حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه وكان يسلم عن يساره وأنه كان يقول السلام عليكم ورحمة الله
ولذلك يقول الإمام أحمد ثبت عندنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمتين لوضوح النصوص وكثرتها
والقول الثاني أن التسليمة الأولى ركن والثانية سنة
(1/433)
________________________________________
واستدلوا على هذا بأنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سلم تسليمة واحدة
والصواب أنه لا يثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم تسليمة واحدة إن ذهب بعض المعاصرين من علمائنا الأفاضل إلى تصحيحة لكن أنه لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سلم تسليمة واحدة
هذا الدليل الأول وعرفتم أنه ضعيف
الدليل الثاني صح عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يسلمون مرة واحدة وهذا صحيح عنهم وجاء عن عدد من الصحابة
الدليل الثالث أنه حكي الإجماع على أن التسليمة الواحدة تجزيء وممن حكاه ابن المنذر رحمه الله
والأقرب والله أعلم القول الثاني وقد نصره ابن قدامة نصراً عظيماً وأكال في تقريره بل إنه مال إلى أنه لا يثبت عن الإمام أحمد إيجاب تسليمتين ولذلك ابن مفلح في الفروع حين كان سيرد الأركان قال والتسليمة الأولى هكذا قال
فالأقرب والله أعلم أن التسليمة الأولى تجزيء وأن الثانية ليست بركن وأنما سنة أولاً لأنه روي عن الصحابة وهذا يجعل الإنسان يتوقف عنده ثانياً أنه حكي الإجماع أن التسليمة الأولى تجزيء إذا انفردت
مسألة الخلاف السابق في الفروض أما النوافل وصلاة الجنازة فقد حكي الإجماع على إجزاء تسليمة واحدة فيها فلو أن الإنسان صلى أي نافلة مطلقة أو مقيدة معينة أو غير معينة وسلم تسليمة واحدة فإن هذه التسليمة تجزيء عنه وصلاته صحيحة
• ثم قال رحمه الله
وواجباتها التكبير غير التحريمة
يقصد بالتكبير هنا تكبيرات الانتقال من ركن إلى ركن فهذه التكبيرات عند الحنابلة واجبة
واستدلوا على هذا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر وأمر بالتكبير وداوم عليه وقال صلوا كما رأيتموني أصلي
فمن أحاديث الأمر قوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا كبر فكبروا فأمر بالتكبير - صلى الله عليه وسلم -
والقول الثاني أن التكبيرات سنة فإذا تركها ولو عمداً فلا شيء عليه
واستدلوا على هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بها المسيء صلاته حين كان يعلمه
(1/434)
________________________________________
وعرفنا كيف نجيب على هذا الاستدلال لأصحاب هذا القول وهو أن نقول إنما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أساء فيه وقد ترك من الأركان أشياء كالتسليم
والقول بأن التكبيرات سنة هو مذهب الجمهور
والأقرب والله أعلم أنها واجبة
• ثم قال رحمه الله
والتسمع والتحميد وتسبيحتا الركوع والسجود وسؤال المغفرة مرة مرة
وهذه الخلاف فيها تماماً كالخلاف في تكبيرات الانتقال،
فالحنابلة يرون أنها واجبة لما تقدم من الأدلة وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها وأمر بها وداوم عليها وقال صلوا كما رأيتموني أصلي والجمهور يرون أنها سنة لحديث المسيء
فالكلام في الحقيقة في أذكار الصلاة واحد التكبير والتسميع والتحميد والتسبيح وسؤال المغفرة هذه خمسة أذكار الخلاف فيها واحد بين لوجاهة استدل به الحنابلة
والتسميع فيه خلاف خاص بالنسبة للمأموم وهو خلاف خارج عن هنا فالخلاف هنا في الإمام والمنفرد
• ثم قال رحمه الله
ويسن ثلاثا
يعني يسن أن يستغفر ثلاث مرات والدليل أن حذيفة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول رب اغفر لي رب اغفر لي إشارة إلى أنه يكرر والمعهود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكرر الذكر ثلاث مرات
فقالوا بناء على هذا التقرير أن السنة أن يقول رب اغفر لي ثلاث مرات
وهل يجب أن يستغفر بهذا الذكر بأن يقول رب اغفر لي أو يجوز أن يقول اللهم اغفر لي أو يقول غفرانك أو يستغفر بأي صيغة كانت؟
تقدم معنا الخلاف في هل تتعين صيغة سبحان رب العظيم أو لا تتعين هذه الصيغة؟ الخلاف هو نفسه هنا
ورجحنا هناك وذكرت لكم أنه يميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية – أن هذه الصيغة لا تتعين فكذلك هنا نقول هذه الصيغة لا تتعين فإذا سبح أو استغفر بأي صيغة جاز وأتى بالواجب
• ثم قال رحمه الله
والتشهد الأول
وهو واجب عند الحنابلة وكذلك عند إسحاق والليث بن سعد من أئمة فقهاء الحديث واستدلوا على الوجوب بقوله - صلى الله عليه وسلم - قولوا التحيات لله
(1/435)
________________________________________
واستدلوا على أنها واجبة وليست بركن بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ترك التشهد الأول جبره بسجود السهو ولو كان ركناً لم يجبره بالسجود وإنما لزم أن يأتي به
فصار الدليل على التشهد واجب مركب من هذين الدليلين أنه أمر به ولما تركه سجد له سجود السهو - صلى الله عليه وسلم -
القول الثاني أنه سنة وهو للجمهور ويستدلون على ذلك أيضاً بحديث المسيء
وتقدم معنا مناقشة الاستدلال بحديث المسيء على ترك الواجبات أو بعض الأركان
والصواب أيضاً إن شاء الله مع فقهاء الحديث أحمد وإسحاق والليث أن التشهد الأول واجب
• ثم قال رحمه الله
وجلسته
الخلاف في جلسة التشهد الأول كالخلاف في التشهد الأول
•
ثم قال رحمه الله
وما الشرائط والأركان والواجبات المذكورة سنة
السنة لها تعريفات بثلاث اعتبارات
باعتبار اللغة وباعتبار الشرع وباعتبار الاصطلاح
فالسنة لغة الطريقة فسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني طريقته
والسنة شرعاً هي ما تلقي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير القرآن سواء كان على سبيل الإيجاب أو الندب
فيقال مثلاً الأصل الكتاب والسنة ويقصد بمثل هذه العبارة بكلمة والسنة أي ما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو خارج عن القرآن
والسنة في الاصطلاح – وهو التعريف الثالث هي ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه
أي إن فعله المسلم فقد أحسن وإن تركه فلا يؤنب
• ثم قال رحمه الله
وما عدا الشرائط والأركان والواجبات المذكورة سنة
فكل ما مار معنا في صفة الصلاة مفصلة مما يخرج عما اعتبره المؤلف من الشرائط أو الأركان أو الواجبات فهو سنة
تبين من كلام المؤلف أن الخشوع سنة لأنه لم يذكر مع الشرائط ولا الأركان ولا الواجبات
والخشوع في لغة العرب هو الخضوع والتذلل
فقيل إن الخشوع متعلق بالجوارح والخضوع متعلق بالقلب
والخشوع في الحقيقة اصطلاحاً معروف إذا قيل لك ما هو الخشوع في الصلام فتعرف ما هو الخشوع في الصلاة لكن مع ذلك عرفوه ليقربوا معناه فقالوا هو حالة من سكون النفس تنطبع على الجوارح
وهذا التعريف أصعب من المفهوم المتبادر للذهن لكن هكذا عرفوه
(1/436)
________________________________________
وفهمنا من التعريف أن من زعم أنه خاشع وهو يعبث في الصلاة فإن زعمه ينافيه عبثه الظاهر منه من عمل الأركان
المهم أن الخشوع في الغالب ينطبع وينعكس على الجوارح بحيث لا يتحرك الإنسان في الصلاة إلا لحاجة
فالخشوع عند جميع أهل العلم سنة يعني مقدار أنه مستحب ومسنون هذا متفق على عند جميع الأئمة لقوله تعالى قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون
ولما نقل متواتراً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكبار أصحابه من العناية الفائقة بالخشوع ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن
إذاً كون الخشوع مستحب وسنة هذا متفق عليه
وقال بعض الفقهاء بل هو واجب فإن تركه بطلت صلاته
والقول الأول عليه الأئمة الأربعة واختاره شيخ الإسلام وهو الأقرب
فمن صلى صلاة غلبت عليه الوساوس من أولها إلى آخرها صحت وأجزأت عن الفريضة وإن كان نقص ثوابه نقصاناً عظيماً ولا شك أنه خسر خسراناً كبيراً من حيث الأجر والثواب والصلاح ينتظره الإنسان من الصلاة
• ثم قال رحمه الله
فمن ترك شرطا لغير عذر بطلت
إذا ترك الإنسان أحد الشروط من غير عذر من الأعذار بطلت الصلاة
أما إن تركه لعذر فالصلاة صحيحة فإذا ترك الاستقبال لعذر كأن يكون مريضاً لا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة أو ترك الطهارة بالماء وتيمم لكونه مريضاً فهنا ترك أحد الشرائط لكن لعذر فصلاته صحيحة
ويفهم من كلام المؤلف أن هذا عام في جميع الشروط أن من تركها بغير عذر بطلت
والصواب أن هذا يحتاج إلى تقسيم فنقوا الشروط تنقسم إلى قسمين
القسم الأول الشروط التي هي من باب المأمورات والمطلوبات كالوضوء فهذه لا تسقط بالجهل ولا بالنسيان
القسم الثاني الشروط التي هي من باب المنهيات والمحذورات كإزالة النجاسة فهذه تسقط جهلاً ونسياناً
وهذا التقسيم للشروط هو الصواب وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أظهر الروايتين عن أحمد
فإذا ترك المصلي شيئاً من الشروط التي هي من المحذورات جهلاً ونسياناً كأن يصلي وعلى ثوبه نجاسة وهو ناس لهذا النجاسة فصلاته صحيحة
(1/437)
________________________________________
أما إن صلى وقد ترك شيئاً من الشروط التي هي من باب المأمورات كأن يصلي وعليه جنابة ناسياً الاغتسال فصلاته غير صحيحة وعليه أن يعيد الصلاة
• ثم قال رحمه الله
غير النية فإنها لا تسقط بحال
النية لا تسقط بحال لا لعذر ولا لغير عذر لأنه لا يُعْجَزُ عنها يعني لا أحد يعجز عن النية حتى لو كان مريضاً أو مسافراً أو لأي عذر من الأعذار فإنه يستطيع أن يأتي بالنية فهي لهذا السبب لا تسقط بحال من الأحوال لا بعذر ولا بغير عذر
• ثم قال رحمه الله
أو تعمد المصلي ترك ركن أو واجب بطلت صلاته
بطلت الصلاة لأنه متلاعب بل يستحق - إذا كان هذا منه على سبيل الاستهزاء أو التلاعب - التعزير كما صرح الفقهاء بأن يؤدب على تركه الأركان والواجبات عمداً
بل صرح الفقهاء أن من صلى على غير طهارة عالماً فإنه يعزر من قبل القاضي لأنه متلاعب
ومعلوم أن هذا العمل ليس له حد معين في الشرع فيرجع فيه إلى التعزير
• ثم قال رحمه الله
بخلاف الباقي
الباقي هي السنن
ومراده بقوله بخلاف الباقي أنه لو ترك السنن عمداً فإنه تبقى صلاته صحيحة لأن الإتيان بالسنة ليس بواجب
• ثم قال رحمه الله
وما عدا ذلك سنن أقوال وأفعال
السنن تنقسم إلى قسمين
سنن أقوال
وسنن أفعال
قال بعض الفقهاء وهناك قسم ثالث وهي سنن الهيئات - هيئة المصلي
والتحقيق أن الهيئات ليس شيئاً مستقلاً برأسه بل سنن الهيئات مندرج في سنن الأفعال لأن الهيئة هي صورة الفعل فقول الفقهاء سنن الأفعال يغني عن إيجاد قسم ثالث وهو سنن الهيئات
•
ثم قال رحمه الله
ولا يشرع السجود لتركه وإن سجد فلا بأس
السجود لترك السنة عند الحنابلة لا يشرع أي ليس بواجب ولا مستحب بل جائز فيجوز أن يسجد إذا ترك سنة لكن لا يستحب ولا يجب
وعن الإمام أحمد في سجود السهو لترك السنن ثلاث روايات
الأولى أنه جائز ولا يشرع لا استحباباً ولا وجوباً
واستدل على هذا بأن سجود السهو زيادة في الصلاة فلا تشرع إلا بتوقيف
واستدلوا على أنها تجوز بأنها داخلة تحت العمومات كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث حذيفة لكل سهو سجدتان فقوله كل من ألفاظ العموم عند العلماء
(1/438)
________________________________________
واستدلوا بعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سهوت فاسجد سجدتين
وحديث لكل سهو سجدتان ضعيف
وأما الحديث الثاني إذا سهوت فاسجد سجدتين فيبينه أول الحديث إذ فيه من زاد أو نقص فبين أن السجود يتعلق بالزيادة أو بالنقص
الرواية الثانية عن الإمام أحمد أن السجود لا يشرع أصلاً
واستدلوا بما استدل به الفريق الأول أن هذا عمل زائد في الصلاة ويحتاج إلى توقيف لمعرفة شرعيته وليس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه مشروعية السجود لترك السنن
والرواية الثالثة عن الإمام أحمد أنه مشروع في الأقوال دون الأفعال
والأقرب والله أعلم المذهب أنه جائز
ما السبب؟ السبب في هذا أنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه في أثر صحيح مطلقاً أنه سجد للسهو لترك السنن
ومن المعلوم أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعد جداً أنهم لم يتركوا سنة من السنن سهواً ومع ذلك لم ينقل عنهم أبداً أنهم صلوا أو سجدوا لترك السنن
فهذا في الحقيقة دليل قوي للذين يقولون بأنه لا يشرع ولكنه جائز فقط بل هو في الحقيقة دليل قوي للرواية الثانية أنه لا يشرع مطلقاً لمن نقول ما دام فيه نصوص عامة وإن كان في إسنادها ضعف ما نستطيع أن يقول يحرم أن تسجد لسجود السهو وإن كان قولاً قوياً في الحقيقة
لكن نبقى مع المذهب لما تعضده من نصوص عامة
مسألة ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله قيداً مهماً فقال إنما يجوز أن يسجد المسلم للسهو إذا ترك سنة لم تخطر على باله فإنه لا يحل له أن يسجد للسهو بتركها
وهذا تنبيه مهم جداً وقيد يبين المسألة ويدل على فقه الشيخ رحمه الله
فإذا كان الإنسان ليس من عادته أن يرفع إذا أراد أن يركع أو يسجد أو إذا قام من التشهد الأول
أو ليس من عادته أن يزيد في التسبيح الواجب إلى السنة
أو ليس من عادته يقيم ظهره الإقامة المسنونة
ثم أراد أن يسجد للسهو لتركه هذه السنن فنقول سجودك للسهو غير مشروع
(1/439)
________________________________________
إنما يشرع لمن كان معتاداً على الإتيان بالسنة ثم تركها نسياناً أو كان عازماً أثناء الدخول في الصلاة على الإتيان بهذه السنة ثم تركها سهواً حينئذٍ نقول السجود الآن لا يستحب ولا يجب ولكنه جائز فقط
انتهى الدرس،،،
(1/440)
________________________________________
[باب سجود السهو]
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ففي بداية الفصل الثاني من الدورة المكثفة أرحب بجميع إخواني وأسأل الله لي ولهم الإخلاص والقبول وأن يرزقنا العلم الذي ننتفع به في الدنيا والآخرة.
وفي نهاية الفصل السابق يكون انتهى الربع الأول من الدورة وبدءنا بالربع الثاني وبنهايته ينتهي نصف الدورة.
وتوقفنا كما تعلمون عند باب سجود السهو.
ولكن قد تقدم معنا في باب صفة الصلاة الكلام على الفاتحة وكنت قد قلت للإخوان سنتحدث إن شاء الله عن حكم قراءة الفاتحة للمأموم إذا جاء موضعها.
وجاء الموضع ولكن نسينا أن نتحدث عن هذه المسألة ولذلك سنذكر الآن قبل الشروع في باب سجود السهو حكم قراءة الفاتحة للمأموم وما سنذكره الآن من شرح هذه المسألة يلحق بموضعه عند قول الماتن ((ثم يقرأ الفاتحة فإن قطعها بذكر أو سكوت ... الخ)).
فأقول مستعيناً بالله:
اختلف أهل العلم في حكم قراءة الفاتحة للمأموم على قولين:
القول الأول: أنه يجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة.
وإلى هذا القول ذهب الشافعي في الجديد والأوزاعي وأبو ثور واختاره من المحققين المتأخرين الشوكاني رحمه الله.
واستدلوا بعدة أدلة:
= (الدليل الأول) منها: استدلوا بقوله سبحانه وتعالى:} فاقرؤوا ما تيسر منه {.
وقرروا دليلهم:
- بأن قوله: ما تيسر. يقصد به: الفاتحة.
- وأن الآية عامة تشمل الإمام والمأموم والمنفرد.
والجواب على هذا الدليل من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا يوجد في الأدلة الشرعية ما يدل على أن المراد بهذه الآية الفاتحة.
والوجه الثاني: أنه على فرض أن المقصود بها الفاتحة فهي مخصوصة بالأدلة التي تخرج الصلاة الجهرية.
= والدليل الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) قالها ثلاثاً.
(1/441)
________________________________________
قال أبو السائب لأبي هريرة فإني أكون خلف الإمام. فقال أبو هريرة رضي الله عنه اقرأ بها في نفسك يا فارسي فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) .. الحديث.
والجواب على هذا الدليل:
- أن المرفوع منه لا دليل فيه.
- وأما الموقوف فهو فتوى لأبي هريرة رضي الله عنه خالفه فيها عدد من الصحابة رضي الله عنهم.
= الدليل الثالث: استدلوا: بحديث عبادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوماً صلاة الفجر فلما انتهى قال: (مالكم تقرأون خلف إمامكم) ثم قال صلى الله عليه وسلم: (فلا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها).
هذا الحديث هو أقوى دليل لأصحاب هذا القول وهو في الحقيقة مشكل جداً لأنه نص في المسألة.
والجواب عليه: أن هذا الحديث ضعيف وممن ضعفه من الأئمة أحمد وعلي بن المديني رحمهما الله.
وفي إسناده ابن إسحاق وفي إسناده اضطراب واختلاف كثير جداً مما يدل على عدم ضبط الرواة لهذا الحديث.
وظاهر صنيع الإمام البخاري في جزء القراءة تصحيح هذا الحديث - ليس نصاً.
لكن مع ذلك نقول: أن الأقرب ما ذهب إليه الإمام أحمد وابن المديني.
= الدليل الرابع - والأخير -: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي أخرجه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
قالوا: هذا حديث عام يتناول المأموم والإمام والمنفرد.
والجواب عليه: أن هذا الحديث تخصصه الأدلة الأخرى التي ذكرها أصحاب القول الثاني.
القول الثاني: أنه يجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة في السرية ولا يجب عليه أن يقرأ في الجهرية.
وهذا مذهب مالك والشافعي في القديم وأحمد ومحمد بن الحسن - من أصحاب الإمام أبي حنيفة -.
قال شيخ الاسلام رحمه الله: بل هو مذهب أكثر السلف.
واستدلوا بأدلة:
=الدليل الأول: قوله تعالى:} وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا {قال الإمام أحمد: هي في الصلاة إجماعاً.
وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى أمر المصلي أن يستمع إلى قراءة الإمام فهو سينشغل بالاستماع ولن يستطيع أن يقرأ.
(1/442)
________________________________________
=الدليل الثاني: ما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا).
وفي قوله: وإذا قرأ فأنصتوا خلاف طويل ومتشعب:
- فمن الحفاظ من يرى أن هذه اللفظة وإن كانت في مسلم أنها غير محفوظة.
- ومنهم من يصححها وعلى رأسهم الإمام مسلم.
=الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة).
فإن قيل: أن الإمام البخاري أعل هذا الحديث بالإرسال.
فالجواب: أن حكم البخاري على الحديث بالإرسال حكم صحيح فهو حديث مرسل ضعيف لكن الاحتجاج به صحيح.
وجه ذلك: أن هذا المرسل عضد بأشياء:
الأول منها: أنه يتوافق مع ظاهر القرآن.
والثاني: أن مرسله من كبار التابعين.
الثالث: أنه أفتى به جمهور السلف.
والحديث المرسل إذا عضد بهذه الأشياء صار حجة باتفاق الأئمة الأربعة وهذا الحديث من هذا الباب.
=الدليل الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة جهرية فما انتهى قال: (هل قرأ أحد منكم معي) قالوا: نعم يارسول الله. قال: (فإني أقول مالي أنازع القرآن) فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر به.
وهذا الحديث نص في المسألة لأنه يقول انتهى الناس عن القراءة معه صلى الله عليه وسلم فيما جهر به.
فإن قيل: إن الإمام البخاري أعل هذا الحديث بأن قوله في آخر الناس: (فانتهى الناس) من كلام الزهري وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
فالجواب: أن ما أعل به البخاري هذا الحديث صحيح فهذه اللفظة موقوفة على الزهري لكن مع ذلك هو حجة.
السبب: أن هذا الكلام على فرض أنه صدر عن الزهري فإن الزهري أحفظ السلف وأعلمهم بالسنة فإذا كان يجزم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انتهوا عن القراءة فيما جهر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو يجزم بعلم علمه وذلك باعتبار أنه أعلم الناس بالسنة.
=الدليل الخامس: أن قراءة الفاتحة لو كانت واجبة على المأموم - في الجهرية - للزم من ذلك أحد أمرين:
- إما أن يقرأ المأموم مع الإمام في وقت واحد.
- أو يجب على الإمام أن يسكت ليقرأ المأموم.
(1/443)
________________________________________
وهذا كله غير صحيح فقد أجمع أهل العلم على أن الإمام لا يجب عليه أن يسكت ليقرأ المأموم.
وأيضاً استفاضة السنة بالنهي عن أن يقرأ المأموم أثناء قراءة الإمام.
= الدليل السادس - الأخير -: أن الله سبحانه وتعالى إنما شرع أن يجهر الإمام بالقراءة ليستمع إليه المأموم فلو أمرنا المأموم بأن يقرأ لكان الشارع أمر الإمام أن يجهر لمن لا يستمع إليه.
وهذا - كما قال شيخ الاسلام - سفه تنزه عنه الشريعة.
الراجح: والأقرب فيما يظهر لي في هذه المسألة والله أعلم بالصواب القول الثاني بل أنا مطمأن جداً لقوة القول الثاني.
وفي ختام الكلام على هذه المسألة يجب أن يعلم أخواني جميعاً أنها مسألة مهمة جداً وأنها مسألة يترتب عليها صحة أو بطلان صلاة المأموم.
ولأهمية المسألة أفردت بكتب من المعاصرين ومن السلف حتى إن الإمام البخاري أفرد هذه المسألة بكتاب وكذلك الإمام البيهقي وأما المتأخرون فأفردوها بكتب كثيرة.
ولأهميتها وشدة الحاجة إليها ذكرت فيها نوع تفصيل ولأن كثيراً من المأمومين يبتلى بهذه المسألة حيث أن عامة المسلمين هم مأمومون وليسوا أئمة.
فالراجح فيها: أن المأموم لا يجب عليه في الجهرية أن يقرأ.
ونحن نلاحظ أن المأمومين الذين يقرأون خلف الإمام إذا قرأ الإمام سورة قصيرة صار يقرأ هو والإمام في وقت واحد ولا يستمع لما يقرأ الإمام مطلقاً ويشوش على من بجانبه لأنه لا يستطيع أن يقرأ سراً بسبب جهر الإمام فيرفع صوته حتى يستطيع أن يقرأ فيحصل تشويش.
وهذه هي المنازعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم بعد ذلك ننتقل إلى باب سجود السهو.
• قال رحمه الله:
باب سجود السهو.
السهو في لغة العرب: هو الذهول وغفلة القلب. أي: الذهول عن شيء معلوم مسبقاً ولا يسمى المجهول من الأصل منسياً وإنما النسيان يتعلق بشيء معلوم سابق.
وأما - السهو - في الاصطلاح: فهو النسيان في الصلاة خاصة.
والسهو في الصلاة ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: سهو مذموم. وهو: السهو عن الصلاة لقوله تعالى: {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} فقال: عن صلاتهم.
القسم الثاني: سهو غير مذموم. وهو: السهو في الصلاة فهذا لا يذم. وهذا القسم وقع من النبي صلى الله عليه وسلم.
(1/444)
________________________________________
والسهو الذي يقع في الصلاة لا يذم من المسلمين وأما من النبي صلى الله عليه وسلم فهو من القسم المحمود لأنه إذا سهى صلى الله عليه وسلم صار ذلك سبباً في بيان الشريعة وأحكام الصلاة.
• قال رحمه الله تعالى.
يشرع: لزيادة ونقص وشك لا في عمد.
قوله: ((يشرع)). سجود السهو مشروع بإجماع أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يخالف أحد من العلماء في أن سجود السهو مشروع.
وتقدم معنا أن قول الفقهاء مشروع يحتمل أن يكون الشيء مشروعاً على سبيل الوجوب أو الاستحباب ولا يتعين أحد الحكمين.
وفي باب سجود السهو خمسة أحاديث. يقول الإمام أحمد: نحفظ فيه خمسة أشياء. يعني خمسة أحاديث.
وعلى هذه الخمسة مدار أحكام باب سجود السهو.
الحديث الأول والثاني لابن مسعود والثالث لأبي هريرة والرابع لأبي سعيد الخدري والخامس لابن بحينة رضي الله عنهم أجمعين.
وفي الباب أحاديث أخرى لكن كما قال الإمام أحمد أن العمدة في هذا الباب على هذه الأحاديث.
وإذا عرفنا أن سجود السهو مشروع في الجملة فبقي أن نعرف حكمه بالتفصيل:
اختلف فيه الفقهاء على أقوال:
القول الأول: أن سجود السهو واجب. سواء كان قبل السلام أو بعده. وهو مذهب الحنابلة.
القول الثاني: أن سجود السهو واجب إذا كان موقعه قبل السلام. والدليل أنه إذا كان قبل السلام صار من الصلاة فهو واجب.
والقول الثالث: أن سجود السهو سنة دائماً. وهو ما ذهب إليه الأمام الشافعي.
والأقرب للصواب والله أعلم القول الأول - أنه واجب - لما ثبت في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين).
والأصل في الأمر أنه للوجوب.
وسجود السهو من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله رحمه الله: يشرع: لزيادة ونقص وشك لا في عمد.
أي: أن سجود السهو يشرع إذا زاد الإنسان في صلاته أو نقص منها أو شك فيها بشرط أن يقع ذلك على وجه السهو. وهذا معنى قوله: لافي عمد.
أما إذا وقعت هذه الزيادة أو النقص أو الشك على سبيل العمد فإنه لا يشرع له أن يسجد للسهو ولا يقبل منه أن يسجد للسهو.
(1/445)
________________________________________
إذاً قوله: يشرع: لزيادة ونقص وشك لا في عمد عرفنا منه أن سجود السهو إنما يشرع في ثلاث مواضع في الزيادة والنقص والشك بشرط أن يقع ذلك على سبيل السهو.
الدليل على تقييده بالسهو:
الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) فعلق وجوب السجود بالنسيان.
الدليل الثاني: أن المتعمد متلاعب ولا ينفعه سجوده للسهو في شيء.
وعرفنا من هذه العبارة - يشرع: لزيادة ونقص وشك لا في عمد - متى يشرع سجود السهو على وجه الإجمال.
• قال رحمه الله:
في الفرض والنافلة.
يعني: أن سجود السهو مشروع في الفرض والنافلة.
والدليل على ذلك: أن نصوص السهو عامة لم تخصص الفريضة ولا النافلة وإنما عمت جميع أنواع الصلوات.
لما قرر المؤلف رحمه الله أن سجود السهو يشرع في هذه الأحوال بدأ بتفصيل هذه الأحوال
- أي التفصيل في الزيادة والنقص والشك - وذلك في قوله: فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة.
وسيبدأ بالزيادة.
والزيادة تنقسم إلى قسمين: - وهذا التقسيم تقسيم كلي ليتصور الإنسان الأحكام وستأتي في ثنايا كلام المؤلف مفصلة.
القسم الأول: زيادة في الأفعال.
القسم الثاني: زيادة في الأقوال.
وأيضاً الزيادة في الأفعال تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الزيادة التي هي من جنس الصلاة.
القسم الثاني: الزيادة من غير جنس الصلاة.
مثال الزيادة في الأفعال التي من جنس الصلاة: أن يزيد ركعة. أو سجدة.
مثال الزيادة في الأفعال التي ليست من جنس الصلاة: أن يأكل أو يشرب أو يعبث بثيابه أو يحمل صبياًَ أو يفتح باباً.
بدأ المؤلف رحمه الله بالقسم الأول: الزيادة التي من جنس الصلاة.
• فقال رحمه الله تعالى:
فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة، قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً: بطلت، وسهواً: يسجد له.
إذا زاد المصلي في صلاته أفعالاً هي من جنس الصلاة عمداً بطلت الصلاة عند الحنابلة. بل بطلت بإجماع الفقهاء. لدليلين:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
(1/446)
________________________________________
الثاني: أن هذا المصلي متلاعب. ومن تلاعب بأحكام الله بطل عمله. بل إن الاستهزاء بآيات الله لا يبطل العمل الخاص وإنما يبطل أصل الإسلام وهذا يدلنا على خطورة التلاعب بآيات وأحكام الله.
قوله رحمه الله: وسهواً. يسجد له.
أي إذا زاد فعلاً من جنس الصلاة سهواً فإنه يسجد له.
الدليل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمساً فسجد سجدتين بعدما سلم.
ففي هذا الحديث الصحيح والمتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم لما زاد عملاً من جنس الصلاة سجد له ولم يبطل صلاته أو يستأنفها.
• ثم قال رحمه الله: - والحديث ما زال في الزيادة المتعلقة بالأفعال.
وإن زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ منها: سجد.
مثال زيادة الركعة: كأن يصلي خامسة في رباعية أو رابعة في ثلاثية أو ثالثة في ثنائية ولا يوجد مثال آخر لزيادة ركعة. فهذه الأمثلة لا مزيد عليها.
- فإذا زاد الإنسان ركعة ولم يعلم أنه زاد هذه الركعة ولم ينبه المأمومون حتى انتهى من هذه الركعة فإنه يسجد بعد السلام سجدتين لأنه زاد في الصلاة عملاً فوجب عليه سجود السهو.
• ثم قال رحمه الله:
وإن علم فيها: جلس في الحال.
المقصود بقوله: فيها. أي في الركعة.
جلس في الحال: لكن يجب أن نعلم أن لهذا الجلوس حكمان:
الأول: يجلس بلا تكبير. ونص الإمام أحمد على هذا فقال رحمه الله: يجلس بلا تكبير.
الثاني: أن هذا الجلوس على سبيل الوجوب. ودليله: أنه لو لم يجلس لزاد في الصلاة عمداً ومن زاد في الصلاة عمداًُ فقد تقدم معنا أن صلاته باطله. والعمل الذي يؤدي إلى بطلان الصلاة محرم.
فإذاً عرفنا الآنة أنه إذا زاد ركعة ثم علم في أثناء هذه الزيادة فحكمه أنه يجلس بلا تكبير وهذا الجلوس على سبيل الوجوب.
أما أنه على سبيل الوجوب فعرفنا دليله.
أما أنه يجلس بلا تكبير فلأن هذا رجوع للصواب ولو كبر لزاد تكبيرة في الصلاة. وهذا يخالف ما عليه عامة المصلين اليوم فإنه إذا نبه وهو قائم جلس مع التكبير وهذا خطأ. لكن إذا فعله جهلاً فلا شيء عليه.
• قال رحمه الله:
فتشهد إن لم يكن تشهد.
إذا علم بزيادة الركعة وجلس في الحال فهو على قسمين:
(1/447)
________________________________________
1 - إما أن يكون تشهد فيما سبق. فإن كان تشهد فإنه لا يعيد التشهد. لماذا؟ لأن هذا التشهد وقع في مكانه الصحيح فاعتد به فلا حاجة لإعادته. فمثلاً: لو جلس الإمام في الرابعة في صلاة العصر وقرأ التشهد ثم نسي وقام ثم نبه فماذا يصنع في هذه الحالة؟
الجواب: أن يجلس بلا تكبير وهذا واجب ولا يعيد التشهد لأن التشهد الذي ذكره صحيح وقد وقع موقعه.
2 - وإن لم يكن تشهد. فإنه يتشهد.
والغالب في الزيادات أن لا يكون المصلي تشهد لأنه ينسى ويظن أنه في الثالثة فيقوم بلا تشهد.
وعلى كل حال إن كان تشهد فإنه لا يعيد وإن كان لم يتشهد فإنه يتشهد.
وعليه أمر آخر وهو أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يكن صلى لأنه تقدم معنا أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة.
• ثم قال رحمه الله تعالى:
وسجد وسلم.
أفاد المؤلف أن السجود للزيادة يكون قبل السلام.
وهذا مذهب الحنابلة. بل الحنابلة يرون أن جميع سجود السهو بكل أنواعه يكون قبل السلام إلا في صورة واحدة وهي: إذا سلم قبل إتمام الصلاة. وأما في جميع الصور فإن السجود يكون قبل السلام.
وتنبه إلى أن الحديث الآن عن الزيادة فيجب أن تستحضر هذا حتى ننتهي من الكلام على مسائل الزيادة.
القول الثاني: أن السجود في هذه الصورة يكون بعد السلام. وهذا القول اختاره من المحققين شيخ الاسلام بن تيمية. ودليله ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم (لما زاد خامسة في الظهر سجد بعدما سلم).
ففي هذه الصورة صار سجوده صلى الله عليه وسلم بعد السلام لما كان السهو على سبيل الزيادة.
فما ذكره المؤلف مرجوح ومخالف للحديث الصحيح.
•
ثم قال رحمه الله:
وإن سبح به ثقتان فأصر ولم يجزم بصواب نفسه: بطلت صلاته.
قوله: وإن سبح به: تقدم معنا أن الشارع الحكيم شرع طرقاً لتنبيه الإمام:
فبالنسبة للرجال: التسبيح.
وبالنسبة للنساء: التصفيق.
فقوله: وإن سبح به. يعني لتنبيهه. والمؤلف هنا ذكر التسبيح وغيره كما في الفروع لابن مفلح قال: وإن نبهه. والتعبير بالتنبيه أحسن من التعبير بالتسبيح. لماذا؟ ليشمل الجميع.
قال: ثقتان. الثقة هو العدل الضابط.
وفهمنا من قول المؤلف رحمه الله: وإن سبح به ثقتان. عدة مسائل:
(1/448)
________________________________________
المسألة الأولى: أنه إذا سبح به فاسقان فلا يلزمه الرجوع.
المسألة الثانية: أنه إذا سبح به ثقة واحد فلا يلزمه الرجوع أيضاً.
والدليل على هذه المسائل:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سهى وذطره ذو اليدين لم يرجع إلى كلامه حتى نبهه أبو بكر وعمر فرجع إلى كلام ثقتين. فدل هذا على أنه لا يجب على الإمام أن يرجع إذا كان المسبح واحداً أو فاسقاً.
لكن مع ذلك يجوز للإمام أن يرجع إلى قول الثقة الواحد - نحن نقول يجوز ولانقول يجب عليه - إذا غلب على ظنه أنه صادق.
واختار هذا القول - وهو جواز الرجوع إلى تنبيه الرجل الواحد - ابن الجوزي رحمه الله.
فإذا كان الإنسان يصلي خلفه رجل يعلم أنه يضبط صلاته ولا يسهى كثيراً ونبهه وغلب على ظنه صدق هذا المنبه فجاز له الرجوع ولا حرج عليه.
• يقول رحمه الله:
أصر ولم يجزم بصواب نفسه: بطلت صلاته.
إذا سبح به ثقتان ولم يجزم بصواب نفسه ولم يرجع فإن صلاته باطله لأمرين:
الأول: أنه ترك واجباً من واجبات الصلاة عمداً وهذا الواجب هو وجوب الرجوع إلى تسبيح الثقتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى تسبيح الثقتين وإن كان في باديء الأمر يظن أنه لم يسه.
الثاني: أنه زاد في الصلاة عمداً.
ويجب أن تستحضر وأنت تسمع حكم هذه المسألة أن هذا الإمام لم يبرجع إلى تنبيه الثقتين مع أنه لم يجزم بصواب نفسه. فإذا كنت لم تجزم بصواب نفسك فلماذا لم ترجع إلى تنبيه الثقتين.
وهذه المسألة: مسألة التنبيه والرجوع لها أربع صور:
الصورة الأولى: أن يجزم بصواب الثقتين أو يغلب على ظنه ذلك ..
الصورة الثانية: أن يغلب على ظنه خطأ الثقتين.
الصورة الثالثة: أن يستوي الأمران.
الصورة الرابعة: أن يجزم بصواب نفسه ,
ففي الصور الثلاث الأولى فيجب عليه أن يرجع إلى قولب الثقتين وجوباً. لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وفي الصورة الرابعة. فإنه لا يجب على الرجوع إلى قول الثقتين بل لا يجوز أن يرجع إلى قول الثقتين وهو يجزم بصواب نفسه.
الدليل: الأول: أن اليقين مقدم على الظن وهة الآن متيقن لصحة نفسه ويظن صحة قول الثقتين.
الثاني: أنه لو رجع لرجع إلى ما يجزم أنه خطأ. .
(1/449)
________________________________________
إذاً هذه الصور الأربع تشمل جميع أنواع تبيهات المأمومين للإمام.
ولما انتهى رحمه الله من الكلام عن الإمام رجع إلى المأمومين:
• قال رحمه الله:
وصلاة من تبعه عالماً.
أي أن المأمومين إذا علموا أن الإمام زاد في صلاته فإنهم إن تابعوه في هذه الزيادة مع علمهم بأنها زيادة فتبطل صلاتهم أيضاً. لأنهم زادوا في صلاتهم عمداً وتقدم معنا أن الزيادة في الصلاة عمداً تبطل الصلاة. فالواجب على المأمومين أن لا يتابعوه.
وإذا لم يتابعوه فليس لهم إلا أحد أمرين:
- إما الانفصال الكامل. فينفصل المأموم ويتم تشهده ويسلم.
- أن لا يتابعوه بالقيام ولكن أيضاً لا يسلموا ويتركوا الصلاة وإنما ينتظروه إلى أن يرجع ثم يسلموا معه. واختلف الفقهاء: هل انتظارهم للإمام واجب أو مستحب؟
على قولين في مذهب الإمام أحمد:
فبعضهم قال: واجب.
وبعضهم قال: مستحب.
والصواب في هذا الخلاف أنه يستحب فقط استحباباً أن ينتظروا الإمام ليسلموا معه ولو أكملوا التشهد وسلموا لجاز لهم ذلك لكن المستحب أن ينتظروا الإمام ليحصل الإجتماع والألفة.
والقول بالاستحباب هو اختيار شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله.
وبهذا عرفنا حكم المأمومين إذا عرفوا أن الإمام زاد وتركوه أو تابعوه إذا كان ذلك على سبيل العلم.
ثم انتقل المؤلف إلى ما إذا كان على سبيل الجهل.
• فقال رحمه الله:
لا جاهلاً وناسياً ولا من فارقه.
إذا تابعوه نسياناً أو جهلاً فإن صلاتهم صحيحة ولا أظن في هذا خلاف لم أقف على أحد حكى إجماعا لكن لا أظن أن في هذا خلاف لماذا؟ لأن الصحابة تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة حين زاد وحين نقص ولم تبطل صلاتهم. لماذا؟ لأنهم في حكم الجاهل.
قوله: ولا من فارقه. لو قيل لك الآن: ما حكم المفارقة؟
فالجواب: أن الفقهاء يقصدون بالمفارقة عدم متابعة الإمام على الزيادة ولا يقصد بالمفارقة هنا أن يسلم قبله أو ينتظره.
إن كان المأموم عالماًَ بالزيادة فالمفارقة: واجبة.
وإن كان المأموم جاهلاً أو ناسياً فالمفارقة: لا تجب.
(1/450)
________________________________________
إذاً في ثلاثة أحوال لا تبطل صلاة المأموم إذا كان جاهلاً أو ناسياً أو إذا فارقه. سواء فارقه وسلم أو فارقه وانتظر إلى أن يسلم مع إمامه في الصورتين صلاته صحيحه.
الخلاصة: أن المأموم إذا علم بزيادة الإمام فإن تابعه بطلت صلاته.
وأما إن علم بزيادة الإمام ولكن جهل الحكم أو نسي أو فارقه فصلاته صحيحة.
ثم انتقل المؤلف إلى شيء آخر. وانتهى الكلام عن الزيادة الموجبة للسجود.
• قال رحمه الله:
وعمل مستكثر عادة. من غير جنس الصلاة: يبطلها عمده وسهوه
بدأ المؤلف بالقسم الثاني من أقسام زيادة الأفعال وهو: الأهمال التي تكون من غير جنس الصلاة.
قوله: وعمل مستكثر: في باب ما يكره عمله في الصلاة - باب مكروهات الصلاة ذكر المؤلف كثيراً من الأحكام التي أعادها هنا فمن ذلك:
العمل: فقد تقدم معنا أن العمل إما أن يكون كثيراً أو يكون قليلاً. وأن التفريق بين العمل الكثير والعمل القليل محل إجماع وأن الخلاف في تعريف الكثير أو في حد الكثير.
ففيه أقوال: القول الذي ذهب إليه الحنابلة - ومشى عليه المؤلف ورجحته في باب مكروهات الصلاة أن الضابط في هذا: العرف وأن هناك ضابطاً يسهل معرفة الكثير والقليل وهو: فعل النبي صلى الله عليه وسلم فكونه صلى الله عليه وسلم كان يحمل أمامه ويضعها. وكونه يصلي على المنبر. ويفتح الباب ويخلع النعال. فهذه الأعمال جنسها يعتبر قليل. وما هو أكثر من هذه الأعمال فيعتبر كثيراً.
وقوله: يبطلها عمده: إذا عمل المصلي عملاً كثيراً من غير جنس الصلاة عمداً بطلت صلاته.
الدليل:
أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
ثانياً: أن من يعمل عملاً كثيراً عمداً من غير جنس الصلاة فهو متلاعب في الصلاة ومن تلاعب في صلاته فتبطل إذا كان عمداً.
عرفنا من هذا أن العمل إذا كان قليلاً ولو عمداً فإنه لا يبطل الصلاة.
وأما إذا كان العمل كثيراً وسهواً فهو يبطل الصلاة: ولذلك يقول المؤلف رحمه الله: وسهوه.
فحتى لو عمل عملاً كثيراً على سبيل السهو فإن صلاته تبطل عند الحنابلة. وهذا خطير لكثرة وقوعه بين الناس.
(1/451)
________________________________________
دليل الحنابلة: قالوا: أن هذا العمل الكثير ولو كان سهواً فإنه يمنع الموالاة بين الأركان. فهو بهذا شبيه بالعمد فيقاس عليه.
انتهى الدرس،،،
(1/452)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بقي لنا مسألتان من درس الأمس:
المسألة الأولى: حكم المسبوق إذا أدرك الإمام في الزائدة:
اختلف الفقهاء في حكمه على أقوال:
= القول الأول: أنه لا يعتد بهذه الركعة: - لأنه لو علم الحال لوجب عليه أن لا يتابع.
ولأنها ركعة زائدة ليس عليها أمر الله ولا رسوله.
= والقول الثاني: أنه يعتد بهذه الركعة - الزائدة -. وهو قول عند الحنابلة.
واستدلوا على ذلك: بأنه لو لم يعتد بهذه الركعة لصلى خمساً عمداً.
= والقول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد. التوقف في هذه المسألة. رواها عنه أبو الحارث.
وتقدم معنا أن توقف الإمام أحمد علامة على وجود إشكال في المسألة ولتعارض الأدلة.
والأقرب - والأحوط في نفس الوقت - أن لا يعتد بهذه الركعة. لأنها ركعة زائدة ليست على وفق الشرع.
المسألة الثانية: تتعلق بقول الماتن: (وعمل مستكثر عادة من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه).
فقد تقدم معنا أن العمل الكثير يبطل الصلاة إذا كان عمداً بالإجماع. ثم ذكرنا أيضاً أنه يبطل الصلاة عند الحنابلة وإن كان سهواً وهذا هو معنى قول الماتن: (وسهوه).
وذكرت أن دليلهم هو: أن هذا العمل يقطع الموالاة بين الأركان.
= والقول الثاني: في هذه المسألة حيث لم نذكره بالأمس - أن الصلاة لا تبطل بالسهو ولو كثر العمل. اختار هذه القول من المحققين المجد بن تيمية.
واستدلوا:
1 - بقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}.
2 - وبأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه لما نسي قام ثم جلس وشبك أصابعه ودخل منزله وهذه أعمال كثيره ومع ذلك لم يستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة.
فدل هذا على أن العمل الكثير إذا وقع سهواً ولو اتصل فإنه .... وهذا القول الذي اختاره المجد هو الصواب.
(1/453)
________________________________________
• ثم قال رحمه الله:
ولا يشرع ليسيره سجود.
يعني لا يشرع ليسير العمل الذي من غير جنس الصلاة سجود سهو ولو وقع سهواً. لدليلين:
الأول: أنه لم يرد في الشرع سجود سهو للأفعال الزائدة من غير جنس الصلاة.
الثاني: أن الأعمال التي ليست من جنس الصلاة لاتكاد تخلوا منها الصلاة ويصعب أو يتعذر التحرز منها ولو وجب فيها سجود سهو لأوشك الإنسان أن يسجد للسهو في كل صلاة.
• ثم قال رحمه الله:
ولا تبطل بيسير أكل وشرب سهواً.
أفاد المؤلف أن الإنسان لو أكل أو شرب سهواً وكان هذا الأكل والشرب يسير فإن الصلاة صحيحة مادام هذا الأكل والشرب سهواً.
والدليل على هذا: العمومات التي ترفع الحرج عن الناسي.
مسألة: هل يشرع أن يسجد للسهو إذا أكل أوشرب ناسياً؟
الجواب: فيه خلاف:
= القول الأول: المذهب: أنه لا يشرع. لأنه هذا الأكل أو الشرب من جنس الأعمال التي من غير جنس الصلاة وتقدم معنا أنه لا يشرع لها سجود سهواً إذا كانت قد وقعت سهواً.
= القول الثاني: ذكره ابن قدامة في كتابه الكافي أنه: يسجد للسهو.
والأقرب أن سجود سهو فيه.
وقوله: ولا تبطل بيسير أكل وشرب سهواً: دل على أن:
1 - الأكل والشرب عمداً يبطل الصلاة.
2 - ودل على مسألة أخرى وهي أهم - أن الأكل والشرب الكثير إذا كان نسياناً أو عمداً فإنه يبطل الصلاة. وهذا مذهب الحنابلة.
= والقول الثاني: أن الأكل والشرب ولو كان كثيراً فمادام أنه وقع سهواً ونسياناً فإنه لا يبطل الصلاة. أخذاً بعمومات رفع الحرج.
• ثم قال رحمه الله:
ولا نفل بيسير شرب عمداً.
= عند الحنابلة: أن المصلي إذا شرب شيئاً يسيراً من الماء في النفل عمداً فإن صلاته صحيحة.
بهذه الضوابط: الأول: أن يكون في النفل.
والثاني: أن يكون شرب.
والثالث: أن يكون يسيراً.
استدلوا على هذا بأمرين:
الأول: أنه روي عن عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير أنهما كانا يشربان شرباً يسيراً في النفل.
الثاني: أن الشارع متشوف ويحب تطويل النفل. وإذا أطال الإنسان الفنل احتاج مع ذلك إلى ما يسد رمقه من العطش بشربة يسيرة.
والنفل يتساهل فيه بدليل: جواز الصلاة قاعداً وعلى الراحلة في النافلة.
= والقول الثاني: أنه لا يجوز أن يشرب الإنسان في النفل ولو يسيراً مادام عمداً.
(1/454)
________________________________________
- لأن الأصل أن الأكل والشرب عمداً في الصلاة يبطلها.
- وليس في النصوص الشرعية الثابتة ما يدل على الاستثناء.
- وأما الآثار التي وردت عن ابن الزبير وسعيد بن جبير مع جلالة قدرهما وعلى صحتها فإنها لا تكفي.
وهذا هو الصواب: أنه لا يجوز أن يشرب ولو يسيراً في النفل.
ونأخذ من قول المؤلف: ولا نفل بيسير شرب عمداً: عدة مسائل:
المسألة الأولى: أنه لا يجوز يسير الأكل. لأنه خص الشرب. وفي مسألة: يسير الأكل خلاف: وإذا كان الراجح في الشرب عدم الجواز مع أنه أهون من الأكل فمن باب أولى عدم جواز الأكل.
المسألة الثانية: أنه لا يجوز يسير الأكل والشرب في الفريضة.
المسألة الثالثة: أن الأكل والشرب عمداً ولو كان يسيراً فإنه يبطل الصلاة الفريضة.
بهذا القدر انتهى المؤلف من الكلام على زيادة الأعمال وانتقل إلى زيادة الأقوال.
وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءَة في سجود وقعود، وتشهد في قيام، وقراءَة سورة في الأخيرتين: لم تبطل.
• قال رحمه الله:
وإن أتى بقول مشروع.
هذا هو القسم الثاني من الزيادات وهي زيادة الأقوال. وتنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: زيادة أقوال تبطل الصلاة بعمدها. ككلام الآدميين. أو السلام.
القسم الثاني: زيادة أقوال لا تبطل الصلاة بعمدها. وهي المقصودة في قوله: وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه.
واستفدنا من قوله: بقول مشروع:
- أنه إذا أتى بقول غير مشروع فله حكم آخر.
- وأن التفصيل الآتي يتعلق بالقول المشروع وسيأتي الكلام عنه.
لكن نبين هنا حكم القول الغير مشروع: إذا أتى المصلي بذكر غير مشروع. يعني: لم يأت منصوصاً في السنة. فإن صلاته صحيحة ولا يجب عليه سجود سهو. لما أخرجه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: الحمد لله حمداً كثيرً طيباً مباركاً. فأقره ولم يأمره بسجود السهو.
وهذا الحديث في البخاري وزاد أبو داود كما يحب ربنا ويرضى. وهذه الزيادة لا تؤثر في الحكم.
المقصود: أن هذا المصلي الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بذكر غير مشروع يعني ليس وارداً في السنة لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد للسهو ولم يبطل صلاته بذلك.
(1/455)
________________________________________
• قال رحمه الله:
وإن أتى بقول مشروع. في غير موضعه كقراءَة في سجود وقعود، وتشهد في قيام، وقراءَة سورة في الأخيرتين: لم تبطل.
هذا هو الحكم.
الحكم الأول: أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه كما مثل المؤلف: كأن يقرأ في السجود أو يتشهد في القيام فإنه صلاته صحيحة. وهذا هو مذهب الحنابلة.
واستدلوا على هذا: بأنه قول مشروع في الجملة فلم يبطل الصلاة.
= والقول الثاني: وهو قول عند الحنابلة. أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه فإن الصلاة تبطل مطلقاً.
ويجب أن تتنبه إلى أمر مهم جداً وهو أننا نتكلم عمن أتى بقول مشروع في غير موضعه عمداً أما سهواً فلا إشكال في عدم بطلان الصلاة.
= والقول الثالث: أن الصلاة تبطل في صورة واحدة: هي إذا كان هذا القول المشروع قراءة في سجود أو في ركوع لأنه منهي عنه بذاته فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن الرجل راكعاً أو ساجداً. واختاره ابن الجوزي وابن حامد من فقهاء الحنابلة.
ينبني على هذه المسألة - هل تبطل صلاته أو لا تبطل - مسألة أخرى سيذكرها المؤلف وهي: هل يسجد للسهو أو لا يسجد؟ نترك هذه المسألة إلى أن يذكرها المؤلف.
ونبقى الآن في الراجح: فما هو الراجح؟
عامة الحنابلة على أن صلاته لا تبطل. لكن فيما يظهر لي أن الإنسان إذا قرأ التشهد قائماً متعمداً أن صلاته تبطل. لأن هذا لايخلو من شيء من التلاعب وإن كان عامة أهل العلم على عدم البطلان. بخلاف من قرأ القرآن ساجداً فقد يقرأ الإنسان القرآن ساجداً ليتأمل في آية أو لأي غرض من الأغراض. أي: أنه يتصور من غير المتلاعب.
الخلاصة: أن الراجح: أنه إذا فعله مع العلم عمداً فتبطل صلاته.
• قال رحمه الله:
ولم يجب له سجود بل يشرع.
لو أن المؤلف قال لم يجب لسهوه سجود لكان أفضل لأن هذا هو المقصود فالمقصود: لم يجب لسهوه سجود بل يشرع.
ذكر المؤلف فيمن ذكر قولاً مشروعاً في غير موضعه حكمين:
الأول: أنه لا يجب أن يسجد للسهو. لماذا؟ لأن قاعدة الحنابلة: أن كل عمل عمده لا يبطل الصلاة فلا يجب في سهوه سجود.
الثاني: أنه مشروع. لا يجب ولكنه مع ذلك مشروع. والدليل على مشروعيته عموم حديث ابن عباس السابق: (من نسي في صلاته فليسجد سجدتين).
(1/456)
________________________________________
والراجح: أنه يجب فيه سجود السهو. لماذا؟ لأنا رجحنا في المسألة السابقة أن عمد هذه المسألة يبطل الصلاة.
فإذا رجحت أن من أتى بذكر مشروع في غير موضعه عمداً تبطل صلاته انبنا على هذا وجوب سجود السهو.
وإذا رجحت أن هذا العمل لا يبطل الصلاة انبنا على هذا أن سجود السهو مشروع وليس بواجب.
• قال رحمه الله:
وإن سلم قبل إتمامها عمداً: بطلت.
وهذا بإجماع الفقهاء. لأمرين:
أولاً: لأنه تكلم في الصلاة بكلام أجنبي عمداً. وهو السلام.
ثانياً: أنه بسلامه من الصلاة قبل إتمامها ترك ركناً أو واجباً عمداً وتقدم معنا أن ترك الأركان والواجبات عمداً يبطل الاصلاة.
ولا إشكال أن من سلم قبل إتمام صلاته عمداً عالماً أن صلاته باطلة لهذين الدليلين ولإجماع الفقهاء.
• قال رحمه الله:
وإن كان سهواً ثم ذكر قريباً: أتمها وسجد.
إذا سلم قبل إتمام الصلاة وذكر قريباً - وسيأتينا الكلام عن مسألة قريباً - فإنه يجب عليه أن يتم صلاته ويسجد للسهو بعد السلام. بالإجماع.
والدليل على هذا الحكم: ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الظهر أو العصر - والصواب أن الشك في هذا الحديث من أبي هريرة لا من ابن سيرين الراوي عن أبي هريرة - فسلم من اثنتين ثم قام فاتكأ على خشبة في المسجد وشبك أصابعه صلى الله عليه وسلم. وفي القوم رجل يقال له ذو اليدين وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه رضي الله عنهما وقام ذو اليدين فقال: يارسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أنس ولم تقصر. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكما يقول ذو اليدين قالوا: نعم يارسول الله. فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأتم صلاته وسجد بعد السلام.
هذا الحديث صحيح وله ألفاظ كثيرة جداً في الصحيحين وخارجهما. وهو نص في أن من سلم قبل إتمام الصلاة نسياناً ثم ذكر فإن الواجب عليه أن يتم صلاته ثم يسجد بعد السلام.
مسألة: ويجب عليه إذا أراد أن يتم الصلاة عند الحنابلة أن يجلس أولاً ثم يقوم. لأن هذا القيام من واجبات أو من أركان الصلاة. ولايبدأ بالإتمام قائماً. - لأن القيام من التشهد ركن من أركان الصلاة -.
(1/457)
________________________________________
والقول الثاني في هذه المسألة: أن له أن يبدأ بالاتمام قائماً ولا يجب عليه أن يجلس ليقوم لدليلين:
الأول: - وهو أقوى الدليلين - أنه لم ينقل في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ثم قام.
الثاني: أن القيام من التشهد الأول مقصود لغيره لا لنفسه فإن المقصود القيام والنهوض إنما هو وسيلة إلى القيام. بدليل: أن الإنسان يصلي أحياناً جالساً. ونصر هذا القول - شيخ مشائخنا رحمه الله - الشيخ عبد الرحمن السعدي فقد انتصر له وبين أنه لا يجب على من نسي ركعتين أن يجلس ليقوم وإنما يتم ما فاته قائماً.
والأقرب والله أعلم مذهب الحنابلة. وهو الأحوط أيضاً. لأنه هذا وإن لم يذكر في الحديث فمن المعلوم أن القيام من التشهد الأول ركن من أركان الصلاة وإن كان وسيلة للقيام ولكنه أيضاً مقصود شرعاً ولو تركه عمداً لبطلت صلاته.
ومع ذلك لو أن رجلاً قال أنه نسي ركعتين ثم أتم الأخيرتين قائماً بدون أن يجلس ففي إبطال صلاته صعوبة لقوة أدلة القول الثاني. فمن فعل هذا فلا نأمره بالإعادة لكن نقول أن الأرجح أن يجلس فهو أحوط لصلاته.
• ثم قال رحمه الله:
فإن طال الفصل أو تكلم لغير مصلحتها: بطلت ككلامه في صلبها.
إذا طال الفصل فإنه لا يتمكن من أمرين:
1 - لا البناء.
2 - ولا السجود.
أي لا يمكن أن يبني مافاته على ما أداه ولا يسجد للسهو. فإذا فرضنا أنه صلى ركعتين ثم قام ناسياً ثم تذكر بعد ساعتين أو بعد ثلاث أو بعد أربع. فنقول له: طال الفصل فلا يمكن أن ترتبط الأركان بعضها مع بعض فيجب أن تستأنف الصلاة.
والضابط في الطول والقصر: العرف الذي يضبط بحال النبي صلى الله عليه وسلم حين قام وجلس وشبك.
= والقول الثاني في هذه المسألة: أنه يبني على صلاته ويسجد ولو طال الفصل. لأنه ليس في الشرع تحديد لهذا الوقت. وهو إنما ترك الموالاة نسياناً. وتقدم معنا أن الموالاة القاعدة فيها: أنها تسقط بالنسيان. ونصر هذا القول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.
وهذا القول في الحقيقة قول قوي وليس على التحديد دليل واضح.
(1/458)
________________________________________
بناء عليه إذا صلى الإنسان العشاء ثلاث ركعات ثم خرج ومضى ساعة أو ساعتين أو ثلاث رجع إلى بيته وجلس فإنه يبني على صلاته مالم يحدث لأن الحدث يبطل الصلاة سواء كان سهواً أو عمداً.
والإمام أحمد ذهب إلى قول ثالث فضبطه بالمكان لا بالزمان فقال: يبني مالم يخرج من المسجد.
والصواب ما ذهب إليه شيخه الاسلام وليس هناك دليل على التحديد الزماني ولا المكاني.
• قال رحمه الله:
أو تكلم لغير مصلحتها: بطلت.
إذا تكلم لغير مصلحة الصلاة كأن يقول أعطوني سترة أو أعطوني أداة أو قلماً أو ورقة فإنه تكلم لغير مصلحتها فتبطل الصلاة. والكلام الآن في الرجل الذي ترك ركعتين ثم تذكر فإذا تكلم قبل أن يتذكر فإن صلاته تبطل لأنه تكلم لغير مصلحتها.
واستدل الحنابلة على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس.
= والقول الثاني: أنه إذا تكلم لغير مصلحة الصلاة فإن صلاته لا تبطل لأنه معذور بالنسيان والجهل فإنه لا يعتبر نفسه في الصلاة الآن.
• ثم قال رحمه الله:
ككلامه في صلبها.
الكلام في صلب الصلاة عمداً يبطل الصلاة بالإجماع. والعامد هو من يعلم أنه في صلاة وأن الكلام محرم. والكلام في صلب الصلاة يبطلها عند الحنابلة عمداً وسهواً.
عمداً: قلنا أنه بالإجماع.
وسهواً: عند الحنابلة. واستدلوا بعموم الحديث السابق: أن هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس.
= والقول الثاني: في مسألة الكلام في صلب الصلاة سهواً: أن الصلاة لا تبطل إذا تكلم نسياناً أو جهلاً.
- لما ثبت في الحديث الصحيح في قصة الرجل الذي شمت العاطس وهو يصلي جهلاً ولم تبطل صلاته.
- ولأنه في قصة ذي اليدين تكلم الناس في المسجد وخرج السُّرْعَانُ أو السَّرَعَان - مضبوطة بكلا الأمرين. وهو من يخرج سريعاً من الناس وأصحاب الأعمال - خرجوا من المسجد وتكلموا ومع ذلك لم تبطل صلاة هؤلاء الناس.
- ولعموم قوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة/286].
• ثم قال رحمه الله:
ولمصلحتها إن كان يسيراً: لم تبطل.
أي إذا تكلم الإنسان لمصلحة الصلاة فإن الصلاة لا تبطل بشرط أن يكون هذا يسيراً.
(1/459)
________________________________________
الدليل: - على أن الصلاة لاتبطل إذا تكلم لمصلحتها - ما تقدم معنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم وكذلك أبو بكر وعمر وذو اليدين كلهم تكلموا ومع ذلك لم تبطل الصلاة لأنه لمصلحة الصلاة ولأنه يسير.
واشتراط أن يكون الكلام يسيراً دليله عند الحنابلة أن العمومات دلت على إبطال الصلاة بالكلام واستثناء اليسير حصل بحديث أبي هريرة فيبقى ما عداه - وهو الكثير - على مقتضى العموم.
= والقول الثاني: أن الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها سواء كان قليلاً أو كثيراً. والدليل على هذا قاعدة مفيدة لطالب العلم: وهي أنه ما عذر فيه بالنسيان استوى قليله وكثيره كالصائم يأكل ناسياً.
هل هناك فرق بين أن يأكل أكلاً كثيراً أو قليلاً؟
الجواب: لا. لا يوجد فرق. لماذا؟ لأنه معذور بالنسيان فاستوى القليل والكثير في حقه.
كذلك هنا نقول ما دام أنه معذور بالنسيان فيستوي في حقه الكلام الكثير والقليل.
وهذا القول - الثاني - هو الصواب.
•
ثم قال رحمه الله:
وقهقهة ككلام.
القهقهة نوع من الضحك معروف لا يحتاج إلى تعريف.
والقهقهة عند الحنابلة حكمها حكم الكلام. والكلام يبطل الصلاة إذا بان منه حرفان لأنه في لغة العرب: يكون الكلام بحرفين كما تقول: أب. أو أم.
فالتفصيل السابق في الكلام كله ينطبق على القهقهة. إذا تكلم لمصلحتها أو لغير مصلحتها وإذا تكلم في صلبها فكل هذا التفصيل ينطبق على القهقهة.
= والقول الثاني: في هذه المسألة. أن القهقهة تبطل الصلاة مطلقاً بان حرفان أو لم يبن.
وهذا القول للجماهير بل حكي إجماعاً - حكاه ابن المنذر وشيخ الاسلام.
الدليل: أن الإبطال بالقهقهة ليس لكونها كلاماً أو ليست بكلام وإنما لما فيها من منافاة لحال الصلاة والخضوع بين الرب ولما فيها من الاستهزاء والسخرية فهي تبطل الصلاة لذلك لا لكونها من الكلام.
وهذا بلا شك هو الصواب بل مذهب الحنابلة غريب في هذه المسألة. كيف أنهم يلحقون القهقهة بالكلام. فإن القهقهة أشد وأبعد عن روح الصلاة بكثير من الكلام. وفيها ما لا يخفى من الاستهزاء. فإبطال الصلاة فيها أمر واضح وجلي.
عرفنا الخلاف في هذه المسألة - قوله: قهقهة ككلام - والصواب أن القهقهة دائماً تبطل الصلاة.
(1/460)
________________________________________
• قال رحمه الله:
وإن نفخ أو انتحب من غير خشية اللَّه تعالى، أو تنحنح من غير حاجة فبان حرفان: بطلت.
نفصل هذه المسائل:
المسألة الأولى: عند الحنابلة إذا نفخ أو انتحب أو تنحنح فبان حرفان: بطلت.
الدليل: قالوا: أنه روي عن ابن عباس وعن أبي هريرة أنهما قالا: من نفخ في الصلاة فقد بطلت صلاته. وهذا لا يثبت عنهما رضي الله عنهما. قال ابن المنذر رحمه الله: لا يحفظ عنهما. فعرفنا مذهب الحمنابلة وأن دليلهم ضعيف.
= القول الثاني: أن النفخ والانتحاب والتنحنح لا يبطل الصلاة لأن هذه الأشياء ليست من كلام العرب ولا تدخل في مسماه: أي في مسمى كلام العرب. فهي كالتنفس تماماً إلا أن معها صوت. وإبطال الصلاة بمجرد الصوت لا أصل له في الشرع.
رجح هذا القول - الثاني - ابن تيمية وهو الصواب. أن هذه الأشياء لا تبطل الصلاة ويقوي ما ذهب إليه شيخ الاسلام حديث المغيرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الكسوف أخذ ينفخ فلما قضى صلاته سألوه فقال: قرب مني النار حتى نفخت حرها عن وجهي. ومع ذلك لم تبطل الصلاة.
إذاً عرفنا الآن حكم النفخ والانتحاب والتنحنح في المذهب ودليلهم والقول الثاني والراجح.
نأتي إلى المستثنيات يقول: أو انتحب من غير خشية الله.
يستثنى من الإبطال بالانتحاب أن يكون هذا الانتحاب من خشية الله. والانتحاب هو: رفع الصوت بالبكاء. فإذا انتحب من خشية الله فإن الصلاة لا تبطل حتى عند الحنابلة ولو بان حرفان.
والدليل: أن الانتحاب من خشية الله من جملة ذكر الله وتعظيمه. وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على إبراهيم بأنه أواه والأواه هو: من يتأوه من خشية الله. فهو صفة مدح لا تبطل الصلاة بها.
فهذا الاستثناء الأول.
الاستثناء الثاني: أو تنحنح من غير حاجة. دل هذا على أنه تنحنح للحاجة فإن صلاته صحيحة ولو بان حرفان.
الدليل: أنه يتعذر دفع التنحنح الذي للحاجة ويشق على المصلي فناسب التخفيف وعدم الابطال.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
انتهى الدرس،،،
(1/461)
________________________________________
= من الأسئلة:
- مسألة التبسم: إذا تبسم الإنسان فقد ذهب الجماهير والجم الغفير وحكي إجماعاً أن الصلاة لا تبطل. بل قال ابن المنذر: أجمع الفقهاء إلا ابن سيرين. وهذا القول الأول.
القول الثاني: أن الصلاة تبطل وهو مذهب ابن سيرين. واستدل بقوله تعالى: {فتبسم ضاحكا من قولها} [النمل/19] وقال رحمه الله: لا أعلم التبسم إلا ضحكاً. والضحك يبطل الصلاة.
والصواب مع الجماهير. ولا شك أن هذا مكروه ومنافي للخشوع لكن الكلام عن إبطال الصلاة.
- مقصود المؤلف في قوله: في صلبها: يعني إذا كان الانسان يصلي الآن وتكلم ومقصوده بالمسائل التي قبل هذه العبارة وبعدها: إذا نسي الإنسان فصلى ركعتين من أربع ثم تذكر فكلامه ما بين كما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي فيه الأحكام التي ذكر: إذا تكلم في مصلحتها أو في غير مصلحتها.
انتهى الدرس،،،
(1/462)
________________________________________
فصل
[في الكلام على السجود للنقص أو الشك]
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
• قال المؤلف - رحمه الله -:
فصل
عقد المؤلف هذا الفصل للكلام عن النقص وعلم بهذا أن الكلام عن الزيادة قد انتهى وسيبين في هذا الفصل أجكام نقص المصلي من صلاته ثم بعد الكلام عن النقص سيتكلم عن الشك وبالكلام عليه ينتهي باب سجود السهو.
• قال - رحمه الله -:
ومن ترك ركناً فذكره بعد شروعه في قراءَة ركعة أُخرى: بطلت التي تركه منها.
إذا ترك الإنسان ركناً فتركه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون المتروك تكبيرة الإحرام. فإن الصلاة لا تنعقد سواء كان تركها سهواً أو عمداً.
القسم الثاني: أن يكوت المتروك غير تكبيرة الإحرام.
وهذا القسم هو الذي ذكره المؤلف بقوله: فذكره بعد شروعه في قراءَة ركعة أُخرى: بطلت التي تركه منها، وقبله يعود وجوباً فيأتي به وبما بعده.
وهذا يعني: لو ترك الإنسان ركناً من الركعة ثم قام ولنفرض أنه ترك السجود:
- فإن ذكره قبل أن يشرع في القراءة: وجب عليه أن ينحط ويأتي بهذا الركن وبما بعده. وقد نص على هذا الإمام أحمد.
(1/463)
________________________________________
- وإن ذكره بعد أن شرع في القراءة: قامت الثانية مقام التي ترك ركنها. فإذا فرضنا أنه نسي السجود من الركعة الأولى ثم قام وشرع في القراءة فصارت الركعة الثانية بالنسبة لهذا المصلي هي الركعة الأولى وبطلت وألغيت الأولى التي ترك ركنها.
هذا مذهب الحنابلة.
دليلهم: قالوا: أنه لما شرع بعبادة مشروعة وهي القراءة حرم عليه الرجوع.
وفهم من هذا التفصيل: أن الركعات التي تسبق الركعة المتروك ركنها تبقى صحيحة ولا علاقة لها بهذا الخلل.
الركعات التي السابقة للركعة التي حصل فيها الخلل تبقى صحيحة وليس لها علاقة بهذا الخلل.
مثال ذلك: إذا نسي السجود من الركعة الثالثة وقام للرابعة وبدأ بالقراءة فتكون الرابعة هي الثالثة وأما الأولى والثانية فتبقى صحيحة على وضعها.
القول الثاني: أن المصلي إذا ترك ركناً من ركعة ثم ذكره:
- وجب عليه أن يعود إلى هذا الركن مباشرة ولو شرع في القراءة.
- فإن وصل إلى الركن الذي تركه من الركعة التالية قامت الثانية مقام الأولى.
الدليل: قالوا: أن هذا المصلي لما ذكر الركن المتروك وجب عليه أن يرجع فيأتي به وبما بعده لينتظم ترتيب الصلاة.
وهذا القول - الثاني - اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية - رحمه الله - واختيار غيره من المحققين وهو القول الصواب. وأما التفصيل الذي ذكره المؤلف ففيه ضعف إذ أن الشروع في القراءة لا يمنع الرجوع إلى الركن المتروك بل الرجوع إلى الركن المتروك واجب.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن علم بعد السلام: فكترك ركعة كاملة.
يعني: إذا علم بعد السلام أنه ترك ركناً من ركعة فحكمه حكم ترك ركعة كاملة. أي: كأنه ترك ركعة كاملة. وتقدم معنا الكلام على حكم ترك ركعة كاملة عند قول المؤلف: (وإن سلم قبل إتمامها عمداً بطلت وإن كان سهواً ... الخ فعرفنا ماذا يصنع الإنسان إذا ترك ركعة كاملة وهنا يقول: من ترك ركناً ولم يذكره إلا بعد السلام فحكمه حكم من ترك ركعة كاملة.
واستثنى الفقهاء من هذا الحكم مسألتين:
المسألة الأولى: إذا كان الركن المتروك التشهد الأخير أو السلام. فحكمه: أن يأتي بالتشهد أو السلام فقط.
(1/464)
________________________________________
المسألة الثانية: إذا كان المتروك ركناً في الركعة الأخيرة. مثل: أن يترك السجود الأول من الركعة الرابعة في صلاة الظهر: أذا كان المتروك ركناً من الركعة الأخيرة كأن يترك السجود الأول من الركعة الرابعة في صلاة الظهر مثلاً. فحكمه عند الحنابلة: أن يأتي بركعة كاملة. والصواب أن يأتي بالمتروك وبما بعده فقط.
فهذه المسألة تعتبر مستثناة على القول الراجح أما على قول الحنابلة فلا تعتبر مستثناة.
إذا ً عرفنا الحكم العام وعرفنا ما يستثنى منه وعرفنا أن المسألة الثانية تعتبر مستثناة على القول الصحيح ولا تعتبر مستثناة على قول الحنابلة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن نسي التشهد الأول ونهض: لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائماً، فإن استتم قائماً: كره رجوعه، وإن لم ينتصب قائماً: لزمه الرجوع.
إذا نسي التشهد الأول فله ثلاثة أحوال سيذكرها المؤلف تباعاً ولكل حال حكم.
الحال الأولى: قال: وإن نسي التشهد الأول ونهض: لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائماً:
هذه هي الحال الأولى: إذا نسي التشهد الأول وهَمَّ بالقيام وقام ولكن قبل أن يستتم قائماً ذكر أنه نسي التشهد الأول.
حكمها: أنه يجب وجوباً أن يرجع ما دام أنه لم يستتم قائماً.
الدليل: قوله - رحمه الله -: (إذا نسي أحكم وقام من الركعتين فإن استتم قائماً فليمض وإن ذكر قبل فليرجع وليسجد سجدتين).
هذا الحديث صححه المتأخرون بمجموع طرقه والحقيقة هو له شواهد قوية جداً وأيضاً طرقه متعددة وقابل للتصحيح أو التحسين وهو نص في المسألة.
وهذه الحال الأولى: تشمل من حين أن يرتفع الإنسان من الأرض أدنى ارتفاع إلى أن يصبح أقرب ما يكون إلى القيام.
ولم أقف على خلاف في هذه المسألة لوضوح الحديث.
الحال الثانية: قال: فإن استتم قائماً: كره رجوعه.
قوله: إن استتم قائماً: أي ولم يشرع بالقراءة.
فلو أن المؤلف - رحمه الله - أضاف هذه العبارة لكان أوضح.
حكمها: أنه يكره له أن يرجع. فإن رجع جاز وصحت صلاته.
الدليل: الدليل مركَّب: - أما أنه يكره له أن يرجع: فلأنه قام ولم يشرع بركن مقصود وهو: القراءة. فهذا دليل الكراهة.
- وأما الجواز فدليله عموم الحديث.
(1/465)
________________________________________
والقول الثاني: أن المصلي إذا ترك التشهد الأول واستتم قائماً فيحرم عليه الرجوع ولو لم يشرع بالقراءة.
والدليل: عموم الحديث ولا مخصص.
الحال الثالثة: وإن لم ينتصب: لزمه الرجوع.
قوله: وإن لم ينتصب: لزمه الرجوع كأنه وهم من المؤلف: وجهه: أن هذا مكرر تماماً لقوله: وإن نهض لزمه الرجوع مالم ينتصب قائماً. فكأنه قد تبادر إلى ذهن المؤلف إعادة ما سبق أن ذكره.
• قال - رحمه الله -:
وإن شَرَع في القراءة: حرم الرجوع.
وإن شَرَع في القراءة: حرم الرجوع لأنه شرع بركن مقصود وهو القراءة.
وتحريم الرجوع لا أعلم فيه خلافاً.
فإن رجع متعمداً عالماً: بطلت صلاته. لأنه ترك الواجب عمداً.
وإن رجع سهواً ونسياناً: صحت صلاته.
فإن ذكر الحكم وهو جالس: وجب عليه أن ينهض ويترك التشهد الأول.
فإن استمر بعد تذكره وعلمه: بطلت صلاته.
ودليل هذا الحكم كما هو وضح وظاهر: الحديث السابق إذ نص فيه - رحمه الله - على أنه متى قام فإنه لا يرجع.
• قال - رحمه الله -:
وعليه السجود للكل.
قوله: للكل: يقصد به كل الأحوال السابقة. فقد مر معنا ثلاثة أحوال. أما في الحال الثانية والثالثة فلا إشكال في مشروعية سجود السهو بل قال المرداوي في الإنصاف: لا أعلم في هذا خلافاً. إنما الخلاف في الحال الأولى.
وسبب الخلاف: أنه في هذه الصورة لم يترك التشهد الأول ولذلك صار بين الفقهاء خلاف فيها:
فالقول الأول: وهو مذهب الحنابلة: أنه يسجد في هذه الحالة سجود السهو.
واستدلوا: بحديث أنس - أن النبي - رحمه الله - تحرك ليقوم فسبَّحُوا به فجلس فتشهد وسجد للسهو سجدتين - رحمه الله -.
قوله: تحرك ليقوم: أي ولم يقم - ولم ينتصب قائماً.
وهذا الحديث نص في المسألة ولكن الإشكال أن الدارقطني أخرج هذا الحديث موقوفاً على أنس - فلم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومع ذلك فإن في بعض طرق هذا الحديث أن أنس بعد أن أفتى هذه الفتوى قال: وهذه هي السنة.
(1/466)
________________________________________
وبكل حال فحديث أنس - إن صح رفعه فهو حاسم. وإن كان موقوفاًَ ففيه أن هذه هي السنة. وإن لم تصح لفظة: (هذه هي السنة) فغاية ما هنالك أنها فتوى لأنس - فهي خير من رأي الرجال في مسألة ليس فيها نصوص فلأن نأخذ بفتواه - خير من أن نأخذ برأي مجرد.
القول الثاني: ينسب إلى الجمهور أنه في الحالة الأولى لايشرع أن يسجد للسهو لأنه لم يترك النشهد الأول.
والقول الثالث: أنه إن قام قياماً كثيراً فإنه يسجد وإلا فلا وهذه رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله -.
والصواب: مذهب الحنابلة. أنه إذا تحرك ليقوم ولو ذكر قريباً فإنه يسجد.
مسألة: إذا جلس المصلي للتشهد الأول ثم خطر بباله أن يقوم - ناسياً - وقبل أن يتحرك أدنى تحركاً - ذكر - فاستمر جالساً وقرأ التشهد.
الصواب في هذه الصورة: أن لاسجود سهو فيها. لأنه لم يصدر منه أي عمل لا قليل ولا كثير وإنما خطر بباله أن يقوم فقط ثم ذكر سريعاً وجلس فالأقرب في مثل هذه الصورة أنه لا يلزمه سجود سهو.
بهذا انتهى الكلام عن النقص. وبدأ المؤلف - رحمه الله - بالكلام على الشك.
• فيقول - رحمه الله -:
ومن شك في عدد الركعات: أخذ بالأقل.
من شك في عدد الركعات فالواجب عليه عند الحنابلة دائماً أن يأخذ بالأقل.
صورة هذه المسألة: إذا شك في الثالثة من العشاء هل هي الثالثة أو الثانية؟ فتكون في حقه الثانية. لأنه يأخذ بالأقل.
وإذا شك: هل هي الثانية أو الأولى؟ صارت بالنسبة له الأولى.
الدليل على هذا عند الحنابلة: نص صحيح أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر صلى ثلاثاً أو أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن وليسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى تمام الأربع كانتا ترغيماً للشيطان).
قوله: شفعن له صلاته: أي إن كان صلى خمساً فصارت السجدتين تشفعان له الصلاة. وهذا القول الأول هو مذهب الحنابلة وهو مذهب الجمهور.
القول الثاني: أن المصلي إذا شك في صلاته يتحرى ويعمل بما ترجح عنده.
(1/467)
________________________________________
واستدلوا بحديث صحيح أيضاً بل متفق عليه: وهو حديث ابن مسعود - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليبن عليه وليسجد سجدتين بعد السلام)
في حديث ابن مسعود بعد السلام وف حديث أبي سعيد الخدري قبل السلام.
والراجح والله أعلم القول الثاني وهو أنه لا يأخذ بالأقل دائماً وإنما يتحرى الصواب.
نحتاج إلى جواب عن حديث أبي سعيد الخدري لأنه نص. أجابوا عنه بجواب سديد وهو أن حديث أبي سعيد الخدري يحمل على مصل لم يترجح له شيء حين شك.
ومن المعلوم أن الإنسان إذا شك ولم يترجح عنده شيء فإنه يأخذ بالأقل.
وإذا حملنا حديث أبي سعيد الخدري على هذا المحمل اتحدت الأدلة وتوافقت ولم تختلف.
•
ثم قال - رحمه الله -:
وإن شك في ترك ركن: فكتركه.
يعني إذا شك الإنسان هل ترك الركن أو لم يتركه؟ فحكمه حكم من ترك الركن.
ومن ترك الركن: هل بين المؤلف حكمه؟
: نعم. وهو عند قوله: ومن ترك ركناً. فقد تقدم بيان حكم من ترك ركناً.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا يسجد: لشكه في ترك واجب أو زيادة.
إذا صلى المصلي ثم أثناء الصلاة شك في ترك واجب سبق فإنه والحالة هذه لا يسجد له عند الحنابلة.
التعليل: قالا: أنه شك في سبب الوجوب والأصل براءة الذمة.
ما هو سبب الوجوب؟
هو: ترك الواجب. وهو شك في سبب الوجوب. فإذا شك في سبب الوجوب فالأصل براءة الذمة.
القول الثاني: أنه يسجد للسهو لأنه إذا شك في واجب فالأصل عدمه.
وهذا القول - الثاني - هو الصواب ولكن نأخذ بالقول الراجح في هذه المسألة وهو أنه يتحرى فإذا غلب ظنه أن الواجب هو المشكوك في تركه فيعمل بغلبة الظن ويعتبر نفسه قد أتى به.
إذاً إذا شك الإنسان في ترك واجب فالحنابلة يرون أنه لا يجب عليه سجود سهو لأنه شك في سبب والأصل البراءة.
والقول الثاني: أنه إذا شك في ترك واجب فعليه أن يسجد للسهو لأن الأصل أن المشكوك فيه لم يؤتى به. وأن هذا هو الراجح ولكن ينزل على القول الراجح السابق. وهو التحري.
قوله: أو زيادة: يعني إذا شك في زيادة فلنفرض أنه يصلي الظهر وفي الركعة الثانية وهو ساجد السجدة الثانية شك هل هي الثانية أو الثالثة؟ يعني أنها زائدة.
(1/468)
________________________________________
فإذا شك بالزيادة بعد أدائها فإنه لا يسجد عند الحنابلة.
ويستثنى من هذا إذا شك في الزيادة أثناء أدائها. أي إذا شك في زيادة السجدة وهو ساجد فحينئذ يجب عليه أن يسجد للسهو.
التعليل: قالوا: لأنه أدى جزأ من العبادة وهو متردد فيها. وهذا التردد والتشكك في أداء العبادة يوجب سجود السهو جبراً لهذا النقص. والنقص جاء من تردده لأنه يجب على المصلي أن يأتي بأبعاض العبادة جازماً بها.
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى أحكام المأموم.
•
فقال - رحمه الله -:
ولا سجود على مأموم: إلاّ تبعاً لإمامه.
المسألة الأولى: أنه لا سجود على مأموم. فإذا سهى المأموم في صلاته دون الإمام فإنه لا يجب عليه أن يسجد للسهو. وقد أجمع على هذا الفقهاء إلا مكحول - رحمه الله - فإنه رأى أن عليه أن يسجد وتابع مكحول على القول بالوجوب من المتأخرين ابن حزم - أقصد بالمتأخرين: بالنسبة للسلف.
استدل مكحول وابن حزم بالعمومات قالوا: العمومات التي تأمر بسجود السهو لم تفرق بين الإمام والمأموم فإذا سلم الإمام أتى المأموم بسجود السهو.
وقول الجماهير الذي اعتبر إجماعاً هو الصواب.
والدليل: أنه يصعب أو يتعذر أن لا يكون أحد من الصحابة سهى خلف النبي - رحمه الله - ومع لك لم ينقل قط أن أحداً سجد للسهو خلفه - رحمه الله -.
وهذه منأخطاء ابن حزم أنه يأخذ بظاهر النص مجرداً عن النصوص العامة التي تبين كيفية العمل بظواهر النصوص ولو كان سجود السهو واجباً على المأموم لنقل وعرف ولنقل عن بعض الصحابة أنهم يسجدون فلما عدم كل ذلك عرفنا أنه لا سجود على المأموم وأن إجماع الفقهاء جميعاً عدا مكحول هو الصواب إن شاء الله.
هذه هي المسألة الأولى وهي قوله: ولا سجود على مأموم.
المسألة الثانية: قوله: إلا تبعاً لإمامه.
معنى هذه العبارة: أنه يجب على المأموم أن يسجد إذا سجد أمامه للسهو سواء سهى معه أولا.
وهذا أيضاً محل إجماع وممن حكاه إسحاق وشيخ الاسلام بن تيمية.
والدليل على هذا قوله - رحمه الله -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به .. إلى أن قال: فإذا سجد فاسجدوا) فقوله - رحمه الله - فاسجدوا: يشمل السجود الذي هو من أركان الصلاة والسجود الذي هو لأجل السهو.
(1/469)
________________________________________
مسألة: لم يتكلم المؤلف عن المسبوق. هل يجب عليه أن يسجد أو لا يجب؟
نقول: المسبوق فيه تفصيل:
بالنسبو للمسبوق نفسه إذا سهى في صلاته فهو ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون السهو مع الإمام - يعني فيما أدرك فيه الإمام - فلو دخل المسبوق مع إمام يصلي الظهر وقد فاته ركعتين فدخل معه في الركعتين الأخيرتين وسهى في هاتين الركعتين.
القسم الثاني: أن يكون سهو المأموم بعد انفصاله عن الإمام أي فيما يقضي. ففي المثال السابق لو أن هذا المأموم لما سلم الإمام فسيبقى عليه ركعتين فلو سهى فيهما فهذا هو القسم الثاني.
والحكم في الصورتين: وجوب سجود السهو. لأنه المأموم لما انفصل عن إمامه فلم يبق مانع يمنعه من سجود السهو لأن المانع هو مخالفة الإمام وقد زال.
في الصورة الأولى خلاف لكنه يعتبر خلاف ضعيف من وجهة نظري - فيما إذا كان السهو فيما أدرك مع الإمام فبعض الفقهاء يرى أنه لا يسجد لكن أعرضنا عن هذا الخلاف وذكرنا الصواب فقط لقوته ووضوحه.
المسألة الثانية في مسألة المسبوق: متى يسجد المسبوق للسهو؟
فيه تفصيل: إن كان الإمام سجد للسهو قبل السلام فالواجب على المأموم ن يتابعه في السجود سواء كان الإمام سها فيما أدركه المأموم أو سهى فيما لم يدركه المأموم.
الصورة الثانية: إذا كان الإمام سيجد للسهو بعد السلام فعند الحنابلة يجب على هذ المأموم المسبوق أن يتابع الإمام إذا سجد للسهو ولو بعد السلام ولا يقوم ليقضي ما فاته.
والقول الثاني: أنه إذا سلم الإمام قام المأموم ليقضي مافاته ثم إذا سلم سجد للسهو.
والدليل على رجحان هذا القول: أنه لو سجد مع الإمام قبل السلام لكان سجد سجدتي السهو في غير موضعهما لأن الإمام سجد بعد السلام.
وإن تابعه في السلام ليسجد معه بطلت صلاته لأنه سلم قبل أن تنتهي صلاته.
ولذلك فالراجح هو: أن يقوم حتى لو سجد الإمام وسجد الناس ويأتي بما فاته ثم بعد ذلك يسجد للسهو.
• ثم قال - رحمه الله -:
وسجود السهو لما يبطلها عمده واجب.
تقدم معنا أن الحنابلة يرون وجوب سجود السهو. وأن الشافعية يرون أن سجود السهو سنة. وأن القول الثالث: التفريق بين السجود الذي قبل السلام والسجود الذي بعد السلام.
(1/470)
________________________________________
إذاً هذه المسألة تقدمت في أول الباب.
•
ثم قال - رحمه الله -:
وتبطل بترك سجود أفضليته قبل السلام فقط.
ذكر المؤلف في هذه العبارة مسألتين:
المسألة الأولى: أن من ترك سجود السهو عمداً بطلت صلاته إذا كان السجود قبل السلام.
وهو آثم وصلاته صحيحه إذا كان السجود بعد السلام.
الدليل: قالوا: أن السجود قبل السلام جزء من أجزاء الصلاة والسجود بعد السلام واجب للصلاة وليس واجباً في الصلاة فهو كالآذان فإنه الآذان واجب من واجبات الصلاة لكن لو تركه المصلي وصلى فصلاته صحيحه.
إذاً الحنابلة يفرقون بين أن يكون السجود قبل السلام فإن تركه عمداً بطلت صلاته. وبين أن يكون بعد السلام فإن تركه عمداً فهو آثم وصلاته صحيحة.
المسألة الثانية: موضع سجود السهو:
يعني هل يكون سجود السهو قبل السلام أو بعد السلام؟
هذه المسألة محل خلاف وهي من المسائل التي تشعبت فيها الأقوال وذكر فيها الحافظ العراقي في شرحه الحافل على الترمذي ذكر فيها ثمانية أقوال - وهذا الشرح شرح مفيد جداً وهو إن شاء الله في صدد أن يطبع قريباً - في هذا الكتاب ذكر في هذه المسألة ثمانية أقوال وذكر لكل قول عدداً من الأدلة والمناقشات حتى يمكن أن تفرد المسألة بمصنف صغير لطول وتشعب الأقوال.
ونحن سنأخذ رؤوس الأقوال:
القول الأول: أن السجود دائماً بعد السلام. وهذا مذهب الأحناف.
القول الثاني: أن السجود دائماً قبل السلام. وهو مذهب الشافعية.
القول الثالث:
- أن السجود يكون قبل السلام إذا كان عن نقص.
- ويكون بعد السلام إذا كان عن زيادة.
وفيه تفصيل في الشك:
- فإذا شك وترجح له أحد الإحتمالين فإن السجود يكون بعد السلام.
- وإن لم يترجح صار السجود قبل السلام.
إذاً السجود إذا لم يترجح أو لنقص يكون قبل السلام وفي باقي الصور يكون بعد السلام.
(1/471)
________________________________________
هذا القول الأخير نصره شيخ الاسلام - رحمه الله -. وهو قول تتفق به الأدلة. لأن الأدلة فيها السجود قبل السلام وفيها السجود بعد السلام وفيها صور كثيره وفيها ترك التشهد وفيها الزيادةوفيها النقص فالحمع بين هذه النصوص كما مر معنا في حديث أبي سعيد الخدري وفي حديث ابن مسعود أحدهما قبل وأحدهما بعد. المهم. أن هذا القول الثالث تجتمع به الأدلة.
المسألة الثالثة: هل السجود الذي موضعه قبل السلام والسجود الذي موضعه بعد السلام فهل هو على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب والندب؟
فمذهب الحنابلة: أنه على سبيل الاستحباب والندب وهذا القول الأول.
وهذا القول ليس مذهباً للحنابلة فقط بل هو مذهب للجماهير بل حكي إجماعاً وممن حكى الإجماع الماوردي - رحمه الله - وأيضاً حكاه القاضي عياض وغيرهما فقد حكاه عدد من الفقهاء نقلوا الإجماع على أن موضع السجود على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الوجوب.
استدل هؤلاء بأن النبي - رحمه الله - تارة سجد قبل السلام وتارة سجد بعد السلام فدل ذلك على أنه مستحب وممن رجح هذا القول ابن عبد البر.
على أننا نقول أنه شبه إجماع فقد حكي من ثلاثة ومع أن الماوردي والقاضي عياض أشد تثبتاً في نقل الإجماع. والمسألة ليست محل إجماع قطعاً لكن حكاية الإجماع تعطي دلالة على أن هذا مذهب غالب أهل العلم.
القول الثاني: وهو مذهب لبعض الحنابلة. وقال شيخ الاسلام: أنه يفهم من كلام الإمام أحمد. يعني أنه - رحمه الله - لم يجد نصاً صريحاً عن الإمام أحمد لكن يفهم من كلام الإمام أحمد الوجوب.
أما الرواية المعروفة فهي الندب.
ونصر هذا القول شيخ الاسلام ورأى أنه هو القول الصواب واستدلوا بعموم قول النبي - رحمه الله -: (صلوا كما رأيتموني أصلي) والنبي - رحمه الله - تارة سجد قبل السلام وتارة بعد السلام فيجب أن نصلي كصلاته - رحمه الله -.
والحقيقة الترجيح في هذه المسألة محل إشكال بسبب أن جمهور السلف والخلف من الأئمة من تابعي التابعين والأئمة الأربعة وعامة العلماء كلهم يرون أن هذا على سبيل الندب وبالمقابل ما رجحه شيخ الاسلام قوي من حيث الدليل ويؤيده عموم الحديث الذي أخرجه البخاري (صلوا كما رأيتموني أصلي).
(1/472)
________________________________________
فالأحوط - بدون شك - أن يجعل ما قبل قبل. وما بعد بعد. لكن الوجوب قد يتوقف فيه الإنسان مع تتابع السلف على القول بالندب حتى أن الذين يحكون الخلاف كابن عبد البر لم يذكر القول الثاني أصلاً.
وعلى كل حال في هذه المسألة: الإنسان يقلد الحماهير ونقول أنه مندوب وإن كان الأحوط أن يجعل ما قبل قبل وما بعد بعد.
•
ثم قال - رحمه الله -:
وإن نسيه وسلم: سجد إن قرب زمنه.
إذا نسي السجود وسلم فإنه يجب عليه وجوباً أن يسجد إذا كان الزمان قريباً ولا يسجد إذا كان الزمان بعيداً وصلاته صحيحة إذا تركه نسياناً ولذلك هو يقول وإن نسيه.
وأما مسألة: إن قرب. فالقرب والبعد والخلاف في هذه المسألة تقدم معنا في أول الباب وأخذنا الأقوال الثلاثة في هذه المسألة.
فالأقوال الثلاثة في هذه المسألة تأتي معنا في هذه الصورة تماماً وما رجحناه هناك فنرجحه هنا وهو أن الإنسان إذا ترك سجود السهو وذكره ولو طال الزمان فإنه يسجد.
وعند الإمام أحمد إن خرج من المسجد فلا يسجد وعند الجمهور يقيد هذا بالعرف.
على ما سبق في عند قوله: وأن طال الفصل أو تكلم.
• ثم قال رحمه الله:
ومن سها مراراً: كفاه سجدتان
يعني إذا تكرر السهو من المصلي ولو كان محل سجود السهو يختلف فإنه يكفيه أن يسجد سجدتين فقط.
فإن كان السهو بعضه يوجب السهو قبل. وبعضه يوجب السهو بعد فإنه يسجد قبل على سبيل الوجوب لأنه إذا سلم فقد ترك واجباً.
فعرفنا من هذه العبارة مسألتين:
الأولى: أنه إذا تكرر ولو اختلف محله فإنه يسجد سجدتان فقط.
الثانية: أنه إذا كان بعضه يوجب السجود قبل وبعضه يوجب السجود بعد فإنه يسجد قبل.
والتعليل: أنه لو سجد بعد لكان ترك واجباً عمداً يعني: لكان سلم قبل أن يأتي بالواجب ففي هذه الحال تبطل صلاته لأنه ترك واجباً قبل السلام عمداً.
أما إن سلم عمداً كما يفعل كثير من الناس أو نسياناً فإنه يسجد بعد السلام ولا شيء عليه.
وبهذا انتهى الكلام عن باب سجود السهو ونشرع غداً إن شاء الله بباب صلاة التطوع.
انتهى الدرس،،،
(1/473)
________________________________________
[باب صلاة التطوع]
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
• قال - رحمه الله -:
باب صلاة التطوع.
لما أنهى المؤلف الكلام على الفرائض - على صلاة الفريضة انتقل للحديث عن صلاة التطوع.
والعلة في هذا الترتيب: أن الحكمة من صلاة التطوع أن تكمل بها الفرائض نص على أن هذه هي الحكمة من التطوع شيخ الاسلام وغيره من المحققين استدلالاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة فإن كانت ناقصة قال الرب سبحانه وتعالى: انظروا هل لعبدي من نافلة؟)
فعرفنا الآن لماذا يذكر الفقهاء باب صلاة التطوع بعد صفة الصلاة وعرفنا الحكمة من ذلك.
والتطوع: لغة: التبرع بالشيء.
واصطلاحاً: اسم لما شرع زائداً عن الفرائض.
• ثم قال - رحمه الله -:
آكدها: كسوف.
اختلف الفقهاء في ترتيب أفضل النوافل:
وقبل الحديث عن مسألة أي النوافل أفضل؟ اعتاد الفقهاء أن يتحدثوا في هذا الباب عن أفضل الطاعات عموماً لا ما يتعلق بصلاة التطوع فقط ولا نريد الدخول المفصل في هذه المسألة لكن نشير إلى أهم الأقوال فيها:
= فالحنابلة يرون أن الجهاد في سبيل الله هو أفضل التطوعات وقد نص على هذا الإمام أحمد - رحمه الله - جاء ذلك عنه في رواية صحيحة.
= وذهب الشافعي إلى أن أفضل التطوعات الصلاة.
= وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن أفضل التطوعات طلب العلم. وهو رواية عن أحمد.
لذا نستطيع أن نقول أن القول بأن طلب العلم هو أفضل التطوعات - أنه مذهب الجمهور.
ولكل قول من هذه الأقوال أدلة كثيرة ومناقشات كثيرة جداً - وكما قلت لن ندخل في تفاصيلها لأن الكلام فيها خارج عن باب صلاة التطوع لكن نذكر الراجح في هذه المسألة:
وهو: أن أفضلية العمل تختلف باختلاف شيئين:
= باختلاف الأشخاص.
= وباختلاف الأزمان.
فربما صار الفاضل بالنسبة لشخص مفضول بالنسبة لشخص آخر بحسب حال هذا الشخص ومقدرته على العلم تارة وعلى الجهاد تارة وعلى نوافل العبادات: كالصلاة والصيام تارة.
وأيضاً يختلف بحسب الأزمان فإذا عمَّ الجهل وكثر بين الناس واحتاج الناس إلى العلم فإن العلم في هذه الحالة أفضل.
(1/474)
________________________________________
وإذا ضعف المسلمون وهجم عليهم الأعداء وقَتَّلُوا فيهم وشرَّدُوا فإن الجهاد في مثل هذه الحالة أفضل.
= فالخلاصة: أن التفضيل يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان وهذا اختيار شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله -.
= ومن الفقهاء من قال: بل أفضل الأعمال دائماً وأبداً مهما اختلفت الأزمان والأشخاص: ذكر الله. ومال إليه الحافظ بن حجر في الفتح.
هذه رؤوس الأقوال في هذه المسألة المتشعبة التي تخرج عن موضوع الدرس.
نأتي إلى صلاة التطوع:
اختلف العلماء في أفضل النوافل: وسنأخذ الضوابط التي تضبط هذه الخلافات.
= فالقول الأول: وهو مذهب الحنابلة: أن مناط الأفضلية ما كان فيه اجتماع فالصلاة التي شرعت مع الاجتماع أفضل من الصلاة التي تؤدى بدون اجتماع.
بناء على هذا الضابط: التفضيل والترتيب يكون كما ذكره المؤلف - رحمه الله -: الكسوف ثم الاستسقاء ثم التراويح ثم الوتر.
= القول الثاني: أن المناط هو الوجوب: فما اختلف في وجوبه فهو أفضل مما اتفق على أنه مندوب.
بناء على هذا المناط: فإن الترتيب يكون: الكسوف ثم الوتر ثم الاستسقاء ثم التراويح.
والسبب في اعتبار المناطين عند الفقهاء القائلين بالقول الأول. والقائلين بالقول الثاني. هو: التشبه بالفرائض. فهم يتفقون على أنه كلما كانت النافلة تشبه الفريضة أكثر فتكون أفضل لكن يختلفون في مناط التشبيه.
فبعضهم يقول: الإجتماع.
وبعضهم يقول: الوجوب.
بهذا نكون أخذنا قولين في مسألة أي النوافل أفضل.
= القول الثالث: أن سنة الفجر أفضل مطلقاً بدون نظر للمناط:
- لمحافظة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها في السفر والحضر.
- ولأنه ذكر - رحمه الله - أن ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها.
= القول الرابع: أن صلاة الوتر هي أفضل النوافل.
- كم صارت الأقوال؟ - أربعة.
والراجح - والله أعلم - أن أفضل النوافل هي صلاة الليل. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - - في الحديث الذي أخرجه مسلم - (أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل).
فهذا نص صريح في التفضيل.
والقول بأن الأفضلية مناطها الوجوب هو اختيار شيخ الاسلام - رحمه الله -.
(1/475)
________________________________________
وإذا أردنا أن نجمع بين ما اختاره شيخ الاسلام وما ذكرت أنه هو الراجح: فنقول: أن الترتيب كالتالي: صلاة الليل - ثم الكسوف - ثم الوتر - ثم الاستسقاء - ثم التراويح.
هذا القول يجمع بين القولين.
• قال - رحمه الله -:
آكدها: كسوف.
أخذنا ما يتعلق به.
•
ثم قال - رحمه الله -:
ثم استسقاء.
ذكر المؤلف أن الكسوف آكد من الاستسقاء.
والتعليل عند الحنابلة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخل بصلاة الكسوف عند وجود سببها. بخلاف الاستسقاء فقد يوجد سببه ولا يصليه. فإنه - رحمه الله - يصلي تارة ويدع تارة فمن هذه الجهة صارت صلاة الكسوف آكد من صلاة الاستسقاء.
• قال - رحمه الله -:
ثم تراويح.
صلاة التراويح: تأتي في المرتبة الثالثة: لأنه يشرع لها أن تصلى جماعة.
• ثم قال - رحمه الله -:
ثم وتر.
الوتر في المرتبة الرابعة: عند الحنابلة لأنه لا يشرع لها أن تصلى جماعة إلا إذا كانت مع صلاة التراويح فقط.
صلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح سيخصص المؤلف في الكلام عليها من حيث الحكم والصفة وكل ما يتعلق بهذه الصلاة وسيأتي الحديث عن ذلك عند ذكر المؤلف له. بينما الوتر فنلاحظ أن المؤلف - رحمه الله - شرع في تفصيل أحكامه هنا لأنه لن يأت الكلام هليه فيما بعد.
فنقول الوتر: اسم للركعة المنفصلة عما قبلها وللثلاث وللخمس وللسبع وللتسع إذا صليت متصلة وإذا فصلت صارت الوتر الركعة الأخيرة.
هذا التعريف مذهب لبعض الفقهاء واختاره ابن القيم - رحمه الله -.
= القول الثاني: أن الوتر هو اسم لمجموع صلاة الليل. وهذا القول اختاره إسحاق بن راهويه - رحمه الله - - وهو كما تعلمون من أئمة فقهاء الحديث ومعاصر للإمام أحمد - رحمه الله -.
واستدل:
1 - بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر له ماصلى) فأخبر - رحمه الله - أن الركعة الأخيرة أصبحت مع ما قبلها وتر.
2 - وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أوتروا يا أهل القرآن).
وقال: إن المقصود بالحديث صلاة الليل وليس المقصود الركعة الأخيرة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث يحث على صلاة الليل لا على ركعة واحدة.
ففي هذا الحديث تسمية صلاة الليل وتراً.
(1/476)
________________________________________
وهذا القول في الحقيقة جيد وقوي: أن الوتر اسم لمجموع صلاة الليل.
•
ثم قال - رحمه الله -: - مبيناً وقت صلاة الوتر -.
ويفعل بين العشاء والفجر.
الوتر له وقت محدود كالفرائض يبدأ من بعد صلاة العشاء وينتهي بطلوع الفجر وهذا مذهب الحنابلة بل مذهب الجمهور.
واستدلوا: - بحديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: (كان رسول الله - رحمه الله - يصلي ما بين أن يفرغ من العشاء إلى طلوع الفجر إحدى عشرة ركعة).
- واستدلوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أوتروت قبل أن تصبحوا).
فإن صلى الوتر قبل أن يصلي العشاء ولو نسياناً أعاد.
وإن جمع صلاة العشاء إلى صلاة المغرب جمع تقديم جاز له أن يوتر قبل دخول وقت العشاء على الصحيح. أن الحديث علق جواز صلاة الوتر بصلاة العشاء والجامع قد صلى صلاة العشاء.
= والقول الثاني: وهو مذهب المالكية أن الوتر له وقت جواز ووقت ضرورة:
- فوقت الجواز ينتهي: بطلوع الفجر.
- ووقت الضرورة ينتهي: بأداء صلاة الفجر.
أي أن الوقت ما بين طلوع الفجر إلى أداء صلاة الفجر يعتبر وقت ضرورة والصلاة فيه أداء وليست قضاء.
واستدلوا: - بأنه روي عن عدد كبير من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم صلوا وأفتوا من يصلي بعد طلوع الفجر مالم يصل صلاة الفجر.
وهذا القول رواية عن الإمام أحمد وأفتى به.
= والقول الثالث: أن ما بين طلوع الفجر إلى أداء صلاة الفجر وقت للقضاء. ثم إذا صلى الفجر فلا يمكن أن يقضى الوتر.
واستدلوا بأمرين:
- الأول: الآثار المروية عن الصحابة - التي استدل بها أصحاب القول الثاني.
- الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فاته الوتر صلاه من النهار اثنى عشرة ركعة. قال شيخ الاسلام: وكونه يصلي اثنتي عشرة ركعة دليل على أنه لا يصليها قضاء ولو كانت قضاء لصلاها على صفتها.
الراجح هو: القول الثالث. وممن اختاره من المحققين ابن قدامة - رحمه الله -.
بناء على هذا نقول: أن صلاة الوتر يستمر وقتها إلى طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فالوقت ما بين طلوع الفجر إلى أداء صلاة الفجر يعتبر وقت قضاء فإذا صلى الفجر فلا يمكن أن يقضي صلاة الوتر.
(1/477)
________________________________________
هذا القول في الحقيقة تجتمع به الأدلة مع أني أقول أن القول الثاني قول قوي وأنها أداء لكنها ضرورة ويشعر الإنسان إذا قرأ الآثار أن هذا القول قوي وفي الباب أحاديث كثيرة نحو سبعة أحاديث لكن في أسانيدها ضعف وإلا فهي أيضاً تقوي القول الثاني.
لكن نقول: القول الثالث وسط بين القولين فيكون هو الراجح إن شاء الله.
بقينا في مسألة: وهي: حكم صلاة الوتر:
= ذهب الجماهير والجم الغفير من أهل العلم واختاره ابن حزم وابن عبد البر وغيرهما من المحققين إلى أن صلاة الوتر سنة مؤكدة وليست من الواجبات.
أما أنها سنة: أي أنها مشروعة. محل إجماع والأحاديث فيه كثيرة.
وأما أنها ليست واجبة فلدليلين:
- الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه أنه كان يوتر على راحلته والفرائض لا تؤدى على الراحلة.
- الثاني: أن الأعرابي الذي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عما يجب عليه أخبره بوجوب الخمس صوات في اليوم والليلة فقال هل عليَّ شيء غيرها؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا. إلا أن تطوع. فهذا نص على أن الصلوات اليومية ليس فيها شيء واجب إلا الخمس.
= والقول الثاني: للأحناف أن الوتر واجب - لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا خاف أحدكم الصبح فليوتر بواحدة) واللام للأمر.
= والقول الثالث: أن صلاة الوتر واجبة في حق من يتهجد من الليل فقط. فإذا قام الإنسان يصلي صلاة الليل فإنه يجب عليه وجوباً على هذا القول أن يوتر فإن لم يوتر فهو آثم.
وهذا اختيار شيخ الاسلام.
ودليله: أن في هذا القول جمع بين الأدلة. فإن قوله - رحمه الله -: (إذا خاف أحدكم الصبح) موجه لمن قام الليل. فنستعمل الحديث فيمن قام ويبقى من نام فلا تجب عليه الوتر.
ومع ترجيح القول الثالث إلا يبقى أن صلاة الوتر متأكدة جداً وأن الإمام أحمد يقول: من تركها فهو رجل سوء لا تقبل شهادته.
تبين الآن تعريف الوتر وحكم الوتر ووقت الوتر. ثم انتقل - رحمه الله - إلى العدد.
•
فقال - رحمه الله -:
وأقله ركعة.
يعني أقل الوتر ركعة ويجوز أن يوتر بركعة بلا كراهة.
= وهذا مذهب الإمام أحمد. - لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صلاة الوتر ركعة آخر الليل).
(1/478)
________________________________________
- ولأنه ثبت عن عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو بكر
وعمر وعثمان أنهم صلوا الوتر ركعة واحدة.
فبناءً على هذه الأدلة نقول: أن الوتر بركعة واحدة جائز بلا كراهة.
= والقول الثاني: أن الوتر بركعة مكروه إذا لم يكن بعذر. وهو رواية عن أحمد.
= والقول الثالث: أنه محرم. لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - (نهى أن يوتر الرجل بركعة واحدة).
والصواب القول الأول وهذا الحديث ضعيف وممن ضعفه ابن حزم والحافظ العراقي والحافظ ابن القطان رحمهم الله فهؤلاء ثلاثة من الأئمة ضعفوا هذا الحديث ولا شك أنه حديث منكر مخالف للأحاديث الصحيحة ومخالف لعمل أئمة الصحابة.
إذاً قوله: وأقله ركعة دل على جواز الإيتار بركعة وأنه لا يكره. وأخذنا الخلاف فيه.
• قال - رحمه الله -:
وأكثره إحدى عشرة، مثنى مثنى، ويوتر بواحدة.
هذه ثلاثة أمور:
- أكثره إحدى عشرة.
- ويصلى مثنى مثنى.
- ويوتر بواحدة.
أي أن السنة أن لا يزيد الإنسان على إحدى عشرة ركعة وأن يسلم بين كل ركعتين وإن يوتر بواحدة منفصلة. فهذه هي السنة وهي متركبة من هذه الثلاثة أمور.
الدليل على هذه الأحكام جميعاً: - حديث عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة) هذا لفظ مسلم.
وتلاحظ أن هذا اللفظ يتوافق تماماً مع مذهب الحنابلة.
- مسألة: ثبت عن ابن عباس وعن عائشة بأحاديث صحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوتر بثلاثة عشرة ركعة.
والفقهاء اختلفوا في التوفيق بين حديث عائشة. وبين حديث ابن عباس وحديثها - رضي الله عنها - الثاني على عدة أقوال: وهذه الأقوال الغرض منها التوفيق بين الحديثين.
= القول الأول: وهو مذهب لبعض الفقهاء ونصره ابن القيم. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي إحدى عشرة ركعة وأن الركعتين هما ركعتي الفجر.
واستدل بما ثبت عن ابن عباس - أنه جعل ركعتي الفجر من جملة الثلاثة عشرة ركعة.
(1/479)
________________________________________
= القول الثاني: وهو أيضاً لبعض الفقهاء ومال إليه الحافظ ابن حجر أن الركعتين هما الركعتان الخفيفتان اللتان كان يصليهما النبي - صلى الله عليه وسلم - أول صلاة الليل. فإنه جاء في الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين.
فالحافظ ابن حجر يقول: هاتان الركعتان هما زائدتان على إحدى عشرة ركعة.
واستدل على هذا بما ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - رحمه الله - كان يصلي ثلاثة عشرة ركعة ثم يصلي ركعتي الفجر فدل هذا الحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ثلاثة عشرة ركعة كاملة سوى ركعتي الفجر.
= القول الثالث: للتوفيق بينها: أن هذا:
- يحمل على الجواز وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي تارة إحدى عشرة ركعة وتارة ثلاثة عشرة ركعة.
- ويحمل أيضاً على النشاط فإذا كان الإنسان يصلي نشيطاً زاد وإذا لم يكن نشيطاً فلا يزيد.
وهذا ما مال إليه الحافظ بن نصر في كتابه قيام الليل.
والأقرب والله أعلم. أن الأعم الأغلب من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يصلي إحدى عشرة ركعة وعلى هذا تدل النصوص عن عائشة التي كانت في بيته - رحمه الله - وتعرف صلاته وأن كان يصلي أحياناً ثلاثة عشرة ركعة.
فالأقرب القول الثالث. أن هذا فقط لبيان الجواز. ولكن يضاف لكلمة بيان الجواز: أن الأغلب من حاله - رحمه الله - أنه يصلي إحدى عشرة ركعة.
وبهذا عرفنا مسألة أن أكثره أحدى عشرة وأنه مثنى مثنى وأنه يوتر بواحدة.
ثم انتقل المؤلف إلى صفة ثانية من صفات قيام الليل الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
•
فقال - رحمه الله -:
وإن أوتر بخمس أو سبع: لم يجلس إلاّ في آخرها.
= نأخذ أولاً: الإيتار بخمس: - صفته: أن يصلي الخمس سرداً ولا يجلس في شيء منها إلا في الأخيرة ثن يتشهد ويسلم.
وهذه الصفة للإيتار بخمس من مفردات مذهب الحنابلة فإنه لم يوافقهم عليها أحد.
واستدلوا:
- بحديث أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بخمس وسبع لا يجلس إلا في آخرهن.
- وبحديث عائشة - رضي الله عنها - وهو نحو حديث أن سلمة إلا أنها نصت على أنه لا يجلس في شيء من الركعات.
(1/480)
________________________________________
وهذه الصفة وإن كانت من المفردات فهي صفة صحيحة ثابتة في النصوص ولا يضير الحنابلة أنهم تفردوا بها.
ثم هذه الصفة - وهي الإيتار بخمس - ثابتة عن عدد من الصحابة.
فدلت عليها الآثار المرفوعة والموقوفة - ولله الحمد. فإذاً هي من مناقب الإمام أحمد.
= ثانياً: الإيتار بسبع: عند الحنابلة له صفتان:
- الصفة الأولى: وهي المذهب أن يوتر كما في الخمس: بأن يصلي السبع سرداً لا يجلس إلا في آخر ركعة ثم يتشهد ويسلم.
ودليلها: حديث أم سلمة السابق وهو حديث صحيح.
- الصفة الثانية: وهي قول للحنابلة: بل إن ابن القيم لم يذكر إلا هذه الصفة - الثانية - فلم يذكر الصفة التي هي المذهب:
وهي: أن يصلي ستاً ثم يجلس السادسة ويتشهد ولا يسلم ثم يقوم ويصلي السابعة ثم يجلس ويتشهد ويسلم.
فالفرق بين الصفة الثانية والصفة الأولى هو: الجلوس في الركعة السادسة.
الدليل: أنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أوتر بسبع جلس فيها في السادسة ولم يسلم ثم جلس في السابعة تشهد وسلم.
فعرفنا الآن التفصيل في كيفية صلاة الخمس وفي كيفية صلاة السبع.
•
ثم قال - رحمه الله -:
وبتسع: يجلس عقب الثامنة ويتشهد ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم.
الإيتار بتسع على هذه الصفة من مفردات الحنابلة أيضاً.
وصفة الإيتار بتسع: كصفة الإيتار بسبع تماماً: فيصلي ثمان ركعات يجلس في الثامنة ويتشهد ولا يسلم ثم يجلس في التاسعو ويتشهد ويسلم.
الدليل: على هذه الصفة أنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أوتر بتسع جلس في الثامنة منهن ولم يسلم ونهض ثم جلس في التاسعة وتشهد وسلم.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بتسع والسبع على هذه الصفة التي فيها الجلوس في السادسة لما كبر وأخذه اللحم - رحمه الله - فقد صرحت عائشة - رضي الله عنها - أنه كان يوتر بسبع مع الجلوس في السادسة لما كبر وأخذه اللحم ولما صار يتعب - رحمه الله - فصار يوتر بهذه الصفة.
الصفة الثانية للإيتار بتسع: أن يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة. ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة. هذه الصفة ذكرها الحنابلة.
(1/481)
________________________________________
الدليل: ليس لهذه الصفة دليل خاص بالنسبة للتسع لكن لها دليل عام وهو: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم من الصبح فليوتر بواحدة).
قإذا أخذنا بهذا الحديث وأراد الإنسان أن يصلي بتسع على هذه الصفة فهو أمر جائز لكن ينبغي أن يعلم الإنسان أن صلاة التسع بهذه الصفة لم تأت بالسنة فليس لها دليل خاص إنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الإحدى عشرة بهذه الصفة.
فعرفنا الآن الخمس والسبع والتسع وبهذا نتهى الكلام عن صفات صلاة الليل.
• ثم قال - رحمه الله -:
وأدنى الكمال: ثلاث ركعات بسلامين.
هاتان مسألتان:
المسألة الأولى: أن أدنى الكمال. أن يصلي الإنسان ثلاث ركعات. والدليل على هذا قوله - رحمه الله - في حديث أبي أيوب -: (من أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل).
فتبين من هذا الحديث أن أقل الكمال ثلاث ولا نقول واحدة لأن الواحدة هي المجزئة سواء قلنا الوتر سنة أون واجب لكن نقول أقل الكمال ثلاث.
هذا الحديث الإشكال فيه أن الحافظ النسائي والحافظ أبو حاتم والحافظ الدارقطني وغيرهم حكموا عليه بالوقف وأنه لا يصح رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحكمهم رحمهم الله على الحديث أنه موقوف حكم صحيح. فإن هذا الحديث موقوف على أبي أيوب - لكن مع ذلك هو يصلح للإستشهاد وغاية ما هنالك أنه فتوى وإذا كان ليس في الباب ما يدل على أدنى الكمال إلا فتوى عن الصحابي الجليل أبي أيوب - فكفى بها ونأخذ بها ولا تتعارض من أصل ولا مع نص آخر ولا مع فتوى أخرى لغيرة من الصحابة.
المسألة الثانية: قوله: بسلامين.
= يعني: أن أدنى الكمال أن يوتر الإنسان بثلاث يفصل بينهما بسلامين فيصلي ركعتين ويسلم ثم يصلي ركعة ويسلم أي أن السنة في الثلاث الفصل لا الوصل.
والدليل على هذا حديث عائشة - رضي الله عنها -: أنه يسلم بين كل ركعتين ثم يوتر بواحدة.
= والقول الثاني: أن الأفضل الوصل بأن لا يجلس إلا في الثالثة وهذا مذهب الأحناف.
(1/482)
________________________________________
والدليل عندهم: حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من الليل فيصلي أربعاً لا تسألة عن حسنهن وطولهن ثم أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يوتر بثلاث.
فقال أبو حنيفة: ظاهر هذا النص أن الثلاث بتسليمة واحدة.
الراجح: مذهب الحنابلة أن الأفضل الفصل مع جواز الوصل. قال الإمام أحمد - رحمه الله -: هو - يعني الفصل أكثر وأقوى في حديث رسول الله - رحمه الله -. يعني أن الأحاديث التي فيها الفصل أكثر وأصح وأشهر من الأحاديث التي فيها الوصل.
مسألة: فإذا أراد الإنسان أن يوتر بثلاث متصلة فإنه ينهى عن أن يجلس في الثانية ويتشهد ثم يقوم إلى الثالثة لأنه النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن نشبه الوتر بصلاة المغرب.
فإذاً الأفضل: الفصل بأن يسلم من الثانية فإن أراد أن يصلي أحياناً بالوصل فإنه لا يجلس في الثانية.
انتهى الدرس،،،
(1/483)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
• قال رحمه الله:
يقرأ في الأُولى: ((بِسَبِّحِ))، وفي الثانية: ((بِقُلْ يَا أَيُّهَا))، وفي الثالثة: ((بِالإِخْلاَصْ)).
أي أن السنة لمن أراد أن يصلي الثلاث ركعات الأخيرة أن يقرأ هذه السور في هذه الثلاث ركعات.
والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه السور الثلاث: حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يقرأ هذه السور في الركعات الثلاث الأخيرة).
وهذه سنة ثابتة ولا إشكال فيها.
ثم بدأ المؤلف بذكر أحكام القنوت:
• فقال رحمه الله:
ويقنت فيها بعد الركوع.
القنوت فيه أحكام كثيرة ومسائل عديدة:
- المسألة الأولى: تعريفه: القنوت هو: الدعاء في الصلاة في مكان مخصوص من القيام.
- المسألة الثانية: قوله رحمه الله: (ويقنت) ظاهره أن القنوت يكون في كل السنة وفي كل ليلة.
= وهذا هو مذهب الحنابلة فإنهم يرون أن المشروع للإنسان أن يقنت كل السنة في كل ليلة.
واستدلوا:
(1/484)
________________________________________
- بحيث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يقنت قبل الركوع). وظاهر هذا الحديث أنه كان في كل السنة.
- وبحديث دعاء القنوت الذي ورد عن الحسن بن علي رضي الله عنه الذي كان يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن. وأيضاً: ظاهره أنه كان في كل السنة.
وهذان الحديثان ضعيفان.
= القول الثاني: أن المشروع في القنوت أن يكون في النصف الأخير من رمضان فقط.
استدلوا على هذا القول بعدة أدلة - نأخذ بعضها:
- الدليل الأول: ـ أنه صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لم يكن يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان.
- الدليل الثاني: ـ قال الحسن البصري رحمه الله: كانوا لا يقنتون إلا في النصف الأخير من رمضان. ومراده بكانوا: أي الصحابة رضي الله عنهم.
- الدليل الثالث: ـ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أمر أبي بن كعب أن يصلي بالناس أن يقنت في النصف الأخير من رمضان.
الدليل الأول والثاني ثابتان. أما الدليل الثالث فضعيف.
= القول الثالث: أنه لا يشرع أن يقنت الإنسان أبداً.
استدلوا على هذا القول: - بأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد أنه قنت.
قال الإمام أحمد رحمه الله: " لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت لا قبل الركوع ولا بعد الركوع ".
القول الراجح: أن هذا الأمر واسع: فمن أراد أن يقنت أحياناً ويدع أحياناً أو أراد أن يقنت في كل رمضان أو أراد أن يقنت في كل السنة أو أراد أن يدع القنوت وأن القنوت وعدمه كالقول في عدد الركعات - كما سيأتينا - أن الأمر فيه واسع.
فهذا هو القول الراجح.
ويليه في القوة: القول بأنه لا يشرع القنوت أبداً إلا في النصف الأخير من رمضان. فهو في اتلحقيقة قول قوي جداً والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم فيه ثابتة وهي ذات دلالة قوية.
(1/485)
________________________________________
واختار هذا القول من المحققين الأعلام الحفاظ: الأثرم رحمه الله: وهو: من كبار تلاميذ الإمام أحمد فهو حافظ وعالم كبير وكان رحمه الله يحب الإمام أحمد حبَّاً عظيماً وكان يعظم الإمام ولذلك ذكر في ترجمته أنه جلس في مجلس الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام فتذاكروا مسألة فقال الأثرم: القول فيها كذا وكذا فقال رجل من الجالسين: قول من هذا؟ فالتفت إليه الأثرم وقال: هذا قول من ليس في المشرق ولا في المغرب أكبر منه هذا قول الإمام أحمد. فالتفتوا إلى أبي عبيد القاسم بن سلام فقال أبو عبيد: صدق. يعني أنه بهذا الشأن.
نقول: الأثرم رحمه الله اختار أنه لا يشرع القنوت إلا في النصف الأخير من رمضان.
مع القول أن الأمر في القنوت واسع إلا أني أجزم أنه:
- لا ينبغي أبداً المداومة على القنوت في السنة.
- وأنه لا ينبغي المداومة على القنوت في رمضان.
فإن هذا خلاف السنة فقد تقدم معنا الآن أنه لم يأت حديث صحيح مطلقاً في أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت. لكن صح عن ابن عباس وعمر وابن مسعود أنهم رضي الله عنهم قنتوا.
ولذلك نقول: أن القنوت في الجملة مشروع. لكن من الخطأ أن يداوم عليه سواء في أثناء السنة أو في رمضان فإنه خلاف السنة.
فعرفنا الآن تعريف القنوت ومشروعيته.
- المسألة الثالثة: = ذهب الحنابلة إلى أن القنوت يكون بعد الركوع.
واستدلوا على هذا: - بحديث أنس وبحديث أبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يقنت بعد الركوع) في قنوت النوازل وإلا فقد تقدم معنا أنه لم يثبت شيء في قنوت الوتر. وهذين الحديثين في الصحيح.
= القول الثاني: أن المشروع أن يقنت الإنسان قبل الركوع.
واستدلوا على هذا: - بحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يقنت قبل الركوع). وتقدم معنا أن هذا الحديث ضعيف.
والراجح: أن الأولى أن يقنت الإنسان بعد الركوع وإن قنت قبله فجائز لأنه صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قنت قبل الركوع.
وهذا القول - الثالث - تجتمع به الأدلة والآثار.
• قال رحمه الله:
فيقول:.
قوله: (فيقول). أيضاً تتعلق به عدة مسائل:
(1/486)
________________________________________
- المسألة الأولى: أنه يقول ذلك جهراً بالإجماع إن كان: إماماً. ويؤمن المأموم بلا دعاء.
ـ وأما المنفرد: = فعند الحنابلة: أن المشروع في حقه أن يجهر بدعاء القنوت.
= والقول الثاني: أن المشروع في حق المنفرد أن لا يجهر بالدعاء.
وهذا القول - الثاني - هو الصواب.
فتحصل من هذا أن الإمام يجهر والمأموم يؤمن بلا دعاء وأن المنفرد يدعو بلا جهر.
- المسألة الثانية: أن المشروع في الدعاء أن يرفع يديه وهذا داخل في قوله: (اللهم اهدني فيمن هديت).
ورفع اليدين سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء النوازل لأنه لم يثبن أنه صلى الله عليه وسلم دعا دعاء القنوت.
وأما دعاء القنوت فقد ثبت عن ابن عباس وابن مسعود أنهما رضي الله عنهما كانا يرفعان الأيدي في قنوت الوتر.
إذاً رفع اليدين:
- ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت النوازل.
- ثابت عن الصحابة في قنوت الوتر.
فهو سنة ثابتة ولله الحمد.
• قال رحمه الله:
((اللَّهمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ...
هذا الدعاء هو الدعاء الذي كان يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي ولو كان ثابتاً لكان في موضوع قنوت الوتر سنة قولية دون السنة الفعلية لكن تقدم معنا أن حديث الحسن بن علي رضي الله عنه وتعليم النبي صلى الله عليه وسلم له الوتر أنه ضعيف.
فلم يثبت في السنة العملية ولا القولية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الوتر.
وظاهر قوله: (فيقول: اللهم اهدني) أن المشروع في حق المصلي إذا أراد أن يقنتن في الوتر أن يبدأ بهذه العبارة فيقول اللهم اهدني فيمن هديت.
= وهذا هو مذهب الحنابلة: أن المروع أن يبدأ بقول: اللهم اهدني فيمن هديت.
= والقول الثاني: أن المشروع أن يبدأ بقوله: (اللهم إنا نستعينك نستغفرك ونستهديك).
واستدلوا على ذلك بأن البيهقي أخرج أثراً صحيحاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يبدأ دعاء قنوت الوتر بهذا. وهذا الأثر صحيح. وقد ذكره البيهقي في سننه وصححه رحمه الله.
والقول الثاني: أقرب باعتبار أنه ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان يدعو بهذا الدعاء.
• قال رحمه الله:
فيقول: (اللهم اهدني فيمن هديت).
(1/487)
________________________________________
الهداية: هي الإرشاد والدلالة. وتنقسم إلى قسمين:
1 - هداية خاصة بالله. وهي: هداية التوفيق.
2 - هداية عامة. تكون من الله وتكون من الرسل وتكون من عامة الخلق. وهي: هداية الإرشاد.
قال: (وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ).
طلب العافية من الله يشمل:
- العافية في الدين.
- والعافية في الدنيا.
- والعافية في الآخرة.
ويشمل أيضاً:
- العافية من أمراض القلوب. وهي المقصود الأساس في هذا الحديث.
- والعافية من أمراض البدن. وهي أيضاً مقصودة في هذا الحديث.
فجميع هذه الأنواع داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم: (وعافني فيمن عافيت).
ثم قال: (وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ).
الولاية يقصد بها أحد أمرين:
- إما أن يقصد بها الولي وهو: القرب. فالرجل الذي يليك فهو قريب منك.
- أو يقصد بها التولي فتكون بمعنى: النصرة والإعانة والرعاية.
والولاية الشرعية تنقسم إلى قسمين:
- ولاية عامة. تشمل جميع الخلق.
- ولاية خاصة. تشمل المؤمنين فقط. كما قال تعالى {الله ولي الذين آمنوا}.
ويمكن أن نقول بقسم ثالث وهي:
- ولاية خاصة الخاصة. وهي التي تشمل أولياء الله الخاصين القريبين منه بأعمالهم والبعيدين عن الذنوب.
قال: (وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ).
البركة: - في التعريف المشهور - هي: النماء والزيادة.
وعرفت بتعريف آخر جميل - فيما أرى -: وهو قولهم: البركة هي: حلول الخير الإلاهي في الشيء. فإذا بارك الله في الشيء عَمَّ نفعه وزاد ونما.
ويلاحظ من قوله (وبارك لي فيما أعطيت) أن الحديث عام لم يقيد العطاء بشيء: فيشمل ما أعطى الله من الإيمان ومن المال ومن الولد ومن العلم ومن العمل الصالح ومن كل خير يعطيه الله سبحانه وتعالى للعبد.
قال: (وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ).
يقصد بشر ما قضى الله: أي باعتبار المخلوق. أي شر مقضيك. فالشر في قضاء الله يكون باعتبار الخلق.
أما قضاء الله الذي هو فعل الله فهو كله خير. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والشر ليس إليك).
فما يصيب الإنسان من مرض وفقر وآلام فهي شر بالنسبة للإنسان ولكنها خير في حكمة الله وشرعه وأفعاله لأنها شرعت لحكم أرادها الله سبحانه ىوتعالى.
قال: (إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ).
(1/488)
________________________________________
يعني: أن القضاء والتدبير إلى الله سبحانه وتعالى وحده كما قال تعالى: {والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير}.
ثم قال: (إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ).
المقصود بقوله: (لا يذل): أي لا يغلب ولا يقهر وإنما يبقى عزيزاً منتصراً من والاه الله.
والمقصود بقوله: (من واليت): أي: الولاية الخاصة وليست الولاية العامة.
قال: (وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ).
يعني: أنه يذل ويقهر ويغلب من عادى الله سبحانه وتعالى.
قال: (تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ).
البركة: تقدم الكلام عليها.
وتعاليت: العلو بالنسبة لله ينقسم إلى قسمين:
- علو ذات. وهو عال فوق عرشه فوق سماواته سبحانه وتعالى.
- علو صفات. أي أن له الكمال المطلق في صفاته سبحانه وتعالى.
هذا فيما يتعلق بشرح الحديث الي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي وهو دعاء قنوت الوتر.
وهذه التعليقات اليسيرة تناسب متناً من متون الفقه وقد تكلم عليها الفقهاء والشراح كلاماً كثيراً وممن تكلم عليها ابن القيم رحمه الله بكلام سديد وواسع وجيد يحسن بطالب العلم الرجوع إليه.
ولكن كما تقدم معنا مراراً أن لكل مقام مقال وأنه في كتب الفقه تتناول القضية بما يتناسب مع متن من متون الفقه حتى لا نخرج من الفقه إلى شرح الأحاديث.
ثم انتقل المؤلف إلى الدعاء الآخر.
• فقال رحمه الله:
(اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لاَ نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ).
هذا الدعاء جاء عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء.
وهذا الحديث صححه المتأخرون. وظاهر تصرف الإمام الدارقطني والإمام أبو حاتم أيضاً تصحيح هذا الحديث فقد ذكروه في العلل ولم يُعِلُّوهُ بشيء.
قال: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك). الرضا والسخط صفتان من صفات الله سبحانه وتعالى ثابتتان في النصوص الصحيحة ويجب الإيمان بهما.
وهذا الدعاء من التوسل بأسماء الله وصفاته وهو باب من أعظم أبواب الدعاء.
(1/489)
________________________________________
قال: (وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ).العفو هو: محو الذنب وعدم المؤاخذة عليه.
والعقوبة هي: المؤاخذة على الذنب.
قال: (وَبِكَ مِنْكَ).هذا من الاستعاذة بالله منه فهو نوع من اللجوء إلى الله والإعلان بالعجز.
قوله: (لاَ نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ َأنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ). في هذه العبارة رداً للعلم إلى الله سبحانه وتعالى وأن من الثناء على الله مالا يعلمه الخلق وأن الثناء على الله محبوب إليه سبحانه وتعالى.
قال: (اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ). أي أنه يشرع في دعاء قنوت الوتر أن يختم الإنسان دعاءه بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
والدليل على ذلك:
1 - أنه جاء في بعض ألفاظ حديث الحسن بن علي رضي الله عنه الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم لكن ذكر الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الحسن رضي الله عنه لو سلمنا حسنه فهي ضعيفة فلفظ الصلاة أضعف من أصل الحديث فلا يثبت أبداً ذكر الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة في دعاء القنوت سواء في ذلك الأحاديث الضعيفة أو الأحاديث التي حسنها بعض المتأخرين فإنها على الصواب ضعيفة كحديث الحسن رضي الله عنه.
2 - العمومات. قالوا: أنه جاءت العمومات بالدلالة على أن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم يختم بها الدعاء ودعاء القنوت لا يخرج عن أن يكون دعاء وإن كان في الصلاة.
والراجح: أن الأمر في هذا واسع. لأنه جاء في بعض الآثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلو دعا الإنسان ثم ختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا فعل مشروع ولا بأس به على أن العز بن عبد السلام يرى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت فعل غير مشروع لكن الأقرب أنه لو فعله الإنسان فلا بأس وإن تركه فلا بأس.
(1/490)
________________________________________
ثم قال: (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ). آل محمد: لم يرد ذكر الآل في الأحاديث مطلقاً لا الصحيحة ولا الضعيفة ولا في أي رواية مطلقاً لكن استدلوا على ذلك بالعمومات أيضاً أنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وصلي عليه فإنه يذكر معه غالباً الآل. والصلاة على الآل ذكرها المؤلف وهي مذهب الحنابلة ومروعة عندهم.
= والقول الثاني: أن ذكر الآل لا يشرع لأنه لم يرد لا في حديث صحيح ولا ضعيف.
• ثم قال رحمه الله:
ويمسح وجهه بيديه.
= ذهب الحنابلة إلى أن المصلي إذا انتهى من دعاء الوتر فإنه يشرع له أن يمسح وجهه بيديه. ويرون أن مسح الوجه بعد الدعاء مشروع في الصلاة وخارجها.
واستدلوا على هذا بعدة آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم ورد فيها مسح الوجه بعد الدعاء.
= والقول الثاني: أن مسح الوجه مشروع خارج الصلاة ولا يشرع داخلها. لأن الآثار التي فيها مسح الوجه ليس فيها تقييد ذلك بالصلاة.
= والقول الثالث: أن مسح الوجه لا يشرع لا في الصلاة ولا خارجها. وهو رواية عن الإمام أحمد واختارها شيخ الاسلام.
وهذا القول الثالث هو القول الصحيح. لأن الأحاديث كلها ضعيفة. وعليه مسح الوجه لا يشرع لافي الصلاة ولا خارجها.
تنبيه:
أولاً: أشار البيهقي إلى أن القول بمسح الوجه داخل الصلاة أضعف من القول بمسح الوجه خارج الصلاة. فهذا ينبغي أن يعلم.
ثانياً: أحاديث مسح الوجه ذكرت أنها ضعيفة وبناء عليه لا يشرع أن يمسح الوجه لا داخل الصلاة ولا خارجها لكن يجب أن تعلم أن هذه الأحاديث صححت من قبل طائفة من أهل العلم على رأسهم الحافظ بن حجر رحمه الله فإنه يرى أن مجموع الأحاديث حسن. بناء على ذلك التشديد في هذه المسألة فيما أرى ليس بوارد.
فباعتبار أن أحاديث مسح الوجه قابلة للتحسين وممن حسنها إمام من الأئمة المتأخرين هو الحافظ رحمه الله وبعض الناس قد يمسح وجهه بعد الدعاء آخذاً بقول الفقهاء فلا يشدد في هذا لقوة الخلاف وإنما يرشد من يمسح إلى أن السنة أن لا يمسح.
• ثم قال رحمه الله:
ويكره: قنوته في غير الوتر.
ينقسم القنوت إلى ثلاثة أقسام: - ولا رابع لها.
- القسم الأول: قنوت الوتر.
- القسم الثاني: قنوت النوازل.
(1/491)
________________________________________
- القسم الثالث: قنوت الفجر.
فمقصود المؤلف بقوله: ويكره: قنوته في غير الوتر: هو قنوت الفجر. أي أنه يريد أن يبين أنه لا يشرع أن يقنت الإنسان في الفجر.
= وهذا هو مذهب الحنابلة وهو أيضاً مذهب الأحناف.
واستدلوا على هذا:
1 - بالحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً ثم ترك القنوت.
2 - وأنه لو كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده يقنتون في صلاة الفجر دائماً وفي كل يوم لكان هذا مما يخفى وينقل نقلاً متواتراً.
= والقول الثاني: وهو المشهور عند الشافعية وهو قول للمالكية أنه يشرع أن يقنت الإنسان في صلاة الفجر في كل يوم.
واستدلوا على ذلك بحديث أنس رضي الله عنه أنه قال: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى قبض. وهذا الحديث نص في المسألة. إذ لا يمكن أن المقصود في هذا الحديث قنوت النوازل لأنه من المعلوم أنه لم تنزل بالنبي صلى الله عليه وسلم نوازل طيلة حياته. والراجح أن قنوت الفجر ليس بمشروع. وهذا اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية.
وأما حديث أنس رضي الله عنه فحديث ضعيف وممن ضعفه من الأئمة ابن التركماني رحمه الله - الذي وضع حاشية نفيسة على سنن البيهقي - وأيضاً ابن الجوزي. فهو حديث ضعيف.
وكل حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت وهو صحيح فإن المقصود به قنوت النوازل كما سيأتينا.
أما المداومة على قنوت الفجر الذي ليس بسبب النازلة فليس بمشروع.
وكما رأينا هي مسألة خلافية والشافعية والمالكية يرون أن هذا مشروع ويفعلونه في صلاتهم فينبغي أن يعلم طالب العلم أن المسائل التي فيها خلاف أن الأمر فيها واسعه مع وجوب بيان الحق لكن إذا كان ثَمَّ إمام من الأئمة يرى أن هذا هو الحق وأن مذهب الشافعية هو الصواب وقنت فلا تثريب عليه ولا يمنع هذا أن تبين له السنة ولذلك قال شيخ الاسلام يجب على المأموم أن يتابع الإمام في كل ما هو من مسائل الخلاف التي تقبل. ومثله: قنوت الفجر.
• ثم قال رحمه الله:
إلاّ أن ينزل بالمسلمين نازلة.
بدأ المؤلف في الكلام على قنوت النوازل.
وقنوت النوازل فيه عدة مسائل:
(1/492)
________________________________________
- المسألة الأولى: تعريف النازلة: النوازل هي: الشدائد التي تنزل بالمسلمين.
- المسألة الثانية: = ذهب الجماهير والخلفاء الأربعة ورجحه شيخ الاسلام وابن القيم أن قنوت النوازل مشروع إذا نزلت بالمسلين نازلة.
واستدلوا على هذا: بأحاديث كثيرة ثابتة في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم منها:
- أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب قتلوا جماعة من قراء الصحابة. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل جماعة من القراء في مهمة ثم مروا بهذا الحي من أحياء العرب فاستعدوا لقتالهم فقالوا: إنما بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فقاموا إليهم وقتلوهم. رضي الله عنهم وأرضاهم. وكان من شأنهم في الدعاء في هذه السفرة التي قتلوا فيها أنهم كانوا يحتطبون في النهار ويبيعون ويأكلون ويقومون الليل فكانوا سادة في العلم والعمل وحفظ القرآن ولذلك شَقَّ على النبي صلى الله عليه وسلم قتلهم فصار يدعو على من قتلهم لمدة شهر كامل.
= القول الثاني: أن دعاء النوازل لا يشرع. واعتبروا ما جاء في الأحاديث من قنوت الفجر.
والصواب أن قنوت النوازل مشروع والنبي صلى الله عليه وسلم قنت كما جاء في الأحاديث الصحيحة وصح أيضاً عن أبي بكر رضي الله عنه قنت في قتال مسيلمة الكذاب وصح أيضاً أن عمر رضي الله عنه قنت قنوتاً مشهوراً بين العلماء والفقهاء في قتال النصارى. وثبت كذلك أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قنت في ليلة صفين وفي قتال الخوارج. وثبت أن عثمان رضي الله عنه أيضاً قنت في بعض النوازل.
فلا شك مطلقاً في أن قنوت النوازل مشروع ومستحب بلا إشكال.
- المسألة الثالثة: أن قنوت النوازل غير واجب بإجماع الفقهاء.
•
ثم قال رحمه الله:
غير الطاعون.
أي أنه:= لا يشرع عند الحنابلة أن يقنت إذا كانت النازلة هي الطاعون.
والطاعون: مرض معروف فتاك يصيب بطن الإنسان وهو معد عداء شديداً وإذا وقع انتشر بين الناس وسبب موتاً كثيراً. استدل الحنابلة على أنه لايشرع دعاء النوازل إذا وقع الطاعون بين المسلمين بأمرين:
(1/493)
________________________________________
- الأول: أنه لما وقع طاعون عمواس في الشام ومات بسببه خيار وسادات الصحابة لم يقنت عمر رضي الله عنه ولا أحد من الصحابة رضي الله عنهم.
- الثاني: أنه ثبت في صحيح البخاري أن من مات بالطاعةن فهو شهيد. فكيف نسأل الله أن يرفع ما هو سبب في الشهادة.
= القول الثاني: أن القنوت إذا نزل الطاعون بين المسلمين مشروع.
استدلوا على هذا: بأن الطاعون من جملة النوازل التي تنزل بالمسلمين فيشرع له الدعاء والقنوت والابتهال إلى الله بأن يرفعه كما يشرع في باقي النوازل والشدائد التي تنزل بالمسلمين.
وفي الحقيقة المسألة فيها قوة وإشكال. لكن الذي يظهر لي بوضوح بعد التأمل أنه لا يشرع والعمدة في هذا فقط هو أن عمر رضي الله عنه مع أنه حزن جداً على الصحابة الذين في الشام وعلى رأسهم أبو عبيدة بن الجراح بل إنه بذل مساعي وحاولات كثيرة في إخراج هذا الصحابي الجليل من الشام مع ذلك كله لم يقنت رضي الله عنه أبداً مع أن هذا الطاعون أضر بجيش المسلمين الذين في الشام.
وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعه سادات الصحابة رضي الله عنهم وكبارهم لم يقنتوا مع وجود الطاعون فمن وجهة نظري بلا إشكال أنه لايشرع أن يقنت الإنسان إذا نزل الطاعون.
ننتقل من هذه المسألة إلى مسألة أخرى مهمة:
هل يشرع قنوت النوازل إذا أصيب الناس بمصائب كونية بتقدير الله؟ كالزلازل والبراكين والفيضانات. أو لا يشرع؟
أيضاً فيه خلاف: لكن على ضوء الكلام عن مسألة الطاعون فالأقرب أنه لا يشرع.
إذا ماهو الذي يشرع؟ الجواب: أن الذي يشرع ما كام بيد الإنسان مثل: الحروب. فإنها تقع بسبب الإنسان أما ما كان من الله فإنه لايشرع له قنوت النوازل ولذلك جميع الآثار عن الصحابة فيها القنوت في حال واحدة وهي الحرب والقتال فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قتل أصحابه وأبو بكر وعمر وعلي كلهم قنتوا في نوازل الحرب فقط.
• قال رحمه الله:
فيقنت الإمام في الفرائض.
هاتان مسألتان:
- المسألة الأولى: = عند الحنابلة: أنه لا يشرع أن يقنت إلا الإمام الأعظم فقط دون غيره إلا إن أذن للناس وأمرهم به. - ونحن نتكلم عن قنوت النوازل.
(1/494)
________________________________________
واستدلوا على هذا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت بالمسلمين نازلة وهي قتل القراء قنت هو صلى الله عليه وسلم وقد كان هو صلى الله عليه وسلم الإمام الأعظم.
= القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يقنت الإمام الأعظم وإمام الجماعة فقط أي دون المنفرد.
= القول الثالث: وهو الرواية الثالثة عن الإمام أحمد رحمه الله واختارها شيخ الاسلام أنه يقنت كل مصلي - لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
- ولأن النصوص في قنوت النوازل عامة لم تذكر هذا الشرط أنه لا يقنت إلا إمام المسلمين.
والراجح القول الثالث. وهو أنه يقنت كل مصلي على أني أقول: ينبغي أن لايقنت الإنسان إلا في جماعة لأننا لم نجد في النصوص والآثار قنوتاً للمنفردين إنما وجدنا فقط القنوت الجماعي فنقول: يحسن أن لا يقنت إلا إمام الجماعة. لكن لو قنت منفرد في بيته ففي منع ذلك نظر ظاهر لعدم وجود دليل على المنع.
- المسألة الثانية: في كل الفرائض:
أي أن المشروع أن يقنت الإنسان في جميع الفرائض. والدليل أنه ثبت في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الفجر وفي الظهر وفي المغرب وفي العشاء. ماذا بقي؟ القنوت في العصر لكنه ثبت بإسناد صحيح في مسند الإمام أحمد فلم يبق شيء من الفروض الخمسة.
- المسألة الثالثة: لا يشرع القنوت في صلاة الجمعة. وقد جاءت آثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تذم القنوت في الجمعة. التعليل: قالوا: اكتفاءً بالخطبة. فإذا أراد أن يدعو فيدعو في أثناء الخطبة.
- المسألة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في كل الفرائض ولكن كان الأغلب والأعم والأكثر على حاله صلى الله عليه وسلم أنه يقنت في صلاة الفجر. ذكر ذلك شيخ الاسلام وابن القيم. فالآثار فيها أن الغالب على حاله صلى الله عليه وسلم أن يقنت في صلاة الفجر مع جواز القنوت في باقي الفرائض.
(1/495)
________________________________________
وأقول - ينبغي إذا نزلت بالمسلمين نازلة وأراد الإنسان أن يقنت أن يقنت أحياناً في الصلوات السرية حتى يعلم الناس أن القنوت في الظهر والعصر أمر مشروع لاحرج فيه لأن كثيراً من الناس يظن أنه لايشرع القنوت إلا في المغرب والفجر فقط أو في الفجر فقط. نعم. الغالب على حاله صلى الله عليه وسلم الفجر لكن نقول السنة ثبتت في جميع الفروض فينبغي على الإنسان إحياء للسنة أن يقنت أحياناً في الظهر والعصر.
انتهى الدرس،،،
(1/496)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
• قال رحمه الله:
والتراويح
أي تشرع وتستحب صلاة التراويح.
وصلاة التراويح هي: قيام رمضان.
والتراويح وقيام رمضان وصلاة الليل والتهجد أسماء لشيء واحد.
لكن إن:
وقعت في أول الليل سميت تراويح.
وإن وقعت في آخر الليل سميت تهجد.
وصلاة التراويح مشروعة مستحبة لأحاديث كثيرة نذكر منها:
1 - قوله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ليالي معدودة في رمضان وصلى بهم التراويح.
3 - أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب في صلاة التراويح.
فبعد هذه النصوص لا شك ولا إشكال في مشروعية صلاة التراويح.
وبدء المؤلف في بيان أحكام صلاة التراويح.
• فقال رحمه الله:
عشرون ركعة.
وبدأ بذكر عدد صلاة التراويح.
= فالمستحب عند الحنابلة والشافعية ..... أن صلاة التراويح تكون عشرين ركعة.
استدلوا على هذا بدليلين:
- الأول: حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس عشرين ركعة.
- الثاني: أن عمر رضي الله عنه أمر أبي بن كعب أن يصلي بالناس عشرين ركعة.
فهذا القول هو مذهب الجمهور - الأئمة الثلاثة: أحمد والشافعي وأبو حنيفة.
وهذان الحديثان - اللذان استدل بهما الجمهور - ضعيفان. بل إن الأول ضعيف جداً. أما حديث أبي بن كعب فهو ضعيف.
= القول الثاني: أن المشروع في صلاة التراويح أن تكون ستة وثلاثون ركعة. وهذا مذهب المالكية.,
(1/497)
________________________________________
استدل الإمام مالك: - بأن هذا هو عمل أهل المدينة القديم.
= والقول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الاسلام وغيره من المحققين:
أن كل ذلك حسن فإن صلى عشرين أو ستة وثلاثين أو إحدى عشر أو ثلاثة عشر فكل ذلك حسن. لأن هذا كله جاء عن السلف.
- فإذا كثرت الصلاة وتعددت الركعات قصر في القراءة.
- وإذا أطال في القراءة قلل الركعات.
والأقرب أن الأمر واسع والأحسن أن يصلي إحدى عشرة ركعة لأنه هو المعروف والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما القول بأنه لا يجوز للإنسان أن يزيد على إحدى عشرة ركعة فيكاد يكون قولاً شاذاً. قال شيخ الاسلام: ومن ظن أن في السنة تحديد لصلاة التراويح بحيث لا يجوز أن يزيد على هذا العدد ولا ينقص عنه فقد أخطأ أ. هـ.
وإن الإنسان ليعجب من القول بأنه لا يجوز للإنسان أن يزيد على إحدى عشرة ركعة وقد كان خيار القرن الثالث والثاني يصلون ستة وثلاثون ركعة.
لأن الإمام مالك يقول: هو عمل أهل المدينة القديم أي: كأن هذا العمل من قبل أن يأتي هو نفسه رحمه الله فكيف نقول عن عمل يعمله كبار التابعين والأئمة أنه عمل محرم وأنه لا يجوز أو أنه لا يشرع وقد خالف صاحبه السنة.
النبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى عشرة ركعة وأقل وأكثر إذا أثبتنا الثلاثة عشرة ركعة ولم يأت عنه حرف واحد يدل على تحريم الزيادة على هذا العدد.
فالخلاصة: أن هذه الرواية التي رجحها شيخ الاسلام هي الرواية الأقرب مع العلم أن الأحسن أن يصلي الإنسان إحدى عشرة ركعة موافقة للسنة الصحيحة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
•
ثم قال رحمه الله:
تفعل في جماعة مع الوتر: بعد العشاء في رمضان.
ذكر المؤلف رحمه الله عدة مسائل في التراويح:
- المسألة الأولى: أن السنة في التراويح أن تفعل جماعة في المساجد.
= وهذا مذهب الجماهير والجم الغفير من أهل العلم.
استدلوا على هذا الحكم:
1 - بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي في المسجد بأصحابه.
2 - وأن عمر جمع الناس عليها.
3 - ما قاله المرداوي في الإنصاف: وعلى هذا عمل الناس في كل عصر ومصر. ونحن لا نستدل بعمل الناس ولكن نستأنس بهذه العبارة.
(1/498)
________________________________________
= والقول الثاني: أن من قوي على صلاة التراويح في بيته فهو أفضل وإن كان في رمضان. وهذا مذهب الإمام مالك.
واستدل على ذلك: - بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ليالي بأصحابه ثم امتنع عن الخروج صلى الله عليه وسلم.
والراجح - بلا إشكال - القول الأول - مذهب الجماهير.
والجواب على استدلال مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الصحيح التعليل لعدم خروجه وهو أنه خشي أن تفرض على الناس.
وهذا القول - قول الجمهور - هو مذهب الحنابلة وهو مذهب الإمام أحمد فقد صح عنه رحمه الله أنه كان يصلي مع الناس ويوتر مع الإمام ولا يقوم حتى يقوم الإمام.
ومن أدلة قوة هذا القول: قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى مع الإمام العشاء حتى ينصرف كتب له قيام ليله).
وهذا الحديث هو الذي جعل الإمام أحمد رحمه الله يبقى في مكانه حتى يقوم الإمام لأنه فهم من الحديث أن الإنصراف يكون بقيام الإمام.
- المسألة الثانية: - في رمضان - يعني أن صلاة التراويح تشرع في رمضان فقط ولا تشرع خارج رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا في رمضان وكذلك عمر رضي الله عنه.
- المسألة الثالثة: أن المشروع للإنسان أن يوتر مع الإمام. وهذا هو مذهب الحنابلة إلا في صورة واحدة فيمن أراد أن يتهجد وسينص عليها المؤلف رحمه الله.
ثم قال رحمه الله:
ويوتر المتهجد بعده، فإن تبع إمامه: شفعه بركعة.
معنى هذه العبارة: أن المشروع للمأموم إذا صلى مع الإمام وفي نيته أن يتهجد من الليل أن المشروع في حقه أن لا يوتر مع الإمام بل يوتر إذا قام.
فإن أراد أن يوتر مع الإمام فإنه بعد الوتر يأتي بركعة تشفع وتره ليجعل الوتر بعد تهجده.
= إذاً عند الحنابلة: أن المشروع للمأموم إذا صلى مع الإمام التراويح وفي نيته أن يتهجد أن لا يوتر مع الإمام فإن أراد أن يوتر فإنه إذا أوتر مع الإمام شفع وتره بركعة.
واستدلوا على ذلك: بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً).
= والقول الثاني: أن المشروع للمأموم أن يوتر مع الإمام وأن لايشفع وتره ولو أراد أن يتهجد.
أولاً: لأن هذا فيه مخالفة للإمام.
(1/499)
________________________________________
ثانياً: أن في هذا مخالفة لظواهر الآثار. فإنه لم ينقل أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أوتروا مع إمامهم شفعوا الوتر وقطعاً فإنه سيكون منهم من سيتهجد.
ثالثاً: أن هذا مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليله).
رابعاً: أنه صح عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يوتر قبل أن ينام ثم يقوم فيصلي بالليل ولا يعيد الوتر.
خامساً: أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أوتر صلى ركعتين.
فهذه خمسة أدلة تدل على ضعف ما ذهب إليه الحنابلة في هذه المسألة. وأن الصواب أن الإنسان يوتر مع الإمام ولو أراد أن يتهجد.
بناء على هذا نقول: ما يفعله بعض الناس من أنه إذا سلم الإمام من الوتر قام ليأتي بركعة فإنه غير مشروع ومخالف لظواهر الآثار ومخالف لظواهر النصوص.
لكن مع ذلك عرفنا الآن أن هذا هو مذهب الحنابلة وهذا خاص فيمن أراد أن يتهجد.
• ثم قال رحمه الله:
ويكره: التنفل بينهما.
أي يكره للإنسان أن يتنفل بين تسليمات التراويح وقد كره هذا الإمام أحمد رحمه الله ونص على كراهته.
ويدل على كراهة هذا الفعل ثلاثة أدلة:
- الأول: أنه ثبت عن ثلاثة من الصحابة أنهم كرهوا هذا العمل.
- الثاني: أن في التنفل بين التراويح مخالفة لظاهر الآثار عن الصحابة. فإنه لم ينقل أنهم كانوا يقومون للتنفل بين التسليمتين مع أنه ثبت في الحديث الصحيح أنهم يجلسون للإستراحة.
- الثالث: أن في هذا مخالفة للإمام.
فإذاً نقول كون الإنسان يتنفل بين التسليمات في التراويح فإنه مكروه. فإن فعل صحت صلاته مع الكراهة.
•
ثم قال رحمه الله:
لا التعقيب بعدها في جماعة.
أي أنه لا يكره التعقيب بعد صلاة التراويح في جماعة.
والتعقيب هو:
- أن يرجع المصلون إلى المسجد مرة أخرى ليصلوا.
- أو أن يذهب شخص أو جماعة ليصلوا في مسجد آخر مع إمام آخر بعد انتهاء صلاتهم مع إمامهم.
فالتعقيب له هاتان الصورتان.
حكمه عند الحنابلة: أنه لا يكره.
والصواب أن نقول: أن التعقيب ينقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: إما أن يكون رجوعهم بعد نوم. فهذا لا يكره. وهو رواية واحدة عن الإمام أحمد رحمه الله. فلم ينقل عنه خلاف.
(1/500)
________________________________________
- القسم الثاني: أن يرجعوا قبل النوم:
= فهذا لا يكره على المشهور عند الحنابلة. وهو الذي ذكره المؤلف رحمه الله هنا.
واستدلوا على ذلك:
- اولاً: بأثر أنس رضي الله عنه: (لايرجعون إلا إلى خير يرجونه).
- ثانياً: قياساً على التهجد في آخر الليل.
= والرواية الأخرى: أن التعقيب مكروه. ولا يشرع. لأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك. بل إذا صلوا التراويح أمسكوا عن الصلاة إلى أن يصلوا التهجد بعد النوم.
وهذا القول هو: الصواب. وهو المتوافق مع الآثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
بناءً على هذا ما يفعله بعض الإخوة إذا صلوا مع إمام يصلي بسرعة وينتهي وكانوا لا يعلمون أنه من الذين ينتهون بسرعة ذهبوا بعهد ذلك إلى مسجد آخر يطيل فيكملون معه الصلاة فصنيعهم هذا يعتبر مكروهاً ومخالف للآثار عن الصحابة.
بل إما أن تصلي من الأول مع إمام ترى أنت أن صلاته حسنة وإذا صليت مع إمام ينتهي بسرعة فتكتفي بهذا وإذا أردت المزيد فيكون ذلك بعد النوم.
•
ثم قال رحمه الله:
ثم السنن الراتبة.
يعني: يلي الوتر في الفضيلة السنن الراتبة. ولذلك ذكرها رحمه الله.
والسنن الراتبة سنة بإجماع الفقهاء ويدل على مشروعية السنن الرواتب أحاديث كثيرة جداً على رأسها ثلاثة أحاديث:
1 - حديث عائشة رضي الله عنها.
2 - وحديث ابن عمر رضي الله عنه.
3 - وحديث أم حبيبة رضي الله عنها.
وستأتينا.
وقال شيخ الاسلام رحمه الله: من داوم على ترك السنن الراتبة فهو دليل على قلة دينه وينبغي أن لاتقبل شهادته.
• ثم قال رحمه الله:
ركعتان قبل الظهر.
المشروع عند الحنابلة أن يصلي الإنسان ركعتين قبل الظهر وهما من السنن الراتبة التي ينبغي للإنسان أن يداوم عليها.
والدليل على مشروعيتهما: - حديث ابن عمر: وهو قوله: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر ثم ذكر باقي السنن الراتبة.
وكونه يشرع أن يصلي الإنسان ركعتين قبل الظهر فهذا القدر متفق عليه بين الفقهاء لكن يعارض حديث ابن عمر حديثان:
الحديث الأول: حديث عائشة.
والحديث الثاني: حديث أم حبيبة.
ففيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربعاً.
(2/1)
________________________________________
وحديث ابن عمر وعائشة وأم سلمة كلها صحيحة وثابتة ولا إشكال في ثبوتها.
لما حصل تعارض في الظاهر بين حديث ابن عمر وحديث عائشة وأم حبيبة انقسم الفقهاء حيال هذا التعارض إلى قسمين:
- قسم: رأى الجمع والتوفيق بين الأحاديث.
- وقسم: رأى الترجيح بين هذه الأحاديث.
- نبدأ بالقسم الأول: وهم الذين رأوا الجمع والتوفيق.
1 - جمعوا بين هذه الأحاديث بقولهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يصلي تارة ركعتين وتارة أربع والغالب عليه أن يصلي أربعاً.
وذهب إلى هذا الجمع الإمام الطبري وابن حجر.
2 - قالوا: نجمع بين الأحاديث بأن نقول: إن صلى في المسجد فيصلي ركعتين وإن صلى في بيته فيصلي أربعاً من جنس ما سيأتينا في صلاة الجمعة.
وهذه الطريقة في الجمع مال إليها ابن القيم.
- ننتقل إلى القسم الثاني: وهم الفقهاء الذين ذهبوا إلى الترجيح.
= فالحنابلة: يرون أن الأرجح والمستحب والأفضل أن يصلي الإنسان ركعتين لأنه هو الثابت في حديث ابن عمر.
= والقول الثاني: وإليه ذهب الجمهور ترجيح أن يصلي الإنسان قبل الظهر أربعاً لكثرة الأحاديث وصحتها في الصلاة أربع ركعات.
- - هذا أولاً في الترجيح.
- - ثانياً في الترجيح:
أن السنة أن يصلي الإنسان ركعتين وأما الأربع التي في حديث عائشة وأم حبيبة فليست من السنن الراتبة إنما هي صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بمناسبة انتصاف النهار.
فعلى هذا القول فكم سيصلي الإنسان قبل الظهر؟
- ست ركعات.
وهذا القول هو ما استظهره ابن القيم - فله في المسألة أكثر من قول.
نأتي إلى التعليق على الأقوال والترجيح.
- أما بالنسبة لقول ابن القيم الأخير فهو فيما أرى قول فيه تكلف عظيم وبعيد كل البعد عن السنة.
السبب: - أن عائشة وأم حبيبة تصرحان بأن الأربع متعلقة بصلاة الظهر فيقولان: يصلي قبل الظهر أربعاً. هذا شيء.
- الشيء الثاني: أن عائشة وأم حبيبة جعلتا هذه الأربع مع باقي السنن الرواتب: سنة الفجر والظهر والمغرب والعشاء. فكيف نخرج الأربع من السنن الرواتب ونزعم أنها صلاة بمناسبة انتصاف النهار.
ففي الحقيقة قوله بعيد ولكن كأنه تفقه قاله ابن القيم.
(2/2)
________________________________________
أما باقي الأقوال: فهي في الحقيقة متقاربة في القوة. والأقرب ما ذهب إليه الطبري أن: السنة للإنسان أن يصلي أربعاً وفي أحيانٍ قليلة يصلي ركعتين.
فمن وجهة نظري أن هذا المذهب هو أحسن المذاهب في التوفيق بين النصوص المتعلقة بسنة الظهر القبلية.
وبهذا انتهى البحث حول هذه المسألة.
•
ثم قال رحمه الله:
وركعتان بعدها.
كون الإنسان يصلي ركعتان بعد الظهر فهذا: = مذهب الجماهير والأحاديث الصحيحة لم تختلف فيه.
= وذهب بعض الفقهاء إلى أن السنة أن يصلي أيضاً أربعاً بعد الظهر.
استدلوا برواية في حديث أم حبيبة وفيه: (وصلى أربعاً بعد الظهر).
أجاب العلماء عن هذه الرواية بأجوبة عديدة نكتفي منها بجواب واحد لأنه لا حاجة لغيره من الأجوبة وهو:
أن هذا اللفظ إسناده ضعيف. وهو لفظ منكر. وممن حكم عليه بالضعف الإمام الذهبي وكذلك ابن القطان وعدد من الحفاظ.
وإذا كانت هذه الرواية ضعيفة فقد ثبت عندنا الآن أن السنة البعدية لصلاة الظهر ركعتين فقط.
• قال رحمه الله:
وركعتان بعد المغرب.
صلاة ركعتين بعد المغرب لا أعلم فيه خلاف وهو ثابت في جميع الأحاديث الصحيحة بلا روايات ولا خلاف ففي حديث ابن عمر وعائشة وأم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد المغرب ركعتين.
فلا إشكال في السنة البعدية لصلاة المغرب.
• ثم قال رحمه الله:
وركعتان بعد العشاء.
= صلاة الركعتين بعد العشاء سنة عند الجماهير والجم الغفير من أئمة المسلمين.
واستدلوا على هذا بالأحاديث الثلاثة التي ذكرناها ففيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد صلاة العشاء.
= والقول الثاني: أن المشروع أن يصلي الإنسان بعد صلاة العشا أربعاً.
واستدلوا على هذا: بحديث ابن عباس - وهو في البخاري - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أذا صلى العشاء ودخل منزله صلى أربعاً.
فبناء عليه رأى بعض الفقهاء أن المستحب أن يصلي الإنسان سنة العشاء البعدية أربع ركعات.
والصواب القول الأول: أن سنة العشاء البعدية ركعتان فقط.
والجواب عن حديث ابن عباس أن هذا من صلاة الليل لا من السنن الراتبة.
•
ثم قال رحمه الله:
وركعتان قبل الفجر وهما آكدها.
(2/3)
________________________________________
الركعتان اللتان قبل الفجر محل إجماع من الفقهاء أنهما سنة بل ذهب الحسن البصري إلى أنهما واجبتان لما رأى من عناية الشارع بهما.
وقوله: وهما آكدها: أي أن ركعتي الفجر آكد السنن الرواتب وهذا أيضاً محل اتفاق إلا أن نفراً يسيراً من الفقهاء رأى أن ركعتي المغرب آكد من الفجر. لكن جماهير أهل العلم على أن آكد السنن الرواتب هي الفجر.
- مسألة: أيهما آكد ركعتي الفجر أو الوتر؟
فيه خلاف: الراجح أنهما في الفضل سواء. وهذا ما يشعر به كلام شيخ الاسلام ابن تيمية.
- اعتاد الفقهاء أن يذكروا مع ركعتي الفجر مسألة وذكرها في الروض وهي:
- مسألة حكم الاضطجاع بعد ركعتي الفجر.
هذه المسألة تشعبت فيها الأقوال فقد ذكر فيها نحو تسعة أقوال.
= ذهب الجماهير الأئمة الأربعة واختاره ابن دقيق العيد والصنعاني وعدد كبير من المحققين أن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر سنة.
واستدلوا: - بحديث: عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن.
= والقول الثاني: ذهب إليه ابن حزم أن الإنسان إذا صلى ركعتي الفجر ولم يضطجع بطلت صلاة الفجر.
= القول الثالث: أن الإضطجاع سنة بعد ركعتي الفجر لمن قام من الليل من الليل فقط. ذهب إلى هذا القول شيخ الاسلام وابن القيم.
والصواب مع الجماهير أن الاضطجاع سنة مطلقاً.
وبناءً على هذا يستحب للإنسان أن يصلي ركعتي الفجر في البيت فإذا صلاهما يضطجع على يمينه ولو لم يتهجد. أما إذا تهجد ففي الحقيقة يتأكد جداً أن يضطجع.
وذكر الإمام أحمد حكمة لمسألة الاضطجاع بعد ركعتي الفجر لمن تهجد وهو البعد عن الرياء.
وجهه: أنه إذا اضطجع هذه الاضطجاعة البسيطة أذهبت ما يبدو عليه من السهر والقيام وصار كأنه قام الآن من النوم.
وعلى كل حال فإن القول الأول هو أرجح وأقوى الأقوال والقول الأخير يليه في القوة وقول بن حزم شاذ ولا يعول عليه.
فائدة: لا يصح حديث فيه الأمر بالاضطجاع إنما الأحاديث الصحيحة فيها حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
•
ثم قال رحمه الله:
ومن فاته شيء منها: سن له قضاؤه.
(2/4)
________________________________________
= ذهب الحنابلة واختاره المجد بن تيمية واختاره شيخ الاسلام وغيرهما من المحققين إلى أن من فاته شيء من السنن الرواتب سن له أن يقضيه وشرع له ذلك.
واستدلوا بثلاثة أدلة: - الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر وقضاها قضى معها ركعتي الفجر - وهذا حديث صحيح.
- الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما شغل عن ركعتي الظهر قضاهما بعد صلاة العصر - وهو حديث صحيح.
- الثالث: وهو عموم قوله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)
إذاً المشروع في حق الإنسان إذا فاتته السنن الرواتب أن يقضيها.
= الرواية الثانية عن الإمام أحمد أنه لا يشرع قضاء السنن الرواتب إذا فاتت.
والراجح القول الأول.
تنبيه: ذكر ابن حزم رحمه الله أنه يشرع قضاء السنن الرواتب بشرط أن لا تترك بلا سبب فإن تركت بلا سبب فإنه لا يشرع للإنسان أن يقضيها.
إذاً مشروعية القضاء مقيدٌ بأن يكون الترك لسبب أو لعذر فإن تركت لغير سبب فإنه لا تقضى وماذكره ابن حزم رحمه الله صحيح ووجيه.
• ثم قال رحمه الله:
وصلاة الليل: أفضل من صلاة النهار.
انتهى المؤلف من الكلام عن النوافل المقيدة وبدأ بالنوافل المطلقة.
ونقف عند هذا ....
انتهى الدرس،،،
(2/5)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
• قال المؤلف - رحمه الله -:
وصلاة الليل: أفضل من صلاة النهار.
بدأ المؤلف - رحمه الله - الكلام عن النفل المطلق بعد أن أنهى الكلام عن النفل المقيد.
فيقول - رحمه الله -: وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار: يعني أن صلاة الليل وصلاة النهار المطلقة مشروعة وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار أي: وصلاة الليل في النفل المطلق أفضل من صلاة النهار في النفل المطلق.
والدليل على ذلك:
الدليل الأول: - قوله - رحمه الله -: (أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل أو قيام الليل).
فدل هذا على أن صلاة الليل أفضل.
(2/6)
________________________________________
الدليل الثاني: - تعليل وهو: أن التنفل المطلق في الليل أقرب إلى الخشوع والإخلاص والبعد عن الرياء.
وعلق المرداوي - رحمه الله - على هذه المسألة - أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار - فقال: بلا نزاع أعلمه أ. هـ.
فهو أمر مجمع عليه عند الحنابلة.
•
ثم قال - رحمه الله -:
وأفضلها: ثلث الليل بعد نصفه.
أي أن: أفضل صلاة الليل أن يصلي الثلث الذي يأتي بعد المنتصف وهو الثلث الأوسط.
واستدل الحنابلة على هذا: بقوله - رحمه الله - (أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه).
وإذا أردنا تبسيط هذا الحديث فبإمكانك أن تقسم الليل إلى ستة أسداس.
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ينام الثلاثة أسداس الأولى وهي التي تشكل النصف الأول ثم يقوم السدس الرابع والخامس وهو الذي يشكل الثلث الثاني ثم ينام السدس الأخير وهو مقصود النبي - صلى الله عليه وسلم - وينام سدسه.
إذاً لا يقوم من أسداس الليل إلا في سدسين - رحمه الله - وهما الرابع والخامس.
ـ فإن قيل: ألا تكون الصلاة في ثلث الليل الأخير الذي يوافق النزول الإلهي وإجابة الدعاء خير من الصلاة في الثلث الأوسط؟
فالجواب من وجهين:
- الوجه الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرح وهو المبلغ عن الله أن أفضل الصلاة صلاة داود فهو حكم على أن افضل الصلاة صلاة داود.
ذو القعدة الوجه الثاني: أن قيام الثلث الأوسط يوافق الثلث الأخير في سدس. والثلث الأخير هو الخامس والسادس والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم الرابع والخامس. فيوافق الثلث الأخير في سدس واحد وهو السدس الخامس.
فالقيام الذي أثنى عليه - رحمه الله - - وهو قيام داود - رحمه الله - - يوافق نصف الثلث الأخير فحصل المقصود بقيام الثلث الأخير وبالنوم في آخر الليل ليرتاح الإنسان ويستعد لصلاة الفجر ولتحصل فائدة أخرى وهي ما أشرت إليه في الدرس السابق أن من نام بعد القيام قام في الصباح ولا تظهر عليه آثار السهر والصلاة فيبعد بذلك عن الرياء.
• قال - رحمه الله -:
وصلاة ليل ونهار: مثنى مثنى.
صلاة الليل والنهار مثنى مثنى نأخذ هذه العبارة بأجزائها:
- الجزء الأول: صلاة الليل.
(2/7)
________________________________________
= فالحنابلة يرون أن صلاة الليل الأفضل والمستحب فيها أن تكون مثنى مثنى. أي أن يسلم من كل ركعتين لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (صلاة الليل مثنى مثنى).فإن زاد على ركعتين جاز مع الكراهة
جاز: قياساً على الوتر فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر أحياناً بخمس كما تقدم معنا.
مع الكراهة: لمخالفة حديث ابن عمر - رضي الله عنه -.
= والقول الثاني: أن صلاة الليل مثنى مثنى لا تجوز ولا تصح لمفهوم حديث ابن عمر - حيث حصر الصلاة في كونها مثنى مثنى. فقال: (صلاة الليل مثنى مثنى).
والراجح الجواز وهو مذهب الحنابلة.
- الجزء الثاني: صلاة النهار مثنى مثنى.
= مذهب الحنابلة أن صلاة النهار مثنى مثنى هي الأفضل والمستحبة فإن صلى في النهار أربعاً أي: فإن زاد على اثنتين جاز بلا كراهة. في مسألة الليل قال الحنابلة: جاز مع الكراهة وفي مسألة النهار جاز بلا كراهة.
استدلوا على ذلك بأمرين:
- الأمر الأول: أن ابن عمر - كان يصلي في النهار أربعاً.
- والأمر الثاني: بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أربع قبل الظهر تفتح لها أبواب السماء).
وهذا الحديث رواه أبو داود في سننه وضعفه - رحمه الله -.
والدليل على أنه يستحب في النهار أن تكون مثنى مثنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر: (صلاة الليل وفي رواية والنهار مثنى مثنى).
زيادة والنهار في حديث ابن عمر اختلف فيها العلماء والخلاف فيها قوي لأن الخلاف وقع بين الأئمة الكبار الحفاظ.
= فذهب البخاري والبيهقي إلى صحة هذه الزيادة.
= وذهب جمهور الأئمة كأحمد وابن معين والنسائي وأبو حاتم والدارقطني وغيرهم إلى أن هذه الزيادة ضعيفة.
والصواب مع جمهور الأئمة أنها ضعيفة.
لكن الخلاف في صحة وضعف هذه اللفظة خلاف قوي من جهتين:
- الأولى: أن الخلاف فيه ليس بين المتقدمين والمتأخرين بل بين المتقدمين.
- الثاني: أن المخالف هنا هو البخاري وهو أمير المؤمنين في الحديث وهو يمكن أن يقال عنه أعلم الناس بالعلل بعد علي بن المديني فمخالفة البخاري قضية تستحق التوقف. لكن مع ذلك بعد التأمل الأظهر أنها ضعيفة.
فعرفنا الآن حكم الزيادة على ركعتين في الليل وحكم الزيادة على ركعتين في النهار.
(2/8)
________________________________________
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن تطوع في النهار بأربع كالظهر: فلا بأس.
= يعني: أنه يجوز أن يتطوع في النهار بأكثر من ركعتين ويصليها كالظهر أربعاً. وتقدم معنا أن الحنابلة يرون أن هذا جائز بلا كراهة لكن يريد المؤلف أن يضيف هنا أنه إذا أراد الإنسان أن يصلي الظهر أربعاً فإنه يستحب عند الحنابلة أن تكون بتشهدين وهذا معنى قوله كالظهر.
دليلهم: لا يوجد أي سنة. لكن قالوا أن هذا أكثر في العمل فهو أفضل وأحب إلى الله.
= والقول الثاني: أنه إذا صلى أربعاً في النهار فإنه يستحب أن لا يجلس في الثانية وأن يجلس فقط في الأخيرة لئلا تشبه صلاة الظهر.
واستدلوا على هذا: بأنه علم من تصرف الشارع أنه لا يحب أن تشبه النوافل بالفرائض بدليل أنه نهى عن تشبيه صلاة الوتر ثلاثاً بصلاة المغرب وكرهها عدد من السلف.
وبهذا علمنا أن الشارع يحب أن لا نشبه النوافل من حيث الهيئة بالفرائض.
وهذا القول الثاني هو الصواب. فإذا أراد الإنسان أن يتطوع تطوعاً مطلقاًَ في النهار بأكثر من ركعتين فإنها تكون بتشهد واحد بلا جلوس في الثانية خلافاً للمذهب.
•
ثم قال - رحمه الله -:
وأجر صلاة قاعد: على نصف أجر صلاة قائم.
يريد المؤلف أن يبين حكمين:
- الحكم الأول: جواز صلاة المرء قاعداً في النافلة ولو بلا عذر.
- الحكم الثاني: أنه إذا صلى قاعداً فله نصف أجر القائم.
واستدلوا على هذا: بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من صلى قائماً فهو أفضل ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم).
فإذاً عرفنا الآن أنه يجوز للإنسان أن يصلي قاعداً في النافلة ولو بلا عذر وأنه إذا صلى في النافلة قاعداً بلا عذر فله نصف الأجر.
ـ مسألة: ويكون له الأجر كاملاً بشرطين:
- الشرط الأول: أن يصلي قاعداً بسبب العذر.
- الشرط الثاني: أن يكون معتاداً للصلاة قائماً. أي أن تكون من عادته أن يصلي قائماً.
فإذا تحقق الشرطان وصلى جالساً ثبت له الأجر كاملاً.
(2/9)
________________________________________
وهذه الشروط فيها خلاف ولا نريد الدخول في الخلاف لكن اشتراط هذين الشرطين هو اختيار شيخ الاسلام وعليه تدل النصوص واستدل على ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا سافر المرء أو مرض كتب له مثل أجره صحيحاً مقيماً).فاشترط الحديث لكتابة الأجر كاملاً أن يكون بسبب أو بعذر. ومثل له في الحديث بالمرض والسفر.
ـ مسألة: اختلف الفقهاء في التطوع على هيئة الاضطجاع على قولين:
= القول الأول: أنه لا يجوز للإنسان أن يتطوع مضطجعاً. وهذا القول للحنابلة واختاره شيخ الاسلام ابن تيمية.
واستدلوا على ذلك بأمرين:
- الأمر الأول: أنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قط أنه تطوع مضجعاً وورد عنه أنه تطوع قاعداً.
- الأمر الثاني: أن في هذا إخلالاً بالركوع والسجود ولم يرد في السنة ما يدل على جواز الإخلال بهما ولو في النوافل. ومن المعلوم أنا نتكلم عن حكم مضطجعاً بغير عذر وإلا في العذر فيجوز ذلك حتى في الفرائض.
= والقول الثاني: جواز التنفل مضطجعاً ولو بدون عذر. وهو قول لبعض الفقهاء. استدلوا على هذا برواية في حديث عمران ابن حصين جاء في آخره أنه قال: (وصلاة النائم على نصف أجر القاعد). وهذا في البخاري.
والصواب: القول الثاني وهو الجواز ومادام في هذه المسألة رخصة من النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا مجال للاعتراض وما اختاره شيخ الاسلام في هذه المسألة يعتبر ضعيفاً لمخالفته للنص الصريح الذي في صحيح البخاري.
• ثم قال - رحمه الله -:
وتسن صلاة الضحى.
صلاة الضحى من النوافل التي حث عليها الشارع. وفيها نصوص. ولكن مع ذلك اختلف الفقهاء فيها.
= فالحنابلة كما ترون بل الجماهير واختيار عدد من المحققين كابن دقيق العيد والصنعاني وغيرهما أن صلاة الضحى مسنونة مطلقاً.
واستدلوا: أي الجمهور على هذا الحكم بأدلة كثيرة منها:
- أولاً: حديث أبي هريرة - أنه قال: أوصاني خليلي بثلاث أن أوتر قبل أن أنام وصيام ثلاثة أيام وركعتي الضحى وهذا الحديث في مسلم.
(2/10)
________________________________________
- ثانياً: حديث أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فتسبيحة صدقة وتحميدة صدقة وتكبيرة صدقة وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ... إلى أن قال: ويجزئ من ذلك ركعتين يركعهما من الضحى).
ففي الحديثين الدلالة على المشروعية المطلقة في صلاة الضحى.
= القول الثاني: أن صلاة الضحى لا تشرع ولا تسن.
استدلوا على ذلك: بحديث عائشة أنها قالت: (لم أر النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي سبحة الضحى وإني لأسبحها).
وهذا الحديث صحيح.
= والقول الثالث: أن صلاة الضحى مشروعة إذا كانت لسبب فقط. وإلى هذا القول مال ابن القيم واستدل على ذلك: بأنه لم يؤثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى الضحى إلا لسبب:
- فصلى الضحى مرة في مكة والسبب: فتح مكة.
- وصلى الضحى مرة في بيت أحد الصحابة والسبب - عند ابن القيم -: أن هذا الصحابي طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي في مكان ليتخذه مصلى في بيته.
فقال ابن القيم - رحمه الله -: تبين من مجموع النصوص أن صلاة الضحى إنما تشرع إذا كانت لسبب فقط.
والراجح: مذهب الجمهور ولا إشكال في رجحانه إن شاء الله لوضوح الأدلة فإن الأدلة صريحة وواضحة جداً في استحباب صلاة الضحى.
• قال - رحمه الله -:
وأقلها ركعتان.
أقل شيء في صلاة الضحى أن يصلي الإنسان ركعتين.
الدليل على ذلك:
- الدليل الأول: حديث أبي هريرة - أنه قال: (أوصاني خليلي ثم قال: وركعتي الضحى).
فدل ذلك على أن أقل ما يتنفل به الإنسان ركعتان.
- الدليل الثاني: أنه لا يشرع أصلاً أن يتنفل الإنسان بركعة وأن من صلى نفلاً مطلقاً ركعة فباطلة صلاته.
== وهل يشرع أن يتنفل الإنسان بتنفل مقيد ركعة؟
الجواب: نعم. الوتر.
وفي هذه المسألة: وهي التنفل بنفل مطلق ركعة واحدة خلاف بين الفقهاء والراجح أنه لا يشرع أن يتنفل الإنسان بنفل مطلق ركعة واحدة لأنه لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن كبار الصحابة ولا عن فقهائهم الذين تلوهم كابن عباس وابن عمر ولا عن التابعين أنهم تنفلوا بركعة واحدة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وأكثرها ثمان.
(2/11)
________________________________________
= أكثر ما يمكن أن يتنفل به الإنسان في صلاة الضحى هو ثمان ركعات لأن هذا أكثر ما جاء في السنة. ففي حديث أم هانيء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة دخل بيتها وصلى ثماني ركعات.
= والقول الثاني: أنه لا حد لأكثر صلاة الضحى. لحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ماشاء وهذا حديث صحيح.
وهذا القول الثاني اختيار الطبري وهو الصواب لأنه: لا يوجد دليل يدل على تحديد لأكثر صلاة الضحى.
•
ثم قال - رحمه الله -:
ووقتها: من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال.
يبدأ وقت صلاة الضحى من خروج وقت النهي وهو يكون: بخروج الشمس وارتفاعها قدر رمح. وينتهي قبيل الزوال أي عندما يقوم قائم الظهيرة.
فيما بين الوقتين: وقت لصلاة الضحى.
والدليل على ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الصلاة فقال - رحمه الله - صل الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإنه الصلاة محظورة مشهودة ثم إذا قام قائم الظهيرة فأقصر فإنها حينئذ تسجر جهنم)
فالحديث وقت الصلاة بالنسبة للصباح فيما بين هذين الوقتين المنهي عن الصلاة فيهما.
وبهذا يكون المؤلف قد بين لنا حكم صلاة الضحى وأقل ركعاتها وأكثرها ووقتها.
لم يذكر المؤلف الوقت الفاضل لصلاة الضحى. وذكر الفقهاء أن وقتها الفاضل إذا اشتد الحر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال).
ويقصد بالفصال: ولد الناقة الذي انفصل عن أمه حديثاً. أي لم يعد يتعلق بها. فإذا آذت الشمس هذا الحيوان - وهو ولد الناقة - دخل وقت الفضيلة.
ثم انتهى المؤلف من بيان أحكام صلاة الضحى وانتقل إلى سجود التلاوة.
• فقال - رحمه الله -:
وسجود التلاوة: صلاة.
سجود التلاوة: من إضافة الشيء إلى سببه أي السجود الذي سببه التلاوة.
ويقصد بالتلاوة: تلاوة جزء معين من القرآن - سيأتينا في بيان ما هو في كلام المؤلف - رحمه الله -.
= سجود التلاوة عند الحنابلة: صلاة.
ومعنى قول المؤلف: (صلاة). أي: أنه يشترط له ما يشترط للصلاة. فلا بد من الطهارة وستر الورة واستقبال القبلة وكل شروط الصلاة.
(2/12)
________________________________________
إذاً فائدة قوله: (صلاة). أي يشترط له ما يشترط للصلاة.
وهذه المسألة محل خلاف:
= فالحنابلة يرون أن سجود التلاوة صلاة. وهو مذهب الجماهير بل حكي إجماعاً: أنها صلاة.
واستدلوا على هذا بأدلة:
- أقواها: الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).
والسجود جزء من أجزاء الصلاة فقيس عليها.
- الثاني: أثر عن ابن عمر - أنه قال: (لايسجد إلا طاهراً).
= والقول الثاني: وأشهر من ذهب إليه من السلف وجاء بإسناد صحيح عنه الشعبي وأبو عبد الرحمن السلمي فلا يوجد من السلف غيرهما وأما من المتأخرين فاختاره الصنعاني وشيخ الاسلام ابن تيمية وعدد من المحققين.
واستدلوا على ذلك: بأدلة منها:
- الأول: أنه لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص صحيح يشترط شروط الصلاة في سجود التلاوة.
- والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة النجم فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس.
قال شيخ الاسلام: والمشرك ليس من أهل الطهارة أصلاً.
- الثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب). وسجود التلاوة لا يشترط فيه أن يقرأ الإنسان بفاتحة الكتاب فدل ذلك على أنه ليس من الصلاة.
هذه الأدلة كلها ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية.
الراجح:
من حيث الأدلة: لا شك أن كلام شيخ الاسلام وما ذهب إليه الشعبي - رحمه الله - وجيه جداً وقوي ويتوافق مع النصوص.
أما من حيث الاحتياط لا شك أن الاحتياط في أن لايسجد الإنسان سجود تلاوة إلا وقد استوفى شروط الصلاة.
ولذلك يقول الحافظ بن حجر - رحمه الله -: لا أعلم أن أحداً من السلف ذهب إلى هذا المذهب إلا الشعبي ثم قال وقد صح عنه بإسناد صحيح فكون الأئمة الأربعة وعامة العلماء وحكي إجماعاً يرون وجوب تحقيق شروط الصلاة لمن أراد أن يسجد سجود التلاوة فإن هذا يجعل الإنسان يحتاط لكن من حيث الأدلة ما ذكره شيخ الاسلام هو الراجح.
• قال - رحمه الله -:
ويسن: للقارئ والمستمع دون السامع.
يريد المؤلف أن يبين حكم سجود التلاوة فذكر أنه مسنون لشخصين:
1 - القاريء.
2 - والمستمع.
- أما القاريء فهو معلوم: هو من يتلو بلفظه القرآن.
(2/13)
________________________________________
- وأما المستمع فهو: من يقصد الاستماع إلى قاريء القرآن في الصلاة وخارج الصلاة.
= إذاً عرفنا الآن أن حكم سجود التلاوة عند الحنابلة أنه سنة.
استدلوا على هذا يأدلة قوية جداً:
- الدليل الأول: ما روي عن زيد بن ثابت - أنه قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة النجم ولم يسجد وفي رواية قال ولم يسجد منا أحد.
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد في هذه السجدة صراحة كما قال زيد بن ثابت - رضي الله عنه -.
- الدليل الثاني: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - قرأ على المنبر سورة النحل فسجد وسجد معه الناس ثم قرأها في الجمعة التالية ولم يسجد ثم قال - من قرأ سجدة وسجد فقد أصاب وأحسن ومن لم يسجد فلا إثم عليه.
وعمر - قال هذا الكلام على المنبر بحضرة سادة الناس وكبرائهم وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر أو يعترض عليه أحد منهم.
=القول الثاني: أن السجود واجب. وإلى هذا ذهب شيخ الاسلام بن تيمية وهو قول لبعض الفقهاء.
واستدل على هذا بدليلين:
- الدليل الأول: أن الله تعالى ذم الذين لا يسجدون في القرآن: {وإذا قريء عليهم القرآن لا يسجدون}.قال شيخ الاسلام: والذم من الشارع لا يكون إلا على ترك واجب:
- الدليل الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أمر أمراً صريحاً بالسجود في قوله: {واسجدوا لله واعبدوا}. والأمر: الأصل فيه أنه للوجوب.
وما ذهب إليه شيخ الاسلام من وجوب سجود التلاة ضعيف أو ضعيف جداً لأن أثر عمر بن الخطاب - ظاهر جداً بأن الصحابة كلهم يرون أن سجود التلاوة مسنون وليس بواجب.
وأما الاستدلال بآية الذم فالجواب عليها: أن المذموم في الآية هو: من ترك السجود تكبراً وعناداً فهذا الذي يذم.
وأما الجواب عن الآية الأخرى والتي فيها الأمر بالسجود فهو: أن الأوامر تصرف إلى الندب إذا وجدت نصوص أخرى وقد وجدت نصوص أخرى. وهي التي استدل بها أصحاب القول الأول.
وبهذا عرفنا إن شاء الله أن الراجح مذهب الجماهير وهو أن سجود التلاوة سنة وليس بواجب.
• ثم قال - رحمه الله -:
دون السامع.
يعني أن سجود التلاوة سنة ومشروع للمستمع ولا يشرع للسامع.
= هذا مذهب الحنابلة بل مذهب الجمهور.
واستدلوا على هذا:
(2/14)
________________________________________
بأن عثمان بن عفان - قريء عنده القرآن ومر بسجدة ولم يسجد فلما قيل له في ذلك قال: إنما السجود على استمع.
وروي نحوه تماماً عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه -.
وروي نحوه عن ابن مسعود - رضي الله عنه -.
والآثار في هذا الباب متواترة وكثيرة وواضحة أن السجود إنما يشرع للمستمع دون السامع.
= والقول الثاني: أنه يشرع أيضاً للسامع أن يسجد.
واستدلوا على هذا: بأنه جاءت نصوص عامة في أن من استمع السجدة سجد ولا يوجد مخصص للسامع.
والراجح مذهب الحنابلة لأنه يوجد مخصص وهي الآثار ونحن أخذنا قاعدة - مراراً وتكراراً - أنه يجب أن نفهم النصوص على ضوء فهم السلف الصالح وأن لا نتفقه في النصوص مجردة.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن لم يسجد القارئ: لم يسجد.
يعني أن مشروعية السجود بالنسبة للمستمع معلقة بسجود القاريء. فإن سجد القاريء سجد المستمع وإن لم يسجد لم يسجد.
= هذا مذهب الحنابلة.
واستدلوا على ذلك: بأن بعض الصحابة قرأ بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومَرَّ بسجدة ولم يسجد ثم نظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - كنت إمامنا ولو سجدت لسجدنا.
فهذا صريح أن سجود المستمع معلق بسجود القاريء.
هذا الحديث مرسل لكن يصلح للاحتجاج لماذا؟
1 - لأن مرسله زيد بن أسلم: وهو مولى عمر بن الخطاب - فهو من كبار التابعين ومن ثقات الناس.
2 - الإسناد إلى زيد بن أسلم - أي إلى مرسل الأثر - إسناد صحيح.
فهذا المرسل وإن كان لم يثبت مرفوعاً لكنه صحيح. فإذا كان زيد بن أسلم يجزم بوقوع هذه الحادثة ويخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد وقال هذه العبارة وهو من كبار التابعين والإسناد إليه صحيح فإنه يصلح للإحتجاج وهو خير من الرأي المجرد.
= والقول الثاني: أن الإنسان يسجد ولو لم يسجد القاريء. أخذاً بعموم النصوص.
والصواب مذهب الحنابلة. لأنه هذا الأثر المرسل يصلح للاستدلال.
• ثم قال - رحمه الله -:
وهو أربع عشرة سجدة في ((الْحَجِّ)) منها اثنتان.
يريد المؤلف أن يبين مواضع السجود في القرآن ومواضع السجود في القرآن تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: مواضع مختلف فيها بين الفقهاء.
القسم الثاني: مواضع متفق عليها بين الفقهاء.
(2/15)
________________________________________
أما القسم الأول: وهي المواضع المختلف فيها بين الفقهاء وهي: ست سجدات:
- سجدتا الحج. - وسجدة النجم. - والعلق. - والانشقاق. - وسجدة ص.
هذه الست فيها خلاف.
- أولاً: سجدتا الحج:
اختلف فيها الفقهاء:
= فالجمهور ذهبوا إلى أن سجدتي الحج من عزائم السجود التي يسجد لها.
واستدلوا على ذلك بأن: عمر بن الخطاب - سجد في سجدتي الحج روي عنه ذلك بإسناد صحيح.
وهذا أمر توقيفي لا يأتي به عمر - من رأيه.
وهذا هو الصواب - مذهب الجمهور هو الصواب. وهو الراجح ولا نحتاج إلى ذكر الخلاف لكن من المفيد أن تعلم أن الخلاف في السجدة الثانية أقوى وأشد من الخلاف في السجدة الأولى من سجدتي الحج.
لكن الصواب أن السجدة الأولى والثانية يشرع فيهما السجود.
- ثانياً: سجدات المفصل الثلاث - النجم والانشقاق والعلق -.فهذه السجدات أيضاً فيها خلاف:
= فالمذهب: أنه يشرع فيها السجود.
واستدلوا على هذا: بأنه صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود - وجاء عن أبي هريرة - فيه حديثان وكلها أحاديث صحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في هذه الثلاث سور.
= القول الثاني: أن سجدات المفصل الثلاث ليست من عزائم السجود.
استدلوا على هذا بالحديث الذي تقدم معنا وهو حديث زيد بن ثابت أنه قرأ بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة النجم قال ولم أسجد ولم يسجد أحد منا.
قالوا فدل هذا على أنها ليست مكاناً للسجود.
والجواب: أن هذا الحديث المقصود منه بيان الجواز وأن السجود سنة وليس بواجب بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في النجم لما سجد هو والمسلمون والمشركون والجن والإنس.
فدل هذا على أن حديث زيد يقصد منه بيان أن السجود سنة وليس بواجب.
- ثالثاً: سجدة ص.
= سجدة ص عند الحنابلة ليست من عزائم السجود.
واستدلوا على هذا: بما في صحيح البخاري عن ابن عباس - أنه قال: (ص ليست من عزائم السجود وقد سجد فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
= القول الثاني: أن سجدة ص من العزائم.
واستدلوا: بأمرين:
- الأمر الأول: هذا الحديث. وهو في صحيح البخاري وابن عباس - يصرح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في ص.
(2/16)
________________________________________
وأما قوله هو - أنها ليست من عزائم السجود فالقاعدة تقول: أن المرفوع مقدم على الموقوف وأن فتوى الصحابي لا ينظر إليها مع الحديث الصحيح.
- ويؤيد هذا الحديث ويؤكده أن عدداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في ص.
والراجح: السجود في ص وإذا كان الراجح هو السجود في ص فالصواب إذاً أن سجدات القرآن خمس عشرة سجدة خلافاً لقول المؤلف هنا: وهو أربع عشرة سجدة. بل الصواب أنها خمس عشرة سجد بإضافة سجدةص.
نحن تكلمنا عن كم موضع من القرآن؟
- ستة مواضع.
وباقي في القرآن تسع مواضع. فهذه متفق عليها بين الفقهاء وأنها مكان للسجود ولا خلاف فيها ولله الحمد.
وبهذا نتوقف على قوله: ويكبر: إذا سجد ...
انتهى الدرس،،،
(2/17)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• قال رحمه الله:
ويكبر: إذا سجد وإذا رفع.
بدأ المؤلف رحمه الله من هذا الموضع الكلام عن كيفية سجود التلاوة بعد أن انتهى من الكلام عن حكمه ومواضعه انتقل إلى الكلام عن كيفيته.
والكلام في كيفية سجود التلاوة يتفرع إلى فرعين:
- الفرع الأول: أن سجود التلاوة صفته كصفة السجود في الصلاة. فيجب أن يسجد على الأعضاء السبعة ويسن أن يجافي وكل ما يقال في سجود الصلاة يقال في سجود التلاوة من حيث الكيفية والهيئة تماماً ومن حيث الدعاء وكل ما سبق ذكره في سجود الصلاة يأتي معنا هنا في سجود التلاوة.
قال: ويكبر إذا سجد وإذا رفع:
أي أن المشروع لمن أراد أن يسجد للتلاوة أن يكبر إذا سجد ويكبر إذا رفع.
= وهذا مذهب الحنابلة - رحمهم الله -.
واستدلوا على هذا: بأن ابن عمر رضي الله عنه كان يقرأ مع أصحابه فإذا وصل موضع السجود سجد وسجد معه أصحابه وسجد مكبراً.
= والقول الثاني: أن التكبير يشرع في الخفض دون الرفع. لأنه في أثر بن عمر رضي الله عنه ذكر التكبير عند الخفض ولم يذكره عند الرفع.
= والقول الثالث: أنه لا يشرع لمن أراد أن يسجد للتلاوة خارج الصلاة أن يكبر.
(2/18)
________________________________________
وهذا قول لبعض الفقهاء واختاره شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله. واستدل بأدلة كثيرة نأخذ واحداً منها:
- وهو: ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا مرت به آية سجود سجد وسجدنا معه). ولم يذكر في هذا الحديث الصحيح أنه كان يكبر.
إذا لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أنهم كانوا يكبرون فيما عدا ابن عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يكبرون إذا أرادوا السجود. فصار هذا لا دليل عليه من الشرع فلا يشرع أن يفعله من أراد أن يسجد للتلاوة.
وهذا القول هو الصواب. أنه لا يشرع التكبير لا في الخفض ولا في الرفع.
- لو أردنا أن نلتمس لهم دليلاً آخر ماذا نقول؟
أنه سجود التلاوة صلاة. فإذا كان صلاة ففي الصلاة إذا أراد الإنسان أن يسجد أو يرفع كبر.
فهم لم يذكروه هذا الدليل لأنه معلوم إذ أن المؤلف قدم بأن سجود التلاوة صلاة.
• ثم قال رحمه الله:
ويجلس ويسلم ولا يتشهد.
هذه ثلاثة مسائل:
- المسألة الأولى: أن من أراد أن يسجد للتلاوة فالمشروع له أن يجلس.
تعليل الحنابلة: قالوا: لأنه يشرع له أن يسلم ومن أراد أن يسلم فلا بد أن يجلس فجعلوا الجلوس مرتباً على السلام.
وسيأتينا بحث السلام لأنه قال: ويجلس ويسلم.
- المسألة الثانية: التسليم. إذا عرفنا حكم التسليم فإنا سنعرف حكم الجلوس.
= التسليم عند الحنابلة واجب. فإنه يجب على من سجد للتلاوة أن يسلم إذا انتهى.
واستدلوا على ذلك: بأن ابن مسعود رضي الله عنه (كان إذا سجد للتلاوة سلم). صحح هذا الأثر من المتأخرين النووي رحمه الله.
= والقول الثاني: أن التسليم لا يشرع.
والدليل: هو ما سبق:
- أن الأحاديث الصحيحة التي فيها سجود النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها أنه يسلم.
- وكذلك الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم فليس فيها أنهم يسلمون.
وهذا اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وقال: هو المعروف عن السلف.
وهذا هو الراجح: أنه لا يشرع له أن يسلم. وإذا كان الراجح أن من سجد للتلاوة أنه لا يسلم فالراجح تبعاً لهذا أنه لا يجلس.
- المسألة الثالثة: قال: ولا يتشهد. أي أنه:
(2/19)
________________________________________
= لا يشرع لمن سجد سجود التلاوة حتى عند الحنابلة أن يتشهد.
واستدلوا على هذا: بأن سجود التلاوة لا ركوع فيه فيقاس على صلاة الجنازة في أن كلاً منهما أنه لايشرع التشهد. هذا الدليل استدل به الحنابلة.
= وأما على القول الصواب فنستطيع أن نقول: كما تقدم أن الأحاديث الصحيحة ليس فيها أنه صلى الله عليه وسلم تشهد. وهذا الدليل أقوى من القياس على صلاة الجنازة.
فتبين معنا أن قول المؤلف رحمه الله: ويجلس ويسلم ولا يتشهد: الصواب فيه أن لا يجلس ولا يسلم ولا يتشهد.
فالصواب في المسألتين: - الأولى. - والثانية. على خلاف ما ذهب إليه المؤلف.
•
ثم قال رحمه الله: - منتقلاً إلى سجود التلاوة إذا كان في صلاة الجماعة.
ويكره: للإمام: قراءَة سجدة في صلاة سر.
= يعني: أنه يكره للإمام إذا كان في صلاة سرية أن يقرأ في السورة الثانية سورة فيها سجود.
التعليل: قالوا: لأن هذا يربك المأمومين ويدخل عليهم الخطأ إذ قد يظنون أنه سجد ناسياً الركوع.
فبناء على هذا قالوا: أنه يكره.
= والقول الثاني: أنه لا يكره لأن النصوص عامة لم تفرق بين الإمام والمنفرد ومن لا يصلي فكل النصوص فيها أن من مر بآية سجود فإنه يسجد.
في الحقيقة الدليل الذي ذكره الحنابلة دليل صحيح لكن لا يكفي للكراهة لكن هناك دليل آخر ممكن أن يستدل به لم يذكره الحنابلة وهو أني لا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أن أصحابه رضي الله عنهم سجدوا في صلاة سرية.
فربما يقال أن هذا الدليل يقوي أنه لا ينبغي لكن سبق معنا في كتاب الطهارة مراراً وتكراراً أن قول القائل أنه هذا الشيء مكروه هو عبارة عن حكم شرعي يحتاج إلى دليل.
وهل في هذا الباب دليل؟
لا. لا يوجد دليل. ولذلك لا يستطيع الإنسان أن يجزم بالكراهة لكن يستطيع أن يقول: أنه لا ينبغي لما يدخل على الناس من تشويش ولما ذكرت من أنه لم ينقل عن أحد من السلف الصالح ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد في صلاة سرية.
• ثم قال الحنابلة: بناء على هذا:
وسجوده فيها.
يعني: أنه يكره أن يقرأ آية فيها سجود ثم إذا قرأ يكره له أن يسجد.
التعليل: هو نفس التعليل: أن هذا يدخل التشويش والارباك على المأمومين.
(2/20)
________________________________________
فالكلام في هاتين المسألتين واحد. لكني أقول: إذا قرأ آية فيها سجود فينبغي أن يسجد بلا كراهة.
نعم. نقول: أنه لا ينبغي أن يقرأ لكن إذا قرأ فعلى حسب الخلاف: أنه إما أن يكون واجباً أو سنة.
فنقول إذا قرأ فإما أن يجب أو أنه يسن أن يسجد. عكس المذهب تماماً.
لماذا؟
لأنه قبل أن يقرأ ربما نقول: لا ينبغي أو ربما نقول يكره كما هو المذهب. لكن إذا قرأ فحينئذ جاءت معنا الأدلة التي تأمر بالسجود وإذا جاء دليل فيه أمر فإنه لا يمكن الخروج عنه إلا بامتثال الأمر ولا يكفي مسألة: أن هذا يشوش على الناس وما شابه هذه التعليلات فإنها لا تكفي في مقابلة النصوص الصحيحة الصريحة.
• ثم قال رحمه الله: - مبيناً حكم المأموم.
ويلزم المأموم: متابعته في غيرها.
يعني أنه: يجب على المأموم أن يتابع الإمام إذا سجد سجود تلاوة في غير السرية وهي الجهرية.
دليل الوجوب: قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا) وهذا الحديث عام يشمل السجود الذي هو ركن من أركان الصلاة والسجود الذي هو بسبب التلاوة.
ففي هذه الصورة يجب وجوباً على المأموم أن يسجد.
عرفنا حكم متابعة المأموم للإمام في الجهرية لكن المؤلف لم يذكر حكم متابعة المأموم في السرية - وكان ينبغي أن يذكر هذا لأنه حكم مستقل تماماً.
= فالحنابلة يرون: أنه مخير أي أن المأموم مخير في متابعة الإمام إذا قرأ آية سجود في السرية.
دليلهم: قالوا: المأموم في السرية ليس بتال ولا مستمع. وتقدم معنا أن سجود التلاوة يشرع لأحد شخصين: إما أن يكون قارئاً. أو مستمعاً.
وهذا المأموم في السرية ليس بقاريء ولا مستمع ولذلك قالوا: هو مخير.
إذاً ماذا يصنع؟
- يقف وينتظر الإمام إلى أن ينتهي من السجود ثم يتابع بعد قيام الإمام مع الإمام.
عرفنا الآن مذهب الحنابلة وعرفنا دليلهم.
= القول الثاني: أنه يجب على المأموم ولو في السرية أن يتابع الإمام.
والدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) هل قال النبي صلى الله عليه وسلم في الجهرية؟ أو قال الإمام مطلقاً؟
إنما جعل الإمام ليؤتم به مطلقاً.
(2/21)
________________________________________
وفي الحقيقة أن مذهب الحنابلة في هذه المسألة من وجهة نظري غاية في الضعف وبعيد عن مقاصد الشرع من صلاة الجماعة لأنه فيه مخالفة شديدة للإمام إذا سيسجد الإمام سجدة كاملة ويبقى المأموم في السرية واقفاً وأي شيء أعظم من هذه المخالفة فهي مخالفة كبيرة جداً.
إذاً فيما أرى أن مذهب الحنابلة في هذه المسألة ضعيف جداً.
والراجح الذي تعضده الأدلة ومقاصد التشريع الخاصة بصلاة الجماعة: أنه يجب أن يتابع في السرية وفي الجهرية.
•
ثم قال رحمه الله:
ويستحب سجود الشكر.
انتهى المؤلف من الكلام عن سجود التلاوة وانتقل إلى سجود الشكر وسجود الشكر يقرن دائماً بسجود التلاوة.
في الكلام عن سجود الشكر نحتاج إلى الكلام عن مسألتين:
- المسألة الأولى: أن سجود الشكر عند الحنابلة صلاة. والخلاف الذي قيل في سجود التلاوة يأتي معنا هنا تماماً بالأدلة والأقوال والترجيح.
فلسنا بحاجة إلى أن نعيد الكلام عن مسألة: هل سجود الشكر صلاة أو ليس بصلاة لأنه تقدم نظيره في سجود التلاوة.
- المسألة الثانية: حكم سجود الشكر.
= ذهب الأئمة الأربعة والجماهير إلى أن سجود الشكر مشروع مندوب إليه في موضعه الذي سيذكره المؤلف.
واستدلوا بعدة أدلة:
- الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه كتاب علي رضي الله عنه أن أهل اليمن أسلموا سجد صلى الله عليه وسلم شكراً.
- الدليل الثاني: أن كعب رضي الله عنه في قصة الثلاثة الذين خلفوا لما جاءه البشير سجد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم.
- الدليل الثالث: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما وجد في الخوارج ذا الثدية سجد شكراً لله.
وهذه الآثار صحيحة. وفي الباب أحاديث وآثار لا تخلوا من ضعف لكن بمجموعها لا يشك الإنسان بأن لسجود الشكر أصل في الشرع.
= القول الثاني: أن سجود الشكر لا أصل له ولا يستحب وليس بمشروع.
دليلهم: قالوا: بأن النعم ما زالت تتجدد على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة والسلف ولم يأت حديث صحيح فيه سجود الشكر.
والجواب عليه: أن الأحاديث والآثار مجتمعة التي ذكرها الجماهير تصلح للاحتجاج.
(2/22)
________________________________________
فالراجح إن شاء الله أن سجود الشكر مشروع مندوب استدلالاً بهذه الآثار والأحاديث.
• قال رحمه الله:
عند تجدد النِعم واندفاع النِقم.
هذا موضع سجود الشكر عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة. وسواء كانت النعمة خاصة بالشخص أو نعمة عامة له ولغيره أو نعمة عامة للمسلمين.
وكذلك نفس الشيء بالنسبة لا ندفاع النقم سواء كان بسبب اندفاع نقمة خاصة به كزوال مرض شدشد أو قدوم غائب على خطر أو نحو ذلك.
أو كان اندفاع نقمة تتعلق بجميع المسلمين كانهزام العدو أو رجوع العدو قبل بدء الحرب أو ارتفاع وباء عن المسلمين.
وعلمنا من قوله: تجدد: أنه لا يشرع سجود الشكر للنعمة المستمرة لأنه لم يأت لافي نص ضعيف ولا صحيح ولا في أثر ضعيف ولا صحيح أنه سجد لنعمة مستمرة.
فإذا فرضنا مثلاً أن شخصاً يهمه الحصول على وظيفة فحصل على هذه الوظيفة فيشرع له أن يسجد لكن في اليوم الثاني والثالث وفي الشهر الثاني والثالث من بدء العمل بالوظيفة ولو سُرَّ بها ورأى أنها منحة عظيمة مع مزاولة وممارسة العمل فإنه لا يشرع له أن يسجد.
ونفس الشيء يقال في الزواج والنجاح في الامتحانات فيشرع عند حصولها أو مرة ولا يشرع بعد استمراره.
• ثم قال رحمه الله:
وتبطل به: صلاة غير جاهل وناس.
= إذا حصلت النعمة للإنسان وهو في الصلاة فإنه لا يشرع له أن يسجد بل لا يجوز أن يسجد فإن سجد بطلت صلاته إن كان عالماً جاهلاً.
التعليل: أن في هذا السجود زيادة متعمدة في الصلاة. فقد تقدم معنا أن أي زيادة في الصلاة على وجه العمد يبطلها.
وهنا زاد سجوداً في الصلاة متعمداً فبطلت صلاته.
ويستثنى من هذا إذا كان جاهلاً أوناسياًَ لعموم النصوص التي تدل على عذر الجاهل والناسي.
= والقول الثاني: أنه إذا تجددت نعمة وعلم بها وهو في الصلاة فإنه يسجد.
واستدلوا: بأن النصوص الدالة على مشروعية سجود الشكر عامة لم تفرق بين كون الإنسان في الصلاة أو خارجها.
وأيضاً إذا علم بالنعمة وأخرها إلى ما بعد الصلاة فقد زال موضعها. ويتصور أن يعلم الإنسان بنعمة أثناء الصلاة بأن يبشر مثلاً بمولود وهو في الصلاة أو أن يأتيه خبر مفرح ينتظره وهو في الصلاة فإذاً هو أمر متصور.
(2/23)
________________________________________
الراجح: فيما يظهر لي: أنه لا يشرع فإن سجد بطلت صلاته.
التعليل:
- أن سجود الشكر أمر خارج عن الصلاة تماماًً فإنه فعل زائد لا تعلق له بالصلاة بوجه من الوجوه وإنما هو سجود مشروع خاص للشكر.
- ثم أيضاً لم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه سجد شكراً لله أثناء الصلاة.
وثالثاً: بإمكانه إذا انتهى من الصلاة أن يسجد ويعتبر هذا فاصل يسير بسبب الانشغال بالصلاة فلا يمنع من سجود الشكر إن شاء الله.
ثم انتقل المؤلف إلى موضوع جديد وهو أوقات النهي التي نهى الشارع عن الصلاة فيها.
• ثم قال رحمه الله:
وأوقات النهي خمسة.
يقصد بأوقات النهي: الاوقات التي نهى الشارع عن التطوع فيها.
وتنقسم التطوعات في أوقات النهي إلى قسمين:
- القسم الأول: التطوع الذي ليس له سبب. فالتطوع الذي ليس له سبب إن شرع فيه بالنافلة بطلت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
وإن شرع في النفل المطلق قبل دخول وقت النهي ثم دخل عليه وقت النهي وهو في هذا النفل المطلق بطلت أيضاً عند الحنابلة.
ومعنى بطلت هنا: أي حرم أن يستمر فيها.
واستدلوا: بنفس الدليل.
= والقول الثاني: أنه يتم هذه النافلة خفيفة إذا دخل عليه وقت النهي وهو فيها.
وإلى هذا القول ذهب المرداوي رحمه الله وقال: وهو الصواب.
وما ذكر المرداوي صحيح لأنه شرع في الصلاة في حال يؤذن له أن يصلي فيها فإذا دخل عليه وقت النهي أتمها خفيفة لأن الشارع قد أذن له أصلاً بالدخول فيها والله سبحانه وتعالى يقول: {ولا تبطلوا أعمالكم}.
- والقسم الثاني: صلاة التطوعات التي لها سبب وسيأتي الكلام عنها.
• قال رحمه الله:
(1) من طلوع الفجر الثاني
هذا هو الوقت الأول المنهي عن الصلاة فيه وهو من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس.
نأخذ في كل وقت: البداية والنهاية.
- بداية هذا الوقت: من طلوع الفجر. = وهذا هو مذهب الحنابلة ومذهب الجمهور.
واستدلوا على هذا: - بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر).
(2/24)
________________________________________
- وبأن سعيد بن المسيب رحمه الله - وهو أحد الفقهاء السبعة ومن كبار علماء المسلمين - روى مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر.
وقد أخذنا أن مراسيل هذا التابعي الجليل سعيد بن المسيب تعتبر من أصح أو أصح المراسيل.
- ثالثاً: في الباب آثار عن الصحابة رضي الله عنهم.
فاجتمع حديث مرفوع فيه ضعف وحديث مرسل من أقوى المراسيل وآثار الصحابة.
= والقول الثاني: أن النهي لا يبدأ إلا بعد صلاة الفجر لا بعد طلوع الفجر.
واستدل هؤلاء بحديث أبي سعيد الخدري المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس).
فعلق النهي في هذا الحديث بالصلاة فقال: لا صلاة بعد صلاة الفجر.
وإلى هذا القول ذهب شيخ الاسلام رحمه الله وغيره من المحققين وهو قول عند الحنابلة بل هو رواية عن الإمام أحمد.
والراجح - والله أعلم - المذهب.
يستثنى من النهي ركعتي الفجر وشيء آخر تقدم معنا وهو الوتر لمن لم يوتر.
فإذاً القول الراجح أنه إذا طلع الفجر كرهت الصلاة ويستثنى من هذا ركعتي الفجر وصلاة الوتر لمن لم يوتر.
ويكون القول الثاني: وهو تعليق النهي بالصلاة قول مرجوح.
وجه الترجيح: أن القاعدة تقول: أنه ينبغي الأخذ بمن معه زيادة علم.
وفي هذه الآثار والمراسيل والفتاوى زيادة علم على ما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
•
- ثم قال رحمه الله:
إلى طلوع الشمس.
كون وقت النهي يستمر إلى طلوع الشمس محل اتفاق بالاجماع وبلا مخالف لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس).
إذاً تعليق الأمر بطلوع الشمس هذا محل إتفاق بين الفقهاء.
• ثم قال رحمه الله - مبيناً الوقت الثاني من الأوقات الخمسة:
(2) ومن طلوعها حتى ترتفع قيد رمح.
الوقت الثاني: يبدأ من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح.
ومعنى قيد: أي قدر. أي ترتفع قيد رمح.
وقد اجتهد بعض الفقهاء في تقدير الرمح فقال: قدره تقريباً ستة أذرع.
والتقدير يكون برأي العين أو بما تراه العين. يعني: أن ينظر الإنسان إلى الأفق فإذا كان بين الشمس والأرض قدر ستة أذرع وهو ما يوازي الرمح فحينئذ خرج وقت النهي.
(2/25)
________________________________________
وهي ما بين العشر والخمسة عشر دقيقة.
فمن طلوعها حتى ترتفع قيد رمح هذا وقت نهي.
= وهذا مذهب الجماهير.
الدليل: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (لاصلاة بعد صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس).
فعلقه بارتفاع الشمس.
وفي حديث عمرو بن عبسة: قال (صل الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع) وفي رواية (حتى ترتفع قدر رمح).
فهذه الرواية لحديث عمرو بن عبسة صرحت بهذا الضابط وهو أن يكون الارتفاع بقدر الرمح.
=والقول الثاني: أن وقت النهي ينتهي بمجرد طلوع الشمس لحديث أبي هريرة رضي الله عنه (حتى تطلع الشمس)
والراجح مذهب الجماهير.
•
ثم قال رحمه الله:
(3) وعند قيامها حتى تزول.
وهذا هو الوقت الثالث. ويبدأ من قيام الشمس حتى تزول.
الدليل عليه: حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: (ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول وحين تضيف الشمس حتى تغرب).
فهذه الثلاث ساعات ستأتي معنا. والساعة التي الحديث عنها الآن عند قيام الشمس حتى تزول.
معنى قيام الشمس: هو توقف نقصان الظل إلى أن يظهر من جديد.
وتقدم معنا في الأوقات أن الشمس إذا طلعت صار للشاخص ظل وأن هذا الشاخص لا يزال في نقصان ما دامت الشمس ترتفع فإذا
صارت في كبد السماء توقف النقصان فترة ثم بعد الزوال يبدأ بالزيادة. فما بين التوقف والزيادة هو وقت النهي.
ولذلك يقول رحمه الله: وعند قيامها حتى تزول وهو كما تقدم معنا في درس الأمس نحو عشر دقائق.
= عرفنا الآن مذهب الحنابلة وهو أن وقت النهي الثالث عند قيام الشمس حتى تزول وأن دليله حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
= القول الثاني: أنه يستثنى من هذا الوقت يوم الجمعة. فلا ينهى عن الصلاة عند قيام الشمس حتى زوالها.
وهو قول لبعض الفقهاء واختاره من المحققين شيخ الاسلام رحمه الله.
الدليل: قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصلاة يوم الجمعة إلى حضور الإمام والإمام يحضر بعد الزوال. وهذا يؤدي إلى استمرار الصلاة في وقت النهي.
(2/26)
________________________________________
الدليل الثاني: - وهو أقوى - أنه ثبت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم صلوا صلاة الجمعة قبل الزوال فسيأتي وقت النهي وهم يصلون صلاة الجمعة فإذا جازت صلاة الجمعة فغيرها من باب أولى.
ويتبين من هذا أنه ليس بوقت للنهي في يوم الجمعة.
وهذا هو الصواب فللإنسان في يوم الجمعة أن يتنفل ولو دخل عليه وقت النهي إلى أن يحضر الإمام لظواهر النصوص والآثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
•
ثم قال رحمه الله:
(4) ومن صلاة العصر إلى غروبها.
من صلاة العصر إلى غروب الشمس وقت نهي لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد: (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس).
وعلمنا من هذا الحديث أن النهي معلق بالصلاة لا كما في الفجر معلق بدخول وقت الصلاة.
فينهى الإنسان عن الصلاة بعد صلاة العصر.
- مسألة: ينهى الإنسان عن الصلاة بعد صلاة العصر ولو صلاها جمع تقديم مع الظهر. لأن الشارع الحكيم علق النهي بأداء صلاة العصر.
- ويستثنى من هذا مسألة واحدة وهي سنة الظهر البعدية فيصليها ولو بعد العصر.
- مسالة: إذا صلى العصر فإنه ينهى عن الصلاة ولو كان غيره لم يصل بعد.
(ومن صلاة العصر إلى غروبها. وهو الوقت الرابع ثم بدأ بالوقت الخامس:
• فقال رحمه الله:
(5) وإذا شَرَعَت فيه حتى تتم.
الوقت الخامس يبدأ: من شروع الشمس بالغياب إلى أن تستتم غائبة.
= وهذا هو المذهب وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله.
والدليل على هذا: حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا غاب حاجب الشمس فأمسكوا عن الصلاة حتى تغيب الشمس).
إذاً متى يبدأ الوقت الخامس؟
إذا شرعت الشمس في الغياب إلى أن تغيب.
= الرواية الثانية: أن الوقت الخامس يبدأ من: اصفرار الشمس. وهو رواية عن الإمام أحمد
واستدلوا: بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه - السابق - وفيه: وإذا تضيفت الشمس حتى تغيب.
ومعنى تضيفت: أي مالت للغروب. وهذا يحصل إذا اصفرت الشمس.
وإذا أردنا أن نعمل قاعدة من معه زيادة علم يؤخذ بما معه من الزيادة فأي الروايتين تكون الراجحة؟ - الرواية الثانية.
لماذا؟ - لأن وقتها أوسع.
وأيهما يأتي أولاً اصفرار الشمس أو بداية الغياب؟
- اصفرار الشمس.
(2/27)
________________________________________
فالأقرب والله أعلم الرواية الثانية - على أن الأمر واسع لأنه من صلاة العصر إلى غروب الشمس وقت نهي لكن مع ذلك يجب أن تعرف الراجح لأنه سيأتينا الآن أن الأوقات الخمسة منها ما تحريم الصلاة فيه شديد ومنها ما تحريم الصلاة فيه أخف.
فالأوقات الطويلة: وهي من بعد صلاة العصر ومن بعد صلاة الفجر التحريم فيها أخف.
والأوقات القصيرة: وهي الأوقات الثلاث التحريم فيها أشد.
فليس الأمر كما يظن بعض الإخوة أن تفصيل الأوقات تحصيل حاصل بل هذا يرجع إلى وجود التحريم الأشد في القصير والأخف في الطويل.
• ثم قال رحمه الله:
ويجوز: قضاء الفرائض فيها.
بدأ المؤلف الآن في الكلام عن المستثنيات أي فيما يستثنى من الصلوات التي يجوز أن تفعل في الأوقات الخمسة.
= فيجوز عند الجماهير للإنسان أن يقضي الفرائض في الأوقات الخمسة.
لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فهذا الحديث عام يشمل إذا ذكرها في وقت النهي أو في خارج وقت النهي.
والحقيقة من وجهة نظري الخلاف في هذه المسألة ضعيف. ولذلك نكتفي بقول الجماهير وهو أن قضاء الفرائض في الأوقات المنهي عنها جائز.
• ثم قال رحمه الله:
وفي الأوقات الثلاثة: وفعل ركعتي الطواف.
الأولى من حيث النسخ حذف الواو فإنه يقول هنا أن في نسخة واحدة وهي نسخة (ب) يوجد: الواو. والأحسن والأفقه فيما أرى حذف الواو فتكون العبارة: وفي الأوقات الثلاثة فعل ركعتي طواف.
يعني: أنه يجوز في الأوقات الثلاثة أن يصلي الإنسان ركعتي الطواف.
والمقصود بالأوقات الثلاثة: أي الأوقات القصيرة المذكورة في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
ومقصود المؤلف أنها تجوز في الأوقات الثلاثة وفي غيرها لأنه إذا جازت في الأوقات الثلاثة مع أنها أشد تحريماً فلأن تجوز في الوقتين الطويلين من باب أولى.
قال: وفي الأوقات الثلاثة: وفعل ركعتي الطواف: يعني: أنه يجوز للإنسان أن يصلي ركعتي الطواف في أوقات النهي جميعاً.
والدليل على ذلك: - قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة من ليل أونهار) هذا الدليل الأول.
(2/28)
________________________________________
- الثاني: أنه ثبت عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في أوقات النهي.
•
ثم قال رحمه الله:
وإعادة جماعة.
يعني أنه لا ينهى الإنسان عن أن يصلي مع الجماعة الثانية إذا كان صلى قبل أن يحضر إلى هذا المسجد.
وبعبارة أخرى: إذا صلى الإنسان ثم إذا حضر إلى مسجد بعد أن صلى فإنه يشرع له أن يصلي مرة أخرى مع الجماعة ولو في وقت نهي.
لما رواه يزيد بن الأسود أن النبي صلى الله عليه وسلم: (صلى صلاة الصبح ثم رأى رجلين لم يصليا فقال ما منعكما أن تصليا مع الناس قالا: يا رسول الله صلينا في رحالنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا تكن لكما نافلة).
فهذا الحديث فيه دليل على أنه يشرع للإنسان أن يصلي مع الجماعة إذا أتى المسجد وإن كان قد صلى قبل ذلك.
وعللوا بتعليل آخر وهو: أنه ينبغي أن يصلي معهم لأن لا يجلب التهمة إلى نفسه لأن من رآه يظن أنه لم يصلي.
وهذا مقيد بما إذا حضر المسجد ودخله فإن لم يدخل للمسجد فإنه لا يعيد الجماعة لهذا وقت النهي لا زال باقياً في حقه لكن إذا دخل المسجد فإنه يريد الجماعة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله المسألة الأخيرة.
• فقال رحمه الله:
ويحرم: تطوع بغيرها في شيء من الأوقات الخمسة، حتى ما له سبب.
يعني: أن أية تطوع ... (الآذان) ...
قال شيخنا حفظه الله:
نذكر مسألة صلاة ذوات الأسباب على وجه الاختصار نختم بها الباب (ثم نجيب على الأسئلة).
= ذهب الجماهير إلى أن صلاة ذوات الأسباب منهي عنها في أوقات النهي.
وتعريف الصلوات ذوات الأسباب هي الصلوات التي تفوت وتذهب المصلحة المترتبة عليها إذا أخرت.
هذا تعريفها الصحيح ولا نريد أن تدخل في الخلاف في تعريفها. وهذا التعريف هو اختيار شيخ الاسلام وهو الذي تدل عليه النصوص.
واستدل الجمهور: - كما هو واضح - بعموم الأدلة الناهية عن الصلاة في أوقات النهي - الأحاديث التي تقدمت معنا: حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد وحديث عقبة. فهذه الأحاديث عامة.
= والقول الثاني: أنه تجوز الصلوات ذوات الأسباب في أوقات النهي.
واستدلوا بأدلة كثيرة نكتفي منها باثنين:
(2/29)
________________________________________
الدليل الأول: أن عموم الأحاديث الآمرة بالصلوات ذوات الأسباب عموم محفوظ كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحية المسجد مثلاً.
وأما عموم الأحاديث التي تنهى عن الصلاة في أوقات النهي فهي مخصوصة بالإجماع إذ يوجد صور أجمعوا على تخصيصها.
والقاعدة تقول: أن العموم المحفوظ مقدم على العموم المخصص.
بل سيأتيكم في أصول الفقه أن العموم المخصص في الاستدلال به خلاف. لكن نحن لا نريد أن ندخل في هذه المسألة لكن نذكر القاعدة.
الدليل الثاني: أن الصلوات ذوات الاسباب بعضها مخصص بالنص كركعتي الطواف وبعضها مخصص بالنص والإجماع كصلاة العصر قبل غروب الشمس.
وإذا تأملنا في الصلوات المخصوصة بالنص أو بالإجماع وبحثنا عن سبب التخصيص لم نجد سبباً يعلق به الحكم إلا أنها ذات سبب فعلقنا الحكم بالسبب.
(- إذاً لما تتبعنا النصوص التي فيها استثناء الصلوات المخصوصة بالنص أو بالإجماع ثم نظرنا في العلة والمناط الذي يمكن أن نربط به الحكم لم نجد بعد البحث مناطاًَ يربط به الحكم إلا أنها ذوات سبب فعلقنا الحكم به.
هذان دليلان من أقوى أدلة شيخ الاسلام والمسألة مسألة مشكلة والخلاف فيها قوي والجماهير من السلف ومن بعدهم على المنع ولكن مع ذلك أقول الراجح والله أعلم ما ذهب إليه شيخ الاسلام بوجود نصوص تستثني الصلوات ذوات الأسباب - عدداً منها فقيس عليها ما عداها.
فالراجح إن شاء الله أن الإنسان إذا توضأ لا بقصد الصلاة فإنه يصلي ركعتي الوضوء وإذا دخل المسجد لا بقصد الصلاة فإنه يصلي تحية المسجد.
أما التحايل على الشرع بأن يقصد الإنسان أن يتوضأ ليصلي أو أن يدخل إلى المسجد ليصلي فإنا أرى أن هذا غير مشروع وإن بعض أهل العلم يرى أن هذا مشروع ومقبول لكني أرى أن هذا لا يشرع لأن الشارع الحكيم يحب أن لا نصلي في هذا الوقت لكن إذا عرض سبب عارض جازت الصلاة حينئذ.
انتهى الدرس،،،
(2/30)
________________________________________
باب صلاة الجماعة
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• قال رحمه الله:
باب صلاة الجماعة
عقد المؤلف هذا الباب للكلام عن أحكام صلاة الجماعة وللشارع الحكيم سبحانه وتعالى عناية فائقة جداً بصلاة الجماعة.
وأجمع العلماء من عصر سادات الناس وهم الصحابة إلى يومنا هذا على مشروعية صلاة الجماعة وأنها محبوبة إلى الشارع.
كما أجمعوا على أن صلاة الجماعة إذا تركها أهل بلد بكاملهم قوتلوا.
وممن حكى الإجماع على المسألتين: ابن هبيرة رحمه الله.
وصلاة الجماعة شرعت لفوائد عظيمة لا تخفى على الإنسان:
- فمنها: التآلف والأخوة والإنسجام.
- ومنها: إعانة الإنسان على الصلاة لأنه إذا التزم بصلاة الجماعة صار يؤدي الصلاة بوقتها وبشروطها.
- ومنها: نصح المتخلف فإذا تخلف الإنسان عرفنا أنه لم يصل فنصحناه ولا يمكن أن نعرف هذا إلا إذا كان الناس يصلون جماعة.
والله سبحانه وتعالى شرع على عدة أنواع:
- فهي مشروعة تارة في اليوم والليلة: كالصلوات الخمس.
- وتارة في السنة: كصلاة العيد.
- وتارة إذا وجد السبب: كصلاة الكسوف.
فشرعها على أنواع كثيرة وهذا يدل على زيادة العناية والاهتمام من الشارع.
وقد شرع المؤلف رحمه الله ببيان الحكم كما هي عادة الفقهاء.
•
فقال رحمه الله:
تلزم الرجال: للصلوات الخمس لا شرط.
يريد المؤلف أن يبين أن صلاة الجماعة واجبة على الأعيان.
= وهذا مذهب الحنابلة وأكثر الحنفية والأوزاعي وأبي ثور وابن خزيمة وغيرهم من أئمة فقهاء الحديث.
(وسنذكر في هذه المسألة الأقوال ثم الأدلة)
= والقول الثاني: أنها شرط لصحة الصلاة وإلى هذا ذهب داود وابن حزم وشيخ الاسلام بن تيمية وابن عقيل وابن أبي موسى وغيرهم من الفقهاء.
= القول الثالث: أنها فرض كفاية. وإلى هذا ذهب الشافعية.
= والقول الرابع: أنها سنة وإلى هذا ذهب المالكية.
تنبيه: (ذكر شيخ الاسلام أن المالكية لا يريدون بقولهم سنة أنها سنة مطلقاً بحيث لا يؤاخذ الإنسان على تركها بل يرون أنها سنة متأكدة يصلون بها إلى ما يقارب الوجوب) هكذا قال رحمه الله وعلى كل حال أنتم الآن عرفتم رؤوس الأقوال وهي أربعة.
نرجع إلى الأدلة.
== استدل الحنابلة وفقهاء الحديث بأدلة كثيرة:
- الدليل الأول: قوله سبحانه وتعالى: {وإذا كنت فيهم وأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك}.
(2/31)
________________________________________
وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى أمر بصلاة الجماعة في حال الخوف والحرب فدل على أنها واجبة فمن باب أولى أنها تجب في حال الأمن.
- والدليل الثاني: الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فيقام لها ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم آمر رجالاً فيحتطبوا فأخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم).
وهذا الحديث يسمى عند الفقهاء بحديث التحريق.
- الدليل الثالث: أن رجلاً أعمى استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن لا يأتي إلى صلاة الجماعة لعذره فأذن له فلما ولى قال له النبي صلى الله عليه وسلم أتسمع النداء قال نعم. قال: فأجب. وهذا في صحيح مسلم.
- الدليل الرابع: الأثر الصحيح الثابت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لقدر رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق بين النفاق) نسأل الله العافية والسلامة. فجعل التخلف عن صلاة الجماعة من علامات النفاق وهذا دليل على الوجوب وأن التارك آثم.
== واستدل القائلون: بأنها شرط لصحة الصلاة بـ:
- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر).
- وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاصلاة لجار المسجد إلا في المسجد).
والصواب أن هذه الأحاديث موقوفة: - الأول: موقوف على ابن عباس.
- والثاني: ............................. .
وإذا كانت هذه الآثار موقوفة فلا دليل فيها على بطلان صلاة من صلى في بيته كما ذهب إليه الظاهرية وشيخ الاسلام.
ويجاب عن الحديث فيما لو صح بأنه محمول على من لا عذر له.
== بقينا في دليل الشافعية: - الذين يرون أنها فرض كفاية: استدلوا بـ:
- حديث ابن عمر رضي الله عنه - المشهور - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ أو الفرد بسبع وعشرين درجة). ( ...... ) الصحيحين.
قالوا: والتفضيل يدل على الجواز يعني على جواز صلاة الرجل في بيته.
والجواب: أن الحديث غاية ما يدل عليه أنه يدل على صحة صلاة المنفرد ولا يدل على شيء أكثر من ذلك. والقاعدة تقول: ((أن المفاضلة لا تعني جواز الأمرين المفاضل بينهما)).
== واستدل المالكية: بـ:
- بالحديث نفسه - حديث ابن عمر السابق -.
(2/32)
________________________________________
- وبالحديث الذي تقدم معنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ثم أوتي برجلين فقال ما منعكما أن تصليا قالا صلينا في رحالنا.
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهما أنهما صليا في رحالهما.
والجواب:
الأول: أن هذا الحديث لا يدل على عدم وجوب صلاة الجماعة لأن الرجلين صليا في رحالهما جماعة. وأما مسألة المسجد فسينص عليها المؤلف وسنتحدث عنها. يعني: كون الجماعة تكون في المسجد فهذه مسألة أخرى. فالحديث لا يدل على أنهما لم يصليا بل صليا جماعة.
والثاني: أن هذه قضية عين تحتمل أن لهما عذراً. والقاعدة المهمة التي يجب أن يفهمها طالب العلم ويطبقها في النصوص: ((أن الأحاديث المحكمة التي تنص على الأحكام نصاً لا تدرك للأحاديث المحتملة)). فالأحاديث التي تدل على وجوب الصلاة جماعة صحيحة وصريحة وقوية.
وهذا النص نص محتمل وفي بعض الروايات أن القصة وقعت في منى أي في الحج فيحتمل أن هذين الرجلين جاهلان وإذا تطرق الاحتمال للدليل بطل الاستدلال به.
== الراجح:
- الراجح بلا إشكال ولله الحمد: وجوب صلاة الجماعة في المساجد حيث ينادى بهن.
ونقول كما قال الحافظ الفقيه الكبير - ابن رجب رحمه الله: جميع الأجوبة التي أجيب بها على حديث التحريق أجوبة ضعيفة لا تقوى على مصادمة النص. - هذا معنى كلامه رحمه الله.
وقد ذكر الحافظ بن رجب رحمه الله كلاماً نفيساً جداً عن هذه المسألة والاستدلال بحديث التحريق وتقرير أن صلاة الجماعة واجبة.
وينبغي على طالب العلم أن يفهم هذه المسألة ويدرك الأدلة والاستدلال والجواب على أدلة الأقوال الأخرى لينشر هذا الحق وهو وجوب صلاة الجماعة.
فإنا نلحظ على كثير من الناس التهاون فيها فتجد المسجد الذي بجواره عشرات بل أحياناً أكثر من الناس لا يصلي فيه إلا صف واحد.
ثم نجد أن بعض الناس قد يذهب إلى ترجيح السنية أو فرض كفاية. وهي أقوال بعيدة عن نصوص الشرع وأصوله.
وهذه الأمور مجتمعة تحتم على طالب العلم أن يدرك هذه المسألة أدراكاً جيداً ويفهم الأدلة ومن قال بالوجوب ومن قال بالسنية.
• ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
تلزم الرجال: للصلوات الخمس لا شرط.
(2/33)
________________________________________
يعني أنها واجبة على الأعيان إلا أنها ليست بشرط لصحة الصلاة وتقدم معنا الكلام عن هذه المسألة وأن أحد الأقوال أنها شرط وقد قدمت القول بأن الجماعة شرط لصحة الصلاة حتى تجتمع الأقوال والأدلة في موضع واحد.
إذاً قول المؤلف رحمه الله: لا شرط أي: أنها ليست بشرط لصحة الصلاة خلافاًَ لمن ذهب إلى ذلك وتقدم معنا من هم؟ وما أدلتهم؟ وما الجواب عليها؟
• ثم قال رحمه الله:
وله فعلها في بيته.
أي أن صلاة الجماعة هي في حد ذاتها واجبة فإن شاء فعلها في بيته وإن شاء فعلها في المسجد.
= وهذا هو المذهب وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله.
واستدلوا:
- بالحديث السابق: أن الرجلين قالا صلينا في رحالنا ولم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وسلم.
وتقدم معنا الجواب على هذا: وهو أنه حديث يحتمل أشياء كثيرة.
= الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله وجوب أداء الجماعة في المسجد.
واستدل الذين نصروا هذه الرواية بأدلة منها:
- الدليل الأول: أثر ابن مسعود رضي الله عنه - المشهور - (أن الله شرع لكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى - أي الصلوات الخمس - فصلوهن حيث ينادى بهن).
فقوله: (حيث ينادى بهن): دليل على وجوب الصلاة حيث المناداة والأذان إنما ينطلق من المسجد.
- والدليل الثاني: قوله رضي الله عنه - الذي تقدم معنا -: (لقد رأيتنا وما يتخلف عنها - أي في المسجد - إلا منافق).
- الدليل الثالث: حديث التحريق هذه الحديث العظيم المفيد.
ووجه الاستدلال به: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الذين تخلفوا هل كانوا يصلون جماعة في بيوتهم أو لا؟ وإنما هم بالتحريق مباشرة صلى الله عليه وسلم.
- الدليل الرابع: أنه لو قيل بأن صلاة الجماعة في المساجد سنة وأنها ( ..... ) تكون في البيوت لأدى هذا إلى تعطيل بيوت الله وهجرها.
إذ أنا نرى الناس مع معرفتهم بالوجوب يتركون الصلاة فكيف لو قيل بالسنية فستترك تماماً وتهجر بيوت الله.
== الراجح:
(2/34)
________________________________________
الراجح هو القول الثاني. وكما تلاحظون قوة أدلة القول الثاني بل إن الشيخ الفقيه المجد كأنه ينكر الرواية الأولى يقول: لا يثبت عن الإمام أحمد رواية أنه قال بأنها سنة. هذا قول المجد وقال به غيره من الحنابلة ولكن مثل الشيخ المجد له ثقله رحمه الله. ويقول ابن رجب رحمه الله: وأنكر هذه الرواية بعض الحنابلة.
وفي الحقيقة: استنكار الشيخ المجد في محله لأن الإمام أحمد يبعد أن يذهب إلى هذا المذهب مع وضوح الأدلة في وجوب أن تكون الجماعة في المساجد.
فتضعيف المجد لهذه الرواية قوي ووجيه.
وعلى كل: سواء ثبتت هذه الرواية أو لم تثبت فالراجح هو القول الثاني.
• ثم قال رحمه الله:
وتستحب صلاة أهل الثغر: في مسجد واحد.
لما قرر المؤلف رحمه الله وجوب صلاة الجماعة وقرر أن فعلها في المساجد سنة وإن كان لا يجب فلما قررهذه الأمور انتقل للحديث عن التفضيل بين المساجد كأنه يقول: إذا ثبت وجوب الجماعة وسنية أن تكون في المساجد فالأفضل في ترتيب المساجد ما سيذكره المؤلف رحمه الله.
يقول: وتستحب صلاة أهل الثغر: في مسجد واحد.
تنقسم الصلاة في المساجد إلى قسمين:
- القسم الأول: أن تكون في الثغور.
- والقسم الثاني: أن تكون في الأمصار البلدان وليست في الثغور.
القسم الأول: إذا كانت في الثغور: فحكمها: أنه يستحب أن يصلوا في مسجد واحد. ويقصد بالثغر: أطراف البلدان التي يرابط بها المجاهدون للدفاع عن المسلمين إذا كانت في ناحية يتخوف منها هجوم العدو.
فهولاء السنة في حقهم أن يصلوا في مسجد واحد.
التعليل: قالوا: أن صلاة المجاهدين المرابطين على الثغور في مسجد واحد أدعا لا تحاد الكلمة وهيبة العدو.
القسم الثاني: الصلاة في الأمصار والبلدان وليست في الثغور وهذه التي بدأ المؤلف ببيانها:
بقوله: والأفضل لغيرهم: في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره، ثم ما كان أكثر جماعة، ثم المسجد العتيق، وأبعد أولى من أقرب.
إذاً الترتيب عند الحنابلة:
- المسجد الذي لا تقام الحماعة إلا فيه.
- ثم ما كان أكثر جماعة.
- ثم المسجد العتيق.
- ثم الأبعد.
فهذه الأربعة مساجد ترتيبها عند الحنابلة في الأفضلية.
(2/35)
________________________________________
فإذا سألك سائل أيهما أفضل لي: أن أصلي في مسجد عتيق أو في مسجد بعيد؟
الجواب: في مسجد عتيق.
أيهما أفضل أن أصلي في مسجد بعيد أو في مسجد كثير جماعة؟
الجواب: في المسجد كثير الجماعة.
إذاً إذا عرفت الترتيب تستطيع أن تجيب في ترتيب المساجد.
- الأول: المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره:
هذا هو المسجد الأول في الأفضلية. وهذا صحيح أن هذا أفضل المساجد بالنسبة للإنسان.
الدليل: - الدليل على أن هذا أفضل المساجد بالنسبة للمسلم: أن تركه الصلاة فيه يؤدي إلى تعطيل المسجد وحرمان المصلين من الصلاة فيه.
ولا شك تعليل قوي جداً وواضح فبناء عليه نقول أن هذا هو أفضل المساجد.
- الثاني: ثم ما كان أكثر جماعة:
ما كان أكثر جماعة أولى مما هو أقل أو عتيق أو بعيد.
الدليل: - قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أفضل ومع الرجلين أفضل وكل ما كان أكثر فهو حب إلى الله).
فهذا نص صريح صحيح في تقديم كثرة الجماعة على غيرها.
- الثالث: قال: ثم المسجد العتيق:
= الحنابلة - المذهب الاصطلاحي يجعل المسجد العتيق أفضل من الأكثر جماعة. فالمؤلف في هذا الموضع خالف المذهب الاصطلاحي.
لكن الصواب مع المؤلف في تقديم الأكثر جماعة على المسجد العتيق.
لماذا يفضل؟ من حيث الأصل المسجد العتيق يفضل لقدم العبادة والطاعة فيه.
وهذا التعليل كما ترون لا يقوم على نص معين وإنما هو تعليل يعتمد على النصوص العامة.
وتقدم معنا مراراً أنه إذا كان في المسألة نص فهو يقدم على التعليلات العامة المأخوذة من قواعد الشرع.
- الرابع: قال: وأبعد أولى من أقرب.
يعني أن المسجد البعيد أفضل من المسجد القريب.
والدليل: - الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دياركم تكتب آثاركم).
- وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أن من خرج إلى الصلاة لا يخطو خطوة إلا كتبت له بها حسنة ومحيت عنه بها سيئة).
وكلما كان المسجد أبعد كانت الخطوات أكثر. فهو أحب إلى الله.
= القول الثاني: أن الأبعد مقدم على العتيق أو الأقدم.
وأظن أن التعليل واضح. فما هو التعليل؟ أن في تفضيل الأبعد نص بينما العتيق في تفضيله تعليل.
(2/36)
________________________________________
فعلى هذا القول: - المسجد الذي لا تقام الجماعة إلا بحضوره - الأكثر جماعة - الأبعد - العتيق.
= القول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد أن الأقرب - عكس كلام المؤلف - مقدم على الأكثر جماعة.
الأقرب: هل ذكره المؤلف؟
الجواب: لم يذكره أفضل لأنه ذكر أن أبعد أولى من أقرب.
إذاً القول الثالث: أن الأقرب لبيتك مقدم على الأكثر جماعة.
فكيف سيكون الترتيب؟
- ما لاتقوم الجماعة إلا به.
- ثم الأقرب.
- ثم الأكثر جماعة.
- ثم البعيد.
- ثم العتيق.
إذاً هذه خمسة على القول الراجح.
الدليل: - على تقديم المسجد القريب:
ذكروا دليلاً وتعليلاً:
- أما الدليل فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليصلي أحدكم في المسجد الذي يليه ولا يتتبع المساجد).
- والتعليل: أن خروج الرجل من حيه ومسجده القريب إلى مسجد آخر قد يوقع بينه وبين جماعة المسجد نوه بغضاء وتشاحن لأنهم يرون أنه يزهد بهم.
في الحقيقة القول بأن الأقرب يقدم على الأكثر جماعة هو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وفيه وجاهة لأن عليه عمل السلف إذ كانوا يصلون في مساجد الأحياء ولأنه قد يؤدي اتخاذ هذه الطريقة أحياناً إلى ترك الصلاة لأنه يزعم أنه يصلي في مسجد بعيد وهو لا يصلي فيه.
بالإضافة إلى القضية التي ذكروها وهي: إيغار صدور جماعة المسجد القريب.
إذاً الراجح: هو هذا الأخير.
من لا تقام الجماعة إلا به.
ثم المسجد القريب.
ثم الأكثر جماعة.
ثم الأبعد.
ثم العتيق.
خمسة.
ويقدم على المساجد جميعاً فيما عدا الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره يقدم عليها جميعاً المسجد الذي يشعر الإنسان بخشوع وحضور قلب في الصلاة فيه.
إما لقيام الإمام بالسنة أو الطمأنينة الواجبة ولأي سبب من الأسباب.
فما دام الإنسان يشعر أنه إذا صلى في هذا المسجد فهو أخشع وأقرب إلى الله وأكثر طمأنينة فهو الأولى.
إذاً الترتيب الخماسي السابق عند تساوي قضية الخشوع أما إذا كان يخشع في مسجد غير هذه الخمسة فهو مقدم ولو كان خارج الحي ولو كان أقل جماعة.
إذاً إذا أردنا أن نرتب فماذا نقول: - بدون اعتبار قضية الخشوع:
- من لا تقام إلا به.
- الأقرب.
- الأكثر جماعة.
- الأبعد.
- العتيق.
(2/37)
________________________________________
خمسة. وهذه الأمور يجب أن نراعيها فالإنسان يتعبد الله سبحانه وتعالى فإذا رأى أن هذا هو القول الصواب فيتبعد الله بأن يصلي في المسجد الأفضل. وهذا يتصور كثيراً لا سيما إذا لم يكن بجوار الإنسان مسجد فيصلي في المساجد المتاحة حسب هذه الأفضلية.
• ثم قال رحمه الله:
ويحرم أن يؤم في مسجد: قبل إمامه الراتب.
الإمام الراتب هو: الإمام الذي وضع ليصلي جميع الصلوات.
- إما أن يضعه جماعة المسجد. كما في القديم.
- أو أن يكون معيناً رسمياً من قبل الجهات المختصة كما في عصرنا الحاضر.
فهذا هو الإمام الراتب.
يحرم أن يؤم الإنسان في المسجد قبل مجيء الإمام الراتب.
التعليل: قالوا: أن الإمام الراتب في مسجده كالرجل في بيته والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يؤمن الرجل الرجل في بيته).
إذاً حكم الافتيات على إمام المسجد والصلاة حكمه: محرم. فإن صلى فاختلف الفقهاء:
- منهم من قال: صلاته باطلة لأنه أقدم على المحرم عالماً.
- ومنهم من قال: صلاته صحيحة لأن التحريم يعود لأمر خارج عن الصلاة. والرواية الثانية - هذه - أصح فهو آثم ولكن الصلاة صحيحة.
•
ثم قال رحمه الله:
إلاّ بإذنه.
فإذا أذن الإمام الراتب لشخص أن يصلي مكانه صحت صلاة النائب ولا إثم عليه.
والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته أذن لأبي بكر بالصلاة فصلى أبو بكر بعد إذن النبي صلى الله عليه وسلم فصار هذا دليلاً على جواز ن يصلي الإنسان مكان الإمام الراتب بإذنه.
• ثم قال رحمه الله:
أو عذره.
أي إذا تغيب الإمام بسبب عذر كأن يكون مريضاً أو بعيداً أو مسافراً ففي هذه الحالة يجوز أن يصلي البديل أو النائب في مكان هذا الإمام ولو لم يأخذ الإذن.
بدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً ليصلح بين بني عمرو بن عوف لشحناء كانت بينهم فتأخر فقال بلال رضي الله عنه لأبي بكر أتصلي بالناس؟ قال: نعم إن أردت فقام بلال وصلى أبو بكر.
ففي هذا الحديث أن أبا أبكر الصديق رضي الله عنه صلى بدل الإمام وهو النبي صلى الله عليه وسلم بلا إذنه والسبب أنه غاب بعذر والعذر في هذا الحديث هو أنه خرج بعيداً فانشغل.
• ثم قال رحمه الله:
ومن صلى ثم أُقيم فرض: سن أن يعيدها إلاّ المغرب.
(2/38)
________________________________________
= هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل عند الحنابلة فنريد أن نفهم مذهب الحنابلة:
إذا صلى الإنسان الفريضة ثم أقيمت الجماعة في المسجد فهذا ينقسم إلى قسمين: - نحن نتحدث عن تفصيل مذهب الحنابلة في هذه المسألة.
- القسم الأول: أن يشرع المؤذن في الإقامة وهذا الرجل - الذي سبق وصلى - داخل المسجد. ففي هذه الصورة يجب أن يعيد الصلاة ولو كان في وقت نهي وهذه الصورة هي الصورة التي تقدمت معنا عندما قال المؤلف رحمه الله: وإعادة جماعة.
- القسم الثاني: أن يشرع المؤذن في الإقامة وهذا الرجل خارج المسجد فحينئذ يشرع له أن يعيد بشرطين:
- الشرط الأول: أن لا يأتي بقصد الإعادة.
- الشرط الثاني: أن لا يكون في وقت نهي.
استدلوا على القسم الأول: بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت وأنت في المسجد فصل معهم)
واستدلوا على القسم الثاني: بالحديث الذي سبق معنا: (إذا أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم تكن لكما نافلة).
كم قسم لهذه المسألة؟
قسمان.
أيهما الذي سبق معنا؟
القسم الأول.
هل يصلح أن نقول أن الذي سبق معنا هو الثاني؟
لا. لأن الجنابلة يشترطون أن لا يكون في وقت نهي مع العلم أنه في الباب السابق لما انتهى من أوقات النهي قال: له إعادة الجماعة.
إذاً هو يقصد القسم الأول ولا يقصد القسم الثاني.
= القول الثاني: أن من حضر مسجد الجماعة فإنه يعيد مطلقاً بلا تفصيل لأن النصوص التي فيها الأمر بإعادة الصلاة عند حضور مسجد الجماعة عامة لم تفصل - لكنني أحببت أن تفهموا مذهب الحنابلة.
• ثم قال رحمه الله:
إلاّ المغرب.
أي أنه إذا صلى المغرب ثم حضر مسجد جماعة فإنه لا يصلي معهم المغرب.
التعليل: قالوا: أن المعادة - يعني مع الجماعة - نفل ولا يشرع للإنسان أن يتنفل بوتر.
= والقول الثاني: أن صلاة المغرب كغيرها من الصلوات إذا حضر الإنسان مسجد جماعة وقد صلى الفريضة فإنه يصلي معهم لأنه لا دليل على التخصيص وألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم عامة.
• ثم قال رحمه الله:
ولا تكره إعادة جماعة: في غير مسجدي مكة والمدينة.
نحتاج إلى تفصيل في هذه المسألة:
- المسألة الأولى: ما معنى إعادة الجماعة؟
(2/39)
________________________________________
إعادة الجماعة هي الصلاة جماعة في المسجد بعد انتهاء الإمام الراتب. هذه فقط هي مسألة إعادة الجماعة. ولننتبه فإن الفقهاء يطلقون أشياء تعتبر مصطلحات.
إذاً إعادة الجماعة في البراري وفي أشياء أخرى ستأتي معنا عند تحرير محل النزاع لا تدخل معنا إنما المقصود الآن إعادة الجماعة بعد صلاة الإمام الراتب.
- المسألة الثانية: تحرير محل النزاع:
تحرير محل النزاع فيه ثلاث نقاط:
- النقطة الأولى: اتفق الفقهاء كلهم على أنه يحرم إقامة جماعتين في مسجد واحد في وقت واحد. فهذا محرم بالإجماع.
- النقطة الثانية: اتفق الفقهاء على أنه لا تحرم إعادة الجماعة في المسجد الذي ليس له إمام راتب أو في مساجد الطرقات ونحوها - الآن - مساجد المطارات والمواقف العامة.
- النقطة الثالثة: اختلفوا في إعادة الجماعة في مسجد له إمام راتب بعد انتهاء الصلاة.
= مسألة: ما معنى تحرير محل النزاع؟
الجواب: معناه: إخراج المسائل المتفق عليها وتحديد المسألة محل البحث.
ـ اختلف الفقهاء في النوع الثالث على قولين:
= القول الأول: جواز إعادة الجماعة. وإلى هذا ذهب الحنابلة كما ترون: (ولاتكره إعاددة الجماعة).
= وفي رواية استحباب إعادتها.
لكن الأدلة واحدة.
واستدلوا على هذا الحكم بعدة أدلة.
انتهى الدرس،،،
(2/40)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بالأمس تحدثنا عن هذه المسألة وذكرنا تحرير محل النزاع والأقوال فيما يبدو.
= فالقول الأول: - وهو مذهب الحنابلة نه لا تكره إعادة الجماعة.
- وفي رواية أنها تستحب.
واستدلوا بأدلة: منها:
الدليل الأول: - أن رجلاً دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقد فاتته الجماعة فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم يهم بأن يصلي منفرداً قال ألا رجلاً يتصدق على هذا.
هذا الحديث لا بأس به واحتج به الإمام أحمد رحمه الله.
الدليل الثاني: - أن أنس رضي الله عنه دخل المسجد وقد فاتته الجماعة فأذن وأقام وصلى جماعة.
الدليل الثالث: - العمومات الدالة على فضل الجماعة فإنها لم تفرق بين أن يأتي بعد صلاة الإمام الراتب أو قبله.
= القول الثاني: أنه يمنع من الصلاة مرة أخرى في المسجد. وأكثر الفقهاء عبر بالكراهة.
واستدلوا بأدلة كثيرة نأخذ منها اثنين: تعتبر أقوى الأدلة.
الدليل الأول: - أن الحسن البصري رحمه الله قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتتهم الصلاة صلوا في المسجد فرادى. فهذا نص في المسألة.
(2/41)
________________________________________
الدليل الثاني: - أن إقامة أكثر من جماعة قد توجب النزاع والشقاق إذ قد يظن الإمام أن الجماعة الثانية تقصدت عدم الصلاة خلفه.
ومن المفيد أن تعلم قبل الترجيح أن الصحابة أنفسهم اختلفوا في هذه المسألة فقد روي عنهم أقوال فيها اختلاف. فمنهم من يرى المشروعية ومنهم من لا يراه كما سمعتم في الأدلة.
والراجح المذهب الأول: مذهب الحنابلة والجمهور لأنهم استدلوا بالأحاديث المرفوعة ومعهم من الآثار نظير ما مع أصحاب القول الثاني.
فالصواب أننا نقواه أنه يسن أن تعاد وليس فقط أنه يجوز لأنه إذا كان مشروعاً فالصلاة جماعة مندوب إليها.
وبهذا يتبين أنه لايجب أن يصلوا جماعة مرة أخرى وعلى حد اطلاعي إلى الآن لم أر من قال: بوجوب إعادة الجماعة إنما الخلاف في إما في الجواز أو الاستحباب أو الكراهة.
لكن نقول مع ذلك هو مستحب ومندوب إليه ولا ينبغي أبداً لمن فاتته الصلاة إذا كانوا أكثر من رجل أن يصلوا فرادى بل يجتمعوا تحقيقاً للسنة.
• ثم قال رحمه الله:
في غير مسجدي مكة والمدينة.
= استثنى الحنابلة الحرم المكي والحرم المدني فقالوا: لا يشرع إعادة الحماعة.
تعليلهم: أن تجويز إعادة الجماعة يؤدي إلى التهاون في حضور الجماعة الأولى في المسجدين.
= والقول الثاني: أن المسجد الحرام والنبوي كغيرهما من المساجد تشرع إعادة الجماعة فيهما.
استدلوا: بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا رجل يتصدق على هذا وهذه القصة وقعت في المسجد النبوي وهو محل النزاع.
• ثم قال رحمه الله:
وإذا أُقيمت الصلاة: فلا صلاة إلاّ المكتوبة.
هذه الجملة هي نص حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2/42)
________________________________________
= قوله: وإذا أقيمت: ظاهر العبارة أنه إذا شرع في الإقامة فلا صلاة أي: فلا يجوز أن يشرع في صلاة النافلة.
= والقول الثاني: أن معنى إذا أقيمت يعني إذا انتهى من الإقامة.
والصواب المعنى الأول: لأن لحديث أبي هريرة رضي الله عنه رواية في صحيح ابن حبان وفيها: إذا أخذ المؤذن بالإقامة) فهذه الرواية تحدد أن المشروع بمجرد أن يبدأ المؤذن بالإقامة أن لا يشرع في النافلة.
(إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة)
ظاهر هذه العبارة أنه يحرم أن يشرع الإنسان في نافلة إذا أقيمت الفريضة.
= وهذا هو مذهب الحنابلة.
وإذا شرع فإنها لا تنعقد
= وهذا أيضاً مذهب الحنابلة ونصره ابن حزم رحم الله الجميع.
واستدلالهم واضح لأنه يقول: (فلا صلاة) والأصل في النفي نفي العبادة. يعني: لا صلاة شرعية.
= والقول الثاني: أنه يحرم أن يشرع ولكن إن شرع انعقدت مع الإثم.
والصواب مع مذهب الحنابلة لأن دليلهم واضح وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
إذاً هذا معنى قول المؤلف: فلا صلاة إلا المكتوبة.
ولما بين رحمه الله حكم الشروع في النافلة بعد الإقامة انتقل إلى المسألة الثانية.
• فقال رحمه الله:
فإن كان في نافلة أتمها.
أي يريد أن يبين الحكم إذا شرع في النافلة قبل الإقامة ثم أقام وهو في النافلة.
= فالحنابلة يرون أنه يتم هذه النافلة خفيفة.
استدلوا: بدليلين:
- الأول: قوله تعالى {ولا تبطلوا أعمالكم}.
- الثاني: أن الفقهاء قرروا قاعدة وأخذوا بها في مواضع كثيرة وهي: (أن الاستدامة أقوى من الابتداء). والآن هو يستديم أو يبتديء؟ يستديم.
وهذه المسألةمهمة تتكرر بتكرر الفروض الخمسة إذ غالباً ما يكون الإنسان في نافلة ويقيم المؤذن فهذا يكثر جداً. وفي المسألة أقوال ونحن سنذكر قولين فقط. المذهب والقول الثاني.
= القول الثاني: رواية عن الإمام أحمد وهو مذهب الشافعي وهو قول الفقيه الجليل سعيد بن جبير: أنه يجب أن يقطع الإنسان النافلة إذا أقيمت الصلاة وهو فيها إذا كان استمراره يؤدي إلى الإخلال بالتحريمة أو بالتهيؤ للصلاة إلا إذا لم يبق من هذه النافلة إلا ما لا يخل بذلك كأن يبقى التسليم أو نهاية التشهد.
(2/43)
________________________________________
فهؤلاء استدلوا بالحديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة) سواء كان شرع في هذه الصلاة قبل أو بعد الإقامة فإن الحديث لم يفصل هذا التفصيل وإنما قال فلا صلاة.
وهذا القول هو الصواب إن شاء الله وما عداه من الأقوال ضعيفة وهي تفصيل لا دليل عليه. وثبت بالتجربة أن الإنسان إذا أتم النافلة ولو خفيفة ولو كان صلى منها ركعة فإنه يخل بذلك بالفريضة فيدخل فيها مستعجلاً يريد أن يدرك ويفوته دعاء الاستفتاح ولا يأت بالفريضة على الوجه المطلوب.
ولذلك نقول إن هذا القول هو الراجح فينبغي على الإنسان إذا أقيمت الصلاة أن يقطع النافلة فوراً ولا ينتظر شيئاً إلا إذا كان في نهاية النافلة كما قلت فيتم النافلة ويدخل مع الإمام.
ومن جرب الشيء وجد أن هذا القول الذي ذهب إليه الإمام أحمد وسعيد بن جبير والشافعي أنه قول وجيه جداً.
• ثم قال رحمه الله:
إلاّ أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها.
معنى قوله: (إلا أن يخشى فوات الجماعة). أي: إلا أن يخشى فوات ما تدرك به الجماعة. وسيأتينا الخلاف في ما تدرك به الجماعة.
= والقول الثاني: أنه يقطعها إذا خشي فوات الركعة الأولى.
هذا الخلاف يتصور عند الحنابلة وإلا على القول الراجح فإنه يقطع لكن إذا قلنا أنه يتمها خفيفة فيشترط لهذا الإتمام عند الحنابلة أن لا يخشى فوات الجماعة وعلى القول الثاني أن لايخشى الركعة الأولى وهذا هو الصواب.
فهذا التفصيل والترجيح كله داخل مذهب الحنابلة وإلا عرفنا الصواب في هذه المسألة.
• ثم قال رحمه الله:
ومن كبر قبل سلام إمامه: لحق الجماعة.
يريد المؤلف أن يبين في هذه المسألة
= يذهب الحنابلة إلى أن الإنسان يدرك فضل الجماعة إذا كبر ودخل في الصلاة قبل أن يسلم الإمام ولو لم يدرك من صلاة الإمام إلا التشهد الأخير.
واستدلوا على ذلك: - بأنه أدرك جزءاً من الصلاة أشبه ما لو أدرك ركعة.
= القول الثاني: أن فضل الجماعة لا يدرك إلا بإدراك ركعة مع الإمام.
- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة).
(2/44)
________________________________________
- ولأن الشارع الحكيم رتب على إدارك الركعة إدارك الصلاة ولم يرتب على إدارك جزء من الصلاة أي أحكام فقال: (من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر) وكذلك في الفجر.
فعلمنا أن الشارع يرتب الإدراكات على إدارك ركعة لا على سوى الركعة من جزاء الصلاة فنعمل بما رتبه الشارع وما أراده ونجعله مناط ونهمل مالم يجعله الشارع علة وسبباً للإدراك.
وهذا القول الثاني: هو الصواب.
ويترتب على هذا أن الإنسان إذا دخل المسجد ووجد الإمام في الركعة الأخيرة وفاته الركوع الأخير فإنه على القول الراجح لم يدرك صلاة الجماعة فإن ظن قدوم أحد معه أو علم بقدوم أحد معه فالسنة أن ينتظر ولا يدخل مع الإمام ويصلي مع من حضر جماعة لأنه إذا صلى مع الثاني يكون قد أدرك الجماعة وإذا دخل مع الإمام لم يدرك الجماعة.
وإذا علم أنه لن يأتي أحد سواه فإنه يدخل مع الإمام.
وممن ذهب إلى هذا التفصيل شيخ الاسلام رحمه الله في مسألة إدراك الإمام.
والتفصيل الذي ذكره يترتب على الترجيح الذي ذكرناه وكلامه وتفصيله قوي وهو صحيح.
•
ثم قال رحمه الله:
وإن لحقه راكعاً: دخل معه في الركعة.
أي وأدرك الركعة.
ولو كان المؤلف رحمه الله أضاف هذه العبارة لتقرير الحكم تقريراً واضحاً لكان أنسب.
إذاً وإن لحقه راكعاً: دخل معه في الركعة وأدرك الركعة أي: ويعتبر أدرك الركعة.
نحن نتحدث الآن لا عن إدراك الجماعة وإنما عن إدراك الركعة يعني: متى يعتبر الإنسان مدركاً للركعة؟
= إذاً الحنابلة يرون أنه إذا لحقه راكعاً فقد أدرك الركعة ويعتد بهذه الركعة.
والضابط في إدراك الركعة مع الإمام: أن يصل المأموم إلى المجزئ من الركوع قبل أن يرفع الإمام عن المجزئ من الركوع.
أي بعبارة أوضح: يجب أن يضع يديه على ركبتيه قبل أن يرفع الإمام يديه عن ركبتيه. فإن أخل بذلك بأن وضع يديه بعد أن رفع الإمام يديه عن ركبتيه فإنه لا يعتبر أدرك الركوع.
إذاً من حين أن يبدأ الإمام بالرفع يفوت المأموم إدارك الركوع.
وهذا هو مذهب الجماهير.
واستدلوا: بأدلة:
- منها: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة).
(2/45)
________________________________________
- ومنها: أن الصحابي الجليل أبا بكرة رضي الله عنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فلما رآه راكعاً خشي أن تفوته الركعة فركع ...... فلما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم قال له زادك الله حرصاً ولا تعد أو ولا تُعِد والصواب ولا تَعُد). يعني لا تعد لهذا العمل.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره في هذا الحديث بإعادة هذه الركعة ولأنه إذا أدرك الركوع فقد أدرك غالب الركعة لأن الركوع هو غالب الركعة.
وفي هذا الاستدلال - الأخير - نظر في الحقيقة لماذا؟ لأن الركعة تتكون من قيام وركوع وسجدتين وجلسة بين السجدتين فكيف يكون بإدراك الركوع يكون مدركاً لأكثر الركعة لأنه أدرك الركوع وما بعد الركوع إذاً لم يفته إلا القيام والقراءة.
إذاً هذا الاستدلال قوي وليس بضعيف.
= القول الثاني: أن الإنسان لا يدرك الركعة إلا إذا أدرك القراءة والقيام لأنهما من أركان الصلاة فلا تصح الركعة إلا بهما.
وإلى هذا ذهب عدد من الفقهاء منهم: الإمام البخاري رحمه الله ومنهم من المتأخرين العلامة المعلمي رحمه الله. وعدد من أهل العلم.
واستدلوا بما ذكرت: أنهم لم يدركوا الفاتحة ولا القيام وهما من أركان الصلاة.
والصواب مع الجماهير لأن أدلتهم واضحة وصريحة بأن من أدرك الركوع يعتبر أدرك الركعة.
والجواب عن دليل البخاري رحمه الله: أن أحاديث وجوب القيام ووجوب قراءة الفاتحة مخصوصة بأحاديث الجمهور.
عرفنا الآن الخلاف والراجح وأن ما ذكره المؤلف هنا صحيح.
• ثم قال رحمه الله:
وأجزأته التحريمة.
يعني أن من أدرك الإمام راكعاً ودخل معه واكتفى بتكبيرة التحريم دون تكبيرة الركوع فإن تكبيرة التحريمة تجزئه عن تكبيرة الركوع.
= وإلى هذا ذهب الحنابلة كما ترون بل هذا مذهب الأئمة الأربعة والجماهير من أهل العلم.
واستدلوا على هذا الحكم: - بأن هذا القول مروي عن زيد بن ثابت وعن ابن عمر ولا يعلم لهما مخالف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ مسألة: فإن نوى بالتكبيرة تكبيرة التحريمة والركوع في آن واحد. نواهما جميعاً.
= فإن الحنابلة يرون أن صلاته لم تنعقد. لأنه شرك بين الواجب وغيره.
(2/46)
________________________________________
= والقول الثاني: أنه إذا نوى بالتكبيرة تكبيرة التحريم والركوع في آن واحد فإن صلاته صحيحة لأن تكبيرة الركوع لا تنافي تكبيرة الإحرام. فلا موجب لبطلان الصلاة لأنه أتى بتكبيرة الإحرام وزيادة.
وهذا القول - الثاني - هو الصحيح.
ـ مسألة: وهي الصورة الثالثة: في القسمة العقلية:
- إذا نوى تكبيرة الركوع فقط فلا إشكال في أن صلاته لم تنعقد لأن تكبيرة الإحرام ركن ولم يأت به ولم يدخل في صلاته أصلاً.
إذاً إما أن ينوي التحريمة فقط أو ينوي التحريمة مع الركوع أو ينوي الركوع وعرفنا حكم كل صورة من هذه الصور.
•
ثم قال رحمه الله:
ولا قراءَة: على مأموم.
يريد المؤلف أن يبين أنه لا يجب على المأموم ى في الصلاة السرية ولا في الصلاة الجهرية أن يقرأ. وإنما يكتفي في الجهرية والسرية بقراءة الإمام وتقدم معنا الخلاف في هذه المسألة مطولاً: حكم قراءة المأموم في الجهرية وفي السرية والأدلة فيها والراجح.
ويستحسن أن ينقل الخلاف الذي ذكرناه هناك إلى هنا عند هذه العبارة.
ولا أريد أن أعيد ما قلته في تلك المسألة لكن أنبه إلى تنبيه:
ـ الأول: وهو أن من الفقهاء من رأى أن قراءة المأموم تبطل الصلاة وهو مروي عن الأحناف بل مروي عن الإمام أحمد رحمه الله وهذا يجعل الإحتياط في المسألة متعذر.
فإذا أراد الإنسان أن يحتاط ويقرأ فمن الفقهاء من قال ببطلان صلاته.
وإن أراد أن يحتاط ولا يقرأ فمن الفهاء من رأي أيضاً بطلان صلاته.
إذاً السبيل بالنسبة لطالب العلم ولأهل العلم أن يبحثوا في الراجح وبالنسبة للعامي أن يسأل من يثق بدينه وعلمه ويعمل بقوله.
فالاحتياط متعذر لهذا الأمر.
ـ التنبيه الثاني: أن أقوال الفقهاء في هذه المسألة فيها اضطراب وتعارض كما قال شيخ الاسلام بن تيمية أي أن الخلاف في هذه المسألة شديد وتشعب ومتشابك.
إذاً عرفنا أن قوله: ولا قراءة على مأموم أن مذهب الحنابلة أنه لا يجب على المأموم أن يقرأ لا في السرية ولا في الجهرية وعرفنا الخلاف والرجح في هذه المسألة.
• ثم قال رحمه الله:
ويستحب: في إسرار إمامه.
(2/47)
________________________________________
أي أنه يستحب للمأموم أن يقرأ في الصلاة السرية، فيستحب ولا يجب. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له إمام فقرائته له قراءة).
فقوله: (من كان له إمام) عام يشمل الجهرية والسرية.
وأيضاً تقدم معنا الخلاف: وأن الراجح وجوب القراءة في السرية وعدم القراءة في الجهرية.
• قال رحمه الله:
وسكوته.
يعني: يستحب للمأموم أن يقرأ في الصلاة إذا أسر الإمام أو سكت في الجهرية.
وهذا ينقلنا إلى مسألة سكوت الإمام:
= فالحنابلة يرون أنه يستحب للإمام أن يسكت في ثلاث مواضع.
1 - إذا كبر قبل أن يقرأ الفاتحة.
2 - وبعد قراءة الفاتحة بقدرها (يعني بقدر الفاتحة).
3 - وقبل الركوع بعد الانتهاء من القراءة.
- دليل المذهب: أنهم أخذوا بحديث سمرة وبالنسبة للسكتة الثالثة قالوا: ليتسنى للمأموم أن يقرأ الفاتحة. فذكروا تعليل وحديث. أما التعليل فضعيف والحديث صحيح.
(نحن نتكلم عن متى تشرع سكتات الإمام؟ بعد أن بينا أنه يشرع عند الحنابلة في سكتات الإمام أن يقرأ الإنسان بالفاتحة.
= القول الثاني: أنه يشرع السكوت في موضعين فقط:
1 - إذا كبر قبل أن يقرأ الفاتحة.
2 - إذا أراد أن يركع بعد الانتهاء من القراءة.
والدليل على هذا: حديث سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت سكتتين: الأولى: إذا كبر. والثانية: قبل أن يركع.
= القول الثالث: أنه لا يشرع للإمام أن يسكت مطلقاً. وهو مذهب مالك. ولعله رحمه الله: إما لم تبلغه الأحاديث أو بلغته ولمنها لم تبلغه بإسناد صحيح وإلا فالآثار واضحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت لا سيما السكوت الذي يعقب تكبيرة الإحرام فإنه قد جاء في عدد من الأحاديث.
إذاً الراجح هو القول الثاني: ولا يشرع للإمام وليس من السنة أن يسكت بعد قراءة الفاتحة لأن هذا لم يأت في السنة ولو جاء وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان يفعله في صلواته لنقل إلينا نقلاً تثبت به الحجة.
ثم قال رحمه الله:
وإذا لم يسمعه لبعد لا لطرش.
= يعني: يشرع ويستحب للمأموم أن يقرأ إذا لم يسمع الإمام بسبب البعد. فإنه يستحب فقط فلو سكت فلا حرج عليه.
(2/48)
________________________________________
= والقول الثاني: أن من لم يسمع الإمام لبعد أو لصمم أو لأي سبب من الأسباب فإنه يجب عليه وجوباً ولو في الجهرية أن يقرأ. لأن الذي يعفى من الفاتحة هو القارئ أو المستمع وهذا ليس بقارئ ولا مستمع.
وهذا القول الثاني - هو الصواب.
•
ثم قال رحمه الله:
ويستفتح ويستعيذ: فيما يجهر به إمامه.
= يعني: أن المستحب للمأموم في الصلاة الجهرية أن يستفتح ويستعيذ.
الأدلة: - أولاً: قياساً على السرية لأن المأموم في السرية يستحب له أن يستفتح ويستعيذ. ولذلك لم يذكره المؤلف وإنما ذكر الجهرية لأن السرية معلوم أنه يستفتح ويستعيذ.
ثانياً: أن الغرض والحكمة التي شرع من أجلها الاستفتاح والاستعاذة لا تتحقق بمجرد الاستماع لقراءة الإمام فوجب أن يأتي بهما.
- نحن نتكلم عن الجهرية -.
= القول الثاني: أنه يستحب له أن يستفتح ولا يستعيذ.
الدليل: - قالوا: أن الاستفتاح تابع لتكبيرة الإحرام بينما الاستعاذة تابعة للقراءة وهو سيكبر تكبيرة الإحرام ولن يقرأ فيأتي بالاستفتاح دون الاستعاذة.
وهذا القول - الثاني - هو الصحيح وهو الذي تدل عليه النصوص إذ لا يأمر الإنسان بالاستعاذة وهو لا يريد القراءة إنما يستعيذ من أراد أن يقرأ.
• ثم قال رحمه الله:
ومن ركع أو سجد قبل إمامه: فعليه أن يرفع ليأتي به بعده.
بدأ المؤلف رحمه الله - هنا - الكلام عن مخالفة الإمام. وبدأ بالنوع الأول من المخالفة وهو المسابقة ولعله بدأ به لأنه الأكثر وقوعاً.
فمن ركع أو سجد قبل إمامه فإنه: - إن كان متعمداً فهو آثم وعمله محرم. ولكن هل تبطل الصلاة بهذا أو لا تبطل؟
توقف الدرس للآذان وبه ينتهي درس اليوم
انتهى الدرس،،،
(2/49)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بدء المؤلف رحمه الله بالكلام عن المخالفات التي تقع بين الإمام والمأموم.
وبدأ بالنوع الأول من المخالفة وهو: السبق. - أي: أن يسبق المأموم الإمام - ولعله بدأ بالسبق لأن غالب المخالفة من المأموم تكون بالسبق.
• فيقول رحمه الله:
ومن ركع أو سجد قبل إمامه: فعليه أن يرفع ليأتي به بعده.
نبدأ بتقرير المذهب في هذه المسألة:
= الحنابلة يرون - وهذا هو معنى هذه العبارة - أن المأموم إذا سبق الإمام إلى الركوع أو إلى السجود فإن عمله هذا محرم وهو به آثم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (أما يخشى الذي يسبق الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار - أو يجعل صورته صورة حمار).
فإذا فعل هذا الفعل - وهو: سبق الإمام إلى الركن - فإن صلاته صحيحة مع التحريم بشرط أن يرجع ويأتي به بعده. وهذا معنى قوله: (فعليه أن يرفع ليأتي به بعده).
التعليل:
أما دليل التحريم فعرفناه.
وأما تعليل صحة الصلاة مع كونه تعمد مخالفة الإمام فقالوا: أن هذه المخالفة مخالفة يسيرة وقد وافق الإمام في الركن فبقيت صلاته صحيحة.
= القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهو أيضاً مذهب الظاهرية أنه إذا فعل ذلك - أي إذا سبق الإمام - فعمله محرم والصلاة باطلة.
الدليل: استدلوا بذات الدليل فقالوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أما يخشى الذي يسبق الإمام أن يحول الله صورته .... الحديث.
فهذا نص في التحريم.
ثم إن هذا النهي يعود إلى فعل في ذات الصلاة وإذا عاد النهي إلى فعل في الصلاة أدى إلى بطلانها.
وهذا القول: قوي وممن رجحه ونصره الشيخ العلامة السعدي رحمه الله. وهو الأقرب.
وإن كان يترتب على هذا أمر فيه عسر وهو: كثرة الذين يسبقون الإمام.
فلو نظرت الناس لوجدت عدداً كبيراً منهم يسبق الإمام - كأن يسجد قبل الإمام فإذا قال الإمام: الله أكبر وكان الإمام ثقيلاً - مثلاً - فإن بعض المأمومين يسبقون الإمام إليه.
فهذا الذي سبق الإمام صلاته على القول الراجح تكون باطلة. أما عند الحنابلة فتكون صحيحة بشرط أن يرجع ليأتي به.
فالمسألة ليست يسيرة لكن باعتبار أن النص صريح بالتحريم والنهي ثم هو نهي يعود إلى ذات الصلاة وقلنا أن الأقرب ما رجحه الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله وهو بطلان الصلاة.
وهذا يوجب على طالب العلم تحذير الناس تحذيراً شديداً من مخالفة الإمام بالسبق.
هذا حكم سبق الإمام ونأتي إلى مسألة أخرى من مسائل مخالفة المأموم للإمام.
(2/50)
________________________________________
وهي التأخر - عكس السبق: فإذا تأخر المأموم عن الإمام عمداً فصلاته صحيحة. وحكمه أنه بعمله هذا خالف السنة.
هكذا عبر الفقهاء ولم يقولوا: أنه عمله مكروه.
ولو قيل بالكراهة لكان متوجهاً.
الدليل: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كير فكبروا وإذا ركع ... الحديث.
والفاء هذا الحديث تدل على التعقيب المباشر أي أن المأموم يأتي بالفعل بعد الإمام مباشرة بلا تأخير.
ولذلك لم يستعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم وإنما استعمل الفاء.
وهذا الحكم عام يشمل الأقوال والأعمال.
إذاً أخذنا السبق وعكسه التأخر فبقي الموافقة.
نقول: أن الموافقة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن تكون الموافقة بالأقوال: فإذا كانت موافقة بين المأموم والإمام بالأقوال فإنه ينقسم أيضاً إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن تكون الموافقة بتكبيرة الإحرام. فحينئذ فإن صلاة المأموم لا تنعقد وهي باطلة.
الثاني: أن تكون الموافقة بالسلام. بأن يسلم مع الإمام فحكمه: أن نقول أنه قد خالف السنة فقط مع صحة الصلاة. لأن يجب أن يأتي بالسلام بعد الإمام.
الثالث: الموافق في غير التكبيرة والسلام. وحكمها: أنها جائزة بلا كراهة ولا إشكال فيها. كأن يوافقه بالتسبيح أو بالقراءة في السرية فعمله صحيح بلا كراهة.
القسم الثاني: الموافقة بالأعمال. وحكمها أنها: خلاف السنة لأن الواجب على المأموم أن يأتي بالعمل بعد الإمام مباشرة لا مع الإمام.
وبهذا عرفنا حكم المسابقة والموافقة والتأخر.
• قال رحمه الله:
ومن ركع أو سجد قبل إمامه: فعليه أن يرفع ليأتي به بعده.
فعرفنا الآن تحرير مذهب الحنابلة والخلاف في هذه المسألة: وهي: مسألة من سبق الإمام بركن كالركوع أو السجود.
• ثم قال رحمه الله:
فإن لم يفعل عمداً: بطلت.
إذا سبق المأموم الإمام إلى الركن ثم لم يرفع ليأتي به بعده عمداً فصلاته باطلة.
التعليل: لأنه ترك الواجب عمداً ومَرَّ معنا مراراً أن من ترك الواجب عمداً فصلاته باطلة.
أما إذا لم يفعل نسياناً أو جهلاً: فإن الصلاة صحيحة ويعتد بتلك الركعة التي سبق فيها الإمام ولا يلزم أن يأتي بركعة بدل تلك الركعة.
وهذا مهم أن يفقهم الإنسان.
• ثم قال رحمه الله:
(2/51)
________________________________________
وإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالماً عمداً: بطلت.
المسألة السابقة: بين فيها المؤلف حكمن السبق إلى الركن.
وفي هذه المسألة: يريد أن يبين حكم السبق بالركن.
والفرق بينهما: أنه في المسألة الأولى يتوافق الإمام والمأموم في الركن إلا أن المأموم سبق الإمام.
وفي هذه المسألة: يأتي المأموم بجميع الركن قبل أن يأتي به الإمام. فهذا معنى قوله: وإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه.
إذا ركع ورفع قبل ركوع إمامه يقول رحمه الله: إذا عالماً عمداً بطلت صلاته.
فإذا فعل هذا الفعل عمداً بطلت صلاته حتى عند الحنابلة. لأنه سبق الإمام بأكثر الركعة.
واستدلوا: بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أما يخشى الذي يسبق الإمام أن يجعل الله صورته صورة حمار).
فاستدلوا بهذا الحديث على بطلان الصلاة في الصورة الثانية ولم يستدلوا به على بطلان الصلاة في الصورة الأولى.
وهذا من أوجه ضعف مذهب الحنابلة في المسألة الأولى.
الخلاصة: إذا سبق المأموم الإمام بالركوع كاملاً فإن الصلاة باطلة إذا كان عمل هذا العمل عمداً وذكر الحنابلة دليلين لبطلان الصلاة بهذا العمل.
•
ثم قال رحمه الله:
وإن كان جاهلاً أو ناسياً: بطلت الركعة فقط.
إذا كان قد فعل هذا الفعل جهلاً ونسياناً فإن الصلاة صحيحة لكن الذي يبطل هو الركعة التي سبق بها الإمام.
ويترتب على هذا أنه يجب على المأموم إذا سلم الإمام أن يقوم ويأتي بهذه الركعة لأنا حكمنا على ركعته بأنها باطلة.
إذاً: نقول: إذا سبق المأموم الإمام بركعة كاملة بأن ركع ورفع قبل أن يركع الإمام فصلاته باطلة إذا كان عمداً وإن كان جهلاً فركعته باطلة وصلاته صحيح ويلزم على هذا أن يأتي بركعة إذا سلم الإمام كأنه مسبوق.
• ثم قال رحمه الله:
وإن ركع ورفع قبل ركوعه ثم سجد قبل رفعه: بطلت.
أي إذا سبق المأموم الإمام بركنين - المسألة الأولى سبقه بركن واحد - فالحكم كما لو سبقه بركن واحد لأنه أولى بالبطلان لأنه سبق بركنين وفي المسألة الأولى سبق بركن واحد.
إذاً كأن المؤلف رحمه الله أراد أن يؤكد هذا الحكم وأنه إن سبقه بركن أو ركنين فإنه يأخذ الحكم نفسه.
• ثم قال رحمه الله:
إلاّ الجاهل والناسي.
(2/52)
________________________________________
هنا صرح المؤلف رحمه الله بحكم الركعة إذا كان السابق فعل ذلك جهلاً ونسياناً ولم يصرح بالحكم في المسألة الأولى والحكم يشمل الجميع: أنه تصح الصلاة وتبطل الركعة وعليه قضاء تلك الركعة.
انتهى المؤلف من الكلام عن المخالفة التي تقع بين المأموم والإمام في السبق أو في الموافقة أو بالتأخر.
ثم انتقل في ختام هذا الفصل إلى الكلام عن أمور يسن للإمام أن يفعلها.
•
فقال رحمه الله:
ويصلي تلك الركعة قضاءً ويسن للإمام: التخفيف مع الإتمام.
السنة الأولى للإمام أن يخفف في صلاته.
والدليل على أن هذا يسن حديثان:
الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف). وهذا أمر صريح بالتخفيف.
الثاني: قول أنس - رضي الله عنه - لم أر أحداً أخف صلاة من النبي - صلى الله عليه وسلم - في تمام. أي: أنه يخفف مع إتمام الصلاة.
وهناك أدلة كثيرة تدل على أن الإمام يسن له أن يخفف إذا صلى بالناس.
وكون الإمام من السنة له أن يخفف إذا صلى بالناس هذا المقدار لا أظن أن فيه خلافاً لصراحة النصوص لكن الخلاف في:
ما هو التخفيف المندوب إليه شرعاً؟
نأخذ قولين فقط في هذه المسألة:
= القول الأول: وهو مذهب الحنابلة. أن التخفيف المأمور به الإمام أن يأتي بأدنى الكمال في التسبيح وسائر أجزاء الصلاة.
وأدنى الكمال - سبق معنا -: أن يسبح ثلاث تسبيحات وفي الركوع والسجود أن يأتي بالاطمئنان الذي يتمكن معه بالإتيان بالذكر الواجب.
= القول الثاني: أنه يرجع في التخفيف إلى ما جاء في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يرجع فيه إلى أهواء الناس وشهوات المأمومين.
فما أمر به - صلى الله عليه وسلم - من التخفيف فإنه هو الذي قد فعله - صلى الله عليه وسلم -.
والدليل على هذا القول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يأمر بالتخفيف ثم لا يأتي به والذين كانوا يصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضاً فيهم الكبير والضعيف والمرأة والطفل.
فإنه يجب في ضبط التخفيف إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وظاهر السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسبح عشراً في الركوع والسجود.
(2/53)
________________________________________
وأما سنته في القراءة فقد تقدم الكلام عليها: ماذا كان يقرأ في المغرب والعشاء والفجر والظهرين - صلى الله عليه وسلم -.
فأي القولين أرجح؟
المسألة فيها نوع إشكال -.
لكن الأقرب والله أعلم: أنه يرجع في ذلك إلى السنة لا إلى ما ذكره الحنابلة فإن التخفيف المراد بالأحاديث هو الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وجه الترجيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وهذا الحديث عام يشمل المأموم والإمام وقد ذكر العلماء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما تولى الإمامة ليبين للناس الأحكام.
ومن جملة الأحكام مقدار التخفيف والتطويل والتقصير في الصلاة.
ففي ضوء هذا كله يظهر لي والله أعلم أن السنة في التخفيف يرجع فيها إلى ما كان يعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - لا إلى أهواء الناس.
بناء على هذا يسن للإنسان أن يقرأ في فجر الجمعة ما ورد في السنة ولو غضب الناس.
ويسن أن يقرأ أحياناً بالطوال في المغرب ولو غضب الناس. لأنه بذلك يطبق السنة ولأنه لو تركت السنن لغضب الناس وتثاقلهم عن الطاعات لاندثرت السنة.
فلكل هذا ولغيره من الأدلة الظاهر أن القول الثاني هو الراجح وممن نصره وبين قوته الحافظ بن القيم رحمه الله تعالى.
• ثم قال رحمه الله:
وتطويل الركعة الأُولى أكثر من الثانية.
أي أنه يسن للإمام أن يطول الركعة الأولى أكثر من الثانية:
لما ثبت في صحيح البخاري عن أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطول الأولى. وهذا نص صريح.
ليتمكن الناس من إدراك الركعة الأولى.
فإن لم يفعل فقد خالف السنة فقد خالف السنة لأن المعهود عنه - صلى الله عليه وسلم - تطويل الأولى بالنسبة للثانية.
• ثم قال رحمه الله:
يستحب: انتظار داخل إن لم يشق على مأموم.
السنة الثالثة للإمام أن ينتظر الداخل بأن لا يسبقه بالرفع من الركوع فإذا دخل الداخل والإمام راكع وعلم بدخوله من صوته فإنه يستحب له استحباباً أن ينتظر إلى أن يدرك المأموم الركعة.
وذكروا لهذا دليلين:
(2/54)
________________________________________
الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف كان ينتظر الجماعة الثانية ليدركوا الصلاة ويعتبر هذا الحديث كالأصل لهذه المسألة لأنه ليس نصاً صريحاً مباشراً لها.
الثاني: أن في هذا إرفاقاً بالمأموم وتمكيناً له لإدارك الركعة بلا ضرر. وقاعدة الشرع أنه إذا أمكن تحصيل المصلحة بلا ضرر تعينت.
وهذا القول صحيح تدل عليه السنة وينبغي للإمام أن لا يستعجل بالرفع لا كما يصنع بعض الناس إذا سمع صوتاً ودخول الناس بادر بالرفع كأنه يعاقب على ذلك بل السنة أن ينتظر والنصوص العامة تدل على أن هذا مندوب إليه.
•
ثم قال رحمه الله:
إن لم يشق على مأموم.
هذا شرط السنية فإن كان هذا الانتظار يشق على المأمومين فإنه لا يسن له أن ينتظر فإن فعل فقد خالف الأولى.
التعليل:
الأول: لأن حرمة من معه في الصلاة أكبر من حرمة من يريد أن يدخل الآن في الصلاة
النصوص العامة الدالة على النهي عن الإشقاق على المأمومين كحديث معاذ - رضي الله عنه - المشهور (أفتان أنت يا معاذ). فإن هذا الحديث كالأصل أنه لا ينبغي أن يشق الإمام على المأمومين ... الصلاة.
إذاً إذا شعر الإمام أن انتظاره شق على المأمومين فإنه يرفع.
• ثم قال رحمه الله:
وإذا استأذنت المرأة إلى المسجد: كره منعها.
هذا المستحب الرابع. إذا استأذنت المرأة وليها سواء كان الزوج أو الأب أو أحد الأولياء إذا لم كان هناك أب ولا زوج فإنه يستحب له أن لا يمنعها فإن منعها فقد فعل مكروهاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن وليخرجن تفلات). ومعنى تفلات: أي من غير طيب ولعل المقصود أي من غير زينة كأنه أشار إلى ترك الزينة بالأمر بترك الطيب لأن هذا الحديث يدل على أنه يكره للولي أن يمنع المرأة موليته عن الذهاب إلى المسجد.
= والقول الثاني: أنه يحرم أن يمنعها. واختاره ابن قدامة رحمه الله فقد مال إلى أن النهي للتحريم.
والذي يظهر لي والله أعلم أن النهي للكراهة وليس للتحريم وأنه يجوز للولي أن يمنع موليته وإن منعها فقد أتى بمكروه.
(2/55)
________________________________________
وجه الترجيح: أن قواعد الشرع العامة تدل على أن بيت المرأة خير لها من المسجد ومما يدل على هذا القواعد العامة نفس الحديث الذي معنا فإنه يقول: (لا تمنعوا إمام الله مساجد الله ثم قال في نفس الحديث: وبيوتهن خير لهن).
وهذا يدل على أن الأمر للكراهة وليس للتحريم.
والمقصود: بأن المنع للكراهة في حال أمنت الفتنة وانتفت المفاسد أما مع وجودها فإنه يجب على الولي أن يمنع المرأة من الخروج ولو إلى المسجد.
•
ثم قال رحمه الله:
وبيتها خير لها.
يعني أن المستحب والأولى والأحب إلى الله بالنسبة للمرأة أن تصلي في بيتها ولو كانت بجوار الحرمين.
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاطب بهذا الحديث جميع النساء ومن أوائل من يدخل في خطابه - صلى الله عليه وسلم - نساء المدينة اللاتي سمعن هذا الحديث أول مرة.
فهو يشمل لعمومه ولأنه خاطب به نساء المدينة فإذا يشمل الحرمين لا كما يظن بعض النساء أن هذا الأصل العام يستثنى منه إذا كانت المرأة بجوار أحد الحرمين لمضاعفة الأجر في الصلاة في الحرمين بل البيت خير لها ولو كانت بجوار الحرمين.
وانتهى بهذا من الفصل الذي عقده رحمه في الأحكام في صدر باب صلاة الجماعة ثم ننتقل إلى الفصل الآخر.
فصل
[في أحكام الإمامة]
• قال رحمه الله:
فصل.
أراد المؤلف رحمه الله أن يبين بهذا الفصل أحكام الإمامة بعد أن بين الأحكام العامة لصلاة الجماعة بدأ بالأحكام التفصيلية للإمامة.
وبدأ بترتيب منطقي فبدأ بالحكم الأول وهو من هو الأولى بالإمامة؟
وهذا من أنسب ما يكون بداية.
• قال رحمه الله:
الأولى بالإمامة.
يريد المؤلف أن يبين من هو الأولى بالإمامة؟ وينبغي أن تعلم أن العلماء أجمعوا أن هذه الأولوية والاستحباب إنما هو على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الاشتراط والوجوب.
فلو فرضنا أنه صلى من لا يعتبر الأولى مع وجود الأولى فالصلاة صحيحة وعمله جائز.
• قال رحمه الله:
الأقرأ العالم فقه صلاته.
سيذكر المؤلف خمس مراتب للأولى بالإمامة.
فالأولى: الأقرأ: نحتاج في مسألة الأقرأ إلى بيان مسألتين:
المسألة ألأولى: من هو الأقرأ؟
المسألة الثانية: ما هو الدليل؟
(2/56)
________________________________________
أما من هو الأقرأ: = عند الحنابلة هو الأجود قراءة لا الأكثر حفظاً ويقصد بالأجود من يحسن أداء القراءة من حيث التجويد ومخارج الحروف وما شابه ذلك.
واستدلوا على ذلك: أن قوله الأقرأ اسم تفضيل والمفاضلة تقع بجودة القراءة.
= القول الثاني: أن المراد بالأقرأ: الأكثر حفظاً.
واستدلوا على هذا بدليلين:
الأول: حديث عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - يؤمكم أكثركم قرآناً. فعبر بكلمة أكثر الدالة على كثرة الحفظ لا على جودة القراءة.
الثاني: أن المهاجرين لما أتوا إلى المدينة صلى بهم سالم مولى أبي حذيفة - صلى الله عليه وسلم - وصلى خلفه عمر بن الخطاب وأبو سلمة وغيرهما من كبار الصحابة لأنه كان أكثرهم حفظاً - رضي الله عنه -.
والأقرب والله أعلم: القول الثاني: أولاً: لأن فيه أدلة صريحة. وثانياً: أن الأغلب الأعم أن من كان أكثر حفظاً كان أجود قراءة.
هذا في بيان من هو الأقرأ؟
وأما الدلايل على تقديم الأقرأ قوله - صلى الله عليه وسلم - (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقمهم سناً وفي لفظ سلماً). فهذا نص صريح في تقديم الأقرأ.
عرفنا الآن من هو الأقرأ؟ وما دليل الحنابلة على تقديمه.
= القول الثاني: أن الأفقه مقدم على الأقرأ.
واستدلوا بعدة أدلة:
الأول: أن الصحابة كان أقرأهم أفقههم لأنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات تعلموا ما فيها من العلم والعمل.
الثاني: أنه قد ينوبه في الصلاة ما لا يحسن العمل فيه إلا الفقيه.
الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم أبا بكر الصديق للإمامه مع وجود من هو أقرأ منه في الصحابة كأُبّيٍّ - رضي الله عنه - لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أقرأكم أبي).
الراجح والله أعلم: مذهب الحنابلة أن الأقرأ مقدم على الأفقه.
أولاً: لقاعدة مشهورة تقدمت معنا مراراً: أن النص الخاص مقدم على النص العام.
الإجابة على أدلتهم:
(2/57)
________________________________________
أما الإجابة على الدليل الأول والثاني: فهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي مسعودالبدري - رضي الله عنه - نص على التفريق بين القراءة والعلم لأن المقصود (فإن كانوا في القرءاة سواء فأعلمهم بالسنة).المقصود بالسنة يعني الفقه في الدين فغاير النبي - صلى الله عليه وسلم - بين القراءة والفقه وقدم مع ذلك القراءة.
وأما تقديم أبي بكر - رضي الله عنه - فقد أجاب عنه الإمام أحمد. قيل له: يا أبا عبد الله هل بين حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - وحديث تقديم أبي بكر - رضي الله عنه - تعارض فقال أبو عبد الله: لا إنما قدمه لشأن الخلافة.
يعني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يشير إلى الخلافة فكأنه يشير بالإمامة الصغرى إلى الإمامة الكبرى لأن الذي يخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الوقت بأمره ففيه إشارة إلى الخلافة الكبرى.
وصدق الإمام رحمه الله فيما أرى وأن جوابه قوي وسديد.
بناء على هذا إذا اجتمع فقيه يقرأ قراءة حسنة لا لحن فيها وهو حافظ وقاريء يجيد القراءة ومخارج الحروف فهو أجود قراءة فعند الحنابلة وهو الصحيح نقدم الأقرأ ويتأخر الفقيه.
وعلى القول الثاني نقدم الفقيه.
• ثم قال رحمه الله:
العلم فقه صلاته.
أي أنه يشترط لتقديم الأقرأ أن يكون عالماً بالقدر الواجب من أحكام الصلاة.
بناء على هذا إذا جاءنا بعض القراء الذين لم يدرسوا من الفقه شيئاً لا أحكام الصلاة ولا أحكام السهو ولا أي قدر من ذلك - ولا شأن لنا بباقي الأحكام كالزكاة والصيام وغيرها - فالكلام عن أحكام الصلاة - فإنه لا يقدم ولا عند الحنابلة.
وهل يتصور هذا أن يكون قارئاً مجوداً حافظاً لم يلم بالقدر الواجب أو المجزيء من أحكام الصلاة؟
نعم يتصور وقد وجد من لا يفقه في دينه شيء مع حفظه للقرآن وقراءةٍ مجودة.
• ثم قال رحمه الله:
ثم الأفقه.
الأفقه هو العالم بأحكام الصلاة علماً محرراً ويشترط في تقديم الأفقه نظير ما يشترط في تقديم الأقرأ وهو أن يكون عالماً بجزءٍ لا ينقص عنه الإنسان في الصلاة يعني حافظاً ومتقناً للقراءة بالقدر الواجب الذي لا ينقص عنه من يريد أن يصلي.
وهل يتصور أن يأتي فقيه عالم لا يحسن القراءة؟
(2/58)
________________________________________
لا. لا يوجد فلا يمكن أن تجد طالب علم اجتهد في الفقه والتفسير ومعرفة الأحكام لا يحسن أن يقرأ. ولا أعرف مثالاً له.
وهذه المسألة يوجد أو لا يوجد ليس لها علاقة بالأحكام ونذكرها من باب الاستطراد.
• ثم قال رحمه الله:
ثم الأسن.
يأتي الأسن بالمرتبة الثالثة. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمالك بن الحويرث (ليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم).
= والقول الثاني: أن المرتبة الثالثة للمهاجر في سبيل الله وهو مقدم على الأسن لأن الحديث نص صريح في أن المهاجر يأتي في المرتبة الثالثة ونحن نقدم من قدمه الله ورسوله ونؤخر من أخره الله ورسوله.
وهذا القول هو الصواب.
والمقصود بالمهاجر هنا: من يهاجر من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام وهو باق إلى يوم القيامة.
وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا هجرة بعد) الفتح فالمقصود به أن مكة بعد الفتح أصبحت دار إسلام فالذي يخرج منها إلى المدينة ما يعتبر مهاجراً لأنه لم ينتقل من دار الشرك إلى دار الإسلام.
• ثم قال رحمه الله:
ثم الأشرف.
يقدم في المرتبة الرابعة عند الحنابلة الأشرف.
من المقصود بالأشرف؟
المقصود به: الأعلى نسباً وقدراً.
ويقصد به هنا الأقرب فالأقرب من النبي - صلى الله عليه وسلم -. فالعربي مقدم على العجمي والقرشي مقدم على غيره من قبائل العرب ومن كان من بني هاشم مقدم على غيره من القرشيين.
إذاً الشرف هنا مرتبط بالنسب النبوي فإذا جاءنا رجلان أحدهما أشرف من الآخر عند الناس وبعدهما من النبي - صلى الله عليه وسلم - واحد فهل نقدم أحدهما على الآخر؟
لا لأنه الآن ليس أشرف للضابط الشرعي.
دليل الحنابلة على تقديم الأشرف: استندلوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قدموا قريشاً ولا تقدموها). أي اجعلواً قريشاً في المقدمة ولا تتقدموا عليها وهذا يشمل الإمامة الصغرى والكبرى.
والحديث فيه كلام والصواب أنه مرسل لكن في الحقيقة مع كونه مرسلاً إلا أن له شواهد كثيرة تقويه وتوصله إلى مرتبة الحسن.
= القول الثاني في هذه المسألة: أن النسب لا يقدم به في باب الإمامة أصلاً وليس له أي علاقة في أولوية الإمامة وإنما يقدم بالتقى والورع.
(2/59)
________________________________________
لقول الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فجعل مناط الكرم والتفضل والتقدم التقوى لا النسب.
وليس في السنة حرف واحد يدل على تقديم من كان أقرب نسباً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المناصب الدينية - إن صح التعبير - الإمامة والأذان وما شابه ذلك.
وهذا القول اختاره شيخ الاسلام وهو قول وجيه وقوي جداً وليس لتقديم النسب أي معنا في الحقيقة ولو كان من سلالة الحسن أو الحسين.
مع أنا نقول - وهذا مفروغ منه لا يحتاج إلى تنبيه - أنا نحب أهل البيت ونقدمهم ونعرف حقهم ونؤدي إليهم ما يجب علينا لكن هذا شيء والتقديم بالإمامة شيء آخر فنحن نطيع الله ورسوله حيث رتبا الإمامة في حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - بترتيب لا نخرج عنه إلى غيره.
إذاً الأتقى يقدم على الأشرف بل أكثر من ذلك الشرف ليس له علاقو بتقديم ولا تأخير الإمامة.
والإجابة على الحديث: يمكن أن نجيب أن الحديث ضعيف عند بعض أهل العلم وممن أشار إلى ضعفه البيهقي لكن في الحقيقة شواهده كثيرة وإسناد الحديث المرسل صحيح إلى مرسله وفيه قوة.
والثاني: أن هذا في الإمامة الكبرى لا في الإمامة الصغرى لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل ترتيباً خاصاً في الإمامة الصغرى وهو: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ... الخ.
• ثم قال رحمه الله:
ثم الأتقى.
أي إذا استووا في جميع ما تقدم فإننا نقدم الأتقى.
والدليل ما سبق {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. تقدم معنا أن الراجح تقديم الأورع على الأشرف.
• ثم قال رحمه الله:
ثم من قرع.
أي إذا استووا في جميع الصفات السابقة فإن الإمام أو أهل الحي يقرعون بين المتساويين.
الدليل على ذلك:
قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لا ستهموا.
وسعد رضي الله عنه في القادسية تنازع الناس الأذان فأقرع بينهم.
ولقاعدة مشهورة أنه إذا تساوى الإثنان في الاستحقاق فالترجيح بينهما يكون بالقرعة.
= والقول الثاني: أنه في حال التساوي يرجح من يرغب به جماعة المسجد فإذا رغبوا بأحدهما مع التساوي في جميع الصفات قدما لرغبة الجماعة به.
(2/60)
________________________________________
الدليل: قالوا: أن في تقديم من رغب به جماعة المسجد تأليفاً للقلوب واجتماعاً للكلمة.
وهذا القول فيه قوة وفيه فقه لكن يحول بيننا وبين ترجيحه مسألة أن سعداً - رضي الله عنه - لم يستشر الصحابة في أي الصحابة يؤذن وربما كان بعضهم أندى صوتاً فلم ينظر إلى هذه الأمور إنما أقرع بينهم.
ثم إذا قدمنا رغبة الجماعة ربما يؤدي هذا إلى شحناء وتباغض بين الجماعة والمؤخر.
انتهى الدرس،،،
(2/61)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم معنا بالأمس الكلام عن من هو الأولى بالإمامة وأخذنا الخلاف في ذلك ونريد أن نذكر الآن الراجح من حيث الترتيب فقط.
فأولى الناس حقاً بالإمامة الأقرأ ثم الأفقه ثم الأقدم هجرة ويساويه القدم إسلاماً ثم الأتقى ثم الأسن وليس معهم الأشرف.
وفي الحقيقة التقديم بالأتقى أمر نسبي قد لا يتحقق في كثير من الأحوال ففي المرتبة الأخيرة غالباً سيكون الأسن لأن الحكم لفلان أنه أتقى من فلان أمر فيه عسر وقد لا يتضح في كثير من الصور.
وعموماً هذا هو الراجح من حيث الأدلة أما من حيث التطبيق فالأقرأ - الأفقه - الأقدم هجرة - الأسن.
فهذا هو الذي يكون العمل به متيسراً وسهلاً.
لما انتهى المؤلف من بيان القاعدة العامة في ترتيب الأئمة انتقل إلى أشياء خاصة:
• فقال رحمه الله:
وساكن البيت وإمام المسجد: أحق.
ساكن البيت وإمام المسجد أحق بالإمامة ولو حضر من هو أولى منهما في الصفات السابقة.
لما أخرجه مسلمك في صحيحه: (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه).
فأما صاحب البيت فمعلوم أنه سلطان بيته وأيضاً تقدم معنا أن الإمام الراتب في المسجد كالسلطان في بيته أي: له الحق والأولوية أن يصلي.
إذاً عرفنا أنهما يقدمان ولو حضر من هو أولى منهما.
• ثم قال رحمه الله:
إلاّ من ذي سلطان.
أي: إلا إذا حضر السلطان في البيت أو في المسجد فإنه يقدم على صاحب البيت وعلى الإمام الراتب.
والمقصود بالسلطان هنا: السلطان الأعظم.
(2/62)
________________________________________
واستدلوا على تقديم السلطان الأعظم - أي خليفة المسلمين أو من له السلطة العليا في الدولة - بنفس الحديث السابق: (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه). قالوا: أن سلطان ولي الأمر أكبر من سلطان صاحب البيت حتى في بيته وحتى من إمام المسجد في مسجده.
فلما كان سلطانه أكبر صار وصف الحديث ينطبق عليه أكثر فقدم للصلاة.
إذاً إذا حضر السلطان فهو أحق بالإمامة من صاحب البيت أو إمام المسجد ولو كان راتباً.
• ثم قال رحمه الله:
وحر وحاضر ومقيم وبصير ومختوم ومن له ثياب: أولى من ضدهم.
قوله: (وحر). أي أن الحر مقدم على العبد. فإذا اجتمعا قدم الحر على العبد. واستدلوا على تقديم الحر على العبد بأنه: أشرف وأعلى مكانة.
= والقول الثاني: أن العبد إذا كان أفقه فإنه يقدم. واستدلوا بأدلة قوية جداً: الأول: عام. والثاني: حاص.
أما الأول: فعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله). فنحن نقدم من قدم الله ورسوله ونؤخر من أخر الله ورسوله.
الثاني: أن سالم مولى أبي حذيفة - رضي الله عنه - صلى بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لأنه أقرأ منه.
ولا شك أن الراجح هو أن العبد الأفقه أو الأقرأ ولو كان مملوكاً فإنه مقدم على الحر في الصلاة والإمامة إذا كان أفقه.
ولاشك في رجحان هذا القول وأظن أن هذا كلام لبعض الحنابلة ولا أظنه يثبت عن الإمام أحمد بن حنبل.
قوله: (وحاضر). يقصد بالحاضر هنا: الحضري وهو: من سكن المدن والأمصار فإنه مقدم على أهل البوادي: أي: على البادية. فإذا حضر رجل من الحضر ورجل من البادية فنقدم الحاضر على البادي.
واستدلوا على هذا بأن: البادية يغلب عليهم الجهل بالأحكام وعدم معرفة القرآن.
= والقول الثاني: أنه يقدم الأفقه سواء كان من الحاضرة أو من البادية.
فإذا كان الرجل الذي من البادية أقرأ أو أفقه فإنه يقدم على من ليس كذلك ولو كان من الحضر.
واستدلوا: بعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله). سواء كان هؤلاء القوم من البادية أو من الحاضرة.
(2/63)
________________________________________
ولا يخفى أن القول الثاني هو القول الراجح وتعليق الأحكام بوصف الحضر والبدو لا أصل له في الشرع إنما نعلق الأحكام على الضوابط التي جاءت عن الشارع. ومنها في هذا الباب: مسألة أن يكون الأقرأ.
قوله: (ومقيم). أي أن المقيم مقدم في الإمامة على المسافر. فإذا حضرا قدم المقيم وتأخر المسافر.
واستدلوا على ذلك: بأنه يلزم من تقديم المسافر أحد أمرين: الأول: أن يقصر فيفوت بذلك على المقيم الصلاة كاملة جماعة لأنه سيقوم يقضي ركعتين بلا جماعة منفرداً. الثاني: أن يتم المسافر فيعتبر فعل مكروهاً.
لذلك قالوا: نقدم المقيم على المسافر.
= والقول الثاني: أنه يقدم من قدم الله ورسوله سواء كان مسافراً أو مقيماً لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله).
وفي المسألة: دليل خاص وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزل مكة صلى بالناس وقصر الصلاة وقال لأهل مكة: (إنا قوم سفر فأتموا صلاتكم).
فهو - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم إماماً وهو مسافر وهم مقيمون والأصل العام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتدى به في كل أفعال الصلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
والراجح القول الثاني.
قوله: (وبصير). يعني أنه يقدم البصير على الأعمى. فهو أولى منه بالإمامة.
التعليل: قالوا: أن البصير أقدر على استكمال شرائط الصلاة من الأعمى سو اء كان من حيث استقبال القبلة أو الطهارة من النجاسة أو الوضوء وغير ذلك من شروط الصلاة.
= والقول الثاني: أن الأعمى أولى لأنه أقرب للخشوع.
= والقول الثالث: أنه يقدم من قدم الله ورسوله فمن كان أقرأ قدم سواء كال أعمى أو مبصر وقد صح أن ابن عباس - رضي الله عنه - لما فقد بصره صلى بالناس إماماً وهو أعمى.
وفي رواية أنه امتنع أن يؤم الناس لما صار أعمى. لكن الأقرب للصحة أنه صلى - رضي الله عنه - ولم يمتنع من الصلاة.
والراجح هو القول الثالث.
وأجيب عن قضية الخشوع أنه يكره عند العلماء إغماض العينين ولو كان هذا مندوباً إليه وفضيلة لكان إغماض العينين مندوباً إليه.
وعلى كل حال فإن فيه شيء من الصواب فلا شك أن الكفيف لا يشتغل بما أمامه من الملهيات.
(2/64)
________________________________________
أما الراجح فهو أن من قدم الله ورسوله فهو المقدم.
قوله: (ومختون). المختون مقدم على الأقلف فهو أولى منه بالإمامة. والختن هو: قطع القلفة وهي: الجلدة التي تغطي الحشفة. فإذا قطعت هذه الجلدة صار الإنسان مختوناً وإذا لم تقطع فإنه أقلف.
والتعليل: أنه أكمل منه طهارة وأكمل منه اتباعاً للسنة ولا يؤم المفضول الفاضل.
الراجح: أن في المسألة تفصيل على النحو التالي:
ـ نقول إذا كان الأقلف يستطيع أن يغسل النجاسة المتبقية تحت هذه الجلدة ولم يفعل فإن صلاته باطلة فضلاً عن إمامته لأنه صلى مستصحباً للنجاسة عمداً. وقد تقدم معنا أن الطهارة من النجاسة من شروط صحة الصلاة.
ـ أن لا يستطيع أن يزيل هذه النجاسة فهو معذور أو يستطيع وأزالها فعلاً فحينئذٍ تساوى هو والمختون فنقدم من قدم الله ورسوله فالأقرأ منهما يصلي.
وهذا القول كما قلت هو الراجح وهو المتوافق مع الأدلة الشرعية.
قوله: (ومن له ثياب). أي ومن له ثياب مقدم على من ليس له ثياب.
لكن الحنابلة يقصدون بمن له ثياب وبمن ليس له ثياب شيئاً خاصاً. فيقصدون بمن له ثياب: أي من يملك ثوبين وما يغطي به رأسه أولى ممن ليس له ثياب والمقصود به: من ستر العورتين مع أحد العاتقين لأن هذا هو القدر الواجب عند الحنابلة كما تقدم.
وفيما أرى أن هذا التقديم صحيح فإن من أخذ زينته فهو مقدم في الصلاة عند التساوي على من لم يأخذ زينته لعموم قوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}.
فأمر الله بأخذ الزينة عند كل مسجد. لكن يستثنى من هذا إن كان من لا يجد الثياب أنه لا يجدها بسبب الفقر فحينئذٍ يصبح معذوراً وسقط اعتبار هذا الوصف فنقدم من قدم الله ورسوله.
قال: (أولى من ضدهم). هذه العبارة هي حكم لجميع الأجناس السابقة في قوله: (وحر وحاضر ومقيم وبصير ومختوم ومن له ثياب). فهذه ستة الحكم فيهم أنهم مقدمون على ضدهم وقد ذكرنا الخلاف في كل مسألة منها.
وبهذا انتهى المؤلف رحمه الله من الكلام على مسألة من الأحق بالتقديم أو الأحق بالتأخير في الإمامة.
وانتقل إلى مسألة أخرى وهي الأشخاص الذين لا تصح الصلاة خلفهم.
•
فقال رحمه الله:
ولا تصح خلف: فاسق.
(2/65)
________________________________________
قبل أن نأخذ حكم الصلاة خلف الفاسق وتعريف الفاسق من المناسب أن نذكر تحرير محل البحث.
والفرق بين تحرير محل النزاع وتحرير محل البحث:
تحرير محل النزاع هو: إخراج المسائل المجمع عليها وبحث المسألة المتنازع عليها.
تحرير محل البحث هو: تحديد المسألة التي ستبحث سواء كانت المسائل الأخرى محل إجماع أو خلاف فلا يعنينا لكن نحن نريد أن نحدد المسألة التي نريد أن نبحثها.
ودائماً يستخدمون تحرير محل البحث حينما تكون المسائل التي تخرج أيضاً فيها خلاف لكن الباحث لا يريدأن يبحث هذه المسائل وإنما يتركز بحثه على مسألة معينة.
فنذكر الآن تحرير محل البحث:
أولاً: تجوز الصلاة خلف الفاسق في الجمع والأعياد بلا إشكال.
ثانياً: تجوز الصلاة خلف الفاسق الذي لا يعلم فسقه.
ثالثاً: تكره الصلاة خلف الفاسق بالإجماع.
إذاً الكراهة ليست محل بحث إنما محل البحث التحريم.
نرجع إلى المسألة:
• يقول رحمه الله:
ولا تصح خلف: فاسق.
الفسق في اللغة: هو الخروج.
وفي الاصطلاح: التلبس بكبيرة أو المداومة على صغيرة.
والفسق ينقسم إلى قسمين:
فسق اعتقادي: كالمعتزلة والأشاعرة والجهمية عند من يحكم بإسلامهم والشيعة عند من يحكم بإسلام بعضهم وبعبارة أوضح نقول: هي البدع غير المكفرة.
فسق عملي: وهو ما تقدم: فعل كبيرة أو الإصرار على صغيرة.
اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم الصلاة خلف الفاسق:
= ذهب الحنابلة – وهو المذهب – أن الصلاة خلف الفاسق لا تصح.
واستدلوا بأدلة نأخذ منها دليلين فقط:
الأول: حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يؤمن فاجر مؤمناً).وهذا الحديث ضعيف جداً ومنكر ومنن حكم بنكارته الحافظ الكبير أبو حاتم والدارقطني وغيرهما.
الثاني: تعليل: أنه لا يؤمن في الفاسق أن يترك بعض شرائط الصلاة لفسقه وضعف دينه.
= القول الثاني: أنه تصح الصلاة خلف الفاسق.
واستدلوا أيضاً بنص وأثر:
أما النص: فهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن أئمة الجور وأنهم يضيعون الصلاة وهذا دليل على فسقهم ومع ذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (صل الصلاة لوقتها فإن وافقتهم فصل معهم تكن لك نافلة).
(2/66)
________________________________________
وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحح الصلاة خلفهم نافلة ولو كانت الصلاة باطلة فإنها لا تصح لا نفلاً ولا فرضاً.
أما الأثر: أن ابن عمر - رضي الله عنه - صلى خلف الخوارج وهم فساق فسقاً اعتقادياً. وصلى خلف الحجاج وهو فاسق فسقاً عملياً.
وصلى الحسن والحسين وغيرهما من الصحابة خلف مروان بن الحكم وهم يعتبرونه من الفساق لأخطائه العظيمة.
وإذا كان مع أصحاب القول الثاني نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وآثار صحيحة بل حكي إجماع الصحابة على صحة الصلاة خلف الفاسق فلا شك في رجحان هذا القول.
وطالب العلم يرجح هذا القول مستصحباً الإجماع على كراهة الصلاة خلف الفاسق.
• ثم قال رحمه الله:
ككافر.
الصلاة خلف الكافر لا تصح.
إن كان يعلم كفره فبالإجماع.
وإن كان لا يعلم كفره فكذلك لا تصح عند الحنابلة.
وذهب بعض الفقهاء كالفقيه أبي ثور إلى صحة الصلاة خلف الكافر إذا جهل المأموم كفره.
وعلل ذلك بأن هذا المأموم معذور.
والأحوط مذهب الحنابلة أن الإنسان إذا صلى خلف شخص ثم تبين له بعد الصلاة أنه كافر فإنه يعيد.
وتتصور هذه المسألة: في أن يكون الكفر من باب كفر الردة فيكون ظاهره الإسلام لكنه ارتد في قول أو عمل ولم يعلم المأموم أن أتى بمكفر فحينئذ قد لا يعلم بكفره.
•
ثم قال رحمه الله:
ولا امرأة.
أي ولا تصح الصلاة خلف المرأة.
= وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وجماهير العلماء من الخلف والسلف.
واستدل الجماهير بأدلة:
الدليل الأول: بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تأمن امرأة رجلاً) وهذا الحديث تكملة لحديث: (لا يؤمن فاجر مؤمناً) وقد تقدم معنا أن درجته أنته ضعيف جداً أومنكر.
الدليل الثاني: ما جاء في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يفلح قوم ولو أمرهم امرأة) ومن أعظم وأشرف وأهم الولايات ولاية إمامة الناس فإنه يقال الإمامة الصغرى والإمامة الكبرى فتقارن بالإمامة الكبرى لشرفها وأهميتها في الإسلام فكيف نوليها امرأة.
الدليل الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) فكيف مع ذلك تكون هي الإمام.
(2/67)
________________________________________
= والقول الثاني: صحة صلاة النافلة وفي التراويح بالذات لأن أم ورقة رضي الله عنها لما طلبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تخرج معهم في الغزو أمرها أن تمكث وأن تصلي بأهل بيتها وأن تتخذ مؤذناً شيخاً كبيراً.
قالوا: فدل هذا الحديث على أن إمامة المرأة في التراويح صحيحة.
وصحة إمامة المرأة في التروايح رواية عن الإمام أحمد.
= القول الثالث: الصحة مطلقاً وهو منسوب للطبري والمزني ولأبي ثور.
لكن في الحقيقة بالنسبة لهؤلاء العلماء إشكال فبعض الكتب نسبت إليهم هذا القول وبعضها نسبت إليهم القول بأن إمامة المرأة تجوز في التراويح مطلقاً.
فهناك اختلاف في التحقق من نسبة القول بجواز الصلاة مطلقاً إلى هؤلاء الأئمة الثلاثة.
وفي الحقيقة لم يتسن لي البحث للتحقق من نسبة هذا القول فإنهم في الكتب ينسبون هذا القول تارة الجواز مطلقاً وتارة في التراويح.
فالإشكال الأول في هذا القول الأخير هو التحقق من نسبة هذا القول.
واستدل أصحاب هذا القول – الأخير – بحديث أم ورقة رضي الله عنها حيث قالوا أنه عام ولم يخصص بالتراويح.
والجواب عن حديث أم ورقة رضي الله عنها: أن في إسناده مجهولين.
ومع وجود الجهالة المتن فيه نكارة فيما يظهر والله أعلم لأن بعضهم يحسنه.
وجه النكارة أنه لا يوجد في النصوص ولا في الآثار أبداً الإشارة إلى إمامة المرأة للرجال. مع وجود الفقيهات من الصحابيات والتابعيات. ووجود طلبة العلم من أرحامهن أي ممن يتمكن من الدخول بلا ستر مع ذلك لم ينقل أن منهن من أمتهم أو أن امرأة أمت الرجال.
فالراجح والله أعلم مذهب علماء المسلمين سلفاً وخلفاً إلا من ذكرت. أنه لا يشرع.
مما يدل على قوة هذا القول قرب وقوع الفتنة بصلاة المرأة بالرجال فإن الفتنة تكاد تكون متحققة لا سيما مع ما في الصلاة من القراءة والتغني بالقرآن ومع مافيها من الركوع والسجود.
فلا شك أن مذهب الجماهير إن شاء الله هو الراجح الذي تدل عليه النصوص الخاصة والأصول العامة على أن الحنابلة وغيرهم قالوا لو فرض صحة صلاة المرأة فإنه يجب أن تكون خلف الصف.
فإذا جوزنا أن تكون إمامة فيجب أن تقف خلف الرجال هذا إذا جوزنا ذلك.
• ثم قال رحمه الله:
وخنثى للرجال.
(2/68)
________________________________________
أي: أنها لا تصح خلف المرأة بالنسبة للرجال أما بالنسبة فلا بأس أن يصلين خلفها وسيأتي معنا ذكر هذه المسألة.
ولا تصح صلاة الرجال خلف الخنثى:
التعليل: أنه قد يكون امرأة والخنثى هو الذي أشكل أمره فلا يعرف هل هو رجل أو امرأة؟ وهو موجود في الزمن الماضي والحاضر والمعاصر فإنه يوجد من يولد ويشكل أمره هل هو رجل أو امرأة إما لعدم وجود مخرج للمرأة والرجل أصلاً أو لوجود مخرج للمرأة والرجل في ذات الوقت في هذا الخنثى.
الخلاصة: أنه لا يجوز للرجال أن يصلوا خلف الخنثى.
•
ثم قال رحمه الله:
ولا صبي لبالغ.
أي ولا تصح صلاة البالغ خلف الصبي.
= فالحنابلة يرون أنه لا تصح صلاة البالغ خلف الصبي.
وكان ينبغي على المؤلف رحمه الله أن يقول: في الفريضة لأن هذا هو مذهب الحنابلة: أن نفي الصحة خاص بالفريضة وهذا أمر لا يترك أساسي فإنه ليس مما يقال أنه من التكميل والشرح.
فكان ينبغي أن يقول ولا صبي لبالغ في الفريضة.
ففي الفريضة لا يكون الصبي إماماً للبالغ لأن البالغ أكمل منه وصلاة البالغ فريضة وصلاة الصبي نافلة.
فهو أكمل من حيث هو فإنه مكلف.
وأكمل من حيث صفة الصلاة: فصلاته فريضة وصلاة الصبي نافلة.
هذا الدليل الأول.
والدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (رفع القلم عن ثلاثة ... وذكر منهم الصبي حتى يبلغ) فهو مرفوع عنه القلم.
= والقول الثاني: أن إمامة الصبي صحيحة.
واستدلوا بدليلين: عام وخاص.
العام: قالوا: عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يؤم القوم أقرأهم) سواء كان بالغاً أو لم لم يبلغ لأن الحديث لم يفصل.
الخاص: أن والد عمرو بن سلمة قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسأله عن أحكام الدين ليبلغها لقومه فكان مما بلغه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قال له: (ليؤمكم أكثركم قرآناً) فما رجع إلى قومه قال عمرو بن سلمة بحثوا فلم يجدوا إلا أنا فقد كنت أكثرهم قرآناً وهو ابن ست أو سبع سنين. فصار هو الإمام لقومه.
ففي هذا الحديث إمامة الصبي للبالغين.
وهذا القول الثاني أصح وأقرب.
(2/69)
________________________________________
لكن إذا قال قائل: أنتم تقولون: إن الإمام أحمد إذا وجد نصاً لا يتركه إلى غيره فكيف وقد ثبت عن الإمام أحمد بروايات أنه لا يرى صحة إمامة الصبي. فكيف وقد ترك هذا النص؟ فما هو الجواب؟
الجواب: أن الإمام أحمد سأل – الأثرم أو غيره – سأله فقال له: ما تقول في حديث عمرو بن سلمة فرده الإمام أحمد وقال: أي شيء يكون؟ أو أي شيء هو؟ ولم يرده من حيث الصحة لكن الحنابلة فسروا هذا القول من الإمام أحمد بأنه يرى أن هذا العمل لم يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولذلك لم يأخذ بالحديث. وحاشاه رحمه الله أن يكون في المسألة نص صريح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يتركه. لكنه رحمه الله ترك هذا النص لهذا المعنى كأنه رأى أن هذا الحديث لم يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن والد عمرو رجع إلى قومه في البادية وهم يسكنون بعيداً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصار هو الإمام فربما حصل هذا منهم من غير علم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ونحن نريد أن نبين وجهة نظر الإمام أحمد رحمه الله فقط وأما الراجح فهو القول الثاني لأن الأصل إن شاء الله كما سيأتيكم في أصول الفقه أن إقرار الله حجة فإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - علم فليس في المسألة إشكال وإن كان لم يعلم فإن الله تعالى يعلم وهي واقعة وقعت في زمن التشريع ولو كانت هذه الواقعة مخالفة للشرع لبينها الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -.
إذاً الراجح إن شاء الله صحة صلاة الصبي لبالغ.
وقوله: ولا صبي لبالغ: يفهم منه صحة الصبي لمثله وهذا صحيح لتساويهما.
ويفهم من مذهب الحنابلة – لا أقول من عبارة المؤلف – أن إمامة الصبي البالغ لا تجوز في الفريضة يفهم منه جواز إمامة الصبي في النافلة وهو مذهب الجماهير وهو الصواب إن شاء الله.
فإمامة الصبي في النافلة جائزة حتى عند الحنابلة وهو مذهب الجمهور حتى لو رجحنا عدم صحة إمامته في الفريضة ففي النافلة صلاته إن شاء الله صحيحة عند الجماهير بلا إشكال.
• ثم قال رحمه الله:
ولا أخرس.
= أي أنه لا تصح إمامة الأخرس وهو من لا يستطيع النطق لا بالناطق ولا بمثله - أي أخرس آخر – عند الحنابلة.
الدليل: استدلوا على هذا الحكم:
(2/70)
________________________________________
بأن القراءة ركن مقصود معتبر في الشرع وهو لم يأت به ولا ببدله.
= والقول الثاني: صحة إمامة الأخرس بمثله فقط.
لأن المنع من ذلك يؤدي إلى أن يصلوا فرادى وتضيع الجماعة.
= والقول الثالث: صحة إمامة الأخرس مطلقاً.
لأنه وإن كان أخرساً إلا أنه معذور فليس بيده النطق وإلا لفعل.
وإذا كان معذوراً سقط اعتبار هذه الصفة وإذا لم تعتبر رجعنا إلى الأصل وهو من كان أقرأ يعني أكثر حفظاً فإنه يصلي بالناس.
والترجيح في هذه المسألة فيه إشكال
من حيث العموم والأدلة العامة تدل على أنه وإن كان أخرساً إلا أنه معذور.
وإذا نظر الإنسان إلى النصوص الخاصة وجد أن الشارع له نظر عميق جداً في القراءة بل إنه قدم القارئ على الفقيه. وقدم القارئ على كل الناس. فقال: (يؤم القوم أقرؤهم). وهذا لا يصدر منه قراءة مطلقاً.
فالحقيقة فيه تعارض فما يظهر لي أي الأقوال أرجح إذا تصورنا وقوع مثل هذا الأمر.
• ثم قال رحمه الله:
ولا عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود أو قيام.
قبل شرح هذه العبارة أريد أن أنبه إلى تصحيح من حيث تفقير الكتاب (نسخة الهبدان - طبع دار ابن الجوزي) فإن الصواب في كتابة العبارة أن يقول: ولا عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود ثم يضع نقطة ويبدأ مع أول السطر:
أو قيام. إلاّ إمام الحي المرجو زوال علته.
لماذا؟ لأن الحكم وهو قوله: (إلا إمام الحي المرجو زوال علته) يتعلق فقط بالقيام فليس له علاقة بالعاجز عن الركوع أو السجود أو القعود.
وصنيع المحقق وفقه الله وجزاه الله خيراً يفهم منه خلاف ذلك.
إذا تكون الجملة: ولا عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود ثم نقطة ومع أول السطر أو قيام. إلاّ إمام الحي المرجو زوال علته.
نرجع إلى معنى العبارة: يقول: ولا عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود: يعني ولا تصح الصلاة خلف عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود.
والمقصود بقوله: (عاجز عن ركوع أو سجود أو ركوع) أي لا تصح الصلاة خلف العاجز عن الأركان أو الواجبات أو الشروط ففي الحقيقة هم يريدون هذا المعنى ولا يريدون التخصيص بمسألة العاجز عن الركوع أو السجود أو القعود.
إذاً لا تصح الصلاة خلف العاجز عن الأركان أو الشروط أو الواجبات.
(2/71)
________________________________________
الدليل عند الحنابلة: أن العاجز عن هذه الأشياء أخل بركن مقصود من أركان الصلاة سواء كان الركوع أو السجود أو القعود ولا يكون المفضول إماماً للفاضل. فمن كان قادراً قدم بالإمامة.
= القول الثاني: مذهب الشافعية واختاره شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله أنه تصح الصلاة خلف العاجز عن الأركان أو الشروط.
لأن هذا العاجز معذور وإذا كان معذوراً لم يؤاخذ بما ترك وصلاته كاملة شرعاً.
وإذا ثبت ذلك - أي أنه معذور - فإنا نقدم من قدم الله ورسوله. فنقول الأقرأ يتقدم فيصلي سواء كان هو العاجز أو القادر.
•
ثم قال رحمه الله:
أو قيام. إلاّ إمام الحي المرجو زوال علته.
أي لا تجوز الصلاة خلف العاجز عن القيام إلا بشرطين:
أن يكون إمام الحي.
أن يرجى زوال علته.
واستدلوا على هذا الحكم بأدلة:
الدليل الأول: أن القيام أسهل من باقي الأركان بدليل سقوطه فقي النافلة.
الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه جالساً لما صرع عن فرسه - صلى الله عليه وسلم - فاشتكى. وهذا الحديث في الصحيحين.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الإمام الراتب وأيضاً يرجى زوال علته لن العلة كانت بسبب السقوط عن الفرس وهذا عادة يزوال.
= القول الثاني: أنه تجوز الصلاة خلف العاجز عن القيام ولو لم يكن هو إمام الحي ولو لم يرجى زوال علته.
أولاً: لأن النصوص التي فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه ليس فيها تقييد بهذه القيود.
ثانياً: أنه ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه في مرض موته حين صلى جالساً وصلى خلفه أبو بكر رضي الله عنه والناس قيام.
فدل هذا على أنه لا يشترط أن يرجى زوال علته ... (الآذان .. )
والراجح في هذه المسألة أنه يجوز الصلاة خلف العاجز عن القيام بلا شروط زائدة والدليل هو عموم الأحاديث التي فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس قاعداً بلا شروط زائدة بالنصوص. ولعموم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).
والباقي إن شاء الله يأتي غداً.
انتهى الدرس،،،
(2/72)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم معنا بالأمس الكلام عن حكم الصلاة خلف العاجز عن الأركان أو الشروط عند الحنابلة ثم حكم الصلاة خلف العاجز عن القيام فقط عند الحنابلة وذكرنا أدلة الحنابلة والشرطين اللذين ذكرهما المؤلف.
• ثم توقفنا عند قول المؤلف رحمه الله:
ويصلون وراءَه جلوساً ندباً.
يريد المؤلف رحمه الله أن يبين حكم المأمومين في الصلاة التي جلس فيها الإمام من أول الصلاة.
إذاً المقصود بقوله: ويصلون وراءَه جلوساً ندباً. في مسألة إذا صلى جالساً من أول افتتاح الصلاة.
فإذا كان الإمام مريضاً وجلس من أول الصلاة فإنه يندب للمأمومين أن يصلوا جلوساً ولا يجب عليهم أن يصلوا جالسين وجوباً.
= استدل الحنابلة على أنه يندب فقط ولا يجب بحديث عائشة رصي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المرض الذي مات فيه خرج ليصلي بالناس فصلى بهم جالساً وأبو بكر - رضي الله عنه - والناس خلفه يصلون قياماً.
فدل هذا الحديث على أن الصلاة خلف الإمام الجالس جلوساً مستحب ويجوز لهم أن يصلوا قياماً.
= والقول الثاني: أنه يجب إذا شرع الإمام في الصلاة جالساً أن يصلي المأمومون وهم جلوس وجوباً أي على سبيل الوجوب لا على سبيل الندب.
واستدلوا على هذا بدليلين:
الأول: حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به ... أن قال .. : فإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون).
فقوله: (فصلوا جلوساً) ثم التأكيد بكلمة أجمعين فهذا دليل على أن هذا الأمر خرج مخرج الوجوب.
الثاني: ما في حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى شاكياً وصلى بعض القوم خلفه قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا.
ولم يأمرهم بالجلوس في أثناء الصلاة إلا لأنه واجب.
وهذا القول - الثاني - هو الصحيح. ونحتاج إلى الجواب عن حديث عائشة رضي الله عنها لأن الصحابة صلوا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم قيام وهو جالس - صلى الله عليه وسلم - فنقول الجواب:
ـ هو بالجمع بين الحديثين كما جمع الإمام أحمد فنقول:
(2/73)
________________________________________
- يحمل حديث عائشة رضي الله عنها على من ابتدأ الصلاة قائماً ثم اعتل وجلس.
- ويحمل حديث أنس - رضي الله عنه - وحديث عائشة الآخر على ما إذا ابتدأ الإمام الصلاة جالساً.
وهذا الجمع مقدم على النسخ الذي ذهب إليه أصحاب القول الأول - أي نسخ الوجوب - وستأخذون في أصول الفقه في مبحث مهم جداً لطالب العلم وهو تعارض الأدلة: أن مرحلة الجمع تسبق مرحلة النسخ.
إذاً قوله: (ندباً) الصواب أنه وجوباً.
• ثم قال رحمه الله:
فإن ابتدأ بهم قائماً ثم اعتل فجلس: أتموا خلفه قياماً وجوباً.
إذا بدأ الإمام الصلاة قائماً ثم جلس في أثناء الصلاة فإن المأمومين يصلون خلفه قياماً وكما قال المؤلف رحمه الله: (وجوباً).
ولا أظن أن في هذه المسألة خلاف.
والدليل: حديث عائشة رضي الله عنها فإنهم رضي الله عنهم صلوا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - قياماً.
وقد تقرر أن مخالفة الإمام الفعلية محرمة لقوله: (إنما جعل الإمام ليؤتم به). ولقوله - في بعض الألفاظ - (فلا تختلفوا عليه).
فهذا دليل على أن مخالفة الإمام محرمة ومع ذلك خالفوا الإمام مما يدل على أن القيام واجب أي أنهم تركوا المحرم للإتيان بما هو أجوب منه وهو القيام.
على كل حال لا إشكال أنه إذا ابتدأ بهم قائماً ثم جلس أنهم يصلون قياماً.
عرفنا الآن أن قوله: (ويصلون وراءه جلوساً ندباً) لا يمكن أن يعم الصورتين فيما إذا ابتدأ الصلاة قائماً ثم جلس وفيما إذا ابتدأ الصلاة جالساً وإنما تحمل العبارة الأولى على ما إذا ابتدأ الصلاة جالساً.
•
ثم قال رحمه الله:
وتصح خلف: من به سلس البول بمثله.,
المقصود بمن به سلس البول: من يستمر خروج البول ولا يستمسك بالإرادة.
ومقصود الحنابلة بقولهم من به سلس البول: كل من حدثه دائم. أي: أن هذا الحكم لا يختص بمن به سلس البول بل يعم كل من حدثه دائم.
حكم من حدثه دائم: أنه يجوز أن يصلي بمثله ولا يجوز أن يصلي بغيره - أي بغير من به سلس البول.
- أما لماذا يجوز أن يصلي بمثله؟ فسبق معنا التعليل وهو: لتساويهما في الحال.
- وأما لماذا لا يصلي بغيره؟ لأن هذا الشخص يخرج منه الحدث المبطل للطهارة وعفي عنه للعذر فلا يصلي بمن استكمل الشروط.
(2/74)
________________________________________
= والقول الثاني: أن من به سلس البول إذا غلبه هذا الأمر فإنه يصلي بمثله وبغيره إذا كان هو الأقرأ ولا ينظر لهذا الوصف أصلاً لأنه خارج عن إرادة الإنسان.
وهذا القول هو الصواب وهذا القول عليه العمل فإن كثيراً من الأئمة يصلون بالناس ومعهم سلس فمن الناس من يسأل عن هذه المسألة ويذكر في سؤاله أنه إمام مسجد وعليه فإنه عمله صحيح ومذهب الحنابلة في هذه المسألة ضعيف.
ومما يدل على قوة هذا القول - الثاني - عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).
• ثم قال رحمه الله:
ولا تصح خلف: محدث ولا متنجس يعلم ذلك.
أي ولا تصح الصلاة خلف إمام محدث ومتنجس يعلم أنه أحدث أو أنه تنجس.
ويجب أن تلاحظ أن مذهب الحنابلة ولو جهله المأموم فهذه مهمة ونقول: لو أن المؤلف أضافها لكان أولى.
التعليل: قالوا: أن من صلى محدثاً أو متلبساً بالنجاسة عالماً فهو متلاعب آثم وصلاته باطلة فمن اقتدى به فقد اقتدى بمن بطلت صلاته فلا تصح صلاة المقتدي.
وفي الحقيقة هذا مركب من أن الإمام متلاعب أكثر من أنه صلى صلاة غير صحيحة أيضاً. والشيء الثاني أن المأموم اقتدى بمن لاتصح صلاته لتلاعبه.
= والقول الثاني: أنه إذا كان المأموم يجهل حال الإمام ولا يعلم بذلك فإن صلاة الإمام تبطل وصلاة المأموم صحيحة.
وهذا القول وجيه جداً. والمسألة يتصور أن تقع فإنه قد يقدم من عليه جنابة فيستحيي أن يذكر أنه على غير طهارة للجنابة ويصلي بأصحابه لا سيما عند بعض السفهاء فهو يعلم أن صلاته باطلة والمأمومون لا يعلمون ذلك فعلى المذهب يجب أن يعيد هو وهم وعلى القول الثاني يجب أن يعيد هو أما هم فصلاتهم صحيحة.
• ثم قال رحمه الله:
فإن جهل هو والمأموم حتى انقضت: صحت لمأموم وحده.
إذا صلى الإمام وهو محدث أو متلبس بالنجاسة وهو يجهل ذلك والمأموم يجهل ذلك فالحكم عند الحنابلة أن صلاة المأموم صحيحة والإمام يعيد.
ومتى يعيد - لأنه يجهل ذلك؟ نقول: إذا تذكر ذلك وعلم.
= دليل الحنابلة: فالوا: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن عمر وغيرهما من الصحابة صلوا بالناس وهم على جنابة جهلاً ونسياناً - يعني جهلاً بواقع الحال ونسياناً.
(2/75)
________________________________________
فأما عمر - رضي الله عنه - فإنه لما خرج لبعض شغله وحمل متاعاً رأى في ثوبه أثر الاحتلام فأعاد الصلاة ولم يأمر الناس بالإعادة.
فهذا دليل قوي على أنه إذا صلى الإمام والمأموم وكلاهما يجهل أن الإمام صلى على غير طهارة فإن صلاة المأموم صحيحة وأما صلاة الإمام فإنه يعيدها.
= والقول الصواب: أن في المسألة تفصيل:
فإن صلى الإمام جاهلاً للحدث فإنه يعيد هو دون المأمومين.
وإن صلى الإمام جاهلاً للنجاسة فإنه لا يعيد لا هو ولا المأمومون فصلاة الجميع صحيحة لأن صلاة الإمام الذي يجهل تلبسه بالنجاسة صلاةٌ صحيحة.
لما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوماً بأصحابه وعليه النعل ثم خلعها لأن فيها أذىً أو قذر.
وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستأنف الصلاة وإنما أتم بأصحابه بعد خلع الحذاء فدل ذلك على أن من صلى متلبساً بالنجاسة جاهلاً فإن صلاته صحيحة.
وهذا التفصيل كما قلت هو الأقرب الذي تجتمع به الأدلة إن شاء الله.
• ثم قال رحمه الله:
ولا إمامه الأُمي: وهو من لا يحسن الفاتحة.
الأمي في اللغة: هو من لا يحسن الكتابة والقراءة.
والأمي في الاصطلاح الخاص بهذا الباب هو: من لا يحسن قراءة الفاتحة.
بناء على هذا مهما حمل الإنسان من شهادات عليا في أي تخصص من التخصصات إذا كان لا يحسن قراءة الفاتحة فإنه يعتبر أمياً في هذا الباب – في باب الإمامة.
إذاً إذا قيل لك ما تعريف الأمي في باب الإمامة الخاصة فتقول: من لا يحسن قراءة الفاتحة.
ثم أراد المؤلف أن يبين بعض صور عدم الإحسان في قراءة الفاتحة:
• فقال رحمه الله:
أو يدغم فيها ما لا يدغم.
قوله: (أو) كأن إدغام ما لا يدغم وتبديل الحروف واللحن الذي يحيل المعنى كأنه يختلف عن أن لا يحسن قراءة الفاتحة.
وفي الحقيقة هذه الأشياء هي: أمثلة أن لا يحسن قراءة الفاتحة.
ولذلك لو أنه قال رحمه الله: (كأن يدغم) لكان أولى.
نعم. عدم الإحسان في قراءة الفاتحة لا ينحصر على الثلاث أمثلة التي ذكرها المؤلف لكن هي أمثلة فإنه لا يخرج الإحسان عن أن يكون من جنس هذه الأشياء وأشياء أخرى.
(2/76)
________________________________________
قوله: (أن يدغم فيها ما لا يدغم). أي أن يدغم حرفاً فيما لا يماثله ولا يقاربه. وبعبارة أخرى (أسهل): أن يدغم في موضع لا يصح الإدغام فيه.
فهذا لا يحسن القراءة ولا يصح أن يكون إماماً.
التعليل: أنه بهذا الإدغام أسقط حرفاً من الفاتحة وهو الحرف المدغم في غيره سقط في موضع لا يجوز أن يسقط.
• قال رحمه الله:
أو يبدل حرفاً.
أي أن يبدل حرفاً أثناء النطق بحرف آخر ومثاله المشهور: الألثغ وهو من يبدل الراء غيناً فهذا أشهر مثال ويكثر وقوعه.
فهذا الألثغ عند الحنابلة لا يجوز أن يكون إماماً مع وجود غيره. لأنه: أيضاً لم يأت بالفاتحة فقد نطق حرفاً آخر.
واستثنى الحنابلة –بل الجمهور – الضاد فلو أبدلها بالظاء فإن صلاته صحيحة ويجوز أن يكون إماماً.
واستدلوا على هذا بدليلين:
الأول: أنهما في السمع واحد. فإذا سمع الإنسان الضاد والظاء فإنه لا يفرق بينهما في السمع.
الثاني: أن مخرج الحرفين متقارب جداً مما يشق معه التحرز من الخلط.
وهذا صحيح وهو اختيار شيخ الاسلام رحمه الله.
•
ثم قال رحمه الله:
أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى إلاّ بمثله.
إذا لحن في الفاتحة لحناً يحيل المعنى فإنه لا يجوز أن يكون إماماً إلا بشخص آخر يلحن كلحنه.
من أمثلة اللحن الذي يحيل المعنى: أن يقول: ((أنْعَمْتُ)) بدل ((أنْعَمْتَ)). لأنه صار المنعم المتكلم أو القارئ.
وهذا لحن ينقل المعنى إلى أمر آخر بعيد.
أو أن يفتح همزة ((اهدنا)) وهذا يقفع عند بعض الأعراب لأن المعنى انتقل من طلب الهداية والتوفيق والصلاح إلى طلب الهدية.
فهذا اختلاف كبير في المعنى بسبب اللحن.
إذاً إذا لحن الإنسان فإنه لا يصح أن يكون إماماً وسيأتينا حكم صلاته.
= القول الثاني في هذه المسألة: أنه يجوز أن يكون إماماً في النوافل فقط.
= القول الثالث: الجواز مطلقاً.
دليل الحنابلة أن الزهري رحمه الله يقول: (مضت السنة بذلك) أي بعدم صحة إمامة اللحَّان.
وتقدم معنا مراراً أن الإمام الحافظ الكبير الزهري إذا قال مثل هذه العبارة فإن لها ثقلاً عند أهل العلم.
لماذا؟
(2/77)
________________________________________
لأنه رحمه الله واسع الاطلاع جداً وغالباً ما يقصد بمثل هذه العبارات ما كان عليه إما العهد النبوي أو على أضعف الإيمان عهد الصحابة. وذلك لسعة اطلاعه ووقوفه على أقوال كبار الصحابة فمثله رحمه الله إذا قال: (مضت السنة بذلك) يكون له شأن كبير في الحقيقة.
الدليل الثاني: أن القراءة ركن مقصود معتبر عند الشارع فلم يجز الاقتداء بمن يقصر فيه.
بناء على هذا: إذا كان بعض الناس يقرأ ويلحن في الفاتحة فإنه يجب وجوباً أن يتخلف عن الإمامة ولا تصح الصلاة خلفه.
فإذا كنا نعلم أن الإمام الفلاني يصلي بالمسجد الفلاني ويلحن في الفاتحة لحناً يحيل المعنى ويغيره كالأمثلة التي ذكرت وغيرها فإنه لا يجوز أن نصلي خلفه لأنه لا يصح الاقتداء به.
ولا يخفى أن هذا فيه مشقة لا سيما في البوادي إذا يكثر فيهم من يكون إماماً وهو يلحن في الفاتحة وقد أخذنا أن القول الثاني أنه يجوز أن يكون إماماً وتصح الصلاة خلفه.
أي الأقوال أرجح؟
الذي يظهر لي وأعتمد في هذا على كلمة الزهري أن نقول أنه لا يصح الإئتمام به فإذا صلى الإنسان خلف من يلحن ناسياً أو جاهلاً فيعيد أي عند الحنابلة.
أو نقول: إذا صلى جاهلاً أو ناسياً – المأموم - فإنه يعذر.
لكن إن صلى عالماً متساهلاً أعاد.
وهناك خطورة أخرى بالنسبة لمن يصلي ويلحن: أن يعتاد الناس على سماع الفاتحة وفيها لحن فيحفظوا الفاتحة ملحونة.
ففي الحقيقة تقديم من كان بهذه المثابة فيما يبدو لي أنه لا يجوز أي: أن الإئتمام به لا يصح.
• ثم قال رحمه الله
وإن قدر على إصلاحه: لم تصح صلاته.
أي: إن قدر على إصلاح هذا اللحن لم تصح صلاته أصلاً لا منفرداً ولا إماماً.
إذاًَ كأن العبارة الأولى يقصد بها المؤلف: من لا يستطيع إصلاح الشأن.
أما من يستطيع ولم يفعل فصلاته من حيث هي باطلة.
الدليل: - تقدم معنا تعليل هذا مراراً وهو: أن من ترك واجباً عمداً في الصلاة بطلت صلاته.
فهذا ترك أمراً واجباً بل ترك أمراً يتعلق بركن كبير من أركان الصلاة وهو قراءة الفاتحة.
لما انتهى المؤلف من الذين لا يجوز أن نصلي خلفهم ولا تصح إمامتهم انتقل إلى القسم الثاني وهم الذين يصح أن يكونوا أئمة ولكن مع الكراهة.
• فقال رحمه الله:
(2/78)
________________________________________
وتكره إمامة: اللّحّان.
اللحان المقصود به هنا: كثير اللحن.
واللحن هو: نطق أواخر الكلمات على غير صوابها من جهة الإعراب.
ومراد الفقهاء – وهذا مهم: في كل باب ينبغي أن يعتني الإنسان بمراد المؤلف من كلامه – فمراد المؤلف من قوله: (اللحان): أي: الذي يلحن في الفاتحة لحناً لا يحيل المعنى أو في غيرها يحيل أو لا يحيل المعنى.
وبعبارة أوضح: المقصود به هنا الذي يلحن لحناً يحيل المعنى في غير الفاتحة أو فيها لحناً لا يحيل المعنى.
لأن اللحن الذي في المعنى يحيل المعنى في الفاتحة تقدم معنا وانتهى المؤلف من بيان حكمه فإذاً هنا يقصد رحمه الله اللحن اللذي يكون في الفاتحة ولا يحيل المعنى أو في غيرها سواءً كان يحيل أو لا يحيل المعنى.
صلاة اللحان مكروهة عند الفقهاء والتعليل عندهم: أن هذا نقص يؤثر على إمامته بالكراهة.
أما أن الصلاة تصح قالوا: لأنه أتى بفرض القراءة وإن لحن. وهذا التعليل يرجح أي القولين في المسألة السابقة؟ ( ..... ) (ماوضح لي الجواب .. )
ذو القعدة فإن لحن لحناً لا يحيل المعنى لكنه فعله متعمداً فإن صلاته باطلة.
• ثم قال رحمه الله:
والفأْفاء، والتمتام، ومن لا يفصح ببعض الحروف.
هؤلاء ثلاثة وحكمهم واحد.
فالفأفاء: هو الذي يكرر الفاء.
والتأتاء هو الذي يكرر التاء.
ومن لا يفصح هو: الذي لا يظهر الحروف عند النطق بشكل واضح.
وإنما ذكر المؤلف رحمه الله الفأفاء والتمتام لأنهما الأكثر وقوعاً وإلا لو فرضنا أن شخصاً يكرر حرفاً غير الفاء أو التاء لأخذ نفس الحكم.
علة الكراهة في هؤلاء: أنهم زادوا في الصلاة زيادة لا تشرع.
فالفأفاء زاد: فاء.
والتأتاء زاد: تاء.
أما بالنسبة للذي لا يفصح ببعض الحروف فعلة الكراهة النقص الحاصل بعدم الإفصاح فإن هذا نقص في المعنى وإن لم يكن نقصاً في الحروف.
فهؤلاء حكم إمامتهم: مكروهة.
وأما لماذا تصح الصلاة: فلما تقدم لأنهم أتوا بفرض القراءة كاملاًَ فإنهم قرأوا قراءة كاملة لكن الفأفاء زاد ومن لا يفصح نقص في المعنى بدون نقص في الحروف.
وهؤلاء الثلاثة غيرهم أولى منهم وصلاتهم صحيحة وإمامتهم صحيحة.
•
ثم قال رحمه الله:
وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن.
(2/79)
________________________________________
يكره أن يؤم الرجل أجنبية فأكثر إذا كان لا رجل معهن والصواب أن في هذه المسألة تفصيلاً فهي تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يؤم الرجل امرأة واحدة فهذا محرم وليس مكروهاً فقط. والتعليل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يخلو الرجل بالمرأة. والأصل في النهي هو التحريم.
القسم الثاني: أن لا يخلو بامرأة واحدة وإنما بامرأتين فأكثر فحكمه الكراهة لأمرين: الأول: خشية الفتنة. والأمر الثاني: تلبسه غالباً بالوساوس. لأنه ليس معه أحد إلا النساء فربما اشتغل بالتفكير بهن أو بغيرهن.
= والقول الثاني: أنه لا يكره. فلو فرضنا أن إماماً دخل وصلى وليس وراءه إلا خمس نسوة – مثلاً – فالصلاة صحيحة بلا كراهة إلا إذا خشيت الفتنة.
• قال رحمه الله:
أو قوماً أكثرهم يكرهه بحق.
يكره أن يكون الإنسان إماماً لجماعة بشرطين:
أن يكون الأكثر يكرهه فإن كرهه الأقل لم يؤثر.
أن يكرهوه بحق.
بناء على هذا إذا كرهه الأقل فصحت إمامته بلا كراهة.
وإذا كرهه الأكثر صحت إمامته مع الكراهة.
وإذا تساوى الفريقان ففيه وجهان: والأقرب الكراهة.
هذا ما يتعلق بالشرط الأول.
أما الشرط الثاني وهو: أن يكرهوه بحق.
أما إن كرهوه لأنه يأتي بالسنة أو كرهوه لدينه وتمسكه بالحق. فإن كراهتهم لا ينظر إليها ولا عبرة بها.
إذاً إذا كرهوه بحق فإنه يتركهم أما إذا كرهوه بغير حق كأن يكرهوه بسبب تطبيقه للسنة فإنه لا ينظر لهذه الكراهة.
فإن كرهوه لأمر دنيوي: فهي كراهة بحق.
إنما الكراهة التي ليست بحق هي التي بسبب تدينه والتزامه بالسنة ما عدا ذلك فهي كراهة بحق.
فإذا كرهوه وانطبقت الشروط فإن إمامته والحال هذه تصح مع الكراهة.
ودليل الكراهة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم رؤوسهم: العبد الآبق حتى يرجع ومن باتت وزوجها غضبان عليها ومن أم قوماً وهم له كار هون).
وهذا الحديث كثير من أهل العلم يضعفه وهو ضعيف لكن في الحقيقة ضعفه ليس شديداً فهو مقبول ويسير جداً وأنا لا أقول أنه حسن لكن لا شك أن هناك فرق بين الحديث الذي ضعفه ضعفاً شديداً والحديث الذي ضعفه ضعفاً يسيراً.
(2/80)
________________________________________
والدليل الثاني: التعليل: أن المقصود من الجماعة الائتلاف والاجتماع وصلاته بهم وهم يكرهونه يناقض هذا المعنى.
• ثم قال رحمه الله:
وتصح إمامة: ولد الزنا والجندي إذا سلم دينهما.
ولد الزنا هو الولد المولود لغير أبوين شرعيين.
فإمامة ولد الزنا صحيحة.
وعليه: لماذا ذكرها المؤلف رحمه الله؟
لأن بعض الفقهاء كرهها.
ودليل عدم الكراهة: قول عائشة رضي الله عنها ليس عليه من وزر أبويه شيء.
وعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يؤم القوم أقرؤهم) ولم يخص هل هو ولد زنا أو ولد شرعي.
قال: (والجندي).
الجندي أيضاً تصح إمامته بلا كراهة لعموم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).
وإنما ذكر الجندي بالذات لأنه عند الفقهاء وأهل التواريخ يغلب على الجندي وقوع الظلم والاعتداء فيصير بذلك فاسقاً فتكره الصلاة خلفه.
فهذا السبب الذي جعلهم يذكرون الجندي.
لكن في الحقيقة تعليق هذا الوصف بكلمة الجندي غير دقيق مطلقاً بل قد أقول أنه فيه ظلم لجنس الجنود.
لماذا؟
لأنه ليس من المناسب أن تعلق وصف باسم ينضوي تحته أنواع كثيرة.
فمن الجنود من هو على خير واستقامة وتدين وعدم ظلم والقيام بحقوق الله وحقوق الخلق.
ومنهم من هو ظالم لنفسه.
كما أن الأطباء فيهم من هو كذلك والمهندسون فيهم من هو كذلك.
فإذاً يجب أن نعلق الوصف بالوصف الشرعي فنقول الفاسق والمعتدي تكره الصلاة خلفه.
وعلى كل حال الحنابلة لا يرون أن الصلاة خلف الجندي مكروهة لكن نقول من رأى أنها مكروهة وهو الذي احتاط عنه المؤلف فتعليقه بهذا الوصف فيه بعد.
المهم أن الصلاة خلف الجندي لا تكره.
• ثم قال رحمه الله:
ومن يؤدي الصلاة بمن يقضيها.
تصح صلاة من يؤدي الصلاة خلف من يقضيها وهنا نأتي إلى مسألة تحديد مراد الفقهاء.
فمراد المؤلف هنا: إذا اتحدت الصلاة بأن تكون الصلاتين كلاهما ظهراً أو عصراً المؤداة والمقضية.
فإذا جاء رجل وأراد أن يصلي ظهر أمس لأنه تركها نسياناً فسيؤديها قضاء ثم جاء آخر ويريد أن يصلي صلاة ظهر اليوم فاقتدائه بمن يصلي صلاة الظهر أمس قضاء صحيح بلا كراهة.
وهذا معنى قوله وتصح إمامة من يؤدي الصلاة بمن يقضيها.
(2/81)
________________________________________
هذا هو المذهب بل إن الخلال وهو من كبار الحنابلة - ممن ينبغي أن يطالع طالب العلم ترجمته - يقول الخلال: هذا الحكم هو عن أبي عبد الله رواية واحدة وقد غلط من روى عنه خلاف ذلك.
يعني أنه ينكر الرواية الثانية ....... (((الآذان)))
انتهى الدرس،،،
(2/82)
________________________________________
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• يقول المؤلف رحمه الله:
(تصح إمامة) من يؤدي الصلاة بمن يقضيها وعكسه.
هاتان مسألتان لهما الحكم نفسه. فيجوز أن يكون من يؤدي الصلاة إماماً لمن يقضي الصلاة ويجوز أن يكون من يقضي الصلاة إماماً لمن يؤدي الصلاة.
وهذا - أي صحة الإمامة في هذه المسائل - هو مذهب الحنابلة.
وذكرت لكم بالأمس أن الشيخ الخلال يقول: أن الإمام أحمد لم يرو عنه في هذه المسألة إلا رواية واحدة ومن روى عنه خلاف هذه الرواية فقط غلط على الإمام أحمد.
= إذن هذا القول الأول بتفصيله.
الدليل:
الأول: استدلوا على ذلك بأنه تصح صلاة من صلى بنية الأداء فبان قضاء.
مثاله: رجل كَبَّر لصلاة العصر يظن أن وقت صلاة العصر باقٍ ثم بان بعد انتهاء الصلاة أن وقت العصر قد خرج.
فالآن هو صلى بنية الأداء والواقع أن صلاته قضاء ومع ذلك صحت.
فقالوا: إذا صحت في مثل هذه الصورة فمن باب أولى أن يصح أن يقتدي المؤدي بمن يقضي أو بالعكس.
الثاني: أنه - كما سأتينا - لا أثر لاختلاف النية بين الإمام والمأموم.
= والقول الثاني: أنه لا تصح صلاة من يؤدي بمن يقضي أوبالعكس.
والصواب مع الأول - مذهب الحنابلة لقوة ووجاهة ما اسدتلوا به ولما سيأتينا حول مسألة اختلاف نية الإمام مع المأموم وأنه لا أثر له شرعاً.
•
ثم قال رحمه الله:
لا مفترض بمتنفل.
= ذهب الجمهور بمن فيهم الحنابلة أن صلاة المفترض خلف المتنفل لا تصح.
واستدلوا على ذلك: بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه).
قالوا: أن هذا من الاختلاف فإن كل واحد منهما يصلي جنساً آخر فهذا مفترض وهذا متنفل.
(2/83)
________________________________________
= والقول الثاني: وهو مذهب الشافعية واختاره عدد من المحققين منهم ابن قدامة وابن المنذر وشيخ الاسلام وابن القيم وغيرهم من المحققين. أن صلاة المفترض خلف المتنفل صحيحة.
واستدلوا على هذا بما ثبت في الصحيح أن معاذاً - رضي الله عنه - يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء وهي فريضته ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم العشاء وهي له نافلة ولهم فريضة ومع ذلك صحت صلاتهم.
فهذا الحديث نص على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل.
والراجح هو: القول الثاني لأن معهم نصاً واضحاً.
والجواب على دليل الجماهير أن الاختلاف المنهي عنه في الحديث هو الاختلاف في الأعمال بدليل أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: (فلا تختلفوا عليه فإذا سجد فاسجدوا وإذا ركع فاركعوا). وهذا دليل على أن الاختلاف المنهي عنه هو الاختلاف الذي يكون في الأعمال.
مسألة: أما صلاة المتنفل خلف المفترض – عكس مسألتنا هذه – فهي جائزة بالإجماع بلا إشكال. فقد أجمع الفقهاء على جوازها وأنها صحيحة.
واستدلوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (هل من رجل يتصدق على هذا؟). وذلك في الرجل الذي فاتته صلاة الجماعة وأراد أن يصلي منفرداً فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضهم أن يقوم ويصلي معه فالذي فاتته الصلاة فإنه سيصلي الفريضة ومن قام يصلي معه فسيصلي نافلة ومع ذلك صحت وبحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلت لكم أن هذا الحديث مقبول.
•
ثم قال رحمه الله:
ولا من يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو غيرها.
إذا اختلفت الصلاة ولو كان كل منهما يؤدي الفريضة فإنه لا يصح أن يأتم أحدهما بالآخر.
ولهذا قلت لكم أن قول المؤلف: ومن يؤدي الصلاة بمن يقضيها. خاص بما إذا كانت الصلاة واحدة وذكرت لكم المثال بالأمس: رجل فاتته صلاة الظهر للأمس وأراد أن يصليها اليوم فإنه يصليها خلف من يصلي الظهر اليوم.
نرجع إلى مسألتنا:
إذا اختلفت الصلاة كمن يصلي الظهر بمن يصلي العصر فعند الحنابلة أنه لا يجوز الاقتداء.
(2/84)
________________________________________
والخلاف في هذه المسألة: كالخلاف تماماً في المسألة السابقة ولا نحتاج إلى إعادة الكلام عليها من حيث الأدلة والترجيح والقائلين: فالجمهور يرون أنه لا يجوز والشافعي وهو اختيار شيخ الإسلام يرى أنه يجوز.
تنبيه: يستثنى من الصحة - صحة اقتداء أحدهما بالآخر - إذا اختلفت الأعمال فلا يجوز أن يصلي الكسوف خلف من يصلي الظهر لأن صلاة الظهر تختلف عن صلاة الكسوف بالأعمال.
فذكر الفقهاء أنهإذا اختلفت الأعمال فلا يصح الاقتداء.
وبهذا انتهى هذا الفصل وانتقل المؤلف إلى فصل آخر يتعلق أيضاً بصلاة الجماعة.
فصل
[في موقف الإمام والمأمومين]
• قال رحمه الله:
فصل
يريد المؤلف رحمه الله بهذا الفصل أن يبين أين يقف المأموم؟ وما هي السنة في ذلك؟ وإذا خالف السنة فما حكم صلاته؟
• فقال رحمه الله:
يقف المأمومون خلف الإمام.
إذا كان المأمومون جماعة فإنهم يقفون خلف الإمام.
والدليل على ذلك: ما استفاضت به السنة ونقله الخلف عن السلف أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقفون خلفه ولا إشكال في هذا الحكم إذا كان المأمومون جماعة.
القسم الثاني: إذا كانوا اثنين فقط:
= فذهب الجماهير والجم الغفير من أهل العلم إلى أنهم يقفون خلف الإمام أيضاً ولو كانوا فقط اثنين.
واستدلوا على هذا: بما ثبت في الحديث الصحيح أن جابر - رضي الله عنه - قدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فصف عن يساره فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعله عن يمينه فجاء جبَّار - رضي الله عنه - وصف عن يسار النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذهما النبي - رضي الله عنه - وأرجعهما إلى الخلف.
فدل هذا الحديث على أن الجماعة إذا كانوا اثنين فيقفون خلف الإمام وهو نص في المسألة.
= القول الثاني: وإليه ذهب ابن مسعود - رضي الله عنه - وتبعه تلاميذه: علقمة والأسود رضي الله عنهم وهو أن الجماعة إذا كانوا اثنين فإنهم يقفون عن جانبي الإمام عن يمينه ويساره.
(2/85)
________________________________________
والدليل على ذلك: أن ابن مسعود - رضي الله عنه - وعلقمة والأسود أقبلوا إلى المسجد فرأوا الناس يخرجون وقد انتهت الجماعة فرجعوا إلى منزل ابن مسعود - رضي الله عنه - وصلى بهم وجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فلما انتهى قال: (هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).
قال أصحاب هذا القول أن ابن مسعود - رضي الله عنه - وهو من كبار فقهاء الصحابة ينسب هذا الحكم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والراجح قول الجماهير بلا إشكال لأن النص الذي معهم وهو حديث جابر وجَبَّار واضح جداً وهو نص بأن الجماعة إذا كانوا اثنين فيصلون خلف الإمام.
أما الجواب عن أثر ابن مسعود - رضي الله عنه - فمن ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن نقول أن هذا الحديث منسوح ولم يعلم الصحابي الجليل ابن مسعود - رضي الله عنه - بأن السنة استقرت على أن الجماعة إذا كانوا اثنين يقفون خلف الإمام. وإلى هذا الجواب ذهب البيهقي.
الوجه الثاني: أن هذا الحديث لا يصح رفعه. فإن قوله: (هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لا يثبت وأن هذا إنما هو من فقه ابن مسعود - رضي الله عنه -. فهذا الوجه في حقيقته جواب بتضعيف الحديث المرفوع وإلى هذا ذهب ابن عبد البر رحمه الله.
الوجه الثالث: أنه - رضي الله عنه - إنما فعل ذ1لك لضيق المكان أي أنه لا يتسع لصفين.
والأجوبة كلها قوية وتصلح جواباً عن أثر ابن مسعود - رضي الله عنه - ويبقى أن الراجح هو أن الجماعة إذا كانوا اثنين فيقفون خلف الإمام.
• ثم قال رحمه الله:
ويصح معه عن يمينه أو عن جانبيه.
لما قرَّرَ المؤلف رحمه الله أن السنةأن يقف الاثنان خلف الإمام أراد أن يبين أنه يجوز أن يقفوا عن يمين الإمام أو عن يمينه وشماله.
واستدلوا على الجواز:
بحديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبطل تحريمة جابر وجبار لما وقفا عن يمينه وشماله.
ويصح أن يكونوا عن يمينه وعن شماله سواء كانوا اثنين أو جماعة.
لكن قال الجماهير: يصح مع الكراهة لمخالفة ظاهر السنة.
• ثم قال رحمه الله:
لا قدّامه.
أي: لا تصح قدام الإمام.
والصلاة قدام الإمام تنقسم إلى قسمين:
(2/86)
________________________________________
القسم الأول: أن يكون ذلك حول الكعبة في غير جهة الإمام بأن يكون المتقدم في غير جهة الإمام.
فإذا افترضنا أن الإمام يقف عند مقام إبراهيم والمأموم يقف في الجهة المقابلة له وبين الإمام والكعبة ذراعين وبين المأموم والكعبة من الجهة المقابلة ذراع واحد فهنا: هل تقدم المأموم على الإمام؟
الجواب: نعم.
وحكمه: أنه يجوز وحكي الإجماع على ذلك لأنهما ليسا في جهة واحدة.
((ولكن ذكروا مع ذلك أن الصف الأول هو الصف الذي يكون امتداد الصف الذي خلف الإمام والصف الثاني هو صف هؤلاء الذين تقدموا على الإمام من الجهة المقابلة.
هكذا ذكروه وحسب المطلاعة – وليست بالطويلة - فإني لم أجد خلافاً. فقد ذكره الفقهاء ولم يذكرو خلافاً.
فإن كان في هذه المسألة خلافاً فالصواب أن الصف الأول في كل جهة يعتبر هو الصف الأول.
فالصف الأول في جهة الإمام هو الذي يكون خلفه.
والصف الأول في الجهة المقابلة هو الصف الأول. لأن هذا الصف الأول الذي في غير جهة الإمام تقدم واتخذ المكان الأول فكيف نجعله هو الصف الثاني ومن خلفه ممن يوازي الصف الأول الذي خلف الإمام هو الصف الأول.
فمن وجهة نظري أن هذا فيه بعد لا سيما وأن الشارع الحكيم حث الناس على التقدم إلى الصلوات والجلوس في الصف الأول فهذا الشخص تقدم وصلى في الصف الأول لمن الصف الأول صار متقدماً على الإمام وقد عذره الشارع بالإجماع بأنه متقدم على الإمام فما الذي يمنع أن يكون هو الصف الأول.
المهم: أنه إذا كان في هذه المسألة خلاف فأرى أن الصف الأول في كل جهة هو الصف الأول ولو كان متقدماً على الإمام.
القسم الثاني: أن يكون تقدم المأموم على الإمام في غير المسجد الحرام.
فإذا تقدم فصلاته باطله لأنه خالف السنة المشهورة في موقف الإمام. ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به). والإئتمام الكامل يكون بحيث يراه المأموم.
= القول الثاني: أن صلاة من تقدم على الإمام صحيحة مطلقاًَ لأن التقدم على الإمام لا يمنع الاقتداء.
(2/87)
________________________________________
= والقول الثالث: أنه تصح صلاة المتقدم على الإمام إذا كان لعذر فقط لأن الواجبات تسقط مع العجز وهذا واجب لصلاة الجماعة. فهو أضعف حتى من الواجب للصلاة مطلقاً إنما هو فقط واجب لصلاة الجماعة أي أن لا يتقدم مأموم على الإمام.
واختار هذا القول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله.
ومن الظاهر أن القول الثالث فيه قوة ووجاهة.
وبناء على هذا ما يحصل اليوم في صلاة الجمعة مثلاً في غير الحرمين - ففي بعض الأماكن يكثر هذا ويقع – فيزدحم الناس وقد يصلي بعضهم في قبلة المسجد فؤلاء صلوا أمام الإمام.
فإذا كانوا صلوا أمام الإمام لعذر للإزدحام وعدم وجود أماكن في الخلف ولا في الجانبين فإن صلاتهم صحيحة.
وإذا كان لغير عذر فإنه يجب عليهم أن يعيدوها ظهراً إذا كان هذا التقدم في صلاة الجمعة لأن الغالب في الإزدحام يكون فيها لا في الفرائض.
•
ثم قال رحمه الله:
ولا عن يساره فقط
المؤلف رحمه الله لم يبين حكم وقوف المأموم عن يمين الإمام إلا إذا أردنا أن نقول هي داخلة في عموم قوله: (ويصح معه عن يمينه أو عن جانبيه). فهذا ممكن وإن كان الغالب أنه يريد رحمه الله بهذه العبارة إذا كانوا اثنين فأكثر.
على كل حال يصح بلا خلاف أن يكون المأموم وهو السنة الواحد عن يمين الإمام لما جاء في الصحيح أن ابن عباس - رضي الله عنه - صف عن يسار النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذه وأداره من خلف ظهره وجعله عن يمينه.
ولذلك قال المرداوي رحمه الله في هذه المسألة: يصح بلا نزاع لأن السنة فيها واضحة.
وتقدم معنا أن المرداوي رحمه الله إذا قال في الإنصاف بلا نزاع أنه لا يريد بذلك الإجماع من الأئمة الأربعة وإنما يريد الإجماع داخل المذهب.
ولكن مع ذلك إذا قال المردواي رحمه الله: بلا نزاع فإن له دلالة في أن المسألة ليس فيها كبير خلاف لأن الغالب إذا كان في المسائل الأخرى خلاف فستكون أوجه أو روايات داخل المذهب.
• قال رحمه الله:
ولا عن يساره فقط:
يعني أن:
= الحنابلة يرون أن المأموم إذا صف عن يسار الإمام فإن صلاة المأموم باطلة بشرطين:
الشرط الأول: أن يخلو يمينه: أي أن يكون المأموم عن يساره ويمينه فارغ.
الشرط الثاني: أن يصلي ركعة كاملة.
(2/88)
________________________________________
دليل الحنابلة: استدلوا على هذا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صف ابن عباس عن يساره أخذه من وراء ظهره وجعله عن يمينه.
قالوا: فدل الحديث على أن اليسار ليس موضعاً للإقتداء مع خلو اليمين.
= القول الثاني: أن من صلى عن يسار الإمام وحده فهو مكروه لكن الصلاة صحيحة.
واستدلوا على هذا بأقيسة منها:
= الأول: قالوا: قياساً على صلاة المأموم عن يسار الإمام إذا كان عن يمينه آخر.
= الثاني: قالوا: قياساً على صحة صلاة المأموم الذي يقف عن يمين الإمام.
وأجابوا عن حديث ابن عباس - رضي الله عنه - بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما فعل ذلك لبيان السنة والأفضلية وليس لبيان بطلان الصلاة.
بدليل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ جابراً وجباراً رضي الله عنهما وجعلهما خلفه ومع ذلك نحن نقول لو يصلي شخص عن يمينه وشخص عن يساره لصحت الصلاة مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرجعهما إلى الخلف فكذلك نقول: أن ابن عباس - رضي الله عنه - نقله النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليسار إلى اليمين مع صحة صلاة من يصلي عن اليسار.
والأقرب هو القول بعدم البطلان استئناساً بحديث جابر فإن دلالته واضحة ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبطل تحريمة جابر لما صف عن يساره ولا تحريمة ابن عباس لما صف عن يساره.
• ثم قال رحمه الله:
ولا الفذ خلفه أو خلف الصف.
أيضاً هاتان مسألتان لهما حكم واحد.
إذا صلى المنفرد خلف الإمام وحده.
أو صلى خلف الصف وحده منفرداً.
= فعند الحنابلة وهو القول الأول أن صلاته باطلة.
واستدلوا بعدة أدلة:
الدليل الأول: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف). وسأل الإمام أحمد عن هذا الحديث فقال: (هو حديث حسن) فكفانا مؤونته.
الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يصلي خلف الصف منفرداً فأمره أن يعيد الصلاة. وهذا الحديث صححه ابن المنذر وهو قابل للاحتجاج.
وبطلان صلاة المنفرد خلف الصف من المفردات.
= القول الثاني: للجماهير: أن صلاة المنفرد خلف الصف مكروهة ولا تبطل.
(2/89)
________________________________________
واستدلوا على هذا: بأن أبا بكرة - رضي الله عنه - دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - راكع فركع عند الباب ودب على قدميه إلى أن دخل في الصف.
وجه الاستدلال أنه - رضي الله عنه - صلى منفردا ً خلف الصف ولما انتهى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد).
وذكرنا أن الروايات فيها اختلاف هل قال: (لا تُعِدْ أو لا تَعُدْ). وأن الأقرب رواية ودراية أنه قال: (لا تَعُدْ). حتى من حيث الرواية فإن أكثر الرواة قالوا: (لا تَعُدْ). فنهاه ولم يأمره بإعادة الصلاة مع أنه صلى منفرداً خلف الصف.
الجواب على هذا الدليل: أن هذا الصحابي وإن كان دخل في الصلاة منفرداً إلا أنه حقق المصاففة قبل أن يرفع النبي - صلى الله عليه وسلم -.فلم يتحقق فيه وصف الانفراد.
وبهذا أجاب شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.
= والقول الثالث: وهو منسوب للعالم الكبير الحسن البصري رحمه الله واختاره ابن القيم وشيخ الاسلام أن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح إلا إذا لم يجد مكاناً.
فقولهم مركب من شقين:
- الأول: أنه تبطل صلاة المنفرد خلف الصف. وأدلتهم هي أدلة الحنابلة.
- الثاني: أنها تصح إذا لم يجد مكاناً. واستدلوا بالقاعدة المشهورة التي يقررها شيخ الاسلام مراراً وتكراراً:
((أن الواجب يسقط بالعذر لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
وهذا القول - الأخير - قوي ووجيه جداً ومع ذلك يتحتم على الإنسان أن يحرص حرصاً شديداً أن لا يصلي منفرداً خلف الصف ولو كان في الحقيقة لا يوجد مكان احتياطاً.
وسبب الاحتياط: أن الأحاديث التي ذكرها الإمام أحمد ليس فيها تفصيل ولم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الرجل هل كنت تجد مكاناً؟ أو لم تجد مكاناً؟ وإنما حكم على صلاته بالبطلان.
(2/90)
________________________________________
ويشكل مع ذلك أيضاً يؤيد الاحتياط أنه من المعلوم أن مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان صغيراً كما ترون الآن المحدد بالفرش التي تتخذ لوناً مميزاً وفي الغالب أن الصفوف تكتمل ولذلك كان عمر يوكل بكل صف شخص ممات يدل على أن الصفوف كانت تكتمل ويتراص أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي الغالب أن هذا الصحابي لن يصلي منفرداً مع وجود فراغ في الصف والناس يعلمون شدة النبي - صلى الله عليه وسلم - في تسوية الصفوف.
ففي الحقيقة مجموع هذه الأمور تجعل الإنسان يحتاط لمسألة الصلاة خلف منفرداً ولو لم يجد مكاناً لكن لو صلى إنسان خلف الصف منفرداً لأنه لم يجد مكاناً فلا نقول له أعد الصلاة بل صلاته إن شاء الله صحيحة.
• قال رحمه الله:
إلاّ أن يكون امرأة.
فإن كانت امرأة فإنها يجوز أن تنفرد خلف الصف بل السنة في حقها أن تصلي منفردة خلف الصف.
والدليل على ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأنس وأمه قال: فقمت عن يمينه وقامت أمي خلفنا.
وأيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل بيت أم سليم هو وأنس ويتيم معهما فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بهم فقام أنس واليتيم خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وقامت أم سليم خلفهم في الصف الثاني.
فهذان دليلان صريحان على أن المرأة إذا صلت مع الرجال منفردة فإنها تصلي خلف الصف ولا تعتبر منفردة ولا يؤثر هذا على صلاتها بل السنة أن تفعل ذلك.
• ثم قال رحمه الله:
وإمامة النساء تقف في صفهن.
لو أن المؤلف رحمه الله قال كما في الشرح: ندباً. لكانت إضافة متميزة وهذا مهم لأنه في صميم الحكم.
إذاً وقوف المرأة في وسط صف النساء إذا كانت تأمهن هو على سبيل الندب لا على سبيل الوجوب.
دليل ذلك: أن عائشة وأم سلمه رضي الله عنهما إذا صليتا بالنساء فكن يقفن بوسط الصف.
والدليل الثاني: أن هذا أستر للمرأة.
فإن وقفت أمامهن صحت الصلاة وخالفت المشروع.
وصحت الصلاة لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) ولا شك أن ائتمام المأمومين بالإمام إذا تقدم أكمل وأوضح.
إذاً بهذا عرفنا أين تقف إمامة النساء؟ وما حكم هذا الوقوف؟ وما الحكم إذا خالفته؟
• ثم قال رحمه الله:
(2/91)
________________________________________
ويليه الرجال ثم الصبيان ثم النساء.
لما بين المؤلف رحمه الله الحالات الخاصة كأن لا يوجد إلا مأموم واحد أو أن لا توجد إلا امرأة واحدة أو أن لا يوجد إلا اثنان أراد الآن أن يبين الحكم العالم وهو إذا وجد مجموعة من الناس منهم رجال وصبيان ونساء.
فقال: الترتيب أنه:
يلي الإمام الرجال أولاً.
ثم الصبيان ثانياً.
ثم النساء ثالثاً.
وهذا الحكم يحتاج إلى تفصيل:
أما بالنسبة للنساء فنؤخر الكلام عليه لوضوحه.
نأتي إلى مسألة الصبيان والرجال:
وينقسم حكمهم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يحضر الرجال والصبيان في وقت واحد. فإذا حضروا في وقت واحد فإن الرجال هم الذين يلون الإمام ثم يليهم الصبيان لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى).
ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب أن يصلي وراءه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه. وهذا أمره واضح وهو بالإجماع فلا إشكال فيه وهو المذهب والإجماع.
القسم الثاني: أن يحضر الصبيان أولاً ثم يحضر بعد ذلك الرجال. والمقصود بالرجال: هو كل ذكر بالغ. والصبيان: كل ذكر لم يبلغ.
فإذا حضر الصبيان أولاً ثم حضر بعد ذلك الرجال:
= فعند الحنابلة أيضاً يؤخر الصبيان ويتقدم الرجال. أي: يعمد الرجال إلى تأخير وإرجاع الصبيان ويتقدم الرجال.
واستدلوا على هذا: بدليلين:
الأول: عموم حديث: (ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى).
الثاني: أن أبي بن كعب - صلى الله عليه وسلم - تأخر وجاء إلى الصف ووجد صبياً فجذبه وجلس مكانه فلما انتهت الصلاة قال: أي بني لم أرد نقصك وإنما عهد إلينا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نكون خلفه. فهذا الحديث نص أن هذا الصحابي الجليل أخر الصبي ووقف في مكانه.
وهذا الأثر إسناده صحيح.
= والقول الثاني:
((الآذان)) ......
انتهى الدرس،،،
(2/92)
________________________________________