المحقق محمد مفتاح .. مشهور عند الإسبان مغمور لدى العرب
رحل عن دنيا الناس الأستاذ محمد مفتاح، المحقّق والأكاديمي المغربي المتخصّص في الدّراسات الأندلسية، بعد مسار من البحث، ومرافقة الطلبة والباحثين في التراث الأندلسي.
الأكاديمي ابن مدينة شفشاون، ترأّس في مسقط رأسه مركز الدراسات والأبحاث الأندلسية لسنوات، ودرّس الأدب العربي بشعبة اللغة العربية وآدابها في مدينة فاس، وكان أستاذا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، وعُرِف باطلاعه الواسع على المخطوطات المغربية الأندلسية بالمكتبات المغربية والإسبانية، خاصّة "مكتبة الإسكوريال".
ويعود الفضل للراحل محمد مفتاح في اكتشاف مجموعة من المخطوطات النّادرة، وإرشاد المحقّقين لها. ومن بين أبرز أمثلة ذلك، ما كتبه الأكاديمي المغربي الراحل جمال الدين العلوي، في مقدّمة تحقيقه لمختصر ابن رشد الحفيد لكتاب المستصفى لأبي حامد الغزّالي: "يرجع الفضل في اكتشاف أهمية القسم الثاني من مخطوط الأسكوريال رقم 1235، في فهرسة الغزيري، إلى الأستاذ محمد مفتاح؛ فهو أوَّل من نبَّه، منذ سنوات، إلى أنّ هذا المخطوط قد يكون هو مختصر المستصفى لابن رشد، بالنّظر إلى تاريخ تأليفه الذي يرجع إلى سنة 552 للهجرة".
عبد العلي الودغيري، أكاديمي متخصّص في الدراسات المعجمية، قال إنّ الفقيد كان له اهتمام كبير بالتراث الأندلسي بصفة خاصّة، وكان مجال اهتمامه هو الكتاب المخطوط بالدّرجة الأولى، واستطاع بالفعل أن يكتشف عددا من المصادر التي كانت مغمورة أو مجهولة.
وأضاف الودغيري أن "محمدا مفتاح كان له الفضل، حقيقة، في الكشف عن عدد من المخطوطات الأندلسية المغربية، وعمل على تحقيق بعضها، وعلى إرشاد طلبته إلى تحقيق البعض الآخر"، ثم أجمل قائلا: "كان رجلا مدقّقا وثقة في هذا المجال".
شرف الدين ماجدولين، أستاذ جامعي ناقد مغربي، قال إنّ علاقته بالراحل محمد مفتاح -العمراني كانت أساسا لأنّه ابن مدينته شفشاون، مضيفا أنّ هذه المواطنَة الصغيرة بالانتماء إلى المدينة نفسها، جعلت أواصر الصداقة بينهما تمتدّ إلى عشرين سنة.
واستحضر ماجدولين الفترة التي كان فيها الراحل مفتاح مديرا لمركز الدراسات والأبحاث الأندلسية في شفشاون، ثم زاد: تولّى هذا المنصب لحوالي ثمان سنوات، شهد فيها المركز العديد من الدورات الأكاديمية، ذات الإشعاع الوطني والدولي، حيث استقدم عددا كبيرا من المستعربين الإسبان وغيرهم، وأعطى لهذا المركز مكانة في خريطة المؤسّسات الأكاديمية المغربية، ثم شاءت الظّروف أن أخلفه في المنصب نفسه، مديرا للمركز نفسه بعد أن غادره إلى كلية الآداب بتطوان.
ووضّح الناقد أن محمدا مفتاح كان مكتشفا للمخطوطات النادرة، وموجِّها للطّلبة لتحقيقها، وكان يمدّ مجموعة من الباحثين سواء المشتغلين بالتراث الفلسفي أو الأدبي أو العلمي الأندلسي، بمعارفه وما لديه من اطلاع على الرصيد الموجود سواء في "مكتبة الإيسكوريال"، أو في غيرها من المكتبات، بإسبانيا والمغرب.
ويرى شرف الدين ماجدولين أنّ محدودية انتشار وتداول هذا الاسم راجعة ربما إلى أنه لم يكن غزير الإنتاج، ولأن عمله في الجامعة انصَبَّ على تكوين جيل من الباحثِين والمُحَقّقِين، ثم استدرك قائلا: لكنّه كان، مثل عدد كبير من العلماء الموسوعيين، مَرجعا لكلّ باحث في الأندلسيات؛ وكان يقصده الباحثون في بيته، وفي مكتبته، وكان يمدُّهم حقيقة بكلّ ما لديه، وكان شخصا سمحا، كريما، سخِيّا بما لدَيه.
ويذكر الناقد المغربي أنّ الفقيد محمدا مفتاح العمراني من النادرين في حقل الدراسات الأندلسية، الذين لهم دراية كبيرة بالمخطوط المغربي الأندلسي، ثم استرسل: شهرته لدى المستعربين الإسبان أكثر من شهرته لدى الجامعة المغربية، وهو معروف في مجال الدراسات الأندلسية في إسبانيا، وفي كلّ الجامعات الإسبانية يعرفونه، وجهودَه، وما قدّمَه في الدراسات الأندلسية.