الزرقاء
الــــزرقــاء
مسرحية من فصلين
(17 مشهد)
بقلم: د. نوال السعداوى
الاهداء
قطعة نابضة من نفسي أمنحها الى أستاذي الكبير الدكتور فهيم فهمى الذى استطاع ان يعلمني الطب وعجز عن أن يعلمني الإنسانية فاستطعت أن أمنحه كل شئ عندي إلا نفسي.
(د. نادرة)
الشخصيات:
شابه في الخامسة والثلاثين. قوية الملامح فيها جمال طبيعي وجاذبية. : د. نادرة 1. تمورجى في الأربعين. قوى الملامح. في وجهه إنسانية وطيبة. : شهدي 2. شاب في الثلاثين. رقيق الملامح. : د. شرف الدين 3. رجل في الخامسة والأربعين. له ملامح قوية جذابه. : أ.د فهيم فهمى 4. شاب في الثلاثين. عادي. : د. توفيق 5. امراة في الأربعين. ترتدي باروكة وملامحها صناعية أو مصنوعة. : تفيدة 6. رجل في الأربعين. ضخم الجثة. قوى الجسم. : السجان 7. رجل في الخمسين. له هيئة الحكام. : الوالي 8.
أطفال عاملات. عمال. مارة في الشارع.
لفصل الاول
9 مشاهد
1- د. شرف الدين. التمورجي شهدي. عامل يحتضر. (في حجرة الطبيب بالمصنع بها سرير).
2- د. توفيق. د. شرف الدين (في حجرة الطبيب بالمعمل. بها ميكروسكوب).
3- د. فهيم فهمى. الوالي (في مكتب الوالي الفاخر).
4- د. فهيم. د. شرف الدين (في حجرة الطبيب بالمعمل. بها ميكروسكوب).
5- د. توفيق. د. شرف الدين (في نفس الحجرة السابقة).
6- د. شرف الدين. التمورجي شهدي. عامل يحتضر. (في حجرة الطبيب بالمصنع بها سرير).
7- التمورجي شهدي يسير حأملا على كتفيه عاملا. المسرح خالى ومظلم. (موسيقى حزينة).
8- امراة ترتدي السواد تجرى مهرولة وتجتاز المسرح ومن خلفها أطفال يجرون خلفها.
9- اصوات تسمع فقط (حسب النص) المسرح خالى ومظلم.
المسرح مظلم
الصالة تضاء. استراحة قبل الفصل الثإني.
تستمر الموسيقى الحزينة خلال الاستراحة والمسرح يظل مظلم.
الفصل الثإني
8 مشاهد
1- طفل صغير يجلس وحيدا على خشبة المسرح. المسرح مظلم وخالى.
المسرح يمتلئ بالمارة في كل اتجاه. المسرح يضئ.
2- د. فهيم. زوجته تفيدة. (في حجرة نومها الفاخرة).
3- التمورجي شهدي. د. شرف الدين يحتضر. د. توفيق (في حجرة الطبيب بالمصنع بها سرير).
4- التمورجي شهدي. السجان (في زنزانة).
5- شهدي. د. نادرة (في نفس الزنزانة السابقة).
6- د. نادرة. د. فهيم (في مكتب د. فهيم الفاخر).
7- د. فهيم. د. توفيق (في المكتب السابق).
8- نادرة. شهدي. شرف الدين. فهيم. توفيق. تفيدة. السجان. الوالي يدخلون المسرح بهذا الترتيب ويخرجون منه بهذا الترتيب. نادرة في المقدمة. والوالي في المؤخرة.
الملابس
د. شرف الدين. ود. توفيق. ود. نادرة يظهرون دائما بالبالطو الأبيض.
د. فهيم فهمى يرتدي حلة أنيقة بغير بالطو أبيض. الملابس الأخرى حسب الشخصية.
الديكور
بسيط للغاية. سرير. ميكروسكوب. كراسى. فيما عدا الأثاث الفاخر الآخر.
الفصل الاول
المشهد الاول:
د. شرف الدين طبيب المصنع جالس الى مكتبه. يدخل التمورجي شهدي حأملا أحد العمال بساعده اثنان من العمال. يضعون المريض على السرير. د. شرف الدين يسرع الى إسعافه. شهدي يساعده. المريض في حاله سيئة يتنفس بصعوبة شفتاه زرقاوان.
د. شرف الدين يجس النبض.
هات لى حقنة كورامين بسرعة. : د. شرف الدين حاضر يا دكتور. : شهدي يجرى شهدي. يحضر الحقنة. وشرف الدين يعطيها للمريض في ذراعه. العاملان لا يزالان يقفان. ينظران الى زميلهما المريض في حزن. اتفضلوا انتم يا رجاله شوفوا شغلكم عشان احنا نشوف شغلنا. : شهدي فيه أمل يا عم شهدي. : أحد العمال طول ما هو بيتنفس يبقى فيه أمل.. ما فيش أمل إزاي.. فيه أمل.. فيه……… : شهدي يخرج العملان د. شرف الدين يجس النبض. هات كمان حقنة يا شهدي. : د. شرف الدين شهدي يجر ويحضر الحقنة. المريض يموت قبل ان يأخذ الحقنة الثانية. د. شرف الدين يقفق أمامه حزينا ممسكا بالحقنة في يده. شهدي يغطى الميت بالملاءة. الاثنان يقفان في صمت وحزن. البقية في حياتك يا دكتور. الموت مكتوب علينا ما حدش بيموت ناقص عمر. : شهدي أيوه. : د. شرف الدين بس انا بفكر في ولاده ومراته. كان هو اللي بيجرى عليهم ويوكلهم. مالهومش حد غيره. حيعملوا ايه بعد ما راح. : شهدي لازم نجمعلهم حاجة يا شهدي لغاية ما يصرفوا المعاش…… : د. شرف الدين معاشه ما يصرف على عيل وأحد من خمسة ربنا معاهم. انا حلملهم من العمال قرشين لحد ما ربنا يفرجها…… : شهدي يسكت لحظة. انا لسه لامم منهم الأسبوع اللي فات عشان ولاد المرحوم متولى وقبل كدة لميت منهم عشان… يسكت لحظة. أهو كله بثوابه. ما فيش حاجة بتضيع. القرش اللي تدفعه النهاردة بيتحوش لولادنا بكرة. حد عارف بكرة حيحصل إيه. يعود الى حيث يجلس د. شرف الدين ساهما حزينا. عاوز اقولك حاجة يا دكتور. : شهدي إيه يا شهدي. د. شرف الدين
(بصوت حزين) أنا ملاحظ. شهدي ملاحظ إيه يا شهدي. د. شرف الدين ده رابع وأحد يموت الشهر ده يا دكتور. شهدي إيوه الرابع يا شهدي. د. شرف الدين
(بصوت قلق). قبليه كان محمد وقبله كان على …… ومتولى. شهدي أيوه يا شهدي. د. شرف الدين أنا ما بقولش حاجة يا دكتور. الأعمار بيد الله لكن انا لاحظت إن كلهم. شهدي كلهم ايه يا شهدي د. شرف الدين
(ينهض) مش عارف يا دكتور. هو حضرتك ما لاحظتش إنهم الأربعة تقريبا…… شهدي تقريبا إيه يا شهدي. د. شرف الدين
(قلق) بقول يعني تقريبا ماتوا موته وأحدة. شهدي شهدي يبدو عليه التوتر والقلق. انت كمان لاحظت يا شهدي. أنا كنت با كدب نفسي واقول إنها جايز تكون صدفة لكن انت كمان لا حظت. د. شرف الدين أيوه لا حظت يا دكتور. شهدي قولى لا حظت ايه. د. شرف الدين شفايفهم يا دكتور ازرقت. شهدي هيه … وإيه كمان؟ د. شرف الدين الدكتور يكشف الملاءة عن وجه العامل الميت الراقد على السرير. ينظر في وجهه لحظة ثم يغطيه. لما محمد شفايفه ازرقت قلت لازم من رطوبة المصنع والدنيا شتا وهو طول عمرة خفيف وما يستحملش حاجة. ولما "على" شفايفه ازرقت قلت يمكن برضه الشتا ورطوبة البلاط اللي بيقف عليه سبع ساعات. ولما متولى راخر قلت إيه الحكاية. والنهاردة. الرابع في شهر وأحد. الفار لعب في عبى. شهدي د. شرف الدين يمشي في قلق شديد وتوتر. يفكر. أنا برضه شكيت. د. شرف الدين شكيت في إيه يا دكتور؟ شهدي شرف الدين صامت لا يرد. طمني يا دكتور عشان أطمن العمال أحسن…… شهدي أحسن إيه. حد منهم لاحظ كمان؟ د. شرف الدين حضرتك عارف يادكتور العمال مشغولين على الآخر وكل وأحد منهم ملهي في حاله وعياله.. كل وأحد فيهم مش لا حق ياخذ نفسه عشان يجيب لقمة العيش لولاده. لو طب اللي واقف جنبه ما حدش حيلاحظ حاجه. أنا يا دكتور اللي لاحظت الزرقان الغريب ده في الشفايف. شهدي ولاحظت إيه كمان يا شهدي؟ د. شرف الدين ما فيش غير زرقان الشفايف. هو إيه ده يا دكتور؟ مرض ده وإلا إيه؟ شهدي ما لاحظتش الكحة تإني يوم؟ د. شرف الدين لا يا دكتور. أصلهم كلهم بيكحوا. فيه حد ما بيكحش كحة طبيعية كدة أو كحة سيجاير. شهدي لابس دي كحة من نوع تإني. زي ما يكون حاجة مشروخة في السدر. وثالث يوم نفسهم ينكرش. د. شرف الدين دي حاجة غريبة يا دكتور. تفتكر هم الأربعة ماتوا بعيا وأحد. شهدي ده اللي مخوفنى يا شهدي. وعشان كده لازم آخذ عينة من الرئه المرة دي وابعتها المعمل عشان تتفحص هات لى مشرط يا شهدي. د. شرف الدين حاضر يا دكتور. شهدي يناوله المشرط. د. شرف الدين يكشف صدر الميت ويأخذ العينة. ظــلام
* * * * *
المشهد الثإني:
د. توفيق في مكتبه. جالس وأمامه الميكروسكوب. ينظر فيه.
د. شرف الدين واقف الى جواره. تعالى ياشرف الدين بص كده. : د. توفيق ينظر في الميكروسكوب. : د. شرف الدين: شايف إيه؟ : د. توفيق شرف الدين يرفع وجهه الى توفيق في صمت وقلق. إيه؟ شفت إيه؟ ساكت ليه؟ د. توفيق أنا مش ساكت. شرف الدين ما انت ساكت اهه. توفيق بس عاوز أتأكد تإني. شرف الدين د. شرف الدين ينظر مرة أخرى في الميكروسكوب. باينه زي الشمس. د. توفيق الزر.. شرف الدين الزرقا. توفيق الزرقا. شرف الدين أيوه الزرقا. توفيق المسألة تبقى خطيرة يا توفيق. شرف الدين طبعا خطيرة. أنا مش عارف الميكروب ده جه للمصنع منين؟ توفيق يمكن من دفعه الأرانب الأخيرة اللي جت من استراليا. شرف الدين لازم هي دفعة الأرانب الأخيرة. وحتعمل إيه يا شرف الدين؟ توفيق دي مشكله كبيرة. الزرقا مرض معدي. الأرانب تنقله للإنسان في ثلاث ايام يكون انتهي… شرف الدين ومالوش علاج لغاية النهاردة. توفيق مافيش علاج … لكن ممكن نحمى العمال من العدوى. شرف الدين إزاي؟ توفيق طبعا في المصنع الحالى مش ممكن. المصنع قديم. أصله ماتبناش عشان يبقى مصنع. المصنع ده لازم ينهد. رطوبة وضلمة وغير صحى بالمرة. لازم ينهد ويتبني مصنع جديد يفصل بين الأرانب والعمال. انت عارف الزرقا بتنتقل عن طريق الهواء. ولو فصلنا الأرانب عن العمال حنمنع العدوى منهم. المصانع في استراليا كلها بالشكل ده. إيه رأيك يا توفيق. شرف الدين والله أنا ما فهمش في الحاجات دي. إحنا لازم نروح نقول للدكتور فهيم. هو المسئول وعليه هو اللي يفكر ويشوف الحل. توفيق يالابينا بسرعة. شرف الدين ظـــلام
المشهد الثالث:
الوالي جالس الى مكتبه الفاخر. الأستاذ الدكتور فهيم فهمى جالس أمامه في تأدب واحترام. والأرانب يا دكتور فهيم مافيش أي خطر على الأرانب؟ : الوالي (قلق) لا يافندم زي ما أكدت لسيادتك الأرانب تحمل الميكروب بس ولا تعياش أبدا. : د. فهيم برضه مش قادر افهم إزاي الميكروب يعيش جوه رئه الأرانب ومايعملش حاجة ولما ينتقل للبني آدم يجبله الزرقا، أو البلا الازرق ده. : الوالي دي حاجات معروفة في الطب يا فندم. وفيه ميكروبات كتير بالشكل ده… تعيش جوه الحيوان ولما تنتقل للإنسان تسببله المرض. : د. فهيم الأرانب هم ثروة البلد. راسمالنا الوحيد. مش عاوز يكون عندي أي شك انها ممكن تكون معرضة لأي خطر. : الوالي من ناحية الأرانب يا فندم مافيش أي خطر. الخطر على العمال. : د. فهيم احنا عندا كام أرنب السنه دي. : الوالي 13 مليون يا فندم. : د. فهيم افتكر انهم بيزيدوا بمعدل كويس. : الوالي أيوه يا فندم. : د. فهيم يبدو ان حبوب زيادة النسل الى انتم بتدوها لها من السنة اللي فاتت جابت نتيجة. : الوالي أيوه يا فندم. الحبوب زودت نسل الأرانب الى حوالى 50%. : د. فهيم كويس خالص. والنسل الجديد قوى وصحته كويسة. : الوالي أيوه يا فندم. : د. فهيم والدفعة الجديدة من الأرانب الاسترالى كلها كويسة. : الوالي كلها كويسة. : د. فهيم وهي اللي جابت الزرقا. : الوالي أيوه يافندم. : د. فهيم انتم مش بتاخدوا منها عينات قبل ما تحطوها مع الأرانب الثانية. : الوالي أخذت عينات يا فندم. وكانت كلها سلبية. سعادتك عارف ان العينة وبالذات في الزرقا جايز تكون سلبية لكن الميكروب يكون كامن جوه الرئه. : د. فهيم شئ غريب فعلا. ومفيش أي أرنب ظهرت عليه أي أعراض؟ : الوالي لا يا فندم مش ممكن تظهر علية أي أعراض لأن الأرانب مش بتعيى بالزرقا.. من ناحية الأرانب سعادتك تكون مطمن وعلى مسئوليتى أنا.. الخوف على العمال… : د. فهيم إزاي؟ : الوالي الزرقا في 3 ايام بتقضى على العامل. : د. فهيم يعني ممكن تخلص على العمال بتوعنا؟ : الوالي (قلق) لا يافندم. الزرقا مش بتنتشر بسرعة. انتشارها بطئ. : د. فهيم بطئ إزاي؟ : الوالي يعني بتصيب عدد قليل من العمال… العامل القوي اللي صحته كويسة ممكن يقاومها لكن العامل اللي جسمه ضعيف بتقضى عليه… وكمان الميكروب ميتحملش الحرارة والشمس وعشان كده تقريبا بيموت في الصيف. : د. فهيم لله في خلقه شئون. : الوالي الشهر اللي فات مات أربعة من العمال. : د. فهيم اشمعني يعني أربعة؟ : الوالي كان ممكن يبقى أقل من كده أو أكثر شويه لكن على العموم دي تقريبا نسبة انتشار الزرقا زي ما قلت لسعادتك انتشارها بطئ لكن بتستمر سنوات كثيرة. : د. فهيم سنوات طويلة؟ : الوالي أيوه يا فندم. : د. فهيم وكل شهر تموت أربعة عمال. : الوالي تقريبا يا فندم. : د. فهيم أربعة في 12 شهر يعني حنفقد حوالى خمسين عامل في السنة. : الوالي تقريبا يا فندم. : د. فهيم وقلت لى إن مافيش علاج لها لغاية النهارة. : الوالي أيوه. : د. فهيم أذن مافيش في إيدنا حاجة نعملها يا د. فهيم. : الوالي ما فيش…… لكن…… ممكن نمنع المرض. : د. فهيم مش فاهم؟ : الوالي المصنع الموجود مصنع قديم زي ما سعادتك عارف. ما اتبناش في الأصل عشان يبقى مصنع. : د. فهيم لكن بقى مصنع وشغال كويس والإنتاج بيزيد مش كده والا إيه؟ : الوالي أيوه بيزيد يا فندم. : د. فهيم احنا زدنا أد إية السنة دي؟ : الوالي حوالى 50% يا فندم. : د. فهيم يعني زي نسبة زيادة الأرانب. : الوالي أيوه يا فندم. : د. فهيم كويس خالص. : الوالي الوالي يصمت ويفكر لحظة. تعرف يا دكتور فهيم أنا لسه مش متصور إزاي الميكروب يعيش جوه رئه الأرانب. وما يسببش له أي مرض. : الوالي ربنا خلقه كده يا فندم. : د. فهيم ربنا كبير. عالم بحالنا. لو جرى أي حاجة للأرانب البلد تضيع يا دكتور فهيم. فاهم تضيع يعني إيه؟ : الوالي فاهم يا فندم. سعادتك تكون مطمن خالص على الأرانب. أنا بس احب افكر سيادتك إن احنا فقدنا أربعة من العمال و…… : د. فهيم اشمعني الأربعة دول الى جالهم الزرقا؟ : الوالي جايز جسمهم أضعف…… جايز مناعتهم أقل… سنهم أكبر…… : د. فهيم يعني الميكروب بيختار الأضعف. : الوالي أيوه يا فندم. : د. فهيم ميكروب عنده عقل…… والميكروب ده يستمر كده؟ : الوالي هو بيزيد في الشتا عشان البرد والعطس. الميكروب زي ما قلت لسعادتك بينتقل عن طريق الهواء. : د. فهيم الوالي ينظر الى الهواء في قلق وفزع. الهواء؟ يعني ممكن يوصل لغاية عندنا؟ : الوالي لا يافندم مش ممكن. الميكروب بيموت بسرعة في الجو وخصوصا إذا كان فيه شمس وهواء. الميكروب لا يمكن يقدر يخرج بره المصنع. : د. فهيم الكلام ده أكيد ميه الميه. : الوالي أيوه يا فندم. دي حاجة معروفة في الطب.. : د. فهيم يعني ما فيش خطر علينا. أي احتمال لأي خطر؟ : الوالي ما فيش أي خطر يا فندم. الخطر بس على اللي جوه المصنع. أو اللي يدخل المصنع. :: د. فهيم كان لازم تنبهنى للمسأله دي يا د. فهيم. أنا كنت نازل مرور لمصنع بكره. : الوالي ما كنت حقول لسعادتك. : د. فهيم وانت كمان يا د. فهيم بلاش تروح المصنع. إدي تعليماتك من مكتبك. إنت رجل كفء ومخلص للبلاد ولازم نحافظ عليك… : الوالي أشكرك يا فندم. : د. فهيم انت قلت حنخسر كم عامل تقريبا في السنة؟ : الوالي حوالى 50 عامل. : د. فهيم عدد مش كبير بالنسبة لعدد العمال عندنا. وممكن تعويضهم من الدفعات الجديدة الى بتاخذوها كل سنة. بيتقدم لكم طلبات كثيرة مش كده. : الوالي أيوه يا فندم. : د. فهيم الأيدي العاملة عندنا كثيرة قوى… وكل سنة بتزيد عن السنة الى قبلها… وإمكانياتنا محدودة ومصنعنا ما بيقدرش يشغل كل دول. بنواجه مشكلة بطالة… ومشكلة عيال بيتولدوا وبيزيدوا يوم وراء يوم لا لهم شغل ولا لهم أكل. أجيب منين يا د. فهيم. أنا قلت لك تشفلى حل في المشكلة دي.. : الوالي أنا كلفت الدكتور المختص الى اكتشف الجبوب اللي زودت نسل الأرانب. انه يعمل بحوث ويحاول يشوف دوا يقلل نسل البني آدمين. : د. فهيم وعمل ايه؟ : الوالي هو اكتشف دوا تشربه الست من دول معلقة ثلاث مرات في اليوم بعد أسبوع وأحد نسلها يقل 50%. : د. فهيم يعني الست من دول الى كانت بتولد عشر عيال تولد خمسة؟ : الوالي أيوه. النسبة طلعت كده من التجارب بتاعتنا. د. فهيم برضه مش كفاية يا د. فهيم. انا عاوز الست الى كانت بتولد خمسة تولد وأحد بس. كفاية عيل وأحد. احنا عندنا نسبة بطاله كبيرة. انت بيتقدم لك كام طلب كل سنة عشن يشتغلوا في المصنع. الوالي حوالى الفين طلب يا فندم. د. فهيم وبتقدر تشغل كام؟ الوالي حوالى 200 أو 250 بالكتير 300 حسب حاجة المصنع. د. فهيم يعني بتشغل العشر. الوالي تقريبا. د. فهيم يبقى عيل وأحد برضه كتير يا د. فهيم. احنا عاوزين نخفض عدد الناس للعشر. يعني الست اللي كانت بتولد عشرة تولد وأحد بس واللي بتولد خمسة تولد نص. الوالي نص؟ د. فهيم النسبة لا زم تبقى كده عشان نقضى على البطالة. الوالي أنا حكلف الدكتور المختص يبحث عن دوا تإني أكثر فاعلية. د. فهيم متشكر يا د. قهيم لا زم وراك شغل. الوالي أيوه يا فندم. بس كنت عايز آخد رأي سعادتك في موضوع الزرقا. د. فهيم
(ينهض) رأيي في ايه؟ الوالي قصدي حكاية أربعة أو خمسة من العمال يعيوا ويموتوا كل شهر دي جايز تخلى العمال يلاحظو إن فيه حاجة مش طبيعية… : د. فهيم ثم أن الدكاترة حللوا وعرفوا الميكروب. وإيه فايدة ما عرفوا. هل عندهم علاج؟ الوالي مافيش علاج للمرض نفسه. لكن الدكاتره بيقولوا ان العلاج الوحيد هو ان احنا نمنع المرض. د. فهيم إزاي؟ الوالي كان عندهم اقتراح… بيقولوا ان احنا نهد المصنع القديم ونبني مصنع جديد يتصمم بطريقة حديثة بحيث إن الأرانب تعيش في غرفة خاصة معزولة عن العمال. استراليا عملت كده. د. فهيم واحنا زي استراليا يا د. فهيم؟ أنا مش عارف الدكاتره بتوعك عايشين معانا وإلا في المريخ. تفكيرهم ده يدل على انهم يجهلوا الواقع بتاعنا… يجهلوا امكانياتنا. التفكير العلمي هو التفكير اللي يتمشي مع الواقع. اما الأحلام الافكار الخيالية… دي كلها دليل الجهل والرعونة. انا حاهد المصنع وابني مصنع جديد بأد إيه وعشان ايه؟ حادفع كام واخد كام؟ الهد والبنا يكلفنا أد ايه؟ الوالي حوالى 10 مليون جنيه؟ د. فهيم أدفع عشرة مليون جنية منين وعشان ايه؟ عشان أوفر خمسين أو ستين عامل في السنة بيجيلى بدلهم كل سنة ألفين؟ الوالي هو فعلا اقتراح خيالى شوية يا فندم… أصلهم شباب. د. فهيم مش خيالى بس ده اقتراح يدل على عدم الوعى أنا مش عارف الدكاترة ليه دايما افكارهم قاصرة بالشكل ده. ده لأنهم معزولين عن المجتمع. مش فاهمين المشاكل اللي بتواجهنا. الوالي أصلهم محصورين في أبحاثهم الطبية. هم يفهموا في الميكروبات والأمراض والهرمونات ده تخصصهم يا فندم. د. فهيم وهم عرفوا إن فيه زرقا في المصنع. الوالي أيوه يا فندم. هم الى حللوا وعرفوا. د. فهيم تدي أوامر لهم إن ما حدش يقول حاجه للعمال مش عاوز العمال يعرفوا. لو عرفوا حيهربوا من المصنع والبلد كلها تجوع. احنا كلنا عيشين على المصنع. مش كده والا ايه. الوالي أيوه يا فندم. د. فهيم صوف الأرانب بتعنا واخد سمعة طيبة في كل حته. مش عاوز العمال تعرف حاجة. لو عرفوا حيهربوا والمصنع يقفل. العمال مش حيفكروا في مصلحة البلد. هم حيفكروا بس إزاي يهربوا من المصنع. ما فيش عندهم روح التضحية من أجل البلد. كل وأحد حيفكر في نفسه وبس. مش كده والا ايه يا د. فهيم؟ الوالي وعشان كده عاوزكم تعملوا لهم توعية وطنية. والعامل منهم لازم يبقى فوق مصلحته الخاصة. يبقى عنده احساس بالصالح العام ومستعد يموت وهو واقف قصاد آلته في المصنع. عشان مصلحة البلد. بالضبط زي الجندي اللي بيموت على مدفعه وهو بيحارب من اجل الوطن. فاهمني يا د. فهيم؟ الوالي أيوه يا فندم. د. فهيم والدكاترة بتوعك يا د. فهيم لازم يعرفوا ان ما فيش حاجة اسمها زرقا في مصنعنا…… مصنعنا نضيف زي الفل وشغال عال العال. إذا كان فيه ثلاثة او أربعة من العمال بيعيوا او بيموتوا كل شهر فده شئ طبيعي ما حدش ما بيعياش وما فيش حد ما بيمتش. في كل بلاد العالم فيه ناس بيعيوا وناس بتموت. ربنا اللي بيموت مش الزرقا. لا يمكن حته ميكروب مفعوص يموت بني آدم وأحد من غير إرادة ربنا… مش عارف ليه يا دكتور فهيم أنا بلاحظ ان الناس اللي بيدرسوا الطب بيبعدوا شويه عن ربنا… غرور يا د. فهيم. غرور. بيتصوروا انهم ما دام عرفوا حاجة عن الأمراض او الميكروبات او قدروا ينقذوا بعض الأرواح خلاص عرفوا سر الكون. مع إني متأكد ومؤمن إيمان لا يقبل الشك ان ما فيش روح وأحدة يقدر الدكتور ينقذها إلا إذا ربنا أراد. وإذا ربنا ما ارادش لازم العيان يموت غصب عن أي دكتور مش كده وإلا ايه يا د. فهيم. الوالي تمام يا فندم. د. فهيم عشان كده انا عاوز تعمل شوية توعية دينية للدكاترة بتوعك. أنا بصراحة حاسس إنهم بيبعدوا عن الدين شوية شوية…… الوالي لا يا فندم. كلهم مؤمنين وكويسين والحمد لله. لكن برضه زي ما سعادتك أمرت، نعمل لهم توعية. د. فهيم الوالي ينهض. يقترب مع د. فهيم ناحية الباب. وزي ما قلت لك. تدي أوامرك من مكتبك وما تنزل المصنع. أنا عارف انه أحيانا بتجيلك نوبات عاطفية غريبة. أنا شخصيا بسميها تهور. تقوم تتهور وتنزل مرود المصنع. أنا بمنعك بالأمر من نزول المصنع. حياتك مش ملكك. دي ملك البلد. ولازم نحافظ عليها. لازم نحافظ على العقول الكويسة اللي في بلادنا. وكمان لازم نستثمرها. أنا مؤمن باستثمار العقول البشرية تمام زي ما انا مؤمن باستثمار الثروة القومية بتاعتنا. فكرتنى أنا كنت عاوز اسألك سؤال صغير. يا ترى هل الحبوب اللي بتزود نسل الأرانب ممكن تزود نسل الإنسان. الوالي أيوه يا فندم. بس بدل ما نستخدم هرمون أرنب نستخدم هرمون إنسان. د. فهيم يا سلام…… الطب ده علم عظيم خالص. الحقيقة انا عاوز اسألك كمان سؤال… انت دكتور وراجل علمي ولا حياء في العلم الجماعة بتعاتى قصدي يعني السيدة زوجتى تموت موت في الأطفال… ومش مكفيها الولدين اللي عندنا. ودايما تزن على دماغى عاوزة عيال تإني. عاوزة عيال تإني. وتقعد تقولى وأحد والى عظيم زيك لازم يجيب عشر عيال على الأقل يورثوه ويحملوا اسمه ومجده. لكن مش عارف يا د. فهيم… انت دكتور وراجل علمي ولا حياء في العلم… مش عارف… انا يظهر عجزت… (يبتسم في حياء) أو يمكن من الارهاق وكتر الشغل… الوأحد ما بقاش زي الأول… لكن الغريبة يا د. فهيم.. وانت راجل علمي ومافيش حياء في العلم.. الغريبة إن الرغبة زي ما هي.. بل بالعكس يمكن زادت عن الأول.. الرغبة عندي كويسة خالص إنما… (يبتسم في حياء) انت فاهمني يا د. فهيم؟ الوالي أيوه فاهم سعادتك. د. فهيم تفتكر يا د. فهيم الدوا ده اللي بيزود النسل يفيد في الحالة بتاعتى؟ الوالي أيوه يا فندم. لازم يفيد. وان ما كنش يفيد اكلف الدكتور المختص انه يبحث عن حاجه أكثر فاعلية. د. فهيم (يضحك). الوالي متشكر قوى يا د. فهيم. انا باعتبر الناس اللي عندهم عقل زي عقلك ثروة. ثروة قومية لازم الحفاظ عليها. الوالي الوالي يضحك بانشراح. ظـــلام
* * * * *
المشهد الرابع:
د. فهيم جالس وأمامه الميكروسكوب ينظر فيه. في حجرة الطبيب بالمعمل. د. شرف الدين والدكتور توفيق واقفان الى جواره.
د. فهيم يرفع رأسه ببطء من فوق الميكروسكوب وينظر إليهما وهو يبتسم ابتسامه الأساتذة الكبار. مين اللي قال إن ده ميكروب الزرقا. د. فهيم أنا يا فندم. د. شرف الدين وأنا كمان شفته. د. توفيق إنتم نسيتم الطب والا إيه؟ ميكروب الزرقا طويل زي العصايا مش ممكن يكون بيضاوي بالشكل ده. وكمان ما لوش ديل. ومش ممكن يكون (أسد فاست) بالشكل ده. ما قدرش اقول إن ده زرقا… ما قدرش أحلف إن ده زرقا… انتم عارفين ان في الأمراض الخطرة زي الزرقا الدكتور منا لازم يتروى وما يصدرش أي حكم إلا وهو متأكد كل التأكد. د. فهيم
بلهجة الاساتذة الكبار والعمال الأربعة يا د. فهيم الأربعة جات لهم نفس أعراض الزرقا. شفايفهم ازرقت والكحة…… د. شرف الدين هي كل شفايف تزرق تبقى من الزرقا يا شرف الدين. فيه ناس شفايفهم تزرق من البرد. وانت عارف المصنع بلاط ورطوبة والعمال بيهملوا في صحتهم. وطبعا حالتهم المالية تعبانة. ما يقدروش يشتروا بلوفرات صوف زي ده (يشير الى بلوفر توفيق). وما يقدروش ياكلوا زبده في الفطور. زائد انهم بيبقوا مرهقين من الشغل والإرهاق طبعا بيقلل مقاومتهم للبرد. وجسمهم ضعيف وخصوصا إذا كانوا كبار شويه في السن. الزرقا مش لعبة. ده مرض قاتل وخطير وعشان اقول ان في زرقا لازم أكون متأكد. أنا كأستاذ طب لا يمكن اقول إن ده ميكروب الزرقا مية في المية. د. فهيم ما فيش حاجة مية في المية يا دكتور فهيم. ما فيش حقيقة في الدنيا لا تقبل الشك ومع ذلك فإن كل الأعراض والتحليل بتقول انها زرقا. د. توفيق مين قال ما فيش حاجة مية في المية مين قال ان ما فيش حقيقة تقبل الشك. انت مثلا… انت توفيق… الدكتور توفيق مية في المية. حد يقدر يقول غير كده. اهي دي حقيقة ميه في الميه. إنما إنك تبص لى في الميكروسكوب وتشوف حاجة طوية زي العصايا تقوم تقول عليها زرقا. فيه ستين حاجة طويلة زي العصايا بنشوفها تحت الميكروسكوب. فيه ستين سبب في الطب بيخليني الشفايف تزرق في الشتا. فيه ستين سبب للموت والأمراض عندنا كتيرة والميكروبات أشكال والوان. اشمعني بس الزرقا اللي جت في دماغكم. احنا ناقصين أمراض. انتم مش مقدرين خطورة المرض ده. مش عارفين زرقا يعني إيه. زرقا يعني المصنع يتقفل. مش فاهم إزاي تقولوا ببساطة كده وبدون أي إحساس بالمسئولية ان دي زرقا… (ينظر الى شرف الدين) وانت كمان يا شرف الدين. تلميذي اللي علمته الطب واللي علمته إزاي يفكر كويس قبل ما يصدر أي حكم. د. فهيم كل إنسان بيغلط يا د. فهيم…… أنا آسف. د. شرف الدين وحنعمل ايه دلوقت يا د. فهيم. د. توفيق حنعمل إيه في إيه. كل حاجة تمشي زي الأول. وعاوزكم تطمنوا العمال خالص. ولو حد سأل عن أي حاجة تفهموهم أن ده كله من برد الشتا والشتا عمره قصير وقرب يخلص وكل حاجة تبقى عال. وعاوزكم تقعدوا مع العمال وتثقفوهم… لازم تبقى عندهم ثقافة عامة ويهتموا بالمسائل العامة أكثر من اهتمامهم بمسائلهم الشخصية. أنا عمري ما قعدت مع العمال في اجتماع إلا وكل طلباتهم مطالب خاصة. (ينظر في ساعته) ياه…… أنا ضيعت وقتكم. (ينهض) اسيبكم بقى عشان تشوفوا شغلكم وربنا يوفقكم. د. فهيم يخرج ظـــلام
المشهد الخامس: (في نفس المكان)
د. شرف الدين ود. توفيق وحدهما ينظران الى بعضهما البعض في صمت.
أيه رأيك يا توفيق؟ : د. شرف الدين رأيي هو رأي د. فهيم. : د. توفيق يعني الميكروب اللي شفنه مش الزرقا. : د. شرف الدين د. فهيم بيقول انه مش زرقا يبقى مش زرقا. ده رأيي أيه رايك انت؟ : د. توفيق د. فهيم أستاذي وما قدرش غير إني أصدقه. لكن الحقيقة الوأحد اتلخبط. أنا شفته بعيني… زي الزرقا تمام… لكن د. فهيم مش ممكن يغلط في حاجه زي دي. : د. شرف الدين طبعا هو مش ممكن يغلط في حاجة زي دي. لكن ممكن انه ما يقولش الحقيقة. : د. توفيق هو ما قلش الحقيقة؟ د. شرف الدين طبعا ما قلش الحقيقة. انا متأكد انها زرقا. متأكد زي ما انا متأكد إني واقف أمامك كده. د. توفيق مش معقول وليه ما قلتش للدكتور فهيم كده؟ ليه سكت؟ د. شرف الدين وانت ليه سكت؟ د. توفيق أنا لما سمعت كلامه غلطت نفسي. قلت لازم هو اللي صح وانا اللي غلط. هو أستاذي ويعرف اكثر مني في الطب. لكن انت إزاي تبقى متأكد انك صح وتسكت؟ د. شرف الدين حقول ايه يا شرف الدين. أنا فهمت كل حاجة. د. توفيق فهمت ايه؟ د. شرف الدين د. فهيم جأي من عند الوالي ودي أوامر عليا لازم نقبلها. د. توفيق مش ممكن يا توفيق. د. فهيم ما يعملش كده. مش ممكن يكدب علينا بالشكل ده. مش ممكن يكون عارف انها زرقا ويقول انها مش زرقا…… د. شرف الدين ده شايفها بعينه يا شرف الدين. وده أستاذ كبير ومش ممكن حاجة بسيطة زي دي تفوت عليه. دي باينة زي الشمس. د. توفيق د. فهيم مش ممكن يكدب في حاجة خطيرة زي دي. لو كان وأحد غير د. فهيم كنت أنا اصدق. لكن انا أعرف الدكتور فهيم من 15 سنة. كان أستاذي واشتغلت معه كتير. كان مثلي الأعلى. كان يشجعني على إني أكون صادق دايما. مش ممكن د. فهيم يكذب على. د. شرف الدين ما تحكمشى عليه كان زمان إيه. احكم علية دلوقت بعد ما قعد على الكرسي وبقه مسئول كبير. الكرسي بيغير الناس يا شرف الدين. د. توفيق ما فيش أي كرسى يقدر يغير د. فهيم كان دايما يقوللى الناس نوعين يا شرف الدين ناس الكرسي يغيرها وناس هي اللي تغير الكرسي. د. شرف الدين كلهم كده. طول ما هم على البر شاطرين في الكلام ويا سلام الوأحد منهم يتهيأ له ان آخر قوة. اللي على البر شاطر يا شرف الدين ولما الوأحد منهم يقعد على الكرسي ويحس بيه ويملاه ويريح جواه… خلاص بقه وأحد تإني. د. توفيق مش كلهم يا توفيق. فيه ناس بتقاوم. د. شرف الدين أيوه يمكن نقاوم القوة اللي تقدر تقاومها لكن القوي اللي أكبر منها ما تقدرشى تقاومها. وده بالطبع منطق راجل علمي زي د. فهيم. الدكتور فهيم راجل عنده عقل. مش مجنون. عاوزه يقاوم الوالي. وانت عارف الوالي يعني إيه؟ الوالي يعني الجيش والبوليس والمباحث والفلوس والعلم والفن والحرية والهوا والميه والأكل. أكلنا وأكل ولادنا وكل حاجة في حياتنا. ما فيش غير المجنون هو اللي يقدر يصارع كل القوة دي. ده كأنه بيصارع الطبيعة تماما. د. توفيق د. شرف الدين يطرق مفكرا لحظة ويهز رأسه بالنفي. برضه لسه ما اقتنعتش يا شرف الدين؟ د. توفيق مش قادر اقتنع يا توفيق. مش قادر أتصور ان د. فهيم عارف إنها الزرقا ويقول مش زرقا.. مش ممكن يسيب العمال يعيوا ويموتوا. د. شرف الدين لاحظ إن الزرقا بتمشي ببطء وكون أربعة أو خمسة يعيوا ويموتوا في الشهر مسأله بسيطة. الناس عندنا على قفا مين يشيل والعدد في اللمون. البني آدم عندنا رخيص يا شرف الدين. رخيص لأنه موجود ومتوفر وزيادة عن اللازم. زي قطع الغيار الموجودة في السوق في أي وقت وبأي ثمن. لما تخسر قطعة غيار من دول ترميها وتشترى غيرها. لأن ثمن الجديدة ارخص من تصليح القديمة. المسألة في كل حتة في العالم بتتحسب بالشكل ده. هو ده الحساب المنطقى في كل الأسواق العالمية. العرض والطلب. المكسب والخسارة. د. توفيق الدكتور فهيم تفكيره مختلف يا توفيق. د. فهيم عمره ما حسب المسائل بالشكل ده. طول عمره يحترم الإنسان وعمره ما استرخصه حتى وهو عيان أو غلبان. لسه فاكر إزاي كان بيغطى العيان لما يكشف عليه قدمنا واحنا طلبه. لسه فاكر إزاي كان بيخليني ثلاثة بس مننا يكشفوا على العيان عشان ما يتعبش. غيره من الأساتذة كانوا بيعملوا إيه؟ مش فاكر الأستاذ اللي كان يسيب خمسين طالب يضغطوا بالسماعات على قلب الطفل الصغير لغاية ما تحفر السماعات على سدره حفرة مدورة غويطة وحمرا؟ مش فاكر الأستاذ اللي ضرب العيان الشاب قلم على وشه لأنه رفض يقلع هدومه كلها قدام الطلبه والطالبات؟ مش فاكر الأستاذ اللي كان يعرى العيانة قصادنا كلنا في عز البرد وخمسين وأحد مننا يفعص بصوابعه في جسمها. الدكتور فهيم ما كانش بيعمل كده. عمره ما علم كده. ولولا الدكتور فهيم انا كنت كرهت الكلية وسبت الطب لكن هو اللي خلإني أكمل. د. شرف الدين يا سلام على السذاجة والبراءة. لولا انك كنت زميلى في الكلية ولولا إني عارف مية المية انك اتخرجت معايا من الطب لا يمكن بتفكيرك ده اقول عليك دكتور. انت دخلت الطب ليه يا ابني. اللي زيك دول ما ينفعوش في الطب. أحسن لك تروح تكتب روايات أو شعر أو حاجات كده من بتاعة الخيال والعواطف الطب علم. والعلم وأحد + وأحد = اثنين. اثنين بالضبط. لا يمكن يكونوا ثلاثة ولا يمكن يكونوا وأحد ونص. اثنين بالضبط. ده علم الحساب. الدكتور فهيم راجل علمي وشاطر في الحساب ولولا إنه شاطر في الحساب ما كانش نجح في عالم بيحسب ليل نهار ما كانش نجح ووصل في وسط ناس بيجروا ويتنافسوا والأشطر يكسب. وطبعا ما فيش مانع من شوية عواطف كده زي البهارات تتحط من فوق وما تكلفش حاجة. زي انك تغطى عيان غلبان عشان ما يبردش. أو ما تحطش رجلك على سرير العيان. حاجات كده ظريفة وإنسانية ترضى ضمير الوأحد وتخليه يحس بالسعادة. زي ما تدي قرش لشحات وانت ماشى في السكة. صدقة حلوة كده تخلى أمثالك من السذج يبصوله بإعجاب وحب. إنما عند الجد. لما الكرسي اللي قاعد عليه يهتز. لما رزقه ورزق عياله يبقى مهدد بالقطع. المسأله تبقى عاوزة تفكير وعاوزة عقل وعلم وحساب. حساب دقيق جدا جدا. وأحد + وأحد = اثنين. اثنين بالضبط. لا يمكن يكونوا ثلاثة ولا يمكن يكونوا وأحد ونص. وفي الحاله دي ما فيش حاجة اسمها عواطف. ما فيش حاجة اسمها إنسانية. ما فيش زرقا. العواطف هنا اسمها سذاجة.. رعونة. والإنسانية هنا اسمها طيش.. جنون. إنما العقل. يا سلام على عقل الدكتور فهيم فهمى. أحسن وأحد يعقل في الحاله دي.
د. توفيق يضحك بسخرية. د. توفيق انت طول عمرك كده يا توفيق. ما تفرقشى بين الإنسان الكويس والوحش. كل الناس عندك وحشين. كل الناس عندك يضعفوا قصاد الفلوس والدرجات والكراسي. انا معاك فيه ناس كثيرة كده لكن الدكتور فهيم غير دول مش ممكن انخدع فيه 15 سنة. مش ممكن انت دخلت عيادته؟ لو دخلت عيادته تلاحظ انه مش معلق يافطة الأسعار زي ما الدكاتره بيعملوا ده بقرش وده بقرشين. عمره ما تاجر بالطب. عمره ما اخذ فلوس من عيان غلبان مش قادر يدفع. اظن يعني كل الناس عارفه عنه الحكايه دي. د. شرف الدين ما هي برضه ضمن العواطف اللي تنفع اكثر ما تضر. على السمعة الحلوة دي عيادته مليانه كل ليلة زي الرز واللي يقدر يدفع اكثر من اللي ما يقدرشى يدفع. دول ناس بحورهم غويطة يا شرف الدين. ناس يعرفوا يحسبوا كويس. كل حاجة عندهم لها ثمن ولازم تجيب ثمنها حتى ولو كانت عاطفة كده.. عابرة. توفيق كلامك دايما يتعبني يا توفيق. كلامك دايما يخينقنى. بيخليني كل حاجة في عيني وحشة والدنيا كلها وحشة. إزاي انت قادر تعيش بكل الأفكار السوده اللي جواك دي؟ شرف الدين انت بتسمى الأفكار الواقعية العلمية أفكار سوده. بقول لك يا شرف الدين ياابني انت أطيب من انك تفهم العلم. ظلموك اللي عملوك دكتور.الناس اللي طيبين زيك يروحوا يشتغلوا بالمسائل الروحانية أو في الفن. ده انت كمان أطيب من انك تكون فنان. لأن الفنان لازم يكون شرير عشان يفهم شرور الحياه ويصورها للناس. انت أطيب من إنك تكون حاجة خالص. أطيب من إنك تكون إنسان حقك تكون ملاك بجناحين وتطير فوق فوق وتعيش في السماء. توفيق انا ما نيش ملاك ولا حاجة يا توفيق. أنا عارف كويس ان الدنيا مليانه شرور لكن بالنسبة للدكتور فهيم بالذات… انت ما تعرفشى الدكتور فهيم في نظرى إيه. أنا كنت باعتبره مثل الأعلى في الحياة. أنا كنت بألف وادور في الحياة وبعدين ارجع الاقيه الإنسان الوحيد اللي يقف جنبى وانا مهزوم. كان هو الشئ الوحيد. اللي بيخلينى أحس إن الدنيا فيها خير. وفيها حب وإنسانية كان هو إيمإني الوحيد. كانت بتمر بى ظروف قاسية وخت مقالب كثيرة من ناس كثيرة لكن هو… افتكر إنه بس موجود كنت باطمن واستريح. أرجوك يا توفيق ما تهزش ثقتى فيه. وخصوصا في حاجة خطيرة زي دي. لا يمكن الدكتور فهيم يسيب العمال تعيى وتموت. لا يمكن يكدب على ويقول ما فيش زرقا. مش يكدب. حيكدب ليه؟. شرف الدين حيكدب ليه؟ أما انت ساذج صحيح. حيكدب لأنه مش قادر يعمل حاجة حيعمل إيه؟ فكرة انك تهد المصنع وتبني مصنع جديد مش مسأله سهلة. فين الفلوس اللي حيبني بها؟ توفيق يعني ما فيش عشرة مليون جنيه في البلد. يعني ما نقدرش نبني مصنع جديد؟. شرف الدين نقدر نبني. وفيه حاجات كثيرة بنقدر نبنيها. فيه بيوت جميلة بتبني ويسكن فيها ناس محترمين. فيه بيوت زي القصور بتبني للناس المحترمين الغاليين… اللي ثمنهم غالى قوى. مش زي قطع الغيار الرخيصة. بني آدمين كل حته فيهم غالية… بيوتهم غالية هدومهم غالية. ضوافرهم غالية. اللون اللي بيدهنوا بيه ضوافرهم غالى كحتهم غالية. الوأحد منهم يكح كحة وأحدة بس ويصرف عليها الآفات آلافات.. فيه فلوس مش ما فيش يا شرف الدين. لكن هي فين ومع مين وبتندفع في إيه؟ فيه أولويات للدفع يا شرف الدين. أولويات… مش عارف أولويات يعني إيه؟ باين عليك ما درستش تخطيط. توفيق شرف الدين شاردا صامتا. سرحان في ايه يا شرف الدين. توفيق برضه أنا متأكد أن الدكتور غير دول كلهم. د. فهيم لا يمكن يسيب الزرقا بين العمال في المصنع ويسكت. لا يمكن يسيبني أنا… (يسكت لحظة) لا يمكن يسيبني أنا كمان اروح المصنع وهو عارف ان فيه زرقا كان على الأقل ينبهنى. صدقنى يا توفيق لازم تصدقنى. انا متأكد من د. فهيم اعرفه أكثر ما اعرف نفسي. اقسم لك بشرفي وحياتى. اقسم لك بكل ذرة من وجودي وكل فكرى وكل قلبى إن د. فهيم إنسان مختلف عن اللي انت بتصوره. إنسان مختلف. لا يمكن يسيبني اروح المصنع وهو عارف إنه بيعرض حياتى للخطر. كان على الأقل يقولى أو ينبهنى عشان آخذ احتياطى. شرف الدين توفيق يسكت طويلا مفكرا متأثرا. كلامك خلإني اتلخبط. يمكن صحيح ما فيش زرقا. يمكن. مش ممكن د. فهيم يكدب ويكدب عليك انت بالذات في حاجة خطيرة زي دي. انا قربت اعتقد فعلا انه مش ممكن يكدب. ايمانك القوي بيه عدإني. الإيمان القوي زي المرض المعدي. أنا ابتديت أحس إن اللي انا شفته بعيني في الميكروسكوب مش الزرقا. أنا حاسس دلوقت براحة. يمكن لأول مرة أحس بالراحة دي. تستعجب يا شرف الدين لو قلت لك ان الراحة اللي انا بأحسها دلوقت عمري ما حستها ابدا. لأ وانت صادق حسيتها مرة وأحدة بس لما شفت اسمى في كشف الناجحين في نهائى الطب. حسيت ان عبء كبير بينشال من على اكتافي وحسيت براحة. لأ برضه ما كانتش زي دي. فاكر إني اتضايقت ساعتها لإني ما كنتش من الأوائل وعرفت ان النيابة في القصر العيني راحت مني…… (يسكت لحظة مفكرا) لكن انا متأكد إني حسيت الاحساس ده مرة قبل كده. امتى وفين مش فاكر بالضبط. أيوه افتكرت. (يبتسم لنفسه) كنت في أولى طب وأول ليلة اروح فيها لوأحدة ست. حسيت زي ما يكون جسمي ده ثقل جسمي كله بينشال من على كتافي. (يسكت لحظة) لأ برضه ما كانتش زي دي. فاكر إني ساعتها اتضايقت. (يضحك) كانت أول تجربة في حياتى وما كنتش عارف إني لازم ادفع قبل ما امشى. الحقيقة كنت عارف بس نسيت أو انكسفت اديها فلوس. وتصور هي اللي فكرتنى. فكرتنى بصوت غريب وحاد لسه في ودإني . أحيانا أسمعه. لما بيجى العيان يخرج من الباب وينسى يدفع اقوم افكره واقوله هات الكشف. لحظتها صوتى يرن في ودإني غريب وحاد شبه صوتها؟ تصور أول مرة اقول الحكاية دي لحد. ويمكن أول مرة اقولها لنفسي. عمري ما فكرت فيها وتصورت إني نسيتها. (توفيق ينظر في ساعته) يا خبر انا ضيعت وقتك يا شرف الدين في كلام فارغ. كان لازم تكون في المصنع… (يسكت لحظة متذكرا).. انت رايح المصنع برضه؟ توفيق
(بصوت رقيق) أيوه. شرف الدين (توفيق يتجه ناحية الميكروسكوب) طيب استنى لما القى نظرة أخيرة. توفيق توفيق نظر في الميكروسكوب لحظة. ينهض فجأة. هو بعينه الزرقا. مش ممكن عيني تخدعني بالشكل ده. مش ممكن تضيع سبع سنين طب وسنتين دبلوم وثلاثه دكتوراه. أنا شايف انها الزرقا يا شرف الدين. تعالى بص تإني كده. توفيق شرف الدين يسير الى الميكروسكوب وينظر بهدوء. ميكروب الزرقا يا توفيق زي العصايا. مش ممكن يكون بيضاوي بالشكل ده. وكمان ما لوش ديل. ومش ممكن يكون "اسد فاست" بالشكل ده. د. شرف الدين
(بصوت هادئ يشبه صوت د. فهيم) (يتجه ناحية الباب) انا تأخرت ولازم اروح المصنع بسرعة. ظـــلام
* * * * *
المشهد السادس:
في حجرة د. شرف الدين بالمصنع.
د. شرف الدين والتمورجي شهدي يسعفان عاملا يحتضر راقدا على السرير. العامل يموت. شهدي يغاطيه بالملاءه. د. شرف الدين يجلس منهارا من التعب على الكرسي. العرق يتصبب منه. يبدو عليه الارهاق الشديد.
شهدي ينظر إليه طويلا في صمت وتأثر. تعرف يا دكتور شرف الدين انت وانت قاعد كده بتفكرنى بمين؟ شهدي مين؟ د. شرف الدين
في اعياء الدكتورة نادرة. كانت في شغلها زيك بالضبط. تموت نفسها من الشغل. ليل نهار ليل نهار. كانوا العمال يحبوها حب. ماكناش نحس انها دكتورة تاكل معانا وتسهر معانا.. ووشها دايما يبتسم.. عمرها ما كشرت في وش عيان… والله يا دكتور شرف الدين اللي يشوفك يقول أخوها والا قريبها… حضرتك تعرف الدكتورة نادرة. شهدي لأ. ما عرفهاش يا شهدي. الدكاتره كثير والدكتورات كثير… شرف الدين لا لأ. هي مش زي الدكاتره. ولا الدكتورات… هي وأحده ثانية خالص يا دكتور شرف الدين. خسارة انك ما تعرفهاش. خسارة يا دكتور شرف الدين لأنها الخالق الناطق شبهك بالضبط. حتى قعدتها على الكرسي ده لما كانت يا عيني تقع من التعب… تمام هي القعده. يا سلام ربنا ده كبير يخلق من الشبه أربعين. شهدي يسير شهدي نحو العامل الميت ويحاول أن يحمله. ظــلام
المشهد السابع:
المسرح مظلم. ضوء خفيف يظهر عند مدخل المسرح من ناحية اليمين. يظهر في الضوء شهدي حأملا العامل على كتفيه ويسير به ببطء مجتازا خشبة المسرح. موسيقى حزينة يخرج شهدي بحمله من الناحية اليسرى.
المسرح يظل مظلما خاليا. ضوء خفيف يظهر. تظهر من ناحية اليمين امرأة ترتدي السواد تجرى بسرعة المذهولة ومن خلفها أطفال صغار صغار يجرون خلفها. يجتازون المسرح بسرعة ويخرجون من الناحية اليسرى.
المسرح مظلم وخالى تماما. صمت.
تسمع صرخة امرأة مكتومة: آه يا ضنايا.
صمت وظلام والمسرح خالى.
يسمع صوت نحيب مكتوم: آه يا ربى.
صمت وظلام
تسمع صرخة طفل صغير يبكي.
صمت وظلام والمسرح خالى.
يضاء المسرح في استراحة قصيرة.
………………
* * * * *
الفصل الثاني
8 مشاهد
المشهد الاول:
المسرح مظلم تماما وخالى.
يسقط ضوء خفيف على منتصف خشبة المسرح ويظهر طفل صغير جالس وحده في الظلام. يده ممدودة فارغة.
يبدأ الضوء يغمر المسرح تدريجيا. ويبداء الناس المارة يملاؤن خشبة المسرح. الكل يجرى بسرعة الى عمله وحاله. لا أحد يرى الطفل الجالس بيده الممدودة الفارغة. أحد المارة يلقى في اليد الصغيرة الممدودة الفارغة قرشا دون أن ينظر الى الطفل ويسرع في طريقه. الضوء يخفت تدريجيا على المسرح. والناس تقل تدريجيا حتى يظلم المسرح تماما ويخلو من المارة لا يبقى إلا الطفل الصغير جالس مكانه ويده ممدودة أمامه في الظلام.
ظــلام
* * * * *
المشهد الثاني
الضوء القوي في حجرة نوم فاخرة جدا. هي حجرة نوم د. فهيم وزوجته تفيدة.
د. فهيم بملابس البيت جالس الى كرسى فوتيل يدخن بكثرة ويبدو عليه التفكير العميق والضيق. تفيدة جالسة على السرير بشعرها الصناعى وملامحها المصنوعة وحركتها المصنوعة. برضه مش قادرة أعرف ايه اللي مضايقك في الحكاية دي. الكلام اللي انت قلته ده كله مش شايفة فيه حاجة تضايق ابدا. : تفيدة بقه كل اللي حكيته ده ومش قادرة تعرفي إيه اللي مضايقنى. كل الجهد اللي بذلته ده في الكلام وانا باحكيلك ما قدرتيش تعرفي ايه اللي مضايقنى. انت إيه؟ انت إية؟ ما بتحسيش والا إيه؟ : د. فهيم
(في ضيق) اسمع يا فهيم. إذا كنت عاوز تقلبها غم زي كل ليلة نقفل الموضوع ده خالص. ستين مرة قولتلك ما ليش دعوة بشغلك. ستين مرة قولتلك ما تجبليش سيرة العمل وخصوصا قبل النوم. كفاية طوال النهار قاعد في مكتبك تتكلم في الشغل. الساعة الوحيدة اللي نقدر نقعد فيها مع بعض آخر الليل تتكلم برضه في الشغل دي حاجة تكفر. وبرضه مستحملة ومستزوقة وقاعدة باسمع لك. بقى لك ساعة تتكلم وانا قاعدة أسمع لما طلعت روحى. وانا مالى ومال الأرانب يولدوا والا ما يولدوش. والأرانب الاسترالى إيه… ومش عارفة ميكروبات إيه… ومش عارفة الدكتور شرف الدين إيه… والوالي مبسوط مني… (تقلد د. فهيم بصوتها)… والوالي يقولى انا نوع نادر من البشر ولازم نحافظ عليك… ونخاف عليك. تلات اربع كلامك عن إن الوالي مبسوط منك وخايف عليك. عاوزنى اعرف منين انك مضايق. وعاوزنى اعرف كمان إيه اللي مضايقك. هو انا باضرب الودع والا بافتح كوتشينة. كنت بتتكلم وانت مبسوط. ما حستش في صوتك ريحة الزعل لكن إزاي؟ إزاي ليلة وأحدة تمر من غير زعل. لازم تنكد على كل ليلة. لازم تخلق حاجة تزعل عشان تتحجج وتدينى ضهرك. اللعبة ما بقتش تنطلى على يا فهيم. ما تقولها كده بصراحة وشجاعة انك بتحب وأحدة تانية. انت فاكرني مش عارفة. أنا عارفة كل حاجة والناس كلها بتيجى تقوللى. : تفيدة ايه الكلام اللي انت بتقوليه ده يا تفيدة؟ د. فهيم
(في ذعر) ده مش كلام. دي حقيقة. الناس كلها عارفاها مش انا بس. تفيدة عارفة آيه؟ د. فهيم
(في قلق) اعمل نفسك مش عارف حاجة. مثل على دور آخر من يعلم. لكن انا خلاص استحملت كثير وسمعت كثير. وكل مرة اقول بلاش اقولك. كلام الناس كثير وما يسبوش حد في حاله… خصوصا لما يكون وأحد زيك ناجح وواصل والوالي راضى عنه.. كل الناس بتحقد عليه. وقلت يمكن الستات غيرانين لأنك متجوز وأحدة ست راقية من عيله كبيرة وعوزين يوقعوا بينى وبينك. قلت لنفسي حاجات واستحملت. لكن انا خلاص عرفت. عرفت انك مش ممكن تكون بتحبني زي الأول. طول النهار برة البيت ولما تيجى البيت تبقى مش طايق تقعد معايا قعدة هادية ورايقة. لازم تعكر الجو بأي حاجة بأي كلمة وامبارح تقولى شكلى وحش في الباروكة الجديدة. طبعا بقيت وحشة بالنسبة للست الدكتورة! تفيدة مين دي؟ د. فهيم ذات الشعر اللي مالوش وصف. بيقولوا ان شعرها مقصوص زي الرجالة ومشيتها زي الرجالة ورجليها معوجة ومقفعة وبالبلا! تفيدة تقصدي مين بالكلام ده؟ د. فهيم لكن الحب وحش. الحب اعمى والغريبة انهم مش عارفين مين اللي بيحب التإني. انت اللي بتحبها والا هي اللي بتحبك. تفيدة مين هي دي اللي انت تقصديها؟! د. فهيم الست الدكتورة اللي انت سيبتها شغلها في المصنع وعملتها قال إيه سكرتيرة سكرتيرة خاصة.. خاصة قوى! تفيدة دكتورة نادرة ؟ تقصدي الدكتورة نادرة ؟! د. فهيم برافوا! إزاي عرفت اسمها؟ تفيدة
تصفق في سخرية اعقلى يا تفيدة. خلى في مخك شوية عقل د. نادرة كانت تلميذتي ودي إنسانه طيبة وشغالة ومن عيله مكافحة ولها تقاليد. انت ما تعرفيش العائلات المكافحة دي تقاليدها إزاي. مش زي العائلات اللي من الطبقة الراقية بتاعتك… البنت في الطبقة دي حياتها كلها ممكن تنهدم لو سمعتها ساءت. نادرة بنت شغالة ومخلصة في شغلها عشان كده انا جبتها معايا في المكتب. بتشيل عني شغل كثير بتموت نفسها في الشغل. وهي تلميذة في الطب كانت بتشتغل بعد الظهر عشان تدفع مصاريف الكلية. كانت تلميذتي واعرفها كويس واعرف اخلاقها. حرام عليكي يا تفيدة ما تسوئيش سمعة البنت. انا عارفك لما تدبئى وأحدة. فاكرة مدام علية اللي طفشتيها من البلد كلها عشان اتهيأ لك انها كانت بتبص لى. د. فهيم ماهي كانت بتبص لك. وانت كنت بتشجعها. عاوز تنكر. تفيدة يا تفيدة بلاش نفتح المواضيع دي. احنا متجوزين بقه لنا عشرين سنة وعندنا ولد شاب في كلية الطب. عيب! عيب تفضلى تتكلمى كده زي بنت صغيرة. انت كبرت يا تفيدة على الكلام ده! د. فهيم كبرت؟ كبرت يعني إيه يا فهيم؟ انا كبرت؟ شوف كلامك اللي زي الطوب طبعا كبرت بالنسبة للبنت الكتكوته اللي عندك في المكتب. تفيدة اووه! د. فهيم حرام عليك يا تفيدة ما تسوئيش سمعة البنت. مين اللي قال انها بنت؟ ومين اللي قال ان سمعتها نضيفة قوى! مش هي دي اللي هربت من أهلها عشان تتجوز عامل في المصنع. وياريته كان جواز! بقى يا أستاذ فهيم تبص لوأحدة بالشكل ده! طب نقى حاجة كويسة تستاهل! تفيدة
تقلد صوته اقفلى يا تفيدة الموضوع ده احسن لك! د. فهيم
(غاضبا) تقصد ايه؟ مالك زعلت كده؟ تفيدة (تهدأ) سيبينى لوحدي خالص. مش عاوز اسمع صوت. انا تعبان وطول النهار باشتغل. ستين حاجة في دماغى.. ستين مشكل. بلاوى متلتله فوق دماغى (تفيدة تغادر السرير وتسير نحو الباب ببطء). د. فهيم
(غاضبا) وكمان زادت البلوى دي. الميكروب ده اللي جه المصنع... مشكلة كبيرة مش عارف لها حل.. واضطريت اكدب على كل الناس.. حتى على شرف الدين.. فهيم
(يكلم نفسه) ما هو اصل الكدب في دمك. إذا كنت بتكدب على انا مش عاوز تكدب على الناس الغرب. انا اللي عشت معاك عشرين سنة.. وكل ليلة.. (تمسح دموعها) وكل ليلة.. كنت بتكدب على واحنا مع بعض. واحنا سوا في سرير وأحد. اخص عليك يا فهيم. يا خاين يا غدار ياللي مطمرش فيك العيش والملح. تفيدة
(بصوت منخفض تكلم نفسها) يا تفيدة اعقلى. خلى اليلة تفوت على خير. خلينا عايشين زي ما كنا عايشين. بقول لك اعصابى تعبانه ومش مستحمل عكننه. وبلاش حكاية الكدب دي ارجوكى لأنك عارفة مين اللي كدب على التإني. أنا والا انت؟ نسيتى حكاية.. فاكره لما.. (يسكت لحظة) على العموم انا نسيت وقلت عشان الولاد نعيش ما فيش داعى نمرمط الولاد بينا. خلينا عايشين يا تفيدة وبلاش تقليب المواجع. خلينا عايشين زي الناس ما هي عيشة. د. فهيم
بصوت هادئ تفيدة تمسح دموعها وتخرج.
فهيم وحده يمسك رأسه بيده يكلم نفسه. يارب. انا تعبان. دماغى! مش ناقص تعب… فهيم يفكر لحظة في صمت.
لو كان وأحد تإني غير شرف الدين كانت بقت المسأله اسهل. إنما شرف الدين.. حيقول ايه على لو عرف إني… لو كان يقدر يفهم كنت شرحت له موقفي. لكن ده لا يمكن يفهم. لا يمكن يتصور إني ممكن اضعف. إني زي أي بني آدم تإني… كان بيبص لى على إني إله. وانا اللي كنت باشجعه على كده. كان بيرضينى إني احس إني اله. انا اللي رسبت الفكرة دي في نفسه. إني وأحد تإني غير الناس. ما قدرش… ما قدرش انزعها منه دلوقت… ما قدرش انزعها منه بسهولة… بس لو كان وأحد تإني غير شرف الدين… كانت المسأله بقت اسهل…
يسك رأسه…
ظــلام
* * * * *
المشهد الثالث:
د. شرف الدين راقد على السرير بحجرته بالمصنع يلفظ أنفاسه الأخيرة والى جواره التمورجي.
شهدي يحاول أن يسعفه. دكتور شرف الدين. يانهار اسود.. اعمل ايه بس. انا ما نيش دكتور.. اسعفه إزاي بس؟ يقرب كوب من الماء من شفتى شرف الدين. شرف الدين يفتح عينيه. : شهدي د. شرف الدين. انا شهدي. : شهدي شهدي. فين توفيق؟ اندهله. : شرف الدين ندهلته. جأي حالا في السكة. زمانه يوصل حالا. : شهدي لو جه توفيق وانا ما كنتش.. قوله يا شهدي شرف الدين بيقولك انها الزرقا.. : شرف الدين يدخل توفيق مهرولا مسرعا… شرف الدين. مالك؟. هات كورماين يا شهدي بسرعة. : توفيق (يعطيه حقنه) د. فهيم كدب على "يا توفيق. دلوقت بس عرفته. إزاي ما عرفتش قبل كده. عرفت دلوقت بس. عرفت متأخر قوى… خلاص الفرصة راحت يا توفيق.. الأمل راح.. يلفظ أنفاسه. شرف الدين (بصعوبة) لا يا شرف الدين. الأمل ما راحش. لسه فيه أمل. لسه فيه فرصة. هات كمان حقنة كورماين يا شهدي. توفيق (في اضطراب) شهدي يجرى كالمسلوع ويأتى بالحقنه. توفيق يغرزها في ذراع شرف الدين. شرف الدين اصحى. اصحى يا شرف الدين. لسه فيه فرصة. لسه فيه أمل يا شهدي هات كمان حقنة. توفيق شهدي يجرى ويأتى بحقنة اخرى. شرف الدين. اسمعني. قاوم الموت يا شرف الدين زي ما كنت بتقاوم كل حاجه.. قاوم ما تستسلمش عمرك ما استسلمت. قاوم يا شرف الدين. فيه فرصة. فيه أمل. مش ممكن تموت. مش ممكن الملاك يا ناس هو اللي يموت.. توفيق توفيق يلقى الحقنة على الارض فتنكسر ويبكي. شهدي يغطى جسم شرف الدين الميت وهو ينظر اليه في ذهول وحزن شديدين. شرف الدين مات يا شهدي. شيله على كتافك. الملاك اللي رفض انه يبات ليلة وأحدة خارج المصنع. كان بيسهر عليكم ويشيلكم وأحد ورا وأحد شيله يا شهدي في عينك. شرف الدين كان مؤمن. كان مؤمن بشئ غير موجود وعمره ما فقد إيمانه. حتى كلأمي اللي زي السم ما اثرشى فيه. كان عايش في وهم. الدكتور فهيم ما يكدبش. ما فيش زرقا يعني ما فيش زرقا. والزرقا عماله تنهش في لحم العمال. والزرقا عايشة في المصنع… عايشة وعماله تكبر وتترعرع. الميكروب عايش ويترعرع والملاك الطاهر مات. ربنا رحمه واستريح. شرف الدين استريح يا شهدي. وعاش كمان مستريح. كان مصدق ان فيه خير في الدنيا دي وان د. فهيم بيقول الحق. وشرف الدين مات واستريح. إنما انا.. انا اللي عايش وتعبان. انا اللي مش مؤمن بحاجة خالص.. دنيا وحشه وكلهم كدابين. كلهم كدابين. والصادق النهاردة بكرة يكدب لما الظروف تتغير. والشجاع النهاردة بكرة لما يقف قصاد الاكبر منه يبقى أرنب. أنا مش مؤمن بحاجة يا شهدي. مش مؤمن حتى بنفسي. أنا جبان. أنا عارف انها الزرقا وساكت. أيوه ساكت ومقدرش اقول… اشمعني انا دونا عن الكل اللي اقول… عاوز ولادي يا شهدي يعيشوا وياكلوا ويروحوا المدارس.. ولادي هم السبب يا شهدي! هم السبب يمكن لو مكانشى عندي اولاد يمكن كنت اقول. لكن برضه ما اعرفش. انا باخاف يا شهدي. انا جبان يا شهدي (يبكي). توفيق شهدي يواسيه. ما تعملش في نفسك كده يا دكتور توفيق. شهدي دي كانت أخر فرصة يا شهدي. كان أخر أمل. خلاص الفرصة راحت الأمل راح… توفيق لا ما راحش. الأمل ما راحش ولسه فيه فرصة طول ما احنا عايشين. طوال ما فينا نفس طول ما فينا نفس فيه فرصة وفيه أمل.. فيه! فيه! فيه! شهدي (في عزم)
ظـــلام
* * * * *
المشهد الرابع:
شهدي راقد على الارض في زنزانته.
السجان يضربه بالسوط.
فيه! شهدي (يصيح) ما فيش! السجان (يضربه) فيه! شهدي ما فيش! السجان يستريح السجان قليلا من الضرب. يجفف عرقه يمسك ذراعه الذى آلمه من رفع السوط والضرب مدة طويلة. آه يا ذراعى. ذراعى انخلع من الضرب وانت لسه ما حستش. قول ما فيش زرقا. السجان فيه زرقا. شهدي قول ما فيش. السجان فيه. شهدي السجان يبدأ بضربه مرة اخرى. ما فيش. السجان فيه. شهدي ما فيش. السجان فيه. شهدي يستريح السجان قليلا. يجفف عرقه. يدلك ذراعه من التعب. انت إيه؟ انت مش بني آدم وإلا إيه؟ والله والله العظيم لو كان بغل كان حس. السجان
(في غضب) أص انا ما نيش بغل. أنا شهدي. أنا إنسان. عشت وسط الناس في المصنع. كنت بشيلهم على ايديا دول.. كنت بحس جسمهم وهو سخن زي النار وبعدين يبرد ويثلج زي حته اللحمة… شيلتهم بايديا دول وشيلت عيالهم.. شيلتهم بإيديا وشفتهم بعيني.. كنت اشوف العيل من دول ينبش في صفيحة الزباله زي الكلب عشان يعتر في عضمة.. على لقمة بايته ومعفنة. على شوية رز فضلوا من الجيران ورموهم في الزباله. وشفت الدكتور شرف الدين. كان زي الشعلة المنورة. يروح ويجى ويكلم كل وأحد ويضحك. تمام شبه الدكتورة نادرة.. يا ترى انت فين يا نادرة! شهدي (بصوت متعب جدا) السجان يضربه بالسوط. قول ما فيش زرقا. السجان فيه. شهدي ما فيش. السجان فيه. شهدي السجان يستريح ويبصق عليه ويتركه قليلا. اقسم بشرفي لو بغل كان حس. السجان أيوه.. لو كنت بغل ما كنتش حسيتهم بايديا دول وشفتهم بعيني دول. أعمل ايه.. ذنبي إيه إن انا بني آدم. لى إيدين بتحس ولى عينين بتشوف. شهدي السجان يلسعه بالسوط. بني آدم إيه؟ لو كنت بني آدم كنت حسيت لسعة الكرباج ده! السجان لسعة الكرباج مش بتوجع زي لسعة الألم والجوع بتوجع زي لسعة عنين عيل يتيم بيدور على لقمة في التراب! شهدي ذراعى انخلع ودمك ساح على الارض ولسه مش عاوز تسمع الكلام. شايف اللي على الأرض ده؟ ده دمك بص شوفه. السجان ده دمي ده. مش عارف انه دمي. حتى جسمي مابقتش حاسس بيه. اضرب زي ما انت عاوز… خلاص انا مش حاسس بجسمي… شهدي (يتحسس جسمه) السجان يضربه بشدة. قول ما فيش زرقا. السجان فيه زرقا. شهدي ما فيش. السجان فيه…فيه…فيه… شهدي يصرخ وهو يقول بجنون: فيه.. فيه!
ظلام
يسمع فقط صوت السوط وهو يضرب وصوت شهدي يئن بضعف ويقول مرددا بصوت خافت جدا: فيه… فيه… فيه… صوته يخفت تدريجيا دون ان ينقطع.
ظــلام
* * * * *
المشهد الخامس
شهدي راقد في حاله سيئة على الارض في الزنزانة السابقة. يفتح فمه بصعوبة ويقول بصوت خافت ضعيف جدا. فيه… فيه… يا دكتورة نادرة… شهدي دكتورة نادرة واقفة الى جواره تنظر اليه في ألم وذهول. فيه يا د. نادرة. بقى لى زمان بدور عليكي يا. د.نادرة. كتر خيرك اللي تعبت نفسك وجيتى لغاية هنا. لكن أعمل ايه يا د. نادرة. ما حدش راضى يجيب رباط شاش محدش سائل عني. عشان كده سألت عليكي وقلت لهم يدوروا عليكي انت الوحيدة اللي حتقدرى.. حتقدرى تعرفي إزاي لما الجرح يبقى مفتوح لازم يتربط برباط شاش. انت اللي حتقدرى تجيبيلى رباط شاش اربط دراعى. الجرح مفتوح والدود بياكل فيه وما حدش راضى يجيب لى رباط شاش. خايفين يجيبوه اقوم ألفه حوالين رقبتى واموت نفسي. قولى لهم يا د. نادرة شهدي مش ممكن يموت نفسه. شهدي مش ممكن ينتحر. لو كان عاوز كان موت نفسه من زمان أنت عارفإني يا د. نادرة عارفإني. عارفة إزاي انا عاوز اعيش.. عاوز اعيش عشان ارجع المصنع.. عشان ارجع واقول للعمال ان فيه زرقا… فيه… فيه… يا د. نادرة فيه…
د. نادرة واقفة جامدة كالتمثال تنظر حولها في ذهول وألم وحزن وغضب. شهدي إزاي ؟! إزاي ده حصل ؟! إزاي قدر يسكت ولا يقولش ؟! إزاي قدر ما يقولش ؟ الدكتور فهيم ؟! إزاي قدر يسكت ؟ إزاي ؟! د. نادرة: (صوتها يعبر عن كل هذه الانفعالات) ظـــلام
* * * * *
المشهد السادس:
في مكتب د. فهيم الفاخر.
د. نادرة واقفة أمام د. فهيم. فهيم جالس يبدو عليه التعب والانكسار.
إزاي ؟! إزاي ؟! قدرت تسكت ؟! إزاي ما قلتش ؟! د. ناردة (نفس صوتها السابق) كان شئ فوق طاقتى يا نادرة.. ما تتصوريش لما شرف الدين مات انا حزنت أد إيه. د. فهيم
(بصوت منكسر) شرف الدين ؟! بس شرف الدين اللي انت حزنت عليه! بس شرف الدين اللي انت بتفكر فيه. لأنه شرف الدين. لأنه التلميذ اللي كان بيبص لك على انك فوق فوق. التلميذ اللي كانت عينيه تلمع من الفرح لما يشوفك ويبص لك على إنك إله. كنت بتحب شرف الدين لأنه كان بيعبدك. كنت بتحب عبادته ليك. كنت بتحب إيمانه بيك. بتحب "الأنا" بتاعتك فيه. لكن عمرك ما حبيته هو. وعشان كده قدرت ترميه للموت لما خفت. لما المسألة بقت انا واللا هو. اخترت "الأنا" بتاعتك وكنت دايما تختار "الأنا" بتاعتك. عمرك ما اخترت حد غير الدكتور فهيم. نادرة أرجوكى يا نادرة حاولى تقدرى موقفي. موقفي كان صعب. صعب جدا. لو كنت مكإني يا نادرة كنت حتعملى ايه؟ د. فهيم كنت لازم اقول. لازم اقول… وحقول. مقدرش ما قولش. ما قدرش! انا غيرك يا د. فهيم. انت قدرت تسكت. إنما انا ما قدرش. نادرة يمكن بعد عشر سنين يا نادرة لما تبقى في سنى يمكن تقدرى تفهمى موقفي. فيه حاجات في الدنيا يا نادرة انت لسه ما تعرفيهاش. احتياجات كثيرة بتولد في حياة الإنسان لما يكبر. أنا سكت عشان الولاد يا نادرة. يمكن لو جربت انك تكونى أب أو أم يمكن تعرفي. أنا خفت مش على نفسي. لو كانت نفسي كانت بقت المسألة سهلة. لكن الولاد. تصورى لو كنت أم وجت قوى كبيرة اقوى منك عاوزة تحرمك من طفلك وتحرم طفلك منك؟ أم أو أب. شعور الأب زي شعور الأم وأكثر… وخصوصا لما يحس بانه مهدد. فيه حاجات في الدنيا يا نادرة لسه حتعرفيها. لما تبقى أم حتقدرى تعرفيها وتعذرينى. د. فهيم مين قالك إني ما كنتش أم؟ أنا كنت أم من 18 سنة. كنت تلميذة في آخر سنة في ثانوى. فتحت عيني لقيت نفسي نايمة على مرتبة قديمة في أوده بلاط. ما كنش معايا محمود. كان في المصنع. بصيت جنبى لقيت طفل صغير. ومد إيده الصغيرة. صوابعه كانت صغيرة قوى. لكنها كانت شبه صوابعى. ومديت إيدي عشان امسكه. بصيت لقيت إيده لفت حوالين صباعى ومسكته قوى قوى. حطيته في سدرى وبصيت في وشه. وشه كان اسمر محمر. وعينيه كانت مدورة والننى كبير.. وبيلمع. بيلمع. زي فص الألماز. كنت عاوزة محمود يرجع بسرعة من المصنع عشان يشوفه. لكن محمود مارجعش. وسمعت من زمايله في المصنع إنه مات بالزرقا. كنت لسه صغيرة. سبعتاشر سنه. وهربانة من كل الناس. وهربانة من أبويا وأمي وكل الناس. كانوا عاوزين يمسكونى ويحطونى في القفص لكن انا هربت. أخدت شنطة هدومى الصغيرة وهربت في نص الليل وهم نايمين. ومشيت لوحدي في الشارع الطويل الضالمة. كانت الدنيا مطر وبرد والدنيا ضالمة. في لحظة خفت. ووقفت. وفكرت أدور وارجع. كان الطريق قدأمي طويل وضالمة وفي كل ركن شبح واقف يتربص. وقفت في وسط الطريق وحركت قدمي عشان ادور وارجع. قلت لنفسي لحظتها القفص أرحم. السجن برضه فيه أمان عن الدنيا الضالمة الواسعة. السجن له أربع حيطان تحمينى وتخبينى. لكن ما اقدرتش ارجع. كان فيه حاجة غريبة بتزئنى لقدام. حاجة غريبة لا ارادية زي القدر. ابدا ما كانش القدر. ابدا ما كانش حاجة لا إرادية. ما حدش ضربني على ايدي وقالى اهربى. كنت ما شيه على رجليه بارادتى. كنت عارفة إني رايحة للأوده البلاط والمرتبة القديمة والشباك المكسور بتبص منه عنين الناس… والسنة والناس وايدين الناس حتنهش في زي حته لحمة. لكن ما قدرش ارجع. كان فيه حاجة بتزئنى لقدام حاجة أقوى من الارادة. حاجة أقوى من الحب والجنس. في الليلة دي بالذات ما نمناش سوا. في الليلة دي بالذات ماكنتش عاوزة محمود. كنت عاوزة اهرب من القفص. قفص المجتمع المزيف قفص التقاليد المزيفة، والشرف المزيف، والحب المزيف، والكلام المزيف، والوجوه المزيفة، والزواق الكداب كنت عاوزة اهرب واحرر نفسي. كانت اصعب لحظة في حياتى. دست عليها بقدمي ومشيت عليها ومشيت… كان ممكن في كل خطوة اقف وادور وارجع.. ارجع لأبويا ولأمي ولبيتنا الدافي واتجوز ابن عمى زكريا تاجر الموبليات الغنى واجيب جهاز وعيال واعيش زي الناس عايشين. لكن مارجعتش. كنت شايفة الطريق قدأمي ضالمة وطويل وصعب لكن ما ارجعتش. دست على قدمي ومشيت. دست على أصعب لحظة ومشيت. فيه ناس ما تقدرش تدوس على اللحظة دي وتمشي تفضل واقفه عندها. ما سكة فيها وخايفة. مثبته فيها وخايفة. يفضلوا اسرى اللحظة دي. اللحظة هي اللي تمسكهم وتأسرهم وتدوس عليهم ويفضلوا واقفين… الدنيا من حواليهم تمشي والزمن يمشي وهم واقفين في مكانهم عند اللحظة دي. دايساهم. حبساهم زي الفيران في القفص. دي اللحظة اللي حررتنى. لا ابدا. ما كنش برضه هي دي. دي كانت اول لحظة بس. اول خطوة على الطريق. كانت نقطة البداية وبعد كده تيجى نقطة تانية. لحظة تانية وثالثة. ورابعة. وعشرة ومية. وأحدة ورا التانية. ورا التنية. بالتدريج… وأحدة ورا التانية خطوة ورا خطوة. نقطة فوق نقطة لغاية ما الدورق يتملى… طريق طويل. وكل لحظة فيه صعبة وطويلة زي الدهر. تخلى جدور الشعر تقف والشعر يشيب والعمر يتملى ويكبر وان ما فاتش فيه كتير عدد اللحظات دي هي اللي بتعمل العمر مش عدد السنين. لحظة ورا لحظة بالتدريج… لحظة ورا لحظة بالتدريج زي المية على النار تسخن شوية شوية وبعدين تيجى لحظة تغلى وماتبقاش ميه تبقى بخار. كذلك الإنسان لحظة تتراكم على لحظة على لحظة تراكم كمى بالتدريج وبعدين تيجى لحظة يتغير النوع. يفتح الوأحد عينه يحس انه بقى وأحد تإني. إنسان جديد. غير الاولإني. يفتح دراعاته ويحس انه يقدر يحضن الهوا والسما والدنيا والناس يحس انه يقدر يحضن كل الناس. يفتح دراعاته عن آخرها ويحس انه مالك الدنيا. مالك كل لحظة في عمره. مالك كل حته في نفسه. مالك نفسه ومالك جسمه. مالك عضلات وشه. يقدر يفتح بقه ويضحك ويقهقه بصوت عالى. يقدر يفتح بقه ويقول اللي هو عاوزه. صوت يخرج لوأحده طبيعي بدون مجهود ويقول: فيه زرقا… أيوه فيه زرقا.. شوف انا بقولها سهلة إزاي… سهلة على… طبيعية زي الهوا ما بيدخل جوه السدر ويطلع. إزاي كانت صعبة عليك ؟! إزاي ما قدرتش تقولها ؟ إزاي ؟! نادرة ما قدرتش اقولها يا نادرة. كانت صعبة على… اصعب حاجة قابلتها في حياتى… اصعب حاجة. د. فهيم لأنك ما عشتش لحظة أصعب منها لأنك ما مشتش في الطريق الطويل الصعب. مش كل وأحد يقدر يمشي فيه. فيه ناس بتاخذ الطريق السهل القصير. بتبقى مستعجلة تزء غيرها وتبقى عاوزة توصل. عاوزة تنجح. عاوزة عاوزة عاوزة… العوزان النهم. انا عاوز انا اريد… انا اريد. الارادة الجشعة السريعة المسألة مش ارادة بس. المسألة مش انا اريد. المسألة مش انا عاوز. فيه ناس بتعوز تاكل وغيرها يجوع. فيه ناس ارادتها حديد تقتل عشان تملى بطنها وغيرها يجوع. المسألة اكبر من الارادة أو اللاارادة. واصعب من الارادة أو اللاارادة. المسألة إزاي الإنسان يمشي في الطريق الصعب لحظة ورا لحظة ورا لحظة ويحرر نفسه. يحرر نفسه من جوه ذاته ويخليها تخرج بره جسمه وتحس غيره يحررها من "الأنا" ويحس غيره زي ما تحس جسمه. ويبقى في الوقت ده يعوز غيره ياكل زي ما هو بياكل.. يبقى ممكن يقتل عشان غيره ياكل زي ما هو بياكل من أربع سنين بس مريت باللحظة دي. كان عندي نوبتشيه حوادث في المصنع وخرجت راجعه بيتي قبل الفجر بشوية صغيرين. كانت الدنيا شتا ومطر ومالقتش حاجة اركبها فمشيت، وانا بعدي كوبرى عباس شفت حاجة صغيرة ملفوفة ومحطوطة على الرصيف. وقفت وبصيت شفت ايد صغيرة وصوابعها صغيرة. مديت ايدي بصيت لقيت الصوابع الصغيرة بتلف حوالين صباعى وتمسكه قوى قوى. حطيته في سدرى وبصيت في وشه. وشه كان اسمر ومحمر. وعينه كانت مدورة والننى كبير وبيلمع بيلمع زي فص الألماز حسيت انه ابني انا اللي ولدته اتولد من صلبى انا. ولدته فين أو متى معرفشى. لكن انا اللي ولدته. عمرك ما جالك الاحساس ده ؟ عمرك ما وقفت العربية بتاعتك على كوبرى عباس وبصيت ؟ لو كنت وقفت مرة لو كنت بصيت مرة يمكن كنت عرفت. يمكن كنت عرفت ان كل الأطفال بيتولدوا شكل بعض. كل الناس بيتولدوا زي بعض. لكن بعد كده بيختلفوا… ينقسموا نوعين… نوع بيدور على الطريق الصعب ويمشي فيه ويعرف الألم ونوع يدور على الطريق السهل ويهرب من الألم وما يعرفوش. الألم ده هو الإنسان نفس الإنسان. القوة. الروح. الإله اللي جوه الإنسان. هو الفرق بين إنسان وإنسان. فرق رفيع وشفاف. احيانا ما ينشافش ويفوت علينا يفوت. زي الشعرة في العجين بتفوت.
د. فهيم مطرق رأسه في تفكير عميق وحزن عميق. نادرة انا فعلا يا نادرة… عمري ما عرفت الالم. كنت باجى لغاية عنده واهرب. حياتى كلها كانت سهلة. ابويا علمني وصرف عليا في كلية الطب. كنت ارجع الاقى عشأي جاهز وسريرى جاهز وأودتى نضيفة. كان عندي كل حاجة. عمري ما عرفت يعني ايه وأحد يجوع. وبقيت دكتور وأستاذ طب. ما عرفش كل حاجة كانت سهلة إزاي. عشان كده كان متهيأ لى ان كل حاجة سهلة والدنيا ما فيهاش ألم. حتى لما كنت بسأل العيان واقوله فين الألم. يا ابويا ويشاور على صدره أو بطنه احط ايدي على جسمه وما احسش بالألم. وانا صغير لما كانوا يغرزوا في دراعى حقنة التطعيم كنت اصرخ من الالم. وفضلت طول عمري اكره اخد الحقن. اصعب الم شفته في جسمي هو ابرة التطعيم. لكن لما كنت اغرز الحقنه في دراع العيان ويشد ايده استغرب ليه بيشدها واقوله ما تشدش ايدك وخليك شجاع وخليك راجل. مع إني كنت عارف بعقلى كطبيب إزاي الجسم يتألم. لكن ما كنتش عارف باحساسى يعني ايه ألم. العقل سهل يعرف ويتملى معلومات عن اكبر المعضلات اللي في الدنيا والعلوم. سهل ان العقل يتعلم لكن الاحساس اصعب حاجة ان الاحساس يتعلم. ذنبي اية يا نادرة ؟ ذنبي ايه ظروفي كانت سهلة وكويسة. ذنبي إيه ؟. د. فهيم (بصوت متاثر) كنت لازم تقلق وتدور. كنت لازم تقلق وتحس بنقص. اللي عمره ما اتألم ويكون إنسان لازم يحس انه صغير ووحيد. وقلقان. لازم يحس ان حياته ناقصة وحاجة في حياته ناقصاه. حاجة في حياته ضايعة ومش لاقيها. حاجة مهمة خالص مش لاقيها. ما يحسش طعم الأكل ولا الشرب ولا النوم ولا الجنس وكل حاجة تبقى من غير طعم زي الميه الفاترة. فيه ناس تعيش وتسكت وترضى بالعيشة الناقصة وتقول ادحنا عايشين. وفيه ناس تقلق وتدور على الحاجة الضايعة… وتفضل تلف وتدور وتدور. زي الأسد المحبوس جوه القفص. يفضل يدور ويدور … ويدور يفضل حاسس انه وحيد. وان حواليه سور بيعزله عن غيره سور تخين وهو جواه وحيد محبوس مخنوق. يفضل يدور ويموت وهو بيدور عن انه يقعد جوه القفص. فيه ناس تموت وهي تدور عن انها تفضل وحيدة محبوسة لوحدها جوه "الأنا" لكن إذا ما ماتتش إذا قدرت تكسر الباب وتخرج برة "الأنا" حتلاقى أغلى حاجة في الدنيا حتلاقى نفسها…………… نادرة دلوقت بس فهمتك. دلوقت بس عرفت ليه انا كنت بحبك ليه دونا عن كل طالبات الكلية دونا عن كل البنات والستات كنت بحبك. لما كنت ابص في عينيكى كنت باخاف. ما كنتش بعرف انا باخاف ليه. ولما تمشي من قدأمي اضحك لنفسي واقول عبيط. ما هي وأحدة زي كل الباقيين. لكن لما اشوفك من بعيد ابقى عاوزك تقربى مني عشان اشوف عينيكى وابص فيها واعرف انا باخاف من إيه. كنت عاوز اعرف انا باخاف من ايه. كنت أستاذك وانت تلميذة. تلميذة مبهدلة شعرها منكوش وفستانها قديم وجزمتها كعبها متاكل ومعوج. ولما تمشي من قدأمي اضحك لنفسي واقول عبيط. لكن لما المحك من بعيد ابقى نفسي تقربى عشان اشوف عينيكى وابص فيها واعرف ليه انا بخاف. دلوقت بس عرفت إني كنت بخاف من نفسك. نفسك دي اللي لقيتيها بعد ما مشيت مشوار طويل وقطعت الطريق. نفسك دي اللي لقيتيها وماسكاها بإيديكى واسنانك ومتبتة فيها ومش ممكن تخسريها. نفسك دي اللي كنت باشوفها جوه عينيكى من جوه ومقدرش امسكها. امسك ايدك وما قدرش امسكها. امسك جسمك كله بين ايديا ومقدرش امسكها. فاكرة الليلة الوحيدة اللي مضناها سوا. ما تتصوريش يا نادرة انا الليلة دي حسيت بأيه. حسيت انك بتدينى كل حاجة … كل حاجة في جسمك إلا نفسك. حسيت ليلتها انك غالية قوى… نفسك غالية قوى… مش ممكن اقدر آخذها. ما حدش يقدر يأخذها. بأي ثمن. اغلى من أي ثمن. اغلى من انها تنشرى أو تنباع… بالعملة المتداولة في عالمنا. العملة اللي بتحسب وأحد + وأحد = اثنين. وخفت يا نادرة. لقيت الطريق لك صعب وغالى. واستسهلت واسترخصت. اشتريت تفيدة بكل فلوسى وخفت اتجوزك. عاوز مراتى تكون انيقة ومن عيلة وراقية وابوها مركزه كبير مش عامل في المصنع. سامحينى انا عرفت دلوقت بس. انا فهمت دلوقت بس. انا اتعلمت دلوقت بس. صحيح اتأخرت في التعليم. بعد ما كبرت وشبت وبقيت أستاذ كبير. اتعلمت دلوقت بس وتلميذتي هي اللي علمتني. د. فهيم (يقترب من نادرة في حب) (يركع عندها) سامحينى يا نادرة لأن انا اللي خسرت مش انت. انا خسرت نفسي… وعشرين سنة من عمري. (يبكي)
ظـــلام
* * * * *
المشهد السابع: -
(نفس المنظر السابق)
د. فهيم جالس. يقف أمامه د. توفيق.
بتقول ايه يا توفيق ؟ د. فهيم التمورجي شهدي يافندم مستمر في اضرابه عن الأكل مش عارف طلعه في دماغه حكاية الزرقا دي. مش راضى يبطل ليل نهار يقول فيه زرقا. لا نافع فيه تخويف ولا نافع فيه ضرب باين عليه مسكين فقد عقله. د. توفيق لا ياتوفيق. شهدي ما فقدش عقله. احنا اللي فقدنا احساسنا. شهدي كنا بنشوفه تمورجى صغير وهو في الحقيقة كان الإنسان. النفس. الروح. القوة. الإله. اللي جوه الإنسان. وانا. انا الأستاذ الدكتور فهيم كانوا بيشوفونى إله مع إني في الحقيقة كنت صغير. كنت اسير. كنت عبد من العبيد. شهدي هو الحقيقة. شهدي بيقول الحقيقة. أيوه فيه زرقا. فيه زرقا يا توفيق. د. فهيم
(بصوت هادي جدا) توفيق ينظر اليه مذهولا. د. فهيم اللي بيقول فيه زرقا. انا مش مصدق ودإني! توفيق (بصوت ذاهل) لا صدق ودانك يا توفيق. أخيرا الأستاذ الدكتور فهيم فهم واتعلم. التعليم اللي احنا بنتعلمه في المدارس والكليات والوظائف ده مش تعليم. دي كلها مجرد معلومات بنحشى بيها مخنا زي الكوسة لما تنحشى بالرز. أو الكيس الدمور لما ينحشى بالقطن. مجرد حشو. ويفضل احساسنا زي ما هو. احساس جاهل غير متعلم. احساس ما عندوش احساس. ما بيحسش. ما بيحسش حاجة الا جسمه. جسمه هو وبس. ما يحسش الا الابرة اللي تنغرز في جسمه إنما الابرة اللي تدخل في جسم غيره. السكاكين اللي تتقطع بيها اجسام الناس التانية هو ما يحسش بيها. طالما هي بعيده عن جسمه. د. فهيم د. توفيق يمسك رأسه ويبكي بصوت مكتوم. الكلام ده يا توفيق لازم يخليك تبتسم وتضحك مش تبكى. د. فهيم انا بابكى لإني انا اللي عايش وباسمع الكلام ده. كان نفسي شرف الدين هو اللي كان عايش وهو اللي يسمعه. هو اللي بيسمعه من أستاذه الدكتور فهيم. أستاذه اللي صدقه وآمن بيه. آمن بيه لغاية آخر نفس. لغاية آخر لحظة من عمره. توفيق شرف الدين فهمني قبل ما افهم انا نفسي. شرف الدين حس بى قبل ما احس انا بنفسي. شرف الدين سبقنى. فيه ناس بتسبق يا توفيق. دايما فيه ناس بتسبق واحنا بنتعلم من اللي سبقونا. واللي جايبين ورانا يتعلموا منا هي دي الحياة يا توفيق. وأحد ورا التإني. وأحد ورا التإني والإنسان هو اللي يسبق. د. فهيم
ظـــلام
* * * * *
المشهد الاخير:
المسرح مضاء جيد وخالى.
تدخل من ناحية اليمين نادرة ومن خلفها يسير شهدي ثم شرف الدين ثم فهيم ثم توفيق ثم تفيدة ثم السجان ثم الوالي. يجتازون خشبه المسرح بهذا الترتيب. نادرة في المقدمة والوالي في المؤخرة. حين تصل تفيدة الى منتصف المسرح يتقدم السجان خطوة ويمسك ذراعها ويسيران معا حين يصل الوالي الى منتصف خشبة المسرح يقف ويستدير مواجها الجمهور.
بقى انا اللي دايما كنت امشى قدامهم اجى على آخر الزمن امشى وراهم؟ اما مؤلف جاهل صحيح. مؤلف غبى غير عملى. مايفهمش الاصول. ما يعرفش البروتكول. المؤلف ده لازم يترفد. هاتوا لى المؤلف. هاتوه وارفدوه. : الوالي
النهــاية