الكتاب: المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب
تأليف: أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي المتوفى بفاس سنة 914هـ
خرجه جماعة من الفقهاء
عدد الأجزاء: 12
بإشراف الدكتور محمد حجي
ملاحظة: [هذا الكتاب من كتب المستودع بموقع المكتبة الشاملة]
إذا كان للأم النظر على ابنتها ولها أخ بالغ وابن عن فإن الأم تقدم ابنها البالغ لتزويج البنت]
*و سئل : عن بنت النظر لأمها بإيصاء الأب ، وهي تريد تزويجها ولها أخ بالغ لنظر أمه المذكورة ، من أولى بعقد نكاحها ، أخوها المذكور أو ابن عمها ، أو القاضي أو من يظهر للوصي تقديمه لذلك من حاضن البنت أو غيره ، بيّنوا لنا وجه الصواب في ذلك .
[190/3]=فأجاب : تقدم الأم الوصي أخا البنت محجورها لعقد النكاح أخته ، ويجوز فعله في ذلك ، هو أولى من ابن العم على هذا الوجه .
[من تزوج امرأة و وقع الاتفاق بينهما ، ثم تنازعا وليس بينهما شاهد إلا الخاطبة]
*و سئل : عمن تزوج امرأة و وقع الاتفاق بينهما ثم تنازعا فيما اتفقا عليه ، وليس بينهما شاهد غير الخاطبة التي وقع الاتفاق بقولها ، فهل يعد ذلك عقداً أم لا ؟
= فأجاب : وقف وصل الله سعادتكم ، وحفظ مجادتكم ، على مكتوبكم في التعويل على قول الخاطبة المذكورة ، والذي ظهر من ذلك قول الزوج لوجهين ، أحدهما التعويل على قول الخاطبة و هو غير موجب لحكم ، و الثاني شهادة العرف ؛ لأن عادة الناس عند الخطبة التواعد على الإيجاب ، والانعقاد بتوقيت زمان يحضره الشهود وينبرم فيه الأمر ، فمن ادعى انبرام العقد قبل ذلك ، فهو مدّح لخلاف العرف ، ودعواه غير مشبهة ، فهذا ما عندي في النازلة قاله وكتب فرج .
[إذا زوَّج وصي الأب محجورته وأصدقها الزوج حقوقاً وغاب الوصي]
(1/231)
________________________________________
*و سئل : عن وصي من قبل الأب زوَّج محجورته وأصدقها الزوج حقوقاً خطيرة ، وغاب الوصي ونقل الإيصاء بما جعل له من ذلك ، وبقي الصداق أمداً كثيراً دون وضع الشهود شهادتهم ، فلما طلب الآن الزوج بضم الزوجة أو حلها أو الانفاق عليها ، قال : لم أجعل تلك الحقوق و لا تزوجت ، وشهد بالحقوق شاهد عدل و لم تقع شهادته في الصداق و لا شهادة سواه ، فهل تترتب يمين على الذي نقل الايصاء إليه ويصح للزوجة شطر صداقها إذ لم يكمل النكاح ، وهل لأولياء الزوجة حجة في شياع النكاح من غير تعيين للحقوق ، بيِّنوا ذلك لمقبل أيديكم أبقاكم الله خير بقاء ، والسلام عليكم من كاتبها نشأة فوائدكم ابن فركون .
(1/232)
________________________________________
=فأجاب : وقفت وصل الله حفظ مجادتكم على مكتوبكم ، والحكم في[191/3]المسألة أن لا يمين مع الشاهد فيها في حياة الزوج ، بخلاف ما إذا كان ميتاً ، إذ لا يبقى من أحكام الزوجية سوى المال ، فتحلف المرأة حينئذ مع شاهدها وترث على مذهب ابن القاسم . أما في حال الحياة فتتعلق شهادة الشاهد بأحكام النكاح لتأتيها ، و لا تصح اليمين مع الشاهد على بعضها دون بعض فبطلت الشهادة ، و لا يثبت النكاح في المسألة بشهادة السماع ، لعدم البناء على الزوجة وفقد الطول في المدة ، وإنما يثبت النكاح بشهادة السماع إذا كانت المرأة في ملك الزوج وتحت حجابه ، وطال كونه معها واشتهر ، فإن لم تكن معه كما في هذه النازلة لعدم الدخول ، فقولان في ثبوته بشهادة السماع ، أحدهما أن لا يثبت بذلك بإطلاق ، و هو ظاهر قول ابن القاسم وأشهب ، و الثاني أنه يثبت بذلك إذا كان فاشيًا وطال الزمان طولاً يبيد فيه الشهود ، أقل ما قيل فيه الخمس عشرة سنة ، فإن كانت المدة دون ذلك ، فلا اختلاف أن النكاح لا يثبت إلا بشهادة على الأصل لا على السماع ، وليس الطول المعتبر موجودًا في هذه المسألة ، فإن كان النكاح مشهوراً عند الناس بحيث يدخل في باب العلم والقطع بصحته ، فشهادة الشهود بذلك شهود قطع لا شهادة سماع ، فتجوز ويثبت بها النكاح فيما طال من المدة وقصر ، و لو ثبت النكاح هنا بهذا النوع من الشهادة ، أو شهادة العدل على مقداره إن كانت بالغة ، و لا مبالاة بحجرها في توجه اليمين على الصحيح ؛ لأن التكليف هو مناط اليمين ، لكن إن نكلت عنها لم يسقط حقها لأجل حجرها ، فيحلف الزوج على نفي المقدار الذي شهد به الشاهد ، ويجبر على التزام شيء يعترف به لو يكون صداق المثل ، ثم إذا رشدت كان لها الحلف مع شاهدها ، وتستكمل ما كان قد نقصها من صداقها المسمى لها ، و لا يمين على وصي في مثل النازلة بوجه ، فهذا حكم المسألة والسلام على مجادتكم السامية ، ورحمة الله وبركاته من معظمها
(1/233)
________________________________________
فرج .
[من اعترف أنه وجد زوجه بكرًا ، وقامت بينة على أنه ألفاها ثيباُ]
*و سئل : عن رجل تزوج بنتاً بكراً فلما دخل بها اعترف أنه وجدها بكراً[192/3]عذراء وقامت عليه شهادة بذلك ، ثم قامت عليه شهادة ثانية بعد ذلك بأسبوع أنه ألفاها ثيباً ، وثبت ذلك في اعترافه في الموطنين لدى قاضي موضعه ، وأن شهود كتاب صداقه المنعقد بالزوجية بينه وبين البنت المدخول بها لما دعوا لأداء شهادتهم ، دخلهم الشك في جميع ما تضمنه الصداق من تعيين النقد وأجل الكالئ والنحلة ، وسوى ذلك من الحقوق والشروط ، فما يكون الحكم في النازلة بمقتضى الشرع أبقاكم الله .
=فأجاب : إذا قال الزوج أنه ألفى زوجه ثيباً أو غير عذراء ، فلا يجب عليه في ذلك عتاب و لا نكال حتى يقول : وجدتها موطوءة أو قد وطئت أو وطأها فلان ، فحينئذ يتعلق به حكم الرمي بالفاحشة ؛ لأن العذرة تسقط بأمور كثيرة من أصبع أو عود سقطة ، والصحيح عند فقهاء المذهب أن قول الزوج غير مقبول عليها وعليه الصداق ، و لا ينظر النساء إليها في مثل هذا النازلة المكتتبة ، إذ قد اعترف أولاً بما يقتضي كذبه ثانياً ، ورجوع الشهود فيها عن الشهادة حسبما تقيد في غير هذا ، مؤثر في صحة النكاح لشهرته بالعقد والبناء ، و لم يقع فيه إنكار ، و في علمهم بالدخول وسكوتهم عما قالوا به بعد ذلك بعض الشيء في الشهادة بعد ذلك ؛ لأنه يشبه أن يكون جرحة ، وإذا قدر الصداق وأجل الكالئ ، فيجب فيه التداعي والتحالف فيما بين الزوج والأب ، وإلا فيرجع إلى صداق المثل ، وإلى الغالب من الأجل في الكوالئ في ذلك الموضع ، و هذا كله منصوص عليه في كتب الفقهاء .
[امرأة شهد لها زوجها في كتاب صداقها بأنه زادها في الصداق ثم توفى]
(1/234)
________________________________________
*و سئل : عن امرأة شهد لها زوجها في كتاب صداقها معه بعد تاريخه المؤرخ به ، بأنه زادها في الصداق الواجب لها فيه الربع الواحد في دار سكناها مشاعاً معها الربع ومعه بالنصف ، والنصف من قسيمة فدان له في موضعه ، ثم أن الزوج المشهد توفى بعد ذلك بنحو عام ، وكانت وفاته في الدار ساكناً مع زوجته المذكورة معه ، وكانت قسيمة الفدان المذكور خارجة عن جهة[193/3]الزوج ، بأن عمرها عم الزوجة المذكورة وازدرعها كتاناً بينهما بسبب اشتراكهما في الأرض على الاشاعة .
=أجاب وقفت على السؤال ، والحكم في ذلك على المشهور أن لا يصح للمرأة في موت زوجها إلا ما قبضته منه واحتازته في حياته من يده و في صحته ، ويبطل بالموت ما لم تقبضه ، فعلى هذا إن ثبت للزوجة ما ذكرته من خروج قسيمة الفدان عن جهة لتخلي من الزوج عنها ، وإذا لم يثبت لها ذلك فهي كهبة لم تتم فتبطل ، فأما الدار تصح للزوجة الزيادة التي زادها منها لعدم الحيازة فيها ، لاستمرار سكناه فيها إلى وفاته ، و لا يعتبر سكني الزوجة معه ؛ لأن اليد في السكنى إنما هي للزوج ، فإن هي المرأة حكم من قبض بتصحيح الزيادة بدون افتقار إلى حيازة ، بناء على قول من قال بذلك من أهل المذهب ، فيجب العمل بمقتضى ذلك الحكم ، والسلام عليكم من كاتبه فرج .
[من دخل بزوجته قبل قبضها ما نقد من الصداق]
*و سئل : عن الزوج يدخل بزوجته قبل قبضها ما نقدها من الصداق .
=فأجاب : وقفت على ما سألتم في مكتوبكم عن نقد المهر إذا حصل الدخول و لم يستوف بالقبض ، و هو واجب للزوجة على زوجها بكل حال ، تطلبه به متى شاءت ، و لا يسقطه الدخول و لا طول العهد كتب في كتاب الصداق ، و لا براءة له منه إلا بالبيان ، أو لم يُكتب وإنما الذي فيه المقال إذا طلبته الزوجة وادعى الزوج أنه كان قد دفعه قبل البناء ، أما إذا وافق على أنه لم يدفع فلا مقال له .
[بنت زوجها الأبعد مع وجود الأقعد]
(1/235)
________________________________________
*و سئل : عن بنت زوجها ولي لها وثم ولي أقعد منه ، هل ينفع ذلك أم لا ؟
=فأجاب : تزويج الأبعد مع وجود الأقعد من الأولياء ، نافذ لازم بعد[194/3]الوقوع إذا كانت الزوجة مستأمرة على القول المعتمد في المذهب ، و لا تزوج البنت التي لا أب لها و لا وصي عليها إلا ممن ترضى بإذنها ورضاها .
[من تزوج امرأة ثم طاع لها في رسم الصداق بأن لا يتزوج عليها]
*و سئل : عن رجل تزوج امرأة وأقام معها مدة ثم طاع لها في رسم بين اسطر الصداق أن لا يتزوج عليها ، ومتى فعل ذلك ، فالداخلة عليها بنكاح أو مراجعة طالق بحكم طلاق التمليك ، ثم بعد ذلك أرادعقد زوجية مع أخرى فأوقع على المتطوع لها طلاقاً مملكاً ، وتزوج التي أراد وأقام معها نحو شهرين اثنين ، ثم راجع المتطوع لها وأراد الجمع بينهما بمجرد العقد ، ومنعته من الأخرى التي أراد تزوجها ، فانتزع منها ، وبقيت النازلة للنظر ، وأشكل على معظم قدركم كون الطوع في عين الزوجية و لم تنعقد عليه . و قوله في الطوع فالداخلة فيها بنكاح أو مراجعة طالق ، الطلاق المشار إليه قبل ، والمتطوع لها داخلة على الأخرى عكس الذي تطوع به لها ، مع أن المفهوم من الطوع أن لا تكون له معها زوجة أخرى ، و قد كانت مراجعة الأولى على الثانية واجتمعت معها في ملكه ، والشروط على ما وقع في الوثائق غير ساقطة مع بقاء الملك حتى يقع الطلاق ثلاثاً ، وليس للمتطوع لها إسقاطها و لا تستقط بطلاق و لا مباراة ، فالمسألة موقوفة حتى يقع فيها نظركم الذي عليه يعتمد إن شاء الله تعالى ، و قد ثبت جميع ما ذكر من طوع أو مراجعة على الواجب في ذلك فاعلموه .
(1/236)
________________________________________
=فأجاب : وقفت على مكتوبكم في المسألة وفيها ثلاثة أقوال في المذهب ، أحدها و هو المشهور من رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة أن الطلاق يلزمه في الجديدة ساعة مراجعته للقديمة ، و لا يقبل منه في ذلك نية ؛ لأن القصد أن لا يجمع بينها وبين ضرة ، وهي يمين قد لزمته ليس إلى أحد إسقاطها ، وهي مسترسلة على ذلك الملك كله ما بقي منه شيء حتى ينقضي منه بالثلاث ، فإذا انقضى وراجعها بعد زوج ، سقط حكم اليمين جملة ، و الثاني قول اشهب أن لا يلزمه شيء بعد المراجعة ، التفاتاً إلى قوله أن لا[195/3]يتزوج عليها ، و هو إذا أبانها بالطلقة المملكة أو بفراغ العدة في الزوجة ، ثم تزوج حينئذ فلم يتزوج عليها ، ولهذا اتفقوا على أنه لا يلزمه بنفس التزوج شيء ، إذ ليست حينئذ بداخلة عليها .
(1/237)
________________________________________
والثالث قول مالك في كتاب ابن حيب أن الطلاق يلزمه فيها بمراجعة القديمة ، إلا أن يدعي أنه لم يرد أن لا يجمع بينهما ، وإنما أراد أن لا يروعها بإدخال ضرة عليها وقت حلها مع بقاء زوجيتهما ، فتكون له نيته ، و هذا القول مقصور على الطوع بعد العقد كما في هذه النازلة ، فإن كان شرط فيه لزمه الطلاق عند المرجعة ، والقولان الأولان جاريان في الشرط والطوع معًا ، وهما على مراعاة الغالب من القصد واعتبار اللفظ ، وهي كمسألة من حلف أن لا أدخل على فلان بيتاً فدخل المحلوف عليه على الحالف ، فقد قالوا يلزمه الخروج من ساعتئذ ، وإلا حنث ، و هذا على قياس المشهور ، و قد اشرتم في مكتوبكم إلى وجه الفقه في المسألة ، والأصل الذي انبنى عليه المشهور من القصد إلى معنى واعتبار بقاء المالك ، فكان ذلك من سداد النظر ، وتلتفت المسألة إلى أصل آخر ينتظمهما و هو تعليق الطلاق على عقد النكاح قبل وجوده ، وفيه من الخلاف ما قد علم ثلاثة أقوال في المذهب : اللزوم و هو المشهور ، ونفيه لابن عبد الحكيم والمخزومي وغيرهما و هو مذهب الشافعي ، والنهي عنه ابتداء ، فإن وقع مضَى و لم يفسخ قاله ابن القاسم في العتبية ، وأفنتى به صاحب الشرطة ، قلا فيها و قد كان ابن المسيب يقول دعها وأثمها في عنقي ، فهذا منتهى القول في المسألة ، والسلام الأكمل على سيادتكم من معظمها ومكبرها موالي شكركم فرج ، ورحمة الله وبركاته .
[من له بنت في حضانة أمها يغرم عليها الفرض ، فزوجها من عشرة أعوام فراراً من الفرض]
*و سئل : عمن له ابنة في حضانة أمها يغرم عليها الفرض ، فزوجها من عشرة أعوام فراراً من الفرض .
(1/238)
________________________________________
=فأجاب : لا تسقط حضانة الأم و لا الفرض الواجب للبنت ، إلا بدخول الزوج بها مع كونها تطيق الوطء ، و لا تسقط بعقد النكاح على البنت ،[196/3]و لا يمكن الزوج منها وهي غير مطيقة للوطء ؛ لأن ذلك إضرار بها وحيلة على إسقاط حق الأم في حضانتها ، و لا تنتزع الابنة من أمها إلا بالتزويج مع كونها تطيق الوطء ، قاله فرج وفقه الله .
[من تزوج بكراً وطلب من أمها البناء بها فأبت ، فحملها إلى داره وخلا بها ثم ادعى أنها ثيب]
*و سئل : عن إنساء تزوج بكراًَ وطلب أمها بالبناء بها ، فأبت إلى أن رمى يده في البنت وحملها لداره وخلا بها أياماً ادعى أنه ألفاها ثيبا ، وأنكرته هي في ذلك ، وذكرت أنه لم يمسها هو و لا غيره ، وقدم القاضي امرأتين من القوابل للنظر إليها وشهدتا أنها غير عذراء ، فأمر القاضي أم الزوجة برد ما قبضته لابنتها من مضمن الصداق ، وكتب رسماً بإشهاد الزوج على نفسه باستيفائه من أم الزوجة حميع ما كان دفعه لها إلا خمسة عشر درهماً ، وذكر فيه أن الزوجية انفصلت منه بسبب العيب على السنة في ذلك ، هذا نصه . فلما وصلت إلى ههنا ، أتتنا أم الزوجة متظلمة واستظهرت برسم يتضمن نظر امرأة من أهل أندرش من القوابل العارفات مخاطب من القاضي ، و أنها ألفتها عذراء ، وقالت إن كانت مطلقة فثم من يتزوجها ، و إن كانت غير مطلقة ، فاحكم على زوجها بما تقتضيه الأحكام الشرعية ، فاستحضرت الزوج فسألته بمحضر شاهد عدل ، فذكر أنه احتمل الزوجة المذكورة لداره وخلا بها أياماً ، وأنه اعترض عنها إلى أن زال ذلك عنه و وطئها فوجدها ثيباً والبنت منكرة للوطء .
(1/239)
________________________________________
=فأجاب : وقفت على مكتوبكم وعلى الرسوكم المكتتبة فيها ، والحكم الذي وقع في شأنها من القاضي الذي كان ينظر في شأنها خطأ صراح يجب ردّه ، واستئناف الحكم في ذلك بالواجب ، وذلك بأن يؤدي الزوج جميع ما وجب عليه من الصداق بدخوله بالبنت ، لاعترافه بمسيسها وعوده إلى ذلك بعد علمه بثيوبتها التي زعم أنه وجدها بها ، و لا يعذر بما ادعاه من أمر الأم به بالعود لتعلق حق البنت ، و لا حجة له بشهادة من يشهد بالثيوبة من غير وصف بقدمها و لا بحدوثها ، و لا مخلص له من الغرم باعتراف البنت بأنها عذارء كما[197/3]كانت ؛ لأنه قد اعترف بما يوجب عليه الغرم ، فلا يرفع ذلك عنه موجب سقوط من قبل بنت محجورة ، و هذا كله منصوص عليه من كلام الفقهاء ، قال صاحب الوثائق المجموعة وغيره : إن تمادي الزوج على وطئها بعد معرفته بذلك ، فلا قيام له ، وقيل إذا أقر الزوج بوطئها وهي سفيهة أو صغيرة وأنكرت هي الوطء ، فإن الصداق كله لها ، بخلاف أن يتقاررا أنه لم يطأها فإن هذا قد ينفعه ، ويبقى في القضية النظر في تلك العصمة هل انفصلت بطلاق أم لا ؟ والذي ظهر ببادي الرأي ومخايل الحال ، أن كاتب وثيقة التفاصل ظن بجهله ورعونته ، أن ذلك العيب يوجد رد الزوجة على أهلها بغير طلاق ؛ لأنه كتب بعد ذكر التفاصل وانفصلت الزوجية بسبب العيب المذكور على السنة في ذلك ، وليته لم يذكر السنة ، وكيف تكون الجهالة والضلالة سنة في الدين ، هذا بهتان عظيم! و لا مقال للزوج مع الأم بسبب التزامها ومفاصلتها ؛ لأنها مضطرة بما ظهر من القاضي من أحكام الجور وتركيب الجهل ، فظنت بجهلها أن ذلك حق وعدل ، فصارت معذورة بحكم القاضي ، والواجب في شأن انفصال تلك العصمة أن يستفسر شهود التفاصل في ذلك ، وأحلف الزوج أنه ما أراد طلاقاً ، ويبقى على زوجيته ، وإلا طلَّق الآن إن شاء ، و إن لم يؤد الشهود على أحد الوجهين ، و لم يكن عندهم إلا مضمن الوثيقة دون زيادة ، كان الظاهر منها إذا
(1/240)
________________________________________
تركناه وإياها أن الطلاق وقع بينهما ، إذ لا معنى لقوله وانفصلت الزوجية بسبب العيب إلا ذلك ، ويؤكد ذلك حالتيهما إن كان قد باينها من نفسه من ذلك التايخ ، و لم يساكنها و لا ولج عليها ، فهذا ما عندي في النازلة ، و لا اعتبار بشهادة القوابل إذا نظرن إلى البنت بعد أيام من دخول الزوج ، و إن شهدن بأن القطع قديم ، فلا حجة للزوج في ذلك ؛ لأنه قد يكون الافتضاض في أول دخوله ويبرأ الجرح في الأيام اليسيرة ؛ لأن العادة أنه يبرأ بالقرب ، وإنما يعتبر ذلك ما فيه من الخلاف ، إذا نظرن إليها صبيحة ليلة دخوله و ما قرب منها جدًا ، بحيث لا يمر من الزمان ما يمكن فيه برؤه عادة ، والصحيح مع ذلك الفقهاء المتأخرين أن لا ينظر إلى البنت[198/3]في دعوى الزوج الثيوبة ، لما فيه من الصعوبة والوصول إلى حقيقة الأمر في ذلك المحل ، مع حصول الكشف الذي أصله الحظر ، لا سيما في هذه الأزمنة التي فقدت أمانة القوابل فيها في الغالب في شيء يحتاج فيه إلى التثبت الكثير ، والدين المتين ، فالصواب عندي أن لا قول للزوج ، ويلزمه جميع الصداق لاعترافه بموجبه و هو الوطء ، وبذلك أفتى الشيوخ في النوازل كنوازل ابن الحاج وغيره(1) .
[إمام يصلي في حصن من الحصون ، زوج امرأة دنيئة من رجل]
__________
(1) تقدمت هذه المسألة بسؤالها وجوابها قبل هنا ، ولعل المؤلف أغفلها فأعادها مرة أخرى هنا .
(1/241)
________________________________________
*و سئل عن إمام يصلي بحصن من الحصون ، نزلت به نازلة تكلم قيه لأجل وقدح في إمامته ، فإن امرأة من ذوات التهم والريب فيما ذكر ، قدمت على الموضع مع من أراد تزوجها وطلب منه الكتب لهما بذلك ، إذ عادة الموضع أن الفقيه الذي يكون به يكتب ما يعرض له من عقود الأنكحة وغيرها لضرورة بعد القاضي عنه ، فأشار عليه بذلك بعض من حضر رغبة في سترها وصونها عما يتوقع من الفساد في حصتها ومخافة من تعذر مراسها عند انفصالهما بأن يبدو لمتزوجها بعقد الفقية النكاح بينهما بولايته ، إذ لم يكن لها ولي يعقد نكاحها ، وكان النائب عن القاضي في إنكاحها لعادة جرت في أمثالها ، وذهب الزوج معها واستقرا في حصن آخر ، إلى أن تكلم الآن في المسألة من جهتين جهة الولاية في عقد النكاح ، وجهة الاستبراء بسبب التهم ، فلكم الأجر في بيان الحكم الشرعي في المسألة و الله يبقيكم ويجزل لكم الخير بالمثوبة من فضله . والسلام يعتمد جلالكم .
(1/242)
________________________________________
=فأجاب : وقفت على السؤال المكتتب فوق هذه ، و قد ظهر من مقتضى السؤال أن النرأة المذكورة متصفة بالدناءة في قدرها وحالها ، ومشهور المذهب أن المتصفة بهذا الوصف ، يزوجها رجل من المسلمين ويعقد عليها ويصح نكاحها ، فإن لم يثبت للفقية المذكور إذن من القاضي و لا نيابة ، فتزويجه[199/3]صحيح نافذ ، لما لمها من وصف الدناءة ، و قد روي نحو هذا في غير الدنيئة عند لحوق المشقة ولاية الحكم ، فقد روى ابن وهب عن مالك في المرأة الأولى لها تكون في البادية يجوز لها أن يتولى أمرها أجنبي ، قال وليس كل امرأة تقدر على رفع أمرها للسلطان . و أما الاستبراء قبل التنزويج بمجرد التهمة وسوء المقالة ، فليس ذلك بمطلوب في الشريعة ، إلا في باب البيع على خلاف فيه . و أما الحرة فلا استبراء فيها ، إلا أن تثبت الخلوة الموجبة للعقوبة ، فتطلب بالاستبراء احتياطاً للنكاح المنعقد بعدها ، وليس يقطع بوجود الفاحشة ، بدليل أنهما لا يحدان اتفاقاً لا باعتراف أو رؤية أربعة شهود على ما أحكمته السنة في ذلك ، و قد ظهر من هذا كله أن الفقية المذكور لم يخالف في مشروع ، و لم يقترن بارتكاب وجه ممنوع ، فلا يلحقه في قضيته ما يعارض امامته ، و لا يخالف عدالته(1) ، والسلام على من يقف عليه من كاتبه فرج لطف الله .
[من عقد على امرأة وهي في عدتها]
*و سئل : عن مسألة لم تنقل صورتها ويفهم معناها من الجواب .
__________
(1) تقدم نظير هذه المسألة وجواب أبي لب عنها ، و قد سقطت من بعض النسخ .
(1/243)
________________________________________
=فأجاب : قد فات القاضي النظر في القضية أن يسأل الزوجين العاقدين في العدة : هل تأخر عن العقد قدر ما فرغت فيه العدة أو لا ؟ فإن كان قد دخل بها وحصل منه استمتاع ، والعدة لم تفرغ فالتحريم المتأبد حاصل من غير افتقار إلى حكم حاكم به ، لنص عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ذلك ، و هو المشهور والمعمول بع مذهب مالك ، و إن لم يكن منه دخل و لا استمتاع إلا بعد فراغ العدة ، و لم يقع في العدة إلا العقد خاصة ، فهو موضع احتمال في كلام عمر ، واختلف قول مالك فيه على روايتين مشهورتين ، إحداهما : تأبيد التحريم ، رواها ابن القاسم عن مالك ، لكن قال[200/3]عنه ما هو بالحرام البين ، وروى المغيرة وغيره أنه لا يحرم عليه نكاحها إن شاء ، ففي هذا يفتقر في التحريم إلى حكم به لقوة الخلاف فيه ، و لا اعتبار باتفاق الزوجين في القضية عليه والتزامهما له إذا لم يقع ذلك منهما إلا مع إسنادها إلى قول القاضي لهما إن ذلك يوجب التحريم الأبدي عليكما ، فإن كان الأمر على هذا الوجه من تأخير الدخول عن فراغ العدة ، فينظر لهما الآن في ذلك بحسن النظر في خصوص النازلة من ضرورة داعية إلى خشية عنت منهما ، أو مشقة وضرر بسبب ذرية بينهما ، فيؤخذ لهما بالتحليل ، إذ هو قول جمهور العلماء وإحدى الروايتين في مذهب مالك ، و إن كانا في سعة وعلى راحة في الأخذ ، فالمنع أولى لأنه أحوط . وإذا أخذ القاضي بهذا الأمر على ما ذكر من تأخر الدخول ، فلا ينبغي له أن يسجل بالتحريم في مكتوب ، إذ لا ضرورة تدعو إلى ذلك ، وحسبه أن يمنع من عقد المراجعة ويتركهما ورأي من ينظر لهما بعد ذلك ، قاله فرج .
[امرأة طارئة كانت على فساد ، وزعمت أنها تابت وارادت أن تتزوج]
(1/244)
________________________________________
*و سئل : عن امرأة طرأت على بعض الأماكن ذكر أنها كانت على فترة وفساد إلى أن ترامت في الجامع من ذلك المكان ، وزعمت أنها تابت ورامت التزوج ، فهل يمكن تزويجها بعد كتب عقد أنها طرأت على ذلك الموضع منذ المدة المذكورة ، و لا يعلم لها ولي دفعاً لحكم علة الفساد ، أم لا ؟
=فأجاب : يثبت أن المرأة المذكورة طارئة على الموضع ، وتصدق في عدم الزوج وفقد عدة منه ، وبراءة الرحم ، وتزوج بعد اعترافها بذلك كله ، ويذكر إقرارها بأنها كانت زوجة لفلان بموضع كذا ، وفارقها بموت أو طلاق منذ كذا ، و أنها لم تتزوج قط إن كانت تقول ذلك .
[من تزوج امرأة وخرج بها إلى البادية مع جماعة المفسدين ثم استبرأت وأرادت أن تتزوج]
*و سئل : عن رجل تزوج امرأة وخرجت معه من حضرة غرناطة إلى[201/3]البادية ، ثم إنه مزق كتاب صداقها وأخرجها مع جماعة من المفسدين ، وبقيت على هذه الحالة إلى أن تركها المفسدون لشأنها ، فأقامت بدار ثقة برسم الاستبراء نحو ثلاثة أشهر ، وطلبت التزوج ، فطولبت بكتاب صداقها أو عمل موجب ، فصعب ذلك عليها فتوجهت هي والذي طلبها للتزوج إلى الجضرة ، وكتب لهما بالصداق ، يتضمن أنها بك يتيمة ، وضمن حضور الاستئمار ، وشهد على الزوج والولي ، ودخل الزوج بها بعد تمام الاشهاد ، فعسى جوابكم بما يكون الحكم في هذه القضية أدام الله أيامكم .
(1/245)
________________________________________
=فأجاب : النكاح المنعقد المذكور في السؤال الثاني بالمقلوب ، لا يقدم على فسخه إلا بموجب ظاهر ثابت ؛ لأن الكذب في البكارة لا يضر إذا شهد على عينها ، وكذلك وقع الأذن بالسكوت من الثيب لا يوجب فسخ العقد ؛ لأن العلم بالأذن في ذلك حاثل ، ومحمل الأمر بعد ثلاثة أشهر على الغالب من انقضاء العدة ، و ما يذكر من تمزيق الصداق وحصول الزوجية ، فقد تعذر الوصول إلى صحة ذلك بالغيبة على ذلك ، وتلك دعاوى تدعى ، فلا يفسخ النكاح المذكور إلا بوجب يثبت ، كأن تثبت الزوجية السابقة ، و أنها تزوجت في عدة أو استبراء من وطء ثابت ، وكلاهما في موجب الفسخ لا يسمع لتعلق حق الزوج بإذنها وحصول الشهادة على الزوج وعليها ، و ما ابنتى النكاح المذكور إلا على التي قبل ما ادعوا من الزوجية الممزق صداقها ، فهذا ما يظهر في القضية . ثم أعاد على السائلالجواب نصه : الحمد لله تعرف سيادتكم الفاضلة بعد التسليم عليها ، أن الجواب عن مسألة المرأة التي انقطعت للقساد مع من ذكر ، و أنها كانت ذات زوج ومزقت كتاب صداقها عندما خرجت مع الذي تزوجها لوجه فسادها ، فات فيه شيء تذكرته بعد ما هرج الجواب مع من توجه به إليكم ، و هو أن من موجبات فسخ النكاح الذي انعقد لها بحضرة غرناطة ، أن يثبت اعترافها بالزوجية الأولى مؤرخاً بما قبل الزوجية الثانية ، فإذا ثبت الاعتراف إذ ذاك ، وجب فسه النكاح الثاني لاعترافها بما يوجب فساد عقد النكاح عليها من كونها ذات زوج ، بخلاف اعترافها بذلك بعد عقد[202/3]النكاح الثاني ، فإنها تتهم على التعدي على الزوج بالقيام عليه في نكاحه بالفساد ، والسلام عليكم من معظم سيادتكم فرج .
[امرأة غاب عنها زوجها فرفعت أمرها إلى القاضي تريد تطليق نفسها]
(1/246)
________________________________________
*و سئل : عمن غاب عن زوجه وتركها ، فرفعت الزوجة أمرها إلى القاضي وثبت عقد بمغيب الزوج ، وبانه من أهل الفساد والفجور ، وبعدمه وليس للزوجة من أين تعدَى بنفيتها ، فأجّله القاضي شهراً واحداً ، فلما تم الشهر لم يرجع من مغيبه أمرها القاضي بأن تحلق ، وأذن لها القاضي في الطلاق فقطلقت نفسها بحكم الاعسار بالنفقة ، واعتدت ثلاثة أشهر ، فلما تمت العدة و لم يرجع الزوج ، تزوجت زوجاً آخر فبقيت مع الرجل الذي تزوجها أربعة أشهر وعشرين يوماً ونفست بنتاً ، وبقيت البنت بقيد الحياة يوماً وماتت ، وزعمت الزوجة أنها لم تكن حاملاً حيت تزوجت الزوج الثاني ، وأن الحمل كان من الزوج الذي تزوجت ، و وافقها الزوج على ذلك ، وزعم أن البنت المولودة كانت في غير أيامها ، و أنها كانت مستسقطة ، فعسى ياسيدي جوابكم في القضية بما يجب فيها .
(1/247)
________________________________________
=فأجاب : وقفت على السؤال المكتتب بالمقلوب ، والحكم في ذلك أن المرأة التي ولدت البنت إن لم يكن بين إصابة الزوج لها وبين ولادتها إلا ما ذكر من المدة دون كمال ستة أشهر ، فإن النكاح بحكم الشرع ؛ لأنها قد ظهر أنها تزوجت في عدة أو في استبراء من ماء فاسد إن كانت قد طرأ عليها شيء ، فلا يحل لها البقاء على ذلك النكاح ، وإذا فسخ النكاح و لم يطن الزوج وطئها بعد ولادتها ، فقد انقضى استبراؤها من وطئه الذي وطئها وهي حامل ، و إن كان قد وطئها بعد الولادة ، فلا بد من استبرائها من ذلك الوطء بثلاث حيض ، وبعد ذلك تحل للأزواج ، وهل لذلك الزوج أن يتزوجها بعد ذلك الاستبراء أم لا ؟ تنظر المرأة في نفسها فإن علمت أنها لم يطرأ عليها شيء لا مع ذلك الزوج قبل عقد النكاح و لا مع غيره ، فلا يحل لها و لا تحل له أبداً على المشهور ؛ لأنه قد ظهر أنه تزوجها ودخل بها في العدة[203/3]من الزوج الذي كان قبله ، و إن علمت أنه طرأ عليها طارئ مع ذلك الزوج أو مع غيره قبل تزوجه ، وظهر لها أن تلك البنت كانت من الوجه المحرم في الشريعة ، فلهذا الزوج أن يتزوجها بعد الاستبراء المذكور على المشهور .
[من تزوج امرأة لها صداقها وأشهد الشهود بدون ولي]
*و سئل : عمن تزوج امراة ودفع لها صداقها ، وأشهد الشهود بينهما دون ولي ، واحتمل الزوج الزوجة لداره وجلس عندها يوماً كاملاً ، وخرج آخر النهار وطلقها دون بناء بها ، واعترفت أنه دخل عليها وبقي بعد ذلك نحو الخمسة عشر يوماً ، وخاف من الحاكم وتزوجها بعد ذلك بولي وصداق ، فهل يقام على هذا النكاح الثاني و هو فاسد ، وهل ترجع المرأة إلى زوجها الأول ، فإنها كانت مطلقة بالثلاث أو لا ؟ فعسى يا سيدي جوابكم بما يجب في المسألة و الله يبقيكم .
(1/248)
________________________________________
=فأجاب : وقفت وصل الله حفظكم ، وأجزل من الخير حظكم ، على المسألة بالمقلوب ، أم المرأة التي تزوجت ودخل بها دون ولي ، ثم تزوجها ذلك الرجل بعد ما طلقها ، فإن هذا النكاح الثاني فاسد لا يجوز أن يبقيها عليه ؛ لأنه وقع في مدة الاستبراء من مائه الفاسد على زعمها أنه وطئها في النكاح الذي كان بلا ولي ، و لا سيما إن كانت خلوته بها في ذلك اليوم معروفة عند الناس ، وافق الزوج عليها ، فكلا النكاحين فاسد ، الأول لكونه بلا ولي ، و الثاني لوقوعه في زمن الاستبراء ، و لا تحل مطلقها ثلاثاً بالنكاح الأول و لا الثاني ، إلا أن يكون الزوج لم تعرف له خلوة بها أصلاً ، ويكون منكراً للخلوة والوطء في النكاح الأول ، و هو يكذبها فيما زعمت من الخلوة والوطء ، فإن كان الأمر هكذا ، فالنكاح الثاني صحيح ، والدخول فيه جائز ، و لا تحل للمطلق قبله إذ هو فارقها ، و إن كان معترفاً بوطئها لكونها معترفة بفساد هذا النكاح حين ذكرت أنه كان وطئها في النكاح الأول ، فلا تحل له بنكاح هي مقرة بفساده ، قال هذا كاتبه فرج .
[204/3][ابنة محجورة زوجها الأبعد مع وجود الأقعد]
(1/249)
________________________________________
*و سئل : بما نصه الحمد لله جوابكم متعنا الله ببقائكم ، في الواقع بمقتضى هذا الرسم المكتتب هنا ، ونصه : حضر فلان أخو والد الزوجة للأب فلانة المذكورة في رسم الصداق المقيد أعلاه ، وادعى أن الولاية على الزوجة موقوفة له ، وأنه الأقعد بها لكونه أخا والدها للأب ، وثبتت دعواه لذلك بواجب الثبوت ، وأعذر في ذلك لمن يجب الاعذار إليه ، فلم يكن له مدفع و لا مقال و لا اعتراف بصحة ما ذكرهُ العم للأب فلان المذكور ، وأن المسألة جوزت عليه جون مشورته ويغير إذنه ، وأنه لم يعلم بذلك و لا سوغه وجملة مسافة ما بين سكناهما نحو خمسة عشر ميلاً يجب معها أن يبعث إليه فيها ، وثبت ذلك من اعتراف من أعذر إليه بما ذكر بواجب الثبوت أيضاً ، وسُئل العم المذكور ممن وجب النظر له بواجب الشرع ، فاقتضى نظره وفقه الله أن خيّره في إجازة ما عقده ابن عم والد الزوجة على ما ادعته أمها من غير ثبوت ، أو رده لكونه قبل البناء ، أخذ بقول من يرى ذلك من العلماء رضوان الله عليهم ، فاختار العم رد النكاح وفسخه و لم يجزه و لا سوغه ، وأشهد على نفسه برده ، وأنه لم يبق للزوجية حكماً ، بانت بالرد المذكور الزوجة من متزوجها أعلاه ، وانحلت العصمة بينهما على الواجب في ذلك ، وشهد على العم للأب بما فيه عنه ، وعرفه وبحال صحة وجواز ، وأشهده من وجب بثبوت ما ذكر ثبوته من الإعذار لمن يجب ، وثبوت اعتراف من أعذر إليه بما ذكر اعترافه به في كذا ، ومما ذكر من موجب الرد كون أخ الزوجة من أهل الشر ، وأنه يتوعد أخته وأمه والزوج بالقتل إن وقع بينهما دُخول وبناء وثبت ذلك ، وربما أن بسبب ذلك سهل الأمر في الاعذار كما وصف ، والزوجة يتيمة بكر مهلة ، وإنما قدم عنها من يعذر إليه فيما ذكر ، وبيّنوا لنا الحكم في ذلك مأجورين عليه مثابين .
(1/250)
________________________________________
=فأجاب : وقفت وصل الله حفظ سياطتكم وعلو مجادتكم ، على نص الرسم المجتلب بمقلوب هذا ، و هو قاصر عن إيجاد الحكم من ثلاثة أوجه :[205/3]أحدها أنه لم يتضمن ثبوت بعد الولي العاقد عند القاضي ، وأنه ابن عم ، كما ثبت عنده قرب القائم وأنه عم ، و لا بد في فسخ النكاح المنعقد من ثبوت موجبات الفسخ كلها ، و لا يكفي اعتراف العاقد الآن ببعده ؛ لأنه يحاول بذلك فسخ ما عقد ، وليس ذلك بيده . و الثاني أنه لم يذكر فيه يمين الأقرب أنه لم يعلم بالنكاح فسكت عليه إقراراً له ورضى به ؛ لأن حاله بقرب موضع سكناه مظنة لعلمه ، وسكوته مع العلم مظنة لرضاه به .
(1/251)
________________________________________
والثالث أنه لم يعرج فيه على الاعذار إلى الزوجين في فسخ نكاحهما والحق في ذلك لهما ، والحكم به وارد عليهما ، و لا يصح الحكم دون اعذار للمحكوم عليه عند إمكانه ، والنكاح عند الفقهاء من الحقوق البدنية فيعذر فيه للزوجة ، و إن كانت محجورة أو مهملة فلا يحتاج في الحكم إلى ما ذكره في نص الرسم من تقديم القاضي عليها من يعذر إليه في نكاحها ، و لم يذكر الاعذار إلى الزوج تصريحاً في النكاح الذي هو من حقه وذلك واجب ، والزوجة كما ذكر لا تصح النيابة عنها في ذلك من قبل القاضي الذي نظر في القضية على تلك الوجبات الناقصة ، ظاهره أنه فسخ بغير طلاق ، إذ لم يذكر فيه غير رد النكاح و لا يكون الفسخ في نكاح فيه خيار للولي ، أو لأحد الزوجين إلا بطلاق ، و لا ينفسخ بدونه ، ومع هذا فالقول بالتخيير للولي الأقعد إذا زوَّج الأبعد فيمن يستأذن بلا إجبار فيه خلاف مشهور ، فقد حكم القاضي بقول شاذ و لم يوافق حكم القول و لا نصه ، و لا حصل كمال مواجباته ، فالحق أن فعل القاضي ذلك في الوجه المذكور مردود ، والنكاح منعقد حتى تتوفر الموجبات الشرعية في فسخه على الواجب فيه ، و قد ذكر في نص الرسم حال أخي الزوجة في نكاح أخته ، وذلك من الهذيان الذي لا يعول في حكم شرعي عليه و لا يلتفت إليه ، لكن ذكره مع إسناد الولاية إلى غيره ، و لم يذكر سبب ذلك ، هو أيضاً من جملة خلل الوثيقة ، فإن الأخوة متقدمة على العمومة باتفاق ، فقد كان من الواجب ذكر السبب في خروج الولاية عن جهته من كونه أخاً للم إن كان كذلك ، أو ممتنعاً من الولاية متأبياً عنها ، ويشعر بهذا السبب ما وصف به من الوعيد والتهديد لمن كان له مدخل في ذلك[206/3]النكاح ، لكنه كان يجب ثبوت ذلك عند القاضي بما يجب ، و لا يكفي حكايته ، و قد كان من وظائف القاضي في هذه النازلة أن ينظر في حال البنت ، فإن كانت ممن لا قدر لها في نفسها ومالها فلا يتعلق للأقرب حق في فسخ نكاحها قولاً واحداً
(1/252)
________________________________________
حكاه اللخمي ، و إن كان لها قدر وقام الأقرب في ذلك ، فيسأل عند قيامه عن السبب الموجب لرد النكاح عنده ، فإن ذكر عدم المصلحة للزوجة فيه ، فحينئذ يصح له القيام فينظر في الموجبات على ما سبق ، و إن ذكر غرضاً يختص به ويرجع إلى جهته لم يلتفت إلى قوله ، و هذا كله قد أهمل في تلك الوثيقة ، فلا مدخل لها فيما فيه الصحة ، والسلام على مثابتكم السيادة من معظمها ومكبرها فرج .
[من نحلها أبواها عند تزويجها ، ثم توفى الأب
وادعت الأم أنها فعلت ذلك استحياء]
*و سئل : عن أبوين نحلا بنتهما في كتاب صداقها آلاف دينار في شورة وأملاك ، ثم توفي الأب أحد الناحلين وذهب عاصب متروكه إلى القسمة ، فألفى للبنت المنحول لها أسباباً من الشورة بدار أبيها وعجز باقيها ، فطلب العاصب إغرام الأمل النصف مما عجز من النحلة ، لاشتراكها معه في لفظ التثنية وحصول الأشهاد ، فزعمت الأم أن ما وقع الأشهاد عليها بما ذكر إلا استحياء من زوجها وخجلاً من الناس ، إذ كان ذلك كله غي مجلس وليمة عقد الصداق ، و لم يكن تقدم لذلك معها ذكر ، و قد ظهر للشهود في ذلك الوقت مما ذكرت من عدم الرضى مما هي تدعي الآن ، فعسى تبيينكم المسألة بجملتها على حسب عادتكم من إشفاء صدور السائلين هل ينفعها ما ادعت ، وهل يلزم الشهود الاداء على مظهر في ذلك الوقت ؟ و إن وجب عليها أتكون معه على النصف في النحلة ، مأجورين مشكورين . ونص تلك النحلو في صداق البنت ونحل الزوجة أبواها فلان وفلانة ثلاثة آلاف دينار في شورة وأملاك لا غير هذا النص من زيادة .
(1/253)
________________________________________
=فأجاب : وقفت على السؤال المكتتب ، والحكم في ذلك أن يؤدي[207/3]الشهود شهادتهم على ما فهموا من حال الأم في خجلها وعدم طيب نفسها ، وتحلف على أنها لم تقصد عمارة ذمتها ، و لا تعلق شيء من النحلة بما لها ، ثم يتوجه الطلب بجميع النحلة على تركة الأب ؛ لأن العبارة المكتتبة إذا لم يكن فيها زيادة على ما تفيد في السؤال ، فهي قاصرة عن وجوب عمارة الذمة ، والأصل براءتها ، و لا تعمر إلا بيقين ، و قد قال في الحديث «لاَ يَحلَّ مَالُ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ إلاَّ عَنْ طِيبِ نَفْسِ مِنْهُ» . و قد قال الفقهاء في الصدقة إذا طلبت من المتصدق ، وفهم من حاله أنه أعطاها حياء وخجلاً وغير طيب النفس ، إنها لا تحل للمتصدق عليه ، والنحلة إنما هي عطية ، وإلى هذا فمحال الأبوين في تجهيز بنتهما مشترك بينهما ، الأب بماله ، والأم بإلحاحها عليه ، والاقتناء منه وسؤال والإِصلاح فيه بالنظر وشبهه ، فهذا القدر منها قد تعتبره نحلة من قبلها ، فهذا بيان حكم المسألة ، والسلام على من يقف عليه من كاتبه فرج .
[من زوَّج ابنته و لما انقضى سابع الدخول ، وقع بينهما تشاجر فحملها الوالد إلى داره]
(1/254)
________________________________________
*و سئل : عن رجل زوَّج ابنته فلما بنى بها زوجها وانقضى سابع الدخول ، حدث بينهما كلام أوجب أن احتمل والد الزوجة بنته الزوجة وجميع أسبابها لداره ، فطلبه الزوج برجوع زوجه لدارها ، فقال له أعطها كسوة وخادمها ، وحينئذ ترجع لدارها ، وكان والد الزوجة قد نحلها في عقدة النكاح ما يظهر ببيت بنائها ، واتفق في المسألة أن كتب فيها إيجابان ، أحدهما بيد الزوج ، و الثاني بيد والد الزوجة لا يعلم به الزوج ، والشهيدان في الواحد ، هما الشهيدان في الأخر ، و وقع بينهما اختلاف في أجل الكالئ وسقطت النحلة من الذي بيد والد الزوجة ، وارتاب الشهيدان بسبب ما وقع في الإِيجابين من الاختلاف ، وامتنعا من أداء الشهادة فيهما وشهد عليها في ذلك ، فهل يا سيدي يجب على الزوج كسوة مع قرب البناء ، ومع ما ادعاه من النقد أم لا ؟ وهل يجب لها خادم مع عدم القدرة من الزوج على ذلك أن لا ؟ وهل لوالد الزوجة أن يسلم الأسباب التي أظهر ببيت بناء بنته أو لا ؟ وكيف إن أنكر النحلة وادعى العارية في الأسباب ، هل للزوج في ذلك مقال أم لا ؟[208/3]وهل تقبل شهادة الشهيدين المذكورين أو إحداهما إن أديا بعد ما ذكر من الامتناع فيما لم يقع اختلاف في الكتب و لا ارتياب عندهما فيه أم لا ؟ بيّنوا لنا ذلك كله مأجورين .
(1/255)
________________________________________
=فأجاب : وقفت على السؤال المكتتب والحكم في ذلك أن لباس الزوجة بعد البناء عليها في أول حالها يكون فيما أخرجته من شورتها على العادة في ذلك ، ثم بعد يطلب الزوج بالكسوة ، والإِخدام إنما يجب على الزوج إذا اتسع حاله لذلك ، وكانت الزوجة ممن لا تخدم نفسها لحالها ومنصبها ، وأن لوالد البنت أن يمسك عند نفسه من الشورة مما هو زائد على قدر الحاجة من الامتهان المعتاد ، وعلى قدر نقد الزوج يكون عند الأب مصوناً للبنت لوقت حاجتها إليه ، فله ذلك إن طلبه وكانت لها فيه مصلحة ، و إن لم يكن ما أورده الأب إلا قدر الحاجة وعلى مقدار النقد ، فليس له إمساك شيء منه عن بيت البناء ، وأن دعوى الأب العارية في بعض ما أورده بيت البناء يصدق فيها إذا كان بالقرب ، وكان في الباقي وفاء بنقد الصداق ، قالوا والطول في هذا ما زاد على السنة ، وحكى بعض شيوخ قرطبة أن ذلك ما لم يخرج السابع خاصة ، و لا مقال له بعده ، و هذا ما لم يشهد بالعارية عند الإِيراد ، فإن أشهد كان له ذلك وأن طال ، و إن الشاهد إذا امتنع من الأداء ثم أجب إليه فإنه يقبل ، وإذا اختلف الحال المشهود بها على الشاهد ، فإنه يؤدي على ما تيقنه ويدع ما يشك فيه ، ويجبر الأب على إسلام الزوجة لزوجها إذا خرجت إليه وتركت الزوج ، وليس له منعها من زوجها إلا أن يثبت إضراره بها في نفسها ومالها فينظر لها في ذلك ، هذا جواب المسائل المكتتبة ، والسلام على من يقف عليه من كاتبه فرج .
[من زوّج شقيقته لرجل واتفق معه على شيء معلوم دون إشهاد ثم توفى الزوج]
*و سئل : أبو القاسم بن سراج عن رجل تحدث مع رجل آخر في تزويج شقيقته البكر ، واتفق معه على شيء معلوم من نقد وكالئ وعروض وغير[209/3]ذلك ، ثم ساق الزوج بعض العروض ودفعه للزوجة على العادة في ذلك ، وهما لم تقع بينهما الشهادة ، والبكر المذكورة يتيمة مهملة دون وصي ، ثم توفي الزوج ، فهل للزوجة أن ترثه بمجرد ما وقع بينهما من غير إشهاد .
(1/256)
________________________________________
=فأجاب : لا ميراث بينهما إلا أن يثبت وقوع صيغة النكاح مثل أن يقول الزوج قد تزوجت وشبهه ، وتقول المرأة إن كانت مالكة أمرها قد تزوجتك أو رضيت وشبه ذلك ، أو يقول وليها إن كان مجبراً قد زوجتك وشبه ذلك ، فإن كانت الزوجة يجب استئمارها فتستأمر وترضى بما يدل على الرضى في حقها ، فإن لم يقع شيء من هذا فلا يصح النكاح ، و لا يحصل فيه ميراث ، قاله ابن سراج .
[من تزوَّج امراة على غير نحلة و قال أنا أجهز عليها بيت بنائها دون إشهاد على ذلك]
*و سئل : أبو إسحاق الشاطبي عن رجل تزوج امراة على غير نحلة ، و قال أنا أجهز عليها بيت بنائها ، فدخل بخا و قد هيأ بيت البناءبشوار فلم تزل الزوجة تلبس وتفرش وتصرف فيها بحضرة الزوج حتى بلي منها وتخرق منها من غير أن ينكر شيئًا من ذلك ، ثم توفي و لم يقع قبل ذلك على الزوج إشهاد بإعطائه إياها شيئًا من الشوار المذكور ، فهل تكون بذلك مالكة له أم لا ؟
(1/257)
________________________________________
=فأجاب : إذا ثبت أن الشوار المذكور كان ملكاً للزوج و لم يثبت ببينة و لا بإقرار الزوج أنه ملكها إياه ، و لا أنه من جملة صداقها ، فهو باق على ملكه إلى الموت فيقع فيه الميراث بين الورثة ، أو فيما بقي منه ، و لا حجة في حوزها لذلك المدة المذكورة ، و لا تصرفها فيه تصرف ذي الملك في ملكه ؛ لأن ذلك هو العادة في مثله بين الزوجين ، و لأن عليه أن يكسوها بما تحتاج من غطاء و وطاء وغيرهما ، و لا يخرج بذلك عن ملكه ، فإن احتج محتج بأن أهل الوثائق قالوا في الثوب يكسوه الرجل زوجته فتلبسه وتمتهنه عاماً أو أقل إنها قد ملكته فلا يرجع به عليها عند الطلاق ، و لا يأخذه منها ، فلا حجة فيه على مثل النازلة ؛ لأن ذلك إنما قيل في نحو الثوب استحساناً على غير قياس ؛ لأن[210/3]الأصل أن يكسوها فقط لا أن يملكها الكسوة ، كما عليه أن يسكنها وليس عليه أن يملكها المسكن ، ولذلك قال التونسي في المسألة القياس أن يرجع عليها بالثوب ؛ لأنه على ملكه ، فإذا قلنا إنه تملكه فلم يقولوه إلا في اليسير مثل الثوب ، أما ما عظم قدره فلا يصح ذلك فيه ، و الله أعلم .
[امرأة من ذوات الأقدار ، زوَّجت بنتاً لها واعترفت لها بأصول وحلي ثم توفيت البنت]
*و سئل : الأستاذ العالم أبو سيعد بن لب رحمه الله عن امرأة من ذوات الأقدر ، زوجت بنتاً لها معترفة في عقد نكاح لها بأصول أملاك لها وبعض حلي ، و وعدت الصهر بشوار يليق بمثلها صنعته لها الأم ، وتوفيت البنت فطلب ورثتها الأم بما صنعت لها من الشوار ، فامتنعت ما عدا العين في الصداق ، والعادة بالموضع حيث النازلة الذي يحضر صداقًا ذا خطر وتعين له الأملاك ، أن يكون لها شوار على نسبة ذلك ، وقام مع ذلك وكانت المتوفاة ربيبة عنده زوج أمها بعد وفاتها يطالب بما أجراه عليها من النفقة بعد اعتراف الأم وتعيينها لما ذكر في الصداق ، وطلبه للنفقة من يوم وفاة والدها إلى الآن ، بيّنوا لنا تحقيق الحكم في ذلك ؟
(1/258)
________________________________________
=فأجاب : بأن كل ما صنعت الأم لابنتها لجهازها أو صنعه لها غيرها ، موروث عن البنت لورثتها ، وهكذا كل ما صار لها بعهد أو غيره إن تعين ، فإن أنكرت الأم أن تكون عينت لها شيئاً ، فلسائر الورثة تحليفها أنها ما عينت ، فإن حلفت برئت ورجع صداق البنت إلى ما يمهر لمثلها ، على أن لا شورة لها سوى الأملاك ، و إن نكلت عن اليمين وكان يدعى شيئاً معيناً لها بتحقيق الدعوى ، حلف عليه واستجق ميراثه فيه ، و هذا مع عدم البينة على تعيين شيء ، فإن قامت بذلك بينة ، استغنى عن اليمين فيما ثبت لها ، ويجب اليمين فيما يدعى من غيره ، و لا خلاف أن الأم لا تطالب مع الأنكار بشورة مثلها ، وإنما الحكم الرجوع إلى نقص الصداق بعد اليمين ، ذكه المازري وغيره ، و لا يجب لزوج الأم نفقة إن كان قد حضر تزويج البنت و لم يذكرها ؛ لأن من[211/3]مقاصد الزوج مالية ، يتعلق حقه بالعقد على ما في ملكها ؛ لأن المرأة تنكح لما ، لها كما في حديث ، والسلام على من يقف عليه من كاتبه فرج ورحمة الله تعالى وبركاته .
وتقيد بعد ذلك نسخة رسم استرعاء يتضمن إنفاق الأم على البنت إلى أن تزوجت الأم ، ثم انفاق الزوج عليها إلى أن توفيق ، ثم أعيد السؤال عن طلب النفقة .
(1/259)
________________________________________
=فأجاب : أما طلبه النفقة المذكورة ، فساقط إذا لم يذكر ذلك في وقت عقد النكاح على البنت مع حضور المنفقين حينئذ ، إذ قد تعلق بمالها المعلوم لها حق زوحها ، لقوله في الحديث «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِدِينَها وَجَمَالِهَا وَمَالِهَا» . . . . لا سيما أن اعترفت الأم به ، فتكون قج علقت به حق الزوج بنص اعترافها ، و لم يذكر حق تعلق به لها فكيف ترجع بعد هذا بنفقة أو غيرها ، و قد كانت لها فسحة في أخذ نفقتها قبل العقد عليها ، فلا طلب لها و لا لزوجها بنفقة بعد عقد النكاح عليها وسكوتها عنها بحال من الأحوال ، والسلام على من يقف عليه من كاتبه فرج ورحمة الله وبركاته . وتعقب الأستاذ أبو عبد الله السرقسطي هذا الجواب فقال :
*و سئل : الأستاذ أبو سعيد رحمه الله عن زوجين أنفقا على يتيمة موسرة هي ابنة للزوجة وربيبة لزوجها ، أنفقت الزوجة وهي أم البنت عليها مدة إلى أن تزوجها الزوج فانفرد بالإنفاق عليها إلى أن توفيت البنت ، ناكحاً قبل الدخول و لم ينحل لها شيئاً من مالها ليسر البنت و لم يذكر المنفقان النفقة و لا طلبها عند تزويجها ، وتوفيت البنت قبل دخولها فقاما يطلبان النفقة من تركتها فهل لها ذلك أم لا ؟
(1/260)
________________________________________
=فأجاب : بأن سكوتهما عند عقد النكاح عليها عن طلبها يسقطها لتعلق حق الزوج بمالها ، واحتج بحديث «تُنكَحُ المَرْأَةُ لِدِينِهَا وَجَمَالِهَا وَمَالَهِا» . قلت ما أفتى به مشكل باعتبار ظاهر المذهب نقلاً ونظراً ، أمَّا النقل في النكاح الثاني من المدونة و إن أنفقت المرأة على زوجها و هو حاضر مليء أو معدم فلها اتباعه به ، لا أن يرى أن ذلك بمعنى الصلة والضيافة ، فأطلق الاتباع و لم يخصه[212/3]بوقت و لا قيده بقيد ، والمطلق يحمل على اطلاعه إلا أن يؤدي حمله عليه إلى فساد فيقيد ، والأصل عدم التبرع ، وبقاء ما كان على ما كان ، والذمة المعمورة بيقين لا تبرأ لا بيقين . وفيه أيضاً من أنفق على صبي صغير لم يرجع عليه بشيء ، إلا أن يكون للصبي مال حين أنفق عليه ، فيرجع بما أنفق عليه في ماله ، وظاهره مطلق الرجوع ، ما لم يصرح المنفق بإسقاط نفقته عنه في ماله ذلك .
[من جهز ابنة له صغيرة في حجره لها أصل مال صار لها من ميراثها]
(1/261)
________________________________________
*و سئل : بعض المفتين عن رجل له ابنة صغيرة في حجره لها أصل مال صار لها من ميراثها في أمها ، فلما زوجها ودخل بها زوجها زعم أنه باع حظها من الأصل وابتاع لهابه شورة وجهزها بها ، وأنه يعدي عليها نفقتها وكسوتها من يوم موت أمها إلى يوم دخول زوجها بها ، هل يجوز له ذلك وكان للأصل قدر كبير من الغلة ؟ فقال ينظر إلى ما استغل الأب من المال وإلى ما أنفق ويحاسب الابنة ، فمن بقي له على صاحبه شيء رجع به ، ونصه كما ترى وظاهره رجوع الأب فيما جهز به ابنته ، و لم يعتبر تعلق حق زوجها به ، ونقل عن المشاور في رجل تزوج امرأة لها أولاد وهم مع أمهم على مائدته ، طلبهم بالنفقة بعد بلوغهم فقالوا لم نأكل طعامك ، فأقام البينة أنهم كانوا على مائدته ، و لا يعلم الانفاق من أين كان ، أن القول قوله مع يمينه ويرجع في الغلات ، فإم لم تف ففي الصول ، وظاهره مطلق الرجوع ما لم يقع إسقاط ، و أما النظر فإن الزوج تعلق له حق ، والمنفق تعلق له حق ، وكلاهما متعلق بالمال إن كانت النفقة على صغيرة ، وأن كانت على كبيرة فحق الزوج إنما هو في إبقاء زوجه موسرة غنية ، ولهذا يحجر عليها التبرع في أكثر من ثلث مالها ، و لا يحجر عليها إن تصرفت فيه بالعوض ، وليس له إلى أخذ مالها لنفسه سبيل ، إلا إن طابت نفسها به ، والمنفق عليها يقضي له بأخذ ماله في نفقته ويضرب بها مع غرمائه فيه ، فحقه أقوى من حق الزوج ، و قد حصل الناس من مسائل الشرع أنه إذا ازدحم حقان على المال ، أن أقواهما مقدم على الآخر ، من ذلك المرأة تنفق على نفسها وعلى أولاد زوجها في يسره من مالها ، ثم يفلس ، فإنها تضرب مع غرمائه بنفقتها دون ما أنفقت على أولاده ؛ لأن نفقتها على نفسها وجبت على عوض ،[213/3]بخلاف نفقة الأولاد فكانت أضعف ، ومن ذلك الرجل يقر في مرضه بدين مستغرق لمن لا يتهم عليه ، وزكاة فرط فيها لا مدخل للزكاة مع الدين لوجوبها على غير عوض ، إلى غير ذلك من النظائر .
(1/262)
________________________________________
ومقتضى كلام الأستاذ سقوط الأقوى للأضعف و هو خف الأصول ، و هو مقتض أيضاً لسقوط النفقة من المال والذمة ، فلا يبقى للمنفقة اتباع بها ، فإن كان تعلقها بالمال ففيه نظر ، و إن كان تعلقها بالذمة فهو مخالف لما تقرر من أن المدين إذا فوت ماله بالهبة ورضي غرماؤه فعله ، فإن دينهم لا يسقط عنه ويبقى في ذمته ، و لا تشبه هذه المسألة مسألة الرجل ينفق على بنته الموسرة التي في حجره ، ويشهد بما استقر لها بيده من الغلات ثم يموت فيريد عاصبه أن يحاسبها بنفقته عليها حياته ، و لا مسألة الوصي يشهد في مرضه أن لمحجورته عليه كذا و لا يذكر نفقته عليها ، ثم يموت فيطلبها ورثته بها ، فلا شيء على البنت و لا على المحجورة من النفقة ؛ لأن الاشهاد بها للبنت بيد أبيها ، وبما للمحجورة قبل وصيها من غير ذلك للنفقة دليل قوي على إسقاطها مع قرينة حنو الآباء وإرادة غناء أبنائهم ، وقرينة مرض الوصي والشأن في المرض ، ذكر المريض ماله ، وعليه فلو كان له على يتيمة نفقة باقية لذكرها ، والمسألة خالية من جميع هذه القرائن بالنسبة إلى زوج المرأة ، وليس فيها بالنسبة إلى الأم إلا قرينة الحنو ، وليست بعلة مستقلة بالاسقاط ، لما تقرر في فروع المذهب من أن للأب طلب ما أنفقه على ولده الصغير الموسر من ماله الذي كان يملكه وقت إنفاقه عليه ، و لا يقال إن سكوت الأم وزوجها عن ذكر النفقة حين العقد يسقطها بناء على أحد القولين في عد السكوت ورضى ؛ لأنه فيما يقع فيه على الساكت افتيات بتفويت شيء عليه كان له ، أة بإلزامه ما لم يكن لازماً لهن والمسألة خالية من هذا المعنى ، و لا يكون في مسألتي الأب والوصي المتقمين تعلق لمن يرى أن الناحل المنفق يسقط غلة نفقته إن لم يذكرها عندها ، بجامع عمارة الذمة والسكوت عن النفقة . و الله ولي التوفيق بمنه .
(1/263)
________________________________________
وتعقب القاضي أبو عبدالله الأبيري هذا التعقب ، ونصه : مسألة إذا أنفق الأنسان على غيره وثبت ذلك ، هل ذلك كغيره من الحقوق فيحكم له[214/3]على الاطلاق أم لا ؟ الظاهر أنه ليس كذلك ، وأن دين النفقة إذا كانت ثم قرينة قوية تدل على التبرع صير إليها وعوّل عليها ، بخلاف غيره من الحقوق ، ألا ترى أن اليتيم الفقير إذا أنفق عليه لا رجوع للمنفق ، و لم يعتبروا اليتيم وحده ، و لا العسر وحده ، لما ضعفت القرينة ، إذ وكذلك الأب إذا أنفق على ابنه الغني ، فإنه يرجع عليه في بعض الصور دون بعض ، بسبب قوة القرينة وضعفها ، وكذلك ما أنفق على وجه الضيافة ، وذلك و الله أعلم لما كان الناس يعيبون طلب ما أكل لهم ويستقبحونه ، أعملت القرينة الدالة على قصد التبرع والصلة ، مع أن الأصل عدم التبرع ، وهل يكون من هذا القبيل نازلة وقعت وهي يتيمة في حضانة عمتها وتحت نظرها بإيصاء الأب ، أنفق عليها زوج العمة المذكورة مدة ، ثم زوجتها العمة وقدمت زوجها المنفق على عقد نكاحها ، واعترفت العمة الوصي المذكورة لها بمال يحتوي على أصول وعروض وزوجها المنفق حاضر ، إذ هو المباشر لعقد النكاح كما ذكر ، و هو المتكفل بشراء شورتها والقائم بأمرها مع زوجه الوصي المذكورة ، ثم مكثت مدة من نحو عشرة أعوام مع متزوجها ثم طلقها ، ثم بعد ذلك مات المنفق عن زوجه العمه المذكورة وابنه منها ، و وقع القسم فى متروكه و لم يطلب وارثاه نفقة موروثهما على البنت المذكورة و لا واحد منهما ، ثم مكثت المنفق عليها مده أخرى مطلقة ، ثم زوجتها العمه مرة ثانيه وقدمت ابنها ابن المنفق عليها على العقد عليها ، فعقد عليها بما سمت له من الصداق ، وعلى الاعتراف المذكور أولا ، ثم توفيت الزوجة المنفق عليها قبل البناء بها ، فقام العاقد عليها ابن المنفق يطلب نفقة أبيه عليها وهى بكر ، فالذي أفتى به الشيخ الأستاذ أبو سعيد رحمه الله في نوازل ثلاث من هذا المعنى ، أنه لا رجوع للمنفق
(1/264)
________________________________________
إذا كان هو المعترف أو حضر الاعتراف و لم يقع منه إنكار و لا طلب ، قال لتعلق حق الزوج بمال الزوجة ، وساق الحديث النبوي «تَنْكَحُ الَمْرَأَةٌ لَمِالَهِا» الحديث . فإن قيل قد وقع في المدونة مسائل أن للمنفق الرجوع بما أنفق و لم يخصِ ، فقد يظهر و الله أعلم أن مسائل المدونة ليس في واحدة منها قرينة تدل على التبرع ، بل في بعضها ما يدل على العكس ، و قد نص في المدونة على أنه إذا كانت النفقة على قد[215/3]الصلة فلا رجوع ، و هذا لاحظ الأستاذ رحمه الله ، وإذا كان كذلك يبقى الحكم مع الأصل من عدم التبرع ، و لا مسألة الزوجة تنفق على زوجها لاخفاء بما في هذا الشأن تبرع الزوج لا الزوجة ، ألا ترى اختلافهم فيما اشترى لباسها وامتهانها ، هل تملكه الزوجة بذلك أم لا ؟ بخلاف العكس و قد نقل ابن عتاب عن بعضهم و لم يذكر خلافه في المرأة تعطي زوجها طعامًا أو ذهبًا أو ثيابًا عن طيب نفس منها ، فمكث أعوامًا ثم يقع بينهما كلام فتطلب ذلك وتزعم أنه كان سلفًا ، أن القول قولها مع يمينها ، وكذلك ما وقع في المدونة من النفقة على أجنبي صغير أو كبير رجوع المنفق فيها بين لعدم القرينة ، و أما مسألة ابن عات ، فهي تفارق مسألتنا من وجهين ، حدهما أن المنفق فيما استقر بيده من غلاة محجورته وأخذها لنفسه وقبضها ، يدل ذلك على عدم تبرعه لكونه أنفق شيئًا ، فالواجب التحاسب .
(1/265)
________________________________________
الوجه الثاني أن مسألة ابن عات حق الحاضن فيها على المحضونة ليس حق النفقة وحده ، وإنما له قبل محضونته ترتبت له من نفقة وشورة وغيرهما ، فلما كان ترتب ذلك كله في حال واحدة ، كان له طلب ذلك كله نفقة كان أو غيره ، ألا ترى أن الدنانير والدراهم في الهبة لاثواب فيها ، فإذا كان معها غيرها كان حكمها حكماً آخر ، إذا لشيء مع غيره(1) . و قد استند بعض الأصولين إلى دلالة الاقتران و هذا أقوى ، و أما مسألة المشارو ، في الرجل المتزوج للمرأة ذات الأولاد فيحتج بها على أن النفقة تتبع الحضانة والكفالة مهما ثبت في المحجور أنه تحت أحد وعلى مائدته ، فإن هذا المقدار كاف في الزام النفقة وليس فيها حجة ، على أنه إذا كانت ثم قرينة قوية تدل على التبرع أنها لا تلغى ، وسكوته و هو يشاهد التصرف في المال الذي تعلق حقه فيه بالنحلة أو الاعتراف حتى تعلق حق الزوج به .
__________
(1) يعني غيره وحده كما يقول الأصوليون .
(1/266)
________________________________________
و أما النظر بين تعلق حق الزوج بما حل له أو اعترف له به ، وبين تعلق حق المنفق أيهما أقوى ، فإنما ينظر في ذلك بعد ثبوت النفقة ، والنظر الآن إنما هو في ثبوتها وسقوطها ، والأستاذ رحمه الله لا يقول إن النفقة إذا ثبتت يكون حق[216/3]الزوج فيما عين له مقدماً عليها ، وإنما قال إنها ساقطة لقوة القرينة عنده على التبرع وقصد الصلة- وهي حضور المنفق ، وإذا سقطت فلا تعلق لها بمال و لا ذمة ، إذ لا يقال إن للمنفق الطالب إن زال تعلق حق الزوج بموت أو طلاق أو طرأ لها مال ، وحق الزوج على كل تقدير ثابت والحكم به متعين ، وإنما يبقى النظر هل يحكم له بما عين له أو يحط عنه من الصداق ، وهل يرجع على الولي الذي غره أو على الزوجة إذا علمت على التفصيل في ذلك ، ويعضد ما أفتى به الشيخ الأستاذ رحمه الله ما وقع من رواية عيسى أن الأب إذا سمَّى لابنته عند عقد النكاح ثلث ماله أو نصفه أو كله ، وساق الزوج على ذلك نقده و ما أعطى ، وعليه عقد النكاح ، وظهر دين على الأب ، كان قد ادعى أنه قبل عقد النكاح ، وحضر غرماؤه و لم يقوموا عليه في فور ذلك حتى طال ، فلا سبيل لهم إلى ذلك المال ، والنازلة الواقعة أبين في عدم الرجوع من هذا ، إذ دين الغرماء بين الثبوت لا يتطرف إليه احتمال لقصد التبرع ، بخلاف النازلة ، ومما يقوي تعلق حق الزوج بمال الزوجة ، ما نص عليه ابن حبيب ، وذلك أنه قال و لو أن الخاطب سأل الولي عن مال وليته فسكت ، و قال غيره من أهل المرأة أو أجنبي منزل بموضع كذا أو دار والدار والمنزل هو الذي قال إنه لها ، قال ذلك لازم له يؤخذ بقوله مقر لها ؛ لأنه نكح عليها ، قال ابن حبيب و هذا أوضح لي مما استوضحته إياه من أصحاب مالك ، و قد كان فيه من بعض الناس اختلاف كثير ، ومما يؤيد أن السكوت من المنفق حين حضوره على نحلة المال الذي تعلق حقه به أو الاعتراف به لمن نسب له مسألة من له دين على تركة ويحضر على قسمتها ، أنه لا قيام بعد
(1/267)
________________________________________
ذلك ، و إن طلبه ، فبطل بحضوره على قسمة المال الذي تعلق حقه به ، فإن قيل هذه أحرى لانتقال المال بخلاف الاعتراف ، فإن المال باق على ملك صاحبه لم ينتقل ، فقد يقال إن انتقال المال إلى الوارث هو بنفس موت الموروث لا بالقسمة ، ألا ترى أن من حلق أن لا يملك شيئاً من ملك موروثه ، أنه حنث بنفس موته و لم يعتبروا نفس الانتقال ، إذ لو اعتبروه لأبطلوا قيامه بدينه حيث علم بموت غريمه وانتقال ماله إلى وارثه و لم يتكلم و إن طال ، وإنما اعتبروا حضوره على القسم والتصرف[217/3]في المال الذي تعلق حقه به ، والمسألتان متقاربتان من هذا الوجه ، ومن تأمل ما ذكر ، رأى أن الوجه في النازلة الواقعة عدم الرجوع لأجل طول الزمان ، و قد اعتبر في هذه النازلة كما مر في المسألة التي رواها عيسى ، ولتكرر الاعتراف ، ولموت المنفق وقسم متروكه و لم يذكر شيئاً من ذلك ، فهذه قرائن تدل على التبرع وقصد الصلة ، و الله ولي التوفيق .
[من توفي عن ابنة عاصب ، فقام العاصب يطلب ميراثه ، واستظهر الناظر على البنت برسوم]
(1/268)
________________________________________
*و سئل : الأستاذ رحمه الله عن رجل توفي عن ابنة وعاصب ، فقام العالصب يطلب ميراثه فاستظهر الناظر على الابنة برسوم ، أحدها يقتضي أن المتوفي أشهد على نفسه أنه استقر بيده لابنته مال من ثمن ما باعه عليها مما وجب لها في الارث من أمها من عروض سماها ، وأنه صيرّلها في ذلك المال كرماً كان له . ورسم آخر يقتضي أن الكرم بيده على وجه المساقاة ، و إن الواجب لها من الحظ منه يبقى لها في ماله وذمته إلى أن يجب لها قبضه منه . ورسم أخرى بأشرية أصول لابنته المذكورة بمال وهبه لها لوجه الله تعالى ، ورسم بمعاوضة لها وعنها لما رآه لها من النظر والسداد ، فقام الآن بإملاء من استفتاه من المتفقهين يطلب محاسبة الابنة بالنفقة عليها من حين موت أمها ، وأن النفقة أفتاه بأن تباع أصول الابنة الموهوب ثمنها وغيرها وتحاسب بالنفقة ، و لا يلتفت إلى ما عقده الأب على نفسه من ذلك ، وللعاصب في الوقت صولة يعنت بها خصمه مع ما علم من الحجة على التحاسب بالأصل كالعرض الذي يكون فيه إشهاد من الأب ، وهل الاشهاد بمقتضى الرسم الأول يقوم مقام الاشهاد بأن الابنة لا تحاسب بنفقة لو كان لها من العروض بيده غير ما ذكر ، فلكم الفضل في تبين ما ترجح عندكم ، وهل ذلك سواء فيمن كان صغيراً في حجر الأب ومن كان كبيراً قد ملك أمر نفسه ، و لم يفارق بعد ذلك أباه لامتهان نفسه من الخدمة معه ، و لم تكن لأحدهما مطالبة الآخر مدة حياة الأب .
[
(1/269)
________________________________________
218/3]=فأجاب : أما مسألة البنت مع العاصب ، فقيام العاصب فيها لمحاسبة البنت بالنفقة مدفوع بإشهاد الأب على نفسه بما ترتب عليه لابنته ، وباشترائه لها بمال من قبله بسبب هبته ، و قد نص علماء المذهب على أن إشهاد المنفق بالحق للمنفق عليه ، أو بهبته لها من قبله مسقط للمحاسبة بنفقته في حياته وبعد وفاته ، وكل ما عمل على بنته مما ذكر في السؤال نافذ للبنت ، لا سيما في حياته وبعد وفاته ، وكل ما عمل على بنته مما ذكر في السؤال نافذ للبنت ، لا سيما و قد سمى الأسباب الصائرة لها بالارب في أمها وعينها ، ويستوي في سقوط المحاسبة بالنفقة بالسبب المذكور ، كون المنفق عليه في وقت الطلب صغراً أو كبيراً قائماً بنفسه أو باقياً مع أبيه ، والسلام على من يقف عليه من كتابه فرج ، ورحمة الله وبركاته .
[من توفي عن أولاد من نساء متفرقات ، انجر لبعضهم مال بالإرث في أمه]
*و سئل : رحمه الله عن رجل كان له أولاد من نساء متفرقات وانجر لبعضهم مال بالارث في أمه وبقى تحت إنفاق أبيه و في مؤنته إلى أن مات الوالد و لم يقع منه ذكر لما أجراه من النفقة وسوى ذلك على أولاده المذكورين ، وقام الآن وصي الصغار من الأولاد يطالب الكبار ، بما كان الوالد أجره عليهم من حين انجز الارث لهم إلى حين وفاة والدهم ، وكان بعض الأولاد قد فاصل والده في تركة أمه ، وكان الذكور من الأولاد يتصرفون مع أبيهم في البادية ويخدمونه إلى أن مات رحمة الله عليه .
(1/270)
________________________________________
فأجاب : اذا كان بيد الأب مال لولده الذي تحت نفقته ومات الأب و لم تظهر محاسبة و لا حصر لدخل و لا خارج ، و لا اشهاد من الأب في شيء ، فلا خلاف أن الوالد لا تبعه عليه من تلك النفقه ؛ لأن محمل الأمر على أنه انما كانت نفقته من مال نفسه ، اذ هو بيد المنفق من غلته أو كرائه أو كرائه أومال مخض كان بيده ، أولا يعلم ذلك الامن جهة أبيه ، و لا يتوجه الطلب الا بما يثبت من الحقوق ويتعين ، لا بمجرد الدعوى والامكان ، و قد نص على هذا الأصل علماء المذهب .
[219/3][من زوَّج ابنه وتحمل عنه صداقة ، ثم انفق له في مناب عرسه على أن يطالبه بذلك]
*و سئل : عن زوج ابنه وتحمل عنه صداقا ثم انفق له في مناب عرسه نفقة لها خطر على أن يطالبه بها ، فهل له أن يرجع عليه بذلك بالشرع أم لا ؟ فتفضلوا بالجواب على ذلك .
=فأجاب : لا طلب للأب على ابنه بما اكثر من النفقه في عرسه ودخل في باب السرف وانما يطلبه بالقدر المعتاد في ذلك مما هو داخل فى باب الاباحة على مقتضى العادة الجارية لمثل الزوج مع تلك الزوجة ، بعد أن يحلف الأب يمينا بالله انما أنفق تلك النفقة من ماله ليرجع بها على ابنه ، و هذا إن كان للابن مال وقت الانفاق ، وإلا فلا رجوع له بشيء .
[من كفل يتيما وأنفق عليه من ماله الخاص ، له أن يرجع عليه بذلك]
(1/271)
________________________________________
*و سئل : بما نصه سيدي صدر العلماء وعلم الفضلاء ، حفظ الله جلالكم وأوجب على إفادتكم الحسنى لكم ، جوابكم فى رجل أنفق على يتيمة في حضانته بسبب تزوجه لأمها مدة سنين ، وثبت له أنه كان ينفق عليها من ماله ، و لا براءة لها مما أنفق عليها ، وثبت له أنه أشهد قبل هذا على نفسه أنه طالب لما أنفق وغير تارك له ، وأنه لم يسقط شيئاً مما أنفق ، و لا أخذ عنه عوضاً ، و لا انتفع وصيها من قبل أبيها مع أمها يأخذ مال البنت تنتفع به لنفسها وتنفق على بنتها ، للبنت ما زاد من الفائد ، وعلى الأم ما نقص من مؤنة البنت ونفقتها و لم يف به فائد ملك البنت ، والعمل على ما يقتضيه نظركم المبارك وتوجبه فيتاكم في القضية ، و ما الذي يجب للرجل ؟ و في مال من يجب هل في مال البنت أو في مال الأم بسبب إلزامها نفسها ما ذكر في الانفاق ؟ و في هذه المواضع من هذه القضية كثير ، وتوقفت في الحكم فيما وصل إلي من ذلك ، لأني وقفت على كلام يعزي لمحمد بن عمر بن لبابة يقتضي أن الانفاق على اليتيم محمله على الحسبة ، إلا أن يكون المنفق أشهد بأن إنفاقه[220/3]على اليتيم ليس على الحسبة ، خشية أن أفهم كلامه على غير ما أراده ، إذ لم يذكر ملك من عدم ، فعرضت القضية على سيدي مصباح المستفيدين وقدوة المفيدين ، فاضحوا لي الجواب في القضية ، لأنفذها إن شاء الله فرارًا من الاشكال و الله سبحانه يعظّم أجركم ، ويخلد في صحف العلم فخركم ، والسلام الكريم يعتمد محلكم العلمي ، ورحمة الله تعالى وبركاته ، من معظم مقداركم ، المستضيء بأنواركم ، محمد بن عاصم .
(1/272)
________________________________________
=فأجاب مشهور المذهب المعتمد فيه ، أن من كفل يتيماً فأنفق عليه وله مال على أن يتبعه ، فذلك له أشهد أو لم يشهد إذا ثبتت النفقة و قال إنما أنفقت لأرجع ، ومن أنفق على يتيم لا مال له فلا يتبع اليتيم و لو أنه قال إنما أنفق عليه على أنه متى أفاد مالاً أتبعه به فلا تبعة له عليه بشيء ، و لا يرجع على يتيم إلا في مال يكون له حين الانفاق عرضاً كان أو أصلاً أو غلة أصل ، و إن قصر ماله عن قدر النفقة لم يتبع بالنائب ، و هذا كله في المدونة وغيرها ، و وقع في طرر ابن عات في الزوج ينفق على ربيبه وللربيب أصول لها غلى ، أنه ينظر في يد من هي في يده ، فإن كانت بيد الأم طولبت بذلك وقضي بالنفقة في الغلة ، فإنما يرجع على من بيده الغلة بعد يمينه أنه أنفق من ماله ليرجع ، و قد ظهر في هذه المسألة أن مال البنت كان بيد أمها بالانفاق المذكور ، فعليها يتوجه الطلب ، و ما ناب الزوج من النفقة بالفرض المتعارف على غلة أصولهم ، فعلى الأم توفيته من مالها في صحتها وقيام وجهها ؛ لأن ذلك قد كانت شرطته على نفسها من علم زوجها ، فليس من ذلك شيء على المحجورة ، ويحلف الطالب يمين القضاء أنه ما قبض و لا أسقط ؛ لأن القضاء على اليتيم كالقضاء على الغائب ، و لو أن الأم طلبت نفقة مدة سابقة كانت أنفقتها ، لتوجهت عليها هذا اليمين ، و لم يستثنوا من هذا غير الوصي فليس عليه يمين القضاء ؛ لأنه مأمور بالانفاق على اليتيم سواء أنفق من مال نفسه أو من مال يتيمه ، هو القابض للمال وتحت يده بخلاف غيره ، فهذا ما ظهر تقييده في النازلة ، قاله وكتبه معظّم وزراتكم العلية ، ومجادتكم العلمية فرج السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، و قال في جواب عن سؤال أيضاً من معنى ما تقدم : و أما[221/3]المحاسبة بالنفقة بعد ثبوت موجبها ، فتأملوا في كلام ابن رشد الذي حكاه عنه ابن عات أول مسألة من طرره ، ونزلوا النازلة على الحال التي توافقها من تلك الأحوال الأربع ،
(1/273)
________________________________________
فإنكم لم تبينوا حال النازلة منها ، واحتاطوا في ذلك ما أمكنكم الاحتياط لجهة الابن ، لرسوخ عادة الآباء اليوم ، إذلم يكتبوا فرضا و لا محاسبة بالتبرع بالانفاق ، فالمسألة من ناحية تعارض أصل وغالب أيهما يقدم ، و هو أصل مختلف فيه بين العلماء ؛ لأن الأصل بقاء حق المنفق متعلقابنفقته ، والغالب عليه هنا التبرع بذلك ، والسلام على سيادتكم ورحمة الله .
[من نحل ابنه نحلة وأشهد بها قبل عقد النكاح المنحول له بأيام]
*و سئل ابن سراج عمن نحل ابنه نحلة وأشهد بها قبل عقد النكاح الحول له بأيام ، هل يصح ذلك أم لا ؟
=فأجاب : النحلة صحيحة لازمة الأب قد مات قبل أن يحوزها ، فلا تصح له إلا بتسليم الورثة لأنها تقدمت النكاح ، بخلاف ماهو في عقد النكاح فلا يفتقر لحوز ، و أما إن كان الأب حيا فيجبر على التحويز قاله ابن سراج(1) .
[من قبض متاع ابنته وجهازها ، واحتج بأنها في ولايته]
*و سئل : ابن لبابة عن قبض الأب متاع ابنته وجهازها واحتجاجه بأنها في ولايته .
=فأجاب : أن الأب إذا قبض متاع ابنته بعد أن استمتع الزوج بذلك السنة ونحوها ، وكان قبضه ذلك على وجه النظر لها ليصرف ثمنه فيما هو أعود عليها وأقرب نفعًا ، فإن ذلك له ما يكن ذلك عن إضرار بالزوج ، و إن كان أراد قبضه على المضرة على غير نظر لابنته ، إلا لما نزل بينهما من التفاقم[222/3]فلا يمكن من ذلك إلا أن يكون الزوج غير مأمون عليه ، مثل الخليع الفاسق المتلاف ، فله أن يخرجه عنه إلى حيث يوثق لها به .
[من زوجها وليّها و قد أشعرت ، وأخذ لها في صداقها أرضاً مجهولة]
*و سئل : عن الجارية يزوجها وليّها و قد أشعرت وأخذ لها في صداقها أرضاً مجهولة .
__________
(1) ثبت في النسخة المطبوعة وبعض النسخ الأخرى . سؤال بن لب عن محجوورة هي في أكثر عمرها مع المشرق وجوابه عنها . و هو ساقط في النسخ المصححة ، وهي الصواب ، و قد سبق ذلك قبل هذا ولذا شطبنا عليه .
(1/274)
________________________________________
=فأجاب : إذا زوجها بصداق معلوم فهو جائز ؛ لأن الإِشعار من أسباب البلوغ ، فإن كان أخذ لها في صداقها أرضاً مجهولة كما زعمت ، انفسخ النكاح و لم يجز ، و إن مات قبل الفسخ توارث و لم يكن لها صداق ههنا ، و إن فات بالدخول كان لها صداق مثلها ، وترد على الزوج كل ما أعطاها ويغرم لها صداق مثلها على قدرها وجمالها وشرفها ، فهذا تفسير صداق مثلها .
[من زوّج أخته البكر بنقد وكالئ ، ويجعل للكالئ أجل عشرين سنة]
*و سئل : عن الرجل يزوّج أخته البكر بنقد وكالئ ويجعل الولي للكالئ أجلاً عشرين سنة من غير أمر الجارية و لا مؤامرتها ، فلما بلغها ذلك أنكرت وقالت لا أجيز النكاح و لا أرضى أن يكون أجل الكالئ إلى شهرين ، و لو علمت أنه يجعل للكالئ أجلاً عشرين سنة ، لم أرض أن يكون .
=فأجاب : أن النكاح لا يتم إلا برضى الجارية بالصداق وأجل الكالئ ، وليس للولي إلا العقد فقط ، فإن عقد من النقد ما لا ترضى من أجل الكالئ ، فذلك إليها إن شاءت أقرت و إن شاءت فسخت .
[هل يجوز للأب أن يعري بيت بناء ابنته من جهازها]
*و سئل أبو صالح هل يجوز للأب أن يعري بيت بناء ابنته من جهازها .
=فأجاب : لا يجوز للأب أن يعري بيت ابنته من ثياب جهازها ، و ما اشترى بنقدها كانت سفيهة أو غير ذلك .
[223/3][من زوّج ابنته رجلاً وله بنات فهلكت إحداهن
فاختلف الأب والزوج في ذلك]
*و سئل ابن لبابة عمن زوّج ابنته . رجلاً وله بنات ، فهلكت إحداهن فادعى الأب أن المملكة هلكت ، وطلب الزوج بصداقها ، وادعى الزوج أن الباقية هي زوجته و لا بينة بينهما .
(1/275)
________________________________________
=فأجاب : يحلف الأب بالله أن التي هلكت هي زوجته ، ويحلف الزوج أن الباقية هي زوجتي ويتفاسخان ، و لا يلزم الأب يمين الزوج في الباقية ؛ لأن الزوج إنما حلف في الباقية ليبرأ من الصداق الذي ادعاه الأب للهالكة ، و لا يلزم الزوج يمين الأب إلا في الهالكة ؛ لأنه إنما حلف في الهالكة لئلا يلزمه التزويج في الباقية ، وكذلك لو قال الزوج للأب زوجتي الكثيرة المال الكاملة الشبابن و قال الأب بل القليلة المال والجمال ، فلا يلزمه تزويج الكثيرة المال ، و لا الكاملة الشباب .
[من حلف أن لا يأكل فاكهة كانت لامرأته]
*و سئل عن الذي حلف أن لا يأكل من فاكهة كانت لامرأته .
=فأجاب : إن باعتها منه بيعاً صحيحاً أو تصدقت بها عليه وخرجت عن ملكها على وجه الصحة إليه ، فلا شيء عليه في أكلها لأنها تصير مالا من ماله .
[من حلف أن لا يلبس ثوباً بعينه ، فجلس عليه وافترشه]
*و سئل عن رجل حلف أن لا يلبس ثوباً بعينه فجلس عليه أو افتراشه أو التحفه .
=فأجاب : هو حانثن قبل له أرأيت رجلاً حلف بالطلاق البتة أن لا يصل أمه بشيء من الفاكهة و لا العصير ، فقال يطلق امرأته ويصل أمه بما قال و لا يلزمه نفسه ، فإن لم يفعل فهو هالك ، فإن عاد وأفسده فليستغفر الله و لا يعود .
[224/3][من تزوَّج بنقد وكالئ ، النقد إلى وقت البناء ، والكالئ إلى سنة بعد البناء]
*و سئل أبو صالح عن الذي يتزوج بنقد وكالئ ، النقد إلى وقت البناء ، والكالئ إلى سنة بعد البناء .
=فأجاب : هذا النكاح جائز .
[إذا فقدت المراة و لم يعرف موضعها ، فإنها تعمر ويضرب لها الأجل]
*و سئل عن المرأة إذا فقدت و لم يعرف موضعها أتكون المرأة مفقودة، فما سمعت من أهل العلم يضرب لها أجل المفقود من الرجال والنساء ، والتعمير اليوم عند أهل العلم .
(1/276)
________________________________________
=فأجاب : تعمر ويضرب لها الأجل كما يضرب للمفقود ويعمرها أقصى ما يعيش إلى مثله أهل زمانها و قد سمعت ابن عاصم يقول ذلك المائة سنة ، وسمعت من يقول ثمانين سنة ، وإنما حده أن تكون مفقودة إن كان لها شرط أن لا يتزوج عليها فقدت و لم يدر ما فعل الله بها .
[من تزوج امراة فوجدها لا تتنزه من الغائط بعد أن دخل بها]
*و سئل عن الذي تزوج المرأة فوجدها لا تتنزه من الغائط وذلك بعد أن دخل بها ، وكذلك إذا وجدها لا تتنزل من البول .
=فأجاب : قد لزمته وهي مصيبة قد نزلت به ، فإن شاء أمسم و إن شاء طلَّق وعليه الصداق كله عاجله وآجله .
[امراة تزعم أنها حبلى منذ أربع سنين]
*و سئل ابن لبابة عن المرأة تزعم أنها حبلى منذ أربع سنين .
=فأجاب : تتم حاملاص خمس سنين وسبع سنين إذا كانت المرأة لا توطأ و الله أعلم ، فإن الولد ينقبض في الرحم كما تنقبض المضغة ، حتى إذا وطئت انتعش الولد وكبر ، فتبارك الله الخلاّق العليم ، قال وربما كان ذلك أيضاً من الحيضة ، فإذا كانت المرأة حاملاً وحاضت ، فإن ذلك أيضاً ينقبض الولد في[225/3]الرحم ، وإذا لم تحض على حملها كبر الولد إذاً وغاضت الرحم ، و هو قوله تعالى : {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} .
[من قال لرجل طلّق امرأتك وأزوّجك ابنتي ، فلما طلقها أبى أن يزوّجه]
*و سئل عن رجل قال رجل طلق زوجتك وأزوّجك ابنتي ، فلما طلق زوجته أبى أن يزوّجه .
=فأجاب : يخيّر في أحد وجهين : إن شاء قام بصداق امرأته التي فارق ، و إن شاء زوّجه .
[من جهر أخته واشترى لها شواراً وحلياً من ماله وكتب بذلك وأشهد]
*و سئل ابن خمير الذي جهز أخته واشترى لها شواراً وحلياً من ماله وكتب بذلك وأشهد .
(1/277)
________________________________________
=فأجاب : إن كان أخو الجارية التي جهّزها هو وصيها ، فإنه ينتفع بما أشهد ويأخذ من مالها إذا كان جهاز مثلها ، و إن لم يكن وصياً لم ينتفع بما أشهد فإن أدرك من جهازه شيئاً أخذه ، و إن لم يدرك شيئاً لم يأخذه .
[من ورث عن أبيه مالاً وأجهز به أخته و قال لها إنه حقك من إرث أبيك]
*و سئل : عن الذي ورث أبيه مالاً من جهازه شيئاً أخذه وأجهز أخته بعد وفاة أبيه و قال لها قد أجهزتك بجهاز كثير و قد صار عليك ، فاشهدي على أنك قبضت مثل هذا الجهاز في جميع حقك من مال أبيك ، ثم إنها دخلت على زوجها بعد هذا ونزلت بينهما الضرورة ، وأقبلت إلى بيت أمها فقال لها الأخ جددي إشهادك أنك قبضت جميع حقك فيما قد أجهزتك به ، وأنه ليس لك عندنا حق في قرية و لا مال ففعلت ، فأشهدت الجارية بعد ذلك وندمت على ما خدعت ، وقالت أعطني نصيبي من جميع ما خلّف أبي .
=فأجاب : الحكم فيه أن الاقرار الآخر بعد خروجها إلى زوجها وملكها نفسها ، هو الذي يلزمها ، قيل له فإن ثبت أن أمها أقرت بذلك مكرهة في[226/3]وقت خافت فيه إسلام أخيها للضرر الذي كانت فيه مع الزوج ، فقال إن ظهر ذلك وعرف ، كان لها مقال ، إلا أن لهم المحاسبة .
*و سئل : عن الذي تزوج الخادم التي كانت بينه وبين امرأته الموروثة بينه وبين بنيه و لم يعتقهما قبل أن ينكحها .
=فأجاب : تلزمه القيمة ويدفعها للورثة على قدر مواريثهم و هو الصواب إن شاء الله .
[من تزوّج امرأة ودخل على الأيتام وعمل بزوجهم وزويعتهم]
*و سئل : ابن لبابة عن الذي يتزوج امرأة ودخل على الأيتام وعمل بزوجهم وزريعتهم .
=فأجاب : القول القول قوله مع يمينه أنه عمل لنفسه دونهم ويعطيهم مكيلة طعامهم وكراء الزوج والأرض ، و إن كان عمله لهم وطلب الكراء حلف بالله ما عملت إلا لنأخذ الكراء ويأخذه .
[من صرفت كالئها على زوجها وهي صحيحة في بدنها]
(1/278)
________________________________________
*و سئل : عن امراة صرفت كالئها على زوجها وهي صحيحة في بدنها فسخط ذلك وليها فقال الزوج أنا أقيلها فيما صنعت .
=فأجاب : إن كان رد ذلك عليها في صحته فهو جائز ، و إن لم تقبضه فلا يجوز ، و لو قالت قبلت و لم تقبض منه شيئًا حتى مات الزوج ، فلا شيء لها ، وليست مثل الزوج في هذا ؛ لأن الزوج إذا أشهد عليها وقبل صدقتها فهو حوز ؛ لأنه دين عليه .
[وصي زوَّج محجورته وأصدقها زوجها ماله خطر من الحقوق ،
ولما طلب بضم الزوجة أنكر الصداق والزوجية]
*و سئل : ابن لب عن وصي زوّج محجورته وأصدقها زوجها ماله خطر[227/3]من الحقوق ، و لما طلب بضم الزوجة أنكر الصداق والزوجية ، وشهد بما أصدقها شاهد عدل ، والصداق مكتوب لم تقع فيه شهادة هذا الشاهد و لا شهادة غيره .
(1/279)
________________________________________
=فأجاب : الحكم في المسألة أن لا يمين مع الشاهد في حياة الزوج ، بخلاف ما إذا كان ميتًا ، إذ لا يبقى من أحكام الزوجية سوى المال ، فتحلف المرأة حينئذ مع شاهدها وترث على مذهب ابن القاسم ، و أما في حال الحياة فتتعلق شهادة الشاهد بأحكام النكاح ، و لا يصح اليمين مع الشاهد على بعضها دون بعض فبطلت الشهادة ، و لا يثبت النكاح في المسألة بشهادة السماع لعدم البناء على الزوجة وفقد الطول في المدة ، وإنما يثبت النكاح بشهادة السماع إذا كانت المرأة في ملك الزوج وتحت حجابة وطال كونه معها واشتهر ، و إن لم تكن معه كهذه النازلة لعدم الدخول ، فقولان في ثبوته بشهادة السماع ، أحدهما أنه لا يثبت بذلك بإطلاق و هو ظاهر قول ابن القاسم وأشهب ، و الثاني أنه يثبت بذلك إذا كان فاشيًا وطال الزمان طولاً يبيد فيه الشهود ، أقل ما قيل فيه الخمس عشر سنة ، فإن كانت المدة دون ذلك فلا اختلاف أن النكاح لا يثبت إلا بشهادة على الأصل لا على السماع ، وليس الطول المعتبر موجودًا في هذه المسألة ، فإن كان النكاح من الشهرة عند الناس بحيث يدخل في باب العلم والقطع بصحته ، فشهادة الشهود بذلك شهادة قطع لا شهادة سماع ، فتجوز ويثبت بها النكاح فيما طال من المدة وقصر ، و لو ثبت النكاح هنا بهذا النوع من الشهادة أو بشهادة على أصل النكاح من غير تعيين لقدر الصداق ، لحلفت الزوجة مع شاهدها العدل على مقداره إن كانت بالعة ، و لا مبالاة بحجرها في توجه اليمين على الصحيح ؛ لأن التكليف هنا مناط اليمين ، لكن إن نكلت عنها لم يسقط حقها لأجل حجرها ، فيحلف الزوج على نفي المقدار الذي شهد به الشاهد ، ويجبر على شيء يعترف به يلزمه أو صداق المثل ، ثم إذا رشدت كان لها الحلف مع شاهدها وتستكمل ما كان نقصها من صداقها المسمى لها ، و لا يمين على وصي في مثل هذه النازلة بوجه ، والسلام على من يقف عليه من كاتبه فرج ورحمة الله .
[
(1/280)
________________________________________
228/3][رجل راجع امرأته دون إشهاد على الولي ودخل بها]
*و سئل : بما نصه تفضلوا سيدي بالوقوف على الصادق الذي بيد موصله إليكم ، إذ هو راجع امرأته فيه ودخل بها و لم يشهد على الولي إلا ما احتجا به شاهدا المراجعة حين سئلا عن قبيح فعلهما من أنهما شهدا على خطى وأنا مع ذلك لم أكتب اسمي في المراجعة ، مع أن أحدهما لا يقرأ و لا يكتب و إن كان عدلاً في نفسه ، فهل في العقد شبهة لكون المراجعة بخطه أم هو نكاح بغير ولي و هو الظاهر فيفسخ ، و إن فسخ فما المختار من الروايتين في كونه بطلاق أو بغير طلاق ، فإن هذا العقد إذا فسخ بطلاق صادف آخر الثلاث .
=فأجاب : الذي يظهر في خصوص النازلة صحة المراجعة للقطع بصحة الأذن من القاضي فيها لكتبها بخط يده في كتاب الصداق ، وإنما أخر الإشهاد خاصة ، وليس الإشهاد شرطًا في صحة النكاح ، وإنما الشرط معرفة الأذن والرضى ، و قد قالوا في الزوجة إذا لم يشهد عليها لكنها حضرت الوليمة المصنوعة لها في موضع الصنع دون إظهار تأبّ منها و لا نكير ، أن النكاح لازم لها و إن أنكرت الرضى بعد ذلك ، وينبغي في إكمال وثيقة المراجعة ، أن يكتب ثاني شهيديها بعد اسمه ما معناه : أن القاضي لم يشهده في التاريخ المذكور وإنما إشهاده الآن بالأذن في المراجعة المذكورة في تاريخها ، وبحصولها عن رضاه وموافقته بحيث ذكر كما وصف ، و في تاريخ كذا ، ثم يعيد الشاهد الأول على التذييل ويكتب القاضي اسمه في موضع البياض والسلام على من يقف عليه .
[من طلَّق زوجته طلقة مملكة وراجعها دون إشهاد على الزوجين]
(1/281)
________________________________________
*و سئل : عن رجل طلّق زوجته طلقة مملكة وراجعها منها ، وكتب له رسم بين أسطر الصداق ، و لم يقع إذ ذاك إشهاد على الزوجين المتراجعين ، و لا على الولي عم الزوجة عاقد المراجعة عليها ، و لا علم إذنه في النكاح ، إلا أنه فيما ذكر الزوج كان عالماً بالطلاق ، وتراجع الزوجان في تاريخ الطلاق و لم يشهدا كما ذكر ، ويقبل على أحكام الزوجية من حينئذ إلى الآن ،[229/3]و العم في أثناء ذلك مستوطن معهما في قرية واحدة ، ثم إن الزوج طلًّق الزوجة المذكورة طلقة بائنة ، و ذهب الآن إلى مراجعتها ، فوجدت المراجعة كما أخبرتكم ، فهل تُعَدُّ مشاهدة الولي للمتراجعين على أحكام الزوجية مع علمه بالطلاق إذناً في المراجعة ، أم لا تُعَدُّ إذناً إذ يمكن أن يكون إنما علم بالمراجعة بعد وطء الزوج الزوجة و لو مرة ، و على كل تقدير ، ما يكون عليه العمل في شأنها ؟ و هنا زوجان آخران كانا أيضاً قد تراجعا و لم يشهدا لكن المراجعة بخط القاضي كان بهذه الجهة و اسمه مكتوب فيها ، و ذلك و الله أعلم إذن منه ، مع أنه قد كان كتب بأعلى الصداق : يشهد عليَّ في المراجعة على عادة قضاة عصرنا ، و قد طلقت الآن طلاقاً ثانياً .
و هنا أيضاً زوجان آخران قد كتب في صداقهما رسم يتضمن أن الزوج قد كان قال لزوجته : أنت حاكمة نفسك . و أنه قصد بذلك الطلاق ، و لقد راجعها من ذلك بصداق بولاية أبيها ، و لم يشهد على ذلك واحد منهم ، و مكثا بعد ذلك على أحكام الزوجية سنين ، و ولد لهما و هما كذلك إلى الآن من غير إشهاد .
(1/282)
________________________________________
=فأجاب: قد ذكر أهل المذهب أن الإشادة بالنكاح و شهرته مع علم الزوجين و الولي يكفي و إنْ لم يحصل إشهاد ، و هكذا كانت أنكحة أكثر السلف ، و هذا المعنى قد حكى ابن القاسم عن مالك ، فحيث تظاهر الزوجان بالمراجعة و ظهر علم الولي بها و بدخولها ، فلا قدح في صحة النكاح كما في المسألتين الأخيرتين بالمقلوب ، و حيث لم يظهر علم الولي إلا بعد دخول الزوجين ، و يمكن حصول وطء قبل علمه في المسالة الأولى ، فهذا هو الذي فيه النظر ، و الأمر فيه صعب ، لكنهم ذكروا رواية أبي قرة عن مالك في رجل تزوج امرأة ثم طلقها ، أنه يجوز له تزوجه إياها ثانياً ، بأن تعقد هي على نفسها دون ولي ، و عللوا هذه الرواية بأن القصد بالولاية في النكاح النظر في الكفاءة ، و إنما يحتاج إلى النظر في هذا النكاح الأول دون ما بعده من المراجعات ، إذ قد حصلت الزوجية و وقع النظر في كفاءتهما ، و هذا نحو ما يحكى عن بعض الفقهاء أن المرأة إذا عقدت بنفسها نكاحها فإن النكاح موقوف ، فإن وضعت[230/3]نفسها في غير كفء كان للولي الفسخ ، و إن وضعت نفسها في كفء فعلى الولي أن يجيزه و يمضيه ، فإن فعل و إلا أجازه السلطان عليه ، فعلى هذا لا تفسخ المراجعة عليه بعد وقوعها على ما وصف من حالها ، و تنضم في القضية ضميمة تقوي هذا الاعتبار و هي مراعاة قول من قال من أهل المذهب أن الطلاق المملك رجعي ، فإذا كانت المراجعة في هذه النازلة في بقية من العدة ، حسنت مراعاة هذا القول مع ما تقدم ، و قد كان ابن عتاب يراعيه في ارتداف الطلاق في العدة و يفتي بذلك ، فهذا ما عندي ، و السلام على من يقف عليه من كاتبه فرج .
[امرأة طرأت على موضع و ذكرت أنها كانت على فساد و تابت و تريد أن تتزوج]
*و سئل عن امرأة طرأت على موضع و ذكرت أنها كانت على فساد إلى أن ترامت بنفسها في الجامع ، و زعمت أنها تابت و رامت التزوج .
(1/283)
________________________________________
=فأجاب : يثبت أن المرأة المذكورة طارئة على الموضع ، و تصدق في عدم الزوج و فقد عدة منه و براءة الرحم ، و تتزوج بعد اعترافها بذلك كله ، و يذكر إقرارها أنها كانت زوجاً لفلان بموضع كذا ، و فارقها بموت أو طلاق منذ كذا ، و أنها لم تتزوج قط إن كانت تقول ذلك ، قاله فرج(1).
[امرأة غاب عنها زوجها و أثبتت موجبات الغيبة و طلقت نفسها ثم تزوجت]
*و سئل عمن غاب عن زوجه و تركها ، فرفعت الزوجة أمرها للقاضي ، و ثبت عقد بمغيب الزوج ، و بأنه من أهل الفساد و الفجور و بعدمه ، و ليس للزوجة من أين تعدى بنفقتها ، فأجله القاضي شهراً واحداً ، فلما تمَّ الشهر و لم يرجع الزوج من مغيبه ، أمرها القاضي بأن تحلف و أذن لها في الطلاق ، فطلقت نفسها بحكم الاعتبار بالنفقة ، و اعتدت ثلاثة أشهر ، فلما تمت العدة[231/3]و لم يرجع ، تزوجت رجلاً آخر فبقيت مع الرجل الذي تزوجته أربعة أشهر و عشرين يوماً ، و نفست بنتاً و بقيت البنت بقيد الحياة عشرين يوماً ، و ماتت و زعمت الزوجة أنها لم تكن حاملاً حين تزوجت الزوج الثاني ، و أن الحمل كان من الزوج الذي تزوجته ، و وافقها الزوج على ذلك ، و زعم أن البنت المولودة كانت في غير أيامها ، و أنها كانت مستسقطة ، فعسى يا سيدي جوابكم في القضية بما يجب فيها ، و الله سبحانه يبقي أيامكم .
__________
(1) تقدمت هذه المسألة و جواب ابن لب عنها قبل هذا بقريب.
(1/284)
________________________________________
=فأجاب : وقفت على السؤال المكتتب بالمقلوب ، و الحكم في ذلك أن المرأة التي ولدت البنت إن لم يكن بين إصابة الزوج لها و بين ولادتها ، إلا ما ذكر من المدة دون كمال ستة أشهر ، فإن النكاح مفسوخ بحكم الشرع ؛ لأنها قد ظهر أنها تزوجت في عدة أو في استبراء من ماء فاسد عن كان قد طرأ عليها شيء ، فلا يحل لها البقاء على ذلك النكاح ، و إذا فسخ النكاح و لم يكن الزوج وطئها بعد ولادتها ، فقد انقضى استبراؤها من وطئه الذي وطئها و هي حامل ، و إن كان قد وطئها بعد الولادة فلا بد من استبرائها من ذلك الوطء بثلاث حيض ، و بعد ذلك تحل للأزواج بنكاح ، و هل لذلك الزوج أن يتزوجها بعد ذلك الاستبراء أم لا ؟ تنظر المرأة في نفسها ، فإن علمت أنها لم يطرأ عليها شيء لا مع الزوج قبل عقد النكاح و لا مع غيرة ، فلا يحل لها و لا تحل له أبداً على المشهور ؛ لأنه قد ظهر أنه تزوجها و دخل بها في العدة من الزوج الذي كان قبله ، و إن علمت أنه طرأ عليها طارئ مع ذلك الزوج أو مع غيره قبل تزوجها ، و ظهر لها أن تلك البنت كانت من الوجه المحرم في الشريعة ، فلهذا الزوج أن يتزوجها بعد الاستبراء المذكور على المشهور(1)و السلام على من يقف عليه من كاتبه فرج .
[إذا جرت العادة بقبض نقد الصداق و لم يقع إشهاد بذلك ، فالعبرة بالإشهاد]
*و سئل عما جرت به العادة في نقد الصداق ، فإنه يشهد بقبضه من غير[232/3]قبض ، و ربما يقبض فيأخذ منه قابضه من ثلاثين درهماً و نحوها ، ثم يرد سائره على الزوج ، ثم يقع موت أو فراق قبل الدخول ، فتريد الزوجة أو ليها أخذه أو أخذ نصفه إذ لم تقع شهادة بقبضه ، أو يريد الزوج بعد الفراق و التحاسب له مما يجب عليه إذا كانت الشهادة قد وقعت بقبضه .
__________
(1) تقدمت هذه المسألة وجواب ابن لب عنها ، و لا ندري ما الداعي إلى هذا التكرار .
(1/285)
________________________________________
=فأجاب : الحكم فيها أن التعويل على الإشهاد فيناط به حكمه ، و التسامح الجاري بالعادة لا يتجرد و لا يرتبط بشهادة ، و هو أمر طارئ على الأصل يقتضي مخالفته ، فإن ظهر عمل بمقتضاه ، و إن لم يظهر رجع إلى الأصل ، لكن ذلك العرف يوجب يميناً على من ينفيه إذا قام به من يدعيه .
[امرأة الأسير أو المفقود إذا كانت مدخولاً بها ، لها حق المطالبة بالنفقة]
*و سئل عن امرأة الأسير أو المفقود إذا كانت مدخولاً بها ، هل يفتقر في استمرار نفقتها لأن ترفع أمرها إلى الحاكم أم لا ؟ و إن أنفقت على نفسها من مالها مدة ، ثم ترفع أمرها إلى الحاكم تطلب ما أنفقت ، هل لها ذلك أم لا ؟
=فأجاب : وقفت وصل الله سيادتكم الفاضلة على مكتوبكم في المسألة ، و الحكم في الزوج الغائب عن زوجه بفقد أو أسر أو غيرهما ، و قد كان بنى عليها ، أن لها نفقة في ماله إذا قامت بذلك من لدن قيامها باتفاق ، فإن طلبت نفقة مرة ماضية ، زعمت أنها أنفقت فيها على نفسها من مالها إذ لم يترك عندها شيئاً ، ففي المذهب قولان : أحدهما أنها تحلف و يكون ذلك لها ، و حلفها على أنها أنفقت من مالها لترجع بذلك عليه ، و أنه لم يترك عندها شيئاً . و القول الثاني أن لا شيء لها ، و مشهور المذهب المعمول به أن رفعها أمرها هو الموجب لاستحقاق ذلك بالحكم ، و في المذهب أيضاً قول شاذ أن لا نفقة لها عليه في مدة ماضية ، و إن كانت رفعت أمرها فتجيء الأقوال ثلاثة في المدة الماضية : الثبوت ، و النفي ، و التفصيل بين أن تكون قد رفعت أولاً ، و موضع الوفاق إذا طلبت من يوم الرفع لكن لما يستقبل .
[233/3][من تملك بامرأة بكر و ضرب بينهما مهر ، و دفع ما كان مشروطاً عليه من حقوق ثم توفي]
(1/286)
________________________________________
*و سئل سيدي أحمد الشريف عن رجل تملك بامرأة بكر و ضرب بينهما مهر و كانت لنظر أبيها و أمها ، فلما أتاهم بشيء من الحق المشروط كالكتان و الفستول قبلوه منه , و أتاهم بحوائج أخر قبلوها منه ، فلما طلبها للبناء نفروا منه و قالوا له : لا نعطيها لك أبداً . و ردوا الحوائج التي دفعها لهم ، فقال الزوج : لا أطلق زوجتي ، و لا أسلم فيها ما دمت حيّاً و دامت هي . فطال أمرها مدة من عامين ، ثم مات الزوج المذكور قبل موتها ، و هو لم يبن بها ، فلما مات طلبت إرثها فيه و حقها ، فهل لها شيء أم لا ؟
=فأجاب : إن وقع النكاح على الوجه الموصوف فيه فمات الزوج ، فللزوجة ميراثها و صداقها ، و الله الموفق .
[من تزوجت برجل و فوضت أمرها لابن عمها فزوَّجها منه ثم توفي ابن العم و الزوج]
*و سئل عن امرأة تزوجت برجل و فوضت أمرها لابن عم لها ، فزوَّجها له ، فلما توفي عنها و توفي ابن عمها ، و خلَّف ابناً له ساكناً بحصن نبيانة ، فانتقلت المرأة للمرية ، فتزوجت بها برجل ، و أنكرت ابن عمها , و اعترفت بأنها لم يبق لها عاصب يزوجها إلا القاضي ، و فوضت أمرها إليه فزوجها ، فلما علم ابن عمها بزواجها ، استظهر برسم ثابت بالقرابة و التعصب بينهما ، و كان لا يمنعها من التزويج ، فلما أنكرته ، و لم تشاوره في التزويج أراد فسخ النكاح ، فهل له ذلك أم لا ؟ فأجاب : النكاح ثابت لا سبيل إلى فسخه ، قاله أحمد الحسني .
[من أشهد بأسباب لابنته تتجهز بها لزوجها ، و توفي في بقية اليوم الذي أشهد فيه]
*و سئل عن رجل عمل أسباباً من شاكلة النساء ن و كانت له بنت[234/3]فأصابه مرض ، فأشهد على نفسه أن الأسباب المذكورة مال البنت و متاعها تتجهز بها لزوجها ، و توفي المشهد المذكور في بقية اليوم الذي أشهد فيه ، فهل تصح الأسباب للبنت أم لا ؟
(1/287)
________________________________________
=فأجاب : ما عمله الأب لابنته من الأسباب ليجهزها به إن أشهد بذلك في صحته أو أقر الورثة به ، و أنه كان مسمى و منسوباً إليها ، فهو ملكها لا دخول لأحد معها فيه إن حازته هي أو أمها في حياة أبيها ، و حوز هذا ما ذكروا ، و الله الموفق ، قاله و كتب أحمد الحسني .
[من تطوع في عقد الصداق بالنفقة على أولاد زوجته]
*و سئل سيدي أبو عبد الله السرقسطي عن رجل تزوج امرأة و لها أولاد من غيره جعلتهم عليه في عقد النكاح على وجه الطوع ، إن انفق عليهم لا يطالبهم بشيء ، فأنفق عليهم ستة أشهر ثم قطع عنهم النفقة ، و أعلن بذلك و طلب منها و من شقيقها عمل أملاك الأولاد و ينفق عليهم منها ، فأبت الزوجة و شقيقها من ذلك ، و قالا له : تنفق عليهم من مالك على شرط أن تأخذ في مقابلة نفقتك حكر أملاك الأولاد ما بلغت ، فهل يجوز هذا الشرط ؟ بيِّنوا لنا ما يجب في ذلك .
=فأجاب عن السؤال بمحوله ، أن النفقة من الرجل على أولاد زوجته إن كانت بالطوع منه بعد العقد ، لزمته ، و لم تسقط عنه ، و إن كانت بالشرط في العقد فسد به النكاح ، لكنه إن لم يفسخ حتى دخل مضى النكاح ، و ردَّت الزوجة إلى صداق مثلها ، و سقطت التسمية ، و رجع زوجها بما أنفق في مال الأولاد ، و الإنفاق عليهم بحكر مالهم لا يجوز ، لما فيه من الجهل بهذا الحكر .
[من تزوج بكراً و دخل بها فألفاها تبول في الفراش فلا يردها]
*و سئل المواق عن رجل تزوج بنتاً بكراً في حجر والدها ، و عقد عليها والدها ، و بنى زوجها المذكور بها ، وبعد بنائه عليها ألفاها تبول في الفراش كل ليلة بولة ، فشق ذلك على الزوج لما يلحقه من الضرر بسبب ذلك ، و أراد أن[235/3]يردَّ البنت المذكورة على والدها ، و يردَّ الوالد عليه جميع ما أعطاها من الصداق و يقول : غرَّني بذلك . و والد البنت ينكر ذلك و يزعم أن ابنته المذكورة لم يكن بها شيء من ذلك ، فهل للزوج في ذلك مقال أم لا ؟
(1/288)
________________________________________
=فأجاب : لا ترد المرأة إلا بالعيوب الأربعة خاصة و إن ألحقوا العذيطة فضررها هو عند الجماع ، و لا ضرورة تدعو لمباشرة الزوجة إلا عند الجماع ، و العيب المذكور لا يضره عند الجماع ، مع أن الخيار إنما يكون ما لم يتلذذ ، و الرجل المذكور في هذا الخصام يتلذذ و يفضي إلى أهله ، فلا يحل له أن يأخذ شيئاً مما أعطاه ، إما إمساك بمعروف أن تسريح بإحسان .
[من تزوج رجل يطيل الجماع و لا ينزل ، فليس لها الحق في تطليقه]
*و سئل القاضي ابن منظور عن رجل تزوج بكراً يتيمة مهملة و بنى بها ، و بقيت عنده نحو أربعة أشهر من يوم بنائه بها ، ثم نشزت عنه لدار أمها ، و طلبت بالرجوع لدارها ، فأبت في الرجوع ، و ترددا معاً لمجلس القاضي منذ نحو ستة أشهر ، و ترد لدار زوجها و تهرب عنه ، و هي تدعي أن زوجها يمكث في جماعها مدة طويلة حتى يلحقها من ذلك ضرر عظيم لا طاقة لها به ، و تدعي مع هذا أنه يطيل الجماع . و لا ينزل ، و كان قد ظهر بها منه حمل ، فقيل لها : فهذا الحمل من حيث هو ؟ فقالت : منه ، إلا أنه مكث من حين بنائه بها نحو نصف شهر يجامع و ينزل من غير طول و لا ضرر ، ثم بعد ذلك صار يطيل الجماع كثيراً و لا ينزل ، و هي الآن قد نفست الحمل الذي كان بها منه ، و هي تأبى من الرجوع له الإباية الكلية ، بحيث لا تجلس بداره ساعة واحدة ، و قد عنفت على ذلك ، و هي تأبى و الرجل منكر لجميع دعواها ، و الأمر قد بلغ بينهما إلى أمر عظيم ، حتى إنها تقول : تقتل و لا ترجع إليه . فبيِّنوا لنا ما يكون حكم الله .
=فأجاب : الجواب بتوفيق الله ، أن ما ذكرت المرأة هو من المصاب النازل الذي لا يلتفت إلى من يدعيه ، و الوجه أن تصبر لحكم الله و قضائه ، و لا بأس[236/3]أن يوعظ بالرفق بها ، و إن رغبته في الفراق و يريد فذلك لهما ، و إن لم يرد فلتصبر و في الصبر خير كثير ، قاله ابن منظور وفقه الله .
(1/289)
________________________________________
=و أجاب : غيره تأملت السؤال بمحوله و وقفت عليه ، الجواب بتوفيق الله ، أن المرأة لما أقرت بحدوث العيب الذي ادعته بزوجها بعد دخوله بها ، فإقرارها يستلزم عدم قيامها به ، و هي مصيبة نزلت بها .
[من تزوجت على شرط أن يسكن بها زوجها مدينة معينة]
*و سئل المواق عن امرأة تزوجت على شرط أن يسكن بها زوجها مدينة بلش ، و أن هذا الرجل تنقام معيشته بصياظن أكثر منها ببلش .
=فأجاب : لهذا الرجل أن ينتقل بزوجته حيث تتهيأ له معيشته ، و لا مقال لزوجته إذا كان غير شديد .
[من تزوج ابنه عمه و أصدقها النصف من جميع أملاكه ، ثم باع موضعاً منها]
(1/290)
________________________________________
*و سئل الأستاذ أبو سعيد بن لب رحمه الله عمن تزوج بنت عمه ، و ساق لها النصف من جميع أملاكه ، و بعد بنائه عليها بنحو خمس عشرة سنة ، باع موضعاً من سياقته من رجل أجنبي بثمن على نجمين ن فقام والد البنت على المشتري و أراد الأخذ منه بمقتضى عموم السياقة و بالشفعة ، و ثبت صداق بنته و ثبت رسم مضمنه أنه جدد الحجر عليها بقرب البناء ، و زعم المشتري أن بنت القائم زوجة البائع لا حق لها في المبيع بوجه ، إما لأن المبيع لم يدخل في السياقة ، و إما لأن الوالد كان أخرجها عن حظها ، إذ كان الوالد قد اشتراه لابنته من صهره البائع من المشتري ، ثم أقاله فيه و استظهر برسم نصه بعد سطر افتتاحه : كان فلان قد اشترى من ابن شقيقة قسيماً شرفيّاً من موضع المنية و قبلية مخدع ، و جوفيه فلان ، و شرقية باقي المنية ، و غربية طريق ، بثمن قدره ، و قبيلية قدره كذا ، تخلص البائع من جميعه بالقبض عن يد و بالإقطاع ، و نفذت الإقالة بين المتبايعين المذكورين في القسيم المذكور بمثل الثمن صفة و عدداً نفوذاً تامّاً ، عاد به القسيم المذكور إلى ملك البائع المقال كما كان قبل البيع ، و حل فيه محل[237/3]ذي المال في ماله ، على السنة و المرجع بالدرك ، و لم يبق للعم المقيل المذكور في القسيم بقية حق بوجه و لا بحال ، و بعد معرفتهما بقدر ذلك ، و بعد تقييد الإشهاد و التاريخ ، و من إشهاد المقيل ، أنه اقتطع من العدد المقال عليه كذا ، قبضه من شراء مال بنته زوج المقال ن و في تاريخه و تقييد أيضاُ أسفل رسم بالخلاص و العدد المقال عليه من شراء مال بنته زوج المقال ، و في تاريخه ، و في كل واحد من الرسميين شاهد واحد عدل ، فهل ما ظهر من شراء الأب من الزوج و عموم الرد عليه في الإقالة ، مؤذناً بذلك ، فهل يعد الأب بشرائه لنفسه مسقطاً للشفعة ، بيِّنوا لنا الحكم في ذلك مأجورين عليه مثابين ، و الله يبقي أيامكم و السلام الكريم يخص مقامكم العلي من صنيعة
(1/291)
________________________________________
إفادتكم بفلان و رحمة الله و بركاته .
=فأجاب : وقفت وصل الله سيادتكم الفاضلة ، و حفظ مجادتكم الكاملة ، على مكتوبكم في المسألة ، و إذا ظهر دخول ذلك الموضع في حكم السياقة ، فقد وجب نصفه بسبب ذلك للزوجة ، و يظهر ذلك بتاريخ السياقة إذا ظهر سبقه لتأريخ البيع الأول ، و إذا ثبت تملك الزوجة لنصفه بالسياقة ، فلا يخرجها عنه بيع الزوج لجميع الموضع من الأب ؛ لأن الزوج هو الذي باع حظ المحجورة لنفسه , و ليس ذلك بيده ، و الأب الذي ذلك بيده لم يبع عليها شيئاً ، و إنما اشترى منه لنفسه ، و لم يتول البيع على بنته ، و لما وقعت الإقالة نفذت في حظ الزوج الذي كان مبيعاً ، و بقي حظ البنت على ملكها ، فللأب استحقاق حظ البنت ، و هي الزوجة من يد الأجنبي المشتري لجميع الموضع ، و إن يشفع لها في سائر الموضع على سنة الشفعة ، لكن الاستحقاق المذكور من يد المشتري يتوقف على موجبه ، و لا يكفي فيه عقد السياقة ، بل لا بد من عقد المال و الملك في جميع الموضع للزوج لم يبعه ، و لا فوته في علم شهوده إلى أن عقد في نصف أملاكه ، و الموضع المذكور من جملة سياقته لزوجه فلانة عند عقد نكاحها عليها ، المؤرَّخ بكذا حسبما يحكيه رسم الصداق ، و لا يعلمون تفويت حظ الزوجة من ذلك الموضع عليها من قبل أحد يملك ذلك عليها[238/3]بموجب شرعي ، إذ هي في حجر والدها بموجب ذلك ، إلا ما ذكر لكم من بيع زوجها لجميع الموضع بيعاً لا يعلمون صحته بموجل يسوغ ذلك له في حظها ، و يكتب في خاتمه رسم الاسترعاء و من علم ذلك حسب نصه ، و اتصل في علمه ، و يعرف من ذكر و صحة ما وصف ، و اتصل في علمه حتى الآن بحوز الموضع المذكور كما يجب ، قيد بذلك شهادته في كذا ، و تجب الحيازة على العادة ، و يحلف الأب يمين الاستحقاق لبنته أنه ما باع على بنته ، و لا فوت بوجه يلزمها شرعاً ، إلى آخر النص المتعارف في ذلك ، و بعد هذا كله يجب نصف الموضع لجهة البنت بالاستحقاق ، و للأب أن
(1/292)
________________________________________
يشفع لها في النصف الآخر الذي نفذ البيع فيه ، و هو حظ الزوج إن رأى ذلك نظراً لها ، و لا بد من ثبوت كتاب الصداق ، و رسم شراء المشفوع عليه ، و رسم تجديد الحجر على البنت و قد تقيد فيما تقيد هنا كلا العقدين : عقد الأب و عقد إقالته ، غير مؤذن بقطع حقِّ البنت التي هي الزوجة لا في ملكها ، و لا في شفعتها الواجبة لها ، و لا يصح أن يكون فعل ذلك مخرجاً لها عن حقها ؛ لأنه لم يقصد وجه المصلحة للمحجورة في تفويت أصلها حين لم يستشعر أن البيع وقع عليها ، و إنما قصد مصلحة نفسه ، و معاينة الزوج البائع منه فيما اعتقد أنه على ملكه ، و تفويت أصل المحاجير ممن بيده ذلك شرط مراعاة المصلحة لجهته ، و محمله أنه قصدها ، و لا يصح أن يقصدها حتى يستشعر محلها ، و الواجب في شهادة شاهد واحد على البيع ، و الإقالة ، و شاهد آخر على التخليص من ثمن ذلك الشيء ، و أن تلفق الشهادة على صحة بيعه لاجتماعهما على ذلك بالإشهاد ، و يبقى التخلص من الثمن بشاهد واحد ، فيجري على حكمه ، و إذا صح العقد بالشهادة الملفقة ، فلا حاجة إلى النظر في بينة المشتري ، لا سيما و الشفعة ثابتة لمن وجبت له في محلها على ما سبق ، و قد ظهر في هذه النازلة بالنسبة إلى حظ الزوج المشفوع فيه أنه قد تداولته ثلاثة عقود شراء : الأب أولاً ، و إقالته ثانياً ، و شراء الأجنبي ثالثاً ، مع ثبوت ملك البنت لحظها في الشركة السابقة فيها كلها ، و القاعدة أن الإقالة في باب الشفعة حل بيع ، و إن الشفيع يتخير في العقود المتعددة فيأخذ بأيها شاء ، و إنما يؤخذ للمحجورة[239/3]بالأرفق في الثمن ، فللأب هنا أن يأخذ للبنت شفعتها بأقل الثمنين : ثمن المبيع من الأب ، و هو قدر ثمن الإقالة ، و ثمن المبيع من الأجنبي في صفقة الأجنبي دفع له من تلك الحصة ، و كانت عليه العهدة ، و إن أخذها على صفقة البيع الأول و الإقالة منه ، دفع إلى المشتري الأجنبي على أخذ الموضع من يده قدر الثمن الأول
(1/293)
________________________________________
للحصة ، و رجع بفضل ثمنه على من قبضه منه ، و تكون العهدة على المبتاع الأول في الأخذ على شرائه أو على الإقالة منه ، إلا أن تطول المدة في تلك الإقالة فتكون العهدة على المالك فيها و هو البائع الأول ، و إلا لم تبطل الشفعة في العقود المتعددة في مثل النازلة ، لعدم العلم بوجوبها ، فحين علم بها توجه القيام بها ، و هذا في محلها ، و هذا الكلام المتقدم في بقاء البنت على حقها في ملكها ، و شفعتها إنما هو إذا كان الأب حين اشترى من الزوج غير عالم بوجوب حق البنت في ذلك الموضع ، ثم علم بعد ذلك و قام به ، أما إن كان حين اشترى الموضع عالماً بذلك فقد أعمل إخراجها عن حظها ، و أوجب لها ثمنه ، باشترائه الجميع ، و يبقى النظر في الإقالة بعد ذلك ، هل كانت على عود الموضع إلى حاله الأول من اشتراك الزوجين فيه ، فيكون الأب قد أعمل الإقالة على البنت في حظها ، فعلى هذا تجب لها الشفعة على المشتري بعد ذلك ، و كانت الإقالة كبيع من الزوج لجميع الموضع أفرده الأب بملكه ، فعلى هذا لا شفعة لها بعد ذلك على أحد ، إذ لم يبق لها حظ فيه تستشفع به ، لكن ما اجتلب في السؤال من نص الإقالة المكتتبة ، يقتضي بأن الأب و الزوج إنما عملا على أن الملك إنما كان للزوج وحده قبل البيع و عاد إليه بسببها فيجري الحكم في ذلك على ما تقدم أولاً ، و إن وقع استبهام في تاريخي السياقة و البيع على ما ذكره بعض من سأل عن حكم النازلة ، فالإثبات إنما هو في جهة الزوجة ؛ لأن الأصل بقاء ملك الزوج على ما تحت يده و استمرار ملكه ، فإن لم يثبت في ذلك شيء فاليمين للمحجورة على زوجها ، فإن حلف برئ ، و إن نكل فقولان : أحدهما أنه يجب لها حقها الآن ، و ترجى له اليمين عليها تحلفها إذا رشدت ، إن كانت تدعي تحقيقها . قاله ابن الهندي .
(1/294)
________________________________________
قال : روي في اليمين التي تجب على المحجور أنها ترجى عليه إلى انطلاقه ، قال : فإن[240/3]ادعى المولى عليه حقّاً لم يقم له شاهد فرد الرجل اليمين عليه بنكوله عنها لم يحلف المولي عليه ، و يلزم المدعى عليه الغرم بنكوله ، و ترجأ يمين المحجور إلى حال رشده و القول الثاني أن البنت المحجورة تحلف بعد نكول زوجها و تستحق حقها قاله ابن سهل في نوازله "على حلف المشهود له مع شاهده في حق يشهد له به" ، و هنا انتهى ما حضر تقييده في النازلة و الحمد لله ، و السلام على سيادتكم من معّظمها و مكبِّرها فرج .
[من ساق لزوجه في كتاب صداقها نصف أملاكه ، ثم عقد معاوضة في بعضها]
*و سئل : عن رجل ساق لزوجه في كتاب صداقها نصف أملاكه ، و كان منها ملك صار له بعهد في ثلث من بعض قرابته ، فوجب لها فيه نصفه بسبب السياقة ، ثم اتفق أن عاوض الزوج بالملك الذي كان له في الثلث بأن خرج عنه عوضًا عن فدان صار له بالمعاوضة مع وارث ورثه سدسًا في موروثه ، ثم عاوض أيضًا بذلك الفدان الذي كان عن السدس بأن خرج عنه عوضًا عن ماء معد للشرب ، وجب له جميع الماء بهذه المعاوضة ، ثم قامت زوجة الرجل السائق المعارض طالبة حقها و الواجب لها فيما فعل عليها زوجها ، زاعمة أنها لم تعلم و لم تأذن ، و هي تريد نقض المعاوضة الأولى في حظها الواجب لها بالسياقة ، و الشفعة في حظ زوجها أن تمسك المعاوضة معه .
(1/295)
________________________________________
=فأجاب : الواجب أن تحلف يمينًا بالله تعالى أنها ما علمت بالمعاوضة ، و لا أذنت فيها ، و لا اعترفت برضاها بها إذ قد ادعي عليها ذلك و طالت المدة بعدها ، و ذلك بعد الإعذار إلى من ذلك بيده ، و النظر فيما عنده في ذلك و مقطع حجته ، ثم تستحق بعد ذلك أخذ حظها مشاعًا و تشفع إن شاءت فيما بقي بعد المستحق من يده على ما يجب في ذلك و السلام على من يقف على هذا مسئولاً منه فرج . و للزوجة المسوق لها أن تجيز فعل زوجها في المعاوضة الأولى ، و يكون لها بالتحويز المذكور نصف الفدان عوضًا عن نصف الثلث المعهود به ، لكن زوجها كان قد عاوض بذلك الفدان قبل تجويزها لفعله[241/3]و صار له بالمعاوضة به الماء المذكور ، فإنما لها الآن إن جوزت فعله حظها من الفدان المقابل لثلث في المعاوضة الأولى ، و لو كان الفدان لم يعاوض به ما كان لها فيه شفعة ؛ لأنها إنما تملك حظها منه بالتجويز ، و المعاوضة فيه سابقة لملكها ، و السلام على من يقف عليه من كاتبه فرج .
[من اشترى من رجل موضعًا و كان للبائع زوجة كان أصدقها النصف من جميع أملاكه]
(1/296)
________________________________________
*و سئل : عن رجل اشترى من رجل موضعًا و للبائع زوجة تزوجها منذ ثمان عشرة سنة ، و كان ساق لها في عقد صداقها النصف الواحد من جميع أملاكه ، و هذا الموضع المشترى باعه والد الزوجة بتاريخ مجهول في عام أربعة و خمسين ، و تاريخ الصداق في عام أربعة و خمسين أيضًا ، و بقي الموضع بيد والد الزوجة من ذلك الوقت إلى منذ عامين ، يعمره و يستغله ، و عقد والد الزوجة مع الزوج البائع في الموضع المذكور إقالة منذ عامين كما ذكرت ، و لم يذكر للزوجة في الموضع المذكور خطأ لا في عقد بيعه من والدها و لا في عقد الإقالة ، فلما باع الزوج الموضع المذكور ، قام والد الزوجة على المشتري يطلب حظ ابنته و يشفع عليه ، و لا هو الموضع محدود في الصداق ، و إنما هي السياقة للنصف من جميع أملاكه ، و أثبت والدها الصداق و قام على المشتري يطلب الحظ و الشفعة ، فبيّنوا لنا يا سيدي ، إن كان يثبت له هذا الموضع بالصداق ، و تكون فيه شفعة حيث البيع وقع فيه و الإقالة ، و هل تجب على والد الزوجة يمين : هل كان شراؤه قبل السياقة أو بعدها ، و أنتم مأجورون مشكورون ، و إن كان يا سيدي تجب اليمين على والد الزوجة ، فهل تنقلب على المشتري أم لا و الله يبقيكم .
(1/297)
________________________________________
=فأجاب وقفت على السؤال المكتتب ، و الحكم في ذلك أن الزوجة المسوق لها ما ذكر ، إن كانت مالكة أمر نفسها وقت البيع الأول من والدها و وقت الإقالة التي انعقدت بينهما ، و هي إذ ذاك عالمة بالسياقة المذكورة ، و بانتظامها لذلك الموضع ودخوله فيها و لم تتكلم و لا قامت في ذلك بشيء ، فلا[242/3]مقال لها إلا في حظها من الثمن قبل الزوج بعد أن تحلف يمينًا بالله تعالى أنها ما سكتت عن طلب حقها هذه المدة كلها رضي بسقوط حقها جملة ، و إن اعتذرت أنها لم تعلم بدخوله تحت السياقة إلا وقت قيامها بحقها ، و ظهر دخوله تحتها ، فلا بد من حلفها على أنها لم تعلم بذلك ، وكانت على حقها في الشركة في الموضع و في الشفعة في السائر ، و إن كانت محجورة لوالدها و كان وقت البيع والإقالة عالماً بحق بنته في البيع و لم يذكر ذلك ، فهو مسلم في خروجه عن ملكها ، و يبقى الطلب في الثمن بقدر ما ينوب حظها ، و إن ظهر الآن دخوله في السياقة و لم يكن ظهر قبل ذلك و ثبت حال السياقة ، فيستحق لها حقها في الملك و الشفعة ، و إن كان دخول ذلك الموضع تحت السياقة بحيث لا يظهر بوجه الاستبهام الأمر في تاريخ النكاح بالسياقة مع تاريخ البيع ، فلاحظ لها في الموضع في أصله و لا في الشفعة فيه ، و على الزوج اليمين فيه ما نكحها إلا بعد البيع ، فإن حلف فلم يبق لها حق ، و إن نكل عن اليمين وجب لها قبله حظها من الثمن ، و لا مقال لها في الأصل لتعلق حق المشتري ، فلا يؤثر فيه نكوله ؛ لأنه لو أقر بحق لغيره بعد بيعه ، لم يقبل منه إلا فيما يجب عليه من الثمن ، و إنما اليمين هنا في جهة الزوج ، و السلام على من يقف على هذا من كاتبه فرج ورحمة الله و بركاته .
[من توفي عنها زوجها وقامت على تركته بكتب صداقها]
(1/298)
________________________________________
*و سئل : عن رجل توفي وقامت زوجته على تركته بكتاب صداقها معه و وقع فيه وهديته نصف خادم تكون قيمتها مائة دينار واحدة ، و تمسك الورثة سوى الزوجة بمقتضي اللفظ و ادعت الزوجة أن المائة دينار هي قيمة نصف الخادم ، لا قيمة جميع الخادم ، و في رسم الصداق شهود ثلاثة أحدهم صهر الزوجة زوج بنتها من غير هذا الزوج ، و الآخر صهره و كان المتوفى قد تزوج زوجة ثانية لهذه الزوجة ، فقامت عليه برسم بشهادة الشاهدين المذكورين ، يتضمن أنه شرط لها في تاريخ انعقاد زوجيتها أن الداخلة عليها حرام ، و أنه قد ملكها أمر نفسها ، و أن توقع ما شاءت من الطلاق ، و خرجت عنه و أرادت[243/3]فراقه إن سوغه الحاكم لها ، فأثبت الزوج حدوث عداوة بينه و بين الشاهدين ، وردت له بالحكم بعد رد شهادتهما بالعداوة و هل هذا قادح في الاعتماد عليها في تفسير ما وقع في الوثيقة من كون المائة دينار قيمة النصف أو الجميع ، و الشاهد الثالث بربري من أيمة القرى ، و قد كتب بعد اسمه شهد على مضمنه إلا الولي ، فإنه لم يشهد عليه بل شهد على شهادة الشاهدين على ما سوى الولي ، و هذا الآن بعمل الإقليم ، فأدي لدي القاضي بها على مضمن الصداق ، و علي المائة دينار الفضية المذكورة فيه ، إنما هي قيمة نصف الخادم ، لا قيمة جميع الخادم ، و على ذلك انعقد النكاح و لم يتعرض القاضي لما ذيله الشاهد بعد اسمه ، و إن لم يكن ما ذيله بعد اسمه مسقطاً لتفسيره ، فهل يمكن الورثة في القدح فيه بغير العداوة ، بّينوا لنا الحكم في ذلك .
(1/299)
________________________________________
=فأجاب : وقفت وصل الله حفظكم و رضي عنكم على مكتوبكم في هذه المسألة ، و مقتضي ما جلبتموه من كتاب الصداق ، و من قوله وهديته خادم تكون قيمتها مائة دينار واحدة ، أن ها القدر هو قيمة النصف لا قيمة الجميع لوجهين ، أحدهما أن ذكر قيمة الجميع فيه غير محتاج إليه ، فلا يحمل اللفظ عليه ، مع إمكان حمله على موضع الحاجة ، و الآخر أن ذلك القدر المذكور يشبه قيمة النصف و لا يشبه قيمة الجميع ، و لا علينا في المسألة من ضمير التأنيث لأنه عائد على النصف بمعني أنها هدية ؛ لأن النصف هو الهدية ، و ما ذيله الشاهد البربري يصح اجتماعه مع ما فسره في أداء الشاهد شهادته ؛ لأنه قد يكون تلقي ذلك التفسير من الشاهدين في شهادته على شهادتهما ، و السلام عليكم و الرحمة و البركة من كاتبه فرج .
[من أمتعته زوجته في جميع ما يعلم لها من أملاك و عقار]
*و سئل : من قبل القاضي أبي يحي بن عاصم عن مسائل من المتعة و نص السؤال سيدي صدر العلماء ، و علم الفضلاء ، أبقي الله إفادتكم ، وحرس مجادتكم ، لكم الفضل في تأمل المسائل التي تتفسر ، و الجواب عنها بما يعتمد عليه فيها ، يعظم الله أجركم و يشكر إفادتكم الأولي : رجل أمتعته زوجته في[244/3]جميع ما يعلم لها من أملاك و عقار ، و قد كان انعقد فيها كراء قبل الإمتاع ، ما يكون للممتع من ذلك ؟ و من أي وقت يكون ؟ الثانية و أمتعته أيضًا في منجر لها بالإرث في الإشاعة مع سائر الورثة من عقار و أرض و غير ذلك ، ما الذي يجب له فيها ؟ الثالثة و أمتعته أيضًا في الانتفاع بفائدة كسب شباك صيد ورقيق ، هل له منعها من التصرف في ذلك أو في شيء منه ببيع أو تفويت بغير أذنه ؟ الرابعة و من الأملاك الممتع فيها ودخل تحت حكم المتعة موضع تروم الممتعة أن تنفرد به لنفسها و تولت مؤنه قصب سكر فيه ، تروم إزاحة الزوج عنه ، ما الذي يجب له فيه ؟
(1/300)
________________________________________
=فأجاب : وقفت يا سيدي وصل الله سيادتكم ، وحفظ مجادتكم على المسائل المكتتبة يمنى هذا الصفح ، فأما المسألة الأولي فالكراء فيها فيما بقي من مدة للزوجة الممتعة إذا لم يذكر في عقد المتعة ، إلا أن ترضي بالخروج عنه لزوجها ، فتكون هبة من الهبات ، فإن ادعي الزوج عليها دخول ذلك في المتعة و أنكرت ، فالقول قولها من غير يمين عليها على القول الصحيح في دعوى المتبرع و أما المسألة الثانية فإن الزوج الممتع فيها يصير شريكاً في المتعة في قدر حظ الزوجة الممتعة مع سائر ورثة الموروث ، فإما أن يعمر الأرض معهم ، و تقسم الغلة على تلك النسبة الموروثة ، و إما أن يقتسموا الأرض قسمة الاستغلال فيعمر موضعًا معينًا بالتراضي أو يقتسموا قسمة تملك ، فيتعين حظ الزوجة بالقسمة ، و من أدعى من الورثة أو الزوج أو الزوجة إلى قسمة التمليك أجبر من ابتني فيما يحتمل القسم و لا يكون الوجهان الأولان إلا بالتراضي .
و أما المسألة الثالثة فحكمها منع الزوجة من التفويت لما أمتعت فيه زوجها ؛ لأنه قد ملك عليها الانتفاع بتلك الأعيان ، فلا تصرف لها فيه إلا بإذنه ، و أما المسألة الرابعة فلا سبيل فيها إلى استغلال الزوجة بالانتفاع لنفسها فيما أمتعت فيه زوجها إلا برضاه ، فإن هي فعلت ذلك بغير إذنه ، فله عليها الكراء لمن شاء و بالله التوفيق .
[245/3][ من أنكحها أخوها بإذنها و بعد عام قامت تدعي أنها كانت غير بالغ]
*و سئل عن بكر يتيمة أنكحها أخوها بإذنها ثم بعد ذلك بنحو عام قامت تدعي أنها كانت غير بالغة عند انعقاد النكاح عليها ، و تطلب فسخه و الزوج منكر لذلك ، و ذكر في الصداق بالغ في سنها كما يكتب في الصداقات و أمها هي القائمة بذلك عنها إذ هي وصي عليها .
(1/301)
________________________________________
=فأجاب : النكاح لازم للبنت المذكورة ، و لا يسمع فيه قولها بتكذيب نفسها إذ وقعت الشهادة عليها و هي معترفة ببلوغها فلا يقبل منها إنكارها لما اعترفت به أولا ، وكذلك الأم لا مقال لها في ذلك لحضورها ، و على هذا فالعقود محمولة على الصحة ، لا يقبل فيها دعوى لفساد دون بيان لا سيما مع الاعتراف بموجب الصحة عند العقدة .
[من تزوج امرأة و أرسل إليها عند إرادة البناء حوائج أعلى من الحوائج التي كانت في الصداق]
*و سئل عن رجل تزوج امرأة و أرسل إليها عند إرادة البناء حوائج أعلى من الحوائج التي كانت عليه في كتاب صداقها و من غير جنسها ، ثم طلقها قبل البناء و ادعى أنه لم يرسل تلك الحوائج إلا على وجه العارية و الزينة ، بخلاف ما يعمل لها التي كتبت عليه في الصداق ، فعسي أن تتفضلوا ببيان الحكم في هذه الحوائج ، هل تقبل دعواه أم لا ؟ و تحمل على أنها عوض من الحوائج فيجب لها نصفها أم يكون حكمها حكم الهدية تجب لها مع نصف الصداق .
=فأجاب : إنكار الزوج قد سمي ما وجه إلى الزوجة مما هو مخالف لما عليه في الجنس هدية ، أو فهم منه و من حاله الهدية بالتنزيل على عرف البلد ، فهو على حكم الهدية من الزوج للزوجة ، و يتبع فيها عرف البلد في طلب المكافأة و عدمها ، و إن كان حين وجهها لم يسمها هدية و لا غيرها و لا فهم من حاله ذلك ، فالقول قوله في العارية و الزينة مع يمينه لما دفع ذلك على إبهام ،[246/3]فيحلف على ما يدعيه من التفسير ، و يكون مطلوباً بما في ذمته المرتب عليه في عقد نكاحه بحسب ما يجب فيه .
[رجل وهب ابنته البكر خمسين رأسًا من الغنم و بعد البناء قامت تطلبه بتلك الهبة]
*و سئل عن رجل وهب لابنته البكر خمسين رأسًا من غنمه و نصف كرمه ، فلما كان بعدما زوجها بسبعة أعوام قامت تطلبه بتلك الهبة ، فاعترف الوالد أنه جهزها بذلك عند البناء ، و أنه ما وهبها ذلك إلا برسم الجهاز ، و هي منكرة لذلك ، فما هو الحكم بينهما ؟
(1/302)
________________________________________
=فأجاب : القول في ذلك قول الأب لأن العادة تشهد له ، إذ الآباء يعدون للبنات في ضغرهن من الهبات و العطايا ما يكون بجهازهن ، و هو يبيع على بنته و يعاوض عليها ، لكن ينظر فيما جهزها به ، هل هو في قدر قيمته على قدر ما كان وهبها أم لا ؟ فإن كانت زيادة فللبنت ، و إن كانت نقص فعلى الأب .
[من خطب بنت رجل و انعقد النكاح بينهما و سميا الصداق]
*و سئل السرقسطي عن رجل خطب بنت رجل آخر ، و انعقد النكاح بينهما و سميا الصداق ، إلا أنه لم يحضر معهم أحد و لم يشهد بذلك ، و أن الرجل أرسل الدينار على عادة البلد ، و كان بين الزوج الرجل و والد الزوجة مواصلة قبل عقد النكاح ، بحيث كان يدخل الدار و يخرج ، و أم الزوج و الزوجة لا تحتجبان منه ، و لم يزل الزوج يهدي إلى صهره المذكور في الأعياد و غيرها ، و والد الزوجة عالم بذلك كله ، و يدخل الدار و يجده مع أهليه قد عمل كل واحد منهما على التجهيز للدخول ، إلي أن وقع بينهما شر كثير و نزاع عظيم ، فأخذت أم الزوجة الدينار ، و قالت للزوج : خذ دينارك و لا حاجة لي بك ورمت به في الزقاق ، فرفعه الزوج وحمله لداره ، و لم يزل يطالبهم بالدخول و يندبهم للصلح فأبوا إلى أن زوجها والدها من رجل آخر قبل الفصل ، فهل العقد الأول على الصبية المذكورة صحيح أم لا لعدم وقوع الإشهاد ؟
[247/3]=فأجاب : الجواب عن السؤال أعلاه و التوفيق بالله ، أن الصيغة و هي اللفظ الدال على التزويج من الولي و التزويج من الزوج ركن من أركان النكاح لا ينعقد إلا بها ، فان حصلت من الأب و الزوج في النازلة فيه ، و الأب مجبر حصل عقد النكاح ، فما فعله الأب بعد ذلك من تزويج ابنته من غير الأول لا يصح ؛ لأنها في عصمته حتى يفارقها بموت أو طلاق ، و إن لم تقع منهما الصيغة المنبه عليها ، لم يحصل بينهما نكاح ، و تزويج الأب بنته بعد ذلك من غيره صحيح ، فإن ادعى الزوج على الأب العقد بالصيغة لم تتوجه عليه يمين .
[
(1/303)
________________________________________
من خطب بنت خالته من أبيها فأجابه إلي ذلك ، و اشتهر بين الناس ذلك ثم توفي الزوج]
*و سئل المواق عن رجل خطب بنت خالة له إلى أبيها أن يزوجها منه ، وكانت بكراً في حجر والدها المذكور ، و أرسل إليها بالخطبة والدته و خاله و عمه ، فأجابهم والد البنت إلى ذلك ، فقالوا له : و ما تطلب لبنتك و ما يكون النقد و الهدية و الكالئ ؟ فقال لهم والد البنت : قد تزوج أخوه لبنت خالته الأخرى ، و ما ساق أخوه لبنت خالته في ذلك ، يسوق هو لبنتي . فشكر القوم والد الزوجة على ذلك ، و رضوا و انصرفوا ، و رجعت والدته و أعلمته بذلك ، ثم إن الرجل و والدته دفعا لوالد البنت النقد و ذلك بعدما أعلمته والدته و رضي به ، و دفعا له ما يدفع عادة من الشمع ، و اشتهر في القرية أن فلانًا تزوج بنت خالته ، و هنَّأه قرابته و أصحابه رجالاً و نساء ، و دفع أيضًا بعد ذلك الرجل و والدته لوالد البنت بما اشترى حوائج للبنت والد البنت ، و تهادوا و تكررت الهدية و الإعلان بها ، ثم توفي الرجل الزوج ، فهل هذه الزوجية منعقدة صحيحة ، ترثه هذه البنت و تأخذ حوائجها و حقها أم لا ؟ و إن كانت غير صحيحة فهل يرد والد البنت ما قبض من نقد و هدية أم لا ؟
(1/304)
________________________________________
=فأجاب : المسألة يستوي السائل و المسئول في الحكم فيها ، و ذلك أن النكاح لا بد فيه من الصيغة ، و لا يحتاج إلى شهادة فلو اعترف ورثة الزوج أن الزوج كان قد قال : تزوجت بنت خالتي . لثبتت أحكام النكاح ، و إن لم[248/3]يثبت ذلك فيبقى النظر هل ما وقع بينهم منه إبرام للعقد و هذا تحقيق مناط ، و قد اتفق لنا زمان الوباء أن صاحبنِا الفقيه أبا محمد المقري تحدثنا معه في مصاهرة بعض الأصحاب و قبل و سمى كل ما ينبغي أن يسمى ، و سألناه أن يشهد عليه فقال : و الله لا أفعل حتى يقرب وقت البناء و يزول هذا العارض من الوباء . و قال ابن لب رحمه الله : جرت العوائد بالخطبة و المراكنة و يتربصان بانبرام العقد لوقت يحضره الناس . قال : فإن اتفق الأصهار على انبرام العقد صح النكاح ، و إلا فالبينة على من ادعى الإقران ، و انظر أيضًا قد شاهدنا أن الحق يحمل الحوائج و يجتمعون للكتبة ثم لا يتفقان ، و قد يقع شنان فيقول أحدهما هذا و نحن من يده و الحمد لله الذي ما كنا عقدنا ، فهذه مسألة علمي و علمكم فيها سواء ، و يقال لوالد البنت : إن كنت أبرمته فلا تزوج بنتك حتى تنقضي عدتها . و يقال للورثة : إن كان موروثكم قد قال : إنه تزوج بنت خالته . فأعطوها إرثها و حقها .
[رجل تراكن مع آخر لخطبة ابنته إليه الهدية و الصداق من غير إشهاد]
(1/305)
________________________________________
*و سئل بعضهم عن رجل تراكن مع رجل لخطبة في ابنته البكر فقبل خطبته ، فأرسل العروس والده و إخوته و بعض الناس ممن تقبل شهادتهم لدار والد العروسة برسم الانطباع و العقدة في الزوجية ، فقال والد الزوج لوالد الزوجة : ما تطلب لبنتك ؟ فقال : سق كذا . و سمى الهدية و الصداق و السّياقة ، فقال والد الزوج : نعم . و كان ذلك كله من والد العروس من غير حضور العروس ، إلا أنه قدمه من غير إشهاد ، فلما تم الحديث بينهما قال بعض من حضر لوالد العروسة من يومئذ : تثبت نفسك في زوجية ابنتك و تحد الحوائج . فشاور والد العروسة أهله و رجع إليهم سمى كل حاجة ، و سمى الصداق و السياقة و الأب حاضر ، فقال والد الزوج : نعم رضينا . فقال : و أنا كذلك رضيت . و من حضر وعوا ذلك من غير أن يصرحوا بالشهادة ، فهل هذه الزوجية منعقدة ، و لا يعتبر التصريح بالشهادة أم لا ، و هي مفسرة و هي غير منعقدة ؟
(1/306)
________________________________________
=فأجاب : هذا سؤال ورد من وادي المنصورة و قد ثبت عند القاضي[249/3]بوادي المنصورة عادة مستمرة جارية بأن ما يقع من الزوجين من المراوضة و الانطباع و إرسال الهدايا لا يعتد به عندهم و في عوائدهم حتى يحضر الدخول و الوليمة و تقع الشهادة ، وحينئذ يعتقدون انبرام النكاح بينهما ، فإن كانت هذه عادة جارية مستمرة ، فهي أصل معتمد حتى يثبت النكاح بالأمر البين ، و أما ما ذكر في السؤال فإن أدى الحاضرون شهادتهم بأن النكاح انبرم بينهما ثبتت الزوجية ، و إن كان في شهادتهم عند الأداء شك في انبرام الزوجية فيرجع إلى الأصل المتقّدم ، و مع ذلك فلا يحل للزوج و لا لوالد الزوجة كتم و لا تخاصم فيما يعلم خلافه ، و إن حكم القاضي فالحكم لا يحل حراماً و لا يحرم حلالا ، و يبقى النظر أيضا إن العروس توكيل والده إذ لم تقع شهادة بالتوكيل ، و هل رضي بذلك أم لا ؟ فهذا نظر آخر و النظر في أداء الشهود وحل العقود و تصحيحها ، و إنما هو للقاضي لا لغيره ، فمن الخطأ تعرض من لم يتقلد عهدة القضاء لمثل هذه المسألة ، و الله المخلص الوافي بمنه ، وكذلك ذكر السائل أن والد الزوجة يريد تزويجها لغير هذا الرجل الذي وقع الاتفاق معه ، و أنه خطب على خطبة الرجل ، و هذا لا يحل للنهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه و ذكر أهل العلم أن نكاح هذا الثاني مفسوخ إن لم يدخل .
=و أجاب ابن منظور بأن الصيغة التي هي ركن من أركان النكاح لم يقع بها تصريح ، فيشبه أن تكون العقدة تامة ، و يشبه أن التراكن محقق بخطبة الرجل الثاني على خطبة الآخر غير جائزة ، وفقه من خطب على خطبة أخيه معلوم .
[من اشتري لزوجة جملة حوائج و أثواب من حرير و عقد جوهر ثم توفي]
(1/307)
________________________________________
*و سئل ابن سراج عن رجل اشترى لزوجه جملة حوائج من قصب ذهب ، و ثوبي من حرير ، و عقد جوهر ، و فرخة شرب ، و غير ذلك ، و دفع ذلك كله لزوجه المذكورة ، و ألبسها إياها على وجه المتعة و التمليك ، ثم بعد ذلك اشترى قطيفتين و مطرحين و غير ذلك ، و جعل ذلك لداره ، و بقيت الزوجة تلبس ما ساق لها و تتزين به و تمتهن القطيفتين و المطرحين و غير ذلك مدة أزيد من ثمانية أعوام ، فلما توفي الزوج في هذه الأشهر القريبة ، قام بعض ورثته[250/3]يطلب ميراثه من جملة ما ذكر ، و يدعيه ملكاً لموروثه ، فهل يجب للطالب من ذلك شيء مع بقاء ذلك بيد الزوجة هذه المدة ، و سكوت الزوج مع علمه بامتهان ذلك كله ودفعه أولاً على الوجه المذكور .
=فأجاب : إن ثبت أن الزوج ملك زوجته تلك الحوائج كانت لها و إلا فيحلف الورثة أنهم لا يعلمون أنه ملكها إياها و يقع فيها الميراث .
[من تنّصر و تزوج في أرض الحرب نصرانية ثم أسلم و أسلمت هي معه و عادا إلى أرض الإسلام]
*و سئل : عن رجل تنصَّر و تزوج في أرض نصرانية و أقام معها سنين ، ثم عاد إلى الإسلام و أسلم و أسلمت هي معه في زمان واحد ، و خرجا إلى بلاد المسلمين ، هل يقران على نكاحهما و يفسخ بطلاق ، و بعد ذلك ينشئان عقداً آخر ، و على أنه يفسخ فما يكون الحكم فيهما اليوم إذ هما باقيان على ما كانا عليه لم يفرق بينهما ، و هل يؤدب كل واحد منهما أم لا ؟
=فأجاب : تصفحت السؤال أعلاه ، و الجواب أن المرتد لا يقر على نكاحه في الحال ردته على المشهور و هو مذهب المدونة ، و قال ابن الماجشون إنه يقر ، و ذهب إليه ابن حبيب ، و المشهور المعّول عليه هو الأول ، فيفسخ النكاح المسئول عنه بطلاق ، و تتربص المرأة حتى يمضي لها ثلاثة أطهار و يردها الزوج إن أحب ، و لا يلحق واحد منهما أدب في إبقاء الزوجة معه في الأيام التي أبقاها مراعاة للخلاف ، و الولد لاحق .
[
(1/308)
________________________________________
ما اعتاده الناس في الأعرس من الملاهي و الفجور و اختلاط الرجال بالنساء]
*و سئل الحفار عما اعتاده الناس في عقد النكاح من الحقوق العريضة وحضور الملاهي ، و ذلك أنه يطلب من العروس مع النقد و الكالئ و الحوائج و الخادم لمن كان من أهله نصف ما يملك من قليل الأشياء و كثيرها ، و من بعضهم ثلث ما ماله ، و من بعضهم شيء معلوم ، و لا بد من نصف داره يكلف كل واحد من الناس على قدر حاله ، و يقال له لا بد لك من العرس ،[251/3]وصفة العرس أن يحضر المزامير و يذبح ثوراً أو ثورين أو أكثر ، كل واحد على حاله فيجتمع الفساق و يخرجونهم إلى موضع واسع ، فيجلبون الخمر و يشربونها و إن كان بالليل يحضرون النساء الزواني مختلطات معهم ، و يجتمع أهل الموضع الرجال معهم النساء فوق أسقاف الديار ، و على الجدران و الطرق ، وكذلك الزواني معهم بالنهار مرة في شكلة الرجال ، و مرة في شكلة النساء ، فإن كان في الحصن قائد جلس في موضعه و لا يتحرك من قصبه خوفاً من شرهم و لا يقدر أن يغير على أهل المنكر حتى يتم العرس ، و يقول أهل الزوجة للزوج لا بد لك من فعل هذا ، و إلا ما تري العروس في دارك ، فيصعب عليه ذلك فيسأل فقهاءهم فيقول له الفقيه هذه عادة قد جرت لا بد لك من فعل هذا كما عمل أهلها ، و الفقهاء يعملونها لأنفسهم و تعمل بحضرتهم ، و هل يجوز ترك الزواج لأجل ما يكلف من الحقوق ، و ما يتفق من هذه المناكر و ما أشبهها ؟
(1/309)
________________________________________
=فأجاب : سياقه ذلك كله إذا أراده و التزمه أمر جائز ؛ لأن الله تعالى قد أباح ذلك بقوله : {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} ، فالإنسان مخير إن شاء أن يعطي أعطى ، و إن أبي يكلف أن يعطي إلا ما أراد ، فإذا التزم شيئًا من ذلك لزمه ، و هذا ليس من المكروه في ورد و لا في صدر ، و أما الملاهي ، فإن كانت بمحرم فهي حرام لا يحل أن تشترط و لا يحل للزوج الذي اشترطت عليه أن يفي بها ، و إن كان لهو ليس فيه منكر ، فقد أبيح في العرس الدف و ما يشبه مما يشهر به النكاح ، لقوله عليه السلام : «أَعْلِنُوا النكَاحَ و اضْرِبُوا عَلَيْهِ بالدُّفّ» . و أما ما ذكر في العرس من تلك الهيئة الشنيعة من اجتماع الفساق و اختلاط الفواجر من النساء بهم مع شرب الخمر ، فهذا مما لا يُسأل عنه ، لو خسف بهذا الموضع الذي يصنع فيه هذا المنكر ، لكان خليقاً بذلك لا سيما إذا تكرر ذلك فاعتيد ، فذلك استهداف لسخط الله و وقوع البلاء بالقطر الذي يتعاطى فيه مثل ذلك ، و أما قول الفقهاء هذه عادة جرت لا بد من فعل هذا ، فهؤلاء فساق و أعداء دين الله تعالي و شريعته ، لا فقهاء لأنهم أباحوا أفحش المحَّرمات ، و أما أن يترك التزوج ، فإن كان لا يستطيع الصبر على التزويج فيختار من ذوي الدين من يصاهره من غير[252/3]وقوع في محرم ، فلا يعدم أهل الدين جملة ، و أما ما يطلى به جسد العروسة و وجهها و يقال لها لا تغسليه و تمكث دون صلاة ، فهذا لا يصدر ممن انتمى إلى الإسلام ، وكيف تبقى هذه البنت دون صلاة المدة المذكورة بل يومًا واحداً ، قال عليه السلام : «بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُؤْمِن وَبَيْنَ الْكَافِر تُرْكَ الصَّلاَة» . و من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها ، فقد حلَّ سفك دمه ، و التزوج يكون على هذا الوجه قل أن تكون فيه البركة ، و الكلام في هذه يطول ، و في هذا القدر كفاية .
[إجابة الداعي إلى وليمة النكاح فيها مناكر و ملاهي]
(1/310)
________________________________________
*و سئل ابن لب عن مسألتين : إحداهما إجابة الداعي إلي وليمة النكاح هل يخف الأمر فيها في هذا الزمان بسبب ما فيها من الملاهي ، و بسبب أن الآتي إليها لا يسلم من أن يقع بصره على ما يحل ، أو يسمع ما لا يحل من أصوات النساء و غير ذلك أم لا ؟ و الأخرى الدف الذي اتخذوا في هذا الزمان و هو دف وصفائح يسمونه المزنج ، هل هو من المحرم سماعه أم لا ؟
=فأجاب : وقفت على مكتوبكم ، و الحكم في حضور الوليمة التي تكون على ما وصفتم جواز التخلف عنها ، و قد شرطوا في توجه الحضور على المدعو إلى وليمة النكاح خلوها عن المنكر و الباطل ، و أما سماع الطر بتلك الزنوج المعروفة ، ففيه اختلاف بالإباحة و الكراهة و المنع ، لكن جرت عادة شيوخ العلماء و أيمة الفقهاء بحضور موضع ذلك و سماعه ترخصا لمكان الخلاف .
[رقص الفقراء بالمساجد ، ينبغي أن تتنزه عنه المساجد]
*و سئل عن رقص الفقراء في المسجد .
=فأجاب : أما رقص الفقراء في المسجد ، فإن ذلك مما يجب أن تتنزه المساجد عنه ؛ لأنها بيوت الله في أرضه ، أسست على التقوى ليقترب على الله فيها بالطاعات و وظائف العبادات ، قال الله تعالى : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ} [النور : 36 - 37] و ما جاء في الحديث من لعب الحبشة في المسجد بالحراب ، فقد قال العلماء في ذلك : إنما أبيح لَمِا فيه من المثاقفة ، و تدريب الجوارح على معاني الحروب ، و هو من باب[253/3]الإِرماء و الأَخذ في الاستعداد ، مع ما كان في ذلك استِئلافُهُم و تأنيسهم وترك تنفيرهم .
[ينبغي النظر إلى البكر اليتيمة للإشهاد عليها ، و التأكد من معرفتها]
*و سئل الحفار عن البكر اليتيمة هل ينظر الشاهدان إلى وجهها أم تلتف في ملحفتها مستترة و يقال لهما هي هذه ، هل يجوز ذلك أم لا .
(1/311)
________________________________________
=فأجاب : الشهادة على البكر في الاستئمار ، من شرطها النظر إليها بل إنما ذلك ليعرف الشاهدان عينها ، و لو عرفا بها حتى حصل لهما العلم بأنها هي ، لما احتيج إلى النظر إليها ، فإذا تحققا أنها هي بإخبار من يستند إليه ، جاز لهما أن يشهدا عليها ملتفة في ثوبها .
[ما يكتبه الموثقون من انعقاد النكاح على النحلة]
*و سئل ابن منظور عما جرت به عادة الموثقين عندهم أن يجعلوا النحلة في المهر ، و أن النكاح انعقد عليها و تم بسببها ، و يبقي الملك بيد الناحل يسكنه و يستغله ، بناء على مذهب من يري سقوط الحيازة في النحلة ، و مقصود الناحل بالنحلة على هذا الوجه في غالب الأمر ، محاباة المنحول له بعد الموت بجزء من ماله و هو وارثه و سهل عليه ذلك ببقاء ملكه بيده يستغله إلى الموت ، وكثر هذا العمل وكثر القصد إليه ، وحاصله تحيل إسقاط الحيازة ، و ذريعة إلى الوصية للوارث ، و من أصل مالك المشهور سد الذرائع ، فظهر لي ببادي الرأي هذا الشيء لما كثر وكثر القصد إليه ، أن يمنع سداً للذريعة ، و يفسخ إن وقع و استمر ترك الحيازة و بقاء الملك بيد الناحل إلى الموت ، و يستوي في هذا الحكم الوارث و غير الوارث ، و يترجح لنا القول بشرط الحيازة في النحلة ، لما لاح لي هذا الرأي أحببت مطالعتكم ، فلكم الفضل في الجواب بما يقتضيه نظركم .
(1/312)
________________________________________
=فأجاب : بما نصه : سيدي أعزكم الله ، تأملت ما ذمرتم فوقه ، و ظهر لي أنه حسن و نظر مبارك ، إلاَّ أن الإقدام عليه صعب و مخالف لما عليه الناس ،[254/3]لأن ما عليه جار على نص الفقهاء : أن النحلة لا تفتقر إلى حيازة و هو المشهور ، و وجه المشهور أنها تجري مجرى المبايعة ، و على ذلك وقع النكاح ، و المبايعة لا تفتقر إلى صيازة ، و الدليل على ذلك ما في كريم علمكم ، أن من باع فداناً و شرط أن لا يقبضه المبتاع إلا بعد مدة غير طويلة ، أن ذلك جائز ، فهذا يوضح لنا أن النحلة و إن كانت نية الناحل بقاءها عنده لا يضر ، و سوء الظن غير قادح في كثير من المسائل ، و سد الذريعة في هذه المسألة هو الخوف من التوليج ، وحال التوليج ضعيف ، وكثير من الناس محمولون على عدمه ، و ما أحسن ما يحتج به على مثل هذه النازلة ، و إن كان من كلام غير الفقهاء و إنما هو كلام ابن بري :
و أسلك سبيل ما رواه الناس ... ... ... ... ... عنه و إن ضعفه القياس
و ما أحسن ما يحتج به أيضاً و إن كان من كلام سيبويه ، فقد كان بعض الفقهاء يعتمده : قف حيث وقفوا ثم فِسِرْ – انتهى .
قلت في قول المجيب : والدليل على ذلك إلى آخره نظر لا يخفى . و تقيد تحته بل بمحوله من كلام المواق ما نصه : بالجواب بمحوله أقول لو مات المنحول له ليوم آخر لم يكن للناحل شيء ؛ لأنه قد خرج عن حيازته لعقد النكاح عليه كما في الطرر : تنكح المرأة لما لها ، فعلى النحلة انبنى النكاح وكتب الصداق . وكتب محمد المواق . و من هذا المعني ما سئل عنه بعضهم و هو رجل باعت له زوجته داراً وقراراً كانت لها من إرثها في أخيها وقبضت ثمن ذلك بمحضر شهوده ، و لم يزل زوجها يعمر الدار و يسكن القرار ، و زوجته البائعة معه حتى ماتت الآن و ورثتها يدعون أن البيع حيلة و توليج .
(1/313)
________________________________________
=فأجاب : تأملت المسألة بمحوله و أنا لا أتحمل من عهدتها شيئاً ، فقد تعرفت أنه يحدث بوطنكم الإشهاد بالبيع و الشراء و لا حقيقة له إنما هم توليج ، وكثر هذا وفشا و عرفه الخاص و العام ، فمن الواجب أن تأخذوا في هذا بالحزم ، و لا تجيزوا كتب وثيقة فيها تهمة قوية بالتوليج ، و تغيروا هذا المنكر ما استطعتم فإن الاحتيال في تغيير حدود الله لا يجوز ، و المال المكتتب من هذا الوجه حرام ، وكاتب الوثيقة مشارك فيه ، و من الله نطلب التوفيق إلى ما فيه خلاصنا فبيده الحول و القوة .
[255/3][يجوز نكاح بنت الظلمة و لا يؤخذ من حرام أبيها شيئاً]
*و سئل بعض الإفريقيين عن نكاح بنات الظلمة هل يجوز أم لا ؟
=فأجاب : يجوز نكاحها و لا يأخذ من حرام أبيها شيئاً و لا من حلاله إن كان مغترق الذمة ، و لا يجوز أن يعطيهم الرجل ابنته ، و قد تزوج الصحابة نساء من أهل الكتاب ، و تزوج عمر بن عبد العزيز فاطمة بنت عبد المالك فقال لها عمر : ردي الحلي لبيت مال المسلمين .
[من مدَّ يده إلى زوجه يريد اللذة فوقعت على ابنته]
*و سئل أبو محمد عمن مدَّ يده إلى زوجه يريد اللذة فوقعت على ابنته .
=فأجاب : إن لم تستقر يده عليها بل رفعها من فوره فلا شيء عليه ، و إن استقرت ، وجد بها لذة و لم يعلم بها حرمت عليه أمها ، و إن علم بابنته و وضع يده عليها للذة فقد أتى أمراً عظيما ، و قد اختلف قول مالك في هذا هل تحرم عليه أم لا و قد أتى بإثم .
[من طلَّق امرأته طلقة رجعية ثم تزوجها بنكاح جديد]
*و سئل عمن طلق امرأته طلقة رجعية ثم تزوجها بنكاح جديد بشروط في العدة ودخل بها فيها .
=فأجاب : تزوجه رجعة و لا صداق لها إلاَّ الأول ، و يرجع عليها بالثاني ، قيل و قد تتخرج على مسألة من أثاب عن صدقة ظناً أن ذلك يلزمه ، إذا كان قائماً أخذه ، و إن كان فائتاً مضى . و مسألة من صالح عن دية الخطأ الثابتة ظناً أن ذلك يلزمه .
[
(1/314)
________________________________________
من طلّق زوجته بعد أن بنى بها و ادعى عدم المسيس وكذبته و أخذت منه الصداق]
*و سئل عمن طلق زوجته بعد أن بنى بها و ادعى عدم المسيس وكذبته و أخذت منه الصداق ، ثم أخذت تزني فقالت : قررت بالمسيس لأخذ الصداق ، فهل يرجع عليها بنصفه أم لا ؟
[256/3]=فأجاب : كذلك ينبغي أن ذلك له عليها .
[من تزوَّج بكراً فزنت غصباً أو طائعة ، فعليه جميع الصداق]
*و سئل عمن تزوّج بكراً فزنت غصباً أو طائعة فطولب بالصداق فقال : لا أؤدي إلاَّ صداق ثيب . فأبوا عليه و قالوا : صداق بكر أو أترك . فلم يفعل واحداً من الأمرين .
=فأجاب : هذه نازلة نزلت به و يلزمه جميع صداقها المسمى إن دخل ، أو نصفه إن طلق قبل البناء .
[من تزوج بكراً فقال : وجدتها ثيباً و أخبر في حينه بذلك]
*و سئل عمن تزوج بكراً فقال : وجدتها ثيباً و أخبر في حينه بذلك ، هل تعرض الجارية على النساء أم لا و لا يصدق عليها .
=فأجاب : اختلف في ذلك ، و أحب إلينا أن ينظر النساء إليها فإن قلن القطع جديد لم يقبل منه ، و إن قلن قديم فإن زوّجها أبوها أو أخوها فعليه صداقها و يرجع به عليهما ، و إن كان غيرهما فهي الغارة فيرجع عليها به إلا ربع دينار .
[من هجم على امرأته هجوماً فافترعها قبل الدخول]
*و سئل عمن هجم على امرأته هجوماً فافترعها قبل الدخول ، ما يصنع به ؟
=فأجاب : إن كان بغير إذن أهلها فقد أساء و لا شيء عليه ، فإن لم ينقدها شيئاً ، نقدها و منعت منه ، و إن كان نقدها بقي معها ، إن كانت تحمل الوطء .
[من زوَّج عبده من أمته دون إشهاد و لا مهر]
*و سئل عمن زوج عبده من أمته دون إشهاد و لا مهر .
(1/315)
________________________________________
=فأجاب : إن اشتهر قبل البناء و كان نكاحهما مشهوراً ، فهو جائز و ينظر[257/3]في المهر ، فإن شرطا إسقاطه فهو فاسد يفسخ أبداً ، و قيل يثبت إذا مضي بصداق المثل ، و إن لم يشترط و سكت فهو نكاح تفويض ، و لها صداق المثل على الزوج ، و يؤديه السيد إن كان هو زوجه فيدفعه إليها و لا ينتزعه إلا أن يطول الزمان .
[من شهد على زوجها شاهدان بطلاقه و هي تعلم زورهما]
*و سئل عمن شهد على زوجها شاهدان بطلاقه و هي تعلم زورهما هل يباح التزوج أم لا ؟
=فأجاب : هذا لا يعرف إلا على وجه أن يشهدوا أنه طلقها يوم الخميس ، و تعلم هي أنها لم تفارقه فيه ، فبهذا يظهر زورهم فلا ينبغي أن تتزوج ، قيل و عكسه تحقيقاً أن يشهدوا أنه طلقها و هو يعلم بطلان شهادتهم و قد وقعت و أفتى فيها أبو محمد الشبيلي وكانت منعت منه أنه يجوز له أن يتسور عليها و يطأها إذا أخفي له ذلك وصدقته هي ، و هي تجري على مسألة من رأى هلال شوال وحده و هو في الحاضرة ، هل يباح له الفطر إذا أخفي له ذلك ، و على مسألة من جحد له مال فظفر بمال الجاحد فهل يباح له ذلك أم لا ؟ و انظر الفقير يقدر على أموال مستغرقي الذمة بالتسور و السرقة ، هل يجوز له ذلك أم لا ؟ فكان الشيخ أبو محمد الشبيلي يجيز ذلك ، و يبيح للفقير أخذ مال الظلمة كيف ما تأتي ، و كان الشيخ أبو عبد الله بن عرفة يمنع ذلك ابتداء ، خشية أن يطلع عليه فيدكه الضرر ، ثم رجع إلى جواز ذلك .
[من تزوجت فأقرت و هي بكر بالغ بأنها أصابها ما يسقط بكارتها]
*و سئل عمن تزوجت و هي بكر ، فأقرت و هي بالغ أنه أصابها ما أسقط بكارتها ، و الصداق يختلف في ذلك .
=فأجاب : إذا ثبت زوال البكارة فهو عيب ، و إقرار السفيهة بما ذكر لغو لأنه إسقاط حق وجب ، و الكلام بين الزوج و الأب ، فإن أنكر الأب لك حلف ، و إن أقر ردت .
[
(1/316)
________________________________________
258/3]=فأجاب : أبو عبد الله بن عصمة في المسألة و قد زيد في السؤال موت أبيها و رجع الحاكم إليها ، فقال : متى افتضت بغير اختيارها و علم ذلك من حالها لم يحط عن الزوج شيئاً ، و لا يجبر على البقاء معها ، إن كانت الصدقات تختلف .
=و أجاب : غيرهما إن شرط البكارة و ظهر غيرها ، فهو مخير إما أن يدخل و لا يحط عنه شيء عليه من الصداق .
[امرأة المفقود إذ اعتدت أربعة أشهر و عشراً ، لها أن تقيم على الزوجية أو تتزوج]
*و سئل عن امرأة المفقود إذا اعتدت أربعة أشهر و عشر ، ينبغي لها أن تقيم على الزوجية ، و إن بدا لها في التزويج تزوجت ، أم لا ؟
=فأجاب : نعم وليس ذلك طلاقاً و هي في العصمة ما لم تتزوج ؛ لأنه أحق بها إن قدم بعد تزويجها ، ما لم يدخل بها .
[إتيان النساء في المحل المكروه ، و ما صح عن مالك فيه]
*و سئل عن إتيان النساء في المحل المكروه و ما صح عن مالك فيه ، وكيف لو كسل و لم ينزل أيغتسل ؟
(1/317)
________________________________________
=فأجاب : قيل : إنه يغتسل بوطئه في ذلك المحل ، وكرهه مالك و لم يحرمه ، و وردت في تحريمه أحاديث ضعيفة . قلت : فلم كرهه ؟ قال : من طريق الشبهات ، و عن محمد بن عبدوس أقمت سنين أريد سؤال سحنون عن هذه المسألة ، فما جسرت عليه حتى مشى يوماً فخلوت به فقلت : لي سنون أريد أن أسألك عن كذا فما جسرت ، فقال سحنون : اليوم أربعين سنة أتفكر في هذه المسألة فلم يتبين لي فيها حلال و لا حرام ، و لقد لقي أشهب رجل أراه من أهل العراق ممن يقول بتحريمه ، فتكلم فيه ، فقال أشهب بتحليله ، و قال الرجل بتحريمه ، فتحاجا حتى قطعه أشهب ، ثم قال له أشهب : أما أنا فعلي من[259/3]الأيمان كذا ما فعلته قط ، فاحلف لي أنت أيضاً أنك لم تفعله . فأبى أن يحلف . و عن ابن القاسم لو أعطيت هذا البيت مالاً لما فعلته . أبو محمد يريد من غير أن يحرمه ، قيل ما حكاه عن أشهب مثله لمالك في العتبية ، وكنى عنه بلغز انظره في الجامع . وروى عن مالك أنه أحلُّ من شرب الماء البارد . وروي عنه أنه قال : من حدث عني بإباحته فقد كذب . و الرواية أن من فعله فإنه يؤدب ، و هو هنا على تحريمه ، و على أنه مكروه أو مباح فلا يؤدب ، إذ ليس بمجمع على تحريمه و لا على كراهته ، ولعموم الآية : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} إما من أين شيتم أو من حيث شيتم ، و إن كان مالك تأول أن الحرث لا يكون إلا في موضع الزرع و لا شيء من ذلك المحل بموضع له ، و أما التمتع بظاهر ذلك المحل ، فقد فاوضت فيه بعض أصحابنا لا شيوخنا لعدم الجسارة عليهم في مثل هذا .
=فأجاب : بإباحته ، و لم يبد له وجهاً ، و وجهه عندي أنه كسائر جسد المرأة ، و جميع جسدها مباح ، إذ لم يرد ما يخص بعضه من بعض ، بخلاف باطنه ، و الأمر عندي فيه اشتباه ، فإن تركه فهو خير ، و إلا فلا حرج لعسر الاحتزاز منه و الله أعلم .
[للمرأة منع زوجها من وطئها في المحل المكروه]
*و سئل السيوري عن وطء المرأة في دبرها .
(1/318)
________________________________________
=فأجاب : لها منعه ، و له أن يمتنع أيضاً .
[من سافر من صقلية لأفريقية و له ابنة بكر أرادت أن تتزوج]
*و سئل أبو محمد عمن سافر من صقلية لأفريقية و له ابنة بكر أرادت أن تتزوج هل يجوز أم لا ؟
=فأجاب : إذا خرج من القيروان لصقلية ، فلترفع للقاضي يكتب إليه و هذا قليل ، فليقدم أو يوكل ، إلا أن يتبين لرده فيزوجها ، أو تطول غيبته وكشف عنه فلم يعلم أين هو في صقلية ، فليزوجها السلطان .
[260/3][من تزوج ابنة و هو غائب على فرسخ و نحوه فيبلغه الخبر فيجيزه]
*و سئل عمن تزوج ابنة الغائب على فرسخ و نحوه ، فيبلغه الخبر فيجيزه من يومه أو بعد غد ، أو أنكر ثم رضي من ساعته نسقاً متتابعاً .
=فأجاب : إن أجاز و هو على ثلاثة أيام أو أقل من ذلك جاز النكاح و لو بعد لم يجز و إن رضي ، و إن لم يرضى في موضع القرب ثم رضي مكانه فإن توقف المؤامرة لنفسه ثم أجاز جاز ، و إن كان رده رداً بيناً لم يجز و لو أجازه .
[من زوجَّ ابنته في موضعه من رجل أبرص]
*و سئل عمن زوجَّ ابنته في مرضه من أبرص .
=فأجاب : يلزمها في البرص الخفيف النكاح ، و المتفاحش الذي كثرت رائحته لا يلزمها إلا أن ترضي به و قد بلغت و إن لم تبلغ نظر لها السلطان ، فإن غفل حتى بلغت فلها الخيار .
[بكر مهملة زوجها ولّيها بدون صداق المثل فرضيت]
*و سئل عن بكر مهملة زوجها وليّها بدون صداق المثل فرضيت ، فهل هو ماضٍ أو يكمل لها صداق مثلها ، و ما المعتبر في صداق المثل ؟
=فأجاب : الرواية بهذا مشهورة في المدونة و غيرها ، و المرتضي عندي إن كانت بالغة مهملة ورضيت لغرض لها في عين الزوج و لم تكن الحطيطة بالأمر المستنكر أن يمضي العقد عليها ، إذ لا تجبر على النكاح ، و هي بالخيار في أعيان الرجال ، و لها الامتناع و النفقة من مالها ، فإن لم ترض بغيره و لو بذل لها أضعافه لم يكن للفسخ معنى .
[من تزوجت و هي موليّ عليها بغير إذن القاضي ، و جعل الصداق إلى عشر سنين]
(1/319)
________________________________________
*و سئل عمن تزوجت و هي موليّ عليها بغير إذن قاضٍ و جعل الصداق[261/3]إلى عشر سنين ، و عقد في نكاحها : جائزة الأمر و هي باقية في الولاية ، فدخل عليها الزوج وفارقها ، هل يبقى صداقها إلى أجله أو للحاكم النظر في ذلك ؟
=فأجاب : إن كانت ثيباً بالغاً و لو شاءت أن لا تتزوج لفعلت ، أرى أن يمضي نكاحها و يبقي الصداق إلى أجله إذا كان يشبه صداق مثلها و عقد النكاح عقداً صحيحاً ، و ذمة الزوج مأمونة ، و قد قيل إلى مثل هذا الأجل لا يفسخ هذا النكاح ، و لو كان دون صداق مثلها ، مضى على أحد القولين في المهملة .
[من لها أخوان شقيق و لأب فوكل الأول من يعقد النكاح]
*و سئل عمن لها أخوان شقيق و لأب فوكل الأول من يعقد النكاح .
=فأجاب : الوكيل أولى بإنكاحها من أخيها لأبيها .
[من هلك و خلف بنين و بنات و قد دخلن بيوتهن في حياته بجهاز]
*و سئل عمن هلك و خلَّف بنين و بنات و قد دخلن بيوتهن في حياته بجهاز ، فأراد الإخوة محاسبتهن بذلك من ميراثهن ، و هل يشهد الشهود الذين قدموا الجهاز حين الدخول بقدر ذلك أم لا ؟
=فأجاب : ليس للذكور محاسبة البنات بالجهاز إذا لم يكتب عليهن أن ذلك عارية ، و لا ينبغي للشهود أن يشهدوا على ذلك .
[من تزوج امرأة ودخل بها فتموت فيريد أخذ أختها من غير تجديد صداق]
*و سئل عمن تزوج امرأة ودخل بها فتموت فيريد أخذ أختها فيمحى اسم الميتة من الصداق و يرد هذه في موضعها ، و ربما كان من غير عقد ، و ربما كان للميتة ولد أو لم يكن .
=فأجاب : الذي ينبغي ، تجديد الصداق لهذه و يبريه الولد أو الوالد من الصداق الأول و من ميراثها ، و إلا فحقهما أو حقهم باق عليه .
[262/3] ... [من تزوج امرأة و شرط في أصل النكاح أن كل داخلة عليها طالق]
*و سئل عمن تزوج امرأة و شرط في أصل النكاح أو تبرع أن كل داخلة عليها طالق ، ثم تزوج و أقام على نكاحها عالماً أو جاهلاً ، هل يلحق به الولد أم لا ؟
(1/320)
________________________________________
=فأجاب : في هذا النكاح اختلاف و لا حد ، و الوالد لاحق ، و في الميراث اختلاف ، و نحن لا نأمره بأخذه .
[من وطئ هو و آخر معه جارية في طهر حيث تجب القافة]
*و سئل عمن وطئ هو و آخر معه جارية في طهر حيث تجب القافة فإذا لم توجد القافة كيف يصنع ؟
=فأجاب : القافة يوجدون وليرحل إليهم .
[البكر الفقيرة و الغريبة الطارئة يجوز نكاحها بغير إذن القاضي]
*و سئل عن البكر الفقيرة و الغريبة الطارئة ولعلها موسرة في بلدها مع وليها ، فهل يجوز نكاحها بغير أمر سلطان ، و مثلها الثيب ، و هل فيها قول آخر أم لا ؟
=فأجاب : البكر الفقيرة و الطارئة إن كان بلد وليها قريباً كتب إليه ، و إن كان منقطعاً فلا يزوجها إلا السلطان ، و قد قيل إن كان يصعب عليها تناول السلطان ، فلا بأس أن يوكل من يتولى إنكاحها ثيباً كانت أو بكراً .
[من كلف عليه أبوه التزويج و أصدق عنه ربع دينار]
*و سئل عمن كلف عليه أبوه التزويج و أصدق عنه ربع دينار في ثلث الصداق و كان ستين ديناراً ، ثم سافر الولد فوجده بعض أقارب البنت ، فأشهد على نفسه إن لم يأت إلى سنة فأمرها بيدها ، فانقضت السنة و لم يأت فقال أبو الزوج للمرأة : اتركي صداقك و تزوجي من شئت . فتركت و تزوجت ، ما يلزم الزوج في ذلك ؟
[263/3]=فأجاب : إن كانت عالمة بأن لها أن تفارق بغير شيء فتركت صداقها ، فليلزمها إن لم يدل عليها ، و إن طنت أنها لا تملك الفراق بهذا التمليك إلا بفدية و مثلها يجهل ذلك ، حلفت عليه و لها الرجوع بالصداق كله إذا دخل ، و نصفه إن لم يدخل ، و لو مضت السنة و لم تقض بشيء حتى طال ذلك فلا يلزم الزوج ما أخذه الأب عليه من الفراق إلا أن يرضى بذلك .
[صبي مهمل عقد عليه صهره و أجنبيون نكاحاً]
*و سئل عن صبي مهمل يتيم عقد عليه صهره و أجنبيون نكاحاً ، فلما بلغ رضي ، هل يقر هذا النكاح أم لا ؟ وكيف لو جهل فرضي ثم أنكر ثم رضي هل يصح هذا النكاح أم لا ؟
(1/321)
________________________________________
=فأجاب : بأن رضاه بعد بلوغه لا يجوز ، كان عالماً أن ذلك يلزمه أو لا يلزمه .
[من تزوج بصداق جميعه حال ، و سموا في حين العقد النصف نقداً ، و النصف مهراً]
*و سئل السيوري عمن تزوج بصداق جميعه حال ، و سموا في حين العقد النصف نقداً و النصف مهراً ، فالنقد منه يدفع قبل الدخول ، و المهر هو نصف الصداق يدفع بعد الدخول ، وليس للدخول وقت معلوم ، هل يجوز هذا النكاح أم لا ؟
=فأجاب : إن كان لا يعرف للدخول وقت بل يختلف اختلافاً كثيراً فالنكاح فاسد .
[من كانت عادتهم أن الصداق يكون بدنانير منها ما يدفع دنانير قبل الدخول]
*و سئل ما ترى في أهل قصور قفصة ، عادتهم في بدء حالهم أن الصداق يكون بدنانير منها حالاً يدفع قبل الدخول على حال ، لكن عادة الجميع أن الدنانير النقد التي تدفع قبل الدخول ، لا تقبضها المرأة و لا أبوها و لا وليها دنانير ، و إنما يأتي الزوج بكسوة وحلي و ذهب يقول اشتريت هذا بكذا و اشتريت[264/3]هذا بكذا ، و ربما كان الحلي فضة أو بعضه فضة و بعضه ذهب ، فيحسب ذلك من الصداق النقد الحال المدفوع قبل البناء ، هذه العادة المستمرة في جميعهم ، فهل هذا يوجب فساد النكاح و لم يسأل عن تاريخ المهر إلى موت أو فراق ؛ لأن هذا بعيد في القياس الدخول في النكاح بسببه ، و إنما سألنا عن فسخ النكاح أو صحته بالعادة في إتيان الزوج بالكسوة و الحلي و بما كانت الكسوة مختلفة و الحلي كذلك .
=فأجاب : النكاح فاسد بما وصفت .
[من شرطت على الزوج أن لا يخرجها من بلدها و عليه عهد الله و ميثاقه]
*و سئل عمن شرطت على الزوج أن لا يخرجها من بلدها و عليه عهد الله و ميثاقه .
=فأجاب : إذا كتب من ذكرت العهد و الميثاق في الصداق ، منع من الخروج بالقضاء ، ذكره ابن المواز و عليه احتجاج يظهر بالمشافهة .
[النظر للأجنبية يحرم ابنتها ، وكذلك دواعي النكاح]
*و سئل عن النظر للأجنبية هل يحرم ابنتها وكذلك القبلة و نحوها من مقدمات النكاح .
(1/322)
________________________________________
=فأجاب : دواعي الوطء كالوطء و في الوطء الحرام خلاف ، و الصواب التحريم في الجميع ، ثم أجاب إن قصد بالنظر اللذة فتحرم على الأب في قول ، و مذهب المدونة الكراهة ، و قول بالإباحة وكذلك القبلة و نحوها من مقدمات النكاح وكلها لمالك ، و مثلها إذا لم يقصد اللذة فالتذ ، وكذلك من نظر إلى امرأة و أراد تزوج ابنتها ، قال : و تقدم في المسائل أنه إذا أصاب رجل ذكراً ثم تزوج أمه . . انظر البخاري في النكاح الأول ، فقد حكي عن ابن عباس أنها تحرم عليه ، و لم تصح الرواية عنه . قيل فظاهر جواب الشيخ أنه كالأنثى ، و لذلك أشار إلي ما رواه البخاري ، و أنه يجري فيه الأقوال المذكورة ، وكذلك أحفظ للتونسي في مسألة إذا وقعت يده على ولده الذكر أنه أجراها على مسألة[265/3]إذا وقعت يده على ابنته بعد أن تردد فيها ، و وجه تردده : أن الذكر ليس بمحل اللذة ، فتحصيلها نادر و النادر لا حكم له ، إلا من الفاسق الذي لا يتقي الله ، أو شأنه إتيان الذكور كعمل قوم لوط ، فتصير الشهوة له عادة ، كما قال ابن رشد في مسألة إذا قبل ذات رحم للوداع و نحوه لا يتوضأ و لو التَذَّ ؛ لأنه نادر ، إلا أن يكون فاسقاً لا يتقي الله تعالى .
[من كان يطأ أمة ثم توفي و تزوجت هذه الأمة بعض غلمان السيد]
*و سئل عمن كان يطأ أمة ثم توفي و تزوجت هذه الأمة بعض غلمان السيد فولد ، فهل يجوز لابن السيد تزويجها أم لا .
=فأجاب : لا يجوز ذلك ، قال السائل وقع في الرسالة : للزوج أن يتزوج بنت امرأة أبيه من رجل غير ، و تتزوج المرأة ابن زوجة أبيها من زوج غيره ، و ما علمت الفرق بين المسألتين ، ولعل في ذلك خلافاً ، و اختار الشيخ المنع .
[من نزل على بكر فافترعها ، فكتب إليه القاضي فأقر مراراً ، ثم أنكر بعد ذلك بمحضر عدول]
(1/323)
________________________________________
*و سئل عمن نزل على بكر فافترعها ، فبعث القاضي إليه رسالة فأقر بذلك مراراً فبعث إليه عدولاً فسألوه فقال : إنما قلت ذلك لتتزوجني ، و لم أفعل . هل يلزمه الحرام أم لا يلزمه إلا الأدب ؟
=فأجاب : إذا صح الإقرار الأول فهو مأخوذ به ، و النكاح مفسوخ إذا تزوجها قبل الاستبراء .
[من طلق زوجته و اتبعه بقوله : هي مثل أمي أو كظهر أمي]
*و سئل عمن طلق زوجته و أتبعها بقوله : هي كثل أمي أو كظهر أمي ، ثم أراد تزويجها بعد العدة هل يكفر ثم يتزوج ، أو يتزوج ثم يكفر ، وكيف إن خيف عليها إن تزوج قبل التكفير أن يطأها قبله ؟ وكيف لو كان ماله مغصوباً ، فهل يشرع في حقه الصوم أم لا ؟
[266/3]=فأجاب : لا يكفر قبل النكاح ، و إذا تزوج وجب الظهار ، و من كسبه حرام كفر بالصوم .
[نكاح يتيمة من مظاهر بإذن وليها الوصي عليها و ولاية أخيها]
*و سئل عن نكاح يتيمة من مظاهر بإذن وليها الوصي عليها و ولاية أخيها .
=فأجاب : عقدهما عليها غير جائز ، و يفسخ و لا يمضي عليها .
[البكر اليتيمة تريد النكاح و تدعي أنها حاضت]
*و سئل عن البكر اليتيمة تريد النكاح و تدعي أنها حاضت هل يقبل قولها أو ينظر هل أنبتت أم لا ؟
=فأجاب : يقبل منها إذا أمكن ذلك .
[من تزوج بنقد و العادة عدم قبضه ، و لكن بأتي الزوج بكسوة مسماة الثمن]
*و سئل عمن تزوجت بنقد و العادة عدم قبضه ، و لكن يأتي الزوج بكسوة مسماة الثمن و تحسب من النقد قبل الدخول .
=فأجاب : النكاح فاسد بما وصفت .
[من تزوج امرأة بمهر و شرط على أمه نصف دارها أو نصف جنة]
*و سئل عمن تزوج امرأة بمهر و شرط على أمه أن تعطيه نصف دارها أو نصف جنة ، هل يجوز هذا النكاح أم لا ؟ و إذا جاز فأراد الشفيع الأخذ بالشفعة ، هل له شفعة أم لا ؟ و ربما يأخذ بها ؟
(1/324)
________________________________________
=فأجاب : هو نكاح و بيع و هو فاسد يفسخ قبل ، و يثبت بعد بصداق المثل على مذهب ابن القاسم ، و يفسخ البيع في الجنة و الدار ، ما لم يفوتا فتلزم القيمة للزوج و بها تكون الشفعة .
[267/3] ... [من يميل لسريته دون زوجته]
*و سئل عمن يميل لسريته دون زوجته هل هو حرام أم لا ؟
=فأجاب : الرواية جوازه ، و القياس منعه و هو ظلم للحرة .
[أم ولد المفقود إذا لم يوجد له مال ينفق عليها منه]
*و سئل : عن أم ولد المفقود إذا لم يوجد له مال ينفق عليها منه ، هل تعتق عليه أم لا ؟
=فأجاب : هي بخلاف الزوجة في ضرب الأجل و ينفق عليها من ماله مطلقاً إن وجد .
[من تزوج يتيمة بشهادة رجلين ليسا من أهل العدالة و وقع الدخول]
*و سئل : عمن تزوج يتيمة بشهادة رجلين ليسا من أهل العدالة و وقع الدخول .
=فأجاب : إن اعترفت بالدخول و أنه وقع على الوجه الشرعي بعد وصفه لمن يعرفه ، فيشهد العدول بعد استبرائها من الماء الفاسد و يجوز ذلك .
[من استخلفت رجلاً يزوجها من رجل بصداق معلوم ثم غاب]
*و سئل عمن استخلفت رجلاً يزوجها من رجل بصداق معلوم فزوجها ثم غاب ، و بعد مدة أراد الزوج الدخول فأتى بشهود يشهدون أنها كانت وكلت فلاناً ، و أنه زوجها بصداق معلوم ، ودخل بها هذا الزوج وحملت ، فبعد سبعة أشهر رفع أمرها إلى القاضي فجاء مستفتياً .
(1/325)
________________________________________
=فأجاب : يبحث عن بينة الوكالة و العقد الأول على الوجه الأكمل ، فإن وجدا فهو القصد ، و إن تعذروا بكل وجه منهم ، أو من النقل عنهم ، قبل ذلك منهم مع البينة و رضي الزوج في وقت شهود الأول ، فإن لم يجد ذلك و وجد بينة بأن فلاناً زوجها من فلان و رضي ، و وجد من يشهد عليه قبل البناء أن ذلك العقد و التزويج كان بإذنها ، تم له الأمر ، و إن لم يجد و كان[268/3]دخوله بها مشهوراً ، فلا شيء عليه و لا عليها ، و الولد لاحق و الصداق واجب ، فإن رأي القاضي فسخ النكاح لكونه عقد بغير ولي فذلك له ، و إن أجازه لاختلاف الناس مضى و بقيت زوجة .
[بعض ... المسافرين تأتي كتبهم بموت فلان فتعتد امرأته من يوم ذكر موته و يقسم ماله]
*و سئل عن بعض المسافرين تأتي كتبهم بموت فلان ، فهل تعتد امرأته من يوم ذكر موته و يقسم ماله أم لا ؟ وكذلك الرفقة تأتي و هي كثيرة أو قليلة يخبرون بوقوفهم على موته بالموضع الذي كانوا فيه أو بغيره ، و يشهدون على السماع بذلك ، و يذكر ذلك الواحد و الاثنان و الثلاثة ، و قل أن يكون فيهم عدل ، و كيف إن وقع النكاح و الدخول و لحوق الولد .
=فأجاب : أما شهادة السماع فليس بشيء ، و أما الجماعة القائلون حضرنا موته ، فعن ابن القاسم : العشرون يقبل قولهم ، و سحنون لا يقبل قولهم ، و حكى من أثق به عن ابن أبي زيد أنه يقبل قول الثلاثين منهم ، و زاد في السؤال الذي بعده أن الثقة هو أبو عمران الفاسي و لا يبالي كانوا رجالاً أو نساء ، عبيداً أو أحراراً أو خدماً ، وكيف كان ذلك ، و أما أهل الأصول فلا تحديد عندهم خمسة فأكثر ، يخلق الله بهم العلم عند إخبارهم ورفع الشك .
[قوم عادتهم أن الثيب توكل من يعقد نكاحها بشهادة اثنين مجهولين و جمع كثير]
(1/326)
________________________________________
*سئل : عن قوم عادتهم أن الثيب توكل من يعقد نكاحها بشهادة اثنين مجهولين يمكن تزكيتهما ، و يشهد معهما الجمع الكثير في صف واحد و يفشو النكاح ، فهل يفسخ هذا النكاح أبداً و لو ولدت الأولاد وطال الزمان أم لا ؟ وكيف لو أنكرت البناء و لو لم يعرفها العدول فجمع عليها جمعاً من النساء و الرجال يعرفون بها العدول ، فهل يجزئ ذلك أم لا ؟ و يقطع العدول بقولهم .
=فأجاب : لا يشهد في هذا النكاح إلا العدول و في الوكالة و العقد ، غير[269/3]أنه إن نزل ما ذكر و علم منها الرضى والدخول بعد طلبها مضى النكاح ، و ما وصفت من الجمع فهو من معنى ما تقدم من علم الضرورة عند المتكلمين ، و ذكر ما تقدم عند الفقهاء من العدد العشرين و الثلاثين ، و الأصل ما قاله المتكلمون ، ولعل الفقهاء بعد عقدهم إن أفهم أحد شروط المتكلمين في تحصيل العلم و هو اجتهاد منهم ، و لا بد عندهم أن يكون الجمع ممن لا تلحقه تهمة .
[امرأة تحتاج إلى التعريف بها في نكاح أو بيع أو غيره ، و لا يوجد من يعرفها إلا النساء]
*و سئل : عن امرأة تحتاج إلى التعريف بها في نكاح أو بيع أو غيره و لا يوجد من يعرفها ما يكفي من عدة النساء في تعريفها ، وكيف لو لم يكن من الثقات إلا واحدة أو اثنتان أو من العدول منهن كذلك .
=فأجاب : بما تقدم من حكاية ابن القاسم و سحنون و أبي محمد و المتكلمين و تحصيل معرفة مذهبهم و اختياره من مذهب المتكلمين ، و إن تحصيل مذهبهم لا يكون بأقل من أربعة ، فإن زادوا عليها فمتى ما خلق الله في قلب السامع العلم ، فهو مقطوع به ، و هو علم الضرورة ، و الرجال و النساء سواء ، و لا يقوم بهذا اليوم إلا من يفهمه .
[من تزوجت و لم يعرف بها إلا شاهدان غير عدلين]
*و سئل : عمن تزوجت و لم يعرف بها إلا شاهدان غير عدلين هل يبني العدول على قولهما أم لا ؟ و هل يحضر العدول هذا النكاح أم لا ؟ و هل يفسخ هذا النكاح أبداً أم لا ؟
(1/327)
________________________________________
=فأجاب : لا يشهد العدول عليهم و لا يحضرون مثل هذا النكاح ، و أما فسخ النكاح فإن لم يثبت بعدول على وجهها ، فليس هناك نكاح .
[من سافر بمطلقة بسبب ولدها وليس بمأمون و يخاف منه عليها]
*و سئل عمن سافر بمطلقة بسبب ولدها منه وليس بمأمون ، و يخاف عليها منه .
[270/3]=فأجاب : إن أمكن أن يكتب إلى البلد الذي استقروا فيه أن يبعد بينهما إذا وصلت ، و تمنع من خروجها معه ابتداء ، و يمنع أن يقرب بعضهما بعضاً انتهاء فقد تم المراد ، و يتركان الخروج .
[مطلقة بالثلاث لها أولاد من هذا الرجل و أراد السكنى بأولاده بدار تلاصق دارها]
*و سئل عن مطلقة بالثلاث و لها أولاد من هذا الرجل ، و أراد السكنى بأولاده بدار تلاصق دارها بعد خروجها من العدة ، و لا يؤمن من حوادث السوء بينهما ، هل يبعد بينهما بقدر ما يؤمن من حوادثه و إن أدى إلى الخروج من الدرب .
=فأجاب : إذا كان يتقى أمرهما ، فيبعد بينهما و لو أدى إلى الخروج من الدرب ، و يفعل من البعد ما يؤمن الحوادث بينهما .
[قرية ليس فيها عدول و ربما احتاجوا لتزويج يتيمة فقيرة]
*و سئل عن قرية ليس فيها عدول وهم قدر العشرين ، و ربما افتقروا لتزويج يتيمة فقيرة و لا ولي لها أو غاب زوج المرأة و لا تثبت موجبات هذه الأشياء إلا بهم ، فهل تصح شهادتهم أم لا ؟
=فأجاب : إذا أخبر جماعة منهم من يوثق بشهادته من العدول ، وحصل لهم العلم بركون أنفسهم إلى خبرهم ، حكم بشهادة رجلين ممن أخبر جماعة حصل له ذلك ، و أقل الخبر خمسة فأكثر ، و إن لم يوجد هذا و لم يحصل العلم بخبرهم ، فيستكثر منهم و يبنى على خبرهم ، و أقلهم عندي ثلاثون إذا لم تكن تهمة فيما يشهدون به ، و متى وجد زائد كان أحسن لأنه أطيب للنفس .
[الرجوع بالنفقة على الابن]
*و سئل : عن الرجوع بالنفقة على الابن .
(1/328)
________________________________________
=فأجاب : يسألون عن عادة بلدهم في النفقة على أولادهم ، فإن كان[271/3]شأنهم الرجوع فعل ذلك ، و إن كانت عادة أمثالهم غالباً عدم الرجوع فعل ذلك ، و إن كان يختلف و هو مساوٍ أو متقارب ، فيرجع بعد يمين من الطالب أنهم لا يعلمون أنه أنفق على أن لا يرجع وكانوا ممن يشبه أن يعلموا .
[محجور لوصي في كفالة أمه ، ادعى الوصي أنه أنفق عليه و ادعت الأم أنه أنفق عليه عمه]
*و سئل عن محجور لوصي و هو في كفالة أمه ، فادعى أنه كان ينفق عليه عند أمه ، و قالت الأم بل المنفق عليه عمه و ادعى ذلك العم ، القول قول من ؟
=فأجاب : القول قول الأم مع يمينها .
[يتامى في حضانة أخوالهم بقفصة و لهم عم في قرية على قدر خمسة عشر ميلاً]
*و سئل عن يتامى في حضانة أخوالهم في قفصة فيرتفقون بهم في الكراء و غيره ، وليس لهم ما يفضل عن قوتهم وهم في حرز و أمان ، و لهم عم في قرية على قدر خمسة عشر ميلاً من القرية ، و تارة عند الخوف إلى تلك القرية ، و أما الحصار فلا يحصرون إلا بقفصة و يلجئون إليها بأهليهم فهل يخرج هؤلاء اليتامى إلى عمهم إذا طلبهم ، أو يبقون مع أخوالهم ؟
=فأجاب : يكونون مع أخوالهم .
[من تزوج امرأة بصداق معلوم نصفه مؤجل و نصفه حال فطلق قبل البناء]
*و سئل عمن تزوج امرأة بصداق معلوم نصفه مؤجل و نصفه حال ، فطلق قبل البناء ، و عادة أهل الموضع أن من طلق قبل البناء فإنه يؤدي نصف الصداق كله حالاً و لا يصبر حتى يحل ، فهل يلزم نصف الحال و يبقى نصف المؤجّل إلى أجله أم لا ؟ و هل هذا النكاح مع هذه العادة فاسد أم لا ؟
=فأجاب : إذا كانت هذه العادة ، فالنكاح فاسد بسبب هذه العادة ، و لا يكون قبل الدخول فيه صداق ، قيل هذا جار على فتوى ابن رشد فيما يكتب على الطوع ، و العادة تشهد بشرطيته فالحكم للعادة ، و يلغى الكتب ،[272/3]و على فتوى ابن الحاج أن الحكم للمكتوب يصح هذا هنا ، و يكون له نصف المؤجل إلي أجله و لا يفسد النكاح .
[
(1/329)
________________________________________
رجل من أهل القرآن تزوج بكراً و أبوها و أخوها من أهل القرآن و طلب العلم ثم ظهر أن الزوج يشرب الخمر]
*و سئل الشيخ أبو الحسن اللخمي رحمه الله عن رجل من أهل القرآن تزوج بكراً و أبوها و أخوها من أهل القرآن وطلب العلم و أحدث الزوج شرب الخمر و مخالطة أهل السوء من لا يشاكله من أهل شرب الخمر ، و جاهر معهم بشربها ، و قد كان قبل تزوج هذه الطفلة يوسم بذلك ، لكنه لم يجاهر به و لم يصححه أبو الزوجة و لا ظنه به ، و لو علم بذلك ما أباحها له بالتزويج ؛ لأنه لا يأمن ما يدخل عليها في دينها و جسمها و مالها من أنواع المضرة عاجلاً و آجلاً ، و قد أراد أبو الزوجة الآن فراقها منه و أبى من قبض النقد ، وكيف لو أظهر التوبة و لا تؤمن منه العودة لما حصل فيه من مخالطة أهل السوء ، و ما وطن عليه نفسه من الأفعال القبيحة ، فهل للأب في ذلك مقال أم لا ؟
=فأجاب : الأب وكيل الابنة ، فإذا علم أن تزويجه لذلك الرجل ليس بصواب ، و يخشي أن يفسد دينها ؛ و يدخلها فيما لا يجوز من الشرب و غيره ، و لا يرجى لمثله حسن عاقبتها معه ، فَّرق بينه و بينهما ، و من زوَّج ابنته لمن يشرب الخمر فقد عرضها للفساد لكونها معه في الحنث ، وقلما يسلم من شرب الخمر من إيمان الطلاق و الحنث في إيمانه .
[ابنة زوجها أخوها و أجاز النكاح عمها أخو أبيها الوصي ثم توفيت]
*و سئل عمن توفي و خلَّف زوجة و بنين صغاراً ، و أوصى أخاه على ابنته فزوَّج ابنة منهم أخوها ، و أجاز النكاح عمها أخو أبيها الوصي عليها ، و بنى بها زوجها ثم توفيت فطولب الزوج بصداقها نقده و مؤجله ، فقال : دفعت النقد لعمها الوصي . فأنكر ذلك العم و أنكر الوصية أيضاً ، فأخرج الصداق فوجدت فيه وصية العم ، فطلبه الزوج بمورثه من النقد و قال : إن زوجتي لم[273/3]تدخل بها و لا جهزتها به ؛ لأنك أنكرت الوصية ، فإن زعمت أنك جهزتها به بعد إنكارك فلا يقبل منك .
(1/330)
________________________________________
=فأجاب : الدخول يسقط عن الزوج الصداق و يحلف على ذلك و يبرأ ، أو يحلف العم أنه ليس عنده من النقد شيء و يبرأ ، و الشأن أن النقد تشور به الزوجة و لا يحبسه وصي و لا غيره ، بل يرغب في الزيادة عليه ، و لو أمسكه الوصي أو غيره لم يخف ذلك على البنت ، و قد يشتري به الزوج و لا يصل إلى يد الوصي أو تجعل أخاها يشتري لها ذلك .
[من تزوَّج امرأة و بنى بها ثم توفيت و ورثها إخوتها و أمها و زوجها ثم توفيت الأم]
*و سئل : عمن تزوج امرأة و بنى بها ثم توفيت و ورثها إخوتها و أمها و زوجها المذكور ، ثم توفيت الأم فقام الأخوة يطلبون الزوج بحظهم من الصداق ، فأثبت الزوج ديناً على القائمين عليه و على أمهم ، ودعا إلى المقاصة ودعاهم إلى التحاصص .
=فأجاب : إذا كانت السكة من الجانبين فما طلبه الزوج حق من وجوب المقاصة ، و إن كانت التي عنده دون من الذي له ، فله المقاصة أيضاً ، و إن كانت أعلى أخرجها ودفعها لعدل ، فيبيعها و يشتري منها ماله عندهم و لا يمكن الأخوة من تبعته .
[من تزوج صبية و استكتم الشهود في نكاحها ، ثم أوقع عليها طلقة]
*و سئل عمن له زوجة و ولدان و أنثى و هو مليء فزوج الولدين و لم يدخلهما بيوتهما و تزوج هو صبية بمائة دينار فعقد نكاحها في داره و الأبواب مغلقة و استكتم الشهود و أراد استكتامه حتى يدخل الولدان لئلا يشغل قلب أم ولده ، ثم بقي أياماً كذلك ففشا و ظهر فأوقع عليها طلقة ، فهل هذا النكاح صحيح فيلزم الطلاق و نصف الصداق ، أو فاسد فيلزم واحد منهما ؛ لأنه وقع على الاستسرار .
[274/3]=فأجاب : الصداق لازم للزوج ، و اختلف في صحة هذا النكاح ، فقيل جائز ، و إن النكاح السري المنهي عنه ما عقد بشاهد واحد ، و إذا عقد بشاهدين فليس عليهم أن يخبروا الناس ، و لا يحضر أكثر من شاهدين .
[من شهد لها نحو العشرين بأن زوجها فلاناً غائب و يخاف ضياعها ، وليس فيهم عدل]
(1/331)
________________________________________
*و سئل : عمن شهد لها نحو العشرين أو الخمسة عشر أن زوجها فلاناً قد غاب لناحية ، و يخاف ضياعها وليس لزوجها مال و لا يوجد من يشهد بنكاحهما إلا من تقدم ، و لم يوجد فيهم عدل ، و هي تحب الفراق ، فهل تثبت به الزوجية و يجب الفراق ؟ و هل يكون الحكم واحداً و لو كانت مدينة فيها من العدول كثير أو واحد خاصة أو لا يكون شيء ، و في شهادة من تقدم أن المرأة ليس لها ولي ، و في انتقال أملاك الرباع و بيعها على من يجب بيعها عليه بما تقدم .
=فأجاب : للمرأة القيام بالطلاق ممن ذكرته و لو عدمت البينة و من يشهد لها بالزوجية و أقرت أن فلاناً زوجها ، لكشف القاضي عنه بقولها و سأل عن هذا الاسم في البلد و ما قرب منه ، فإن لم يجده حكم لها بالطلاق بعد تحليفها أنه لم يكن لها منه نفقة ، و يحكم بالطلاق عليه متى جاء و أقر بالزوجية لفلان ، فكشفت عنه فلم أجده و لا أحداً يعرفه ، فحلفتها وحكمت لها بالطلاق إن ثبت أو أقر أنه زوج ، و المدن و القرى في هذا سواء ، و شهادة من ذكرت بأنه لا ولي لها ماضية ، و للقاضي تزويجها ، و الأمر فيه خفيف ؛ لأن القاضي وليها و إن كان هناك غيره إذا زوج الثيب مضى ، و البكر إن لم يكن لها ولي تزوج ، و مثله لا يخفى . و أما شهادة هؤلاء في الرباع فلا أتقلد فيها شيئاً ، و قد سئلت عنها غير مرة فلم أجب بشيء و الضرورة لها حكم ، و قول غير العدول كلا شيء .
[275/3][من أوجب لابنته في ذمته عدداً من المال و اعترف أنه صرفه في شوارها]
*و سئل عمن أوجب لابنته في ذمته عدداً من المال و اعترف أنه صرفه في شوارها ، فسألته أن يكون قبله فأوجبه على نفسه .
=فأجاب : إذا رضي الأب بالتزام الدنانير و بمضي القش ، فهو هبة لها و يمضي الاعتصار له ، و إذا ثبت الاعتصار لم تنفع الشهادة .
=و أجاب : السيوري يلزم ما أوجب على نفسه إن شهد الشاهدان بذلك في موطن واحد ، و إن كان في موطنين ففيه اختلاف و آخذ بما بدأنا به .
[
(1/332)
________________________________________
من يقول يكون الصداق و المهر وقت الابتناء ، و لم يعين زمانه]
*و سئل : عمن يقول يكون الصداق و المهر وقت الابتناء و لم يعين زمنه ، هل يفسد أم لا ؟
=فأجاب قول مالك النكاح جائز و لا يفسد و هو القياس ؛ لأن الثمن يدفع عند قبض المبيع فلا يضر الاختلاف ، لأَّنه متى عجلت السلعة تعجل قبض الثمن ، و متى تأخرت تأخر ، و وقع للسيوري إن لم يعرف له وقت و يختلف اختلافاً كثيراً ، فالنكاح فاسد .
[من زوَّج ابنته و شرط عليه أن يجلبها من المهدية إلى قفصة]
*و سئل عمن زوَّج ابنته و شرط عليه أن يجلبها من المهدية إلى قفصة ، و عمن خالعت على إسقاط المؤجل .
=فأجاب : النكاح جائز و الشرط لازم ، و على الأب الإتيان بها إلى قفصة و الخلع جائز إذا وقع بما وصفت .
[من زوَّجها أبوها على صداق أخت لها قد زوجت قبلها و على قدر مهرها]
*و سئل : عمن زوَّجها أبوها على صداق أخت لها قد زوَّجت قبلها و على قدر مهرها و توفي أبوها قبل الدخول بالثانية فوجد بعض الجهاز ، فهل يتم من متروك الأب أم لا ؟ و إذا لم يتم فهل يسقط من المهر بقدر ما بقي منه أم لا ؟
[276/3]=فأجاب : ما وجد من مال فهو للصبية ، و ما لم يوجد فالقياس أن يؤخذ من التركة قدر ما تتجهز به ما يقابل المهر ؛ لأنها هبة قارنت العقد كالبياعات ، و أحب إلي تسديد الحال بينهما في الباقي ، و يبقى المهر على حاله ، و لا يصير للصبية من الرجل و الميراث إلا قدر ما يقابل ما يدخلها أبوها به .
[سُنيّة تزوجها خارجي جهلا منها ، فلما علمت طلبت فراقه]
*و سئل عن سُنيّة تزوجها خارجي جهلاً منها فلما علمت طلبت فراقه ، فقال : أرجع عن مذهبي و لم يرجع إلى الآن .
(1/333)
________________________________________
=فأجاب : إن لم يتب فرّق بينهما ؛ لأنه يخشى منه أن يفتنها و يفسد دينها ، و لو كان ممن يكفر بمذهبه فهذا بيّن ، و يحاط للفروج إذ لا تحل له على أحد القولين ، و عنه أيضاً في تكفير القدرية قولان ، فعلى القول بكفرهم لا يصلى خلفهم جمعة و لا غيرها ، و لأبي حفص نحوه ، و هو خلاف فتوى السيوري ، و لا أبلغ به الفسخ ، و الأول أظهر . و جار على قول أصبغ في الفاسق المجاهر .
[إذا زوّج وصي محجورته من رجل مشهور بالخنا ، فعليه صداقها و لا ذمة للزوج]
*و سئل : عمن أوصى على بنات من قبل أبيهن و خلف لهن ربعاً ودياراً و غلات ، فعمد الوصي فزوَّج واحدة منهن و لها ما يقوم بها من غلة الربع و السكنى ، فزوجها لرجل مشهور بالخنا و الوزر في ديوان بني عبيد السنين الكثيرة ، هل يفسخ هذا النكاح أم لا ؟
=فأجاب : هذا النكاح لا يجوز و يفسخ بكل حال ، و للابنة صداقها على الوصي ؛ لأن الزوج لا ذمة له يقضَى منها الصداق .
[من تزوَّج يتيمة من أمها بالوصية و هو خبيث المكسب ، فالعقد غير جائز]
*و سئل عمن كان مكسبه و مكسب آبائه من حلال و يتمعش بالحلال ، اكترى قبالة القَرَسْطون بسبعين ديناراً ، ثم تزوج يتيمة من أمها بالوصية ، وقدمت لعقد[277/3]نكاحها بعد أخاها بعد اتصافه بهذه القبالة المذكورة ، و قال : إنه يرجع عنها و يسعى في طلب الحلال ، ثم إنه اكترى قبالة الخضر و غيرها بأربعمائة دينار ، وكثرت مفاسده وطلب بتجافي الحرام و لم يدخل باليتيمة إلى الآن ، فأراد أخوها و أمها استخلاصها منه ، فهل لهم ذلك أم لا ؟ و هل يكون عليه نصف الصداق إن وقع الطلاق أم لا ؟ و قد تحرجوا من طلب الصداق منه لخبث مكسبه .
=فأجاب : عقد الأم و الأخ النكاح على الصبية من هذا الرجل غير جائز ، يفسخ و لا يمضي عليها .
[من له جدة للأم و أب فطلبت الجدة كفالته و أجرتها عليه]
(1/334)
________________________________________
*و سئل حسان عمن له جدة للأم و له أب فطلبته الجدة في الكفالة و أجرة عليها ، و قال الأب : اشتريت له من يخدمه فإما أن تأخذيه بغير أجرة أو تدعيه .
=فأجاب : إن كانت الجدة لا بد لها من خدمة الولد غير الإيواء إليها أخذت من الأجر بقدر ذلك ، و إن استغنى الولد بالخادم عن خدمتها فليس لها من أجرة الكفالة شيء ، و ذهب إليه بعض شيوخنا المتأخرين و فيه اختلاف .
[من طلق امرأته طلقة بائنة و له منها رضيع وليس له ما يكفي للأجرة الرضاع ، وهناك قريبة ترضعه بالمجان]
*و سئل عمن طلق امرأته طلقة بائنة ، و له منها رضيع و لا يملك إلا نصيباً من دار قيمته مائة دينار ، وكراؤه رباعي و نصف ، و لا يقوم بأجرة الرضاعة ، و له قريبة ترضعه مجاناً ، فهل يباع عليه نصيب الدار لكون فائدته لا تقوم بأجر الرضاع ، أو ترضعه قريبته بغير شيء .
=فأجاب : الأم لها حق في الحضانة ، فإذا وجد الأب من يرضعه مجاناً ، أو بأقل من أجر الأم ، و لا بحال بينها و بين كفالتها فاللأب ذلك ، و إن لم يجد من يرضعه عندها ، قدم حق الأم و أخذت أجرة الرضاع ، هذا المستحسن من القول عندي و عند بعض المتأخرين .
[278/3][إن كانت المحضونة تخدم الحاضنة خدمة لها بال ، فترجع على الحاضنة بأجرة خدمتها]
*و سئل الرمَّاح عن أجرة المحضونة .
=فأجاب : إن كانت تخدم نفسها فلا مقال لأبيها و إن كانت تخدم الحاضنة خدمة لها بال فترجع على الحاضنة بأجرة خدمتها .
[إذا كانت الجدة لا تؤمن على كفالة أولاد ابنها لفقرها وقلة ذات يدها]
*و سئل : أبو محمد الزواوي عن كافلة لأولاد ابنها و هي لا تؤمن على رزقهم لفقرها وقلة ذات يدها وكانت غائبة سبعة أشهر وقدمت و أخذتهم من أبيهم ، و ظهر أن حالهم عند أبيهم خير من حالهم عند جدتهم الآن ، فهل ذلك قادح في كفالتها أم لا ؟
=فأجاب : إن ثبت ما ذكر من و الضرر ، أكلوا عند أبيهم و يرقدون عند جدتهم إن لم يتضرر والدهم برقادهم عندها .
[
(1/335)
________________________________________
إذا أشهدت الحاضنة أن محضونتها في كفالة أبيها ، فلا رجوع لها في ذلك]
*و سئل ابن عرفة عن رسم يتضمن أن حاضنته أشهدت أن محضونتها في كفالة أبيها ، و المنفق عليها في جملة عياله و في محله و منزله و حوزه ، و ذلك منذ شهرين تقدما عن تاريخه ، و ذلك برضى الكافلة المذكورة ، فهل للجدة رجوع في حضانة المكفولة أم لا ؟
=فأجاب : لا حضانة لها في الابنة المذكورة ، إلا أن تقيم بينة أن ذلك لعذر مفسر من مرضها و نحوه .
[من تزوج ماشطة و شرطت عليه في عقد النكاح أن لا يمنعها من صنعتها]
*و سئل عمن تزوج ماشطة و اشترطت عليه عند عقد النكاح أن لا يمنعها من صنعتها و قبل ذلك منها ، ثم أراد منعها من ذلك .
=فأجاب : لا يلزمه الوفاء بالشرط ، قيل إن كانت صنعتها لا تجوز[279/3]فواضح ، و إن كانت جائزة فتجري على مسألة إذا اشترطت أن لا يخرجها من بلدها ، و ظاهر المدونة عدم اللزوم ، و استحب غير واحد الوفاء للحديث ، و مال اللخمي إلى الوجوب وحكاه عن ابن شهاب و قال به بعض الموثقين .
[إذا فرَّت المرأة من الجبل إلى المدينة تشكو زوجها لإضراره بها و تريد خصامه ، فهل تمكن من ذلك]
(1/336)
________________________________________
*و سئل : عن قضية و هي أن جبل وسلات على نحو البريدين من القيروان و تارة تكون الطريق فيه مأمونة و تارة مخوفة فتصل المرأة فارّةً من الجبل إلى المدينة من زوجها تشكو إضراره ، و تريد خصامه و تخشى على نفسها إن عادت إليه بعد الفرار القتل ، فيتكرر شكواها للحاكم فيكتب لمن يزعج الغريم المذكور من الجبل للمدينة بعد الواجب في ذلك ، فمنهم من يصل في بعض الأوقات ، و الغالب في أكثر الأوقات عدم الوصول ، فيصل جواب من بعث إليه بإزعاج الغريم بخط غير معروف ولفظ غير محصل ؛ لأنه تارة يذكر أن الغريم تعصب أوفر ، و تارة يرجى في إزعاجه و بعثه ، و هذا الجواب أيضاً يكون في بعض الأوقات ، و في بعضها يتعذر الجواب فتقيم المرأة على ذلك ، فإذا طال أمرها فتريد أن تقطع عن زوجها بعدم النفقة ، و تقيم بينة أن بعلها امتنع بالجبل المذكور ، أو تعسر حضوره لمجلس الشرع ، و تثبت بقية فصول موجب القطع لعدم النفقة ، فهل تمكن من القيام بذلك و إثباته و الحال كما وصف ، مع إنها كانت ساكنة معه بالجبل المذكور ، و هي الفارّة عنه ، لكن تشكو الضرر و تخشى على نفسها بعد الفرار ما ذكر ، أم لا تمكن من ذلك ؟ وكيف لو زادت بينتها أن بعلها قصد الضرر ، و تصل أيضاً المرأة الغريبة من الجبل المذكور إلى المدينة المذكورة فتريد التزويج ، و وليها بالجبل المذكور ، وليست من ذوات القدر و لا تلحق بالسوداء المسكينة ، فهل للحاكم أن يزوجها إذا ثبت عنده خلوها من زوج و موانعه من غير كتب إلى وليها ؟ أم لا بد من الكتب إلى وليها ؟ جوابكم في المسألتين و ما تعلق بهما مشروحاً و السلام .
(1/337)
________________________________________
=فأجاب : حاصل زوج هذه الفارّة أنه بمحل لا تناله الأحكام الشرعية ،[280/3]و أن كونه به اختياري ، و جلبه منه لمحل الأحكام الشرعية متعذر غالباً ، فهو حينئذ كغالب عنها لم يترك ما ينفق عليها منه ، أو حاضر لَدّ عن الإنفاق و عجز عن أخذه منه كرهاً ، و أيا ما كان ، فللزوجة القيام بموجب التطليق للضرر الموجب حكم أصل الباب حسبما قرر في الأمهات ، وقرارها عنه بعد تزويجها منه بذلك المحل ، لا يبطل حقها لوجهين : الأول حرمة المقام بذلك المحل المذكور حاله و وصفه . الثاني أن رضاها به أولاً لا يسقط قيامها به ثانياً ، كرضاها بأثره عليها أولاً ، لا يمنع قيامها ثانياً ، و نحو ذلك من الضرر كثير . و أما مسألة الولي فلا بد من الكتب و الإعذار إليه و التلوم إن أمكن دون عسر وضرر طول ، و إلا تسقط و زوجها القاضي بموجب ذلك و الله أعلم . و حكى ابن رشد أن الخوف يصير القريب بعيداً ، و حكى ابن سهل فيه خلافاً ، وكذا بلاد الخوف و الفتنة فيها كذلك قيل ، و الذي استقريته من أحوال قرى القيروان حين كنت مقيماً بها أنها لا تنالها الأحكام الشرعية ، فأرى أن لا تمكن الفارّة من زوجها من الخروج بها إلى القرى ، أو إلى الجبل الذي حولها ، نحو جبل وسلات ، و بلاد هوارة ، و قد وقع شيء من هذا هربت امرأة من بني حرير قرية من قرى القيروان على نحو تسعة أميال ، فمكنها القاضي من زوجها وقريبها إذ ذلك ابن قيدار بعد أن خوفهم عقاب الله و عذابه ، فخرجا بها فقتلاها بالطريق .
(1/338)
________________________________________
وكذا وقع في هذا العام الفارط الذي هو عام سبعة و ثمانمائة ، امرأة هربت من مهروف جبل على مسيرة مرحلة من القيروان إليها ، فتسبب زوجها في إخراجها حتى بلغت تونس بأمير أمير المؤمنين نصره الله ، و مكنها من الشرع ، و كان رأيي أنها لا تمكن منه بوجه إلا أن تشاء ، فضمنها على ما سمعت شيخ العرب أبو حرب صولة بن خالد ، فخرجت معه و ذكر لي زوجها بعد ذلك أنه حسنت العشرة بينهما و هي قريبة ، و أما قرى تونس فمنها ما هو مدعاة الأحكام الشرعية بسبب عاملها أو عريفها فحكمه ما تقدم ، و منها ما تناله الأحكام فحكمه كالحواضر و الله أعلم .
[281/3][من تزوج بكراً ذات أب و لها خادم ، ثم تبين غضبها من قطر آخر و هي جارية تخدم الزوج]
*و سئل : عمن تزوج بكراً ذات أب و لها خادم ثم تبين غضبها من قطر طرابلس و هي تخدم الزوج ، فأراد تقويمها على نفسه من أجل غضبها و الجهل بربها وضرورته إليها بسبب الخدمة ، هل له ذلك أم لا ؟ فإن أبيح تقويمها فهل القيمة كثمن اللقطة تمضي وليس لصاحبها إذا جاء إلا القيمة أم لا و ترد الجارية على ربها متى جاء ؟ و إن لم يبح له التقويم فهل على الزوج ردها على الواهب أم لا ؟ وكيف لو كان ردها تعريضاً لتلفها فيوقفها أو يعطيها للفقراء ؛ لأن الواهب من عوام الأعراب ، و إن لم يبح هذا ، فهل تبقى تخدم الواهب و يحتاط عليها حتى يأتي من يستحقها أم لا ؟
=فأجاب : لا يباح له تقويمها بوجه ، و الواجب فيها إن ثبت غصبها من معين أو مجهول ببينه عادلة ليس فيها مدفع ، فهي كآبق رفع إلى الأمام فيحبسه سنة حسبما قال في المدونة ، ثم يبيعها و لا حق لربها إن قدم إلا في ثمنها فقط ، و إن لم يثبت ذلك ، فهي باقية بيد من هي له ، فإن كان هذا الزوج عالماً بغصبها و عجز عن إثباته ، حرم عليه الانتفاع بها إلا بعوض ، و له أن يحسب فيها النفقة عليها من نفقة مثلها .
[
(1/339)
________________________________________
من زوّج ابنته من رجل و هي بكر صغيرة في حجره ، و نقدها الزوج دراهم تونسية و لم يبينوا نوعها]
*و سئل : الشيخ أبو القاسم الغبريني عن رجل من بلاد إفريقية بتوزر و هو مقيم بها ، خطب إليه رجل من أهل بلاده ابنة عنده بتوزر و نقد لها نقداً دراهم تونسية ، و هي بكر صغيرة في حجر أبيها ، وكتبا في المهر أن دراهمه سكية تونسية و لم يقولوا عشرية و لا ثمانية ، فتوفي الزوج وطلب الأب صداق ابنته فأعطوه من التركة على حسب ما ادعاه على أنها عشرية ، ثم قاموا عليه ، و قالوا : إنما هي ثمانية .
=فأجاب : إن كانوا أعطوه صداق ابنته بعد علمهم بما كتبه الشاهدان[282/3]من إبهام عدد الدنانير و عدم بيانها في الصداق ، فلا قيام لهم في استرجاع شيء منه بعد أن سلّموه له و مكنوه منه عالمين بذلك ، إلا أن تكون لهم حجة غير ذلك فينظر لها بالشرع .
[من توفي و ترك زوجة فاستظهرت بمهرها عليه فيه دراهم سكية دون بيان نوعها]
*و سئل عمن توفي و ترك زوجة فاستظهرت بمهرها عليه ، و نصه في الكتاب ثلاثمائة دينار دراهم سكية ، و لم يفسر شهوده هل هي عشرية العدد أو ثمانية ، فادعت الزوجة أنها عشرية فضة ، و قالت بقية الورثة أنها ثمانية فضة ، فهل تعمر ذمة الميت بالأقل أو بالأكثر ، في اصطلاح الناس اليوم أن البيع إن وقع بعشرة دراهم مطلقة ، فهي عبارة عن ثمانية دراهم حدودية فضة ، إلا أن ينص على أكثر من ذلك ، لكن في كتاب المهر سكية فهل لها تأثير في زيادة القدر أم لا ؟ و قد يوجد في بعض الصداقات كذا وكذا ديناراً دراهم فضة جديدة الضرب عشرية العدد ، أو ثمانية العدد ، و لم يذكر فيها سكة ، و هذا المهر المختلف فيه لم يذكر فيه إلا دراهم خاصة لا غير ذلك ، و لم يقع الاختلاف بينهم هل يقبض عين الفضة أو صرفها من الذهب ، و إنما وقع هل الدنانير عشرية فضة أو ثمانية فضة .
(1/340)
________________________________________
=فأجاب : تقدم جوابي مراراً عن هذا السؤال ، و أوجب تكرره عدم تحسين السؤال ، و لو كان محسناً لكفي جوابه مرة واحدة ، و مع هذا فهذا السؤال أيضاً قاصر مع تحسينه أن يبين هل كل واحد من المرأة و الورثة يحقق دعواه أو يجهل ذلك أو يحقق البعض و يجهل البعض ، و عدم هذا فيه أتعاب للمجيب إذ يجيب عن كلها ، و إذا ذكر بعضها تكلم عليه فقط و تقدم إشارتي أن لها تعلقاً بمسالة اختلاف المتبايعين المذكورة في كتاب بالصناع فلا أقل من الاهتداء إلى ذلك ، و وقع في الكلام إنه لم يسأل هل يقبض عين الفضة أو صرفها كأني أجبت عن ذلك و لم يسأل عنه ، بل سئل عن ذلك ، و نصه هل يحمل ذلك على الفضة و إن قضى ذهباً كان يحسب الفضة صرفاً ، أو محمولة على الذهب[283/3]باعتبار صرفه ، ولفظ السكية ليس لها تأثير في زيادة القدر ؛ لأن السكة إنما هي عبارة عن علامة تمييزها ، و إن العشرية مسكوكة و الثمانية كذلك ، و ما رأينا دراهم و لا دنانير إلا مسكوكة ، و قوله و قد علم في اصطلاح الناس اليوم غير نافع ، و إنما النافع ما كان في الاصطلاح يوم كتب الصداق و في موضعه ، و الحاصل في ذلك أن الورثة و المرأة إن حقق كل واحد منهم دعواه بأن تقول المرأة كان من حساب عشرة دراهم فضة لكل دينار ، و قال الورثة : ثمانية لكل دينار . فالقول قول الورثة بيمين ، و إن حقق أحدهما وجهل الآخر ، فالقول قول من ادعى التحقيق مع يمينه ، و إن جهل الجميع ، حلف الورثة أنهم ما يعلمون أن النكاح وقع بعشرة ، وحلفت المرأة أنها لا تعلم أن النكاح انعقد بثمانية ، و لها صداق مثلها على مثله ، ما لم يزد على عشرة فلا يزاد أو ينقص عن ثمانية التي رضي بها الورثة فلا ينقص .
[من كانت له فروة فنزعها و قال : من لبسها فهي بابنته . فلبسها رجل عنده صبية]
(1/341)
________________________________________
*و سئل : عن رجل كانت عليه فروة فنزعها وحطها عند رجل فقال : إن لبسها أحد فهي بصبيته . فلبسها رجل عنده صبية فأراد صاحب الفروة أخذ ابنة الذي لبس الفروة فجمد لبسها ، فشهد عليه بلبس الفروة رجلان أحدهما فقير ، و الآخر عامي آكل للحرام .
=فأجاب : صاحب الفروة رجل خال من الخير إذ لا يصدر فعله من قلب عامر بتقوى الله ، و إذا كان لابس الفروة لا علم عنده بما قال صاحبها فلا يلزمه في ابنته شيء سواء أقر بلبسها أو جحده ، و لو قام عليه على لباسه مائة شاهد فلا يلزمه نكاح ، قيل هذا جار على الوجه الواضح فأثار إشكالاً في : إذا أخذها قاصداً لذلك ، و الذي سمعناه من شيخنا الفقيه الإمام رحمه الله وقيد عنه في مسألة من ركب فرسي فهي بابنته و أخذ شاشيتي فهي بابنته ، أنه لا يلزمه شيء ، و أخذ ذلك من قوله : إذا جاء غد فقد راجعتك . لم تكن هذه رجعة ؛ لأنه إنشاء في المستقبل ، و النكاح ينزه عن شبه النكاح إلى أجل ، لقوله[284/3]في المدونة : إذا مضى شهر فأنا أتزوجك . ورضيت هي و وليها ، فهذا النكاح باطل لا يقام به ، و منهم من أجراها على مسألة من طلع هذا الجبل فله كذا ، و مسألة من أسلمت فلها كذا ، و قد تكلم عليها ابن رشد في كتاب الصدقات و الهبات ، و منهم من فرق بين أن يعلق العقد على ما ينفع فيلزم ، أو لا ينفع فلا يلزم .
[امرأة معروفة بالطيش و الخفة عرفت بذلك منذ مدة ، و تزوجها ثلاثة ثم فارقوها ، ثم جاء رابع فجعل يضيّق عليها]
(1/342)
________________________________________
*و سئل عن امرأة مشهورة بالطيش و الخفة ، علم ذلك منها و تحقق من حالها منذ بني بها بكراً ، من مدة تقرب من ثلاثة عشر عاماً ، و تزوجها ثلاثة وفارقوها بسبب ذلك ، ثم تزوجها الآن رابع و هو عالم بحالها مليء من خيرها ، وحلف أيماناً مغلظة على عدم طلاقها عند ابتنائه بها ، و شرع في التضييق عليها و الإضرار بها ، فزادها ذلك خفة وطيشاً ، فليم على ذلك ، فقال : لم آخذها إلا رغبة في مالها ، و ترافعا إلى القاضي مراراً لا تنحصر ، فأمر بسكنى أمينة النساء معهما فيمتنعن من ذلك لما يتفق من شقاقهما و عدم اتفاقهما ، و بقي كل واحد منهما يتردد بين دور الحكام و الشهود ، شاكياً بزوجه و هي متمادية على ما علم منها من الخفة و عدم الانقياد ، و هما متماديان على شقاقهما و عدم اتفاقهما ، و أنهما لا يرجى لهما صلاح حال بوجه ، و إن بقيا على الزوجية يخاف عليهما و يحذر ما هو أشد من ذلك ، و إن من المصلحة بينهما البدار في بعث الحكمين للتفرقة بينهما ، فجمع القاضي لهما جمعاً من الطلبة للشورى في ذلك ، فلم يوجد في أهلهما و لا جيرانهما من يصلح لذلك ، فوقع النظر في بعثهما من سائر المسلمين ، فقال بعض من حضر من الطلبة : يتعذر وجود الحكمين في زماننا هذا ، إذ لم يبعث في ذلك إلا علي رضي الله عنه و ابن عباس ، فوقع عند القاضي توقف في ذلك ، فهل يمكن بعث الحكمين في زماننا هذا ، أم لا يمكن و يكون ذلك مقصوراً على الصحابيين المذكورين أم كيف يكون الحكم بينهما ؟
[
(1/343)
________________________________________
285/3]=فأجاب : يمكن بعث الحكمين في زماننا هذا ، و لو لم يمكن ذلك لما أمكن تقديم شهود و لا قضاة في زماننا ، و قول مقصور على علي و ابن عباس خطأ من القول وجهل عظيم من قائله ، فلا ينبغي لقائله أن يلتفت إليه و لا يعرّج في شيء من الأمور الدينية عليه ، و إذا ثبت إضراره بها و تضيقه عليها بما مدفع له فيه زجر عنه و أدب عليه ، و إن لم ينزجر فبعث الحكمين إنما يكون عند الإشكال في أمرهما ، و لا بينة لأحدهما ، و قد أطال علماؤنا الكلام في ذلك و بينوه فليعتمد الحاكم في ذلك على كلامهم و من أحسن ذلك عندي و أبينه أحكام ابن سهل ، ففيها الشفاء لذلك و الله أعلم .
*و سئل : ابن البراء عما وقع لابن رشد من أنفق على أبيه المعدم ، فلا يرجع على إخوته بشيء ، ليس لأجل أنه تطوع ، بل لو أشهد برجوعه على إخوته فلا يرجع لأن نفقتهم بلم تكن واجبة حتى يطلبوا بها ، بخلاف نفقة الزوجة .
=فأجاب : بأن نفقة الابن على الأب العديم ، و انفراد أحد الأولاد بها بما ذكره فيها ظاهر ؛ لأن القضية تحتاج إلى ثبوت فصول عند الحاكم من فقرة و عجزه و غنى الأولاد ، فيوزع الحاكم حينئذ النفقة عليهم ، و لما لم تثبت هذه كان ما كتب في أمره لم ينبرم عقده فلا أثر له ، و نفقة الزوجة واجبة و لا نظر فيها و لا شرط ، و هي تجب بالعقد و التمكين ، و مسائله جارية على نهج الفقه و أصل المذهب .
[من سافر إلى المشرق و ترك أم ولد لها بنت بدون نفقة ، فقامت أم الولد بحقها و أرادت العتق]
*و سئل عمن سافر من المهدية إلى بلاد المشرق فأقام بها خمسة أعوام و لم يقدم ، لأمر قريب و لا غيره لا بسلف و لا غيره ، فقامت أم الولد بحقها و أرادت العتق ، فهل يتلوم لها بشهر أم لا ؟ و هل يلزمها يمين كالزوجة أم لا ؟
[
(1/344)
________________________________________
286/3]=فأجاب : هذا أهمل حقه بإهماله أم ولده حتى أضر بها ، و ما تدوم متعة إلا بقيامه بها ، و إذا عدم ذلك ملكت أمر نفسها في النظر لمصلحتها من العتق و التزويج إن صلحت له ، و يرغب فيها تفعل أخف الأمرين ، فإن لم تصلح للنكاح وقويت على خدمة تكفيها من غير مشقة رجحت لعدم حادث يرفع منفعتها ، و أما ما يمنعها بعد هذه المدة و عدم اهتبال سيدها بها ، و بعد موضعه فضعيفة ، لكن فعله خير من تركه بحسب تطرق الاحتمال .
[من غاب عن ابنة له غيبة بعيدة و سن ابنته نحو العشرين عاماً ، فأرادت التزوج من ابن خالها]
*و سئل : عمن غاب عن ابنته من أفريقية إلي البلاد المشرقية منذ خمسة أعوام ، ثم ذكر أنه دخل اليمن ثم انقطع خبره و لم تدر حياته من موته ، و سن ابنته حين غيبته نحو العشرين عاماً ، فطلبت الزواج فخطبها ابن خالها و هو كفء لها في المال والدين و الحسب ، و كان الأب خلف دار سكناه وحجرة بإزائها كراؤها درهمان في الشهر ، و الطفلة المذكورة تسكن مع أمها في الدار ، و تأكل من عند شقيقها حسبة في الأعوام الماضية ، و قد أرادت الأم والأخ الآن تزويج الابنة ، إما من ابن خالها أو غيره لفقدان الأب على الوجه المتقدم ، و قد كان الأب حلف حين خرج أن لا يأخذ من أولاد خال الصبية و لا يعطي ، فهل يجوز نكاح هذه الطفلة من ابن خالها أو من غيره أم لا ؟ و إذا زوجت من الأول فهل يحنث ألب في يمينه ، أم لا لأنه ليس بمعط .
(1/345)
________________________________________
=فأجاب : مذهب مالك إذا بعدت غيبة الأب وحياته و مكانه معروف ، و لكن يتعذر استعلامه ، و البنت بالغ فالإمام يزوجها ، و قاله الشافعي ، قال عبد الوهاب لأن بعد الغيبة يضر بها فأشبه العضل ، و لو عضلها بالحضرة لزوجت عليه فكذلك غيبته ، فعلى هذا تزويجها عليه ليس بالنيابة عنه ، بل للضرر الداخل على البنت ، فإذا زوجها الحاكم فلا حنث عليه ، فإذا كان ابن خال كفئاً لها لا يوجد مثله لها في كل ما ذكر ، زوجها منه أخوها للضرر اللاحق ببقائها و بعد خبر أبيها .
[287/3][من التزمت زوجته أن لا تطالبه بنفقة ما دام غائباً عنها و لم يخرجها من بلدها]
*و سئل : أبو زكريا البرقي عمن التزمت له زوجته أن لا تطالبه بنفقة ما دام غائباً عناه ، و لم يخرجها من بلدها و هي سفاقس ، فغاب عنها و مستقرة بتونس فطول الغيبة و لم يعلم أين هو بتونس أو غيرها من حيث لا يعلم ، و قد رفعت الآن أمرها إلى القاضي و اشتكت الضرر لعدم النفقة وطول الغيبة و عدم معرفة أين هو حتى يعذر إليه ، أو يكون ببلد بعيد كبجاية و قسطنطينية بحيث يتعذر الإعذار إليه ، هل لها قيام للضرورة و تطلق عليه أم لا ؟
=فأجاب : إسقاط النفقة بشرط عدم الخروج بها من بلدها ، لها الرجوع في الإسقاط ، و له إخراجها ، هذا ظاهر المذهب .
و أجاب : البرجيني بأن يسأل الشهود بينهما ، فإن فهموا الغيبة طالت أو قصرت ، أو يعلموا الغيبة المعتادة إلى الموضوع المعتاد و إقامته فيه أو موضع قريب منه لا سيما إذا كانت غيبته معتادة مستمرة معروفة ، فهذه قرينة تدل على قول المرأة ، و يعضد فهم الشهود لذلك ، فما يفهم بينهما يعمل عليه .
[من أنفق على والدته مدة ، و أشهد أن يرجع على من يجب عليه الرجوع من بقية إخوته]
(1/346)
________________________________________
*و سئل : عن أم لها ثلاثة أولاد أحدهم عاجز عن نفقتها ، و الآخر غائب بمكة و هي بسفاقس ، و الثالث ينفق عليها مدة ، و أشهد أنه يرجع على من يجب عليه الرجوع من بقية الأولاد ، فهل يجب على الغائب ما يخصه من نفقتها أم لا ؟ مع أنها يخصه من النفقة أم لا ؟ و في قدر ما يلزم كل واحد منهما و قد ثبت فقره ، و هل يجب على الولد المشهود له بالعجز منها شيء أم لا ؟
=فأجاب : إذا توجهت النفقة على الحاضر ، فتتوجه أيضاً على أخيه الغائب ، فإذا أنفق الحاضر أخذ ما يخص الغائب منه إن كان في[288/3]الغيبة ملياً حين النفقة عليها ، و هي بينهما بالسوية إن اتحد يسرهما أو تقاربا ، و إن اختلف الحال فالنفقة على قدر الملأ .
[من زوَّج ابنه البالغ الرشيد الغائب عن محل العقد]
*و سئل : عن النكاح الموقوف و هو إذا زوَّج ابنه البالغ الرشيد الغائب عن محل العقد .
=فأجاب : في المذهب ثلاثة أقوال : الصحة ، و البطلان ، و الفرق بين أن يجيز بالقرب فيصح و إن بعد ما بينهما ، إما لبعد الولد أو لتأخر الإعلام لم يجز و يفسخ قبل و يثبت بعد ، و هو في المدونة قول مالك الذي عليه أصحابه ، و لو رد الولد النكاح فسخ بغير طلاق ، و لا يلتفت إلى قول والد الزوجة أن الولد لم يقبل عقد الوالد ، و لا قول الزوج الثاني ، أن الولد رضي بما فعل الأب من الترك ، إلا أن تقوم بينة بشيء من ذلك فيقضى بها .
(1/347)
________________________________________
و أجاب : البرجيني بأن الولد إذا رضي بالقرب ، فالنكاح جائز و بعد طول الزمان لا يصح النكاح ، هذا هو المعروف في المذهب ، و عن سحنون القرب اليوم و نحوه ، و إن علم رضى الزوج و لم يعرف الشهود قرب رضاه أو بعده فلا يصح النكاح ، إذ شرط الصحة رضاه بالقرب ، فإذا لم يثبت فلا يصح ، و يجري مجرى الرضى حضور الزوج لإطعام الطعام و تفرقته على الأهلين و المعارف ، و هو غير منكر و هو رضى مسلم ، و هذا إذا كان الطعام بقرب العقد ودعوى الأب من ترك الزوجة ؛ لأن الابن لم يوكله غير قادح ؛ لأن انحلال العصمة بعد ثبوتها لا يكون إلا من الزوج أو بوكالته و لا واحدة منهما ، و عدوى الرضى عليه بذلك دون إشهاد لا يؤثر في فسخ النكاح إذا ثبت رضاه قرب العقد بشهادة كما مر ، و فيه فروع و تفصيل يطول ذكرها . و في المدونة من زوَّج ابنه و هو حاضر ساكت إلى آخره ، قال شيخنا : لا يتخرج فيه الخلاف من السكوت هل هو كالأقدار أم لا ؟ لأن النكاح هنا لم تحصل أركانه ، بخلاف إذا زوج و هو ساكت و مضى عليه زمان يمكن أن ينكر فلم يفعل ، فهذا يجري فيه لخلاف المذكور .
[289/3][من زوَّج ابنه و ذكر في الصداق أنه تحمله عن ولده حملاً لا حمالة]
*و سئل : البرجيني عمن زوج ابنه و ذكر في الصداق أنه تحمل عن ولده الصداق حملاً لا حمالة ، و تقرر في ذمته و عليه انعقد النكاح ، ثم ذكر في الصداق نفسه أن الزوج دفع النقد عند البناء و بقي في ذمته المهر و هو كذا وكذا ديناراً ، واجباً وحقاً لازماً على الحلول عليه ، وحمله والده كما ذكر ، سبيله سبيل الديون الواجبة و الحقوق اللازمة .
(1/348)
________________________________________
=فأجاب : إن الأب إذا التزم دفع الصداق ، فالقصد إخلاء ذمة الزوج منه و عمارة ذمة الأب ، فيتبع في حياته و بعد مماته كسائر الديون اللازمة ؛ لأن عليه انعقد النكاح و لا إشكال في هذا ، و القسم الثاني أن يلتزمه عنه على سبيل الحمالة يلفظها فله حكم الحمالة . الثالث قوله أنا ضامن ، فهل فسروه به من أحد الوجهين صير إليه ، و إن لم يفسروا شيئاً فهو على الحمل ؛ لأنه العرف في الصدقات ، و يجاب عن هذا السؤال أن حكمه حكم القسم الأول ، و لا شك أن الكاتب تجوز في الكتابة إذ ذكر في الوجه الأول أنه على وجه الحمل الذي انعقد عليه النكاح يقتضى إخلاء ذمة الولد ، ثم ذكر بعد ذلك أن الصداق في ذمة الزوج إلى آخره ، و هو يناقض حمل الصداق .
[من غاب عن زوجته فأثبتت أنه وكلها في حياته و جعلها وصياً بعد وفاته و أن تزوج ابنته قبل البلوغ و بعده]
*و سئل : أبو العباس المروزي عمن غاب عن زوجته فأثبتت عند القاضي أنه وكلها في حياته و جعلها وصياً بعد وفاته ، و أن تزوج ابنته قبل البلوغ و بعده ، و أمضي ذلك و أرسل يدها كما أثبتت ، ودامت غيبة الرجل نحو سنة و نصف ، ثم أقامت الزوجة من عقد نكاح البنت و لم يثبت في العقد هل هو حي فتزوج بالوكالة ، أو ميت فتزوج بالوصية ، و لم يشهد أحد فتمادى الأب على هذه الغيبة ، و قد أشاعت بموته إشاعة وكثرت ، فهل يستقل هذا العقد أم لا ؟
[290/3]=فأجاب : العقد مستقل لأنه ثابت على كل حال ، بسبب ما جعل بيدها على كلا التقديرين ، هكذا الرواية و في النفس منه شيء ، لما ثبت في حديث : «الْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ في نَفْسِهَا» . و قد كتب تزويجها قبل البلوغ ، و الذي يظهر أن العقد تام ؛ لأنها فعلت ما أطلق الأب يدها عليه في حياته و مماته .
[من زوَّج ابنته لرجل وكتب على أبيه الصداق نقده و مؤخره و تولى الوالد عقد النكاح]
(1/349)
________________________________________
*و سئل عمن زوَّج ابنته لرجل وكتب على أبيه الصداق نقده و مؤخره و تولى الوالد عقد النكاح ، ثم أراد الزوج الدخول بزوجته ، فقال أبوها : كنت اشترطت على الزوج و أبيه أن تدخل ابنتي عندي حتى تستأنس بزوجها . و أنكر ذلك الأب و الزوج من قوله ، فزعم أبو البنت أن له بينة على ذلك أنه شرط على الأب قبل العقد ، و أنه شاور الولد و أخبره فرضي ابنه بذلك ، و عمر البنت بقول أبيها عشر سنين ، و بقول الزوج ثلاث عشرة سنة ، فهل يلزم الزوج عقد الأب عليه إن ثبت ؟ و هل يلزم الولد يمين بما ادعاه عليه ؟ و هل العقد على هذا جائز أم لا ؟
=فأجاب : أما عقد الأب على ابنته الشرط بما ذكر فغير لازم ، و أما ما اشترطه على الولد ، فإن كان فيه نفعة للصبية من التأنس وحسن الأدب حتى تعرف ملاقاة الرجال و تحسن أخلاقها ، فهو لازم للزوج ، فإن أنكره لزمه اليمين على ذلك ، أو يرد اليمين على أبي الزوجة و يثبت الشرط .
[من زوَّج ابنته من ابن أخيه بمائة دينار ذهباً كباراً تميمية ، نقد منها خمسين ودخل بالبنت]
*و سئل : عمن زوج ابنته من ابن أخيه بمائة دينار ذهباً كباراً تميمية ، فدفع منها خمسين نقداً ودخل بالبنت ، و أقام أكثر من نصف سنة ثم توفيت ، و قد كان أبوها أدخلها بحلي و آنية من فضة ورحل كثير ، فنقل الأب أكثر من ذلك و قال : كنت أعرتها ذلك و لم أملكها إياه . ثم أحصيت التركة فجاءت نحو الخمسمائة ديناراً ، فعند القسمة جرى بين الأب و بين ابن أخيه خصام كثير ،[291/3]فشهد عليه أنه قال : أدخلت ابنتي بألف دينار . فقال ابن الأخ : إنما صح خمسمائة دينار . و العادة أن يرد منها ، و ما رددت إليَّ شيئاً ، و أخذت أكثر الجهاز ، و عادة أمثالك أن يجهزونها بهذا و أكثر منه بحسب كثرة الصداق ، و لا تكون عارية و قد ادعيتها أنت . فهل يقبل قوله من ادعاء العارية و قد أقر أنه أدخلها بألف دينار .
(1/350)
________________________________________
=فأجاب : لا يقبل قول الأب : إنه عارية . حتى يثبت ذلك قبل بينونته عنه ، و هذا الجواب يغني عما سئل عنه ، فإن أثبت أنه عارية كما هو ، فحينئذ تحتاج إلى جواب آخر و بالله التوفيق .
[من تزوَّج بنقد و مهر ورباع ثم توفيت قبل البناء ، ثم توفي والدها ثم الزوج]
*و سئل أبو الفرج التونسي عمن تزوج بنقد و مهر ورباع معلومة كلها ، ثم توفيت قبل البناء و تركت زوجها و أباها ، ثم توفي والدها و ترك أولاداً ذكوراً ثم توفي الزوج عن ولده من امرأة غير الأولى و له أخ مفاوض ، فقام بعض إخوة الزوجة يطلب الأخ المفاوض ، فطلب حقه فيما تركته أخته من موروث أبيها منها ، فذكر الأخ أن أخاه كان نقد أربعين ديناراً سفاقسية ، و زعم أن الأب أسقط عنه بقيتهُ وكذلك العادة و هو مكتوب في الصداق ستون ديناراً تميمية ، و زعم القائم أنه لم يدفع إلا ثمانين سفاقسية ، و أنكر ما قاله له الأب ، و زعم الأخ المذكور أن الزوجة تركت رجلاً كثيراً و أخذه الأب و أنكره القائم ، فطلب الأخ يمينه على ذلك ، فأراد القائم رد اليمين ، فهل ترجع هذه اليمين أم لا ؟ و هل ترجع على الأخ أو على ولد المتوفى و كان حين وفاة أبيه ابن نحو سنتين ؟ وطلب القائم أيضاً من أخ الزوجة ما كان جنى من غلة الربع من زيتون و غيره ، و أراد ابن الزوج المفاصلة في الربع لكونه شركة ، فهل ذلك من حقه أم لا ؟
(1/351)
________________________________________
=فأجاب : الزوج مطلوب بجميع الصداق نقده و مهره ، و له مورثهُ فيه ، و لا يقبل قوله في دفع النقد إلا ببينه أو اعتراف من الورثة ، و أما دعوى الزوج[292/3]و ورثة الزوج على أبي الزوجة و ورثتُهُ ، فإن حققوا الدعوى حلف من يظن به العلم أن الزوجة لم تترك شيئاً في علمهم على إلا ظهر ، و لهم ردها على مدعي التحقيق ، و إن لم يحققوا الدعوى فيختلف فيه و إلا ظهر اليمين ؛ لأنها يمين تهمة بين الورثة مشبهة ، و ما اغتل من رباع المتوفاة ، فهو لورثتها على الفرائض ، و من دعى إلى المفاصلة في الرباع و غيرها مما هم فيه شركاء فالقول قوله .
[من طلَّق زوجته و له منها بنات فخرجت بهن للصَّائفة ، فإن النفقة تسقط عنه مدة إقامتها هناك]
*و سئل : أبو محمد المرسي عمن طلق زوجته و له منها بنات ، فخرجت بهن للصَّائفة أتسقط النفقة عنه مدة مقامها بهن أم لا ؟
=فأجاب : ذلك ساقط عنه مدة إقامة الصائفة بهن
[من توفيت و تركت زوجها و أولادها منه وصداقها ثم قام الأولاد يطلبون إرثهم من الصداق]
*و سئل : ابن النعمان عمن توفيت و تركت زوجها و أولادها الصغار منه وصداقها ، فأنفق الأب على الأولاد حتى بلغوا ، فطلبوا مورثهم من الصداق ، فذكر الأب أنه أنفقه عليهم في الصغر .
=فأجاب : القول قول الأب في أنه أنفق عليهم ما ورثوه من الصداق ، و لا يمين عليه .
[من تزوج صبية و له أب و بعد نكاحه مات الزوج و قال الأب : إنه كان في كفالتي]
*و سئل : البربي عمن تزوج صبية و له أب فبعد نكاحه بخمسة أيام مات الزوج ، فقال أبوه : كان في كفالتي و لم يترك شيئاً . و ادعى أبو الزوجة أنه ترك أشياء من كسوة و غيرها و ذهب إلى يمين أبي الزوج و أمه ، وحقق عليه الدعوى ، فهل عليه يمين أم لا ؟
(1/352)
________________________________________
=فأجاب : تعلق اليمين ضعيف على أبي الزوج ؛ لأن الحق للصبية[293/3]لا لأبيها ، و الأولى في مراعاة الشبه التهمة و عدمها ، فمتى اتهم أبو الزوج حلف إذا كان الابن يعرف بمال و هو منقطع عنه .
[من غاب عنها زوجها غيبة انقطاع و هي بكماء و لم يترك لها شيئاً]
*و سئل ابن شعيب عمن غاب عنها زوجها بالمشرق سبع سنين ، لا يعرف له خبر أحي أو ميت ، و هي بكماء ، و لم يترك لها شيئاً ، و خاف أهلها أن تضيع فرفعوا مسألتهم لبعض حكامهم فأمر بتحليفها ، فذكر الشهود أن بعض الموثقين قال : لا بد للأبكم في إيمانه من معرفة المحكوم عليه و اسمه وكنيته وصفته و يبين ذلك ، و يكون من حضر عنده من الشهود ممن يفهم جميع ذلك ، فأراد السائل أن تكشفوا له الغطاء عن ذلك بما يرفع له اللبس .
=فأجاب : إذا علم مراد الأبكم بقول من يترجم عنه من الشهود بواسطة الإشارات ، و ما اقترن بها من القرائن الدالة على ذلك ببينة تنفي معها جميع مهمات الاحتمالات ، وحصل كل ما يتوقف عليه الحكم من جميع الأسباب و الشروط ، فقد وجب الحكم له أو عليه ، و ما ذكره في السؤال الخاص من توقف اليمين على معرفة الاسم و الكنية و الصفة لا أثر له ، فإن ثبوت الزوجية بينهما ليس مستفاداً من قولها ، و الجهل بالاسم و تعذ الوصول إلى معرفته ، لا يقدح فيما ثبت من الزوجية إذا علم من إشارتها ما يدل على أن المراد به الزوج- كما قدمناه و بالله التوفيق .
[من تزوَّج امرأة و اشترى لها من نقدها محشواً فطلبته بكسوتها]
*و سئل : أبو محمد بن جعفر المرسي عمن تزوج امرأة و اشترى لها من نقدها محشّواً يحتوي على كسوتها و غيرها ، فطلبته بالكسوة قبل تمام العام و بقاء المحشو ، هل لها ذلك أم لا ؟
=فأجاب : إن كان الصداق واسعاً فلا كسوة عليه في خلال العام ، و إن كان ضعيفاً فعليه ، وليس عليه أن يبدل الشورة و لكن من حقه أن تتزين له بها الوقت بعد الوقت .
[
(1/353)
________________________________________
294/3][من قال : تزوَّج ابنتي و أنا أجهزها بكذا و أشهد على نفسه]
*و سئل : أبو جعفر عمن قال : تزوَّج ابنتي و أنا أجهزها بكذا . و أشهد على نفسه ، أو قال لبنيه : اشهدوا أن لها كذا ديناراً . و أصدق الزوج مثل ذلك ، ثم مات الأب في الوجهين .
=فأجاب : ليس لها إلا ما عينه إذا عرف بعينه ، أو ما لا يعرف على يدي غيره ، و إن عين لها حصة مشاعة من رباع فمات و هي في يده ، كذلك إن مات و هي في ولايته صحت ، و إن خرجت من ولايته فإن حازت بقبض الغلة ، أو سقطت ، أو عالجتـ أو وكلت على ذلك ، فهو لها ، و إن لم يكن شيء من ذلك ، فهو للورثة .
[غريبة ذكرت أنها من الجبل وليس لها من يدخل عليها و تريد أن تتزوج]
*و سئل : ابن الضابط عن غريبة ذكرت أنها من الجبل ، لها بسفاقس سنة و نصف ، و لم يرج لها من يدخل عليها و لا يخرج ، و ذكرت أنها ليس لها زوج ، و أرادت إذن القاضي في تزويجها و هي ضعيفة .
=فأجاب : إذا كشف جماعة من الجيران عن حالها و ذكروا صدقها فيما ادعت ، زوَّجت
[من تأتي تريد أن يزوَّجها ولّيها و هو غائب]
*و سئل : سحنون عمن تأتي تريد أن يزوجها وليها و هو غائب بسفاقس و الأربض فهل يزوجها ؟
=فأجاب : إن قربت غيبة الولي كتب إليه و اضطر ليزوجها ، و إن بعدت غيبته زوّجها الحاكم ، إلا الأب في ابنته البكر فينتظر ، إلا أن تكون غيبته منقطعة وسفاقس و الأربض بعيدة ، فتزوج و يكتب إليه و لا ينتظر .
[من تزوج امرأة بخمسين ديناراً النقد منها عشرون ثم سافر الزوج و باعت هي جميع الرحل]
*و سئل : أبو القاسم القاري السوسي عمن تزوج امرأة بخمسين ديناراً[295/3]مرابطية ، النقد منها عشرون ، فدخل بها و أقامت سنين و ولدت أولاداً ثم سافر سفراً فأخذت رحلها الذي دخلت به ، وقيمته مائة و خمسون ديناراً من هذه السوسية ، فباعت جميع ذلك و لم يبق منه شيء ، فجاء زوجها و سألها عنه فقالت ما أعرف ، فهل له متكلم في ذلك أم لا ؟
(1/354)
________________________________________
=فأجاب : للزوج طلب المرأة بالرحل إن كانت رشيدة حتى يتبين مصرفه ، فإن أعطته هبة أو صدقة فله رده كله ؛ لأنها زادت على ثلثها ، و إن باعته ألزمها إحضار العوض حتى يكون تحت يده .
[من طلبته زوجه بمهرها و ثبت عليه و سلمه ، و طلبته بخادم زعمت أنها لها و أنكر ذلك]
*و سئل الحسن بن مكي بن عبد الرحمن العوني المعروف بابن البربري الفقيه عمن طلبته زوجه بمهرها و ثبت عليه و سلمه ، وطلبته في خادم زعمت أنها لها ، و أنكر ذلك فأثبتت المرأة ببينة بما صورته صحة السؤال ثم طلبته في طلبه في تعجيل مؤخر صداقها فزعم أنه يرثه من ثمن هذه الخادم و لا ينحل إلا منها ، و شهد عليه شاهد أنه قال في مجلس القاضي : اصبري علي بالثمن حتى أنحل في شيء عندي و أزنه . فسئل في ذلك المطلوب ، فقال : من المخزن و الخادم بعد ذلك بمدة .
=فأجاب : أحد شهود الزوج شهد أنه اشترى الخادم ، و يستفسر الشاهد الآخر عن قوله : إنها من أملاك الزوج ، و أنه اشتراها . من أين علم ذلك ؟ و شهادة الثالث إنما هي بين المطلوب و آخر غير المرأة ، و التي قامت به المرأة بأن أبويها فمجرد هذا غير قادح في شهادة الزوج مع ثبوت عدالتهما ، و تفسير الشاهد ما يوجب الحق للزوج و لم تأت المرأة بما يوجب لها نفعاً ، و إن ذكرت شيئاً نظر فيه ، و لها طلب زوجها بصداقها ، فإن لم يكن له غير الخادم يسلمه لها بعد استقصاء حجتها فيها على نحو قضاء الدين الثابت بأيسر ما يمكن فيه .
[296/3][من قام يطلب مهر ابنته القريبة العهد بالبناء ، و أبت هي ذلك تحت نظره]
*و سئل : أبو محمد عبد القادر التونسي عمن قام يطلب مهر ابنته القريبة العهد بالبناء ، و أبت هي ذلك و هي تحت نظره .
(1/355)
________________________________________
=فأجاب : إن رضيت بالطلب فله ذلك ، و إن كرهت لم يكن له ذلك ؛ لأن ذلك يؤدي إلى فساد حال الزوجين ، و إنما له النظر فيما يؤدي إلى الصلاح في حالها ، إلا أن يكون الزوج ظهر منه تبذير و إتلاف بحيث يعلم إن لم يطلب يتلف الكالئ و لا يوجد ما يؤخذ منه إن طلبه يوماً فيكون له أخذه و إن كرهت ، و إن كان الحكم أخذه فطلبه فادعى العجز و لم يكن له مال ظاهر ، فالمعروف حمله على اليسر اعتباراً بحاله السابق ، و الغالب من حال الناس التكسب ، و عن ابن الماجشون فيمن اعتق بعض عبده ، و قال : ما عندي ما أعطي في قيمة الباقي . إن لم يكن له مال ظاهر سئل جيرانه و من يعرفه ، فإن قالوا : لا نعرف له مالاً . حلف و ترك ، سحنون و جميع أصحابنا على ذلك في العتق إلا في اليمين ، فلا يستحلف عندهم ، اللخمي هذه المسألة أصل في كل ما لم يؤخذ عنه عوض أنه يحمل فيه على عدم اليسر . اللخمي فيحمل في الصداق على الغالب من حال مثله ، فقد علم في كثير أنهم يتزوجون بما ليس عندهم ، ثم يسعى و يجمع النقد و بخاصة البوادي ، و هذا أحسن صواب أن الزوج لا يحمل في المهر على المال و إنما ينظر في حاله ، و يسأل جيرانه و من يعرفه ، فإن لم يظهر له مال ، حلف و ترك انتهى .
(1/356)
________________________________________
*و سئل ابن عرفة هل يقضى به اليوم أم لا ؟ فقال : اختلف الشيوخ ، فمنهم من قال : يقضى به لظاهر المدونة ، و منهم من قال : لا يقضى به . و يقال : جرت العادة أنه لا يطلب به إلا إلى موت أو فراق ، و ألزم عليه فساد النكاح ، و العادة كالشرط فالتزمه ، قال : وفرق بين ما جرت العادة بتأخيره و بين ما جرت العادة بأن المرأة لا تقوم بطلبه ، قال : و ألف ابن سرور فيها تأليفاً لم أره و هو من الفقه ليس بذلك ، و يعرف مسائل في المنطق . و أفتى ابن عرفة بأنه إذا خرج للفقراء و الأسارى و نحوهم يعان بأخذه و وقع ذلك للطرطوشي التاجر ،[297/3]و سجن فيه زماناً حتى ودّاه وقصدت زوجته بذلك الضرر فيتحصل على هذا في الحكم به أربعة أقوال فتأملها .
[من تزوَّج امرأة إليها زائداً في صداقها]
(1/357)
________________________________________
*و سئل المشاور أبو بكر بن مرجان عمن تزوج امرأة و ساق إليها زائداً في صداقها داراً مع غرفة مبنية على بعضها وحقلاً و أرضاً بيضاء و تضمن نص الصداق أن الدار و الحقل انتقلا إليه من جهة أمه حبيبة بالنحلة الصحيحة المحوزة ، و أصدقها أيضاً حقل أرض مع نصف ما حوته أملاكه سياقه صحيحة إلى آخر الصداق ، و فيه ممن أشهدته أم النكاح أنها لا حق لها و لا دعوى في السياقة المذكورة و عرفها في صحتها وجواز فعلها فشهدت طائفة عند الحاكم بهذا النص ، و شهدت أخرى بما هذه صفته ، شهد عبد الله بن موسى بالنص غير أن حبيبة عند عقد نكاح ابنها المذكور ، استثنت سكنى بيت في الدار مع الغرفة مدة حياتها ، و أن ما يفعل ابنها عليها جائز ، و لم تشهده بغير ذلك مما ذكر في الصداق ، وفلان شهد بمثله كذلك إلى آخر الوثيقة ، و قد أنكرت الأم الآن نحلتها إياه ، فهل يلزم الأم ما انعقد عليها في أصل النكاح و لا يكون لها مقال إلا في السكنى المذكورة ، و لا يلتفت إلى قولها الآن لقولها كل ما يفعله ابنها عليها جائز ، أو لا يلزمها إذا لم يقررها الشهود على هذا الفعل ما هو ؟ و لم تكن حاضرة حين إيقاع الشهود شهادتهم و لا عرفوها بما قيد عليها فيه ، و هل تسقط شهادة الشهود إن لم يكونوا مبرزين إن لم يؤدوها على النص و يجب للمرأة صداق مثلها أم لا ؟
(1/358)
________________________________________
=فأجاب : إذا لم يثبت الصداق على نصه ، و إنما ثبت بقول عبد الله بن موسى و من عطف عليه : فإن كانوا أحياء سئلوا عما فهموا عنها حينئذ هل يشبه دعواها أم لا ؟ فما شهدوا به عمل عليه ، و إن لم يشبه جاز فعل ابنها عليها بعد يمينه ؛ لأن استثناءها البيت مع الغرفة يدل على النحلة ، فإن شهد الشهود أن بساط الإشهاد جرى عليه ، حمل عليه و يحلف الابن إن ادعاها ، و إن وافقها لم يقبل منه ، و القول قول الزوجة و وليها إن كانت محجورة ،[298/3]و يحلف على ذلك إن ادعى العلم و الاعتراف به عنده من الناحلة المذكورة فمن نكل عن اليمين ، حلفت الناكلة على دعواها و بطلت النحلة .
=و أجاب : ابن عتاب بأن الصداق إن ثبت بشهادة الشهود الأول و لم يخلطوا كما فعل ابن موسى ، وجب الإعذار إلى الأم في شهادتهم ، فإن عجزت حكم عليها بجميع ما تضمنه جميع فصول الصداق ، و إن ثبت الصداق بقول ابن موسى و من معه ، كشفهم الحاكم بتفسيرهم قول المرأة ما يفعل ابنها عليها جائز ما أرادت بذلك ؟ فما فسروه عمل عليه و لزمها و الله أعلم .
[من قال لرجل : زوّجني ابنتك فقال : قد زوجتكها]
*و سئل أبو جعفر عمن قال لرجل : زوجني ابنتك . فقال : قد زوجتكها . هل هو نكاح ، وكيف إن أنكر الأب هل يلزمه في ذلك يمين أم لا و لا بينة ؟
=فأجاب : يحلف ، فإن نكل حبس أبداً حتى يحلف .
[صبية في حجر جدتها و لها أب غائب عنها ظهر منه عدم النظر لمصلحة ابنته]
*و سئل أبو القاسم بن مشكوان عن صبية في حجر جدتها لأمها وافت البلوغ ، و لها أب غائب عنها ضعف رأيه وكبر سنه ، و ظهر منه عدم النظر لمصلحة حال ابنته ، و لا يؤمن على ما تحت يده لها ، و قد جحد شيئاً من مالها مشهوداً عليه به ، وجدتها أنظر لها ولمصلحتها ، مأمونة عليها و على مالها ، فهل للقائم بهذه الشهادة النظر لهذه الصبية في جميع ما يصلح لها ؟ أو ينظر في ذلك القاضي بما يصلح لها ؟
(1/359)
________________________________________
=فأجاب : إن كان الأمر على ما ذكر ، نظر في ذلك من يتولى أمر المسلمين ، فإذا خشي على مال الصبية التلف ، فله نزع مالها و إيقافه عند من يوثق به حتى يصرف في مصالح الصبية .
[299/3][ من زوّج ابنته البكر و جدد عليها الحجر بقرب البناء وجهزها بجهاز و أشهد بتسليمه لها]
*و سئل الزواوي عمن زوج ابنته البكر في حجره و جدد عليها الحجر بقرب البناء بها ، وجهزها بجهاز و أشهد بتسليمه لها ، و أشهد الزوج أنه تحت يده يستمتع به بزوجه ، ثم أراد الأب أخذ ذلك خشية تصرف الزوج في ذلك ، و لم ترض البنت و لا الزوج بذلك ، و منعه و قال : أخذته تحت يدي لأتمتع به مع الزوجة ، و الصداق كثير وقيمة الأسباب زهيدة ، فهل للأب أخذه بعد التسليم أم لا ؟
=فأجاب : ليس له ذلك .
[من تزوج امرأة من أبيها و له ابنتان اختلف الزوج مع الأب في تعيين أيتهما]
*و سئل ابن القاسم عمن تزوج امرأة من أبيها و له ابنتان ادعى الأب أنها فلانة ، و قال الزوج : بل الأخرى . و لم يسم الشهود المنكوحة .
=فأجاب : لا يثبت هذا النكاح حتى يتفقا على واحدة معينة و لا يمين عليهما ، و على الزوج نصف الصداق ؛ لأنه ناكح قامت عليه بينة ، و اختلافهما في عين المرأة لا يخرج الزوج عن النكاح و لا بد من نصف الصداق .
[من تزوج بكراً من أبيها بمائتي دينار ، و العادة أن يعطيه الأب مائة و خمسين ديناراً]
*و سئل أبو عمران عمن تزوج بكراً من أبيها بمائتي دينار و العادة الجارية أنه إذا بذل الزوج هذا العدد أن يعطيه الأب مائة و خمسين ديناراً ، ثم مات الأب و لم يدفع للزوج شيئاً قبل البناء بالبنت ثم دخل بها ثم فارقها فطلبت منه المائتين ، فطلب المائة و الخمسين لأجل العادة و عليها انعقد النكاح فهل يجب على الزوج المائتان أم لا ؟ و هل يتبع تركة الأب بالمائة و الخمسين أم لا ؟
(1/360)
________________________________________
=فأجاب : إذا كانت سنة البلد أن لا يكتب الزوج مائتين إلا على إعطاء الأب مائة و خمسين تكون ملكاً للزوج يدفعها إله عيناً أو عرضاً فهو فاسد ،[300/3]يفسخ قبل البناء و يثبت بعده بصداق المثل ، و إن كان إنما يعطيه الأب لتجهيز ابنته فالنكاح جائز ، و للزوج القيام بذلك ، و أما مسألتك فقد مات أبو الزوجة و رضي الزوج بالبناء بها ، فلا قيام له بعد و يلزمه المائتان جميع صداقها .
[من زوّج ابنته بمائة دينار على أن يشورها الأب بمائة دينار]
*و سئل عمن زوّج ابنته بمائة دينار على أن يشورها الأب بمائة دينار .
=فأجاب : النكاح جائز و يلزمه المائة ، فإن لم تكن عنده اتبع بها ديناً ، بخلاف إذا قال له الأب : لها من الشورة كذا وكذا .
[امرأة قدمت من بلد و لا يدرى من أي موضع هي فتطلب التزويج]
*و سئل عن امرأة تقدم بلداً و لا يدرى من أي موضع قدمت ؟ و لا من هي ؟ فتطلب التزويج هل يزوجها السلطان بغير إثبات موجب ؟ وكذا لو زعمت أن لها زوجاً مات عنها أو طلقها .
=فأجاب : إن كان البلد قريباً كتب إليه ، و إن كان بعيداً يتعذر وصول الجواب ، أو يكون بعد أزمنة طويلة ، خلي بينها و بين ما تريده إذا لم يتبين كذبها .
[من لها دار قدر سكناها و طلبت ابنها بالإنفاق عليها ، فأراد بيع دار سكناها لينفق عليها]
*و سئل أبو إسحاق التونسي عمن لها دار قدر سكناها وطلبت ابنها في نفقتها فأراد بيع الدار و ينفق و يحسب عليها ، و هو إنما يعيش بعمل يده .
=فأجاب : ينفق عليها و لا يحاسبها إن كان قادراً على الإنفاق ، ودارها قد سكناها ، و لا تلزمه السكنى و تسكن بدارها و تأخذ قدر نفقتها و جميع مؤنتها .
[صبية شيعية أراد رجل التزوج بها ، فخاف على نفسه الفتنة]
*و سئل عن صبية شيعية جميلة أراد رجل تزويجها و يخاف على نفسه بسببها الفتنة .
[
(1/361)
________________________________________
301/3]=فأجاب : الشيعة على ضربين ، منهم من يفضل المفضول على الفاضل ، كتفضيل علي على الصديق رضي الله عنهما ، فهذا لا ينكح إليه و يبين له سوء مذهبه ، و يقام عليه الدليل و يبين له خطأه حتى يرجع ، و منهم من يفضل عليّاً و يسب غيره ، فهؤلاء لا تحل مناكحتهم وهم بمنزلة الكفار . انتهى . فلما عثر عامة القيروان على هذا الفتيا ، قالوا : قسم الشيعة على قسمين : هو كافر فآلت حالته إلى استتابة ، مع اتفاق الفقهاء على ذلك سدّاً للذريعة ، و أبى أن يتوب ، فقال له شيخ من الفقهاء : أما لك ذنوب سابقة فانوِ التوبة منها . فصعد المنبر ، فقال : أنا أتوب من ذنوبي . أو نحو هذا ، فقالت العامة : لما ارتد التونسي صار وجهه كأنه وجه كافر ، و لما تاب صار وجهه مؤمن . و حكى ابن شرف أن الشيخ أبا إسحاق له بتونس قرابة منهم ، فلذلك قسمهم و شنع عليه بما يكون اجتماعه معه بين يدي الله تعالى . قال في المدارك : و الذي أفتى به هو الجاري على الفقه و الحق ، لكنهم أرادوا حسم الباب في بعض الشيعة ، لتقع النفرة منهم بكل وجه .
[من تزوج امرأة و ادعى على وليّها أن شرط في عقد نكاحها أن لوليته كذا وكذا]
*و سئل أبو بكر بن عبد الرحمن عمن تزوج امرأة و ادعى على وليها أنه شرط في عقد نكاحها أن لولّيته عروضاً أو عطايا سماها ، و أنكر الولي ذلك ، فطالبه باليمين على ذلك فنكل ، هل يحلف الزوج و يجب ذلك لها ؟ وكيف يحلف في شيء و يستحقه غيره ؟
=فأجاب : الذي عندي في ذلك ، أنه إذا نكل الولي عن اليمين ، أن يحلف الزوج و ترجع إلى صواب مثلها ، و يرجع هو فيما زادت التسمية على صداق المثل على وليها ، و تأخذ هي صداقاً كاملاً مثل الذي يقر بالعيوب في وليته ، إنما تأخذ الصداق كاملاً و يرجع الزوج على من غرّه ، وكذلك ههنا تأخذ الزوج جميع الصداق و يرجع الزوج على الولي الناكل بما زادت التسمية عن صداق المثل .
[
(1/362)
________________________________________
302/3][ من ورث عن ولده مالاً ثم بعد مدة قام يطلب نفقة من مال ابنة له غائبة]
*و سئل : بعض الفقهاء عمن ورث عن ولده مالاً ، ثم بعد مدة قام يطلب نفقة من مال ابنة له غائبة موقوف في ذمته ، و لا يدري حياتها من موتها ، و أقام شاهداً بأنه فقير غير أنه قال : و لا أدري هل بقي له شيء من ميراثه من ولده أو لا ؟
=فأجاب : لا يجب نفقة الأب إلا بعد ثبوت فقرة و ملاء الولد ، و اختلف هل يحلفه الحاكم استطهاراً لحكمه ، أو اليمين من حقوق الولد و هو لا يحلفه ، و شهادة الشاهد بما ذكر ينظر فيها و في قدر ما ورث ، هل فني أو بقي منه شيء فيعمل على ما يظهر و أما الغائبة فإن كان مالها تقرر لها و وجب ، قضي منه ما يجب عليها من الحقوق و هي على الحياة ، و إن كان ما وجب لها من ميراث ، فلا يستقر ذلك إلا بعلم حياتها حين وجوب الميراث لها .
[قوم خرجوا في مركب للحج فتغيب المركب و فيه رجل وهب لابنته حجرة و نصف ساقية]
*و سئل عبد الحميد الصائغ عن النازلة المشهورة ، وهم قوم خرجوا للحج في مركب فتغيب المركب و لا يدرى هل هو غرق أم لم يغرق ، و فيه رجل وهب حجرة و نصف ساقية ، هل تصح للبنت الكبيرة أو الصغيرة المرضعة ، و هل صح أنه غرق في المركب ، أو لم يصح ، و هل يحكم له بحكم المفقود إن لم تصح شهادة قاطعة أو عدول أنه من جملة من ركب في ذلك المركب فغرق ؟ و ما يصنع في أمر زوجته إن لم يثبت غرقه وحكم له بحكم المفقود ؟ و ذكر بعض الطلبة عن السيوري أنه كان يقول من فقد اليوم فحكمه في التعمير حكم الأسير في بلاد الحرب ، لعدم من يستخبر عنه ، فرأى هذا الطالب من رأي نفسه بهذا القول أن امرأة المفقود اليوم لا تؤجل أربع سنين ، بل تبقى في عصمة المفقود حتى يموت بالتعمير ، كالأسير إذا وقع الحكم بذلك ، فهل لهذا القول و التأويل وجه عندك في أمر الزوجة و الهبات المذكورات .
[
(1/363)
________________________________________
303/3]=فأجاب : إذا كانت الهبات لم تخرج من يده بل أبقاها على ملكه كما كانت قبل هبته فهي باطل ، و تكون موروثة عنه إن صح موته ، و أما ما ذكره عن الشيخ أبي القاسم السيوري رحمه الله فهو الذي كان يقول ، و على ذلك فارقته ، و يجعل حكم المفقود الآن في زوجته كحكم ماله لا يفرق بينهما إلا بالتعمير ، و بهذا الذي ذهب إليه وجه في الفقه ، و بالله التوفيق .
[من أعمر زوج ابنته التي تحت ولايته في مستغل مال لابنته]
*و سئل الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله عمن أعمر زوج ابنته التي تحت ولايته في مستغل مال لابنته المذكورة ما دام زوجاً على سبيل الإرفاق ، ثم طلق الزوج الزوجة ، هل يمضي هذا المستغل أم لا ؟ و هي عادة بقفصه في أموال البنات على وجه النظر لهن .
=فأجاب : لا يجوز للأب التعمير في مستغل ربع الابنة ، و الزوج مطالب بما استغله إن كان ملياً ، و إلا فيؤخذ به الأب .
[من له أم ولد طلبها أن تخدم والده فامتنعت وطلبت نفقتها و أن لا تسكن مع أبويه]
*و سئل عمن له أم ولد طلبها أن تخدم والده فامتنعت ، وطلبت نفقتها ، و أن لا تسكن مع أبويه و زوجته في الدار التي هما بها ، و قال سيدها : زوجتي في علو و أبي في سفل ، وطلبها في السكنى معه و هو منعزل عن الزوجة ، و تضررت أم ولد من الكل ، فهل له الجبر على سكناها مع أبيه و زوجته ، و أن تخدم أباه أم لا ؟
=فأجاب : إنما له فيها الخدمة مثل ماله فيها ، و يلزمه نفقتها ، و لا يجبرها على الإسكان مع زوجته لأجل ما يجري في الغالب بين الضرائر و تحمل الغيرة ، و له إسكانها مع أبيه إلا أن تثبت هي وجهاً من الضرر ، و تكون الأم مع الأب و السيد يميل إليها ميلاً يشق على الأبوين ، فينظر في ذلك ، فإن شيخنا كان يفتي بأن لا تجبر الزوجة الحرة على السكنى مع الأبوين ، لأجل أن[304/3]الغالب حدوث الشر بينهم ، فإن كانت العادة في أم الولد مثل ذلك فينظر فيه .
[
(1/364)
________________________________________
من طلّق امرأته ثلاثاً ثم وطئها فحملت عارفاً بالتحريم]
*و سئل : عمن طلق امرأته ثلاثاً ، ثم وطئها فحملت عارفاً بالتحريم .
=فأجاب : بأنه يلحقه الولد و يحد فما الجميع بينهما ؟ قال : ربما اجتمعا . قال : و قد اختلف إذا تقارر الزوجان بالزنى فقيل : لا ينفَى الولد إلا بلعان ، و قيل : بغير لعان ، و عن بعض متأخري القرويين إذا أخذ من أجنبية ديناراً ثم تزوجها به فيكره ذلك ، لأجل أنه نكاح بصداق مؤجل و لا يفسخ ، و أما إن أعطته الدينار بعد ثبوت الصداق في ذمته فدفع الدينار الذي أخذه من غيرها في نقد نقدها فلا يجوز انتهى . يريد لأنه شبه فسخ الدين في الدين .
[من صاهر قوماً ودعوه إلى البناء فأبى إلا أن يأتوه من الجهاز بما يشبه صداقه]
*و سئل : عمن صاهر قوماً ودعوه إلى البناء فأبى إلا أن يأتوه من الجهاز بما يشبه صداقه ، و ادعى عليهم أن أكثر هذا الصداق إنما كتبوه سمعة .
(1/365)
________________________________________
=فأجاب : لا يقبل قول الزوج إنه سمعة إلا ببينة ، و في بعض الروايات و كان ذلك عرفاً عندهم ، فإن لم يثبت ذلك ببينة أو عرف ، لم يقبل قوله بلا خلاف ، و يختلف في تحليف العاقد الذي هو الأب في البكر على ذلك ، و أما الدخول فإن جاء وقته الذي اعتيد فيه الدخول ، فإن حقه أن يتكلم الآن على قدر ما يقابل صداقه من الجهاز ، و هذا إن خاصم في الجهاز و خوصم في الدخول و النفقة ، حكم لكل واحد منهما بما وجب فيه ، و عليه إن أمكن ذلك ، و إن كان الخصام في الجهاز يطول ، فليس من حقه أن يؤخر ما يجب عليه من النفقة والدخول ؛ لأن الخصام فيه خصام في حطيطة الصداق ، و ذلك لا تعلق به بالدخول على أحد القولين في المذهب ، و هو من الواجب أن يحط من الصداق ما يعدل الجهاز المقابل له ، و هو الذي تقدم في أجوبتي قديماً ، و يأتي لابن رشد إن كان قبل البناء خيرَّ الزوج في الدخول كذلك و تمام الصداق ،[305/3]أو يطلق و لا شيء عليه ، و بعد البناء يسقط عنه ما يرى أنه زاد في الصداق لأجله .
[من بنى بزوجته و بقي معها نحو شهرين فأخذت زوجه رحلهُ و خروقه و منعته منه]
*و سئل : عمن بنى بزوجته و بقي معها نحو شهرين أو أقل ، فأخذت زوجته رحلُه و خروقه فأمسكت ذلك و منعته منه ، و قالت : أخاف أن تهرب . و تبقى بلا مهر ، و قال الزوج إنه مقيم و لا يهرب ، و إن أداء المهر لا يلزمه إلا قرب عهده بالبناء ، بيِّن لنا الحكم في ذلك .
(1/366)
________________________________________
=فأجاب : المهر يلزم إذا بنى بها ، و كان مكتوباً في صداقها أنه يحل بالبناء ، و الذي وقع لسحنون إنما هو لعادة كانت عندهم ، وليست تلك العادة ثابتة عندنا الآن ، و إذا حكم لها بالمهر ، فإن كان الزوج ملياً لا يخاف منه سلمت إليه حوائجه ، و إن خيف منه أتى بتحميل و سلمت إليه حوائجه ، و إن كان فقيراً يخشى منه و لم يأت بحميل و لا شيء له غيرها ، عقلت عليه حتى ينظر في الذي وجب عليه من الصداق ، و يترك له من الثياب ما يترك للمفلس . و عن أبي حفص إذا ادعت المرأة في هذه الصداقات التي تحل بالبناء أنها لم تقبض في الوقت ، و تحلف على ذلك بأن كتابها ضاع و ذلك بعد موت الزوج ، فإن ادعت ما يشبه من الصداق ، كان القول قولها بأنها لم تقبضه ، و تحلف على ذلك كله و تستحق ، قال : و كذلك يقول الشيوخ كلهم الذين هو معه أحياء في الوقت .
[أنكحة البادية لا تسمى فيها صداقاتهم و لا يشهدون عليها وقت العقد لكن عند البناء]
*و سئل : عن أنكحة البادية ، و العادة أنهم لا يسمون صداقاتهم و لا يشهدون عليها وقت العقد لكن عند الابتناء ، لكن العادة أن الصداق عندهم معروف مقدر لا يزاد لجمال و نحوه و لا ينقص لقبح و نحوه ، فهل[306/3]حكمه حكم نكاح التفويض يسقط في الموت و يوجب الميراث ، و يسقط بالطلاق قبل البناء .
=فأجاب : إن أثبتت العادة بأنهما ما سكتا عن التسمية إلا للعلم بها و اتفاقهما أن كل واحد عقد عليها ، و أنفذها عليه و التزم النكاح ، فليس بتفويض ، و هو نكاح مسمى صداقهـ و إن سكت عن التسمية و الزوج غير ملتزم لها ، بل فوض الصداق إليها أو إليه ، فيفرض صداق المثل و هو المحدود الذي أشرت إليه ، فهذا حكمه كالتفويض في الصداق ، و استقراه بعض شيوخنا من المذهب ، وليس السؤال عنه حتى يسقط الكلام ، و لو أشكل الأمر في فرضهما ، فالأصل أنه تفويض إذا زعم أنه كذلك ، و لم يقع ملتزماً له و أمكن قوله ، و الأصل براءة الذمة فيجري على حكم التداعي .
[
(1/367)
________________________________________
من أثبتت غيبة زوجها بعد دخوله بها و عدمه ، فلما حلفت استثنت حوائج كانت باعتها]
*و سئل عمن أثبتت غيبة زوجها بعد دخوله بها و عدمه ، فلما حلفت استثنت حوائج قدر ثلاثة دنانير و نصف ، و أنها باعت ذلك و أنفقته فيما يجب عليه في قاضي المدّة ، فهل تطلق من الآن أو يقبل قولها و تقيم حتى تأكلها ، فحينئذ تطلق عليه .
=فأجاب : إقرارها بشيء تركه زوجها مقبول و مصدقة في ذلك ، ثم ينظر فيه فإن زعمت أنه أمرها ببيع ذلك و تنفقه في غيبته صدقت ، و إن لم يأمرها ببيعه فإن زعمت أنه أمرها ببيع ذلك و تنفقه في غيبته صدقت ، و إن لم يأمرها ببيعه فإن باعته بغير محاباة مضى بيعها ، و لو كان بمحاباة رد المبيع في النفقة ، و استأنفت الإنفاق من يوم الرفع ، فإذا فرغ فحينئذ تطلق عليه .
[من توفيت عن زوج لها و عاصبها ابن أخيها فقام مطالباً لزوجها بالمال]
*و سئل : عمن توفيت و قد كانت زوّجت لرجل و عاصبها ابن أخيها ، فقام مطالباً لزوجها بالمهر ، و قال : هو عشرون ديناراً . و قال الزوج : عشرة دنانير[307/3]و قد دفعتها إليها حين طلقتها . و أثبت طلاقها سنة خمس و ستين ، و أنها كانت فقيرة تغزل للنساء ، و هي في داره منذ يسيرة قبل موتها حتى خرجت عنه ، و أحضر وصية كتبها أنه كان أوصى لها فيها بخمسة دنانير ، و زعم أنّه يبرئه من المهر ، و خالفه العاصب .
=فأجاب : إخراج الرجل الوصية لا يبرئه من المهر إن لم تكن أبرأته من مهرها بشهادة ، و للورثة طلبه ، إلا أن يثبت الزوج ببينة بعد طلاقه أن بينها من المنافرة ما لم يمكن أن يكون لها عليه حق ، و هي محتاجة و لا تطلبه ، فتقوى حينئذ جنيبته ، و قبل قوله مع يمينه بدفع ذلك إليها ، و إذا طلب الزوج بالصداق فالقول قوله في قدره مع يمينه ، إلا أن يثبت أن مهر مثلها على مثله لا يشبه ما ادعاه ، فإن أثبت ذلك وقع الجواب على ما يشهد به الشهود إن شاء الله .
[
(1/368)
________________________________________
من سلم لصهره وصيفة رومية ، فزعم الصهر أنها خادم ابنته التي في صداقها]
*و سئل : عمن سلم لصهره وصيفة رومية ، فزعم الصهر أنها خادم ابنته التي في صداقها ، و ادعى الزوج أن لها خدمة ، و أن يحاسبها بقدرها من النفقة ، فأنكر الصهر ذلك ، و قال : عندي من يخدمني ، فطلب الزوج يمينه على ذلك .
=فأجاب : القول قول الصهر في عدم الخدمة مع يمينه إن حقق عليه الزوج الدعوى ، فإن نكل حلف الزوج و ثبت ما ادعاه وكانت له أجرة مثله يحاسب بها في النفقة ، و من له فضل رجع على صاحبه به .
[من طلبت زوجها في مؤخر صداقها فأنكر جملة مدعاها]
*و سئل : عمن طلبت زوجها في مؤخر صداقها و هو كذا ، فأنكر جملة مدعاها ، فراودته بأن تنجمه عليه أنجماً ، فتأخذ في كل نجم كذا ، وفعل ذلك بالشهادة عليها ، و وثقت بالتنجيم لأجل أن بيده حيواناً حينئذ ، و لما ثبت من حجره الصداق ابتداء ، ثم طلق الزوج زوجته و عمد إلى ما كان بيده فباعه[308/3]و عزم على السفر ، فعلقت المرأة عبداً له خيفة خروجه بغير علمها فلا تجد على من ترجع .
=فأجاب : إن كان سفره لا ينوب منه حتى يحل نجم من أنجم الصداق ، فلا يسافر حتى يقيم حميلاً بذلك ، و إن كان ينوب قبل حلول الأجل ، مكن من السفر وحلف أنه يعود إن اتهم ، و إن صالحته استخراجاً لحقها و ادعت ذلك ببينة و ثبت جحوده لها ، فلها مقال في الصلح .
[من توفي و ترك زوجة و ولدين ، فقامت تطلب صداقها ، و تزعم أن وثيقتها ضاعت]
*و سئل : عمن توفي و ترك زوجة و ولدين فقامت تطلب صداقها و زعمت أن وثيقتها ضاعت ، و أثبتت أن صداق مثلها على مثله مما يشبه كذا ، فقام الولد ، أحد الولدين بشهادة أن أباه كان قد طلقها ثم راجعها بأقل من الأول على ما جرت به عادة الناس ، فقالت المراجعة في ظهر صداقي و قد ضاع وطلبت الحكم بشهادة شهودها بمشبه من المهر .
(1/369)
________________________________________
=فأجاب : تحلف على ضياع الصداق ، و على أنها لم تقبضه و لم تسقطه ، و ثبت لها أقل ما يمكن أن يكون صداقها عليه لها إذا لم يتأخر الطلب عن المراجعة ، وكانوا بعد الطلاق في مراودة الرجوع ، و يكون لها الصداق الثاني أيضاً إذا ثبت عقد ثان وحكم لها به بعد استقصاء الواجب ، إلا أن تكون أنكرت صداقها ثانياً وقامت بالأول خاصة فيقضى لها به ، و إن ثبت أنه قد مضى من الزمان بعد الطلاق الأول ما لا يمكن عادة السكوت عن الطلب ، فينظر في هذا إذا ثبت .
[من تزوّج امرأة ودخل بها ، ثم قام أبو الزوجة يطلب تجديد الصداق لابنته]
*و سئل : عمن تزوج امرأة ودخل بها و بقي مدة ، و قام أبو الزوجة يطلب تجديد الصداق لابنته ، و زعم أن الأول ضاع فيجدد الإشهاد ، فقال الزوج : إن أبي كان حمله عني لأني كنت طفلاً . و قال أبو الولد : كان أبو الزوجة ادعى على[309/3]ذلك و أنكرته وحلفت . فهل يكون هذا على الزوج و أبيه أو يبطل ، بيّن لنا ذلك .
=فأجاب : لعل القاضي يصلح بينهما لكونهما ابني عم ، و لأن مسألتهما تتشعب ، فينظر في تاريخ العقد على الزوج ، هل كان صغيراً أو كبيراً وهل كان له مال حين كتب الصداق عليه ؛ أو فقيراً فيكون على الأب على جري العادة ، أو يشكل أمره و ينظر هل يثبت عليه أنه أقر أن الصداق على أبيه لا على الزوج ، أو تكون رشيدة فينظر فيما تدعيه ، فإن رأي القاضي النصف في تهذيب الأصول ، فيفتي بما يجب ، فقيل له : اليوم بينهم مناكرة و مضار فهم يعدون من الإصلاح في أول الأمر ، فيبين هل هذا الزوج مطلوب فينظر فيما يسقط الطلب عنه ، أو غير مطلوب حتى تثبت الزوجة أو أبوها ما يجب عليه .
=فأجاب : بأن الزوج إذا كان بالغاً رشيداً استمتع بالزوجة و هو كذلك ، فهو مطالب بها دون غيره حتى يثبت موجب الإسقاط عنه .
[من تزوَّج بكراً ودخل بها ، ثم غاب عنها نحو سنتين ، فطلب أخوها نفقتها وصداقها]
(1/370)
________________________________________
*و سئل : عمن تزوج بكراً من أبيها ودخل بها و أقامت عنده أربعة أعوام ، و تزايد لها ولد ، ثم غاب عنها نحو سنتين ، فطلب أخوها نفقتها وكسوتها و مهرها بتوكيلها إياه بعد غيبته ، ثم قام الآن يطلب ذلك و ذكر أنه أنفق عليها في المدة التي وكليته فيها من ماله ، و أثبت المهر و غيبة الزوج كما ذكر ، و اعترف أنه ترك لها عند سفره قمحاً ورباعية وكذا نصيباً للزوج من دار ، و الابنة مصدقة له في ذلك كله ، فهل يلزمه يمين الاستظهار أو هي أو هما معاً ؟ وكيف يحلف على ما ذكر أنه أنفقه من ماله ؟
(1/371)
________________________________________
=فأجاب : الطلب في النفقة للزوجة إذا كانت بالغة عاقلة ؛ لأنها في[310/3]مقابلة الاستمتاع ، و قد زالت ولاية الأب فيما تستمتع به إذ لو تركت النفقة لم يجبرها عليها ، كما لو شاءت أن لا تتزوج و هي ثيب ، فإذا رفعت إلى القاضي في غيبة الزوج حلفت و أخذت النفقة إذا لم يبعث لها نفقة و لا تركها لها ، و اليمين ساقطة عن الأب في هذا ، و ينظر القاضي ، فإن كان للزوج مال حاضر يعدى فيه فرض لها النفقة لمثلها ودفعها إليها ، و إن كان ملياً في غيبته وليس له مال حاضر يعدي فيه أو ثبت لها ذلك ، و إن كان عديماً خيّرها إن شاءت أقامت بغير نفقة أو طلّقت ، و إن جهل ملأه من عدمه ، فلها إثبات النفقة عليه من غير تحديد ، و الفرض عليه بحسب ما يظهر من حاله من يسره و عسره ، و أما اليمين في الصداق فهو بخلاف النفقة ؛ لأنه مال محدود اليمين فيه على من يكون له قبضة ، فإن رشدت المرأة تعلقت اليمين بها مع ضعف في ذلك ، التقدير للعادة إنها لا تقبض إلا عند طلاق أو موت ، و إلى هذا كان يمضي شيخنا أبو محمد عبد الحميد ، و أرى أن في ذلك اختلافاً وقفت عليه ، و السفيهة لا يمين عليها و هي على الأب على الصفة المذكورة ، و أما ما ذكر من أن الأب هو المنفق ، فعلى ما يتقرر من طلب المرأة ، فإذا ثبت أن لها النفقة ، كان الأب كأنه مسلف للزوج و يثبت عليه الطلب على صفة حاله فيما يلزمه لامرأته .
[من بيدها خادم و ادعت أنها لها ، و ادعى أولاد الزوج أنها لأبيهم]
*و سئل عمن بيدها خادم ادعت أنها لها و ادعى أولاً الزوج أنها لأبيهم المتوفى .
(1/372)
________________________________________
=فأجاب : القول قولها إذا كانت في حوزها دون الزوج ، و لا يد للزوج عليها ، بل تدعيها ملكاً دونه ، و إن أقرت أن يدها و يد الزوج كانت عليها ينظر في ذلك ، فإن كانت الخادم من كسب النساء فهي لها و القول قولها ، و لو قال الشهود : لا تكون في العادة إلا للزوج . لم يقبل قولها على أصل ابن القاسم ، و ينظر في ذلك على أصل أشهب إن احتيج إليه .
[311/3][من تزوّجت رجلاً فمنعها عمها منه ، و قال : لا يليق بها الزوج]
*و سئل عمن تزوجت رجلاً فمنعها عمها منه ، و قال : لا يليق بها الزوج .
=فأجاب : إن شهدت بينة بأنه لا مضرة على الأعمام و لا معرة و هو كفؤ لها زوجت منه ، و إن شهدت بخلافه منعت من تزويجه و لا يكون عاضلاً لها ، و بهذا أفتى بعض أهل العلم ، فقيل له : الذي منعها أعمامها من تزويجه هو أخو زوج كان لها توفي عنها بعد دخوله بها .
=فأجاب : بما تقدم فوقه يليه : على العم إثبات الضرر ؛ لأنه يريد أن يمنع المرأة مما هو حق لها .
*و سئل عمن عليه إثبات ذلك .
=فأجاب : إثباته على العم الذي يريد منعها مما هو حق لها ، و الأصل عدم الضرر حتى يثبت الناقل .
[إذا قام الأخ على أخته الصغيرة بما جهزت به البناء من تركة أبيهما]
*و سئل عن أخ و أخت كانا تحت ولاء جدتهما و تركة أبيهما تحت يدها فقام الأخ و أثبت وثيقة بجهاز لأخته من التركة ، وطلب حسابها بما صار إليها و إليه ، و سئلت هل وصل الجهاز لبيت الابتناء ، فزعمت أنها دخلت صغيرة فلا يلزمها جواب ، فهل قولها صحيح أم لا ؟
=فأجاب : إن كانت حين سوق الجهاز لبيت البناء من الصغر بحيث لا تعم ما ادعى عليها من فعل جدتها ، فلا يلزمها جواب ، إذ لا يظن بها العلم حينئذ ، أو طرأ لها بعد ذلك ، حلفت أني لا أعلم و رجع إلى قول الجدة التي هما ولائها ، هل يقتضي إلزام ذمتها بشيء أم لا ؟
[من أشهد على نفسه أنه غاب على زوجه غيبة ضرورة أكثر من أربعة أشهر فأمرها بيدها]
(1/373)
________________________________________
*و سئل عن رسم يتضمن إشهاد عبد الله الرايس أنه متى سافر من مدينة[312/3]المهدية عن زوجته عائشة و غاب عنها غيبة ضرورة أكثر من أربعة أشهر متتابعة ، و لم يرسل إلى زوجه عائشة بنت عثمان بن طيب الأنصاري رزقاً فأمرها بيدها ، و لو سافر في مراكب السلطان و لم يجئ إلى المهدية و زويلة في مراكب السلطان ، لكان أمر عائشة المذكورة بيدها ، قبلت هذا الإقرار قبولاً تاماً ، شهد على معرفته و إقراره على نفسه إلى آخر تاريخه في العشر الأواخر من المحرم عام خمسة عشر و خمسمائة . و في ظهر هذا شهد عند قاضي القضاة أبي القاسم بن ميمون بمعرفة عبد الله بن صدقة الأنصاري ، و عائشة المذكورة معه في البطن ، و أنهما زوجان و ما علم خروجها من عصمته إلى أن غاب عنها بعد بنائه بها إلى صقلية و لا علمت أوبته ، و لا يعلم أنه ترك لها نفقة و لا مؤنة ، و لا بعث لها بشيء ، و لا يعلم له مال حاضر يقوم منه إنفاقها ، فشهد بذلك في رجب سنة خمس عشرة و خمسمائة . و في ظهره شهد عند القاضي المذكور و أن غيبته بمدينة طرابلس المغرب من مدة أربعة أشهر و نحوها ، بتأمل الشيخ جميع ما احتجوا به هل تطلق المرأة به أم لا ؟
(1/374)
________________________________________
=فأجاب : المكتوب في البطن فيه تقصير بذكره أو لا عائشة غير منسوبة ثم نسبها ثانياً ، و الظاهر أنها هي ، و إن لم تكن له زوجة تسمى بهذا الاسم غيرها استقل الرسم ، ثم قيد الغيبة بأن قال : متى غاب غيبة ضرورة حتى يصح الشرط ، و في ذكر سؤال مراكب السلطان تقصير ، و الظاهر أن السؤال لم يقع عنه و ينبغي أن يزاد أنه لم يغب منذ كتب الرسم غير هذه الغيبة التي أرادت المرأة أن تطلق نفسها بها ؛ لأنه قد يكون غاب بعد التاريخ غيبة يسيرة و رجع ، و أرادت الطلاق بعدم النفقة ، فلها ذلك إذا كان بموضع بعيد لا يعذر إليه فيه ، و لا يرجى قدومه منه عن قرب يتلوم بمثله فيه مع استقصاء فصول الطلاق : بإعسار بالنفقة ، و ذكر في شرط التخيير إن غاب و لم يرسل و هذا يجب أن يعرف الحكم به .
[من زوّج ابنته البكر فطلب الزوج الدخول بها فزعم أبوها أن به برصاً]
*و سئل عمن زوّج ابنته البكر فطلب الزوج الدخول بها ، فزعم أبوها أن[313/3]بجسمه برصاً و تحاكما إلى القاضي ، فأرسل رجلين من الأطباء أحدهما ذمي فشهد أن بجسمه برصاً لا يشكون ، فهل للزوجة خيار أم لا ؟ وهل يقبل قول غير المسلم أم لا ؟
(1/375)
________________________________________
=فأجاب : الأولى أن يسأل أولاً : هل يكشف جسم الرجل للاختبار أم لا ؟ و فيه تفصيل ، و قد يغلط فيه قصير الباع ، فإذا وقع الكشف و ثبت ، فإن الرواية وقعت بما يقتضي قبول مثل هذا في الكشف ، و علل قائل هذا بأنه علم يقتبس و لا يجري مجرى الشهادات ، ولست أرى هذا مطلقاً إذا قدر على تحصيل ما هو أثلج للصدر ، فينبغي أن يؤمر العدول باختبار هذا هل هو مما فيه رائحة أم لا تؤدي إذايتها مع المجالسة و المضاجعة ، فإن قالوا : لا رائحة امتحن موضعه برأس إبرة ، فإن تغير و احمر لونه و دما مكانه فليس برصاً و لا مقال للمرأة فيه . و هذا قول قدماء الأطباء ، و لا أعلم وجهاً أوثق من هذا ، و ما في الزمان طبيب يخترع فيما علمت ، قلت : و قد صار الطبيب منهم المعالج بالكنانش العظيمة . فيعرض ما قلناه على الذمي و من ليس بعدل من أهل الطب ، فإن قالوا : لا دليل سوى ما قلناه . فهو أمر حسي ضروري فلا يقتصر فيه على من ذكر ؛ لأنه تغرير بالأحكام الشرعية أن تقتصر على الظن الضعيف مع القدرة على ما هو أقوى ، فإن قالوا : عندنا دليل غير ذلك . فهم قالوا عن كتب ، فيطالبون بها حتى يقف القاضي عليها فينظر فيها من يوثق به ، و إن كان لم يدم و لم يتغير مع النخس و له رائحة تؤذي الجالس ، و يخشى منها توهم العدوى التي يذكرها بعض الفلاسفة ، و إن كان الشرع أنكره فما مراده إلا غير ما أشرنا إليه ، و قد ذكرناه في المعلم ، و الأصح هنا إثبات الخيار للمرأة إذا أثبت أنه برص واضح كثير ، و يعلم تناهيه و استيلاؤه على أكثر الجسم ، و تطلب القوة المعتبرة في الكبر .
[شهود يشهدون أن فلاناً غاب عن زوجته خمس سنين و لم يترك لها نفقة و لا بعث إليها بشيء]
(1/376)
________________________________________
*و سئل عن رسم مضمنه أنه حضر عند القاضي فلان ثلاثة من الشهود[314/3]يشهدون أن فلاناً غاب عن زوجته فلانة إلى صقلية منذ خمس سنين غيبة لم يعلموا أنه رجع منها و لا علموا أنه ترك لها نفقة و لا بعث إليها بشيء عدا ما اعترفت به الزوجة ، و ذلك قفيز قمح و ثمنية و سكين ورطلين قطن بوزن صقلية مندوفة ، و ما علمنا ما يعدى فيه للزوجة ، قال شاهد منهم : و نعلم أن الزوج كان مقيماً مع الزوجة في دارها و هي تلقاه كما تلقى الزوجات أزواجهن بالزينة و الخلوة أكثر من سنتين قبل سفر الزوج . و قال الآخر : إن الزوج كان مقيماً مع زوجته في دارها أكثر من سنتين مباشراً لها و هي غير محجوبة منه ممكن منها . ثم رجع هذا عن هذا اللفظ فقال : لا أعلم من أحوال الزوج أكثر من أنه مخالط ليلاً و نهاراً لأبيها و أمها و أخيها ، و يبيت عندهم ، و شهد بمثله آخر بمعرفة الزوجين المذكورين ، و أنه قال : رآهما جميعاً في خلوة و قد تزينت له و خلا بها خلوة اهتداء من غير حضور أبويها ، و شهد آخران بمعرف الزوجة أنها أشهدتها أن زوجها المذكور بنى بها ودخل بها ودخل بها و مسها و هي تطلب الإعداء عليه بضرورة النفقة .
(1/377)
________________________________________
=فأجاب : إذا شهد اثنان أنه خلا بها خلوة اهتداء لم يختلف المذهب أنها إذا حملت أنها تصدق في الوطء إذا ادعته و كان قد خلا بها و أرخى الستر ، و ذكر آخر أنه خلا بها خلوة اهتداء ، فإن أراد مثل شهادة الأول فقد استقل الحكم ، و إذا كانا عارفين بخلوة الاهتداء التي الغالب فيها الوطء ، وحاصلة أنهما إذا شهدا بما أشرنا إليه ، فقد تم الحكم إذا كان بصفة من يقبل ، و شهادة الآخر بالخلوة و الزينة تؤكد هذا ، فإن شهدوا على خلوة واحدة فالحكم ماض ، و إن كانا على خلوتين ففي التلفيق قولان في المذهب ، و ذكر أنه رآهما في خلوة ، فإن كانت رؤية لا تحرم عليه فلا مطعن عليه . و سأله قاض أثبتت عندي امرأته أن فلاناً زوَّج ابنتها المولى عليها غاب عنها و لم يترك نفقة سوى نفقة سنة ، أقرت بها الزوجة وفنيت منذ سبعة أشهر ، و أثبتت الأم أن النفقة عليها في طعامها و إدامها هي ، و هي كافلتها و ساكنة معها في دار واحدة ، و لا علموا لها مالاً تنفق منه عليها إلا حصة من دار بيعت عليها للمفاصلة ، فأرادت أمها أن تأخذ نفقتها من ذلك ، هل تمكن من ذلك المال أم لا ؟
[315/3]=فأجاب : إذا كان الزوج ممن تلزمه النفقة فينظر هل أنفقت الأم لترجع على الزوج أو على الزوجة بحيث لو لم يكن لها زوج لم تنفق عليها حسبة ، فبعد الكشف عن هذا ينظر في انفصالها عن الابنة فراجعه ثبت عندي أنها ما أنفقت إلا لترجع حتى لو لم تكن ذات زوج .
=فأجاب : إذا ثبت الأنفاق على الابنة بوجه يوجب الرجوع عليها ، وكون الابنة لا غنى لها عن ذلك الأنفاق ، وهي ما تنفق إلا لترجع ، وحلفت على ذلك ، قضي لها بالرجوع بالأنفاق .
[من زوّجها لأمها و قد كتب في الصداق أنه دخل بها و لم تلد]
*و سئل عمن زوّجها أخوها لأمها و قد كتب في عقد الصداق : ودخل بها و لم تلد ، فهل يفسخ أم لا ؟
(1/378)
________________________________________
=فأجاب : إذا كانت دنية في النسب والقدر والمال والمنصب ، لم يفسخ نكاحها إذا لم يكن لها ولي غيره ، لا سيما إن كان يكلفها ويقوم بشأنها فهو آكد في الإمضاء على المشهور .
[من زوّج ابنته لابن أخ له بصداق جملته مائة دينار ذهباً فنقد خمسين ودخل]
*و سئل عمن زوجّ ابنته لابن أخ له بصداق جملته مائة دينار ذهباً تميمة ، فنقد خمسين ودخل بها وأقام أكثر من نصف سنة ودخل بحلي وآنية ورحل كثير ، فأخذ الأب جميع الحلي الذهب وآنية الفضة ، وزعم أنه عارية وترك ما يباع بخمسمائة دينار ، فبعد القسمة جرى بين العم وبين أخيه كلام ، فشهد عليه أنه قال دخلت ابنتي بألف دينار فقال الزوج إنما صح لنا في القسمة خمسمائة ديناراً ، وعادة أمثالك أن النقد يرجع فما رجع إلي شيء ، وكيف لو كان هذا القش الموجود لا يكون مثل صداق ابنته على ملائه ويساره أن لا يقبل قوله فيما ادعاه من العارية أنه أدخل ابنته بألف دينار .
=فأجاب : ما أدخلت به الابنة و لا يصدق الأب في شيء منه أنه عارية[316/3]إلا أن يكون أشهد بذلك قبل بينونته عن يده ، والجواب عن هذا يغني عما سواء مما ذكره في السؤال ، فإن أثبت أنه أشهد بذلك فحينئذ يحتاج إلى الجواب عن غير ذلك .
[من زوّج ابنته واستثنى من رحلها قطائع]
*و سئل عمن زوّج ابنته واستثنى من رحلها قطائع وشهد شاهد أن الاستثناء كان بعد الدخول مع البنت ، وشهد واحد بأنه كان قبل البناء ، فطعن الزوج فيه بأنه زوج خالة الزوجة ، فادعى الورثة عليه بأنه حاضر عند ذكر الاستثناء بعد البناء ، فاعتذر بأن صهره كان في الموت فمنعه ذلك ، خشية أن يقال قتله إن كلمته و وقع في نفسي أنه لا يلزمني لأن الرحل على قدر الصداق ، فهذا أوجب صمتي مع أن شهادة الاستثناء كانت بعد الدخول .
(1/379)
________________________________________
=فأجاب : إذا ثبتت الشهادة أن الأب استثنى قطائع بعد الدخول ، وعلم أنها ساقها وخرجت من ملكه إلى دار ابنته ، مضى قوله فيما استثناه إذا لم يطل الزمان طولاً يقضي العرف والعادة أنه ما سكت إلا و قد ملك ابنته ما أخرج إذا لم تجر العادة أيضاً بأن المستثني لا بد من ذكره عند سوق لجهاز ، و أما الطعن في الشاهد بأنه زوج الخالة ، فلا يقدح إذا ثبت من عدالته وانتفاء الحمية والتعصب ما لا يقتضي التهمة ، و أما من شهد بأن الزوج مسلم حين حضر فيسأل الناس عن تسليمه ، فإن قال نطقاً و لم يقل به الحاضرون فلا يقبل اعتذار الزوج بما ذكر إن استقلت الشهادة عليه بهذا نطقاً ، إلا أن يثبت الزوج ما يدل على صحة اعتذار من إشفاقه ، ومثله يجهل هذا و إن لم يذكر تصريحه فيسأل عن الطريق التي بها علم تسليمه ، فإن قال بالقرائن نظر فيه هل هو ممن يعرف هذا أو لا ، فإن ثبت ما استثناه والباقي يقصر عما يقابل الصداق لا نصّاً و لا عادة و لم يوجد ما يكمل الجهاز ، فللزوج مقال في حطيطة ما يقابل ما قصر من الجهاز عن الصداق .
[قاض أتته امرأة للتزويج وأحضرت شهادة بطلاقها من زوج كان لها]
*و سئل عمن ولاه قاضي بلده على المناكح فأتته امرأة للتزويج وتحضر[317/3]بطلاقها من زوج كان لها بشهادة شاهدين و هو يعرف خطهما ، فهل يكلفها إحضار الشاهدين إليه ، أو يكتفي برؤية خطهما في شهادتهما والوقوف عليه ، ومعرفته لصعوبة الحضور عليهما ، وأن العادة لم تجر عندهم بذلك .
(1/380)
________________________________________
=فأجاب : لا يكتفي في ذلك برؤية خطهما لأنهما قد يحضران فينكران الشهادة فيكونان أحق بإنكارهما منه وإثباتهما ، والشهادة على الخط مختلف فيها ، و قد يضرب على الخطوط والاقتصار على هذا يمنع الذي ذكرنا فيه من القوادح ، كالاقتصار في النقل عن شاهدين حاضرين مع عدم عذرهما في الحضور لمجلس القاضي ، فإن ذلك مما يستراب ، و قد يحضران فينكران النقل عنهما ، فلم يجز النقل عنهما في حضورهما لما فيه من الاسترابة ، فكذلك هذا مع الذي أشرنا إليه فيه .
[من شهد بالموت و لم يعاينها لكن سمع ذلك بالاستفاضة ممن عاين]
*و سئل : عمن شهد بالموت و لم يعاينها لكن بالسماع والاستفاضة ممن عاين أو عاين من عاين .
=فأجاب : الرواية لمالك إنما هي في معاينة الموت ، وظاهرها يقتضي إباحة النكاح ابتداء ، والذي يظهر من هذا ، الجواز قياساً على هذه الرواية .
[من أنفقت على أختها التي في ولاية نظرها مدة نحو عشرين سنة]
*و سئل عن وصي أنفقت على أختها التي في ولاية نظرها مدة من نحو عشرين سنة ، وابتداء سنها من نحو السنتين من الإنفاق ، وقدر لها النفقة من الزيت والقمح وجميع المؤن غيرها بالدنانير والكسوة كذلك ، وكان هذا التقدير على وجوه مختلفة بحسب السنين من غلاء ورخص ، وكبر سنها وصغرها ، ثم أضيف بعض ذلك إلى بعض ، وقوم ما يقوم بالدنانير ، فاجتمع في ذلك دنانير كثيرة معلومة ، فقامت الوصية المذكورة طالبة لأختها في الذي أنفقت عليها .
=فأجاب : زوج المحجورة بوكالتها إياه على ذلك بأن المحجورة المذكورة[318/3]لها اثنا عشر سنة مزوجة و لم تطلبها ، فلما قامت المحجورة المذكورة تطلب أختها قامت عليها بهذا ، وسئلت الوصي المذكورة عما كان لها تحت يدها من التركة ، فاعترفت بأنه لم يكن لها عندها منها إلا سبعون ديناراً ، وتمادت على طلبها ، فبيّنوا لنا وجه الحكم في ذلك .
(1/381)
________________________________________
=فأجاب : ما قدره الشهود من النفقات وعلم أن الأخت هي الكافلة والمنفقة عليها ، فلها محاسبتها به ، ولابد للشهود من ذكر صفة سكة الدنانير على اختلاف أزمتها ، و ما تستحقه من كل سكة ، ويحكم القاضي بها ، و قول الوصي في قدر مالها عندها مقبول ، و ما ذكرت أنه زادته لها من مالها في شورتها ، وأسلفتها على حصتها من الدار ، و هذا القدر مما يشبه ما يتشور به ، فلها استيفاؤه من الحصة التي لها .
=و أجاب : غيره القول قول الوصية أنها لم تقبض من التركة غير ما ذكرت ، وتصدق فيما زعمت أنها أدخلتها به و لو سلفاً إذا كان لها ذمة يمكن أن تسلف عليها ، و هذا بعد إثبات كونها وصياً ، و ما ذكره الخصم من إثبات التركة فقد عينتها ، فإن ادعى زيادة أو طلب إثبات تفصيل أو معنى آخر فليذكر ، و إلا فجواب الوصية كاف ، و قد وقع تقدير القمح وذكر ثمنه دنانير فهو خلل يجب أن يصلح ؛ لأن سكتها في السنين مختلفة ، فيجب أن تذكر باختلافها ومبلغ ثمن القمح فلابد من ذكر كل سنة ومبلغ ثمن الانفاق فيها حتى يجد القاضي معنى صحيحاً فيحكم به ، و هذا اللفظ لا يصلح الحكم به و لا تسمع الشهادة عليه ، ويتأمل حال سن هذه الصبية ويصلح في الشهادات .
[من أثبتت غيبة زوجها وعدم نفقتها وأنه لا مال له سوى ربع]
*و سئل : عمن أثبتت غيبة زوجها وعدم نفقته ، وأنه لا مال له سوى ربع وأمرت باليمين ، فحلفت ونودي على الربع واستقر على المشتري و لم ينعقد البيع ، فهل يعديها بالنفقة من يوم الحلف أو من يوم الحكم بالبيع .
=فأجاب : الاعداء بالنفقة من يوم الحلف لا من يوم انعقاد البيع .
[319/3][من له ولد في كفالة جدته وأشهد الجد للأم أنه متى غاب فقد أسقط نفقته]
*و سئل عمن له ولد في كفالة جدته فشهد عدل ان الجد للأم التزم أنه متى غاب فقد أسقط نفقته ، و إن حضر لم يطلبه إلا بنصف دينار ويقوم بالنفقة ، فهل يلزم الجد ذلك أم لا ؟
(1/382)
________________________________________
=فأجاب : يحلف الأب مع شاهده ويحكم على الجد بما عقد على نفسه ؛ لأنه مما يجب على الأب لو حضر ، فيلزم الجد ذلك .
[إذا اشتد الكره بين الزوجين وتفاقم الأمر ، فللحكمين التفريق بينهما بعد إسقاط الصداق عن الزوج]
*و سئل عن امرأة بعث الحكمان بينها وبين زوجها فتفاقم الأمر واشتد الفساد حتى بلغ الأمر إلى اليد الغالبة ، وأعاد القاضي المرأة الى الدار فهربت ، ثم أعادها فهربت مراراً وكسرت اقفل و لم تشك أكثر من كراهتها في الزوج ، فرضيت وهي بالغ ولها منذ بلغت سنتان بترك المهر ومباراة الزوج ، وامتنع الأب من ذلك ، وشهدت بينة بأن من حسن النظر لها مع حالها أن تترك زوجها وتسقط عنه الصداق ، فهل يتم ذلك مع سخط الأب ، ويبرأ الزوج مع هذه القرائن أم لا ؟ .
=فأجاب : إذا لم يقدر على الاصلاح وإزالة الضرر بالضرب أو غيره من وجوه الأدب ، وظهر أنه غير ضاربها ، فإن للحكمين أن يسقطا الصداق عنه إذا كان الضرر من جهتها دون الزوج ، و إن لم يقدر على دفعة إلا بالفراق على إسقاط الصداق ، فالأولى أن يجعل القاضي هذه البينة التي أشار إليها حكمين من أهل الزوج وأهلها إن وجد إلى ذلك سبيلاً ، وينظر في الفراق على إسقاط الصداق ، وينفذ حكمهما به إن اضطر إلى الحكمين .
[من غاب وترك زوجة وطفلة منها وطفلاً من غيرها مطلقة ، فنفقة الزوجة مقدمة على غيرها]
*و سئل عمن غاب بالأندلس وترك زوجة وطفلة منها وطفلاً من غيره[320/3]مطلقة ، فلما كان الآن ، انفذ سبعة دنانير في المركب الأول ، واثني عشر في المركب الثاني ، و لم يترك لأولاده زوجته نفقة ، فقامت أم الطفل تريد مخاصمة الزوجة والابنة برزق ابنها ، وقالت الزوجة أنا أولى و قد كانت قبضت السبعة دنانير وأنفقتها .
(1/383)
________________________________________
=فأجاب : إن كانت السبعة الأولى بعث بها إليها لتنفقها ففعلت ، فلا مطالبة عليها بذلك ، و أما الدنانير الأخرى فإن أرسلها إليها أيضاً لانفاقها و هو ظاهر الملأ و لا يحكم بفلسه ، فلا تحاصّها المرأة الأخرى فيها بنفقة ولدها ، و إن لم يرسلها لأحد وهي موقوفة على ملكه ، فإن الزوجة مقدمة على الأولاد في الإنفاق حين إفلاس المطلوب باتفاق ، أو كونه لا يجد إلا نفقة شخص واحد ، وذكر في ذلك حديثاً عنه (صلعم) ، فإذا كان هذا المقدار قليلاً ، وقدر ما يفرض لها عليه عند المطالبة بالانفاقات التي ذكرت ، قدمت فيه ؛ لأن نفقتها على وجه المعاوضة ، ونفقة الأولاد على المواسة ، ونفقة المعاوضة أولى ، للحديث الذي أشرنا إليه .
[من قام غُرَمَاؤه عليه بدين ، فقامت زوجة ابنة تطلب المحاصة بصداقها الذي تحمل به]
*و سئل عمن قام غُرَمَاؤه عليه بدين ، فقامت زوجة ابنة تطلب المحاصة بصداقها لكونه تحمل به ، فهل لها ذلك أم لا ؟ .
=فأجاب : إذا عقد النكاح على الحمل بالصداق في وقت يجوز له التحمل به من كونه لا دين عليه ، و لا ما يوجب المنع من هذا الحمل ، فللزوجة محاصة الغرماء بصداقها إن لم يستحقوا ماله دونها أعيان من كونها سلعهم ، وبالله التوفيق .
[من طلبته زوجته في مؤخر صداقها وعنده ما يباع عليه لكنه يتضرر في الأثمان]
*و سئل : عمن طلبته زوجته في مؤخر صداقها وعنده ما يباع عليه في[321/3]الحال ، إلا أن عليه مضرة في الأثمان ، فهل يباع في الحال ، أو يضرب له من الأجل بقدر ما يرى التجار لها حتى يستقصى له الثمن من غير ضرر على الجميع .
(1/384)
________________________________________
=فأجاب : إن سأل التلوم لتحيل علي القضاء على حسب ما جرت به العادة التي يدخل عليها التجار وغيرهم مكن من ذلك ، فإذا كان إنجاز البيع عليه من غير استظهار لتكرار عوض المبتاع والبحث عمن يشتريه والممانعة التي تقع عند المساومة فيه ، واليسير والرجوع بحقه في ذلك بخس وضرر يرتفع بأن يضرب له أمداً قريباً لا ضرر فيه ، فإنه من حقه أن يضرب له ذلك .
[من شرطت على زوجها أن ينقلها من بلدها فرغب إلى والدها فأخرجها]
*و سئل عمن تزوج امرأة وشرطت عليه أن لا ينقلها من تونس بلدها ، ثم رغب زوجها والدها أو يخرجها إلى القيروان ، وأن يتفقد أمه بها ويردها إذا أحبت ، فلما بلغب إليها لم تعجبها سكناها وطلبت الرجوع ، وأتى أبوها ليردها فامتنع ، فصالحه أبوها عنها بأن حط عنه من صداقها ثمانية دنانير ويصبر ببقية الصداق سنتين ، وينفق على ما في بطنها سنة .
=فأجاب : شرط أن لا يخرجها من بلدها يوم كذا لا يجب عند مالك ، ويقضى به عند غيره من الأيمة إذا كان في أصل النكاح ، فإذا أسقط عن الزوجشيئاً على أن يردها ليلدها ذلك ذلك لا يقضى لها عليه لزمه الاسقاط ، لكن الخلع على تأخير الصداق أو بعضه لا يجوز ، ويفسخ التأخير ويقضى به حالاً ، والطلاق نافذ ، والنفقة فيها اختلاف ، هل يجوز الخلع عليها مطلقاً على وجه فيه غرر .
[من طولب بصداق امرأته فادعى الفقر ، وأتى بجمع من الجيران يشهدون له]
*و سئل : عمن طولب بصداق امرأته فادعى الفقر ، وأتى بجمع ذكر أنهم جيرانه ويطلعون على أحواله منهم من يتوسم فيه الخير ، شهدوا بفقره وأن لا مال له ، وكيف إن لم يجد غيرهم .
[322/3]=فأجاب : لا يقضى في عدالة الشهود بمثل هذا التوسم ، لكن إذا علم العدول بفقرة وحبس ، فيكون حبسه أخف بهذا ، وقوة الظن بصدق الشهود وضعفه .
[من طلّق زوجته وهي حامل وبعد أشهر وضعت ولداً فطلبت رضاعة وأجرتها على ذلك]
(1/385)
________________________________________
*و سئل : عمن طلق زوجته وهي حامل ، فبعد أشهر وضعت ولداً فطلبت رضاعه و هو نشار . فادعى العدم وزعم أن له من القرابة من يرضعه من غير شيء ، وأنكرت الأم ، فهل من حقه أخذ ولده أم لا ؟ .
=فأجاب : إذا أثبت فقره وحلف على ذلك ، لم يطالب برضاع ، و إن لم يثبته و في أخذ الولد ضرر عليه وعلى أمه لما لها من الرحمة فيه وتفقد حاله وتعاهد رضاعه بخلاف غيرها ، كلف دفع الأجرة حتى يثبت عجزه عنها .
[من بنى بزوجته وبقي معها نحو شهرين ، فأخذت الزوجة رحله وخروقه ومنعته منه]
*و سئل : عمن بنى بزوجته وبقي معها نحو شهرين أو دونهما ، فأخذت زوجته رحله وخروقه فأمسكت ذلك وخافت هروبه وتبقى بلا مهر و قال هو إنه مقيم ، و إن الصداق لا يلزمه لقرب عهدها بالبناء .
=فأجاب : المهر يلزمه إذا بنى بها إذا كان مكتوباً في صداقها يحل بالبناء ، و ما وقع لسحنون فلعادة كانت عندهم ، وليست بثابتة عندنا الآن ، وإذا حكم لها بمهرها ، فإن كان ملياً لا يخاف منه سلمت إليه حوائجه ، و إن خيف منه أتى بحميل وسلمت إليه حوائجه ، و إن كان فقيراً يخشى منه و لم يأت بحميل و لا شيء له غيرها ، عقلت عليه حتى ينظر في الذي وجب عليه من الصداق ، ويترك له من الثياب ما يترك للمفلس .
[323/3][إمرأة أقامت شاهداً على أن ولدها في نفقتها إلى أن توفي والده و هو غائب عنه]
(1/386)
________________________________________
*و سئل : عن رسم مضمنه أن امرأة أقامتشاهداً على أن ولدها في نفقتها منذ عامين قبل وفاة أبيه في طعامه وشرابه وجميع مؤنته ، وأن والده كان غائباً بالبادية وهي معه في أكثر المدة ، و في بعضها بزويلة والمهدية ، و لم تزل المنفقة المذكورة تذكرها لزوجها المذكور ، و لا يعلمون أنه أعطاها شيئاً من النفقة إلى أن توفي ، والوالد منقطع من أبيه في المدة المذكورة ، و لا يعلمون أن أحداً أنفق على الولد المذكور غير والدته المذكورة ، ويعلمون أنها خاصمته عند قاضي المهدية ، وتكرر خصامها له ، و لا يعلمون أنه دفع إليها شيئاً من النفقة إلى أن توفي ، فورثه ورثته منهم محاجير وغُيَّب ، و لا يعلمون أنها أخذت من تركته شيئاً إلى الآن ، و لا برئت ذمته من هذه النفقة المذكورة ، فها يقضى لها بشهادة هذا الشاهد مع يمينها ، ويحكم على الغائب والحجور في ذلك أم لا .
=فأجاب : إذا كان الشاهد يذكر أن النفقة من مالها من طريق علم ذلك منه ، و لم يعلم أن الزوج في حال الخصام لم يدع أنه ترك عندها نفقة ابنه و لا كان ينفق عليه ، وإنما خاصم في سقوط ذلك عنه من وجه آخر ليس من جهة كونها هي المنفقة عليه ، فإنه يقضى بذلك في تركته بعد يمينها الواجبة ، و إن كان في ورثته غائب ومولى عليه و وقفا على حجتها و لم يمنع من الحكم كون بعضهم في الولاء وعلى غيبة بعيدة ، و هذا إذا ثبت أن الأب كان ممن يلزمه نفقته ، ومثلها ينفق لترجع بذلك ، وبالله التوفيق .
*و سئل الشاهد المذكور هل ادعى الأب على الأم أنه ترك لها نفقة الولد أم لا و ما كان جوابه لها في حين الطلب ؟
(1/387)
________________________________________
=فأجاب : بأن الوالد هذا كان يكره حديث ولده ، و قد كان طلّق أمه وأبعده عن نفسه وأخرجه من داره ، وكانت أمه تسكن في البادية تخدم وتطعمه وتقوم بأوده ، وامتنع أبوه من نفقته في ذلك الوقت و قال ما تلزمني نفقته ،[324/3]وكان في علمي أنه كان بصفة من تجب عليه النفقة ليسره وملائه ، وشهد الشاهد بذلك كله في تاريخ كذا .
=فأجاب : إذا حقق الشاهد الإطعام أنه كان مما تأخذه من خدمة النّاس ، فذلك يوجب لها طلبه إذا كان مثلها ينفق ليرجع به على الأب ، وتحقق منها أنها خاصمته فامتنع من إجراء النفقة .
[من زوّج ابنته بألفي دينار ، فعلى والد الزوجة من الجهاز ما يقابل الصداق ]
*و سئل عن رسم مضمنه أنهم يعرفون فلاناً وصهره فلاناً ، وأن فلاناً لما زوّجه ابنته البكر فلانة في شهر كذا من سنة كذا ، بصداق جملته نقداً كذا ، ومهراً كذا ، وشرط في عقد النكاح أن يجهزها بالمهر بألفي دينار مهدية ، و قال الشهود : ونعلم أن عادة المهدية وزويلة أن من زوّج ابنته البكر و هو ذو مال ، أن يلتزم من الجهاز ما يقابل الصداق المسنى ، ومن الناس من يشترط ، ومنهم من يعتمد على العادة من غير شرط ، والعاقدان متفاهمان بذلك للعادة ، ونعلم أن العادة بزويلة إذا توفي الوالد وقام الزوج وطلب ما يقابل الصداق المسمى ، ومن الناس من يشترط ، ومنهم من يعتمد على العادة من غير شرط ، والعاقدان متفاهمان بذلك للعادة ، ونعلم أن العادة بزويلة إذا توفي الوالد وقام الزوج وطلب ما يقابل الصداق فإنه يقضى به .
(1/388)
________________________________________
=فأجابك هذا أمر تعم به البلوى ، وينبغي أن يكشف الشهود عن قولهم إن الآباء يلتزمونه ما يقابل الصداق ، وربما أجحفوا على أنفسهم بقدر همهم فيه ، فهذه العادة به صحيحة ، لكن قد يكون ذلك يفعلونه بقدر الأنفقة والهمة التي تعم سائر الآباء ، إلا من شذّ منهم من ا÷ل الخسَّة ، أو يفعلونه لأنهم يرونه لازماً لهم كالدين يجبرون عليه إن أبوه ، فهذا الثاني إن صحت الشهادة به فهو والمنظور فيه ، و أما الوجه الأول فلا يقضى به إلا على تخريج خلاف المذهب ، ذكره ابن المواز في هدية العرس التي اشتهر فعلها على وجه المكارمة ، فقيل لا يقضى بها لأنها تفعل للمكارمة ، فإذا قضي بها فكأنا استندنا للعادة وخالفناها ، وقيل يقضى كالمشترطة ، و هذا و إن كان فيه معاوضة ، فلابد من تحقيق الشهادة على نحو ما قلنا ، لأنّ أصل الشريعة عدم إلزام المرأة وأبيها جهازاً ، و الصداق عوض عن البضع و هو المقصود ،[325/3]و لو كان عوضاً عن الانتفاع بالجهاز و هو مجهول لكان فاسداً ، لكن الأصل البضع ، و ما سواه تبع ، و في المذهب رواية شاذة غريبة أنه ليس على المرأة تجهيز بصداقها ، فأخرى ما سواه ، وأظنها في وثائق ابن العطار . والرواية الأخرى تتجهز بالصداق خاصة ، والجهازات الكائنة الآن خارجة عن مقتضى الروايات ، فإذا كانت العادة تقتضيه فينبغي أن تتحقق ، و قد نزلت نازلة هنا منذ خمسين سنة فاختلف فيها شيخاي وهي إذا ماتت الزوجة البكر قبل الدخول بها ، فلما طلب الأب الصداق طلب الزوج الميراث من القدر الذي تتجهز به ، فأفتى عبد الحميد أن ذلك ليس على الأب ، وأفتى اللخمي بأن ذلك عليه ، وكان الشيخ الأول يقول هب أن الآباء يفعلون ذلك في حياة بناتهم رفعاً لقدرهن ، وتكبيراً لشأنهن ، وحرصاً على الحظوة عند الزوج ، فإذا وقع موت الابنة فعلى من يجهز ، و لا تقاس عادة على عادة .
(1/389)
________________________________________
و قد كلمت اللخمي لما خاطبني في هذه المسألة وسألني عن وجهها ، فأجبته بما تقدم ، وجرى بيننا كلام طويل ، فإذا تحققت العادة بشهادة الاشكال أن الآباء يلزمون على حد ما يطيفون في حياة الأبناء ومماتهم ، نظر في ذلك ، وذكر أن الآباء يلتزمون بما يقابل الصداق ، و هذا إنما تتفق الشهادة به لو تكرر القضاء عليهم وشوهد حتى يعلم علمهم ويكتبوه على مقتضى العادة حين عقد النكاح وتاريخه ، و هذا فيه تشغيب ، ولعل الصلح أقرب إلى السداد في هذا إن شاء الله .
[اشتراط إسكان الزوج على الزوجة وأبويها في عقد النكاح أب بعده بدون كراء]
*و سئل : عما كثر بالمهدية وزويلة من عقود الأنكحة ويكتب في صحيفة من كتاب الصداق المنزل على عقد النكاح ، إيجا السكنى للزوج على الزوجة وعلى أبويها وعلى أحدهما ما دام زوجين من غير كراء يتبع به الزوج ، وتقرأ الصحيفة المكتوب فيها الإسكان المذكور بعد قراءة الصداق بأيام يسيرة ، وربما قرئت بعد الفراغ من قراءته بحدثان ذلك ، أو في باقي نهار ذلك ، أو اليوم الثاني له ، و نحن نعلم أن أكثر هذه الايجابات إنما تقع مقارنة لعقد النكاح ، ويتكلم الزوج عليها قبل ذلك ، وعليها يقع العقد ، و إن كان الأشهاد يقع[326/3]بعده فهو المعلوم المحقق المشهود به من حال المهدية وزويلة منذ سنين تقدمت هذا السؤال ، وكثر الآن وتفاقم الأمر ، و هو الغالب الأكثر في إيقاع إيجاب السكنى ، وقام الآن محتسب لله يسأل عن ذلك لغربته في إقامة الحق ونفي الصفة ، أم لا بيّنه لنا مأجوراً .
(1/390)
________________________________________
=فأجاب : بأن قال أمد الزوجية بين الزوجين مجهول لا يدرى متى يقع الطلاق أو الموت ، فإذا كان مجهولاً وقارن العقد و الصداق المبذول ببعضه عوضاً عن الاسكان ؛ لأن السكنى من الأعواض المالية وهي أكد في كونها عوضاً مالياً من الفرج ، إذا كانت من الأعواض المالية فمحال أن لا يجعل لها حصة من الصداق ، كما أن من المحال أن يشتري رجل سلعتين فلا يجعل لأحدهما عوضاً من الثمن ، وإذا ثبت أن ذلك مما يعوض عليه الزوج و هو مجهول ، فسد العقد به وكان عقد النكاح به فاسداً ، فيجب فسخه قبل الدخول على المشهور المعروف من المذهب ، فإن دخل ففي فسخه اختلاف مشهور ، والعقود الفاسدة من المنكر الذي يجب أن يغير ، وتغيير المنكر من أهم أمور الشرع ، و قد خطب النبي (صلعم) في حديث بريرة حرصاً على المبالغة في تغيير الشروط الفاسدة وإبانة أحكامها ، و هذا مما يجب تغييره وإنكاره و إن عثر على نكاح تحقق انعقاده على هذا الشرط ، فيقضى بفسخه حسبما رتبناه ، و إن كان اشتراط هذا بعد العقد تدليساً وتلبيساً ، وإنما يكتبه الكاتب تحرزاً من أن يوقف من خطوطهم على عقد لا يجوز ، فإنهم يمنعون من كتب هذا ويحذرون منه ، و إن علم أن هذا هو الغالب في عقود البلد المشترط فيها هذا الشرط ، وأن الاسكان لا يقع بعد العقد على حال ، و إن وقع فإنما يقع نادراً من أمد لا يميزون و لا يضبطون ، فلا يمكن منع هذا الشرط الفاسد إلا بحسم المادة ومنع الجميع ، من ذلك ، و قد قال أهل الأصول كل ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب مثله .
(1/391)
________________________________________
وعن مالك رضي الله عنه في مسألة بنى الأمر فيها على حماية الذريعة ومنع الجميع منها ، فقال إن صح ذلك منهما لم يصح من غيرهما ، و قد رأيت مالكاً و أصحابه منعوا بيع ثوب بدينار إلى شهر ثم[327/3]شراؤه بنصف دينار نقداً ، و إن كانت صورة البيع لا فساد فيها ، فخافوا أن يكون ذريعة إلى الحرام فمنعوه على الاطلاق ، و قد جاء الشرع بمنع أكل شاتين أحدهما ميتة لا تدرى عينها ، لما اختلط الحلال بالحرام منعوا الجميع ، ومن قال بحماية الذرائع ، بادر إلى إنكار مثل هذا ، وحسم المادة فيه بمنع الكتاب والشهود والتقدمة إليهم ، ويؤرخ زمن المنع إن اعتذروا بجهل الحكم فيما قبله حتى يعلم من يقع بعد في مخالفة النهي ، قيل هذا نحو فتوى ابن رشد ، وزاد بأنه منكر يجب تغييره ، وحسم مادته بالمنع الكلي على فتوى ابن الحاج وظاهر المدونة ، ويترك الأمر على ما هو عليه ؛ لأن تغيير المنكر من شرطه أن يكون مجمعاً عليه ، أو مخالفاً للأصول والقياس الجلي ونحوه .
[تطليق الزوجة في غياب الزوج غيبة بعيدة مع وجود ما تنفق منه على نفسها]
(1/392)
________________________________________
*و سئل : عن رسم نصه بعد سطر الافتتاح قال القاضي فلان بن فلان حضرني من قام عندي لفلانة بنت فلان وأحضرني بفلان وفلان فشهدوا عندي أن فلان بن فلان غاب عن زوجته فلانة من مدينة قفصة منذ ست سنين إلى جهة الأندلس ، وأن أحمد المذكور يعلم أنه غير ممنوع من الدخول إلى قفصه ، وأن زوجته محتاجه إلى الزوج ، وأن عليها مضرة في بقائها بغير زوج ، وشهد عندي فلان وفلان أن فلانة الزوجة راغبة في طلاق زوجها فلان الرغبة الشديدة ، فقبلت شهادتهم بذلك عندي وأجزتها ، إذا جميعهم عندي بوسم العدالة وقبول الشهادة ، فلما أثبت ذلك عندي القائم للشهادة سألني إنفاذ الطلاق وتسريح سبيلها من عصمة زوجها ، ونظرت في ذلك بما يجب ، ورأيت أن الاعذار إلى الأندلس يتعذر لوجوه شتى غير خفية ، لبعد المكان ، وانقطاع الطرق ، وعدم القائم بذلك ، وقلة من يعرف خطه وينقل عنه شهادته ، فاستشرت في ذلك من أثق به من أهل العلم ، فأفتى في ذلك إذا غاب أحمد عن هذه المرأة المذكورة وهي محتاجة للزوج ، وخيف عليها المعرة كما شهدت البينة ، تطلق على زوجها لاحتياجها إلى زوج ، لا سيما إذا كانت[328/3]حديثة السن ، فقبلت قوله في ذلك ، وضربت لأحمد الغائب أجلاً بعد أجل وانقطعت الآجال بعد ذلك وتلومت أيضاً بعد ذلك ، وانقضى التلوم و لم يأت له خبر ، وألح القائم للزوجة في فراقها لمضرة أدركتها ، فاستخرت الله تعالى وأوقعت عليها طلقة واحدة للغيبة المذكورة ، تدخل بها في العدة من زوجها أحمد المذكور ، وأنفذت قضائي بذلك بعد أن تقصيت فيه الواجب عندي كما يجب ، وأمرت بكتب هذا الكتاب نظيرين ، أحدهما بديوان أحكامي عدة للحاجة إليه ، والآخر بيد القائم للزوجة ثقة لها وحجة لليوم و لما بعده من الأيام ، شهد على إشهاد القاضي فلان بما ثبت إليه في هذا الكتاب بعد أن قرئ عليه بمحضر شهوده في مجلس قضائه بمدينة قفصة ، وأمرهم بالأشهاد عليه و هو القاضي حينئذ عليها وعلى سائر عملها ، وذلك
(1/393)
________________________________________
في يوم كذا وذكر التاريخ على ما هو عليه .
=فأجاب أما الفتوى التي تصدر عن مفت نظار ، ثبت عارف بأصول النظر ، مشتغل بأعباء علوم الشريعة : أصولها وفروعها ، فمعدوم في هذا الزمان ، لكن يقتصر على من ينتمي إلى تحصيل ، ويرجع غلأى دين حاجز عن الهجوم في دين الله بغير تحقيق ، معتمد على الاسناد إلى مسطورات الأيمة الماضيين رضي الله عنهم ، فإذا أفتى وأحال عليهم سد عن نفسه باب الطعن ، وحسم مادة التهم والقدح ، لأجل أن الأمر كما قال مالك رحمه الله من مضى خير ممن بقي ، وقصارى التحرير الذكي في هذا الزمان ، أن يضبط قول مالك و أصحابه في هذه الدواوين المشهورة المتداولة ، فإذا عاد الأمر بالعكس أن أبناء الزمان يقرؤون كلامهم ويخالفونهم ، انفتح باب من الجهالة لا يرتق ، واتسع من الاباطيل خرق لا يرقع ، ما علمت أن أحداً من الايمة الذن أدركت وأخذت عنهم ، أفتوا بأن يطلق على غائب دخل على زوجته ثم غاب عنها وله مال ينفق عليها منه ، و لا يسامح بحل العصمة لتخوف الضرر اللاحق للنساء من جهة عدم الوطء ، و هذا كتاب الله قد نطق بأحكام المولى ثم لم يشرع بأقل من هذا المقدار في ابتداء الضرر ، و لم تلتفت الشرع إلى ذلك ، و إن كان عمر رضي الله عنه سأل النساء في الحديث المشهور لما سمع المرأة تنشد : (تطاول هذا[329/3]الليل واسود جانبه) الشعر المتداول والقصة المشهورة ، وفيها إشارة إلى حكم الايلاء ، و لم يذكر عنه أنه طلق على الغائبين المذكورين نساءهم ، وبلغ بهن الحال إلى إنشاد ما سمع من الشعر ، و لا أحد من الصحابة طالبه بهذا ، و لا رجته امرأة منه ، وصار هذا كالاجماع من الصحابة ، ومن تتبع بعض مسائل وقعت للأصوليين والفروعيين ، ألفاها قد استقرءوا فيها الاجماع على وجه ما ذكرنا ، و ما ذكرناه على وجه الاستقراء أوضح وأبعد عن طرق الاحتمال ، و إن وقع في خيال فاسد احتجاج بالايلاء ، فهذا فرع باب آخر المولى معتدفي أليته بالله سبحانه أنه
(1/394)
________________________________________
لا يطأ ، ظالم في يمينه على وضع حق امرأته ، ثم مع هذا أن الشرع قد احتاط له في العصمة ، وأمهله المدة المذكورة ، ثم لم يطلق عليه و قد سبق منه العدوان باليمين حتى انتظرت فتته ، فإذا أبى عنها ، تأكد قصده الضرر ، فطلق عليه إذ ذاك : ومن اطلع على ما قال الأيمة فيه إذا منع من الفيئة لمرض أو حبس ، مع كونه متعدياً في أصل يمينه ، فهم عن الشرع شحة عن العصمة ، وأنه لا يبينها إلا بعد حصول ظلم من الأزواج ، يؤكد ما أشرنا إليه ، والعجب ممن يرى مالكاً و أصحابه رضي الله عنهم في الكتب المشهورة عنهم يقولون إن من وطئ زوجته مرة واحدة ثم قطع ذكره ، فإنها لا تطلق عليه وتبقى على م الأيام والليالي ، و إن أتى عليهن من الشباب والاكتهال وهي تشتعل ناراً من الشهوة ، فلا يشك عاقل في لحوق الضرر بها ، وكيف و هذا ضرر مقطوع به لا رجاء في زواله ، و إن ترخص غير خبير بالحقائق ، فإن هذه قد طلق عليه في قول شاذ ، فهذا إنما رآه للقطع بتأبيد الضرر ، وأنه لا يرجى زواله ، و لا يترقب من الزوج عودة إلى ما كان ، و هذا العنين ضربوا له أجلاً سنة ، ومعلوم ان المرأة يلحقها الضرر غالباً في الزيادة على أربعة أشهر على ما أشار إليه تعليل عمر رضي الله عنه ، لما كانت العنة لم يكتسبها و لا هو متعمد في ترك الوطء ، فعلى هذا زيد على أربعة أشهر و إن أضر بالزوجة فقد الوطء ، فهذا ينبئك على فرق ما بين المسألتين بسبب طبيعي وسبب اختياري ظلمي ، وليس من الجائز أن يكون الرجل منعه من العودة إلى قراره مرض أو اعتقل عن ذلك ، ومرضه واعتقاله يرفع عنه كونه متعدياً في[330/3]ترك الوطء بإجماع المسلمين ، فإذا ثبت كونه غير متعد ، فهل يقول قائل إنها تطلق عليه زوجته ، والانسان إذا أصابه مرض و هو مقيم مع زوجته ، وامتدت به الأيام وحالت بينه وبين الوطء ، فهل تطلق عليه زوجته ، و هذا علم الخاص والعام ؛ لأن الحكم في سائر بلاد المسلمين و في سائر الأعصار خلافه ، و
(1/395)
________________________________________
هذا أيضاً مشتهر في سائر الأمصار ، كثيرة الأسفار ، واختلاف أمر الغيبة في المقدار ، ثم لم ينقل أحد من فقهاء المسلمين و لا قضاتهم ، الطلاق على غائب يجري الانفاق و لم يقصد إلى إضرار ، بل حيل بينه وبين الرجوع إلى قراره ، فلو أن هذا أشار إلى أنه ثبت عنده ما يدل على قصده الاضرار بالتغيب ، وأشار إلى حمل مجرد الغيبة على الاختيار ، لنظر فيه نظر آخر ، و إن أشار بعض المأخرين ، فذلك حمل على ما قلناه من مراعاة قصد الضرر ، أو بقرينه حال أو بناء على غالب ، فإن راعى الحاكم في قضيته هذا المعنى ، قلنا فيه نظر يطول ، و أما أن يعول على الطلاق بمجرد الضرر الذي لحق المرأة من عدم الوطء ، غير ملتفت لكون الزوج ممنوعاً من القدوم أو حال بينه وبينه حائل ، أو غير ذلك من الضرورات التي هو معرض لها ، وإنما حكم بمجرد الضرر خاصة دون بحث عن شيء مما أشرنا إليه ، و لو بحث عليه لا طلع على ما ينفي قصد الضرر ، فإن حكمه باطل بالوجوه المذكورة ، والفتوى له بذلك غلط ظاهر لم يسبق إليه سابق ممن يعول عليه ، ولذلك في هذه الاشارة التي أشرنا لك ، ما اجتر للتنبيه على موضع الغلط ، لأنا ذكرنا له العوائد التي يدخل عليها الأزواج مع الزوجات ، ومعلوم أنهن يدخلن مع الأزواج على أن الزوج يسافر لطلب الأرزاق في سائر الآفاق ، ثم إذا غاب فما من مسافر يغيب و لا يدري ما الله به صانع ، و هذا أوضح من أن يحتاج إلى إطناب ، و قد أريناك استقراء الاجماع عن الصحابة وطريق الاستقراء عن أهل كل عصر ، وإذا بلغ الحاكم في الخروج هذا المبلغ ، فلا يتحاشى محصل عن نقضه ، بل اُلمعين على بقائها مع الزوج الثاني مع وقوع الحكم على صفة ما ذكر من الخطأ كالمعين على الزنى ، فليتق الله سبحانه من ينظر في ذلك ، ويبادر إلى فسخ هذا الحكم وردها إلى الزوج الأول بعد الاستبراء من ماء الزوج الثاني إن كان الأمر كما كتب لنا في هذا السؤال ، وإنما عول في الطلاق[331/3]على مجرد
(1/396)
________________________________________
الضرر اللاحق لها إن كان الزوج بادي العذر في إطالة الغيبة ، و هذا أيضاً في الكتابة للحاكم تقصير ؛ لأنه ذكر عن الشهود الأولين أن فلانة محتاجة إلى الزوج ، وعليها ضرر في إبقائها بلا زوج ، و هذا كناية عن الحاجة إلى الوطء في الظاهر ، ولكن من شرط التتميم أن يقول الشهود إنها اشتكت إلينا الضرر بذلك ، فعلمنا صدقها ، و أما قولهم عليها مضرة وهي لم تشتكها ، فإن ذلك لا ينفع و لا يعول عليه ، وكذلك قول الآخرين إنها راغبة في فراق زوجها الرغبة الشديدة ، و قد يرغب الانسان في الشيء و لا يطلبه حياء منه ، أو علو همته ، وقصارى ما في الشهادة إثبات الرغبة دون طلب في إيقاع ما رغب فيه ، ثم لم يذكروا أنها و إن طلبت الفراق لأي علة طلبته ، و هذا تقصير من ناحية الكتابة ، و إن كان المراد ما أشرنا إليه من المعاني التي هي تتمة هذا الأمر ، ولكن الأحكام إنما يجب أن تورد بالنصوص ، و أما الحزر والرمز باللفظ اليسير إلى جمل في الكلام لما يتضمنها ، فشغل قوم آخرين ، فليبدأ بما ذكرناه وينظر في الحكم والفتيا و ما قلناه فيهما ، و الله يعلم المفسد من المصلح .
[من طلَّق زوجته ثلاثاً وهي بكر تحل له حتى تنكح زوجاً غيره]
*و سئل : عمن طلَق زوجته بالثلاث وهي بكر هل يسوغ له رجعتها في أحكام الدنيا والآخرة ؟
=فأجاب : مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وهم أيمة الأقاليم ، أنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، ومخالفة هؤلاء في المغرب من جنس طمع أشعب .
[لا يؤخذ بقول سعيد بن المسيَّب في المبتوتة]
*و سئل : هل يسوغ الأخذ بقول سعيد بن المسيَّب في المبتوتة وإحلالها بالعقد أم لا ؟ وهل المسألة من مسائل الأصول أو الفروع التي كل مجتهد فيها مصيب ، و إن فعلت هذا وقلدت سعيد بن المسيب ، هل علي اتباعه أم لا ؟
(1/397)
________________________________________
=فأجاب : هذه المسألة بعينها تقدم لي فيها إملاء مبسوط لما ورد علي فيها[332/3]سؤال من تونس حماها الله ، و قد تزوج رجل قرأ علي قديماً شيئاً من علم الأصول ، إمرأة طلّقها ثلاثاً ثم استباحها بعد رجل عقد عليها و لم يطأها ، فجاءني من قبل القاضي وفقهاء البلد فيه سؤال فأكثرت النكير عليه ، وبالغت حتى أظن أني سمحت لهم في عقوبته ، وذكرت أن هذا باب إن فتح حدث فيه خروق من الديانات ، وتباعات في تقليد الأحكام والرجوع إلى علماء انقرضوا دون العالم النظار من أهل العصر ، على خلاف بين الأصوليين في تقليد العالم الميت مع وجود العالم النظار ، والذي رأيت من الدين الحازم ، والأمر الجازم ، أن ينهى عن الخروج عن مذهب مالك و أصحابه حماية للذريعة ، و لو شرَّع هذا لقال الرجل أنا أبيع ديناراً بدينارين لما روي عن ابن عباس ، ثم يأتي من يقول أنا ، أتزوج امرأة وأستبيح فرجها من غير ولي و لا شهود تقليداً لأبي حنيفة في الولي ، و في الشهود لمالك ، وأتزوجها بدانق تقليداً للشافعي ، و هذا عظيم الموقع في الضرر ، و قد كان يحسم مادة هذا في الأعصار الماضية مع ورع أهلها وخوفهم على أعراضهم ودينهم ، فكيف إذا انتهى الأمر إلى زمن قد تقاصر أهله عن حال من مضى تقاصراً لا يخفى على عاقل ، هذا الزمان أحرى أن تحسم مواد التساهل في الديانات ، وهب أني أبحث لهذا السائل أن يفعل هذا في نفسه بنكاحه ، لا يخفى على عاقل فقضاة مكانه وفقهاؤه لا يلتفتون إلى مذهبه ، بل يفسخون ذلك عليه ويبطلون نكاحه ، و لا تسمح نفوسهم بترك مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة ، لاتفاق الأمصار على تقليدهم ، فهذا النكاح يصده عن ذلك ، وكيف تسمح نفسه بفرج يستبيحه اليوم وغداً يحرمه عليه القاضي ، وربما نظر في العقوبة على ذلك ، و أما سؤالك هل هذه المسألة من مسائل الأصول أو الفروع ، فالأصح عندي أنها من مسائل الفروع ؛ لأن سبب الخلاف فيها أمور ظنية لا قطعية يقينة ، وذلك أن الله
(1/398)
________________________________________
تعالى قال {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فينظر في قوله حتى تنكح زوجاً غيره هل هذه اللفظة التي هي النكاح مطلقة على العقد بمجرده حقيقة ؟ أو على الوطء بمجرده حقيقة ؟ أو على الثاني حقيقة والأول مجازاً ؟ وإذا نظر في هذا ، نظر بعده في اختلاف الأصوليين في الحقيقتين هل[333/3]يشتمل عليهما لفظ واحد إذا كانا من جنسين مختلفين ، أو لا يصح دعوى العموم في هذا الجنس في الألفاظ ، واختلاف الأصوليين معروف ، ثم ينظر أيضاً في أحد اللفظين إذا كانا حقيقة والآخر مجازاً ، هل يصح فيه دعوى العموم ؟ كما مال إليه أبو المعالي وخالف القاضي فيه ؟ أو لا يصح ذلك العموم ؟ ذكره القاضي في التقريب والارشاد وذكر علة ذلك ، و هذا من دقائق مسائل الفقه ، فليقف الناظر فيه وقفة حتى يتحقق عنده الصواب من هذا كله ، ثم ينظر نظراً آخر في حديث رفاعة لما سأل رسول الله (صلعم) عن إباحتها لزوجها ، و قوله عليه السلامَ ، «لاَ ، حَتّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوق عُسَيْلَتَكِ» فخاطب امرأة بعينها ، فهل يتعدى خطابه إلى سائر النساء على المشهور الذي عليه أكثر الأصوليين ؟ أو يوقف الحكم على تلك العين التي خاطبها حتى يدل الدليل على تعديه إلى سواها كما يميل إليه القاضي رحمه الله في هذا الأصل على أصل كذا على الجملة ، و إن كان بعض أشياخي يرى أن هذا الحديث ربما خرج عن هذا الأصل لما فيه من التنبيه على التعليل ، فيكون طرداً من باب التعليل لا من جهة تعدي اللفظ إلى غير العين المخاطبة ، و هذا الذي قاله بعض أشياخي مما يتسع المقال فيه ، فإن قلنا إن ذلك لا يتعدى لم يكن في الحديث حجة و لا بيان لما في القرآن ، و إن قلنا بأن الحديث يتعدى من جهة لفظه لا من جهة تعليله كما قال بعض أشياخي ، نظر نَظَرُ آخر أدق من الجميع ، و هو اختلاف الأصوليين في العموم الوارد في القرآن : هل يخص بأخبار الآحاد ، لكون الخبر الواحد نصاً في
(1/399)
________________________________________
عين النازلة ، لكن الخبر مظنون لا يقطع على صدقه أم لا يخص القرآن ؛ لأنه مقطوع بنقله وصدقه ؟ فيكون أرجح من خبر الواحد ، هذا بعد تصفية ما قدمنا جميعه من النظر في الحقائق ، أو دعواه في حقيقة ومجاز ، هذه كلها نكت ذكرتها على الجملة ، فمن كان له أدنى فهم عرف ما وراءها ، وبعد عنده أن يكون هذا كله يعد من مسائل الأصول ، لكنها و إن كانت عندي من مسائل الفروع ، فقد قدمت ما يمنع الرجل عن هذا ، ولقد أذكر أني كنت صبياً حين راهقت الحلم بين يدي إمامي في الأصول رحمة الله عليه ، وكان أول يوم من رمضان وبات الناس بغير[334/3]عقد نية للصيام ، فقلت إن هذا اليوم ما نقضيه على مذهب بعض أصحاب مالك في رواية شاذة ، فأخذ بأذني أستاذي و قال لي : إن قرأت العلم على هذا فلا تقرأه ، فإنك اتبعت فيه بنيات الطريق ، جاء منك زُنَيْدِيق بهذه اللفظة تصغير زنديق ، فأنت ترى أيمتنا الذين كانوا يخافون الله عز وجل يباغلون في النكير على المتساهل في أمر الدين ، والخروج من مذهب إلى مذهب ، لما يؤدي إليه ذلك من الفساد ، و الله سبحانه عالم بأسرار العباد ، و قال عليه السلام : «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلى مَا لاَ يَرِيبُكَ» و في هذا القدر كفاية .
[إذا سكن الزوج في دار زوجته لا كراء عليه]
(1/400)
________________________________________
*و سئل الأستاذ أبو سعيد بن لب بما نصه : سيدي ومؤملي رضي الله عنكم تفضلوا بالجواب عن مسألة وهي أن العادة جرت في هذا الموضع بأن السكنى على الزوج خلاف ما في غيره من المواضع ، و إن كان للمرأة دار ، فإن الزوج يدخل على أن يؤدي كراء السكنى إن لم تمتعه الزوجة بالسكنى ، و هذا مستمر قديماً في هذا الموضع ، إلى أن صدر جواب من محلكم العلمي أعلاه الله أن المشهور عدم لزوم الكراء للزوج في سكنى دار زوجته ، لكن لم يكن في الجواب الذي جاوبتم عليه ذكر العادة المستمرة ، و لا فرق في هذا الموضع عند الزوج بين الدار والفدان والكرم ، فالمرغوب من جلالكم الجواب في ذلك ، هل يحكم بالعادة أو يرجع إلى صدر به جوابكم المتقدم أبقاكم الله عدة لزوال المشكلات ، و الله سبحانه يديم للمسلمين أيامكم ، والسلام الأتم يخص جلالكم العلمي ورحمة الله وبركاته ، من كاتبه مملوككم محمد العرماني أخذ الله بيده ونفعه بكم من سبطة حرسها الله بمنه .
(1/401)
________________________________________
=فأجاب : الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله ، وقفت وصل الله سيادتكم على مكتوبكم في المسألأة ، والحكم فيها على المشهور و ما جرى به العمل عند فقهاء قرطبة وغيرهم ، سقوط الكراء عن الزوج في سكناه دار الزوجة معها ، وبذلك جرت الفتيا على ما ذكره ابن رشيق وغيره ، ومثله ذكر ابن رشد في نوازله ، والدار في هذا بخلاف الأرض يستغلها ، على أنه وقع في[335/3]الطرر التسوية بينهما في أن لا شيء على الزوج في ذلك كله ، فإنه حكى عن ابن تليد أنها تأخذه بما قبض من مالها من عين أو طعام ، قال وإنما يرفع عنه ما كان من قبالة أرض زرعها ، أو دار سكنها ، سواء شكت منه سوء صحبة أو ثبت منه حسن الصحبة ، و هو قول علمائنا ، من الاستغناء انتهى . و هذا القول انبنى على أن ما يتوقف الغرم عليه على عقد كراء فلا غرم عليه فيه حتى يتعاقد عليه ، وهي التي فرطت على نفسها حين ملكت من ملكها و لم تذكر كراء ، والشأن في تلك العادة التي أشرتم إليها أن لا يطلب كراء إلا بعد طلاق أو موت ، و لا يطالب الزوج به في حال الزوجية ، وليس هذا سبيل الكراء ، وأيضاً فإن جعلت الكراء منصرف القصد بالعادة التي هي كالشرط ، كان كراء محرماً ؛ لأن الوجيبة غير معلومة عند التمكين ، والمدة مجهولة ، وأيضاًَ فإن الفقهاء الذين حكموا بسقوط الكراء على المشهور كما تقدم ، أطلقوا القول ، ومن المعلوم أن إسكان الزوجة على زوجها في الحكم الشرعي ، وهم ما فصلوا و لا قيدوا ، والسلام عليكم من معظّمكم فرج ورحمة الله وبركاته .
ووققع بطرة الجواب بخط المفتي المذكور ما نصه : واصل تلك العادة إنما هو حكم يجري من قاض بالموضع لجهله بالمشهور من غيره ، ثم يجري غيره بعده على ذلك السنن حتى يصير عادة بسبب الحكم المبني على جهالة ، والصحيح في الفقه القول الواقع في الطرر ، والسلام .
[من زوّج ابنته وأورد بيت بنائها أسباباً جملة ملكها بعضها وأبقى البعض الآخر]
(1/402)
________________________________________
*و سئل : أبو عبد الله السرقسطي عن رجل زوج ابنته فلما كان حين الدخول بها أورد بيت بنائها مع متزوجها أسباباً جملة ملكها أكثرها ، وامتنع من تمليك بعضها حتى يهب والد زوجها ابنه نصف ماله ، وبقيت تلك الأسباب موقوفة في تابوت بدار البنت ، لم يطلق والدها يدها على الانتفاع بها ، لكون والد الزوج لم يملك ابنه الزوج نصف ماله ، ثم إن والد البنت عزم على السفر لحجة الفريضة ، ففوض لزوجه أم بنته المذكورة تفويضاً تاماً مطلقاً[336/3]عاماً ، وجعل لها فيه تفويت الأصل فما دونه ، وعهد لها أيضاً بالايصاء على ابن له صغير منها ، وأمرها أن تملك ابنته الأسباب المذكورة التي احتبس بها إلى تمليك والد زوجها ابنه نصف ماله ، ثم بعد سفره توفي والد الزوج فورثه ابنه الزوج وزوجه ، فلما رأت أم ابنته قد ملك من مال أبيه أكثر من النصف بإرثه له ، شاورت قاضي ذلك الموضع في تمليك بنتها الأسباب الموقوفة ، فأذن لها في ذلك وصنع لها رسماً يتضمن : أنها أشهدت على نفسها أنها وهبت عن زوجها لابنتها تلك الأسباب ، وملكتها إياها وفعلت ذلك عليه بحكم التفويض الذي بيدها من قبله ، ولكونه أمرها أن تملك ابنته تلك الأسباب إن ملك والد زوجها ابنه نصف ماله ، و قد ملك أكثره بإرثه ، وتخلت لها عنها كما يجب ، ثم بعد هذا توفي والد البنت في أثناء سفره عن زوجه المفوضة وبنته ، وابنه الضغير المذكورين ، فهل يا سيدي يصح تمليك الزوجة المفوضة ابنتها تلك الأسباب الموقوفة ، إذ التفويض الذي بيدها مطلق لم يستثن عليها فيه شيئاً ، مع أمره لها بذلك إن ملك والد الزوج ابنه نصف ماله ، و قد ملك أكثره بالارث أو لا يصح لكون التفويض لم ينص فيه على أن جعل لها فيه مثل ذلك عنه نظراً كان أو غير نظر ، وأمره لها كان مشروطاً بتمليك والد الزوج ابنه نصف ماله ، و قد فات ذلك بموته لكون فات و لم يملكه ، وملكه إياه بعد موته ، هو بما أوجبه الله له ليس بتمليك أبيه له ، بيّنوا لنا
(1/403)
________________________________________
الحكم في ذلك مثابين مأورين ، والسلام عليكم .
=فأجاب : الجواب عن السؤال بمحوله أن الوكيل المفوض إليه ، ليس له بحكم التوكيل هبة مال مفوضة وإخراجه عنه على عوض ، و هذا المعنى قائم من وكالات المدونة ، منصوص عليه في غيرها ، وإذا وقعت الوكالة في تفويض أو غيره مخصوصة بوجه ، مقيدة بشرط ، فتعدى الوكيل وخالف شرط موكله ، لم يمض فعله عليه إلا برضاه ، أو بإمضائه بعد وقوعه ، ومن هذا ما ذكر في السؤال من أن المفوض إليه لا يهب الأسباب المنبه عليها فيه لبنت المفوض حتى يهب الأسباب المنبه عليها فيه ابنة المفوض حتى يهب والد زوجها له أعني لزوج البنت نصف ماله ، فوقعت الهبة بعد أن صار للابن من مال أبيه أكثر[337/3]من ماله بالارث منه لا بالهبة ، فلو لم يقع موت والد الزوج و لا هبة نصف ماله لابنه ، لبطلت الهبة في الأسباب ، ويبقى النظر في صحتها وبطلانها بعد حصول مقصود والد الزوجة و هو ملك زوجها لنصف مال أبيه بالميراث منه لا بالهبة ، فتحمل المسألة الصحة من جهة حصول مقصود والد الزوجة ، و لم يحصل بالوجه الذي شرطه ، ويحتمل البطلان من ناحية مخالفة الشرط ، ولست الآن أذكر فيها نصاً يخصها ، وأنا واقف عن الجواب فيها ، والسلام على من يقف عليه من كاتبه محمد السرقسطي .
[من أمتعته زوجته في مرضها وأسقطت عنه ما استغل من أملاكها]
*و سئل : ابن منظور عن رجل أمتعته زوجته في مرضها وأسقطت عنه ما استغل وانتفع في أملاكها ، ثم توفيت ليلة أشهادها له على نفسها بذلك رحمها الله ، وهل يصح هذا الامتاع أم لا ؟
(1/404)
________________________________________
=فأجاب : إن إسقاط المرأة حقها في مرضها لزوجها غير لازم ، لكن طلب الزوجة أو ورثتها للزوج ما اشتغل من مال زوجته وأكل من غير تمتع ، فيه قولان قيل لها أو لورثتها ذلك بعد اليمين أنها إن كانت هي الطالبة ما أسقطت ، وأن سكوتها لم يكن رضى بإسقاط ، و إن كان الورثة يطلبون ، حلفوا على عدم العلم أن الزوجة أسقطتـ ولابد من الحلف أنها ما أخذت شيئاً في مقابلة استغلال مالها إن كانت هي الحالفة ، و إن كان الورثة حلفوا على عدم العلم ، وقدر ما استغل واستحق طلبه هذا قول و هو مشهور ، وأفتى السيد أبو سعيد بن لب رحمه الله بعدم صحة الطلب بعد الموت ، وعمل بعض القضاة به ، فيحصل في المسألة قولان وعمل عليها ، فليجتهد القاضي ويصالح ، قاله ابن منظور
[من خطب يتيمة واتفقوا على الزواج بعدد معلوم وتغيب و لم يقع بينهم إشهاد]
وسئل : أبو العباس البقني عن رجل خطب بنتاً يتيمة معها أخوها ،[338/3]واتفقوا على أن الزواج بعدد معلوم ، وحوائج نفسرة ، وحضروا لمجلس واحد ، وعمل لهم طعاماً وأكلوا دون أن تقع شهادة بينهم ، وأعطاها أيضاً العصابة وألقتها على رأسها ، وعمل عليها طعاماً أيضاً ، ومشى الرجل مع الفرسان في حين السفر للغريبة في الأيام الماضية ومضى ، كيف قضى عليه وقيل إنه أسر وقام الآن ناس البنت يريدون تزويجها لغيره ، فما يكون الحكم في ذلك يا سيدي في واجب الشرع ، فهل ينظر لها تعقد مع غيره ، أم تجلس على خطيبها الأول ، بيّنوا ما حكم الله في ذلك مثابين مأجورين .
(1/405)
________________________________________
=فأجاب : يا سيدي وصل الله سعادتكم ، وحرس مجادتكم ، بعد السلام على سيادتكم ورحمة الله وبركاته ، تأملت مكتوبكم ، والذي يكون عليه عملكم في المسألة إن شاء الله أن لا نكاح بينهما ، وبهذا جرت عادة المفتين في هذه المسألة وأنه إذا لم يقع إشهاد ، فلا نكاح بوجه ، و لا توارث و لا عدة ، وذلك كله إنما هو منوط بالاشهاد ، فإذا لم يكن إشهاد فلا نكاح ، و قد كان شيخنا سيدي إبراهيم بن فتوح رحمه الله يستشكل هذه المسألة ولاسيما إذا عظم التراكن فيها مثل هذه المسألة ، فهذا ما عندي في المسألة ، والسلام معاد على سيدي ورحمة الله وبركاته ، من كاتبه أحمد بن البقني وفقه الله .
[من فقد في هزيمة بأرض الحرب منذ عام و لم تتحقق حياته من مماته]
*و سئل : بعضهم عمن فقد في هزيمة المسلمين بأرض الغربية منذ عام كامل ، وفقد فيها أناس كثيرون ، و لم تتحقق حياتهم من وفاتهم ، ونساؤهم يطلبن من القاضي رفع الأمر ، فما يكون العمل في هذه القضية ؟
=فأجاب : الذي جرى به عمل أهل الأندلس في المسألة ، أن يثبت عند القاضي حضور المفقود في صف القتال ، فإذا ثبت ذلك عنده أجَّله سنة من يوم يثبت ذلك عنده ، فإذا تمت السنة و لم يسمع له خبر ، اعتدت زوجته وقسم ماله بين ورثته الموجودين يوم الوقعة ، و إن لم يثبت حضوره في المعترك ، فحكمه المفقود في أرض الشرك في غير قتال ، يعمر في زوجته وماله ، وقيل يعمر[339/3]في المال فقط ، و يضرب له أجل أربع سنين في الزوجة ، كمفقود أرض الإسلام ، و السلام .
[من خطب إليه ابنته البكر و هي في حجره و تحت ولاية نظره فلم يجب بقبول و لا يرد]
(1/406)
________________________________________
*و سئل عن رجل خطب إليه ابنته بكراً في حجره و تحت ولاية نظره ، فلم يجل فيها بالقبول و لا بالردِّ ، فقام عمُّ البنت فزوجها من الخاطب المذكور ، و عقد عليها الناكح ، و أبوها حاضر ساكت لم يغير , و لم ينكر و لم يقل شيئاً ، فلما أراد الخاطب المذكور أن يصنع وليمة العرس ، و تهيأ له زوجته و تزفَّ إليه على زعمه ، قام الأب فقال له : إني لم أعطك شيئاً ، و لا بيني و بينك كلام ، و لا نكاح . فهل هذا يا سيدي سكوته و حضوره على ما فعل عمُّ البنت يكون رضى و موافقة منه ، و هل تلزمه يمين أنه ما كان سكوته رضى و موافقة منه .
=فأجاب : تصفَّحت ما كتب بمحوله ، و وقفت عليه ، و الجواب بتوفيق الله عن المسألة أن نكاح الرجل بنت أخيه البكر بمحضر أبيها لا يصح إلا بتوكيل من الأب ، و حضوره و سكوته لا يكفي في ذلك و لا يُعَدُّ توكيلاً ، و لا يمين عليه .
[من التزم لزوجه إجراء النفقة و الكسوة على أولادها من غيره]
(1/407)
________________________________________
*و سئل بلدينا الشيخ الفقيه القاضي أبو علي الحسن بن عطية الونشريسي رحمه الله ، عن رجل التزم لزوجه إجراء النفقة و الكسوة على أولادها من غيره في رسم ، قال فيه : إنها زوجته ، ثم بعد ذلك توفيت الزوجة المذكورة ، و استظهر الزوج المذكور بكتاب صداق تاريخه بعد تاريخ الالتزام المذكور ، و أراد الزوج المذكور الرجوع على الأولاد بما أجرة عليهم من النفقة و الكسوة ، و ذكر النائب عن الأولاد أن ذلك الالتزام إنما كان بعد عقد النكاح بين الزوجين المذكورين ، و استشهد على ذلك بقول الزوج المذكور في رسم الالتزام أنها زوجته ، و ذكر أن كتاب الصداق إنما كتباه و أشهد به بعد وقوع الزوجية بينهما ليبطلا به ما التزم الزوج المذكور من إجراء النفقة و الكسوة ، فهل القول في ذلك قول النائب عن[340/3]الأولاد المذكورين لما أقر به الزوج المذكور في رسم الالتزام أنها زوجته ، أو القول قول الزوج بما استظهر به من رسم الصداق المدعى فيه بما ذكر ، فبيِّنوا لنا ذلك مأجورين ، و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
(1/408)
________________________________________
=فأجاب رحمه الله بما نصه : الجواب و الله تعالى الموفق للصواب بفضله ، أن لا رجوع للزوج بما أنفق على أولاد زوجته ، و الرسم الذي استظهر به عليه لا له ؛ لأن النفقة على الربائب إذا التزمت قبل عقد النكاح أو بعد عقد النكاح لزمت ؛ لأنه تطوع و تبرع و إجلاب لمسرة الزوجة ، و إنما تكلم العلماء و الفقهاء في النفقة إذا كانت في أصل العقد مشترطة مع تسمية الصداق ، فإن كانت مؤجلة صحت عند ابن رشد من غير كراهة عند مالك و ابن القاسم ، و قال أبو محمد عبد الله بن الشقاق : إن مالكاً كرهها و إن كانت مؤجلة ، و قال : لم يكن ذلك من عمل الناس ، و سواء عنده ضرب أجلاً أو لا ، و هو مكروه . و على قول ابن القاسم : "إن ضرب أجلاً" فلا بأس به ، و إن لم يضرب لذلك أجلاً فمكروه عنده ، هكذا هو عند القضاة و الطلبة ، و كأنه يقول لي اسكتوا فإنكم لا تحسنون مجاب الرجال الذين ينازعون المنصوص ، و بقي من يقال له : اعمل و لا تتكلم . فهذه نصيحة نجازى فيها عند ربي عز و جل ، و كتب محبكم الحسن بن عطية .
و تقيد بعقبه ما نصه : بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا و مولانا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً ، أشهد الشيخ الفقيه العالم الجليل ، المدرس المفتي المقرئ الأسنى الأوجه الأنوه الأفضل الأكمل أبو علي الحسن ابن الشيخ الجليل الصالح المبارك الأفضل الأكمل المقدس المرحوم أبي الفضل عطية الونشريسي المذكور مجيباً فوقه ، أن الجواب المقيد عقب السؤال فوقه الذي أوله : "الجواب و الله الموفق للصواب" . و آخره : "و كتب محبكم الحسن بن عطية" . هو جوابه على النازلة المرسومة أعلاه ، و تقلد الفتيا به ، و شهد عليه بذلك ، و هو بحال كمال الإشهاد عليه ، و في سابع عشر ذي قعدة عام تسعة و ستين و سبعمائة ، و علم كونه من المتصدرين للفتيا بمدينة فاس بالقرويين حرسها الله تعالى .
(1/409)
________________________________________
=و أجاب عن هذه النازلة المذكورة الفقيه القاضي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد المالك الفشتالي بما نصه :
الحمد لله الجواب و الله الموفق ، أن التزام[341/3]الرجل النفقة و الكسوة التزام عطية و إرفاق للولدين قصد بذلك وجه المرأة ، و لا فرق في ذلك بين أن يكون ذلك بعد الزوجية لرجاء حسن العشرة ، و لاستمالة لجميل الصحبة ، و تأكد الغبطة ، أو قبلها لرجاء مسارعتها لإجابة خطبته ، و حثها على تزويجه ، و أياما كان ، فهي به تصريح منه بالدخول على عدم الرجوع ، و إنما يتصور الرجوع لو صرح بأنه إنما ينفق ليرجع ، أو وقع الأمر على السكت ، و لم تكن هنالك قرينة تعين أحد الجانبين ، و لا خفاء بشيء من هذا ، و الله الموفق ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته . و كتب محمد بن أحمد بن عبد المالك الفشتالي ، وفقه الله تعالى .
و تقيد بعقبه بخط الشيخ الفقيه أبي محمد عبد الله بن محمد الأوربي ما نصه :
الحمد لله ، ما قاله و أفتى به المفتي فوقه صحيح ظاهر , و الله الموفق المرشد ، و السلام على من يقف عليه .
و كتب عبد الله بن محمد الأروبي أصلح الله تعالى حاله بمنه و فضله : و مما يؤيد عدم رجوع هذا الزوج استمرار العرف و العادة أن الأزواج إنما ينفقون على أبناء زوجاتهم على أن لا يرجعوا ، و دعوى غير ذلك يكذبها العرف ، ما لم ينص على الرجوع . انتهى .
(1/410)
________________________________________
و تقيد بعقبه ما نصه : الحمد لله وحده أشهد سيدنا الشيخ الفقيه الجليل المدرس المفتي الحسيب الأصيل الأسنى قاضي الجماعة الأفضل الأشهر الأكمل أبو عبد الله محمد ابن سيدنا الشيخ الفقيه الجليل الخطيب البليغ الأكمل المرحوم أبي العباس أحمد بن عبد المالك الفشتالي ، و سيدنا الشيخ الفقيه الجليل المفتي الأسنى الأكمل أبو محمد عبد الله ابن الشيخ الفقيه الأجل الأسنى الأعدل الأكمل المرحوم أبي عبد الله محمد الأوربي المذكور فوقه ، أن الجوابين المذكورين أعلاه ، و هما المكتتبان عقب السؤال المذكور أعلاه ، عما جوابهما أفتيا به في النازلة المذكورة أعلاه ، و تقلدا الفتيا به في النازلة المذكورة ، و شهد عليهما و هما بحال كمال الإشهاد ، و في منتصف ذي حجة متم عام تسعة و ستين و سبعمائة .
[من تزوج امرأة ثيباً بولاية أخيها على صداق سمياه و شهد على الزوج و الولي بقرب ذلك]
*و سئل الفقيه أبو الضياء مصباح بن محمد بن عبد الله اليالصوتي رحمه[342/3]الله عن رجل تزوج امرأة ثيباً بولاية أخيها شقيقها على صداق سمياه و شهد على الزوج و الولي بتاريخ غدوة يوم الخميس القريب ، فروطاً عن تاريخه ، و شهد على الزوجة يوم الجمعة المتصل بيوم الخميس المذكور ، و كان الزوج المذكور رجع عن النكاح المذكور في عشي يوم الخميس المذكور ، قبل وقوع الإشهاد على الزوجة المذكورة ، فهل ترون أن النكاح ثابت أم لا ؟ بيِّنوا لنا ذلك بياناً شافياً مثابين على ذلك ، و السلام عليكم و رحمة الله .
=فأجاب : أكرمكم الله تعالى ، إذا ثبت ما ذكرتموه ، فليس للزوج المذكور رجوع ؛ لأن النكاح من جهته منعقد ، فإن أجازت الزوجة المذكورة النكاح المذكور بالقرب كما ذكر ، كان رجوع الزوج المذكور طلاقاً يلزمه نصف الصداق ، و بالله التوفيق . و كتب مصباح بن محمد بن عبد الله اليالصوتي ، و السلام عليكم و رحمة الله .
[
(1/411)
________________________________________
امرأة وصي على ابن لها من قبل أبيه عقدت له النكاح مع ابنة لزوجها و هي في شدة مرضها ]
*و سئل القاضي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد المالك الفشتالي عن امرأة وصي على ابن لها بالإيصاء من قبل أبيه ، و هذا الابن يعتريه جنون و صرع في أكثر أوقاته ، فهو غير قادر على التكسب ، و ليس له مال إلا ما استقر بيد الوصي المذكورة من ميراثه في أبيه ، ثم إن الوصي المذكورة مرضت مرضاً شديداً أشرفت منه على الموت ، فعقدت النكاح على الابن المذكور مع بنت لزوجها في شدة مرضها بصداق ثقيل لا يفي به ميراثه المذكور ، و توفيت من مرضها المذكور في غد يوم إنكاحه ، فهل يفسخ هذا العقد لوقوعه على هذه الأحوال ، و لما فيه من عدم النظر للابن المذكور ، و تعريضه للضيعة و الفقر ، أو لا يفسخ ؟ و إذا قلتم : إنه لا يفسخ . فهل يلزم الصداق الوصي المذكورة ، لكونها تعلم أن ماله في حال العقد لا يفي به ؟ و إن قلتم : إنه يلزمها ذلك . فهل يكون لورثتها حجة في كون الابن المذكور يرث من الوصي المذكورة ما يؤدي منه بقية الصداق ، و يفضل له إن احتجوا بذلك ؟ أم لا يكون ؟ فإذا قلتم :[343/3]إنها تكون . فهل تقابل هذا لحجة بكونه لا يفضل له إلا ما ينفق في أمر يسير ، و يبقى عالة على الناس ، مع ما به من العلة المذكورة ؟ بيِّنوا لنا ذلك كله بياناً شافياً تؤجرون .
=فأجاب : الحمد لله ، الجواب - و الله تعالى الموفق للصواب - أن عقد الوصي المذكورة النكاح على ابنها و هي على ما وصفتم من الأحوال مع ابنة الزوج التي هي في عصمته ، و هي مغلوبة معه على جل أمرها ، محل للتعقب و النظر ، فإن ظهر فيه عدم النظر و السداد فسخ و لا صداق لها إذا لم يقع بناء و لا دخول ، و بهذا يستغنى عن بقية السؤال ، و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته ، و كتب محمد بن أحمد الفشتالي .
(1/412)
________________________________________
و تقيد بعقبه ما نصه : الحمد لله ما قاله و أفتى به المفتي أعلاه صحيح ظاهر أتقلده و أفتي به ، و الله الموفق المرشد ، و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته ، و كتب عبد الله بن محمد الأوربي أصلحه الله تعالى .
[من له بنت رشدها و جعلها وصيّاً على بناته مع وجود أمهم]
*و سئل بلدينا الشيخ الفقيه القاضي أبو علي الحسن بن عطية الونشريسي رحمه الله ، عن رجل توفي و ترك زوجته حاملاً ، و ترك معها بنات ، و له بنت أخرى من غيرها قد رشدها و جعلها وصيّاً على بناته ، و كتب أيضاً للزوجة المذكورة إيصاء على ما في البطن ، و خلف من بعده دوراً و جنات ، و قد كان كتب الجنات للبنات على وجه تضمن ذلك رسم كتب في حياته ، ثم إن المرأة المذكورة وضعت ذكراً ، و بقي في حضانة أمه مع أخواته ، و بقوا كلهم في دار المتوفى المذكور ، ثم أرادت الوصي المذكورة أن تنقلهم من تلك الدار التي كانوا فيها ، و قالت : إنها تكريها ، و تسكن الأم مع بنيها في دار أخرى من دور الميت ، و قد أخذ كراء تلك الدار التي سكنت فيها الحاضنة بنيها هو من حسن النظر ، و أن بقاءها في تلك الدار ليس من وجه النظر ، و قالت الحاضنة : إن سكناها مع بنيها في غير هذه الدار مضرة عليها هي و بنيها ؛ لأن سكناها بهن فيما دعت إليه الوصي هو مما يؤدي إلى الكشف عليهن و عدم صونهن ؛ لأن البنات في سن من يخاف عليهن الفساد ، فهل يقبل قول[344/3]الحاضنة فيما قالت ، و تترك حيث كانت ؛ لأنها في حوطة و صيانة ، أو يقبل قول الوصي فتنتقل بهن حيث قالت الوصي ، و كيف إن ظهر رسم بيد زوج البنت الرشيدة الوصي يقتضي أن المتوفى أوصى بالثلث لابنه حفيد المتوفى بشهادة شهود لم يألفهم الميت في حياته ، و جميع ما بيده من عقود الأشرية لم تكن فيه شهادة واحدة ممن يشهد في رسم الثلث ، فهل في ذلك أم لا ؟
(1/413)
________________________________________
=فأجاب : الجواب - و الله تعالى الموفق للصواب ، أن القول قول زوجة الوصي ، و لا قول لربيبتها بالإيصاء ؛ لأن الزوجة أن البنات أقوى محبة ، و أثبت مودة ، و أحرص في صون بناتها أفلاذ كبدها ، و إسناد أبيهن الإيصاء بهن إلى أختهن ليس من حسن النظر ، بل هو أقرب إلى الضرر ، و هذا موجود عادة مستقرة لا ينكره إلا من عاند الحس ، و كابر المشاهدة ، و العلماء و الفقهاء يقيمون مظنة الشيء مقام التحقيق ، أقاموا النوم المستثقل مقام الحدث ، فأوجبوا الوضوء ، و أقاموا الخلوة مقام الزنى فجرحوه ، و في الموطأ عن سعيد إذا دخل الرجل على المرأة في دارها صدق عليها ، و إذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه ، بناء منه على انبساط الرجل في داره و انقباضه في بيت غيره ، لا سيما من شروط الحضانة حرز المكان في البنت يخاف عليها ، و قوله صلى الله عليه و سلم : « إِنَّمَا النِّسَاءُ لَحْمُ عَلَى وَضَمٍ إِلاَّ مَا ذُبَّ عَنْهُ » . فهذا يقوي ما قدمنا . قال أبو الحسن اللخمي روي عن مالك في كتاب المدنيين أنه قال في رجل توفي و ترك حشماً شتى ، فتزوجت الغلام ، فقالت أخته : أنا آخذه . قال : يأخذه أولياؤه . و قال ابن القاسم : ليس للأخت في ذلك مقال فلم يجعلا للأخت للأب حقّاً في الحضانة ؛ لأن العادة جارية بالشفقة و الحنان بين الأخوين للأم ، و التباغض و الشنآن بينهما إذا كانا للأب ، لاختلاف ما بين أمهاتهم ، و على ذلك يربون و ينشئون . قلت : فيجب على القاضي عزلها ، فإن قال قائل : وصي الأب . قيل له : الأب وكيل أولاده ، فإذا كان فيه حسن نظر ، و إلا ردَّ و لا يمضي فعله ، و ذلك بخلاف فعله في ماله ؛ لأن فعل الأب على بنيه فيه معنى الوكالة لغيره ، و لا يصح أن يكون وكيلاً لغيره من لا يحسن النظر . كذا قال اللخمي رحمه الله تعالى . فالواجب عزلها لم قدمنا ، و يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم : «لا ضَرَرَ وَ لاَ ضِرَار » .
(1/414)
________________________________________
و لا ضرر أكبر من[345/3]تمكين العدو من عدوه ، و الشريعة جاءت بنفي الضرر ، و الرسم الذي ظهر للحفيد بشهود لم يألفهم الميت إن كانوا صلحاء فضلاء قبلوا ، و إن كانوا غير معروفين أتوا بمن يعدلهم من شهود وقتنا و حكام دهرنا ؛ لأنهم اطلعوا على الزور و الخيانة و عدم الأهلية مما يستحق به فاعله الضرب الوجيع و الإهانة ، و لم يعزلوا و لا ثربوا ، بل جادلوا على الباطر و زوروا {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} ، و هذا وظيف القاضي فيرد ذلك أو يمضي ، و هو مسئول عن الجميع . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كُلُّكُمْ رَاعٍ وَ كُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » . و هذا ظاهر جلي ، و استوجبوا عندهم العدالة بصلاح تقدم للجدود ، فقل نعم الشيوخ و لكن بئس ما ولدوا(1)إذا قدم في البلد ، و هذا لا يعده فضيلة إلا الأوغاد و الأغبياء ، و يرحم الله علي بن أبي طالب إذ يقول : "قدر كل امرئ ما يحسنه"(2). و بعيد عند الفقهاء العقلاء أن ينال منازل أهل الشرف ، من هو من أهل الترف ، و لقد أحسن القائل :
و أحق من نكسبه بالرغم من درجاته . . . من فجره من غيره و سفالة(3)
و في دون هذا كفاية لمن ألهم رشد نفسه ، و يضن بما يلقى في رسمه .
و كتب محبكم في الله تعالى الحسن بن عطية الونشريسي لطف الله به .
[ما تقدمه المرأة لزوجها من أثواب يلبسها عند البناء ثم تطلبه بذلك]
*و سئل بعض الفقهاء عما تخرجه المرأة لزوجها من أثواب يلبسها عند البناء ، ثم تطلبه له عند مشاجرة أو طلاق أو لغير سبب .
__________
(1) في المطبوعة هنا بياض في النسخ .
(2) ؟ ؟ ؟
(3) كذلك في سائر النسخ ، و هو بيت لا يستقيم وزناً و لا معنى .
(1/415)
________________________________________
=فأجاب : ما أخرجه أحدهما لصاحبه قبل العقد على وجه الهدية ثم وقع النكاح ، فلا رجوع للمعطي فيما أعطى بعد الفراق ، و لا قبل البناء و لا بعده ، و أما إن كان بعد العقد نظر ، فإن كان ذلك على وجه الاستفزاز و طلب[346/3]الثواب ، فله الثواب ، و إن لم يكن على ذلك ، فلا ثواب له ؛ لأنه استجلاب للمودة أو لتأكيدها ، فإن طلقها بقرب العطية فترجع هي في عطيتها و لا يرجع هو ، و إن بعد بين العطية و الطلاق ، لم ترجع ؛ لأن ذلك لأمر حدث ، و الله أعلم .
[ما تخرجه المرأة في شورتها من الثياب باسم الزوج ثم تدعي أنها عارية]
*و سئل ابن رشد عما تخرجه المرأة في شورتها من الثياب برسم الزوج ، كالغفارة و المحشو و القميص و السراويلات ، و ربما لبس ذلك الزوج بعد بنائه بها ، و ربما لم يلبسه ، ثم تذهب هي أو وليُّها إلى أخذه ، و تزعم أنها عارية ، و أنها جعلته على طريق التزين لا على وجه العطية .
=فأجاب : إن كان لهذه الثياب عرف في البلد قد جرى به العمل و استمر عليه الأمر ، حكم به للزوج ، و إن لم يكن في ذلك عرف معلوم ، فالقول قول المرأة أو وليّها فيما يدعيان من العارية أو التزيين ، قال ابن المواز : ما دخلت به من نساج و عمامة و سراويل ، رونطقة أو رداء أو قميص أو عباءة ، فطلقها فطلبت ذلك ، فهو لها ؛ لأنه من جهازها إلا ما أبلاه الزوج .
[من تزوج امرأة و أخرجت إليه من شورتها شققاً ثم ماتت فطلبه الورثة بها ]
*و سئل ابن المكوي عمن تزوج امرأة و أخرجت إليه من شورتها منديلاً بشقق فيه ، فاستغنى الزوج عن قطع شيء منها ، ثم ماتت فطلب ورثتها إدخالها في التركة ، فلمن هي ؟
=و أجاب غيره : الشقق موروثة ؛ لأنها من شورتها التي خرجت بها إليه ، بعد يمين الورثة أنهم لا يعلمون أنها وهبتها إليه ، إن ادعى الزوج ذلك ، و لهم[347/3]رد اليمين عليه ، فإن أقام عدولاً على هبة مبتوتة و حازها في صحتها و جواز أمرها ، و لم يكن عندهم مدفع ، فهي له .
[
(1/416)
________________________________________
مملوكة عقد عليها النكاح ، ثم ثبت أنها حرة الأصل]
*و سئل بعض الفقهاء عن مملوكة عقد عليها النكاح بحكم الإجبار على أنها مملوكة للعاقد ، ثم ثبت أنها حرة الأصل ، فهل ينفسخ نكاحها ؛ لأنها حرة بكر زوجها بحكم الإجبار من لا يملك الإجبار عليها أم لا ؟
=فأجاب : وقفت سيدي على القضية أعلاه ، و ما اقتضاه نظركم فيها هو الواجب بالشرع ؛ لأن الزوجة المذكورة مجبورة على النكاح المذكور ، و عقد عليها بولاية الملك لا بغيرها ، فلما ثبتت الحرية المذكورة ، ثبت أن العقد عليها بالملك لم يصادف محلاً في نفس الأمر ، فوجب فسخ النكاح للمعنى الذي أشرنا إليه ، و لفوات الولاية و توكيلها من يعقد نكاحها ، فهذا ما عند محبكم في المسألة ، و الله سبحانه يحفظكم ، و السلام عليكم .
[ابنة بالغ هربت من دار أبيها مع رجل ثم استبرأها فزوجها منه ثم طلقها قبل البناء]
*و سئل بعضهم عن رجل له بنت بالغ في سنها ، هربت من دار والدها مع رجل ، و أقامت معه أياماً على الفساد ، ثم بعد هذا أخذها والدها و ردَّها لداره ، و استبرأها بثلاث حيض ، و زوجها من الرجل المذكور الذي هربت معه ، ثم إن الرجل طلقها قبل الدخول بها ، إلا أنه جعل لها في رسم الطلاق أنه طلقها بعد البناء ، و سئل عن ذلك فقال : قبل البناء كان طلاقها ، إلا أني جعلت بعد البناء ، و ثم بينة عادرة تشهد أن الطلاق هو قبل البناء . و طلبت الآن للزواج ، فهل تعتد قبل أن تتزوج ، أو لا تلزمها عدة لكونها مطلقة قبل البناء ؟ و هل يجبرها والدها على الزواج دون إشهاد عليها لكون بكارتها زالت بالزنى ؟ أو لا يجبرها و يشهد عليها ؟ بيِّنوا لنا ذلك .
=فأجاب : إن البنت المعقود عليها إن لم يعلم لها بمتزوجها خلوة فلا عدة[348/3]عليها و لوالدها أن يعقد عليها جبراً من غير استئمار ، و إن عقد عليها بإذنها فهو الأولى للخروج من الخلاف .
[من صنعت لزوجة ابنها حوائج ظلت تلبسها مدة ثم قامت تطالبها بها ]
(1/417)
________________________________________
*و سئل عن امرأة كانت متزوجة لرجل كان له أم ، و أن أم الرجل صنعت لزوج ابنها حوائج للباسها ، و اشترت لها حوائج كذلك ، و صارت زوجة الابن تلبس الحوائج و تحضر بها في الولائم مدة من اثني عشر عاماً ، و من الأسباب ما هو من ثمانية أعوام ، و من ستة أعوام ، و بقيت زوجة الابن المذكور مع الأم المسماة على هذا الوجه مدة من خمسة عشر عاماً حتى توفي زوجها ، و بعد وفاة زوجها بقيت معها نحو عامين اثنين ، و بعد هذا ماتت الذرية التي كانت معها من الرجل ، فبعد وفاة الذرية أخذت زوجة الابن المذكورة جميع ما كانت تلبس من الحوائج التي صنعت الأم بسببها ، و خرجت بها لنفسها لدارٍ أخرى ، و تزوجت و حملت الحوائج معها ، ثم قامت أم زوجها الأول التي صنعت الحوائج تدعي أنها ما وهبت لها الحوائج و لا ملكتها لها ، و إنما صنعتها لها على وجه الزينة ، و العارية طول بقائها مع ابنها ، و زوجة الابن المصنوع لها الحوائج تدعي الآن أن بعض الحوائج اشترتها لها أم زوجها المذكورة من دين كان لها قِبَلَها ، و تدعي في بعضها أنها لها ما لها و ملكها اشترتها لنفسها بمالها و متاعها ، و الحوائج الآن كلها تحت يد زوجة الابن ، فبيِّنوا لنا سيدي لمن يقضى بهذه الحوائج منهما .
=فأجاب : الجواب أن ما عرف أصله لأم الرجل من الأسباب التي وقع النزاع فيها و ثبت لها شراؤها إياها ، فالقول قولها ، أنها لم تملكها لزوجة ابنها ، و إنما متعتها فيها على وجه الزينة مدة زوجيتها مع ابنها ، و أن ما اشترته منها فهو من مالها و متاعها بعد أن تحلف على ذلك كما يجب ، فإن لم تحلف قضي بها لزوجة الابن ، و قول زوجة الابن أنها اشترتها لها من دين كان لها عليها دعوى لا تقبل إلا بينة ، و حيث يقضى لأم الرجل باسترجاع ما ثبت لها أصله[349/3]من الأسباب ، فإنما تأخذ منها ما وجدت عينه ، و ليس فيما سخرت زوجة الابن منها كراء ، و لا فيما استهلكت بالسخرة قيمة .
[
(1/418)
________________________________________
مسائل سئل عنها المؤلف و أجوبتها ]
*و كتب إلي يسألني الفقيه العدل و البركة الفاضل أبو العباس أحمد ابن الشيخ المبارك الصالح أبي عبد الله محمد الخالدي أكرمه الله عن عدة مسائل بما نصه : الحمد لله وحده ، و إليه يرجع الأمر كله ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، إلى السيد الفقيه المدرس المحقق العالم العلامة المفيد الحافظ القدوة ، فاتح أقفال الغوامض و المعضلات ، و مظهر أسرار المشكلات ، سيدنا و بركتنا ، و إمام عصرنا ، و مصباح زمننا ، سيدي أبي العباس أحمد ابن الشيخ الفقيه المنعم المبرور المقدس المرحوم بفضل الله تعالى أبي زكريا يحيى الونشريسي أبقى الله تعالى بركاته ، نرغب إليكم في جوابكم الشافي بما ثبت عن الأئمة المتقدمين نصّاً ، أو بما أفتى به مشايخ الدين من المتأخرين تخريجاً ، أو بما ظهر لكم بسديد نظركم قياساً ، و تبيِّنوا لنا من المسائل المقيس عليها عن مسائل قد أشكلت علي و لكم الأجر ، و السلام عليكم .
منها : إذا قال الرجل ابنتي فلانة قد أعطيتها لولد أخي أو لولد فلان ، و الولد صغير و ليس له وصي و لا مقدم من قاض يقبل له النكاح ، و بقي الأمر إلى أن بلغ الصبي و أجاز ذلك العقد ، هل هو نكاح فاسد أو صحيح ، و هل هو من باب إيجاب النكاح إن كان إيجاب النكاح لا يفتقر إلى القبول بالقرب ، و كيف إن كان له كافل و قبل له النكاح بالقرب ، هل قبوله عامل إذا قبل الصبي بعد بلوغه ، أم لا ؟ و إن قلتم بصحة النكاح في الفرض الأول إن زاد فيه إن خرج مثلاً طالباً أو فارساً و خرج كما شرط ، هل يلزم البنت هذا النكاح أم لا ؟
(1/419)
________________________________________
و منها : إذا ضاع رسم الصداق للزوجة ، أو لم يكونا كتبا رسماً ثم تطالب الزوجة بالكالئ ، و تقول : رفعت لي فيه كذا . و يقول لها : لم أرفع لك شيئاً في الكالئ . أو رفعت لك كذا و كذا ، لشيء لا يشبه ، فهل يقبل قولها ، أن أتت بما[350/3]يشبه ، أو يحكم لها بكالئ المثل إن أتت بما لا يشبه ؛ لأن العرف جار بالكالئ ، و القول قوله ؛ لأن الأصل براءة الذمة ، و كيف أن مات الزوجان أو أحدهما ؟
و منها : إذا طالبت الزوجة أو وليها الزوج بالبناء ، و أعسر بالنقد و ضرب له الأجل ، و حكم عليه بإجراء النفقة و الكسوة ، هل للزوج أن يكسوها من صداقها ؛ لأن من حجته أن يقول : لا تلزمني كسوة إلا بعد أن تخلق شورتها . أو ليس له ذلك ؛ لأن الزوجة تقول : أنا لا يلزمني إلا التجهيز به عند إرادة البناء .
و منها : إذا أرادت الزوجة أن تشتري بنقدها ملوطة(1)مثلاً ، أو قطيفة ، أو خادماً ، و ليس فيه فضل عن ذلك ، و قال الزوج : لا تشتري به إلا ملحفة و قباء ، مثلاً ، و كنبشاً و ما تمتهن في كل يوم ، لأني لا يلزمني كسوة حتى تخلق لها . هل يعمل على قول الزوج أو على قول الزوجة ؟ فإذا قلتم بشراء ما قال الزوج ، هل لها أن تقول : الملحفة في حقي زينة لا ألبسها كل يوم ، و إنما تأتيني بما ألبس كل يوم . أم لا ؟ و كيف عن أرادت الزوجة أن تقبض الدراهم ، و تقول : أنا أشتري ما يصلحني . و يقول الزوج : لا أدفع الدراهم ، و إنما تشتري أنت . و الزوج أو الولي يقول ذلك .
و منها : إذا طالبت الزوجة الزوج بعد البناء بالنقد ، و قالت له : دخلت دون دفع . أو ليها ، و أنكر ذلك الزوج ، و حلف على ذلك ، هل له أن يطالب الزوجة أو وليّها بالتجهيز ؟ لأنه يقول : أتتني بلا شورة ، لأنك قلت : لم تقبض ما تتشور به . أم ليس له ذلك ، و لا يلزمها التشور و لا وليها .
__________
(1) ؟ ؟ ؟
(1/420)
________________________________________
و منها : من خالع زوجته و قال الموثق في الوثيقة اختلعت له بكالئ صداقها قبله و أبرأته من جميع المطالب كلها ، و قد كان أشهد لها في رسم صداقها أو في غيره بما بقي عليه من النقد ، أو لها عليه دين من سلف أو غير ذلك ، هل يدخل ذلك في عموم الإبراء أم لا ؟ و إذا قلتم بدخوله ثم راجع الزوج الزوجة ، و قال الموثق في رسم الرجعة : راجعها على أن بذل لها كذا و كذا[351/3]و أعادها على كالئ صداقها ، هل يعود عليه ما أشهد به مما بقي من النقد بهذا اللفظ أم لا ؟
و منها : من قال عليه الطلاق بالدين هل يلزمه ذلك أم لا ؟
و منها : من قال في يمينه : و حق الله تعالى . هل تلزمه الكفارة أم لا ؟ و كذلك : يعلم الله . بلفظ المضارع ، أو إن شاء الله ، هل هذه أيمان أم لا ؟ و كذلك إذا قالت المرأة بالسنة تلزمها ، أو في رقبتها و لم تذكر صوماً ، أو بالسنة فقط ، هل يلزمها الصوم أم لا ؟
و منها : بيع الحاضن إذا لم يضمن الشهود معرفة السداد في الثمن ، و أنه أحق ما بيع ، أو لا يملك غيره ، و صغر المحضون ، و كونه في حضانة البائع ، هل هو بيع لازم للمحضون ، و يحمل الحاضن على أنه ما باع إلا بعد وجود هذا الأشياء أم لا ؟
و منها : الراهن إذا فوض في بيع الرهن للمرتهن و صدقه في البيع و أسبابه دون مشورة قاض و لا سواه ، و قلنا بإعماله على القول به ، ثم إن الراهن مات فهل للمرتهن أن يبيع دون مشاورة الورثة ، أو ليس له أن يبيع إلا بعد مشاورتهم ؛ لأن الحق قد انتقل إليهم ؟
و منها من اكترى دابة إلى مكناسة(1)مثلاً كل يوم بدرهم ما طال سفره ، و ربما زاد على ذلك الموضع ، هل هو كراء فاسد أم لا ؟
و منها : إذا كان راعيان أحدهما يرعى خيلاً مثلاً ، و الآخر يرعى بقراً ، ثم يرد أحدهما على صاحبه في المسرح أو في المورد أو يردان معاً ، ثم يضرب عرض فرساً هل تلزمهما معاً إذا أوردا معاً أو الوارد منهما ، أو لا تلزمهما ؟
__________
(1) ؟ ؟ ؟
(1/421)
________________________________________
و منها : إذا عدت الماشية على زرع فأكلته ، أو أفسدته ، و كان معها راعٍ ، أو لم يكن ، و كان ذلك في ليل أو نهار ، و الأرض أرض مزارع و مساريح ، كيف الحكم في ذلك ؟
و منها : إذا قال الموثق في عقد الضمان : ضمن فلان لفلان أداء كذا و كذا[352/3]عن فلان في جميع أحواله . هل للمضمون له أن يطالب من يشاء منهما ، أو لا يطالب الغريم في حضور الضامن ؟ و كيف إن اجتمع رهن مفوض في بيعه و ضامن ، هل رب الحق مخير يطلب الضامن أو يبيع الرهن أو يتعين عليه أحدهما ؟
و منها إذا مات الوالد بعد دخول ابنته البكر ، و قبل بلوغها السبع سنين ، هل يحكم لها بحكم اليتيمة أو بحكم ذات الأب ؟
و منها : إذا سكت أحد الورثة عن حقه ، و بقي الآخر يستغل و يكري و يسكن ، ثم يقوم يطلب حقه في الغلة و الأصل ، أو مات و قام ورثته ، أو قام على ورثته الحائز ، هل يعد سكوته هبة لما استغل أم لا ؟
و منها : إذا كان الرجل ينفق على ولده أو ولد أخيه ، أو أجنبي إلى أن يبلغ و يصير يأخذ بيده في جميع أموره كلها ، و ربما يسافر بمال المنفق ثم يطالب المنفق و يقول له : المال بيننا نصفين ؛ لأنه بسبب قيامي نما . هل له شيء أم لا ؟ و إذا قلتم بإعمال قوله هل للمنفق أن يحاسبه بجميع النفقة ، أو لا يحاسبه إلا من يوم بلغ ، و من أي وقت تقدر خدمته ؟
و منها : إذا زوج الوالد أحد الأولاد في صحته و دفع عنه الصداق ، ثم يمرض فيقوم يعين لمن لم يزوجه شيئاً ، و يقول لهم : هذا في مقابلة ما زوجت به فلاناً . هل هذا الفعل ينفذ على الأولاد أم لا ؟ و إذا قلتم بإعماله و نفوذه إذا طلب ذلك الأولاد بعد وفاة الأب ، هل يكون لهم ذلك أم لا ؟
و منها : من ادعي عليه بشيء ، و أنكر ذلك من حيث وجبت عليه اليمين ، و أراد أن يصالح عليها بشيء إلى أجل ، هل يراعي في ذلك دعوى المدعي ، أو يجوز ذلك مطلقاً ؟
(1/422)
________________________________________
و منها : فيمن ادعى على رجل بسرقة ، و قدمه إلى حاكم ، و عدي عليه ، و أخذ منه مالاً , و لم تثبت السرقة ، هل يلزم المدعي ما خسر المدعى عليه ، أو لا يلزمه ؟ و كيف الحكم إن ثبتت السرقة بعد أن أعطى عليها المدعي مالاً لمن يقر له عليه ، هل يلزم السارق ذلك أم لا ؟
[353/3]و منها : إذا قامت المرأة و أثبتت مغيب زوجها بحيث لا يعلم ، و أنه لم يترك لها نفقة ، و الشروط المشروطة في حقها الموجبة لطلاقه ، و عمل القاضي تأجل شهراً ، ثم إنها لم تقم إلا بعد شهرين أو ثلاثة أو أكثر من تاريخ التأجيل ، هل يكفيه ما أثبت أولا ، و تحلف و تطلق نفسها استصحاباً لما ثبت ، أو لا بد لها من إثبات ما أثبتت ثانياً ، لاحتمال أن يكون قدم من مغيبه ، أو بعث إليها بشيء ، و إذا كان لهذا الغائب زوجتان و قامت إحداهما و أثبتت ما أثبتت و أجلت ، هل ضرب الأجل لها ضرب للأخرى أم لا ؟ لاحتمال أن يكون ترك لهذه شيئاً أو بعث لها به ، لا سيما إن كانت كل واحدة منهما بدار على حدة ، و من يوقع الطلاق على هذا الغائب أو على الحاضر المعسر بالنفقة ، هل الحاكم أو المرأة بإباحة الحاكم ذلك لها ، أو الفرق بين الحاضر و الغائب ؟
و منها : هل للحاضن أن يوكل عن محضونه ، أو لا يوكل عنه ؟ و إذا قلتم بالتوكيل ، هل يجعل الوكيل القبض و الإبراء من بعد القبض ، أو لا يجعل له إلا إظهار الحقوق ؟
و منها : إذا اتفق الزوج و الزوجة على إسقاط الجنين قبل أربعة أشهر ، هل يسوغ ذلك أم لا ؟ و إذا قلتم بجوازه هل يجوز ذلك للزوجة و إن لم يوافق الزوج أم لا ؟ و إذا قلتم بالمنع و فعلت ذلك المرأة و أسقطته ، هل تلزمها الغُرَّة(1)أم لا ؟
و منها : إذا أفزع الزوج زوجته ، أو غيرها ، إما بصيحة أو علاها بحديدة ، أو أتاها بمن تفزع منه بحرسي(2)أو غيره ، فألقت الجنين هل تلزمه الغرة أم لا ؟
__________
(1) ؟ ؟ ؟
(2) ؟ ؟ ؟
(1/423)
________________________________________
و منها : هل يسوغ للإنسان أن يفضل نفسه في الأكل و الشرب على والديه ، أو ولده ، أو زوجته مع عدم التقتير عليهم في حقهم بما يشبه أكل مثلهم ، أم لا يسوغ له ذلك ؟ أو يسوغ في بعضهم و لا يسوغ في البعض ؟
و منها : إذا أعطى الرجل للمرأة ما تفتدي به من زوجها ، أو أعطاه هو من يده لزوجها بأمرها على أن يتزوجها ، أو كان ينفق عليها في العدة ، أو في غير العدة على ذلك ، ثم لم يكن بينهما نكاح ، إما منها أو منه ، أو انعقد النكاح بينهما ، و لم يبق إلا توكيل الولي ، و إعطاء الزوج للشهود ، و يشيع لها ما جرت[354/3]العادة بتشييعة في ليلة العقد ، ثم طال الأمر و لم يقع إشهاد على الولي ، ثم إنها بدا لها في ذلك ، هل يلزمها في هذه الوجوه شيء مما خسر الزوج أم لا ؟ و هل يرد الشهود الأجر ؛ لأن النكاح لم يتم ، أم لا ؟ و هل يسوغ للشاهد أن يطلب إجارة أخرى إذا أرادوا تكميله أم لا ؟
فهذا ست و عشرون مسألة ، المراد من الله ثم منكم الجواب عليها ، و لكم الأجر ، و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
فأجبت عن جميعها بما نصه : الحمد لله حمداً يتجدَّدُ و يتوالى ، و الصلاة على سيدنا و مولانا محمد صلاة نجد بركتها في الآخرة و الأولى ، و بعد : فإنك أيها الأخ العظيم مقداره ، الشريفة مآثره و آثاره ، سألتني الجواب عن أسئلة صعبة المرام ، متعلقة بالحلال و الحرام ، لا يهتدي لحل مقفلها إلا الجهابذة العلماء الأعلام ، و الفضلاء الأماجد الكرام ، فأقول مستعيناً بالله و متوكلاً عليه ، و متبرئاً من الحول و القوة إليه :
(1/424)
________________________________________
=الجواب الأول عن المسألة الأولى : أن النكاح الواقع على الصفة المذكورة صحيح ، قال القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي في ترجمة ما لا يجوز من النكاح ، محتجاً للقول بصحخة النكاح الموقوف ، ما نصه : و الدليل على جواز النكاح الموقوف من جهة القياس ، أن كون النكاح موقوفاً على إجازة مجيز لا يمنع صحته ، أصل ذلك إذا كان موقوفاً على القبول ، فساق رحمه الله موضوع نازلتكم موضوع مساق الاحتجاج ، و لا يحتج بمختلف فيه ، و اشتراط كونه طالباً أو فارساً مما يفسد النكاح ، لما فيه من المخاطرة و الغرر ، و إذا لزم الزوج أن يترك الطلب و الفروسية فالنكاح به نكاح فيه خيار كالنكاح بالجعل .
=و الجواب عن الثانية : أن البلد إذا كان معروفاً بالكوالئ ، فمن ادعى من الزوجين ما يشبه كالئ مثلها ، كان القول قوله مع يمينه ، و كذلك في قدر الصداق ، و بهذا أفتى أبو صالح أيوب بن صالح ، و قال محمد بن معمر بن لبابة : يقال للمرأة أقيمي البينة أن زوجك أوجب لك ذلك على نفسه كالئاً ، فإن لم تقم البينة لم يجب لها شيء إلا يمين الزوج إن كان باقياً يريد ، أو ورثته[355/3]على نففي العلم إن كان فيهم من يظن به العلم ، و إن كانوا غيباً أو صغاراً فلا ، و إنما صداق المثل في التفويض أو في النكاح الفاسد ، مثل القيمة في البيع الفاسد إذا فات ، و ليس ما سألتم عنه حفظكم الله من ذلك .
(1/425)
________________________________________
=و الجواب عن الثالثة : أن الزوج إذا أعسر عن النقد قبل البناء و ضرب له أجل سنتين في قول أشهب أو ثلاث في قول ابن وهب ، أو ما يرى القاضي في قول ابن القاسم ، و أوجبنا لها عليه إجراء النفقة و الكسوة في خلال الأجل المضروب له ، فلا تكون النفقة و الكسوة إلا من ماله الخاص به ، لا من نقد المهر و لا من كالئه ، و لو فرضناها عليه من مهرها لما كان عليه في منعه منها حتى يؤدي النقد فائدة ؛ لأن الصداق عندنا يجب لأول الملاقاة ، و النفقة لدوام الاستمتاع أو التمكين منه ؛ لأن قاعدة المذهب أن التمكين كالاستيفاء ، و لهذا تجب عندنا بالدخول أو بالدعاء إليه مع إطاقة الزوجة الوطء و بلوغ الزوج ، لا بلوغ وطء على المشهور ، و أيضاً المنصوص لابن القاسم و ابن وهب و أصبغ و ابن عبد الحكم ، أنه إذا فرق بينهما بعد الأجل لاتصال عسرته ، أنها تتبعه بنصف الصداق كله ، و لو كانت النفقة و الكسوة في خلال الأجل من صلب الصداق لقالوا تتبعه بعد الطلاق بما أبقياه من نصف الصداق ، إلى غير هذا من اللوازم التي لا يبوء بها من له أدنى تحصيل في الفقهيات ، و أيضاً لو اقتطعت النفقة المقتضى بها عليه بعد الدعاء إلى الدخول من المهر في أيام التأجيل ، لكان كالمناقض لأصل الحكم عليه ، و هذا شيء لا يقال .
(1/426)
________________________________________
=و الجواب عن الرابعة : أن المرأة يقضى عليها على المشهور أن تتجهز إلى زوجها بصداقها ، قال ابن عات في طرره عن بعض المفتين : "أؤكد ما يجعل فيه النقد ما يتوطآنه و يتغطيانه من القراش و المرفقة و الملحفة و اللحاف ، فإن فضل شيء ففراش يجلسان عليه ، و نحو ذلك ، و إن لم يفضل شيء فعلى الزوج أن يبتاع ما يفترشانه و يتوطآنه و يرقدان عليه ؛ لأن ذلك يلزمه لها ، و على الأب أن يخرجها بكسوة بذلتها سواء كان كساها قبل النكاح أو بعده ، و ليس له إخراجها عريانة كالخادم إذا بيعت ، فإن كانت خلقة كان على الزوج أن يكسوها ؛ لأن ٍ[356/3]كسوتها عليه"(1). انتهى . و قال ابن مزين : "على المرأة أن تتجهز إلى زوجها بصداقها ، و تتخذ له الأفرشة و اللحاف و المتاع و الصحفة و القدح و الخادم إن حمل ذلك الصداق ، كما أنه ليس للزوج أن يسكنها بيتاً لا سقف له ، و لا طعام فيه ، و لا إدام و لا معاش ، و كذلك ليس لها أن تخرج إليه بغير فراش و لا وطاء ، و إنما يتزوج إلى أهل بيت و شوار و تتزوج المرأة لتخرج إلى مسكن و طعام و معاش و زوج يقوم عليها"(2). انتهى . لا يقال : إنما قال ابن مزين على المرأة أن تتجهز بصداقها و تتخذ به الأفرشة و اللحاف بحيث يطلبها الزوج بذلك ، و فرض النازلة المسئول عنها أن الزوج مسقط لحقه في الغطاء ، و طالب من الزوجة صرفه في كسوتها فقط ، فبين المستدل به و المستدل عليه بون بعيد ؛ لأنَّا نقول : لا يلزم من إسقاط الزوج حقه فيما ذكر في نازلة السؤال ، إسقاط حقها هي فيه إذ لم يتمحض الحق فيه للزوج حتى يسقط بإسقاطه وحده ، بل هو قدر مشترك بينهما ، و ما هذا سبيله لا يسقط بإسقاطه أحدهما بل بهما معاً .
__________
(1) ؟ ؟ ؟ عزو ؟ ؟ ؟
(2) ؟ ؟ ؟ عزو ؟ ؟ ؟
(1/427)
________________________________________
فإذا تقرر هذا فالقول قول الزوجة في صرف النقد في القطيفة و ما جانسها ، فما مر من النصوص و النقول ، فعلى الزوج أن يكسوها إن لم يكن في النقد فضل لسوى القطيفة كسوة مثلها ساعتئذ ، قال أبو إبراهيم إسحاق : إذا كانت الزوجة ممن لا ينتهي صداقها إلى أن يقام منه غطاؤهما و وطاؤهما و نحو ذلك ، لقلته و تفاهته ، فإن لها أن تأخذه بالكسوة بعد ما يدخل إن طلبته بها ، و الواجب للزوجة أو وليّها قبض النقد عيناً ثم يشتريان ما يصلح لجهاز مثلها إلى مثله ، و لا يجاب الزوج إلى ما دعا إليه ، لما في ذلك من التحجير و فسخ الدين في الدين ، نعم إن التهمت الزوجة أو وليّها بالغيبة على شيء من الأثمان ، لزمها إن كانا للظنة و التهمة أهلاً حتى يشتريان بجملة النقد ما يصلح للتجهيز من الأعيان .
=و الجواب عن الخامسة : أن قيام الزوجة عليه بعد الدخول إن كان بعد مضي زمان قدر انتفاع الزوج بالشورة في مثله ، فلا متكلم له ، و إن حلف برئت ذمته منه ؛ لأن سكوته هذه المدة يعد تاركاً لحقه من التجهيز به إليه ، و إن كان قيامها بإثر الدخول و حلف الزوج ، كان عليها غرم النقد و التجهيز به بما يصلح في بيته من غطاء و وطاء و ما لا بدَّ منه ، و على ذلك دلت أجوبة شيوخ الشورى[357/3]ابن مزين و ابن زرب و غيرهما في نقل ابن حديد ، و مثله في مقالات ابن الهندي و الله أعلم .
(1/428)
________________________________________
=و الجواب عن السادسة أن زعيم الفقهاء القاضي أبا الوليد بن رشد رحمه الله ، أفتى في خلع انعقد في أشياء سميت فيه ، و تضمن قطع الدعاوى بينهما فيه ، فقال ما نصه : "إنما يرجع قطع الدعاوى إلى جميع ما يتعلق بالذمة مما سمي فيه ، و ما لم يسم"(1). انتهى . و أفتى معاصره القاضي الشهيد أبو عبد الله بن الحاج بأن العقد قاصر على أحكام الخلع خاصة ، و هي جارية على الخلاف بين الأصوليين في العام إذا ورد على سبب خاص ، هل يقصر على ما ورد أو يعم ما اشتمل عليه العام ؟ و اختار بعض المتأخرين من محققي شيوخنا الحافظ المتفنن أبو عبد الله بن مرزوق في هذه النازلة "أن يسأل شهود الوثيقة ، فإن قالوا : صرحت ببقية النقد و ما عدا الصداق من الديون . أو فهموا ذلك عنها يقطعون به ، قبلوا إن كانوا أهلاً للقبول ، و إن تعذر سؤالهم - يريد بموت أو مغيب – سئلت المرأة ، فإن قالت : ما أرت إلا كذا ، حلفت على ذلك و ثبت لها في ذمته ما عذاه ، و قد اختلف بعض فقهاء العصر فيها ببجاية ، هل يحمل على العموم أم لا ؟ و في مصر أيضاً ، و ما كتبت به هو الذي أرتضيه ؛ لأنهم نصوا على مثله في الوكالات و رأوا أن هذا العموم لا يتعدى السبب الوارد عليه ، و هو الحق إن شاء الله تعالى ؛ لأنه هو المحقق و غيره محتمل فلا يعارض أصل الاستصحاب بالمحقق ، إذا الذمم العامرة لا تبرأ إلا بيقين"(2). انتهى . فإذا قلنا بفتوى ابن الحاج و اختيار هذا الشيخ ، فالمدفوع من بقية النقد و دين السلف على حالهما بعد حلفها إن ادعى عليها شمول الإبراء لهما و إثباته عليهما ، ثم لا يكون لها في المراجعة إلا ما سمياه كالئاً في عقد الزوجية بينهما أولاً ، و العشرة المعلقة عليه بقية النقد لا مدخل لها في مسمى الكالئ ، فلا تدخل في طي ما أمهرها في المراجعة باتفاق الفتاوي .
__________
(1) ؟ ؟ ؟ عزو ؟ ؟ ؟
(2) ؟ ؟ ؟ عزو ؟ ؟ ؟
(1/429)
________________________________________
= و الجواب عن السابعة : أن الحلف بالطلاق بالدين ظاهر في التعليق فإذا حنث بعد التزوج لزمه الطلاق على المشهور ؛ لأنه إذا قيل بإعمال التعليق[358/3]بالسياق على ظاهر المدونة و اختيار كثير من الأشياخ ، فلأن يعمل ههنا أولى و أحرى ، و في نوازل ابن الحاج . سئل الفقيه القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد بن رفيع عن مسألة من هذا المعنى .
*فأجاب بما نصه : وقفت على سؤال السائل عن حلف الحالف على زيد أن لا يعمل عملاً في البلد الذي الحالف فيه حاكم طول إقامة الحالف بالمكان ، و أنه كان تحته حين اليمين امرأة توفيت و تزوج بعد وفاتها امرأة غيرها ، فهل تسقط اليمين عنه بموت المرأة و لا يلحقه يمين في الأخرى ، و إن فعل المحلوف عليه ذلك الفعل أم لا ؟
=فأجاب : الذي أقول به ، و الله الموفق ، أن هذا الحالف ما دام حاكماً في ذلك المكان ، فإن صدر عن المحلوف عليه ذلك الفعل و صادف امرأة في ملك الحالف ، طلقت عليه الطلاق الذي التزمه في يمينه ، و لا يشبه قول القائل لامرأة معينة : إن دخلت الدار فأنت طالق . فماتت أو أبانها و تزوج غيرها ، فدخلت هذه الدار لم تطلق عليه يمين الزوج على الأولى . انتهى . فإذا أفتى هذا الشيخ باللزوم في هذه النازلة مع انتفاء ملكية الزوج فيها تحقيقاً و تعليقاً , و هي شرط في اللزوم عند كافة أهل المذهب ، فلأن يقال في هذه باللزوم مع اللفظ المشعر بمعنى التعليق أحرى و أولى ، و الصواب في نازلة القاضي ابن الرفيع عدم اللزوم لانتفاء شرطيته بالاعتبارين ، و يلزم عليها أن من كان يوم الحلف عازباً ثم حلف بعد التزويج أن يلزم بالطلاق ، و إن لم يعلقه بالنكاح ، و في عتق المدونة عدم اللزوم ، قال شيوخنا : و لم تقع إلا فيه .
(1/430)
________________________________________
=و الجواب عن الثامنة : أن لا كفارة على الحالف بحق الله ؛ لأن حق الله أمره و نهيه أن يطيعوه و لا يعصوه ، و أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئاً ، إلا أن يريد به اليمين فتجري على الخلاف في انعقاد اليمين بالنية ، و إن شاء الله ليست بيمين ، و إنما يؤتى بها لحل اليمين أو رفع الكفارة على الخلاف في ذلك و التبرك ، و ما هذا سبيله لا يوجب كفارة ، و كذا يعلم الله لأن حاصله الإخبار عن الله بكونه عالماً و لا إشكال في كونه تعالى عالماً بعلم قديم قائم بذاته ، و أما الحالفة[359/3]بالسنة فيلزمها ما يلزم الحالف بصوم السنة ؛ لأنه المتباد عرفاً ، إلا أنها إن لم تقصد القربة و التبرر ، و إنما قصدت إلى إدخال الحرج على نفسها فتؤمر بصوم و لا تجبر .
(1/431)
________________________________________
= و الجواب عن التاسعة : أن كلام أيمة النوازل و الأحكام يدل على أن للحاضن أن يبيع على محضونه الشيء اليسير التافه ، و لا يحتاج في بيعه إلى إثبات المقدمات التي تثبت في بيع القاضي عنها ؛ لأنهم قالوا : إن توقف البيع عنهم على القاضي لم يجز له البيع إلا بعد ثبوت ملكه و حيازته ، و حاجته و السداد في الثمن و فيه ضيعتهم و ربما هلاكهم ، ثم إذا قام على المبتاع من الحاضن قائم ، فقال أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم لما سئل عن امرأة باعت داراً على نفسها و بنيها من جوع مفرط و احتياج و ضرورة ، و باعت الدار بثمانمائة درهم ، و كانت تساوي قبل ذلك الحين ثلاثة دنانير ، فقام ولدها على المشتري ، ما نصه : "إن أثبت هذا المشتري أن الصبي كان في حضانة أمه و كفالتها ، و أنه كان محتاجاً يوم باعت الأم عليه نصيبه من هذه الدار ، و أن البيع بيع غبطة و سداد ، فلا قيام له ، و إن لم يثبت ذلك و كان قيام هذا الصبي في فور نظره وجب له نصيبه من هذه الدار ، و استشفع نصيب أمه إن وجب عليه قيمة ما بنى المشتري إن شاء الله" . انتهى . فظاهر هذا الجواب يدل على أن الحاضن باع لا لموجب و لو حمل في صورة الجهل و الإبهام على أنه ما باع إلا بعد الموجبات ، ما كلف البائع بالإثبات .
(1/432)
________________________________________
=و الجواب عن العاشرة : أن المرتهن ليس له بيع الرهن بما جعل له الراهن من التفويض في بيعه لانعزاله حكماً بموت موكله ، إلا أن ينعقد عليه أنه أقامه مقام الوكيل المفوض إليه في الحياة ، و مقام الوصي التام النظر بعد الوفاة ، فله الاستبداد بالبيع إذا لم يقضه الورثة حقه ، و أما إذا شرط التصديق في البيع و أسبابه ، فلم أرَ نصّاً في عين نازلتكم ، و رأيت لابن الهندي رحمه الله ما يدل على "أنه لا يلزم ورثة الراهن بعد موته ما ألزم نفسه موروثهم في حياته ، قال فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل على أن يبقى الدين إلى أجله ، و إن مات المطلوب ثم مات الطالب بعده أن ورثة الطالب لا يلزمهم التأخير" . انتهى . فهذه كالنص[360/3]على أن ورثة الراهن لا يلزمهم ما التزم موروثهم من التصديق ، و لما قال ابن العطار رحمه الله : "إذا قام الرجل على صاحب دينه و هو غائب فوجب له قبض حقه ، فلا يمين عليه إن كان شرط لنفسه أنه مصدق في الاقتضاء دون يمين تلزمه" . قال ابن الفخار : "و هذا غلط ؛ لأن الغريم إذا غاب وجب على الحاكم أن يستقصي حقوقه و لو كان حاضراً ما كان يدرأ ما يدرأ به عن نفسه في شرط تصديق الاقتضاء ، إذ يقول : شرطه لأجل كذا . إلا أنك من أهله ، فلا بد من قطع جميع ما يتوهم ذكره و هي يمين الاستظهار من السلطان لا يجوز للحاكم إسقاطها ، و لا يحكم على غائب حتى يستوفي جميع حقوقه ، و لا يأمن أن يأتي غريم آخر يستحق محاصة هذا الغريم الثاني لم يصدق الغريم الأول المحكوم له بدينه ، فكل من جاء من هؤلاء يقول للحاكم لِمَ لَمْ تستقص قبل أن تحكم ، فلذلك وجب في الغائب ما لم يجب في الحاضر" . انتهى . فإذا قال ابن الفخار في انتقاده على ابن العطار هذا الذي مرَّ ذكره في حق الغائب ، ففي الميت آكد و أولى لغير ما وجه ، و الله أعلم .
(1/433)
________________________________________
=و الجواب عن الحادية عشر : أن اكتراء الدابة إلى مكانسة الزيتون كل يوم بدرهم ما طال سفره أو قصر لا يجوز ، قال في الثانية من سماع أشهب و ابن نافع من كتاب الرواحل و الدواب : و سئل مالك عن الرجل يتكارى الدابة إلى مكة كل يوم بدرهم ، فقال : ما هذا من بيوع الناس ، و لكن لو ضرب لذلك أجلاً لم يكن بذلك بأس . قيل لمالك أرأيت لو قال له أتكاراها منك شهراً كل يوم بدرهم . قال : لا بأس بذلك ابن رشد : "أما إذا تكاراها شهراً كل يوم بدرهم فلا كلام و لا إشكال في جواز ذلك ، و أما إذا أراها منه إلى مكة كل يوم بدرهم فلم يجز ذلك ههنا ، و أجاز في المدونة كراء الراحلة بعلفها إلى موضع كذا ، و ذلك اختلاف من القول ، إذ لا فرق بين المسألتين ؛ لأنه إن أبطأ في السير كثر عليه العلف ، و إن عجل فيه قل العلف ، فآل ذلك إلى الجهل بمبلغ الكراء . و لو اكترى منه الدابة إلى مكة بعلفها أو كل يوم بدرهم أسرع السير أو أبطأ[361/3]فيه لم يجز باتفاق ، و لو اكتراها منه إلى مكة بعلفها أو كل يوم بدرهم على أن يسير سير الناس المعتاد لجاز ذلك باتفاق ، فالخلاف إنما هو إذا وقع الكراء منهما دون بيان مجمله في هذه الرواية على الظاهر من الوصول إلى مكة قرب أو بعد فلم يجزه ، و حمله في المدونة على الوصول على السير المتعارف فأجازه ؛ لأنه إذا كان المعروف عند الناس أن الوصول إلى مكة على السير المتعارف يكون على التمثيل في شهر , فكأنه إنما اكترى منه إلى مكة بثلاثين درهماً أو بعلف ثلاثين ليلة ، فوجب أن يكون ذلك جائزاً" . انتهى . و بعد وقوفك على نص الرواية و كلام القاضي عليه لا تشك في فساد الكراء في المسألة المسئول عنها ، و هي قسم الاتفاق على الفساد من كلام القاضي ابن رشد رحمه الله ، و الله تعالى أعلم .
(1/434)
________________________________________
=و الجواب عن الثانية عشر : أن ما أصاب الثور بقرنه و أتلفه من الخيل و غيرها في المسرح أو في المورد ، هو بمنزلة ما قضمته الدابة بفيها فلا ضمان على الراعي ؛ لأنه من فعل العجماء و فعلها جبار أي هدر . و هذا إن سبقته البقر إلى المورد و غلبته و تحاملت على الخيل لشدة ما بها من الظمأ و العطش و لم يقدر على ردها عن الخيل ، أو عامت الخيل على البقر و لم يستطع راعيها صرفها و كفها ، فجميع ذلك منها من غير فعل للرعاة فيه و لا تفريط فلا شيء على الرعاة فيه ؛ لأن ذلك ليس من قبل تفريط و لا إهمال ، و إنما ذلك من جهتها ، و إن كان ذلك من سبب الراعي و إهماله ضمن ، و الله أعلم . و قد نزلت بقرطبة نازلة أيام قضاء ابن حمدين في ثور ضرب بقرنه بغلة رجل من التجار كانت موقوفة عند الجامع فعطبت ، فأفتى ابن الحاج فيها بعدم الضمان ، و لابن المواز في هذا شيء تركناه لشذوذه .
(1/435)
________________________________________
=و الجواب عن الثالثة عشرة : أن الزرع إذا كان محيطاً بالقرية و متصلاً بها بحيث لا يسلم من الماشية إذا أخرجها صاحبها و خلاها من غير حارس ، فالواجب على ربها أن يمنعها أن تؤذي أحداً , و يمر بها على الطريق التي يتحفظ أهلها من أذى الزرع الذي يليها ، فإذا أخرجها من مزارع القرية إلى فحوصها التي لا زرع فيها ، تركها هنالك بغير راع أن أحب ، ثم إن نزع منها شيء إلى[362/3]الزرع و ألف ذلك و اعتاده كانت مثل الضواري من الماشية ، و حكمها أن تغرب إلى أرض لا زرع فيها ، قال هذا كله أصبغ ، قال : و أما لو فتح رجل بابه و سرَّح دابته بلا حرس ، فالضمان على مثل هذا و الغرم له لازم ، و لو أدب لكان لذلك أهلاً . و في معين الحكام : "إنما يسقط عن رب الماشية ضمان ما أفسدته ماشيته نهاراً من الزرع و الحوائط إذا أخرج ماشيته من جملة الزرع و الحوائط لقائد يقودها إلى راعيها ، و أما إن أهملوها بين الزرع و الحوائط دون راع أو مع راع يضيع أو يفرط ، فربها ضامن لما أفسدته ، و يضمن الراعي المفرط ، إلا أن يشذ منها شيء دون تفريط فلا ضمان" . انتهى .
و قيد الشيخ أبو محمد رحمه الله في بعض فتاويه سقوط الضمان فيما رعته البهائم نهاراً أن لا يغيب أهلها عنها ، و أما إن كان الجنان أو الفدان مهملاً لا يأتيه أربابه إلا في أيام الجذاذ و الحصاد ، فإن الضمان لازم فيما رعته نهاراًً .
*و سئل ابن أبي زمنين عن الحديث الذي جاء : « مَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِالليْلِ ، فَالضَّمَانُ عَلَى أَصْحَابِهَا ، وَ مَا أَفْسَدَتْ بِالنَّهَارِ ، فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ » . لأن على أصحاب الزرع حفظ زرعهم بالنهار ، أرأيت من سرح ماشيته و نسيها فأفسدت زرع الناس ، هل عليه ضمان ؟ .
(1/436)
________________________________________
=فأجاب : "لا ضمان عليه سرحها عمداً أو خطأ ، و على أصحاب الزرع حرز زرعهم ، قلت : أرأيت إن أتي رجل ببقره أو بغنمه فألقاها في زرع رجل عمداً أيضمن ؟ قال : هذا يضمن لا شك فيه" . انتهى . فهذا الجواب واضح الدلالة في مخالفة ما قدمنا عن أصبغ و صاحب المعين ، و الله سبحانه أعلم .
=و الجواب عن الرابعة عشرة : أن قول الموثق في وثيقة الضمان : ضمن فلان عن فلان أداء كذا في جميع أحواله و يعني بجميع الأحوال عمومها في اليسر و العسر و الحضور و المغيب و الحياة و الممات ، ظاهر الدلالة في اشتراط البداية بطلب الحميل ، فإن كان هذا الشرط تصمن منفعة ما يشترطه ككونه أملاه و أسمح و أسهل قضاء ، وجب الوفاء للطالب المضمون له بشرطه ، و إن لم تظهر لاشتراطه منفعة لتساوي أحوال الضامن و المضمون عنه ، فأجراه الإمام[363/3]أبو عبد الله المازري رحمه الله على الخلاف في الوفاء لما لا يفيد فائدة من الشروط ، و لابن رشد رحمه الله طريقة أخرى غير ما تقدم ، و هي تعميم الخلاف – أعني – سواء ظهر للشرط فائدة أم لا ، و زاد في المسألة ثالثاً بإعمال الشرط في الشيء ، المطالبة أو ذوي سلطان ، و نسبه لابن القاسم أيضاً ، فإذا وفى له بالشرط لظهور منفعته ، فله الخيار في البداية بالضامن و المضمون عنه و إن لم يوف له لانتفاء ظهور منفعة الشرط عند المازري أو مطلقاً في بعض نزال طريقة ابن رشد فلا يطالب الضامن و الأصل حاضر مليء على الرواية التي رجع إليها مالك ، و قال بها ابن القاسم لأن وجود الشرط على هذا كعدمه حسّاً ، و عدمه حسّاً يوجب في مشهور الرواية أن يطالب الفرع و الأصل مليء فكذلك هنا ، و لو شرط الطالب أن يبدأ بأيهما أحب ، فاختلف قول مالك و ابن القاسم هل يوفي له بالشرط أم لا ؟ و صرح في المقدمات و البيان بمشهورية القول بإعمال الشرط ، قال : و هو قول ابن القاسم في المدونة ، و غيرها ، و بعدمه أخذ أشهب و ابن كنانة و ابن الماجشون .
(1/437)
________________________________________
فتفهم من هذا التحصيل أن الأقسام المتجهة في هذا المقام ثلاثة ، و أحكامها جلية بما قررنا ، و اجتماع الضامن و الرهن المفوض في بيعه كحضور الضامن و المضمون عنه ، فتكون البداية بالرهن لا بالضامن على المشهور ، إلا أن يكون في تثبيت مقدمات بيع الرهن ، و هو تفسير لا خلاف ، كذلك حمله من أدركنا من الشيوخ و به جرى العمل .
(1/438)
________________________________________
=و الجواب عن الخامسة عشرة : أن ذات الأب إذا أقامت مع زوجها سنتين فإنها تخرج من ولاية أبيها ، و هي رواية ابن نافع عن مالك في أول مسألة من سماع أشهب من كتاب الصدقات و الهبات ، قال ابن رشد و هي رواية غراء أغفلها الشيوخ المتقدمون ، و حكموا برواية شاذة منسوبة إلى ابن القاسم لا يعلم لها موضع أنها تخرج من ولاية أبيها ، و يحكم لها بحكم الرشد إلا بمقامها عند زوجها سبعة أعوام ، و رواية ابن القاسم عن مالك "أنها لا تخرج من ولاية أبيها حتى تدخل بيتها و يعرف من حالها ، و يشهد العدول على صلاح حالها" . انتهى . فإذا توفي أبوها بعد مضي العامين من ابتناء زوجها بها ، فلا كلام في مضي أفعالها بعد هذه المدة ، و انتفاء الحجر عنها ، إن لم تعرف بسفه على هذه[364/3]الرواية الغراء ، و قيل : نزلت في أيام ابن الفخار في رجل أخرج بنته إلى زوجها ثم مات الأب ، فقال في هذه المسألة ثلاثة أقوال : فقيل بموت أبيها ترشد ، و قيل بانقضاء عام من موت الأب ، و قيل بانقضاء ثلاثة أعوام من موت أبيها" . انتهى . و اختيار القاضي ابن شاكر أنها تملك نفسها بمرور العام من موت الأب ، و قيل عن الشيخ أبي عبد الله القرشي أنه قال : شافهت ابن رشد فيها الأب ، ينبغي أن ينظر فيما مضى لها في حياة أبيها مع الزوج مما بقي ، فإن قيل : سبع أو سدس ، فإنها تبقى تحت الولاية حتى يتم لها مقدار ذلك العامين المؤقتين في التي لا أب لها ، و نزلت أيضاً في رجل توفي عن بنين صغار و بنت ناكح لم تخرج من ولايته لقرب البناء ، فقال ابن الحاج يقدم عليها القاضي كالصغار ، و قال : و نزلت في بنت فقدم عليها ابن رشد .
*و سئل الفقيه أبو عمران سيدي موسى رحمه الله عن فرص نازلة السؤال .
(1/439)
________________________________________
=فأجاب بأن قال : "المرأة إذا توفي أبوها بعد دخول زوجها بها و قبل انقضاء مدة حجرها لا نص فيها عندي ، و كذلك ذكر فيها صاحب المفيد ، و الظاهر أنها كالمهملة" . انتهى . قلت : صاحب المفيد لم يصرح بنفي النص عن المسألة كما صرح به هذا الشيخ ، لكنه أشار إلى التردد في المسألة من جهة النظر ، فقال بعد أن قرر ما لابن أبي زمنين عن فتوى من أدرك من الشيوخ في المولي عليه إذا مات وصيه و لم يوص به إلى أحد ، أن حكمه حكم من وصيه باق حتى يظهر رشده ما نصه : "أنظر هذا ، فإنه يقتضي أن الأب إذا زوج ابنته البكر فمات الأب قبل أن يتم لها مع زوجها سبعة أعوام ، أنها لا تملك نفسها حتى تنقصي السبعة الأعوام بمنزلة أن لو كان الأب حيّاً ، إلا أن يظهر رشدها قبل ذلك ، و موت الأب قبل السبعة أعوام و حياته سواء ، كما لو قدم للأب عليها وصيّاً فمات الوصي ، فموته و حياته سواء حتى يظهر رشدها ، و إذا كان هذا في الوصي ، فأحرى أن يكون في الأب الذي هو أصل الوصي ، و تحتمل المسألة غير هذا ؛ لأن ولاية الأب تنقضي بتمام السبعة الأعوام ، و لا تنقضي ولاية الوصي إلا بالرشد ، فهو أقوى" . انتهى . فإذا تقررت هذه النقول ، و اندرجت في حيز العقول ، فجميع ما تقدم[365/3]من الأقوال الثلاثة المرتبة على الرواية الغرَّاء من تحصيل ، الحافظ المشاور أبي عبد الله بن الفخار ، لا مانع من إجرائها و تنزيلها على ما جرى به العمل من الرواية الشاذة المعزوة لابن القاسم أنها لا تخرج من ولاية أبيها إلا بمقامها مع زوجها سبعة أعوام إذا اخترمته المنية قبل مرورها بقياس لا فارق ، و الله أعلم .
(1/440)
________________________________________
=و الجواب عن السادسة عشرة : أن استبداد بعض الورثة باغتلال المختلف من الأصول بالسكن و عقد و جائب الكراء و أكل الثمار مع بقاء الأصول ، و عدم التصرف فيها بشيء من الهدم و البناء ، مع حضور الوارث الآخر و مشاهدته ، و لا مانع من سكوته لا يمنع قيام صاحبه بحقه في الغلة و السكنى ، و هو على حقه إن كان حيّاً ، و ورثته بعده باقون على حقوقهم ، إذ من مات عن حق فلورثته ، و سكوته لا يعد هبة و لا إسقاطاً لشيء من حقه ، و قصارى ما عليه في مقطع الحق أن سكوته لم يكن هبة للمنفرد بالاغتلاب ، و هذا إن قطع عليه بدعوى الهبة ؛ لأن المشهور في المذهب المالكي توجه اليمين في دعوى المعروف ، و أما إن لم يحقق الدعوى عليه بذلك و إنما اتهمه بالهبة ، فلا تتوجه عليه اليمين اتفاقاً ؛ لأنها دعوى تهمة في تبرع قاله غير واحد . و ورثته يحلفون في الوجه الأول على نفي العلم إن ظن بهم ، و إلا فلا ، و الله تعالى أعلم .
(1/441)
________________________________________
=و الجواب عن السابعة عشرة : أن ما أجراه الرجل على ولده أو ولد أخيه من الإنفاق و هما بحالة الصغر و الإملاق ، لا رجوع له به عليهما بعد البلوغ بإطلاق ، قال في كتاب النكاح الثاني من المدونة : "و من أنفق على صبي صغير لم يرجع عليه بشيء ، إلا أن يكون للصبي مال حين الإنفاق عليه ، قال ابن يونس : يريد و المنفق عليه عالم به ، فيرجع بما أنفق عليه في ماله ذلك ، فإن تلف ذلك المال و كبر الصبي فأفاد مالاً ، لم يرجع عليه بشيء" . و قال في تضمين الصناع منها : "و من أنفق على ولد رجل غائب و هم صغار بغير أمره ، أو أنفقت الزوجة على نفسها في غيبته ثم قدم ، فلهما الرجوع عليه بما أنفقا إن كان موسراً" . انتهى . فمفهومه أنهم لو كانوا كباراً لم يرجع عليه بنفقتهم ،[366/3]و إنما يرجع بها عليهم أملياء كانوا أو عدماء ، و مفهوم قوله في النكاح على صبي صغير ، أنه لو كان بالغاً لرجع عليه بإطلاقه موسراً كان أو معسراً ، و يؤيد هذا المفهوم الثاني قوله قبله : "و إن أنفقت عله يعني على الزوج في ذاته و هو حاضر مليء أو معدم ، فلها اتباعه بذلك ، إلا أن يرى أن ذلك بمعنى الصلة ، و كذلك من أنفق على أجنبي مدة ، فله اتباعه بما أنفق ، إلا أن يعرف أنه أراد بذلك وجه الصلة و الضيافة فلا شيء عليه ، و من قضي له بذلك لم يأخذ بما أنفق من السرف كالدجاج و الخراف و نحوه ، و لكن بنفقة ليس بسرق" . انتهى .
(1/442)
________________________________________
و إنما الرجوع بالإنفاق على البالغ إن لم يظهر معنى الصلة باتفاق ، و إن كان من أهل الفقر و الإملاق لوجود الذمة له ، و لأنه مكلف بنفقة نفسه بالبلوغ ؛ لأنها من باب خطاب التكليف ، فمن أنفق عليه فقد أوصل له نفعاً مما لا بد له منه و لو بالتكفف و السؤال ؛ لأن المنفق قد أدى عنه ما وجب عليه فله اتباعه , و هي كلية معروفة في المذهب ، و هو نص الحمالة ، و المديان ، و الصناع ، و اللقطة ، و الرهون ، و الوديعة ، و الجهاد ، و النكاح الثاني من المدونة ، و غير موضع منها . و لا كذلك الصغير الفقير لانتفاء شرط الرجوع في حقه ، و لأنه لا تعمر ذمته بالسلف ، إذ لا ذمة له و لا تكليف عليه ، فاتضح الفرق بينهما و استبان ، و الله سبحانه المستعان . فإذا تقرر حكم الرجوع بما أنفق على البالغ من ولد أجنبي مطلقاً بما تقدم من النص و المفهوم ، فلكل منها الرجوع أيضاً على المنفق بقيمة منافعها في الخدمة فتجب المحاسبة ، فمن له درك و فضل رجع به عليه .
=و الجواب عن الثامنة عشرة : أن من أعطى عن ابنه صداقاً إن كان على وجه الحمل في أصل عقدة النكاح ، فهو لازم للأب في كل الأحوال ، ثم لا رجوع له به عليه ، و إن كان بمعنى الهبة فقد تمت بشرائطها ، و ما أعطى لبقية أبنائه في مقابلة ذلك في مرضه المذكور وصية لوارث فتتوقف على إجازة الورثة إن مات من مرضه ذلك على المشهور ، و إن صح فكإنشاء الصحة على المشهور ، و إن كان بمعنى السلف و هو بالغ ، فلبقية الورثة القيام عليه بعد موت الوالد . فقد سئل ابن زرب رحمه الله "عمن جهز ابنته بثياب و حلي ، و أقامه عليها و خشي أن تقوم ابنته على ورثته بعد موته ، و كتب القيمة عليها[367/3]ديناً ، فتوفي الرجل و قامت تطلب ميراثها مما ترك أبوها ، فقام الورثة بوثيقتهم بالقيمة عليها .
(1/443)
________________________________________
=فأجاب : إن كان الأب لم يهبها الشورة فلورثته أن يقوموا بالواجب لهم" . انتهى . و زاد غيره إذا كان الأب أقام الشورة قيمة عدل لم يتحامل فيه على الجارية ، فذلك جائز عليها لازم لها . ثم سئل عنها أبو بكر ابن المعيطي فقال : "إذا كان الأب جهزها بماله ، و جعله ديناً عليها ، فللورثة الرجوع بما يجب لهم بمقدار أنصبائهم إذا ثبت ذلك من إشهاد الأب" . انتهى . و ما لابن رشد في أول مسألة من طلاق السنة معلوم .
=و الجواب عن التاسعة عشرة : أن الصلح على الافتداء من اليمين جائز حكمه ، قال ابن هشام : و أصله للقنازعي إن علم المدعى عليه براءته و طلب منه اليمين ، فليحلف و لا يصالح على شيء من ماله ، و إن صالح أثم من أربعة أوجه : الأول : أنه أذل نفسه ، و قد قال عليه السلام : « أَذَلَّ اللَّهُ مَنْ أَذَلَّ نَفْسَهُ » . الثاني : أطعمه ما لا يحل له . الثالث : أنه أضاع ماله و قد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك . الرابع أنه جرأه على غيره كما جرأه على نفسه . فإذا فرعنا على الأول ، فالجواز مشروط عند مالك بثلاثة شروط : أن يجوز على دعوى المدعي و إنكار المنكر و ظاهر الحكم ، و عند ابن القاسم بالأولين فقط ، و عند أصبغ أن لا تتفق دعواهما على فساد . و إليكم النظر بعد هذا الوضوح في تنزيل حكم الصلح المسئول عنه على ما يقتضيه من هذه الأقوال ، و لو أوضحتم مما وقع به الصلح و عنه لشرحنا لكم كيفية حكمه على الأقوال الثلاثة . و الله تعالى أعلم .
(1/444)
________________________________________
=الجواب عن الموفية عشرين : أن شيوخ الفتوى كثر اضطرابهم في هذه المسألة ، فأفتى فيها بعض الأندلسيين بما نصه : "أما المتسبب في غرم مال بغير حق ، فشكوى مبطلة مع تقدم علم المتسبب بالغرم و ثبوت الشكوى المبطلة ، فإنه يلزمه غرم ما تسبب فيه بعد تعذر استرجاعه من المباشر" . انتهى . و أفتى الشيخ أبو القاسم بن محرز "بلزوم الأدب الوجيع في اعتدائه بالسلطان مع غرم ما لحق[368/3]المعتدى عليه بسبب ما فعل ، و هي جرحة للشاهد إن شهد بعد هذا" . انتهى . و أفتى غيره "بأن هذا الشاكي للسلطان الظالم ، أو إلى العامل ظالماً في شكواه ، فإنه يلزمه ما أغرمه الوالي بغير حق ، و إن كان الشاكي مظلوماً لا يقدر أن ينتصف ممن ظلمه إلا بالسلطان ، فشكاه فأغرمه السلطان و عدا عليه ظلماً ، فلا شيء على الشاكي" . انتهى . و أفتى الشيخ أبو محمد "بأنه إن كان أغرمه مالاً ظلماً ، فإنما على هذا المستعدي الأدب ، و لا غرم عليه ، هذا قول أصحابنا" . انتهى . و قال الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله : لو شكا رجل رجلاً إلى والٍ ظالم يعلم أنه يتجاوز الحد في المشكو به و يغرمه ما لا يلزمه ، و المظلوم لا تباعة للشاكي عليه ، فإن فيه اختلافاً : هل يغرم الشاكي ما استغرم المشكو أم لا ؟ و من أصحابنا من أسقط الضمان و الغرامة عن الشاكي إذا كان المشكو قد ظلمه ، و لو دلَّ رجل ظالماً على مال أخفاه صاحبه فأخذه الظالم لأجل دلالة هذا الدال عليه ، لكان أيضاً في ضمان هذا الدال قولان . و ذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد أن بعض المتأخرين من أهل المذهب اختلفوا في ذلك ، و اختلافهم في هذا يشير إلى اختلاف ابن القاسم و أشهب فيمن دل محرماً على صيد فقتله المحرم ، فإن القاتل له يلزمه جزاؤه من غير خلاف ، و الدال له عليه حتى قتله فيه قولان ، ذهب ابن القاسم إلى أنه لا جزاء عليه ، و قدر أن القول ليس بسبب ملجئ إلى تلف هذا الصيد . و قال أشهب : عليه الجزاء .
(1/445)
________________________________________
و هذا أيضاً يشير إلى الاختلاف الذي حكاه أبو محمد عن أصحابنا ، و يتعلق بهذا الأمر لغيره بقتل إنسان ، فإن المباشر يقتل من غير خلاف ، و في الأمر خلاف ، و لا يلزم السارق غرم ما دفعه المسروق منه لمن نقر له على السرقة ، و إنما يرجع به على آخذه كالمأخوذ للدلالة على التليفة و هو المسمى في العرف بالبشارة ، فإنه من أكل أموال الناس بالباطل ، و لا يتخيل عندي جريان قول ابن العطار في هذه من مسألة العون إن أجرته على الخصم الملد ؛ لأن سخرة العون و منفعته مما يصح شرعاً أن تقابل بعوض ، و لا كذلك منفعة الدال على السرقة و المنقر عليها ، إذ ليس فيها أكثر من الأخبار ، و هو لا قيمة له ، و لكونه فرض عين عليه ، و فروض الأعيان لا تقابل بالأعواض ، و الله سبحانه أعلم .
[
(1/446)
________________________________________
369/3]=و الجواب عن الحادية و العشرين : أن إمساك الزوجة عن اليمين ، و القيام بعد انصرام الأجل المضروب لها أو للمرأة التي ذكرت ، يوجب استيناف الشهادة لها باتصال المغيب إلى حين القيام الثاني احتياطاً ؛ لاتصال حجة الغائب ، و قد نص من تقدم من الموثقين على أن الشهادة إذا أديت بعد تاريخ عقد استمرار الملك بمدة ، أن الحاكم لا بدَّ له أن يوقع على أول من أدى عنده شهادته شهد عندي بنصه و لا يعلم ملك فلان عنه إلى حين شهادته عندي . و يكتب في بقيتهم شهد عندي بمثله ، و هذا بيِّنٌ لا إشكال فيه ؛ لأن تطرق الاحتمال حاصل و لا يدفعه إلا الشهادة باتصال المغيب و الملك إلى حين القيام الأخير ، و ليس ضرب الأجل لمن قام من زوجتي الغائب ، أو زوجاته بالإعسار ضرباً لجميعهن ، أما على قول أبي عمران أن ضرب القاضي الأجل لواحدة من نساء المفقود لا يكون ضرباً لسائرهن ، و هو الذي صوبه ابن يونس فلا إشكال ، و عليه فلا سؤال ، و أما على مذهب ابن القاسم و اختيار يحيى بن عمر فكذلك أيضاً لغير ما علة و وجه كما أشرتم إليه . و أما تعيين من إليه الطلاق على هذا المعسر الغائب أو الحاضر ففيه اختلاف بين فقهاء الشورى بقرطبة حسبما ذكره القاضي أبو الأصبغ بن سهل في أحكامه : فذكر عن أبي القاسم بن سراج أن إيقاعه للزوج دون الزوجة ، و قال عن ابن عتاب : إن إيقاع الطلاق في الإعسار للزوجة لا للزوج و لا للحاكم . قال عنه : فتكتب في العقد : و أباح لها فلان أن تطلق نفسها طلقة واحدة يملك الغائب بها رجعتها إن رجع موسراً في عدتها و ثبت عنده ذلك من طلاقها ، و أمرها بالاعتداد من هذه الطلقة ، و أشهد على ذلك . و كتب بعضهم : و طلقت فلانة نفسها . . .
(1/447)
________________________________________
إلى آخر الكلام ، و كله واحد ، و هو الذي عقده المتقدمون و سلك سبيلهم فيه المتأخرون ، و شاهدت عقده ، قال ابن سهل : سمعت أبا مروان بن مالك يستحسن هذه المسألة للشيخ أبي عبد الله بن عتاب و يقول : لو كانت لأحد من المتقدمين لعُدَّتْ في فضائله . أو كلام هذا معناه . و ذهب الشيخ أبو الوليد بن فتحون إلى إيقاع الطلاق إلى الزوج ، فإن أبى فالحاكم ، و صح ابن عبد السلام ما أفتى به ابن سراج فانظره .
=و الجواب عن الثانية و العشرين : أن يقال لا مانع من توكيل الحاضن[370/3]عن محضونه فيما إليه بيعه إما مطلقاً على القول به ، أو في اليسير على المعمول به عند الموثقين و أرباب النوازل ، أو في بلد لا سلطان فيه و لا حاكم على القول به ، و هو رابع الأقوال ، و لا يبعد كل البعد دخوله في قول ابن عرفة في حد الوكالة : "الوكالة نيابة في حق أو ذي أمر" . و إذا جاز له التوكيل على التفريع المتقدم ، جاز له جعل القبض و الإبراء بعده لوكيله ، و الله أعلم . و لم أرَ في عينها نصّاً أتقلد العمل بمقتضاه .
(1/448)
________________________________________
=و الجواب عن الثالثة و العشرين : أن المنصوص =لأيمتنا رضوان الله عليهم المنع من استعمال ما يبرد الرحم ، و يستخرج ما داخل الرحم من المني ، و عليه المحصلون و النظار . قال القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله : "للولد ثلاثة أحوال : حال قبل الوجود ينقطع فيها بالعزل و هو جائز ، و حالة بعد قبض الرحم على المني فلا يجوز لأحد حينئذ التعرض له بالقطع من التولد كما يفعله بعض سفلة التجار في سقي الخدم عند إمساك الطمث الأدوية التي ترخيه فيسيل المني معه فتنقطع الولادة ، و الحالة الثالثة بعد انخلاقه و قبل أن ينفخ فيه الروح ، و هو أشد من الأولين في المنع و التحريم ، لما روي من الأثر : « وَ إِنَّ السَّقْطَ لَيَضِلّ مُحْبَنْطيّاً عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ يَقُولُ لا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَايَ » . فأما إذا نفخ فيه الروح ، فهو قتل نفس بلا خلاف" . انتهى . و انفرد اللخمي فأجاز استخراج ما في داخل الرحم من الماء قبل الأربعين يوماً ، و واقف الجماعة فيما فوقها ، فإذا وقفت على هذا التحقيق الذي تقدم جلبه من كلام القاضي المحقق أبي بكر رحمه الله علمت قطعاً أن اتفاق الزوج و الزوجة على إسقاط الجنين في المدة التي ذكرت و تواطؤهما على ذلك حرام ممنوع لا يحل بوجه و لا يباح ، و على الأم في إسقاطه الغرة و الأدب ، إلا أن يسقط الزوج حقه في الغرة بعد الإسقاط ، و من هذا النمط و المعنى ما سئل عنه عز الدين بن عبد السلام الشافعي رحمه الله "هل يسوغ للمرأة أن تستعمل أدوية لتمنع من الحمل أم لا ؟
فأجاب : ليس للمرأة أن تستعمل ما يفسد القوة التي بها يتأتى الحمل" .
[371/3]=و الجواب عن الرابعة و العشرين : إيجاب الغرة على من روع المرأة الحبلى حتى أسقطت ، فقد سئل الإمام أبو عبد الله بن عرفة رحمه الله عن مثلها و هي رجل أدخل على امرأة خدمة ظالم فاختلعت فأسقطت .
(1/449)
________________________________________
فأجاب : بأنه تلزمه الغرة ، فعلى هذه الفتوى لا يكون الضرب شرطاً في وجوب الغرة , و الله أعلم .
=و الجواب عن الخامسة و العشرين : أن ما آثر به الولد المنفق نفسه من الطعام دون ولده و والديه و زوجته ، إن كان من نوع الزائد على ما يفرض عليه من نفقتهم شرعاً ، فلا شيء عليه سوى مخالفة الأولى و مكارم الأخلاق لقول ابن عرفة رحمه الله و نفع به في حدِّ النفقة : "ما به قوام معتاد حال الآدمي دون سرف" . فما خرج مما به قوام معتاد حال الآدمي لا يفرض ، و ما لا يفرض لا حرج على المكلف في اختصاصه بتناوله بعد تأدية الواجب لمن يمون من والد و ولد و زوجة و براءة ذمته من لازمهم المفروض . و الله سبحانه أعلم .
=و الجواب عن السادسة و العشرين : و هي آخر مسائلكم الحسان أن للرجل الرجوع بما أنفق على المرأة المذكورة ، و بما أعطى في اختلاعها إذا جاء التعذر و الامتناع من قبلها ؛ لأن الذي من أجله أعطى ماله لم يثبت له ، و إذا كان التعذر من قبله فلا رجوع له عليها و لا على الشهود ؛ لأن التمكين كالاستيفاء ، و ليس للشاهد أن يطالب المتخاطبين بأجرة أخرى عند تمام الأمر بينهما . و الله سبحانه أعلم ، و به التوفيق ، و كتب مسلماً عليكم ، و راغباً في بركاتكم و صالح دعائكم العبد المستغفر الفقير إلى الله تعالى أحمد بن يحيى محمد بن علي الونشريسي ، وفقه الله و خار له بِمَنِّه .
(1/450)
________________________________________
و تقيد بعقبها بخط الفقيه الإمام العالم العلم الأستاذ البركة الخطيب البليغ الصالح المصنف المنصف السيد أبي عبد الله محمد بن غازي ما نصه : الحمد لله ، و الصلاة و السلام على سيدنا و مولانا محمد رسول الله ، يقول كاتب هذه الأسطر محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن غازي العثماني سمح الله تعالى له : صفحت ما انطوى عليه هذا المكتوب من أجوبة السيد الفقيه العالم[372/3]العلم الصدر المحقق المتفنن النظار المشاور الحجة المحصل المؤلف المصنف الجامع الأكمل أبي جعفر سيدي أحمد بن يحيى بن محمد بن علي الونشريسي نفعنا الله بمحبته و فسح للمسلمين في مدته ، فألفيتها محكمة الأصول ، مهذبة الفصول ، تنبئ أن أبا عذرها ، و مخترع حلوها و مرها ، وحيد دهره ، و فريد عصره ، و الله تعالى يبارك له فيما أولاه ، و يوفقنا و إياه لما فيه رضاه ، و صلى الله على سيدنا و مولانا محمد و آله و صحبه و سلم تسليماً .
[مسائل سأل عنها المؤلف أبا عبد الله القوري و أجوبتها]
*و من السبعة و العشرين سؤالاً التي كاتبت بها سنة إحدى و سبعين الشيخ أبا عبد الله القوري رحمه الله بما نصه : و منها قول الجزيري ؛ لأن لفظ النقد عند سحنون يقتضي القبض ، و يوجب براءة الزوج منه دون يمين تلزمه ، و خالفه ابن حبيب فإن الذي في الوثائق المجموعة و الفتحونية و الغرناطية و المتيطية و من لا يحصى ، و لا يعد و لا يستقصى ، أن الخلاف إنما هو في لفظ نقدها لا في النقد المحلى ، و هو الحق الأبلج الذي لا شك فيه و ما رأيت من ساعده على ما ذكر ، و ما أظنه إلا من السهو و طغيان القلم .
(1/451)
________________________________________
=فأجاب ما وقع للجزيري في لفظ النقد لم يزل الشيوخ ينبهون عليه ، و يقولون : هو غلط منه . و الخلاف إنما هو في لفظ نقدها الماضي ، و جعلها بعضهم على أقسام ثلاثة : لفظ النقد لا يقتضي قبضاً ، و نقدها يقتضيه ، و نقده مختلف فيه فكأنه طرفان و واسطة عنده ، و الحق أن الخلاف في نقدها و نقده ، و منها قول الجزيري في ترجمة صحيح النكاح و فاسده : "و لصحة الولاية ستة شروط متفق عليها ، و هي : الإسلام و البلوغ ، و العقل ، و الذكورية ، و الحرية ، و أن يكون مالكاً أمره ، متى انخرم منها واحد فسد النكاح . و اختلف في شرطين : العدالة ، و الرشد" . انتهى .
و بقريب من هذه العبارة أورد المسألة صاحب المقدمات ، و من ثم اجتلبها فيما أظن و حرف السؤال و موضع الإشكال ، جعلهما الخلاف في الرشد مع قولهما في الشروط المتفق عليها : و أن يكون مالكاً أمره . إلا أن يقال في الاعتذار عنهما : أن المراد بالمالك أمره غير المولَّى عليه ، و الشرط إنما[373/3]يظهر تأثيره في طرف العدم ، و عدمه بأن يكون مولى عليه ، و المولى عليه أخص من السفيه ، فلا يلزم من تأثير الأخص تأثير الأعم ؛ فلذا ذكر في المختلف فيه الرشد الذي يقابله السفه ، فحاصله أن اشتراط كونه غير مولى عليه متفق عليه ، و في اشتراط كونه غير سفيه خلاف ، فغير بعيد ، و الله أعلم بمرادهما .
فأجاب : و مسألة المقدمات و الجزيري في شروط الولي لم يزل الشيوخ ينبهون على المسألة و ينفصلون بما معناه ما أشرتم إليه ، و به انفصل الشيخ سيدي عبد النور الشريف في تقييده على المدونة ، و للزرويلي عنه انفصال لا يرتضى فانظروه فيه إن شئتم .
(1/452)
________________________________________
و منها ما وقع في كلام ابن عبد السلام رحمه الله في فصلا الإحلال من قول ابن الحاجب و لا نكاح غير لازم كنكاح العبد المتعدي ، و نكاح ذات العيب ، أو المغرورة ، أو ذي العيب ، أو المغرور ، إلا إذا لزم بإجازة السيد و رضي الزوج و الزوجة ، و وطئ بعد اللزوم ، فإنه قال في شرح المسألة : "هذه الأربعة مع نكاح العبد بينهما قدر مشترك ، و هو كون النكاح فيها غير لازم ، و يمتاز الأول من الأربعة بأن الخيار فيه للسيد و هو غير الزوجين ، و الأربعة الباقية الخيار فيها لأحد الزوجين ، و يمتاز الثاني و الثالث عن الرابع و الخامس بأن الخيار فيهما للزوجة ، و في الباقيين للزوج ، و الفقه في جميعها ظاهر ، و قوله : إلا إذا لزم بإجازة السيد . يعني في الأول ، و رضى الزوج في الرابع و الخامس ، و رضى الزوجة في الثاني و الثالث" . انتهى نص كلامه , و محل الإشكال عند محبكم قوله : و يمتاز الثاني و الثالث عن الرابع و الخامس بأن الخيار فيهما للزوجة و في الباقيين للزوج ، فرضى الزوج في الرابع و الخامس ، و رضى الزوجة في الثاني و الثالث . فصواب كلامه على ما اقتضاه علمي و أحاط به ركيك فهمي : و يمتاز الثالث و الرابع عن الثاني و الخامس بأن الخيار فيهما للزوجة و في الباقين للزوج ، و كذلك قوله : و رضى الزوج في الرابع و الخامس , و رضى الزوجة في الثاني و الثالث . صوابه أيضاً : و رضى الزوج في الثاني و الخامس ، و رضى الزوجة في الثالث و الرابع ، فانظروا حفظكم الله هل يقال في العذر : إنه لم يقصد إلا إلى إحصاء مطلق العدد ، لا إليه مع ترتيبه في الأصل المشروح أم ما ترون في ذلك ؟
[
(1/453)
________________________________________
374/3]=فأجاب : ما وقع لابن عبد السلام في فصل الإحلال ليس بعجيب و لا بغريب في كلامه ، و قد يكون من النساخ ، و قد يكون من طغيان القلم من غير قصد ، فالخطب فيه سهل ، و الأمر فيه يسر ، و لا غرو في وجود الاستغلاق في كلام الشيخ ، و الشيخ ابن عرفة لا يخفي ما لقي منه من الأخذ بالتحقيق على الدوام ، و إن كان الناس لم يسلموا له من ذلك إلا القليل ، و للشيخ مع الفقيه ابن الصباغ المكناسي حكاية ظريفة غريبة لم نزل نسمعها من شيخنا و أستاذنا سيدي محمد بن جابر رضي الله عنه ، و أنه اعترض عليه في أربع عشرة مسألة لم ينفصل عن واحدة منها ، بل أقر بالخطأ فيها ، و الله سبحانه يسمح للجميع بمنه ، إذ ليس ينبغي اتصاف بالكمال إلا لربي الكبير المتعال ، و إن تجد عيباً فسد الخلل ، و الله المستعان .
(1/454)
________________________________________
و منها قول التوضيح عند قول ابن الحاجب فإن دخل قبله فسخ بطلقة بائنة ، و قيل : يحدان إن ثبت الوطء ما لم يكن فاشياً . مقتضى كلامه أن المذهب سقوط الحد عنه في كل صورة ، و هذا شيء لا يقوله أحد ، بل إن حصل الفسق و الجهل فالاتفاق على سقوط الحد ، و إن انتفيا فالاتفاق على ثبوته ، قاله ابن بشير ، و ابن عبد السلام . انتهى . و مثله قول ابن عرفة وَ نَقْلُ ابن الحاجب عدم حدهما مطلقاً لا أعرفه ، لإظهار نقل الشيخ رواية محمد : إن بنى و لم يشهد فسخ مطلقة ، و خطبها إن شاء بعد ثلاث حيض . انتهى . فقد يظهر عدم تسليم الاعتراض على ابن الحاجب ، و أن الاتفاق الذي ذكره ابن بشير و ابن عبد السلام غير صحيح ، فإن في رسم : إن مكنتني من حلق رأسك . من سماع ابن دينار ، و فصل الإشهاد من وثائق الجزيري يشهد لصحة نقله و ثقته ، و نقله . و لفظ الجزيري : الإشهاد من شروط الكمال ، فلا يدخل حتى يشهد ، فإن فعل فسخ النكاح ، و أدب الزوجان ، و قيل : يحدان إن كانا بلديين ، بخلاف الطارئين . انتهى . فتأملوا ذلك ، فإن إطلاق الأدب في القول الأول موافق لإطلاق ابن الحاجب فقه الأول فيما يتعلق بطرف نفي الحد ، و أما الأدب فليس في كلام ابن الحاجب ما يدل على ثبوته و لا على نفيه . نعم قوله : و قيل : يحدان . يقتضي أن الخلاف إنما هو في الحد ، و هو أخص و لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم ، و الله أعلم . مثله :
[
(1/455)
________________________________________
375/3]=فأجاب : و مسألة ابن الحاجب في الدخول بغير إشهاد و نقل الجزيري , و مثله وقع لصاحب الوثائق المجموعة ، و ما نقلتم عن رسم : إن مكنتني . مثله , و رأيت مقيداً على ذلك المحل من الجزيرية ، إلا أني لم أجده في البيان كذلك . و منها قول ابن الحاجب ، و تزوج السلطان معه كالأبعد مع لأقرب لا كالمساوي على الأشهر ، فقد أطبق شراحه على إنكار المشهور ابن راشد و ابن عبد السلام و صاحب التوضيح ، و غيرهم . و تبعهم على ذلك رأس الحفاظ في زمانه و مكانه الشيخ أبو عبد الله بن عرفة رحمه الله ، فقال في مختصره : "و قول ابن الحاجب لا كالمساوي لا أعرفه ، بل نصوصهم أنه معه كغيره معه" . انتهى . فإن وقع إليكم سيدي من تصحيح نقل ابن الحاجب للمشهور شيء ، فمنَّ علينا به مضافاً لقائله و ناقله , و الله يحفظ لنا حفظكم و يجزل من الكمالات الدينية و الدنيوية حظكم .
=فأجاب : و مسألة السلطان في التزويج و تقديمه على الأولياء قد صرح به غير واحد ، و هو أحد المواضع المختلف فيها في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، هل يحمل على التخيير أو على المساواة أو على الترتيب ، و على القول بالترتيب ، هل هو من باب الأولى أو من باب الوجوب ، و قد نقل غير واحد عن ابن حبيب عن ابن القاسم أو في قول عمر للتخيير و المساواة ، و أنه يجوز للسلطان أن يزوج و الولي حاضر ، و انظر ما لابن رشد في سماع القرينين ، و أن معنى الترتيب عنده إنما هو في الاختيار لا في الوجوب ؛ لأنه يقال : إن زوج السلطان دون الأولياء مع حضورهم مضى النكاح و لم يكن للأقرب أن يرده . انظر تمامه .
(1/456)
________________________________________
و منها قول الجزيري : "و إن وقع الخلع قبل ستة أشهر لم يراجعها بعدها ، و إن وقع بعدها فله مراجعتها ، إذ ليس له إلا الأقل من الميراث ، و الخلع في الصحيح من القول" . انتهى فتأملوا رحمكم الله ما ذكره من إباحة المراجعة إن وقع الخلع بعد الستة , هل هو صحيح أم لا ؟ فقد رأيت في حاشية أصل من الجزيرية بخط الشيخ الأستاذ الثقة العدل الضابط الجاديري التلمساني الأصل في المسألة ما نصه : "قال سيدي موسى ما ذكره مخالف[376/3]للمنصوص" . انتهى . فإن انتهى إليكم تصحيح ما ذكره ، فسطروه و بيِّنوا قائله و ناقله و حرروه .
=فأجاب : و مسألة الجزيري في الحامل مخالفة للمنصوص ، و قد غلطه فيها بعض الشيوخ ، و منهم شيخ شيوخنا الفقيه العالم الحافظ الإمام شيخ شيوخ المغرب قاطبة سيدي موسى العبدوسي ، قال : "وقعت للجزيري هفوات ، و صدرت منه غلطات منها هذه ، و الشيخ سيدي موسى كان آخر الشيوخ المحققين ، قال لي الشيخ الصالح سيدي أحمد بن مالك خديم سيدي محمد بن عباد أنه كان يقول : الشيخ سيدي موسى العبدوسي آية الله في المدونة ، و كان الشيوخ يقولون : إن الفقهاء العصريين على ثلاثة أقسام ، منهم من أعطى الحفظ فقط ، و منهم الفهم فقط ، و منهم من جُمعا له و هو الشيخ سيدي موسى العبدوسي . و قد قيد عنه شيخنا و سيدنا الحافظ أبو موسى عمران بن موسى تقييداً كبيراً قي عشرة أسفار ، و رأيت تقييداً آخر قيد عنه على رسالة ابن أبي زيد رضي الله عن الجميع بفضله و منِّه .
(1/457)
________________________________________
و منها أنهم قالوا : إذا وطئ الأب أم ولد ابنه غرم قيمتها . خلافاً للتونسي , ثم هل يغرم قيمتها أم ولد أو أمة قولان للكتاب ، و قالوا : إذا رجع الشاهدان بتبتيل عتقها بعد الحكم الأكثرون لا غرامة ، فقد يظهر استشكال هذا الفقه على رأي الأكثرين ، إذ لا يكون الأب مع الشبهة التي له في مال ابنه أسوأ حالاً ممن شهد بالزور و اعترف بالإتلاف ، و لا ينتهضن جواباً كون الأب فوت بوطئه على ابنه الاستمتاع تفويتاً أبديّاً نكاحاً و ملكاً ، و لا كذلك الراجعان ، فإنهما إنما فوتا ملكاً لا نكاحاً ؛ لأنَّا نقول المشهود عليه بالتبتيل ، و إن بقي له الاستمتاع النكاحي فقد لا يتوصل إليه إلا بمهر كبير و مال كثير ، و قد كان في سعة من غرمه ، و مندوحة من بذله ، و قد لا يتأتى له النكاح أصلاً ، لشدة فقره أو لفخامة قدره ، و قد لا ترضى به أصلاً ، إذ بالعتق ارتفع الإجبار ، و ملكت أمرها على القول المختار ، و قد سبق خوضي في المسألة مع بعض الفضلاء الأعلام قبل هذا التاريخ بعدة أعوام فلم أظفر بطائل ، و لا حصل[377/3]لي منهم ما يكشف الغم من واضحات الدلائل ، و إليكم فيها المرجع و المئاب ، و من الله تعالى نسأل لكم التوفيق إلى طريق الصواب ، إنه كريم وهاب .
(1/458)
________________________________________
=فأجاب : الحكم في المسألتين متحد على مذهب ابن القاسم ، و قد أسهبتم و أطنبتم فيها ، و هي دون ذلك ، و القاعدة أن لا تعارض إلا مع وحدة القائل ، و اعترض التونسي ما في المدونة من إغرام الأب القيمة ، و قال : إنما أفسده عليه متعته ، و المتعة لا قيمة لها . قال : كالذي يشهد عليه بطلاق زوجته بعد البناء ، ثم أقر الشهود أنهم شهدوا بزور أنهم لا غرم عليهم ؛ لأنهم إنما أتلفوا عليه متعة ، و أما الصداق فقد استحقته بالمسيس ، و قد ردَّ ذلك عبد الحق و قال : لا يلزم . ابن القاسم ؛ لأن أم الولد بحال الأمة في الإرش و انتزاع المال ، فقد حرم سيدها ذلك ، و يلزم عليه أن لا غرم على قاتل أم الولد ؛ لأنه إنما أفسد متعة و ليس هذا بشيء .
[أم قدمها الحاكم على بناتها ثم تزوجت و زوجت إحدى بناتها و قدمت على نكاحها أخاها ]
*و سئل ابن رشد عن رجل توفي و ترك زوجة و بنات فقدم حاكم الجهة الأم على البنات ، ثم تزوجت الأم بعد ذلك ، ثم بعد نكاحها زوجت إحدى البنات و قدمت على نكاح الابنة أخاها خال البنت المذكورة ، و للابنة أولاد عم غيب عن البلد على مسافة يومين لم يحضروا عقد النكاح ، و لا شوروا فيه ، فلما علموا أرادوا فسخه ، و زعموا أن الأم سفيهة ، و أن الزوج غير كفء لها ، بيِّنوا لنا ما توجبه السنة في ذلك .
=فأجاب : النكاح صحيح لا سبيل إلى فسخه ، إلا أن يثبت الأولياء ما ادعوه من أن الزوج غير كفء لها ، و أن تزوجها منه ضرر بها و غير نظر لها ، ببينة عادلة ، و يعذر في ذلك إلى الأم و الزوج ، فلا يكون في ذلك عنهما مدفع .
[378/3][يتيمة بنت خمس عشرة سنة أنكحها عمها لأنه وليَّها ثم هربت البنت و ادعت أنها غير بالغ]
(1/459)
________________________________________
*و سئل عن رجل تزوج امرأة يتيمة بنت خمسة عشر عاماً أنكحها عم لها ، و قال : إنه وليَّها لا ولي لها غيره . و كانت لها أم قالت كذلك أيضاً ، و زعما أنها بالغ ، فلما دخل الزوج بها و مكث معها أكثر من ستة أشهر ، كرهته و هربت منه ، و قالت العم : ليست بعمها . و قالت الأم كذلك ، و أنها غير بالغ . هل يفسخ النكاح لذلك ؟ و على من صداقها ؟ أو لا يفسخ ؟ بيّن لنا ذلك مأجوراً .
=فأجاب : الواجب رد المرأة إلى زوجها و إمضاء النكاح ؛ لوقوعه على الصحة في ظاهره ، و لا يفسخ بقول العم و الأم و دعواهما .
[من زوَّج ابناً له صغيراً من يتيمة بكر بالغ ، فلما بلغ الابن أبى من التزام النكاح ]
*و سئل عن رجل زوَّج ابناً له صغيراً من يتيمة بكر بالغ ، فزوجها ابن عمها بمهر معجل و مؤجل ، و التزم الأب بدفع المعجل منه على ابنه ، و ضرب للمؤجل أجلاً ، فلما بلغ الابن أبى من التزام النكاح و الشروط ، بيِّنوا لنا ما يلزم الأب فيما التزمه من النقد ، و هل يمضي النكاح أم يفسخ .
=فأجاب : إذا بلغ الابن و أبى من التزام ما عقده عليه أبوه قبل الدخول ، كان مخيراً بين أن يمضي النكاح على نفسه فيلزمه كل ما شرط عليه أبوه ، أو يرد النكاح عن نفسه فلا يكون عليه شيء ، و يسقط عن الأب أيضاً ما التزمه عن ابنه من معجل المهر ؛ لأن ذلك يكون فسخاً بغير طلاق ، و هذا الذي أختاره و أتقلده مما قيل في ذلك .
[من زوَّج ابنة بكراً له في حجره من رجل غاب عنها قبل البناء بها ، فطلقها الحاكم عليه ثم تصالحا]
(1/460)
________________________________________
*و سئل عن رجل أنكح ابنة بكراً في حجره من رجل بصداق معجل و مؤجل ، فغاب الناكح قبل البناء بها مدة ، و أثبت أبوها مغيبه عند حاكم الجهة[379/3]و طلقها عليه الحاكم ، و أن الناكح قدم في إثر ذلك و اصطلحا على إبقاء الإنكاح ، و وهب لهم موضعاً ؛ لأن الناكح التزم دفعه إلى المرأة على وجه السياقة ، و على أن أنظره مهر ابنته و الدخول بها لستة أشهر ، و افترقا على ذلك و تشاهدا ، ثم غاب الناكح إلى حاجته و طلب معاشه بسبب المهلة التي أمهله بها المنكح ، فلم يغب إلا يسيراً ، و أنكح الأب ابنته من رجل آخر ، و عقد نكاحها معه ، فقام الآن الزوج الأول و يريد الدخول بزوجته ، بيِّن لنا الجواب في ذلك .
=فأجاب : إذا كانا لم يجددا عقد النكاح بعد أن حكم عليه بالطلاق ، و إنما اصطلحها على إبقاء النكاح الأول حسبما ذكرت ، فلا يجوز ذلك ، و يثبت النكاح الآخر .
[من أنكح ابنته من رجل ثم ماتت الابنة قبل الدخول فطلب كل من الأب و الزوج الآخر]
*و سئل عمن أنكح ابنته من رجل و تم ذلك على ما يجب ، فماتت الابنة المذكورة قبل الدخول بها ، و قام الأب يطلب الزوج بصداقها و نفقتها ، و بالكسوة مدة حياتها من يوم أنكحها منه إلى أن ماتت ، ثم قام الزوج يطلب أباها بما اكتسبه لها ليجهزها به إلى الزوج المذكور ، هل يصح لهما أو لأحدهما شيء مما طلبه ، بيِّن لنا ما يلزمهما ، و ما يجب لهما ، و ما عليهما ؟
=فأجاب : إن كان ما اكتسب الأب ليجهز ابنته به أمضاه لها و بتله ، فهو موروث عنها ، و كذلك ما سمى لها من الصداق موروث عنها ، و لا يلزم الزوج لها نفقة و لا كسوة .
[من ضمن شورة زوجته و ادعى تلفها ]
*و سئل عمن ضمن شورة زوجته و ادعى تلفها .
(1/461)
________________________________________
=فأجاب : أما الزوج الذي ضمن شورة زوجته ثم ادعى تلفها أو قامت بذلك بينة ، فإن كان ضمنها مخافة التلف عليها حيث تلفت فهو لها ضامن[380/3]و إن قامت البينة على تلفها ، و إن كان سبب ضمانها أنه اتهم على الغيبة عليها و لم يؤتمن في ذلك ، فلا ضمان عليه فيها إذا أقامت على تلفها بينة .
[إذا زفت الزوجة إلى زوجها و ضمن الزوج الشورة فضاعت ]
*و سئل عن الزوجة إذا زفت إلى زوجها و ضمن الزوج الشورة التي جهزت بها إليه و ضاعت ، هل يلزمه ما ألزم نفسه ، أو يكون ذلك من باب من التزم ضمان مالاً يغاب عليه في العارية ، و على من أسقط الشفعة قبل وجوبها ، و هل تجري المسألة على مسألة من قال : أنا ضامن لرهنك و ما نقص من حقك .
=فأجاب : الوجه في هذا أن ينظر إلى الوجه الذي خرج عليه ضمان الشورة ، فإن كان من أجل أنه خشيت عليه الزوجة ، فلا يلزمه ضمانها إن قامت البينة على تلفها من غير فعله ، و إن كان من أجل أنه خشي هو عليها ، فلا شيء عليه إن قامت البينة على تلفها من غير فعله ، و يلزمه ضمانها على كل حال إن لم توجد و ادعى تلفها فلم يُعلم ذلك إلا بقوله .
[ناكح يسوق سياقة من جملة الصداق ]
*و سئل عن ناكح يسوق في نكاحه سياقة من جملة الصداق ، و ربما وجدتها غير محدودة و لا معلومة ، فتعود لجهل في الصداق ، فما الحكم قبل البناء و بعده ؟
=فأجاب : النكاح الذي ينعقد على سياقة غير محدودة في كتاب الصداق ، جائز لا يفسخ قبل البناء و لا بعده من أجل إهمال تحديدها في كتاب الصداق إن كانوا قد عرفوا ذلك و لم يدخلوا فيه على جهل .
[من باعت ربع مالها لزوج حفيدتها و نحلته بها ثم توفيت]
(1/462)
________________________________________
*و سئل عن امرأة لها ابن و ابنة و كان للابن ابنة فتزوجها رجل ، و للمرأة المذكورة مال فباعت الربع من المال من صهر ابنها المذكور الذي تزوج حفيدتها على أن يسوقه كله إليها سياقة ينعقد عليها النكاح ، و نحلت المرأة المذكورة[381/3]حفيدتها بالربع المذكور و كان البيع و النحلة في وقت واحد ، فحصل بيدها النصف ، و بيد المرأة النصف ، فماتت المرأة المذكورة بنحو من عام ، و قبل أن يدخل الزوج بالحفيدة وقع بين ولدها و بين صهره منازعة انحل بسببها النكاح المذكور ، على أن يبقى بيد الزوج الربع الذي ابتاعه منها و سائره للحفيدة المذكورة ، و هل لمن ورث المرأة المذكورة في هذا الربع شفعة أم لا ؟
=فأجاب : إذا وقعت المفارقة بينها قبل الدخول على أن يكون له جميع الربع الذي ساقه لزوجه من الأملاك ، فلا تجب الشفعة عليه إلا في نصف ذلك الربع ؛ لأنه هو الذي وجب لها بالعقد و صح لها بالطلاق قبل الدخول ، فرده إليه الأب بالخلع ، و أما النصف الثاني منه فلا شفعة عليه فيه ، لبقائه على ملكه الأول ، إذ لا يجب للمرأة بالعقد من الصداق إلا نصفه ، و إنما تستحق جميعه بالموت و الدخول على مذهب ابن القاسم ، و روايته عن مالك في أن الغلة بينهما و المصيبة منهما ، ما لم يدخل بها ، و تكون الشفعة في نصف الربع المذكور في القيمة للحفيدة المذكورة و لمن ورث المرأة ، و يدخل هو معهم في الشفعة بنصف الربع الباقي له على الملك الأول .
[من ساق إلى زوجته سياقة عند عقدة النكاح على أن يشورها أبوها شورة تقابلها]
(1/463)
________________________________________
*و سئل عن رجل ساق إلى زوجته سياقة عند عقدة النكاح عليها و طلب من أبيها أن يشورها شورة تقاوم سياقته ، إذ العرف جارٍ عندهم بذلك ، فأبى الأب من ذلك ، و نص السؤال : دوابكم رضي الله عنكم في أهل بلد لهم مناكح قد عرفت لهم و عرفوا بها لا يتعدونها ، و عادتهم في مناكحهم هذه أن يسوق الرجل منهم لامرأته جزءاً من أملاكه ، و العرف عندهم و العادة أن من ساق منهم لامرأته ذلك الجزء من أملاكه ، فإنه لا بد لوالد الزوجة أن يبرزها إلى زوجها من مال نفسه عطية لها بما يفي بالمقدار الذي ساقه لها زوجها ، أو بما يربي عليه ، هذه عادة عندهم ثابتة قديمة متواترة مستمرة لا تخلف ، فتزوج رجل منهم امرأة ممن تكون كفؤاً له و ما يشبه مناكحه ، و ساق لها من ماله[382/3]ما جرت العادة عندهم بأن يسوق مثله لمثلها ، و والد الزوجة من أهل الثروة و المال التي إنما يساق لابنته ما ساقه لها زوجها على أن يبرزها مما يعطيه لها من المال و الحلي ما يبرز به مثلها ، فذهب والد الزوجة بعد هذه السياقة التي ساقها لابنته زوجها أن يبرزها إليه فقيرة دون أن يعطيها ما جرى العرف و العادة أن يخرج به مثلها ، فما الذي تراه في ذلك وصل الله توفيقك ؟ هل ترى أن العرف كالشرط ، و ترى على الأب أن يجهزها بما جرت العادة أن يجهز به مثلها ، إذ المال من جملة ما تنكح المرأة له ، و إذا السياقة التي رفع لها فيها ، إنما كانت من أجله ، ما الذي تراه في ذلك ؟ بيِّن لنا الجواب يعظم الله أجركم .
=فأجاب : إذا أبى الأب أن يجهزها إليه بما جرى به العرف و العادة أن يجهز به مثلها إلى مثله على ما نقدها و ساق إليها ، كان بالخيار بين أن يلتزم النكاح أو يرد عن نفسه فيسترد ما نقد ، و يسقط ما أكلأ و ساق . انتهى .
(1/464)
________________________________________
قلت : بمقتضى هذه الفتوى خرجت الفتوى في نازلة مزوار المؤذنين المؤقت أبي العباس أحمد ابن الشيخ الفقيه أبي مهدي عيسى بن أحمد المواسي مع صهره المحتسب الأمين أبي العباس اللمتوني ، إذ لم يكن دخل بها المزوار المذكور ، و تقدم في هذا المجموع للإمام أبي عبد الله المازري خلاف هذه الفتوى فراجعه ، و لما وقف السائل على جواب الشيخ القاضي أبي الوليد رحمه الله ، ركب على سؤاله الأول سؤالين اثنين بعد قوله في الأول : على أن يبرزها مما يعطيه لها من المال و الحلي ما يبرز به مثلها . فأما أحدهما فهو : و أقام الزوج و والد الزوجة مدة من الزمان إلى أن توفيت الزوجة قبل الابتناء ، فذهب والدها إلى أن يأخذ ميراثه في ابنته في صداقها نقده و كالئه ، و في السياقة التي ساقها إليها زوجها ، و أبى الأب أن يبرز من ماله ذلك القدر الذي كان يبرزها به لو كانت حية ، فما الذي تراه وصل الله توفيقك في ذلك ؟ هل يكون له ما زعم من ذلك ؟ أَوَلا يكون عليه هو أن يخرج من ماله ذلك القدر الذي جرت به العادة و العرف ؟ أم ترى أنه لا شيء له في شيء من ذلك إلا بأن يخرج من ماله ذلك القدر الذي كان يجهزها به ، فيضاف إلى الصداق[383/3]و السياقة , و يقسم الجميع على فرائض الله ، بيِّن لنا الجواب في ذلك يعظم الله أجركم .
(1/465)
________________________________________
=فأجاب رحمه الله : إذا أبى الأب أن يبرزها من ماله ما يكون ميراثاً عنها القدر الذي يجهز به مثلها إلى مثله على ما نقدها و ساق إليها ، فلا يلزم الزوج إلا صداق مثلها على أن لا يكون جهازها إلا بقيمة نقدها ، و أما السؤال الثاني فهو أيضاً بعدما تقدم ذكره في السؤال الأول ، و نصه : و أقام الزوج و والد الزوجة مدة من الزمان إلى أن قضى الله تعالى بأن برزت إلى زوجها و أخرجت إليه من المال و الحلي ما يخرج به مثلها إلى مثله ، أبرزها بذلك كله والدها و دخل لها زوجها على تلك الحال ، فلما كان بعد ذلك ذهب والد الزوجة إلى أن يسترجع إلى نفسه ما كان أبرزها به من ذلك كله ، و زعم أنه إنما كان إخراجه لها عارية منه ، و الزوج يأبى أن يكون عليه الصداق و السياقة ، إلا أن يكون ما خرجت به لها و مالاً من مالها ، فما الذي تراه وصل الله توفيقك في ذلك ، و هل القول قول الأب أو الزوج ؟ بيِّن لنا الجواب في ذلك .
=فأجاب : تصفحت سؤالك هذا و وقفت عليه ، و إذا كان الأمر على ما وصفته فيه ، فليس للأب أن يسترد ما أبرزها به إلى زوجها من الحلي و الثياب ، و لا يصدق فيما ادعاه من أنه إنما أبرز إليها على سبيل العارية منه لها .
[من أسقط عن زوج ابنته بعض نقده حين أراد الدخول بها]
*و سئل عن رجل أسقط عن زوج ابنته من نقدها أربعين مثقالاً حين أراد الدخول بها رفقاً به و إحساناً إليه ، ثم دخل بها الزوج و هي بكر ، فتوفيت عنه ، و ورثها ورثتها ، ثم توفي زوجها بعدها ، فأرادت الآن بنتها القيام فيما كان أسقطه جدها المذكور لأبيها ، و زعمت أن ذلك لا يجوز على أمها ، فهل يجوز هذا الإسقاط المذكور على أمها أم لا ؟ إذ لم يرد والدها قبل البناء على أمها طلاقها ، و لا ذكر في صداقها جدها عند الإسقاط أكثر من قوله رفقاً به[384/3]و إحساناً إليه ، و لم يذكر أنه فعل ذلك به لعسره بالمهر و لا خوف الطلاق و لا بوجه ينظر فيه أكثر من اللفظة المتقدمة .
(1/466)
________________________________________
=فأجاب : بأن قال تصفحت سؤالك و وقفت عليه و ما وضعه الأب من صداق ابنته عن زوجها عند ابتنائه بها جائز عليها نافذ ؛ لأن أمره في ذلك محمول على النظر لها حتى يعلم خلاف ذلك ، إذ لو زوجها منه ابتداء بما بقي من صداقها بعد الوضيعة جاز ذلك عليها .
[من زوَّج ابنته من رجل و شرط عليه في عقد النكاح الإخدام ]
*و سئل من قبل القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله تعالى عما وقع للمتأخرين في فسخ النكاح قبل البناء باشتراط الخدمة في العقد ، هل يوجد للمتقدمين ؟ فلم أقف لهم فيه على شيء إلا نظائرها في اشتراط النفقة ، فأفسدوا النكاح به قيل إذا اشترط نفقة مثلها ، و لا فرق بين الموضعين إذ نفقة المثل و الخدمة إنما يجبان و يحكم بهما مع اليسر لا مع العسر ، بخلاف اشتراط مجرد النفقة لوجوبها على كل حال ، فلم يضر اشتراطها حسبما وقع في علمك في المسألة في كتاب محمد و العتبية ، و إن كان ابن حبيب قد أجاز اشتراط الوجهين في مسألة النفقة ، و حكاه عن شيوخه ، و لا فرق بين الخدمة و نفقة المثل ، و رأيت ابن الهندي أجاز اشتراط الخدمة و لم يذكر في ذلك الطوع ، و قال ابن العطار فيها و كونها على الطوع أصح يشير إلى الخلاف ، فهل هذا كله للمتقدمين ؟ أو هذا مستقل ؟ أو مقيس على مسألة النفقة ، لشيخي الفضل في شرح هذه المسألة مما عنده في ذلك .
(1/467)
________________________________________
=فأجاب : التنظير الذي نظرت به بين المسألتين صحيح عندي على ما ذكرته ، و قد اختلف على علمك في الإخدام ، فقيل : إن الحكم يجب به على الزوج لزوجه كالنفقة تطلق عليه بالعجز عنها ، و هو قول ابن الماجشون و قيل : يجب عليه كالنفقة ، إلا أنه لا تطلق عليه بالعجز عنه ، و هو مذهب ابن القاسم ، و ذهب ابن حبيب إلى أن الإخدام لا يجب على الزوج لزوجته إلا أن يكون موسراً ، و تكون هي من ذوات الإقدار ، و إن لم تكن هي من ذوات الإقدار[385/3]لم يجب عليه إخدامها و إن كان موسراً ، إلا أن يكون من ذوي الأقدار الذين لا يمتهنون نساءهم في الإخدام ، فعلى القول بإيجاب الإخدام لا تأثير لاشتراطه في صحة عقد النكاح ، و على القول بأنه لا يجب في موضع لا يصح اشتراطه في الموضع الذي لا يجب فيه ، فإن وقع كان له تأثير في صحة النكاح يجب به فسخه قبل الدخول ، فإن طاع به الزوج بعد العقد ، جاز باتفاق و لم يكن فيه كلام .
[لا تحل حفيدة الزوجة لمن كان زوجاً لجدتها إن ماتت عنه أو طلقها]
*و سئل عن حفيدة الزوجة من ابنها أو من ابنتها ، هل تحل لمن كان زوجاً للزوجة المذكورة أم لا ؟ إن ماتت عنه أو طلقها .
=فأجاب بأن قال : إذا دخل بها فلا تحل له بناتها و لا بنات بناتها و لا بنات بنيها و إن سفلن ؛ لأنهن بمنزلة الربائب ، كل من لزوجته التي قد دخل بها عيه ولادة و إن بعدت ، فهي عليه حرام ، هذا ما لا اختلاف فيه .
[من تزوج امرأة على أنها بكر ، فوجدها غير عذراء]
*و سئل عمن تزوج في وقتنا هذا و اشترط أنها بكر ، و لم يشترط عذراء ، و البكر عند عامتنا إنما هي عندهم مع بقاء العذرة ، لا ما يعتقده الفقهاء في ذلك ، فهل إذا كان هذا اعتقادهم و عليه يدخل من شرط في امرأته أنها بكر إذا وجدها موطوءة و ثبت ذلك ، فما يجب ؟ هل للزوج مقال ؟ بيِّن لنا الحكم فيه إذا أنزل .
(1/468)
________________________________________
=فأجاب بأن قال : أما الذي يتزوج المرأة بأنها بكر فيجدها غير عذراء ، و العوام تظن أن البكر ذات العذرة ، و تجهل أن البكر هي التي لم يكن لها زوج ، فإنها مسألة اختلف أهل العلم فيها ، فلم يعذره أشهب بالجهل في ذلك إذا قصر في أمره و ترك أن يكتب فيه ، و يسأل إذا كان يجهل ، هل ينفعه هذا الشرط أم لا ؟ فرأى أن الشرط لا ينفعه إلا أن يشترط عذراء ، أو يكون في الشرط بيان مثل أن يقول : فإن لم أجدها بكراً رددتها ، و هو مذهب سحنون ،[386/3]فقد قال في رجل جاهل من أهل الأعراب وقف في السوق فسام برأس هذا الرقيق فقال للتاجر هل فيه من عيب ؟ فقال له التاجر : هذا قائم العينين . فأخذه على ذلك و ذهب به و نقده الثمن ، و سأل عن قائم العينين ، فقالوا : الذي لا يبصر بهما . و هو عيب أنه لا ينتفع بجهله ، و البيع لازم له . قال الداودي : و لقد عاودته فيها غير مرة فأبى إلا ذلك ، و قد قيل : إنه يعذر بجهله في ذلك و يكون له ردها إن لم يجدها عذراء ، و هو ظاهر قول أصبغ ، و الذي يأتي على مذهب ابن القاسم في الذي يشتري الياقوتة و هو يظنها ياقوتة ، فإذا هي غير ياقوتة ، أن له أن يرد البيع ، خلاف رواية أشهب عن مالك ، و هو أظهر القولين ، و أولاهما بالصواب و الله أعلم .
[من تزوج امرأة بكراً و غاب عنها قبل البناء ، فأخذت بشرطها دون أن ترفع للحاكم]
(1/469)
________________________________________
*و سئل عمن تزوج امرأة بكراً و غاب عنها قبل البناء بها غيبة متصلة تجاوز فيها الأجل الذي شرطه لها بحيث لا يعلم ، فذهبت إلى الأخذ بشرطها و حلفت بمحضر جماعة من جيرانها ، يعلمون غيبة الزوج المذكور ، و طلقت نفسها ، و لم يكن بالمكان الذي فيه الزوجان حاكم يثبت عنده المغيب و الصداق ، غير أن الأمر مشهور معلوم ، هل ينفذ ما فعلته من اليمين و الطلاق على شرطها ، و تستحق نصف صداقها ، و يحل لها التزويج على هذه الصفة ، و لا يكون لأحد في فعلها كلام و لا اعتراض ، إذ الأمر مشهور لا يجهله أحد من أهل قريتها أم لا ؟
=فأجاب : إذا كان الأمر على ما وصفته فيه فمن حقه أن ينفق عليها من ماله إذا طلبت ذلك ، و أن تطلق عليه بعدم الإنفاق إذا سألت ذلك و لم يكن لها مال ، و أن تأخذ بشرطها الذي شرطه لها في المغيب ، فإذا لم يكن في البلد حاكم ترفع إليه ذلك ، فأخذت بشرطها و طلقت نفسها بعد يمينها على ما شرط الزوج بمحضر شهود عدول ، يعرفون المغيب و الشرط ، نفذ ذلك على الزوج إن جاء و لم يكن له مدفع في الشرط و لا في المغيب ، و إن أرادت أن[387/3]تتزوج قبل قدومه فينبغي أن ترفع ذلك للحاكم فتثبت عنده الأمر كله على وجهه ، و يتلوم للغائب ، فإن لم يأت حكم بإنفاذ ذلك عليه و إرجاء الحجة له ، و أباح لها النكاح .
[من شرط لزوجته أن لا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر فزاد على ذلك]
*و سئل عن رجل تزوج امرأة و شرط لها في كتاب صداقها معه أن لا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر ، فإن زاد على هذين الأجلين فأمرها بيدها ، و لها التلوم ما أحبت ، فغاب ثمانية أشهر و ثبت ذلك ، فلما قدم بعد الثمانية أشهر منعته من دخول الدار ، و أرادت أن تأخذ بشرطها ، بيِّن لنا رضي الله عنك هل لها ذلك أم لا ؟
(1/470)
________________________________________
و قد نزلت أدام الله توفيقكم و اختلف فيها ، فقال بعض الشيوخ : لها أن تأخذ بشرطها . و احتج بما وقع في سماع أصبغ من كتاب النكاح في قوله : و إن ماتت المرأة التي تزوج عليها أو فارقها قبل أن تعلم ثم علمت ، فلها أن تأخذ بشرطها في المسألة بعينها . و في مسائل ابن زرب ، و وثائق ابن العطار مثل ذلك ، و قال بعضهم : ليس لها أن تأخذ بالشرط . و لم يستظهر في ذلك بنص ، فبيِّن لنا أرجح القولين في ذلك و أوضحهما ، مأجوراً مشكوراً .
(1/471)
________________________________________
=فأجاب : ما ذهب إليه بعض الشيوخ من أن لها أن تأخذ بشرطها و هو حاضر بعد قدومه من مغيبه ليس بصحيح ؛ لأنه إذا قدم فقد ارتفعت العلة التي من أجلها وجب أن يكون أمرها بيدها ، و ذلك بيِّن من قولهم في الشروط : و لها التلوم عليه ما أقامت منتظرة و متلومة عليه لا يقطع تلومها شرطها ، إذ لا يقتضي ذلك أن القضاء الواجب بحلول الأجل لا يبطله و يخرجه من يدها إلا قدوم الزوج ، و إن طال انتظارها قبل قدومه ، و لا تشبه هذه المسألة مسألة أصبغ بالتزويج عليها , و إن ماتت أو طلقها ، لما تخشى المرأة من أن يكون تزويجه عليها قد زهده فيها و رغبه في سواها ، فوجب أن لا يبطل بموت المتزوجة و لا بطلاقها ، و لم يجب لها القضاء في هذه المسألة بانقضاء الأجل إلا مع اتصال المغيب ؛ لأن مغيب الزوج عن زوجته لا يزهده فيها إذا قدم[388/3]عليها ، بع قد يرغبه فيها و يزيده في حرصه عليها ، و إنما تشبه هذه المسألة مسألة الأمة تعتق تحت العبد فلا تختار نفسها حتى يعتق زوجها ، و قد قالوا : إنها لا اختيار لها إذا أعتق زوجها قبل أن تختار ؛ لذهاب العلة الموجبة لاختيارها نفسها و هي رق الزوج ، فكذلك لا يحل للزوجة قضاء إذا قدم زوجها قبل أن تقضى ؛ لذهاب علة الموت الموجبة لقضائها في نفسها و هو اتصال مغيب الزوج عنها ، و هو نص قول ابن نافع في المدونة أنه لا قضاء لها إذا قدم زوجها قبل أن تأخذ بشرطها على ما رأيته لبعض أصحابنا ، فلا يلتفت إلى ما ذهب إليه الباجي في وثائق أو من سواه من المتأخرين .
[من ساق لزوجته سياقة من دار و أرض و زيتون في عقد النكاح]
(1/472)
________________________________________
*و سئل رضي الله عنه من قبل أبي مروان بن مسرة عن سياقة ساقها رجل لزوجته عند عقد نكاحه وقعت في عقد صداقه ، احتكم فيها عنده أيام توليته الأحكام بحصن الفنداق ، و هي : و ساق الناكح فلان لزوجه فلانة داراً بقرية كذا ، و تكسير ثلث مدى من أرضه نصفه في الأرض البيضاء ، و نصفه في الزيتون ، و كان في السؤال أنه لا يعرف التكسير بقرية الزوج ، و لا هو جار عندهم .
(1/473)
________________________________________
=فأجاب : تصفحت وفقنا الله و إياك سؤالك هذا ، و وقفت عليه و على عقد الصداق ، و الذي أقول به فيها أنها جائز على حسب ما وقع ، و العقد عليها صحيح و إن كان قد وقع فيها تقصير من الكاتب ، إذ لم يذكر معرفتهم بمقدار مساحة المدى فيما ساق الزوج إليها من أرضه و زيتونه في القرية المذكورة ، و لا معرفة الزوجة بأرض الزوج في القرية و وقوفها على طيبها من رديئها ، و بعلها من سقيها ، و لا جيد الزيتون من رديئه ، و لا على صفاقتها من خفتها ؛ لأنهم محمولون على العلم و المعرفة بذلك كله ، ما لم يكن دخولهم على الجهل به بتقاررهم على ذلك ، فيكون الحكم في ذلك حينئذ حكم النكاح الفاسد لصداقه ، فالواجب فيما سألت عنه أن يعرف تكسير سدس المدى ، و تكون له شريكة بذلك الجزء معه ما بلغ قل أو كثر ، في جميع ما كان له من[389/3]الأرض بالقرية المذكورة يوم عقد النكاح : جيدها و رديئها ، شقيها و بعلها ، على الإشاعة معه في ذلك كله ، و كذلك يفعل فيما كان له من الزيتون بالقرية يوم عقد النكاح تكسير جميه أرضها ، فما وقع من ذلك تكسير سدس المدى كانت به شريكاً له في جميعها على الإشاعة ، و لا يلفت في ذلك إلى جهل أهل ذلك البلد بوجه تكسير المدى في البلد الذي كتب فيه الصداق ، و لا إلى معرفتهم بذلك ، إذ لا يوجب بذلك حكماً سوى ما وصفناه ، و أما التي ساق إليها فلم تعين في كتاب الصداق و لا حدث فيه ، فالذي أختاره في ذلك و أقول به و أتقلده مما قاله أهل العلم في ذلك أن ينظر ، فإن كان للزوجة في القرية دار على الصفة المذكورة في كتاب الصداق كانت لها ، و إن لم تكن في القرية دار على تلك الصفة قضى لها في مسألة بقيمة دار في القرية المذكورة على الصفة الموصوفة في كتاب الصداق ، في أواسط مواضعها ، لا في أدناها ، و لا في أعلاها ، و بالله التوفيق .
(1/474)
________________________________________
فلما وقف أبو مروان بن مسرة على هذا الجواب قال له : أين وقع تجويز هذا مما ذكره ابن حبيب في الواضحة على نقل فضل في مختصره ، و هو قوله في باب مهور النساء : و من الغرر في الصداق أن تتزوج المرأة بأرض الزوج ، لا يسمى موضع الأرض و لا حدودها ، و لا ذرعها ، و لا تعرف بعينها ، أو توصف بحالها ، و يفسخ النكاح به قبل البناء ، و يثبت بعد البناء ، و ترد المرأة إلى صداق مثلها ، و لا تعطي وسطاً من الأرض ، سواء أصدقها أرضاً و سكت ، أو قال : أرضاً للزوج تختارها من أرضي في قرية فلانة . أو لم يقل : تختارها . فإن كانت قد عرفت أرضه في تلك القرية ، أو عرف ذلك أبوها إن كانت بكراً ، فذلك جائز و تكون شريكة له في أرض قريته بأرض زوج ، إن كانت أرضه لثلاث أزواج فلها ثلثها ، و إن كانت لزوجين فلها نصفها . و هكذا قال أصبغ و غيره عن مالك . فقال له أبو الوليد رحمه الله : قول ابن حبيب : إلا أن يقول : أرضاً لزوجي من أرضي في قرية فلانة . لأن الاستثناء لا يعود إلا على أقرب المذكور ، فالذي ذهب إليه إذا قال : أرضاً لزوج من أرضي في قرية فلانة . لم يجز إن قال : تختارها .
(1/475)
________________________________________
و جاز إن لم يقل ذلك ، و تكون شريكة له في أرض قريته[390/3]بزوج ، فإن كانت أرضه في القرية بثلاثة أزواج كان لها الثلث منها على الإشاعة ، و إن كانت أرضه لأربعة أزواج كان لها الربع منها على الإشاعة ، و كذلك إن زادت أرضه على ذلك أو نقصت منه ، و سواء على مذهبه كانت أرضه مستوية في الطيب و الكرم ، أو غير مستوية على شيء واحد من سقي أو بعل أو نضح ، أو مختلفة في ذلك على أصله ، في أنه لا يجوز شراء ثوب من ثياب على الخيار ، إلا أن تكون الثياب على صفة واحدة ، مستوية في الجودة و الرداءة ؛ لأن الأرض إن كانت مستوية ، فالأغراض في نواحيها مختلفة ، و على هذا يأتي قول غير ابن القاسم في كراء الدور من المدونة في أن كراء الأرض بالأذرع لا يجوز ، و إن كانت مستوية ، و يتخرج على مذهب ابن القاسم في جواز تزوج الرجل المرأة بأرض لزوج على أن تختار من أرضه إذا كانت مختلفة في الطيب و الكرم على شيء واحد من سقي أو بعل أو نضح قولان ؛ أحدهما : أن ذلك جائز على ما أجازه في كتاب الخيار من المدونة فيمن اشترى ثوباً من ثياب على الخيار ، و إن كان بعضها أفضل من بعض إذا كانت على رقم واحد . و الثاني : أن ذلك لا يجوز على ما وقع له في كتاب كراء الأرض من المدونة من أن كراء الأرضين بالأذرع لا يجوز إذا كانت الأرض مختلفة ؛ لأن المعنى فيها إنما هو إذا اكتراها بالأذرع على أن يختار فيأخذك من أي موضع شاء من أرضه ، و يقوم اختلاف قوله أيضاً في ذلك من اختلاف قوله في جواز قسمة الأرض بالسهم إذا كانت مختلفة الطيب و الكرم ، و أما إن كانت الأرض مختلفة فيما تسقى به من عين أو نضح أو بعل ، فلا يجوز أن يتزوجها بأرض زوج على أن تختارها ، فيجوز على مذهبهم كلهم استوت الأرض في الطيب و الكرم ، أو اختلفت في ذلك أو فيما تسقى به من عين أو نضح أو بعل ، و تكون شريكة له بمبلغ أرض الزوج في أرضه كلها على الإشاعة ، و إن اختلفت في جميع ما ذكرناه .
[
(1/476)
________________________________________
من تزوج امرأة على أن ساق لها نصف بقعة على أن يبنيها و يكون بينهما نصفين]
*و سئل من مدينة شلب عمن تزوج امرأة على أن ساق إليها نصف بقعة محدودة على أن يبنيها بنياناً تواصفاه ، و يكون بينهما نصفين .
[391/3]=فأجاب : النكاح جائز على مذهب ابن القاسم ؛ لأنه يجيز البيع و الإجارة في نفس المبيع إذا عرف وجه خروجه ، فإذا جاز على مذهبه أن يبتاع الرجل البقعة على أن يبنيها البائع ، و أن يتزوج المرأة على ذلك ، جاز أن يتزوجها بنصف البقعة على أن يبنيها بنياناً موصوفاً ؛ لأن التحجير إذا لم يكن في الشيء المبيع على المبتاع ، جاز على مذهبه أيضاً ، من ذلك مسألة كتاب كراء الدور و الأرضين من المدونة فهذا وجه المسألة ، إلا قول من قال : إنما جاز ذلك لأنه إنما ساق لها نصف هذا العرصة مبنية إذا لم تكن في وقت السياقة مبنية . و قد سأل بعض الأصحاب من عندهم عن هذه المسألة ، فأجبت عنها بنحو هذا الجواب و معناه .
(1/477)
________________________________________
و مسألة كراء الأرضين التي أشرنا إليها ، هي مسألة الرجل يكري أرضه من الرجل السنة المقبلة و له فيها زرع ذلك العام ، فأجاز ذلك ابن القاسم ، و منع ذلك ابن الماجشون ، من أجل أن المكري إذا أكرى أرضه العام المقبل و له فيها زرع في هذا العام ، فقد حجر على نفسه بيع أرضه و التصرف فيها بما يجوز لدى الملك في ملكه من الهبة و غير ذلك ، و كذلك هذه المسألة لا تجوز على قياس قول ابن الماجشون من أجل أن الزوج لا يقدر على بيع نصف بقعته الذي أبقى لنفسه بما شرط على نفسه من بنيان جميعها ، و ذلك جائز على مذهب ابن القاسم ، و لو اشترى رجل من رجل نصف بقعته على أن يقسمها معه و لا يبيعها و يشتركان في حرثها ، لوجب أن يجوز البيع و يبطل الشرط ، فإذا لم يفسد البيع بالتحجير على البائع من أجل الشرط ، فأحرى أن لا يفسد بالتحجير الذي يوجبه الحكم ، إذ قد وجدنا أشياء كثيرة لا يجوز أن تشترط في العقد ، و إن كانت تلك الأشياء توجب الحكم مثلها في العقود ، و لا تفسد بها ؛ فمن ذلك أن رجلاً لو باع من رجل شيئاً على أن فلاناً عليه بالخيار لرجل قد سماه ، إن شاء أن يأخذ منه ما اشتراه بالثمن الذي وزنه فيه البائع أخذه لم يجز ، و إذا اشترى شقصاً له شفيع ، فهو بالخيار عليه من جهة الحكم فيما اشترى ، فإن شاء أن يأخذه منه بالثمن أخذه ، و مثل هذا كثير ، و قد أجازوا استئجار الرجل على بنيان الرحى الخربة و البيت الخرب بالجزء من ذلك ، و لم يلتفتوا إلى حال ذلك في القسمة قبل البناء و لا بعده ،[392/3]و الباني مبتاع للجزء بعمله ، فهذا أيضاً حجة في تلك الاعتبار بامتناع القسمة في ذلك ، فلا فرق بين ابتياع البقعة على أن على البائع بنيانها ، و بين ابتياع نصفها على أن البائع يبني جميعها و يكون للمبتاع نصفها ، إلا من جهة التحجير على النصف الذي يقع ، و قد بيَّنا أن ذلك جائز على مذهب ابن القاسم خلافاً لابن الماجشون .
(1/478)
________________________________________
و من جملة مسائل أجاب عنها و لم يكتب السؤال فقال : و أما الذي تزوج المرأة على أن يبني عرصة له سماها بنياناً موصوفاً ، و تكون العرصة بينهما بنصفين ، فهي مسألة فيها من معنى كتاب الجعل و الإجارة من المدونة التي أشرت إليها طرف ، و فيها أيضاً أن الإجارة في الشيء الذي وقع به النكاح ، و ذلك جائز على مذهب ابن القاسم ؛ لأنه يجيزز البيع و الإجارة في نفس المبيع إذا عرف وجه خروجه ، و أمكنت فيه الإعادة إذا جاز على أن يبتاع الرجل البقعة على أن يبنيها البائع ، و أن تزوج المرأة على ذلك ، جاز أن يتزوجها بنصف البقعة على أنن يبنيا بنياناً موصوفاً و يكون بينهما .
مسألة من معنى التي قبلها من المسائل المشار إليها ، قال : و أما الذي تزوج المرأة على عدد مسمى من المواشي في أرض مسماة قد عرفتها المرأة على أنه إن لم يكن فيها وقاء بها يكمل لها البقعة من أرض له أخرى قد عرفتها المرأة أيضاً و وقفت عليها ، فإن كانت الأرض مختلفة في الكرم ، و متباعدة في المواضع ، فالنكاح فاسد للجهل بما يحصل لها من الأرض الأخرى ، و إن كان يحصل لها شيء أم لا ؟ كما ذكرت عن بعض الفقهاء من أن ذلك مجهلة في الأجل إذا لم يذكر متى يقع الإكمال ؛ لأن الأمر في ذلك محمول على الحلول لا على أجل مجهول ، و لو كان السكوت عن وقت الإكمال مجهلة في الأجل ، لكان النكاح على ذرع كذا من موضع مسمى لا يجوز ، و لكان شراء كيل مسمى من صبة بعينها غير جائز ، إلا أن يذكر الوقت الذي يذرع لها حقها من الأرض ، أو يكيل له كيله من الصبرة ، و قد جمعوا على أن ذلك جائز ، و أما إن كان الموضعان سواء في القرب و الكرم ، فيجري الأمر في جواز النكاح على اختلاف قول ابن القاسم و غيره في مسألة كراء الأرضين من المدونة .
[393/3][من طلَّق زوجه ثلاثاً ثم تزوجت غيره ، فتزوجها الأول ثانية بدون إشهاد على زوجها الثاني]
(1/479)
________________________________________
*و سئل رضي الله عنه عن رجل كانت له زوجة فطلَّقها ثلاثاً ألبتة ، و اعتدت منه و بقيت بعده عامين ، ثم تزوجها رجل غيره ، و بنى عليها , و أقام معها ما شاء الله ، ثم باراها و اعتدت منه ، ثم تزوجها الأول فقام عليه يطالبه ، و رفعهما إلى صاحب الأحكام ، فقال له : أثبت عندي أنه كان تزوجها بعدك رجل غيرك ، و أنه بنى عليها . و أثبت الزوج الأول صداقها المنعقد بالزوجية بينها و بين الزوج الثاني ، و أقر الزوج الثاني بالزوجية و أنه بنى عليها ، و أقرت الزوجة بذلك ، فكلفه الحاكم إثبات البناء عليها فشهد ببناء الثاني عليها خمسة شهود ممن كانوا معها في دار واحدة ، فقال له الحاكم : لست أجيزهم . فبيِّنوا لنا ما يجب في ذلك ، هل يثبت النكاح للزوج الأول بعد الزوج الثاني على ما فسر أم لا ؟ مأجوراً مشكوراً .
=فأجاب : لا تقر مع الزوج الأول و لا يثبت نكاحه معها إلا أن يثبت بناء الثاني بشهادة عدلين ، أو يكون بناؤه بها فاشياً مشهوراً بالسماع من لفيف الرجال و النساء و إن لم تعرف عدالتهم .
[نكاح المتعة و رأي المتأخرين فيها]
*و سئل بما نصه :
(1/480)
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم ، جواب الفقيه الفاضل أعلى الله ذكره ، و أسمى قدره ، في هذه المسألة ، و ذلك أدام الله عزك ، أنه عثر عندنا على رجل من أهل العلم و المعرفة الصحيحة من الطلبة قد تزوج امرأة نكاح متعة إلى أجل مسمى و بلا ولي ، و كان الصداق نصف درهم من هذه القراريط فقرره الحاكم على الوطء فأقر به ، فأمره أن يقيم البينة على ما ادعى من نكاحه ، فسار إلى داره و سار معه غلام الحاكم ، فأخرج صداقاًً تضمن ما قال ، و فيه شهادة رجلين غير مقطوع بهما في الحقوق ، فقال له رجل من أهل المجلس ما حملك على ذلك و تزوجت امرأة بنكاح حرمه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، أوما كفى أن النكاح كان محرماًًً ، إلا أنك أَوْقَعْتَهُ بلا ولي[394/3]و بلا صداق جائز ، و لم تشهد على ذلك عدولاً ، و ما أنت إلا زان معها ، فقال الرجل الذي عثر عليه : أما نكاحي نكاح المتعة فلا أنكر تحريمه ، إلا أني تعلقت فيه بما يحكى فيه من الخلاف عن ابن عباس و غيره ، و سبب ذلك أني علقت امرأة ممن لا أقدر على زواجها الزواج الصحيح من أجل أن والدي لم يتركني و لا كانت تصلح لمثلي ، فرأيت التعلق بهذا الخلاف أخف من أن أزانيها ، و أما قولكم لي أني أوقعته بلا ولي فهذه صفة نكاح المتعة لا يحتاج فيه إلى أكثر من إذن الولي ، و تعقد على نفسها ؛ لأنها تواجر بضعها إلى أجل ، فأشبه إجارتها سلعتها ، و إنما يحتاج إلى الولي في الموضع الذي يتأبد فيه مكث بضعها بوجه النكاح ، و أما قولكم بلا صداق فالقائل بجواز المتعة لأحد عنده لأقل الصداق ، و أما قولكم و لم أشهد عليه عدولاً ، فلم أقدر أن أنكشف إلى غيرهما ، و لو دعوت عدولاً إلى أن يشهدوا لي على ذلك ما شهدوا لي عليه ، فرأيت أن أصنع ذلك كله و لا أزني بها ؛ لأنه نكاح لا يتعلق به شيء من أسباب النكاح الصحيح ، و لعل الله تعالى يقبل هذا العذر و يصنع بي ما هو أهله ، فرغبتي إلى علاك أعزك الله أن تبيِّن لي ما يلزمه في
(1/481)
________________________________________
ذلك من حدٍّ و أدب ، و هل ذلك عذر يسقط عنه شيئاً من ذلك ؟ و هل هو عند الله أخف من الزنى على ما قال ؟ و هل له أن يطلب القائل له ما أنت إلا زانٍ بحدٍّ أم لا ؟ لأن له على ذلك البينة بيِّن لنا ذلك بياناً شافياً لا يكون فيه إشكال ، و الله يوفقك إلى ما فيه الصواب .
=فأجاب عن ذلك بما نصه : تصفحت عصمنا الله و إياك سؤالك هذا و وقفت عليه ، و نكاح المتعة الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه و سلم و حرَّمه ، و أجمع العلماء على تحريمه إلا من شذَّ منهم فلم يعتد بخلافه ، هو أن يتزوج الرجل المرأة إلى أجل معلوم بولي و صداق و شهيدي عدل ، فتكون أحكام الزوجية كلها قائمة بينهما إلى ذلك الأجل ما عدا الميراث ، و أما من توافق مع امرأة فيما بينها و بينه على أن يطأها و يستمتع بها مدة من الزمان على شيء يبذله لها من ماله ، فليس ذلك بنكاح المتعة و إن سمياه نكاحاً ، و إنما هو زنى ، فالواجب أن يحد هذا الرجل الذي سألت عنه حدَّ الذنى ، فيرجم إن كان[395/3]محصناً ، و يحد إن كان بكراً لإقراره بوطء المرأة التي عثر على كونه معها ، إذ ليس ما زعمه من أنه نكحها نكاح المتعة للوجه الذي ذكر شبهة تسقط الحد عنه ، إذ ليس يشهد له بذلك من تجوز شهادته ، و لا كان دخوله بها على وجه النكاح الذي زعم فاشياً مشتهراً معلوماً ، و ينبغي إذا كان بكراً أن يضرب بعد إقامة الحد على الضرب الوجيع ، و يسجن السجن الطويل ، لاستخفافه بالدين ، و إلباسه على حكام المسلمين ، و ما ذكرت عنه من المعرفة و الطلب حجة عليه توجب له الخزي في الدنيا و الآخرة ، و تنزله أسوأ المنازل ؛ لأنه عرف الحق فعانده ، و الصواب فخالفه ، و المحظور فاقتحمه ، اجتراء على الله ، و استخفافاً بحدوده ، و تلاعباً بدينه ، و قد روي أن «مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يُنْتَفَعْ بِعِلْمِهِ »(1)، فكيف بمن أضرت به معرفته ،
__________
(1) ؟ ؟ ؟ تخريج ؟ ؟ ؟
(1/482)
________________________________________
و طرق به إلى مواقعة المحظور ، و مخالفة الجمهور ، و بالله تعالى التوفيق .
ابن العربي في القبس : "نكاح المتعة من أغرب ما ورد في الشريعة ، فإنه نسخ مرتين , كان باحاً في صدر الإسلام ثم نهى النبي عليه السلام عنه يوم خيبر ، ثم أباحه في غزوة حنين ، ثم حرَّمه بعد ذلك ، بيَّن لنا ذلك مسلم من طريق الربيع بن سمرة الجهني ، و ليس لها أخت في الشريعة إلا مسألة القبلة ، فإن النسخ طرأ عليها مرتين ، ثم استقرت بعد ذلك ، و قد كان ابن العباس يقولها ، ثم ثبت رجوعه عنها ، فانعقد الإجماع على تحريمها ، فإذا فعلها أحد رجم في مشهور المذهب ، و في رواية أخرى عن مالك : لا يرجم . لأن نكاح المتعة ليس بحرام ، و لكن لأصل آخر لعلمائنا غريب ، انفردوا به دون سائر العلماء ، و هو أن ما حرِّم بالسنة هل هو مثل ما حرم بالقرآن ، أم لا ؟ فمن رواية بعض المدنيين عن مالك أنهما ليسا سواء و هذا ضعيف ، و قد بيَّناه في أصول الفقه ، و حققناه أنهما سواء في العمل و إن افترقا في العلم ، و أما نكاح المتعة فهو أكثر من ذلك كله و أقوى منه ، فإن تحريمه ثبت بإجماع الأمة و الإجماع أكثر من الخبر" . انتهى .
ابن عرفة : "و في كونه بالولي و البينة كالصحيح ، و سقوطهما قولان لابن رشد و أبي عمر ، نقل أبو عمر قول ابن عباس يرحم الله عمر : ما كانت المتعة من الله إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه[396/3]و سلم ، لولا نهي عمر ما احتاج للزنى إلا شقي" .
ابن مرزوق : "و كان ابن عباس رضي الله عنه يتأول في إباحة نكاح المتعة للمضطر إليه بطول العزبة ، و قلة اليسار و الجدة ، ثم توقف عنه فأمسك عن الفتوى به ، و روي عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : ما صنعت ؟ و بما أفتيت ؟ قد سارت بفتواك الركبان ، و قالت فيه الشعراء ، قال : و ما قالت ؟ قلت : قالوا :
قلت للشيخ لما طال مجلسه=يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس
(1/483)
________________________________________
هل لك في رخصة الإطراق ناعمة=تكون مثواك حتى مرجع الناس
فقال ابن عباس : إنَّا لله و إنا إليه راجعون ، و الله ما بهذا أفتيت ، و لا هذا أردت ، و لا أحللت إلا مثل ما أحلًَّ الله من الميتة و الدم و لحم الخنزير" . انتهى .
ابن عرفة : "و في بقاء خلاف ابن عباس خلاف مشهور ، أبو عمر و أصحابه من أهل مكة و اليمن يرونه حلالاً" . انتهى .
[من جعل على أولاده وصيّاً و مشرفاً ، فمات المشرف فزوَّج الوصي بعض بناته]
(1/484)
________________________________________
*و سئل رحمه الله من مدينة بطليوس عن رجل مات و ترك ولداً و ابنة بكراً و أوصى بهما إلى رجل ، و جعل معه رجلاً آخر يشرف على جميع أفعاله فيما يتولاه من أمر بنيه ، و لا ينفذ الوصي أمراً من نكاح أو غيره إلا بأمر المشرف المذكور ، ثم مات المشرف المفوض إليه الأمر ، فقام الوصي فقدم على إنكاح اليتيمة أخاها الذي في الولاية معها ، فعقد النكاح بينهما و بين رجل ، ثم مات الزوج قبل الدخول بها ، فطلب الوصي الصداق و الميراث ، فامتنع ورثة الزوج من دفع الصك ، و احتجوا بأن المناكح لا يصح في عدم المشرف إلا بمن يقوم مقامه ، و قالوا : هو بمنزلة الأب في عدم الأب . و قالوا أيضاً : إنما يجب الصداق في مثل هذا النكاح بالدخول ، إذ هو عوض عن البضع ، بخلاف النكاح الصحيح . و استظهر على قولهم بما في الجزء الأول من نكاح النوادر ، حيث قال في المرأة لها[397/3]وليَّان : يزوجها كل واحد منهما على حدة من رجل ، فإن لم يوكل كل واحد منهما صاحبه لم يجز نكاح كل واحد منهما ، و إن أَمَّر كل واحد منهما صاحبه فنكاح أولهما أولى ، إلا أن يبني الآخر . قال محمد : و هذا في الوصيين و السيدين ، فجعل محمد الوصيين بمنزلة السيدين ، و قد جاءت الروايات في المدونة و غيرها أن نكاح أحدهما لا يجوز بغير إذن السيد الآخر ، و إن أجازه الآخر ، و يفسخ قبل البناء و بعده ، و ذلك الفسخ إنما هو لفساد العقد ، و كذلك أحد الأوصياء إذا أنكح اليتيمة البكر فساده في عقده ، و النكاح إذا فسد لعقده لا يجب فيه صداق إلا بالبناء كذلك في ثالث نكاح النوادر في باب أحكام النكاح الفاسد ، و إن كان يقع فيه الطلاق ، فبيِّن لنا الجواب في ذلك ، و ما تقتضي الروايات فيه ، و هل الموت و الفسخ بمنزلة واحدة في سقوط الصداق فيما فسد عقده مما يقع فيه الطلاق على ظاهر الروايات التي في ثالث نكاح النوادر مأجوراً مشكوراً .
(1/485)
________________________________________
=فأجاب : تصفحت ، رحمنا الله و إياك ، سؤالك هذا و وقفت عليه ، و ليس إنكاح أحد الوصيين اليتيمة دون صاحبه التي إلى نظرهما ، بمنزلة إنكاح الوصي إياها دون إذن المشاور ؛ لأن الوصيين وليَّان لها جميعاً كالسيدين في الأمة لا يجوز لأحدهما أن ينفرد بعقد النكاح عليها دون صاحبه ، إلا أن يوكله على ذلك ، فإن فعل كان العقد فاسداً لنكاح غيره ، و أما المشاور فليس بوصي و لا وليٍّ و لا إليه من ولاية العقد شيء ، و إنما له المشورة التي جعلت إليه خاصة ، فإذا شاوره الوصي في النكاح فرآه نظراً و سداداً ، و إلا انفرد بإنشاء العقد دونه من غير أن يوكله على ذلك ، إذ لا شرك له معه في ولاية العقد ، فإن أنكح الوصي دون إذن المشاور ، فالعقد في نفسه صحيح ، إلا أنه موقوف على نظره ، فإن رأى أن يجيزه أجازه ، و إن رأى أن يرده رده ، كالسفيه يتزوج بغير إذن وصيه ، و الصغير بغير إذن أبيه ، و الولي يزوج و ثم من هو أولى منه حاضر على مذهب من يرى الخيار في الرد و الإجازة للولي الأقرب ، فإنكاح الوصي في مسألتك التي سألت عنها اليتيمة إلى نظره بعد موت المشاور ليس بعقد فاسد ، و إنما هو موقوف على نظر القاضي ، فأن رأى أن يجيزه أجازه ، و إن رأى أن يرده رده بوجه النظر ، فإذا لم يعثر على الأمر و لا رفع إليه حتى مات الزوج ،[398/3]فقد فات موضع النظر ، و وجب للزوجة الصداق المسمى أيضاً على مذهب من يرى الميرات و الصداق في العقد الفاسد الذي لم يتفق على فساده ، و كذلك لو طلق قبل الفسخ ، لوجب لها بالطلاق نصف الصداق المسمى على القول بأن الصداق المسمى يجب جميعه بالموت ، و نصفه بالطلاق بنص القرآن ، فإذا وجب أن لا يسقط الميراث المتفق على وجوبه ، إلا بعقد متفق على فساده ، فكذلك يجب أن لا يسقط جميع الصداق المسمى بالموت ، و لا نصفه بالطلاق ، إذ قد نص الله تعالى على وجوبه ، و أجمعت الأمة على لزومه إلا في عقد متفق على فساده ، و ما وقع في النوادر
(1/486)
________________________________________
من كتاب أبي محمد من سقوط الصداق في العقد الفاسد إذا فسخ قبل الدخول ، فليس بخلاف لما قلناه ، و الفرق بينهما أن الزوج في الفسخ مغلوب على الفراق بخلاف الطلاق ، فوجب أن لا يكون لها شيء من الصداق ، كالذي يجن أن يجذم قبل دخوله بامرأته فيفرق بينهما ، أنه لا شيء لها من الصداق المسمى ، و أيضاً فإن الله تعالى لما نص على وجوب نصف الصداق المسمى بالطلاق فقال تعالى : {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} الآية , تيقن وجوبه ، و ما ثبت بيقين وجب أن لا يسقط إلا بيقين مثله ، و هو الاتفاق على فساد العقد ، و لما لم يوجد في القرآن و لا في شيء من السنن و الآثار نص و لا دليل على وجوب نصف الصداق المسمى بالفسخ ، وجب أن لا يثبت فيه ، إذ الأصل براءة الذمة ، فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين ، هذا الذي يأتي على أصولهم ، و لا أعرف نصَّ رواية في سقوط الصداق المسمى في النكاح الذي فسد لعقده حقيقة ، إذا لم يعثر عليه حتى مات أحد الزوجين على مذهب من يرى الميراث بينهما ، و إنما أعرف ذلك لعيسى بن دينار في سماعه من كتاب النكاح من العتبية في الذي يتزوج المرأة على أن لا ميراث بينهما ، أو على أن لا نفقة لها ، و هذا النكاح لم يفسخ لعقده حقيقة ، و إنما فسد لصداقه ، أنه راعى التسمية الفاسدة فأوجب للمرأة صداق المثل إذا مات الزوج قبل الدخول ، فكيف إذا فسد لعقده حقيقة و الصداق صحيح لا فساد فيه ، و لقد[399/3]سئلت عن هذه المسألة منذ مدة ، فأخبر سائق السؤال أنها وقعت ببطليوس ، فأجبت فيها بإيجاب الصداق و الميراث ، و كان في السؤال زيادة على هذا السؤال تقوى وجوب الصداق .
[رجل و امرأة زنيا ثم تناكحا بغير استبراء و توالد الأولاد ثم تفارقا و تراجعا]
(1/487)
________________________________________
*و سئل من قبل بعض برابر العدوة القادمين على قرطبة في جموع سنة خمس عشرة و خمسمائة ، عن رجل و امرأة زنيا ثم إنهما تناكحا بغير استبراء من الماء الفاسد و توالد أولاداً ، ثم إنهما تفارقا طلاق ، و تراجعا بعد الطلاق ثم تفارقا ثانية بطلاق ، و تراجعا بعد الطلاق ، ثم تفارقا ثالثة بطلاق ، ثم إنهما اتهما أنفسهما و أنكرا فعلهما عليهما ، و سألا عن فعلهما ذلك أهل الفتوى عندهما ، فأفتوا عليهما بفساد فعلهما ، و أنهما كانا على غير استقامة ، و أن أولادهما لغير رشدة ، ثم إن الرجل زوج المرأة المذكورة مات في خلال ذلك ، فلم يورثوا الأولاد المذكورين منه قليلاًَ و لا كثيراً ، و أخذت تركته و فرقت على المساكين ، فأفتنا وفقك الله في فعلهما أولاً من زواجهما بعد الزنى من غير استبراء ، و في طلاقهما و ارتجاعهما بعد الطلاق إلى آخر ذلك من أفعالهما ، و في ميراث الأولاد من الوالد ، هل يجب لهم ميراث أم لا ؟ فبيِّن لنا ذلك مشروحاً واضحاً إن شاء الله تعالى ، و هذان الزوجان أكرمك الله إذا وقع الطلاق بينهما على هذا الوجه المذكور ثلاث مرات ، هل يكون الحكم عليهما كالحكم على الزواج الصحيح لا يتراجعان إلا بعد زوج ، أم لا يكون الحكم فيهما واحداً ؟ بيِّن لنا ذلك موفقاً معاناً عليه إن شاء الله .
(1/488)
________________________________________
=فأجاب : النكاح الأول الذي وقع عقده قبل الاستبراء من ماء الزنى ، لا يلحقه فيه طلاق ، فتكون مفارقته إياها فيه فسخاً بغير طلاق ، و النكاح الثاني صحيح يلحقه فيه الطلاق ، فإن كان وقع قبل الدخول وجب لها نصف الصداق ، و لم يكن لها ميراث ، و إن كان وقع بعد الدخول وجب لها جميع الصداق و الميراث إن كان مات قبل انقضاء العدة ، إلا أن يكون الطلاق الذي طلقها بائناً ، و أما الأولاد فلاحقون به على كل حال ، يجب لهم الميراث منه ، و يلزم[400/3]من تسور عليه فتصدق به ضمانه ، و أما المفتون فلا ضمان عليهم ، إذ لم يكن منهم أكثر من الغرور بالقول ، و إنما الضمان على من استفتاهم و تسور على ميراثهم بفتواهم ، فتصدق به دون تثبت و لا أمر واجب على حال ، و بالله التوفيق .
[من زوَّج عبده و التزم بعد عقد النكاح طائعاً بالنفقة على الزوجة]
*و سئل عن رجل زوَّج عبده و التزم بعد عقد النكاح طائعاً متبرعاً ، أن عليه نفقة الزوجة ما استمرت العصمة بينهما ، ثم توفي هل يكون ذلك في ماله و توقف تركته من أجل ذلك ؟ و كيف إن كان ذلك شرطاً في أصل العقد ، و اختلفا في ذلك ؟
(1/489)
________________________________________
=فأجاب : إذا توفي السيد فلا شيء للزوجة في ماله مما تطوع به بعد عقد النكاح من الإنفاق عليها طول أمد الزوجية بينهما ؛ لأنها هبة لم تقبض تبطل بالموت ، و لو كان ذلك شرطاً في أصل عقد النكاح لفسد به ، و وجب أن يفسخ قبل الدخول و يثبت بعده ، و يبطل الشرط و ترجع النفقة على العبد ، و يكون للمرأة صداق مثلها ، و قد قيل : إنه لا يفسخ قبل الدخول إن رضيت الزوجة أن تسقط الشرط و تكون نفقتها على الزوج ، و وجه الفساد في ذلك ما يوجبه من الغرر ، إذ قد يموت السيد قبل انقضاء العصمة فلا تكون لها نفقة ، و لو وقع الشرط على أنه إن مات قبل انقضاء العصمة بينهما رجعت النفقة على العبد ، لكان جائزاً و إن اختلفا فيما التزم السيد من نفقتها هل كان ذلك شرطاً في أصل العقد أو تطوعاً بعده ، فالقول قول من ادعى منهما أنه كان شرطاً في أصل العقد لشهادة العرف به ، هذا الذي أقول به منهما سألت عنه على منهاج قول مالك و مذهبه الذي نعتقد صحته ، و بالله التوفيق .
[معنى قول المدونة : اتق الله و لا تكن مسمار النار]
*و سئل عن بيان ما وقع في ثالث نكاح المدونة من قوله : اتق الله و لا تكن مسمار نار في كتاب الله . ما معنى تشبيهه بمسمار النار ؟ و ما يريد بقوله في كتاب الله ؟ و هل يحتمل قوله : في كتاب الله . أن بكون معناه في حكم الله ؟ فإن[401/3]كان يحتمل ذلك فلخص لنا معناه ، و إن كان لا يحتمل ذلك ، بيَّن لنا معناه يأجرك الله .
=فأجاب بأن قال : الكلام الذي سألت عنه فيه تقديم و تأخير ، التبس من أجل ذلك معناه ، و تقدير ذلك : اتق الله و لا تكن مسمار نار . يريد في جهنم أي اتق الله في كتاب الله ، و لا تخالف حدَّه فيه بالتحليل ، فتكون إذا فعلت ذلك سبباً للجمع بينهما ، كالمسمار الذي يجمع بين الخشبتين ، فتكون بذلك معهما في النار , إلا أن يجاوز الله عنك ، و بالله التوفيق .
[
(1/490)
________________________________________
من تزوج بامرأة ظنّاً منه أنها انقضت عدتها من زوجها الأول ، فإذا بها لم تنقض بعد ]
* و سئل من قبل القاضي بسبتة أبي الفضل عياض بن موسى رحمه الله بما نصه : أشهد محمد بن أحمد اللخمي على نفسه شهداء هذا الرسم في صحته و جواز أمره ، لما ابتنى بزوجه فاطمة بنت محمد المعروف بابن نجومة ، أنه انكشف له من حالها و تأخير دمها ، ما أوقع في نفسه أنه عقد نكاحه معها قبل انقضاء عدتها من زوجها علي بن محمد ، الذي كان طلقها ، فجعل محمد يسألها و يكرر عليها ، و يعلمها بما يلزمها و ما عليها في دينها إلى أن أقرت له أنها لم يأتها دمها بعد طلاق زوجها علي المذكور غير مرتين ، و أنها جهلت ذلك ، فاعتزلها محمد و شاور في ذلك من وثق به من أهل العلم ، فأفتاه بطلاقها ، و أنها لا تحل له ففارقها ، شهد بذلك على محمد من أشهده و هو بالأحوال الموصوفة ، و أشهدته فاطمة المذكورة بما فيه عنهما ، و ذلك يوم الأحد الثالث و العشرين من شهر كذا من عام كذا ، يشهد من يتسمى أسفل هذا العقد من الشهداء أنهم حضروا و الحاج حدور و هو يكلم محمد بن أحمد في الخطبة بينهم و بين فاطمة بنت محمد بنجومة ، فقال له محمد المذكور : قل لها تتقي الله العظيم ربَّها ، و تتربص بنفسها حتى تنقضي عدتها ، و عرفها إن كانت ممن ترى الدم فثلاث مرات ، و إن كانت لا تراه فثلاثة أشهر كاملة ، لا يحل لها أن تتزوج و لا أن تخطب إلا بعد ما ذكرت لك ، و حذرها أن تفعل مثل ما فعلته[402/3]مع الفاسي الذي كان خطبها ، و عزمت أن تعقد النكاح معها قبل انقضاء عدتها ، فشهد فلان بن فلان ، و فلان بن فلان ، شهد عند القاضي بسبتة و أعمالها أبي الفضل عياض و فقه الله تعالى حماد بن أحمد الأنصاري ، و منصور بن علي الأزدي ، أن أم القاسم زوجة الحاج حدور أشهدتهما أن زوجها حدور المذكور وجهها لفاطمة بنت محمد المعروف بابن نجومة لتعلمها بجميع ما ذكره له محمد بن أحمد فوق هذا ، و أنها ذكرت لها ذلك و
(1/491)
________________________________________
أعلمتها به ، و أن فاطمة المذكورة قالت لها أن عدتها قد انقضت ، و أنها قد رأت الدم ثلاث مرات بعد طلاق زوجها الأول ، جواب الفقيه الإمام أدام الله رفعته في القضية المنتسخة فوق هذا السؤال ، و الزوج يطلب القيام بالصداق ، و المرأة تتمسك به و تدعي الجهالة ، و قد قامت للزوج شهادات من نساء بأنهن عرفنها ذلك على لسانه و بيَّنَّ لها الأمر وقت عدتها من الزوج الأول حسبما قيد عن بعضهن تحت الرسم الثاني ، فبيِّن لنا حكم ذلك مأجوراً .
=فأجاب : تصفحت ، أعزك الله بطاعته ، و أمدَّك بتوفيقه ، سؤالك الواقع فوق هذا و ما انتسخت على ظهره ، و وقفت على ذلك كله ، فإذا لم يثبت على هذه المرأة ما حكته زوجة الحاج لها من أنها قالت لما علمتها بأن العدة ثلاث حيض ، و حذرتها من أن تتزوج قبل انقضائها ، أن عدتها قد انقضت ، و أنها قد رأت الدم ثلاث مرات بعد طلاق زوجها الأول ، فالذي أراه و الله الموفق للصواب أن تحلف ما علمت أن العدة ثلاث حيض ، و لا أعلمت بذلك ، و لا تزوجت فلاناً إلا و هي تظن أن عدتها من زوجها الأول قد انقضت ، فإن حلفت على ذلك في مقطع الحق لم يجب عليها أن ترد عليه شيئاً من الصداق ، و إن نكلت عن اليمين ، لم يكن لها منه إلا قدر ما يستحل به الفرج ، و ترد عليه باقيه ، و بالله تعالى التوفيق لا رب سواه .
[من أنكح ابنته بنقد و كالئ مسمى و سكن الناكح مع الزوجة و أبيها مدة ثم توفي]
(1/492)
________________________________________
*و سئل أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم عمن أنكح ابنته بنقد و كالئ[403/3]مسمى و سكن الناكح مع الزوجة و أبيها أعواماً كثيرة في دار واحدة حتى هلكت الجارية ، ثم نكح الرجل أختها ، ثم سكن كذلك معها و مع أبيها زماناً حتى هلكت ، و غاب الزوج غيبة منقطعة ، و توفي أبو الجاريتين ، فقام الآن ورثته مع أم الجاريتين يطلبون مهر الزوجتين في مال الغائب من نقد و كالئ ، و زعم وكيل الغائب أن النقد ساقط عنه لطول مكثه مع الزوجتين في دار واحدة ، ما الواجب في ذلك ، و لا يعلم بناؤه بهما إلا ما كان من طول السكنى ؟
=فأجاب : إن ثبت تأهله بهما في دار أبيهما كما يتأهل الناس مع أهليهم فهو دخول ، و القول قوله في معجل حقهما ، و إن لم يثبت ذلك ، حلف ورثتهما في جميع حقهما معجله و مؤخره .
[من نقدها زوجها أصلاً فلا يلزمها أن تبيعه و تتجهز بثمنه]
*و سئل ابن زرب عمن نقدها زوجها أصلاً ، هل يلزمها بيعه لتتجهز بثمنه أم لا ؟
=فأجاب بأن قال : لا يلزمها أن تبيعه و تتجهز به إليه ، و كذلك إن نقدها عبداً فلها أن تخرج به إلى زوجها و لا يلزمها بيعه و التجهيز بثمنه ، قيل له : فلو أصدقها ثوباً قيمته مائة دينار ، هل يلزمها بيعه و التجهيز بثمنه ؟ فقال : لا ، و يلزمها أن تخرج و تتزين به . قيل له : فلو أصدقها طعاماً أو عروضاً لا يشاكلها الخروج بها . فقال : يلزمها بيع ذلك و التجهيز به . قيل له : فإذا حل كالئها على زوجها بعد بنائه بها و أخذته ، هل يلزمها أن تشتري به شورة ؟ فقال : لا ، إنما الشورة عند البناء و قد مضى قبل ذلك . قيل له : فإن تأخر بناؤها فأخذته هل يلزمها التجهيز به مع النقد ؟ فقال : نعم . قيل له : فلو حل قبل البناء فدعاها الزوج إلى قبضه و التجهيز به مع النقد ، فأبت من قبضه حتى يبني بها لئلا يلزمها التجهيز به . قال : تجبر على أخذه و التجهيز به .
[404/3][من نكح بنقد معلوم و كالئ إلى ما يكلأ الناس إليه]
(1/493)
________________________________________
*و سئل عمن نكح بنقد معلوم و كالئ إلى ما يكلأ الناس إليه .
=فأجاب : لا يجوز ؛ لأن الناس يختلفون في تأجيل الكالئ ، منهم من يجعله إلى خمسة أعوام و أقل و أكثر .
[من تزوج أمة فقال له بعض أهله : طلقها و أنا أكتب لك كتاباً بالمائة دينار . فطلقها و لم يتزوج حتى توفي الضامن]
*و سئل عمن تزوج أمة فأنف بعض أهل من ذلك ، و قال له : طلقها و أنا أكتب لك كتاباً بمائة دينار في نكاح امرأة إذا بدا لك النكاح . فطلقها و كتب عليه كتاباً ، و أقام نحو ثلاثة أعوام لا يتزوج ، ثم أعتقت الجارية و نكحت ثم طلقت ، و أراد الأول ردها و قد مات الذي ضمن المال .
=فأجاب : لا شيء له في مال الضامن لطول المدة ، فلما طالت رأى أنه تارك للنكاح .
[ولية قوم نكحها رجل طارئ مكفوف من أهل الشر و الفساد]
*و سئل عن ولية لقوم نكحها رجل طارئ مكفوف من أهل الشر و الفساد ، فأنكر ذلك عليها أولياؤها و ذهبوا إلى فسخ النكاح ، و كان قد بنى بها .
=فأجاب : لا سبيل إلى حل النكاح إن كان قد دخل بها . قيل له : فلو لم يدخل فتوقف ؟ و قال الذي لا أشك فيه : إنه إذا دخل لم يفسخ النكاح .
[من اشترط لزوجه أن لا يتزوج عليها و لا يتسرى ، فإن فعل فأمرها بيدها]
*و سئل بعض العلماء عن الذي يشترط لزوجته أن لا يتزوج عليها و لا يتسرى بعد بنائه بها ، فإن فعل فالداخلة عليها طالق و السرية حرة ، فتزوج قبل البناء و تسرى .
=فأجاب : له أن يقيم على التي تزوج و لا يلزمه فيها شيء ، و ليس له أن[405/3]يقيم على وطء التي تسرى ، و فرق بين ذلك بأن النكاح فعل واحد ، و التسري فعل بعد فعل ، ابن أبي زمنين : هذا كله جيد و غير خارج عن أصولهم .
[من شرط لزوجه أن لا يتسرى عليها فأراد أن يتزوج]
*و سئل أبو إبراهيم عمن شرط لزوجته أن لا يتسرى عليها فأراد أن يتزوج هل يمنع من ذلك ؟
(1/494)
________________________________________
=فأجاب بأن قال : لا يمنع . قيل له : و لم لا يمنع و التسرر عندك الوطء و إذا تزوج وطئ . فقال : التسرر إنما يقع على وطء الإماء ، و ليس هذا من هذا .
[من شرط لزوجه في صداقها أن لا يرحلها من دارها ما لم يطلب بكرائها]
*و سئل ابن زرب عمن شرط لزوجته في صداقها أن لا يرحلها من دارها ما لم يطلب بكرائها ، فإن طلب فله أن يرحلها .
=فأجاب : بأن ذلك جائز له . قيل : فإن طلب بالكراء فيما مضى . قال : ليس يلزمه إن كانت الزوجة مالكة نفسها عالمة بالشرط ، فإن كانت مولى عليها أخذ بكرائها فيما مضى ، و لم ينفعه ما عقد في سقوط الكراء عنه . قال له ابن دحون : فإن كانت ذات أب و هي في ولايته ، و أباح له سكنى الدار لأيِّ شيء لا يضمن الأب الكراء و يحمل محمل الهبة منه له ، و لا يكون على الزوج شيء ؟ فقال : ليس له هبة ، و الكراء على الزوج ، و لا شيء على الأب ، و وقف على هذا . يريد و ليس للأب أن يهب مال ولده و ابنته ، إلا أن يلتزم الأب له ضمان الدرك .
[من جهز ابنته إلى زوجها بجهاز و أخرج لها شورة ، و بعد مدة زعم أنه إنما أخرجها على وجه التزين]
*و سئل ابن عتاب عمن جهز ابنته إلى زوجها و هي بكر بجهاز ، و أخرج لها شورة ، و أقامت مع زوجها أربعة أعوام ، قام الأب يزعم أن نصف تلك الشورة إنما أخرجه على وجه التزين لها و الإصلاح عليها إعارة إياها على أنه ماله .
[406/3]=فأجاب : إذا مضت المدة التي ذكرت ، فالأب غير مصدق فيما ادعاه من ذلك إن شاء الله .
و أجاب ابن العطار : بأن الأب مصدق فيما زاد على قدر النقد من الشوار و هو خطأ من القول . ابن سهل بفتوى ابن عتاب جاءت الرواية عن مالك و ابن القاسم و غيرهما في هذا في الواضحة و العتبية و غيرهما ، و لا خلاف أعلمه فيهما .
[من قام عن ابنته يطالب بكالئها زوجها بدون توكيل منها إياه]
(1/495)
________________________________________
*و سئل محمد بن عمر بن لبابة عن رجل قام عن ابنته في كالئها على زوجها و غيره من حقوقها ، و قد مضى لها مع زوجها ثماني سنين ، فقال الزوج : لا يجب لك التكلم إلا بتوكيلها لك .
=فأجاب : هذه مسألة قال ابن القاسم فيها : إنها في ولاية أبيها حتى يطول الزمان ، و على من أراد ترشيدها إثبات ذلك ، و نزلت عندنا في أيام سليمان بن أسد القاضي في رجل اسمه أصبغ قام عن ابنته في كالئها على زوجها ، فقال له القاضي : كم لك منذ زوجتها ؟ فقال : منذ سبع سنين . فقال له : قم . قال : و كان أصبغ بن خليل يفتي بذلك ، و نزلت هذه المسألة عند القاضي محمد بن سلمة في رجل قام عن ابنته على زوجها ، و الزوج يقول : إن زوجتي لا تطلبني . فقلنا له يومئذ : لا يجوز لك التكلم إلا بوكالة . و كان لبنائها ثمان سنين ، و هذا الذي أذهب إليه و أفتي به أنه إن مضى لها مثل هذه المدة ، خرجت من نظر أبيها إلا أن يتصل سفهها و سوء حالها ، و تبذيرها لما لها ، قاله ابن لبابة .
[الهدايا يهديها الأزواج إلى الزوجات قبل البناء ]
*و سئل ابن عتاب عن الهدية يهديها الأزواج إلى الزوجات قبل البناء الخفين و الجوربين و نحوهما ، هل يقضى على الزوج بها إن امتنع منها ، و طلب بها .
=فأجاب : يقضى عليه بها على قدره و قدرها و قدر صداقها ، و ليس عليها[407/3]أن تثيبه إلا أن تشاء ، فإن أبت و أبى أبوها إن كانت بكراً لم يقض عليها بذلك ، قلت : فهل يقضى عليه بالعرس و الأجرة للجلوة المتعارفة عندهم ؟ فقال : يقضى عليه بذلك إن امتنع منه و يؤمر به ، و لا يجبر . ابن سهل : و الصواب عندي أن يقضى عليه بالوليمة لقول النبي صلى الله عليه و سلم لعبد الرحمن بن عوف : « أَوْلِمْ وَ لَوْ بِشَاةٍ » . مع العمل به عند الخاصة و العامة ، بخلاف ما يعطى الماشطة على الجلوة ، هذا لا يقضى به عندنا إن امتنع و لا بأجرة ضارب دف و لا كبر .
[
(1/496)
________________________________________
من يثبت عليه مغيب مدة كان شرط لزوجه أنه إن غاب عنها فأمرها بيدها فطلقت نفسها]
*و سئل ابن زرب عمن يثبت عليه مغيب مدة كان شرط لزوجته أنه إن غاب عنها فأمرها بيدها ، و أنها طلقت نفسها بطلقة على سنة المباراة ، و أشهد الحاكم على ذلك ، و كان الشرط على الطوع .
=فأجاب : ليس يلزمها إلا طلقة له فيها الرجعة ما لم تنقض العدة ، و ليس إشهاد الحاكم على ثبوت تطليقها نفسها طلقة مباراة ، مما يمنعه من ارتجاعها في العدة .
[من غاب عن بكر قبل البناء بها غيبة طويلة]
*و سئل ابن عتاب عمن غاب عن بكر قبل بنائه بها غيبة طويلة إلى القيروان ، فقام أبوها يريد تطليقها عليه بعدم النفقة ، و قال : إنه لا يريد الإنفاق عليها . و أثبت مغيب الزوج ، و أنه لم يخلف لها شيئاً ، و لا أرسل إليها بشيء ، و لا رجع من مغيبه ، و تلومت عليه بشهرين .
=فأجاب : إن قام الأب عنها بتوكيلها إياه على ذلك ، فإنما تحلف فيه الزوجة لا الأب ، فإذا حلفت طلقت نفسها ، و ليس للأب قيام في ذلك إلا بتوكيلها إياه على ذلك ، إذ لها أن تتربص على زوجها و تنتظره و تنفق عليها من ماله أو من عمل يدها .
[408/3]=و أجاب أبو عمر بن القطان لا يمين عليها و لا على الأب في ذلك ، و لها أن تطلق نفسها على زوجها .
و أجاب أبو عمر بن رشيق فقيه المرية : إذا ثبت المغيب و سأل النفقة لابنته بتوكيلها إياه على ذلك ، فلها النفقة من حين قامت بذلك ، و يضرب السلطان للغائب أجل شهرين ، فإذا انقضيا حلفت الزوجة أنه ما ترك لها نفقة ، و لا كسوة ، و لا شيئاً تمون به نفسها ، و لا يعلم له مال ترجع فيه ، و لا أن الزوجية انقطعت بينهما ، و ثبت هذا اليمين عند الحاكم ، و يكون لها أن تطلق نفسها طلقة واحدة و تتزوج ساعتئذ ، و لا عدة عليها إذ لم يبن بها . ابن سهل قول في يمينها و لا أن الزوجية انقطعت بينهما لا أعلمه لغيره ، و قول ابن القطان : لا يمين عليها و لا على الأب في ذلك . لا وجه له .
[
(1/497)
________________________________________
النحلة إذا لم يذكر فيها قبول الناكح و لا حيازته]
*و سئل ابن عتاب عن النحلة إذا لم يذكر فيها قبول الناكح و لا حيازته .
=فأجاب : بأنها نافذة إذا انعقد عليها النكاح ، و إن لم يذكر في العقد قبول الناكح لها و لا حوزه ، قال : و سمعت شيخنا القاضي أبا المطرف بن بشير مراراً ينكر قول ابن العطار : إن كان المنحول مالكاً لنفسه فلا بد في عقد النحلة أن يقال : و قبل المنحول فلان هذه النحلة . و بذلك تتم ، و إن سقط من العقد بطلت النحلة إن لم تحز في صحة الناحل ، و يقول هذا ضعيف ؛ لأنها إن كان من شرط صحتها الحيازة ، لم يغن هذا القبول شيئاً ، و إن لم يكن من شرط صحتها الحيازة ، لم يضر سقوط ذكر القبول ، و بذلك أفتى فيها ابن حسون فقيه مالقة أنه كلام ضعيف ، ذكره عنه بعض الموثقين و لم يسمه ، و ذكر عن أبي محمد بن دحون عن أبي عمر الإشبيلي ، أنه كان يقول في الرجل يأتي بوثيقة فيها أن الدار التي سكنها مع ابنته فلانة كان قد نحلها إياها عند عقد نكاحها مع زوجها أن ذلك جائز نافذ ، و لا يحتاج إلى حيازة في ذلك . قال و قال القاضي ابن زرب : هذا تحيل لإسقاط الحيازة ، و لبقائه في الدار ، فلا يجوز ذلك ، و لا تنفذ إلا بحيازة . ابن سهل : الصواب عندي ما قاله ابن زرب ،[409/3]و إذا اختلف في وجوب الحيازة فيها ابتداء ، و إن كان الخلاف فيها ضعيفاً قوي في هذا الوجه الذي هو فرع فيها .
[من نحلت ابنتها داراً و استثنت منها غرفة ]
*و سئل أبو محمد بن دحون "عن امرأة نحلت ابنتها عند عقد نكاحها مع زوجها داراً و استثنت منها غرفة تسكنها حياتها ، فإذا توفيت لحقت الغرفة بالدار ، و الغرفة أقل من ثلث الدار .
(1/498)
________________________________________
=فأجاب : هذه نحلة فاسدة ؛ لأن فيها غرراً و لا تجوز ؛ لأن النحلة إذا انعقد عليها النكاح تجري مجرى البيوع في الاستحقاق و سقوط الحيازة و غير ذلك ، و سواء كان المستثنى قليلاً أو كثيراً ، و ترد النحلة إلى صاحبتها و يفسخ عقد النكاح بها قبل الدخول ، و يثبت بعده بصداق المثل ، و في هذا عندي نظر" . انتهى . و نقل ابن يونس عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، و المتيطي عنه ، و عن أبي عمران "صحة نكاح عقده أب على ابنته على نحلته إياها ما حبس عليه غلته حياته ، كما لا يقدح رهن الغرر في البيع" . انتهى . قلت : و هذا خلاف فتوى ابن دحون ، فتأمله و هو صواب .
[من كانت له داران ساق إحداهما صداقاً لزوجته ، ثم توفيت الزوجة فطلب الورثة الدارين]
*و سئل ابن عتاب عمن كانت له داران متصلتان في صف واحد ، إحداهما بقبلي الأخرى ، و لكل واحدة منهما باب إلى ناحية واحدة ، فساق إحداهما إلى زوجته في صداقها ، و قال فيه ، و ساق إليها جميع الدار التي بقرية كذا ، وحدها في القبلة كذا ، و في الجوف أرض فلان ، و في الشرق كذا ، و في الغرب طريق ، و إليها يشرع بابها ، و بنى بزوجته و أقام معها سنة و أَزْيَد ، ثم ماتت و بقيت الدار بيد الزوج ، فطلب ورثتها ميراثهم فيما تخلفته من الدار المسوقة ، و قالوا : ميراثنا في الدارين ؛ لأن الحدود مشتملة عليهما . و لو كانت المسوقة إحداها لكان حدها في جوف الدار الأخرى و لم تكن أرض فلان ، و الزوج يقول : إنه لم يسق إلا الواحدة التي بقبلي الأخرى .
[
(1/499)
________________________________________
410/3]=فأجاب : الجواب إن لم يأت الزوج بشيء يبين أن السياقة إنما كانت في الدار الواحدة ، أن تكون الداران موروثتين عن المرأة ، لاشتمال الحدود عليهما ، و هو أقوى من تسميتها داراً واحدة و هما داران . ابن سهل : و هذا الذي قاله هو الفقه عندي فيها إن حقق ورثة المرأة أن الدارين مسوقتان ، و أما إن قالوا : لا علم لنا بذلك إلا ما تضمنه الصداق من التحديد . و طلبوا ذلك ، و الزوج منكر محقق لدعواه أنه لم يسق إلا الواحدة ، فالقول قوله مع يمينه ، و الله أعلم ، قال لنا أبو عبد الله عند التكلم في هذه المسألة : سئل إسماعيل القاضي إذا قيل في التحديد يحدها في الشرق الشجرة ، هل تدخل في المبيع ؟ فوقف عن الجواب ، ثم قال بعد ذلك للسائل : قد قرأت باب كذا من كتاب سيويه فدلني على أنها تدخل في المبيع ، هكذا غلب ظني حكى لنا ، وفيه نظر فتدبره .
[من ساق لزوجته نصف أملاكه صداقاً لها على وجه الشياع]
*و سئل عمن ساق لزوجته نصف أملاكه مشاعاًًً ، ثم باع جزءاً من أملاكه مشاعاً ، ثم طلبت المرأة بعد مدة سياقتها كاملة ، و كان قيامها بعد خمسة أعوام من وقت البيع .
(1/500)
________________________________________
=فأجاب : لها سياقتها ، فإن كان زوجها باع النصف الباقي على ملكه أو أقل منه ، كان لها الأخذ بالشفعة إن كانت لم تعلم بالبيع ، و إن علمت فلا شفعة لها لطول المدة ، و تكون الأملاك مشتركة بينهما و بين المبتاع للنصف ، و إن كان ابتاع منه أقل من النصف ، فالزوج أيضاً شريكهما بقدر ما بقي ، و إن كان باع أكثر من النصف ، و ثبت أن المرأة علمت بذلك مثل أن يبيع ثلاثة أرباع الأملاك ، فهو رضى منها ببيع حصتها ، فيكون لها من الثمن ثلثه ، و يبقى لها نصف سياقتها و هو ربع الأملاك ، و إن لم يثبت أنها علمت ، حلفت أيضاً أنها ما علمت ببيعه و لا رضيت به بعد علمها ، و لا أذنت له فيه ، و انتقض البيع فيما كان باعه من حصتها ، و إن علمت فالجواب فيه على نحو هذا ، و إن كان المبتاع قد حاز ما ابتاعه و أم تغير و لا أنكرت ، سقط قيامها[411/3]و طلبت الزوج بالثمن الذي باع به ، و ما اغتله الزوج من السياقة فعليه غرمه للزوجة ، و ما ابتاعه من عرض أو غيره بما اغتله فلا شيء عليه للزوجة فيه .
و أجاب ابن القطان : البيع شائع في الجميع ، و ليس للمرأة إلا نصف ثمن المبيع إذا لم يكن لها عذر يمنعها من القيام المدة المذكورة ، و ما تجربه الزوج مما اغتله ، فالربح له إذا فعل ذلك لنفسه ، و عليه لها ما اغتل من حصتها . انتهى . و انظر كلام ابن سهل عقب الجوابين فإن فيه فوائد .
[من ساق من أملاكه إلى كنته ربعها ، ثم إلى كنة له أخرى ربعها ، ثم باع لإنسان آخر جميع أملاكه]
(2/1)
________________________________________
*و سئل عمن ساق من أملاكه بقرية كذا إلى كنته ربعها ، ثم ساق إلى كنة له أخرى ربع أملاكه بالقرية ، ثم انعقد عليه بعد ذلك لإنسان : ابتاع فلان من فلان جميع أملاكه بقرية كذا ، و اعتمر المبتاع الملك بمحضر المرأتين ، و كان زوج إحداهما يعتمر معه ، ثم قام هذا المعتمر بعد عشرين سنة عن المرأتين بتوكيلهما يطلب السياقتين ، و قال المبتاع : قد ابتعت من البائع جميع أملاكه ، و اعتمرتها بمحضرك و بمحضر المرأتين ، و كنت مناصفي فيها . و قال الوكيل : ما كنت أعتمر لهما إلا لسياقتهما .
=فأجاب : إن ثبت إنهما علمتا بالاعتمار المذكور فقيامهما ضعيف ، و إلا حلفتا أنهما ما علمتا ذلك إلى الآن ، و أخذتا ما سيق إليهما ، و إذا كان في السياقة الأخيرة أنه ساق إليها ربع أملاكه ، فإنما لها الربع بعد إخراج الربع الأول ، لا ربع الجميع إلا ببيان و كشف ، و بالله التوفيق .
[من ساق إلى زوجته بجميع أملاكه بقرية كذا ، ثم جميع الدار التي بموضع كذا]
*و سئل أبو عمر بن المكوي عمن ساق إلى زوجته بجميع ملكه بقرية كذا ، لم يزد على هذا ، ثم قال : جميع الدار التي بموضع كذا وحدها كذا مع نصف جميع ملكه بقرية كذا غير القرية الأولى ، ثم قال بإثر ذلك في الدور ، و الدمن والأفنية ، لم يزد على هذا ، فوجد للسائق أرحى بالقرية التي ساق جميع ملكه[412/3]بها و قال : إنما الأرحى لي ، وقالت الزوجة : هي لي ، و قولك في الدور و الدمن و الأفنية إنما وقع على القرية التي سقت إلي منها نصف جميع ملكك ، و بإثرها وقعت الصفة .
=فأجاب : القول قول السائق ، و إن لم يدخل لها تفاسخا بعد إيمانهما إن شاء الله .
[من أودع بسطاً و مصليات صوف عند إنسان ثم توفي ، فتنازع فيها الزوجة و الورثة]
(2/2)
________________________________________
*و سئل ابن سهل من قبل القاضي بقرطبة أبي بكر بن منظور عن رجل كان يعرف بابن الصابوني كان ساكناً بغبرة ، و دخل قرطبة فأودع عند إنسان بغبرة بسطاً و مصليات صوف ، ثم مات بقرطبة ، و نازع بنوه زوجه في تلك المصليات المودعة , و قالوا : هي لأبينا ، و لنا ميراثنا منها . و قالت الزوجة : بل هي متاعي و لي . و قال المودع : إن المتوفى جعلها عنده .
=فأجاب بأنها تورث عن الميت بعد يمين بنيه أنها له ، قال : و وافقني كثير على هذا و خالف بعضنا , و قال : إنها للمرأة كما و لو كانت في بيتها تحلف و تأخذها ، و هو عندي خطأ من القول ، و الله ولي التوفيق .
[من زوَّج يتيماً في حجره بابنة له سماها و عينها و أشهد على ذلك ، و له ابنة أخرى بنفس الاسم وطئها الزوج]
*و سئل القرويان أبو عمران و أبو بكر بن عبد الرحمن عن رجل في حجره يتيم ، فزوَّجه بعد بلوغه من ابنته ، و عينها و سماها و أشهد على ذلك ، و له ابنة أخرى ، فلما كان بعد مدة ، خرجت الصغرى منهما حاملاً ، فقال المحجور هي زوجتي و منها زوجتني ، و كان ساكناً مع الوصي في داره و حضانته ، و قال الأب : ما زوجتك إلا من الكبرى ، و اسم الكبرى و الصغرى سواء . ثم سئل الشهود عن ذلك ، فقالوا : إنما أشهدنا الأب على تزويج ابنته فاطمة ، و لم نعرف إن كانت الصغرى أو الكبرى ، و لا عرفنا إن كان له ابنتان و لم يُعَيِّنَا الزوجة منهما ، و لم يدخل الزوج دخول البناء بها ، و إنما وطئها لما زوَّجه منها بسبب سكناه[413/3]معها ، فما يلزم لهذه التي يقر بوطئها على أنها زوجته و هو يعينها ، و الأب يناكره فيها ، و يزعم أنها الكبرى ، فها يلزم في الصداق المسمى أو الأكثر منه أو من المثل , و هل يثبت النكاح أو يفسخ ؟ و هل يرفع الحد عنه للشبهة ؟ و هل يلزم الولد بلا لعان ؟ و هل يكون فيه اللعان و الزوجية لم تثبت ؟ فبيِّن لنا هذه الفصول ، و هل هي روايات إذ قد وجدنا في بعضها رواية .
(2/3)
________________________________________
=فأجاب أبو بكر : لا حد على لزوج للشبهة التي قامت ، و عليه الأكثر من المسمى أو صداق المثل , و يلزمه الولد و ليس فيه لعان ، و يفسخ نكاحه و لا يثبت له ذلك على الكبرى ، و قد اختلف أصحابنا في عقد الوصي على الكبير البالغ إذا كان سفيهاً بغير أمره ، فقد وقع في كتاب الخلع من المدونة ما يدل على أنه لا يزوجه إلا برضاه ، و وقع في كتاب الجنايات من العتبية أن له أن يزوجه بغير ائتماره و أنه بمنزلة الصغير ، و كذلك ذكر ابن المواز في كتاب الإقرار الثاني أن له أن يزوجه ، و يخالع عنه ، و قال ابن الماجشون : لا يجوز له أن يزوجه إلا بإذنه ، ذكره ابن حبيب عنه فيجوز أن يثبت نكاح الكبرى عند من يكره على النكاح ، و بالله التوفيق .
وأجاب أبو عمران : أما النكاح فهو غير منعقد و يفسخ ، و أما الوطء ففيه للزوج شبهة يدرأ بها عنه الحدُّ ، و عليه الصداق المسمى إذا كانت الموطوءة ظنت ما ظنه الزوج من أنه زوجها ، فأما إن لم تظن ذلك هي و أكرهها ، فهذا موضع الأكثر من الصداق المسمى أو المثل ، و الولد لاحق إذا درأ الحسد ، فإن أقر بالوطء و أنكر الولد فاللعان بينهما ؛ لأن شبهة النكاح قائمة ، فهو كالنكاح الحرام الذي يقع فيه اللعان عندنا ، و إن كان لا يقام عليه الحدُّ .
[يعرف الشاهد بلوغ البنت المشهود عليها بوجهها و سؤال ثقات النساء عنها]
*و سئل ابن عتاب : بأي شيء يعرف الشاهد أن اليتيمة بالغ حتى تجوز الشهادة بذلك عند نكاحها .
=فأجاب : يعرف ذلك بوجهها و قدها و من يخبره بذلك من ثقات[414/3]النساء(1)، ابن الحاج أخبرني ابن عتاب ، عن ابن الطلاع ، عن ابن القطان ، أن ابن دحون كتب صداقاً ، فأراد الكاتب أن يكتب بعد البسملة : و صلى الله على سيدنا محمد . فنهاه عن ذلك ، و قال : ليس هذا موضعه .
[نفقة الأمين و مؤنته على من طلبه من الزوج أو الزوجة]
__________
(1) مرَّ السؤال و الجواب عن هذه المسألة .
(2/4)
________________________________________
*و سئل ابن الحاج عمن جعل أميناً مع الرجل و المرأة ، على من نفقة الأمينة و المهر إن كانت على من طلبها أو على المتعدي منهما ؟ و كيف إن أشكل الأمر على الحاكم .
=فأجاب : النفقة على من طلب الأمينة ، فإذا أشكل الأمر فعلى الزوج الذي تشتكي منه الضرر حتى يتبين غير ذلك .
[امرأة زوَّجها أخوها من رجل فمات الزوج قبل البناء ، فادعى الورثة أنها لم تكن رضيت]
*و سئل بعض قضاة الجماعة بتونس عن امرأة زوَّجها أخوها ثم مات الزوج قبل البناء ، فقال ورثته : لم تكوني رضيت .
=فأجاب : بأنها تسأل الآن ، فإن قالت : كنت رضيت . فذلك لها ، و عليها اليمين ، و حكى ابن يونس ، عن ابن المواز ، عن أشهب ، عن مالك أن ذلك لها ، و لم يذكر أن عليها يميناً .
[من شرط لزوجته نفقة ولدها من غيره أجلاً معلوماً]
*و سئل ابن زرب عمن شرط لزوجته نفقة ولدها من غيره أجلاً معلوماً .
=فأجاب بأنه لا يجوز .
و أجاب أبو بكر بن عبد الرحمن بأن ذلك جائز ، فإن مات الولد رجع ذلك إلى أمه ؛ لأنه من صداقها .
[415/3][من قبض نقد الزوجة ، ثم أعاده على الزوج بعد أن غاب عليه]
*و سئل أبو عمران عن النقد يقبضه من يجوز له قبضه ، ثم يعيده على الزوج بعد أن غاب عليه .
=فأجاب بأن ذلك نكاح و سلف لا يجوز ، و يفسخ قبل البناء و يثبت بعده بصداق المثل ؛ لأن فساده في صداقه ، قال : و لو لم يغب على النقد فرده عليه لكونه اشترط ذلك عليه جاز ، و كان النكاح صحيحاً .
[من نكح امرأة و دخل بها ، ثم ادعت أمه أنها بنته و أخته من زنى]
*و سئل بعض المتأخرين عن رجل نكح امرأة و دخل بها ، و كانت أمه ربتها و زوجتها منه ، ثم أتت الأم بعد ذلك معترفة بذنبها تائبة منه ، و قالت : إنها كانت هوت ابنها هذا ، و أنها تعرضت له في ظلام حتى وطئها ، و أنها علقت منه بابنة فربتها ، و أنها تذكر له أنها يتيمة ربتها إلى أن صلحت فزوجتها منه ، و هي هذه التي في عصمته ، فإنها ابنته و أخته لأمه .
(2/5)
________________________________________
=فأجاب : يفسخ النكاح و يقبل في ذلك قول الأم لما بالغت في فضيحة نفسها(1).
[المعترض يؤجل عشرة أشهر عند بعض الشيوخ]
*و سئل شيخنا أبو الفضل سيدي قاسم العقباني عن قول ابن عبد السلام عند قول ابن الحاجب : و أما المعترض . . . إلى آخره ، و حكى عن بعضهم أنه يؤجل عشرة أشهر ، و لا وجه له ، فهل ترون لهذا القول وجهاً أم لا ؟
=فأجاب : يمكن أن يقال : إن حجة القائل بالعشرة الأشهر أن المداواة لما لم تظهر لها ثمرة في الثلاثة فصول و لا في شهر من الرابع ، لم يبق لإيقاف الزوجية بينهما إلا الضرر بالزوجة ، إذ المداواة لو كانت تؤثر في رفع المرض ، أثر البرء ذلك في شهر ، بل العادة تقضي برفع المرض في أدنى من الشهر إذا[416/3]صودف السبب ، فإن قلت : إذا كان أثر الدواء يظهر في شهر ، فلأي شيء وقفتموه عشرة أشهر و كان يكفيكم أربعة . قلنا : نعم الأمر على ما ادعيتموه لو وجدنا إليه سبيلاً ، لكنا مضطرين إلى العشرة ؛ إذ من ضرورة الرابع أن لا يأتيه إلا بعد استيفاء ثلاثة فصول ، فإن قلت : يلزم على ما وجهتم به هذا القول أن لو كان ابتداء تأجيل الحاكم من أول شهر آخر الشتاء أو الصيف مثلاً ، لما احتجنا إلى أكثر من ثمانية أشهر . قلت : نعم هذا إلزام صحيح ، و لعله الموجب لتبريء الشيخ ابن عبد السلام من تعليل هذا القول ، و إلا فليس ممن يخفى عليه مثل هذا ، و الله أعلم ، و قال : هذا مردود إلى أهل الطب . انتهى .
[امرأة قامت على زوجها في امرأة أخرى في عصمته و ادعت أنه التزم متى راجعها فهي طالق ألبتة]
*و سئل فقهاء قرطبة عن امرأة قامت على زوجها في امرأة أخرى في عصمته ، و قالت : إنه كان قد التزم أنه متى راجعها فهر طالق ألبتة . و أنكر هو أن تكون هذه تلك .
__________
(1) تقدمت هذه المسألة بنفس السؤال و الجواب قبل هذا .
(2/6)
________________________________________
=فأجاب ابن عتاب : تصفحت ما خاطبتنا به ، و قد تسارع كثير من الناس إلى الاستخفاف بحدود الله و ترك إقامتها بالتحليل ، و تزخرف القول الباطل ، و ما احتج به المحتج عندك فحجته داحضة لا يلتفت إليها ، و لا تعارض حدود الله بالاحتجاج و الاحتمال ، و لا يحكم فيها إلا بالأمور الواضحة الثابتة ، فأنفذ عليه ما التزم في المراجعة المذكورة ، و لا يصدق فيما قاله و زخرفه ، هذا اعتقادي الذي أرجو به الخلاص ، و الله أعلم بحقيقة الصواب ، و ما قلته في ذلك فبعد وقوفي على ما جاء في هذا مما رواه أصبغ عن أشهب ، و ما قاله غيره ، و لا حاجة بنا إلى استجلابه ، و الله أسأله التوفيق بمنِّه .
=و أجاب ابن القطان : قرأت ما خاطبتنا به ، و وقفت عليه ، و ما ادعته مريم فعليها إثباته إذ هي المدعية ، و على المنكر عليها أن يبين ذلك ببينة تبين أن المرتجعة هي المحلوف بطلاقها ، لا أعلم في دلالة قول مالك و أصحابه اختلافاً في ذلك ، إلا أني أرى على الرجل اليمين في مقطع الحق أن التي تحته[417/3]ليست المذكورة في كتاب المراجعة ، ثم يقلد ما تقلد و الله تعالى حسيبه ، و هذا على المذهب الذي يؤخذ به بطلاق المحلوف بطلاقها إن تزوجت ، و هو مذهب المدونة ، و قد روي عن ابن القاسم في هذه المسألة ، و نزلت أنها لا تطلق عليه و إن عينت ، و روي هذا عن عدد من الصحابة و التابعين ، فهذا و إن كان القضاء عندنا بغيره ، فهو يقوي ما قلته ؛ إذ من أصلنا مراعاة الخلاف ، و أما مريم المتسمية سلوة فمطلقة بألبتة .
=و أجاب أبو مروان بن مالك : بسم الله الرحمن الرحيم ، يا سيدي و وليي و من وفقه الله و سدده ، هذا رجل قد لبس على الحاكم ، و حاول إدخال الإشكال في الدين ، فالله الله في عقابه و ردع أمثاله و ضربه ، ثم يحمل على زعمه ، و يحمل من ذلك ما تحمل ، و الله على كل شيء رقيب ، يخلصنا الله و إياك برحمته ، و السلام على سيدي و وليي و رحمة الله .
[
(2/7)
________________________________________
من شرط لزوجه في صداقها أن بيدها أمر الداخلة عليها تطلقها إن شاءت]
*و سئلوا أيضاً عن مسالة محمد بن يوسف بن الغاسل ، و ذلك أنه تزوج ابن الغاسل بطليطلة امرأة اسمها عزيزة ، و شرط لها في صداقها أن بيدها أمر الداخلة عليها بنكاح تطلقها إن شاءت ، و كان ينظر في أحباس بقلعة رباح ، فكان يقيم بها مدة ثم ينصرف إلى طليطلة فبارى عزيزة في ذي الحجة سنة اثنين و خمسين و أربعمائة ، و كتب بذلك عقداً كتمها إياه ، ثم نهض إلى قلعة رباح و نكح بها امرأة اسمها شمس في نصف المحرم سنة ثلاث و خمسين و أربعمائة ن فبلغ ذلك إلى التي بطليطلة فقامت عند قاضيها أبي زيد بن الحشا و أثبتت عنده صداقها بالشرط المذكور ، ثم طلقت على زوجها التي نكح بقلعة رباح ثلاثاً ، و خاطب بذلك أبو زيد قاضي قلعة رباح محمد بن بكير ففرق بين ابن الغاسل و شمس التي نكح بقلعة رباح بما ورد عليه في خطاب ابن الحشا من أخذ عزيزة بشرطها ، و تطليق هذه عليه ثلاثاً بعد أن أعذر إليه ، فاعترض الزوج عليه بمباراته التي بارى بها القائمة بشرطها ، ثم أتى إلى طليطلة و أثبت المباراة عند قاضيها أبي زيد و شاور الفقهاء فيها ، و مضت في[418/3]ذلك مدة ، و أفتى بعضهم أن يحلف انه ما راجع تلك المرأة بعد مباراته إياها على سبيل الاستظهار ، و حلف الزوج عن أمر القاضي ، و ثبتت يمينه عنده ، و بقي بعد يمينه بطليطلة نحو شهرين ، فقامت شمس بقلعة رباح عند قاضيها ابن بكير بعقد استرعاء أنه شرط لزوجه أنه متى غاب عنها طائعاً أو مكرهاً أكثر من ستة أشهر فأمرها بيدها تطلق نفسها بأي الطلاق شاءت ، و إنه غاب عنها من المحرم المذكور ، و أثبتت ذلك عنده ، و أخذت بشرطها و طلقت نفسها ثلاثاً ، و خاطب ابن بكير بذلك قاضي طليطلة و أعذر إلى الزوج ، فقال : إنه لم يلتزم لها الشرط المذكور في صداقها على هذه الصفة الواقعة في عقد الاسترعاء ، و لا فيه طائعاً و لا مكرهاً ، و لا أن تطلق نفسها بأي الطلاق
(2/8)
________________________________________
شاءت ، و أظهر الصداق على ما قال ، و زعم أن مغيبه عنهما لم يكن إلا لمنع ابن بكير إياه منها بتطليق الطليطلة إياها عليه إلى أن أثبت المباراة و حلفت ، و وكلت شمس عند قاضي طليطلة وكيلاً على الإقرار و الإنكار و غير ذلك ، و أقرت عنده بصداقها الذي أظهره ابن الغاسل زوجها ، و طالب منه الزوج صرف شمس هذه عليه ، فكلف إثبات مغيبة عنها إنما كان للفراق المذكور ، و مدة الخصام في ذلك ، إذ كان القاضي قد نسي ما جرى عنده من ذلك ، فكتب الزوج استرعاء بصورة الحال الموصوفة من تردده في الخصام بطليطلة و تماديه في ذلك إلى حين اليمين ، شهد عند أبي زيد في هذا العقد الفقيه محمد بن قاسم بن مسعود ، ثم لم يأت بشاهد آخر حتى انصرفت الآجال المضروبة عليه في ذلك و عجز ، ثم ألفى شاهداً آخر بعد التعجيز ، و شهد بعد الاسترعاء الموصوف فقهاء طليطلة و قرطبة .
=فأجاب أبو جعفر بن مغيث : بأن لا يسمع من شهوده ، و بإمضاء ما حكم به عليه للتي تزوج بقلعة رباح .
و أجاب أبو المطرف بن سلمة بالسماع من هذا الشاهد بعد التعجيز ، و يبطل ما أخذت به شمس من شرطها في المغيب .
(2/9)
________________________________________
و أجاب ابن عتاب : أما ما نظر به القاضي أبو زيد فيما أثبته عنده محمد[419/3]بن الغاسل من مباراته لعزيزة بنت يحيى قبل نكاحه لشمس ، و استحلافه إياه ، لما ذهب إليه من إمساك شمس ؛ فقد كان يوجب له ذلك الننظر المذكور ، و لكن ما أوقعت شمس من الطلاق للمغيب الذي غاب عنها يمنع من ذلل على ما ذكره بعد هذا ، و تأملت عقد الاسترعاء الذي قامت به شمس في شرطها المغيب أنهم يعرفون الناكح محمد قد شرط لزوجه في عقد نكاحه معها أن لا يغيب عنها ، فلم يبين الشهود كيفية علمهم ، و الواجب في ذلك أن يقولوا : إن علمهم له بإشهاد الناكح لهم عليه . إلا أن يكونوا من أهل التبريز و العدالة البينة ، و اليقظة و العلم ، و إثبات الصداق كان أولى ليثبت به الشرط و النكاح ، و من الغمز أيضاً أن اليمين كانت واجبة على شمس و لم يذكر أنها حلفت بما يجب به الحلف عليها ، فإن ثبت ذلك فقد بانت بالثلاث التي أوقعتها ، و لا سبيل له إليها إلا بعد زوج ، هذا و إن كان العقد بالصداق بعد أن تحلف لغاب عنها أكثر ، و إن كان لم ينعقد – أعني أكثر مما شرطه لها – فأمرها بيدها ، و كان ما قبضته به و أوقعته من الطلاق عند انقضاء الأجل و فوره ، فالطلاق نافذ ، و إن كانت لم تحلف ، و لا دخول للإكراه فيها و لا مكره ، و هذا نص الرواية فيه ، و ما شهد به الفقيه محمد بن قاسم بن مسعود ، و لو شهد معه عشرة ، و سائر القصة لا يحتاج إليه في الجواب ، و هو فصل مستغنى عنه لا يلتفت إليه ، و لا يشتغل عنه بالجواب لذلك .
(2/10)
________________________________________
و أجاب أبو عمر بن القطان : إذ قد طلقت نفسها شمس بشرطها الذي ذكرت ، و أعذرت حسبما وصفت ؛ فلذلك نافذ على محمد بن يوسف و لازم له ، و لا يسمع منه ، و لا من شهوده المذكورين ما ذكرت عنهم ، و لا يحل بشيء مما ذكرت و وصفت في سؤالك بالطلاق المذكور و لا يبطله ، و لما كان غرضك معرفة الجواب فيما سألت عنه ، و نفذ الأمر كما وصفت ، تركت الكلام فيما سواه لطوله ، و لم يكن يجب للقاضي الذي ذكرت أن يكلف الطالب المذكور ما ذكرت ، إذ لم يكن في إثباته منتفع ، و كان في الشرط ذكر إكراه أو لم يكن . انتهى .
(2/11)
________________________________________
المعيار المعرب
والجامع المغرب
عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب
تأليف
أبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي
المتوفى بفاس سنة 914 هـ
خرجه جماعة من الفقهاء
بإشراف الدكتور محمد حجي
الجزء 4
نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية
1401 هـ-1981م
جميع الحقوق محفوظة
لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
بالمملكة المغربية – الرباط
ودار الغرب الإسلامي – ببيروت
لصاحبها: الحبيب اللمسي
ص. ب 5787/113
[3/4]
بسم الله الرحمن الرحيم
نوازل الخلع والنفقات والحضانة والرجعة
[من خالعته زوجته فقال: لا أطلقها إلا ثلاثًا]
سئل ابن رشد رحمه الله عن رجل طلبت منه زوجته مخالعتها على صداقها، فقال له بعض من حضر: اقبل منها وطلقها تطليقة تملك بها نفسها، فقال الزوج: وما أطلقها إلا ثلاثًا، فقيل له: ما قلت؟ فقال: أكتب لها طلقة بائنة، فحضر عندي فسألته عن مُراده بقوله الأول؟ فقال: ما أدري ما كنت في عقلي، وربما قال له: لم أرد الطلاق(1) إلا واحدة، وقال الشاهد الحاضر: إنه لم يتفهم منه الحال في الطلاق بل الاستقبال، وأما هو فيقول: لم نرد إلاَّ واحدة، فإذا قيل: ما أردت بقولك تطلقها ثلاثًا؟ فقال: لا أدري لم أكن في عقلي.
فأجاب: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا ووقفت عليه، والظاهر من الأمر أنه إنما أراد بقوله: ما نطلقها إلا ثلاثًا، الإخبار بما يعزم على فعله جوابًا على قول القائل: اقبل منها وطلقها تطليقة تملك بها أمر نفسها، لا إيجاب الطلاق على نفسه ثلاثًا، فيحمل قوله على ذلك، سواء قال: لم نرد إلا واحدةً،
[3/4]
[4/4]
أو قال: لم تكن لي بذلك نية ولا كنت في عقلي، ولا تلزمه إلا طلقة المباراة التي أمر بعد ذلك بكتابتها، وبالله التوفيق.
[ إذا اختعلت المرأة بإسقاط نفقة الحمل على الزوج، ثم ثبت عُدْمُها]
__________
(1) في نسخة: ما أردت الطلاق..
(1/1)
________________________________________
وسئل عمن اختلعت منه امرأته بكاليها وأسقطت مؤنة حملٍ إن ظهر بها وما تحتاج إليه ما تضعه من مؤنته إلى فطامه، فإذا فطمته كانت مخيرة في صرفه على ابيه أو في أن تقوم بجميع مؤنته إلى البلوغ طائعة بذلك متبرعة من غير ضرر، وأشهدت على نفسها بذلك عدولاً من الشهود، ثم قامت على الزوج وأثبتت أنها عديمة، أيلزم الزوج النفقة على الحمل؟ أم لا تلزمه حتى تضع؟ وكيف إن كنت قد أشهدت على نفسها عند الخلع أنها متى أثبتت على نفسها أنها عديمة فذلك باطل، وأقرت أنها موفورة الحال، فبين لنا ما يجب فيذلك مأجورًا.
فأجاب: إذا ثبت عدمها وعسرها لزم الزوج الإنفاق عليها ويتبعها بما أنفق عليها إذا أيسرت، وإن كانت قد أشهدت على نفسها بالوفرة وأن لا تقبل بينتها على العدم فلا تنتفع بمن شهد لها بالعدم حتى يشهدوا على معرفة ذهاب مالها وتلف حالها الذي أقرت به على نفسها.
[إذا وقع الخلع بأرض، هل يشمل ذلك شرب مائها؟ ]
وسئل رضي الله عنه بسؤال بعد عقد، نصُّهما: نسخة عقد مباراة: بارى فلان زوجته فلانة بعد بنائه بها بطلقة واحدة ملكت بها أمر نفسها على أن وضعت عنه جميع كاليها المكلي لها عليه في صداقها معه الذي لم ينعقد بينهما سواه، وصرفت إليه جميع ما ساقه إليها من الأصول الثابتة بموضع كذا على حسب ما كان ساقه إليها، حاشا الدار التي فوتتها بالبيع فإنها دفعت إليه خمسة وعشرين مثقالاً ذهباً مُرابطيَّة مرسيّة الضرب، وقبضها منها وأبرأها فبرئت، شهد.
ونص السؤال: تصفح رضي الله عنك العقد الواقع على هذا الرسم فإنه
[4/4]
[5/4]
ثبت على نصه بأن الزوج المذكور ساق إليها في جملة ما ساق إليها شرب ماء، ويذهب الآن إلى أخذه وتأبى الزوجة من دفعه، وتزعم أنها إنما صالحته على العقار والأرضين، فأفتنا رضي الله عنك القولُ قولُ من؟ وهل قول العاقد الأصول الثابتة يدْخل فيه الماء أم لا؟ بين لنا رضي الله عنك وجه الحكم في هذه النازلة.
(1/2)
________________________________________
فأجاب بأن قال: تصفحت سؤالك هذا ونسخة عقد المباراة الواقعة فوقه ووقفت على ذلك كله، وإن كان الشرب الذي ساقه إليها لسقي السياقة فهو داخل فيما صرفته إليه مما كان ساقه إليها، وإن لم يكن لسقي السياقة إلا ليسقى به غير ذلك من مَالها، فالقول قولها مع يمينها أنها صالحته على العقار دون إن ادعى الزوج عليها أنها صالحته على الجميع.
[ إثبات المرأة ضرر الزوج بها بعد أن تم الخلع ]
وسئل عن مسألة طلاق وقع بسبب ضرب اتصل، وسمع تطلق الزوج على أن أسقطت الزوجة جميع ما كان لها على الزوج، وأن ردّت ما كان تصير من أملاكه لها.
ونص ذلك: بارى عبيد الله بن محمد الأزدي راقي بينت الفقيه أبي الوليد يونس بعد بنائه بها، إذ تفاقمت أمورهما واختلفت أهواؤهما، على أن أسقطت جميع ما كان أمهره لها من كالئ بعد معرفتهما بعدده، وعلى أن صرفت جميع ما كان أمهره لها في كتاب صادقها معه من دور بالوط (كذا) الغربي الذي من قصبة أشبونة لوالد المباري المذكور، وجنات بنواحي الجهة المذكورة، وأرضين بقرى مدينة الأشبونة من جميع جهاتها، وخرج العدة إلى انقضائها، وما وجب لها من غلات مما كان أمهر لها من عقار بالجهة المذكورة، طائعة بذلك كله، وأمضى ذلك كله من فعلها والدها الفقيه أبو الوليد المذكور إذ رآه نظرًا لها وغبطة ومصلحة ورشادًا، وعلى هذا الإسقاط المذكور الموصوف ملكها عبيد الله المذكور أمر نفسها ولم يبق بين راقي المذكورة وعبيد الله المذكور شيء من الأشياء من جميع الدعاوى والتبعات، وانفردت راقي
[5/4]
[6/4]
(1/3)
________________________________________
المذكورة بجميع الثياب المقبوضة منه المكتوبة كانت غاية في كتاب صداقها معه، ولا حق لعبيد الله في جميع الثياب المقبوضة منه كذلك، وكذلك لا حق لعبيد الله المذكور فيما قبل راقي المذكورة ولا قبل أبيها المذكور في شيء من الأشياء من صداقها أو تجارة ولا شيء من الأشياء، شهد على إشهاد عبيد الله بن محمد والفقيه يونس على أنفسهما بجميع ما في هذا الكتاب عنهما من سمعه منهما وعرفهما وهما بحال الصحة والجواز، لأربع بقين من شهر شعبان من سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، ممن أشهدته راقي المذورة على مافيه عنها من سمع ذلك كله منها وعرفها، وذلك في التاريخ، ممن أشهد عبيد الله بن محمد أنه لا حق له قبل أسد بن سعيد، ولا قبل محمد بن يونس، ولا دعوى ولا حجة من شيء من الأشياء، وذلك في التاريخ، يشهد من كتب اسمه بعد هذا من الشهداء أنهم يعرفون عبيد الله بن محمد بعينه واسمه، وأنهم سمعوا عنه سماعًا فاشيًا مستفيضًا من لفيف الناس والخدم والجيران أنه يضر بزوجته راقي بنت يونس الكلاعي في نفسها ضررًا لا صبر عليه للمسلمين، وأنه يضيق عليها لتفتدي، وأنه قد تكرر ذلك منه عليها المرة بعد المرة، ولم يقلع عن ذلك في علم شهود من شهد بذلك على السماع المذكور إلى حين شهادتهم هذه، شهد على ذلك كله من علم الأمر حسبما فسر ونص وعقد شهادتهم بذلك في ذي الحجة من سنة إحدى عشرة وخمسمائة، تأمل رضي الله عنك هل عقد المبارة صحيح أم لا؟ وإن صح عقد المباراة هل يعمل فيه عقد شهادة الاسترعاء على الضرر أم لا؟ بين لنا ذلك كله.
(1/4)
________________________________________
فأجاب: تصفحت سؤال الواقع فوق هذا والعقدين المنتسخين فوقه ووقفت على ذلك كله، وإذا ثبت عقد الاسترعاء بالضرر على السماع بشهادة شاهدين عدلين لا مدفع فيهما للزوج وجب للمرأة على زوجها الرجوع على زوجها بما وضعت عنه وصرفت إليه بعد يمينها في مقطع الحق أن ما أشهد لها به من إضرار زوجها لحق، وأنها لم تباره بما بارته به إلا لتتخلص من إضراره لها لا عن طيب نفس منها بذلك، ومما استدركه في جوابه إن من تمام شهادة شهود عقد الاسترعاء بالضرر على السماع أن يزيدوا في شهادتهم لا يعلمونه
[6/4]
[7/4]
رجع عما سمعوه من إضراره بها إلى أن اتصل لهم مفارقته لها، والله ولي التوفيق برحمته.
[ مخالعة المرأة زوجها بشرط أن لا تتزوج إلاَّ بعد عام ]
وسئل ابن الحاج عن امراة خالعت زوجها على أن حطت عنه جميع كاليها وغير ذلك مما تضمنه عقد الخلع وعلى أن لا تتزوج إلا بعد انقضاء عام من تاريخ الخلع، فإن تزوجت قبل العام فعليها أن تغرم له مائة مثقال مرابطية.
فأجاب هو وابن رشد بأن الخلع جائز والشرط باطل، ولها أن تتزوج قبل العام ولا شيء عليها بذلك.
[ مخالعة اليتيمة زوجها بكالئها ثم قيامها عليه ]
وسئل فقهاء أشبيلية عن يتيمة بنى بها زوجها وبقيت معه سبعة أشهر فافتدت منه بكاليها ثم قامت عليه بعد ذلك بثمانية أشهر فوجب لها الرجوع عليه فصالحها ببعض الكالي، فلما كان بعد مدة قامت عليه مرة أخرى.
فأجاب بعضهم: بأن لها القيام عليه، وأجاب آخر بأن قال: لا قيام لها بعد الصلح الأخير وبه حكم القاضي أبو القاسم بن كوثر، وقال: وهو الصواب، وعلل ذلك بأنها قد مضى عليها بعد البناء خمسة عشر شهرًا، السبعة منها معه، والثمانية بعد فراقه.
[ إذا اختلعت المرأة من زوجها بفرض ولدها الرضيع على ألا يأخذه منها إذا انتقلت من المدينة ].
(1/5)
________________________________________
وسئل أبو محمد عبد الله الوانغيلي عن امرأة اختلعت لزوجها بجميع كاليها قبله وبفرض ولدها منه الرضيع وكسوته وسائر مؤنته، إلى حد سقوط ذلك عنه شرعًا على أن لا يزله منها سواء انتقلت من مدينة مكناسة إلى مدينة سلا، أو من سلا إلى مكناسة خاصة، هل تسقط حضانة المرأة المذكورة بالتزويج؟ وتنتقل إلى غيرها ممن يستحق ذلك وتلزمها النفقة والكسوة على ولدها
[7/4]
[8/4]
على نحو ما شرط الأب عليها إلى الأجل المذكور وتدفعها لمن حضن الولد المذكور أبًا كان أو غيره؟ أم لا؟
فأجاب: إن كان الأمر كما ذكر فالمرأة المختلعة المذكورة تسقط حضانتها بالتزويج وتنتقل إلى غيرها ممن يستحق ذلك، وتلزم الأم النفقة والكسوة على ولدها على نحو ما شرطه الأب عليها إلى الأجل المذكور، وتدفعه لمن حضن الولد المذكور أبًا كان أو غيره، إذ على ذلك أوقع الطلاق وأرسل العصمة من يده فه وشرطٌ لازم لها ومعاوضة صحيحة لا تسقط عنها.
[ هل يدخل الرضاع في مؤونة الطفل المخالع بها؟ ]
وسئل الشيخ أبو محمد عبد العزيز القيراوني كبير طلبة سيد أبي الحسن الصغير بما نصه: أكرمكم الله بطاعته وأمدَّكم بمعونته، جوابكم في مسألة امرأة ضعيفة من أهل البادية كانت خالعت زوجها وتحملت له بمؤن حمل إن ظهر بها إلى وضعه وبعد الوضع إلى سقوط ذلك عنه شرعًا، فتزيد لها منه ولد وأرضعته نحوًا من عام ثم لحقتها الضيعة وأحبت أن تتزوج فتعرض لها مفارقها، وقال: لا تتزوج لأجل رضاع الولد، فإن وقف مع ظاهر رسم الخلع تحملت له بالمؤمن وليس الرضاع بمتعلق بعينها كمسألة الجعل والإجارة في مسألة الظئير، وإن نظرنا إلى العرف فما يقصدون إلا أنها ترضعه بنفسها، وهل يترجح قول أصبغ إن قلنا إن الخلاف يدخل المسالة لأجل حاجتها ومسكنتها؟ والله تعالى يتولاكم، وكتب محمد بن أحمد بن أبي بكر، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
(1/6)
________________________________________
فأجاب: الحمد لله وحده أكرمكم الله، الجواب فيما ذكرتم فوقه أن الرضاع داخلٌ في المؤن، بل هو معظمها، وإنما تتولى ذلك بنفسها، إذ العرف يخصص ما أبهمه المتعاقدان ويعين مرادهما، ومذهب ابن القاسم لها أن تتزوج إلا أن يضر ذلك بالولد وهو منسوب إلى المدونة، فإن أضر به فله المنع، فإن كانت فقيرة عاجزة عن القيام بنفسها كان على الزوج أن يعطي أجر الرضاع
[8/4]
[9/4]
ثم يتبعها إذا أيسرت أو يأذن لها في النكاح، والله اعلم، وكتب عبد العزيز بن محمد القيرواني، وفقه الله.
[ مَن تحمَّل الإنفاق على صغير في طلاق ومات أُخذ من تركته ]
وسئل شيوخ شيوخنا القاضي أبو عثمان العقباني رحمه الله عمن خالع زوجته على أن تحملت له هي وأمها مؤنة ابنته منها ما دامت عندها، ثم ماتت الجدة بعد مضي عام، وطلب ورثتها قسم تركتها، وطلب المخالع ما يجب فيها لابنته بسبب التحمل.
فأجاب: تقدر النفقة إلى سقوطها عن الأب تقديرها وسطًا لا شطط فيه ولا تقصير، ثم يؤخذ نصف المقدر من التركة ويوقف بيد موثوق به ثم ينفق على الابنة نصف نفقتها، ثم متى خرجت الابنة من حضانة أمها وسقطت نفقتها عن الاب وقد بقي شيء من الموقوف صرف على الورثة.
(1/7)
________________________________________
وسئل الأستاذ أبو سعيد ابن لب رحمه الله عن رجل طلق وزجته طلقة خليعة وحضر والدها والتزم له عنها مؤنة الحمل الظاهر بها منه إلى بلوغ الذكر والدخول بالأنثى في ماله وذمته، ثم مات الملتزم ثم وضعت الحمل ولدًا ذكرًا، ثم ماتت أمه بوقي الولد مع جدته للأم زوجة الملتزم، وترك الملتزم طرازًا فكانت الجدة تقبض كراءه حتى تألف من ذلك جملة دنانير وكان ترك دينًا لزوجته جدة الولد من كالئ صداقها ودينًا أشهد لها به في مرضه الذي مات منه وترك أولاً ذكورًا وإناثًا، وقام الورثة وأثبتوا أن الابن المذكور لم يزل في حضانتها إلى تاريخ وفاته أنفقت عليه من مالها ولم تشهد أنها ترجع عليه فأراد ورثة الجدة أخذ النفقة التي أنفقت عليه وأراد والد الابن أخذ نفقة الابن إلى بلوغه من تركة الملتزم.
فأجاب: الحكم في ذلك وجوب توقيف حظ من متروك الجد حين موته بقدر ما يظن أنه يفي بنفقة الابن المذكور من ذلك الوقت إلى بلوغه، كما التزم في عقد الاختلاع، ويكون هذا الخط الموقوف دينًا على الجد من جملة ديونه الواجبة عليه ويورثه عنه السائر، ثم لما ماتت بنت الملتزم وهي أم الصبي كان
[9/4]
[10/4]
(1/8)
________________________________________
الواجب أن ينظر إلى حظها بالميراث في والدها جد الصبي من ذلك القدر الموقف فيبطل فيه حكم التوقيف، ويضاف إلى متروكها للميراث عنها من أصل وسواه ومما صار لها بإرثها من والدها وقت وفاته إن كان صار لها منه شيء بعد الديون والتوقيف، فيخرج ميراث الصبي من أمه من ذلك كله، وتصير نفقة الصبي من ذلك التاريخ في ميراثه من أمه، لأنه صار بذلك لإرث ذا مال، فسقطت عن الملتزم تبعًا لسقوطها عن الأب، لأنه إنما التزم عن الأب ما يجب عليه لولده شرعًا في تلك المدة التي تنتهي بالبلوغ، فإن كان ذلك الذي صار للابن مالاً من ماله يفي بنفقته إلى بلوغه فلا يبقى حق في جهة الملتزم في بقية الموقف ويورث حينئذٍ عن الجد لسقوط الالتزام جملة، وإن كان إنما يفي ببعض المدة بقي من الحظ الموقوف على التوقيف ما تكمل به المدة بعد أن يعمل حساب نفاد جميع مال الصبي، ويورث عن الجد القدر الفاضل عن ذلك من بقية الموقف، ثم إن الجدة لما حضنت الصبي وأنفقت من مالها إن ثبت ذلك وما تألف مما قبضت من كراء الطراز عيناً بيدها إلى وفاتها وجب أن لا يرجع ورثتها بتلك النفقة في قدر الكراء على أحد، لأنها قد كانت متمكنة من الأنفاق من ذلك الكراء المتألف ليسرته لكونه عيناً بيدها وهي الحاضنة والمنفقة، والكراء لجهة الجد الملتزم إن صار لجهته أو لجهة الصبي بسبب ميراثه في أمه في الطراز المكترى على ما تقدم، فقد كان إنفاقها عليه من ذلك الكراء سائغاً شرعاً متمكاً حيناً، فحين لم تفعل وصانته بإنفاقها من مال نفسها كان محمل ذلك على أنه لا رجوع لها فيه، كما قالوا مثل هذا في الأب إذا كان لولده الصغير بيده عين وأنفق عليه من ماله إنه لا رجوع لورثته فيه، فهذا ما ظهر تقييده في هذه النازلة. والله الموفق بفضله.
وسئل ابن عثمان عمن طلق زوجته على أن تحملت له بنفقة ابنته منها، فتعلمت الصبية صنعة فاجتمع منها دنانير، فقالت الأم أستعين بها على نفقتها وقال الأب يُدفع ذلك لها.
(1/9)
________________________________________
فأجاب: إن للأم تستعين به.
وأجاب ابن القطان بأن ذلك يدفع لها وقول ابن عتاب أولى.
[10/4]
[11/4]
[ إذا شرطت المرأة على زوجها عند الطلاق ألاّ يأخذ ولدها إذا تزوجت في عامين ]
وسئل ابن عرفة عمن طلق امرأته ولها منه ولد صغير اشترطت عليه قبل الطلاق أنها إن تزوجت في عامين ألاّ يخرج ولدها من حضانتها، فتزوجت في العامين، فطلقت قبل استكمال العامين. فبقي الولد حتى كمل العامان فأراد أخذه، هل له ذلك أم لا؟
فأجاب بأن قال: لا، لأن الموجب لإسقاط الحضانة القضية القائلة التزويج مسقط، ولو طلقت لم ترجع. وهنا القضية القائلة النكاح لا أثر له. فكان كما لو لم تتزوج. نعم إن تزوجت في المستقبل أخذه. انتهى.
قيل: وفي سماع ابن القاسم في كتاب التخيير دليل على هذه المسألة. أو هي بنفسها فانظره.
ووقع بين الفضلاء بالقاهرة الممحروسة بحث من نمط ما في الفرع قبله، وهي مطلقة لها ولد صغير في حضانتها فخافت إن تزوجت أن يأخذه أبوه. فأعطتْهُ مالاً على أن ينتزعه منها ولو تزوجت، وأنَّه إن انتزعه رجعت عليه بما أعطته. ثم إنها تزوجت فسكت الأب ولم يأخذ الولد بمقتضى الشرط، فقامت الجدة وأخذته فأرادت الأم الرجوع على الأب فاحتجت عليه بأنها إنما دفعت المال على بقاء الولد عندي والآن قد زال من يدي.
فأجاب بعض المشارقة: لا رجوع لها وذلك مصيبة نزلت بها.
وأجاب غيره، وصوبه المشرقي المذكور، يبقى ولقائل أن يقول لا تصح هذه المعاوضة. ولها الرجوع ولو لم تتزوج لأنه أخذ عوضاً عما لا يملك حالة المعوضة، لأن نزع الولد إنما يملكه بالتزويج، فهو كقولهم إذا أخذ عوضاً عن إسقاط الشفعة قبل تقرر موجبها.
[ أجرة المحضون لأمه تستعين بها على نفقته ]
وسئل ابن عتاب عن رجل طلق امرأته وله منها ابن فتزوجت المرأة ثم
[11/4]
[12/4]
التزومت لزوجها حضانة ابنها منه لأشهر مسماة دون فرض بسبب فرضها فاستؤجر الصبي بدراهم، لمن الدراهم؟.
(1/10)
________________________________________
فأجاب ابن القطان بأن يدفع للصبي وهو كسب من كسبه. ابن كوثر قال بعض أهل عصرنا: القول فيها قول ابن عتاب إن الدراهم لأم إذا ليس للصبي كسب مادام في حضانته والله تعالى أعلم.
[ اختلاف الرجل والمرأة في انقضاء مدة النفقة المشروطة عند الخلع ]
وسئل ابن عتاب رجل طلق امرأة وله منها ابن ثم التزمت المرأة نفقة ابنها سنة ثم اختلفا في انقضاء السنة فقال الرجل بقس من السنة شهران وقالت المرأة قد انقضت السنة، اعلى ابنك.
فأجاب: القول قول المرأة.
وأجاب: ابن القطان إن القول قول الزوج، وقول أبي عمر هو الصواب، وقال بعضهم إن قولهم في هذا الفرع وفي الذي قبله أصح والله أعلم بالصواب.
[ لا يلزم الخلع إلا بالتوثيق بالاشهاد ]
وسئل القاضي أبو سالم اليزناسيني على رجل وقع بينه وبين زوجته نزاع فقالت له إن أردت الطلاق فقد رددت عليك الصاق، فخرج عنها ولم يجاوبها بكلمة مخافة أن يكثر بينهما الكلام ويقع منه الطلاق. ثم بعد ذلك رجع إلى داره فسمع منها كلمة أوجعته في نفسه فقال لها تراك قلت إنك تردين علّي أنت طالق وهو ينوي رداد الصداق، فقالت له زوجته ما رددت عليك صداقاً ولا نرد عليك أصلاً، فهل يلزمه الصداق أم لا؟ بيّنوا لنا ما الحكم؟
فأجاب: المسألة مشكلة لأن مقصوده في الرد عليه أن يتوثق بالإشهاد.
فلا يوقع الطلاق حتى يقع الإشهاد على ردها عليه. فتعجيله الطلاق قبل ذلك دليل على لزومه. وإن ذكر الرداد من جملة سيئاتها الموجبة للطلاق. ويحتمل
[12/4]
[13/4]
غير ذلك فلا يلزمه الطلاق ويشهد له بساط الحال بذكر الرداد. وهذا كله إن حضرته بينة، وإن لم تحضره بينة فهو مصدق والله مطلع على سره.
[ لا رجوع للزوج فيما التزم به من الخلع ]
(1/11)
________________________________________
وسئل: عن زوجين وقع بينهما اتفاق على أن تختلع له الزوجة بما لها قبله وتفتدي منه بمال سمياه لم يحضر حين الاتفاق، وضربا لحضوره أجلاً سمياه، والتزم الزوج طلاقها إن حضر يوم كذا فبدا للزوج قبل مجيء اليوم وقال لا أفعل ذلك، فهل له ذلك؟
أم يجبر عليه إذا طلبته لكونه بدا له قبل مجيء اليوم المذكور والزوجة الآن تقول خذ ماشرطت أخذه وطلق؟ فهل يلزمه ما التزمه وإن انصرف الأجل أم لا؟
فأجاب: لا رجوع للزوج فيما التزم. وإيراد الاسئلة في السؤال فساد كبير، لأن في الجواب عن بعضها تنبيهاً للفاجر، اللهم ما نزل ومست الحاجة إليه فنعم.
[ لا يلزم الخلع الزوج إذا طلب التّروّي والمشورة ]
وسئلت عمن عقد على امرأته ودفع إلى وليها بعض النقد واطلع الولي على عيب ببعضه وكان العيب حلياً، فأخذه ودفعه إلى بعض أشياخ الوطن وقال لهم إن سخر الله فلاناً يسلم لنا ونسلم له، فأوصلوا ذلك إلى الزوج فقال لهم إذا قبضت جميع حوائجي أنظر في هذا الأمر وأشاور، فبعث الولي إليه ببقية النقد وسأل منه أن يطلق، فقال لا أطلق ولكن خذوا ما وجب لكم. فهل يلزمه أن يطلق بعد إحضار بقية النقد أم لا ؟.
فأجبت: الجواب، والله سبحانه ولي التوفيق بفضله، إن ثبت ما ذكر فليس في قبض الزوج المذكور ما رد إليه من المهر على فرض التروي والمشورة ما يوجب عليه خللاً في العصمة لعدم انبرام عقد المعاوضة الخلعية بينهما إيجاباً وقبولاً. وفي الرواية ما يقتضي عدم اللزوم فيما هو أغلظ من نازلتكم فكيف بها والله سبحانه أعلم وبه التوفيق.
[13/4]
[14/4]
[ من قال لزوجته إن أعطيتني كذا طلقتك وزعم أنه لم يقصد الطلاق ]
وسئل ابن لب عمن تكلم مع زوجته وقال: إن أعطيتني كذا وكذا طلّقتك، فأعطته إياه وقبضه، وطلبا من يشهد عليهما بذلك فلم يجدا من يشهد عليهما، ثم بدا له في ذلك.
(1/12)
________________________________________
فأجاب: الواجب في ذلك أن يحلف الزوج يميناً بالله انه ما قصد بما فعل ايقاع الطلاق على زوجة فلانة، ولا اعتقد أنها طالق منه بذلك. فهذا الذي وقع من الحكم في الرواية فيمن فعل فعلاً يقتضي الطلاق وزعم أنه لم يقصده.
[ إذا أسقطت الزوجة في الخلع عن زوجها كل مطلب لها عليه، فهل يشمل الصداق وغيره؟ ]
وسئل سيدي أبو عبد الله محمد بن مرزوق عن مضمن عقد نصه: الحمد الله حضر شهوده موطناً خالع فيه فلان زوجته فلانة بعد أن افتدت منه بجميع صداقها نقده وكاليه وأسقطت عنه كل مطلب كان لها قبله عدا مؤنة ولد ذكر إلى ثلاث سنين.
ونص السؤال المركب عليه: جوابكم فيما تضمنه الرسم المكتوب هذا على ظهره: هل يتضمن كل ما في ذمة الزوج سواء كان صداقاً أو مالاً مما في ذمته من غير صداقها، لأن في ذمته مالاً لها من زوج آخر؟ أو لا تفتدي منه إلا بصداقها منه ويبقي مالها من الزوج الأول عليه؟ وانظر في قول الشاهد وأسقطت عنه كل مطلب كائن ما كان.
فأجاب: في الوثيقة قصور لقوله خالعها بعد أن افتدت منه، وفي السؤال قصور لقوله على ظهره ولكن قول الموثق إن الزوجة افتدت من زوجها بجميع صداقها كله نقده وكاليه وأسقطت كل مطلب كان لها قبله عدا المؤنة يُسأل شهود الوثيقة، فإن قالوا صرحت بما عدا الصداق أو فهموا ذلك عنها حقيقاً قبلوا ان كانوا أهلاً لذلك. وإن تعذر سؤالهم سئلت
[14/4]
[15/4]
المرأة فإن قالت ما أردت إلا الصداق، حلفت على ذلك وثبت لها في ذمته ما عداه.
وقد اختلف فقهاء العصر في نظيرتها ببجاية هل تحمل على العموم أم لا؟ وفي عينها بمصر. وما كتبت لك هو الذي أرتضيه لأنهم نصوا على مثله في الوكالات ورأوا أن هذا العموم لا يتعدى السبب الوارد عليه، وهو الحق إن شاء الله تعالى، لأنه هو المحقق وغيره محتمل، فلا يعارض أصل الاستصحاب المحقق، وإن الذمم العامرة لا تبرأ إلا بيقين انتهى.
(1/13)
________________________________________
قلت: أفتى ابن رشد رحمه الله في مسألة من خالع زوجته على شيء ثم تبارءا بعد ذلك في جميع الدعاوي كلها بعموم الإبراء فيما كان من سبب المخالعة وغيرها مما يتعلق بالذمة مما سمي فيه وما لم يسم.
وأفتى ابن الحاج بأنها قاصرة على أحكام الخلع الخاصة، وهي تجري على الخلاف بين الاصوليين في العام إذا خرج على سبب هل يقصر على ما ورد أو يعم جميع ما اشتمل عليه العام.
[ إذا خالعت الصبية المملكة أمر نفسها وهي جاهلة، رجعت بما خالعت به ]
وسئل ابن أبي زيد عمن زوجه أبوه شبه غصب وأصدق عنه ثلث دار سكناه بعشرين والصداق ستون. فسافر الابن فأخذ بعض الأقارب الزوجة الصبية فأشهد على نفسه أنه إن لم يأت إلى سنة فأمرها بيدها، فانقضت السنة ولم يأت، فقال أبوه للزوجة اتركي صداقك وتزوجي من شئت، فتركته وتزوجت. فما يلزم الزوج؟.
فأجاب: إن كانت عالمة بأن لها أن تفارق بغير شيء ففارقت وتركت صداقها لزمها ذلك إن كان لا يولى عليها، وان ظنت أنها لا تملك الطلاق بهذا التمليك إلا بفدية، ومثلها يجهل ذلك، حلفت على ذلك وكان لها الرجوع بالصداق كله إن دخل أو بنصفه إن لم يدخل، وإن انقضت السنة ولم تقم بشيء حتى طال ذلك لم يلزم الزوج ما أحدثه الأب عليه من الفراق، إلا أن
[15/4]
[16/4]
يرضى بذلك، قيل: الزمها ما أسقطت إن لم يول عليها إن كان هذا قبل البناء أو بعده بيسيره، فيجري على أفعال المهمل وعطاياه وخلعه، هل هو ماض أم لا؟ والقولان في المدونة يقومان من النكاح الثاني وغيره، وأما قوله: إن مضت سنة وطال الأمر فلا يلزم الزوج إنما هو على القول بأن الخيار والتمليك ينقضي بانقضاء المجلس، وعلى القول بدوامه ما لم يأت ما يدل على رضاها، فالحكم ماض مطلقًا، وأظن أنه المنصوص فيها، وإنما ذلك إذا كان بحضور الزوجين بغير أجل لأن الإيجاب يقتضي القبول أو عدمه وبالله التوفيق.
[من طلق زوجته طلقة بائنة ثم أوقع عليها ثلاث تطليقات، لم تلزمه الثلاث]
(1/14)
________________________________________
وسئل أبو الحجاج بن أبي العرب عمن أوقع على زوجته طلقة مكلها بها أمر نفسها، ولا رجعة له عليها إلا برضاها ونكاح جديد وتحل للأزواج بانقضاء عدتها، وشهد عليه عدلان بهذه البراءة، ثم بعد عشرين يومًا قام أبو المرأة وطلب بالشهادة براءة ابنته، فشهد عليه أن أوقع على زوجته ثلاث تطليقات مرة واحدة، شهد عليه بها أحد شهيدي البراءة الأولى؛ فأراد الزوج ردها وقال: لا يلزمني الطلاق الثاني لأن الأولى بائنة، فهل تلزمه الثلاث أم لا؟
فأجاب: مشهور المذهب أن الأولى بائنة، فعليه لا تقع الثلاث الثانية فيردها إن شاء بعقد جديد.
[من التزم بنفقة ولد زوجته من غيره لزمته ولو طلق وأرجع]
وسئل ابن رشد عن رجل تزوج امرأة ولها ولد من غيره وطاع بالتزام نفقة الولد أمد الزوجية، ثم طلقها طلقة فانقضت عدتها، ثم تزوجها، هل يعود إنفاق الولد وهو لم يتطوع بذلك في هذا النكاح الثاني؟ وهل يلزمه ذلك ما بقي من طلاق ذلك الملك شيء أم لا؟ وهل تلزمه النفقة مع الكسوة أم لا؟ وقبل الطلاق لم يتطوع إلا بالنفقة.
فأجاب: تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه والنفقة التي التزمها أمد الزوجية واجبة ما بقي من طلاق ذلك الملك شيء، لأن قوله: أمد
[16/4]
[17/2]
الزوجية أو أمد العصمة سواء، وذلك يقتضي جميع الملك عند مالك وجميع أصحابه، وأما الكسوة فلا أرى أن تلزمه بعد أن يحلف في مقطع الحق أنه إنما أراد النفقة من الطعام دون الكسوة، وكان ابن زرب وغيره من الشيوخ يوجبون عليه الكسوة مع النفقة، ويحتجون بإجماع أهل العلم على إيجاب النفقة والكسوة للحامل، لقول الله عز وجل: {وإن كن أولاتِ حملٍ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} ولا أرى ذلك لأن النفلقة وإن كانت من الفاظ العموم فقد تعرفت عند أكثر في الطعام دون الكسوة، وبالله التوفيق.
[من ادعت الحمل وفرض لها ثم انفش الحمل]
(1/15)
________________________________________
وسئل من قبل القاضي أبي الفضل عياض عن امرأة ظهر بها حمل من زوج طلقها ففرض لها، ثم انفش الحمل، وشهد بذلك، ثم ظهر فطلبت النفقة، ثم انفش الحمل وشهد النساء بأن ليس بها شيء، وهي في كل ذلك تدعي الحمل، فقام الزوج فطلب ما أخذت منه في فرض الحمل قبل هذا، وقد مضى لأمد طلاقها أزيد من عامين، هل للزوج ذلك على رأي من يرى له الرجوع؟ وكيف إن أقامت هي نساء أخر يشهدن بالشك في أمرها وأنهن يرين أمرًا مشكلاً لا يدرين أهو ولد أم داء، هل يوجب ذلك إيقاف الزوج عن أخذ ما أعطى أم لا؟ وكيف إن أقامت الآن شهودًا بإثبات الحمل؟ هل ترجع فتأخذ؟ أو يوقف لاضطراب حالها واختلاف أمرها وطول مدتها إلى أن تلد أو يتيقن انكشافه وزواله أو يمضي من الأمد ما يؤيس منه.
فأجاب: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه، وإذا ثبت عند القاضي بشهادة النساء أن الحمل قد انفش كان له الرجوع بما أنفق عليه على القول بوجوب الرجوع له بذلك، وقد اختلف في ذلك على أربعة أقوال، أحدها: أن له الرجوع بذلك، والثاني: أنه لا رجوع له به، والثالث: أن له الرجوع بما أنفق إن كانت نفقته بقضاء، ولا يرجع به إن كان أنفق متطوعًا، والرابع: العكس لهذه التفرقة، ولا يلتفت إلى شهادة من شك في شهادته، ثم نثبت الحمل بعد ذلك عاد عليه الإنفاق، وذلك بعد الإعذار إلى الزوجة في شهادة من شهد أن الحمل
[17/4]
[18/4ٍ]
قد انفش إذا كانت مدعية للحمل بعد الإعذار إلى الزوج في شهادة من شهد بالحمل إن كان منكرًا، وبالله التوفيق.
[لا يُقضى بنفقة الأبوين في غيبة ولدهما ولا تباع أصوله لاجلها]
(1/16)
________________________________________
وسئل عن مسائل أجاب عنها، منها أنه قال: وأما ما حكيت عن ابن سهل رحمه الله من أنه ذكر أن الرجل إذا غاب وخلف أصلاً وقام أبوه بعدم الإنفاق أن الحاكم لا يبيعه ولا يخرجه من يده، فإنما حكى ذلك عن الشيخ الفقيه أبي عبد الله بن عتاب، رحمه الله، وه وصحيح، لأن نفقة الأبوين قد كانت ساقطة عنه، فلا تجب عليه لهما حتى يطلباه بها، فإذا غاب عنها لم يقض لهما عليه بها في مغيبه ولم تبع عليه فيها أصوله، لاحتمال أن يكون في ذلك الوقت قد مات أو قد استدان من الديون ما يستغرقها وتكون الديون أحق بها من نفقتها، وذلك بخلاف نفقة الزوجة، والفرق بينهما أن نفقة الزوجة واجبة حتى يعلم سقوطها بمعرفة موته واستغراق ذمته بالديون، وهذا من باب استصحاب الحال، وهو أصل من الأصول تجري عليه كثير من الأحكام، م ذلك الفرق بين من أكل شاكًا في الفجر أو شاكًا في الغروب، والفرق بين من أيقن بالوضوء وشك في الحديث بعده، وبين من أيقن بالحدث وشك في الوضوء بعده، ومن ذلك مسألة كتاب طلاق السنة من المدونة في المفلقود يموت بعد ولده في تفرقته بين أن يفقد وهو حرٌّ أو يعتق بعد أن فقد، ومثل هذا كثير، وأما قوله: إن الحاكم يضمن إن فعل لأنه من الخطأ الذي لا يعذر فيه فليس بصحيح، وإن كان الشيخ ابن عتاب رحمه الله قد قاله، فإنما قاله إغراقًا لمخالفة من خالفه من أصحابه، وأفتى ببيع أصول الغائب في نفقة أبويه، وإنما قلنا إن ذلك ليس بصحيح لأن ابن الموز قد حكى الإجماع في ذلك وإن وجد خلاف في بعض المسائل في ذلك فهو شذوذ خارج عن الاصل، وما في كتاب إرخاء الستور من المدونة وسماع أصبغ في العتبيّة من بيع مال الغائب في نفقة أبويه يحمل على ما عدا الأصول استحسانًا أيضًا في غير قياس، لأن القياس على ما ذكرنا أن لا ينفق عليهما في مغيبه شيء من ماله إذ لا يؤمن أن يكون
[18/4]
[19/4]
(1/17)
________________________________________
قد مات أو استدان من الديون ما هو أحق بماله من نفقة أبويه، ولهذه العلة قالوا: إنَّ الغائب لا يؤخذ من ماله الناضِّ للزكاة، وبالله تعالى التوفيق.
[من طلَّقت نفسها لمغيب زوجها وعدم النفقة، وتزوجت، ثم حضر الزوج]
وسئل الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن عن المرأة إذا قامت في مغيب زوجها بعدم النفقة فأثبتت ما يجب إثباته وضرب القاضي لها أجلاً ثم حلفت وطلقت نفسها وأباح لها القاضي النكاح فتزوجت ودخل بها زوجها ثم قدم الزوج الأول، وأثبت أن نفقته كانت عليها.
فأجاب: يفسخ النكاح الثاني وترجع إلى الأول إن شاء الله.
[إذا طلبت الزوجة الطلاق من زوجها الغائب بعدم الإنفاق وجاء من تحمل النفقة]
وسئل عن رجل غاب عن زوجته فقامت المرأة وادَّعت أنه لم يترك لها زوجها شيئًا، ورفعت أمرها إلى السلطان وأرادت الفراق إذ لميترك لها نفقة ثم إن رجلاً من أقارب الزوج أو من الأجانب قال لها: انا أؤدي عنه النفقة ولا سبيل لك إلى فراقه.
فأجاب: لا مقال لها إن قال الرجل: أنا أنفق عليك لأن عدم النفقة الذي أوجب لها القيام قد وجدتها.
وأجاب أبو القاسم ابن الكاتب بأن لها أن تفارق، لأن الفراق قد وجب لها، وإلى نحو من مقالة الشيخ أبي بكر بن عبد الرحمن أشار الشيخ أبو عبد الله بن المناصف، فقال ما حاصله: قيام الزوجة في غيبة زوجها على وجهين، لترجع بما أنفقت عليه، وفائدته قبول قولها من حين الرفع، الوجه الثاني: لتطلق نفسها بعدم الإنفاق فإذا اثبتت الزوجية والمغيب ولم يترك لها شيئًا ولم يخلف ما يعدي فيه ولم يتطوع أحد بالنفقة عنه ودعت إلى الطلاق إلخ، فظاهر أن التطوع بإجراء الإنفاقة يسقط مقالها كما قاله ابن عبد الرحمن، وهو الذي
[19/4]
[20/4]
(1/18)
________________________________________
تقتضيه المدونية في النكاح الثاني في قوله: إلا أن يتطوع السيد بالنفقة، وفي كتاب الجعل والإجارة في قوله: ولو تطوع رجل بأداءها لم تفسخ، قال بعضهم: لأن حجتها في الثمن، فإذا تطوع به أحد سقطت حجتها، وانظر تمام الكلام على هذه المسألة في كتابنا المترجم بالمنهج الفائق، والمنهل الرائق، والمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق.
[الفرق بين امرأة المفقود وأمّ ولده]
وسئل ابن أبي زيد فقيل له: ما الفرق بين امرأة المفقود وأم ولده، إذا لم يكن له مال، فقلت في المرأة أنها تطلق عليه بعدم النفقة وقلت في أم الولد لا تعتق عليه بعدم النفقة.
فأجاب: لأن الحرة أقوى حالاً من أم الولد، ألا ترى أن إن امتنع من الجماع قضى عليه للحرة ولم يقض لأم الولد.
[تفرض نفقة المحضون من ماله أو مال أبيه]
وسئل الأستاذابو عبد الله الحفار رحمه الله عن صبي ماتت أمه وكفلته جدته للأم عشرة أشهر بعد وفاة والده وستة أشهر في حياته، وذهبت الجدة المذكورة لأن يفرض لها عليه، فأخبرها بعض الفقهاء أنه ليس لها فرض عليه ولا أجرة حضانة، فل ما هذبت غليه الجدة سائغ لها شرعًا أم لا؟
فأجاب: الصبي المحضون لا بد له من النفقة يفرضها القاضي للصبي من ماله إن كان له مال أو من مال أبيه إن لم يكن له مال، وما قاله بعض الفقهاء فجهل من قائله، وأما الحاضنة فاختلف الفقهاء هل لها أجرة على الحضانة أم لا؟ قاله محمد الحفار.
[لا يرجع الأب على ابنه بما أنفق في عرسه وإن كثر]
وسئل الأستاذابو سعيد بن لب رحمه الله عن رجل أنفق نفقة كثيرة في عرس ابنه ثم طلبه بها.
[20/4]
[21/4]
(1/19)
________________________________________
فأجاب: لا طلب الأب على ابنه بما كثر من النفقة في عرسه ودخل في باب السرف، إنما يطلبه بالقدر المعتاد في ذلك مما هو داخل في باب الاقتصاد على مقتضى العادة الجارية لمثل الزوج مع مثل تلك الزوجة، بعد أن يحلف الأب يمينًا أنه إنما أنفق تلك النفقة من ماله ليرجع بها على ابنه، وهذا إن كان للابن مال وقت الإنفاق وإلا فلا رجوع له بشيء.
[من أوصى ببنتيه لشقيقته فالتزمت بالإنفاق عليهما نقلت إليها الحضانة]
وسئل عن رجل مات وترك بنتين أوصى بهما إلى الشقيقة تحت إشراف زوجها ولهما جدة للأم هما في حضانتها، والتزمت العمة الوصي نفقتهما وكسوتهما من مالها من غير روجوع عليهما على أن تكون لها الحضانة وأبت الجدة من ذلك فإن بقيتا عند الجدة ذهب مالهما في النفقة، فهل يحكم للعمة بالحضانة لهذه المصلحة أم لا؟
(1/20)
________________________________________
فأجاب: أما العمة المتطوعة بما ذكرتهم في المسألة، فالصواب إمضاء ذلك عليها ونقل الحضانة إليها إن لم يعلم في ذلك ضرر على البنتين، ولا نقص مرفق في الكفالة والقيام بالمؤونة والخدمة، لظهور المصلحة العظمى لهما بصون مالهما، وإنما قلت إن هذا هو الصواب في المسألة لأمور، أحدها: أن التقدمة في باب الحضانة إنما هي من باب الأولى لا من باب الأوجب، لأن لكل حنانًا وعطفًا، قاله اللخمي، فإذا عارضت تلك المصلحة الكبرى هذه الأولوية اضحملت، وثانيها: أن جانب العمة قد قوي في باب الحضانة على باب الإيصاء الذي بيدها، وقد قال بعض فقهاء المذهب: إن الأم إذا تزوجت تبقى لها الحضانة على ولدها إذا كانت وصيًا، ذكر ابن الحاج وسبق إلى التنبيه عليه ابن يونس، فظهر أن الإيصاء تقوية، وثالثها: أن أشهب روى عن مالك فيمن أوصى بابنته إلى ولي، فتركها مع عمتها حتى بلغت الجارية أو كادة، ثم تزوجت العمة فطلبتها أم أمها وأرادت أخذها، وأحبت الجارية أن تكون مع عمتها ورضي بذلك الولي، أنه قال: أرى أن تترك مع عمتها ولا تأخذها الجدة إن رضي بذلك الولي، فما ذكر في توجيه هذه المسألة أنه لما رضيت الصبية والولي
[21/4]
[22/4]
لكونها مع عمتها لم يضرها التزويج وكانت أولى من جدتها لأمها، والوالي في هذه النازلة هو العمة لأنها الوصي، ولها المقال بسبب الإيصاء، فإن كان للبنتين من السن ما يفهمان به جهة الأرفق والأصلح استشيرتا في ذلك على ظاهر هذه الرواية، وهو ظاهر قول ابن العطار إن الولد يخيّر، وفيه حديث حسن خرجه الترمذي: أنَّه عليه الصلاة والسلام خَيَّرَ غُلامًا بَيْنَ أَبَوَيْه، وإن لم يكن للبنتين هذا القدر من الفهم لصغرهما فالقاضي ينظر لهما في ذلك، ويثبت عنده في ذلك ما يثبت انتهى.
[لا رجوع للمرأة على الزوج بالنفقة إذا أسقطتها عنه لمدة معينة]
(1/21)
________________________________________
وسئل ابن أبي زيد عن الرجل يريد سفرًا يقيم فيه سنتين، فأخبر زوجته وقال: إن رضيت المقام فلا نفقة في غيبتي هذه المرة وإلا طلقتك، فرضيت، فلما غاب قامت بالنفقة.
فأجاب: ما هذا عندي إلا يلزمها كما لو كان حاضرًا وأسقطت عنه نفقتها سنة أو سنتين لم يكن لها رجوع عندي، وإنما الذي يقام عليه لو ضمنت له نفقة ولده الصغير سنتين وقد فارقها وتبرعت بذلك وهي عديمة أو كانت ملية وأعدمت فهذا يقال له: أنفق عليها ولك عليها الرجوع بما أنفقت عليها.
[للمرأة النفقة على الزوج في أيام الخصام إن دافعها بالباطل]
وسئل اللخمي رحمه الله عن امرأة دعت للزوجها للدخول وأنكر النكاح فأثبتته عليه، هل لها عليه نفقة في أيام الخصام أم لا نفقة لها؟
فأجاب: لا نفقة لها عليه إن كانت ذلك الزوج بتأويل وشبهة، وأما إن كان دافعها بباطل فواضح أنه كالغاصب فلها النفقة فيها.
[إذا امتنعت الأم من إرضاع ابنها وغذاه أبوه بلبن ماعزة فمات، فهل تعاقب الأم؟]
وسئل سيدي أبو الحسن الصغير عن امرأة تركت ولدًا رضيعًا
[22/4]
[23/4]
ابن شهرين أو نحوهما عند أبيه، فبقي عنده أيامًا يغذيه بلبن المعزة، ثم خاف عليه فأرسله إليها فامتنعت من أخذه فرده فبقي يعانيه بلبن المعزة نحو عشرة أيام فامت، هل على الزوجة فيه شيء أم لا؟
فأجاب: إن كان لا يجد من يرضعه بأجرة أو بغير أجرة ولم يقبل لبن المعزة بحيث ينوب له عن لبن مرضعة وامتنعت الأم من إرضاعه، فقال صاحب المنهاج: تتخرج على مسألة حريم البير من المدونة إذا مُنع العِطاشُ من الشراب حتى هلكوا فماتوا فديتهم على عواقل المانعين، قالوا: يريد إذا اعتقدوا أن لهم ذلك، وأما لو اعتقدوا أنه لا يجوز لهم ذلك وأنهم يموتون بالعطش قطعًا فالقصاص، فتأمله، فينظر في هذا إن كان لم يجد من يرضعه على الوجه المذور ولم يقبل لبن المعزة بحيث يغه فتخرج عليها.
[إذا اختلف الرجل ومطلقته في دفع أجرة الرضاع فالقول قوله فيما بعد من الشهور]
(1/22)
________________________________________
وسئل ابن المكوي عن رجل طلق امرأته وله منها ولد يرضع فأرضعته المرأة بعد طلاقها إياه شهورًا، ثم طلبته بأجرة الرضاع للشهور الماضية، وزعم أبو الصبي أنه دفع ذلك عن انقضاء كل شهر إليها.
فأجاب: أما ما تباعد من الشهور فالقول قوله في دفع الأجرة، والقول قول المرأة في الشهر الاخير قال: وسبيلهما سبيل الإحارات، وزعم أنها رواية لأبي قرة عن مالك، وفي وثائق ابن كوثر، وإن ادعت الحاضنة أمًا كانت أو غيرها أنها أنفقت على الصبي من مالها لترجع بذلك على أبيه، وادعى الأب الإنفاق، فالقول قولها مع يمينها وإن طالت المدة ومضت أعوامٌ كثيرة، ولها رد اليمين وبهذا جرى العمل.
[فرض الرضاع]
وسئل القاضي أبو سالم اليزناسني عمن له بنت من مفارقة منه والبنت ترب (كذا) عام واحد، وقد كان تحاكم في أجر رضاعتها وفرض عليه خمسة دراهم في كل يوم
[23/4]
[24/4]
وبقي على ذلك مدة من ثمانية أشهر فأرادت المفارقة المذكورة الزيادة في الفرض وامتنع الأب منها وطلب أن تبقى على ما فرض لها إذ كان ذلك في زمن الغلاء وضيق المعيشة وهذا زمان بسط ورخاء، أو تسلمها له يشتري بها خادمًا ترضعها أو يستأجر مرضعة غيرها، فهل يمكن من ذلك أم لا؟ وإن وجد من يرضعها له باطلاً هل تكون له أجرة مثلها سواء كانت أقل من فرضها المذكور أو أكثر أو تكون ملتزمة بما فرض لها عليه؟ بيّنوا لنا ذلك ولكم الأجر.
(1/23)
________________________________________
فأجاب: فرض الابنة يتغير بتغير السعر للزيادة والنقصان، وأما ما ذكرتم من إسلام الولد لخادم أو مرضعة غير الأم، فإن لم يقبل الولد غير أمه وخيف عليه جبرت الأم على رضاعه بأجر مثلها، وإن قبل الولد غير أمه فعلى ثلاثة أوجه، إما أن يكون الأب موسرًا أو معسرًا أو معه بعض المال بحيث لا يقدر على أجرة المثل، فإن كان موسرًا فاضطربت أقاويل الشيوخ ي معنى ما في المدونة التي عليها مدار الفتوى، فقال ابن الكاتب وغيره: الأم أحق بأجرة المثل مطلقًا، ولا كلام للأب إن وجد من يرضعه من دونها أو باطلاً، وإلى هذا ذهب ابنرشد وبه نأخذ في المسألة، ونترك ما سواه من التأويل والأقوال، وإن كان الأب معسرًا فإن رضيت الأم بأن ترضعه باطلاً كانت أحق به، وإلا أسلمته لمن يرضعه باطلاً، ولا قول لها إن طلبت أن يكون رضاعه عندها، بخلاف الأب الموسر، قاله اللخمي، وإن كان الأب معه بعض المال بحيث لا يقدر على أجر المثل، فإن وجد من يرضعه بما يقدر عليه لا بأنقص منه فللأم الخيار بين أن ترضعها بما وجد أو تسلمه، وإن وجد من ترضعه بأنقص مما يقدر عليه، فإن كان على أن ترضعه الظئير عند الأم كان القول قول الأب، وإن كان على أن ترضعه الظئير عندها فالأم أحق، وهذا التفصيل في الواجد لبعض أجر المثل للخمي في قوة كلامه وفقهه ظاهر، وإن كان ظاهر المدونة أن الأم أحق بما وجد مطلقًا، وبالله التوفيق.
[24/4]
[25/4]
[رفع النزاع، بين المتشاجرين في أجر الرضاع]
تأليف أبي علي بن عطية الونشريسي
ولبلدينا الشيخ الفقيه المدرس القاضي العدل المحقق أبي علي الحسن بن عثمان بن عطية الونشريسي مقالة حسنة في معنى ما تقدم من أجر الرضاع رأيت إثباتها هاهنا ونصها:
(1/24)
________________________________________
الحمد لله الذي نور بالعلم بصائر العلماء، وجعل ما وهبهم من العلم كالرزق حظوظًا وقسمًا، والصلاة على نبينا محمد الذي بنوره انجلى العمى، وعلى آله وأصحابه الأشداء الرحماء، أما بعد: فإنه لما نعق بهذه الفئة العلمية ناعق الفنا، وفقدنا في أمد قريب الأشياخ والقرناء، وتشبه بالشيوخ من ليس له في العلم رسوخ، دعاني ذلك إلى أن أتكلم في مسألة وقع الكتب بها إلى البلدان، واستفتي فيها الأحداث والولدان، وسميتها برفع النزاع، بين المتشاجرين في أجر الرضاع، فقلت مستعينًا بالله عَزَّ وَجَلَّ، متبرئًا من الحول والقوة والعمل: أم الصبي الرضيع لا يخلو إما أن تكون في العصمة أو خارجة عن العصمة.
فإن كانت في العصمة فاختلف العلماء في وجوب الرضاع عليها على ثلاثة أقوال، فقال أبو حنيفة والشافعي: لا يلزمها ذلك في حال من الأحوال، وقال أبو ثور: يجب عليها الإرضاع في كل حال، وذهب مالك إلى أن ذلك واجب على الدنية ولا يجب على الشريفة، إلا أن يكون الطفل لا يقبل إلا ثديها، قال بعض الشيوخ: وسبب الخلاف هل آية الرضاع متضمنة حكم الرضاع، أعني إيجابه، أو متضمنة أمره فقط؟ فمن قال: لا يجب عليها الرضاع، إذ لا دليل هنا على الوجوب، ومن قال: تتضمن الأمر بالرضاع وأنها من الأخبار التي مفهومها مفهوم الأمر، قال: يجب عليها الرضاع، ومن فرق بين الدنية والشريفة واعتبر العرف والعادة، وقال بعضهم: مستند أهل المذهب في إيجاب الإرضاع على الزوجة إنما هو عندهم عرف المسلمين المستمر على دوام الأعصار في جميع الأمصار، أن الأمهات إلا م مثلها لا يرضع يرضعن أولادهن من غير طلب أجر على ذلك.
[25/4]
[26/4]
(1/25)
________________________________________
قال في المدونة: وتجبر ذات الزوج على إرضاع ولدها بالأجر إلا أن تكون ممن لا يرضع مثلها لشرفها فذلك على الزوج وإن كان لها لبن، قال بعض الشيوخ: لأن العرف في ذوات القدر والشرف أنهن لا يرضعن، والعرف كالشرط، وقال في المدونة: ولو مرضت التي يرضع ملها أو انقطع درها فالرضاع على الزوج، وأما إن كانت خارجة عن العصمة، فغما أن تكون مطلقة أو متوفى عنها، فإن كانت مطلقة فإما أن يكون الطلاق بائنًا أو رجعيًا، فإن كان رجعيًا فحكمها حكم الزوجة ما دامت في العدة، فإن انقضت العدة أو كان الطلاق بائنًا فلا يجب عليها الإرضاع إلا أن لا يقبل الطفل غيرها فعليها الإرضاع وعلى الزوج أجر الرضاع، قال بعض الشيوخ والإجماع منعقد على هذا لقوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فئاتوهن أجورهن}، وهذا في المطلقات، فإذا وجب على الأب دفع الأجر على الرضاع للأم واتفقا على شيء يرضيانه لم يفرض لها، وإن تنازعا في الإجارة، فقال بعض الموثقين: كان بعض شيوخنا يفتي في الحال فرض لها دينار ونصف، وإن كان قليل ذات اليد فرض دينار واحد، وإن قال الأب: عندي من يرضعه بأقل مما طلبت فهذا وقع(1)
__________
(1) في نسخة: فهو واقع..
(1/26)
________________________________________
في أصل المدونة إذا وجد الأب وهو موسر من يرضعه بخمسين وأبت الأم إلا بمائة، الأم أحق أن ترضعه بما يرضعه به غيرها إلى آخر المسألة، فحمله ابن الكاتب وغيره على أجر رضاع مثلها لا على ما طلبت، ولا على ما وجد الزوج، ويشهد له قوله بعد: وليس للأب أن يفرق بينه وبينها إذا أراد أن ترضعه بما ترضعه به الأجنبية، فقوله آخر المسألة: فإنها أحق به بأجر رضاع مثلها، وقوله أيضًا آخر الكتاب: إذا وجد من يرضعه باطلاً وهو موسر لم يكن له أجرة عليها رضاعه بما ترضعه بها غيرها ويجبر الأب على ذلك، ومثله في كتاب محمد، وسواء وجد الأب من يرضعه غيرها أم لم يجد، لأن المرضعة تناوله عند الرضاعة وغيرها وهو تفريق بينه وبينها، وقال غيره: إنما تكون أحق به بأجرة المثل إذا لم يقبل غيرها.
وأما إن وجد من يرضعه عندها باطلاً أو بدون أجر المثل فلا حجة لها، إلا
[26/4]
[27/4]
(1/27)
________________________________________
إن أخذته بمثل ذلك، ومثله في كتاب ابن سحنون لأبيه، ويشهد له أيضًا ما في الكتاب من وله: إذا علق بالأم ولا صبر له عنها، و كان لا يقبل غيرها، أو خيف عليه، فأمه أحق بأجر مثله، وفي كتاب ابن حبيب عن مالك، وهي رواية ابن وهب عنه: أن الأب أحق به إذا وجد من يرضعه باطلاً أو بدون أجر المثل، ووقع هذا القول في الكتاب آخر الباب في رواية شيخنا رحمه الله، ونصه: وقد قيل: إن كان الأب موسرًا أو وجد من يرضعه باطلاً، قيل للأم: رُدِّيه إلى أبيه، وقد ذكر ابن المواز القولين عن مالك، واختصار البراعي على خلاف ما تكلم عليه الشيوخ، فقال: إن الأب إذا وجد من يرضعه بدون ما طلبت اأم فذلك للأب إلا أن ترضى الأم بما وجد، فهي أحق، وحمل قوله في أصل المدونة: فجري بذلك الإشارة عنده إلى ما وجد به الأب، والذي اختاره بعضهم أن تكون الأم الأحق بأجرة المثل، قال: لأن الأم لها حق في الحضانة، والظئير وإن كانت عندها فهي التي تباشر بالرضاع والمبيت، وذلك تفرقة بينه وبينها، قال: وإلى هذا رجع أبو اقاسم ابن الكاتب، وهو اختيار ابن المواز، واختيار بعضهم فيما بين الأجرتين، فإن كان يسيرًا عمل على قوْل الأم، وإن تباينا أو وجد الأب من يرضعه باطلاً عند الأم، فالقول قول الأب، ونسب بعضهم أن القول قول الأم للمدونة، والقوال الآخر لغير المدونة، والقولان، مالك كما حكيناه على الإطلاق، واختلف الشيوخ في محملهما، فقال بعضهم: إذا وجد من يرضعه عند الأم فذلك محمل القولين، وأما إن أراد تفريقه من الأم، فإن الأب لا يجاب إلى ذلك من غير خلاف، وجعل بعضهم محمل الخلاف إذا طلب الأب إرضاعه عند غير الأم، وأما لو قال الأب: إن الظئير ترضعه عند أمه لكان القول قوله من غير خلاف، والله أعلم بالصواب.
ورجح بعضهم أنَّ الأم ترضعه بوجهين:
أحدهما: أن لها حقًا في الحضانة، وقد اختلف في الحضانة هل هي حق للحاضن أو للحضون أو لهما أو هي حق لله عز وجل؟ على أربعة أقوال.
(1/28)
________________________________________
الوجه الثاني: أن الأم أرفق به وأن لبنها أنفع له على ما روي أنه ما من لبن يرضع به الصبي أعظ بركة عليه من لبن أمه، وأما إن كانت متوفى عنها فقال في المدونة: وإن مات والد الصبي فلها أن لا ترضع وتستأجر من يرضعه
[27/4]
[28/4]
من ماله، إلا أن لا يقبل غيرها فتجبر على أن ترضعه بأجرها من ماله، وإن لم يكن للصبي مال لزمها رضاعه، قال بعضهم: يريد وإن كان يقبل غيرها، قال في المدونة: بخلاف النفقة التي لا يقبضى بها عليها، ولكن يستحب لها أن تنفق عليه إن لم يكن له مال، قال عبد الوهاب: إن لم يكن للصبي مال لم يلزمها رضاعه، وهو من فقراء المسلمين إلا أن لا يقبل غيرها فتجبر حينئذٍ على رضاعه، كان له مال أو لم يكن، لأن في ترك رضاعه حينئذٍ إتلافه، وقد قال تعالى: {لا تضار والدة بولدها}، والذي قاله عبد الوهاب هو قول ابن الجلاب، قل بعضهم: وكذلك نقول: إن قبل غيرها وليس له مال: غنه لا يلزمها رضاعه، لأن جَعْلَهُ من فقراء المسلمين إضرار به، وقد لا يتكلف أحد فيكون في ذلك هلاكه، وقد قال مالك في غير المدونة: وإذا لم يكن لليتيم مال وليس للأم لبن أو لها لبن لا يكفيه فعليها رضاعه بخلاف النفقة.
(1/29)
________________________________________
قال ابن الكاتب: واستدل سحنون على أن على الأم إرضاعه إذا لم يكن له مال ولا أب، بقوله صلى الله عليه وسلم للتي اعترفت بالزنى: « اذْهَبِي فَأَرْضِعِيه »، قال: وأخر النبي صلى الله عليه وسلم الحد لرضاع ولدها، وأمره لها على الوجوب عليها، إذ لا يؤخر حد وجب لأمر يتطوع به، قال بعضهم: ورأيت في كلام بعض الشيوخ عن ابن المواز أنه يقول: نفقة الولد على الأبوين على قدر الميراث، قال هذا الشيخ: لعب ابن المواز أراد أنها على الأم عند عدم الأب، قال الناقل عنه: إن صح نسبة هذا لابن المواز، فتأويل هذا الشيخ بعيد منه؛ لأنه إذا كان الأب عديمًا أو معدومًا كيف يمكن أن يؤدي من النفقة شيئًا فضلاً عن الثلثين اللذين هما نصيبه من الميراث، وقد انتهى الغرض، والله الموفق للصواب.
تتميم: ولا أجر للحضانة على الحضانة إلا إن كانت تخدم المحضون فلها أجر خدمتها، قاله الجزيري، قال المتيطي – يحيل على كلام تقدم له –: وقولنا: وخدمته وأجر مسكنه هو الصواب، لأن الأب يلزمه إخدامه إذا اتسع حاله لذلك، وكذلك يلزمه الكراء عن مسكنه، هذا هو القول المشهور المعمول به المذكور في المدونة وغيرها، ثم ساق الخلف في الخدمة والسكنى.
وسئل ابن عتاب عن المطلقة المرضع والحامل هل لها خدمة على الزوج
[28/4]
[29/4]
(1/30)
________________________________________
إذا كانت عنده مخدومة قبل الطلاق؟ فقال: لا خدمة لها، لأن المرضع إنما لها أجر الرضاع، فهي مؤجرة نفسها، وكذلك الحامل لا خدمة لها وعليها خدمة نفسها، قال: ويحتمل أن تزاد المرضعة في الأجرة لاشتغالها بالولد وما تتكلف من مؤنته، قال ابن سهل: وسألت ابن مالك عن ذلك فقال: الذي لم نزل نفتي به أن تُزاد الحضانة في الأجر إذا كان المولود له موسرًا، وإن كانت المطلقة حاملاً مرضعًا فلمالك في سماع أشهب: لها نفقة الحمل، ونفقة الرضاع جميعًا، ودليل المدونة أنها ليس لها إلا نفقة الحمل وحدها وهو الأظهر في النظر، ويزاد على أجرة المرضع من المؤنة ما يحتاج غليه الصبي، قال في كتاب الجُعل والإجارة، ويحملون فيما يحتاج الصبي من المؤنة في غسل خرقه وحميه ودهنه ودق ريحانه وتطيبه على ما تعارفه الناس، وقد ذكر ابن سهل عن فرض لرضيع قميصين ومحشوًا ويتيقتين (كذا) وفسقيتين من كتان ولفافتين نطع للشويذكة ومخدة مملوءة صوفًا ونصف ملحفة ولحيف كتان محشوًا قطنًا، ولنفقته في الشهر ربع دقيق وثمني زيت طيب للأكل وثمنًا واحدًا للوقيد، وربعًا ونصفًا من فحم، وأجرة الرضاع، قال: ولا كراء مسكن له، واحتاج والد الصبي الرضيع النازل به هذا أنه كان فرض عليه أقل مما فرض عليه الآن وكان السعر غاليًا، وفرض عليه الآن كثيرًا والسعر رخيص، حجة صحيحة ودليل واضح، لكن لا يوافق المدلول، فإن الذي فرض عليه أولاً في غلاء السعر بزعمه إنما كان ذلك والولد صغير والآن كبر الولد، وليس رضاع الصغير كرضاع الكبير، قال الميتطي في كتاب الجعل والإجارة: وليس رضاع ابن شهر كرضاع ابن عام، فزيد عليه لكبر الصبي وقوة رضاعه.
(1/31)
________________________________________
تتميم: وأما إن كان الأب عديمًا، فقال في الكتاب: ولو كان الأب عديمًا لا يجد شيئًا ووجد من قرابته من يرضعه باطلاً فله ذلك، إلا أن ترضعه الأم باطلاً، وكذلك إن كان الأب ليس بالواجد وإنما يقوى على دون الأجر وأصاب من يرضع له بدون ذلك فللأم أن ترضعه بما وجد أو تسلمه، قال
[29/4]
[30/4]
قال أبو الحسن اللخمي: فإن كان الأب فقيرًا لا يقدر على شيء فوجد من يرضعه باطلاً على أن الولد عند الغير كان ذلك للأم، وهو في هذا بخلاف الموسر، لأن رضاعه مع الفقر على الأم وهي مجبورة على رضاعه ورضاع غيرها تختلف عنها، وكانت بالخيار بين أن ترضعه أو تسلمه، ومثله إذا وجد من يرجعه بخمسه، وهي التي يقدر عليها، قيل لا: أنت بالخيار، فإن شئت أرضعته بذلك أو سلمته، لأنك مجبورة على رضاعه بخمسة لما لم يكن يقدر على سواها.
وقال ابن بشير: فإن لم يكن له، يعني للأب ولا للصبي ماله، فإن لم يقبل غير أمه جبرت على رضاعه، فإن قبل غيرها ولم يكن للأم لبن فهل يجبران ( ) (1) له قولان، أحدهما: أنه ليس عليها ذلك لأنه من باب النفقة وليس عليها نفقة، والثاني يلزم ذلك لأن عليها أن ترضع بلبنها لأنه م باب المواساة، فإذا فقد فعليها ( ) وإن كان لها لبن فهل تجبر على الرضاع؟ المشهور: أنها تجبر، وعند ابن الجلاب أنها لا تجبر كالنفقة، هذا مع حياة الأب، قال ابن محرز: قال في الكتاب: فإن مات الأب ولا مال للصبي لم يكن للأم أن تطرحه وكان عليها أن ترضعه، والنفقة مخالفة للرضاع في هذا.
__________
(1) في هامش المطبوعة الحجرية: « الذي في نسختين أنه لا بياض، بل هو متصل، والله أعلم ».
(1/32)
________________________________________
قلت: فإن لم يكن لها لبن وهي موسرة تقدر على أن تستأجر له فقد اختلف في ذلك، فذهب إسماعيل القاضي إلى أن ذلك لا يلزمها كالنفقة، وذهب غيره إلى نذلك يلزمها في مالها كما يلزمها في مال ابنها، قال أبو القاسم ابن الكاتب: إنما يلزم الأم أن ترضع ولدها عند عدم الأب أو موته، لأن الرضاع قائم في بدنها، وهو من در من درها، فإن انقطع درها لمرض أو غيره لم يكن عليها سبيل إلا أن تكون قادرة على أن تسترضع له من غير الباب الذي وجب على الأب، ولكن من باب تجب على كل أحد من إعانة من يخاف عليه الموت، إذ لا يمكنه معونته، مثل من رأى رجلاً جائعًا أو عطشانًا وهو يخاف عليه إن لم يطعمه أو يسقه أن يموتن فعليه أن يطعمه أو يسقيه إن أمكنه ذلك، وكذلك كل مضطر فإن إعانته واجبة، وقدْ كان
[30/4]
[31/4]
النبيُّ صلى الله عليه وسلم شَرَطَ على الأنصارِ ليْلَة العَقَبَةِ المُوَاسَاةَ لِمَنْ يَقْدِمُ عَلَيْهِ مِنَ المُهاجِرِين، وبالله التوفيق لا رب غيره ولا معبود سواه، والصلاة والتامة على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
رفع الحرج والجناح، عمّن أرادات من المراضع النكاح
لأبي علي الونشريسي
وللشيخ أبي علي المذكور مقالة أيضًا مفيدة حسنة نصها:
(1/33)
________________________________________
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد فإن مسألة وقعت بين رجل ومفارقة له فارقها على أن تحملت بنفقة ابنها منه الرضيع وكسوته وسائر مؤنه إلى سقوط ذلك عنه شرعًا، على أن لا ينتزعه منها سواء تزوجت أو تأيمت أو سافرت أو أقامت سافر هو أو أقام، فبقي الولد عند أمه في حضانتها ثلاثة وعشرين شهرًا من حين وضعه، وفطمته أمه واستغنى بالطعام، فتزوجت وقد بقي أقل من شهر لتمام الحولين من حين الوضع، فقام مفارقها عليها بطلب فسخ النكاح وتمام رضاع ولده لبقية الحولين، فوقع الحكم بإمضاء النكاح وصحة الفطام بعد موافقة (1) بهم فيهما وبقي شيء في نفوس الناشئين من الطلبة، الذين لم يبلغوا في العلم تلك المرتبة، فحملني ذلك مع سؤالهم على إملاء يزيح عنهم الإشْكال، ويزيل كل وهم واحتمال، وسميته: رفع الحرج والجناح، عمن أرادت من المراضع النكاح، فقلت مستعينًا بالله وهو المستعان، وعليه في كل الأمور التكلان: هذا النازلة له تعلق بكتاب الله عز وجل، وتعلق بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وجبت البداية بهما ثم نتبع ذلك بكلام الأئمة الأعلام، ومشاهير علماء الإسلام، وحصرنا الكلام فيها في عشر مسائل، منها مقاصد ومنها وسائل، وبالاطلاع على مجموعها يتحصل مقصد السائل:
المسألة الأولى: في تعلقها بكتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، وذلك قوله تعالى:
[31/4]
[32/4]
{
__________
(1) في هامش المطبوعة الحجرية: « بياض اتفقت علي النسخ التي بأيدينا ».
(1/34)
________________________________________
والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} الخ، وقوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا}، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: المولود الذي يرضع حولين كاملين هو المولود لستة أشهر، وإن ولد سبعة أشهر فرضاعه ثلاثة وعشرون شهرًا، وإن ولد لثمانية أشهر فرضاعه اثنان وعشرون شهرًا، وإن ولد لتسعة أشهر فرضاعه واحد وعشرون شهرًا.
قال القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله: ومن هاتين الآيتين أخذ علي رضي الله عنه أن أقل الحمل ستة أشهر، لأنك إذا نقصت ستة أشهر من ثلاثين شهرًا بقيت أربعة وعشرون شهرًان قال: وهذا من بديع الاستنباط، فإذا بنينا على مقتضى قول علي، وهو تفسير ابن عباس، فقد زال عن المسألة الإشكال والالتباس، لأن غالب حمل النساء إنما هو تسعة أشهر، فكلام العلماء على أن أقل الحمل ستة أشهر إنما هو لدرء حد أو إلحاق نسب أو لضرورة تلجئ إلى ذلك.
وإن بنينا على تفسير غيرهما، وهي المسألة الثانية، نظرنا في تمام رضاع الحولين هل يجب أو يُجوز الاقتصار على ما دونه، وبقوله قال القاضي منذر بن سعيد في تفسيره: إنما ذكر الله تعالى كمال الحولين في الرضاع من أجل إيجاب الخيار في الفصال، فكأنه قال تعالى والوالدات يرضعن بالخيار، إن شئن أن يكملن لأولادهن رضاع احولين، وإن شئن لم يكملن ذلك على الضرر منهن، فهذا معنى الكلام، فإرضاعُ الحولين لا يجب فرضًا مقدارًا إلا لمن أارد أن يتم الرضاعة باتفاق من الزوجين، فهما مخيران في إتمام الرضاع، ولكل واحد من الوالدين أن يفصل الرضاع قبل تمام الحولين ما لم يكن مضارًا، فإذا كان مضارًا لم يكن له ذلك.
(1/35)
________________________________________
قلت: وكلام منذر هذا كافي في سقوط كلام المفارق لأنا نشده بكلام غيره، فنقول: قال بعض المفسرين، قال قتادة: كان الرضاع واجبًا في الحولين وكان يحرم الفطام قبل ذلك، ثم خفَّف الله ذلك، وأباح الرضاع أقل من الحولين في قوله تعالى: {فإن أرادا فصالاً} الآية، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: لو كان هذا حدًا مؤقتًا لا تجوز الزيادة عليه ولا تعتبر إن وجدت لما أوقفه الله تعالى على الإرادة كسائر الأعداد المؤقتة في الشرع، قال
[32/4]
[33/4]
والصحيح أنه لا حد لأقله، وأنَّ أكثره محدود بالحولين مع التراضي، وقال أبو الحجاج يوسف بن عبد العزيز اللخمي في كتابه المسمى بأخذ الدلائل في عيون المسائل في مسألة بيع لبن الآدميات: جوز الشرع الفطام قبل الحولين عند الحاجة إلى ذلك.
وأما تعلقهما بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي المسألة الثالثة، فذلك قوله صلى الله عليه وسلم: « لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ حَتَّى تَذَكَّرْتُ أنَّ الرُّوم وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلَادَهُم »، وهو حديث صحيح، أخرجه مالك في موطئه عن عائشة عن جدامة بنت وهب الأسدية أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لَقَدْ هَمَمْتُ.. » الحديث.
(1/36)
________________________________________
ويتعلق بهذا الحديث الكلام على جُدَامة، وهي المسألة الرابعة، قال الإمام المازري في « المعلم »: قال بعضهم: هي جُدَامة، بضم الجيم والدال المهملة، وكذا قاله مالك، وقال سعيد بن أيوب ويحيى بن أيوب بالذال المعجمة، والصواب ما قاله مالك، والجدامة في اللغة ما لم يندقَّ من السنبل، كذلك قال أبو حاتم، وقال غيره: إذا تحاتَّ البُرّ فما بقي في الغربال من قصبه هو الجدامة، وقال القاضي أبو الوليد الباجي: هكذا وقع عندي في رواية يحيى بن يحيى بالدال غير المعجمة، وقال لي أبو ذر عند سماعي عنه موطأ أبي مصعب: فيه رواية بالذال المعجمة، ولكن روايتي بالدال غير معجمة، وذكره القاضي أبو الفضل عياض في الإكمال بالوجهين عن شيوخه عن ابن أبي سراج.
وأما ضبط الغيلة، وهي المسألة الخامسة، فقال ابن أبي زمنين: الغِيلة بكسر الغين لا يجوز الفتح إلا بطرح الهاء، كذلك ضبطه بعض شيوخنا الفقهاء البصراء بكلام العرب في حين قراءتي عليه، وأصل الغيلة هاهنا الضرر، تقول: خفت غيلة فلان، أي: ضرره، وزاد في كتاب الديات، والغيلة: أن يغتال الإنسان ويخدع بالشيء، يستخفي فيه، فإذا صار غليه قتل، وقال القاضي عياض في « الإكمال »: لو كان هذا صحيحًا لكانت من ذوات الواو لقوله تعالى: {لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون}، أي: لا تغتال عقولهم، فيكون الاسم: الغول، وقد أكثر الناس في اشتقاقها ولا غرض لنا في استيفاء كلامهم.
[33/4]
[34/4]
(1/37)
________________________________________
وأما حقيقتها، وهي المسألة السادسة، فقد قال في « الموطأ » و « المدونة » وغيرهما: هي وَطْءُ المرضع، ولفظه في « الموطأ »: أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع، ولفظه في « المدونة »: قال ابن القاسم: قال مالك في الغيلة-وذلك أنه قيل له: ما الغيلة؟-قال: ذلك أن يطأ الرجل امرأته وهي ترضع ليست بحامل، لأن الناس قالوا: إنما الغيلة أن يتغالى الصبي بلبن قد حملت أمه عليه، فيكون إذا أرضعته بذلك اللبن قد اغتالته، قال مالك: ليس هذا هو، إنما تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ تُرْضِعَهُ وَزَوْجُهَا يَطَؤُهَا لا حَمْلَ بِهَا، قال القاضي أبو الوليد الباجي: قوله: الغيلة، أن يمس الرجل المرأة وهي ترضع، قال ابن حبيب: عزل عنها أو لم يعزل، قال الشيخ أبو عمران: إنما حقيقة الغيلة: الوطء مع الإنزال، إلا أن يريد ابن حبيبي إذا لم ينزل وأنزلت المرأة أن ماءَهُما يغير اللبن، وقوله: يغير اللبن، أي: يكثره، وإذا كان له تأثير بالتكثير، جاز أن يون له تأثير بالتغير، وقوله صلى الله عليه وسلم: « لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ.. » يدل على أنه كان يقضي ويأمر وينهى بما يؤديه إليه اجتهاده دون أن ينزل عليه فيه شيء، قال القاضي عياض في « الإكمال »: وهي مسألة مختلف فيها عند أهل الأصول.
(1/38)
________________________________________
قال القاضي أبو الوليد الباجي: وكذلك همّ أن ينهى عن الغيلة لما خاف من إفساد أجسام أمته وضعف قوتهم من أجلها حتى ذكر أن فارس والروم تفعل ذلك فلا يضرهم، يحتمل أن يريد صلى الله عليه وسلم أنه لا يضر ضررًا عامًا، وإنما ضر في النادر، فلذلك لم ينه عنه ولم يحرمه رفقًا بالناس، لما في ذلك من المشقة على من له زوجة واحدة، فيمتنع من وطئها مدة الرضاع فتلحقه المشقة، وهي مشقة عامة، فكان مراعاتها أرفق بأمته من المشقة الخاصة التي لا تلحق إلا اليسير من الأطفال، قال ابن حبيب (1): العرب تتقي وطء المرضع أن يعود من ذلك ضرر على الولد وضرر في جسم أو علة على تقدير أن يكون ذلك ضررًا يسقط مقال المفارق أيضًا، فهذا على أن مسألة المفارق والولد مفطوم فلا مدخل له في شيء من هذا، وقال أبو عمر بن عبد البر: روى
[34/4]
[35/4]
بعض الرواة عن مالك هذا الحديث عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها أبو عامر، وكذلك رواه القعنبي في غير « الموطأ »، وهو عنده في «الموطأ» كما هو عند سائر الرواة عن عائشة، جدامة، وفي رواية عائشة عن جدامة دليل على حرصها على العلم وبحثها عنه، وإن القوم والله أعلم لم يكونوا يرسلون من الأحاديث في الأغالب إلا ما نسوا فيه المحدث لهم أو لوجوه غير ذلك.
أما الغيلة فكما فسرها مالك، وعلى تفسير مالك أكثر الناس من أهل اللغة وغيرهم، وقال الأخفش: الغيلة والغيل سواء، وهي أن تلد المرأة فيغشاها زوجها وهي ترضع فتحمل من ذلك الوطء، لانها إذا حملت فسد اللبن على الطفل المرضع ويفسد به جسمه وتضعف به قوته حتى ربما كان ذلك في عقله، قال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إنه ليُدركُ الفَارِسَ عن فَرَسِه »، أي يسقط عن السرج، قال الشاعر:
__________
(1) في هامش المطبوعة الحجرية: في نسخة « ابن وهب ».
(1/39)
________________________________________
فوارسُ لم يغالوا في رضاع ( ) عن أكفِّهِم السيوفُ (1)
قال أبو عمر: قول النبي صلى الله عليه وسلم: « حَتَّى ذَكَرْتُ أنَّ فارسَ والرُّومَ يَفْعَلُون ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلاَدَهُمْ »، يرد ما قاله الأخفش وحكاه عن العرب، وذلك من أكاذيب العرب وظنونهم، ولو كان ذلك حقًا لنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الإرشاد والأدب، فإنه كان صلى الله عليه وسلم حريصًا على نفع المؤمنين وروفًا بهم، وما ترك شيئًا ينفعهم إلَّا دلهم عليه وأمرهم به صلى الله عليه وسلم.
قلت: وفي رد أبي عمر على الأخفش نظر، لأنه قال في جملة ما رد به كلام الأخش إن هذا من أكاذيب العرب لم يقتصر على قول العرب بل عضد ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضًا فإن الأخفش تكلم على إرضاع الحامل ومالك تكلم على وطء المرضع الحامل، وشتان ما بين المسألتين
[35/4]
[36/4]
وقد نبهناك على أن مسألة الفارق لا يتناولها تقسيم أهل العلم للغيلة، لكون الولد مفطومًا مستغنيًا بالطعام.
__________
(1) الشطر الثاني ناقص هكذا في النسخ، ولعله سقطت منه كلمة: « فتسقط.. ».
(1/40)
________________________________________
وأما الراجح من التفسيرين في اللغة، وهي المسألة السابعة، فقال أبو الحسن اللخمي في الغيلة ما هي؟ فقال مالك: وطء المرضع، وقيل: أن ترضع وهي حامل، والأول أحسن لأن رضاع الحامل سلموا أنه مضر وهو مما يتقى منه، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن الغيلة وأخبر أنها ليست بضارة، فكان حمله على الوجه الآخر أبين، ولا يحمل على من علم منه الضرر وربما أدى إلى موته، قال الشيخ أبو الحسن اللخمي: واختلف في استرضاع الحامل فوقع في غير موضع جواه، وقال في كتاب الإجارة: إن حملت تنفسخ الإجارة، وهو أحسن؛ لأن إرضاع الحامل مضر وهو مما يتقى منه، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن الغيلة وأخبر أنها ليست بمضرة، ثم تكلم اللخمي على الأم المطلقة الحامل، فقال: إنها لا ترضع لأنها ليست بزوجة، فلما كان لها أن لا ترضع كان على الأب أن يستأجر له، فإن رضيت برضاعه كانت لها الأجرة، وهذا إذا كان رضاعها وهي حامل لا يضر بالولد، فهذا مناقض لما تقدم له من أنه ضارٌّ بالولد وربما أدى إلى موته، فجزم بالضرر فيما تقدم وتردد فيه في هذا الموضع.
(1/41)
________________________________________
وأما إذا اشترط المطلق على زوجته مؤنة رضاع ولده حولين أو فوق ذلك، وهي المسألة الثامنة، فقال في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب التخيير والتمليك: وسئل عمن صالح امراته على أن عليها كفل ولد منها ثلاث سنين لا تتزوج، فقال: أليس قد كانت ترى أن هذا الشرط لا يجوز، وأنه ليس من شروط الناس، وثلاث سنين مثل عشرة، أريات إنَّ قال لها: لا تتزوج خمس سنين، يشترط تحريم ما أحل الله، قيل له: أرأيت إن شرط عليها ألا تتزوج حتى تفطم ولدها؟ قال: يشترط عليها تحريم ما أحل الله! قيل له: أفترى لها أن تنكح؟ قال: لا أدري، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} (1) على تحريم ما أحل الله، قال ابن نافع: وكان مالك لا يرى
[36/4]
[37/4]
بأسًا أن تنكح وإن اشترط كفله عليها، وأما أنا فلا أرى أن تنكح في الحولين إذا اشترط ذلك علهيا، قال ابن رشد في كتاب ابن المواز: إن ذلك يلزمها، ولا تنكح حتى تفطم ولدها، مثل قول ابن نافع، ويأتي على ما في المدونة أن المرأة إذا آجرت نفسها ظئرًا فليس لها أن تتزوج، أنه ليس للمصالحة على رضاع ولدها أن تتزوج في الحولين وإن لم يشترط ذلك عليها، وما في رسم الرهون من سماع عيسى من هذا الكتاب: أنه ينظر في ذلك فإن كان يضر بالصبي (2) لم يحل بينها وبين الصبي التزويج قول رابع في المسألة، وإنما وقع الاختلاف في هذا لما يتقى من ضرر ذلك وما كانت العرب تغتفره من ذلك حتى هم النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن ذلك، وأما اشتراطه عليها ترك النكاح بعد الحولين مدة قريبة أو بعيدة فلا اختلاف أن ذلك لا يلزمها، كما لا يلزم الزوج اشتراط ذلك عليه.
__________
(1) في هامش المطبوعة الحجرية: في بعض النسخ هنا بياض بين قوله: « ولا تعتدوا » وبين قوله: « على تحريم إلخ ».
(2) يظهر أن هنا بتر يتضح من تكرار سماع عيسى بعد أربعة عشر سطرًا تحت هذا، فتأمله.
(1/42)
________________________________________
وقد أعلمتك في مواضع من هذا الإملاء، أنَّ مسألة إقامة ابن رشد فيها نظر، وهي المسألة التاسعة، لأنه قد نص في كتاب الرضاع على مذهبه من أن الغيلة وطء المرضع، فلا عبرة بالإقامة مع وجود النص، هذا على تسليم المعارضة؛ وإلا فقد قال الشيخ أبو محمد صالح: إن أراد هنا أنه منعه لخوف الحمل فلا معارضة، وإن أراد لما يضر بالصبي فهو معارضة فاسدة بإخبار الشرع صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يضره، وقد يقال: إن الفرق على تسليم المعارضة أن اللبن هنا مشترى بثمن المشتري ينبغي أن يكون سالمًا من جميع العيوب اليسيرة والكبيرة، وما قاله في سماع عيسى من أنه ينظر في ذلك إن كان يضر بالولد منعت من التزويج وإلا فلا، كلامٌ فيه إشكال، لأن سيد المرسلين وخاتم النبيي عليه صلاة رب العالمين، قد نظر في ذلك وأخبر أنه لا يضر، فأي نظر يبقى لأحد من الخلق مع نظره صلى الله عليه وسلم؟
وأبعد من هذا ما وقع في الطرر عن بعض المفتين، وهي المسألة العاشرة، في كتاب الاستغناء: إذا التزمت الأم حضانة ابنها فتزوجت في ذلك فسخ نكاتحها حتى يتم أمد الحضانة، وقد قدمنا عن ابن رشد ما يبطل هذا
[37/4]
[38/4]
(1/43)
________________________________________
من قوله: إذا اشترط عليها من فوق العامين من مدة قريبة أو بعيدة فلا خلاف أنه لا يلزمها ذلك، وهل يتوهم أحد أن الأم لا تتزوج غالا بعد عشرين سنة أو ما قاربها؟ لأن الحضانة كما علمت إلى بلوغ الذكر وتزويج الأنثى، ولما استشعر ابن عبد الغفور بعد هذا القول لم يكتف بما نقله عن الأبهري أن لها أن تتزوج ولا يفسخ النكاح، بل رأى أن يلتمس له مخرجًا فقال: أراه قبل البناء، وقد حكى ابن يونس وابن رشد وغيرهما الإجماع على أن عدة المرضع ثلاثة قروءٍ، وإلا فسنة بيضاء بعد الفطام، فإذا تمت ثلاثة أقراء وهي في حال الرضاع فقد حلت للأزواج بالإجماع، وإذا حلت للأزواج جاز العقد عليها، وإذا جاز العقد عليها حلَّ وَطْؤُها، إذ لا يجوز النكاح إلا حيث يجوز الوطء، قاله في المدونة، فتبين بهذا أن الرضاع ليس من موانع النكاح، ولذلك لم يعده أحد من أهل المذهب على كثرتهم من الموانع، وقد قال في المدونة: وإذا تزوجت المرضع المطلقة فحملت ثم أرضعت صبيًا فإنه ابن الزوج الأول والثاني إن كان لبن الأول لم ينقطع، هذا كله لو افتقرنا إلى الاستدلال الذي أغنى الله عنه بقول رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام: « لقد هممتُ أن أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ.. » الحديث، وفسره إمام دار الهجرة والأئمة الأعلام بما قدمناه مما يحتاج إلى مزيد كلام، على أن مسألة المفارق لا يدخلها الخلاف لوفوع الفطام واستغناء الولد عن الرضاع بالطعام، والله هو المسؤول أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه، ويجعلنا من الذين يؤتيهم في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[من خالع امرأته على أن تنفق على ابنه إلى البلوغ، ثم راجعها]
(1/44)
________________________________________
وسئل شيخنا أبو الفضل سيدي قاسم العقباني رحمه الله عن مسألة، وهي: أن ابن رشد سئل عمن خالع امرأته على أن تحملت بنفقة ابنه منها إلى الحلم، ثم راجعها بنكاح جديد هل تبقى عليها نفقة ابنها أم لا؟ وكيف لو طلقها ثنية؟ هل تعود عليها نفقته أم أو لا؟
[38/4]
[39/4]
فأجاب: إذا راجعها سقط عنها ما تحملت به ولا يعود عليها إن طلقها ثانية إلا أن تجدد له التحمل. انتهى.
قال بعض الشيوخ: هذه كمسألة المدونة إذا ملكها فلم تقض حتى طلقها ثلاثًا وواحدة ثم نكحها بعد زوج أو بعد عدتها من الطلقة فلا قضاء لها، لأن هذا ملك مستأنف، ثم قال هذا الشيخ: قلت: والعلة الحقيقية أنها لما رضيت به ثانية فكأن الأول لم يكن بوجه، فكذا هذه المسألة. انتهى.
أشكل عليَّ يا سيدي جواب ابن رشد سقوط النفقة عنها ومعاوضتها كانت صحيحة وترتبت النفقة في ذمتها، ولا يسقط ما في الذمة إلا بالإبراء والإسقاط، وقد قالوا: إذا ماتت المرأة المتحملة بنفقة الولد في الخلع أخذ من تركتها، وكذلك أشكل عليَّ التنظير المكذور، فالمراد من سيدي بيان ما يختار في المسألة وبيان وجه فقه ابن رشد ووجه التنظير المذكور بأتم بيان.
(1/45)
________________________________________
فأجاب: الحمد لله، اعلم حفظك الله، أن كثيرًا من مسائل النفقة يجري الحكم فيها على مقصود أهل العرف، وإن كانت الألفاظ تدل على خلاف ذلك، ومسألة النفقة التي أشرت إليها وأجاب ابن رشد عنها فيها من هذا المعنى، وذلك أن ذلك القوام على المرأة وولدها حال كونها تحت الزوج هو الزوج، لكن يسهل ذلك عليه وهم في موضع واحد، فإن وقع افتراق عسر على الزوج القيام بمؤن متعددة، قد علم هذا بشهادة العادة، فلهذا ترى الرجل يرغب في صرف نفقة الولد إلى غيره، وهذا المعنى يزول عند المراجعة بانضمام الزوجة وولدها الى الزوج، ولا ترى في العادة الزوجة تكون مع زوجها وهي تنفق له على ولده، فلهذا نعلم أن مراجعته إياها أنه أسقط النفقة عنها، ولا شك أنها لا تعود بعد الإسقاط، وبمثل هذا العرف قضى الإمام فيمن التزمت في الخلع إجراء النفلقة على الولد إلى بلوغ الحلم، علله بأنه أدرك الناس أنهم لا يطلبون ذلك، فترك صريح الالتزام للعرف، والتنظير من الشيخ راجع إلى العرف أيضًا، فإن التمليك إذا كان توكيلاً فالشأن في الوكيل أن لا ينعزل حتى يقضي
[39/4]
[40/4]
ما وكل عليه أو يصرَّح بترك ذلك، لكن العرف عند بعض أهل العلم يقتضي الجواب في الجلس، ومن لم يجب عُقدَّ تاركًا، ولبعضهم حتى يوقف الحاكم المملكة على الأخذ أو الرد لما عرض في المسألة أن العصمة لا تصح وفيها خيار لغير الزوج، هذا ما تمكن، وقد أعجلني عزم حامله على السفر والله الموفق بفضله.
[الإنفاق على اليتيم الذي له مال]
وسئل الفقيه العزي شارح تلخيص ابن البنّا عن مسألة تظهر من جوابه.
(1/46)
________________________________________
فأجاب بأن قال: أما المنفق على يتيم له مال فإن كان ماله عينًا وهو تحت يده أو يد من يمكنه التوصل إليه بلا مشقة فلا قيام له، وإن كان ماله عروضًا أو عقارًا أو حيوانًا أو رقيقًا أو عينًا لكن يتعذر الوصول إليه أو يتوصل إليه بكلفة أو مشقة، فله القيام عليه على المختار عندي مما قيل في المسألة، والمختار عندي أن لا يمين عليه، فإن كان شهد أشهد في هذا الوجه أعني إذا كان المال غير عين أو عينًا لكن يتعذر، غير أنه إنما ينفق ليرجع، فهذا يرجع بلا خلاف، ولا يمين عليه بلا خلاف.
وأجاب غيره بأن قال:: أما المنفق على من له مال فالقول قولُه أنه أنفق ليرجع، وفي يمكينه نظر ما وجدت الشفاء منه في الوقت، لأن ظاهر الكتاب عدمه، وقد نقل عن ابن القاسم في مسألة الأب في موضع، ونقل عن غيره اليمين، وابن شاس حكى اليمين حيث يشكل الأمر، هل كان الإنفاق مواساة أو ليرجع؟ وأما مسألة اليتيم المنفق عليه إذا وجب للذي أنفق عليه الرجوع عليه في ماله فإنما هو بقيمة ما أنفق بما يقوِّمه أهل المعرفة بعمل حساب الطعام والصرف دراهم على اختلاف الأعوام بالرخاء والشدة على قدر اجتهادهم، ثم رأيت البعض الموثقين تكليف اليمين بعد عمل هذا المنفق أنه لم ينفقل أهل من هذا، وإن فعلته فهو استظهار يدخل فيما جرت عادة الحكام في الاحتياط للأيتام والغائبين، وهو حسن، ومعنى اليمين التي ذكرت لكم أن نفقته لا تقصر عما يوم من الإنفاق، هذا ما عندي في المسألة والله تعالى أعلم.
[40/4]
[41/4]
[قيام المرأة بالنفقة على زجها الغائب وبيع ما يباع لأجل النفقة]
وسئل الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله عمن قامت بالنفقة في غيبة زوجها وأثبت الموجبات، وانن له مرجعًا واستقر بقمن على مشتر وطلب منها اليمين، فهل تعدى بنفقها من يوم يمينها أو من يوم وقع الحكم بالبيع؟
فأجاب: الإعداء بالنفقة والحكم بها من يوم حلقت لا من يوم انعقاد البيع على ما يباع لأجل النفقة.
(1/47)
________________________________________
وسئل عمّن له ولد في كفالة جدته فشهد عدل أن الجد للأم التزم أنه متى غاب فقد أسقط نفقته وإن حضر لم يطلبه إلا بنصف دينار ويقوم بالنفقة فهل يلزم الجد ذلك أم لا؟
فأجاب: يحلف الأب مع شاهد ويحكم على الجد بما عقده على نفسه، لأنه مما يجب على الأب لو حضر قيام الجد بذلك.
[تقدّم الزوجة على الأولاد في النفقة]
وسئل عمن غاب بالأندلس وترك زوجة وطفلة منها وطفلاً من غيرها مطلقة، فلما كان الآن أنفذ سبعة دنانير في المركب الأول واثني عشر في المركب الثاني ولم يترك لأولاده وزوجته نفقة، فقامت أم الطفل تريد محاصة الزوجة والابنة بوزن ابنها، فقالت الزوجة أنا أولى؛ وقد كانت قبضت السبعة دنانير وأنفقتها.
فأجاب: إن كانت السبعة الأولى بعث بها إليها لنفقتها ففعلت فلا مطالبة عليها بذلك، وأما الدنانير الأخرى فإن أرسلها إليها أيضًا لإنفاقها وهو ظاهر الملا ولا يحكم بفلسه فلا تحاصه بها المرأة الأخرى فيها بنفقة ولدها، وإن لم يرسلها لأحد وهو موقوفة على ملكه، فإن الزوجة مقدمة على الأولاد في الإنفاق حين إفلاس المطلوب بإنفاق أو كونه لا يجد إلا نفقة شخص واحد، وذكر في ذلك حديثًا عنه عليه الصلاة والسلام، فإذا كان هذا المقدار قليلاً ويقدر ما يفرض لها عليه عند المطالبة بالإنفاقات التي ذكرت قدمت فيه، لأن نفقتها على
[41/4]
[42/4]
وجه المعاوضة ونفقة الأولاد مواساة، فنفقة المعاوضة أولى للحديث الذي أشرنا إليه.
[ترجع الأخت الوصي على أختها المحجورة بما أنفقت عليها]
(1/48)
________________________________________
وسئل عن وصي أنفقت على أختها التي في ولاية نظرها مدة من نحو عشرين سنة، وابتداء سنه من نحو سنتين من الإنفاق، وقدر لها من النفقة من الزيت والقمج وجميع المؤن وغيرها بالدنانير والكسوة كذلك، وكان هذا التغاير على وجوه مختلفة بحسب سنين من غلاء ورخص وبكر سنها وصغره، ثم أضيف بعد ذلك إلى بعض، وقوِّم ما يقوم به الدنانير فاجتمع، ذلك دنانير كثيرة معلومة، فقامت الوصي المذكورة طالبة لأختها في الذي أنفقت عليها، فأجاب زوج المحجورة المذكورة بوكالتها إيها على ذلك بأن المحجورة المذكورة لها اثنتا عشرة سنة متزوجة ولم تطلبها، فلما قامت المحجورة المذكورة تطلب أختها قامت عليها بهذا فبيّنوا لنا وجه الحكم في ذلك.
فأجاب: ما قدره الشهود من النفقات وعلم أن الأخت هي الكافلة والمنفقة عليها فلها محاسبتها به، ولا بد للشهود من ذكر صفة الدنانير على اختلاف أزمنتها وما تستحق من كل سكة ويحكم القاضي بها، وقول الوصي في قدر مالها عندها مقبول، وما ذكرت أنه زادته لها من مالها في شورتها وأسلفتها على حصتها من الدار وهذا القدر ما يشبه ما يتشور به فلها استيفاؤه من الحصة التي لها.
وأجاب غيره: القول قول الوصية أنها لم تقبض من التركة غير ما ذكرت وتصدق فيما زعمت أنها أدخلتها به وأنامتها إذا كان لها ذمة يمكن أن تتسلف عليها، وهذا بعد إثبات كونها وصيًا، وما ذكر الخصم من إثبات التركة فقد عينتها، فإن ادّعى زيادة أو طلب إثبات تفصيل أو معنى آخر فليذكر، وإلا فجواب الوصية كاف، فقد وقع تقدير القمح وذكر ثمنه دنانير، وهو زَلَلَ يجب أن يصلح لأن سكنها في هذه السنين مختلفة، فيجب أن تذر باختلافها ومبلغ ثمن القمح، فلا بد من ذكر كل سنة، ومبلغ ثمن الإنفاق فيه حتى يجد
[42/4]
[43/4]
القاضي فيه معنًى صحيحًا فيحكم به، وهذا اللفظ لا يصلح الحكم به ولا تسمع الشهادة عليه، ويتأمل حال من هذ لصبية ويصلح في الشهادات.
[
(1/49)
________________________________________
إذا ثبت أن الحاضنة غير مأمونة على المحضون أو على نفقته سقطت حضانتها]
وسئل ابن أبي زيد عن الحاضنة تأخذ الأولاد وهي أم أو جدة أو خالة وتأخذ نفقتهم، فيقول الأب: إنها تأكل نفقتهم، ولكن تكون كفالتهم عندي ومأواهم، وهو ملي.
فأجاب: ليس ذلك للأب حتى يقيم بينة أنها غير مأمونة على نفقاتهم، فإذا ثبت ذلك فله مقال، فإن شاءت تحضنهم على ذلك أو تترك حضانتهم، وهذا إذا كانت مأمونة عليهم ومأمونة على نفاقتهم، وأما إن ثبت أنها غير مأمونة عليهم ولا على نفقاتهم فلا حضانة لها.
[إذا سقطت حضانة الأم بالزواج فلا تأخذ الولد بعد وفاة أبيه وزوجها]
وسئل ابن زرب عن امرأة طلقها زوجها ولها منه ولد صغير، ثم تزوجت غيره وأخذ الأب ابنه بحضنه، ثم مات زوجها ومات الاب، هل يكون لها أخذ ابنها إذا مات أبوه وتكون حضانته مبتدأ لموت الأب وموت زوجها؟
فأجاب: لا سبيل لها إلى أخذه ويأخذه من يجب له أخذه من الأولياء بعد الأب، لأنها إذا تزوجت بطلت حضانتها ز
[من وجبت لها الحضانة ولم تطلبها داخل السنة سقط حقها]
وسُئل عن مطلقة تركت ابنًا لها صغيرًا عند زوجها أبيه سنة ولها أم لم تطلبه أيضًا في داخل السنة.
فأجاب: إذا انقضت السنة فلا سبيل للمرأة إلى حضانة ابنها، قيل له: وينبغي لأمها جدة الصبي أن تأخذ ... ه؟ فقال: ولم؟ قيل: لأن من حجتها أن تقول
[43/4]
[44/4]
إنما تركت أن أطلبه في السنة إذا علمت أن ابنتي كان لها أن تأخذه قبل السنة فلم يكن لي أن أخذه قبل مرور السنة إلا برضى ابنتي، فأفكر القاضي فيها حينًا، ثم قال: كذلك هو، قيل له: فعلى هذا يكون للجدة أخذه ما لم تمض السنة الثانية؟ فقال: نعم.
[لا خدمة للمطلقة الحامل أو المرضع على الزوج]
وسئل ابن عتاب عن المطلقة المرضع أو الحامل، هل لها خدمة على الزوجة إن كانت عنده مخدومة قبل الطلاق؟
(1/50)
________________________________________
فأجاب: لا خدمة لها لن المرضعة إنما لها أجرة الرضاع، فهي مواجرة نفسها، وكذلك الحامل لا خدمة لها، وعليها خدمة نفسها، قال: ويحتمل أن تزاد المرضع في الأجرة لاشتغالها بالولد وما تتكلف من مؤونته، ابن سهل: وفي المدونة في الحامل والمحضونين خلاف ما ذكر، وقد روي عن ابن القاسم في غيرها أنه ليس على والد المحضون إلا النفقة وليس عليه كراء، قال ابن وهب: لا خدمة عليه ولا سكنى، وهو مثل ما قال ابن عتاب في الإخدام، وبه جرى العمل عندهم، ولم يخف عليه مثل هذا.
وأجاب ابن مالك: الذي لم نزل نفتي به أن تزاد الحاضنة المرضع في الأجرة للخدمة إذا كان المولود له (1) موسرًا، ابن كوثر: ورأيت لبعضهم إذا كان الأب قليل ذات اليد فللأم عن أجرة الرضاع ربع مثقال في الشهر، وللمولود عن نفقته ربع غير ربع الربع من الدقيق، وثُمُن ونصف وثُمُن من زيت وثلاث حزم من حطب في الشهر، وعن كسوته للسنة قميصان من كتان ومحشو وسقية كتان، ولرقاده: نصف كساء ونصف ملحفة وشويكرة بصوف في مهد وقطعة نطعة للشوكيرة، ومخدة مملؤوة صوفًا، ولحيف كتان محشو قطن، وهذا الفرض إنما هو على حال الأب، ورأيت لبعضهم إن طلق مُرْضعة فإنما عليه أجر رضاعة وكسوة المولود، وليس عليه زيت ولا غير ذلك، ولا خلاف في هذا في المذهب، وبهذا جرت الفتوى بقرطبة.
[44/4]
[45/4]
[لا كسوة للمطلق الحامل إذا قرب أمد البناء بها]
وسئل ابن زرب عمن طلق حاملاً والأمد بالبناء قريب فطلبته بالكسوة.
فأجاب: ليس لها كسوة؛ طلّقها أو كانت معه، لأنه إنما أصدقها الصداق الكبير ليدفع عن نفسه مؤنتها، فإذا طلق لم يؤخذ إلا بما كان يؤخذ به لو كان معها، إلا فيما خلق من ثياب الكتان، وقيل: لطلاق حكمه مخالف لكونه معها، فتلزمه الكسوة لانها ليست بامرأة، والقول الأول أحب إليَّ ، وهو اختياري.
[لا يسقط حق الحضانة بسفرها ولا بمرض المحضون]
__________
(1) في نسخة: الوالد.
(1/51)
________________________________________
وسئل ابن رشد عن الحضانة تسافر أو غيرها ترجع من سفرها على قرب أو بعد مما ليس لها حمل الحضون معها، هل ترجع لحضانتها؟ وكيف إن كان خروجها للصيفة؟
فأجاب: هي على حقها في حضانتها كما إذا تركته لمرض وانقطاع لبن، ابن عرفة: ظاهر جوابه كان مبدأ سفرها اختيارًا، لقول السائل: إن كان خروجها إلى الصيفة وإطلاق جوابه، ومقتضى استدلاله بالمرض وانقطاع اللبن تقييد سفرها بأنَّه اضطرار، وهو ظاهر كلام اللخمي وأشار إلى ما تقدم.
وسئل سيدي أبو عبد الله ابن مرزوق رحمه الله عن المحضون إذا مرض فأراد أبوه أن يمرضه في بيته، هل يمكّن من ذلك أم لا؟
فأجاب: احتياج المحضون إلى حاضنته ومن هو أولى به في المرض أكثر منه إليها في الصحة، فكيف يمكن الأب من أخذه فيه وهو لا يقدر على ذلك فيها؟ وإنما اعتبر الترتيب فيها تحصيلاً للرفق به، ونزعه في المرض يَكِرُّ على أصل المشروعية بالإبطال فيبطل.
[إذا توفيت الأم فالأب أحق بالنظر في إرضاع ابنته من غيره]
وسئل الأستاذ أبو عبد الله الحفار عمن توفيت زوجته وتركت بنتًا منه
[45/4]
[46/4]
رضيعًا، وكانت قبل وفاة أمها بأشهر عند مرضعة تصلح لها ولناس أمها، فأراد والدها أخذها من المرضعة، فقامت خالتها وخالها فقالا له: ما تأخذها حتى تكمل رضاعها؛ لأنك تضييعها وأنت تنفق عليها من مالها، فالأولى أن تكون عند المرضعة لأنها أشفق لها وأحسن، لِما نعلم من ديانة المرضعة وحسن حنانها عليها، فهل لخالتها النظر في ذلك أم لا؟ وتكرت أيضًا حوائج صحت للبنت، هل تؤخذ من تحت يد والدها لكونه يتزوج بها ويدرك البنت من ذلك الضرر؟ فبيّنوا لنا الحكم في ذلك، والسلام عليكم.
(1/52)
________________________________________
فأجاب: وقفت على السؤال عرضه والأب أحق بإرضاعه بنته من غيره، لا يدخل معه أحد في النظر لبنيه، فإن كانت البنت قد استكملت أكثر من الحولين فله أخذها وقطع الرضاعة له، وإن كانت لم تستكمل أمد الرضاع ويجد الاب من يأخذ على إرضاعها أقل من المرأة التي ترضعها الآن فله أخذها، أما إذا لم يجد الأب من ينقصه من أجر إرضاعها والمرضعة لتي هي عندها تشفق عليها وترفق بها فلا ينزعها الأب منها للضرر الذي يلحق البنت في ذلك، وإنما ينبغي أن ينظر لها بأحسن نظر، وأما الحوائج التي صحت للبنت فالاب يمسكها عنده؛ لأنه الناظر لها فحينئذٍ فلا تؤخذ من يده، إلا أن يكون سفيهًا يخاف أن يغتالها، فحينئذٍ تؤخذ الحوائج منه وتجعل بيد أمين، والسلام على من يقف على هذا من محمد الحفار وفقه الله.
[تسقط حضانة من تسكن مكانًا بعيدًا عن مسكن الأب أو مكانًا مخوفًا طريقه]
وسئل عن رجل توفيت زوجه وتركت له أولادً ذكورًا ولهم جدة للأم من سكان حصن بينه وبين موضعه ثمانية عشرة ميلاً، فأرادات الجدة أن تأخذ الأولاد وتحملهم للحصن تحضنهم، فقال لها الوالد: طريق الحصن مخوف، وأنا أريد أن أقرئ أولادي وأعلمهم صناعة، والحصن ليس فيه شيء من ذلك، فلا أمكنك من حملهم، فتفضلوا بالجواب.
فأجاب: وقفت على السؤال المكتتب فوقه، وقد قال مالك رضي الله عنه
[46/4]
[47/4]
(1/53)
________________________________________
في مثل هذه المسألة: وليس للأم أن تنقل الأولاد عن الموضع الذي فيه والدهم وأولياؤهم إلا أن يكون ذلك الموضع قريبًا البريد ونحوه، والبريد هو اثنا عشر ميلاً، وقد قيل فيه قول آخر: أنها تنتقل بهم لموضع يكون بعده بريدين، لكن ذكر في السؤال أن موضع سكنى الجدة ثغر مخوف وليس فيه من يعلم الأولاد كتاب الله، فإن ثبت ما ذكره الاب من الخوف في الطريق على من يسلكه، فيؤخذ بقول مالك؛ لأن الموضع أزيد من بريد، ولو كانت المسافة أقرب والخوف موجود لما مكنت الجدة من ذلك، لأن الأب لا بد له من تفقد ولده فيخاف على نفسه إن أتاهم ويخاف عليهم إن أتوه، فإذا ثبت ما ذكر فإما أن تسكن بهم مع الأب أو بموضع قريب منه لا خوف فيه، والسلام على من يقف على هذا من محمد الحفار وفقه الله.
[إذا ثبت أن الحاضنة تضيّع المحضون فللوالد أن ينفق عليه في منزله]
وسئل الشيخ أبو عبد الله القيجاطي رحمه الله عن رجل كان له من امرأة ولدان وطلقها وفرض عليه قاضي موضعه رندة قدحين عن نفقتها وستة دنانير فضة عن صرفهما في كل شهر، وذكر هذا السائل أن مطلقته حاضنة ابنيه المذكورين لا تضع ما فرض لهما في مصالحهما وأنها تضيعهما وتنتفع ببعض ما ذكر لنفسها دونهما، وأنه يريد أن يكون دفع النفقة مياومة دقيقًا واشترى ما يحتاج إليه الابنان من الصرف من إدام وزيت وغير ذلك حتى لا تنتفع أمهما بشيء، فتفضلوا بالجواب والسلام.
فأجاب: تأملت ما قيد أعلاه، والواجب على والد الابنين أن يدفع لحاضنتهما ما يحتجان إليه من دقيق وإدام وزيت وخل وملح وما جرت به العوائد لمثلهما على مثله، وله أن يدفع أعيان ذلك إن شاء، فإن ثبت أن الحاضنة تدخل ذلك في مصالح نفسها دونهما، وأنها مضيعتهما، فلوالدهما أن يتولى الإنفاق عليهما في منزله وتبقى هي على حضانتها والسلام على من يقف عليه من محمد بن محمد بن علي القيجاطي – وفقه الله –.
[47/4]
[48/4]
[
(1/54)
________________________________________
إذا انتقل الأب إلى بلد بعيد عن الحاضنة فله أن يأخذ ولده المحضون معه]
وسئل الحفار عن رجل توفيت زوجه وتركت ابنين وهما في حضانة جدتهما للأم، ووالدهما زوج المتوفاة يريد الانتقال من ذلك البلد إلى بلد آخر، هل له أن ينقل أولاده معه إلى ذلك البلد؟ أو يجب عليه أن يتركهما مع جدتهما؟ لأنه يريد التزوج في البلد الذي هو يريد الانتقال إليه، وهل يسقط عنه الفرض إن لم ترد الجدة السفر معه إلى ذلك البلد أم لا؟
فأجاب: إذا انتقل أبو الابنين إلى بلد معين عن موضع الجدة فله أن يأخذ ابنيه من الجدة وتسقط حضانتها إلا أن أرادت الانتقال معه لسكنى البلد الذي ينتقل إليه، فإن لم ترد أخذ ابنه منها، والسلام على من يقف على هذا من محمد الحفار.
[إذا التزمت الجدة للأب بالإنفاق من مالها على البنت انتقلت إليها الحضانة من الجدة للأم]
وسئل ابن السراج عن رجل كان له زوج فتوفيت وتركت له بنتًا من نحو عام فأخذتها جدتها للأم فحضنتها مدة من ستة أعوام حتى نفذ مال البنت ولم يبق منه إلا بعض أرض، فأراد والدها وجدها للأب أخذها، والتزمت جدتها للأب أن تنفق عليها وتربيها وتجري عليها النفقة وسائر المؤنة إلى أن تتزوج ليبقى مال البنت على ملكها، وقصدها بذلك الرفق بالبنت وتوفير ما بقي من مالها، فتفضلوا بالجواب مأجورين مشكورين، والله يمتع المسلمين ببقائكم ويرفع درجاتكم في الدنيا والآخرة.
فأجاب:: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وقفت على السؤال المكتوب بمحوله بل أعلاه، والجواب أنه نقل في كتاب الاستغناء الخلاف فيما إذا كانت لليتيم جدتان جدة للأم وجدة للأب ولم يكن معه إلا دار قيمتها عشرون دينارًا أو نحوها، فأرادت جدة الأم بيعها عليه لتنفق ثمونها عليه، وقالت جدة الأب: أنا أنفق عليه من مالي، ويكون معي وتبقى له داره
[48/4]
[49/4]
(1/55)
________________________________________
رفقًا به، وليس له مال تجري عليه منه النفقة عند جدة الأم، فحكى عن بعض المفتين من الشيوخ أن الجدة للأم أولى بالحضانة، وقال المشاور: ينظر إلى الأرفق بالصبي لأنهما وليان جميعًا، فوجه القول الأول: البقاء مع الأصل في أن الجدة للأم أولى بالحضانة مقدَّمة في الحضانة، ويعضد هذا القول القول بأن الحضانة حق للحاضن، ووجه الثاني: أن الحضانة أصلها الرفق بالمحضون ولذلك قدم فيها النساء على الرجال لما ظهر من الشفقة والحنان وحسن القيام على التربية، ويعضده القول بأن الحضانة حق للمحضون، وقيل: إنها حق لهما معًا، والظاهر عندي في هذه المسألة المسؤول عنها أنه إن كان بقاء الصبية مع جدتها للأم يؤدي إلى الإجحاف بها في يسارة مالها ويخاف أن يباع عليها وتصير فقيرة من فقراء المسلمين، وكان جدة الأب تلتزم نفقتها وجميع مُؤنها وهي في الرفق بها وحسن التربية بمنزلة الجدة للأم، والأب ضعيف لا كبير مال معه يواسيها به، أن تنتقل حضانتها إلى جدة الأب، ولا تمنع من زيارة جدتها للأم والمقام معها في بعض الايام، وإن كان لا يؤدي إلى الإجحاف بها كثيرًا وكان لأبيها أن يواسيها وامتنع من ذلك بخلاً منه، لا إضرار بجدة الام أن تبقى معها ولا تنتقل إلى جدة الأب، والنظر في ذلك إلى القاضي، أعانه الله ووفقه، فيما يظهر له من مخايل الأمور والأحوال وما يثبت عنده في ذلك، والسلام على من يقف عليه من كاتبه محمد بن سراج بن محمد بن سراج، وفقه الله.
(1/56)
________________________________________
ومما كتب الأستاذ أبو عبد الله الحفار، وهو من معنى ما تقدم من الحضانة: يا سيدي أبقاكم الله البقاء الجميل، وجمع لكم خير الدارين إنه بذلك كفيل، أسلّم على تلكم الذات الفاضلة الجامعة لخلال الخير أتم السلام وأعمه، وأسأل الله أن يبوئه الدرجات العُلّى، وأعرفه أني في غاية الضعف قد عجزت عن كثير من الأفعال، فلسيدي الفضل في قبول العذر في التقصير في الخطاب، غير أني محفوف بالنعم من بقاء السمع والبصر وغير ذلك، أوزعي الله شكر ذلك، ما ذكرتم من أن زوج البنت يريد أن تبقى بدار أبيها فله ذلك، إذ له أن يأخذها من الأب والأم، فاختياره لبقائها عند الأب يعمل
[49/4]
[50/4]
عليه، لا سيما والأم يغشاها من ذكر، وبقاؤها عند الأب أصون لها، فيعمل في ذلك على اختياره، والسلام على سيدي أبقاه الله ووقاه، وبلغه من رضاه سبحانه غاية مطلبه ومناه، وليعلم سيدي ما كتبت هذه الأحرف إلا بمشقة عظيمة لما يلزم م حكم وتنفيذ خطابكم، فلم يسعني إلا إجابتكم، فاقبل العذر وشاركوني بالدعاء، والله يتولاكم، والسلام على طلعتكم العلمية من معظم قدرها: محمد الحفار لطف الله به بمنه.
[من حلف على زجته بالطلاق في شيء فأحنثه ثم طلقها ثلاثًا]
وسئل المازري رحمه الله عن رجل من أهل البادية ذكر أنه حلف على زوجه بالطلاق في شيء أحنثه فيه، فاعتزلها مدة أربعة أشهر ونصفها، ثم طلقها ثلاثًا فذكرت المرأة أن عدتها كانت قد انقضت من الطلقة.
(1/57)
________________________________________
فأجاب بأن قال: كان شيخنا أبو محمد يهرب من التساهل في هذه المسألة، وكنت أراه كلما تكررت عليه يغلظ بالقول على المستفتي ويبعده عن الزوجة، ويذكر لنا أن هذه المسألة أول ما نزلت بالقيراون أيام الأشياخ المشاهير، فسبق إلى الفتوى بها أبو القاسم اللبيدي، وأحلف الزوج على أنه لم يقصد بوطه وإمساكه الارتجاع، وأباح له الرجعة، وخالفه غيره وخرّجوا المسألة على الخلاف المعلوم في أصلها، قال: ثم كان شيخنا رحمه الله يقول: هذا مبدأها، ثم كثر تحيُّل الناس بعد انقراض أولئك، والوجه حماية الذرائع وإغلاق الباب جملة في جوه العامة، قال: ولكن هذا السؤال فيه زيادة قد تعريه من الخلاف، وتوجب كون الطلاق الثلاث غير لازم باتفاق، لقوله: اعتزلها بعد الطلقة، ولكني أتهم هذين الزوجين من وجهين: أما المرأة فقد تكون ادعت انقضاء العدة حتى لا يقع الطلاق الثلاث، لكنها مقبولة القول في هذا لكونها قد ذكرت مدة غالب عادة النساء يحضن فيها ثلاث حيض، وأما الزوج فلأنه لم يطلقها ثلاثًا إلا وهو يعتقد أنها باقية ف العصمة إذ لا يخفى على العوام أن المرأة إذا بانت لا تطلق، فقد يدل على أنه كان بعد حنثه أمسكها بنية الارتجاع، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فهو أعلم، فإن صح
[50/4]
[51/4]
أمرهما في الباطن فإن الطلاق لا يلزمه، وأما إن كانت عليهما بينة فينظر في أصل حنثه كيف كان، واعتزالها له ثبت أم لا؟ وتسأل عن عادتها في الحيض.
[من طلق امرأته واحدة وتمادى على وطئها ثم طلقها ثلاثًا]
وسئل أبو عمران عن الذي طلق امرأته واحدة ثم يتمادى على وطئها من غير أن يريد الرجعة حتى تنقضي عدتها الأولى، ثم يحنث بالطلاق والثالث، فهل يلزمه ذلك أم لا؟
فأجاب: بأنه يلزمه، وذلك كالنكاح المختلف في فساده يطلق فيه.
(1/58)
________________________________________
وأجاب الشيخ أبو محمد بأنه لا يلزمنه الثلاث، وقول أبي عمران هو الأظهر والصحيح عند الشيوخ، وهو الجاري على رواية البلاغ، ومحل الخلاف بين الشيخين إذا لم تقم بينة بالثلاث وجاء مستفتيًا، فالشيخ أبو محمد لا يلزمه إلا الطلاق الأول، وما بعده غير لازم، لأنها قد بانت منه بانقضاء العدة من الطلاق الأول، والشيخ أبو عمران يلزمه الثلاث رعيًا لقول الليث وأبي حنيفة وابن وهب، وهو الجاري على رواية البلاغ، ولذلك استظهره الشيوخ، وأما إن كان أسير البينة بالثلاث فلا سبيل له إليها بحال، حتى تنكح زوجًا غيره في المآل، ومن جمل الخلاف بينهما على الإطلاق فقد أخطأ باتفاق.
وفي بعض فتاوى الشيخ أبي عبد الله ابن مرزق ما نصه: ومسألة الشيخين في المسترسل قوي عندي إشكال تصورها لأنها من التداخل، فمتى تنقضي العدة لم أر من كشف عنها الغطا، وإن زعمه ابن الحاج في نوازله، لكنه لم يتبين لي، وأقرب ما في تحقيقه كلام عياض، وقال رحمه الله في بعض فتاويه أيضًا: وهذه المسألة، يعني مسألة الاسترسال، قد كثر سؤال الناس عنها في هذه البلاد في هذا الزمان، وكاد لا يَمُرُّ عليَّ يومٌ إلا يأتي فيه سؤال ولا أكتب فيه بشيء لأحدٍ كائن من كان، إلا أني أخبرهم بلسان بما ذكرت لك، وفاعل ذلك محتال على تحليل المطلقة ثلاثًا من دون زوج، فالتأكيد
[51/4]
[52/4]
عليكم أن لا تفتحوا في هذا بابًا يقع بها إحداث بدعة، نسأل الله العافية والسلامة في الدين والدنيا والآخرة.
وسئل ابن الحاج عن مسألة تظهر من جوابه.
(1/59)
________________________________________
فأجاب بما هذا نصه: تأملت سؤالك، وإذا أكذبت المرأة نفسها فيما أقرت به في حال الطلاق، وكان طلقها تطليقتين، وكان إقرارها بذلك في العصمة، فلهما أن يتراجعها إلى العصمة بعد يمين المرأة في مقطع الحق أن ذلك الإقرار منها إنما كان لأمره تذكره مثل إساءة إليها منه أو بغض ونقص منه فيها وما أشبه هذه الوجوه التي يظرها بها عذرها في إقرارها بتطليقتين، فإن نكلت عن هذه اليمين لم تصح بينهما مراجعة، لأن الزوج قد تكلم عليه بالتطليقة المحكوم عليها بها ثلاث، ولو كان إقرارها بالتطليقين بعد تصور العمة لما كان له أن يراجعها، ولما صح أن يمكن في ذلك من اليمين بوجه ولا سبب، وقول سحنون خلاف الروايتين، والمعنى فيما على ماقلته وبالله التوفيق.
[من طلق زوجته ثم جامعها حرامًا قبل أن يراجعها]
وسئل رحمه الله عن رجل طلق امرأته طلقة واحدة للسُّنة، ثم إنه قدر عليه بإغواء الشيطان فجامعها ولم ينو بذلك رجعة، فلما كان في خلال ذلك راجعها فجلس معها ما شاء الله، ثم إنه تذكر فيها ما صنع فطلٌَّها، فبين لنا ما الحكم في ذلك مأجورًا مشكورًا إن كانت الرجعة صحيحة أم لا؟ والطلاق الذي هو بعد الرجعة أيلزمها أم لا؟
فأجاب: تأملت سؤالك رحمنا الله وإياك ووفقت عليه، وإذا مضى من المدة من وقت وطئه لها الذي لم ينو به الرجعة ما يكون فيه استبراء لها إلى حين ارتجاعه إياها فالرجعة صحيحة إذا كانت بوليٍ وصداق وشهود كالنكاح المبتدأ، وله ارتجاعها بعد الطلاق وقبل انقضاء العدة؛ لأن العدة من الإشهاد على الرجعة فقط، إن كان الطلاق للسنة، وإن لم يكن للسنة فتكون الرجعة على حسب ما وصفت قبل، وإن لم يمض من العدة بين الوطء
[52/4]
[53/4]
والرجعة الأولى ما يكون فيه استبراء فالوطء بعد الرجعة غير صحيح، وإذا كان قد طلق فلا يكون لها أن يرتجعها إلا بعد الاستبراء من وقت الطلاق الآخر بولي وصداق وشهود على رضاهُمَا بالارتجاع إن أراد ذلك وذهب إليه وبالله التوفيق.
[
(1/60)
________________________________________
من طلق امرأة فلا يجوز أن يسكن بيت آخر في نفس الدار التي تسكنها]
وسئل ابن الفخار عمن طلق امرأته وفي الدار ثلاثة بيوت فأراد أن يسكن هو في بيت وزوجته في بيت، وامرأة أجنبية في الثالث.
فأجاب: بأن ذلك لا يجوز، وقد انتقل ابن عمر عن جميع داره حين طلق زوجته، وهو أتقى وأعلم بما يأتي به، ولا يقسم بينها وبينه إلا بحائط يكون باب كل نصيبه إلى الزقاق على حدته، وتسكن هي إلى البيت الذي كانا يسكنان فيه.
وأجاب ابن أبي زيد في الرجل المأمون تبين منه زوجته لا بأس أن يسكن معها، وأما غير المأمون فلا يخلو معها في بيت.
[ من طلق زوجته ثم وطئها قبل مراجعتها وجبت عليه العدة والاستبراء]
وسئلت عمن حلف بطلاق زوجته لا يخالط فلانًا فخالطه، فقال له الناس: حنثت، فانعزل عن امراته مدة من عشرين يومًا ثم وطئها وبقي معها نحو الجمعة، فقال له الناس: أنت معها في الحرام، لأنك ما أشهت حين رددتها، ولا أعطيتها شيئًِا، أنت معها في الحرام حتى تستبرئها بحيضة، وقال الفقيه الآخر: ما تستبرئ إلا بثلاث حيض، فلما تمت حيضة أشهد على نفسه أنه ردها ولم توافقه الجماعة على الدخول بها، لأن ذلك الفقيه قال لهم: ما تستبرئ إلا بثلاث حيض، فقيل لزوجها: إما إن استبرأت بثلاث حيض ما تتزوج إلا من تحبه، وأحببنا جوابكم الشافي، هل يلزمها حيضة أو ثلاث حيض؟ وهل ذلك الذي ردها صحيح أم لا؟ والسلام عليكم ورحمة الله.
فأجبت بما نصه: الحمد لله تعالى وحده، الجواب والله سبحانه ولي
[53/4]
[54/4]
(1/61)
________________________________________
التوفيق بفضله: أن الوطء الصادر من المطلق أثناء عدة مطلقته من غير نية ارتجاع ولا إشهاد به لا يستقل بصحة الرجعة وتمامها على مشهور المذهب ومعرفوه، فالواجب على المطلقة الموطوءة داخل العدة الوطء الموصوف أمران: عدة واستبراء، فالعدة للطلاق، وتبدأها من تاريخه، وهي ثلاثة أقراء إن كانت حرة؛ والاستبراء للوطء الفاسد وهو ثلاث حيض للحرة لا حيضة واحدة كما ظنه الفقيه الأول، وهو إغراق في البداوة، والجهل والغباوة، ثم إن أراد الزوج ارتجاعها قبل انقضاء أقراء العدة فله ذلك، لكنه بالقول والإشهاد فقط لا بالوطء، لأنه ممنوع منه حتى ينقضي زمن الاستبراء من فاسد مائه، فإن فات ارتجاعها قبل انقضاء العدة لم يكن له سبيل إلى ذلك فيما بقي من حيض الاستبراء، والله سبحانه أعلم وبه التوفيق، وكتب مسلمًا عليكم العبد المستغفر إلى الله أحمد بن يحيى بن محمد بن علي الونشريسي – وفقه الله –.
[إذا شهدت القوابل بالحمل ثم تراجعن وشهدن بعدمه]
(1/62)
________________________________________
وسئل سيدي عبد الله العبدوسي عن امرأة توفي زوجها وذكرت أنها حامل وجس بطنها عارفات الموضع من القوابل وقلن: بطنها عامر، فبقيت أكثر من أمد العدة يعني عدة الوفاة، فأرادت أن تتزوج ورفعت أمرها إلى قاضي لحصن، وذكرت أن بطنها لم يظهر به شيء مما ادعته وأنها حيض في شهر مرتين، فأمر القاضي عارفات القوابل فجسسن بطنها وقلن: لم يظهر لنا ببطنها شيء مما ظهر لنا بها أولاً، فأمر القاضي شهوده فشهدوا على قول المرأة وشهادة القوابل ثم تزوجت ودخلت وبقيت مع زوجها نحو ستة اشهر، وقالت: ظهر بي الحمل وهو من الزوج المتوفى، فضربها زوجها وخالها وبقيت نحو شهر، ثم راجعا وبقي أيضًا أحد عشر شهرًا فوضعت ولدًا، وقالت: هو ولد الزوج الأول، فقيل لها: ولم تزوجت وأنت حامل؟ فقالت: خفت على نفسي من العربي الذي طلبني وعلى مالي، لأن عادتهم ينكحون المرأة لمالها، ثم إن بعض الناس قالوا لزوجها: حلفها أن الولد للأول واترك سبيلها هي وولدها ولو يكون ابنك، فحلفها وخالعها وسلم في الولد، وبعد ذلك سأل بعض الناس وقالوا له: الولد
[54/4]
[55/4]
ولدك ويمين المرأة لم يصادف محلاً، فطلب الآن ولده فمنعه منه أولياء الميت، وقالوا: الولد لأخينا الميت، بين لنا لمن الولد أعظم الله أجركم؟
فأجاب: الجواب والله سبحانه الموفق للصواب بمنه، أن الولد لاحق بالثاني ولا يلتفت لدعوى المرأة ويمينها ولا خلاف في ذلك، بل لو ادعت المرأة قبل التزويج أنه كان ريحًا فانفش أو أنها أسقطته لصدقت في ذلك، وإن لم تقم لها بينة على ذلك، ثم لا تقبل دعوها بعد التزويج أنها كانت حاملاً وكيف وقد أشهدت البينة قبل التزويج ببراءتها من الحمل، فالواجب تمكينُه من ولده والحكم في ذلك بإلحاقه وإناطته به، وبالله سبحانه التوفيق.
[تُمنع المرتابة من التزويج حتى تنقضي عدتُها]
وسئل بعض الفقهاء عن هذه المسألة بعينها.
(1/63)
________________________________________
فأجاب: أكرمكم الله، هذه المسألة اتفق المذهبان على مع المرتابة من التزويج حتى تنقضي عدتها، وسواء كانت هذه العدة من طلاق أو وفاة، قال ابن الحاجب رحمه الله: المرتابة لجس بطن لا تنكح إلا بعض انقضاء أمد الوضع، وهو خمسة أعوام على المشهور، وروي سبعة، وقال أشهب: لا تحل أبدًا حتى يتبين، والنساء كلهن فيه سواء، ولو أتت بعد العدة بولد لدون اقصى أمد الحمل لحق بالأول، إلا أن ينفيه بلعان، ولا يضرها إقرارها بانقضاء العدة، لأن الحامل تحيض، وفيها لو تزوجت قبل خمس سنين بأربعة أشهر، فأتت بولد لخمسة أشهر، لم يلحق بواحد منهما وحُدَّت، واستضعفه بعضهم، قال ابن عبد السلام شارحه: اختلف في منتهى أمد الحمل، فروى عن الحكم تسعة أشهر، ولا أعلم من يوافقه عليه، كما لا أعلم له واجهًا، لأن العيان اقتضى خلافه مما لا يشك فيه، ولعله لم يصح عنه، وروى مطرف عن مالك: أربعة أعوان وهو في العتق الثاني من المدونة، وقال عبد الوهاب: هي الرواية المشهورة، وروي عن مالك أيضًا خمسة أعوامه، وهو في كتاب العدة، قال المؤلف: وهو المشهور، وقال الأبهري: ورواية أشهب عنه سبع سنين، وقال أيضًا: لا تحل أبدًا حتى يتبين، ولا أعلم مستندًا
[55/4]
[56/4]
في هذه المسألة يرجع إليه، إلا أنه لا يشك في ضعف قول ابن الحكم رحمه الله، ولم يحد مالك في موضع آخر حدًا، بل قال: لما يشبه أن يلد النساء له.
(1/64)
________________________________________
وقوله: والنساء كلهن فيه سواء، إشارة إلى ما يقال: إنه وجد في بني فلان من يلد إلى كذا، وذكر ابن عجلان أن امرأة وضعت له ولدًا في أربع سنين، ووضعت له آخر في سبع سنين، وقيل لأبي محمد: إنَّ مالكًا بقي في بطن أمه سنتين، قال: ذكره الواقدي، قال الطحاوي: أُخْبِر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن ابن صعات حملت به أمه عامين فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أشهب عن مالك: تبقى أبدًا حتى تنقطع الريبة عنها، وقال: عندنا امرأة لبعض ولد أبان ابن عثمان حامل منذ خمس سنين، ولم يزل يأتينا رسولها وهي لم تضع وقد مات زوجها، وقول المؤلف: ولو أتت بعد العدة بولد لدون أقصى أمد الحمل لحق بالأول إلا أن ينفيه باللعان، وأقصى أمد الحمل تقدم، إما أربعة أعوام أو خمسة أعوام، ولم يحصل لهذه شيء من ذلك، فالولد للأول إلا أن ينفيه بلعان، ورأيت في بعض تفاسير المدونة أن العجلاني خلق بشعر وأسنان إلى آخرها.
وبالجملة إن الولد للأول، والحد ساقط عن الأم للشبهة، والصداق لازم للثاني للدخول، إذ كل مدخول بها لها الصداق، إلا أن تكون غارة، ولا غرور لفتيا القاضي لها، والقاضي لم تسألوا عما يجب عليه، فلم يجب علينا التبرع بالكلام عليه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، من بعض طلبة تازي – حرسها الله تعالى.
[للأب الذي أراد الخروج إلى موضع بعيد باثنين وأربعين ميلاً فأكثر أن يأخذ ولده ومن الحاضنة]
وسئل سيدي إبراهيم اليزنسني عن رجل كان مستوطنًا بجبل دبو وقدم منه إلى مدنة تازي وتزوج بها امرأة وبقي فيها ساكنًا معها، ثم توفيت وتركت أولادًا صغارًا منه وتركت أمًا، فأخذت أمها المذكورة الأولاد المذكورين بالحضانة، فأراد أبوهم الرجوع لى جبل دبدو والانتجاع أعني بالأولاد
[56/4]
[57/4]
(1/65)
________________________________________
المذكورين، وبين الجبل المذكور والبلد مسافة يومين، فهل يمكن من الانتجاع بالأولاد المذكورين ولا يكلف إثبات الاستيطان بالجبل المذكور لكونه رجع إلى قراره وموضع استطيانه الأول، ويقال للحاضنة المذكورة: اتبعي أحفادك إن شئت أو دعيهم؟ أو لا يمكن من الانتجاع بالأولاد المذكورين؟ حتى يثبت الاستيطان بالجبل المذكور؟ وكم حد الاستطيان إذا قلتم لا بد له منه؟ بينوا لنا ذلك كله مأجورين.
فأجاب: إن كان بين الموضعين اثنان وأربعون ميلاً فأكثر، فله أن ينتجع بهما، وإن كان أقل من ذلك فلا ينتجع بهما إلا برضى الحاضنة، وفي إثبات الاستيطان خلاف مشهور، والأرجح عند الموثقين أنه لا يلزم، وبالله التوفيق.
[أجرة من يحمل الأولاد لزيارة أمهم عليها]
وسئل ابن الحاج عن رجل له أولاد من امرأة مطلقة تزوجت وتريد زيارة الأولاد ويأبى الزوج الخروج إليهم، فهل لهم أن يخرجوا إليها؟ فكيف وإن لم يستطع على إخراجهم إلا بأن يكري لهم من يحملهم، على من يكون حملهم والكراء عليهم؟
فأجاب: بأنهم يحملون والكراء في ذلك عليها، وليس يكون في مال الصبيان.
[حضانة الجدة إذا سكنت مع الأم المتزوجة]
وسئل عن الجدة إذا كانت مع الأم ساكنة في دار واحدة، وقد تزوجت الأم فأرادت الجدة أخذ حفيدها ويأبى أبوه من ذلك من أجل سكناها مع ابنتها.
فأجاب بأن: للجدة الحضانة ولا يسقطها سكناها مع بنتها، وهو قول سحنون.
وأجاب ابن العواد بأن: حضانتها ساقطة، وفي رواية قرعوس عن مالك ما يدل عليها.
[57/4]
[58/4]
[من وطئ بعد الحنث فإن العدة تبتدئ من يوم إعلام الزوجة]
وسئل عمن وطئ بعد الحنث ثم اعلم الزوجة، من أين تكون العدة؟
فأجاب: مبدأ العدة من يوم إعلامه، كالغائب يطلق في غيبته ولا يعلم بذلك حتى يقدم، فعدتها من يوم إعلامه، ولا يملك الرجعة فيها إلا من يوم إقراره أنه أوقع الطلاق، فإن انقضت العدة في ذلك اليوم فلا رجعة.
[من تزوج امرأة في عدتها فعلى من تجب سكناها؟]
(1/66)
________________________________________
وسئل عمن تزوج امرأة في عدتها ثم فسخ النكاح فعلى من السكنى؟
فأجاب بأن قال: في التبصرة: إن دخل بها الثاني قبل أو حيضتها فهي على الأول وتغلب العدة، وعلى قياسه لو دخل الثاني بعد حيضة كان على الأول سكنى حيضتين، ولو دخل بعد حيضتين لكان على الأول مقدار حيضة وعلى الثاني مقدار حيضتين، قيل هذه دليلها غاذا دخلت الأختان كل واحدة منهما على أخي زوجها، فعندنا خلاف على مت قدر النفقة وإلحاق الولد وغير ذلك من أحكامها، لأن فيها فراشًا تامًا وفاسدًا، انظرها في النكاح الثاني من المدونة وشراحها.
[58/4]
[59/4]
نوازل الإيلاء والظهار واللعان
[الإيلاء في الأجنبية لازم بخلاف الظهار]
وسئل أبو محمد عن الفرق بين الإيلاء في الأجنبية والظهار، يلزم الأول دون الثاني.
فأجاب: إذا قال: هي عليَّ كظهر أمي فقد صدق، إذ هي حرام الآن كأمه، ويمينه ألا يطأها حلفٌ على الامتناع من الفعل، فمتى وقع الوطء حنث بدليل لو حلف لزنى بها فلا يحْنث إذا تزوجها.
[ما يلزم من قال: أنت طالق وأنت كظهر أمي]
وسئل ابن رشد عن قول مالك في الظهار من قوله: إن تزوجت فلانة فهي طالق وهي علي كظهر أمي، فإنه يقع عليه إن تزوج الظهار والطلاق، والذي قدم الظهار في لفظه أبين، فقيل: كونه أبين مراعاة لمن يقول الواو تقتضي الترتيب أولاً، وما الفرق بين من قال لامرأته: أنت طالق ثلاث، وأنت علي كظهر أمي، وبين من قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي، لا يلزمه الظهار في الأولى دون الثانية؟ وفرق في أمر لم يظهر لي وجهه.
فأجاب: إنما وقع عليه في الأولى لأنه لم يجب عليه بنفس اللفظ حتى يقع التزويج فيقعان معًا بنفس التزويج، إذ لا يقدم أحدهما على صاحبه، لأن
[59/4]
[60/4]
(1/67)
________________________________________
الشرط لهما معًا، ولو نوى تقديم الظهار لكان لزومه أبين، فإذا قدمه في اللفظ كان الخبر في تقديمه في نيته، فإذا لم تكن نية لزماه معًا نقدم الطلاق أو الظهار، وأما الفرق بين المسألتين الأخيرتين: بنفس قوله: أنت طالق ثلاثًا وقع الطلاق بغير مل، فيصير قوله عقب ذلك: وأنت علي كظهر أمي واقعًا على من قد بانت منه، فلا يلزمه، وأما مسألة الأجنبية فبنس التزويج يقعان عليه معًا، لشرطه، إلا أن ينوي تقدم الطلاق على الظهار فيكون كما لو طلق امرأته ثلاثًا، والصحيح في النظر أن يلزماه جميعًا في قوله: أنت طالق ثلاثًا، وأنت علي كظهر أمي، لأن الطلاق لا يقع بنفس تمام اللفظة حتى يسكت سكوتًا يستقر فيه الطلاق، ولا يمكن معه تعليق ولا استثناء، وهو الذي يأتي على ما في الأيمان بالطلاق منها في الذي يقول لغير مدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ولا نية له، يلزمه الطلاق الثالث، ولو وقع عليه بنفس نطقه لم يلزمه إلا واحدة، لانها تبين بها كما تبين المدخول بها بالثلاث، فعلى ما في كتاب الظهار لا يلزمه في هذه إلا واحدة، وعلى ما في الأيمان بالطلاق يلزمه، ومسألة الظهار الأمْرانِ جميعًا إن تزوجها بعد زوج وهو الأظهر.
[ألفاظ أخرى يفهم منها الظهار ويقع بها حكمُه]
وسئل اللخمي عمن قال لزوجته في شَرٍ جَرَى: أنت عليَّ في عوض أمي، أو أختي، أو في عوض أمي وأختي، أو مثل أمي وأختي، شك أي الالفاظ قال منها، وظنه قال عوض وجاء مستفتيا، وقد جامعها بعد هذا القول، ورأس ماله نحو عشرة دنانير نقرة غير كسوته وكسوة زوجته وفراش بنحو دينارين، ولزوجه سبعة دنانير مؤجلة، فهل يلزمه الخروج إلى بلد ويشتري ما يجزئه من الرقاب إن لم يجده في بلده؟ وأراد أن يخرج ويصوم الشهرين في غير بلده؟ وهل يقبل قوله إذا قال: أعتقت أو صمت في غير تلك البلدة؟ وكيف لو بقيت الدنانير إن لم يجد في بلده بقدرها؟ وكيف لو وجدها بثمن أكثر مما معه؟ فما يلزمه من ذلك؟
[60/4]
[61/4]
(1/68)
________________________________________
فأجاب: قوله أنت عوض أمي في الشر تلزمه كفارة، وإذا قضى زوجته ولم يبق معه ثمن رقبة جاز صومه، وإذا بقي مدة قدر الصوم في البلدة الأخرى، صُدق في فعله وحلت له امرأته، ولو قال: أعتقت في تلك البلدة، فإن كان قريبًا كتب إليه: العتق لا يخفي، وإن بعد صُدق، وأما الخروج لشراء رقبة فإن كان الموضع قريبًا كتب إليه ويوكل من يشتري له إن بلغ الباقي ثمن رقبة بعد الدين، قيل: سكت عن بقية الالفاظ التي ذكر لعلها عنده بمنزلة اللفظة التي ذكر لتعليله أنها جرت في سياق الشر، ولهذا اشتغل بما يلزمه من كفارات الظهار بالسؤال عن بعض فروعها، يظهر أن بعضها أضعف في اللزوم من بعض، كقوله: أنت علي في عوض أمي وأختي أقرب إلى الاحترام من الحِرْمة ويلي ذلك أنت علي في عوض أمي وأختي، وأشدها: مثل أمي وأختي، وفي العتبية عن سحنون: من قال أنت أمي في يمين أو في غير يمين فهو ظهار، محمد: إلا أن ينوي به الطلاق فيكون البتات، ولا ينفعه أن ينوي واحدة.
ونزلت نازلة اختلف فيه الشيخان، وهي: إذا قال لزوجته: نجعلك كالميتة لا نأتيتك إلا في وقت الضرورة، فقال الشيخ أبو العباس أحمد بن حيدرة: ما يلزمه شيء حتى يقول: أنت كالميتة، وقال السيد أبو علي بن عرفة: يلزمه التحريم، ثم وقع بعد ذلك استقراء بعض ألفاظ من المذهب تشهد للأول نفعلى هذا نجعلك أمي لا يلزمه الظهار، وعلى الثاني يلزمه الظهار.
[من قال لجاريته: أنت حرة أو مثل أمي وهو يقصد التعنيت لا القربة ولا الظهار]
وسئل أبو عمر بن منظور رحمه الله عمن قال لجاريته – وقد امتلأ غيظًا –: أنت حرة لوجه الله من غير أن يقصد بذلك القربة، بل قصد التغليظ بلفظ التحرير، يقصد نكايتها على قوله بعد ذلك أنت حرام علي مثل أمي من غير نية قربة، بل يقصد النكاية لما وجد من شدة الحرج، وجاء مستفتيًا في ذلك ملتمسًا أن يكون الجواب فيها على ما يقتضيه مذهب الإمامين مالك والشافعي رضي الله عنهما.
[61/4]
[62/4]
(1/69)
________________________________________
فأجاب: تأملت هذا السؤال فرأيت المقصود منه يرجع إلى مسألتين، إحداهما: أنت حرة لوجه الله من غير قصد القربة بل بقصد النكاية، والثانية قوله: أنت حرام علي مثل أمي من غير نية بل بقصد النكاية كما ذكر أولاً.
والجواب عن المسألة الأولى يبنى على النظر في حكم ألفاظ العتق والطلاق إذا أطلقت بعد صرفها على مقتضاها وقطعها عن إرادة معناها، هل يلزم مستعملها العتاق والطلاق أم لا؟
واعلم أن المستعمل ألفاظ العتاق والطلاق وغيرها ثلاث حالات: حالة تستعمل فيها تلك الألفاظ ويريد في حين الاستعمال معانيها التي وضعت لها فيلزمه حينئذٍ حكم المعنى من عتاق أو طلاق أو غير ذلك، وحالة تستعمل فيها تلك الألفاظ بعد قطعها عن معناها وصرفها إلى معنى آخر، فهذا لا يلزمه عتق ولا طلاق ولا غيرها، ومثال ذلك من له مملوكة اسمه حرة، وزوجة اسمها طالق، فنادهما باسميهما: يا حرة، ويا طالق، بقصد النداء، فهذا لا يلزمه شيء؛ لأن قوله ذلك يستوي معه فيه الأجنبي عند النداء لكل واحدة منهما، لذلك خرج اللفظان عن حكم العتق والطلاق، وحالة ثالثة لتلك الألفاظ أن تسعمل مقطوعة عن معناها ومصروفة عنه من غير أن يراد بها معنى آخر، فهذا مما اختلف فيه العلماء، هل يلزمه حكم تلك الألفاظ وإن لم يقصد معنى من معانيها؟ أو لا يلزمه حكمها؟ على قولين.
(1/70)
________________________________________
وفي هذه الحالة الثالثة قال القاضي أبو الوليد بن رشد في المقدمات: المشهور عدم لزوم الطلاق، وقال اللخمي: الصحيح من المذهب أنَّ الطلاق بغير نية لا يلزم بمجرد اللفظ من غير نية، ولا شك أن العتق مثل الطلاق، وعلى هذا الاصل تخرج مسألة الهازل بالطلاق المازح به مع زوجه، وقد نقل صاحب البيان وغيره فيه قولين، أحدهما لزومه لما رُوي عنه عليه السلام أنه قال: « ثلاث هَزْلُهُنْ جِدٍّ، الطَّلاقُ، والنكاحُ، والعتَاقُ »، والقول الثاني عدم لزومه، وهو مروي عن مالك، لقوله عليه السلام: « إنَّما الأعْمَالُ بالنِيَّاتِ، وإنَّمَا لِكُل امرئ ما نَوَى »، ولا شك أن العتق يجري فيه هذا الخلاف إذا أطلق السيد لفظًا من ألفاظه على جهة الهزل، إذ بابه وباب الطلاق في هذا واحد، فاللزوم
[62/4]
[63/4]
يؤخذ من الحديث فتأمله، وقول القائل لجاريته: أنت حرة لوجه الله بقصد النكاية لا بقصد القربة هو من هذا القبيل لا من قوله فيما يزعم مبني على عدم الجد، فمن أخذ بالحديث الأول يقول: لا هزل في العتق، ومن أخذ بالثاني يقول: هذا العمل بغير نية فلا يعتد به، هذا حكم هذا القول عندي على مقتضى مذهب مالك رضي الله عنه، فالظاهر لزوم العتق قولاً واحدًا، لأن الهازل عنده في باب الطلاق غير معذور، وطلاقه لازم له، نقل الإمام أبو حامد الغزالي اتفاق أصحابه على ذلك، ثم قال: لأن الهازل أتى بالصيغة من غير صرف، وإنما عدم الرضى بموجبه، والرضى بالحكم غير مشروط في وجوب الطلاق.
قلت: لكن قوله: لأنه أتى بالصيغة من غير صرف يقتضي أن الهازل لو صرف اللفظ عن معناه وفرغه منه لكان في وقوع الطلاق به الخلاف المنقول في المذهب من لزوم الطلاق بمجرد اللفظ من غير نية فتأمل ذلك.
(1/71)
________________________________________
المسألة الثالثة في قوله: أنت حرام علي مثل أمي، والظاهر من حال هذا القائل أنه أوهم به الظهار من جاريته تلك من غير قصد لذلك، بل لقصد النكاية كما زعم، ولا يحتاج إلى هذا التكلف على مذهب الشافعي رضي الله عنه، فإن مذهبه عدم لزوم الظهار في موطوءة الملك، وإن صرح بذلك المظاهر وأفصح به وقوَّواه، لأن الظهار كان طلاقًا في الجاهلية، ثم جاء السغلام وصرفه عن حكمه إلى حكم آخر، وهو لم يصرفه عن محله، فمن قال للملوكته: أنت علي كظهر أمي نصًا عنده في قوله: ولم يلزمه شيء، وكذلك الظهار في الأجنبية غير لازم في مذهبه لأنه لا يرى التعليق، وهذا كله من المعلوم في مذهبه رضي الله عنه الذي لا شك فيه، وعلى هذا يكون قول هذا القائل لجاريته أنت حرام علي مثل أمي لا حكم عليه في الظهار على مذهب الشافعي؛ لأن المملوكة لا يُظاهر منها ولا في العتق، لأنه ليس من ألفاظ العتق الصريحة فيه، فلا أثر له فيه إلا بالنية والقصد، وهما غير موجودين، وأما على مذهب مالك رضي الله عنه حيث يرى الظهار في الموطوءة بالملك كما يراه في الموطوءة بالنكاح لأنهما من نساء المخاطبين بالظهار، والله تعالى يقول فيها:
[63/4]
[64/4]
{
(1/72)
________________________________________
والذين يظاهرون من نسائهم} فعمَّ النساء ولم يقل من أزواجهم، فعلى هذا المذهب يقع النظر في هذا القول الصادر عن هذا القائل، ولا ريب أنه في باب الظهار من الكناية لا من التصريح في باب العتق، وأنَّ الكناية في البابين دون التصريح في لزوم الظهار والعتق، وعلى هذا يكون قول القائل: لم تكن لي نية حين قلت: أنت حرام علي مثل أمي، إن أراد بذلك لم تحضر له نية في قصد ظاهر، فإن الظهار يلزمه ما بقيت له في ملك، لأنه قال في المدونة: وإن قال: أنت علي حرام مثل أو حرام كأمي ولا نية له فهو مظاهر، وهذا اختلف فيه، وإن أراد بذلك أنه فرغ اللفظ عن معناه وأطلقه بعد صرفه عن مقتضاه، كان في لزظوم الظهار من الخلاف ما تقدم في المسألة الأولى، فمن قال هناك: لا يكفي اللفظ دون نية في صريح لفظ الطلاق والعتاق، قال كذلك ههنا، وهو هنا أولى لأن هذا كناية، وذلك صريح، ومن قال: يكفي اللفظ يمكن أن يقول هنا بعدم لزوم الظهار لكون اللفظ غير صريح فيه، وهو مع ذلك قد صرف عن مقتضاه حين النظر، هذا في الظهار، وأما في العتق فهو أبعد، لأنه لا يقتضي العتق إلا أن ينوي به ذلك، وهذا معلوم من كتب الأئمة، وقد تحصل في مسألتنا هذه أن قوله: أنت حرة لوجه الله من غير أن يقصد القربة بل النكاية، يجري مجرى الهازل في الطلاق والعتاق، وفيه في مذهب مالك قولان: لزوم الطلاق والعتاق، وعدم لزومهما، وفي مذهب الشافعي اللزوم ليس إلا، وأن قوله: أنت حرام علي مثل أمي هو من باب الظاهر، وهو في الموطوءة بالملك غير مشروع عند الشافعي فلا يحتاج إلى تكف، وهو في مذهب مالك إن لم يكن له في هذا القول نية ظهار لازم، وإن كان صرف اللفظ حين الإطلاق عن مقتضاه يتمشى فيه القولان فيمن طلق بمجرد اللفظ، وهو هاهنا أخف لأن هذا من كنايات الظهار، وهو في باب العتق أبعد فليتأمل، والله وفي التوفيق بمنه، وكتب أبو عمر بن منظور وفقه الله.
[من سألته زوجته أن يصيرها كأمه فقال لها: أنت مثل أمي]
(1/73)
________________________________________
وسئلت عمن سألت منه زوجه أن يصيرها كأمه فقال لها: أنت مثل أمي
[64/4]
[65/4]
أو كأمي إلى عشرة أشهر، ولا نية له في طلاق ولا ظهار، هل اللازم له طلاق أو ظهار؟
فقلت مجيبًا بما نصه: الحمد لله تعالى وحده، الجواب: والله سبحانه ولي التوفيق بفضله: أن تعلم أولاً أن اللفظ الصادر من الرجل المذكور جوابًا عن سؤال زوجه المذكورة هو من كنايات الظهار الظاهرة، لا أعلم لأئمتنا فيه اختلافًا، والقاعدة المذهبية في كناية الظهار انها لا تنصرف عن الظهار إلى الطلاق إلا بنية، وحيث فقدت النية فيما أو في أحدهما كفرض النازلة فاللازم الظهار، وقال في الجلاب: ولو قال لها: أنت علي كأمي، أو مثل، وأراد بذلك الظهار كانت له نية أو لم تكن له نية في ظهار ولا طلاق كان مظاهرًا، ولو أراد بذلك الطلاق، كان مطلقًا البتة. انتهى.
فقوله: في ظهار ولا طلاق يريد ولا بر ولا إكرام، قال ابن الحاجب: أما لو قصد مثلها في الكرامة فليس بظهخار، وحكى الباجي عن أبي حنيفة والشافعي أنهما حملا ذلك مع عدم النية على البر والإكرام، والمذهب كله ما قدمناه، قال في المدونة: إن قال لها: انتعلي حرام مثل أمي أو حرام كأمي ولا نية له فهو مظاهر، فهذا لا اختلاف فيه. انتهى.
فإن قلت: كيف يستقيم لك نفي الخلاف، وابن الحاجب ومتبوعه جمال الدين ابن شاس حكيا عن بد الوهاب إطلاق القول في قوله: أن حرام كأمي أنه طلاق، ولم يشترط نية، ولا ينعقد الاتفاق لمخالفته.
قلت: الذي حكاه الباجي عنه خلاف ما حكياه، وهو أرجح وأولى، ولفظه في ذلك: وإن قال لها أنت أمي أو مثل أمي حكى القضاي أبو محمد أنه يكون ظهارًا ولم يشترط نية. انتهى.
فإذا كان اللازم له في مسألة المدونة ظهارًا مع التصريح بلفظ الحرام الصالح للطلاق والظهار، فلأن يلزمه الظهار فقط، إذا عرّاه عن لفظ التحريم والنية لضعفها رتبة عنه، أحرى أولى.
[65/4]
[66/4]
(1/74)
________________________________________
فإن قلت: إذا تقرر بما اجتلبنا من نصوص أن اللازم للقائل المذكور حكم الظهار لا الطلاق، فما حكم قوله: إلى عشرة أشهر؟ هل يلزمه حكم الظهار وإن تصرمت العشرة اشهر؟ أو يرتفع حكمه بارتفاعها؟
قلت: قال اللخمي: إذا قال: أنت علي كظاهر أمي من الآن إلى شهر أو إلى سنة كان في المسألة قولان، فقال في المدونة: يلزمه الظهار ولو خرج ذلك الوقت، يريد وإن لم يعد قبل ذلك في الأجل، وروى عنه مطرف في مختصر ما ليس في المختصر قال: لا شيء عليه إذا خرج الأجل قبل أن يعود، وفرق بينه وبين الطلاق، وذكر عن ابن عباس مثله، وهو أحسن؛ لحديث سلمة بن صخر أنه ظاهر من زوجته حتى يمضي رمضان، فلما مضى النصف وقع عليها ليلاً فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: « اعْتِقْ رَقَبَةً » الحديث، وهذا حديث صحيح رواه الترمذي في جامعه، فهذا صاحبه كان يرى في ذلك أن يضرب للظهار أجل، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه، ولو كان الأمر بخلافه لأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: في صحة احتجاج اللخمي بالحديث عندي نظر، لأن الخلاف الذي حكاها إنما هو إذالم يعد داخل الأجل، وليس في الحديث ما يقتضي نفي الكفارة بانقضاء الأجل إذا لم يعد داخله، بل هو مسكوت عنه، فيحتمل ما قال: ويحتمل غيره، وتطرق الاحتمال مسقط للاستدلال، ولا يلزم من جواز ذلك على مذهب الصحابي وإن سلمنا حجيته سقوط الكفارة إن لم يعد حتى مضى الأجل، فتأملوا، لكن صرح الغزالي في وجيزه بأصحية هذا القول كاللخمي، ونصه: لو قال: أنت علي كظهر أمي خمسة أشهر، قيل: إنه لغو للتوقيت، وقيل: يصح مؤبدًا كالطلاق، وقيل: يصح مؤقتًا وهو الأصح، ثم لا يكون عائدًا لمجرد الإمساك، لأنه ينتظر خلال بعد المدة، ولكن بالوطء قبل خمسة أشهر يصير عائدًا ويحرم عليه الوطء، فإن وطئ فعليه النزع عقبه، وقيل: بالوطء يتبين العود عقب الظهار، فيكون الوطء الأول أيضًا حرامًا. انتهى.
[66/4]
[67/4]
(1/75)
________________________________________
فإن قلت: ولم كانت كنايات الظهار تنصرف بالنية إلى الطلاق، ولا تنصرف كنايات الطلاق إلى الظهار بالنية على المشهور، مع أن الجميع كناية؟
قلت: لأنه يتهم بصرف ما لا يصح رفعه وهو الطلاق إلى ما يصح رفعه بالكفارة وهو الظهار، ولا تهمة في العكس، وأيضًا الطلاق يفيد معنى لا يفيده الظهار، وذلك أنه يقطع العصمة، فكانت رتبته أرفع من رتبة الظهار، فلم يصح أن تنصرف كنايته إلى الظهار لأنه دونه في المرتبة، فلا ينصرف الأقوى إلى الأضعف، وصح انصارف كنايات الظهار إلى الطلاق، لانها تنصرف إلى ما هو أعلى منها.
فإن قيل: هذا المعنى موجود في صريح الظهار، ومع ذلك فإنه لا ينصرف إلى الطلاق.
قلت: المعتبر في الصريح اللفظ، واللفظ لا يصح صرفه إلى غير ما وضع له إلا على طيق التجوز والكناية المعتبر فيها معناها دون اللفظ، والله سبحانه أعلم وبالله التوفيق، وهذا ما ظهار لمحبكم في المسألة الآن، والله المستعان، قاله وخطه: العبد الفقير إلى الله أحمد بن يحيى بن محمد بن علي الونشريسي.
[من قال لرجل: أنت علي حرام كأمي وزوجتي]
وسئل القاضي ابن عبد السلام عمن قال لرجل: أنت علي حرام كأمي وأختي وزوجتي، ما يلزمه في زوجته؟ وهل هي منصوصة أو لا؟
فأجاب: لا أعرف فيها نصًا، والظاهر عندي لزوم التحريم في الزوجة لاحتمال عطفها على المبتدأ الذي هو أنت، فكأنه قال: أنت وزوجتي، ويحتمل عطفه على المجرور بالكاف، لكن على الاحتمال الأول يلزم الظهار لا الطلاق، وعلى الثاني الطلاق، ويكون عكسه التشبيه ولعل الأقرب تحليف القائل أنه ما نوي الطلاق، ويكلف بحكم الظهار.
[67/4]
[68/4]
[من أنكر الحمل وادعى أنه اعتزل امرأته سبعة أشهر قبل طلاقها، تلاعنا]
(1/76)
________________________________________
وسئل فقهاء قرطبة عن امرأة قامت تطلب زوجا بنفقة حملها منه بعد مباداراته إياها، وشهد عند القاضي امرأتان على عينها انها حامل حملاً متحركًا ظاهرًا في صدر رجب من تسع وخمسين بعد طلقة واحدة تقدمت له فيها وصدقته في ذلك وطلبت له نفقة حملها، وقالت: إنه منه، وأنكر هو أن يكون الحمل منه، وقال: إنه اعتزلها قبل تطليقه إياها بنحو سبعة أشهر، إلا أنه لا يدري هل حاضت بعد اعتزاله إياها أو لم تحض، وثبت مقاله هذا عند القاضي، ثم قال: إن اعتزاله إياها كان وهي في حيضتها، ثم لم يطأها بعد ذلك في المدة المذكورة، وانه استبراها قبل هذه الحيضة بثلاث حيض ولم يطأها بعدها، وثبت أيضًا من مقاله وثبت عنده نكاحها منذ خمسة أعوام ونحوها وبناؤه بها ومقامه معها إلى انبارها وشاور في ذلك الفقهاء.
(1/77)
________________________________________
فأجاب ابن عتاب: قول الزوج عبد الرحمن في مقاله الأول إنه اعتزلها قبل المباراة بنحو سبعة أشهر قد حصل لها نافيًا للحمل غير مدع الاستبراء، وما استدركه في مقاله الثاني فلم يكن في الظاهر إلا عن تلقين أراد به بيان الاعتزال، وأصحاب مالك مختلفون فيمن نفى الحمل ولم يدع الاستبراء، فقال المخزومي وابن دينار وابن القاسم: يحد ويلحق به الولد، وقال ابن القاسم أيضًا فيمن قذف أو نفى حملاً لاعن ولم يكشف عن شيء، وقاله ابن نافع، إلا أن قول عبد الرحمن في المدة التي ذكر اعتزالها إيايها فيها واستبرأها لا بد أن يتعرى ما تقوله الزوجة فاطمة إن كانت لها بنية أنه إذا علم بحملها لم ينكره، فإن ثبت لها هذا لحقه الولد، وإلا تلاعنا، وصفة اللعان، على ما ذكره ابن المواز في كتابه، ابن القاسم، إذ هو أكمل ما في المدونة أن يلف عبد الرحمن في الجامع في إثر صلاة، واستحب أن يكون إثر صلاة العصر يقول: أشهد بالله إنه لمن الصادقين ما هذا الحمل مني، ويشي إليه، وأني اعتزلتها في المدة التي ذكرت واستبرأتها فيها بثلاث حيض، وقال أصبغ: وأحب أن يزيد في يمينه: لزنت، وهو لابن القاسم في المدونة، ثم يثني ويثلث ويربع كذلك، ويقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين في شيء من ذلك، قال
[68/4]
[69/4]
(1/78)
________________________________________
ابن القاسم: وتقول هي في إنكار الحمل: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين وما زنيت، هكذا في الأربع، وتقول في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم تقع الفرقة بينهما ولا تحل له أبدًا، وله السكنى إلى أن تضع حملها ولا نفقة لها، والذي قاله ابن القاسم في نفسه الحمل: أشهد بالله لزنت، وتقول هي: أشهد بالله ما زنيت، وقال عنه سحنون في غير المدونة: يقول: أشهد بالله ما هذا الحمل منه، وقال سحنون: وهذا أحب إلي، فهذا ما في كتاب ابن المواز والمدونة وغيرهما، وإنما استحب أن يزيد أشهد بالله الذي لا إله إلا هو إني لمن الصادقين في الأيمان كلها، وكذلك المرأة، وإنما قت: يتعرى للمرأة ببينة بعلمه بالحمل أو بإقراره، إذ قد تجهل المرأة ذلك والله الموفق للصواب.
وأجاب ابن قحطان: الذي قاله أولاً لازم له، ولا يسمع منه ما قاله آخرًا من دعوى الاستبرا، هكذا كتب بيده وليس بصواب عند أرباب الإعراب لأنه من الممدود فمحال قصره بكل حال.
وأجاب ابن عبد الصمد إثر القوليك ما أداك اجتهادك إليه وأخذت به بعد الاستخارة كان لك الحكم به سابقًا، وهذه المسألة هي مسألة عبد الرحمن بن محمد مع زوجته فاطمة والله ولي التوفيق والرشاد.
(1/79)
________________________________________
وأجاب عبد الله بن مالك: يا سيدي وولي ومن وفقه الله وسدده، قال الله عز وجل: {والذين يرمون أزواجهم} الآية، وقال: {والذين يرمون المحصنات} الآية، فما كان به الأجنبي في هذه الآية راميًا، كان به الزوج في الآية الأخرى لزوجه راميًا، قال أبو عبيد: ونفي الحمل أشد الرمي ومن أبلغ القذف، فاللعان في هذه القصة واجب، وإن ألغينا دعواه الاستبراء، وهذا بين في كتاب الله عز وجل مما ذكرت له من تساوي الرمي في الآيتين، وكل ما كان به راميًا لها فقد أفتانا فيه القرآن وكفى فيه النظر؛ وهذا أحسن قول مالك وابن القاسم، ولقد كان من يصغي إلى قوله من سلف الأمة يقولون إنه ينفى الولد عنه باللعان متى شاء وإن كان قد أقر به قبل ذلك، وإن كنا لا نقوله ولكن نراعي الخلاف، فهذا يؤكد وجوب اللعان في المسألة، حملك الله على الصواب وإيانا بمنه، والسلام.
[69/4]
[70/4]
ابن سهل: وكان أبو حنيفة يقول: إذا ولدت فنفاه يوم يولد أو بعد يومين لاعن وانتفى الولد، وإن لم ينفه إلا بعد سنتين لاعن ولزمه الولد، وقال أبو يوسف: إن قدم يوم مغيبه (1) فله نفيه ما بينه وبين مقدار النفاس أربعين ليلة من يوم قدم ما كان في الحولين، فإن كان قدم بعد الحولين لم ينتف عنه أبدًا.
__________
(1) في نسخة: من مغيبه.
(1/80)
________________________________________
وقال شريح ومجاهد: وينتفي الرجل من ولده متى شاء، وقال الحسن: إذا أقر به ثم نفاه لاعن ما دامت أمه عنده وانتفى عنه، وكذلك قال قتادة، وإلى هذا أشار ابن مالك في جوابه، وقال الشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والنخعي: إذا أقر به فليس له أن ينفيه، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأبي حنيفة، وأصحاب الرأي، وفي كتاب ابن المواز: من عرض لامرأته فما يحد فيه للأجنبية، فقد قيل: يحد ولا يلاعن إلا في صريح القذف، أو في تعريض يشبه القذف، فأما في قوله: وجدتها مع رجل في لحاف عريانين أو وجدتها تحته ونحوه، فلا يلاعن في هذه ويؤدَّب، ولو قاله لأجنبيه لحد إلا في قوله: رأيتها تقبل رجلاً، وقال ابن القاسم، وأشهب: يحد الزوج في التعريض ولا يلاعن، وإن رجع لما قيم عليه، فقال: رأيتها تزني، لاعن، قاله عبد الملك.
وسئل ابن لبنان عمن قال لامرأته: إنَّ هذا الحمل الظاهر بها ليس مني، ثم قال: إن كنت حاملاً فليس مني.
فأجاب: لا يضره هذا الاختلاف، لأنه في كلا القولين ناف، ويلاعن إن شاء.
[من زعم أنه رأى زوجته تزني]
وسئل عمن رأى زوجته سعدونة تزني، بزعمه، فقام إذ رآها يريد ملاعنتها، وذكر أنه قد كان استبرأها قبل ذلك واعتزلها منذ أربعة أشهر.
فأجاب: الذي يجب أن تدعى المرأة، فإن أقرت بما قال زوجها، رجمت، وإن أنكرت ذلك لاعنها.
[70/4]
[71/4]
[من طلقت فزعم أنها حبلى وادعى زوجها استبراءها قبل الطلاق]
وسئل أبو صالح عمن طلقت فزعمت أنها حبلى، وقال زوجها: استبرأتها قبل طلاقها.
فأجاب:: يأمر القاضي بالنظر إليها، فإن تبيّن حملها وجب اللعان بينهما، وإن لم يتبين أخر إلى أن يتبين، ولا نفقة لها حتى يتبيّن، فإن لاعن برئ من النفقة والولد، وإن لم يلاعن أنفق، قاله أيوب بن سليمان.
[من طلَّق وأراد السفر، وقبل الضامن لنفقة الحمل فليس له إنكار الحمل بعد ذلك]
(1/81)
________________________________________
وسئل القرويان: أبو عمران وأبو بكر عبد الرحمن عن رجل طلق زوجته وأراد السفر، فقال والدها: هي حامل، فاجعل النفقة لها أو أقم بها حميلاً حتى يظهر الحمل، فقال الرجل: حاضر أنا الحميل بها إن ظهر الحمل، فوجدت الزوجة قد وضعت، فأنكر الزوج أن يكون منه، فاحتج عليه القاضي بتطوع الضامن بالنفقة على الحمل بحضرته وسكوته وعدم إنكاره حينئذٍ ورضاه بالحمالة، فهل ترى الحمل لاحقًا به مع الحد ويكون رضاه بالحمالة إقرارًا منه بالحمل؟ أم لا يكون إقرارًا منه ويلاعن الآن ولا فرض عليه؟ فقد أفتى بعض من عندنا أن الولد يلزمه ولا حد عليه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: « ادْرَؤُوا الْحُدُود بالشُبهات »، فهل هذا من وجوابه صواب؟ وهل استشهاده هنا بالحديث في موضعه أم لا؟
فأجاب: أبو بكر بن عبد الرحمن: الولد لازم لأنه لم ينفه عندما ادعته الزوجة فهو ولده، وإذا لزمه وهو ينكره فالحد يلزمه، هذا هو القياس بعينه، فإن استحسن أحد دراءة الحد لهذه الشبهة فما هو عنها ببعيد.
وأجاب أبو عِمْران: إذا رضي بحمالة الحميل بنفقة ما يظهر من الحمل، فظهر حمل يمكن أن يكون من وطء قبل الحمالة بأقرب الأوقات التي يمكن فيها الوطء لزمه الحمل، وحد بإنكاره الولد، وليس هذا الموضع مما يدرأ
[71/4]
[72/4]
فيه الحد بالشبهات؛ لأن هذا قذف وجب للمرأة طلبه، فأي شبهة فيه للزوج؟ لأنه لو لم يكن الولد منه فهي زانية، وهذا قذف بيّن، وصريح القذف والتعريض به عندنا سواء في وجوب الحد.
[من قدم من سفر ووجد مولودًا فنفاه عنه ولم يتهم زوجته بالزنى]
وسئل أبو إبراهيم عمَّن نفى ولده من زوجته وقد قدم من سفر فوجده مولودًا فقيل له: أزنت أم لم تزن؟ فقال: لا أعلم إن كانت زنت ولا استبرأت قبل خروجي وليس هذا الولد مني.
(1/82)
________________________________________
فأجاب:: يحلف لزنت وما هذا الولد مني، ويلحق به إن نكل، ابن الحاج عن ابن القطان: من نفي حمل امرأته خاصة ولم يزنها لا برؤية يدعيها ولا بقذف ووجب اللعان ونكل عنه لا حد عليه، ويلحق به الولد؛ لأنه لم يكن منه إلا نفي الحمل فقط، وقد يحتمل أن يكون وطئها غيره وهي نائمة وهو يظنها زوجته، ابن الحاج وهو خلاف المدونة، وقد سئلت عنها أنا وابن رشد فقلنا بظاهر المدونة.
[من أقرّ بالوطء ونفى الولد فإنه يسجن حتى يقر به]
وسئل ابن المكوي عمن أقر بالوطء ونفى الولد ولم يدع استبراء.
فأجاب: بأنه يسجن أبدًا حتى يقر بالولد، وكان ابن مالك يفتي باللعان، ويقول: هو ظاهر القرآن، الشعبي: كان الحكام يقضون بقول المكوي لأن مثل هذا لو ثبت لما لحق الولد لكثرة الفسقة من العوام، وقال عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس اقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، وقال عليه السلام: « أيُّمَا امْرَأةٍٍ أَلْحَقَتْ بِقَوْمٍ مَنء لَيْسَ مِنْهُم فَلَيْسَتْ مِنَ الله في شَيْء ولمْ يُدْخشلْهَا جَنَّتَهُ وأَيُّمَا رَجثلٍ أَنْكَرَ وَلَدَهُ وَقَدْ عَرَفَهُ احْتَجَبَ اللهُ مِنْهُ يَوْم"َ الْقِيَامَةِ وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤوس الأَشهَادِ »، وقال عليه السلام: « الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ »، أجمع عوام أهل العلم على القول به إذا أمكن أن يكون للفراض من مجيئه لستة أشهر من العقد، وهو حسن يمكن وصفه بحضوره وعدم صغره، وصحة
[72/4]
[73/4]
العضو الذي يطأ به، فلا يحلق بالصبي ولا بالمجبوب أو من قطع ذكره أو أنثياه، أو يكونان ببلدين يعلم أنهما لم يلتقيا.
[من أقر بالخلوة ونفى منكرًا الحمل، لحق به الولد أو نفاه بلعان]
(1/83)
________________________________________
وسئل ابن الحاج عن امرأة ادعت نكاح رجل وأثبتته وأثبتت ابتناءه بها وخلوته معها وحملها منه، وحضر الرجل واعترف بجميع ذلك إلا الحمل، وقال: ما وطئتها قط واعترف بالخلوة فاحتج عليه وكيل المرأة بأن في عقد المباراة إشهاده على نفسه بأنه بنى بها، ووضعت المرأة حملها، فهل يلحق بالزوج؟ وهل يقبل قوله في جهل البناء والابتناء وهو من غير أهل الطلب؟ وهل يلاعن بلا خلاف؟ أو يُلاعن على خلاف لإقراره بالبناء، فهو كمن قذف ولم يدع استبراء؟
فأجاب: يلزمه الولد إلا أن ينفيه بلعان.
[من نفى حمل امرأته بعد طول المقام معها]
وسئل الشيخ أبو الحسن القابسي رحمه الله عن رجل نفى حمل امرأته بعد طول المقام معها.
فأجاب: اعلموا أنها مسألة تفرعت على أصل اختلف أهل العلم فيه في القرن الثالث، فيه ثلاث مقالات معروفات، قول مالك ومن قال بقوله: ليس ينفي حمل المرأة إلا من ادعى استبارء لم يمسها بعده، وقال بنفيه على علم به، فهذا يلاعنها وهي حامل، إلا عبد الملك بن الماجشون فقال: لا يلاعنها حتى تلد لعله ريح، وهذا مذهب الثوري وأبي حنيفة، وقال صاحباه يعقوب ومحمد بن الحسن: إن جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ فارقها لاعن ولزم الولد أمه، وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر فكما قال النعمان، وتفسيرهما هذا يدل على أنها إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر فلا لعان فيه بعدما ينفي الذي كان، وإذا اختلف العلماء في أصل فإذا حدثت حادثة وجب أن يلتمس الناظر فيها وجهًا من المقالة التي يذهب إليها وصح عنده الأخ بها، فمالك
[73/4]
[74/4]
(1/84)
________________________________________
رحمه الله قد بين عن مذهبه في هذا إن نزلت حادثة فيها زيادة في وصف حال المريد لنفي حمل امرأته على ما تقدم من شرطه، فقال: لا يكون للرجل أن ينفي ولده إذا ولدته امرأته وهو مقيم معها يرى حملها إلا أن يكون غائبًا عن الحمل فقدم وقد ولدت فله أن ينفيه، فإن أقام مقرًا به فليس له أن ينفيه بعد ذلك، يريد إن أقام بعد قدومه وقد علم بالولد فلم ينكره وقد أقر به.
وأما قوله في صدر المسألة: وهو مقيم معها ببلد يرى حملها، فيريد هذا الذي يخرج ويخرج على امرأته مقيمًا معها مدة لا يخفى عنه فيها ما حدث بها، فلذلك شرط يرى حملها، أي إذا كان بها حمل فهو لا يخفى عنه لطول مقامه معها يشاهدها، لأن الذي لا يرى امرأته لا يدري ما يحدث بها، وإن كان مقيمًا معها ببلد يكون ذلك في الذي لم يدخل بامرأته بعد، فليس يكذبه طول مقامه في بلده معها وقد علم أنه لا يشاهدها، وكذلك من يشغله مرض يطول به ويعلم ذلك منه فتستمر حاملاً في مرضه فيقول: ما علمت به وإن كنت حاضرًا، ومثله المسجون يطول سجنه، فهما والذي لم يدخل بامرأته والغائب ببلدة أخرى يستوي جمعيهم ببيان العذر لكل واحد منهم، وعلى ما بيّنت لكم تكون مسألة ابن القاسم، إذ سئل عن رجل نظر إلى امرأته حاملاً وهي أمة أو نصرانية أو مسلمة، فسكت ولم ينتف من الحمل ولم يدعه حتى إذا وضعت الحمل انتفى منه.
قال مالك: إذا رأى الحمل ولم ينتف منه حتى وضعت فليس له أن ينتفي منه بعد ذلك، حرة كانت امرأة أو أمة أو كافرة، وأزيدكم بيانًا: أن ابن القاسم قيل له: فإن ظهر الحمل، وعلم به ولم يدعه ولم ينفه منه شهرًا، ثم انتفى منه بعد ذلك؟ قال: لا يقبل منه قوله، أتجعل سكوته ها هنا إقرارًا منه بالحمل؟ قال: نعم، فقول السائل له: وتجعل سكوته ها هنا إقرارًا، يتبيّن أن الذي ألزمه هذا السكوت إنما هو مقامه مدة الشهر لا يظهر منه نكير.
(1/85)
________________________________________
ومن أجل ذلك قال له ها هنا ليس للبينة في شيء من هذا ذكر كان ما لا ينتفع فيه إلا البينة ما سئل عن مدة شهر ولا عن غيرها، قربت المدة أو بعدت، ولا كان يقول مالك مقيم معها ببلد يرى حملها، وإن كان لا يثبت هذا إلا بالبينة
[74/4]
[75/4]
فما تغني هذه الشروط، وهي لو عدمت وشهدت عليه البينة، لأخذ بالشهادة وكان اقرب في العذارة وأبين للمرأة، ولكنهم رحمهم الله علموا أن من طال مقامه مع امرأته يشاهدها بغير حائل بينها وبينه لا يخفى عليه ما حدث بها، لأنه في كل يوم ينمي ويظهر حتى يعرفه منها غير زوجها.
فإذا كان كذلك فدعوى الزوج أنه ما رأى ولا علم به خلاف لما جرى عليه أمر الناس أجمعين، ومن ادعى خلاف هذا الظاهر من أمره فهو الذي يكلف البيان عن قوله، وما أغرب من تكلم في هذه المسألة عن البينة، ولكنه أمسك عنها في مكان يستغنى عن ذكرها فيه، يذكر ما هو أوكد منه، وهو طول مقامه معها يشاهدها، فلما سئل عن مشاهدة نقل المقام فيمن بين، قيل لابن القاسم: فإن رأى يومًا أو يومين فسكت، ثم إنه قد رآه فلم ينكره أو أقر ثم جاء بعد ذلك ينكر لم يكن له ذلك، فأي شيء أبين من هذا عن العوام، على أن ابن المواد قد ذكر أن مالكًا قال: إنما له إنكار الولد حين علم بالحمل أو بالولادة، فأما بعد علمه بذلك ويقيم اليوم واليومين لا يتكلم ولا ينكر ثم ينكر بعد ذلك فليس ذلك له.
(1/86)
________________________________________
قال: وكل ما وصفت لك من هذا فهو قول مالك وأصحابه هذه المسألة ما ذكر فيها البينة، لأن البينة في مثل هذا لا يمكن القصد إليها، فقل ما يمكن بموافقتها في مثل هذا المعنى، ولا مكان هذا القليل ذكرها ابن القاسم يمكن أن يشهده عند قدومه من سفره يسأله عن حاله ما أطلقه من أهله فيجري من قوله إنها حامل، فإذا كان هذا أو ما جرى مجراه أكذبه إن هو قال: ما علمت بالحمل، فإذا لم تكن إلا هذه المدة فليس فيها ما يتبين كذبه فيهما، قال: إن قال: ما رأيت حملاً ولا علمت به، ولكن إن أقرَّ أنه رآه أو علمه فسكت وفي نفسه أنه سيقوم واعتذر أن سكوته بعد علمه إنما كان لهذا، لم ينفعه عندهم، فلذلك جرى فيما ذكر ابن المواز ذكر الإقرار لكثرة إمكان قوله، ولم يجر فيه للبينة ذكر لقلة إمكان كون ذلك ما فهموما ما ترجموا به الجواب إلى الصواب فتعتمدوا عليه، واعلموا أن ما علمت في شيء مما وصفته في هذه المسألة عن مالك ومن قال بقوله خلافًا لما وصفته، ولا علمت أن أحدًا من
[75/4]
[76/4]
أهل مذهبنا تأول عن هذه المسائل غير ما تأولته وشرحته، وأن في السَّنة الثابتة ما يؤيده، فأمسكت عن ذلك لئلا أُطيل في هذا الموضع بذكر ما يستغنى عن ذكره، لا حرمنا الله وإياكم التوفيق بمنه.
[حكمة مشروعية اللعان]
ابن العربي: شرع الله العان مخلّصًا من المحنة بتلطيخ الفراش وشافيًا من الغيظ في رؤية المكروه، وقطعًا لعلائق النسب الباطل عن الأب، وقال أيضًا: اللعان مستثنى خص الله به آية القذف وجعله للزوج تخلصًا من الذي عاين من الحادث العظيم في عرضه، ورفقًا للطعن عنه في أهله، ابن عرفة: لا نص في حكمه.
[آخر لعان في الإسلام كان بقرطبة عام 388]
ابن عات لاعن ابن الرندي فعوتب، فقال: أردت إحياء سنة قد دثرت، قال: وكان لعانه لزوجته بحكم صاحب الشرطة ابن الشرفي، فكانت ملاعنتهما في المسجد الجامع بقرطبة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. انتهى.
(1/87)
________________________________________
قال عياض: وهو آخر من لاعن في الإسلام، قال ابن عرفة: والحق إن كان لينفي نسبه وجب، وإلا فالأولى تركه بترك سببه، فإن وقع صدقًا وجب لوجوب دفع معرة القذف وحدّه، ثم وجدت نحوه في سراج ابن العربي. انتهى.
قلت: في الاسم (1) الثالث والستين في السراج ما نصه: وشهادة الرجل على زوجته برؤية الزنى مكروهة، إذ لا يفيد أكثر من الفراق، والفراق مع الستر أفضل وأولى وأوجب، وأما على شهادته على نفي الحمل فواجبة، إذ لا ينبغي أن يلحق بنسبه ما ليس منه كما بينا في مسائل الفقه، وقد أخبرني أبي عن رجل قاضي أن زوجته بغت فحملت، فكان يقول لها: ماذا أصنع لك؟ قاتلك الله، إن سكت ألحقت بنسبي من ليس مني، وإن تكلمت فضحتك ونفسي، فغلب عليه السكوت، فأنا رأيت أخاه وشببه لغير رشدة، وتذكرت
[76/4]
[77/4]
قول النبي صلى الله عليه وسلم: « إنْ جاءتْ به كَذَا، وإنْ جاءتْ به كذا فهو الذي قَذَفْت به »، فجاءتْ به على الوَجْهِ المكروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لَوْلاَ مَا سَبَقَ مِنْ كِتَابِ اللهِ لَكَانَ لِيَ وَلَهَا شَأنٌ »، وفي رواية: « لَوْ كَنتُ رَاجِمًا أَحدًا بِغَيْرِ كِتَابِ اللهِ لَرَجَمْتُها ». انتهى.
ذكر الشيخ سيدي أبو الحسن الصغير في كتاب الأيمان بالطلاق من تقييده أن رجلاً من جذام خطب امرأة فأبت عليه فقال لها: ولم ذلك؟ فقالت: لأنك من جذام وأنت جبان وأنت غيور، فقال لها: أمّا قولك من جذام فأنا من أرومة قومي، وحظ الرجل أن يكون من أرومة قومه، وأما قولك: جبان، فليس لي إلا نفس واحدة فلو كانت لي نفسان لجدت بإحداهما، وأما قولك: غيور، فجدير للرجل العاقل أن يغار بامرأة هبلى حمقى مثلك لئلَّا تأتيه بولد من غيره فيقعد على فراشه ويأكل تراثه ويلحق بنسبه.
[77/4]
[79/4]
نوازل التمليك والطلاق والعدّة والاستبراء
[من خيَّر زوجته فاختارت الطلاق لزمه]
__________
(1) في نسخة: في الرسم.
(1/88)
________________________________________
سئل ابن عتاب عمن خير امرأته فاختارت طلقة، وكان قد طلقها قبل ذلك طلقتين.
فأجاب: قد بانت منه بالبتة، ولا تحل له إلا بعد زوج، وفي كتاب ابن المواز ما يدل على ذلك، ابن سهل: وهو عندي جواب صحيح، ولا يتوجه فيه خلاف.
[من قالت له زوجته: لا أحبّ المقام معك، فقال: إن شئت، فقالت: تركتك]
وسئل ابن رشد عن رجل وقع له مع زوجته كلام ومضاجرة فقالت له: لا أحب المقام معك على هذه الحال، فقال لها: إن شئت، فقالت له المرأة على زعم الرجل: تركتك، فأقرها في الحال على قولها تركتك، فأنكرت قول ذلك، وحلفت عليه وعلى قولها الأول ما أردت به طلاقًا، وإنما أردت أن نتعوج عليه حتى يستقيم هو معي، والزوج يقول إنه ما أراد بقوله إن شئت طلاقًا وإذا كان جوابًا لها، وهو يحقق قولها تركتك وجاء الرجل مستفتيًا فبين لنا الجواب فيذلك واشرحه لنا فصلاً فصلاً دون إجمال، فإن بعض المفتين سئل عن ذلك فقال: لا سبيل لهذا الرجل إلى هذه المرأة، فزاده إبهامًا وإجمالاً وإشكالاً، فبين بنا بفضلك، هذه النازلة تفسيرًا دون إجمال، وهل يجوز للرجل تصديق المرأة في
[79/4]
[80/4]
كل ما قالت أم لا؟ وهل يفارقه بواحدة أم بثلاث؟ أم ماذا يصنع؟ فإنه قد التبس عليه أمره ولم يجد من يشفيه مأجورًا.
(1/89)
________________________________________
فأجاب: تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه، فإن كان الوج لم يرد تمليك زوجته الطلاق بقوله لها: إن شئت، جوابًا على قولها، فلا يلزمها بقولها قد تركتك شيء، وإن كان أراد تمليك الطلاق لزمه بقوله قد تركتك ثلاث تطليقات، إلا أن يناكرها فيما فوق الواحدة، فيحلف على ذلك ويلزمه سواه، وهو مصدق في أنه لم يرد بذلك تمليكها الطلاق إذا أتى مستفيتًا كما ذكرت، وأما إن حضرته البينة على قوله لها: إن شئت جوابًا على قولها، فلا يصدق في أنه لم يرد بذلك الطلاق، ويلزمه ما أقر به على نفسه من أنها قالت له قد تركتك ثلاث تطليقات، إلا أن يحلف أنه لم يرد بذلك الطلاق، فتكون واحدة، وله إن شاء بعد أن أنكر أن يكون أراد بذلك التمليك أن يقول إنما أردت واحدة على اختلاف في ذلك، والله ولي التوفيق.
[لا تُسمع المناكرة إلا في المجلس]
وسئل أبو بكر بن عبد الرحمن عمن ملَّك امرأته فقضت بالثلاث فلم يناكرها، فهل يدخل في مناكرته بعد المجلس الخلاف الذي في المرأة ببطلان خيارها بانقضاء المجلس أم لا؟
فأجاب: لا يدخل، وسكوته التزام لما قضت بخلاف المملكة.
[الحلف بالأيمان اللازمة]
وسئل فقهاء قرطبة عمن حلف بالأيمان اللازمة على أخي زوجته لا يدخل داره، وزعم القائم عليه أنه مقر بيمينه وبحنثه فيها بدخول صهره في الدار المحلوف عليها، وأظهر عند الحاكم بذلك عقد استرعاء تضمن ما تقدم من إقراره باليمين، وأن شهوده سمعوا منه إقرابه بها وعاينوا دخول المحلوف عليه في الدار بعدها، وشهد بعض الشهود بإقرار الحالف باليمين وبدخوله عليه، وثبت عند الحاكم العقد وزكي عنده الشهود وأعذر إلى الحالف وأجله
[80/4]
[81/4]
(1/90)
________________________________________
في المدفع الذي ادعاه آجلاً ادعى عند انقضائها أن الذين شهدوا عليه علموا ببقائه مع زوجه بعد حنثه الذي شهدوا به عليه، وأفتى بعض الفقهاء بأن يؤجل في إثبات هذه الدعوى خمسة عشر يومًا وانصرمت، والحالف قد غاب عن قرطبة مع زوجه إلى بياسة، وشاور في ذلك كله الوزير صاحب الأحكام بقرطبة محمد بن الليث بن حريش.
فأجاب أبو عبد الله بن عتاب: إذا ثبت عندك ما ذكرت وأعذرت حسبما وصفت، فالقض ... اء بإنفاذ ما شهد به عليه واجب، وإلْزاه الطلاق بالثلاث نافذ عليه، وعتق من يملك من العبيد، ويأمره يريد إذا حضر من غير أن يقضي عليه بالصدقة بثلث ماله والمشي إلى بيت الله في حج أو عمرة وكفارة يمين بالله تعالى، وهو مخير في عتق رقبة فيها أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو بالصيام، يريد إن لم يجب (1)، ويجب الإعذار إلى الزوجة إن أمكنك ذلك، وإن تعذر أنفذ نظرك وأرجأت لها الحجة على مذهب من يرى من أصحابنا أنه لا تقطع حجة غائب، ومن يرى منهم أنه لا ترجى له حجة لم يرجئها لها، فأنفذ من ذلك ما تعتقده، وقيده من نظرك موفقًا إلى الصواب إن شاء الله عَزَّ وَجَلَّ، وتأمر الزوجة بالعدة بعد إنفاذ القضاء، هذا الواجب فيه، والله أعلم بحقيقة الصواب فيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأجاب أبو عمر بن القطان: قرأت ما خاطبتنا به وما أدرجته وذكرت في خطابك أن الشهود زكوا عندك وأنك أعذرت فيما ثبت عندك إلى الحالف ولم يذكر فيمن أعذرت، والإعذار في المزكي والمزكي واجب إذا كانت التزكية في الظاهر بقوم معروفين، وإن كان الأمر كذلك وأعذرت في جميعه فأنفذ الحكم عليه بالطلاق والعتق إن كان له من يعتق عليه، وإن كنت لم تعذر في المزكين وكانوا معروفين ولم يكن تعديلهم عندك لكشف لدد من كشف عنهم فأعْذِرْ إليهم، فبذلك يتم الحكم على هذا الحالف إن شاء الله تعالى.
[81/4]
[82/4]
__________
(1) كذا في النسخ، ولعله تحريف لعبارة: « إن لم يجد ».
(1/91)
________________________________________