الكتاب: أبكار الأفكار في أصول الدين
المؤلف: علي بن محمد بن سالم التغلبي، أبو الحسن، سيف الدين الآمدي (المتوفى: 631 هـ)
تحقيق: أ. د. أحمد محمد المهدي
عدد الأجزاء: 5
الناشر: دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة
الطبعة: الثانية / 1424 هـ -2004 م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
أعده للشاملة: //محمود الجيزي - عفا الله عنه//
ملاحظة: [هذا الكتاب من كتب المستودع بموقع المكتبة الشاملة]
سلمنا أن ذلك يكون عزلا له؛ ولكن متى يكون منفرا عنه، إذا كان قد زال عنه بالعزل حالة توجب نقصه فى الأعين «1»، أو إذا لم يكن؟ الأول: مسلم والثانى: ممنوع، فلم قلتم بأن ذلك مما يوجب نقصه فى الأعين.
وبيان عدم نقصه: هو أن هارون كان شريكا لموسى فى النّبوّة، وحال المستخلف دون حال الشريك فى نظر النّاس؛ فإذن الاستخلاف حالة منقصة بالنظر إلى حال الشركة، وزوال المنقص؛ لا يكون موجبا للتنقيص.
سلمنا لزوم النقص من ذلك؛ لكن إذا لزم منه العود إلى حالة هى أعلى من حالة الاستخلاف، أو إذا لم يعد؟.
الأول: ممنوع، والثانى: مسلم؛ فلم قلتم أنه لم يعد إلى حالة هى أعلى.
وبيان ذلك: أنه وإن عزل عن الاستخلاف، فقد صار بعد العزل، مستقلا بالرسالة، والتصرف عن اللّه- تعالى- لا عن موسى؛ وذلك أشرف من استخلافه عن موسى.
قولهم: إن من جملة منازل هارون بالنسبة إلى موسى أنه كان شريكا له فى النبوة.
قلنا: فيلزم من ذلك أن يكون عليّ شريكا أيضا فى النّبوة؛ وهو محال.
قولهم: من أحكام الشريك فى النّبوة أنه مفترض الطاعة مطلقا، ولا يلزم من مخالفة ذلك فى النّبوة؛ مخالفته فى افتراض طاعته بتقدير بقائه بعد النبي- عليه الصلاة والسلام.
قلنا: افتراض طاعة هارون: إما أنه كان بمقتضى النّبوة [أو لا بمقتضى النبوة] «2»، فإن كان لا بمقتضى/ [النبوة؛ فهو خلاف الفرض. وإن كان بمقتضى النبوة؛ فيلزم من إثبات مثل ذلك لعلىّ أن يكون نبيا؛ وهو محال. وإن أثبتنا وجوب طاعته لا بمقتضى] «3» النبوة؛ بل بمقتضى الخلافة، فقوله: «أنت منى بمنزلة هارون من موسى» لا يكون صحيحا «4».
________________
(1) قارن بما أورده الآمدي بما ذكره القاضى فى المغنى 20/ 172.
(2) ساقط من «أ».
(3) ساقط من «أ».
(4) قارن بما ورد فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل 20/ 167 وما بعدها.
(5/187)
________________________________________
وقوله عليه السلام: «سلموا على عليّ بإمرة المؤمنين» «1»، وقوله: «أنت أخى، ووصيى، وخليفتى، من بعدى» «2»، فأخبار آحاد لا يمكن الاحتجاج بها فى مثل هذا الباب؛ لما تقدم.
وكذلك الاحتجاج بقولهم إنه استخلفه على المدينة فى حال حياته، كيف وأن قوله: «سلموا على عليّ بإمرة المؤمنين» لتأميره عليهم فى قصة فتح خيبر. وقوله: «أنت أخى»؛ فدال على الفضيلة لا على الأفضلية «3».
وقوله: «و وصيى، وخليفتى من بعدى» يحتمل أنه أراد به الوصية والخلافة على المدينة؛ ويحتمل ذلك فى قضاء دينه وانجاز موعده، ومع تطرق هذه الاحتمالات فلا قطع.
وأما استخلافه فى حياته على المدينة؛ فليس فيه ما يدل على بقائه خليفة بعد وفاته «4»؛ لما سبق فى قصة موسى وهارون.
واذا ثبت بما قررناه إلى هنا وجوب ثبوت الإمامة بالاختيار دون التنصيص؛ فذلك ممّا لا يفتقر إلى الإجماع من كل أهل الحل، والعقد؛ فإنه ممّا لم يقم عليه دليل عقلى، ولا سمع نقلى؛ بل الواحد، أو الاثنين من أهل الحل والعقد كاف فى ذلك، ووجوب الطاعة، والانقياد للإمام المختار «5»، وذلك لعلمنا بأن السلف من الصحابة رضوان اللّه عليهم- مع ما كانوا عليه من الصلابة فى الدين، والمحافظة على أمور الدين- اكتفوا فى عقد الإمامة بالواحد، والاثنين من أهل الحل، والعقد: كعقد عمر لأبى بكر «6»، وعبد الرحمن بن عوف، لعثمان، ولم يشترطوا إجماع من فى المدينة من أهل الحل، والعقد، فضلا عن إجماع من عداهم من أهل الأمصار، وعلماء الأقطار، وكانوا على ذلك من المتفقين، وله مجوّزين من غير مخالف، ولا نكير؛ وعلى هذا انطوت الأعصار فى عقد الإمامة إلى وقتنا هذا «7».
________________
(1) سبق تخريجه فى ه ل 273/ ب.
(2) سبق تخريجه فى ه ل 270/ أ.
(3) قارن بما ورد فى التمهيد ص 175 وما بعدها.
(4) قارن بما ورد فى التمهيد ص 175، والأربعين للرازى ص 464.
(5) قارن بما ورد فى غاية المرام ص 381، وشرح المواقف- الموقف السادس ص 392.
(6) قارن بما ورد فى غاية المرام ص 381، وشرح المواقف- الموقف السادس ص 392.
(7) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ذكره فى غاية المرام ص 381 وانظر التمهيد ص 178 وما بعدها، وشرح المواقف- الموقف السادس ص 293.
(5/188)
________________________________________
قال بعض الأصحاب «1»: والواجب أن يكون ذلك بمحضر من الشهود؛ وبيّنة عادلة؛ كفا للخصام، ووقوع الخلاف بين الناس، بادعاء مدع عقد الإمامة له سرا متقدما على عقد من كان له العقد جهرا؛ وهذا لا محالة واقع فى محل الاجتهاد «2».
وعلى هذا فلو اتفق عقد الإمامة لأكثر من واحد فى «11» // بلدان [متعددة] «3»، أو فى بلد واحد، من غير أن يشعر كل فريق من العاقدين بعقد الفريق الآخر، فالواجب أن يتصفح العقود، فما كان منها متقدما؛ وجب إقراره، وأمر الباقون بالنزول عن الأمر، فإن أجابوا وإلّا قوتلوا، وكانوا من الخوارج البغاة. وإن لم يعلم السابق؛ وجب إبطال الجميع، واستئناف عقد لمن يقع عليه الاختيار، ممّن هو أهل للإمامة؛ وذلك كما إذا زوّج كل واحد من الوليين، موليته من شخص، وجهل العقد/ السابق منهما «4».
ولا خلاف فى أنه لا يجوز عقد الإمامة لشخصين، فى صقع واحد متضايق الأقطار، متقارب الأمصار، لما فيه من الضّرار، ووقوع الفتن، والشّحناء.
وأما إن تباعدت الأمصار، بحيث لا يستقل الإمام الواحد بتدبيرها، والنظر فى أحوالها؛ فقد قال بعض الأصحاب «5»، إن إمامة إمامين فى محل الاجتهاد «6».
وكما أن للمسلمين نصب الإمام بالاختيار؛ فلهم خلعه، وأن يتولّوا عزله، إذا وجد منه ما يوجب عزله من اختلال أمور الدين، وأحوال المسلمين، وما لأجله يقام الإمام «7».
________________
(1) لعله يقصد الباقلانى فى التمهيد ص 179، والجوينى فى الإرشاد ص 239.
(2) قارن بغاية المرام ص 382، وشرح المواقف- الموقف السادس ص 293.
(11) // أول ل 163/ ب من النسخة ب.
(3) ساقط من أ.
(4) قارن بغاية المرام ص 382، والتمهيد للباقلانى ص 180، والإرشاد ص 239 وشرح المواقف- الموقف السادس ص 293.
(5) لعله يقصد الأشعرى، والجوينى، والأسفرايينى انظر رأيهم كما أورده بالتفصيل الجوينى فى الإرشاد ص 239، قارن بأصول الدين ص 274.
(6) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص 382، وبما ورد فى المغنى 20/ 243 وما بعدها. والإرشاد للجوينى ص 239 وما بعدها.
(7) قارن فى جواز عزل الإمام بنهاية الإقدام ص 496، والمواقف ص 400، وشرح المواقف- الموقف السادس ص 293.
(5/189)
________________________________________
وإن لم يقدروا على خلعه، وإقامة غيره، لقوّة شوكته، وعظم مراسه وكان ذلك ممّا يفضى إلى فساد العالم؛ وهلاك النفوس، وكانت المفسدة فى مقابلة عزله، أعظم من المفسدة فى طاعته، فالأولى التزام أدنى المحذورين، ودفع اعلاهما «1».
________________
(1) قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما ذكره فى غاية المرام ص 385 وما بعدها وانظر المغنى 20/ 2/ 57، وشرح المواقف- الموقف السادس ص 293.
(5/190)
________________________________________
الفصل الثالث فى شروط الإمام «1»
وهى منقسمة إلى متفق عليها، ومختلف فيها.
أما الشّروط المتّفق عليها فثمانية شروط:-
الأول: أن يكون مجتهدا فى الأحكام الشّرعية،
بحيث يستقلّ بالفتوى فى النوازل، وإثبات أحكام الوقائع، نصا، واستنباطا؛ لأنّ من أكبر مقاصد الإمامة فصل الخصومات، ودفع المخاصمات، ولن يتمّ ذلك دون هذا الشّرط، ولا يمكن أن يقال باكتفائه بمراجعة الغير فى ذلك؛ إذ هو خلاف الإجماع.
الثانى: أن يكون بصيرا بأمور الحرب، وترتيب الجيوش، وحفظ الثغور،
قادرا على ملابسة ذلك بنفسه؛ اذ به يتم حفظ بيضة الإسلام وحماية حوزتهم، ولهذا روى عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه وقف بعد انهزام المسلمين كلهم فى الصف وقال مرتجزا:
«أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» «2» حتى عاد المسلمون إليه.
الثالث: أن يكون له من قوة البأس، وعظم المراس،
ما لا تهوله إقامة الحدود، وضرب الرقاب، وانصاف المظلومين من الظّالمين- من غير فظاظة- كما وصف اللّه تعالى الصحابة بقوله تعالى: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ «3».
________________
(1) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا: انظر التمهيد للباقلانى ص 151 وما بعدها، والفصل لابن حزم 4/ 89 وما بعدها، والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل 20/ 208 وما بعدها.
وشرح الأصول الخمسة ص 751 وما بعدها.
وأصول الدين للبغدادى ص 275 وما بعدها، والإرشاد لامام الحرمين الجوينى 426 وما بعدها، ونهاية الأقدام للشهرستانى ص 495 وما بعدها والاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى ص 215 وما بعدها. وغاية المرام ص 383 وما بعدها وشرح المواقف- الموقف السادس ص 285 وما بعدها. وشرح المقاصد للتفتازانى 2/ 203 وما بعدها.
(2) ورد فى صحيح البخارى 4/ 37، وصحيح مسلم 5/ 168 وما بعدها. ومسند الامام أحمد 4/ 280 وما بعدها.
كما ورد فى سيرة ابن هشام 4/ 64، وتاريخ الطبرى 3/ 76.
(3) سورة الفتح 48/ 29.
(5/191)
________________________________________
الرابع: أن يكون عاقلا، مسلما، عدلا، ثقة، ورعا فى الظّاهر
حتى يوثق بأخباره وبما يصدر عنه من أفعاله، ولأنّه أحفظ لمال بيت المال، وصرفه فى مصارفه.
الخامس: أن يكون بالغا؛
لأنّه يكون أكمل عقلا، وهيبة، وتجربة، ونظرا.
السادس: أن يكون ذكرا؛
لأنّ الظاهر من الأنوثة النّقص فيما ذكرناه من الصفات.
السابع: أن يكون حرا؛
لأن الحرية مظنة فراغ البال عن الاشتغال بخدمة الغير، واستغراق الزمان بها، ولأن العبودية مظنة استحقار الناس له، والأنفة من الدخول تحت حكمه/
الثامن: أن يكون مطاع الأمر نافذ الحكم فى محل ولايته،
مقتدرا على زجر من خرج عن طاعته.
فإن قيل: فيلزم على هذا خروج عثمان عن الإمامة حالة ما حوصر فى داره؛ حيث لم يكن قادرا على زجر من خرج عن طاعته.
قلنا: لا نسلم أنه لم يكن قادرا؛ بل كان أمره نافذا شرقا، وغربا ولا سيّما فى الشام، غير أنه هاش عليه قوم من الرعاع، وأوباش الناس، وقصد فى ذلك تسكين الفتنة، وأخذ الأمر باللّين، ولم يعلم ما يؤول الأمر إليه.
وأما الشروط المختلف فيها فستة:-
الأول: القرشية «1»،
وقد اختلف الناس فيها.
فذهب أصحابنا، والجبائى، وابنه والشيعة وجميع أهل السنة والجماعة: إلى أنه لا بد وأن يكون الإمام قرشيا.
________________
(1) حدث خلاف فى هذا الشرط ومن أكبر المخالفين الخوارج وبعض المعتزلة، ولمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ذكره الآمدي هاهنا.
انظر مقالات الاسلاميين ص 461 وما بعدها. والتمهيد للباقلانى ص 81، 182 والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل 20/ 234 وما بعدها. وأصول الدين للبغدادي ص 275 وما بعدها. والفصل لابن جزم 4/ 89 وما بعدها، والإرشاد للجوينى ص 240، والاقتصاد للغزالى ص 215. وغاية المرام ص 383 وما بعدها. وشرح المواقف- الموقف السادس ص 287. وقد ورد بهامش شرح المواقف: قوله (أن يكون قرشيا) «الحكمة أنهم أشرف الناس نسبا وحسبا.
وشرائط الرئاسة فيهم: كالكرم، والشجاعة، والهيبة فى نفوس العرب. ولم يكن فى غيرهم ما كان منهم».
(5/192)
________________________________________
وذهبت الخوارج و [بعض] «1» المعتزلة إلى أنه لا يشترط فيه أن يكون قرشيا.
وقد احتجّ أصحابنا، ومن تابعهم على ذلك بإجماع الصحابة، حتى قال الأنصار يوم السقيفة للمهاجرين: «منّا أمير، ومنكم أمير» فمنعهم أبو بكر من ذلك حيث لم يكونوا قرشيين، وادعى أن القرشية شرط فى الإمامة، محتجا على ذلك بقوله عليه السلام:
«الأئمة من قريش» «2»، وبقوله: «قدّموا قريشا ولا تتقدموها» «3» وبقوله: «إنما الناس تبع لقريش؛ فبر الناس «11» // تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم» «4».
وتلقت الأمة ذلك بالقبول، وأجمعوا على اشتراط القرشية، ولم يوجد له نكير؛ فصار إجماعا مقطوعا به، ولو لا انعقاد الإجماع على ذلك لكان هذا الشرط فى محل الاجتهاد، نظرا إلى أن الأخبار فى ذلك أخبار آحاد لا تفيد اليقين، مع إمكان تأويلها.
أما قوله: «الأئمة من قريش» فلأنه يحتمل أنه أراد به العلماء.
وقوله: «الناس تبع لقريش» فيحتمل أنه أراد بذلك أنهم تبع لهم فى الدين والعلم؛ لأن منشأ الدين، والعلم من قريش.
وقوله: «قدموا قريشا ولا تتقدموها» يحتمل أنه أراد بذلك التقديم فى الفضيلة، والشرف، بسبب النسب من رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
احتجّ الخصوم بالاجماع، والسنة، والمعقول.
أما الإجماع: فهو أن عمر قال فى وقت الشورى عن سالم «5» مولى أبى حذيفة: «لو كان حيا لما تخالجنى فيه شك» «6» ولم ينكر منكر؛ فكان إجماعا.
________________
(1) ساقط من (أ).
(2) الحديث أخرجه الإمام أحمد فى مسنده 3/ 129 عن أنس بن مالك، 4/ 421 عن أبى برزة الأسلمي ونصه «الأئمة من قريش، إذا استرحموا رحموا، وإذا عاهدوا أوفوا، وإذا حكموا عدلوا؛ فمن لم يفعل ذلك منهم؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
(3) أخرجه السيوطى فى الجامع الصغير 2/ 86.
(11) // أول ل 164/ أ.
(4) ورد فى صحيح البخارى 4/ 217، وصحيح مسلم 6/ 2، ومسند الإمام أحمد 1/ 101 بألفاظ مختلفة.
(5) سالم مولى أبى حذيفة: هو سالم بن عتبة بن ربيعة كان مولى لبثينة الأنصارية لذا فإنه يذكر فى الانصار كما يذكر فى المهاجرين لموالاته لأبى حذيفة. استشهد باليمامة سنه 12 ه (طبقات ابن سعد 3/ 84 وما بعدها، الاستيعاب 2/ 561).
(6) عن هذا القول من الإمام عمر، وموقفه من سالم قارن ما ورد هنا بما ذكره صاحب التمهيد القاضى الباقلانى ص 182 والشهرستانى فى نهاية الاقدام ص 481. وبما ذكره القاضى عبد الجبار فى المغنى 20/ 235 وما بعدها.
(5/193)
________________________________________
وأما السنة: فقوله- عليه الصلاة والسلام-: «أطعه ولو ضرب بطنك، أطعه ولو ضرب ظهرك، أطعه ولو كان عبدا حبشيا» «1». وظاهر ذلك يدل على نفى اعتبار القرشية.
وأما المعقول: فهو أن المقصود من الإمام، إقامة السياسة، والذبّ عن دار الإسلام، وحماية حوزتهم، والقيام بالقوانين الشرعية، كما تقدم؛ وذلك يحصل بما سبق من الشروط؛ فلا حاجة إلى النسب.
والجواب: لا نسلم وجود الإجماع على إسقاط اعتبار القرشية، والرواية عن عمر مختلفة «2»، فقد قيل أنه قال: «لو كان سالم فى الأحياء لما شككت أنى كنت أشاوره» وبتقدير أن تكون الرواية على ما ذكروه/ فقد قيل إنه كان قرشيا «3».
وبتقدير أن لا يكون قرشيا، فلم يصرح عمر بصلاحيته للإمامة، فلعله أراد بذلك أنه ما كان يرتاب فيمن يعينه للإمامة، أو معنى آخر، ويجب الحمل على ذلك نفيا للتعارض بينه، وبين الإجماع السابق على اشتراط القرشية.
وقوله- صلى الله عليه وسلم- «أطعه ولو ضرب بطنك، أطعه ... الحديث، فمن باب الآحاد «4»؛ فلا يقع فى مقابلة الإجماع المتواتر المعلوم وقوعه ضرورة، وبتقدير القطع بسنده؛ فليس فيه ما يدل على أنه أراد به الإمام؛ بل يحتمل أنه أراد به السلطان، وليس كل سلطان إماما، وإن كان كل [إمام] «5» سلطانا، ويجب الحمل أيضا على ذلك دفعا للمعارضة بينه، وبين الإجماع السابق.
وأما المعقول: فلا يقع فى مقابلة الإجماع المقطوع به. كيف وأنه يحتمل أن يكون للقرشية زيادة تأثير فى حصول مقاصد الإمامة بسبب غلبة انقياد الناس للقرشى؛ لعلو نسبه من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، على ما جرت به العوائد من زيادة الانقياد للعظماء وبدون القرشية؛ فلا تحصل تلك الزوائد من المقاصد «6».
________________
(1) ورد بألفاظ مختلفة فى صحيح البخارى 8/ 78، ومسند الإمام أحمد 4/ 126 وما بعدها، 5/ 179.
(2) قارن بما ورد فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل 20/ 236.
(3) قارن هذا الرد بما ورد فى نهاية الأقدام ص 491، وغاية المرام ص 384.
(4) قارن هذا الردّ بما أورده القاضى عبد الجبار فى المغنى 20/ 204.
(5) ساقط من أ.
(6) قارن هذا الرد بما ذكره صاحب المغنى 20/ 235، وانظر مقدمة ابن خلدون ص 195 وما بعدها.
(5/194)
________________________________________
الشرط الثانى: كون الإمام هاشميا:
مذهب أكثر الناس أن الهاشمية ليست شرطا، خلافا لطوائف الشيعة؛ فإنهم جعلوا الهاشمية شرطا؛ وهو باطل لمخالفة ذلك ظواهر الإطلاق من النصوص السابق ذكرها، وللإجماع على صحة إمامة أبى بكر، وعمر، [و عثمان] «1» ولم يكونوا هاشميين «2».
الشرط الثالث: أن يكون الإمام عالما بجميع مسائل الدين.
وقد اتفق الأكثرون على أن ذلك ليس بشرط؛ خلافا للإمامية.
والحق فى ذلك إنما هو التفصيل، وهو أنهم إن أرادوا بقولهم: أنه يجب أن يكون عالما بجميع المسائل الشرعية، أن يكون أهلا للعلم بها بطريق الاجتهاد عند وقوعها، ومعرفتها من النص، والإجماع، والاستنباط؛ فذلك ممّا لا خلاف فيه كما سبق.
وإن أرادوا، [أنه] «3» يجب أن يكون عالما بجميع ذلك حقيقة، وأن يكون العلم عنده بحكم كل واقعة يمكن وقوعها حاضرا عتيدا بحيث لا يحتاج معه إلى النظر والاستدلال؛ فهو باطل من جهة الإجماع، والمعقول، [و الإلزام] «4».
أما الإجماع: فهو أن الأمة اتفقت على صحة إمامة أبى بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، ولم يكونوا بهذه المثابة «5»، حتى أن الواحد منهم كان عند وقوع الواقعة يسأل عن الأخبار، والنصوص الواردة فى ذلك، ويبحث عن أدلتها كبحث غيره من المجتهدين، وأنه قد كان يرى الرأى فى حكم الواقعة، ثم يرجع عنه.
وأما المعقول: فهو أن المسائل الشرعية، وأحكام الوقائع الجزئية، غير متناهية، ولا يخفى امتناع «11» // حصول العلم بما لا يتناهى على التفصيل لأحد من المخلوقين.
________________
(1) ساقط من (أ).
(2) اشترط الهاشمية جميع فرق الشيعة الذين أجمعوا على أن الإمامة فى الإمام على- رضى الله عنه- وأبنائه، كما اشترطها فرقة الراوندية الذين جعلوا الإمامة فى نسل العباس بن عبد المطلب- رضى الله عنه-. وهذا الشرط مخالف للإجماع. فقد أجمعت الأمة على إمامة أبى بكر، وعمر، وعثمان- رضى الله عنهم- وهم ليسوا هاشمين.
(3) ساقط من أ.
(4) ساقط من أ.
(5) عن هذا الشرط. وهو أن يكون عالما بجميع مسائل الدين. فقد اتفقت الأمة على إمامة أبى بكر، وعمر، وعثمان- رضى الله عنهم- ولم يتحقق فيهم هذا الشرط.
قارن بما ورد عن هذا الشرط: التمهيد للباقلانى ص 184 وما بعدها. والمغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 103 وما بعدها. ونهاية الأقدام للشهرستانى ص 489 وما بعدها. وغاية المرام للآمدى ص 384 وما بعدها. وشرح المواقف- الموقف السادس ص 288.
(11) // أول ل 164/ ب.
(5/195)
________________________________________
وأما الإلزام: فهو أنه لو اشترط ذلك فى الإمام، لاشترط فى القضاة والولاة؛ فإنه لا يلى بنفسه أكثر ممّا يليه خلفاؤه/ من القضاة والولاة «1».
فإن قيل: الإمام إنّما نصب لفصل المنازعات، والمحاكمات، والقيام بأحكام الشرع، فإذا لم يكن عالما [بجميع] «2» الأحكام الشرعية، كان نصبه ممتنعا من ثلاثة أوجه:
الأول: أن نصبه يكون قبيحا عرفا، فإنّ إقامة الإنسان للقيام بما لا يعرفه، والنهوض فيما لا أنسة له به، ممّا لا يستحسنه العقلاء.
الثانى: أنه إذا وقعت واقعة، وهو لا يعرف حكمها، فأمكن أن لا يؤديه اجتهاده إلى معرفة حكمها.
وعند ذلك فيفضى إلى خلو الواقعة عن الحكم، مع دعو الحاجة إليه، أو أن يتكلف الحكم بما لا يعرفه، وكل ذلك ممتنع.
الثالث: هو أنّه لو ساوى الأمة فى المعرفة، والجهالة، فإنّ ذلك يكون منفرا عن اتباعه، ومانعا من الانقياد إليه.
والجواب عن الأول: متى يكون نصبه قبيحا إذا كان أهلا للاجتهاد فى تحصيل الأحكام، أو إذا لم يكن؟. الأول: ممنوع. والثانى: مسلم، والعادة دالة على ذلك فى كل أمر يستناب فى تحصيله.
وعن الثانى: أنه وإن تعذر عليه الاجتهاد فى تحصيل حكم الواقعة؛ فلا نسلم إفضاء ذلك إلى خلو الواقعة عن الحكم؛ بل له تفويض الأمر فيها إلى غيره من المجتهدين. وبتقدير أن لا يفضى اجتهاده أيضا إلى حكمها، فالحكم فيها البقاء على النفى الأصلي، ولا امتناع فيه.
وعن الثالث: أنه وإن ساوى غيره من المجتهدين فى المعرفة، والجهالة؛ فلا يكون ذلك موجبا للتنفير عنه؛ لاختصاصه بما لا وجود له فى حقهم من باقى شروط الإمامة «3».
________________
(1) عن هذا الإلزام راجع ما ذكره القاضى فى التمهيد ص 184. وقارن بما ذكره صاحب المغنى 20/ 210 وما بعدها.
(2) ساقط من أ.
(3) للرد على الشبه التى ذكرها الخصوم قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما ذكره صاحب المغنى 20/ 104 وما بعدها.
فقد ذكر شبه الخصوم ورد عليها بالتفصيل. وقارن ما ورد فى الاقتصاد فى الاعتقاد للإمام الغزالى ص 216.
(5/196)
________________________________________
الشرط الرابع: كون الإمام أفضل من الرعية.
وقد اختلف فى جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل.
فجوّزه أكثر أصحابنا.
ومنع منه الإمامية.
وفصل القاضى أبو بكر وقال: إن كان العقد للمفضول، لا يؤدى إلى هرج، وفساد، جاز. وإلّا «1»؛ فلا.
احتج من قال [بالجواز] «2» بثلاثة أمور: الأول: أن الإمامة منصب من المناصب الدّينيّة، كما فى الإمامة فى الصلاة، فلو امتنع إقامة الإمام المفضول، مع وجود الفاضل؛ لكان ذلك بناء على قبح تقدم الأدنى، على الأعلى، والنفرة المانعة من المتابعة، ويلزم من ذلك امتناع تقدم المفضول على الفاضل فى الصّلاة؛ وهو خلاف الإجماع.
الأمر الثانى: أنه لو لم يوجد من أهل الإمامة إلّا شخصان، أحدهما أفقه، والآخر أعرف بالسّياسة، وأمور الإمامة، فإما أن يقال بتوليتهما، أو لا بتولية واحد منهما، أو بتولية أحدهما، دون الآخر.
الأول: [محال] «3» مخالف للإجماع.
والثانى: أيضا محال؛ لامتناع خلو الزمان عن الإمام.
فلم يبق إلّا الثّالث، وأيّهما قدّم فهو مفضول بالنسبة إلى ما اختص به الآخر عنه، إما بزيادة معرفة الفقه، أو/ السياسة؛ وهو المطلوب.
الثالث: أنه ما من عصر من أعصار التّابعين، وتابعى التّابعين إلى عصرنا هذا، إلّا والأمة مجمعة على صحة إمامة كل من تولّى من الأئمة، وإن كان مفضولا بالنسبة إلى غيره مهما وجد فيه أصول الشروط المعتبرة فى الإمامة، وهى ما سبق ذكرها؛ فدل [على] «4» أن ذلك ليس بشرط.
________________
(1) جوز أكثر الأشاعرة ومن وافقهم جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل. انظر من مصادرهم: أصول الدين للبغدادى ص 188، والإرشاد للجوينى 242، والاقتصاد للغزالى ص 216 وما بعدها، والأربعين للرازى ص 460، وشرح المواقف- الموقف السادس ص 331 فقد خصص الإيجى: لهذا الموضوع المقصد السادس: فى إمامة المفضول مع وجود الفاضل.
(2) ساقط من أ.
(3) ساقط من أ.
(4) ساقط من أ.
(5/197)
________________________________________
وبهذا يبطل قول من اشترط الأفضلية بناء على أنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح، ولما فيه من فوات كمال المصلحة الحاصلة بنظر الأفضل، وحسن تدبيره على المسلمين.
كيف وأن تولية المفضول إنّما يعد قبيحا عند ما إذا لم يرض به؛ بل بالأفضل.
وأمّا بتقدير رضى العامة، والأتباع به دون الفاضل: كرضاهم بتولية ولد من مات من الملوك، ومن أصله عريق فى الملك؛ فإنه لا يعد قبيحا فى نظر أهل العرف، وإن كان فى الرعيّة من هو أفضل منه بأضعاف مضاعفة.
وإنما كان كذلك لأن حصول مصلحة الرعية بتقدير رضاهم بالمفضول، وطاعتهم له، يكون أقرب من حصول مصلحتهم بتولية الأفضل بتقدير نفرتهم عنه، وعدم طاعتهم له «1».
الشّرط الخامس: اشترطت الغلاة «2» من الشيعة، أن يكون الإمام صاحب معجزات،
وأن يكون عالما بالغيب، وجميع اللغات، والحرف، والصّناعات، وطبائع الأشياء، وعجائب ما فى «11» // الأرض، والسّماوات.
وهو مع أنه لا دليل عليه، باطل بالإجماع على عقد الإمامة لمن عرّى من هذه الصّفات فى عصر الصّحابة والتّابعين، ومن بعدهم إلى وقتنا هذا.
الشّرط السّادس: العصمة.
مذهب أهل السنة والجماعة أنه ليس من شرط الإمام كونه معصوما «3» ووافقهم على ذلك المعتزلة، والخوارج، والزيدية «4».
وذهبت الإمامية، وأكثر طوائف الشّيعة إلى أنه لا بدّ وأن يكون معصوما.
________________
(1) قارن هذا الردّ بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص 184، والمغنى 20/ 299 وما بعدها، وأصول الدين للبغدادى ص 293 وما بعدها. والارشاد للجوينى ص 242 وشرح المواقف- الموقف السادس ص 288.
(2) انظر عن غلاة الشيعة ما مر في القاعدة السابعة- الفصل الرابع من ل 247/ أ. وما بعدها والغلاة ثمانى عشرة فرقة- وهم يقولون بنبوّة الإمام، ومنهم من يقول بإلهيته، وهم كفار خارجون عن الاسلام.
(11) // أول ل 165/ أ من النسخة ب.
(3) ليس من شرط الامام أن يكون معصوما وقد وضح ذلك أهل السنة والجماعة. انظر من كتبهم: التمهيد للباقلانى ص 184 وما بعدها، وأصول الدين للبغدادى ص 277 وما بعدها، والإرشاد لإمام الحرمين الجوينى ص 244 ونهاية الأقدام للشهرستانى ص 490 وما بعدها. وغاية المرام للآمدى ص 384 وما بعدها. وشرح المواقف- الموقف السادس ص 288 وما بعدها.
(4) انظر عن آراء المعتزلة فى هذا الشرط بالتفصيل ما سبق فى الفصل الرابع من القاعدة السابعة ل 144/ أ وما يأتى بعدها وانظر عن رأى الخوارج فى هذا الشرط بالتفصيل ما سبق فى الفصل الرابع من القاعدة السابعة ل 252/ أ وما يأتى بعدها وأنظر عن رأى الزّيدية فى هذا الشّرط ما سبق فى الفصل الرابع من القاعدة السابعة ل 251/ أ وما يأتى بعدها.
(5/198)
________________________________________
احتج أهل الحق بالإجماع، والإلزام.
أما الإجماع:
فهو أنّ الأمة [من السلف] «1» أجمعت على صحة إمامة أبى بكر، وعمر، وعثمان، مع إجماعهم على أن العصمة لم تكن واجبة لهم.
وأما الإلزام: فمن خمسة أوجه:-
[الإلزام الأول: فمن خمسة أوجه وهو خاص بالإمام على رضي اللّه عنه]
الأول: هو أن عليا كان إماما حقا، بالإجماع منّا، ومن الخصوم، وقد وجد منه ما يدل على عدم عصمته، وبيانه من سبعة أوجه:-
الأول: هو أنه كان منصوصا على إمامته عندهم، وأن غيره ليس إماما، فعند تولية غيره: إما أن يقال بأنه كان قادرا على المنازعة، والدفع، والقيام بما أوجبه الله- تعالى- عليه من أمور الإمامة، أو ما كان قادرا.
فإن كان الأول: فقد ترك واجبا لا يجوز تركه.
وإن كان الثانى: فكان من الواجب أن يجتهد فى ذلك، ويبدى النكير، ويبلى عذرا بقدر الإمكان على ما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» «2» ولم يوجد منه شيء من ذلك مع أنه لم يوجد منه النكير «3» فإنه بايعهم، ودخل فى آرائهم، واقتدى بهم/ فى الصّلاة، وأخذ عطيتهم، ونكح سبيهم، وهى الحنفية «4» أم ولده محمد، وأنكح عمر ابنته أم كلثوم الكبرى «5»، ورضى بالدّخول فى الشّورى المبنية عندهم على غير التقوى.
الثّاني: أنهم نقلوا عنه- عليه السلام- مذاهب، وأقوالا فى الشريعة مخالفة لأقوال غيره من الفقهاء، غير معروفة لهم: وهى إما أن تكون حقا، أو باطلا.
________________
(1) ساقط من (أ).
(2) وتمام الحديث كما ورد فى مسند الإمام أحمد 2/ 313 وما بعدها «قال- رسول الله صلى الله عليه وسلم- ذرونى ما تركتكم فإنما أهلك الذين قبلكم بسؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فائتمروا ما استطعتم».
(3) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص 176 والإرشاد للجوينى ص 241.
(4) الحنفية: هى خولة بنت جعفر بن قيس من بنى حنيفة زوجة الإمام على بن أبى الطالب كرم الله وجهه وأم ولده محمد بن على رضى الله عنهما.
(5) هى السيدة أم كلثوم- رضى الله عنها- بنت الإمام عليّ- رضى الله عنه- والسيدة فاطمة- رضى الله عنها- تزوجها الإمام عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- وولدت له زيدا، ورقية. (طبقات ابن سعد 8/ 463، أسد الغابة 6/ 987).
(5/199)
________________________________________
فإن كانت حقا: فكان من الواجب تنبيههم عليها، ولم يوجد منه شيء من ذلك.
وإن كان الثانى: فقد أخطأ، وعلى كلا التقديرين؛ فلا يكون معصوما.
الثالث: أنه حكّم أبا موسى الأشعرى «1»، وعمرو بن العاص «2»، وهما عدوّان فاسقان عندكم، وتحكيمه تمكين للأعداء الفسّاق من خلعه، والتشكيك فى إمامته وذلك معصية؛ لأن خلع الإمام المنصوص معصية، والتمكين من المعصية معصية ولهذا نقل عنه- عليه السلام- أنه كان يقول بعد التحكيم.
لقد عثرت عثرة لا أنجبر ... سوف أكيس بعدها وأستمر
وأجمع الرأى الشتيت المنتشر «3»
وذلك منه يدل على أنّ التحكيم جرى على خلاف الصواب «4».
الرابع: هو أنه- عليه السلام- قتل المقاتلين له فى وقعة الجمل، ولم يجعل أموالهم فيئا، ومن مذهب الخصوم أن عليا كان يعتقد كفر مقاتليه، وارتدادهم.
وعند ذلك فلا يخلوا: إما أن يكونوا مرتدين فى نفس الأمر، أو لا يكونوا مرتدين.
فإن كان الأول: فمال المرتدين فىء بالإجماع، ولم يجعله فيئا.
وإن كان الثانى: فقد أخطأ فى اعتقاد ارتدادهم، وعلى كلا التقديرين يكون مخطئا. ولهذا قال له بعض أصحابه: «إن كان قتلهم حلالا؛ فغنيمتهم حلالا، وإن كانت غنيمتهم حراما؛ فقتلهم حراما» «5».
________________
(1) أبو موسى الأشعرى: عبد الله بن قيس بن سليم، أبو موسى، من بنى الأشعر من قحطان- ولد فى زبيد (باليمن) سنه 21 قبل الهجرة، وقدم مكة عند ظهور الاسلام؛ فاسلم، وهاجر إلى أرض الحبشة من الشجعان الولاة الفاتحين، وأحد الحكمين اللذين رضى بهما على ومعاوية بعد حرب صفين.
استعمله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على زبيد وعدن وولاه عمر البصرة سنه 17 ه فافتتح أصبهان والأهواز توفى بالكوفة سنه 44 ه. وكان أحسن الصحابة صوتا فى التلاوة روى 355 حديثا. (صفة الصفوة لابن الجوزى 1/ 209 - 211 (ترجمة رقم 60) وطبقات ابن سعد 4/ 79).
(2) عمرو بن العاص بن وائل السهمى، القرشى أبو عبد الله فاتح مصر، وأحد دهاة العرب وعظمائهم، أسلم فى هدنة الحديبية. ولد سنة 50 قبل الهجرة بمكة المكرمة وتوفى بالقاهرة سنة 43 ه ولاه النبي- صلى الله عليه وسلم- إمرة جيش (ذات السلاسل) ثم استعمله على عمان. كما كان من أمراء الجيوش فى الجهاد بالشام فى زمن عمر بن الخطاب. وولاه عمر فلسطين ومصر بعد أن أفتتحها كما كان من فصحاء العرب، له فى كتب الحديث 39 حديثا [تاريخ الاسلام الذهبى 2/ 235 - 240، الأعلام للزركلى 5/ 79].
(3) انظر العقد الفريد 5/ 107 وقارن بالتمهيد ص 185.
(4) قارن بما ورد فى التمهيد ص 185.
(5) انظر تاريخ الطبرى 4/ 541. حيث يبين أن المعترض على الإمام على لعدم تقسيمه الفيء هو: عباد بن قيس من بكر بن وائل.
(5/200)
________________________________________
الخامس: أن ابن جرموز «1» لما أتى إلى عليّ- رضى الله عنه- برأس الزبير «2» وقد قتله بوادى السباع «3»، وقال: الجائزة يا أمير المؤمنين، فقال له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول: «بشّر قاتل ابن صفية بالنار». وهو لا يخلو: إما أن يكون قتله حراما، أو لا يكون حراما.
فإن كان حراما: فالإنكار على فعل المحرم واجب لقوله عليه السلام: «من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه» «4»، وعليّ كان قادرا على الإنكار على ابن جرموز بيده، ولسانه، ولم ينقل عنه الإنكار؛ فكان تاركا للواجب.
وإن لم يكن حراما: فقد أخطأ فى اعتقاد استحقاق فاعل ما ليس بحرام النار، مع ما فيه من حمل كلام النبي على ما لا يليق.
السادس: أنه- رضي اللّه عنه- قال وقد رقى على منبر الكوفة فى حق أمهات الأولاد:
«اتفق رأيى، ورأى عمر، على أن لا يبعن، والآن فقد رأيت بيعهن»، فقام إليه عبيدة السّلمانى وقال: رأيك مع الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك، فقال: «إن السّلمانى لفقيه». وفى ذلك دلالة على أنه ليس بمعصوم؛ فإنه لا بدّ وأن يكون مصيبا فى إحدى الحالتين، ومخطئا فى الأخرى «5».
________________
(1) هو عمرو بن جرموز التميمى، قتل الزبير بن العوام- رضى الله عنه- بعد مغادرته أرض المعركة. وابن جرموز فى النار لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- «بشر قاتل بن صفية بالنار» ومن الغريب أن ابن جرموز قتل الزبير- رضى الله عنه- وهو يصلى وقتل الزبير وعمره خمس وسبعون سنة.
[انظر مروج الذهب 2/ 372 وما بعدها].
(2) الزبير بن العوام:- رضى الله عنه- بن خويلد الأسدى القرشى، أبو عبد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة، الصحابى الشجاع، أول من سل سيفه فى الاسلام- ولد بمكة سنة 28 قبل الهجرة.
وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسلمت وأسلم معها الزبير وهو صغير؛ فعذبه عمه لكى يترك الاسلام فلم يفعل وهاجر الهجرتين إلى أرض الحبشة، ولم يتخلف عن غزاة غزاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان من الستة الذين رشحهم عمر للخلافة بعده، قتله ابن جرموز غيلة يوم الجمل سنه 36 ه روى 38 حديثا.
[صفة الصفوة 1/ 128 - 130، والأعلام للزركلى 3/ 43].
(3) وادى السباع مكان يقع بين البصرة والكوفة على بعد خمسة أميال من البصرة (معجم البلدان 8/ 373).
(4) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده 3/ 20، ومسلم فى صحيحه 1/ 50.
(5) انظر ما ذكره الآمدي فى غاية المرام ص 385، وقارن بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص 185.
(5/201)
________________________________________
السابع: أنّه عليه السلام/ خطب بنت أبى جهل «1» بن هشام في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- فبلغ ذلك فاطمة؛ فشكته إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- «11» // فقام على المنبر وقال: «إن عليا قد آذانى، وخطب بنت أبى جهل بن هشام؛ ليجمع بينها، وبين بنتى فاطمة، ولن يستقيم الجمع بين بنت ولى اللّه، وبين بنت عدوه، أ ما علمتم معشر الناس أنّ من آذى فاطمة؛ فقد آذانى، ومن آذانى؛ فقد آذى الله تعالى» «2».
وذلك يدل على أنه [ليس] «3» بمعصوم.
الإلزام الثانى: [و هو خاص بالإمام الحسن رضي اللّه عنه]
أن الحسن «4» بن عليّ كان عندهم إماما منصوصا عليه، وقد صدر عنه ما يدل على عدم عصمته؛ وذلك أنه خلع نفسه من الإمامة، وسلمها إلى معاوية مع أنه كان فاسقا، فاجرا، غير مستحق للإمامة، وأظهر موالاته، وأخذ من عطائه، وأقرّ بإمامته مع كثرة أعوانه، وأنصاره، حتى عاتبوه فى ذلك، وسمّوه مذل المؤمنين؛ وذلك كله معصية ينافى العصمة.
________________
(1) هى: جويرية بنت أبى جهل. أسلمت. أراد على- رضى الله عنه- خطبتها؛ فجاء أهلها يستأذنون النبي- صلى الله عليه وسلم- فلم يأذن لهم.
[طبقات ابن سعد 8/ 262 والإصابة 4/ 257].
(11) // أول ل 165/ ب من النسخة ب.
(2) أخرجه مسلم فى صحيحه 7/ 140، كما ورد فى سنن ابن ماجة 1/ 644.
(3) ساقط من (أ).
(4) الحسن بن على- رضى الله عنهما- بن أبى طالب الهاشمى، القرشى أبو محمد خامس الخلفاء الراشدين وآخرهم، وثانى الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية ولد فى المدينة المنورة فى النصف من رمضان سنه 3 ه وأذّن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فى أذنه، وسماه الحسن.
وأمه فاطمة الزهراء:- رضى الله عنها- بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان رضى الله عنه أشبه الناس بجده رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان عاقلا حليما محبا للخير فصيحا من أحسن الناس منطقا وبديهة جمع الله به الأمة بعد أن تنازل عن الخلافة بشروطه حقنا لدماء المسلمين وكانت مدة خلافته ستة أشهر وخمسة أيام قال عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن ابنى هذا سيد، ولعل الله- عز وجل- أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» وتوفى بالمدينة لخمس ليال خلون من ربيع الأول سنة 50 ه ودفن بالبقيع- رضى الله عنه.
[صفة الصفوة 1/ 290، 291، والأعلام للزركلى 2/ 199، 200].
(5/202)
________________________________________
الإلزام الثالث: [و هو خاص بالإمام الحسين رضي اللّه عنه]
هو أن الحسين «1» بن عليّ- رضى الله عنهما-[كان] «2» أيضا عندهم إماما منصوصا عليه، ومع ذلك ألقى نفسه فى التهلكة مع ظنّ وقوعها؛ وذلك معصية منهى عنها بقوله تعالى: ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ «3».
وبيان ذلك، أنه خرج بأهله، وعياله إلى الكوفة؛ لقتال أعدائه، مع كثرتهم وقوة شوكتهم، وما رآه من صنيعهم بأبيه، واستظهارهم على أخيه، وقتلهم لمسلم بن عقيل «4»، لما أنفذه رائدا إليهم، وغدرهم به، وإشارة كل واحد عليه بعدم الخروج، حتى قال له ابن عمر «5» [بعد أن] «6» أبلى عذرا فى نصحه: «استودعتك اللّه من قتيل» «7»، إلى أن عرض ابن زياد عليه الأمان إن بايع يزيدا؛ فامتنع من ذلك مع ظهور أمارات القتل له، والاستيلاء عليه، وهلاكه وهلاك من معه، حتى أدّى الأمر، إلى ما أدّى إليه من قتله، وهلاك من كان معه من المسلمين.
________________
(1) الحسين بن على بن أبى الطالب- رضى الله عنه- الهاشمى، القرشى، أبو عبد الله السبط الشهيد ابن فاطمة الزهراء- رضى الله عنها- وفى الحديث الشريف «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»
ولد فى المدينة فى شعبان سنة أربع من الهجرة، ونشأ فى بيت النبوة.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:- «هما ريحانتاى من الدنيا» (يعنى الحسن والحسين- عليهما السلام). (رواه البخارى 3753).
وعن عبد الله قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «هذان ابناى؛ فمن أحبهما؛ فقد أحبنى» يعنى الحسن والحسين- عليهما السلام.
واستشهد الحسين- رضى الله عنه- يوم الجمعة- يوم عاشوراء فى محرم سنة إحدى وستين.
[صفة الصفوة لابن الجوزى 1/ 291، 292. والأعلام للزركلى 2/ 243].
(2) ساقط من (أ).
(3) سورة البقرة 2/ 195.
(4) مسلم بن عقيل بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم: تابعى من ذوى الرأى والشجاعة، كان مقيما بمكة المكرمة، وانتدبه الإمام الحسين للتعرف على حال أهل الكوفة حين وردت عليه كتبهم؛ فرحل مسلم الى الكوفة، وأخذ البيعة من أهلها فشعر به عبيد الله بن زياد (أمير الكوفة) فقبض عليه وقتله سنة 60 ه (الكامل لابن الأثير 4/ 8 - 15، والأعلام للزركلى 7/ 222).
(5) عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى، أبو عبد الرحمن، صحابى جليل، كان جريئا كوالده، نشأ فى الإسلام، وهاجر إلى المدينة مع أبيه، وشهد فتح مكة أفتى الناس فى الاسلام ستين سنة، عرض على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم بدر فرده، ويوم أحد فرده لصغر سنه، وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمسة عشرة فأجازه، قال عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، مات ابن عمر، وهو مثل عمر فى الفضل، وكان عمر فى زمان له فيه نظراء، وعاش ابن عمر فى زمان ليس له فيه نظير، له فى كتب الحديث (2630 حديثا) توفى بمكة سنة 73 ه [صفة الصفوة 1/ 211 - 219، والأعلام 4/ 108].
(6) ساقط من أ
(7) فى أنساب الأشراف 3/ 163 «استودعك الله من مقتول».
(5/203)
________________________________________
الإلزام الرابع: [و هو خاص بالمهدى رضي اللّه عنه]
ان القائم المهدى «1» من الأئمة المنصوص عليهم عندهم أيضا، وقد فعل ما ينافى العصمة.
وبيانه: أن الإمام إنما جعل إماما؛ لأن يكون وسيلة إلى الإرشاد، وبابا إلى معرفة الحق، وطريقا إلى اللّه- تعالى- فى تعريف الواجبات والمحظورات، والقيام بمصالح المؤمنين، التى لا قيام لها دون الإمام عندهم، وهو باختفائه واستتاره عن الخلق بحيث لا يعرف، ممّا يوجب وقوع الناس فى الحيرة، وعدم معرفة الحق، وتورّطهم فى شبه الضلالة، إن كان لا طريق لهم إلى معرفة ذلك، والوصول إليه إلّا بالإمام؛ وذلك من أعظم المعاصى، وأكبر المناهى، وإن أمكنهم الوصول إلى ذلك بالأدلة دون الإمام؛ فلا حاجة إذا إلى الامام «2».
فإن قيل: إنما يكون ذلك معصية أن لو اختفى مع القدرة على الظهور، وليس كذلك. فإنه إنما اختفى تقية، وخوفا من الظلمة الظاهرين على نفسه.
قلنا: هذا وإن أوجب الاستتار عن الأعداء؛ فهو غير موجب له عن أشياعه، وأوليائه؛ فكان من الواجب أن/ يكون ظاهرا لهم مبالغة فى حصول مصالحهم، ودفع المفاسد عنهم. وإن أوجب ذلك الاستتار مطلقا، بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق، ولا ينتفع به، فلا فرق بين وجوده، وعدمه، ولا فائدة فى إبقائه.
فلئن قالوا: الفائدة فى إبقائه رجاء ظهوره عند زوال المخافة للقيام بمصالح المؤمنين.
قلنا: فهلا قيل بعدمه حالة المخافة، وبإيجاده حالة زوالها؛ فإنه كما أن إيجاده بعد عدمه خارق للعادة، فإبقاؤه المدة الخارجة عن العادة خارق للعادة أيضا؛ وليس أحد الأمرين أولى من الأخر.
________________
(1) محمد بن الحسن العسكرى بن على الهادى (المهدى المنتظر) آخر الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية، وهو المعروف عندهم بالمهدى، وصاحب الزمان، والحجة، وصاحب السرداب. ولد فى سامراء. ومات أبوه وله من العمر خمس سنين ولما بلغ التاسعة أو التاسعة عشرة، دخل سردابا فى دار أبيه، ولم يخرج منه. والإمامية ينتظرون عودته فى آخر الزمان وقيل فى تاريخ مولده: إنه ليلة النصف من شعبان سنة 255 ه. [وفيات الأعيان 4/ 176، والأعلام للزركلى 6/ 80].
(2) قارن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 80 وما بعدها من القسم الثانى.
(5/204)
________________________________________
الإلزام الخامس:
أنا قد بيّنا فيما تقدم أن العصمة غير واجبة للأنبياء عليهم السلام «1» فلو كان الإمام يجب أن يكون معصوما؛ لكان أكثر طاعة من النبي- صلى الله عليه وسلم-، ولو كان أكثر طاعة من النبي؛ لكان أكثر ثوابا عند الله- تعالى- لقوله- تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها «2» وقوله- تعالى: ويَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى «3». ولو كان الإمام أكثر ثوابا من النبي؛ لكان أفضل منه؛ فإنه لا معنى للأفضل، غير أنه أكثر ثوابا، ومحال أن يكون نائب النبي، أفضل منه.
فإن قيل: أما ما ذكرتموه من الإجماع على إمامة أبى بكر، وعمر؛ فهو غير مسلم التصوّر، وبتقدير تسليم تصوّره؛ فلا نسلم أنه حجة على ما سبق «4».
وبتقدير كونه حجة، فإنما يصح دعوى ذلك فيما نحن فيه، أن لو بيّنتم كون عليّ داخلا فيه؛ وهو غير مسلم. وما ظهر منه من الموافقة، لا نسلم أنه كان عن اعتقاد؛ بل تقية، وخوفا على نفسه؛ ولذلك فإنه لم يظهر منه الموافقة على إمامة أبى بكر مدة ستة أشهر حتى ظهرت له «11» // الإخافة منهم. وبتقدير أن لا يكون على موافقا على ذلك، فأى إجماع يكون فى عصر عليّ وهو غير داخل فيه.
[أدلة الشيعة على عصمة الأئمة وردهم على خصومهم]
وأما ما ذكرتموه من الإلزامات فغير لازمة لوجهين إجمالا، وتفصيلا:
أما الإجمال:
فهو أن ما ذكرتموه فى إبطال عصمة الأئمة صلوات الله عليهم- فرع عدم عصمتهم، وإذا كان ما يذكر فى إبطال العصمة فرعا على إبطالها؛ فلا يكون صحيحا؛ لما فيه من الدّور، وهو توقف عدم العصمة، على ما ذكر دليلا، وتوقف كونه دليلا على عدم العصمة.
________________
(1) انظر ما سبق فى القاعدة الخامسة ل 168/ ب وما بعدها.
(2) سورة الأنعام 6/ 160.
(3) سورة النجم 53/ 31.
(4) راجع ما مر ل 285/ ب وما بعدها.
(11) // أول ل 166/ أ من النسخة ب.
(5/205)
________________________________________
وبيان ذلك أنه بتقدير أن [لا] «1» يكون الإمام معصوما فيما صدر منه، وإن كان ظاهره الذنب؛ فيجب صرفه عن ظاهرة، إلى ما يوافق العصمة، كما كان ذلك فى آيات القرآن التى ظاهرها يقتضي التشبيه، وما لا يجوز على اللّه تعالى.
وإنما لا يجب الصرف عن الظاهر بتقدير أن لا يكون معصوما؛ فإذا قد ظهر توقف ما ذكرتموه من الدلائل، على إبطال عصمة الأئمة، على عدم العصمة.
وأما التفصيل:
قولكم: فيما يتعلق بعلىّ- عليه السلام- أنه لم يظهر النكير على مبايعة غيره، لا نسلم أنه لم ينكر؛ فإنه قد نقل عنه فى الروايات الكثيرة، أنه لم يزل يتظلم فى كل زمان على حسب ما يليق به، حتى انتهت النوبة إليه، فصرّح بالنكير فى كل مواقفه، وخطبه، والتظلم على من غصبه حقّه، حتى اشترك فى معرفة ذلك الخاص، والعام. وبتقدير عدم إظهار النكير؛ فلا يخفى أن النكير على المنكر [مشروط] «2» بشروط متفق عليها، وهى التمكّن من الإنكار، وأن لا يغلب/ على ظن المنكر أن تعرضه للإنكار، يجر إلى منكر يزيد على النكير؛ فلا بدّ لكم من تحقيق هذه الشروط فى حق عليّ حتى تتم الدلالة، والأصل عدمها.
كيف وأنه لا مانع من عدم تمكنه، وخوفه من الإنكار على نفسه، وشيعته، لا سيّما مع ظهور الأمارات الدالة على ذلك، وهو اتفاق السّواد الأعظم، والجمّ الغفير على مبايعة الغير، والرضى به، ومراسلتهم، إليه، وإلى من تأخّر عن البيعة من شيعته [بالمبايعة] «3»، والتهديد على التخلف عنها.
قولكم: إنه بايعهم.
قلنا: بمعنى الرضى بذلك، والتسليم فى نفس الأمر، أو ظاهرا للتقية؟ الأول:
ممنوع، والثانى: مسلم؛ فلم قلتم بالرضى، والتسليم؟
قولكم: إنه دخل فى آرائهم.
قلنا: إنما كان يدخل فى ذلك؛ لقصد الإرشاد لهم إلى ما شذّ عنهم من الصواب، وذلك واجب؛ لا أنه معصية.
________________
(1) ساقط من أ.
(2) ساقط من أ.
(3) ساقط من أ.
(5/206)
________________________________________
قولكم: إنه اقتدى بهم فى الصلاة.
قلنا: ناويا لذلك، وقاصدا له، أو مظهرا له من غير قصد؟ الأول: ممنوع، والثانى:
مسلم، وإظهار الاقتداء لهما [إنما] «1» كان للتقية؛ لأن تركها مجاهرة بالعداوة، والمنازعة، ولم يكن قادرا على دفع ما يؤدى إليه من المحذور.
قولكم: إنه كان يأخذ عطيّتهم.
قلنا: لأن ذلك كان حقا له، ولا بأس على من أخذ حقه.
قولكم: إنه استباح وطء سبيهم، لا نسلم أنه استباح ذلك بناء على [أنه] «2» سبيهم؛ فإنه قد روى البلاذرى أنه أغارت بنو أسد على بنى حنيفة؛ فسبوا خولة بنت جعفر، وقدموا بها [إلى] «3» المدينة فى أول خلافة أبى بكر؛ فباعوها من عليّ- عليه السلام- فبلغ الخبر قومها؛ فقدموا على عليّ- عليه السلام- فعرفوها، وأخبروه بموضعها منهم فأعتقها؛ وتزوجها؛ فولدت له محمدا.
قولكم: إنه زوّج ابنته من عمر.
قلنا: إنّما فعل ذلك بعد مراجعة، ومنازعة وتهديد، وتواعد، أشفق معه من الهلاك، وإضرار يزيد على، أضرار التزويج منه، ولهذا فإنه لما رأى العباس ما يفضى الحال إليه، سأله ردّ أمرها إليه؛ فزوجها منه، ولم يكن ذلك عن اختيار، وإيثار، وعلى هذا؛ فلا يكون ذلك معصية منه، ولا منكرا.
قولكم: إنه دخل فى الشورى.
قلنا: الحامل له على ذلك ما كان الحامل له على إظهار البيعة، وبتقدير أن يكون راضيا بذلك، فإنّما كان لغرض صحيح يتيح له الرضى بذلك، وهو ظنّه الوصول إلى حقه بذلك، وتمكنه من الاحتجاج عليهم بفضائله، ومناقبه التى يستحق بها الخلافة، وإظهار الأخبار الدالة على التنصيص عليه، وكل أمر ظنّ معه الوصول إلى ما هو متعين عليه، فأدنى درجاته أن يكون جائزا له؛ لا أنه يكون محرما.
قولكم: إنه لم يردّ الناس بعد ظهور أمره إلى مذهبه.
________________
(1) ساقط من أ.
(2) ساقط من أ.
(3) ساقط من أ.
(5/207)
________________________________________
قلنا: أما أنه لم يظهر ذلك قبل عود الأمر إليه تقية، وخوفا بما يفضى إليه من وحشة المخالفة، وأما بعد عود الأمر إليه؛ فلأنه لم يعد إليه إلّا بالاسم دون المعنى؛ فإنه ما زال منازعا [معارضا] «1» مبغضا من أعدائه، وأن أكثر من بايعه شيعة من مضى من أعدائه، ومن يعتقد «11» // أنهم مضوا على أعدل الأمور، وأن/ غاية من يأتى بعدهم تتبع آثارهم، والاقتداء بسنتهم؛ فبقى على ما كان عليه من التقية، وخوف ثورات الفتنة بإظهار المخالفة والأمر بالعود إلى مذهبه. ولهذا قال- عليه السلام-: «و اللّه لو ثنى لى الوساد، لحكمت بين أهل التوراة [بتوراتهم] «2»، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وأهل الزبور بزبورهم، وأهل القرآن بقرآنهم» «3».
قولكم: إنه حكّم أعداءه ومكّنهم من خلعه.
قلنا: إنه ما فعل [ذلك] «4» اختيارا؛ بل اضطرارا على سبيل الإلجاء إليه؛ وذلك أن معاوية، وأصحابه لما تبين لهم استظهار عليّ- عليه السلام- عليهم، وأيقنوا بالعطب، رفعوا المصاحف، وأظهروا الرضى بما فيها، وطلبوا التحكيم بحيلة وضعها معاوية، وعمرو بن العاص، ومكيدة لم تخف على عليّ- عليه السلام-؛ فتخاذل عنه أكثر الصحابة، وتقاعدوا عن متابعته فى إبائه عن ذلك؛ لعلمه بالمكيدة، ومالوا إلى موافقة التحكيم مع الخصوم إما لفرارهم من شدة الزحف، ومللهم من طول المنازلة، وإما لدخول تلك الشبهة عليهم؛ لغلظة أفهامهم، وعدم اطلاعهم على المكيدة. ولم يزل يمتنع من ذلك ويحذرهم المكيدة إلى أن غلبوه على رأيه، ورأى أن الإجابة إلى ذلك أولى؛ دفعا لما علمه من سوء عاقبة المخالفة، وافضاء الأمر إلى خروج أكثر أصحابه عنه؛ واستظهار عدوه عليه استظهارا يكون فيه هلاكه، وهلاك شيعته، فأجاب إلى التحكيم على أن يكون الحكم بكتاب اللّه، وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-، فآل الأمر إلى ما آل. ومن قصد دفع الشر العظيم، بالتزام شر هو دونه فى نظره؛ لا يكون مخطئا، ولا عاصيا.
________________
(1) ساقط من أ.
(11) // أول ل 166/ ب من النسخة ب.
(2) ساقط من أ.
(3) انظر تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 124.
(4) ساقط من أ.
(5/208)
________________________________________
وأما ما نقل عنه من الشعر: فقد نقل [عنه] «1» أنه سئل عن مراده به، فقال:
«كتب إلى محمد بن أبى بكر «2»: أن أكتب له كتابا فى القضاء ليعمل به؛ فكتبت له ذلك، وأنفذته إليه، فاعترضه معاوية فأخذه؛ فأشفقت أن يعمل بما فيه من الأحكام، ويوهم أصحابه أن ذلك من علمه؛ فتقوى الشبهة عليهم فى متابعته «3». أما أن يكون ذلك اعترافا منه بالخطإ فى التحكيم فلا.
قولكم: إن من قتله فى وقعه الجمل إن لم يكونوا مرتدين؛ فقد أخطأ فى اعتقاد ارتدادهم، وإن كانوا مرتدين؛ فقد أخطأ حيث لم يجعل مالهم فيئا.
قلنا: بل كانوا كفّارا مرتدين، وحيث لم يجعل أموالهم فيئا، إنّما كان؛ لأن أحكام الكفار مما يختلف، ولا يلزم أنه إذا كان مال من ارتد، ومات وهو معترف بالارتداد، ومصر عليه؛ كالمسلم إذا تهوّد، أو تنصّر فيئا؛ أن يكون مال من ارتد، وهو لا يعتقد ارتداده؛ بل هو متمسك بأحكام الإسلام، ويلتزم لها فيئا.
وعلى هذا فإنّما يكون مخطئا أن لو حكم بأن المال ليس بفيء مع الاعتراف بالارتداد المستلزم لكون المال فيئا، وأما فى غيره فلا.
كيف وأنه ممّا يجب اعتقاد تصويبه فيما ذهب إليه لقوله عليه- الصلاة والسلام:- «[اللهم] «4» أدر الحق مع عليّ كيف دار» «5».
قولكم: فى الزبير، وقتل ابن جرموز له، إما أن يكون حراما، أو لا يكون حراما.
قلنا: لم يكن حراما؛ لأنه كان من مقاتلة عليّ- عليه السلام- وكل من قاتلة؛ فهو كافر مرتد.
________________
(1) ساقط من أ.
(2) محمد بن أبى بكر (محمد بن عبد الله «أبى بكر» بن عثمان التيمى القرشى) أمير مصر، وابن الخليفة الأول- رضى الله عنهما- كان يدعى (عابد قريش) ولد فى حجة الوداع بين مكة والمدينة، ونشأ فى المدينة بعد وفاة أبيه عند على بن أبى طالب رضى الله عنه (و كان قد تزوج أمه أسماء بنت عميس) ولاه على إمارة مصر فدخلها سنة 37 ه وبعد تحكيم الحكمين وانصراف على رضى الله عنه إلى العراق، أغار معاوية على مصر فأرسل جيشا بقيادة عمرو بن العاص، فدخلها حربا، وقتل محمد بن أبى بكر فى هذه المعركة سنة 38 ه ودفن بالفسطاط، وكانت مدة ولايته خمسة أشهر.
[الولاة والقضاة: لمحمد بن يوسف الكندى ص 26 - 31، والأعلام 6/ 219، 220]
(3) وردت هذه الرواية فى شرح نهج البلاغة 6/ 73.
(4) ساقط من أ.
(5) ورد هذا الحديث فى سنن الترمذي 2/ 289، والمستدرك 3/ 124.
(5/209)
________________________________________
قولكم: فلا معنى لاعتقاده، كون قاتله/ مستحقا للنار.
قلنا: إنما يكون مخطئا أن لو اعتقد استحقاق ابن جرموز للنار بقتله للزبير، وليس كذلك؛ بل إنما اعتقد ذلك له بالنظر إلى عاقبته، وخاتمة أمره؛ وذلك لأن ابن جرموز خرج بعد ذلك [على عليّ مع أهل النهر، وقتل هناك «1»؛ فكان بذلك] «2» الخروج من أهل النار؛ لا بقتل الزبير.
قولكم: إنه فى قضية أمهات الأولاد لا بدّ وأن يكون مخطئا: إما فى الحالة الأولى، أو الأخيرة.
قلنا: يحتمل أنه كان موافقا لعمر فى الظاهر لا فى نفس الأمر تقية، وخوفا ممّا يلزمه من إظهار الخلاف معه من المضار، والمفاسد كما قررناه فى الموافقة على البيعة «11» // وإذا كان ذلك محتملا؛ فيجب الحمل عليه؛ دفعا لاحتمال الخطأ عنه، لقوله- عليه الصلاة والسلام-: «اللهم أدر الحق مع عليّ كيف دار».
وبضربه على صدره بيده حين بعثه إلى اليمن وقوله: «اللهم أهد قلبه، وثبّت لسانه» «3».
ولقوله عليه السلام: «أنا مدينة العلم، وعلى بابها، فمن أراد المدينة؛ فليأت الباب» «4».
وأما قصّة عليّ فى خطبته بنت أبى جهل بن هشام؛ فخبر موضوع غير مسلم الصحة.
والّذي يدل على ضعفه أن عليا لو فعل ذلك؛ لكان فعله مسوغا له شرعا. وما يكون فعله سائغا شرعا، لا يحسن أن ينسب إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- الإنكار على فاعله، مع ورود إباحته على لسانه.
وأما ما ذكرتموه من الإلزام الثانى فى قصّة الحسن، وخلعه لنفسه من الإمامة، وتسليمها لمعاوية؛ فغير لازم، فإنه لو قدر أنه لم يكن إماما معصوما، ولا له
________________
(1) ورد فى الاستيعاب 1/ 203، وأسد الغابة 2/ 100 أن ابن جرموز عاش حتى ولى مصعب بن الزبير البصرة، ثم اختفى.
(2) ساقط من أ.
(11) // أول ل 167/ أ من النسخة ب.
(3) ورد فى الصواعق المحرقة 189، وتاريخ الخلفاء للسيوطى 135.
(4) ورد فى سنن الترمذي 2/ 299، ومجمع الزوائد 9/ 114 وضعفه وقال فيه: «و فيه عبد السلام بن صالح الهروى.
وهو ضعيف»
أما السيوطى: فقد حسنه فى اللآلئ المصنوعة 1/ 329 - 336.
أما ابن الجوزى؛ فقد حكم عليه بالوضع. أنظر الموضوعات 1/ 350.
(5/210)
________________________________________
حق فى الإمامة؛ فلا يشك عاقل أن أحدا لا ينزل عن ولايته، وعظيم مملكته مسلما فى ذلك الأمر لعدوه، رغبة عنها عادة؛ بل العادة تقضى أن ذلك لا يكون إلّا لدفع مفسدة تربى على مصلحة الولاية، فما ظنك بمن كان معصوما، ومستحقا للإمامة، وواجبا عليه طلبها، للقيام بلوازمها.
وعلى هذا فنزوله عن الإمامة، وتسليمها إلى معاوية مع فسقة، إنما كان لما ظهر له من تخاذل أصحابه، وميلهم إلى أموال معاوية، ودنياه، وأن الأمر لا يتم له، وأن الإصرار على طلب الحق ممّا يفضى إلى ضرر يحل به، وبشيعته يزيد على مصلحة الإمامة.
وأما إظهار البيعة منه لمعاوية، وموالاته، وأخذ عطاياه؛ فجوابه ما سبق فى قصة عليّ عليه السلام.
وأما عذل بعض أصحابه له على ذلك، وتسميتهم له خاذل المؤمنين؛ فإنما كان لاغترارهم بما رأوه من كثرة عدد أصحابه، وبموافقتهم له فى مراده، وأن الأمر لو استمر على الإمامة، لدام، ولم يقفوا على ما وقف عليه، ولم ينتهوا لما يفضى عاقبة الأمر إليه؛ لغلظ أفهامهم، وقلة معرفتهم.
وما ذكرتموه من الإلزام الثالث فى قصة الحسين عليه السلام، فغير لازم.
أيضا؛ فإنه إنما تحرك إلى الكوفة بعد أن ظهر له من أهل الكوفة الرغبة فيه، والميل إليه، بما أخذه عليهم من العهود، والمواثيق بعد كثرة مكاتبات رؤسائهم له، والأعيان منهم/ ومن تبعهم من السواد الأعظم، وذلك مع ما اجتمع له من الأعوان، والأنصار المعتمد عليهم. ومتى غلب على ظن الإمام الوصول إلى حقه، والقيام بما أوجبه [اللّه] «1» عليه من النظر فى أحوال المسلمين؛ وجب عليه السعى فى طلبه.
وأما عذل من خذله: كابن عباس، وابن عمر، وغيرهما؛ فإنما كان لأنه لم يظهر لهم ما ظهر له [من قرائن الأحوال، ومكاتبات أهل الكوفة له] «2» بالمعاضدة والمناصرة.
وأما قولكم: إنه ألقى نفسه، وشيعته فى التهلكة، حيث أنه لم ينزل على أمان عبيد اللّه بن زياد؛ ليس كذلك؛ فإنه كيف يظنّ به ذلك، وقد قال لعمر بن سعد «3» لما
________________
(1) لفظ الجلالة ساقط من (أ).
(2) ساقط من أ.
(3) عمر بن سعد (توفى سنة 66 ه) هو عمر بن سعد بن أبى وقاص من التابعين، كان على رأس الجيش الّذي قتل الامام الحسين- رضى الله عنه- وصحبه، وقد قتله المختار بن أبى عبيد.
[تاريخ الطبرى 5/ 412، تهذيب التهذيب 7/ 450].
(5/211)
________________________________________
أقبل عليه فى عسكره، ورأى أمارات الضعف: «اختاروا منى: إما الرجوع إلى المكان الّذي أقبلت منه، أو أن أضع يدى فى يد يزيد ليرى فىّ رأيه، وإما أن تسيروا بى إلى ثغر من ثغور المسلمين؛ فأكون رجلا من أهله لى ما لهم، وعليّ ما عليهم» «1». وإن عمر بن سعد كتب بذلك إلى عبيد اللّه بن زياد؛ فأتاه، وأمره بالمناجزة له، فلما آل الأمر إلى ما آل من ضعف الحسين، وشيعته وإحاطة الأعداء بهم، امتنع من النزول على أمان عبيد الله بن زياد؛ لأنه ظهر له من قرائن أحواله، وبما تقدم منه من عدم إجابته للأمان قبل انتهاء الأمر إلى ما انتهى إليه أمر الحسين من شدة الضعف، وظهور الظفر به، أن قصده من ذلك أن يجمع له بين الذل بالنزول على حكمه، وقتله، وأن نزوله على حكمه، ممّا لا يعصمه من القتل بعد ذلك؛ فاختار التزام القتل دفعا للجمع بينه، وبين النزول على حكم عبيد اللّه بن زياد.
وأما الإلزام الرابع: فغير لازم أيضا، فإن اختفاء القائم المهدى- عليه السلام، إنما هو للمخافة من أعدائه على نفسه.
قولكم: فهذا وإن أوجب الاستتار عن الأعداء، فغير موجب للاستتار عن شيعته.
قلنا: لا نسلم أنه مستور عن شيعته الذين لا يخشى من جهتهم شيئا، وما «11» // المانع من ظهوره لهم، دون غيرهم، وإنما لم يظهر لمن لم يخش منه، إشاعة خبره، وتحدثه عنه بما يؤدى إلى مخافته.
قولكم: فلا فائدة فى إبقائه.
قلنا: الفائدة فى إبقائه رجاء ظهوره عند زوال المخافة.
قولكم: ليس ذلك أولى من عدمه، وإيجاده عند زوال المخافة. لا نسلم ذلك.
والفرق بينهما، أنه إذا غيّب شخصه، للمخافة منهم، كان ما يفوتهم من المصالح لازما لهم من إخافتهم له، وإلجائهم له إلى الاستتار؛ فتكون العهدة فى ذلك لازمة لهم، والحجة مركبة عليهم، وإذا أعدمه اللّه- تعالى- كان ما يفوتهم من المصالح لازما من فعل اللّه- تعالى- ومنسوبا إليه؛ فلا تكون العهدة فى ذلك لازمة لهم؛ بل للّه- تعالى- وهو يتعالى، ويتقدس عن فعل القبيح.
________________
(1) انظر هذه الرواية في تاريخ الطبرى 5/ 413، أنساب الأشراف 3/ 182.
(11) // أول ل 167/ ب من النسخة ب.
(5/212)
________________________________________
قولكم فى الإلزام الخامس: أنه لو كان الإمام معصوما؛ لكان أفضل من النبي؛ فهو مبنى على أن الأنبياء غير معصومين، وهو ممنوع، على ما سلف وبتقدير أن لا يكون النبي معصوما، والعياذ بالله؛ فلا يلزم [أن يكون] «1» أفضل من النبىّ؛ لأن النبىّ بتقدير أن يعصى، قد يعرف ذنبه، والمعاتبة/ عليه من الوحى؛ فيتوب عنه، والتّائب من الذنب كمن لا ذنب له، بخلاف الإمام فإنه لا يقدر على ذلك؛ إذ هو غير موحى إليه.
[أدلة أخرى للشيعة على عصمة الأئمة]
ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على أن الإمام غير معصوم؛ لكنه معارض بما يدل على عصمته.
وبيانه من عشرة أوجه:- الأول: هو أن الاحتياج إلى الإمام، إنما كان لكون الأمة أبعد عن فعل الخطأ، وأقرب إلى فعل الواجب، فلو كان الإمام ممّن يجوز عليه الخطأ؛ لكان أيضا محتاجا إلى إمام أخر حسب افتقار الأمة إليه، ويلزم من ذلك التسلسل؛ وهو محال، أو الانتهاء إلى إمام لا يتصور عليه الخطأ؛ وهو المطلوب «2».
الثانى: أنه يجب متابعته بدليل اللغة، والإجماع.
أما اللغة: فهو أن الإمام فى اللغة عبارة عن شخص يؤتم به؛ أى يقتدى به، كما أن اسم الرداء: لما يرتدى به، واللحاف: لما يلتحف به «3».
وأما الإجماع: فلأنه لا خلاف، فى أنه يجب على كل واحد من الناس قبول حكم الإمام، واتباعه فى جميع سياساته، ووجوب إتباع قوله، فى ذلك إما أن يكون لمجرد قوله، أو لدليل دلّ على ذلك، أو لا لقوله، ولا لدليل دلّ عليه.
لا جائز أن يقال أنه لا لقوله ولا لدليل دل عليه؛ وإلّا كان وجوب الإتباع لقوله، لا مستند له، وهو محال.
ولا جائز أن يقال باستناده، إلى دليل الإجماع على وجوب الإتباع، فإن لم يظهر ثمّ دليل، فلم يبق إلا أن يكون وجوب إتباع قوله لمجرد قوله، وإذا كان كذلك، فلو جاز عليه
________________
(1) ساقط من (أ).
(2) قارن بما ورد فى المواقف ص 399، وشرح المواقف- الموقف السادس ص 291.
(3) قارن بما ورد فى الأربعين للرازى 435 «الإمام فى اللغة عبارة عن الشخص الّذي يؤتم به، ويقتدى به: كالرداء؛ فإنه اسم لما يرتدى به، واللحاف اسم لما يلتحف به».
(5/213)
________________________________________
الخطأ [فبقدير إقدامه على الخطأ] «1»، إما أن يقال بوجوب اتباعه، والأمر من اللّه- تعالى- بالاقتداء به، أو لا يقال ذلك.
فإن كان الأول: فيلزم أن اللّه- تعالى- أمرنا بالخطإ، وهو محال.
وإن كان الثانى: فقد خرج الإمام فى تلك الحالة عن كونه إماما، ولزم منه خلو ذلك الزمان عن الإمام؛ وهو محال.
الثالث: أنا قد علمنا بالتواتر علما ضروريا، بعثة النبي- عليه السلام، وتكليف الناس فى كل عصر باتباع ما جاء به، من الشريعة، وإنما يتصور تكليف من بعده بشريعته، بتقدير نقلها إليهم، وإلّا كان تكليفهم بما لا يعرفونه؛ وهو محال «2».
وإذا لم يكن بدّ من نقلها؛ فذلك الناقل: إما أن يكون معصوما، أو لا يكون معصوما:
لا جائز أن يكون غير معصوم: وإلّا لما [حصل] «3» العلم بقوله فيما ينقله «4». وإن كان معصوما: فالمعصوم عند القائلين بعصمة غير الأنبياء، إما الإمام أو الأمة، فيما أجمعوا عليه، أو أهل التواتر فيما نقلوه لا غير، والقول بمعصوم خارج عن هذه الثلاثة، قول لا قائل به.
وعند ذلك: فلا جائز أن يكون مستند علم من بعد النبي بشريعة انعقاد الإجماع من الأمة عليه، فإن عصمة الأمة عن الخطأ، إنما تعرف بالنصوص الواردة على لسان الرسول من الكتاب، أو السنة، وكل نص يدل على كون الإجماع حجة؛ فلا بدّ من معرفة كونه منقولا عن الرسول، وأنه لا ناسخ له، ولا معارض؛ وذلك أيضا يتوقف على صدق الناقل له، وصدقه إما أن يكون معلوما، بالإجماع، أو بغيره.
فان كان بالإجماع: لزم الدّور، من حيث أنّا لا نعرف صدق الخبر الدال على/ عصمة أهل الإجماع «11» // إلّا بالإجماع، وعصمة أهل الإجماع، لا تعرف إلا بعد معرفة صدق ذلك [الخبر] «5».
________________
(1) ساقط من «أ».
(2) قارن بما ورد فى الأربعين للرازى ص 434.
(3) ساقط من (أ)
(4) قارن بما ورد فى الأربعين للرازى ص 434.
(11) // أول ل 168/ أ.
(5) ساقط من (أ)
(5/214)
________________________________________
وإن كان بغير الإجماع: فإما بالتواتر، أو بغيره، لا جائز أن يكون بالتواتر: فإن غاية التواتر، معرفة كون ذلك الخبر منقولا عن النبي- عليه السلام- وليس فيه ما يدل على أنه ليس بمنسوخ، ولا معارض.
وعلى هذا، فلا يكون مفيدا لكون الإجماع حجة، فلم يبق إلّا القسم الثالث، وهو الإمام؛ وذلك هو المطلوب.
الرابع: أنه لو لم يكن الإمام معصوما، فبتقدير وقوعه فى المعصية إما أن يجب الإنكار عليه، أو لا يجب.
فإن وجب الإنكار [عليه] «1»؛ لزم الدّور من جهة توقف انزجار الإمام على زجر الرعية له، ويتوقف زجر الرعية على زجر الإمام لهم؛ وهو ممتنع.
وإن لم يجب الإنكار عليه «2»: فهو ممتنع لما فيه من مخالفة قوله- صلى الله عليه وسلم- «من رأى منكم منكرا فلينكره» «3» ... الحديث.
الخامس: هو أن الأمة قد اختلفت فى أحكام ليست فى كتاب اللّه تعالى ولا السنة المتواترة، والإجماع غير مساعد عليها لوقوع الخلاف [فيها] «4»، وما عدا ذلك من القياس، وأخبار الآحاد، فمن باب الترجيح بالظن، وذلك لا يصلح لإفادة الشريعة لقوله- تعالى-: وإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً «5»؛ فلا بدّ من معصوم يعرف الحق من الباطل؛ وذلك هو الإمام.
السادس: هو أن القرآن إنما أنزل ليعلم ويعمل به.
قال المتقدمون من الروافض: [و القرآن] «6» قد دخله التغيير، والتحريف، ويدل على ذلك اختلاف المصاحف «7»، واختلاف الصحابة فى الفاتحة، والمعوذتين «8»، وآية
________________
(1) ساقط من (أ)
(2) ساقط من (ب)
(3) قارن بما ورد فى الأربعين للرازى ص 436.
(4) ساقط من (أ)
(5) سورة النجم 53/ 28.
(6) ساقط من (أ)
(7) انظر فى اختلاف مصاحف الصحابة: كتاب المصاحف لأبى داود 50 - 88.
(8) انظر فى الخلاف حول الفاتحة والمعوذتين البرهان فى علوم القرآن 2/ 127، 128 والإتقان فى علوم القرآن: 19/ 104 - 105.
(5/215)
________________________________________
الرجم «1»، ودعاء القنوت «2»، هل ذلك من القرآن أم لا؟ وكاختلاف الناس فى البسملة، هل هى آية من أول كل سورة، أم لا، ووجود ما فيه من اللحن، والتناقض، والاختلاف إلى غير ذلك من الأمور التى حققناها فى النبوات «3»، وذلك كله يدل على دخول التّحريف والتّبديل فيه.
وعلى هذا: فالعمل بما منه من القرآن، وما ليس منه، إنما يعرف بمعرفة معصوم؛ وذلك هو الإمام.
وأما المتأخرون من الرّوافض: فإنهم وإن سلّموا امتناع تطرق التّحريف والتّبديل إلى القرآن، غير أنّهم زعموا، أنّه مشتمل على ألفاظ مشتركة، مجملة، لا يعرف مدلولها من نفسها، وآيات متعارضة، وآيات متشابهة؛ ولذلك وقع الاختلاف فيها، بين المفسرين، ولا سبيل إلى معرفة الحق منها، بقول غير المعصوم؛ إذ ليس قول أحد غير المعصومين، أولى من الآخر؛ فلا بدّ أن يكون المعرّف لذلك معصوما؛ وهو الإمام.
السابع: هو أنّ الإمام لا بدّ وأن يكون منصوصا عليه، من اللّه- تعالى- على لسان رسوله، كما سبق بيانه، والبارى- تعالى- عالم بعواقب الأشياء، حكيم؛ فلا يجوز عليه تولية من يعلم فساده؛ فلا بدّ وأن يكون معصوما.
الثامن: هو أن معرفة اللّه- تعالى- واجبة على ما سبق، وعند ذلك فإما أن يكون العقل مستقلا بالمعرفة، أو غير مستقل.
فإن كان الأول: فهو محال لوجهين:- الأول:- هو أنّا قد شاهدنا العقول، مفضية إلى المذاهب المتناقضة، ولو كان/ العقل مستقلا بالإيصال إلى معرفة الحق؛ لما كان كذلك.
الثانى:- أنه يلزم [منه] «4» تفويض أمر كل واحد إلى عقله، وأن لا ينكر عاقل على عاقل، وأن لا يحتاج مع ذلك، إلى نبى، ولا إمام؛ وهو محال.
وإن كان الثانى: فإما أن يقال بالافتقار إلى المعلم، أو لا يقال بالافتقار إلى المعلم.
فإن قيل إنه لا يفتقر إلى المعلم: فهو تعليم بأنه لا حاجة إلى المعلم؛ وهو تناقض.
________________
(1) انظر الاتقان فى علوم القرآن: 32، 34، 35.
(2) انظر البرهان فى علوم القرآن: 2/ 37.
(3) انظر ما سبق ل 146/ ب وما بعدها من الجزء الثانى.
(4) ساقط من (أ)
(5/216)
________________________________________
وإن قيل بالافتقار إلى المعلم: فإما أن يقال بعصمته، أو لا يقال بعصمته، فإن لم يقل بعصمته: فلا تحصل المعرفة بتعليمه، لجواز خطئه.
وإن قيل بعصمته: فهو المطلوب، وهذه شبهة الملاحدة من غلاة الشيعة «1».
التاسع: قوله تعالى لإبراهيم:- إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ ومِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ «2».
ووجّه الاحتجاج بالآية: أنّه نفى أن ينال عهد الإمامة الظالمين، ومن ليس بمعصوم، [و من] «3» جاز عليه الذنب، وبتقدير صدور الذنب عنه يكون ظالما لقوله- تعالى: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ «4»؛ فلا ينال عهد الإمامة، ولا بدّ من الإمام لما تقدم؛ فلا بدّ وأن يكون معصوما.
العاشر: قوله- تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «5». أمر بطاعة أولى الأمر، وكل ذلك من أمر اللّه- تعالى- بطاعته؛ فلا بدّ وأن يكون معصوما، وإلّا كان البارى- تعالى- قد أمر بطاعته فيما هو مخطئ فيه؛ وذلك محال.
[الرد على حجج الشيعة]
والجواب: أما منع تصور الإجماع، وكونه حجة؛ فجوابه ما سبق فى قاعدة النظر «6».
قولهم: «11» // إنما يكون الإجماع منعقدا على إمامة أبى بكر، أن لو بينتم دخول عليّ فيه؛ وهو غير مسلم.
قلنا: لا نزاع فى وقوع الموافقة منه للجماعة؛ لمبايعته لأبى بكر «7».
قولهم: إن ذلك لم يكن عن اعتقاد.
________________
(1) قارن بما ورد فى شرح المواقف- الموقف السادس ص 291.
(2) سورة البقرة 2/ 124.
(3) ساقط من أ.
(4) سورة فاطر 35/ 32.
(5) سورة النساء 4/ 59.
(6) انظر ما مر فى القاعدة الثانية: فى النظر وما يتعلق به ل 15/ ب وما بعدها.
(11) // أول ل 168/ ب.
(7) قارن بما ورد فى المغنى 20/ 1/ 283)
(5/217)
________________________________________
قلنا: الاعتقادات [و القصود] «1» من الأمور الباطنة التى لا سبيل إلى الاطلاع عليها، لذواتها، وأنفسها، وإنما تعرف بدلائلها، والإقدام على عقد البيعة صالح للدلالة عليها؛ فكان ذلك دليلا، ويلزم من وجود الدليل، وجود المدلول، اللهم إلّا أن يوجد [له] «2» معارض، والأصل عدمه، فمن ادعاه يحتاج إلى بيانه، واحتمال وجود المعارض إذا لم يكن ظاهرا، لا يمنع من التمسك بالدليل المتحقق، وإلّا لما ساغ التمسك بشيء من الدلائل اللفظية على مدلول أصلا، لا فى كتاب اللّه، ولا سنّة رسوله. ولا مخاطبات أهل العرف؛ فإنه ما من لفظ إلّا ويجوز أن لا يكون المتكلم به معتقدا، لما هو دليل عليه فى وضع اللغة؛ لقيام معارض له، وذلك ممّا يجر إلى إبطال الشرائع واللغات، وأن يكون اللّه- تعالى- ورسوله أمرا بشيء فى الظاهر، أو نهيا، أو أخبرا عن شيء، وهما لا يريدانه؛ وهو محال.
كيف وأن ذلك ممّا يجر أيضا إلى امتناع الاحتجاج بالإجماع، الّذي وافقوا على كونه حجة، وهو ما كان الإمام المعصوم داخلا فيه؛ لجواز أن يكون ما أطلقوه من الألفاظ، وأتوا به من الدليل غير مراد المدلول؛ لاحتمال وجود المعارض/؛ وذلك كله محال. وعدم صدور البيعة منه قبل ذلك، لا يدل على كونه غير راض، بالبيعة حالة صدور البيعة.
وعلى هذا: فالقول بأن البيعة منه، إنما كانت تقية، ودفعا للمخافة عنه، فرع كونه كارها للبيعة، وغير راض بها، وهو غير مسلم. وكل ما يوردونه من ألفاظه الدالة على الكراهة لإمامة أبى بكر، وإنما عقد البيعة معه تقية، ومخافة؛ فهو من التخرصات، والأكاذيب التى لا ثبت لها عند أهل الحديث، والرواة الثقات «3».
قولهم: ما ذكرتموه فى إبطال عصمة الأئمة فرع عدم عصمتهم، لا نسلم ذلك، وما ذكروه فى تقريره، فيلزم منه صرف الدلائل عن مدلولاتها، لمجرد احتمال المعارض لها؛ وذلك باطل بما سبق تقريره.
كيف وأن ما ذكروه لازم لهم أيضا؛ وذلك لأن كل من اعتقد كونه معصوما، فالعلم بعصمته، ليس من الضروريات، وإلّا لما شاع الخلاف فيه، من أكثر العقلاء.
________________
(1) ساقط من (أ)
(2) ساقط من (أ)
(3) قارن ما ذكره الآمدي هنا بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار 2/ 126، 284 وما بعدها.
(5/218)
________________________________________
ولأن القضية الضرورية، ما يصدق العقل بها، من غير توقف على شيء غير تصور مفرداتها، ومن تصور شخصا ما، وتصور معنى العصمة، لا يجد من نفسه التصديق بكونه معصوما، إلّا بدليل يدل عليه، وإلّا كان كل شخص يتصوره، مع تصور العصمة فى الجملة، يكون معصوما؛ وهو محال «1».
فإذا اعتقاد كون شخص من الأشخاص معصوما؛ لا بدّ له من دليل، وكل دليل يدل على عصمته؛ فدلالته موقوفة علي كونه، معصوما فى نفس الأمر، فإنه بتقدير أن لا يكون معصوما فى نفس الأمر؛ فيجب صرف دلالة الدليل على العصمة، إلى ما يليق بعدم العصمة.
فإذا قد توقفت دلالة الدليل على عصمته، على وجود عصمته، ووجود العصمة، متوقف على دلالة الدليل على العصمة؛ وهو دور ممتنع.
وكل ما يقال فى الجواب هاهنا، هو الجواب فيما نحن فيه، ويدل على ما ذكرناه [من] «2» الإلزامات.
قولهم: فى الإلزام الأول، لا نسلم أن عليا لم ينكر.
قلنا: الأصل عدم النكير، فمن ادعاه احتاج إلى بيانه.
قولهم: إنّه صرّح بالنّكير لا نسلمّ، وكل ما يذكرونه فى الدّلالة على ذلك قبل ولايته، وبعد ولايته، فهو من التّخرّصات، والأكاذيب التى لم تنقل على ألسنة الرواة الثقات؛ فلا اعتماد عليها.
ثم [إنه] «3» لا يخلو: إمّا أن يكون ما نقلوه عنه- عليه السلام- من إظهار الإنكار صحيحا، أو لا يكون صحيحا.
فإن لم يكن صحيحا: فهو المطلوب، وإن كان صحيحا: فلا يخلو: إما أن يكون محقا فيه، أو مبطلا.
فإن كان محقا فيه: فقد أخطأ فى المبايعة. وإن كان مبطلا فيه: فقد أخطأ فى الإنكار؛ وعلى كلا التّقديرين لا يكون معصوما من الخطأ «4».
________________
(1) قارن بما ذكره القاضى فى عصمة الأئمة، ومناقشاته لها 20/ 57، 20/ 96.
(2) ساقط من (أ)
(3) ساقط من (أ)
(4) قارن بما ذكره ابن حزم فى الفصل فى الملل والنحل 4/ 96. وما ذكره القاضى عبد الجبار فى المغنى 20/ 284 وما بعدها.
(5/219)
________________________________________
فلئن قالوا: إنّما بايع تقيّة.
قلنا: «11» // لو كان كذلك؛ لما أنكر أيضا تقيّة، فإنّه لا فرق فى المخافة بين أن لا يبايع، وبين أن يبايع مع تصريحه بالإنكار، والمخالفة.
كيف وأن دلالة ما ذكروه على النكير، متوقّفة على إبطال إمامة أبى بكر؛ فإنه لو كان إماما حقا؛ لما أنكر عليّ ذلك؛ لأنّه يخرج به عن كونه معصوما، فإذا حمل ما وجد منه من الدّلائل، على حقيقة- الإنكار، متوقّف على إبطال إمامة أبى بكر، وإبطال إمامته، متوقف/ على دلالة ما وجد من على على حقيقة الإنكار؛ وهو دور على ما ذكروه فى دليل إبطال العصمة [فإن أبطلوه هاهنا بما ذكرناه؛ فقد اعترفوا ببطلان ما ذكروه، على دليل إبطال العصمة] «1»، مع أنه من أكبر عمدهم فى إثبات العصمة.
قولهم: إنما بايع ظاهرا للتقية؛ فقد سبق إبطالها فى أول الجواب «2».
قولهم: إنّما كان يدخل فى آرائهم لقصد إرشادهم عمّا شذّ عنهم.
قلنا: إلا أن أصل تصرفهم فى الأمور السّياسية، وما يتعلق التّصرف فيه بالإمام، غير مسوغ لهم شرعا، عند الخصوم، وقد كان يدخل معهم فى آراء السّياسة المتعلقة بالإمام، والإرشاد إلى فعل ما لا يسوغ شرعا؛ غير جائز «3».
قولهم: إنه كان يقتدى بهم فى الصّلاة، غير ناو للاقتداء بهم؛ فهو خلاف ما يدل عليه الاقتداء ظاهرا، ومجرد احتمال التّقصير؛ لا يقدح فى الدلالة الظاهرة؛ لما سبق.
كيف وأن اقتداء المنفرد بصلاته، ومتابعته لأفعال غيره، إذا لم يكن مؤتما به مبطل للصّلاة بإجماع المسلمين، فلو صدر منه؛ لما كان معصوما.
قولهم: إنّما كان يأخذ عطيتهم؛ لأنّ ذلك كان حقا له.
قلنا: إنّما يكون حقا أن لو كان سبب اكتسابه مسوّغا فى الشرع، وغير عليّ من الأئمة الثلاثة غاصب عند الخصوم، وتصرّف الغاصب، غير مسوّغ فى «4» الشّرع «4»؛ فلا يترتب عليه حق شرعى.
________________
(11) // أول ل 169/ أ.
(1) ساقط من (أ)
(2) انظر ما مر ل 291/ أ.
(3) قارن بالمغنى فى أبواب التوحيد والعدل 20/ 286 وما بعدها من القسم الأول.
(4) ساقط من (ب)
(5/220)
________________________________________
قولهم: لا نسلم [أنه] «1» استباح ووطئ سبيهم.
قلنا: دليله الحنفية.
قولهم: إنه أعتقها، وتزوّجها.
قلنا: بعتقه لها دليل اعتقاده سابقه الملك له عليها، ومن لوازم ذلك، اعتقاد حل وطئها.
قولهم: إنّما زوّج ابنته من عمر، تقية، ومخافة؛ لا نسلم ذلك. ولا بدّ لهم فى ذلك من دليل، وكل ما يذكرونه فيه، فممّا انفردوا بنقله عن الثقات المعتبرين؛ فلا يقبل.
كيف وأن عمر عند الخصوم كان فى اعتقاد عليّ- عليه السلام- كافرا مرتدا، والتزويج من الكافر غير جائز للتقية؛ فإنه لو زوّج ابنته من يهودى، أو نصرانى للتقية؛ فإنه لا يجوز بموافقة منهم، ولا يخفى أن حال المرتد، من حيث أنه لا يقر شرعا على ردته، أسوأ حالا من الكتابىّ، من حيث أنه يجوز إقراره على دينه، فإذا لم يجز ذلك فى الكتابى؛ ففى المرتد أولى.
وأما تولية العباس للتزويج، فإنما كان لما قد جرت به العادة، من أن الآباء لا يباشرون تزويج بناتهم، وليس فى ذلك، ما يدل على أنه كان عن مخافة.
قولهم: الحامل له على الدخول فى الشورى ظاهرا، ما كان حاملا له على البيعة؛ فهو باطل بما سبق أيضا.
قولهم: وبتقدير أن يكون راضيا بالدخول فى الشورى، إنما كان لظنه الوصول بذلك إلى حقه.
قلنا: غلبة الظن تستدعى ترجيح أحد الجائزين المتقابلين على الآخر؛ وذلك يستدعى ظهور الدليل الراجح، وهو غير متحقق فى حالة الشورى؛ لترجيحه- عليه السلام- للإمامة؛ بل ربّما كان بالعكس؛ لأن تعيينه دون الخمسة الباقين، إنما يكون بتعيين الصحابة له، والصحابة عند الخصوم قد كانوا أعداء لعلى، وتعيينه للإمامة من عدوه بعيد، ومع ذلك فلا ظن.
________________
(1) ساقط من (أ).
(5/221)
________________________________________
قولهم: إنه إنما فعل ذلك؛ لتمكنه/ من الاحتجاج عليهم بالأخبار الدالة عن التنصيص عليه.
قلنا: فذلك يستدعى وجود النص عليه؛ وهو غير مسلم على ما سبق. وبتقدير أن يكون منصوصا عليه؛ فإنكارهم للنّصّ عليه قبل دخوله فى الشورى، لا يزيد على إنكارهم له بعد دخوله فى الشورى؛ بل ربّما كان إنكارهم للنّصّ عليه بعد رضاه بالدّخول فى الشّورى [أزيد منه قبله؛ فإنه قد يقال له: لو كنت منصوصا عليك؛ لما رضيت] «1» بالدخول فى الشورى؛ لاعتقاد بطلانها؛ والباطل لا يرضى به المعصوم.
قولهم: إنما لم يعلم الناس بمذهبه، ولم يظهره لهم، قبل عود الأمر إليه وبعده؛ تقية وخوفا من وحشة «11» // المخالفة.
قلنا: ليس كذلك، فإن الصّحابة- رضى الله عنهم- ما زالوا فى الوقائع مختلفين فى الأحكام، ويخالف بعضهم بعضا، كما فى مسألة الجد مع الإخوة والأخوات، ومسألة العول، وقوله: أنت عليّ حرام، إلى غير ذلك من المسائل الفقهية، ولم ينقل إفضاء ذلك إلى وحشة، ولا فتنة.
وعلى هذا فلو ظهر ما اختص به من المسائل الفقهية قبل عود الأمر إليه، وبعد عود «2» الأمر إليه «2»؛ لم يكن ذلك ممّا يتوقع معه المخافة؛ فإنه ما كان يتقاصر فى ذلك عن آحاد المجتهدين، ولم يمتنع أحد من المجتهدين من إظهار مذهبه خوفا؛ فعلى أولى بذلك «3».
قولهم: إنه- عليه السلام- ما حكّم أعداءه اختيارا؛ بل اضطرارا على ما قرروه.
قلنا: أصحابه وإن كانوا ألجئوه إلى التحكيم؛ لكن لا إلى تحكيم الرجال؛ بل إلى تحكيم كتاب الله، وسنة رسوله؛ ولهذا فإنه لما حكم عمرو بن العاص، وأبا موسى الأشعرى؛ كانت حجة للخوارج عليه: «إنك حكّمت فى دين اللّه الرجال» «4».
________________
(1) ساقط من (أ)
(11) // أول ل 169/ ب.
(2) (الأمر إليه) ساقط من ب.
(3) قارن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 1/ 67، 68، 73.
(4) انظر الفصل فى الملل والنمل لابن حزم 4/ 95. وانظر مروج الذهب ومعادن الجوهر 2/ 384 فقد ذكر المسعودى موقعة صفين وما جرى فيها من الحوادث بالتفصيل. وخدعة رفع المصاحف، كما تحدث عن الحكمين وبدء التحكيم، وما حدث بعده من الخوارج بالتفصيل.
(5/222)
________________________________________
وإن سلمنا أنه كان ملجأ إلى تحكيم الرجال من أصحابه؛ ولكن لا نسلم أنه كان ملجأ إلى تحكيم أعدائه، وقوم معينين: كعمرو بن العاص، ونحوه، وكل ما يقال فى إلجائه إلى تحكيم عمرو بن العاص، وأبى موسى الأشعرى بعينهما؛ فهو من باب الكذب، والتخرص الّذي لا سبيل إلى إثباته بنقل من نقل الثقات، ويدل على ما ذكرناه الشعر المنقول عنه؛ فإنه يدل على أنه أخطأ فى التحكيم.
قولهم: إنما أراد به ما نقلوه عنه، من كتاب محمد بن أبى بكر، واعتراض معاوية له؛ ليس كذلك؛ فإنه ذكره عقيب التحكيم، وخروج الخوارج عليه بسببه؛ وذلك يوجب القطع بأنه إنّما أراد به التحكيم الّذي بسببه انفتق عليه الخرق من الخوارج، وانفلج عليه الحكم، وفسد به حاله، واستظهر به أعداؤه، إلى حالة مماته ولهذا قال: «لقد عثرت عثرة لا أنجبر».
واعتراض معاوية لكتاب محمد بن أبى بكر لم يكن من العثرات المؤثرة، ولا من الأمور الموجبة، لاختلال حال عليّ، بخلاف التحكيم، على ما لا يخفى؛ وذلك يوجب القطع بضعف ما نقلوه، وكذب ما أوردوه.
قولهم: إنما لم يجعل مال قتلى وقعة الجمل فيئا؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنهم مسلمون، وأنهم كانوا ملتزمين لأحكام الاسلام، ومن هو بهذه المثابة فمن مذهبه- عليه السلام- أن ماله لا يكون فيئا.
قلنا: فيلزمهم أن يكون مخطئا فى اعتقاده [أن] «1» مال المرتدين من بنى حنيفة فيئا؛ لأنهم كانوا بهذه/ المثابة، وعلى هذه الصفات، ويدل على اعتقاده ذلك، أنه اشترى الحنفية من السّابين لها.
وعند ذلك فلا يخلو إما أنه كان معتقدا لصحة الشراء، أو غير معتقد له.
لا جائز أن يقال: إنّه لم يكن معتقدا لصحة الشراء؛ لوجهين:
الأول: أنهم قد نقلوا أنه أعتقها، والعتق يستدعى سابقة الملك ولا ملك، ولا سبب له غير الشراء.
الثانى: أنه لو لم يكن الشراء صحيحا فى معتقده؛ لما جاز له تسليم الثمن إلى البائع؛ لأن تصرفه فيه يكون حراما، والتمكين من فعل الحرام حرام، ويلزم من ذلك خروجه عن كونه معصوما.
________________
(1) ساقط من (أ)
(5/223)
________________________________________
وإن كان معتقدا لصحة الشراء: فيلزمه اعتقاد كونها فيئا، وما ذكروه من الخبر، فمن أخبار الآحاد، التى لا توجب القطع بنفى الخطأ عنه.
قولهم: إن قتل الزبير، لم يكن حراما.
قلنا: فلا معنى لبشارة قاتله بالنار.
وقولهم: إنما بشّره بالنار نظرا إلى عاقبة أمره، وما جرى له من مقاتلة عليّ ليس كذلك، فإنا نعلم علما ضروريا، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- ذكر ذلك الخبر فى حق الزبير فى معرض التعظيم له، والتفخيم من أمره، وهو المتبادر من لفظه عند اطلاقه.
وحمل كلام النبي- صلى الله عليه وسلم-، على تبشير قاتل ابن صفية بالنار؛ لكونه يقاتل عليا ففى غاية البعد، والإلغاز من القول، وكلام النبي المشرع ينزه عنه.
ولو جاز مثل ذلك فى كلامه- عليه السلام- لما بقى لنا بما يخاطبنا به من الألفاظ وثوق، فيما أمرنا به، ونهينا عنه، وفى جميع أحكام التكاليف؛ لاحتمال أن يريد به، ما لم يظهر لنا من كلامه. ويظهر بذلك كلام الملاحدة، فى إبطال الشرائع بناء على قولهم: إن كلام اللّه تعالى، والرسول له ظاهر، وباطن، وأن المراد به الباطن، دون الظاهر؛ وهو محال.
قولهم: فى قضية أمهات الأولاد: إن عليا إنما وافق عمر، تقية، وخوفا؛ ليس كذلك بدليل أمرين:-
الأول: أنه قال: «اتفق رأيى، ورأى عمر على امتناع بيع أمهات الأولاد» ولو كان كما ذكروه لما قال: «اتفق رأيى»؛ لأنه لم يكن ذلك رأيا له «11» //؛ فيكون كاذبا؛ بل كان ينبغى أن يقول: اتفق قولى، وقول عمر، أو رأى عمر.
الثانى: أنه قال: «و الآن فقد رأيت بيعهن» وذلك يدلّ على حدوث رأيه فى بيعهنّ [و إلا لقال: ورأيى بيعهن] «1».
وما ذكروه من الأخبار، فأخبار آحاد، لا توجب القطع بعصمته.
قولهم: إن خطبة على لبنت أبى جهل لم تثبت، ولم تصح.
________________
(11) // أول ل 170/ أ.
(1) ساقط من (أ)
(5/224)
________________________________________
قلنا: الحديث، حديث مشهور، ولم يوجد له نكير ممّن يوثق به؛ فكان حجة.
قولهم: إنه لو فعل عليّ ذلك؛ لما ساغ من النّبيّ إنكاره عليه؛ لكونه فعلا مباحا.
قلنا: الاحتجاج إنما هو بقول النّبيّ- صلى الله عليه وسلم-: «إن عليا قد آذانى» ولا شك أن إيذاء النبىّ محرم.
وعند ذلك: فإما أن يكون إيذاؤه بما عطفه على قوله: «و خطب بنت أبى جهل»، أو بغيره.
فإن كان الأول: فالخطبة/ لا تكون مباحة؛ بل محرمة.
وإن كان بغيره: فلم يكن منكرا للخطبة حتى يلزم ما قيل.
قولهم: خلع الحسن- عليه السلام- نفسه عن الإمامة، إنما كان؛ لأنه ظنّ هلاك نفسه، وشيعته، بتقدير البقاء على الإمامة؛ فكان ملجأ إلى ذلك غير مختار.
قلنا: نحن نعلم علما ضروريا، أن خوف الحسن على نفسه، وشيعته، بتقدير بقائه على الإمامة، لم يكن منتهيا إلى خوف الحسين، من خروجه إلى الكوفة.
ولهذا فإن أكثر أصحاب الحسن، وشيعته كانوا يلومونه على خلع نفسه من الإمامة، حتى أنهم سمّوه مذلّ المؤمنين، على ما سبق.
وأكثر أصحاب الحسين وشيعته، كانوا يلومونه على الخروج، إلى الكوفة: كابن عباس، وابن عمر، وغيرهما من سادات الصحابة، ولو لا أن الخوف اللازم [من خروج الحسين إلى الكوفة أتم] «1» من الخوف اللازم من، بقاء الحسن على الإمامة؛ لما كان كذلك.
وعند هذا فإما أن يكون ما انتهى إليه خوف الحسن، مجوّزا لخلع نفسه، وترك ما وجب عليه، أو لا يكون كذلك.
فإن كان الأول؛ لزم أن يكون الحسين، قد أوقع نفسه فى التهلكة مع غلبة الظن بوقوعها؛ فإنا بيّنا أن خوف الخروج إلى الكوفة، أتم من خوف بقاء الحسن على الإمامة، وإلقاء النفس فى التهلكة، مع ظن وقوعها حرام؛ فلا يكون الحسين معصوما.
________________
(1) ساقط من (أ).
(5/225)
________________________________________
[و إن كان خوف الحسن لم ينته إلى حد يجوّز معه خلع نفسه من الإمامة، فخلعه لنفسه عنها مع وجوب طلبه لها بكونه معصوما، يخرجه عن كونه معصوما] «1»، وكيف ما دار الكلام؛ فلا بدّ من تخطئة أحدهما.
ثم لو كان خلعه لنفسه عن الإمامة تقية، وخوفا؛ فما الوجه فى الاقتداء بهم، وأخذ عطائهم.
قولهم: [الكلام] «2» فيه ما سبق فى قصة عليّ- عليه السلام-.
قلنا: والكلام أيضا فى إبطال ما ذكروه؛ فكما تقدم.
قولهم: إنّما لم ينزل الحسين على أمان عبيد اللّه بن زياد؛ لأنه ظهر له أنه لا بدّ له من قتله، وقتل شيعته؛ فامتنع عن النزول عليه؛ دفعا للجمع، بين القتل، وذلّ النزول [على أمانه] «3».
قلنا: وبتقدير أن يغلب على ظنّه أنه لا بدّ من قتله بعد النزول على الأمان، غير أن غلبة الظنّ بذلك، بتقدير عدم الأمان على النزول، يكون أعظم ضرورة، ومهما اجتمع طريقان؛ فلا بدّ من سلوك أحدهما، والظّن بالهلاك فى أحدهما أغلب، من ظن الهلاك فى الثانى؛ فإنه يجب سلوك أقرب الطريقين إلى السلامة.
[عند ذلك] «4» فسلوكه لأقربهما هلاكا، يكون به تاركا للواجب، ويخرج بذلك عن كونه معصوما.
قولهم: إن القائم المهدى إنما اختفى للخوف من أعدائه، مع ظهورهم واستيلائهم.
قلنا: فكان الواجب أن لا يختفى من شيعته.
قولهم: غير ممتنع أن يكون ظاهرا لبعض شيعته الذين لا يخشى من جهتهم إشاعة خبره.
قلنا: لا يخفى أن الأحوال تختلف باختلاف الأماكن والأوقات، ونحن نعلم بالضرورة، أن أولياءه قد يستظهرون/ فى بعض الأوقات، وفى بعض الأماكن على أعدائه، وتكون الغلبة لهم عليهم، فلو كان ممّن يظهر لبعض شيعته عند أمنه من
________________
(1) ساقط من (أ)
(2) ساقط من (أ)
(3) ساقط من (أ)
(4) ساقط من (أ)
(5/226)
________________________________________
الخوف؛ لظهر عند ظهور شيعته واستيلائهم على أعدائه، فى بعض الأماكن، والأوقات.
وقد اتفق ذلك كثيرا فى كثير من الأزمان، وكثير من الأماكن، ولم يتفق ظهوره لهم أصلا.
وبهذا يبطل قولهم: إنه إنما لم يظهر مطلقا، خوفا من توقع الإشاعة، فإنه لا ضرر عليه فى الظهور فى محل استيلاء شيعته على أعدائه، وإن شعر به أعداؤه؛ فكان من الواجب ظهوره بينهم. ثم يلزم من «11» // ذلك عدم الفائدة فى إبقائه.
قولهم: فائدة بقائه توقع ظهوره عند زوال المخافة.
قلنا: ليس ذلك أولى من عدمه، ووجوده عند زوال المخافة.
قولهم: عهدة ما يفوت من المصالح عليهم باختفاء شخصه، خوفا منهم تكون عائدة عليهم، بخلاف ما إذا أعدمه اللّه تعالى.
قلنا: وإذا كان عدمه لبطلان فائدة وجوده، وبطلان فائدة وجوده، مستند إلى الخوف منهم، فالعهدة أيضا فيما يفوت عليهم من المصالح حالة عدمه، تكون راجعة عليهم.
قولهم: فى الإلزام الخامس إنّ الأنبياء معصومون؛ فقد أبطلناه فيما تقدم.
قولهم: وإن قدر أن النبي ليس بمعصوم؛ لا يلزم أن يكون الإمام أفضل منه.
قلنا: دليله ما ذكرناه.
قولهم: إن النبي يعرف ذنبه بالوحى [فيتوب] «1» بخلاف الإمام.
قلنا: هذا إنّما يلزم أن لو لزم نزول الوحى بذلك؛ وهو غير مسلم. وبتقدير التسليم، فقد يتوب عن ذلك، وقد لا يتوب، وبتقدير لزوم التوبة إذا كان الذنب بترك واجب، فغايته انتفاء الإثم، ولكن لا يلزم منه الثواب عليه، بخلاف من أتى به، ولم يتركه؛ فإنه مثاب عليه، ولا معنى للأفضل، إلّا أن ثوابه أكثر.
فلئن قالوا: إذا تاب؛ فلا بدّ وأن يقضى ما فاته من الواجب.
قلنا: وقد لا يتفق قضاؤه، وبتقدير قضائه؛ فلا يخفى أن ثواب الأداء أكثر من ثواب القضاء، لقوله- عليه الصلاة والسلام- حكاية عن ربه: «لن يتقرب المتقربون إلى بمثل
________________
(11) // أول ل 170/ ب.
(1) ساقط من (أ).
(5/227)
________________________________________
أداء ما افترضت عليهم» «1»، وبتقدير أن يكون مساويا له فى الثواب؛ يلزم أن يكون الإمام، مساويا للنبى فى الفضيلة؛ وهو محال مخالف للإجماع.
قولهم: ما ذكرتموه معارض بما يدل على [وجود] «2» العصمة؛ لا نسلم وجود المعارض.
قولهم: فى الشبهة الأولى: إن الاحتياج إلى الإمام، إنما كان لتكون الأمة أبعد عن فعل الخطأ، وأقرب إلى فعل الواجب؛ فهو مبنى على وجوب رعاية الحكمة فى أفعال اللّه- تعالى- وأحكامه، وقد أبطلناه فى التعديل والتجوير «3».
وإن سلمنا أنه لا بد من رعاية الحكمة؛ ولكن لا نسلم أن الغرض من نصب الإمام ما ذكروه؛ بل إنما الغرض من ذلك ما ذكرناه من حصول الأمن الّذي لا يحصل إلّا بنصب الإمام، وتدبير الأمور السياسية، كما سبق تفصيل القول/ فيه فى الفصل الأول من هذا الأصل «4»؛ وذلك غير متوقف على عصمة الإمام.
وإن سلمنا أن الغرض ما ذكروه؛ لكن القدر الّذي يحصل من ذلك بنصب الإمام مطلقا، أو من نصب الإمام المعصوم؟ الأول: مسلم. والثانى: ممنوع، فلم قلتم بأن ما زاد على ذلك القدر يكون مطلوبا للشارع.
قولهم فى الشبهة الثانية: إن الإمام تجب متابعته. إما أن يريدوا بذلك الوجوب العقلى، أو السمعى.
فإن كان الأول: فهو ممنوع على ما عرفناه من امتناع الوجوب العقلى «5».
وإن كان الثانى: فقد قصّروا فى الدلالة عليه، أمّا ما ذكروه من جهة اللغة؛ فلأن اللغة لا دلالة لها على الوجوب الشرعى «5».
وأما ما ذكروه من الإجماع؛ فلأن الاحتجاج بالإجماع عندهم إنما يصح بتقدير دخول الإمام المعصوم فيه، وهو فرع دلالة الإجماع؛ فيكون دورا.
________________
(1) ورد فى صحيح الامام البخارى بلفظ «و ما تقرب إلى عبدى بشيء أحب إلى مما افترضت عليه» والوارد هنا جزء من الحديث. (صحيح البخارى 8/ 131).
(2) ساقط من (أ)
(3) انظر ما سبق فى القاعدة الرابعة- النوع السادس- الأصل الأول فى التعديل والتجويز ل 186/ أ وما بعدها.
(4) أنظر ما سبق ل 263/ أ وما بعدها.
(5) من أول (و إن كان الثانى: ... إلى: الوجوب الشرعى) ساقط من ب.
(5/228)
________________________________________
وإن سلمنا صحة ما ذكروه من الدلالة على وجوب متابعة الإمام؛ ولكن لا نسلم دلالة ذلك على عصمته.
وما ذكروه من الدلالة عليه فهو منقوض بالقاضى؛ فإنه يجب على الرعية متابعة [حكمه، ومنقوض بالشاهد؛ فإنه يجب] «1» متابعة الحاكم له فى قبول قوله، ولم يشترطوا العصمة فى القاضى، والشاهد إجماعا «2». وكل ما يذكرونه فى ذلك؛ فهو جواب فى فصل الإمام.
قولهم فى الشبهة الثالثة: إن الشريعة لا بدّ لها من ناقل معصوم.
سلمنا أنها لا بدّ لها من ناقل؛ لكن لا نسلم أنه يجب أن يكون معصوما، ولم قلتم إنه لا يكفى أن يكون قول الناقل مغلبا على الظن؟
وإن سلمنا أنه لا بدّ وأن يكون معصوما؛ لكن لم قلتم أنه الإمام؟ وما المانع أن يكون الناقل المعصوم هم الأمة؟ «3»
قولهم: عصمة الأمة موقوفة على دلالة النصوص ممنوع؛ بل عصمة الأمة إنما هو مستفاد من دليل العادة، وهو استحالة اجتماعهم على الخطأ، عادة كما هو معروف فى كتب الأصول.
وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على كون الناقل لذلك إنما هو الإمام المعصوم؛ لكنه معارض بما يدل على عدمه؛ وذلك لأنه لو كان الإمام المعصوم شرطا فى نقل الشريعة؛ للزم منه تعطيل الشريعة، فى وقتنا هذا، وأن لا يكون الخصوم، على دين الإسلام ضرورة اختفاء الناقل المعصوم، وعدم معرفته كما هو مذهبهم «4».
قولهم فى الشبهة الرابعة: لو لم يكن الإمام معصوما فبتقدير وقوعه فى المعصية، إما أن يجب الإنكار عليه، أو لا يجب. الخ. يلزم عليه القاضى والسلطان «11» // المنصوب من جهة الإمام؛ فإنه غير معصوم بالإجماع فبتقدير وقوعه فى المعصية: إما أن يجب الإنكار عليه، أو لا يجب.
________________
(1) ساقط من أ.
(2) قارن به ما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 75 وما بعدها.
(3) انظر المغنى فى أبواب التوحيد والعدل 20/ 1/ 78 وما بعدها، وتفسير الرازى 10/ 148، 149.
(4) انظر الأربعين فى أصول الدين للرازى ص 437.
(11) // أول ل 171/ أ من النسخة ب.
(5/229)
________________________________________
فإن كان الأول: فاما أن يجب ذلك على الرعية وحدهم، أو [على] «1» الإمام وحده، أو على الإمام، والرعية معا.
فإن كان الأول: لزم الدور/ كما ذكروه.
وإن كان الثانى: فهو محال؛ لأن الإمام بتقدير انفراده بالإنكار وحده قد لا يقدر على الإنكار على من نصبه لقوة شوكته؛ فلا يكون الإنكار عليه واجبا.
وإن كان الثالث: فقد لزم الدور أيضا وكل ما يقال فى الجواب عن الأمير، والقاضى؛ فهو جواب له عن الإمام.
قولهم فى الشبهة الخامسة: إن الأمة قد اختلفت فى أحكام ليست فى كتاب اللّه، ولا السنة المتواترة مسلم؛ ولكن لم قلتم إنه لا بد من الإمام المعصوم، وما المانع أن يكون طريق معرفتها القياس، وخبر الواحد، واستصحاب الحال، كما قد عرف كل ذلك فى كتب الأصول.
قولهم: إن ذلك لا يفيد غير الظن، والظن غير معمول به للآية المذكورة.
قلنا: فيلزمهم على هذا أن لا تكون الظواهر من الكتاب، والسنة أيضا حججا فى الشريعة، وهو خلاف إجماع المسلمين، وقوله- عليه السلام-: «نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر» «2» وعلى هذا فيجب تخصيص قوله تعالى: إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً «3» بالقطعيات دون الظنيات.
قولهم فى الشبهة السادسة: إن القرآن قد دخله التحريف، والتبديل، ليس كذلك؛ بل هو محفوظ مضبوط؛ لما بيناه من تواتره وتواتر جميع آياته عن النبي صلى اللّه عليه وسلم-، وما ذكروه من دلائل ذلك: فقد سبق جوابها فى النبوات «4».
قولهم: إنه مشتمل على ألفاظ مجملة.
قلنا: ما كان منه نصا؛ وجب اتباعه، وما كان منه ظاهرا فى معنى ومحتملا لمعنى [آخر] «5»؛ فيجب أيضا حمله على ظاهره، إلا أن يقوم دليل الاحتمال البعيد.
________________
(1) ساقط من أ.
(2) الحديث فى الفوائد المجموعة 200 وهو موضوع. ومع ذلك يحتج به أهل الأصول.
(3) سورة يونس 10/ 36.
(4) انظر ما مر فى القاعدة الخامسة.
(5) ساقط من أ.
(5/230)
________________________________________
وما كان منه مجملا فيتوقف فيه إلى حين ظهور دليل أحد مدلولاته؛ فإن ظهر:
عمل به، وإلا وجب البقاء على الوقف. وأما أن يتوقف ذلك على أخبار المعصوم؛ فلا.
ودليله إجماع الصحابة على العمل بالظواهر، وقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:
«نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر».
قولهم فى الشبهة السابعة: إن الإمام لا بدّ وأن يكون منصوصا عليه باطل بما سبق.
وإن سلمنا أنه لا بدّ وأن يكون منصوصا عليه؛ لكن لم قلتم أنه لا بدّ وأن يكون معصوما.
قولهم: لأنه لا يجوز على الحكيم تولية من يعلم باطنه الفساد؛ فهو مبنى على التقبيح العقلى؛ وهو باطل بما سبق «1».
وإن سلمنا التقبيح عقلا؛ فما المانع من ذلك بتقدير أن يعلم اللّه- تعالى- صلاحنا فى اتباع ذلك الشخص، وفى توليته علينا. وإن كان غير معصوم فى نفسه.
وعلى هذا فالتنصيص عليه لا يكون قبيحا.
وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على امتناع تولية من ليس بمعصوم؛ لكنه منقوض بتنصيص الرسول على القاضى، والأمير/ فإنه تولية منه له، وإن لم يكن معصوما بالإجماع.
قولهم فى الشبهة الثامنة: إن معرفة اللّه تعالى واجبة، مسلم.
قولهم: إما أن يكون العقل مستقلا بالمعرفة، أو غير مستقل بها.
قلنا: المستقل بالمعرفة لا مطلق نظر؛ بل النظر الصحيح على ما تقدم فى قاعدة النظر «2».
وعلى هذا فلا نسلم إفضاء النظر [الصحيح] «3» إلى المذاهب المتناقضة.
________________
(1) انظر ما مر فى القاعدة الرابعة- النوع السادس- الأصل الأول- المسألة الأولى: فى التحسين والتقبيح ل 175/ أ وما بعدها.
(2) انظر ما سبق فى القاعدة الثانية- الفصل الثالث: فى أن النظر الصحيح يفضى إلى العلم بالمنظور فيه، وإثباته على منكريه نهاية ل 18/ ب وما بعدها.
(3) ساقط من (أ).
(5/231)
________________________________________
قولهم: يجب تفويض أمر كل واحد إلى نظره.
قلنا: النظر الصحيح أو الفاسد؟ الأول: مسلم، والثانى: ممنوع.
وعلى هذا فالإنكار الحق إنما يتصور من الناظر النظر الصحيح على من نظره غير صحيح.
قولهم: يلزم من ذلك الاستغناء عن الإمام، والنبي.
قلنا: فيما يتعلق بالمعرفة، أو مطلقا؟ الأول: مسلم. والثانى: ممنوع.
وبيانه: أن الحاجة إلى النبي فى تعريف ما لا يستقل العقل بمعرفته من الأمور الشرعية.
وأما الإمام: فللأمن من المخاوف، والفتن، وتدبير الأمور السياسية، التى لا يستقل بها من ليس بإمام على ما سبق.
وما ذكروه فى إبطال النظر العقلى: إما أن يكون صحيحا، أو لا يكون صحيحا.
[فإن لم يكن صحيحا] «1»؛ فلا حاجة إلى جوابه.
وإن كان صحيحا: فقد اعترفوا بصحة النظر.
وإن سلمنا امتناع استقلال العقل بذلك؛ لكن لم قالوا بأنه لا بدّ من الإمام المعصوم؟
قولهم: لا يخلو إما أن يفتقر فى ذلك إلى معلم، أو لا يفتقر إليه.
قلنا: لا يفتقر إليه.
قولهم: فهذا تعليم بأنه لا حاجة إلى «11» // التعليم، لا نسلم؛ بل هو إبطال للتعليم مطلقا.
وإن سلمنا أنه لا بد من التعليم؛ لكن لم قلتم إن المعلم هو الإمام المعصوم؟
قولهم: لأنه إما أن يكون المعلم معصوما، أو غير معصوم.
قلنا: معصوم ولكن لا نسلم انحصار المعلم المعصوم فى الإمام؛ بل جاز أن يكون والنبي- صلى الله عليه وسلم- ووصول خبره إلينا بالتواتر المفيد لليقين.
________________
(1) ساقط من (أ)
(11) // أول ل 171 ب من النسخة ب.
(5/232)
________________________________________
وإن سلمنا أن المعلم المعصوم هو الإمام، ولكن متى تحصل المعرفة بقوله إذا عرفت عصمته، أو اذ لم تعرف الأول: مسلم. والثانى ممنوع.
وعند ذلك فمعرفة عصمته: إما أن تكون بمجرد قوله، أو لا لمجرد قوله.
الأول: محال، إذ ليس تصديقه فى دعواه العصمة، بمجرد قوله، أولى من تصديق غيره.
وإن كان الثانى: فلا بدّ من معرّف آخر؛ ويلزم منه إبطال القول بأنه لا معرّف إلا قول الإمام المعصوم.
وإن سلمنا [أن] «1» معرفة عصمته بمجرد قوله؛ ولكن إنما تحصل المعرفة بقوله بتقدير ظهوره، وأما بتقدير اختفائه فلا، والإمام عندهم غير ظاهر؛ ويلزم أن لا يكونوا عارفين باللّه- تعالى-؛ بل جاهلين به؛ لعدم تعريف الإمام لهم.
وأما قوله- تعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً «2» فقد سبق جوابه فى عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام «3».
وأما قوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «4» فغايته أنه أمر بطاعة أولى الأمر؛ وليس فيه/ ما يدل على عصمتهم «5».
قولهم: لو لم يكونوا معصومين؛ لكنا مأمورين بطاعتهم فيما هم مخطئون فيه؛ وهو محال؛ فهو باطل بأمرنا بطاعة القاضى، والأمير المنصوب من جهة الإمام، وكذلك أمر العبد بطاعة سيده، والزوجة بطاعة زوجها؛ فإنه جائز من اللّه ورسوله بالاتفاق، وإن لم يكن المأمور بطاعته فى هذه الصور كلها معصوما.
________________
(1) ساقط من (أ)
(2) سورة البقرة 2/ 124.
(3) انظر القاعدة الخامسة ل 175/ ب وما بعدها.
(4) سورة النساء 4/ 59.
(5) انظر تفسير الآية الكريمة فى تفسير الرازى 10/ 148 وما بعدها.
(5/233)
________________________________________
الفصل الرابع فى إثبات إمامة إمام الأئمة أبى بكر الصدّيق «1»
[الدليل على إمامته رضي اللّه عنه]
ودليل إثباتها اتفاق الأمة بعد وفاة رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- على نصبه، وعقد الإمامة له، واتّباع الناس له فى أيام حياته، وموافقتهم له فى غزواته، ونصبه للولاة والحكام، ونفوذ أوامره، ونواهيه، فى البلدان؛ وذلك مما شاع وذاع، وعلم بالتواتر علما لا ريب فيه، كما علم وجود النبي- صلى اللّه عليه وسلم- ودعواه بالرسالة؛ وذلك دليل على إثبات إمامته وصحة نصبه، وإقامته «2».
________________
(1) عبد الله بن أبى قحافة عثمان بن عامر، التيمى، القرشى أبو بكر- رضي اللّه عنه- أول الخلفاء الراشدين، وأول من آمن برسول الله صلى اللّه عليه وسلم من الرجال ولد بمكة سنة 51 قبل الهجرة. أحد عظماء العرب فى الجاهلية وفى الإسلام كان من كبار موسريهم، ومن أكثرهم علما، وكانت العرب تلقبه بعالم قريش حرّم على نفسه الخمر فى الجاهلية، فلم يشربها.
كانت له فى عصر النبوة مواقف عظيمة؛ فضحى بماله من أجل نصرة المستضعفين من المسلمين؛ فكان يشترى الأرقاء منهم ويعتقهم. كما شهد كل الحروب مع رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- واحتمل الشدائد. ومواقفه مع الرسول معروفه، وأقوال الرسول فيه مشهورة. ولما بويع بالخلافة بعد وفاة رسول الله صلى اللّه عليه وسلم، كانت له مواقف عظيمة فقد حارب المرتدين، وجيش الجيوش؛ واتفق له قواد عظام أمناء مؤمنين مخلصين كخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الحراج، والعلاء بن الحضرمى، ويزيد بن أبى سفيان، والمثنى بن حارثة وفتحت فى أيامه معظم بلاد الشام وقسم كبير من العراق.
كان رضى الله عنه أحد المبشرين بالجنة، ولقبه الصديق فى الجاهلية والإسلام. وكان موصوفا بالحلم والفصاحة والشجاعة، توفى بالمدينة سنة 13 ه وكانت مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر ونصف. له فى كتب الحديث (142) حديثا.
[صفة الصفوة 1/ 88 - 101، والإصابة ت 4808، والأعلام 4/ 102].
(2) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ورد هنا. يرجع إلى المصادر التالية:
الإبانة عن أصول الديانة للإمام الأشعرى ص 204 وما بعدها، واللمع له أيضا ص 131 والتمهيد للباقلانى ص 187 وما بعدها. وأصول الدين للبغدادى ص 281 وما بعدها والإرشاد لإمام الحرمين الجوينى ص 240 وما بعدها، ولمع الأدلة له أيضا ص 115 وما بعدها والأربعين للرازى ص 439 وما بعدها، ومعالم أصول الدين له أيضا ص 170 وما بعدها وغاية المرام للآمدى ص 387 وما بعدها.
ومن كتب المعتزلة: المغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار 20/ 279 وما بعدها، والمعتمد فى أصول الدين ص 225 وما بعدها، وشرح الأصول الخمسة ص 750 وما بعدها.
ومن كتب المتأخرين عن الآمدي: شرح المواقف للجرجانى- الموقف السادس ص 295 وما بعدها، وشرح المقاصد للتفتازانى 2/ 209 وما بعدها ومنهاج السنة لابن تيمية 2/ 175 وما بعدها.
(5/234)
________________________________________
فإن قيل: أولا لا نسلم أنه كان من أهل الإمامة، ولا مستجمعا لشروطها المعتبرة فيها حتى تصح إمامته؛ فلا بد من بيان الأهلية أولا.
ثم بيان عدم أهليته لذلك من ثمانية أوجه:-
الأول: [أنه كان ظالما]
قوله تعالى لإبراهيم: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ ومِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ «1».
ووجه الاحتجاج به: أنّه أخبر أنّه لا ينال عهد الله؛ وهو الإمامة الظالمين، وأبو بكر كان ظالما؛ فلا يكون أهلا للإمامة.
وبيان أنه كان ظالما من وجهين:
الأول: أنه كان كان كافرا قبل البعثة. والكافر ظالم لقوله- تعالى- والْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ «2».
الثانى: أنه ظلم فاطمة، وبيان ظلمه لها أنه منعها من حق كان ثابتا لها، بميراثها من أبيها.
وبيان ذلك أن فدك «3» كانت للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-، ومات عنها. وفاطمة كانت مستحقة لنصفها، بحق الميراث، ودليله أمران:
الأول: قوله تعالى: وإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ «4» الثانى: أنّ فاطمة كانت معصومة عن الخطأ.
وبيان عصمتها من وجهين:-
________________
(1) سورة البقرة 2/ 124.
(2) سورة البقرة 2/ 254.
(3) فدك: قرية بخيبر كانت للنبى- صلى اللّه عليه وسلم- أفاءها الله على رسوله- صلى اللّه عليه وسلم- سنة سبع من الهجرة- بعد غزوة خيبر- صلحا. وتوفى رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- عنها: فطالبت السيدة فاطمة- رضى الله عنها- بميراثها. فذكر لها أبو بكر- رضي اللّه عنه- حديث رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- فى ذلك. وأوضح لها أن ما تركه الرسول صدقة- لا حق لها فيها.
قارن ما ذكره الآمدي هنا بما ذكره صاحب المغنى القاضى عبد الجبار فى كتابه المغنى 20/ 328 وما بعدها القسم الأول: فقد تحدث بالتفصيل عن الحوار الّذي دار بين السيدة فاطمة- رضى الله عنها-، وبين الصديق- رضي اللّه عنه-، وأجاب عن شبه الخصوم بالتفصيل- ووضح براءة الصديق- رضي اللّه عنه- مما ألصقه به الخصوم خاصة، والسيدة فاطمة- رضى الله عنها- قد اقتنعت، وكفت عن المطالبة- فأصابت أولا وثانيا.
(4) سورة النساء 4/ 11.
(5/235)
________________________________________
الوجه الأول: أنها كانت من أهل البيت بالاتفاق، وأهل البيت معصومون بدليل الكتاب، والسنة.
أما الكتاب: فقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «1»، أورد ذلك فى معرض الامتنان، والإنعام عليهم، والتعظيم لهم، وإنما يتم ذلك أن لو انتفى عنهم الرجس مطلقا، وإلا لبطلت فائدة ذلك؛ لمشاركة غيرهم لهم فى ذلك؛ فيلزم أن تكون فاطمة معصومة عن الخطأ مطلقا.
وأما السنة: فقوله عليه- الصلاة والسلام: «فاطمة بضعة منى «2»، والنبي- صلى اللّه عليه وسلم- معصوم؛ فبضعته تكون معصومة.
وإذا كانت معصومة/ فقد ادعت استحقاقها للميراث؛ فتكون صادقة فى دعواها.
الوجه الثانى: فى بيان عدم أهليته: أن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- لم يولّه شيئا فى حال حياته،
وحين بعث «11» // به إلى مكة؛ ليقرأ سورة براءة على الناس فى الموسم. نزل جبريل على النبي- صلى اللّه عليه وسلم- بعد ذلك: «إنه لا يؤدى عنك إلا أنت، أو رجل منك «3»؛ فبعث عليا فى أثره [و أمره] «4» أن يتناول منه السورة، ويقرأها على أهل مكة، وعزل أبا بكر عن ذلك؛ وذلك دليل على أنه ليس أهلا للإمامة، ولا لتأدية أمر الله- تعالى- عنه- «5».
الوجه الثالث: أنه- عليه لصلاة والسلام- عزله عن الإمامة بالناس،
لما أمّ بهم بأمر بلال عن عائشة، ومن لا يكون أهلا للإمامة فى الصلاة؛ لا يكون أهلا لإمامة الأمة «6».
الوجه الرابع: أن شرط الإمام أن يكون معصوما على ما تقدم، وأبو بكر لم يكن معصوما،
ودليله أمور أربعة:
الأول: اتفاق الأمة على ذلك.
________________
(1) سورة الأحزاب 33/ 33.
(2) ورد فى صحيح البخارى 7/ 131 حديث رقم 3767 «فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبنى». وقد ذكره البخارى فى كتاب فضائل الصحابة- 29 - باب مناقب فاطمة عليها السلام. وقال النبي- صلى اللّه عليه وسلم- «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة». وقارنه بشرح المواقف- الموقف السادس- ص 297، 298، 299.
(11) // أول ل 172/ أ.
(3) ورد فى مسند الإمام أحمد 4/ 164، سنن ابن ماجة 1/ 44.
(4) ساقط من أ.
(5) ذكر القاضى عبد الجبار هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل فى كتابه (المغنى 20/ 349 - 352 من القسم الأول) ووضح أنها دليل لإمامة أبى بكر، وليست طعنا فيها كما ظن الخصوم: وقارن بشرح المواقف للجرجانى- الموقف السادس ص 300.
(6) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة فيما سيأتى ل 299/ ب. قارن بشرح المواقف- الموقف السادس ص 300، 301.
(5/236)
________________________________________
الثانى: أنه قد نقل عنه بالنقل الصحيح، أنه قام على منبر رسول الله وقال: «إنّ لى شيطانا يعترينى، فإن استقمت فأعينونى، وإن عصيت؛ فتجنبونى» «1».
وعند ذلك فلا يخلو: إما أن يكون صادقا فيه، أو كاذبا.
فإن كان كاذبا؛ فلا يكون معصوما.
وإن كان صادقا؛ فقد ثبت أنه كان يعصى؛ فلا يكون معصوما أيضا.
الثالث: أنه خالف أمر رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم، ومخالفة أمره معصية.
وبيان ذلك: أنه لما جهّز النبي- صلى اللّه عليه وسلم- جيش أسامة فى مرضه الّذي مات فيه، وقال: «ملعون من تخلف عنه»، وكان عمر، وعثمان فيه، ومن جملة من يلزمه الخروج فيه؛ فحبس أبو بكر عمر عن الخروج معه «2».
الرابع: أنه سمّى نفسه خليفة رسول الله، وخليفة رسول الله من استخلفه، ولم يكن استخلفه؛ فكان كاذبا.
الوجه الخامس: فى بيان عدم أهليته: أنّ شرط الإمام أن يكون أفضل الأمة
كما تقدّم بيانه، وأبو بكر لم يكن كذلك، ودليله قوله: «وليتكم [و لست] «3» بخيركم، أقيلونى» «4» فهو لا يخلو: إما أن يكون كاذبا فى ذلك، أو صادقا.
فإن كان كاذبا: فالكاذب لا يكون خير الأمّة.
وإن كان صادقا: فهو المطلوب.
الوجه السادس: هو أنّ شرط الإمام أن يكون أعلم الأمة
كما تقدم. وأبو بكر لم يكن كذلك، فإنه لم يكن عالما بالشّرائع، فإنه أحرق فجاءة بالنار وهو يقول أنا مسلم.
وقطع يسار يد السارق؛ وذلك على خلاف الشرع.
________________
(1) ورد فى تاريخ الطبرى 3/ 224 «و إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن استقمت فتابعونى، وإن زغت فقومونى» ثم قال:
«ألا إن لى شيطانا يعترينى، فإذا أتانى فاجتنبونى». قارن بمسند الإمام أحمد 1/ 14، وقد ذكر القاضى عبد الجبار فى المغنى 20/ 338 القسم الأول: هذا القول: على أنه من شبه الخصوم: فقال: «شبهة أخرى لهم: قالوا: وكيف يصلح للإمامة من يخبر عن نفسه أن له شيطانا يعتريه، ويحذر الناس نفسه» ثم أجاب على هذه الشبهة بالتفصيل.
(2) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة بالتفصيل ل 299/ ب. قارن رد القاضى عبد الجبار على هذه الشبهة فى (المغنى 20/ 343 - 349 القسم الأول).
(3) ساقط من أ.
(4) قارن بالتمهيد للقاضى الباقلانى ص 195 وما بعدها فقد نقل القول على أنه من شبه الخصوم ورد عليه بالتفصيل.
وانظر غاية المرام للآمدى ص 388. أما القاضى عبد الجبار فقد ذكر هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل.
(المغنى 20/ 338، 339 القسم الأول).
(5/237)
________________________________________
وروى أنه سألته جدة عن ميراثها فقال: «لا أجد لك فى كتاب الله- تعالى- ولا سنة رسوله شيئا، ارجعى حتى أسأل الناس؛ فأخبره المغيرة بن شعبة، وغيره أن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- أعطاها السدس» «1»، فجعله لها إلى غير ذلك؛ وذلك دليل نقصه فى العلم بالشريعة/.
الوجه السابع: [شكه فى استحقاقه للإمامة]
أنه قال: «و ودت أنى سألت رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- عن هذا الأمر فيمن هو؛ فكنّا لا ننازعه أهله» «2»؛ وذلك منه دليل على شكّه فى استحقاقه للإمامة.
الوجه الثامن: [ذم عمر له]
أنّ عمر بن الخطاب مع أنه وليه، وحميمه، وناصره، والمتولى للعهد من قبله، قد نقل عنه ما يدل على ذمّه، والإنكار عليه، وأن بيعته وقعت لا عن أصل يبنى عليه، وهو أدل الأشياء على، عدم استحقاقه للإمامة.
أمّا ذمّه: فما روى عنه أنه جاءه عبد الرحمن بن أبى بكر، يشفع فى الحطيئة «3» الشاعر فقال: «دويبة سوء لهو خير من أبيه» «4».
وأما إنكاره عليه، حيث لم يقتل خالد بن الوليد «5»، ولم يعزله، وقد قتل مالك بن نويرة «6»، وهو مسلم، طمعا فى التزويج بامرأته لجمالها، حتى قال له عمر: «إن وليت الأمر لأقيدنك به» «7».
________________
(1) قارن بما ذكره صاحب المغنى (20/ 352، 353 القسم الأول) فقد ذكر هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل. وبما ورد فى شرح المواقف الموقف السادس ص 301.
(2) قارن بما ذكره صاحب المغنى (20/ 340، 341 القسم الأول) فقد ذكر هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل.
(3) الحطيئة: هو جرول بن أوس بن مالك- العبسى، شاعر مخضرم أسلم ثم ارتد، ثم تاب. قال أثناء ردته:
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا ... فيا لعباد الله ما لأبى بكر
أ يورثها بكر إذا مات بعده ... وتلك لعمر الله قاصمة الظهر
(خزانة الأدب 1/ 408).
(4) قارن بما ورد فى شرح المواقف للجرجانى- الموقف السادس- ص 302.
(5) خالد بن الوليد- رضي اللّه عنه- بن المغيرة المخزومى، القرشى سيف الله، الفاتح الكبير والقائد العظيم، والصحابى الجليل كان من أشراف قريش، أسلم قبل الفتح سنة 7 ه فسر به رسول الله صلى اللّه عليه وسلم وولاه الخيل، ولما ولى أبو بكر، وجهه لقتال المرتدين، ثم سيره إلى العراق ثم حوله إلى الشام. وكان رضي اللّه عنه من أعظم قواد عصره؛ بل من أعظم قواد العالم. قال عنه أبو بكر: عجزت النساء أن يلدن مثل خالد. روى له المحدثون (18) حديثا، وعن عبد الرحمن بن أبى الزناد أن خالد بن الوليد لمّا حضرته الوفاة بكى: فقال: «لقد لقيت كذا وكذا زحفا، وما فى جسدى شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح. وها أنا أموت على فراشى حتف أنفى كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء» [صفة الصفوة 1/ 245 - 247، الأعلام للزركلى 2/ 300].
(6) مالك بن نويرة: هو أبو حنظلة مالك بن نويرة بن حمزة من بنى يربوع، أسلم وولاه رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- صدقات قومه، وفى ارتداده عن الإسلام خلاف. فيقال إنه وزع الصدقات على قومه وارتد فقتله خالد بن الوليد وتزوج امرأته [الإصابة 3/ 336، والبداية والنهاية 6/ 322].
(7) قارن بما ورد فى المغنى 20/ 354، 355 القسم الأول. فقد ذكر القاضى هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل. وقارن بشرح المواقف للجرجانى- الموقف السادس ص 302، 303.
(5/238)
________________________________________
وأما أنّ بيعته كانت عن غير أصل: فقول عمر، «إن بيعة أبى بكر كانت فلتة، وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» «1».
وإن سلّمنا أنه كان أهلا لاستحقاق الإمامة، غير أنّا لا نسلم إجماع الأمة على عقد الإمامة له؛ فإنه قد روى أن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- لما قبض، وبويع أبو بكر، تخلّف عن البيعة سلمان الفارسى «2»، وأبو ذر الغفارى «3»، والزبير بن العوام، وجماعة من أجلاء الصحابة.
وأما عليّ فإنه تأخر عن البيعة ستة أشهر، وأنه كان يقول إذا دعى إلى البيعة: «إنّى لأخو رسول الله صلى اللّه عليه وسلم لا يقولها غيرى إلا كذاب، وأنا والله أحق بهذا الأمر منكم، وأنتم أولى بالبيعة لى» «4»، حتى أنفذ إليه عمر مع جماعة فضربوا الباب فلما سمع عليّ عليه السلام أصواتهم، لم يتكلم، وتكلمت امرأة فقالت: من هؤلاء؟ فقالوا: قولى لعلىّ يخرج يبايع؛ فرفعت فاطمة صوتها، وقالت: يا رسول «11» // الله ما ذا لقينا من أبى بكر، وعمر
________________
(1) قارن بما أورده القاضى الباقلانى فى التمهيد ص 196، 197، والقاضى عبد الجبار فى المغنى 20/ 339، 340 من القسم الأول.
وشرح المواقف- الموقف السادس ص 302، 303 فقد ذكر كل منهم هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل.
(2) سلمان الفارسى رضي اللّه عنه: صحابى جليل- يكنى أبا عبد الله. من أصبهان كان يسمى نفسه سلمان الإسلام. عاش عمرا طويلا، واختلفوا فيما كان يسمى به فى بلاده وقالوا: نشأ فى قرية جيان، ورحل إلى الشام فالموصل فنصيبين، فعمورية. وقرأ كتب الفرس والروم واليهود وقصد بلاد العرب وسافر يطلب الدين مع جماعة فغدروا به وباعوه لليهود. ثم إنه كاتب، فأعانه النبي صلى اللّه عليه وسلم أسلم فى أول مقدم النبي إلى المدينة، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد. وأول غزاة غزاها مع النبي صلى اللّه عليه وسلم غزوة الخندق وهو الّذي أشار على الرسول صلى اللّه عليه وسلم بحفر الخندق. ثم شهد ما بعد الخندق، وولاه عمر المدائن توفى رضي اللّه عنه سنة 36 ه. له فى كتب الحديث ستون حديثا.
قال عنه رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: «سلمان منا أهل البيت» وشبهه على رضي اللّه عنه بلقمان الحكيم فقال: «من لكم بمثل لقمان الحكيم».
[صفة الصفوة 1/ 196 - 208، الأعلام 3/ 112].
(3) أبو ذر الغفارى رضي اللّه عنه: جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد من بنى غفار، من كنانة بن خزيمة أبو ذر: صحابى جليل. من كبار الصحابة. أسلم بمكة قديما، وقال: كنت فى الإسلام رابعا. يضرب به المثل فى الصدق، وهو أول من حيا رسول الله صلى اللّه عليه وسلم بتحية الإسلام. هاجر بعد وفاة النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى بادية الشام؛ فأقام بها إلى أن توفى أبو بكر وعمر وولى عثمان، فشكاه معاوية (و كان والى الشام) إلى عثمان بأنه يحرض الفقراء على مشاركة الأغنياء فى أموالهم؛ فاستقدمه عثمان إلى المدينة؛ فقدم واستأنف نشر آرائه؛ فأمره عثمان بالخروج إلى الرّبذة (من قرى المدينة) فسكنها إلى أن مات رحمه الله ورضى عنه وكانت وفاته سنة 32 ه روى له البخارى ومسلم (281) حديثا.
[صفة الصفوة ترجمة رقم [64] 1/ 220 - 226، والأعلام 2/ 140].
(4) انظر تاريخ الطبرى 3/ 208.
(11) // أول 172/ ب.
(5/239)
________________________________________
بعدك؛ فبكى كثير ممّن سمع صوتها وانصرفوا؛ فوثب عمر فى ناس معه؛ فأخرجوه، وانطلقوا به إلى أبى بكر حتى أجلسوه بين يديه.
فقال أبو بكر: بايع، قال: فإن لم أفعل، قال: إذن والله الّذي لا إله هو نضرب عنقك؛ فالتفت عليّ عليه السلام إلى القبر وقال: «يا ابن أم إنّ القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى» «1» ثم بايع عن كره، واضطرار.
وروى أنّه لمّا بويع أبو بكر غضب جماعة من المهاجرين، والأنصار وقالوا: أ بويع من غير مشورة ولا رضى منّا، وغضب عليّ، والزبير، ودخلا بيت فاطمة، وتخلّفا عن البيعة، فجاءهم عمر فى جماعة وفيهم مسلمة بن أسلم «2»؛ فصاح عمر: أخرجوا، أو لنحرقها عليكم، فأبوا أن يخرجوا، فأمر عمر مسلمة بن أسلم فدخل عليهما، وأخذ أسيافهما، أو أسيف أحدهما؛ فضرب به الجدار حتى كسره، ثم أخرجهما يسوقهما/ حتى بايعا كرها وإلجاء.
وعلى هذا فأىّ إجماع ينعقد فى عصر فيه عليّ، والزّبير وهما غير داخلين فيه اختيارا.
وإن سلمنا انعقاد الإجماع على ذلك؛ لكن لا نسلم أن الإجماع حجة على ما تقدم.
سلمنا أنه حجة لكن متى، إذا لزم منه مخالفة النص، أو إذا لم يلزم؟ الأول:
ممنوع، والثانى: مسلم.
وبيان مخالفته للنص ما بيّناه من التنصيص على عليّ رضى الله عنه.
[رد الآمدي على مطاعن الشيعة]
والجواب: قولهم: لا نسلم أنه كان أهلا للإمامة.
قلنا: دليله الإجمال والتفصيل.
أما الإجمال: فهو أن إجماع الأمة على عقد الإمامة له يدل على كونه أهلا لها، ومستجمعا لشرائطها، وإلا كان إجماعهم على الخطأ؛ وهو محال.
________________
(1) قارن هذه الرواية بما ورد فى تاريخ الطبرى 3/ 208.
(2) هو: مسلمة بن أسلم بن حريش بن عدى الأنصارى شهد المشاهد كلها مع رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم-، واستشهد بالعراق فى خلافة عمر- رضي اللّه عنه- سنة 14 ه (أسد الغابة 4/ 397، الإصابة 3/ 398).
(5/240)
________________________________________
وأما التفصيل: فهو أن الشروط المعتبرة فى الإمامة كلها متحققة فى حقه «1»، فإنه كان ذكرا، حرا، قرشيا، مشهور النسب، بالغا، عاقلا من غير خلاف، وكان مسلما، عدلا، ثقة؛ لأنه كان متظاهرا بالإسلام، والتزام أحكامه، والإقرار بالشهادتين، محافظا على أمور دينه، رشيدا فى دينه، ودنياه ولم يعلم منه صدور كبيرة، ولا مداومة على صغيرة، ولا معنى للمسلم العدل إلا هذا.
وكان من أهل الحل، والعقد، والاجتهاد فى المسائل الشرعية، والأمور السمعية، وله فى ذلك الأقوال المشهورة، والمذاهب المأثورة فى أحكام الفرائض، وغيرها. كما هو معروف فى مواضعه، مضافا إلى ما كان يعلم من أنساب العرب، ووقائعها، والعلوم الأدبيّة والأمور السياسية، التى لا ريب فيها إلا لجاحد معاند.
وكان مع ذلك خبيرا بأمور الحرب، وترتيب الجيوش، وحفظ الثغور، بصيرا بالأمور السياسية، لم يلف فى تصرفه مدة ولايته خلل، ولا زلل.
وكان شجاعا [مقدما]، مقداما، شديد البأس قوىّ المراس، ثابت الجنان وقت التحام الشدائد، واصطلام الأهوال بدليل صبره مع النبي- صلى اللّه عليه وسلم- فى ساعة الخوف، واستتاره فى الغار «2» من الكفار، ووضع عقبه على كوة فى الغار، وقد لسعته الأفعى، ولم يتأوّه مخافة استيقاظ النبي- صلى اللّه عليه وسلم-.
وقصته المشهورة مع المرتدين، وقد تخاذل الصّحابة عنهم وقوله: «لأقاتلنهم ولو بابنتى هاتين» «3». وأنه لم يتخلف عن رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- فى وقعة من الوقائع، ولا مشهد من المشاهد، إلا وهو أول القوم، وآخرهم فى نصرة الدين، والذّب عن حوزة المسلمين، وأنّه كان مطاعا، مهابا، نافذ الأمر، صيّب النّظر، بدليل رجوع الصّحابة فى وقت اضطرابهم، وتشويش أحوالهم، عند ما قبض النبي- صلى اللّه عليه وسلم- واختلافهم فى موته «4» ومحلّ
________________
(1) قارن بما ورد فى المراجع التالية: الإبانة عن أصول الديانة للإمام الأشعرى ص 204 وما بعدها. واللمع له أيضا ص 131، 132، والتمهيد للباقلانى ص 187 - 197. والإرشاد للجوينى ص 240 وما بعدها، والأربعين للرازى ص 40 وما بعدها والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار 20/ 215 وما بعدها من القسم الأول.
وشرح المواقف- الموقف السادس ص 295 وما بعدها.
(2) كان رضي الله عنه ثانى اثنين فى الغار قال تعالى إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة 40].
(3) انظر صحيح البخارى 9/ 115، وصحيح مسلم 1/ 138 فقد وضحا الأقوال المأثورة التى تدل على إصرار أبى بكر- رضي اللّه عنه- على قتال المرتدين.
(4) قال الشهرستانى فى الملل والنحل ص 23: مبينا الخلافات التى حدثت فى الملة الإسلامية. «الخلاف الثالث: فى موته عليه السلام. قال عمر بن الخطاب: من قال إن محمدا قد مات قتلته بسيفى هذا ... » وانتهى الخلاف على يد أبى بكر- رضي اللّه عنه- عند ما قرأ قول الله تعالى وما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ.
(5/241)
________________________________________
دفنه «1»، ومن يقوم بالأمر بعده، إلى قوله «2»، والرجوع إليه/ فى ذلك وفى كل ما كان ينوب من الأمور المعضلة، والقضايا المشكلة، على ما سبق تقريره.
قولهم: إنه كان ظالما، لا نسلم [ذلك] «3».
قولهم: إنه كان كافرا قبل البعثة، فقد سبق الجواب عنه «4».
قولهم: إنه ظلم فاطمة بمنعها من ميراثها؛ لا نسلم أنه كان لها ميراث حتى يقال بمنعها منه، قوله تعالى: فَلَهَا النِّصْفُ «5» معارض بما روى عنه عليه السّلام أنه قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» «6».
فإن قيل: إنما تصح المعارضة بذلك أن لو كان خبر الواحد حجة؛ وهو غير مسلم.
وبتقدير التّسليم بذلك، فإنّما يكون حجّة، إذا لم يكن الراوى له متهما. وأما إذا كان متهما فيه فلا.
وبيان وجود التهمة من وجهين:- الأول: أن «11» // الرّاوى له أبو بكر. وهو الخصم فى هذه المسألة، ورواية الخصم، لا يحتج بها على خصمه، كشهادته عليه؛ فلا تقبل؛ لكونه متهما فيه.
الثانى: أنه قد انفرد بسماعه من النبي- صلى اللّه عليه وسلم- مع عدم حاجته إلى معرفته، دون من حاجته داعية إلى معرفته: كالعباس، وفاطمة؛ وذلك موجب للتّهمة.
وإن سلمنا خلوه عن التهمة؛ ولكن إنّما يكون حجة إذا لم يكن مرجوحا؛ وهو مرجوح من جهة السند، والمتن.
________________
(1) قال الشهرستانى (المصدر السابق) الخلاف الرابع: فى موضع دفنه» وانتهى هذا الخلاف عند ما ذكرهم أبو بكر.
بحديث رسول الله صلى اللّه عليه وسلم «الأنبياء يدفنون حيث يموتون».
(2) قال الشهرستانى: الخلاف الخامس: فى الإمامة- وقد استطاع أبو بكر أن يحسم هذا الخلاف عند ما ذكر الأنصار بقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم «الأئمة من قريش». وهذه الخلافات كلها قد انتهت على يد أبو بكر رضي اللّه عنه لكل هذا فهو أهل للخلافة.
(3) ساقط من أ.
(4) راجع ما سبق.
(5) سورة النساء 4/ 11.
(6) رواه أحمد فى مسنده 1/ 10.
(11) // أول ل 173/ أ من النسخة ب.
(5/242)
________________________________________
أما من جهة السند: فلأنه آحاد، ونص التوريث متواتر؛ والمتواتر أقوى من الآحاد.
وأما من جهة المتن: فمن وجهين:
الأول: أن قوله تعالى: فَلَهَا النِّصْفُ قاطع فى دلالته على توريث النصف.
وقوله- عليه الصلاة والسلام: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» يحتمل أن يكون المراد به، لا نورث ما تصدّقنا به؛ والقاطع راجح على المحتمل.
الثانى: أن آية الميراث مترجحة، بموافقة قوله تعالى: ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ «1» وقوله- تعالى- حكاية عن زكريا- عليه الصلاة والسلام- يَرِثُنِي ويَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ «2» والخبر على خلافه.
قلنا: أما منع كون خبر الواحد حجة؛ فلا يستقيم لوجهين:- الأول: أنّه مجمع على قبوله بين الصحابة، ويدلّ عليه رجوع الصحابة فى الأحكام الشرعية، إلى أن أخبار الآحاد من غير نكير منهم؛ فكان إجماعا «3».
فمن ذلك رجوع عمر بن الخطاب فى إيجاب غرة الجنين إلى خبر حمل بن مالك «4».
وفى توريث المرأة من دية زوجها، إلى خبر الضحاك «5».
وفى إجراء المجوس على سنّة أهل الكتاب، إلى خبر عبد الرحمن بن عوف.
وفى وجوب الغسل من التقاء الختانين، إلى خبر عائشة «6».
________________
(1) سورة النمل 27/ 16.
(2) سورة مريم 19/ 6.
(3) قارن: التمهيد للباقلانى ص 164، والإرشاد للجوينى ص 235 والإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 2/ 273 وما بعدها: الباب الثالث فى أخبار الآحاد.
(4) حمل بن مالك: (و يقال له: حملة) كانت له امرأتان. فرمت احداهما الأخرى بحجر فألقت جنينا فقضى رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- بغرة عبد، أو أمة. [أسد الغابة 1/ 535].
(5) انظر الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 2/ 273 وما بعدها. والضحاك: هو أبو سعيد الضحّاك. نجدى. ولاه رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- أمر مسلمى قومه. وكتب إليه رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- أن يورث امرأة من دية زوجها. توفى سنة 11 ه (الإصابة 2/ 198، أسد الغابة 2/ 429).
(6) فى صحيح مسلم 1/ 187 عن عائشة رضى الله عنها: (قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: «إذا جلس بين شعبها الأربع ومسّ الختان الختان، وجب الغسل».
(5/243)
________________________________________
ومن ذلك رجوع عثمان فى الحكم بالسّكنى، إلى خبر فريعة بنت مالك «1».
وما اشتهر عن عليّ عليه السلام من قبوله لخبر الواحد مع يمينه، وقوله: «كنت إذا سمعت حديثا من رسول الله صلى اللّه عليه وسلم نفعنى الله بما شاء منه/ وإذا حدثنى غيره حلفته [و إذا حلف] «2» صدقته» «3».
ومن ذلك رجوع أهل قباء إلى خبر الواحد فى التحوّل عن بيت المقدس، إلى القبلة فى أثناء الصلاة «4»، إلى غير ذلك من الوقائع التى لا تحصى عددا.
الثانى: أنّا نعلم علما ضروريا، بأخبار التواتر، أن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- كان يبعث الواحد من القضاة، والرسل، ليبلغ الشرائع، والأحكام، وقبض الصدقات؛ وذلك كتأميره أبا بكر فى الموسم سنة تسع، وإيفاده بسورة براءة مع على- عليه السلام-؛ لقراءتها على أهل الموسم، وتولية عمر على الصدقات، إلى غير ذلك مع اتفاق الإجماع، وأهل النقل، أن النبي- عليه السلام- كان يوجب على أهل الأطراف قبول ذلك واتباعه، وإلا فلو افتقر فى ذلك، إلى تنفيذ عدد التواتر ربما كان ذلك لا يفى بجميع الصحابة، وتحقق ذلك مستقصى لائق بالأصول الفقهية «5».
وإن سلمنا أن خبر الواحد ليس بحجة، غير أن أبا بكر هو الحاكم، ولم يعمل بخبر الواحد؛ بل بخبر الرسول الصادق حيث سمعه عنه.
قولهم: إنه كان متهما فيه؛ لا نسلم.
قولهم: إنه الخصم، لا نسلم؛ بل الحاكم، والحاكم غير متهم.
________________
(1) هى الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبى سعيد الخدرى، وكان يقال لها: الفارعة شهدت بيعة الرضوان (أسد الغابة 6/ 235، الإصابة 4/ 375).
(2) ساقط من أ.
(3) قال الآمدي فى كتابه الإحكام فى أصول الأحكام 2/ 277: «و أما من جهة الأثر، ونخص مذهب من فرق بين خبر وخبر: كبعض المحدثين: فهو أن عليا- كرم الله وجهه قال: «ما حدثنى بحديث إلا استحلفته، سوى أبى بكر» صدق أبا بكر، وقطع بصدقه، وهو واحد».
(4) ذكر هذا الخبر بتمامه فى سنن ابن ماجة 1/ 322 وما بعدها.
(5) انظر الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 2/ 88 وما بعدها.
(5/244)
________________________________________
وقولهم: إنه انفرد بروايته، لا نسلم «1». فإنه قد نقله جماعة من الصحابة كبشر بن مالك، وسعد بن عبادة الأنصارى «2»، وغيرهما.
قولهم: إنه مرجوح، لا نسلم ذلك.
قولهم: إنه آحاد، ونصّ التوريث متواتر.
قلنا: إلا أنه خاص يتناول إرث النبيين بخصومه. وآية التوريث تتناوله بعمومها.
والخاص أقوى من العام «3» وذلك أن ضعف العموم، بسبب تطرق التخصيص إليه، وأكثر العمومات مخصصة، وضعف الآحاد، بسبب تطرق الكذب إليه؛ وهو بعيد فى حق العدل؛ فكان الظن بخبر الواحد الخاص أولى، وأقوى.
قولهم: دلالة الآية قاطعة فى توريث النصف، ودلالة الخبر مظنونة.
قلنا: وإن كانت دلالة الآية قاطعة فى توريث النصف، غير أنها ظنية، بالنظر إلى آحاد البنات؛ لاحتمال تطرق التخصيص إليها، وقد تطرق بالمقابلة، والمخالفة فى دين الإسلام؛ فدلالتها على توريث فاطمة تكون ظنية، لا قطعية.
ثم الترجيح مع ذلك لدلالة الخبر، فإن إخراج فاطمة عن التوريث، غايته تخصيص عموم؛ وهو غالب على ما تقدم.
وصرف الخبر إلى نفى التوريث، فيما ترك صدقه مخالفة للظاهر من لفظ الخبر، وما هو متبادر إلى الفهم منه «11» // عند إطلاقه، وأكثر الظواهر مقررة لا مغيّرة، فكان الخبر أقوى.
________________
(1) قارن بالمغنى 20/ 332 وما بعدها.
(2) سعد بن عبادة بن ديلم بن حارثة، الخزرجى، أبو ثابت، صحابى جليل من أهل المدينة، كان سيد الخزرج، وأحد الأمراء الأشراف فى الجاهلية والإسلام، وكان يلقب فى الجاهلية بالكامل (لمعرفته الكتابة والرمى والسباحة) كان أحد النقباء الاثنى عشر.
كان كريما جواد، وكانت جفنته تدور مع رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- فى بيوت أزواجه. (فكان يرسل للرسول جفنة من ثريد فى كل يوم).
وكان يكرم أهل الصفة فكان يطعم كل ليلة منهم ثمانين. عن محمد بن سيرين قال: كان أهل الصفة إذا أمسوا انطلق الرجل بالرجل، والرجل بالرجلين والرجل بالخمسة فأما سعد بن عبادة؛ فكان ينطلق بثمانين كل ليلة.
وكان يدعو بعد كل صلاة مكتوبة: «اللهم ارزقنى ما لا أستعين به على فعالى فإنه لا يصلح الفعال إلا المال».
توفى- رحمه الله ورضى عنه بحوران سنة 14 ه.
[صفة الصفوة- ت رقم (53) 1/ 189، 190، الأعلام 3/ 85].
(3) قارن بما ورد فى الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 2/ 241.
(11) // أول ل 173/ ب من النسخة ب.
(5/245)
________________________________________
كيف وأن حمل الخبر على ما قيل ممّا يبطل فائدة تخصيص النبيين بالذكر، من حيث أن غيرهم مشارك لهم فى ذلك بالإجماع.
قولهم إن الآية مترجحة؛ لموافقة قوله تعالى: ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ «1» وقول زكريا: يَرِثُنِي ويَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ «2».
قلنا: يحتمل أن يكون المراد به وراثة العلم، ووراثة العلم سابقة؛ لقوله تعالى/ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا «3» وقوله- عليه الصلاة والسلام- «العلماء ورثة الأنبياء» «4» ويجب الحمل على هذا المعنى الأمور أربعة:
الأول: ما فيه من الجمع بين الأدلة بأقصى الإمكان.
الثانى: أن قوله تعالى: ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ إنما ذكره فى معرض التعظيم له، والإجلال لشأنه؛ وذلك إنما يليق بوراثة العلم، لا بوراثة المال.
الثالث: أنه قد كان لداود أولاد أخر لم يذكرهم، ولو كان المراد به وراثة المال؛ لما اختص به سليمان دونهم.
الرابع: قول سليمان: يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ «5»؛ وذلك دليل [على] «6» أنه أراد بالميراث، العلم دون غيره، ولما كانت وراثة العلم أشرف من وراثة المال؛ فيجب أيضا حمل قول زكريا عليه.
كيف وأنه قد قيل: إن زكريا كان رجلا فقيرا، لا مال له غير قدوم، ومنشار، وليس ذلك ممّا يعظم عند نبى كريم، حتى أنه يطلب حرمان مستحقيه عنه؛ فتعين أن يكون المراد به، وراثة العلم، ولا يلزم من كونه طلب ولدا يرث علمه، أن يكون قد بخل بوصول علمه إلى غير ولده؛ ليكون حراما؛ فإنه لا يمتنع مع ذلك أن يكون ولده، وغير ولده وارثا لعلمه.
________________
(1) سورة النمل 27/ 16.
(2) سورة مريم 19/ 6.
(3) سورة فاطر 35/ 32.
(4) رواه البخارى فى صحيحه «و إن العلماء هم ورثة الأنبياء ورّثوا العلم من أخذه أخذ بحظ وافر، ومن سلك طريقا يطلب به علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة). كتاب العلم- باب العلم قبل القول والعلم- (1/ 192). وقارن بلفظ متقارب بمسند أحمد/ 196، وسنن الدارمي 1/ 98.
(5) سورة النمل 27/ 16.
(6) ناقص من (أ).
(5/246)
________________________________________
وأيضا فإنه قد قيل: إنه لم يرد بقوله: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا «1» ولدا، ولهذا قال: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا «2».
وإنما أراد به: وليا يقوم مقامه فى العلم، وأمر الدين.
وقوله فى موضع آخر: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ «3»، وليس فيه ما يدل على طلب الولد؛ بل من يكون من ذرية طيبة يكون لى وليا، ولهذا لم يقل من ذريتى «4».
قولهم: إن فاطمة كانت معصومة عن الخطأ؛ لا نسلم.
قولهم: إنها كانت من أهل البيت، مسلم؛ ولكن لا نسلم أن أهل [البيت] «5» معصومون.
والآية فقد نقل الضحاك. أنه لما نزلت هذه الآية، قالت عائشة: «يا نبى الله، أ نحن من أهل بيتك الذين قد أذهب الله عنهم الرجس بالتطهير» «6»، فقال عليه الصلاة والسلام، يا عائشة أو ما تعلمين أن زوجة الرجل هى أقرب إليه فى التودد والتحبب من كل قريب.
وأن زوجة الرجل مسكن له، والّذي بعثنى بالحق نبيّا؛ لقد خصّ الله بهذه الآية فاطمة، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وعليا، والحسن، والحسين، وجعفرا، وأزواج محمد، وخاصته، وأقرباءه.
وإذا ثبت ذلك فالآية تتناول الكل تناولا واحدا «7».
وقد أجمعنا على أنها غير مقتضية لعصمة الزوجات وعصمة العباس، وغيره من الأقارب؛ فكذلك فى غيرهم.
قولهم: يلزم من ذلك إبطال فائدة التخصيص؛ ليس كذلك؛ فإنه جاز أن يكون ما صرف عن أهل البيت من الرجس الخاص، غير مصروف عن غيرهم.
________________
(1) سورة مريم 19/ 5.
(2) سورة مريم 19/ 8.
(3) سورة آل عمران 3/ 38.
(4) قارن بالجامع لأحكام القرآن 1/ 79 وما بعدها، وتفسير ابن كثير 1/ 360.
(5) ساقط من أ.
(6) انظر الضحاك فى زاد المسير 3/ 383.
(7) قارن به تفسير ابن كثير 3/ 483، وشرح المواقف- الموقف السادس- ص 298 وما بعدها.
(5/247)
________________________________________
وقوله عليه/ الصلاة والسلام: «فاطمة بضعة منى» «1» فإن كان من أخبار الآحاد؛ فليس هو عندهم حجة، إلا أنه لا يمكن حمله على الحقيقة، فإن البضعة من الشخص جزء الشخص وجزء الشخص ما ينقص ذلك الشخص بنقصانه، وينمو بنموه، ويغتذى بغذائه، ويتألم بما يرد عليه من الآلام، وفاطمة بالنسبة إلى النبي- صلى اللّه عليه وسلم- ليست كذلك، فأمكن حمل قوله: «بضعة منى» أى، كبضعة منى فيما يرجع إلى الحنو، والشفقة.
وإن سلمنا أنّها بضعة منه حقيقة؛ ولكن لا نسلم أنه يجب أن تكون معصومة.
قولهم: لأن النبي عليه السلام معصوم، ممنوع على ما تقدم.
وإن سلمنا أنه معصوم فلا نسلم أنه يلزم من وصف الجملة بوصف، وصف جزئها به.
فلئن قالوا: وإن لم يثبت الإرث، فقد ادّعت أن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- نحلها بها، وشهد لها عليّ والحسن، والحسين، وأم أيمن «2»؛ فرد شهادة الكل، ولم يقبل دعواها.
قلنا: أما أنه لم يقبل شهادة الحسن، والحسين؛ فلأنه رأى فى اجتهاده امتناع قبول شهادة الولد لوالديه؛ وهو رأى أكثر أهل العلم. ونصاب «11» // البينة لم يتم بعلى، وأم أيمن.
ولعله أيضا لم ير الحكم بالشاهد الواحد، واليمين؛ فإنه مذهب كثير من العلماء «3».
قولهم: إنه لم يولّه شيئا فى حال حياته؛ لا نسلم ذلك؛ فإنه قد أمّره على الحجيج فى سنة تسع، واستخلفه فى الصلاة بالنّاس فى مرضه، وصلّى خلفه، ويدل على ذلك ما روى جابر «4» بن عبد الله أنه قال: «لما ثقل رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- فى مرضه حين أهل ربيع الأول أمر أبا بكر أن يصلّى بالناس، وكان إن وجد خفة، وأطاق الصلاة قائما؛ خرج فصلّى بنا قائما، وإن وجد خفة ولم يستطع القيام؛ خرج وصلّى جالسا، وأبو بكر يصلى بالناس؛ لأنه- عليه السلام- نهانا أن يصلى القاعد بالقائم) «5».
________________
(1) انظر ما مر فى هامش ل 295/ ب.
(2) أم أيمن: هى بركة بنت ثعلبة بن عمرو- مولاة رسول الله صلى اللّه عليه وسلم أعتقها رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- وزوجها زيد بن حارثة فولدت له أسامة بن زيد (الإصابة فى تمييز الصحابة 4/ 415، الاستيعاب 2/ 765).
(11) // أول ل 174/ أ.
(3) انظر المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 332 وما بعدها، وشرح المواقف. الموقف السادس ص 299، فهو ينقل عن الآمدي غالبا.
(4) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجى الأنصارى السلمى: صحابى من المكثرين فى الرواية عن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- فقد روى (1540) حديثا له ولأبيه صحبة غزا تسع عشرة غزوة، وكانت له فى أواخر أيامه حلقة فى المسجد النبوى يؤخذ عنه العلم. شهد بيعة العقبة مع السبعين وكان أصغرهم سنا، توفى رحمه الله ورضى عنه بالمدينة سنة 78 ه [صفة الصفوة. الترجمة رقم (79) 1/ 244، 245، الأعلام 2/ 104].
(5) ورد بألفاظ متقاربة فى مسند الإمام أحمد 6/ 159. وسنن الترمذي 2/ 195 وما بعدها.
(5/248)
________________________________________
وأيضا ما روى عن عبد الله بن زمعة «1» أنه قال: «جاء بلال فى أول ربيع الأول فأذن بالصلاة فقال رسول الله: مروا أبا بكر يصلّى بالناس، فخرجت؛ فلم أر بحضرة الباب إلا عمر فى رجال ليس فيهم أبو بكر، فقلت: قم يا عمر فصلّ بالناس؛ فقام عمر؛ فلما كبّر وكان رجلا صيّتا، فلما سمع رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- صوته بالتكبير، فقال: أين أبو بكر، يأبى الله ذلك، والمسلمون، ثلاث مرات، مروا أبا بكر فليصل بالناس. فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق القلب إذا قام فى مقامك غلبه البكاء؛ فقال: أنتن صويحبات يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس» «2».
وأيضا ما روى المغيرة عن إبراهيم أنه قال: «صلّى النبي خلف أبى بكر». وأيضا ما روى عن ابن عباس أنه قال «لم يصل النبي عليه السلام خلف أحد من أمته إلا خلف أبى بكر، وصلّى خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة» «3».
وأيضا ما روى عن رافع «4» بن عمرو عن أبيه أنه قال: «لما ثقل/ النبي- صلى اللّه عليه وسلم- عن الخروج، أمر أبا بكر أن يقوم مقامه؛ فكان يصلى بالناس، وكان النبي- صلى اللّه عليه وسلم- ربّما خرج بعد ما يدخل أبو بكر فى الصلاة؛ فيصلى خلفه، ولم يصل النبي خلف أحد غيره. غير ركعة صلاها فى سفر خلف عبد الرحمن بن عوف».
ولا يخفى أن التولية فى الصلاة تولية فى القراءة، وغيرها «5».
ثم وإن سلمنا مع الاستحالة أنه لم يولّه شيئا فى حياته؛ فليس فى ذلك ما يدل على أنه لم يكن أهلا للإمامة؛ فإنه لم ينقل أنه ولى الحسن شيئا فى حال حياته؛ وهو عندهم أهل للإمامة.
قولهم: إنه عزله عن قراءة سورة براءة، لا نسلم ذلك؛ بل المروى أنه ولّاه الحج، وردفه بعلى لقراءة سورة براءة، وقوله: «لا يؤدى عنى إلا رجل منى».
________________
(1) عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، قتل مع عثمان- رضي اللّه عنه- يوم الدار [الإصابة 2/ 303، تهذيب التهذيب 5/ 218].
(2) ورد بألفاظ متقاربة فى مسند الإمام أحمد 4/ 412، 413، وصحيح البخارى 1/ 169، 172، وصحيح مسلم 2/ 20 - 25، وسنن الترمذي 5/ 613.
(3) رواه مسلم 1/ 159، 4/ 248، 249، كما ورد فى سنن ابن ماجة 1/ 392.
(4) رافع بن عمرو: هو رافع بن عمرو بن حارثة المزنى، له صحبة، روى عن الرسول- صلى اللّه عليه وسلم- ولقب برافع الخير.
[طبقات ابن سعد 6/ 67، وتهذيب التهذيب 3/ 231].
(5) قارن بما ورد فى المغنى 20/ 1/ 351.
(5/249)
________________________________________
قلنا: إنما كان كذلك؛ لأنه كان من عادة العرب أنهم إذا أرادوا نبذ العهود، والمواثيق لا يفعل ذلك إلا صاحب العهد، أو رجل من بنى أعمامه؛ فجرى رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- على سابق عهدهم.
قولهم: إنه عزله عن الصلاة، غير صحيح بدليل ما ذكرناه من الروايات الصحيحة، وكل ما يقال فى ذلك، فإنما هو من الأكاذيب التى لا تثبت لها عند المحصلين من أرباب النقل؛ بل الصحيح ما رواه الزهرى عن أنس بن مالك أنه قال: «صلى أبو بكر صبيحة اثنتى عشرة، فخرج النبي- صلى اللّه عليه وسلم- والناس فى صلاة الصبح عاصبا رأسه حتى وقف على باب حجرة عائشة، فلما رآه الناس تحوّزوا، وذهب أبو بكر يستأخر؛ فأشار إليه النبي- صلى اللّه عليه وسلم- أن صلّ؛ فصلوا وعاج وانصرف» «1».
قولهم: إن شرط الإمام أن يكون معصوما؛ فقد أبطلناه فيما تقدم «2».
قولهم: إنه قال: «إن لى شيطانا يعترينى» «3» لا يمكن حمله على أنه كان به خبل مع ما بيّناه من عقله وفضله وسياسته، وطواعية الناس له.
وإنما معناه: أنه يلحقنى وساوس، وذهول، على سبيل التواضع، وكسر النفس، وما من أحد إلا وله شيطان بهذا الاعتبار، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «و ما منكم إلا وله شيطان يعتريه، قيل وأنت يا رسول الله، قال وأنا، إلا أن الله أعاننى عليه» «4»؛ وليس المراد به إلا ما ذكرناه.
قولهم: إنه خالف أمر رسول الله؛ لا نسلم ذلك.
قولهم: إن عمر كان فى جيش أسامة.
قلنا: غايته أنه كان داخلا فيه نظرا إلى عموم أمر الرسول- عليه الصلاة والسلام- وكان ذلك لإصلاح الدين، ولعله رأى أن المصلحة فى إقامة عمر فى المدينة أكثر للدين، وتخصيص العموم بالرأى جائز عنده، وعلى أصول أهل الحق، كما فى علم الأصول «11» //.
________________
(1) وردت رواية الزهرى عن أنس رضي اللّه عنه فى صحيح مسلم 2/ 24.
(2) انظر ما سبق ل 285/ ب وما بعدها.
(3) انظر ما سبق ل 296/ أ وما بعدها.
(4) رواه مسلم 8/ 139.
(11) // أول 174/ ب من النسخة ب.
(5/250)
________________________________________
قولهم: إنه سمّى نفسه خليفة رسول الله «1».
قلنا: إنّما سمّى نفسه/ بذلك لاستخلافه له فى الصلاة كما قدّمناه، ولم يكن كاذبا فيه، ويمكن أن يقال إنه إنما سمى نفسه بذلك؛ لأنه قام مقام النبي- عليه السلام- فيما كان بصدده من إقامة الدين، وسياسة المسلمين، بوجه شرعى، وهو انعقاد الإجماع عليه؛ فإن كل من قام مقام شخص فيما كان ذلك الشخص بصدده؛ فإنه يصح أن يقال:
خلفه فيه، ولهذا يصح أن يقال: فلان خليفة فلان فى العلم: أى أنه قائم مقامه فيه، وإن لم يكن ذلك باستخلاف من ذلك الشخص.
قولهم: إن شرط الإمام أن يكون أفضل الأمة، ممنوع على ما تقدم.
وإن سلمنا ذلك؛ فلا نسلم أنه لم يكن أفضل.
وقوله: «ولّيتكم ولست بخيركم أقيلونى» «2».
قلنا: أما قوله: «وليتكم ولست بخيركم» فيحتمل أنه أراد به التولية فى الصلاة على عهد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- «3»، ومن المعلوم أنه لم يكن خير قوم فيهم رسول الله، ويكون فائدة ذكر ذلك الاحتجاج على جواز توليته بعد الرسول بطريق التنبيه، بالأعلى على الأدنى، ويحتمل أنه أراد بقوله: «لست بخيركم» أى فى العشيرة، والقبيلة، فإن الهاشمى، أفضل من القرشى، وإن لم يكن شرطا فى الإمامة كما سبق.
وعلى كل واحد من التقديرين يكون صادقا، ولا ينافى أفضليته.
وأما طلبه القيلولة، فليس فيه ما يدل على عدم الأهلية أيضا، ولا سيما مع اتفاق الأمة عليه، وقولهم. «لا نقيلك ولا نستقيلك رضيك رسول الله لديننا، أ فلا نرضاك لدنيانا»؛ بل لعل ذلك إنما كان للفرار من حمل أعباء المسلمين، والتقلد لأمور الدين، أو للامتحان ليعرف الموافق من المخالف، أو غير ذلك من الاحتمالات، ومع ذلك فلا ينتهض ما ذكروه شبهة فى نفى الاستحقاق للإمامة.
قولهم: شرط الإمام أن يكون أعلم الأمة؛ لا نسلم ذلك؛ كما تحقق من قبل.
________________
(1) انظر ما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 355 وما بعدها من القسم الأول.
(2) انظر ما مر ل 296/ أ وما بعدها.
(3) قارن بما ورد فى غاية المرام ص 389، وأصول الدين للبغدادى ص 182.
(5/251)
________________________________________
قولهم: إنه ما كان عالما بأحكام الشرع.
إن أرادوا به، أنّه ما كانت جميع أحكام الشرع حاضرة عنده على سبيل التفصيل؛ فهذا مسلم. ولكن لا نسلم أن ذلك من خواص أبى بكر؛ بل جميع الصحابة فى ذلك على السويّة «1».
وإن أرادوا به: أنه لم يكن من أهل الحل، والعقد، والاجتهاد فى المسائل الشرعية، والقدرة على معرفتها، باستنباطها من مداركها؛ فهو ممنوع على ما تقدم؛ ولهذا فإنه ما من مسألة فى الغالب، إلا وله فيها قول معتبر بين أهل العلم «2».
قولهم: إنه أحرق فجاءة بالنار.
قلنا: إذا كان مجتهدا فكل مجتهد مؤاخذ بما أوجبه ظنه، وإذا كان قد رأى ذلك فى اجتهاده، كان هو حكم الله فى حقه، ولم يسبقه فى ذلك إجماع قاطع؛ ليكون حجة عليه، وما عدا ذلك من الأدلة فهى/ عرضة للتأويل، والمعارضة «3».
قولهم: إن فجاءة كان يقول: أنا مسلم عند الإحراق، لم يثبت. وإن ثبت فلعله ثبت عنده أنه كان زنديقا، والزنديق غير مقبول التوبة على رأى صحيح «4».
قولهم: إنه قطع يسار السارق.
قلنا: لعلّ ذلك كان من غلط الجلاد وأضيف إليه؛ لأن أصل القطع [كان] «5» بأمره.
ويحتمل أنه كان ذلك فى المرة الثالثة على ما هو رأى أكثر أهل العلم.
وأما وقوفه فى مسألة الجدة، ورجوعه إلى الصحابة فى ذلك؛ فليس بدعا من المجتهدين أن يبحثوا عن مدارك الأحكام، ويسألوا من أحاط بها النقل والأعلام.
________________
(1) قارن بالمغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 353 من القسم الأول، وشرح المواقف- الموقف السادس ص 301.
(2) قارن بالفصل فى الملل لابن حزم 4/ 137 وما بعدها، والمغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 108 وما بعدها من القسم الأول. وشرح المواقف للشريف الجرجانى- الموقف السادس ص 301، 302.
(3) قارن بشرح المواقف- الموقف السادس ص 302.
(4) انظر أصول الدين للبغدادى ص 330 وما بعدها فقد وضح رأى الإمام مالك فى الباطنى والزنديق فقال «و قال مالك فى الباطنى والزنديق إن جاءنا تائبين ابتداء قبلنا التوبة منهما. وإن أظهرا التوبة بعد العثور عليهما لم تقبل التوبة منهما، وهذا هو الأحوط فيهم».
(5) ساقط من (أ).
(5/252)
________________________________________
ولهذا رجع عليّ فى حكم المذى إلى قول المقداد «1»، وفى بيع أمهات الأولاد إلى عمر، وما دلّ ذلك على عدم علمه بأحكام الشريعة.
قولهم: إنه قال: «وددت أنى سألت رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- عن هذا الأمر فيمن هو» «2».
قولنا: ليس ذلك شكا منه فى صحة إمامته؛ بل إنما ذلك للمبالغة فى طلب الحق، ونفى الاحتمال البعيد؛ فإنه يحتمل أن تكون الإمامة فى نفس الأمر منصوصا عليها، وإن كان ذلك الاحتمال بعيدا مع جزمه فى الظاهر بنفيه.
قولهم: إن عمر ذمّه بما يقولوه من قصة عبد الرحمن بن أبى بكر؛ فهو من الأكاذيب الباردة؛ فإن عاقلا لا يشك فى عقل عمر، ومعرفته بالأمور، وهو فإنما كان يستدل على صحة إمامته بعهد أبى بكر «3» إليه، فكيف يليق به مع هذا التظاهر بذمّه، والقدح فيه؟ فإن «11» // ذلك ممّا يوجب القدح فى إمامته، وصحة توليته.
قولهم: إنه أنكر عليه، حيث لم يقتل خالد بن الوليد، ولم يعزله بقتل مالك بن نويرة، وتزوجه بامرأته.
قلنا: ليس فى ذلك ما يدل على القدح فى إمامة أبى بكر أيضا، ولا كان ذلك مقصودا لعمر؛ لما تقدم؛ بل إنما أنكر على أبى بكر ذلك؛ لغلبة ظنّه بخطإ خالد. كما ينكر بعض المجتهدين على بعض «4»، وليس فى ذلك ما يدل على خطأ أبى بكر فى ظنّه عدم الخطأ فى حق خالد.
وذلك لأنه قد قيل: إن خالدا إنما قتل مالكا؛ لأنه تحقق منه الردة، وتزوج بامرأته فى دار الحرب؛ لأنه من المسائل المجتهد فيها بين أهل العلم.
وقيل: إن خالدا لم يقتل مالكا، وإنما قتله بعض أصحابه خطأ «5»؛ لظنه أنهم ارتدوا، وأن خالدا قال للقوم لفظا يريد به تدفئة أسراهم، وكان ذلك اللفظ فى لغة
________________
(1) المقداد بن عمرو: هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة، ويعرف بابن الأسود الكندى، صحابى جليل من السابقين للإسلام توفى بالمدينة فى خلافة عثمان رضي اللّه عنه [الاستيعاب 1/ 279 أسد الغابة 4/ 477].
(2) راجع ما مر فى ل 269/ أ وما بعدها.
(3) انظر غاية المرام للآمدى ص 389، وشرح المواقف- الموقف السادس ص 302، 303.
(11) // أول ل 175/ أ.
(4) قارن به المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 1/ 354، والمواقف ص 403 وشرح المواقف الموقف السادس ص 302.
(5) ورد فى تاريخ الطبرى 3/ 280 «و كان الّذي قتل مالك بن نويرة عبد الأزور الأسدى، وقال ابن الكلبى: الّذي قتل مالك بن نويرة ضرار بن الأزور».
(5/253)
________________________________________
المخاطب معناه اقتلوهم، فظن ذلك الشخص أنه قد أمر بقتل الأسارى؛ فقتل مالكا «1».
ولم يبق إلا تزويجه بامرأته، ولعلها كانت مطلقة منه، وقد انقضت عدتها.
وقوله عمر: «إن بيعة أبى بكر كانت فلتة وقى الله شرّها» «2» فلا ينبغى أن يحمل ذلك على أن بيعته لم تكن صحيحة، ولا مجمعا عليها، وإلا كان ذلك قدحا فى إمامة/ نفسه، كما تقدم، وهو غاية الخرق، فلا يليق نسبته إليه؛ بل المراد بقوله: فلتة: أى بغتة فجأة.
وقوله: «وقى الله شرّها» أى: شرّ الخلاف الّذي كاد أن يظهر عندها، بين المهاجرين، والأنصار، وقول الأنصار: «منّا أمير، ومنكم أمير» لا أن البيعة كانت شرا، وذلك أنه قد يضاف الشيء إلى الشيء إذا ظهر عنده، وإن لم يكن منه، كقوله تعالى:
بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ والنَّهارِ «3» وأضاف «4» المكر إلى الليل، والنهار «4»، وليس المكر منهما؛ بل يظهر عندهما منه.
وقوله: «فمن عاد إلى مثلها قاتلوه» أى إلى مثل الخلاف الموجب لتبديل الكلمة كقول الأنصار: «منّا أمير، ومنكم أمير».
قولهم: لا نسلم إجماع الأمة «5» على عقد الإمامة له.
قلنا: دليله ما سبق. ومن تأخر عن بيعته مثل عليّ وغيره، لم يكن عن شقاق، ومخالفة، وإنما كان لعذر وطرو أمر «6». ولهذا اقتدوا به، ودخلوا فى آرائه، وأخذوا من عطائه، وكانوا منقادين له فى جميع أوامره، ونواهيه، معتقدين صلاحيته، وصحة بيعته حتى قال عليّ: «خير هذه الأمة بعد النبيين أبو بكر، وعمر» «7» على ما تقدم ذكره.
________________
(1) ورد فى تاريخ الطبرى 3/ 288 «فجاءته الخيل بمالك بن نويرة فى نفر معه ... فلما اختلفوا فيهم أمر بهم فحبسوا فى ليلة باردة ... فأمر خالد مناديا ينادى: ادفئوا أسراكم، وكانت فى لغة كنانة إذا قالوا: دثروا الرجل فادفئوه، دفئة: قتله، وفى لغة غيرهم أدفه فاقتله، فظن القوم أنه أراد القتل فقتلوهم».
(2) راجع بشأنه ما مر فى هامش ل 296/ ب.
(3) سورة سبأ 34/ 33.
(4) وأضاف المكر إلى الليل والنهار) ساقط من ب.
(5) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص 389.
(6) ورد فى المصنف 5/ 450 «لما بويع لأبى بكر تخلف على عن بيعته، فلقيه عمر، فقال: تخلفت عن بيع أبى بكر، فقال: إنى آليت بيمين حين قبض رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- ألا ارتدى برداء إلا إلى الصلاة المكتوبة، حتى أجمع القرآن، فإنى خشيت أن يتفلت القرآن ثم خرج فبايعه».
(7) انظر ما مر فى هامش ل 279/ ب.
(5/254)
________________________________________
وأمّا ما ذكروه من الأخبار الدالة على نقيض ذلك، فمن تخرّصات الأعداء وتشنيعات السفساف [الأغبياء] «1».
ولهذا فإنه لم ينقل شيء من ذلك على ألسنة الثقات، وأرباب العدالة من الرواة.
قولهم: لا نسلم أن الإجماع حجة، سبق جوابه فى قاعدة النظر «2».
كيف وأن منع كون الإجماع حجة، بعد تسليم وقوعه، ممّا لا يستقيم على مذهب الإمامية؛ لأنه لا يتصوّر ذلك عندهم إلّا وفيهم الإمام المعصوم، فلو لم يكن إجماع الأمة حجّة، لما كان قول المعصوم حجة، وهو خلاف مذهبهم.
قولهم: إنّما يكون الإجماع حجة، إذا لم يلزم منه مخالفة النّصّ الجلىّ.
قلنا: لا نسلم وجود النص الجلىّ، على ما تقرر قبل.
________________
(1) ساقط من (أ).
(2) انظر ما مر فى الجزء الأول- القاعدة الثانية ل 25/ ب وما بعدها.
(5/255)
________________________________________
الفصل الخامس فى إثبات إمامة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه «1»
[الدليل على إمامته رضي اللّه عنه]
وطريق إثباتها «2» أن أبا بكر- رضي اللّه عنه- كان إماما حقا، على ما تقدم ذكره، وقد رآه أهلا للإمامة، ووضع الأمر فيه؛ فعهد إليه بالإمامة، وأجمعت الصحابة على جعل العهد طريقا فى انعقاد الإمامة؛ فكانت إمامة عمر- رضي اللّه عنه- منعقدة-.
وبيان عهده إليه: أن ذلك ممّا شاع، وذاع، ونقل بالتواتر، نقلا لا ريب فيه، هذا من جهة الجملة.
وأما من جهة التفصيل: فما روى عن أبى بكر رضي اللّه عنه- أنه استدعى فى مرضه عثمان بن عفان، وأمره أن يكتب العهد المشهور الّذي كان يقرأ على المنابر «3» وهو: «هذا ما عهد أبو بكر بن أبى قحافة آخر عهده من الدنيا، وأول عهده بالعقبى، حالة يبر فيها الفاجر، ويؤمن فيها الكافر، إنى استخلفت عليكم عمر بن الخطاب؛ فإن أحسن السيرة،
________________
(1) عمر بن الخطاب بن نفيل القرشى العدوى، أبو حفص.
ثانى الخلفاء الراشدين وأول من لقب بأمير المؤمنين، لقبه النبي صلى اللّه عليه وسلم بالفاروق، وكناه بأبى حفص. أحد المبشرين بالجنة. صاحب الفتوحات المشهورة، يضرب بعدله المثل. وهو من عظماء العالم على مدى التاريخ الإنسانى. كان فى الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم، أسلم قبل الهجرة بخمس سنين، وشهد الوقائع كلها.
قال ابن مسعود: ما كنا نقدر أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر. بويع بالخلافة يوم وفاة أبى بكر رضي اللّه عنه سنة 13 ه بعهد منه. وفى أيامه تم فتح الشام والعراق. وافتتحت القدس والمدائن ومصر والجزيرة. حتى قيل: انتصب فى مدته اثنا عشر ألف منبر فى الإسلام أول من دون الدواوين فى الإسلام، واتخذ بيت مال للمسلمين وهو أول من وضع للعرب والمسلمين التاريخ الهجرى. له فى كتب الحديث (537) حديثا.
استشهد رحمه الله بعد أن طعنه أبو لؤلؤة فيروز الفارسى (غلام المغيرة بن شعبة) غيلة بخنجر وهو فى صلاة الصبح سنة 23 ه رحمه الله ورضى عنه.
[الإصابة. الترجمة رقم (5738)، وصفة الصفوة. الترجمة رقم (3) 1/ 101 - 111 والأعلام للزركلى 5/ 45، 46].
(2) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا:
انظر بعض المراجع التى استفاد منها الآمدي وناقشها: الإبانة عن أصول الديانة للإمام الأشعرى ص 207، واللمع له أيضا ص 133، 134.
والتمهيد للباقلانى ص 197 - 208، وأصول الدين للبغدادى ص 286، ونهاية الأقدام للشهرستانى ص 479.
ومن كتب المعتزلة: المغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار 20/ 3 وما بعدها من القسم الثانى والمعتمد فى أصول الدين ص 228 وما بعدها. ومن كتب الآمدي: غاية المرام ص 389. ومن كتب المتأخرين عن الآمدي. شرح المواقف- الموقف السادس ص 315.
(3) قارن بما ورد فى تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 62 وما بعدها.
(5/256)
________________________________________
فذاك ظنى به والخير أردت، وإن تكن الأخرى وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ «1» / إلى آخره.
[مطاعن الشيعة فى إمامته رضي اللّه عنه]
وأما أن الأمة من الصحابة أجمعوا على جعل ذلك طريقا فى انعقاد الإمامة، ما تواتر من اتفاقهم على مبايعته، وصحة إمامته، وتصرفاته، فى أموال المسلمين بالجمع، والتفرقة، ونصبه للولاة، والحكام، وقبول أوامره، ونواهيه، وطواعية الكل «11» // له فيما يتعلق بالأمور الدينية، والدنيوية من غير نكير.
فإن قيل: لا نسلم إجماع الأمة على صحة العهد إليه، فإنه قد نقل أن طلحة «2» - وهو أحد العشرة- قال لأبى بكر: «ما ذا تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا» «3» وذلك يدل على عدم موافقته.
ثم كيف يدّعى الإجماع على ذلك مع ما علم من حال عليّ وأتباعه إنكار ذلك، ودعواه أن صرف ذلك الأمر عنه ظلم، وعدوان، وأنه المستحق له دون غيره، كما تقدم تقريره فى إمامة أبى بكر.
والّذي يدل على عدم إجماع الأمة على ذلك: أنهم لو أجمعوا؛ لكان أهلا للإمامة، وهو لم يكن أهلا للإمامة وبيانه:-
[أنه غير ما كان مشروعا، وبدل كثيرا من السنة]
أنه غيّر ما كان مشروعا على عهد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم-، وبدل كثيرا من سنته، وكان جاهلا بالقرآن، وعلم الشريعة، وشاكا فى دين الإسلام، وفى إسلام نفسه، ومات النبي- صلى اللّه عليه وسلم- وهو عنه غير راض، ومن هذا شأنه لا يكون أهلا للإمامة.
أما أنه بدّل، وغيّر ما شرعه الرسول: فمن ثلاثة عشر وجها:-
________________
(1) سورة الشعراء 26/ 227.
(11) // أول 175/ ب من النسخة ب.
(2) طلحة بن عبيد الله بن عثمان، التيمى القرشى، أبو محمد: صحابى جليل شجاع من الأجواد، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين للإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى. كان من دهاة قريش وعلمائها. ولقبه رسول الله صلى اللّه عليه وسلم طلحة الجواد، وطلحة الخير، وطلحة الفياض وذلك فى مناسبات مختلفة.
شهد أحدا، وثبت مع رسول الله صلى اللّه عليه وسلم وبايعه على الموت ودافع عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم حتى أصيب بأكثر من سبعين إصابة بين طعنه وضربة ورمية كما قال أبو بكر رضي اللّه عنه.
وكان رضى الله عنه كريما موسرا، وكانت له تجارة وافرة مع العراق ولم يكن يدع أحدا من بنى تيم عائلا إلا كفاه مئونته ومئونة عياله، ووفى دينه، قتل يوم الجمل، ودفن بالبصرة سنة 36 ه. روى ثمانية وثلاثين حديثا.
[صفة الصفوة 1/ 126 - 128 الترجمة رقم (6)، وحلية الأولياء 1/ 87 والأعلام للزركلى 3/ 229].
(3) قارن عنه بألفاظ مختلفة: تاريخ الطبرى 3/ 322، وتاريخ الخلفاء للسيوطى ص 55.
(5/257)
________________________________________
الأول: أنه صعد المنبر وقال: «أيها النّاس ثلاث كنّ على عهد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- أنا أنهى عنهنّ، وأحرمهنّ، وأعاقب عليهنّ: وهى متعة النّساء، ومتعة الحج، وحىّ على خير العمل» «1».
الثانى: أن الناس كانوا على عهد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- لا يسوّغون الجمع بين الطلقات الثلاث فى مجلس واحد «2» حتى أن واحدا «2» طلق امرأته ثلاثا على عهد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم-؛ فردّها عليه، وأمره بإمساكها، وأن يطلقها للسّنة؛ وعمر جوز ذلك.
وأيضا: ما روى أن واحدا طلق زوجته بين يدى النبي- صلى اللّه عليه وسلم- ثلاثا؛ فغضب وقال:
«أ تلعبون بكتاب الله» «3» اللعب بكتاب الله حرام؛ وعمر جوّز ذلك.
الثالث: أن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- جمع بين الظهر، والعصر وبين المغرب، والعشاء من غير خوف، ولا مطر، على ما رواه ابن عباس «4»؛ وعمر منع ذلك.
الرابع: أنه وضع العطاء للمجاهدين اتباعا لسنة الأكاسرة، وجعلهم يجاهدون بالأجرة، ولم يكن ذلك معهودا على عهد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم «5».
الخامس: أنه اشترط الكفاءة فى تزويج ذوات الأحساب؛ ولم يكن ذلك معهودا على عهد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم.
السادس: أن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- سبى كثيرا من قبائل العرب، فأعتق، واسترق، وأطلق، وقال عمر: «ليس على عربى ملك» «6».
السابع: أنه نهى عن جلد العرب، ورجمها، وخالف فى ذلك كتاب الله وسنة رسوله «7».
________________
(1) ورد فى صحيح مسلم 4/ 38، وسنن ابن ماجة 1/ 631.
(2) قوله (حتى أن واحدا) ساقط من ب.
(3) ورد فى سنن النسائى بشرح السيوطى 6/ 142 «أخبر رسول صلى اللّه عليه وسلم- عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبانا، ثم قال: أ يلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؛ حتى قام رجل وقال: يا رسول الله ألا أقتله».
(4) وردت رواية ابن عباس رضى الله عنهما- فى صحيح مسلم 2/ 151، وسنن الترمذي 1/ 355.
(5) انظر بخصوص عطاء المجاهدين: تاريخ الطبرى 3/ 567، وسيرة عمر 81.
(6) راجع هذا القول فى: الأم للشافعى 4/ 186، ونيل الأوطار 7/ 206.
(7) عن نهى عمر- رضي اللّه عنه- عن جلد العرب ورجمها: ارجع إلى تاريخ الطبرى 4/ 204، والعقد الفريد 4/ 184. وهذا من مفاخر عمر رضي اللّه عنه.
(5/258)
________________________________________
الثامن: أنه فضّل فى القسمة المهاجرين/ على الأنصار، والأنصار على غيرهم، والعرب على العجم، ولم يكن ذلك معهودا فى زمن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- ولا زمن أبى بكر «1».
التاسع: أنه أجلى أهل نجران، وخيبر عن ديارهم بعد إقرار النبي لهم فيها «2».
العاشر: أن السنة على عهد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- كانت جارية بأخذ دينار عن كل حالم من أهل العهد، فغيّره عمر برأيه، ووضع ذلك على أقدارهم «3».
الحادى عشر: أنه أمر بالتراويح فى شهر رمضان، ولم تكن معهودة فى زمن الرسول ولا [زمن] «4» أبى بكر، أبدع ذلك «5».
الثانى عشر: أنه ولى معاوية بن أبى سفيان أمور المسلمين؛ فخطب على منابرهم، وخالف أمر الرسول حيث قال: «إذا رأيتم معاوية على منبرى هذا فاقتلوه» «6».
الثالث عشر: أنه منع أهل البيت من الخمس، وغير ما كان فى عهد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- وخالف النص «7».
وأما أنه كان جاهلا بالقرآن:
فما روى أنه لما قبض الرسول- عليه الصلاة والسلام- كان يقول: «لا تتركون هذا القول حتى تقطع أيدى رجال وأرجلهم» «8»، ولم يسكن إلى موت النبي- صلى اللّه عليه وسلم- حتى تلا أبو بكر قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «9» وقوله تعالى: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ «10» وذلك يدل على أنه لم يكن عالما بالقرآن، وآياته.
________________
(1) عن كيفية توزيع عمر للعطاء بين المسلمين: ارجع إلى طبقات ابن سعد 3/ 284، 296 وما بعدها. وتاريخ اليعقوبى 2/ 153.
(2) ارجع إلى سيرة بن هشام 3/ 231، وطبقات ابن سعد 3/ 283.
(3) ورد فى طبقات ابن سعد 3/ 283 «فوضع على الغنى ثمانية وأربعين درهما وعلى الوسط أربعة وعشرين درهما، وعلى الفقير اثنى عشر درهما».
(4) ساقط من أ.
(5) عن صلاة التراويح ارجع إلى تاريخ الطبرى 4/ 209، وسيرة عمر 54 - 56.
(6) وقد علق عليه ابن الجوزى فى الموضوعات 2/ 25 - 26 «هذا حديث موضوع فى اسناده عباد بن يعقوب. قال فيه ابن حبان: كان رافضيا داعية يروى المناكير عن المشاهير؛ فاستحق الترك».
(7) قارن هذا الطعن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 2/ 15.
(8) ورد فى المصنف 5/ 433 «و الله إنى لأرجو أن يعيش رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- حتى يقطع أيدى رجال من المنافقين، وألسنتهم» وبألفاظ متقاربة فى تاريخ الطبرى 3/ 200».
(9) سورة الزمر 39/ 30.
(10) سورة آل عمران 3/ 144.
(5/259)
________________________________________
وأيضا ما روى أن رجلا أتاه فسأله عن معنى قول الله تعالى: والذَّارِياتِ ذَرْواً «1»، وعن: والنَّازِعاتِ غَرْقاً «2»، وعن والْمُرْسَلاتِ عُرْفاً «3» فعلاه بدرّته، ثم أمر به فحبس، فجعل يخرجه فى كل يوم، فيضربه خمسين جريدة مدة أيام، ثم نفاه إلى البصرة، وأمر أهل البصرة أن لا يجالسوه ولا يعاملوه، ومن المعلوم أنه لم يكن فى السؤال عن ذلك مما يوجب هذا «11» // الأمر، وإنما فعل ذلك؛ ليسد عليه باب السؤال؛ لأنه كان جاهلا بالقرآن، وما يتعلق به «4».
وأما أنه كان جاهلا بالأحكام الشرعية: فيدل عليه أمور سبعة:-
الأول: ما روى: «أن رجلا من اليهود أصيب مقتولا فى سكك المدينة؛ فخطب عمر بالناس، وناشدهم بالله، فقام إليه رجل معه سيف مضرج بالدم وقال: يا أمير المؤمنين، إن أخى خرج غازيا فى جيش، وخلفنى فى أهله أتعهدهم، وإنى أتيت منزله، فإذا أنا بهذا اليهودى، قاعد مع أهله؛ فلم أملك نفسى أن دخلت إليه؛ فضربته بهذا السيف حتى برد، فقال: عمر: «اقتل وأنا شريكك» «5» وذلك منه جهل بأحكام الشرع، حيث أنه أهدر دما محرما، بمجرد قول المقر بالقتل، ولم يقم عليه الحد، بقذف امرأة أخيه.
الثانى: أنه همّ أن يرجم حاملا، فقال له معاذ: «و إن كان لك عليها سبيل فلا سبيل لك على حملها» «6»؛ فأمسك وقال: «لو لا معاذ «7» لهلك عمر».
________________
(1) سورة الذاريات 51/ 1.
(2) سورة النازعات 79/ 1.
(3) سورة المرسلات 77/ 1.
(11) // أول ل 176/ أ من النسخة ب.
(4) وردت هذه الرواية بألفاظ مختلفة فى سيرة عمر ص 108، 109، وسنن الدارمى 1/ 54، 55، وتفسير ابن كثير 4/ 232.
(5) ورد فى رواية أخرى: «لا يقطع الله يدك كما جاءت بألفاظ أخرى فى روضة المحبين لابن القيم ص 301.
(6) انظر: الإصابة 3/ 427، وفتح البارى لابن حجر 12/ 128.
(7) معاذ بن جبل بن عمرو أوس الأنصارى الخزرجى: أبو عبد الرحمن صحابى جليل. كان أعلم الأمة بالحلال والحرام.
وكان أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم أسلم وهو فتى، وشهد العقبة مع الأنصار السبعين وآخى النبي- صلى اللّه عليه وسلم- بينه وبين جعفر بن أبى طالب.
قال عنه رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم-: «أعلم أمتى بالحلال والحرام معاذ بن جبل» وبعثه رسول الله قاضيا ومرشدا لأهل اليمن وقال فى كتابه لهم «إنى بعثت لكم خير أهلى».
كان مولده سنة 20 قبل الهجرة، ووفاته سنة 18 ه توفى فى طاعون عمواس بعد أن استخلفه أبو عبيدة، وأقره عمر؛ ولكنه مات فى نفس العام الّذي مات فيه أبو عبيدة بن الجراح. رحمه الله ورضى عنه.
[حلية الأولياء 1/ 228، وصفة الصفوة 1/ 183 - 188 ترجمة رقم (51)، الأعلام للزركلى 7/ 258].
(5/260)
________________________________________
الثالث: أنه همّ برجم مجنونة، فقال له عليّ: القلم مرفوع عن المجنون؛ فأمسك.
وقال: «لو لا عليّ، لهلك عمر» «1».
الرابع: أنه كان ينهى عن المغالاة/ فى مهور النساء، حتى قامت إليه امرأة وقالت: قال- تعالى-: وآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً «2»، فقال: «كل الناس أفقه من عمر، حتى النساء «3».
الخامس: أنه لم يكن على ثبت ممّا يقوله، ويحكم به من الأحكام الشرعية، ولذلك روى عنه أنّه قضى فى الجد بتسعين قضية «4»
السادس: أنه لمّا شهد على المغيرة بن شعبة، ثلاثة «5» من أصحاب رسول الله صلى اللّه عليه وسلم بالزنا وتقدم الرابع «6»؛ ليشهد، فنظر فى وجهه وقال: يا سلح القرد ما تقول أنت؟
ثم قال: إنى لأرى وجه رجل ما كان الله ليفضح بشهادته رجلا من أصحاب رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم، ثم جهم، ثم لعنه، فخلط فى الشهادة وقال: رأيت منظرا قبيحا، وسمعت نفسا عاليا، ولم أر الّذي منه ما فيه، فقال عمر: الله أكبر، ما كان للشّيطان أن يشمت، برجل من أصحاب رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم. ثم جلد الشهود الثلاث، وهم من أصحاب رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم، وأشمت بهم الشيطان، وعطّل حدا، ولقن الشاهد، المداهنة فى شهادته، ولما كرّر واحد من الشهود، الشهادة بعد أن جلده، أراد عمر أن يكرر الجلد عليه، فقال له عليّ- عليه السلام-: «إن جلدته، رجمت صاحبك» «7»؛ فرجع عنه. وكل ذلك يدل على الجهل بأحكام الشرع، والمداهنة فى دين الله.
________________
(1) ورد هذا القول: فى المستدرك 2/ 59، وفى سنن أبى داود 2/ 227.
(2) سورة النساء 4/ 20.
(3) ورد فى معظم المصادر بلفظ «أصابت امرأة وأخطأ رجل» راجع عن هذا القول: سنن الدارمى 2/ 141، وسنن أبى داود 1/ 328 وتفسير ابن كثير 1/ 467.
(4) ورد فى السنن الكبرى للبيهقى 6/ 245 عن محمد بن عبيد «إنى لأحفظ عن عمر فى الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا».
(5) هم أبى بكرة بن مسروح، ونافع بن كلدة، وشبل بن معبد البجلي، انظر عنهم: تاريخ الطبرى 4/ 71 والإصابة 3/ 432.
(6) هو زياد بن أبيه. (انظر تاريخ الطبرى 4/ 72، والكامل فى التاريخ 2/ 540).
(7) انظر هذا القول فى شرح النهج 12/ 237.
(5/261)
________________________________________
السابع: أنه أخبر بقوم يشربون الخمر؛ فتسوّر عليهم؛ فقالوا له: إنك أخطأت من ثلاثة أوجه:-
الأول: أن الله- تعالى- نهى عن التجسّس؛ وقد تجسّست.
الثانى: أنك دخلت بغير إذن.
الثالث: أنك لم تسلّم «1».
وذلك كله جهل بأحكام الشرع.
وأما أنه كان شاكا، فى دين الإسلام:
فيدل عليه ما روى أن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- لما وادع يوم الحديبية قريشا، وكتب بينهم وبينه كتابا، على أن من خرج من قبله إليهم لم يردوه، ومن خرج من أهل مكة إلى النبي عليه السلام رده إليهم؛ فغضب عمر، وقال لصاحبه:
يزعم أنّه نبيّ، وهو يردّ الناس، إلى المشركين، ثم إنه أتى النبىّ- صلى اللّه عليه وسلم، فجلس بين يديه، وقال له: أ لست رسول الله حقا قال بلى، قال: ونحن المسلمون حقا، قال: بلى قال:
فعلام نعطى الدنية فى ديننا؟ فقال له النبي- صلى اللّه عليه وسلم: إنما أعمل ما يأمرنى به ربى؛ فقال عمر يومئذ: والله ما شككت فى دين الإسلام إلا حين سمعت رسول الله يقول ذلك «2»، ثم إنّه قام من عند رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- متسخطا لأمر الله وأمر رسوله غير راض بذلك.
ثم إنه أقبل يمشى فى الناس ويؤلب على رسول الله، ويعرّض به، ويقول وعدنا برؤياه التى يزعم أنه رآها، أنّه يدخل مكة، وقد صددنا عنها، ومنعنا منها، ثم نحن الآن ننصرف، وقد أعطينا الدنية فى ديننا، والله لو أن معى أعوانا ما أعطيت الدّنيّة أبدا.
هذا وقد كان/ أعطى الأعوان يوم أحد، وقيل له: قاتل؛ ففر بأعوانه؛ فبلغ ذلك النبي- صلى اللّه عليه وسلم- فقال له: إنه قد بلغنى قولك، فأين كنتم يوم أحد، وأنتم تصعدون، ولا تلوون على أحد، وأنا أدعوكم فى أخراكم «3»؛ وذلك كله يدل على الشك فى دين الإسلام.
وأمّا أنه كان شاكا فى إسلام «11» // نفسه:
فيدل عليه، ما روى عنه: «أنه سأل حذيفة بن اليمان، وقد كان عرّفه رسول الله المنافقين، وقال له: هل أنا من المنافقين «4»؛ وذلك منه شك فى إسلامه».
________________
(1) راجع تاريخ الطبرى 4/ 205، وسنن البيهقى 8/ 333، 334.
(2) قارن بما ورد فى المصنف 5/ 339، 340، وانظر سيرة ابن هشام 4/ 203 وصحيح البخارى 3/ 256، وسيرة عمر 37.
(3) راجع المغازى للواقدى 2/ 609.
(11) // أول ل 176/ ب من النسخة ب.
(4) انظر تاريخ الإسلام للذهبى 2/ 153.
(5/262)
________________________________________
وأما أنّ النبي- صلى اللّه عليه وسلم- مات غير راض عنه: فيدل عليه ما روى عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه يوم ثقل قال «ائتونى بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لا تختلفوا بعده، وأغمى عليه، فقال عمر: إنه ليهجر، حسبنا كتاب الله، وسنة رسوله، فلما أفاق قالوا: يا رسول الله، ألا نأتيك بالصحيفة، والدّواة التى طلبت؛ لتكتب لنا ما لا نختلف بعده.
فقال: الآن بعد ما قلتم يهجر» «1» ولم يفعل؛ وذلك يدل دلالة قاطعة، على عدم رضاه عنه.
[رد الآمدي على هذه المطاعن، وبيان أهلية عمر رضي اللّه عنه للإمامة]
والجواب قولهم: إنّ طلحة خالف، لا نسلم أن طلحة كان منكرا لصحة العهد، وصحة إمامة عمر؛ بل غايته أنه نقم ما كان يتوهمه من فظاظته، وغلطته لا غير، ولهذا فإنه لم يزل متبعا له، مقتديا به، آخذا لعطائه، وداخلا فى رأيه، معينا له فى قضاياه، وذلك كله مع إنكار صحة إمامته بعيد «2».
وأما دعوى مخالفة عليّ، وشيعته فى ذلك: فجوابه بما سبق فى إمامة أبى بكر رضي اللّه عنه.
قولهم: إنه لم يكن أهلا للإمامة؛ لا نسلم ذلك، ودليله الإجمال والتفصيل. كما سبق فى حق أبى بكر.
وأما ما ذكروه فى الدلالة على إبطال أهليته؛ فباطل من جهة الإجمال؛ والتفصيل.
أما الإجمال: فهو أنه قد ورد فى حقه من النصوص، والأخبار ما يدرأ عنه ما قيل عنه من الترهات، وهى وإن كانت أخبارها آحادا، غير أن مجموعها ينزل منزلة التواتر، فمن ذلك قوله- عليه الصلاة والسلام-: «إن من أمتى لمحدثين وإن عمر منهم» «3»، وقوله- عليه الصلاة والسلام-: «اقتدوا باللّذين من بعدى أبى بكر، وعمر» «4».
________________
(1) ورد بألفاظ مختلفة فى البخارى 1/ 39، 5/ 11، 12، وفى المصنف 5/ 438، 439.
(2) قارن هذا الرد بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص 197، 198، والمغنى للقاضى عبد الحبار 20/ 2/ 8.
(3) قارن بما ورد فى صحيح البخارى 5/ 215 «لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك فى أمتى أحد فإنه عمر» وقارن به مسند أحمد 6/ 5، وصحيح مسلم 7/ 115، وسيرة عمر ص 18.
(4) راجع ما مر هامش ل 268/ ب.
(5/263)
________________________________________
وقوله- عليه الصلاة والسلام- فى حق أبى بكر، وعمر- رضى الله عنهما-: «هما سيدا كهول أهل الجنة» «1»، وقوله- عليه الصلاة والسلام-: «لو لم أبعث، لبعثت يا عمر» «2».
فإن قيل: فى متن هذا الحديث ما يدل على ضعفه؛ لأنه لو صحّ؛ لكانت بعثة النبي- صلى اللّه عليه وسلم- نقمة فى حق عمر لا نعمة، حيث أن ببعثته امتنع عليه الوصول إلى أعلى الرتب، وهى رتبة النبوة، وهو على خلاف قوله- تعالى-: وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «3».
قلنا: أما أولا، فلا نسلم صيغة العموم فى العالمين، كما عرف من أصلنا وإن سلمنا صيغة العموم، غير أنها مخصوصة بالكفار، فإنهم من العالمين ولم تكن/ رسالته رحمة لهم؛ بل زيادة فى النقمة عليهم، حيث كفروا به، والعام بعد التخصيص، لا يبقى حجة؛ لما تقدم تقريره.
وإن سلمنا أنه يبقى حجة؛ فلا نسلم أن رسالته، ليست رحمة لعمر.
قولهم: لأنه فات عليه بسبب ذلك أعلى المراتب.
قلنا: وفوات أعلى المراتب عليه لا ينافى وجود أصل الرحمة بإرسال النبىّ فى حقه.
وأيضا ما روى «أن جبريل نزل على محمد- صلى اللّه عليه وسلم- وقال له: يا محمد، ربك يقرئك السلام ويقول لك: أقرئ عمر السلام وقل له: أ هو راض عنى، كرضائى عنه» «4»، وهذا وإن كانت صورته صورة الاستفهام غير أن معناه للتقرير؛ فلا يكون ممتنعا فى حق الله- تعالى- كما فى قوله- تعالى: وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى «5».
________________
(1) راجع ما سبق هامش ل 279/ ب.
(2) ورد بلفظ مقارب فى مسند الإمام أحمد 4/ 154، وأسد الغابة 3/ 658 وسيرة عمر ص 24، كما ورد فى الموضوعات لابن الجوزى 1/ 320 وقد خرجه من طريقين وقال: «هذان حديثان لا يصحان عن رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- أما الأول- يقصد المتهمين فيه- يحيى كان من الكذابين الكبار قال ابن عدى: كان يضع الحديث.
وأما الثانى: فقال أحمد: ويحيى بن عبد الله بن واقد ليس بشيء، وقال عنه النسائى متروك الحديث.
(3) سورة الأنبياء 21/ 107.
(4) ورد فى تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 93 وأخرج الطبرانى فى الأوسط عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: «جاء جبريل إلى النبي- صلى اللّه عليه وسلم- فقال أقرئ عمر السلام، وأخبره أن غضبه عز، ورضاه حكم». قارنه بما ورد فى سيرة عمر ص 23، والصواعق المحرقة ص 148، ومجمع الزوائد 2/ 69 وقال فيه: «و فيه خالد بن زيد العمرى وهو ضعيف».
(5) سورة طه 20/ 17.
(5/264)
________________________________________
وقوله عليه الصلاة والسلام: «عمر سراج أهل الجنة» «1».
وقوله عليه الصلاة والسلام- يوم بدر: «لو نزل من السماء عذاب، لما نجا منه غير عمر» «2»، ولا منافاة بين هذا الخبر وبين قوله- تعالى- وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ «3» إذ الآية جازمة فى انتفاء العذاب عنهم، ورسول الله فيهم، وهو فى الخبر معلق على نزوله، ونزوله عليهم ممتنع، والرسول فيهم.
ومما يدل على علو رتبته، وعظم شأنه، وكرامته على الله- عزّ وجلّ- كما اشتهر وشاع، وذاع، أنه نادى وهو بالمدينة: يا سارية الجبل. وكان سارية فى فارس؛ فسمع صوته، وانحاز إلى الجبل» «4».
ومن ذلك ما ظهر له من حسن السيرة، واستقامة الأمور، وحمل الناس على المحجة البيضاء، واستئصال أعداء الله- تعالى، وظهور كلمة الإسلام شرقا، وغربا، وفتح البلاد واستقرار العباد، مع خشونته فى دين الله، وتواضعه لعباد الله- تعالى، ومن هو بهذه المنزلة من الله ورسوله، وإجماع الأمة، وله هذه المناقب، والصفات، ومتحل بهذه الفضائل، والكمالات، فيبعد عند العاقل إصغاؤه إلى ما قيل فى حقّه من الأكاذيب، والالتفات إلى ما لا أصل له عند الثقات من أهل الروايات «11» // هذا من جهة الإجمال.
وأمّا التفصيل عمّا ذكروه:
________________
(1) ورد فى تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 93 قال السيوطى: وأخرج البزار عن ابن عمر قال: قال رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- «عمر سراج أهل الجنة» وأخرجه ابن عساكر من حديث أبى هريرة، والصعب بن جثامة».
وانظر مجمع الزوائد 9/ 74 حيث قال فيه «و فيه عبد الله بن إبراهيم بن أبى عمرو الغفارى وهو ضعيف». وفى تذكرة الموضوعات للفتنى 94 «و قال الصغاني: موضوع».
(2) ورد فى شرح النهج 12/ 178.
(3) سورة الأنفال 8/ 33.
(4) خصص السيوطى فى كتابه تاريخ الخلفاء ص 99 فصلا فى كرامات عمر رضي اللّه عنه: وما يهمنا هنا هو ما ذكره فى قصته مع سارية. فقد ذكر السيوطى ثلاث روايات، سأكتفى بذكر واحدة منها: «أخرج البيهقى وأبو نعيم، كلاهما فى دلائل النبوة. واللالكائى فى شرح السنة، وابن الأعرابى فى كرامات الأولياء، والخطيب فيما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر قال: وجه عمر جيشا ورأس عليهم رجلا يدعى سارية. فبينما عمر يخطب. جعل ينادى: يا سارية الجبل. ثلاثا. ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا. فبينا نحن كذلك. إذ سمعنا صوتا ينادى: يا سارية الجبل. ثلاثا. فأسندنا ظهورنا إلى الجبل؛ فهزمهم الله.
قال: قيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك، وذلك الجبل الّذي كان سارية عنده بنهاوند من أرض العجم. قال ابن حجر فى الإصابة: اسناده حسن».
(11) // أول ل 177/ أ من النسخة ب.
(5/265)
________________________________________
أما تحريمه للمتعتين، وحىّ على خير العمل، إنما كان؛ لأنه ظهر عنده المحرم لذلك بعد الجواز، والمجتهد تبع لما أوجبه ظنّه.
وأما حكمه بجواز الجمع بين الطلقات الثلاث، فلقوله- تعالى- لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ «1» نفى الحرج عند التطليق؛ فيدخل فيه الجمع؛ لأنه تطليق «2».
قولهم: إنه لم يكن ذلك مسوّغا فى عهد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم، لا نسلم ذلك. وما ذكروه من الخبر الأول فلم ينقل على ألسنة العدول؛ وبتقدير أن ينقله العدل؛ فهو خبر واحد؛ فلا يقع فى مقابلة القرآن المتواتر، وهذا هو الجواب عن الخبر/ الثانى. كيف وأنه واقع فى عين يتطرق إليها الاحتمال، ولا عموم فيها؛ فلا تكون حجة.
وبيان تطرق الاحتمال: أنه يحتمل أنه كان قد طلقها، وهى حائض، أو فى طهر جامعها فيه؛ فكان غضبه- عليه السلام- لذلك، لا للجمع بين الطلقات.
وأما قول ابن عباس: «أن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- جمع بين الظهر، والعصر. والمغرب والعشاء من غير خوف، ولا سفر» «3»، ليس فيه ما يدل على الجمع من غير عذر أصلا؛ لجواز أنه جمع مع المطر.
وعلى هذا فلا يكون [عمر] «4» مخالفا للرسول عليه السلام.
قولهم: إنه وضع العطاء للمجاهدين.
قلنا: ليس فى ذلك ما يقدح فيه فإنه لم يحرم ما كان فى عهد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم، ولا منع من تجويزه، وما فعله لم يكن محرما، وعدم فعله لا يدل على تحريمه؛ بل غايته أنه ترجّح ذلك فى نظره فى زمانه، ولم يكن ذلك راجحا فى زمن النبي- صلى اللّه عليه وسلم؛ فلذلك صار إليه.
قولهم: إنه اشترط الكفاءة فى فروج ذوات الأحساب، ولم يكن ذلك معهودا على عهد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- لا نسلم أنه لم يكن معهودا، ودليله ما روى عن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- أنه
________________
(1) سورة البقرة 2/ 236.
(2) قارن هذا الرد بما ورد فى الأم للإمام الشافعى 5/ 162.
(3) راجع ما مر فى هامش ل 301/ ب.
(4) ساقط من (أ).
(5/266)
________________________________________
قال: «تخيروا لنطفكم، وأنكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم» «1»، أمر بذلك، والأمر للوجوب، وحكمته ما فيه من دفع العار اللاحق بها، وبأوليائها؛ فكان فى ذلك موافقا لقول النبي- صلى اللّه عليه وسلم؛ لا أنه مخالف له.
قولهم: إنه قال «لا يسترقّ العرب»، وهو مخالف لفعل النبي- صلى اللّه عليه وسلم.
قلنا: إن صحّ ذلك عنه، فلعله اطّلع على ناسخ، ومعارض، لم يظهر عليه غيره.
قولهم: إنه خالف كتاب الله، وسنة رسوله، فى منعه من جلد العرب ورجمها.
قلنا: كيف يصح دعوى ذلك وهو أول من جلد ولده «2»، حتى مات، وجلد شهود المغيرة بن شعبة، وكانوا من العرب «3». ولو صحّ ذلك عنه؛ لما كان ممتنعا؛ لجواز ظهوره على معارض، أو ناسخ فى نظره كما سبق.
قولهم: إنه فاضل فى القسمة بين الناس.
قلنا: ليس فى ذلك أيضا ما يوجب القدح فيه، وأنه مع ما رآه فى نظره، واجتهاده من المصلحة فى ذلك لم يحرّم التساوى، ولا أوجب التفاضل؛ فلم يكن فى ذلك مخالفا لما قضى النبي- صلى اللّه عليه وسلم- به من التساوى «4».
قولهم: إنه أجلى أهل نجران، وخيبر عن ديارهم.
قلنا: لعله فعل ذلك لإخلالهم بشرط أقرهم النبي- عليه السلام- عليه، وقد عرفه دون غيره، فلم يكن بذلك مخالفا للنبى- عليه السلام-؛ بل موافقا له «5».
قولهم: إن العادة [كانت] «6» جارية بأخذ دينار من كل حالم من أهل العهد.
________________
(1) ورد فى سنن ابن ماجة 1/ 633.
(2) هو عبد الرحمن بن عمر- قارن عن هذه الرواية سيرة عمر 207 - 209 ومنهاج السنة 3/ 138.
(3) انظر عنهم ما مر فى ل 302/ ب وهامشها.
(4) قارن بهذا الرد ما ذكره صاحب المغنى 20/ 28 من القسم الثانى.
(5) عمر رضي اللّه عنه نفذ ما أشار به رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- فقد ورد فى موطأ مالك- رضي اللّه عنه- ص 780 «كان آخر ما تكلم به رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- أنه قال: قاتل الله اليهود، والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. لا يبقين دينان بأرض العرب» كما ورد فى سيرة ابن هشام 3/ 231 «أن رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- قال فى وجعه الّذي قبضه الله فيه: لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان، ففحص عمر ذلك حتى بلغه الثبت فأرسل إلى يهود: فقال: إن الله عز وجل قد أذن فى جلائكم».
(6) ساقط من أ.
(5/267)
________________________________________
قلنا: لم يكن ذلك التقدير بطريق الوجوب؛ بل غايته أنه كان/ ذلك على وفق ما اقتضته المصلحة، فى ذلك الوقت، ولعله رأى المصلحة بعد ذلك فى الزيادة، مع تقرير ما كان واجبا على عهد رسول الله صلى اللّه عليه وسلم؛ وهو من أهل الاجتهاد فيه «1».
قولهم: إنه أبدع التراويح، لا نسلم، فإنه قد روى: «أن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- صلاها ليالى، وصلوها معه، ثم تأخر، وصلاها فى بيته باقى الشهر حتى لا يظن أنها واجبة، ولم يثبت نسخها»؛ فعمر فعل ما كان مسنونا، لا أنه فعل ما لم يكن «2».
قولهم: إنه خالف أمر الرسول فى تولية معاوية، لا نسلم ما ذكروه عن النبي- عليه الصلاة والسلام- فى حق معاوية، فلم يثبت، ولم يصح. ولا سيّما وهو كان كاتب الوحى، وخال المؤمنين.
وبتقدير الصحة؛ فلا نسلم أن عمر خالف أمر النبي- صلى اللّه عليه وسلم، فإنه قال: «إذا رأيتم معاوية على منبرى هذا- بطريق التعيين- فاقتلوه» «3»، وما لزم من توليته على إقليم الشام، المنع من قتله بتقدير أن يرى على منبر رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم، حتى يكون مخالفا لأمره.
قولهم: إنه منع أهل البيت من الخمس «4».
قلنا: لعله «11» // اطلع فى اجتهاده على معارض اقتضى ذلك، وعارض به نص الكتاب.
وبالجملة: فمخالفة المجتهد فى الأمور الظنية لما هو ظاهر لغيره، لا يوجب القدح فيه، وإلا لزم ذلك فى كل واحد من المجتهدين المختلفين؛ وهو ممتنع.
قولهم: إنه كان جاهلا بالقرآن؛ لا نسلم ذلك «5».
وأما قصته فى حالة موت النبي- عليه السلام- مع أبى بكر؛ فذلك ممّا لا يدل على جهله بالقرآن؛ فإن تلك الحالة، كانت حالة تشويش البال، واضطراب الأحوال، والذهول عن
________________
(1) قارن رد الآمدي برد صاحب المغنى 20/ 28 من القسم الثانى.
(2) عمر- رضي اللّه عنه- فعل ما كان مسنونا وما فعله رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- فقد ورد فى صحيح مسلم 2/ 177 «عن عائشة أن رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- صلى فى المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة والرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- فلما أصبح قال: قد رأيت الّذي صنعتم، فلم يمنعنى من الخروج إليكم إلا أنى خشيت أن تفرض عليكم، وذلك فى رمضان.
(3) هذا الحديث موضوع ذكره ابن الجوزى فى الموضوعات 2/ 25 وما بعدها.
(11) // أول ل 177/ ب.
(4) قارن هذا الطعن والرد عليه بما ذكره صاحب المغنى فى أبواب التوحيد والعدل 20/ 15 وما بعدها. من القسم الثانى.
(5) قارن هذا الرد بما ورد فى منهاج السنة لابن تيمية 4/ 222، 223.
(5/268)
________________________________________
الجليات، وخفاء الواضحات، بسبب موت النبي- صلى اللّه عليه وسلم، حتى أنه تنقل أن بعض الصحابة فى تلك الحالة غمى، وبعضهم خرس، وبعضهم جنّ، وبعضهم هام على وجهه، وبعضهم صار مقعدا لا يقدر على القيام، فما ظنك بالغفلة عمّا قيل من الآيات.
وأما قصته مع السائل عن الآيات المذكورة: فإنما فعل به ما فعل، لا لأنه كان جاهلا بمعانيها، وكيف يظن به ذلك، وقد كان من بلغاء العرب، وفصحاء أهل الأدب، ومن شاهد التنزيل، وعرف التأويل، وشواهد ذلك فى أقواله، والمسائل المأثورة عنه كثيرة غير قليلة، مع أن عادة العقلاء غير جارية بأذى من سأل عمّا لا يعرف المسئول جوابه؛ بل إنما فعل به ذلك؛ لأنه ظهر له منه أنه قاصد الإزراء والتنقص، والامتحان دون قصد الفائدة «1».
والإمام له تأديب من هو من هذا القبيل. ثم لو كان سؤاله عمّا لم يعرف عمر جوابه موجبا لضربه، وأذاه، أو أن الموجب لذلك سد باب/ السؤال عليه؛ لكان فعل ذلك بالمرأة المعترضة عليه فى منعه من المغالاة فى مهور النساء، وإفحامه بين الناس حتى قال: «كل الناس أفقه من عمر حتى النساء» أولى «2».
قولهم: إنه كان جاهلا بالأحكام الشرعية، إن أرادوا به أنه لم يكن قادرا على معرفتها بالاجتهاد؛ فممنوع.
وإن أرادوا به أنها لم تكن عنده حاضرة، مفصلة؛ فمسلم؛ لكن ذلك مما لا يوجب القدح فيه؛ إذ هو مشارك لجميع أئمة الاجتهاد فى ذلك.
وما ذكروه من قصة [اليهودى] «3»: فلا نسلم صحة قوله: «اقتل وأنا معك».
وأما أنه لم يقم على المقر حدّ قذف المرأة فلأنها لم تطالب به والمطالبة شرط فيه.
قولهم: إنه أهدر دم اليهودى بمجرد قول المقرّ، لا نسلم ذلك؛ بل غايته أنه لم يوجب عليه القصاص؛ لأنه ما كان يرى قتل المسلم بالذمى.
وأما أنه لم يوجب عليه الدّية؛ لأن شرط إلزامه بها مطالبة ولى القتيل، ولم يطالب بها.
وأما أنه لم يوجب عليه كفارة، فلعله كان لا يرى إيجاب الكفارة فى القتل العمد.
________________
(1) قارن هذا الرد بما ورد فى الإتقان 2/ 5.
(2) قارن بما ذكر القاضى عبد الجبار فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل- الجزء العشرون- القسم الثانى ص 13.
(3) ساقط من (أ).
(5/269)
________________________________________
وقولهم: إنه همّ برجم حامل، ومجنونة.
قلنا: لعلّه لم يعلم بالحمل والجنون.
وقوله: «لو لا على لهلك عمر، لو لا معاذ لهلك عمر» أى بسبب ما كان يناله من المشقة بتقدير العلم بحالهما بعد الرجم؛ لعدم المبالغة فى البحث عن حالهما «1».
قولهم: إنه كان ينهى عن المغالاة فى المهور.
قلنا: لم يكن ذلك منه نهيا عما اقتضاه نص الكتاب على جهة التشريع، بل بمعنى أنه وإن كان جائزا شرعا؛ فتركه أولى نظرا إلى الأمر المعيشى، لا بالنظر إلى الأمر الشرعى.
وقوله: كل الناس أفقه من عمر» فعلى طريق التواضع وكسر النفس.
قولهم: إنه قضى فى الجد بتسعين قضية.
قلنا: لأنه كان مجتهدا، وكان يجب عليه اتباع ما يوجبه ظنّه فى كل وقت، وإن اتحدت الواقعة كما هو دأب سائر المجتهدين «2».
وأما قصته مع المغيرة بن شعبة «3»: فغير موجبة للطعن فيه أيضا.
أما قوله: ما كان الشيطان ليشمت برجل من أصحاب رسول الله: أى بوقوعه فى معصية الزنا؛ فظاهر أنه غير موجب للقدح.
قولهم: إنه أشمت الشيطان بالشهود، وهم من أصحاب رسول الله، إن أرادوا بذلك أنه أشمت الشيطان بهم، بإقامة الحد عليهم، مع وجوبه حيث صارت أقوالهم قذفا لنقصان نصاب الشهادة، ولم يجد لدفع ذلك عنهم سبيلا؛ فذلك غير موجب للقدح، وإلا كان الإمام منهيا عن إقامة الحدود الواجبة؛ وهو محال.
وإن أرادوا غير ذلك؛ فهو ممنوع «4».
________________
(1) قارن بما ذكره صاحب المغنى 20/ 12، 13 من القسم الثانى؛ فقد تحدث صاحب المغنى عن هاتين الشبهتين بالتفصيل ورد عليهما بالأدلة القاطعة.
(2) قارن بالمغنى ص 18 الجزء العشرون- القسم الثانى.
(3) عن قصة المغيرة بن شعبة وما وجه الخصوم من طعن على الإمام عمر بسببها والرد عليهم بالتفصيل. بالإضافة لما ورد هنا: انظر المغنى 20/ 16 وما بعدها من القسم الثانى ومنهاج السنة للإمام ابن تيمية 3/ 148.
(4) قارن بما ورد فى المغنى ص 16 - 18 من المجلد الثانى. من الجزء العشرون.
(5/270)
________________________________________
قولهم: إنه عطّل حدا لا نسلم ذلك؛ لأن التعطيل يستدعى سابقة الوجوب، والحدّ على المغيرة لم يجب؛ لنقصان نصاب «11» // الشهادة «1».
قولهم: إنه لقّن الشاهد المداهنة فى الشهادة/ لا نسلم؛ بل غايته أنه قال: إنى لأرى وجه رجل ما كان الله ليفضح بشهادته رجلا من أصحاب رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم، [معناه أنى أتفرس فيه أنه ليس معه شهادة يفضح بها رجلا من أصحاب رسول الله صلى اللّه عليه وسلم] «2»، وليس فى ذلك ما يوجب التعليم بالمداهنة.
قولهم: إنه أراد أن يقيم الحد مرة ثانية، على بعض الشهود، حيث كرر الشهادة بعد إقامة الحد عليه، إنما كان كذلك؛ لأنه ظنّ أنه قذف ثان غير القذف الأول، فلما قال له عليّ- عليه السلام- إن جلدته رجمت صاحبك» معناه: إن حددته لظنك أن ما صدر منه من الشهادة ثانيا غير الشهادة الأولى؛ فقد كمل نصاب الشهادة على الزنا؛ فيلزم أن ترجم المغيرة؛ فرجع عمّا ظنّه «3» وليس ذلك بدعا من أحوال المجتهدين، كما رجع عليّ- عليه السلام- عن المنع من بيع أمهات الأولاد إلى بيعهن «4».
قولهم: إنه أخطأ فى صورة الإنكار من ثلاثة أوجه؛ لا نسلم ذلك.
قولهم: إنه تجسّس؛ لا نسلم [ذلك] «5»؛ بل أخبر بذلك خبرا حصل له به الظن الموجب للإنكار.
قولهم: إنه دخل بغير إذن مسلم؛ ولكن لا نسلم أن الاستئذان فى مثل هذه الحالة واجب؛ ليكون مخطئا بتركه؛ وذلك لأن إنكار المنكر، واجب على الفور ويلزم من الاستئذان تأخيره؛ فلا يجب.
قولهم: إنه لم يسلّم.
________________
(11) // أول ل 178/ أ من النسخة ب.
(1) قارن بما ورد فى المصدر السابق.
(2) ساقط من أ.
(3) قارن بمنهاج السنة 3/ 148.
(4) راجع ما مر فى ل 286/ أ وهامشها.
(5) ساقط من أ.
(5/271)
________________________________________
قلنا: لأن السلام ليس واجبا؛ بل غايته أنه يكون مندوبا، ومن ترك مندوبا لا يعد مخطئا؛ فإن استيعاب الأوقات بالعبادات مندوب، وتارك ذلك، لا يعد مخطئا، وإلا كان النبي فى كل وقت لا يؤدى فيه عبادة تطوعا مخطئا؛ وهو ممنوع «1».
قولهم: إنه كان شاكا فى دين الإسلام، معاذ الله أن يكون ذلك منه مع ما بينّاه من الفضائل الواردة فى حقه، وإجماع الأمة على إمامته، وما ظهر منه من حسن سيرته، وتصلبه فى إقامة الدين، وتورعه، الّذي ما سبقه، ولا لحقه [فيه] «2» أحد من المسلمين كما بينّاه.
وما ذكروه عنه من تلك الأقوال الشنيعة، والأحاديث الفظيعة، فمن أكاذيب أعداء الدين، وتشنيعات الملحدين، قصدا لهضم الإسلام فى أعين الضعفاء بالقدح فيمن كان عماد الإسلام، وبه قوام الإسلام ابتداء وانتهاء، بدليل قوله- صلى اللّه عليه وسلم: «اللهم أيد الإسلام بأبى جهل، أو بعمر بن الخطاب» «3».
قولهم: إنه [كان] «4» شاكا فى إسلام نفسه بسؤاله لحذيفة بن اليمان؛ فقد سبق جوابه.
قولهم: إن النبي- عليه السلام- مات وهو غير راض عنه؛ لا نسلم.
وكيف يكون ذلك مع ورود ما ورد عنه فى مناقبه، وتحقيق فضائله، كما تقدم تحقيقه!.
وأما قضية الدواة، والصحيفة: فلا نسلم أن عمر كان القائل عن النبي- عليه السلام- أنه يهجر؛ بل الّذي رواه ابن عباس أن القائل لذلك واحد من أهل البيت، يعنى الحاضرين، ولم يعيّن عمر.
وإن سلمنا أن القائل لذلك عمر؛ فمعناه أن الألم والوجع قد غلب على رسول الله، وغيّب صوابه، فكيف يكتب، وليس فى ذلك ما يوجب سخط النبي عليه.
________________
(1) قارن بما ذكر هنا من خطئه فى صورة الإنكار من ثلاثة أوجه. ورد الآمدي عليه بما ذكره القاضى عبد الجبار فى المغنى 20/ 14 من القسم الثانى.
(2) ساقط من (أ).
(3) ورد فى سنن الترمذي 5/ 617 «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبى جهل أو بعمر بن الخطاب قال: وكان أحبهما إليه عمر» وفى مسند أحمد 1/ 456 «اللهم أيد الإسلام بعمر». وفضائل عمر رضي اللّه عنه لا ينكرها إلا جاحد، أو صاحب هوى. فقد رويت فى فضله عشرات الأحاديث. ذكر بعضها الإمام السيوطى فى كتابه تاريخ الخلفاء ص 91: «فصل فى الأحاديث الواردة فى فضله غير ما تقدم فى ترجمة الصدّيق» فارجع إليه.
(4) ساقط من أ.
(5/272)
________________________________________
الفصل السادس فى إثبات إمامة عثمان بن عفان رضى الله عنه «1»
[الدليل على إمامته رضي اللّه عنه]
ولا خلاف بين الناس أن عمر- رضي اللّه عنه- جعل الإمامة شورى فى ستة نفر، وهم:
عثمان وعليّ، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبى وقاص، وقال:
«لو كان أبو عبيدة بن الجراح فى الأحياء؛ لما ترددت/ فيه» «2».
وإنما جعلها شورى بين السّتة المذكورين؛ لأنه كان يراهم أفضل خلق الله فى زمانهم، وأن الإمامة غير صالحة لمن عداهم، وقال فى حقهم: «هؤلاء مات رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- وهو عنهم راض» «3»، غير أنه تردد فى التعيين، ولم يترجح فى نظره واحد منهم على الباقين، وأراد أن يستظهر برأى غيره فى التعيين.
ولهذا قال: «إن انقسموا اثنين فأربعة؛ فكونوا مع الأربعة، ميلا منه إلى الكثرة، وأنها أغلب على الظّنّ، وإن استووا فكونوا فى الحزب الّذي فيه عبد الرحمن بن عوف» «4».
ولهذا فإنه لم يعيّن واحدا منهم للصلاة [عليه] «5»، مخافة أن يقال مال إليه، وعيّنه؛ بل وصّى بذلك إلى صهيب «6»؛ بل كان يدعو للخليفة بعده ويقول: «أوصى الخليفة بعدى بالمسلمين خيرا، أوصيه بالمساكين.
________________
(1) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا يرجع إلى المراجع التالية: الإبانة للأشعرى ص 107، والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل 20/ 2/ 30 - 59. والتمهيد للباقلانى ص 208 - 227. وأصول الدين للبغدادى ص 286 - 289، ونهاية الأقدام للشهرستانى ص 480.
ومن كتب المعتزلة: المغنى فى أبواب التوحيد 20/ 30 - 59 من القسم الثانى- شرح الأصول الخمسة ص 758.
وغاية المرام للآمدى ص 390.
ومن كتب المتأخرين عن الآمدي: شرح المواقف- الموقف السادس ص 316. وشرح المقاصد للتفتازانى 2/ 216. وشرح العقيدة الطحاوية ص 562، 566. وتاريخ الخلفاء للسيوطى ص 118 - 131. وانظر ترجمته فى هامش ل 153/ أ من القاعدة الخامسة.
(2) قارن هذا القول بما ورد فى طبقات ابن سعد 3/ 343، وتاريخ الطبرى 4/ 215.
(3) قارن هذا القول بما ورد فى تاريخ الطبرى 4/ 228.
(4) انظر طبقات ابن سعد 3/ 61، وتاريخ الطبرى 4/ 229.
(5) ساقط من (أ).
(6) صهيب: هو صهيب بن سنان بن مالك، ولد بالموصل، وسبته الرّوم ونشأ ببلادهم، ثم اشتراه ابن جدعان وأعتقه. شهد المشاهد مع رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم، ولما استشهد عمر- رضي اللّه عنه- صلى بالمسلمين حتى انتخبوا عثمان- رضي اللّه عنه-[الاستيعاب 1/ 314، والإصابة 2/ 188].
(5/273)
________________________________________
ثم اتفق المسلمون «11» // بعده على عثمان؛ لاستجماعه شرائط الإمامة، وتحقيقها على ما قررناه فى حق أبى بكر.
وكان مع ذلك له من الفضائل المأثورة، والمناقب المشهورة ما لا خفاء به؛ فإنه جهّز جيش العسرة، وسبّل بئر رومة «1»، وزاد فى مسجد رسول الله، وجمع النّاس على مصحف واحد «2»، عند ما كاد وقوع الاختلاف بين الناس فى القرآن، واختيار النبي- صلى اللّه عليه وسلم- له فى تزويج ابنتيه، وقوله عليه السلام له لمّا ماتت الثانية: «لو كان لنا ثالثة لزوجناك» «3».
وما اشتهر من كف النبي رجله عند دخول عثمان عليه، وقوله فى حقه: «كيف لا أستحي ممّن تستحى منه الملائكة» «4».
وقوله- صلى اللّه عليه وسلم-: «وزنت بأمتى، فوضعت فى كفة، وأمتى فى كفة؛ فرجحت بأمتى.
ثم وضع أبو بكر مكانى؛ فرجح بأمتى؛ ثم وضع عمر مكانه فرجح بهم، ثم وضع عثمان مكانه؛ فرجح بهم؛ ثم رفع الميزان» «5».
وكان مع ذلك كله من الزهاد العباد المتهجدين يختم القرآن فى كل ليلة بركعة واحدة، حتى نزل فى حقه قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وقائِماً «6» الآية. وقال فيه حسان «7» بعد قتله فى أبيات قصيدة مطولة:
ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به ... يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا «8»
فإن قيل: كيف يمكن أن يقال: جعل الإمامة شورى بين الستة المذكورين [و عيّنهم] «9» دون غيرهم مع أنه قدح فى كل واحد منهم «10»؟.
________________
(11) // أول ل 178/ ب.
(1) بئر رومة (بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم) وهى فى عقيق المدينة (انظر معجم البلدان 2/ 4).
(2) راجع عن مناقبه. تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 118 - 131.
(3) ورد بألفاظ متقاربة فى طبقات ابن سعد 3/ 56، وتاريخ الخلفاء للسيوطى ص 121.
(4) ورد بألفاظ متقاربة فى صحيح مسلم 7/ 117 وتاريخ الخلفاء ص 122.
(5) ورد بألفاظ متقاربة فى مسند أحمد 4/ 63، 5/ 44، وسنن أبى داود 2/ 213.
(6) سورة الزمر 39/ 9. وانظر لباب النقول للسيوطى ص 184 حيث ذكر أربع روايات فى سبب نزول هذه الآية الكريمة الرواية الأولى منها: عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: نزلت فى عثمان بن عفان» وهذه الرواية تتفق مع ما ذكره الآمدي.
(7) حسان بن ثابت- هو أبو عبد الرحمن حسان بن ثابت بن المنذر الأنصارى شاعر الرسول- عليه السلام- وهو من الشعراء المخضرمين توفى بالمدينة المنورة فى خلافة على رضي اللّه عنه- (الإصابة 1/ 325).
(8) وهذا البيت ورد فى ص 216 فى ديوان: حسان بن ثابت رضي اللّه عنه.
(9) ساقط من أ.
(10) قارن بما ورد فى المغنى 20/ 20 من القسم الثانى.
(5/274)
________________________________________
ودليل ذلك ما روى عن ابن عباس أنه قال: «رأيت أمير المؤمنين عمر مفكرا، فقلت له: يا أمير المؤمنين لو حدّثتك بما فى نفسك، قال عمر: كنت أصدقك:
فقلت: كأنك تفكر فيمن يصلح لهذا الأمر بعدك، فقال: ما أخطأت ما فى نفسى.
فقال ابن عباس فقلت: يا أمير المؤمنين ما تقول فى عثمان؟ فقال: هو كلف بأقاربه يحمل أبناء أبى معيط، على رقاب الناس؛ فيحطمونهم حطم الإبل بنت الربيع؛ فيدخل الناس من هاهنا؛ فيقتلونه. وأشار إلى مصر، والعراق، والله إن فعلتم؛ ليفعلنّ والله [إن فعل ليقتلن] «1».
قلت: فطلحة؟ قال: صاحب بأو وزهو وهذا الأمر لا يصلح لمتكبر.
قلت: فالزبير؟ قال: بخيل يظل طوال نهاره بالبقيع يحاسب به عن الصاع من التمر، وهذا الأمر لا يصلح إلّا لمنشرح الصدر.
قلت: فسعد؟ قال: صاحب شيطان إذا غضب، وإنسان إذا رضى، [فمن للناس إذا غضب] «2»،
قلت: فعبد الرحمن بن عوف؟ قال: والله لو وزن إيمانه بإيمان الخلق لرجح؛ لكنه ضعيف.
قلت:/ فعلىّ: فصفق إحدى يديه على الأخرى فقال: هو لها، لو لا دعابة فيه، وو الله إن ولى هذا الأمر ليحملنّكم على المحجّة البيضاء» «3».
ثم وإن سلمنا أنه لم يقدح فيهم؛ ولكن لا نسلّم إجماعهم على عثمان، وكيف يجمعون عليه، ولم يكن أهلا للإمامة.
وبيان عدم أهليته من اثنى عشر وجها:
الأول: أنه آوى الحكم «4» طريد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم-
ورده، ولم يرده رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- ولا أبو بكر، ولا عمر «5».
________________
(1) ساقط من أ.
(2) ساقط من أ.
(3) المحجة البيضاء: جادة الطريق. قارن هذه الرواية مع اختلاف فى العبارة بشرح النهج 12/ 259، 260. والفائق فى غريب الحديث 2/ 425، 426. ثم ارجع إلى المغنى 20/ 2/ 20 - 26 فقد تحدث صاحب المغنى عن قصة الشورى حتى تمت بيعة عثمان رضي اللّه عنه بالتفصيل.
(4) الحكم: هو الحكم بن أبى العاص بن أمية- أسلم يوم الفتح نفاه رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- إلى الطائف، واستمر منفيا مدة خلافة أبى بكر، وعمر فلما ولى عثمان أعاده إلى المدينة وإعطاء مائة ألف درهم (طبقات ابن سعد 5/ 447، الاستيعاب 1/ 118).
(5) قارن بالمغنى 20/ 39 من القسم الثانى، والتمهيد للباقلانى ص 223.
(5/275)
________________________________________
الثانى: أنه أشخص أبا ذر من الشام، وضربه بالسوط «1»، ونفاه إلى الربذة «2»،
وكان حبيب رسول الله من غير ذنب موجب لذلك، سوى اتباع هوى معاوية، وشكواه منه.
الثالث: أنه أحرق المصاحف بالنار «3».
الرابع: أنه ضرب ابن مسعود،
حتى كسر ضلعين من أضلاعه، عند إحراق مصحفه، وحرمه العطاء سنتين «4».
الخامس: أنه ضرب عمار بن ياسر «5»،
حتى فتق أمعاءه «6».
السادس: أنه ولى أقاربه،
ورفع أبناء أبى معيط على رقاب الناس، بعد نهى عمر له عن ذلك، وكراهية الناس لهم «7».
السابع: أنه ولى على المسلمين من لا يصلح للولاية عليهم
كتوليته للوليد بن عقبة، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن أبى سرح، ومعاوية.
أما الوليد: فلأنه شرب الخمر، وصلى بالناس سكرانا.
وأما سعيد بن العاص: فلأنه لمّا ولّاه على الكوفة فعل ما أوجب أن أخرجه أهلها منها.
وأما عبد الله بن أبى سرح: فلأنه لما ولّاه مصر أساء التدبير حتى شكاه أهلها، وتظلموا منه.
________________
(1) قارن بما ذكره القاضى عبد الجبار فى المغنى 20/ 40 من القسم الثانى، والتمهيد للباقلانى ص 222 وما بعدها، ومروج الذهب للمسعودى ص 348 من الجزء الثانى.
(2) الربذة: قرية من قرى المدينة المنورة تبعد عنها ثلاثة أميال (معجم البلدان 4/ 222).
(3) قارن هذا الطعن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 40 من القسم الثانى، والتمهيد للباقلانى ص 221 وما بعدها.
(4) قارن بما ورد فى المغنى 20/ 40 من القسم الثانى، ومروج الذهب 2/ 347، والتمهيد للباقلانى ص 220.
(5) عمار بن ياسر بن عامر الكنانى، المذحجى، العنسى القحطانى، أبو اليقظان: صحابى جليل، أسلم قديما وكان من المستضعفين الذين يعذبون بمكة؛ ليرجعوا عن دينهم. شهد بدرا، ولم يشهدها ابن مؤمنين غيره، وشهد أحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى اللّه عليه وسلم وسماه الطيّب المطيّب. كان من الولاة الشجعان ذوى الرأى، وهو أحد السابقين للإسلام والجهر به. وفى الحديث: ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما. ولاه عمر الكوفة، وشهد الجمل وصفين مع على رضى الله عنهما، واستشهد فى صفين، وقتلته الفئة الباغية وعمره ثلاث وتسعون ودفن هناك.
روى (62) حديثا. رحمه الله ورضى عنه.
[حلية الأولياء 1/ 139، وصفة الصفوة 1/ 165، 166، والأعلام للزركلى 5/ 36].
(6) قارن بالتمهيد للباقلانى ص 220، والمغنى 20/ 40 من القسم الثانى، ومروج الذهب 2/ 347.
(7) قارن بالتمهيد ص 224، ومروج الذهب 2/ 348 وما بعدها، والمغنى 20/ 38 وما بعدها من القسم الثانى.
(5/276)
________________________________________
وأما معاوية: فلما ظهر بسببه من الفتن وأحدث من العظائم.
الثامن: أنه كان يبذر أموال بيت مال المسلمين،
ويفرقها على أقاربه حتى أنه نقل عنه، أنه دفع إلى أربعة نفر منهم أربعمائة ألف دينار «1».
التاسع: أنه كان مضيعا لحدود الله،
ويدل عليه أنه «11» // لم يقتل عبيد الله بن عمر «2»، قاتل الهرمزان، وكان مسلما، وأنه أراد أن يعطل حد شرب الخمر، فى حق الوليد بن عقبة؛ فحدّه على- عليه السلام- وقال: «لا يعطل حدّ الله تعالى وأنا حاضر» «3».
العاشر: أنه كاتب ابن أبى السرح سرا بخلاف ما كتب إليه جهرا على يد محمد بن أبى بكر،
وأمره بقتل محمد بن أبى بكر «4» ولم يوجد منه ما يقتضي ذلك، حتى آل أمر ذلك، إلى ما آل إليه من خذلان الصحابة له، وتمالأ الناس على قتله، وتركه ثلاثة أيام لا يدفن «5».
الحادى عشر: أنه حمى لنفسه حمى «6»،
وأتم الصلاة فى السفر «7».
الثانى عشر: أنه رقى على المنبر،
إلى حيث كان يرقى النبي- عليه السلام- مساويا له، بعد نزول أبى بكر درجة، ونزول عمر درجتين.
وقد نقم الخصوم عليه أشياء كثيرة، لا حاصل لها، يظهر فسادها بأوائل النظر لمن لديه أدنى تفطن؛ فلذلك آثرنا الإعراض عنها مقتصرين على ما ذكرناه؛ لكونه أشبه ما قيل.
________________
(1) قارن بالمغنى 20/ 39 من القسم الثانى، والتمهيد للباقلانى ص 224.
(11) // أول ل 179/ أ من النسخة ب.
(2) عبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوى، القرشى: صحابى، من أبطال قريش وفرسانهم، ولد فى عهد رسول الله صلى اللّه عليه وسلم، وأسلم بعد إسلام أبيه، وسكن المدينة. وغزا افريقية ثم رحل إلى الشام فى زمن على رضي اللّه عنه؛ فشهد (صفين) بجانب معاوية، وقتل فيها سنة 37 ه. قتل الهرمزان بعد استشهاد عمر رضى الله عنه- وكان مسلما.
[طبقات ابن سعد 5/ 8، والأعلام 4/ 195].
(3) قارن بالمغنى 20/ 38 من القسم الثانى.
(4) سبقت ترجمته من ه ل 288/ أ.
(5) قارن بالمغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 39 من القسم الثانى.
(6) قارن بالمغنى 20/ 39 من القسم الثانى، والتمهيد للباقلانى ص 222.
(7) قارن بالتمهيد للباقلانى ص 223.
(5/277)
________________________________________
[رد الآمدي على الشيعة، وبيان أهلية عثمان رضي اللّه عنه للإمامة]
والجواب: قولهم: إن عمر قدح فى كل واحد من الستة.
قلنا: [لم يكن] «1» مقصوده بذلك القدح فيهم، والتنقيص بهم؛ بل لأنه لمّا اعتقد أنهم أفضل أهل زمانهم، وجعل الإمامة منحصرة فيهم، أراد أن ينبه الناس على ما يعلمه من كل واحد من الستة، ممّا يوافق مصلحة المسلمين، ويخالفها، مبالغة فى التّحرّى والنصح للمسلمين؛ ليكون اختيارهم لمن يختارونه، أوفق لمصلحتهم «2».
قولهم: لا نسلم إجماع الأمة على عثمان.
قلنا: طريق إثباته فعلى نحو طريق إثبات إمامة أبى بكر على ما سبق.
قولهم: إنه لم يكن أهلا للإمامة.
قلنا: دليله الإجمال/ والتفصيل، كما تقدم فى حق أبى بكر رضي اللّه عنه.
قولهم: إنه آوى طريد رسول الله، وردّه من الطائف.
قلنا: إنما ردّه لأن عثمان كان قد استأذن رسول الله فى رده؛ فأذن له فى ذلك.
ولم يتفق رده فى زمن النبي عليه السلام، حتى آل الأمر إلى أبى أبكر، وعمر؛ فذكر لهما ذلك، فطلبا معه شاهدا آخر على ذلك؛ فلم يتفق حتى آل الأمر إلى عثمان؛ فحكم فيه بعلمه.
قولهم: إنه أشخص أبا ذر من الشام، وضربه بالسوط، ونفاه إلى الربذة «3».
قلنا: إنما أشخصه من الشام؛ لأنه بلغه أنه كان فى الشام إذا صلى الجمعة وأخذ الناس فى ذكر مناقب الشيخين، يقول لهم: «لو رأيتم ما أحدث الناس بعدهما، شيّدوا البنيان، ولبسوا الناعم، وركبوا الخيل، وأكلوا الطيّبات» «4»، وكاد يفسد بأقواله الأمور، ويشوّش» الأحوال؛ فاستدعاه من الشام؛ فكان إذا رأى عثمان قال: يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وجُنُوبُهُمْ «5» الآية؛ فضربه عثمان بالسوط على ذلك تأديبا،
________________
(1) ساقط من أ.
(2) قارن رد الآمدي على هذا الطعن بما ذكره صاحب التمهيد ص 205 - 208 وبما ذكره صاحب المغنى 20/ 21 - 26 من القسم الثانى.
(3) سبق الحديث عنها فى هامش 306/ ب.
(4) قارن بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص 222، 223.
(5) سورة التوبة 9/ 35.
(5/278)
________________________________________
وللإمام ذلك بالنسبة إلى كل من أساء أدبه عليه، وإن أفضى ذلك التأديب إلى إهلاكه، ثم قال له، إما أن تكفّ، وإمّا أن تخرج إلى حيث شئت «1»؛ فخرج إلى الربذة غير منفى، ومات بها.
قولهم: إنه أحرق المصاحف بالنار.
قلنا: هذا من أعظم مناقبه «2»، حيث أنه جمع الناس على كلمة واحدة، ومصحف واحد، ولو لا ذلك، لاضطرب الناس واختلفوا كل اختلاف بسبب اختلاف المصاحف، فإنها كانت مختلفة غير متفقة.
قولهم: إنه ضرب ابن مسعود حتى كسر ضلعيه «3».
قلنا: إن صحّ ضربه له.
فقد قيل: إنه لما أراد عثمان أن يجمع الناس على مصحف واحد، ويرفع الاختلاف بينهم فى كتاب الله، طلب مصحفه منه فأبى، ذلك مع ما كان عليه من الزيادة، والنقصان؛ فأدّبه على ذلك.
قولهم: إنه حرمه العطاء سنتين.
قلنا: احتمل أن يكون ذلك؛ لأنه رأى صرفه إلى من هو أولى منه، أو أنه كان قد استغنى عنه «4».
قولهم: إنه ضرب عمار بن ياسر حتى فتق أمعاءه.
قلنا: إنما فعل به ذلك بطريق التأديب؛ لأنه روى أنه دخل عليه، وأساء عليه الأدب، وأغلظ له فى القول بما لا يجوز التجري بمثله على الأئمة، وللإمام التأديب لمن أساء الأدب عليه، وإن أفضى ذلك إلى هلاكه، ولا إثم عليه؛ لأنه وقع من ضرورة فعل ما هو جائز له.
كيف وأن ما ذكروه لازم على الشيعة، حيث أن عليا عليه السلام قتل أكثر الصحابة فى حربه «5».
________________
(1) قارن بما ورد فى التمهيد ص 222.
(2) قارن بما ورد فى التمهيد ص 222.
(3) قارن بما ورد فى التمهيد ص 221.
(4) قارن هذا الرد بما ذكره صاحب التمهيد ص 220.
(5) قارن هذا الرد بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص 220 والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل 20/ 54 من القسم الثانى.
(5/279)
________________________________________
فلئن «11» // قالوا: إنما قتلهم بخروجهم عنه، وإفتائهم عليه.
قلنا: فإذا جاز القتل دفعا لمفسدة الافتئات على الإمام؛ جاز التأديب أيضا.
قولهم: إنه ولى أقاربه.
قلنا: لأنهم كانوا أهلا للولاية «1».
قولهم: كان ذلك مع كراهية الناس لهم.
قلنا: إن أرادوا به كراهية كل النّاس؛ فممنوع، وإن أرادوا كراهية بعض النّاس؛ فهذا مسلم؛ لكن ذلك ممّا لا يمنع من التولية، وإلا لما ساغ للإمام نصب قاض، ولا وال ضرورة أنه ما من وال ولا قاض إلا ولا بدّ من كراهية بعض الناس له.
قولهم: إنه ولى من لا يصلح/ للولاية. لا نسلم ذلك.
قولهم: إنه ولى الوليد بن عقبة وقد شرب الخمر، وصلى بالناس سكرانا.
قلنا: إنما ولاه لظنه أنه أهل للولاية، وليس من شرط الوالى أن يكون معصوما، ولا جرم لمّا ظهر منه الفسق، عزله وحدّه.
وعلى هذا يكون الجواب عن كلّ من ولاه وظاهره الصلاح، وإن لم يكن فى نفس الأمر صالحا «2».
قولهم: إنه كان يكثر فى العطاء لأقاربه.
قلنا: لا نسلم أن الزيادة على القدر المستحق كان من بيت المال؛ بل لعلّ ذلك من ماله، وما يختص به «3».
قولهم: إنه كان مضيعا لحدود الله. لا نسلم.
قولهم: إنه لم يقتل عبيد الله بن عمر قاتل الهرمزان.
________________
(11) // أول ل 179/ ب.
(1) قارن هذا الرد بما ذكره صاحب التمهيد ص 224. وصاحب المغنى 20/ 47 من القسم الثانى.
(2) قارن رد الآمدي بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 47 من القسم الثانى وبرد صاحب التمهيد ص 224 وما بعدها.
(3) قارن رد الآمدي برد القاضى فى المغنى 20/ 51 من القسم الثانى وبرد صاحب التمهيد ص 224 وما بعدها.
(5/280)
________________________________________
قلنا: لأنه كان مجتهدا وقد قال: هذا القتل جرى فى غير سلطانى؛ فلا يلزمنى حكمه» «1» وذلك لأنه كان قتله قبل عقد الإمامة لعثمان [و هذا هو مذهب أبى حنيفة رحمه الله] «2».
قولهم: إنه أراد أن لا يقيم الحد على الوليد بن عقبة بشرب الخمر، لا نسلم ذلك؛ بل لعله أخّر استيفاء الحد؛ ليكون على ثقة من شربه الخمر، ولهذا فإنه حدّه بعد ذلك «3».
قولهم: إنّه كاتب ابن أبى السّرح سرّا بما يخالف كتابه له جهرا، وأنه أمره بقتل محمد بن أبى بكر.
لا نسلم ذلك؛ فإنه قد حلف أنه ما فعل شيئا من ذلك، وما أمر بقتل محمد بن أبى بكر. ولا يخفى ما كان عليه من الديانة والأمانة، فنسبة التزوير فى كتابه، والكذب فى ذلك إلى غيره ممّن تمالأ على قتله، من السفساف الأوباش أولى «4».
قولهم: إنه حمى لنفسه حمى، وأتم الصلاة فى السفر.
قلنا: أما الحمى فلم يختص هو به، فإنه كان فى زمن الشيخين.
فلئن قالوا: إلا أنه زاد فى ذلك.
قلنا: لاحتمال زيادة المواشى، والأمور المصلحية ممّا يختلف باختلاف الأوقات بالزيادة، والنقصان «5».
وأما إتمام الصلاة فى السفر، فإنما كان؛ لأن الإتمام هو الأصل، وغايته أنه عدل عن الرخصة إلى العزيمة «6».
________________
(1) قارن هذا الرد بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 56 من القسم الثانى وبرد الباقلانى فى التمهيد ص 224.
(2) ساقط من (أ).
(3) قارن رد الآمدي بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 47 من القسم الثانى.
(4) قارن هذا الرد بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 47، 48 من القسم الثانى وبما ورد فى التمهيد للباقلانى ص 225.
(5) قارن هذا الرد بما ورد فى كتاب المغنى للقاضى عبد الجبار 20/ 52 من القسم الثانى وبما ورد فى التمهيد للقاضى الباقلانى ص 222.
(6) قارن رد الآمدي على الخصوم بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص 223 وما بعدها.
(5/281)
________________________________________
قولهم: إنه رقى فى المنبر إلى موضع رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم، وخالف الشيخين.
قلنا: إن النزول عنه ليس من الواجبات؛ بل غايته أن يكون من المندوبات، ومن ترك مندوبا، لا يعد مخطئا كما سبق تقريره «1».
________________
(1) قارن رد الآمدي، برد القاضى للباقلانى ص 225 وما بعدها.
(5/282)
________________________________________
الفصل السابع فى إثبات إمامة على بن أبى طالب رضي اللّه عنه «1»
[الدليل على إمامته رضي اللّه عنه]
ولا يخفى أن عليا كان مستجمعا للخلال الشريفة، والمناقب المنيفة التى ببعضها يستحق الإمامة، وأنه اجتمع فيه من فضائل الصفات، وأنواع الكمالات ما تفرّق فى غيره من الصحابة «2»، [حتى إذا قيل من أشجع الصحابة] «3»، وأعلمها وأعبدها، وأزهدها، وأفصحها، وأسبقها إيمانا، وأكثرها مجاهدة بين يدى رسول الله صلى اللّه عليه وسلم وأقربها نسبا، وصهارة منه، كان عليا- عليه السلام- معدودا فى أول الجريدة، وسابقا إلى كل فضيلة حميدة، ولذلك قال فيه ربّانى هذه الأمة عبد الله بن عباس وقد سأله معاوية عنه فقال:
«كان والله للقرآن تاليا، وللشرّ قاليا، وعن المين نائيا، وعن المنكر ناهيا، وعن الفحشاء ساهيا، وبدينه عارفا، ومن الله خائفا، وعن الموبقات صادقا، وبالليل قائما، وبالنهار
________________
(1) على بن أبى طالب بن عبد المطلب الهاشمى القرشى، أبو الحسن أمير المؤمنين، أول من أسلم من الصبيان، وأحذ العشرة المبشرين بالجنة وابن عم رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم-، وصهره، ورابع الخلفاء الراشدين أحد الشجعان الأبطال ومن أكابر الخطباء والعلماء. ولد بمكة المكرمة سنة 23 قبل الهجرة، وتربى فى بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يفارقه. نام فى فراش النبي ليلة الهجرة وبقى بعده بمكة ليرد الأمانات إلى أهلها. كان اللواء بيده فى أكثر المشاهد. ولم يتخلف عن مشهد منها سوى غزوة تبوك عن سعد بن أبى وقاص قال: خلف رسول الله، على بن أبى طالب فى غزوة تبوك فقال: يا رسول الله تخلفنى فى النساء والصبيان؟ فقال: «أ ما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبى بعدى» أخرجاه فى الصحيحين. تولى الخلافة بعد قتل عثمان رضي اللّه عنه سنة 35 ه وأراد بعض كبار الصحابة القبض على قتلة عثمان، وقتلهم وكانوا فى شوكة، وتوقى على رضي اللّه عنه الفتنة؛ فتريث؛ ولكن غضب بعض الصحابة وخرجوا عليه وحدثت الفتنة الكبرى التى فرقت المسلمين، وأثرت فى الدولة الإسلامية؛ وركب الموجبة الطلقاء وأصحاب الأغراض الدنيئة وجيشوا الجيوش ورفعوا قميص عثمان؛ وهم الذين تخلوا عنه وأساءوا إليه أبلغ الإساءة، وكانوا السبب فيما حدث له. وكان على رضي اللّه عنه وأبناؤه من بعده من ضحايا هذه الفتنة، فاستشهد رضى الله عنه حيث قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادى غيلة فى السابع عشر من رمضان سنة 40 ه روى رضي اللّه عنه (586) حديثا)، رحمه الله ورضى عنه.
[ابن الأثير حوادث سنة 40 ه، وصفة الصفوة 1/ 116 - 126 ترجمة رقم (5)، والإصابة الترجمة رقم 5690 والأعلام 4/ 295، 296].
(2) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة لما ورد هاهنا: انظر: التمهيد للباقلانى ص 227 وما بعدها، وأصول الدين للبغدادى ص 281 وما بعدها ونهاية الأقدام ص 480 وما بعدها، والفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم 4/ 149 وما بعدها والمعتمد فى أصول الدين ص 231، والإرشاد للجوينى 241 وما بعدها. والمحصل للرازى ص 573 وما بعدها، والمغنى 20/ 1، 2 فى مواضع عدة. شرح الأصول الخمسة ص 749 وما بعدها، غاية المرام ص 363 وما بعدها. والمواقف للآيجى ص 395 - 414 وشرح المواقف- الموقف السادس ص 276 - 337.
وشرح المقاصد للتفتازانى 2/ 199 وما بعدها.
(3) ساقط من (أ).
(5/283)
________________________________________
صائما، ومن دنياه سالما، وعلى العدل فى البرية عازما، وبالمعروف آمرا، وعن/ المهلكات زاجرا وبنور الله ناظرا، ولشهوته قاهرا، فاق المسلمين ورعا، وكفافا، وقناعة، وعفافا، وسادهم زهدا، وأمانة، وبرا، وحياطة، كان والله حليف الإسلام، ومأوى الأيتام، ومحل الإيمان، ومنتهى الإحسان، وملاذ الضعفاء، ومعقل الحنفاء، وكان للحق حصنا منيعا، وللناس عونا متينا، وللدين نورا، وللنعم «11» // شكورا، وفى البلاء صبورا.
كان والله هجادا بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، دائم الفكر فى الليل والنهار، نهاضا إلى كل مكرمة، سعاء إلى كل منجية، فرارا من كل موبقة، كان والله علم الهدى، وكهف التقى، ومحل الحجى، وبحر الندى، وطود النّهى، وكنف العلم للورى، ونور السفر فى ظلام الدّجى، كان داعيا إلى المحجة العظمى، ومستمسكا بالعروة الوثقى، عالما بما فى الصحف الأولى، وعاملا بطاعة الملك الأعلى، عارفا بالتأويل، والذكرى، متعلقا بأسباب الهدى، حائزا عن طرقات الردى، ساميا إلى المجد، والعلى، وقائما بالدين، والتقوى، وتاركا للجور والعدوى، وخير من آمن، واتقى، وسيد من تقمص، وارتدى، وأبر من انتقل وسعى، وأصدق من تسربل، واكتسى، وأكرم من تنفس، وقرا، وأفضل من صام وصلّى، وأفخر من ضحك، وبكى، وأخطب من مشى على الثرى، وأفصح من نطق فى الورى، بعد النبي المصطفى، فهل يساويه أحد؟ وهو زوج خير النسوان فهل يساويه بعل؟ وأبو السبطين فهل يدانيه خلق؟
وكان والله للأشداء قتالا، وللحرب شعالا، وفى الهزاهز ختّالا» هذا مع ما ورد فيه من الأخبار الصحيحة الدالة على فضيلته، والآثار المثبتة على علو شأنه، ورتبته كما قررناه وأوردناه فيما تقدم.
هذا فيما يتعلق بالصفات الموجبة لاستحقاق الإمامة.
وأما الوجه الثانى: فى إثبات إمامته، فإجماع الأمة عليه بعد مقتل عثمان واتفاقهم على استخلافه [و إمامته، واتباعهم له فى حلّه، وإبرامه، ودخولهم تحت قضاياه، وأحكامه من غير منازع، ولا مدافع. وذلك دليل على إثبات إمامته] «1» لما سبق فى إثبات إمامة أبى بكر رضي اللّه عنه.
________________
(11) // أول 180/ أ.
(1) ساقط من (أ).
(5/284)
________________________________________
[شبه الطاعنين فى إمامته رضي اللّه عنه وبيانها من وجهين]
فإن قيل: سلمنا دلالة ما ذكرتموه على كونه أهلا للإمامة؛ لكنه معارض بما يدل على عدمها، وبيانه من وجهين:-
الأول: أنه مالأ على قتل عثمان،
مع اتفاق الأمة على تحريم قتله، ويدل عليه قول عليّ وقد سئل: هل قتلت عثمان؟ قال: «الله قتله، وأنا معه» «1». وروى أنه قال:
«دم عثمان فى جمجمتى هذه «2».
والّذي يؤكد ذلك أن قتلة عثمان كانوا فى عسكره وكان قادرا عليهم ولم يقتلهم؛ بل كانوا عضّاده، وأنصاره وبطانته، ولذلك كتب إليه معاوية كتابا ومن جملته: «إنك رضيت بقتل عثمان لأنك قبّحت ذكره، وألّبت عليه الناس حتى جاءوا من هنا، ومن هاهنا، ولو أنك قمت على بابه مقام صدق، ونهنهت عنه بكلمة رجعوا.
والدليل عليه أن قتلته أعضادك، وأنصارك، وبطانتك، فإن قتلتهم عنه أجبناك، وأطعناك، وإن لم، فو الله الّذي لا إله إلا هو لنطلبنّ قتلة عثمان فى البرّ، والبحر» «3».
الثانى: أن الخوارج كفّرته؛ حيث أنه حكّم الرجال، ولم يحكم بكتاب الله وسنة رسوله «4»،
وقد قال تعالى: ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ «5».
[و إن] «6» سلمنا أنه كان أهلا للإمامة؛ لكن لا نسلم إجماع الأمة على/ عقد الإمامة [له] «7»، ويدل عليه أمران:-
الأول: أنه روى أن طلحة، والزبير، وهما من أجلاء الصحابة، ومن جملة العشرة المقطوع لهم بالجنة، تخلفا عن بيعته «8»، وأنهما أخرجا من منزليهما مكرهين، وقد أحاط بطلحة أهل البصرة، وبالزبير أهل الكوفة، وجىء بهما إلى عليّ فبايعاه مع الكراهة «9». ولذلك نقل عن طلحة بعد ذلك أنه قال: «بايعته أيدينا، ولم تبايعه قلوبنا»، ولهذا فإنهما خرجا عليه، وقاتلاه بالبصرة؛ فقتلا.
________________
(1) راجع هذا القول فى وقعة صفين ص 63، والتمهيد للباقلانى ص 235 - 236.
(2) راجع التمهيد للباقلانى ص 236.
(3) ورد بألفاظ قريبة فى: وقعة صفين ص 87، والعقد الفريد 5/ 91 - 92.
(4) راجع فى هذه المسألة (تكفير الخوارج للإمام على- كرم الله وجهه ورضى عنه).
مقالات الإسلاميين للأشعرى ص 6، ص 452، والمغنى 20/ 2/ 95 - 111.
(5) سورة المائدة 5/ 44.
(6) ساقط من (أ).
(7) ساقط من (أ).
(8) راجع ما ورد فى التمهيد للباقلانى ص 230 وما ورد فى المغنى 20/ 2/ 61.
(9) راجع ما ورد فى تاريخ الطبرى 5/ 434، 435.
(5/285)
________________________________________
الثانى: أن جماعة من سادات الصحابة، وأجلائهم: كعبد الله بن عمر، وسعد، ومحمد بن مسلمة الأنصارى؛ لم يعاضدوه على أعدائه، ولم يوافقوه فيما عرض له من مهامه «1».
ولو كان ممن انعقدت إمامته؛ لما تخلفوا عن نصرته، ولما تأخروا عن معاضدته، كما كان حالهم بالنسبة إلى من تقدم من الخلفاء الراشدين؛ لعلمهم أنّ ذلك من الواجبات، وأن التّخلف عنه من المحرّمات.
[رد الآمدي على هذه الشبه]
والجواب: قولهم: إنه مالأ على قتل عثمان. لا نسلم، وذلك فإنه قد «11» // روى عنه- عليه السلام- أنه قال: «و الله ما قتلته، ولا مالأت على قتله» «2»، وأنه أنفذ إليه الحسن، والحسين يستأذنه فى نصرته، فقال عثمان: «لا حاجة لى فى ذلك»، وقوله: «و الله قتله وأنا معه»، لم يرد به أنه أعان على قتله بوجه من الوجوه؛ بل معناه: والله يقتلنى معه، وإنما ذكر مثل هذا اللفظ الموجه إرضاء للفريقين ومداراة للحزبين، حتى لا يختل عليه الأمر، ويتشوش الحال.
وقوله: «دم عثمان فى جمجمتى» أمكن أن يكون على طريق الاستفهام ومعناه:
أ تظنون أن دمه فى جمجمتى، وأمكن أن يكون معلقا بشرط فى نفسه وتقديره: إن لم أستوفه مع القدرة عليه، ويجب الحمل على ذلك جمعا بينه وبين إنكاره، والحلف عليه «3».
قولهم: إنه كان قادرا على قتل من قتل عثمان، ولم يقتلهم به.
قلنا: إنما لم يقتلهم؛ لأنه قد روى أنه كان يقول: «ليقم قتلة عثمان، فيقوم أكثر عسكره»، فرأى المصلحة فى تأخير ذلك إلى وقت الإمكان، وأنه لو أقدم على ذلك لتشوش عليه الحال، واضطرب الأمر، وآل الحال فى حقه، إلى ما آل إليه حال عثمان.
وأمكن أن يقال: إن قتلة عثمان كانوا جماعة، ولم يكن ممّن يرى قتل الجماعة بالواحد، فإن ذلك من المسائل الاجتهادية، وهو فقد كان من أهل الاجتهاد «4».
________________
(1) قارن هذا الطعن بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص 233 ولمعرفة من تخلف عن نصرته.
انظر تاريخ الطبرى 4/ 431، ومروج الذهب 5/ 97.
(11) // أول ل 180/ ب.
(2) راجع طبقات ابن سعد 3/ 19، وشرح النهج 1/ 158، والنهاية فى غريب الحديث 4/ 353.
(3) قارن بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص 236.
(4) ارجع إلى ما ورد فى الفصل 4/ 155 - 159 وما ورد فى المغنى 20/ 2/ 95 - 111.
(5/286)
________________________________________
قولهم: إن الخوارج كفّرته بتحكيمه للرجال.
قلنا: لا نسلم أن ذلك موجب للتكفير، وقوله تعالى: ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ «1» لا نسلم العموم فى صيغة من وما، على ما عرف من أصلنا.
سلمنا العموم فيها، ولكن غاية الآية الدلالة على تكفير من لم يحكم بما أنزل الله، ولم يثبت أن عليا، لم يحكم بما أنزل الله؛ بل غايته أنه حكّم، ولا يلزم من التحكيم الحكم، ولا عدم الحكم بما لم ينزل الله؛ ليكون كافرا.
قولهم: لا نسلم إجماع الأمة على إمامته.
قلنا: دليله ما سبق.
قولهم: إن طلحة، والزبير تخلفا عن بيعته، وأنهما لم يبايعاه إلا كرها، ليس كذلك؛ بل إنما بايعاه طوعا، وما ذكروه فى الدلالة على الكراهية، فمن أكاذيب كتب السير، والتواريخ/ التى لا ثبت لها عند المحققين «2».
قولهم: إنهما قاتلاه، وخرجا عليه.
قلنا: أمكن أن يكون ذلك لا لبطلان إمامته؛ بل لظنهما أنه كان متمكنا من قتل قتلة عثمان، ولم يقتلهم، وظنّا باجتهادهما أن ذلك ممّا يسوغ قتاله، والخروج عليه، وهما مخطئان فيه، ولهذا نقل عنهما، أنهما تابا عن ذلك قبل قتلهما.
قولهم: إن جماعة من سادات الصحابة لم يعاضدوه، ولم ينصروه كعبد الله بن عمر، وسعد، وغيرهما.
قلنا: لم يتركوا ذلك، لاعتقادهم أنه ليس بإمام؛ بل لأنهم استعفوه من الخروج معه، لضعف كان بهم، وعلم عليّ- عليه السلام- ضعفهم عن ذلك، فأعفاهم منه. وأيضا:
فإنهم كانوا مجتهدين، وقد غلب على ظنونهم جواز التخلف عنه، خوف الوقوع فى الفتنة؛ لما روى سعد عن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- أنه قال: «ستكون فتنة القاعد فيها، خير من
________________
(1) سورة المائدة 5/ 44.
(2) قارن ما ورد هاهنا بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص 231 وما بعدها. والفصل 4/ 157 وما بعدها.
(5/287)
________________________________________
القائم، والقائم فيها خير من الماشى، والماشى خير من الساعى» «1»، فأطاعوه فى الإمامة، وخالفوه فى جواز التخلف عنه؛ لكونه من المسائل الاجتهادية.
وعلى ما ذكرناه من عقد الإمامة بالإجماع، على نصب الإمام عند كونه مستجمعا لشرائط الإمامة، جرت العادة واطردت السنة فى إقامة كل إمام فى عصره، وهلم جرا إلى عصرنا هذا.
وقوله- عليه السلام-: «الخلافة بعدى ثلاثون سنة، ثم تصير ملكا عضوضا» «2»، ليس فيه ما يدل على أن الخلافة منحصرة فى الخلفاء الراشدين، وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ- رضى الله عنهم حيث أن مدة خلافتهم وقعت ثلاثون سنة على وفق ما نطق به النبي- صلى اللّه عليه وسلم، وأنه لا خلافة بعد الخلفاء الراشدين؛ بل المراد به: أن الخلافة بعدى على ما يجب من القيام بوظائف الإمامة، وإتباع سنتى من غير زيادة، ولا نقصان ثلاثون سنة، بخلاف ما بعدها، فإن أكثر أحكامها، أحكام الملوك، ويدل على بقاء الخلافة مع ذلك أمران:-
الأول: إجماع الأمة فى كل عصر على وجوب إتباع إمام ذلك العصر، وعلى كونه إماما، وخليفة متبعا.
الثانى: أنه قال: «ثم تصير ملكا» والضمير فى قوله: تصير ملكا، إنما هو عائد إلى الخلافة؛ إذ لا مذكور يمكن «11» // عود الضمير إليه غير الخلافة، وتقدير الكلام، ثم تصير الخلافة ملكا، حكم عليها بأنها تصير ملكا، والحكم على الشيء، يستدعى وجود ذلك الشيء.
________________
(1) الحديث متفق على صحته رواه البخارى ومسلم. صحيح البخارى 4/ 241 وصحيح مسلم 8/ 168.
(2) ورد هذا الحديث مع تغير فى الألفاظ فى مسند الإمام أحمد 5/ 220 وما بعدها، وسنن أبى داود 2/ 264.
(11) // أول 181/ أ من النسخة ب.
(5/288)
________________________________________
الفصل الثامن فى التفضيل
أما الصحابة فقد اختلف فيهم، فذهب أهل السنة، وأصحاب الحديث: إلى أن أبا بكر، أفضل من عمر، وعمر أفضل من عثمان، وعثمان أفضل من على وعلى أفضل من باقى العشرة، والعشرة أفضل من باقى الصحابة، والصحابة أفضل من التابعين، والتابعين أفضل ممن بعدهم لقوله- عليه السلام-: «خير القرون القرن الّذي أنا فيه، ثم الّذي يليه، ثم الّذي يليه» «1».
وقال الروافض: عليّ- عليه السلام- أفضل الصحابة «2»،
وزادوا على ذلك وقالوا: إنه أفضل من النبيين بعد رسول الله «3».
ومن أصحابنا من قال:
إن قلنا إنه تصح إمامة المفضول مع وجود الفاضل؛ فلا سبيل إلى القطع بتفضيل البعض على البعض «4».
وإن قلنا: إنه لا تصح/ إمامة المفضول مع وجود الفاضل؛ فأبو بكر أفضل من باقى الصحابة لانعقاد الإجماع على صحة إمامته، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليّ عليهم السلام.
والّذي عليه اعتماد الأفاضل من أصحابنا:
أنه لا طريق إلى التفضيل بمسلك قطعى، وأما المسالك الظنية فمتعارضة، وقد يظهر بعضها فى نظر [بعض] «5» المجتهدين، وقد لا يظهر، وقبل الخوض فى تحقيق الحق، وإبطال الباطل، لا بدّ من تحقيق معنى الأفضلية؛ ليكون التوارد بالنفى، والإثبات على محز واحد.
________________
(1) ورد فى صحيح البخارى 4/ 32 بلفظ مقارب «خير أمتى قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم». وقارن به صحيح مسلم 7/ 184، 185 وسنن أبى داود 2/ 265.
(2) انظر رأى الشيعة فى المغنى 20/ 2/ 122، 123.
(3) القائلون بتفضيل الإمام على- كرم الله وجهه- على النبيين بعد رسول الله- صلى اللّه عليه وسلم- هم الإسماعيلية.
(4) خصص صاحب المواقف المقصد السادس لهذا الرأى فقال: المقصد السادس: فى إمامة المفضول مع وجود
الفاضل. وتحدث عن الآراء فيها بالتفصيل (شرح المواقف- الموقف السادس ص 331) وانظر هذا الرأى فى الإرشاد للإمام الجوينى ص 242 والاقتصاد فى الاعتقاد للإمام الغزالى ص 219.
(5) ساقط من ب.
(5/289)
________________________________________
فنقول: اعلم أن التفضيل بين الأشخاص. قد يطلق ويراد به اختصاص أحد الشخصين عن الآخر: إمّا بأصل فضيلة لا وجود لها فى الآخر؛ لكونه عالما، والآخر ليس بعالم، أو بزيادة فيها، كونه أعلم «1».
وقد يطلق ويراد به اختصاص أحد الشخصين بأنه أكثر ثوابا عند الله تعالى من الآخر.
وعلى هذا، فإن أريد بالتفضيل الاعتبار الأول؛ فلا يخفى أن دليل ذلك غير مقطوع به؛ لتعارض أدلته، وذلك أنه ما من فضيلة تبين اختصاص بعض الصحابة بها، إلّا وقد يمكن بيان مشاركة الآخر له فيها، وبتقدير أن لا يشاركه فيها؛ فقد يمكن بيان اختصاصه بفضيلة أخرى، معارضة لفضيلته، ولا سبيل إلى الترجيح بكثرة الفضائل؛ لاحتمال أن تكون الفضيلة الواحدة أرجح من فضائل. وذلك إما لزيادة شرفها فى نفسها، أو لزيادة كميتها، وبالجملة فما يقال فى ذلك؛ فالظنون فيه متعارضة.
وإن أريد بالتفضيل الاعتبار الثانى: فلا يخفى أن معرفة ذلك ممّا لا يستقل به العقل، وإنما مستنده الأخبار الواردة من الله- تعالى- فى ذلك على لسان رسوله، والأخبار الواردة فى ذلك كلها أخبار آحاد لا تفيد غير الظن، ومع ذلك فهى متعارضة كما سبق. وليس الاختصاص بكثرة أسباب الثواب، موجبا لزيادة الثواب قطعا؛ إذ الثواب بفضل من الله على ما سبق فى التعديل والتجوير «2»، وقد يثيب غير المطيع، ولا يثيب المطيع؛ بل إن كان ولا بدّ فليس إلّا بطريق الظن، وعلى هذا. وإن قلنا بأن إمامة المفضول، لا تصح مع وجود الفاضل، فليس ذلك ممّ ينتهض الحكم فيه إلى القطع؛ بل غايته الظن، فإجماع الأمة على إمامة أحد، وإن كان قاطعا فى صحة إمامته؛ فلا يكون قاطعا فى لزوم تفضيله «3».
ولا خلاف بين أهل الحق أن الأنبياء، أفضل من الأئمة، وسائر الأمم.
وما ذهب إليه [غلاة] «4» الروافض من تفضيل عليّ، على غير محمد- صلى اللّه عليه وسلم- من الأنبياء، فظاهر
________________
(1) راجع المغنى 20/ 2/ 115 وما بعدها.
(2) راجع ما سبق فى الجزء الأول- القاعدة الرابعة- النوع السادس الأصل الأول: فى التعديل والتجوير ل 186/ ب وما بعدها.
(3) قارن بما ورد فى الإرشاد للجوينى ص 142، والاقتصاد فى الاعتقاد للإمام الغزالى ص 219.
(4) ساقط من «أ».
(5/290)
________________________________________
البطلان؛ لإجماع سلف الأمة على أن الأنبياء، أفضل من غيرهم، ولأن الأنبياء- عليهم السلام- هم المبلغون عن الله- تعالى- والداعون إليه، والقائمون بشرائعه، والمخاطبون من الله- تعالى- شفاها، أو بالوحى، أكثر نفعا للخلق من غيرهم، وغيرهم فغايته أن يكون تابعا لسنتهم، وسالكا لطريقتهم؛ فلا يكون غير الأنبياء أفضل منهم، ومع ذلك فمحمد- صلى اللّه عليه وسلم- أفضل النبيين، والمرسلين، وسيد الأولين، والآخرين؛ لانعقاد الإجماع من الأمة على ذلك. ولقوله- عليه السلام- لعائشة «11» // «أنا سيّد العالمين» «1» ولما ورد فيه من الآثار، والأخبار التى مجموعها ينزل منزلة التواتر، وإن كانت آحادها آحادا.
وأما زوجات/ النبي- صلى اللّه عليه وسلم- فقد ذهب أهل السنة، وأصحاب الحديث إلى أن عائشة أفضل نساء العالمين لقوله- عليه السلام-: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على غيره من الطعام» «2»، ولما روى عنه- عليه السلام- أنه قال: «كل مع صاحبه فى الدرجة». ولا يخفى أن درجة النبي- صلى اللّه عليه وسلم- أعلى من درجات كل الخلق من الرجال، فنسبة درجة عائشة إلى درجات غيرها من النساء كنسبة درجة النبي، إلى درجات غيره، ولأنها كانت مختصة بخدمته، وتحمل أثقاله وكلفته إلى حالة مماته؛ فكانت أفضل «3».
وقال الشيعة: أفضل زوجات النبي- عليه السلام- خديجة «4»، وأفضل نساء العالمين فاطمة، ومريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون.
________________
(11) // أول ل 181/ ب.
(1) راجع ما سبق فى هامش ل 270/ أ.
(2) رواه البخارى 5/ 36، 7/ 97 عن أبى موسى الأشعرى رضي اللّه عنه.
(3) انظر الفصل فى الملل والنحل 4/ 122، 123.
(4) خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، من قريش: زوجة رسول الله صلى اللّه عليه وسلم الأولى ولم يتزوج غيرها فى حياتها. ولدت بمكة المكرمة سنة 68 قبل الهجرة، ونشأت فى بيت شرف ويسار، وكانت ذات مال كثير وتجارة تستأجر الرجال، وتدفع المال مضاربة.
وخرج رسول الله صلى اللّه عليه وسلم فى تجارة لها؛ فرأت عند قدومه غمامة تظلله؛ فتزوجته ولما بعث رسول الله صلى اللّه عليه وسلم؛ كانت أول امرأة آمنت به، وجميع أولاده منها سوى إبراهيم قال عنها رسول الله (خير نسائها خديجة) وعن أبى هريرة قال: أتى جبريل النبي صلى اللّه عليه وسلم يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك بإناء فيه إدام أو طعام أو شراب؛ فإذا هى أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى، وبشرها ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب (أخرجاه فى الصحيحين). وكانت وفاتها بمكة قبل الهجرة، ودفنت بالحجون رحمها الله ورضى عنها.
[الإصابة، قسم النساء، الترجمة رقم (333)، وصفة الصفوة 1/ 297، والأعلام 2/ 302].
(5/291)
________________________________________
أما فاطمة: فلقوله عليه السلام: «فاطمة سيدة نساء العالمين» «1» وقوله: «فاطمة بضعة منى» «2» ونسبة بعض النبي، إلى بعض غيره، كنسبة النبي، إلى غيره، والنبي أفضل من غيره؛ فبعضه أفضل من بعض غيره.
وأما مريم ابنة عمران: فلقوله: تعالى: ومَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا «3».
وأما آسية امرأة فرعون: فلقوله تعالى: وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ونَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وعَمَلِهِ «4»، ولسعيها فى تخليص موسى- عليه السلام- من عدو الله- تعالى- فرعون، على ما قال- تعالى- حكاية عنها: وقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي ولَكَ لا تَقْتُلُوهُ «5». الآية.
والحق أن كل هذه الأدلة ظنية، ومع كونها ظنية؛ فمتعارضة، ولا سبيل إلى القطع بشيء منها، وإن غلب على ظن بعض المجتهدين منها شيء؛ فلا حرج.
وأما تفضيل الأنبياء على الملائكة؛ فقد سبق ما فيه «6».
________________
(1) ورد فى مجمع الزوائد 9/ 201 «سيدة نساء أمتى».
(2) فى صحيح البخارى 5/ 26 «فاطمة بضعة منى، فمن أغضبها أغضبنى».
(3) سورة التحريم 66/ 12.
(4) سورة التحريم 66/ 11.
(5) سورة القصص 28/ 9.
(6) راجع ما سبق فى القاعدة الخامسة- الأصل السادس ل 187/ أ وما بعدها.
(5/292)
________________________________________
الفصل التاسع فيما جرى بين الصحابة من الفتن، والحروب
وقد اختلف أهل الإسلام فيما شجر بين الصحابة من الفتن.
فمنهم من أنكر وقوعها أصلا: وقال: إن عثمان لم يحاصر، ولم يقتل غيلة، وأن وقعة الجمل، وصفّين لم توجد: كالهشاميّة من المعتزلة «1».
ومنهم من اعترف بوجودها:
ثم اختلف هؤلاء: فمنهم من سكت عن الكلام فيها، ولم يقل فيها بتخطئة ولا تصويب، وهم طائفة من أهل السنة «2».
ومنهم من تكلّم فيها: ثم اختلف هؤلاء: فمنهم من خطأ الفريقين، وفسقهما معا: كالعمرويّة أصحاب عمرو بن عبيد من المعتزلة «3».
ومنهم من قضى بتخطئة أحد الفريقين. ثم اختلف هؤلاء.
فمنهم من قال بتخطئة أحد الفريقين، وتفسيقه لا بعينه من عثمان، وقاتليه، وعلى ومقاتليه. وحكموا بأن كل واحد من الفريقين لو شهد على باقة بقل؛ لم تقبل
________________
(1) عن هذه الفرقة انظر ما سبق فى القاعدة السابعة- الفصل الرابع:
ل 245/ أ فقد تحدث الآمدي عن هذه الفرقة وعن آرائها بالتفصيل.
ولمزيد من البحث والدراسة انظر: الملل والنحل للشهرستانى 1/ 73 وما بعدها
والفرق بين الفرق للبغدادى ص 159 وما بعدها، والتبصير فى الدين ص 46، 47 واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص 43، وشرح المواقف للجرجانى (التذييل ص 13).
(2) قارن بما ورد هنا: شرح المواقف 6/ 333.
ولمزيد من البحث والدراسة: انظر مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ص 453 وما بعدها.
والاقتصاد فى الاعتقاد للإمام الغزالى ص 218 وما بعدها.
(3) عن هذه الفرقة وآرائها انظر ما سبق فى القاعدة السابعة- الفصل الرابع الفرقة الثانية ل 244/ ب.
ولمزيد من البحث والدراسة: يرجع إلى المصادر التالية:
الفرق بين الفرق للبغدادى ص 120 وما بعدها، والتبصير فى الدين ص 42.
اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص 40، وشرح المواقف (تذييل ص 7).
(5/293)
________________________________________
شهادته؛ لأنّ الفاسق منهما واحد لا بعينه، واحتمل أن يكون من شهد هو الفاسق، وهؤلاء هم الواصليّة أصحاب واصل بن عطاء من المعتزلة «1».
ومنهم من قال بتخطئة أحد الفريقين بعينة: ثمّ القائلون بهذا المذهب لا تعرف خلافا [فيما] «2» بينهم فى تعيين التخطئة فى قتلة عثمان، ومقاتلى عليّ عليه السلام، وكذلك كل من خرج على كل من اتفق على إمامته؛ لكن اختلفوا:
فمنهم من قال بأن التخطئة لا تبلغ إلى حد التفسيق: كالقاضى أبى بكر «3».
ومنهم من قال بالتفسيق: كالشيعة، وكثير من أصحابنا «4».
وإذ قد أتينا على شرح المذاهب بالتفصيل، فاعلم أن من أنكر وقوع ما جرى من الحروب وشجر من الفتن؛ فقد أنكر ما تواترت به الأخبار، وعلم ضرورة، وكان كمن أنكر وجود مكة، وبغداد.
وأما السكوت عن الكلام/ فى التخطئة، والتصويب: فإما أن يكون ذلك لعدم ظهور دليل التخطئة، والتصويب، أو لقصد كف اللسان عن ذكر مساوئ المخطئ منهما، مع عدم إيجابه.
________________
(1) وقد تحدث الآمدي عن هذه الفرقة وذكر آراءها بالتفصيل فيما سبق فى الفصل الرابع من القاعدة السابعة ل 244/ ب من هذا الكتاب.
ولمزيد من البحث والدراسة ارجع إلى:
الملل والنحل 1/ 46 وما بعدها، والفرق بين الفرق ص 117 وما بعدها.
والتبصير فى الدين للأسفرايينى ص 40، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 40 وشرح المواقف للجرجانى ص 6 وما بعدها من التذييل.
(2) ساقط من أ.
(3) انظر التمهيد فى الرد على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة للقاضى الباقلانى ص 231 وما بعدها.
فقد تحدث عن ندم وتوبة السيدة عائشة رضى الله عنها، كما تحدث عن طلحة والزبير رضى الله عنهما- وتوبتهما قبل قتلهما.
(4) وقد تحدث الإمام البغدادى عن ذلك بالتفصيل فى كتابه أصول الدين ص 289 وما بعدها. فقال: «أجمع أصحابنا على أن عليا- رضي اللّه عنه- كان مصيبا فى قتال أصحاب الجمل، وفى قتال أصحاب معاوية بصفين». ثم ذكر السيدة عائشة وطلحة والزبير وقال: «فهؤلاء الثلاثة بريئون من الفسق، والباقون من أتباعهم الذين قاتلوا عليا فسقه» ثم قال: «و أما أصحاب معاوية فإنهم بغوا وسماهم النبي- صلى اللّه عليه وسلم- بغاة فى قوله لعمار: «تقتلك الفئة الباغية».
(5/294)
________________________________________
فإن كان الأول: فهو ممتنع؛ لأنّ الإجماع إذا انعقد على إمامة شخص، ولم يظهر منه ما يوجد حلّ قتاله، وقتله؛ فالخارج عليه يكون مخطئا خطا ظاهرا، وعثمان، وعليّ- رضى الله عنهما- بهذه المثابة؛ فكان الخارج عليهما مخطئا «1».
وإن كان الثانى: فهو حق، ولا بأس به؛ بل وهو الأولى، فإن السكوت عمّا لا يلزم الكلام فيه، أولى من الخوض فيه، وأبعد عن الزلل، وبهذا قال بعض المعتبرين من الأوائل «2» «تلك دماء «11» // طهّر الله سيوفنا منها، أ فلا نطهّر ألسنتنا».
وأما تخطئة الفريقين؛ فممتنع؛ لما حققناه من انعقاد الإجماع على صحة إمامة الإمام، مع عدم ظهور ما يقتضي تخطئته، وبه يظهر فساد قول من قال بتخطئة أحد الفريقين لا بعينه، فلم يبق إلا تخطئة أحدهما بعينه؛ وهو الخارج على الإمام.
ثم لا يخلو إما أن يكون الخارج على الإمام مجتهدا متأولا، [أولا] «3».
فإن كان الأول: فالظاهر أن خطأه لا ينتهى إلى التفسيق؛ لأنه مجتهد، والمخطئ فى المجتهدات ظاهرا؛ لا يكون فاسقا.
وإن كان الثانى: فلا خلاف فى فسقه، والله أعلم.
________________
(1) قارن به أصول الدين للبغدادى ص 289، والإرشاد للجوينى ص 242، وشرح المواقف- الموقف السادس ص 334.
(2) نسب صاحب شرح المواقف الشريف الجرجانى هذا القول للإمام الشافعى رحمه الله- فقال: «قال الشافعى وغيره من السلف (تلك دماء طهّر الله عنها أيدينا، فلنطهر عنها ألسنتنا». (شرح المواقف 6/ 333).
(11) // أول ل 182/ أ.
(3) ساقط من أ.
(5/295)
________________________________________
الأصل الثانى فى الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر «1» ويشتمل على فصلين:
الفصل الأول: فى وجوب الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر.
الفصل الثانى: فيمن يجب عليه الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، ومن لا يجب عليه.
________________
(1) لتوضيح هذا الأصل بالإضافة لما ورد هاهنا: انظر شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص 741 - 749.
والفصل لابن حزم 5/ 19 وما بعدها، وأصول الدين للبغدادى 215، 216. وإحياء علوم الدين للغزالى 2/ 306 - 312. ومن المتأخرين المتأثرين بالآمدي: شرح المواقف- الموقف السادس ص 335 وما بعدها. وشرح المقاصد للتفتازانى وكتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لابن تيمية.
(5/297)
________________________________________
الفصل الأول فى وجوب الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر
[الآراء المختلفة]
وقد اختلف أهل الإسلام فى ذلك.
فذهب «1» بعض الروافض: إلى أن ذلك لا يجب، ولا يجوز إلا بأمر الإمام العدل واستنابته كما فى إقامة الحدود.
وذهب من عداهم: إلى وجوبه سواء أمر به الإمام، أم لم يأمر ثم اختلف هؤلاء.
فذهبت الأشاعرة، وأهل السنة: إلى وجوبه شرعا «2»، لا عقلا.
وذهب الجبّائى وابنه: إلى وجوبه عقلا «3»؛ لكن اختلفا.
فقال الجبّائى: بوجوبه مطلقا فيما يدرك حسنه، وقبحه عقلا.
وقال أبو هاشم: إن تضمّن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر دفع ضرر عن الآمر، والنّاهى وكان بحيث لا يندفع عنه إلا بذلك؛ فهو واجب وإلا فلا.
وأما أنه لا يتوقف على استنابة الإمام: فقد احتج عليه أهل الحق بالإجماع من الصحابة.
ودليله: أنّا نعلم علما ضروريا بنقل التواتر أنّ الصحابة- رضى الله عنهم- بعد موت النبي- صلى اللّه عليه وسلم- لم يزل أفرادهم، وآحادهم يستقل بالأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر من غير توقف على إذن الإمام، وأمره فى ذلك.
وكان ذلك شائعا ذائعا فيما بينهم، ولم يوجد له نكير؛ فكان ذلك إجماعا منهم على جوازه.
فإنه لو لم يكن جائزا؛ لكان فعله منكرا.
________________
(1) نقل شارح المواقف عن الآمدي من أول قوله: ذهب بعض الروافض واعتمد عليه انظر شرح المواقف- الموقف السادس ص 335 وما بعدها.
(2) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عند الأشاعرة من الفروع أما المعتزلة فيعتبرونه من الأصول؛ فهو الأصل الخامس عندهم (انظر شرح الأصول الخمسة ص 739 وما بعدها).
(3) انظر شرح الأصول الخمسة ص 742.
(5/299)
________________________________________
ومع شيوعه فالعادة تحيل من الأمة تواطئهم على عدم إنكاره ولو وقع الإنكار لاستحال فى العادة أن لا ينقل مع توفّر الدواعى على نقله وحيث لم ينقل دل على أنه لم يقع وقد استقصينا تقرير ذلك ودفع كل ما يرد عليه من الإشكالات فى كتاب شرح الجدل «1» وغيره من كتبنا.
وعلى هذا لم يزل الناس فى كل عصر وزمان إلى وقتنا هذا.
وأما أنه واجب: فدليله الإجماع، والنصوص.
أما الإجماع:
فهو أن القائل قائلان:
قائل يقول: بالوجوب مطلقا من غير/ توقف على استنابة الإمام. وقائل يقول بالوجوب متوقفا على استنابة الإمام.
فقد وقع الإجماع على وجوب الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر فى الجملة. وإذا بطل بالدّليل توقف الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على استنابة الإمام بقى الإجماع على الوجوب بحاله.
وأما النصوص: فمن جهة الكتاب والسنة.
أما الكتاب:
فقوله- تعالى-: وإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ «2».
أمرنا بالإصلاح وبإزالة [المنكر] «3» وهو البغى، والأمر ظاهر فى الوجوب.
أما أنه أمر فلأنه أتى بصيغة أفعل وهى إذا تجردت عن القرائن كانت بإطلاقها أمرا.
ولهذا فإنه إذا قال: السيد لعبده افعل كذا فإنه بتقدير تجرّد هذه الصيغة عن القرائن يعدها أهل العرف أمرا.
________________
(1) كتاب شرح الجدل: عبارة عن شرح لكتاب الجدل للشريف المراغى. وهو أحد الكتب التى اهتم بها الآمدي فى مبدأ حياته الدراسية ببغداد؛ حيث تتفق معظم المراجع على حفظه له؛ لأنه كان من أهم المؤلفات فى هذا الفن. والآمدي يعتز بهذا الشرح؛ لأنه كما يظهر لى يمثل المحاولة الأولى له فى عالم التأليف؛ فكثيرا ما يذكره فى الأبكار محيلا عليه كما حدث فى هذه الإحالة.
[انظر رسالتى للدكتوراه عن الآمدي ص 89 بكلية أصول الدين بالقاهرة].
(2) سورة الحجرات 49/ 9.
(3) ساقط من أ.
(5/300)
________________________________________
ويقال: أمره، والسيد آمر، والعبد مأمور.
وأيضا: فإن أهل اللغة قسّموا الكلام إلى أقسام.
فقالوا: الكلام ينقسم إلى أمر، ونهى، وغيره والأمر هو قول القائل لغيره افعل. والنّهى لا تفعل.
وأما أنّ الأمر للوجوب؛ فلأن السيد لو أمر عبده بأمر ولم يمتثل له؛ فإنه يستحق اللوم والتّوبيخ والعقوبة من السيد عرفا ولا معنى للوجوب إلا هذا.
وإذا ثبت وجوب الأمر بالمعروف فى هذه «11» // الصورة لزم وجوبه فى باقى الصور ضرورة انعقاد الإجماع على عدم التفضيل بين صورة، وصورة.
وأيضا: قوله تعالى.
وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ «1» أمر بأن يكون من الأمّة من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. والأمر ظاهر فى الوجوب لما عرف.
وأما السنة:
فما روى عن النبي- صلى اللّه عليه وسلم- أنه قال: «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله شراركم على خياركم، فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم» «2».
تواعد على ترك الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر. وهو دليل الوجوب.
وأيضا: ما روى عنه- صلى اللّه عليه وسلم- أنه قال: «لتنكرنّ المنكر ولتأمرن بالمعروف أو ليدعكم الله لا يبالى من غلب» ووجه الاحتجاج كما سبق.
________________
(11) // أول ل 182/ ب من النسخة ب.
(1) سورة آل عمران 3/ 104.
(2) أخرجه الترمذي فى سننه 4/ 468 (كتاب الفتن: باب ما جاء فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) عن حذيفة- رضي اللّه عنه- ونصه: «و الّذي نفسى بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه، فلا يستجاب لكم» وقال: هذا حديث حسن.
(5/301)
________________________________________
وأيضا: ما روى عنه عليه السلام أنه قال: «أى قوم رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو المنكر فلم يغيّروه عمهم الله بعقابه» «1» وذلك دليل الوجوب.
وأيضا: ما روى عنه عليه السلام أنه قال: «لا تقدس أمة لا يأخذ قويّها لضعيفها الحق من قويّها» «2».
والأخبار فى ذلك كثيرة بحيث ينزل مجموعها منزلة التواتر.
وأما الوجوب العقلى؛ فقد أبطلناه فيما تقدم.
________________
(1) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الملاحم- باب الأمر والنهى 4/ 120 عن خالد مرفوعا بلفظ إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب. ط دار الحديث القاهرة.
(2) أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير 19/ 385 ح 903 عن معاوية قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: «لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق، ويأخذ الضعيف حقه من القوى غير متعتع» ط الثانية تحقيق حمدى عبد المجيد السلفى.
وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد 5/ 209 وغراه إلى الطبرانى وقال رجاله ثقات. ط القدسى.
(5/302)
________________________________________
الفصل الثانى فيمن يجب عليه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ومن لا يجب عليه
واعلم أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب على كل مكلف عالم بأن ما يأمر به معروف، وينهى عن منكر واجب قطعا إذا لم يقم به غيره وكان يرجى حصول ما أمر به، وزوال ما نهى عنه من غير بحث، وتجسس وإلا فلا. وفيه قيود سبعة:
الأول: أن يكون مكلفا:
أى أهلا لخطاب التكليف؛ وذلك لأن الوجوب من الأحكام الثابتة بخطاب التكليف؛ والتكليف لغير من له أهلية التكليف محال، كما فى الحيوانات العجماوات والصبيان والمجانين.
الثانى: أن يكون عالما
بأن ما يأمر به معروفا أو ينهى عنه منكرا، وإلا كان مكلفا بما لا يعلمه؛ وهو تكليف بما لا يطاق.
وليس من شرطه أن يكون فقهيا عالما؛ فإن من المعروف والمنكر ما يستقل بمعرفته الخواص والعوام كوجوب الصلاة، وصوم رمضان مع عدم العذر/ وحرمة الزنا والقتل عمدا عدوانا.
فالعامى يجب عليه فى ذلك ما يجب على الفقيه؛ لاستوائهما فى معرفة كون ذلك الشيء معروفا، ومنكرا.
وأما ما لا يستقل بمعرفة كونه معروفا، ومنكرا غير الفقيه؛ فلا يجب الأمر به، والنهى عنه على غير الفقيه.
ولا يشترط فيه أيضا أن يكون عدلا؛ بل يجب عليه وإن كان فاسقا حتى أنه يجب على متعاطى الكأس النهى عنه للجلّاس؛ وذلك لأن النهى عن المنكر واجب، والانكفاف عن المحرم واجب.
والإخلال بفعل أحد الواجبين؛ لا يمنع من وجوب فعل الواجب الآخر؛ فإنه لو كان عدلا كان أولى نظرا إلى غلبة امضاء أمره ونهيه إلى المقصود وعلى حسب
(5/303)
________________________________________
الزيادة والنقصان فى الورع والتّقشف، والاستكانة لله- تعالى- تكون الزيادة والنقصان فى الأولوية، والإفضاء إلى المقصود.
وعلى هذا: فالفاسق إذا شاهد ما يوجب مغرما، أو عقوبة وكان مستور الحال ظاهر العدالة وجب عليه أداء الشهادة دفعا للظلامة؛ لكونه صادقا وإن كان ظاهر الفسق فلا؛ لعدم افضائه إلى المقصود.
الثالث: أن يكون ما يأمر به واجبا.
وما ينهى عنه محرما؛ إذ الأمر بما ليس واجبا، والنهى عمّا ليس محرما؛ لا يكون واجبا.
الرابع: أن يكون ذلك مقطوعا به
كوجوب الصلاة، وتحريم الخمر.
وأما إذا كان مجتهدا فيه: كشرب النبيذ، والنكاح بلا ولى، والبسملة فى أول كل سورة، وغير ذلك من المسائل الاجتهادية؛ فالإنكار فيه غير واجب؛ إذ ليس إنكار أحد القولين من القائل بنقيضه أولى من العكس.
الخامس: إذا لم يقم به غيره؛
وذلك لأن الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر ليس واجبا على الأعيان؛ بل وجوبه وجوب كفاية؛ فإذا قام به فى كل ناحية من تحصل الكفاية به سقط عن الباقين، وإلا أثم الكل إذا توافقوا على الترك.
وإن توافقوا على الأمر، والنهى؛ أثيب كل واحد منهم ثواب الواجب «11» // غير أن من انفرد بالعثور على منكر؛ فليس له تركه اعتمادا على إنكار الغير له؛ إذ ربما لا يطّلع عليه ذلك الغير.
السادس: أن يرجى حصول ما أمر به، وزوال ما نهى عنه.
وأما إذا علم أن ذلك مما لا يفضى إلى المقصود؛ فلا يجب؛ بل يستحب إظهارا لشعائر الإسلام.
السابع: أن يكون ذلك من غير بحث وتجسس للكتاب، والسنة:
________________
(11) // أول ل 183/ أ من النسخة ب.
(5/304)
________________________________________
أما الكتاب:
فقوله تعالى- ولا تَجَسَّسُوا «1» ولأن التجسس سعى فى إظهار الفاحشة؛ وهو محرم لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «2».
وأما السنة:
فقوله عليه السلام: «من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه على رءوس الأشهاد الأولين والآخرين» «3» ولأنه قد علم من حال النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يأمر بالستر وترك التعرض لإشاعة الفاحشة لقوله:
«من أتى من هذه القاذورات شيئا؛ فليسترها بستر الله فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد الله» «4».
فإن قيل: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: إما أن يكون معلقا. بما مضى أو بالمستقبل.
الأول: محال؛ لأن المقصود من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إنما هو التغيير، وتغيير الماضى محال.
وإن كان الثانى: فوقوعه غير متيقن، وقد قلتم: لا بد وأن يكون مقطوعا به.
قلنا: المراد إنما هو القسم الثانى.
واشتراط القطع إنما كان عائدا إلى وجوب المأمور به، وتحريم المنهى عنه لا القطع فى وقوعه.
وعلى هذا: فالمأمور به، والمنهى عنه. وإن كان مستقبلا لا يشترط فيه أن يكون مقطوعا بوقوعه؛ بل أن يكون مظنون الوقوع بما يدل عليه من الأمارات، والعلامات الدالة على استمراره والدوام عليه ويمكن أخذ ظن الوقوع فى المستقبل قيدا ثانيا
________________
(1) جزء من الآية رقم 12 من سورة الحجرات رقم 49.
(2) سورة النور 24/ 19.
(3) ورد فى مسند الإمام أحمد 4/ 421 عن أبى برزة الأسلمي.
(4) موطأ الإمام مالك (2/ 825 - كتاب الحدود- باب من اعترف على نفسه بالزنا) عن زيد بن أسلم ونصه «من أتى من هذه القاذورات شيئا؛ فليسترها بستر الله، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد».
(5/305)
________________________________________
فى الوجوب وبما انتهينا إليه هاهنا تم الكتاب والله المسئول، وهو المأمول أن يجعله نافعا فى الدنيا وذخيرة صالحة فى الأخرى وأن يصلى على محمد سيد الأولين، والآخرين، وعلى آله، وأصحابه أعلام الدين الحمد لله رب العالمين.
وكان الفراغ من تأليفه فى منتصف شهر ذى الحجة من شهور سنة اثنتى عشرة وستمائة- وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
(5/306)
________________________________________
فهرس موضوعات الجزء الخامس من كتاب أبكار الأفكار فى أصول الدين للآمدى
«القاعدة السابعة» فى الأسماء والأحكام وتشتمل على ستة فصول: 5 - 115 الفصل الأول: فى تحقيق معنى الإيمان، وأنه هل يقبل الزيادة والنقصان أم لا: 7 - 24
اتفق المسلمون على أن مفهوم لفظ الإيمان لا يخرج عن أعمال القلب، والجوارح، وما تركب منهما: 7
الحق فى المسألة: 9
تعريف الإيمان فى اللغة: 9
تعريف الإيمان فى الشرع: 9
الإيمان مختص بالقلب بأدلة من الكتاب والسنة 10
لا نسلم استعمال الألفاظ العربية فى غير موضعها لغة، ويدل على ذلك النص والإلزام 11
أما النص: فمن جهة الكتاب والسنة 11
وأما الإلزام: فمن خمسة عشر وجها 12
آراء المخالفين والرد عليهم 15
الآراء المختلفة فى زيادة الإيمان ونقصانه 22
الحق فى ذلك: 23
الفصل الثانى: فى تحقيق معنى الكفر شرعا 25 - 28 الكفر فى اللغة 25
وأما فى اصطلاح المتكلمين 25
رأى المعتزلة والخوارج 25
الرد عليهم 26
الأقرب فى ذلك 28
الفصل الثالث: فى أن العاصى من أهل القبلة هل هو كافر، أم لا؟ 29 - 36 رأى المرجئة 29
رأى الخوارج 29
(5/307)
________________________________________
رأى المعتزلة 30
رأى الأشاعرة 30
الرد على المرجئة 30
الرد على الخوارج والمعتزلة 31
الفصل الرابع: فى أن مخالف الحق من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟ 37 - 106 المسلمون قبل ظهور الفرق 37
نماذج من الاختلافات التى استطاع المسلمون التغلب عليها 37
اشتد الخلاف وتشعب حتى تفرق المسلمون إلى ثلاث وسبعين فرقة 39
كبار الفرق الإسلامية ثمانية:
المعتزلة، والشيعة والخوارج والمرجئة والنجارية والجبرية والمشبهة والفرق الناجية 40
الفرقة الأولى: المعتزلة 40
افترقوا إلى عشرين فرقة
1 - الواصلية: 41
2 - العمروية: 42
3 - الهذلية: 42
4 - النظامية: 43
5 - الأسوارية: 44
6 - الإسكافيّة: 44
7 - الجعفرية: 44
8 - البشريّة: 45
9 - المرداريّة: 45
10 - الهشاميّة: 46
11 - الصالحية: 46
12 - الحابطية: 47
13 - الحدثيّة: 47
14 - المعمريّة: 48
15 - الثماميّة: 49
16 - الخيّاطية: 50
17 - الجاحظيّة: 50
(5/308)
________________________________________
18 - الكعبيّة: 51
19 - الجبائيّة: 51
20 - البهشميّة: 52
«الفرقة الثانية» من كبار الفرق الإسلامية: الشيعة.
وهم اثنتان وعشرون فرقة يكفر بعضهم بعضا أصولهم ثلاث فرق: غلاة، وزيدية، وإمامية: 52 - 70 أما الغلاة: فثمانية عشرة 52
1 - السبائية: 53
2 - الكاملية: 53
3 - البيانية: 53
4 - المغيرية: 54
5 - الجناحية: 55
6 - المنصورية: 55
7 - الخطابية: 56
8 - الغرابية: 57
9 - الذمية: 57
10 - الهشامية: 58
11 - الزرارية: 59
12 - اليونسية: 59
13 - الشيطانية: 59
14 - الرزامية: 60
15 - المفوضة: 60
16 - البدائية: 60
17 - النصيرية، والإسحاقية: 61
18 - الإسماعيلية: 61
ولقبوا بسبعة ألقاب:
أ- لقبوا بالباطنية؛ لقولهم بباطن الكتاب 61
ب- وبالقرامطة: لأن أولهم حمدان قرمط 62
ج- وبالخرمية: لاباحتهم المحرمات والمحارم 62
(5/309)
________________________________________
د- وبالسبعية: لأنهم زعموا أن النطقاء سبعة 62
ه- وبالباكية: نسبة إلى بابك الخرمى 63
و- وبالمحمرة: للبسهم الحمرة فى أيام بابك 63
ز- وبالإسماعيلية: لإثباتهم الإمامة لإسماعيل 63
مراتب الدعوة عند الإسماعيلية ثمانية مراتب:
المرتبة الثامنة منها هى السلخ وهو الخروج عن الاعتقاد الّذي هو قوام الدين 65
نماذج من تأويلاتهم 65
مناقشة بعض أقوالهم 68
وأما الزيدية: فثلاث فرق 70
1 - الجارودية 70
2 - السليمانية 71
3 - البترية 71
الإمامية المطلقة 71
الفرقة الثالثة من كبار الفرق الإسلامية: الخوارج وهم سبع فرق 73 - 84 1 - المحكمة الأولى 73
2 - البيهسيّة 74
3 - الأزارقة 75
4 - النجدات العاذريّة 76
5 - الصفريّة 77
6 - الإباضية 78
افترقوا إلى أربع فرق:
الأولى: الحفصية 78
الثانية: اليزيدية 79
الثالثة الحارثية 79
الرابعة: القائلون بطاعة لا يراد بها الله 79
7 - العجاردة
وهم عشر فرق: 80
الأولى: الميمونيّة 80
الثانية: الحمزية 81
الثالثة: الشعيبية 81
(5/310)
________________________________________
الرابعة: الحازمية، الخلفية الأطرافية 81
الخامسة: المعلومية 82
السادسة: المجهولية 82
السابعة: الصلتية 82
الثامنة: الثعالبة 82
وتفرق الثعالبة: إلى أربع فرق
الأولى: الأخنسية 83
الثانية: المعبديّة 83
الثالثة: الشيبانية 83
الرابعة: المكرميّة 83
الفرقة الرابعة من كبار الفرق الإسلامية: المرجئة 84 وفرقهم خمس 1 - اليونسية 85
2 - العبيدية 85
3 - الغسانية 86
4 - الثوبانية 87
5 - الثومنية 88
الفرقة الخامسة من كبار الفرق الإسلامية: النجارية 89 وفرقهم ثلاث الأولى: البرغوثية 90
الثانية: الزعفرانية 90
الثالثة: المستدركة 90
الفرقة السادسة من تلك الفرق الكبار: الجبرية 91 وتنقسم إلى جبرية خالصة 91
وإلى جبرية متوسطة 91
الفرقة السابعة من كبار الفرق: المشبهة 93 وطرقهم فى التشبيه متفاوتة، وأقاويلهم فيه مختلفة
فمنهم مشبهة غلاة الشيعة 93
ومنهم مشبهة الحشوية 93
ومنهم مشبهة الكرامية 93
(5/311)
________________________________________
وأما الفرق الناجية المستثناة؛ فهم الأشاعرة والسلف من المحدثين أهل السنة والجماعة. ومذهبهم خال عن بدع هؤلاء 96
أسباب الحكم على الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة 98
أما القدرية فمن سبعة وجوه 98
وأما الشيعة والخوارج فلتكفيرهم أعلام الصحابة 99
وأما المشبهة: فمن وجوه ثلاثة 99
والمختار إنما هو التفصيل 99
مناقشات الآمدي للآراء المختلفة 100
الفصل الخامس: فى أن الكفار هل هم معذورون أم لا:
وفى حكم المصيب فى الاعتقاد من غير دليل 107 - 111
اتفق المسلمون على أن الكفار المعاندين مخلدون فى النار 107
الآراء المختلفة 107
حكم المصيبون فى الاعتقاد 110
فإن كان مستندا إلى الدليل. فهم مسلمون مثابون بالاتفاق 110
أما المقلدون. فقد اختلف فيهم المتكلمون 110
الفصل السادس: فى التوبة وأحكامها 112 - 115 التوبة فى اللغة 112
التوبة فى الشرع 112
آراء فى التوبة 113
شروط التوبة 113
رأى المعتزلة فى وجوب قبول التوبة والرد عليهم 114
هل التوبة طاعة؟ 115
القاعدة الثامنة: فى الإمامة، ومن له الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتشتمل على أصلين: 117 - 306
الأصل الأول: فى الإمامة
ويشتمل على تسعة فصول 119 - 295
الأول: فى أن إقامة الإمامة هل هى واجبة، أم لا؟ 121 - 131
تعريف الإمامة 121
الاختلاف حول وجوب إقامة الإمام 121
(5/312)
________________________________________
الطرف الأول: فى بيان الوجوب سمعا 123
الطرف الثانى: فى بيان امتناع الوجوب عقلا 130
الطرف الثالث: فى بيان امتناع إيجاب ذلك على الله تعالى 130
الفصل الثانى: فيما يثبت به كون الإمام إماما 132 - 190 رأى الفرق بالإجمال 132
إبطال قول الشيعة الزيدية 132
إبطال الآمدي لرأى الشيعة الاثنى عشرية 133
أدلة الشيعة على النص على الإمام وبطلان الاختيار 137
وبيانه من جهة المعقول والمنقول 137
أما من جهة المعقول فمن خمسة عشر وجها 137
وأما من جهة المنقول 140
أدلة الشيعة الاثنى عشرية على ثبوت النص الجلى على إمامة على رضي اللّه عنه 141
أدلتهم على ثبوت النص الخفى على إمامة على رضي اللّه عنه 141
أدلتهم على أن عليا رضي اللّه عنه أفضل الصحابة 142
وبيان كونه أفضل الصحابة من ثمانية عشر وجها 142
الأول: 142
الثانى والثالث والرابع 143
الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع: 144
العاشر والحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر: 145
الرابع عشر: 146
الخامس عشر والسادس عشر، والسابع عشر: 147
الثامن عشر: 148
أدلة أخرى للشيعة على ثبوت النص فى إمامة على رضي اللّه عنه 148
رد الآمدي على الشيعة فى مسألة النص على الإمام 157
رد الآمدي على الشيعة فى إبطال الاختيار 159
رد الآمدي عليهم فى مسألة النص الجلى على إمامة على رضي اللّه عنه وبيانه من ستة عشر وجها 164
رد الآمدي على حجج الشيعة فى أفضلية على رضي اللّه عنه على سائر الصحابة 168
الدليل على أفضلية أبى بكر رضي اللّه عنه على سائر الصحابة. وبيانه من ثلاثة عشر وجها. 175
الأول والثانى والثالث: 175
الرابع- العاشر: 176
(5/313)
________________________________________
الحادى عشر- الثالث عشر: 177
ردود أخرى على الشيعة 177
كيفية عقد الإمامة 188
الفصل الثالث: فى شروط الإمام 191 - 233 الشروط المتفق عليها ثمانية 191
الأول: أن يكون مجتهدا فى الأحكام الشرعية 191
الثانى: أن يكون بصيرا بأمور الحرب، وترتيب الجيوش 191
الثالث: أن يكون قوى البأس، وعظيم المراس 191
الرابع: أن يكون عاقلا، مسلما، عدلا، ثقة، ورعا 192
الخامس: أن يكون بالغا 192
السادس: أن يكون ذكرا 192
السابع: أن يكون حرا 192
الثامن: أن يكون مطاع الأمر، نافذ الحكم 192
وأما الشروط المختلف فيها فستة
الشرط الأول: القرشية 192
الشرط الثانى: كون الإمام هاشميا 195
الشرط الثالث: أن يكون الإمام عالما بجميع مسائل الدين 195
الشرط الرابع: كون الإمام أفضل الرعية 197
الشرط الخامس: اشترطت الغلاة من الشيعة أن يكون الإمام صاحب معجزات 198
الشرط السادس: العصمة 198
رد الآمدي على اشتراط العصمة 199
احتج أهل الحق على عدم العصمة 199
بالإجماع 199
والإلزام 199
الإلزام الأول: فمن خمسة أوجه وهو خاص بالإمام على رضي اللّه عنه 199
الإلزام الثانى: وهو خاص بالإمام الحسن رضي اللّه عنه 202
الإلزام الثالث: وهو خاص بالإمام الحسين رضي اللّه عنه 203
الإلزام الرابع: وهو خاص بالمهدى رضي اللّه عنه 204
الإلزام الخامس: 205
أدلة الشيعة على عصمة الأئمة وردهم على خصومهم 205
(5/314)
________________________________________
أدلة أخرى للشيعة على عصمة الأئمة 213
الرد على حجج الشيعة 217
الفصل الرابع: فى إثبات إمامة إمام الأئمة أبى بكر الصديق 234 - 255 الدليل على إمامته رضي اللّه عنه 234
طعن الشيعة الإمامية فى إمامة أبى بكر رضي اللّه عنه (من ثمانية أوجه) 235
الوجه الأول: أنه كان ظالما 235
الوجه الثانى: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يوله شيئا فى حال حياته 236
الوجه الثالث: أنه عليه السلام- عزله عن الإمامة بالناس 236
الوجه الرابع: أنه لم يكن معصوما. وشرط الإمام أن يكون معصوما 236
الوجه الخامس: أن شرط لإمام أن يكون أفضل الأمة 237
الوجه السادس: أن شرط الإمام أن يكون أعلم الأمة 237
الوجه السابع: شكه فى استحقاقه للإمامة 238
الوجه الثامن: ذم عمر له 238
رد الآمدي على مطاعن الشيعة 240
الرد على الوجه الأول 242
الرد على الوجه الثانى 248
الرد على الوجه الثالث 249
الرد على الوجه الرابع 250
الرد على الوجه الخامس 251
الرد على الوجه السادس 251
الرد على الوجه السابع 253
الرد على الوجه الثامن 253
الفصل الخامس: فى إثبات إمامة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه 256 - 272 الدليل على إمامته رضي اللّه عنه 256
مطاعن الشيعة فى إمامته رضي اللّه عنه 257
أنه غير ما كان مشروعا، وبدل كثيرا من السنة 257
كما كان جاهلا بالقرآن والشريعة وشاكا فى الإسلام وفى إسلامه نفسه
أما أنه بدل وغير فمن ثلاثة عشر وجها 257
وأما أنه كان جاهلا بالقرآن 259
وأما أنه كان جاهلا بالأحكام الشرعية فيدل عليه سبعة أمور 260
(5/315)
________________________________________
وأما أنه كان شاكا فى دين الإسلام 262
وأما أنه كان شاكا فى إسلام نفسه 262
رد الآمدي على هذه المطاعن، وبيان أهلية عمر رضي اللّه عنه للإمامة 263 - 272
الفصل السادس: فى إثبات إمامة عثمان بن عفان رضي اللّه عنه 273 - 282 الدليل على إمامته رضي اللّه عنه 273
مطاعن الشيعة فى إمامة عثمان رضي اللّه عنه وبيان عدم أهليته من اثنى عشر وجها 275
الوجه الأول: أنه آوى الحكم طريد رسول الله صلى اللّه عليه وسلم 275
الوجه الثانى: أنه ضرب أبا ذر، ونفاه إلى الزبدة 276
الوجه الثالث: أنه أحرق المصاحف 276
الوجه الرابع: أنه ضرب ابن مسعود 276
الوجه الخامس: أنه ضرب عمار بن ياسر 276
الوجه السادس: أنه ولى أقاربه 276
الوجه السابع: أنه ولى على المسلمين من لا يصلح للولاية 276
الوجه الثامن: أنه كان يبذر فى أموال بيت المال 277
الوجه التاسع: أنه كان مضيعا لحدود الله 277
الوجه العاشر: أنه كاتب ابن أبى السرح سرا بخلاف ما ذكره جهرا 277
الوجه الحادى عشر: أنه حمى لنفسه حمى 277
الوجه الثانى عشر: خالف سنة الشيخين فى صعود المنبر 277
رد الآمدي على الشيعة، وبيان أهلية عثمان رضي اللّه عنه للإمامة 278 - 282
الرد على الوجه الأول: 278
الرد على الوجه الثانى: 278
الرد على الوجه الثالث: 279
الرد على الوجه الرابع: 279
الرد على الوجه الخامس: 279
الرد على الوجه السادس: 280
الرد على الوجه السابع: 280
الرد على الوجه الثامن: 280
الرد على الوجه التاسع: 280
الرد على الوجه العاشر: 281
الرد على الوجه الحادى عشر: 281
الرد على الوجه الثانى عشر: 282
(5/316)
________________________________________
الفصل السابع: فى إثبات إمامة على بن أبى طالب رضي اللّه عنه 283 - 288 الدليل على إمامته رضي اللّه عنه 283
قول ابن عباس رضي اللّه عنه 283
شبه الطاعنين فى إمامته رضي اللّه عنه وبيانها من وجهين 285
الأول: أنه مالأ على قتل عثمان رضي اللّه عنه 285
الثانى: أن الخوارج كفرته؛ لأنه حكم الرجال ولم يحكم بكتاب الله 285
رد الآمدي على هذه الشبه 286 - 288
الرد على الوجه الأول: 286
الرد على الوجه الثانى: 287
الفصل الثامن: فى التفضيل 289 - 292 ذهب أهل السنة وأصحاب الحديث إلى أن أبا بكر أفضل من عمر، وعمر أفضل من عثمان وعثمان أفضل من على (رضى الله عن الجميع) 289
وقال الروافض: على رضي اللّه عنه أفضل الصحابة 289
لا خلاف بين أهل الحق أن الأنبياء أفضل من الأئمة وسائر الأمة 290
الفصل التاسع: فيما جرى بين الصحابة من الفتن والحروب 293 - 295 الأصل الثانى: فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر 297 - 306 ويشتمل على فصلين:
الفصل الأول: فى وجوب الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر 299 - 302
الآراء المختلفة 299
وأما أنه واجب. فدليله الإجماع والنصوص 300
أما الإجماع 300
وأما النصوص: فمن الكتاب والسنة 300
أما الكتاب: 300
وأما السنة: 301
الفصل الثانى: فيمن يجب عليه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ومن لا يجب عليه 303 - 306 وفيه قيود سبعة:
الأول: أن يكون مكلّفا 303
الثان: أن يكون عالما 303
الثالث: أن يكون ما يأمر به واجبا 304
(5/317)
________________________________________
الرابع: أن يكون مقطوعا به 304
الخامس: إذا لم يقم به غيره 304
السادس: أن يرجى حصول ما أمر به، وزوال ما نهى عنه 304
السابع: أن يكون من غير بحث وتجسس 304
(5/318)
________________________________________