الكتاب: الشرح الصوتي لزاد المستقنع
المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
عدد الأجزاء: 2
هذا الكتاب: تفريغ مكتوب لشرحين صوتيين للعلامة ابن عثيمين - رحمه الله - على زاد المستقنع
1 - الشرح الأول/ الكتاب كاملا [299 ملفاً]
2 - الشرح الثاني/ ثلث الكتاب [132 ملفاً] أبواب/ صفة الصلاة، والمناسك، والبيع، والوقف والوصايا، والنكاح، والطلاق، والإيلاء والظهار واللعان والعِدَد والرضاع، والنفقات، والجنايات والديات، والحدود، والأطعمة، وجزء من الأيمان والقضاء، وجزء من الشهادات
مميزات ليست في (الشرح الممتع) المطبوع:
1 - إضافة مسائل كثيرة تعرّض لها الشيخ في الشرح , خلا منها الشرح المطبوع.
2 - إيراد مناقشة الشيخ رحمه الله للطلاب في الدورس , والتي تكون عادة قبل بداية الدرس , إضافة لأسئلة الطلاب للشيخ أثناء الشرح , وأسئلتهم بعد كل درسٍ , وإجابته عليها رحمه الله
3 - إضافة شرح ثانٍ جديدٍ. (لثلث زاد المستقنع).
4 - أنّ الرجوع للتفريغ فيه حل لبعض المواضع المُشْكِلة في الشرح المطبوع.
5 - أنّ الشيخ ربما زاد في شرحه للكتاب ما ليس منه إما لإتمام الفائدة، أو لحاجة الطلاب، أو لأسباب أخرى، ومن ذلك:
• زياداته في الشرح من كتب أخرى كزياداته في بعض الأبواب من كتاب (الروض المربع) وغيره، بل إنه أحيانًا: يزيد فصولًا بالكامل، ومثال ذلك شرحه لفصل في الأمان والهدنة، في كتاب الجهاد.
• شرحه لمؤلفات خاصة به كشرحه لرسالته في زكاة الحلي، وذلك في كتاب الزكاة.
• شرحه خلال الشرح الثاني "لمذكرة الجامعة" وذلك للأبواب التالية: (النفقات، والجنايات، والديات، والحدود، والأطعمة، والأيمان والقضاء، وجزءًا من الشهادات).
• شرحه لفصول لا تعلق لها بالكتاب لحاجة الطلبة، كشرحه لفصل في فضل العلم وآداب طالبه في كتاب الفرائض.
أعده للشاملة: ملتقى أهل الحديث
[مصدر النص تطبيق مجاني للأجهزة الذكية برعاية مؤسسة وقف فهد بن عبد العزيز السعيد وإخوانه , وكرسي الشيخ ابن عثيمين للدراسات الشرعية، وقد التزموا فيه بالتفريغ الحرفي لكامل الشرح]
الشيخ: يعني يذهب يقول: يا فلان، أنا اغتبتك فحلِّلني؟
الطالب: نعم.
طالب آخر: إذا كان قد علم فليذهب إليه، وإن لم يكن قد علم، فإنه يستغفر له، ويذكره بخير في المجالس التي ذكره بسوء فيها.
الشيخ: أحسنت؛ لأنه ربما لو أعلمه لأخذته العزة بالإثم، وأبى أن يحلله، تمام.
(أمرهم بترك التشاحن)، ما هو التشاحن؟
الطالب: التشاحن هي العداوة.
الشيخ: العداوة، نعم ..
طالب: ( ... ).
الشيخ: لأن كل هذه الأمور سبب لمنع القطر. يأمرهم بالصيام، هذا صحيح؟
***
بسم الله الرحمن الرحيم، يأمرهم أيضًا بالصيام، يعني يأمرهم أن يصوموا.
قال بعض العلماء: يأمرهم أن يصوموا ثلاثة أيام، ويخرج في اليوم الثالث.
وقال بعضهم: يجعل الاستسقاء يوم الإثنين أو الخميس؛ لأن يومي الإثنين والخميس مما يُسنّ صيامهما، فيكون خروج الناس وهم صائمون.
وعللوا ذلك بأن الصائم أقرب إلى إجابة الدعوة من المفطر، فإنَّ للصائم دعوة لا ترد، ولهذا تجدون أكثر ما يأمر ولي الأمر بالاستسقاء في يوم الإثنين؛ لأنه يوم يُسن صيامه، فإذا صامه الناس وخرجوا في هذا اليوم، صار ذلك أقرب إلى الإجابة، هكذا قال المؤلف رحمه الله.
ولكنّ في هذا نظرًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى الاستسقاء لم يأمر أصحابه أن يصوموا.
أما ما ذكره المؤلف أولًا؛ التوبة من المعاصي، والخروج من المظالم فهذه مناسبة، لكن الصيام طاعة مفعولة موجَدة، تحتاج إلى إثباتها بدليل، وإذا كان الأمر قد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر أصحابه بالصيام، فلا وجه للأمر به.
نعم، قد نقول: لو اختار يوم الإثنين، ولم يجعله سنة راتبة دائمًا، لا يكون استسقاء إلا في الإثنين من أجل أن يصادف صيام بعض الناس، لو قيل بهذا لم يكن فيه بأس. لكن كوننا نجعلها سنة راتبة لا يكون الاستسقاء إلا في يوم الإثنين، أو نأمر الناس بالصوم، ففيه نظر.
قال: (ويأمرهم أيضًا بالصدقة)
(1/2615)
________________________________________
الصدقة قد يُقال: إنها مناسبة؛ لأن الصدقة إحسان إلى الغير، والإحسان سبب للرحمة؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف- 56]، والغيث رحمة؛ لقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى-28].
والصدقة هنا ليست الصدقة الواجبة، بل هي صدقة مستحبة، أما الصدقة الواجبة فإن منعها سبب لمنع القطر من السماء كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المروي عنه: «وَمَا مَنَعَ قَوْمٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ» (34).
قال: (ويعدهم يومًا يخرجون فيه) (يعدهم) الضمير يعود على مَنْ الفاعل؟ على الإمام. والضمير (هم) المفعول يعود على الناس، يعني يقول: سنخرج في اليوم الفلاني، ويحسن أيضًا أن يعيِّن الوقت الزمن- من هذا اليوم، الساعة الفلانية؛ ليتأهبوا على وجهٍ ليس فيه ضرر عليهم؛ لأن الناس ربما لو خرجوا مبكرين، وتأخر الإمام حصل عليهم أذية من البرد إن كانوا في زمن شتاء صارم.
يقول: (ويتنظف، ولا يتطيب) (يتنظَّف) إذا قال العلماء: (يتنظف)، فالمراد إزالة ما ينبغي إزالته شرعًا أو طبعًا، فإزالة ما ينبغي إزالته شرعًا مثل: الأظفار، العانة، الإِبط، وما ينبغي إزالته طبعًا مثل: العَرق، والروائح الكريهة.
(1/2616)
________________________________________
ويَخْرُجُ مُتواضعًا مُتَخَشِّعًا مُتَذَلِّلًا مُتَضَرِّعًا ومعه أهلُ الدِّينِ والصلاحِ والشيوخُ والصبيانُ المميِّزونَ، وإن خَرَجَ أهلُ الذِّمَّةِ مُنفرِدِينَ عن المسلمينَ لا بيومٍ لم يُمْنَعُوا، فيُصَلِّي بهم ثم يَخْطُبُ واحدةً يَفتَتِحُها بالتكبيرِ كخُطبةِ العيدِ ويُكثِرُ فيها الاستغفارَ وقراءةَ الآياتِ التي فيها الأَمْرُ به، ويَرفعُ يَدَيْهِ فيَدْعُو بدعاءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ومنه: " اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا " إلى آخِرِه وإن سُقُوا قَبلَ خُروجِهم شَكَرُوا اللهَ وسَأَلُوه الْمَزيدَ من فَضْلِه. ويُنادَى الصلاةُ جامعةٌ، وليس من شَرْطِها إذْنُ الإمامِ، ويُسَنُّ أن يَقِفَ في أَوَّلِ الْمَطَرِ وإخراجُ رَحْلِه وثيابِه ليُصِيبَهما الْمَطَرُ. وإذا زَادَت المياهُ وخِيفَ منها سُنَّ أن يَقولَ " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرابِ والآكامِ وبُطونِ الأَوديةِ ومَنابِتِ الشجَرِ، رَبَّنَا لا تُحَمِّلْنَا ما لا طَاقةَ لنا به ". الآيةَ.
قال: (ويأمرهم أيضًا بالصدقة) (الصدقة) قد يقال: إنها مناسبة؛ لأن الصدقة إحسان إلى الغير، والإحسان سبب للرحمة؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، والغيث رحمة؛ لقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى: 28]، والصدقة هنا ليست الصدقة الواجبة، بل هي صدقة مستحبة، أما الصدقة الواجبة فإنَّ منعها سببٌ لمنع القطر من السماء، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المروي عنه: «وَمَا مَنَعَ قَوْمٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ» (1).
(1/2617)
________________________________________
قال: (ويعدهم يومًا يخرجون فيه) (يعدهم) الضمير يعود على مَنْ؟ الفاعل؟ على الإمام، والضمير (هم) المفعول يعود على الناس؛ يعني يقول: سنخرج في اليوم الفلاني.
ويحسن أيضًا أن يعين الوقت -الزمن- من هذا اليوم، الساعة الفلانية ليتأهبوا على وجه ليس فيه ضرر عليهم؛ لأن الناس ربما لو خرجوا مبكرين وتأخر الإمام حصل عليهم أذية من البرد إن كانوا في زمن شتاء صارم.
يقول: (يعدهم يومًا يخرجون فيه، ويتنظف ولا يتطيب) (يتنظف) إذا قال العلماء (يتنظف)، فالمراد إزالة ما ينبغي إزالته شرعًا أو طبعًا، فإزالة ما ينبغي إزالته شرعًا مثل: الأظفار، العانة، الإبط، وما ينبغي إزالته طبعًا مثل: العرق، والروائح الكريهة، وإنما قالوا: إنه يستحب أن يتنظف؛ لأن هذا مكان اجتماع عام، وإذا كان الناس فيهم الرائحة المؤذية فإن هذا يؤذي بعض الحاضرين، فلهذا استحبوا أن يتنظف، ولكن (لا يتطيب)، وهذا يمكن أن تجعله لغزًا؛ تقول: ما هي الحال التي لا ينبغي للإنسان أن يتطيب فيها؟ أو ما هي الصلاة التي لا ينبغي للإنسان أن يتطيب لها؟ هذا أحسن. تقول: هي صلاة؟
الطلبة: الاستسقاء.
الشيخ: الاستسقاء؛ لأن صلاة الجمعة يُستحب لها الطيب، وغيرها لا يُؤمر به ولا يُنهى عنه، والاستستقاء قالوا: لا يتطيب، وعللوا هذا بأنه يوم استكانة وخضوع، والطيب يشرح النفس، ويجعلها تنبسط أكثر، والمطلوب في هذا اليوم الاستكانة والخضوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج متخشعًا متذللًا متضرعًا.
وهذا أيضًا في النفس منه شيء، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الطِّيب، وكان يحب الطِّيب، ولا يمنع إذا تطيب الإنسان أن يكون متخشعًا مستكينًا لله عز وجل، ولهذا لو أراد إنسان أن يدعو الله بغير هذه الحال نقول: الأفضل ألا تتطيب من أجل أن تكون مستكينًا لله؟ ! لا نقول بهذا.
(1/2618)
________________________________________
قال: (ويخرج متواضعًا متخشعًا متذللًا متضرعًا) هذه كلها أوصاف تدل على أن الإنسان لا يخرج في فرح وسرور؛ لأن المقام لا يقتضيه، يخرج متواضعًا بقلبه وهيئته وقوله، والتواضع معروف، حتى إنك ترى الرجل وتعرف أنه من المتواضعين، وترى الرجل وتعرف أنه من المتكبرين، متواضعًا لمن؟ للحق، وللخلق.
كذلك متخشعًا، الخشوع سكون الأطراف، وأن يكون على الإنسان وقار وهيبة متذللًا من الذل، وهو الهوان؛ بمعنى أن يضع من نفسه، وهو قريب من التواضع، لكنه أشد؛ لأن الإنسان يرى نفسه أنه ذليل أمام الله عز وجل.
متضرعًا، التضرع يعني الاستكانة أو شدة الإنابة إلى الله عز وجل: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]، يعني في شدة اللجوء إلى الله عز وجل.
ودليل هذه الأوصاف قول ابن عباس رضي الله عنهما: خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللًا متواضعًا متخشعًا متضرعًا (2).
قال: (ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ والصبيان المميزون) معه أهل الدين والصلاح؛ لأن هؤلاء أقرب إلى إجابة الدعوة.
وقوله: (الدين والصلاح) من باب عطف المترادفين؛ لأن كل صاحب دين فهو صاحب صلاح.
وقوله: (الشيوخ) الكبار الذين أمضوا أعمارهم في الدين والصلاح؛ لأنهم أقرب إلى الإجابة، ومعه الصبيان المميزون، الصبيان المميزون الذين لم يبلغوا؛ لأنه لا ذنوب لهم، فيكونون أقرب إلى الإجابة ممن ملأت الذنوب صحائفهم.
وقوله: (المميزون) خرج به الصغار، الصغار الذين لم يميزوا؛ فإنهم لا يخرجون؛ لأنه ربما يحصل منهم من الأذية والصياح والبكاء أكثر مما يحصل من المنفعة.
وقول المؤلف: (معه)، ظاهر كلامه أنهم يصحبونه في الممشى، لأنه قال: (يخرج ومعه).
ويحتمل أنه أراد المعية في الصلاة، لا في كونهم يخرجون مصاحبين له في سيره إلى المسجد، وهذا هو الأقرب أن المراد بالمعية هنا المعية في الصلاة؛ لأنها هي المقصودة.
(1/2619)
________________________________________
عندي يقول: (ويُباح التوسل بالصالحين)، وهذه عبارة على إطلاقها فيها نظر، ولكنهم يريدون بذلك -رحمهم الله- التوسل بدعائهم، بدعاء الصالحين؛ لأن دعاء الصالحين أقرب إلى الإجابة من دعاء غير الصالحين.
ودليل هذه المسألة -أعني التوسل بدعاء الصالحين- ما حصل من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين خرج يستسقي ذات يوم فقال: اللهم إنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا لنتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، ثم قال: قم يا عباس فادعُ الله، فقام فدعا فسقاهم الله (3).
وأما التوسل بالصالحين بذواتهم، فهذا لا يصح؛ وذلك لأن التوسل فعل ما يكون وسيلة للشيء، وذات الصالح ليست وسيلة للشيء ما هي العلاقة بين دعائي وبين ذات الرجل الصالح؟ !
وأقبح من ذلك أن يتوسل بالقبور؛ فإن هذا قد يؤدي إلى الشرك الأكبر، ودعاء أهل القبور.
ثم قال المؤلف: (وإن خرج أهل الذمة منفردين عن المسلمين لا بيوم لم يُمنعوا) أهل الذمة هم الذين بقوا في بلادنا، وأعطيناهم العهد والميثاق على حمايتهم ونصرتهم بشرط أن يبذلوا الجزية، وقد كان هذا موجودًا حين كان الإسلام عزيزًا، أما اليوم فإنه متعذر إلا أن يشاء الله في المستقبل.
لكن على كل حال إذا طلب أهل الذمة أن يستسقوا بأنفسهم منفردين عن المسلمين بالمكان لا باليوم فإنه لا بأس فيه، مثل أن يقولوا: نحن نخرج للشمال -شمال البلد- وأنتم في جنوب البلد، فإننا نمنحهم ذلك، وإن كانت صلاتهم باطلة ودعاؤهم باطلًا، ولكن إذا دعا المضطر ربه عز وجل فإنه يجيب دعاءه، ولو كان مشركًا، ولو علم الله أنه سيشرك بعد النجاة كما قال الله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65]، فينجيهم الله عز وجل؛ لأنه يجيب دعوة المضطر ولو كان كافرًا.
(1/2620)
________________________________________
فنحن لا نمنعهم أن ينفردوا عنا بمكان، لا أن ينفردوا بيوم، لو قالوا: نحن نريد أن ننفرد باليوم أنتم يوم الأحد ونحن يوم الإثنين أو بالعكس، فإننا لا نوافقهم، لماذا؟ لأنه ربما ينزل المطر في اليوم الذي استسقوا فيه، فيكون في ذلك فتنة، ويقال: هم الذين على حق.
ومثل ذلك أهل البدع؛ لو أن أهل البدع طلبوا منا أن ينفردوا بمكان أذنَّا لهم، فإن طلبوا أن ينفردوا بزمان منعناهم؛ لأننا إذا منعنا أهل الذمة مع ظهور كفرهم، فمنعنا لأهل البدع من باب أولى، لو جاءنا قوم من الصوفية وقالوا: نحن نريد أن نستسقي في يوم الإثنين وأنتم يوم الأحد قلنا: لا، أو من الرافضة قالوا: نحن نريد أن نستسقي يوم الإثنين وأنتم يوم الأحد. قلنا: لا؛ لأنه لو صادف أن ينزل المطر في يوم استسقائهم حصل بذلك مفسدة كبيرة.
فإن قال قائل: هل هذا أمر ممكن أو أمر فرضي؛ أي: أن ينزل المطر في يوم يستسقي فيه أهل الذمة أو أهل البدع، هل هو أمر فرضي أو أمر قد يقع؟
فالجواب: أنه أمر قد يقع.
فإن قال قائل: كيف يقع وفيه فتنة وإغراء بهذا المذهب الباطل، أو هذا الدين الباطل؟ فالجواب: أن ذلك من الفتن التي يفتن الله بها عباده، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الفتن، قد يفتن الله العباد بشيء يكون سببًا في ضلالهم من حيث لا يشعرون، فإن طلب أهل الذمة أن يخرجوا معنا، قالوا: نحن لا نريد الانفراد لا بالمكان، ولا بالزمان
فإننا لا نمكنهم لقول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25].
(1/2621)
________________________________________
أهل الذمة، هل هم كل كافر عقدنا معه الذمة؟ أو يختص بجنس معين من الكفار؟ المذهب يختص بجنس معين من الكفار، وهم ثلاثة: اليهود، والنصارى، والمجوس. والصحيح أنه عام لكل كافر، كل كافر أبى الإسلام ورضخ للجزية، فإننا نعقد معه الذمة؛ لأن حديث بريدة بن الحصيب الذي ثبت في صحيح مسلم ذكر النبي عليه الصلاة والسلام له من جملة ما ذكر أنه إذا نزل على أهل حصن وأبوا الإسلام فإنه يطلب منهم الجزية (4).
قال المؤلف رحمه الله: (فيصلي بهم ركعتين) (يصلي) الفاعل الإمام، (ثم يخطب واحدة).
قال: يصلي ثم يخطب. فأفادنا أن الخطبة تكون بعد الصلاة كالعيد، ولكن قد ثبتت السنة أن الخطبة تكون قبل الصلاة، كما جاءت السنة بأنها تكون بعد الصلاة.
وعلى هذا فتكون خطبة الاستسقاء قبل الصلاة وبعدها، ولكن إذا خطب قبل الصلاة لا يخطب بعدها، يعني لا يجمع بين الأمرين؛ إما أن يخطب قبل، وإما أن يخطب بعد.
(ثم يخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير) ومن هنا خالف العيد، خالفت صلاة الاستسقاء صلاة العيد؛ لأن العيد على المذهب يَخطب لها خطبتن.
قال: (يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد) وقد سبق أن خطبة العيد يفتتحها بالتكبير على المشهور من المذهب، وأن في المسألة خلافًا، وأن من العلماء من قال: يفتتحها بالحمد كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل في جميع خطبه، وهكذا نقول في خطبة الاستسقاء، بل لو قال قائل: إن خطبة الاستسقاء تُبدأ بالحمد بخلاف خطبة العيد لكان متوجهًا؛ لأن خطبة العيد تأتي في الوقت الذي أُمرنا فيه بكثرة التكبير.
قال: (ويُكثر فيها الاستغفار)، وهو طلب المغفرة، فيقول: اللهم اغفر لنا، اللهم إنا نستغفرك، وما أشبه ذلك، والمغفرة هي ستر الذنب والعفو عنه؛ يعني أن يستر الله الذنب ويعفو عنه فلا يؤاخذك به، مأخوذة من (المِغْفر)، وهو الذي يضعه المقاتل على رأسه اتقاء السهام، لئلا تصيبه السهام، ومعلوم أن المغفر يحصل به أمران: الستر والوقاية.
(1/2622)
________________________________________
(وقراءة الآيات التي فيها الأمر به)، مثل قوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10]، {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3]، {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 61] إلى ما يحصل للإنسان من الآيات التي يستحضرها في تلك الساعة.
(ويرفع يديه فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم) يرفع الإمام يديه، وكذلك المستمعون يرفعون أيديهم؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رفع يديه حين استسقى في خطبة الجمعة رفع الناس أيديهم (5).
(يرفع يديه فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم)، وينبغي في هذا الرفع أن يبالغ فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبالغ فيه حتى يُرى بياض إبطيه (6)، ولا يرى البياض إلا مع الرفع الشديد، حتى إنه جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ظهورهما نحو السماء (7).
واختلف العلماء في تأويله، فمنهم من قال: إنه قال هكذا، ومنهم من قال: بل رفعهما رفعًا شديدًا، حتى كان الرائي يرى أن ظهورهما نحو السماء، لأنه إذا رفع شديدًا هكذا، صار ظهورهما نحو السماء، وهذا هو الأقرب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ وذلك لأن الرافع يديه عند الدعاء يستجدي ويطلب، ومعلوم أن الطلب إنما يكون بباطن الكف لا بظاهره.
قال: (ومنه: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، هَنِيئًا مَرِيئًا» (8)) إلى آخره.
(«اللَّهُمَّ اسْقِنَا»): بهمزة الوصل من (سَقَى، يَسْقِي)، وبهمزة القطع من (أَسْقَى، يُسقي)، وكلاهما صحيح، قال الله تعالى: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27]، وقال تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21]، الآية الثانية من (سَقَى) الثلاثي، والأولى من (أسقى) الرباعي.
(1/2623)
________________________________________
(«اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا»)، الغيث هو المطر، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: 34].
وقوله: («مُغِيثًا») أي: مزيلًا للشدة، وذلك لأن المطر قد ينزل ولا يزيل الشدة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «لَيْسَتِ السَّنَةُ ألَّا تُمْطَرُوا، بَلِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا» (9). وهذا يقع أحيانًا؛ تحصل أمطار كثيرة ولا تنبت الأرض، وأحيانًا تأتي أمطار خفيفة ويكون الربيع كثيرًا، المهم أنك تسأل الله أن يكون «غَيْثًا مُغِيثًا».
يقول (إلى آخره) أي: آخر الدعاء.
وذكره في الشرح فقال: («هَنِيئًا مَرِيئًا، غَدَقًا مُجَلِّلًا، سَحًّا عَامًّا، طَبَقًا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ» (10)).
(«هَنِيئًا مَرِيئًا»): الهنيء: ما لا مشقة فيه، وما يمتن الناس به، ويستريحون له.
والمريء: المري، ذو العاقبة الحسنى.
والغدق: الكثير {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16].
والسَّح: يعني الذي ليس فيه العواصف؛ لأن العواصف مع الأمطار تؤذي وتُؤلم، وربما تفسد الجدران، وتهدم البيوت.
(«عَامًّا»): أي: شاملًا.
(«طَبَقًا»): يعني واسعًا.
(«دَائِمًا»): أي مستمرًّا، ولكن هذا الدوام مشروط بألا يكون فيه ضرر.
(«اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ» (11)).
طالب: «مُجَلِّلًا».
الشيخ: ما هي عندي، إي نعم («مُجَلِّلًا»)، المجلِّل: المغطي للأرض، ومنه جِلال الناقة الذي يُغطى به ظهرها.
(«اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ») («اسْقِنَا الْغَيْثَ»): يعني المطر الذي يكون مُغيثًا.
(1/2624)
________________________________________
(وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ») القانط: هو المستبعد لرحمة الله، وهذه حال تعتري الإنسان، يستبعد رحمة الله عز وجل؛ لأنه يرى ذنوبه كثيرة، ويرى الفساد المنتشر، فيقول: بعيد أن الله يرحمنا، وهذا غلط قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56] الضائع، فمن عرف حلم الله عز وجل ورحمته فإنه لا يمكن أن يقنط، حتى لو كانت منه ذنوب كثيرة ومعاصي كبيرة فإن عفو الله أوسع.
(«اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَقٍ» (12)) إلى آخره، ذكر دعاءً طويلًا.
طالب: بالنسبة إلى رفع اليدين ما يكون بظاهر اليدين ( ... ) يتحول ( ... ).
الشيخ: لا، لو كان هذه المناسبة، لقلنا: يدعو أولًا بالبطون، ثم بالظهور؛ لأن ما قاله شيخ الإسلام هو أقرب إلى الصواب.
طالب: وإن خرج أهل الذمة يا شيخ، ما هو الدليل على ذلك؟
الشيخ: على أيش؟
الطالب: وإن خرج أهل الذمة منفردين عن المسلمين.
الشيخ: ما هو الدليل على أيش؟
الطالب: يعني الدليل على ..
الشيخ: على تمكينهم من الخروج؟
الطالب: نعم.
الشيخ: الدليل أن هذا الغيث يضرهم فقده، وينفعهم وجوده، فهم مضطرون، كالمشركين إذا ركبوا في الفلك.
طالب: ( ... ) النبي صلى الله عليه وسلم ( ... ) اليهود والنصارى.
الشيخ: بس هم قلة، ولا طلبوا يُحمل على أنهم قلة، ولم يطلبوا.
طالب: أحسن الله إليك، التوسل بالصالحين ( ... )؟
الشيخ: ممكن، إذا لم يُخشَ أن يفتتن الذي تُوسل به؛ لأنه بالوقت الحاضر لو يقوم فيدعو ربما يفتتن هو ويفتتن الناس به، فإذا خِيف من ذلك تُرك.
طالب: بشرط يكون في الملأ؟
(1/2625)
________________________________________
الشيخ: في الملأ، إي نعم، حتى لو كان وحده وقلت: يا فلان، ادعُ الله لي، لمن ترجو منه الصلاح، فهذا لا بأس به، لكن بشرط إذا كان الدعاء لأمر عام، يا فلان، ادعُ الله أن يغيثنا، ادعُ الله أن ينقذنا من الشدة، أما الدعاء للشخص نفسه خاص، فقد ذكر شيخ الإسلام أنه إذا لم يقصد نفع أخيه فإنه من المسألة المذمومة.
طالب: ألا ترى أن يغلب جانب الترهيب في خطبة الاستسقاء؟
الشيخ: والله ينبغي أن يُغلَّب هذا وهذا.
أولًا: أرى أنه ينبغي أن يُغلب جانب الترغيب قبل الدعاء؛ لأنك لو ذكرت الترهيب قبل الدعاء أوجب أن يقنطوا من الرحمة، لكن اذكر الترغيب أولًا، ثم بعد ذلك إذا دعوا وانتهى الدعاء اذكر الترهيب وحذَّرهم؛ لأجل أن يَرِد الدعاء على قلوبٍ منفتحة راجية، هذا هو الذي أرى أحسن؟
طالب: أحسن الله إليك، يشرع ( ... ) هيئة اللباس ( ... )؟
الشيخ: لا، الأحسن يكون لباسًا عاديًّا.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: والله ما أحفظ سنة أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أراد الخروج خرج بثياب بذلة، لكن يخرج متخشعًا، حتى الإنسان بلباسه العادي يختلف، لكن متخشع عنده وقار سكون.
طالب: ( ... ) الضلال يذهبون لشخص من الأشخاص، يبذلون له مالًا، فيكتب لهم أشياء ( ... )، هذا يُشرع ( ... ) للصلاة ( ... )، يُصلون ( ... ).
الشيخ: تزول الفتنة يعني؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: لتزول الفتنة؟
الطالب: غالبًا ما ( ... ).
الشيخ: لا بأس، أقول: لا بأس، هذا طيب، من أجل ألا ينسب نزول المطر إلى هؤلاء المبتدعة.
طالب: حديث ابن عباس يا شيخ، يقول الرسول لابن عباس لم يذكر خطبتكم هذه (13)، كيفية الخطبة يعني أو ( ... ).
الشيخ: الظاهر -والله أعلم- أنه في عهد ابن عباس كان هناك خطب مطولة كثيرة، فأنكرها رضي الله عنه، وذكر ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم من خطبة موجزة جامعة نافعة.
طالب: ( ... ) الإمام أحمد ( ... ) يتوسل بجاه النبي؟
الشيخ: إي نعم، أولًا: هذه لا بد أن نطالب بصحة النقل عن أحمد.
(1/2626)
________________________________________
وثانيًا: لو قاله أحمد فإن هذه الرواية ضعيفة من حيث الدليل؛ وذلك لأن التوسل بالجاه لا ينفع، إذا قدرنا هذا الرجل له جاه عند الله، ويش ينفعك؟ لو أن الإنسان قال: أسأله بجاه الرسول؛ بمعنى أني أسألك بأني أؤمن بأن للنبي صلى الله عليه وسلم جاهًا، فهذا يكون من باب الإيمان، من باب التوسل بالإيمان، فإذا صح عن أحمد، وأمكن أنه يحمل على هذا حمل.
إني أسألك بجاهه، أي: بأني أؤمن بأن له جاهًا عندك كما قال تعالى عن موسى: {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69]، وقال عن عيسى: {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران: 45].
طالب: قول أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء (14).
الشيخ: نعم.
الطالب: على أي شيء يحمل؟
الشيخ: على الخطبة.
الطالب: جميع الخطب؟
الشيخ: نعم، الخطب فقط.
طالب: شيخ.
الشيخ: نعم؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: المعروف من المذهب أنه يكون في أثناء الخطبة، يقلب رداءه ويستقبل القبلة ويدعو، وقال بعض العلماء: إنما يكون القلب بعد الدعاء؛ تفاؤلًا بأن الله أجاب الدعاء، وأن الله سيقلب الحال من الشدة إلى الرخاء.
طالب: شيخ، هل الإسلام يشترط لها إذن السلطان؟
الشيخ: المذهب لا يشترط ( ... ).
الطالب: بالنسبة ( ... ) قوم ( ... ).
الشيخ: إي نعم، المذهب لا يشترط، ولكن لو قيل: نظرًا لأن الأهواء كثرت، لو قيل: بأنه لا يُخرج إلا بإذن الإمام كان حسنًا، كما هو المتبع عندنا الآن، لكن إذا قدرنا أننا في بلد لا يهتم الإمام بهذا الشيء، وأردنا أن نتواعد في مكان في البيت أو غير البيت هذا لا بأس به.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- أقول: لو كان الاستسقاء يوم الخميس، ألا يكون أحسن من يوم الإثنين لا سيما أن الناس الخميس في أيام إجازة، الخروج من المصلى لا شك ( ... )؟
الشيخ: يقولون: يوم الخميس نخشى أن يناموا.
طالب: هذه عِلَّتهم.
(1/2627)
________________________________________
الشيخ: هذا تعليلهم، إي نعم.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى: وإن سقوا قبل خروجهم شكروا الله، وسألوه المزيد من فضله، وينادي: الصلاة جامعة، وليس من شرطها إذن الإمام، ويسن أن يقف في أول المطر، وإخراج رحله وثيابه ليصيبهما المطر، وإذا زادت المياه، وخِيف منها سن أن يقول: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَالآكَامِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» (15). {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} الآية.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ما الفرق بين خطبة العيد وخطبة الاستسقاء؟
طالب: أن خطبة العيد خطبتان، والاستسقاء واحدة.
الشيخ: نعم، والموضوع؟
طالب: ( ... ).
طالب آخر: حتى الخطبة في فرق ( ... ) أنه في صلاة الاستسقاء يجوز قبل وبعد، أما في صلاة العيد بعد، الاستسقاء يجوز قبل وبعد.
الشيخ: فقد ورد؟
الطالب: في السُّنة.
الشيخ: قبل وبعد، أيضًا الموضوع؟
طالب: صلاة العيد السنة التكبير.
الشيخ: ويبين أحكام ما يتعلق بالعيدين، وفي الاستسقاء يكثر من الاستغفار والدعاء بطلب الغيث. هل يجوز تمكين أهل الذمة من صلاة الاستسقاء؟
طالب: إذا كان في اليوم الذي يصلي فيه المسلمون يجوز، ( ... ) المكان الذي يصلي فيه المسلمون.
الشيخ: يعني إذا كانوا بمكان منفردين، وفي نفس اليوم، فإنه جائز لو كانوا في نفس اليوم، لكن يصلون قبل المسلمين؟
الطالب: لا.
الشيخ: يمنعون.
الطالب: في الوقت الذي يصلي فيه المسلمون.
الشيخ: أو بعده.
الطالب: أو بعده.
الشيخ: يقول المؤلف: إنه يجوز التوسل بالصالحين؟
طالب: بدعاء الصالحين.
الشيخ: بدعاء الصالحين، هل لهذا من دليل؟
(1/2628)
________________________________________
طالب: نعم، عمر رضي الله عنه كان الاستسقاء في عهده، فدعا الله عز وجل وقال: اللَّهُمَّ إنا كُنَّا نسْتَسْقِي إليكَ بِنَبيِّنا فاسْقنا، وإنا نستسقي إليك بِعَمِّ نبينا فاسْقِنا، ثم قال: قُمْ يا عباس فادْعُ لنا، فقام العباسُ رضي الله عنهما فدعا الله عز وجل فَسُقُوا (16).
الشيخ: هل نتوسل بجاه الصالحين عند الله؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: أليس لهم جاه عند الله؟
طالب: نعم يا شيخ، لكن لا يتوسل بجاههم ( ... ).
الشيخ: ولأنه لا ينفع؛ لأن الجاه إنما ينفع صاحبه، أما نحن فلا ينفعنا. هل يرفع يديه إذا دعا؟
طالب: نعم، يرفعها.
الشيخ: يرفع يديه.
الطالب: يرفع يديه، وكذلك المصلون.
الشيخ: ولو في الخطبة؟
الطالب: ولو في الخطبة.
الشيخ: ما الدليل؟
الطالب: الدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: فعل النبي.
الطالب: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه، ورفع المصلون أيديهم.
الشيخ: رفع يديه حتى بدا بياض إبطه (17).
قال: («غَيْثًا مغيثًا»)، ما هو الغيث؟
طالب: ( ... ) في اللغة.
الشيخ: ومغيث؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ويش معنى مغيث؟
الطالب: مزيلًا.
الشيخ: مزيل لأيش؟
الطالب: ( ... ) أو يسقط المطر.
الشيخ: ويش معنى مزيل؟ مزيل أيش؟
الطالب: مزيلًا للشدة.
الشيخ: مزيلًا للشدة نعم.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وإنْ سقوا قبل خروجهم شكروا الله وسألوه المزيد من فضله)
(1/2629)
________________________________________
(إن سقوا) الضمير يعود على الناس، يعني إن سقاهم الله وأنزل المطر قبل أن يخرجوا فلا حاجة للخروج، لو خرجوا في هذه الحال لكانوا مبتدعين؛ لأن صلاة الاستسقاء إنما تشرع لطلب السقيا، فإذا سقوا فلا حاجة، يكون عليهم وظيفة أخرى، وهي وظيفة الشكر، فيشكرون الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، يشكرون الله تعالى بقلوبهم وبألسنتهم وبجوارحهم؛ لأن الشكر يتعلق بهذه الأشياء الثلاثة: القلب، واللسان، والجوارح؛ أما القلب فأن يوقن الإنسان بأن هذه النعمة من الله عز وجل، تفضل بها، وأما باللسان فأن يثني بها على الله، فيقول: الحمد الله الذي سقانا، وما أشبه ذلك من الكلمات، وأما الجوارح فأن يقوم بطاعة الله سبحانه وتعالى، بفعل أوامره وترك نواهيه. هذا هو الشكر.
الشكر إذن يتعلق بالقلب واللسان والجوارح.
ولهذا قال الشاعر:
أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً
يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَ الْمُحَجَّبَا
وقول المؤلف: (وسألوه المزيد من فضله) أي: سألوا الله أن يزيدهم من فضله، ومن ذلك أن يقولوا: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ صَيْبًا نَافِعًا» (18)، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله.
قال: (وينادي: الصلاة جامعة) (ينادي) يعني بصلاة الاستسقاء، إذا حان وقتها ينادي لها: الصلاة جامعةٌ، أو جامعةً؟
طلبة: يجوز ( ... ).
الشيخ: يجوز الصلاةُ جامعةً، والصلاةَ جامعةً، والصلاةُ جامعةٌ.
ثلاثة أوجه:
أما (الصلاةُ جامعةٌ) فهي مبتدأ وخبر.
وأما (الصَّلاةَ جامعةً) فالصلاةَ: مفعول لفعل محذوف، وجامعةً: حال من الصلاة، أي: احضروا الصلاة حال كونها جامعة.
وأما (الصلاةُ جامعةً) فالصلاةُ: خبر مبتدأ محذوف التقدير: هذه الصلاةُ، وجامعةً: حال من الصلاة، لكن هذا الوجه هو أضعفها، أضعف الوجوه الثلاثة.
(1/2630)
________________________________________
يعني أنه إذا جاء وقت صلاة الاستسقاء، ارتفعت الشمس قيد رمح ينادى، ينادي المنادي: (الصلاة جامعة) ليحضر الناس، قياسًا على صلاة الكسوف، والمذهب؛ يعني أصحاب المذهب يرون أنه ينادى للكسوف والعيد والاستسقاء، ولكن ما ذكره المؤلف، بل ما ذكره الأصحاب في المناداة للعيد والاستسقاء ضعيف جدًّا.
أولًا: لأنه خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالعيد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ينادى لها، وصلاة الاستسقاء كذلك لم يكن ينادى لها.
وقد ذكرنا قاعدة فيما سبق: أن كل شيء وُجد سببُه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يَشرع له شيئًا من العبادات، فشرع شيء من العبادات من أجله يكون بدعة؛ لأننا نحن يلزمنا الوقوف عند الشرع، عند أسبابه وعند جنسه وهيئته، إلى آخر ما عرفتم فيما سبق.
فإذن نقول: هذا لا يصح؛ لأنه خلاف السنة فيكون بدعة، ولأن إلحاق ذلك بصلاة الكسوف غير صحيح أيضًا، أي أنه يمتنع القياس؛ لأن صلاة الكسوف تأتي على غير تأهُّب وباغتة، وصلاة العيد معلومة من قبل، والناس يتأهبون لها، وكذلك الاستسقاء، وقد سبق في كلام المؤلف أنه قال: إن الإمام يعدهم يومًا يخرجون فيه، فالصلاة معلومة، لكن صلاة الكسوف تأتي على غير تأهب واستعداد، تأتي بغتة كما هو معروف.
حتى لو قال قائل: إننا اليوم نعلم بالكسوف متى يحصل ابتداءً وانتهاءً، وفي أي وقت من نهار أو ليل. نقول: حتى في هذه الحال ينادي: الصلاة جامعة؛ لأن الحسابين قد يخطئون، ونحن قد علقت الصلاة منا بوجود الكسوف، لا بالعلم به، بل بوجوده، «إِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا» (19).
إذن هذا القول بأنه ينادى لصلاة الاستسقاء وصلاة العيد: لا يصح أثرًا ولا نظرًا، لا يصح أثرًا؛ لعدم وروده، مع وجود سبب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نظرًا؛ لوجود الفرق بين الأصل والفرع.
(1/2631)
________________________________________
قال: (وليس من شرطها إذن الإمام) يعني ليس من شرط إقامتها أن يأذن الإمام بذلك، بل إذا قحط المطر وأجدبت الأرض خرج الناس وصلوا، ولو صلى كل بلد وحده لم يخرجوا عن السنة، فليس من شرطها إذن الإمام، بل لو وجد السبب وقال الإمام: لا تصلوا، فإن في منعه إياهم نظرًا؛ لأنه وجد السبب، فلا ينبغي أن يمنعهم، ولكن حسب العرف عندنا: لا تُقام صلاة الاستسقاء إلا بإذن الإمام، اللهم إلا أن يكون قوم من البادية بعيدين عن المدن ولا يتقيدون، فهنا ربما يقيمونها وإن كان البلد لم يقيموها.
قال: (ويسن أن يقف في أول المطر وإخراج رحله وثيابه ليصيبها) (يسن أن يقف) السنة في اصطلاح الفقهاء هي ما يُثاب فاعله امتثالًا، ولا يُعاقب تاركه.
وقوله: (أن يقف) يعني أن يقف قائمًا.
(في أول المطر) يعني أول ما ينزل المطر، ويخرج رحله؛ أي: متاعه الذي في بيته أو في خيمته إن كان في البر، وكذلك ثيابه يخرجها؛ لأن هذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا نزل المطر حسر ثوبه -حسره: يعني رفعه- حتى يصيب المطر بدنه، ويقول: «إِنَّهُ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» (20)، وهذه السنة ثابتة في الصحيح.
وعليه فيقوم الإنسان، ويُخرج شيئًا من بدنه، إما من ساقه، أو من ذراعه، أو من رأسه، حتى يصيبه المطر اتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: «إِنَّهُ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِرَبِّهِ»؛ لأن الله خلقه الآن، فهو حديث عهد بخلق الله.
ولكن هل يقال: إن هذا التعليل يتعدى لغيره مما يحدثه الله عز وجل؟ أو نقول: إن هذا تعليل بعِلَّة قاصرة على معلولها؟
الجواب: الثاني، أن هذه العِلَّة قاصرة على معلولها؛ ولهذا لا يمكن نقول للإنسان: إنه ينبغي أن يصيب من بدنه ما ولد من حيوان أو نحوه مما هو حديث عهد بالله.
(1/2632)
________________________________________
ويستفاد من الحديث: «إِنَّهُ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» (20) ثبوت الأفعال الاختيارية لله عز وجل التي تقع بمشيئته خلافًا لمن أنكر ذلك، فإن إنكاره عن جهل عن عقله وهو في الحقيقة جهل، وليس بعقل، فالرب عز وجل تقوم به الأفعال الاختيارية، ويفعل ما يشاء في أي وقت شاء.
قال: (وإذا زادت المياه وخيف منها سُن أن يقول: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا لَا عَلَيْنَا») إلى آخره.
(إذا زادت المياه) يريد بذلك مياه السماء؛ يعني الأمطار، ومثل ذلك أيضًا لو زادت مياه الأنهار على وجه يخشى منه، فإنه يسن أن يقول هذا الذكر يقول: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا».
ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلكَ المالُ وتهدم البِناء فادعُ اللهَ يمسكها عَنَّا. فلم يدعُ الله بإمساكها، ولكنه دعا الله بإبقائها على وجه لا يضر فقال: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا» (21) إلى آخره.
وقوله: («اللَّهُمَّ»): هذه منادى حُذفت منها ياء النداء، وعُوِّض عنها الميم، ولم تُجعل الميم في أول الكلمة تيمنًا بالبداءة باسم الله، وجعلت في آخرها ميمًا؛ لأن الميم تدل على الجمع، فكأن الداعي جمع قلبه على الله عز وجل.
وقوله: («حَوَالَيْنَا»): أي: أنزله حوالينا، أي حوالي المدينة، وحوالي هنا ملحق بالمثنى؛ لأنه نصب بالياء بدلًا عن الفتحة؛ لأنه ملحق بالمثنى؛ حيث إنه لا يدل على اثنين بل على واحد، أي: حولنا.
(«وَلَا عَلَيْنَا») يعني ولا على المدينة التي خِيف أن تتهدم من كثرة الأمطار.
(«اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَالْآكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» (15)).
(1/2633)
________________________________________
قوله: («عَلَى الظِّرَابِ»): هي الروابي الصغار؛ يعني الأماكن المرتفعة من الأرض، لكن ليس ارتفاعًا شاهقًا، وذلك لأن المرتفع من الأرض يكون فيه النبات أسرع نموًّا وأحسن طروًّا؛ لأنه مرتفع قد تبين للشمس والهواء فيكون أحسن.
(الآكام) يقول: إنها الجبال الصغيرة، ولهذا يقال: أكمة للجبل الصغير.
(وبطون الأودية) أي داخل الأودية، أي الشعاب؛ لأن بطون الأودية إذا أمطرت سالت وحصل فيها أشجار كبيرة نافعة.
(ومنابت الشجر) هذا عام يعم كل أرض تكون منبتًا للشجر.
فإذا قال قائل: هذه الدعوات شملت الأرض كلها.
فالجواب: لا، لم تشمل الأرض كلها، خرج منها رؤوس الجبال العالية؛ لأنها ليست آكامًا ولا ظرابًا، وخرج منها الأرض القاحلة السبخة التي لا تنبت؛ لأنها ليست من منابت الشجر ولا من بطون الأودية، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا الله عز وجل أن يكون نزول المطر على أراضٍ نافعة وهي هذه الأنواع الأربعة: الظراب، الآكام، بطون الأودية، منابت الشجر.
قال المؤلف: (ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به) هذه لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها مناسبة، فإذا قالها الإنسان لا على سبيل أنها سنة فلا بأس، أما إذا قالها على أنها سنة فلا.
وهنا في الكتاب: ربنا لا تحملنا، وهي في الآية: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا} [البقرة: 286]، وإنما حذفها المؤلف؛ لأنها في الآية حرف عطف على ما سبق، وهنا لم يسبقها شيء تُعطف عليه، فلهذا حذف الواو فقال: (ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به)، الآية.
يعني إلى آخر الآية، أكمل الآية، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} أربع دعوات:
{رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} وهذا من باب التخلية.
(1/2634)
________________________________________
{وَاعْفُ عَنَّا} كذلك، من باب التخلية، {وَاغْفِرْ لَنَا} كذلك، {وَارْحَمْنَا} من باب التحلية، يعني من باب إيجاد الشيء، فهذه الدعوات كلها دعوات مفيدة مناسبة، لكن بشرط ألا يتخذها الإنسان على أنها سُنة.
ذكر الشرح مسألة مفيدة، قال: (يحرم أن يقول: مُطرِنا بنوء كذا، ويُباح في نَوْء كذا، وإضافة المطر إلى النوء دون الله كفر إجماعًا، قاله في المبدع).
يقول: (يحرم أن يقول: مُطرنا بنوء كذا) والنَّوْء: هو النجم؛ يعني مطرنا مثلًا بالنجم الفلاني، بنجم الشولة، بنجم النعائم، بنجم سعد الذابح، بنجم سعد البلع، سعد السعود، وما أشبه ذلك، يحرم أن يقول هذا.
ودليله ما رواه، ما ثبت في الصحيح من حديث زيد بن خالد الجهني، أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل -يعني مطر نزل في الليل- فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح قال لهم: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ»، كم قسمًا صاروا؟
طالب: قسمين.
الشيخ: قسمين؛ «مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ».
«فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَهُوَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» (22). وهذا نص صريح في أن من قال: مُطرنا بنوء كذا فهو كافر، ولهذا حكى في المبدع إجماع أهل العلم على ذلك.
إذن قول الإنسان: مُطرنا بنوء كذا مُحرَّم، بل هو من كبائر الذنوب، وهل يكون كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة؟
هو بحسب عقيدة القائل: إن كان يعتقد أن النوء هو الذي خلق هذا المطر فهو كافر كفرًا مخرجًا عن الملة؛ لأنه ادعى أن مع الله خالقًا.
(1/2635)
________________________________________
وإن كان يعتقد أن النوء سبب فإنه كافر كفرًا دون كفر، وإنما كان كافرًا فيما إذا اعتقد أنه سبب؛ لأنه أثبت سببية لم يثبتها الله عز وجل، فإن النجوم ليس لها أثر، وإنما هي أوقات فقط، أما أن يكون
لها أثر في إنزال المطر أو عدم إنزاله فلا، وإنما هي أوقات. لو قال: مطرنا في نوء كذا؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: فهذا جائز؛ لأن (في) للظرفية، ومن ذلك استعمال العامة عندنا (الباء) هنا وهم يريدون الظرفية، يقول مثلًا: مطرنا بالمربعانية، مُطرنا بالشط، مُطرنا بالعقارب؛ العقارب هي السعود الثلاثة: سعد الذابح، وبلع، والسعود.
تسمى عندنا في العامية العقارب إذا قال: مُطرنا بسعد السعود وهو يقصد: (في سعد السعود) كما هي اللغة العامية عندنا، فهنا لا يكون كافرًا.
والباء قد تأتي بمعنى (في) مثل قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: 137، 138] يعني في الليل.
إذن القائل: (مُطرنا بنوء كذا) له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يكون كافرًا كفرًا مخرجًا عن الملة، متى؟ إذا اعتقد أن للنوء تأثيرًا في خلق المطر.
ثانيًا: يعتقد أنه سبب، أن يريد بذلك السببية، فهذا؟
الطلبة: كفر أصغر.
الشيخ: كفر أصغر.
الثالث: أن يريد الظرفية؛ أي أننا مطرنا في هذا الوقت، فهذا جائز، هذا جائز، وهو الذي يريده العامة عندنا، العامة عندنا يقولون: مطرنا بكذا؛ يعني بالنجم الفلاني، يريدون بذلك الظرفية.
***
[مدخل (23)
ثم قال المؤلف رحمه الله: (كتاب الجنائز).
طالب: ( ... ).
الشيخ: تكلمنا عليه فيما سبق.
(الجنائز) جمع جنازة، وهي بفتح الجيم وكسرها بمعنى واحد، وقيل: بالفتح اسم للميِّت، وبالكسر: اسم لما يُحمل عليه الميت، فإذا قيل: جَنازة أي مَيِّت. وإذا قيل: جِنازة أي نعش.
(1/2636)
________________________________________
وهذا تفريق دقيق؛ لأن الفتح يناسب الأعلى، والميت فوق النعش، والكسر يناسب الأسفل، والنعش تحت الميت، وينبغي للإنسان أن يتذكر حاله ونهايته في هذه الدنيا، وليست هذه النهاية نهاية، بل وراءها غاية أعظم منها وهي الآخرة، فينبغي للإنسان أن يتذكر دائمًا الموت، ولكن يتذكر الموت لا على أساس الفراق للأحباب والمألوف؛ لأن هذه نظرة قاصرة.
ولكن على أساس فراق العمل والحرث للآخرة، فإنه إذا نظر هذه النظرة استعد وزاد في عمل الآخرة، وإذا نظر النظرة الأولى حزن وساءه الأمر، وصار على حد قول الشاعر:
لَا طِيبَ لِلْعَيْشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً
لَذَّاتُهُ بِادِّكَارِ الْمَوْتِ وَالْهَرَمِ
فيكون ذكره على هذا الوجه لا يزداد به إلا تحسرًا وتنغيصًا، أما إذا ذكره على الوجه الأول وهو أن يتذكر الموت ليستعد له ويعمل للآخرة، فهذا لا يزيده حزنًا، وإنما يزيده إقبالًا إلى الله عز وجل، وإذا أقبل الإنسان على ربه فإنه يزداد صدره انشراحًا، وقلبه اطمئنانًا، فينبغي أن يستعد.
وفي هذا المجال يحسن البحث في أمور:
أولًا: هل المريض إذا مرض، هل يعاد أو لا يعاد؟ الجواب: بل يعاد.
وعيادة المريض من حقوق المسلم على أخيه، وفي العيادة من جلب المودة والإلف، والمحبة شيء لا يعرفه إلا من أُصيب ثم عيد، فإنك إذا عُدت أخاك في مرضه يجد لهذا قيمة كبيرة عظيمة، لا يزال يتذكرها، فالعيادة -أعني عيادة المريض- من السنن المؤكدة، وفيها ثواب عظيم.
(1/2637)
________________________________________
وقال بعض أهل العلم: بل هي فرْض على الكفاية، كتجهيز الميت، وأنه يجب على المسلمين أن يعودوا مرضاهم، فمن علم أن شخصًا ما مريض، ولكنه لا يُعاد وجب عليه أن يعوده، وجب عليه أن يعوده، وهذا القول أصح، أي أن عيادة المرضى من فروض الكفاية، وأن الناس إذا علموا بمريض ولم يعودوه أثموا، وإن قام به البعض سقط عن الباقين؛ لأنه ليس من الإسلام والإيمان في شيء أن يكون أخونا المسلم تتلفه الأمراض وتتقاذفه ونحن لا نعوده، أين الأخوة الإيمانية؟ فلا بد من عيادة المريض، ثم إذا عيد المريض، هل الأولى أن نبسط الكلام معه، وأن نذكر الماضي والحاضر، أو أن نقتصر على السلام والدعاء، ثم ننصرف؟
في هذا خلاف بين العلماء، والصحيح أن الخلاف قريب من اللفظي، وأن المسألة تعود إلى ما تقتضيه الحال، فقد يكون المريض يرغب أن هذا الشخص يبقى عنده ويحدثه، وهو يفرح به ويأنس به، فهذا نقول: الأفضل في حقك الإطالة، الإطالة حتى يظهر على صاحبك الملل.
وهناك شخص آخر مفارقته عيد ومقاربته نار، مثل هذا لا ينبغي أن يجلس عند المريض ولا لحظة، ولولا أننا نحب أن يكتسب الأجر لقلنا.
طالب: لا تعد.
الشيخ: لا تعد المريض، هو في غنى عنك، وهذا التفصيل هو الصحيح، أن الإنسان ينظر إلى ما تقتضيه الحال، ثم إن المريض أيضًا أحيانًا يكون متسع الصدر منشرحًا، يحب الأنس، ويحب الكلام، فهنا نطيل معه، أحيانًا يكون ضيق الصدر، يتململ من أمراضه، ويظهر على وجهه أنه يحب الانفراد، أو يحب أن يكون عنده أهله، أو ما أشبه ذلك فهنا نقول: نقتصر على أقل شيء، إذن القول الراجح في المكث عند المريض أنه يختلف.
الطلبة: حسب ( ... ).
الشيخ: باختلاف الأحوال، حسب ما تقتضيه الحال.
ثالثًا: إذا عُدنا المريض، فهل نذكره بالتوبة، والوصية إن كان يريد الوصية، والخروج من المظالم، وما أشبه ذلك؟ أو ماذا؟
(1/2638)
________________________________________
نقول أيضًا: ينبغي للإنسان أن ينظر حال المريض، إذا كان يعرف من حال المريض أنه متهاون بمظالم الناس، متهاون بما أوجب الله عليه، فينبغي أن يذكره، ولكن على وجه لا يزعجه؛ لأن المريض قد ضعفت نفسه، كل شيء يفكر فيه، فلو قال له: يا فلان، أوصِ، ما تدري متى يأتيك الموت، ماذا يقول المريض؟ ينزعج جدًّا.
وهذا كامرأة أذكرها عادت مريضًا، فقالت: الله يعافيه، والله وليدي أصابه مثلك هذا، ولا قعد إلا يومين.
أيش هذا؟ إي نعم، هل هذا زين؟ يمكن يموت قبل يومين، علشان هذا الكلام، فلا ينبغي للإنسان أن يزعج المريض بأي شيء، لكن إذا كان يعرف أن المريض عنده تفريط، عنده مظالم للخلق، فإنه يذكره بوجه لطيف يحصل به المقصود، مثلًا إذا علمنا أنه مَدِين مطلوب للناس يحسن أن نقول: إن كتابة الديون والإشهاد عليها حسن، والأمور بيد الله، والآجال عند الله، وما أشبه ذلك من الكلام الذي لا يزعجه.
رابعًا: هل يسأل المريض كيف يصلي وكيف يتطهر؟ أو نقول: إن هذا من باب التدخل فيما لا يعنيه؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: الذي نرى أنه إن كان المريض من ذوي العلم الذين يعرفون فلا حاجة أن تذكره؛ لأنه سيحمل تذكيرك إياه على إساءة الظن به، وأما إذا كان من العامة الجهال، فهنا يحسن أن نبين له.
وأذكر لكم قصة وقعت عليَّ، أنا عدت مريضًا، فسألته عن حاله، فقال: الحمد لله على كل حال، أنا لي نصف شهر أجمع وأقصر، أجمع وأقصر.
هذا يحتاج إلى تنبيه؛ لأنه يظن أن القصر مع الجمع، وأن من جمع قصر، مثل هذا يعلمنا أنه رجل عامي، لا بد نعلمه نذكره، ومن ذلك أيضًا أنه اشتهر عند العامة أن من لا يستطيع الإيماء بالركوع والسجود فإنه يومي بأصبعه، هذا مشهور عند العامة، فينبغي أن نسأل حتى لا يقع في الخطأ.
البحث الخامس: التداوي، هل يؤمر المرضى بالتداوي، أو يؤمرون بعدم التداوي أم في ذلك تفصيل؟
(1/2639)
________________________________________
من العلماء من قال: ترك التداوي أفضل، ولا ينبغي أن يتداوى الإنسان، واستدلوا لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض ولدوه، أمر بأن يلد جميع من كان حاضرًا إلا العباس بن عبد المطلب، قالوا: وهذا دليل على أنه كره ما فعلوه.
واللدود: ما يُلد به المريض، وهو نوع من الدواء. واستدلوا أيضًا بأن أبا بكر رضي الله عنه لما مرض، وقيل له: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: إن الطبيب قد رآني، فقال: إني أفعل ما أريد (24)، وأبو بكر هو خير الأمة بعد نبيها وهو قدوة وإمام.
ومن العلماء من قال: بل يسن التداوي لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولأنه من الأسباب النافعة، ولأن الإنسان ولا سيما المؤمن المغتنم للأوقات كل ساعة تمر عليه تنفعه، ولأن المريض يكون ضيق النفس، لا يقوم بما ينبغي أن يقوم به من الطاعات، وإذا عافاه الله انشرح صدره، وانبسطت نفسه، وقام بما ينبغي أن يقوم به من العبادات، فيكون الدواء إذن مرادًا؟
طالب: لغيره.
الشيخ: لغيره، فيسن.
وفصل بعض العلماء، فقال: إذا كان الدواء مما علم أو غلب على الظن نفعه بحسب التجارب، فهو أفضل، وإن كان من باب المخاطرة فتركه أفضل؛ لأنه إذا كان من باب المخاطرة فقد يحدث فيه رد فعل، فيكون الإنسان هو الذي تسبب لنفسه بما يضره، ولا سيما الأدوية الحاضرة العقاقير التي قد تفعل فعلًا مباشرًا شديدًا على الإنسان، بغلطة وصفة طبيب.
ومن العلماء من قال: إنه يجب التداوي إذا ظن نفعه، والصحيح أنه يجب إذا كان في تركه هلاك، مثل: سرطان موضعي، السرطان الموضعي -بإذن الله- إذا قطع الموضع الذي فيه السرطان فإنه ينجو منه، لكن إذا ترك انتشر في البدن وكانت النتيجة هي الهلاك، فهذا يكون دواءً معلوم النفع؛ لأنه موضعي، يُقطع ويَزول، وقد خرب الخضر السفينة بخرقها لإنجاء جميعها، لتنجو.
(1/2640)
________________________________________
فكذلك البدن إذا قطع بعضه من أجل نجاة باقيه كان ذلك سائغًا بل واجبًا، وهذا القول أقرب الأقوال؛ أن ما علم نفعه، أو غلب على الظن مع احتمال الهلاك بعدمه فهو واجب، وأما ما غلب على الظن نفعه، ولكن ليس هناك هلاك محقق لتركه فهو أفضل، وما تساوى فيه الأمران فتركه أفضل، لئلا يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة من حيث لا يشعر.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- بالنسبة لعدد مرات النداء، كم مرة ينادي؟
الشيخ: ينادي بحسب ما يحصل به الإبلاغ، ولكن -كما قلنا لكم- أن الصحيح أنه ليس بسُنَّة.
طالب: ( ... ) يا شيخ ( ... ) الصواعق ( ... ).
الشيخ: ليس فيه حديث صحيح في هذه المسألة.
لكن في آثار مثل: إذا رأى البرق قال: سبحان الله وبحمده فإنه يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من قال حين يرى البرق: سبحان الله وبحمده لم تصبه صاعقة (25).
ومثل: إذا سمع الرعد قال: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك، فإنه يؤثر عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه (26).
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- إذا علم المريض أن زيارتي له تؤذيه.
الشيخ: ما هو بالمريض؟ أنت كنت تقول: إذا علم المريض؟
الطالب: إذا علم المعاد؟
الشيخ: نعم، العائد؟
الطالب: الْمُعاد؟ يعني أنا كنت أريد أزور صديقًا ( ... ) جارًا لي يعلم هذا الجار أو هذا المريض المُعاد، أنني إذا زرته سيتأذى بي.
الشيخ: سيتأذى المريض يعني؟
الطالب: إي نعم، يتأذى، هل يجوز له الزيارة؟
الشيخ: لا، إذا كنت تعلم أنه يتأذى لا تزُره.
(1/2641)
________________________________________
(كتاب الجنائز)
تُسَنُّ عِيادةُ المريضِ وتَذكيرُه التوبةَ والوَصيةَ، وإذا نَزَلَ به سُنَّ تَعاهُدُ بَلِّ حَلْقِه بماءٍ أو شَرابٍ وتُنَدَّى شَفتَيْهِ بقُطْنَةٍ وتَلْقِينُه " لا إلهَ إلا اللهُ " مَرَّةً ولم يَزِدْ على ثلاثٍ إلا أن يَتَكَلَّمَ بعدَه فيُعيدَ تَلقينَه برِفْقٍ، ويَقرأُ عندَه (يس)
[مدخل]
ثم قال المؤلف رحمه الله: (كِتَابُ الجَنَائِزِ):
طالب: ( ... ).
الشيخ: تكلمنا عليه فيما سبق.
الجنائز: جمع جنازة، وهي بفتح الجيم وكسر الجيم بمعنًى واحد، وقيل: بالفتح اسم للميت، وبالكسر اسم لما يُحمَل عليه الميت، فإذا قيل: جَنازة أي ميت، وإذا قيل: جِنازة أي نعش.
وهذا تفريق دقيق؛ لأن الفتح يناسب الأعلى، والميت فوق النعش، والكسر يناسب الأسفل، والنعش تحت الميت.
وينبغي للإنسان أن يتذكر حاله ونهايته في هذه الدنيا، وليست هذه النهاية نهاية، بل وراءها غاية أعظم منها، وهي الآخرة، فينبغي للإنسان أن يتذكر دائمًا الموت، ولكن يتذكر الموت لا على أساس الفراق للأحباب والمألوف؛ لأن هذه نظرة قاصرة، ولكن على أساس فراق العمل والحرث للآخرة، فإنه إذا نظر هذه النظرة استعد وزاد في عمل الآخرة، وإذا نظر النظرة الأولى حزن وساءه الأمر، وصار على حد قول الشاعر:
فيكون ذكره على هذا الوجه لا يزداد به إلا تحسرًا وتنغيصًا، أما إذا ذكره على الوجه الأول، وهو أن يتذكر الموت، ليستعد له ويعمل للآخرة، فهذا لا يزيده حزنًا، وإنما يزيده إقبالًا إلى الله عز وجل، وإذا أقبل الإنسان على ربه فإنه يزداد صدره انشراحًا، وقلبه اطمئنانًا، فينبغي أن يستعد.
وفي هذا المجال يَحسُن البحث في أمور:
أولًا: هل المريض إذا مرض هل يعاد أو لا يعاد؟
(1/2642)
________________________________________
الجواب: بل يعاد، وعيادة المريض من حقوق المسلم على أخيه، وفي العيادة من جلب المودة والألفة والمحبة شيء لا يعرفه إلا من أصيب ثم عيد، فإنك إذا عدت أخاك في مرضه يجد لهذا قيمة كبيرة عظيمة لا يزال يتذكرها، فالعيادة -أعني عيادة المريض- من السنن المؤكدة، وفيها ثواب عظيم.
وقال بعض أهل العلماء: بل هي فرض على الكفاية؛ كتجهيز الميت، وأنه يجب على المسلمين أن يعودوا مرضاهم، فمن علم أن شخصًا ما مريض ولكنه لا يعاد وجب عليه أن يعوده، وهذا القول أصح، أي أن عيادة المرضى من فروض الكفاية، وأن الناس إذا علموا بمريض ولم يعيدوه أثموا، وإن قام به البعض سقط عن الباقين؛ لأنه ليس من الإسلام والإيمان في شيء أن يكون أخونا المسلم تتلفه الأمراض وتتقاذفه ونحن لا نعوده، أين الأخوة الإيمانية!
فلا بد من عيادة المريض، ثم إذا عيد المريض هل الأولى أن نبسط الكلام معه وأن نذكر الماضي والحاضر، أو أن نقتصر على السلام والدعاء ثم ننصرف؟ في هذا خلاف بين العلماء، والصحيح أن الخلاف قريب من اللفظي وأن المسألة تعود إلى ما تقتضيه الحال، فقد يكون المريض يرغب أن هذا الشخص يبقى عنده ويحدثه وهو يفرح به ويأنس به، فهذا نقول: الأفضل في حقك الإطالة حتى يطرأ على صاحبك الملل، وهناك شخص آخر مفارقته عي ومقاربته نار، مثل هذا لا ينبغي أن يجلس عند المريض ولا لحظة، ولولا أننا نحب أن يكتسب الأجر لقلنا: لا تعد المريض، هو في غنى عنك، وهذا التفصيل هو الصحيح؛ أن الإنسان ينظر إلى ما تقتضيه الحال.
ثم إن المريض أيضًا أحيانًا يكون متسع الصدر منشرحًا يحب الأنس ويحب الكلام، فهنا نطيل معه، أحيانًا يكون ضيق الصدر يتململ من أمراضه ويظهر على وجهه أنه يحب الانفراد، أو يحب أن يكون عنده أهله أو ما أشبه ذلك، فهنا نقول: نقتصر على أقل شيء.
إذن القول الراجح في المكث عند المريض أنه يختلف باختلاف الأحوال حسب ما تقتضيه الحال.
(1/2643)
________________________________________
ثالثًا: إذا عدنا المريض فهل نذكره بالتوبة والوصية إن كان يريد الوصية والخروج من المظالم وما أشبه ذلك أو ماذا؟
نقول أيضًا: ينبغي للإنسان أن ينظر حال المريض إذا كان يعرف من حال المريض أنه متهاون بمظالم الناس، متهاون بما أوجب الله عليه، فينبغي أن يذكره، ولكن على وجه لا يزعجه؛ لأن المريض قد ضعفت نفسه، كل شيء يفكر فيه، فلو قال له: يا فلان أوص، ما تدري متى يأتيك الموت، ماذا يقول المريض؟ ينزعج جدًّا، وهذا كامرأة أذكرها عادت مريضًا فقالت: الله يعافيه والله والدي أصابه مثل هذا ولا قعد إلا يومين. أيش هذا اللي إي نعم هل هذا زين يمكن يموت قبل اليومين علشان هذا الكلام، فلا ينبغي للإنسان أن يزعج المريض بأي شيء، لكن إذا كان يعرف أن المريض عنده تفريط، عنده مظالم للخلق، فإنه يذكره بوجه لطيف يحصل به المقصود.
مثلًا إذا علمنا أنه مدين مطلوب للناس يحسن أن نقول: إن كتابة الديون والإشهاد عليها حسن، والأمور بيد الله، والآجال عند الله، وما أشبه ذلك من الكلام الذي لا يزعجه.
رابعًا: هل يسأل المريض كيف يصلي وكيف يتطهر، أو نقول: إن هذا من باب التدخل فيما لا يعنيه؟
الذي نرى أنه إن كان المريض من ذوي العلم الذين يعرفون، فلا حاجة أن تذكره؛ لأنه سيحمل تذكيرك إياه على إساءة الظن به، وأما إذا كان من العامة الجُهال فهنا يحسن أن يبين له.
وأذكر لكم قصة وقعت علي، أنا عدت مريضًا فسألته عن حاله فقال: الحمد لله على كل حال، أنا لي نصف الشهر أجمع وأقصر، هذا يحتاج إلى تنبيه؛ لأنه يظن أن القصر مع الجمع، وأن من جمع قصر، مثل هذا إذا علمنا أنه رجل عامي لا بد نعلمه، نذكره.
ومن ذلك أيضًا أنه اشتهر عند العامة أن من لا يستطيع الإيماء في الركوع والسجود فإنه يومئ بأصبعه، هذا مشهور عند العامة، فينبغي أن نسأل حتى لا يقع في الخطأ.
البحث الخامس: التداوي: هل يؤمر المرضى بالتداوي، أو يؤمرون بعدم التداوي، أم في ذلك تفصيل؟
(1/2644)
________________________________________
من العلماء من قال: ترك التداوي أفضل، ولا ينبغي أن يتداوى الإنسان، واستدلوا لذلك بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما مرض وَلَدُّوه أمر بأن يُلَدَّ جميع من كان حاضرًا إلا العباس بن عبد المطلب (1)، قالوا: وهذا دليل على أنه كره ما فعلوا. واللدود: ما يُلَدُّ به المريض وهو نوع من الدواء.
واستدلوا أيضًا بأن أبا بكر رضي الله عنه لما مرض، وقيل له: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: إن الطبيب قد رآني فقال: إني أفعل ما أريد (2)، وأبو بكر هو خير الأمة بعد نبيها وهو قدوة وإمام.
ومن العلماء من قال: بل يُسنّ التداوي؛ لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك، ولأنه من الأسباب النافعة، ولأن الإنسان ولا سيما المؤمن المغتنم للأوقات كل ساعة تمر عليه تنفعه. ولأن المريض يكون ضيق النفس، لا يقوم بما ينبغي أن يقوم به من الطاعات، وإذا عافاه الله انشرح صدره وانبسطت نفسه، وقام بما ينبغي أن يقوم به من العبادات، فيكون الدواء إذن مرادًا لغيره فيسنّ.
وفصل بعض العلماء فقال: إذا كان الدواء مما علم أو غلب على الظن نفعه بحسب التجارب فهو أفضل، وإن كان من باب المخاطرة فتركه أفضل؛ لأنه إذا كان من باب المخاطرة فقد يحدث فيه رد فعل فيكون الإنسان هو الذي تسبب لنفسه بما يضره، ولا سيما الأدوية الحاضرة العقاقير التي قد تفعل فعلًا مباشرًا شديدًا على الإنسان بغلطة وصفة طبيب.
ومن العلماء من قال: إنه يجب التداوي إذا ظُن نفعه.
والصحيح: أنه يجب إذا كان في تركه هلاك، مثل: السرطان الموضعي، بإذن الله إذا قطع الموضع الذي فيه السرطان فإنه ينجو منه، لكن إذا ترك انتشر في البدن، وكانت النتيجة هي الهلاك، فهذا يكون دواء معلوم النفع؛ لأنه موضعي يقطع ويزول، وقد خَرَّبَ الخَضِرُ السفينةَ بخرقها لإنجاء جميعها لتنجو، فكذلك البدن إذا قطع بعضه من أجل نجاة باقيه كان ذلك سائغًا بل واجبًا.
(1/2645)
________________________________________
وهذا القول أقرب الأقوال: أن ما عُلم نفعه أو غلب على الظن مع احتمال الهلاك بعدمه، فهو واجب.
وأما ما غلب على الظن نفعه، ولكن ليس هناك هلاك محقق في تركه فهو أفضل.
وما تساوى فيه الأمران فتركه أفضل؛ لئلا يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة من حيث لا يشعر.
طالب: السلام عليكم يا شيخ، عدد مرات النداء، كم مرة ينادي؟
الشيخ: ينادي حسب ما يحصل به الإبلاغ، ولكن كما قلنا لكم: إن هذا الصحيح أنه ليس بسنة.
طالب: ( ... ).
الشيخ: ليس فيه حديث صحيح في هذه المسألة، لكن فيه آثار، مثل إذا رأى البرق قال: سبحان الله وبحمده؛ فإنه يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من قال حين يرى البرق: سبحان الله وبحمده لم تصبه صاعقة (3)، ومثل إذا سمع الرعد قال: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك (4) فإنه يؤثر عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، إذا علم المريض أن زيارتي لهذا المريض تؤذيه.
الشيخ: ما هو بالمريض، إنك تقول: إذا علم المريض.
طالب: إذا علم العائد.
الشيخ: نعم العائد.
طالب: يعني أنا كنت أريد صديقي جارنا ( ... ) وهذا المريض المعاد أنني إذا زرته ( ... ).
الشيخ: ( ... ) المريض.
طالب: إي نعم ( ... )
الشيخ: لا، إذا كنت تعلم أنه يتأذى لا تزره.
***
[ما يسن عند الاحتضار]
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى:
كتاب الجنائز
تُسَنُّ عيادة المريض وتذكيره التوبة والوصية. وإذا نزل به سن تعاهد بلِّ حلقه بماء أو شراب، وندي شفتيه بقطنة، ولقنه: لا إله إلا الله مرة، ولم يزد على ثلاث، إلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه برفق.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(1/2646)
________________________________________
يقول المؤلف رحمه الله: (كتاب الجنائز) وقد سبق لنا أظن شرح أول هذا الباب أليس كذلك؟
فالجنائز من حيث اللغة العربية؟
طالب: إذا كانت بالفتح معناها النعش.
الشيخ: جمع أيش؟
طالب: جمع جنازة.
الشيخ: بالفتح؟
طالب: إذا كانت بالفتح فهو الميت.
الشيخ: وبالكسر؟
طالب: إذا كان بالكسر فالمقصود به.
الشيخ: النعش.
طالب: النعش.
الشيخ: لماذا ذكر المؤلف الجنائز في هذا الباب أو في كتاب الصلاة؟
طالب: لأنه من الصلوات، الصلاة على الجنازة، فأدخل المؤلف هذا في كتاب الصلاة.
الشيخ: لأن الصلاة أهم ما يفعل بالميت وأنفع ما يكون له لأنه يدعى له.
حكم التداوي هل تركه أفضل أو فعله أفضل أو في ذلك تفصيل؟
طالب: اختلفوا إذا دعت الحاجة إليه، بل فعله أفضل.
الشيخ: وإن لم تدع الحاجة إليه ( ... ).
طالب: اختلف العلماء، منهم من قال: إن تركه أفضل ( ... )، ومنهم من قال: إنه يستحب ( ... ).
الشيخ: فعله أفضل.
طالب: فعله أفضل ( ... ) فقال ( ... ) شبه متيقن فيستحب له.
الشيخ: يعني إن غلب على ظنه الشفاء.
طالب: إن غلب على ظنه الشفاء يستحب له بل قد يجب.
الشيخ: بل قد يجب.
طالب: وإن كان ما يتيقن فالأفضل أن يتركه.
الشيخ: فالأفضل تركه، وهذا أقرب الأقوال.
التداوي بمحرم؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: يجوز. حرام؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما الدليل؟
طالب: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
الشيخ: عن التداوي بمحرم نعم، قال: «تَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» (5) ولعموم الأدلة في تحريم المحرم عامة ما فيها تفصيل، ولأنه لو كان فيه خير لم يمنع الله العباد منه، بل أحله لهم، تمام.
لو قيل لشخص: إن الذي يشفيك أن يضرب عندك بالدف.
طالب: ما يفعل هذا.
الشيخ: لا يفعل بالدف.
طالب: لأن الدف حرام.
الشيخ: الدف حرام، ما هو يجوز في بعض الأحيان؟
طالب: في وقت الزواج يجوز للنساء فقط.
الشيخ: إي نعم وقدوم الغائب.
طالب: لا.
الشيخ: أليس الرسول لما قدم أذن للمرأة أن تضرب بين يديه بالدف؟
(1/2647)
________________________________________
طالب: هذا ثابت عن الرسول.
الشيخ: إي نعم.
طالب: يكون في وقت الأعياد.
الشيخ: لا وفي وقت الأعياد ( ... ) فلهذا نقول: الدف أهون من غيره من آلات اللهو، لو ثبت هذا، لكن قد لا يثبت، وقد يكون بعض الناس يشفى بذلك.
هل يجوز التداوي ببول الغنم؟ ما هو طاهر؟
طالب: بول الإبل يجوز.
الشيخ: أنا أسأل عن بول الغنم.
طالب: ما أدري.
طالب آخر: ( ... ).
الشيخ: ( ... ) التداوي ببول الغنم.
طالب: المذهب ما يجوز إلا ببول الإبل فقط.
الشيخ: إي نعم.
طالب: والقول الثاني يجوز بكل ما يؤكل لحمه.
الشيخ: إي، والثالث لا يجوز ولو ببول الإبل؛ لأن من العلماء من يقول: إن البول نجس مطلقًا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنَ الْبَوْلِ» (6)، ولكن هذا قول ضعيف لأن في بعض ألفاظ: «فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ».
بول الإبل ثبت فيها السنة في قصة من؟
طالب: قصة العرنيين، أن رجال ( ... ) المدينة فأمرهم أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا وقتلوا .. (7).
الشيخ: آخر الحديث ما نبغيه للحاجة.
هذا يدل على؟
طالب: على جواز التداوي بأبوال الإبل.
الشيخ: وقياس ذلك أيضًا لو ثبت أن في أبوال الغنم فائدة فإنه لا فرق، العبرة بالمنفعة.
تعرض المؤلف رحمه الله لمسألة مهمة، الشرح، قال: (ويكره أن يستطب مسلم ذميًّا لغير ضرورة، وأن يأخذ منه دواء لم يبيّن له مفرداته المباحة). يعني معنى كلام المؤلف يقول: يكره أن تذهب إلى ذمي، يعني: يهودي أو نصراني، عقدنا له الذمة لتتداوى عنده؛ لأنه غير مأمون، وإذا كان هكذا فجعل هؤلاء مدراء على أطباء مسلمين من باب أولى؛ لأن المدير له كلمته، وربما يوجه إلى شيء محرم، أو إلى شيء يضر بالمسلمين، ولهذا نقول: إن استطباب غير المسلمين لا يجوز إلا بشرطين:
الشرط الأول: الحاجة إليهم.
(1/2648)
________________________________________
والشرط الثاني: الأمن من مكرهم؛ لأن غير المسلمين لا تأمن مكرهم إلا في النادر، ولا سيما في قضية الولادة، التوليد؛ لأن هؤلاء النصارى في التوليد يحرصون على أن يقتلوا الأطفال، أطفال المسلمين، أو أن يمزعوا أيديهم عند إخراج الطفل في التوليد؛ كما نقل لي بعض الناس، فلذلك يجب التحرز منهم وسؤال الله عز وجل أن يرزقنا الاستغناء عنهم؛ لأنهم أعداء، هم من أعداء المسلمين، فإذا احتاج الإنسان إليه وأمن منه فلا بأس، فإن النبي عليه الصلاة والسلام استعمل دليلًا مشركًا يدله على الطريق من مكة إلى المدينة وقت الهجرة (8)، مع أن هذا من أخطر ما يكون، فإن قريشًا كانوا يطلبون النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر، ومع هذا لما أمنه النبي عليه الصلاة والسلام جعله دليلًا له.
ثم قال المؤلف: (وتُسَنُّ عيادة المريض) والسنة عند الفقهاء: ما أثيب فاعله ولم يعاقب تاركه. فهي من الأمور المرغب فيها، وليست من الأمور الواجبة.
وقول المؤلف: (عيادة المريض) ولم يقل: زيارة؛ لأن الزيارة للصحيح، والعيادة للمريض، وكأنه اختير لفظ العيادة للمريض من أجل أن يكرر؛ لأنها مأخوذة من العود، وهي: الرجوع للشيء مرة بعد أخرى، والمرض قد يطول فيحتاج الإنسان إلى تكرار العيادة.
وقول المؤلف: (عيادة المريض) (أل) هنا للجنس، يعني: من أصابه جنس المرض، وهي أيضًا باعتبار المريض عامة، فعندنا الآن باعتبار المرض هي للجنس، وباعتبار المريض الذي أصابه المرض هي للعموم؛ لأنها اسم محلى بـ (أل)، والاسم المحلى بـ (أل) يفيد العموم، على أن بعض النحويين الذين يتعمقون في البحث في النحو يقولون: إن (أل) اسم موصول؛ لأنه إذا كان اسم الفاعل مقرونًا بـ (أل) أو اسم المفعول فإن (أل) عندهم بمعنى اسم الموصول.
إذن عندنا عمومان:
الأول: المرض؛ لأن (أل) للجنس.
والثاني: المصاب بالمرض.
(1/2649)
________________________________________
هل المراد ذلك؟ نقول: لا، ليس المراد ذلك؛ لأن المراد بالمريض مرضًا يحبسه عن الخروج مع الناس، فأما إذا كان لا يحبسه فإنه لا يحتاج إلى عيادة؛ لأنه يشهد الناس ويشهدونه، إلا إذا علم أن هذا الرجل يأتي أو يخرج إلى السوق أو إلى المسجد بمشقة شديدة، ولم يصادفه حين خروجه، وأنه بعد ذلك يبقى في بيته، فهنا نقول: عيادته مشروعة.
المرض بالزكام هل يدخل في هذا؟ الزكام مرض لا شك، فإن حبس الإنسان دخل في هذا، وإن لم يحبسه كما هو الغالب والكثير فإنه لا يحتاج إلى عيادة.
المريض بوجع الضرس يعاد؟
طالب: ( ... ) القاعدة.
الشيخ: تنسحب عليه القاعدة إن انحبس في بيته عدناه، وإن خرج وصار مع الناس لا نعوده، لكن لا مانع أن نسأل عن حاله إذا علمنا أنه مصاب بمرض الضرس.
المريض بوجع العين كذلك ينسحب عليه الحكم، إذا كان مرضه قد حبسه فإنه يعاد، وإن كان يخرج مع الناس ويمشي مع الناس فإنه لا يعاد، لكن يسأل عن حاله.
المريض قلنا: إنه عام فهل يشمل الكافر والمسلم والبر والفاجر أو يختص بواحد من هؤلاء.
نقول: أما غير مسلم فلا يعاد، إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك بحيث نعوده لنعرض عليه الإسلام، فهنا تشرع عيادته إما وجوبًا وإما استحبابًا، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهوديًّا فعرض عليه الإسلام، وكان في سياق الموت، فنظر إلى أبيه كأنه يستشيره، فقال له أبوه: أطع محمدًا. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله (9)، فأسلم، فهذا الأب يقول: أطع محمدًا وهو لم يطع محمدًا، اللهم إلا كان فيما، بعد ما ندري عنه.
إذن عيادة غير المسلم ففيها تفصيل، إذا كان فيه مصلحة بحيث يرجى إسلامه فهذا طيب، بل قد يجب، وإن لم يكن في ذلك مصلحة فلا يعاد.
الفاجر من المسلمين، أعني الفاسق بكبيرة من الكبائر، أو صغيرة من الصغائر أصر عليها هل يعاد؟
(1/2650)
________________________________________
نقول: فيه هذا التفصيل أيضًا، إذا كنا نعوده من أجل أن نعرض عليه التوبة ونرجو منه التوبة، فعيادته مشروعة إما وجوبًا وإما استحبابًا، وإلا فإن الأفضل ألا نعوده، وقد يقال: بل عيادته مشروعة ما دام لم يخرج من وصف الإيمان أو الإسلام؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ» (10). وذكر منها عيادة المريض.
هل يشمل القريب والبعيد، يعني: القريب لك بصلة قرابة، أو مصاهرة، أو مصادقة، والبعيد، أو يختص بمن بينك وبينه صلة؟
الجواب: يعم؛ لأن هذا حق مسلم على مسلم، لا قريب على قريب، ولكن كلما كانت الصلة أقوى كانت العيادة أشد إلحاحًا وطلبًا، ومن المعلوم أنه إذا مرض أخوك الشقيق فليس كمرض ابن عمك البعيد، وكذلك إذا مرض من بينك وبينه مصاهرة يعني: صلة بالنكاح، فليس من ليس بينك وبينه مصاهرة، كذلك من بينك وبينه مصادقة ليس كمن ليس بينك وبينه مصادقة. على كل حال الحقوق هذه تختلف باختلاف الناس.
نرجع الآن إلى أصل الحكم، قول المؤلف: (تسنّ) ظاهره أنَّها سنة في حق جميع الناس، ولكن هذا ليس على إطلاقه؛ فإن عيادة المريض إذا تعينت برًّا أو صلة رحم صارت واجبة، لا من أجل المرض، ولكن من أجل القرابة، فهل يمكن أن نقول لشخص مرض أبوه: إن عيادة أبيك سنة، لا، نقول: واجبة؛ لأنها يتوقف عليها البر، أو إن عيادة أخيك المريض سنة، لا يتوقف عليها البر، فهذا يكون الوجوب ليس من أجل المرض، ولكن من أجل الصلة في القرابة.
(1/2651)
________________________________________
أما من لا يعد ترك عيادته عقوقًا أو قطيعة فإن المؤلف يقول: إنه سنة، ولكن الصحيح أنه واجب على الأقل، واجب كفائي، يعني يجب على المسلمين أن يعودوا مرضاهم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعلها من حق المسلم على المسلم، وليس من محاسن الإسلام أن يمرض الواحد منا ولا يعوده أحد، وكأنه مرِض في برية، فالصواب الذي تقتضيه النصوص أنه واجب ولكنه واجب كفائي، فلو علمنا أن هذا الرجل لا يعوده أحد فإنه يجب على من علم بحاله وقدر أن يعوده.
عيادةُ المريض مع كونها من أداء الحقوق على المسلم لأخيه ففيها جلب مودة وألفة لا يتصورها إلا من مرض ثم عاده إخوانه، فإنه يجد من المحبة لهؤلاء الذين عادوه شيئًا كثيرًا، تجده يتذوقها، ويتحدث بها كثيرًا، ففيها مع الأجر فيها أنها تثبت الألفة بين المسلمين.
قال المؤلف: (تسنّ عيادة المريض) لم يبيِّن المؤلف في أي وقت يعود المريض، ولم يبيّن هل يتحدث عنده ويتأخر في المقام، أو لا يتحدث ويعجل في الانصراف.
نقول: عدم ذكر ذلك أحسن؛ ففي الزمن نقول: ينظر إلى الزمن المناسب، قد يكون في الصباح أنسب، وقد يكون في المساء أنسب، وقد يكون في الضحى أنسب، حسب ما تقتضيه حال المريض ومصلحته، ولا نقيدها بأنها بكرة أو عشيًّا كما قيده بعض العلماء، بل نقول: هذه ترجع إلى أحوال الناس، وهي تختلف بحسب حال المريض، فإذا قدرنا أن المريض قد جعل له وقتًا يجلس فيه للناس فليس من المناسب أن نعوده في غير هذا الوقت؛ لأن تخصيصه لزمن يعوده فيه الناس يدل على أنه لا يرغب في غير هذا، وإلا لجعل الباب مفتوحًا.
المسألة الثانية قلنا: هل يتأخر عند المريض ويتحدث إليه، أو يعوده ثم ينصرف بسرعة؟ هذا أيضًا ينبغي ألا يقيد، وإن كان بعض العلماء يقول: الأفضل ألا تتأخر وأن تبادر بالانصراف؛ لأن المريض قد يثقل عليه ذلك، وكذلك أهل المريض ربما يثقل عليهم بقاؤك عنده؛ لأنهم يحبون أن يأتوا إلى مريضهم.
(1/2652)
________________________________________
ولكن الصحيح في هذه المسألة أنه يرجع أيضًا إلى ما تقتضيه الحال والمصلحة، قد يكون هذا المريض يحب من يعوده سواء كان محبة عامة أو محبة خاصة لشخص معين، ويرغب أن يبقى عنده، ويتحدث إليه، ولا سيما إذا استطعمك المريض، ورأيت أنه يحب أن تتحدث، مثل أن يسألك عن أحوال الناس مثلًا، أو عن أشياء يحب أن يطلع عليها، فهنا ينبغي لك أن أيش؟ أن تمكث عنده، أما إذا كان المريض علمت من حاله أنه لا يحب أن تبقى كثيرًا، مثل أن رأيته يتململ، وأن صدره ضائق أو سمعته يقرأ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] فهنا تخرج ولّا لا؟ تخرج ما تبقى؛ لأنك تعرف الآن أنه لا يريد أن تبقى عنده.
فعلى كل حال الصحيح في هذه المسألة النظر إلى الحال وما تقتضيه المصلحة، والناس يختلفون، لا المرضى ولا العائدون.
ولهذا أنا أرى أن إطلاق المؤلف رحمه الله هذا الإطلاق بدون تقييد بزمن ولا ببقاء أرى أنه من أحسن ما فعل رحمه الله.
يقول رحمه الله: (وتذكيره التوبة والوصية) يعني: ويسنّ أن يذكره التوبة وأن يذكره الوصية، التوبة يعني من المعاصي والمظالم، سواء كان ذلك فيما يتعلق بحق الله عز وجل، أو بحقوق العباد، ويؤكد على حقوق العباد، ويبيّن له أنه إن لم يقضها في الدنيا ويتب إلى الله منها في الدنيا، فسوف تؤخذ من حسناته يوم القيامة التي هو أحوج الناس إليها، وأيضًا يذكره بأن الورثة كثير منهم لا يخافون الله ولا يرحمون الميت، تجدهم يلعبون بالمال، والميت محبوس بدينه؛ تجده يقول: لا، ما نبيع العقار، العقار الآن فيه كساد، انتظر حتى ترتفع القيمة ثم نبيعه ونقضي دينه، وما أشبه ذلك، فيذكره مثل هذه الأمور من أجل أن يحرص على أداء المظالم قبل أن يموت.
(1/2653)
________________________________________
يذكره أيضًا الوصية، كيف الوصية؟ ليس المراد بالوصية ما يفهمه كثير من العامة أنها الوصية بالعشاء والضحية، عندنا هنا في نجد الوصية في العشاء والضحية، أكثر الوصايا: أوصى بثلث ماله أو بجزء منه يقدره بعشاء وضحية، ويستدلون بالحديث الضعيف: «اسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ فَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَطَايَاكُمْ» (11) يعني: اتخذوا ضحايا فارهة فإنها مطاياكم، فيقول: أنا أحب أن تكون لي مطية يوم القيامة، فأوصي بالأضحية.
ليس مراد العلماء هذا. أهم شيء الوصية بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق العباد، قد يكون عليه زكاة ما أداها، قد يكون عليه حج لم يؤده، قد يكون عليه كفارة، قد يكون عليه ديون للناس فيذكر بالوصية في هذا.
ويذكر أيضًا بالوصية التطوع، فيقال: لو أوصيت بشيء من مالك في وجوه الخير تنتفع به، وأحسن ما يوصي به للأقارب غير الوارثين؛ لأن الذي يترجّح عندي أن الوصية للأقارب غير الوارثين واجبة؛ لأن الله تعالى قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180]، فخص الوارث بآيات المواريث، ويبقى ما عداه على الأصل على الوجوب.
فالصحيح أن الآية محكمة لا منسوخة، وعلى هذا فيوصي بما شاء، يوصي بالخمس مثلًا، يقول: أنا أوصيت بالخمس، يعطي الوصي منه ما رأى لأقاربي غير الوارثين، والباقي في أعمال الخير، وإذا كان له أقارب غير وارثين فقراء فهم أحق بالخمس كله، هذه الوصية.
ولكن كلام المؤلف يدل على أنه يذكر بذلك، سواء كان المرض مَخُوفًا أو غير مخوف، وسواء ظننا أن المريض يرتاع بذلك أو لا؛ لأن بعض المرضى إذا قلت: تبْ إلى الله، استغفر الله، انظر للمظالم اللي عليك، أوصِ، تُدْني إليه الموت وربما يموت؛ لأنه ماذا يقول؟ يقول: هذا رأى فيّ الموت.
(1/2654)
________________________________________
وبعض الناس يكون عنده يقين ولا يهتم بهذا الشيء، يعرف أن الوصية لا تقرب الأجل ( ... ) متى تأخر ثم يقول له أيضًا يبين له مسألة هامة يهملها كثير من كتاب الوصايا فيقول له: قل، وهذه الوصية ناسخة لما سبقها ويؤرخها؛ لأننا وجدنا أن بعض الموصين يوصي بوصيتين: وصية سابقة فيها أشياء يطلب تنفيذها، ووصية لاحقة فيها أشياء يطلب تنفيذها، خلاف الأشياء الأولى، فيحصل بذلك تضارب وارتباك عند الأوصياء.
ولهذا ينبغي أن يقول كلما كتب وصية أن يقول: وهذه الوصية ناسخة لما سبقها؛ حتى لا يرتبك الوصي، وحتى لا يحصل تضارب بين الوصايا ويرتاح الإنسان، وهذه كلمة ما تضر.
وإن كان قد يقول قائل: العبرة بالوصية الأخيرة؛ لأن المتأخر ناسخ، لكن إذا أمكن الجمع فلا نسخ، وقد تكون ( ... ) في الأولى كثيرة وفي الثانية كثيرة ويمكن الجمع.
طالب: فك السحر عند طبيب يتعامل مع الجن، وهذا شيء مشاهد الآن ملموس، يأتي المسحور إلى طبيب يكون الشفاء على يد هذا الطبيب.
الشيخ: ما رأيكم أولًا في المعاملة مع الجن وأيش تقولون؟ يعني مثلًا لو كان الإنسان يعرف جنيًّا صالحًا حبيبًا يأتي إليه ويدرس عليه ويتعلم منه ويخدمه فيه شيء؟
طالب: ابن تيمية قال: يجوز؛ لأن فيهم من الجن صالحين.
(1/2655)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، وهو كذلك في القرآن: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11] {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} [الجن: 14]، فإذا كان شيخ الإسلام -رحمه الله- فصّل قال: إذا كان يستعين بالجن على وجه ليس بطريق محرم، ولا على فعل محرم، فلا بأس به، ومنعه بعض العلماء مطلقًا وقال: لا يمكن أن يستعين الإنسي بالجن؛ لأن الله يقول في سورة الأنعام: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 128] وقال: إن المعاونة نوع من الاستمتاع، ولكن لا دلالة في الآية؛ لأنك إذا قرأت ما بعدها عرفت أن هذا الاستمتاع مبني على الظلم، ولهذا قال: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129].
فإذا كان هذا الانتفاع ليس مبنيًّا على ظلم، وليس فيه ظلم لأحد، فما قاله شيخ الإسلام رحمه الله متوجه. أنا يعني حسب ما اشتهر عند الناس أن من الناس من له أصحاب من الجن يحدثونه بالأشياء التي لا يعلمها، وهذا ليس من علم الغيب، علم الغيب هو ادعاء علم المستقبل، هذا هو الذي لا يجوز أن يصدق به، أما شيء حصل فهو غيب نسبي، غيب على من؟ على من لم يره أو لم يسمعه، أما من رآه أو سمعه فليس غيبًا.
طالب: يتعامل مع جن مشركين يعينهم أقول: هذا يأتي مثلًا إلى هذا ( ... ) اللي يتعامل مع جن مشركين وهو أصلًا مشرك، أصلًا ما وصل إلى المرتبة إلا بعد أن أشرك.
الشيخ: اللي هو الإنسي.
طالب: أيوه الإنسي.
الشيخ: لا، هذا ما يجوز، ما فيه إشكال.
(1/2656)
________________________________________
طالب: لكن إذا قالوا يا شيخ: إنه يحسن ( ... ) وفيه ناس الآن ما عندهم أخلاق وطيبون. ( ... ).
الشيخ: لكن هذا إعانة على شركهم، معناه أننا أغريناهم بهذا.
طالب: ولو استدل بحديث ( ... ).
الشيخ: ( ... ) وأيش قال الرسول؟ قال: هي من عمل الشيطان.
طالب: ( ... ) عند اليهود والنصارى دخول الآن اليهود والنصارى، لو قال قائل: وجودهم الآن في الجزيرة غير شرعي مخالف للنص.
الشيخ: وجِّهها للمسؤولين.
طالب: لكن ماذا نقول يا شيخ.
الشيخ: ما بعد استفتينا حتى نقول.
طالب: لكن نقول الآن: وجودهم الآن غير شرعي.
الشيخ: وجه هذا للمسؤولين.
طالب: شيخ، عيادة المسجون واجبة إذا كان مريضًا ولَّا.
الشيخ: وأيش تقولون فيه؟
طالب: وقت الزيارة.
الشيخ: لكن هل يلزم منها عيادة ولَّا زيارة هو صحيح.
طالب: ( ... ) يعني إذا قلنا: عيادة.
الشيخ: ( ... ) قلنا: زيارة.
طالب: مريض مسجون.
الشيخ: أو مريض مسجون.
طالب: لا ( ... ).
الشيخ: المهم ( ... ) هذه تعتبر زيارة ولا بأس.
( ... ) عيادته سنة ولّا لا، إحنا نقول: هذه زيارة، وهي أيضًا فيها مصلحة، ربما تعرض عليه أن يقلع عما كان يفعله ويصير به خير.
طالب: العيادة بالهاتف يا شيخ إذا كان العائد كفيفًا لا يرى هل يكفيه التليفون يتصل ما يرى المريض حتى ينظر بحاله.
الشيخ: وأيش تقولون يا جماعة؟ العيادة بالهاتف هل تجزئ عن العيادة بالقدم.
طالب: لا.
الشيخ: ما تجزئ حقيقة، ولهذا تجد مثلًا إذا صار قريبًا له يقول: هذا ما تنزل، ما جاء يعودني، وإنما كلمني بالهاتف.
طالب: إذا صار بعيدًا في بلد ثان.
الشيخ: لا، إذا صار بعيدًا يحتاج إلى سفر صعب.
طالب: ( ... ) بالجن بأن شرعنا لم يرد بخلافه ( ... ).
(1/2657)
________________________________________
الشيخ: وأيش تقولون في هذا؟ يقول: هل يستدل بقصة سليمان على جواز استخدام الجن؛ لأن سليمان قد سخر له الجن {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} [ص: 37، 38] والعفريت من الجن قال: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} [النمل: 39] يعني بعرش بلقيس {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ}؛ لأنه لم يرد شرعنا بخلافه، قد يقال: إن هذا خاص بسليمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشيطان الذي تفلت عليه: «لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ لَأَمْسَكْتُهُ وَرَبَطْتُهُ بِسَارِيَةِ الْمَسْجِدِ» (12)، لكن على كل حال الأصل عدم المنع، ما دام هؤلاء مسلمين ولم يتوصل إلى استخدامهم بمحرم، ولا استعنا بهم على محرم فلا تجد في هذا محظورًا، اللهم إلا أن يقال: إنه يخشى من فتح الباب فيمنع لهذا السبب، فنحن لا نقول: حرام، بل نقول: يمنع، وفرق بين قولنا: حرام وبين قولنا: يمنع.
طالب: ( ... ).
***
طالب: ( ... ) نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين، قال المصنف رحمه الله تعالى:
كتاب الجنائز
تسن عيادة المريض وتذكيره التوبة والوصية، وإذا نُزِل به سن تعاهد ببل حلقه بماء أو شراب، وتندي شفتيه بقطنة وتلقينه: لا إله إلا الله مرة، ولم يزد على ثلاث، إلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه برفق، ويقرأ عنده يس، ويوجهه إلى القبلة، فإذا مات سن تغميضه وشد لحييه وتليين مفاصله وخلع ثيابه وستره بثوب.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: (كتاب الجنائز)، وذكرنا أن الجنائز جمع؟
طالب: جنازة.
الشيخ: نعم جمع جَنازة أو جِنازة بالفتح أو بالكسر.
طالب: بالفتح.
الشيخ: بالفتح مطلقًا.
طالب: إذا قلنا ( ... ).
الشيخ: النعش.
طالب: جِنازة.
الشيخ: بالكسر، وهو صالح لهذا وهذا.
إذن الجنائز جمع جنازة بفتح الجيم للميت، وبكسرها للنعش الذي يحمل عليه الميت.
(1/2658)
________________________________________
ما هي المناسبة في أنه ذكر هذا الباب في كتاب الصلاة أو في آخر كتاب الصلاة؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لأن أهم ما يفعل بالميت الصلاة عليه، فلهذا ذكرت في كتاب الصلاة دون الوصايا والمواريث
حكم التداوي.
طالب: حكم التداوي، اختلف أهل العلم في حكم التداوي على عدة أقوال: القول الأول قالوا: الأفضل ترك التداوي، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما مرض ولُدّ من حوله إلا العباس (1)، وقول أبي بكر الصديق عندما قالوا: تداو. قال: تداويت، ألا ندعو لك الطبيب، قال: لقد اطلع علي الطبيب، قالوا: ماذا قال؟ قال: إني فعال لما أريد (2). وقال بعض أهل العلم: إن التداوي ( ... ) أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه من الأسباب النافعة التي تقوي الإنسان على فعل الطاعات، وقال بعض أهل العلم؛ فصل في ذلك؛ قال: إن الواجب إذا غلب على الظن أن ترك التداوي يهلك الإنسان ففعله واجب، وإذا كان فيه من باب المخاطرة فتركه أفضل، والصحيح أنه إذا كان يؤدي بالإنسان إلى التهلكة ففعله واجب، وكذلك إذا غلب على الظن أن تركه يؤدي إلى تهلكة ففعله واجب، هذا الصحيح.
الشيخ: من صححه؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: هل قلنا هذا؟
طالب: لا.
طالب: الصحيح قلت: إذا كان.
الشيخ: إن ظن نفعه فهو أفضل.
طالب: نعم وإذا كان يؤدي إلى تهلكة كالسرطان الموضعي ففعله واجب.
الشيخ: إذا كان تركه يؤدي إلى الهلاك قطعًا وفعله يؤدي إلى السلامة لا بد من هذا.
طالب: كالسرطان الموضعي.
الشيخ: هل يجوز التداوي بمحرم؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا يجوز.
طالب: ( ... ) «تَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا» ( ... ).
الشيخ: «وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» (5) طيب التعليل؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لو كان فيه منفعة لما حرم صح.
ما رأيك بمن يقول بجواز التداوي بآلات الموسيقى؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، يقولون: فيها راحة للنفس، تسلية على الواحد، لا سيما الموسيقى الهادئة.
طالب: ( ... ) الشياطين.
الشيخ: هم الآن يفعلونها.
(1/2659)
________________________________________
طالب: إن كان ( ... ) حلال وحرام ( ... ) وإن كان ( ... ) فلا يجوز التداوي بها.
الشيخ: يعني إذن يفصل إن كان المريض كافرًا فلا بأس.
طالب: إي نعم.
الشيخ: وإن كان مسلمًا.
طالب: ما يجوز ( ... ) المؤمن ( ... ) ولا تزيده إلا ( ... ).
الشيخ: وأيش تقول؟
طالب: هؤلاء يصدق عليهم قول الله: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ} [الزمر: 45].
الشيخ: اصبر، ما بعد وصلنا، ماذا يصدق عليهم، ماذا تقول في شخص يقول: إننا سنداوي هذا المريض بصوت الموسيقى الهادئة؟
طالب: نقول يا شيخ: هذه.
الشيخ: هذه حرام ولّا لا؟
طالب: حرام.
الشيخ: حرام، هل يشملها قول العلماء: يحرم التداوي بالحرام؟
طالب: يشملها.
الشيخ: يشملها، وأيضًا يشملها الحديث: «لَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ»، صحيح، ولا يمكن أن ينشرح الصدر ويطمئن القلب بهذا إلا وفيه مرض لا شك؛ لأن القلب السليم لا بد أن ينفر من هذا ولا يزيده هذا إلا مرضًا وبلاء.
عيادة المريض ما حكمها على ما يراه المؤلف؟
طالب: سنة.
الشيخ: سنة، وما حكم السنة لدى الفقهاء؟
طالب: يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.
الشيخ: نعم صح طيب هل هناك قول آخر؟
طالب: ليس في كل حال ( ... ).
الشيخ: هذا شيء آخر إذا كان يعني إذا كان يترتب على تركها العقوق صارت واجبة لكن نحن نريد العيادة من حيث هي.
طالب: ( ... ).
الشيخ: فيها قول آخر أنها فرض.
طالب: كفاية.
الشيخ: كفاية، وهذا القول هو الراجح طيب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام جعلها من حقوق المسلم على المسلم، ولا يمكن أن يفرط به.
هل كل مريض يعاد؟
طالب: ليس كل مريض يعاد.
الشيخ: من الذي يعاد؟
طالب: يعاد الذي ( ... ).
الشيخ: من الموت.
طالب: من الموت أو ..
الشيخ: معناه أنه ما يعاد إلا إذا صار مريضًا ( ... ).
طالب: ( ... ).
الشيخ: أعطنا قاعدة.
طالب: الذي يعاد المسلم.
الشيخ: صح، المسلم أو الذمي إذا رجي إسلامه هذا باعتبار الشخص، لكن باعتبار المرض هل يعاد الإنسان من كل مرض؟
(1/2660)
________________________________________
طالب: لا، المرض الذي يحبسه عن الخروج.
الشيخ: أحسنت، هذه القاعدة المرض الذي يحبسه عن الخروج، أما الذي يخرج فلا يحتاج يعاد؛ لأنه هو بارز للناس.
هل كلام المؤلف تسن عيادة المريض يتضمن أن يعوده صباحًا ومساء، أو في هذا تفصيل؟
طالب: لا، مرة واحدة.
الشيخ: مرة واحدة في الشهر.
طالب: مرة واحدة ( ... ).
الشيخ: في الشهر.
طالب: ( ... ).
الشيخ: يعني لو يبقى سنة ما نعوده إلا مرة واحدة.
طالب: حسب ما تقتضيه حال المريض بالنسبة للعيادة.
الشيخ: حسب ما تقتضيه حال المريض وحسب ما تقتضيه الحال مطلقًا إذا كان قريبًا لك ليس كالبعيد، واضح إذن بحسب الحال.
يرى بعض العلماء أن العيادة مشروعة غبًّا، فما رأيك هل نجعل هذا مستقرًّا بمعنى أن نقول: تعوده غبًّا، يعني يوم تعود ويوم لا تعود؟
طالب: ( ... ) لمصلحة المريض إذا كان يأنس ( ... ).
الشيخ: إذن المرجع في هذا إلى ما تقتضيه المصلحة وحال المريض تمام.
هل ينبغي أن يخبر المريض بحاله أو ينفس له في الأجل؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا ينبغي أن يخبر بحاله لأنه؟
طالب: ( ... )
الشيخ: وأيش المضرة؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لأنه ربما يلحقه الخوف فيزداد المرض عليه. توافقون على هذا أنه لا يخبر بحاله بل يقال: ما شاء الله أنت اليوم طيب والمرض هذا خفيف.
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما هو التفصيل؟
طالب: أن ينظر في حال المريض إن كان قوي التوكل على الله عز وجل قوي ( ... ) هذا يخبر بحاله حتى يستعد ( ... )، وأما إن كان ضعيف الإيمان أو يخشى عليه إن أخبر جزع ( ... ) وخاف فهذا ( ... ).
الشيخ: إذن بحسب الحال صحيح ولا ينبغي أن يروع المريض فيقال مثلًا: والله هذا المرض أصاب فلانًا ولا ( ... ) إلا خمسة أيام ومات لو تقول له هذا الكلام لحسب الأيام، ولهذا بعض الإخوان يجتهد فإذا جاء المريض وعاده يخبره بكل شيء فيروعه، وهذا ينبغي كما قال الأخ ينظر للمصلحة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ويسن تذكيره التوبة والوصية).
(1/2661)
________________________________________
ما هي التوبة؟ تعريفها العام؟
طالب: الإقلاع عن المعاصي.
الشيخ: الرجوع من معصية الله إلى طاعته.
الطالب: تنقسم إلى قسمين بحق الله سبحانه وتعالى وبحق العباد.
الشيخ: من حق الله ومن حق العباد هذه لا شك أن هذا صحيح، لكن ما أظن قصدنا هذا،
التوبة لها شروط؟
طالب: خمسة.
الشيخ: شروطها خمسة، ما هي؟
طالب: أولًا: الإخلاص لله.
الشيخ: الإخلاص لله.
طالب: والإقلاع عن المعصية.
الشيخ: لا يسبق الإقلاع شيء؟
طالب: والعزم.
الشيخ: يسبقه شيء، الندم.
طالب: الندم، والإقلاع، والعزم على ألا يعود، في وقت قبول التوبة.
الشيخ: تكون التوبة في وقت قبول التوبة، هذه خمسة شروط.
لو قال قائل: الندم انفعال، والانفعال ليس فعلًا، فكيف نقول: لا بد من الندم؛ لأن الإنسان ما يستطيع أن يأتي بالانفعال.
طالب: ( ... ) «النَّدَمُ -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- تَوْبَةٌ» (13)، لا يشترط أن يكون انفعالًا.
الشيخ: ( ... ) الندم انفعال في النفس، ما هو بفعل جوارح ولا قول لسان مثل الغضب تمامًا، هل يمكن تغضب بدون سبب؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: قلنا: يعرف الندم بلازمه، بأن يتمنى أنه لم يفعل هذا الشيء.
ما تقول في رجل قال: إنه تائب من الغيبة، ولكنه متى سنحت له الفرصة اغتاب الناس؟
طالب: ( ... ) إذا كان تاب ورجع من الغيبة.
الشيخ: لا، هو تاب يعني لأنه ما وجد أحدًا يتحدث إليه.
طالب: هذه ليست توبة.
الشيخ: وأيش اللي اختل من الشروط؟
طالب: أنه لم يعزم على الرجوع ( ... ).
الشيخ: رجل ( ... ) ما هي التوبة؟
يقول المؤلف رحمه الله: (وَإِذَا نُزِلَ بِهِ سُنَّ تَعَاهُدُ بَلِّ حَلْقِهِ) إلى آخره.
(1/2662)
________________________________________
(إذا نزل به)، أي: نزل به الملك لقبض روحه، والملك الذي يقبض الروح هو ملك واحد يسمى ملك الموت؛ لقوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11]، وتسميته عزرائيل لم تثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، إنما هي من أخبار بني إسرائيل، ولم يثبت من أسماء الملائكة إلا خمسة أسماء، وهي: جبرائيل، ميكائيل، إسرافيل، مالك، ورضوان، هذا الذي نعرفه.
طالب: حيزوم.
الشيخ: حيزوم ما هو من الملائكة اللي يباشرون أعمال العباد، ولا خنزب أيضًا من أسماء الشياطين،
فهذه الأسماء الثابتة فيمن يتولون أعمال العباد، وأما منكر ونكير اللذان يسألان الميت في قبره، فقد أنكرهما كثير من أهل العلم، ولكنه وردت فيهما آثار.
المهم أن ملك الموت لا يسمى بعزرائيل؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذه من الأمور الغيبية التي يتوقف إثباتها أو نفيها على ما ورد به الشرع.
(1/2663)
________________________________________
ثم إن ملك الموت له أعوان يعينونه على إخراج الروح من الجسد حتى يوصلوها إلى الحلقوم، فإذا أوصلوها إلى الحلقوم قبضها ملك الموت، وقد أضاف الله تعالى الوفاة إلى نفسه، وإلى رسله، أي: الملائكة، وإلى ملك واحد، فقال الله سبحانه وتعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42]، وأضافها إلى ملك واحد في قوله: {قُلْ يَتَوفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11]، وإلى الملائكة في قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 61]، ولا معارضة بين هذه الآيات، فأضاف الله تعالى ذلك إلى نفسه؛ لأنه واقع بأمره، وأضافه إلى الملائكة {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}؛ لأنهم أعوان لملك الموت، يخرجون الروح إلى الحلقوم، وأضاف الوفاة إلى ملك الموت لأنه هو الذي يتولى قبضها من البدن، فإذا نزل به، يعني نزل الملك لقبض روحه، يقول: (سُنَّ تعاهد بلّ حلقه بماء أو شراب)؛ لأن الشفة يابسة، والحلق ( ... ) تحتاج إلى تندية.
وقول المؤلف: (بماء أو شراب) الماء معروف، والشراب: ما سوى الماء، مثل العصير أو شبهه، المهم الشيء الذي يصل إلى حلقه فيبلّه.
(وتلقينه: لا إله إلا الله) يعني تعليمه إياها كما يلقن التلميذ.
وهل يقولها بلفظ الأمر فيقول: قل: لا إله إلا الله، أو يقولها بدون لفظ الأمر بأن يذكر الله عنده حتى يسمعه؟
ينبغي أن ينظر في هذا إلى حال المريض، فإن كان المريض قويًّا يتحمل، أو كان كافرًا فإنه يؤمر، يقال: قل: لا إله إلا الله، اختم حياتك بلا إله إلا الله، وما أشبه ذلك. وإن كان مسلمًا ضعيفًا فإنه لا يؤمر، وإنما يذكر الله عنده حتى يسمع فيتذكر، وهذا التفصيل مأخوذ من الأثر والنظر.
(1/2664)
________________________________________
أما الأثر فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمه أبا طالب عند وفاته أن يقول: لا إله إلا الله، قال: «يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» (14) لأنه إن قالها فهو كسب، وإن لم يقلها فهو كافر، يعني لو فرض أنه ضاق صدره بهذا الأمر ولم يقلها فهو باق على حاله لم يؤثر عليه شيئًا، أما إذا كان مسلمًا وهو ممن يتحمل فإن أمرنا إياه بها لا يؤثر عليه، وإن كان ضعيفًا فإن أمرناه إياه بها ربما يحصل منه رد فعل بحيث يضيق صدره، ويغضب فينكر، يقول: لا يشرع على صاحبه الذي عنده وهو في حال فِراق الدنيا، يأمره بعض الناس حتى في حال الحياة في غير حال الاحتضار إذا قلت له: قل: لا إله إلا الله، يا ابن الحلال قل: لا إله إلا الله، قال: ما أنا بقائل: لا إله إلا الله، إي نعم، فيه ناس عند الغضب يغضب حتى ينسى، فيقول: لا أقول: لا إله إلا الله، فما بالك بهذه الحال؟ فالصواب في هذه المسألة أن يقال: أما من كان كافرًا فإنه يؤمر بها؛ لأن المفسدة التي ( ... ) منها هي موجودة، إن قالها فهو غنم، وإن لم يقلها فلم نغرم شيئًا؛ لأن الرجل كان كافرًا، ودليله أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب أن يقول: لا إله إلا الله، أما إذا كان مسلمًا فينظر إلى الحال، إلى حال الشخص.
وقوله: (تلقينه: لا إله إلا الله) ولم يقل: محمد رسول الله؛ لأن هذا هو الذي ورد به الحديث: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» (15)، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ مِنَ الدُّنْيَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (16). فهي مفتاح الإسلام، أعني كلمة التوحيد، وما يأتي بعدها فهو من مكملاتها وفروعها.
(1/2665)
________________________________________
قال: (ولم يزد على ثلاث) يعني: لا يلقنه أكثر من ثلاث؛ لأنه لو زاد على ذلك ضجر؛ لأنه يقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ثم يسكت، لو كرر ربما يتضجر المريض؛ لأنه في حال صعبة ما يدركها إلا من كان على هذه الحال، يتضجر فيقول: أنا في حال وهذا يكرر علي لا إله إلا الله، فيتضجر، إنما يقولها ثلاثًا فقط؛ لأن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم غالبًا أنه إذا تكلم تكلم ثلاثًا، وإذا سلم سلم ثلاثًا، وإذا استأذن استأذن ثلاثًا، فالثلاث عدد معتبر في كثير من الأشياء.
قال: (إلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه برفق)، (إلا أن يتكلم بعده) من الفاعل؟ المريض المحتضَر، إذا تكلم بعد أن قال: لا إله إلا الله فإنه يعيد تلقينه، لكن برفق كالأول.
وقوله: (فيعيدُ) هل نقرؤها بالنصب أو بالرفع؟
طالب: بالرفع.
طالب آخر: بالنصب.
الشيخ: بالرفع على الاستئناف؛ لأنها لا تصلح للعطف، والاستئناف بالفاء كثير، ومنه قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ} [البقرة: 284] فالفاء هنا للاستئناف.
والمعنى يفسد فيما لو قلنا: (فيعيدَ) بالنصب عطفًا على (يتكلم)؛ يعني يكون المعنى إلا أن يتكلم فأن يعيد تلقينه، وهذا ليس بمقصود؛ المقصود: إلا أن يتكلم، فإذا تكلم أعاد تلقينه برفق أو يعيد تلقينه برفق.
(1/2666)
________________________________________
قال: (ويقرأ عنده يس) يقرأ القارئ عنده؛ عند المحتضَر سورة (يس)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقْرَؤُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس» (17)، وهذا الحديث مختلف فيه، وفيه مقال، ومن كان عنده هذا الحديث حسنًا أخذ به. وقوله عليه الصلاة والسلام: «اقْرَؤُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ» أي: على من كان في سياق الموت، وسمي ميتًا باعتبار ما يؤول إليه، وتسمية الشيء بما يؤول إليه وارد في اللغة العربية، ومنه قول الرائي ليوسف: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]، وهو ليس يعصر خمرًا، إنما يعصر عنبًا يكون خمرًا.
والقراءة عند المحتضر ذكر بعض العلماء أن من فائدتها -أعني قراءة (يس) - تسهيل خروج الروح؛ لأن فيها تشويقًا، مثل قوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} [يس: 26]، فيها تشويق، والتشويق للجنة يسهل خروج الروح، ولهذا إذا بُشّرت -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن تبشّر روحه بالجنة- إذا بشّرت بالجنة سهل عليها، أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، ففيها {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ}، وفيها: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ} [يس: 55، 56]، وفي آخرها إثبات قدرة الله عز وجل على إحياء الموتى، ففيها تشويق للسامع. ولكن هل يقرؤها سرًّا أو يقرؤها جهرًا، أو في ذلك تفصيل؟
(1/2667)
________________________________________
قوله: «اقْرَؤُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ» يقتضي أن تكون قراءتها جهرًا، ولا سيما إذا قلنا: إن العلة تشويق الميت إلى ما يسمعه في هذه السورة، ولكن إذا كان يخشى على المريض من الانزعاج، وأنه إذا سمع القارئ يقرأ سورة (يس) انزعج وقال: ما بالك أتراني في سياق الموت؟ فنقول: لا، إذا كان في شك من كون الإنسان في النزع فلا يرفع صوته بها، وإن كان جازمًا، والإنسان الذي يكثر حضور المحتضَرين يعرف أنه احتُضِر أو لا، كان عازمًا، جزم بأن الرجل الآن في سياق الموت فإنه يقرؤها بصوت مرتفع، ولا حرج في هذا؛ لأن الرجل يُحْتَضَر.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، على فرض أن الحديث ضعيف أقول ( ... ).
الشيخ: لا، إذا ضعف الحديث فلا تقرأ.
طالب: ( ... ).
الشيخ: والله أنا في شك من العلل اللي ذكروها فيها في هذا الحديث، في شك منها.
طالب: لو قال الكافر: يا شيخ عند الموت أشهد أن محمدًا رسول الله.
الشيخ: إي نعم هذا اختلف العلماء فيها رحمهم الله: هل إذا قال: أشهد أن محمدًا رسول الله يعتبر مسلمًا؛ لأن مقتضى الشهادة التزامه بأحكام الإسلام، ولكن ظاهر الأدلة أنه لا بد أن يقول: لا إله إلا الله.
طالب: ( ... ) يستدلون بقول النبي عليه الصلاة والسلام لما قال لليهودي: «تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ» قال أبوه له: أطع أبا القاسم (18)، فأطاعه فقال.
الشيخ: وعلى كل حال، من قال: إنها كافية استدل قال بأنها تستلزم شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة تستلزم هذا، يعني أول ما جاء به التوحيد.
طالب: الحديث الوارد في قول: لا إله إلا الله ( ... ) قال الإنسان ( ... ).
الشيخ: لا، طيب لكن كلامنا هل يقتصر على هذا أو لا بد من قول: أشهد أن محمدًا رسول الله، ولَّا لو جمع بهما نفس المريض هذا طيب.
(1/2668)
________________________________________
طالب: أحسن الله إليك، كيف يجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (19) ( ... ) قوله الله تعالى ( ... ) كيف يجمع بينهما؟
الشيخ: الجمع بينهما أنه يرجى ولا يجزم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لعمه: «كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ» (20) ولم يجزم.
طالب: ذكرت دليلًا من الأثر على ( ... ) غير واجب، ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمه أبا ( ... ).
الشيخ: لا، ذكرناها.
طالب: العلة يا شيخ؟
الشيخ: كيف قلنا: إنه إذا كان كافرًا فإنه يؤمر، وإذا كان مسلمًا فإنه لا يؤمر.
طالب: هذا.
الشيخ: لا، العلة النظر، النظر هو أنه قلنا: إذا كان كافرًا فلو فرض أنه رد عليك لم نخسر شيًئا؛ لأنه ما زال على كفره، لكن إذا كان مسلمًا وفرضنا أنه رد فصار خسارة عظيمة.
طالب: ( ... ) اقرؤوا يس على موتاكم هل هو صالح ( ... ).
الشيخ: إي نعم صالح ولهذا تقول: قرأت على المريض ( ... ) وإن لم يسمع.
طالب: ( ... ) بعد موته.
الشيخ: لا يصلح، يقول شيخ الإسلام: إن القراءة على الأموات بدعة.
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما هو صحيح.
طالب: ( ... ).
الشيخ: هو غير مقيد، لكن ما الفائدة من قراءتنا عليه وهو ميت؟
طالب: الرحمة.
الشيخ: لا، الرحمة ندعو له، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام من حضر الميت أمر له أن يدعو، قال: «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» (21).
طالب: إذا قال الميت: أشهد أن محمدًا رسول الله، هل يصلى عليه ويغسل ويكفن؟
الشيخ: هذا ينبني على اختلاف العلماء في هذه المسألة.
طالب: الصحيح؟
الشيخ: والله أنا أتردد في هذه المسألة؛ لأنه كونه يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله ولا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله ما يكفي، أين الإخلاص؟ أين التوحيد؟ النصراني يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، لكن ما يقول: إنه رسول للناس كافة.
الطالب: يعني يحكم عليه بالأصل الكفر؟
(1/2669)
________________________________________
الشيخ: إي نعم.
طالب: التفصيل ( ... ).
الشيخ: لا، ما يخالف، ما قال ما أراد الحكم لكن نقول: لا يقرب من الموسيقا إلا إنسان في قلبه مرض، في قلبه بلاء.
طالب: يجوز يا شيخ أن ( ... )؟
الشيخ: أبدًا، ولا يجوز ( ... ) قال: أعالجهم بشرب الخمر ( ... ) خمر.
طالب: قلت يا شيخ: إن تلقين لا إله لا إلا الله بحسب القوة هل هي القوة الإيمانية أو قوة المرض؟
الشيخ: لا، القوة الإيمانية، إذا علمنا أن الرجل هذا قوي الإيمان وأنه عنده يقين ليس كالإنسان الضعيف.
طالب: إن كان المحتضر يا شيخ ( ... ) الحديث الذي ورد في فضل قراءة يس على الميت لا تجوز ( ... ) والذي حضر يا شيخ يرى أن هذا الحديث صحيح، هل يقرأ عليه يا شيخ ولَّا لا؟
الشيخ: لا يقرأ عليه؛ لأنه لا يزيده إلا ضيق صدر.
طالب: لكن هو بالنسبة له يا شيخ.
الشيخ: إي، لكن بيقرؤها لمصلحة الميت المحتضر، فإذا كان لا يرى أنها مشروعة فإنك إذا قرأتها عليه لا تزيده إلا ضيق الصدر وغضبًا، يقول: أنا أرى أنها ما هي مشروعة، يروح يضادني ( ... ) هذه المسألة تحدٍّ لمشاعره.
ويُوَجِّهُه إلى القِبلةِ، فإذا ماتَ سُنَّ تَغميضُه وشَدُّ لَحْيَيْهِ وتَليينُ مَفَاصِلِهِ وخَلْعُ ثيابِه وسَتْرُه بثَوبٍ ووَضْعُ حَديدةٍ على بَطْنِه، ووَضْعُه على سَريرِ غُسْلِه مُتَوَجِّهًا مُنْحَدِرًا نحوَ رِجلَيْهِ وإسراعُ تَجهيزِه إن ماتَ غيرَ فَجأةٍ، وإنفاذُ وَصِيَّتِه، ويَجِبُ في قضاءِ دَيْنِه.
(فصلٌ)
(1/2670)
________________________________________
غُسلُ الْمَيِّتِ وتَكفينُه والصلاةُ عليه ودَفْنُه فَرْضُ كِفايةٍ، وأَوْلَى الناسِ بغُسْلِه وَصِيُّه ثم أَبوهُ ثم جَدُّه ثم الأَقْرَبُ فالأقرَبُ من عَصَبَاتِه ثم ذَوُو أرحامِه، وأُنْثَى وَصِيَّتُها ثم القُرْبَى فالْقُرْبَى من نِسائِها، ولكلٍّ من الزوجينِ غُسلُ صاحبِه، وكذا سَيِّدٌ مع سُرِّيَّتِه، ولرَجُلٍ وامرأةٍ غُسلُ مَن له دونَ سبعِ سنينَ فقطْ، وإنْ ماتَ رجلٌ بينَ نِسوةٍ أو عَكْسُه يُمِّمَتْ كخُنْثَى مُشْكِلٍ، ويَحْرُمُ أن يُغَسِّلَ مسلمٌ كافرًا أو يَدْفِنَه بل يُوارَى لعَدَمِ مَن يُوارِيهِ.
وإذا أَخَذَ في غُسلِه سَتَرَ عَورتَه وجَرَّدَه وسَتَرَه عن العُيونِ، ويُكْرَهُ لغيرِ مُعِينٍ في غُسْلِه حُضُورُه، ثم يَرفعُ رأسَه إلى قُرْبِ جُلوسِه ويَعْصِرُ بَطنَه بِرِفْقٍ ويُكْثِرُ صَبَّ الماءِ حينئذٍ ثم يَلُفُّ على يَدِه خِرْقَةً فيُنْجِيهِ، ولا يَحِلُّ مَسُّ عَورةِ مَن له سبعُ سنينَ، ويُسْتَحَبُّ أن لا يَمَسَّ سائرَه إلا بخِرْقَةٍ،
وبينهما أنه يرجى ولا يجزم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لعمه: «كَلِمَةٌ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ» (1) ولم يجزم.
طالب: ذكرت الدليل من الآثار على ( ... ).
الشيخ: اللي هي؟
طالب: تلقين الشهادة، ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر عمه أبا طالب وما ذكرت ( ... ).
الشيخ: لا، ذكرناها.
طالب: العلة يا شيخ؟
الشيخ: كيف قلنا: إنه إذا كان كافرًا فإنه يؤمر، وإذا كان مسلمًا فإنه لا يؤمر.
طالب: هذا ..
الشيخ: لا، العلة النظر، النظر هو أنا قلنا: إذا كان كافرًا فلو فرض أنه رد ذلك لم نخسر شيئًا؛ لأنه ما زال على كفره، لكن إذا كان مسلمًا وفرضنا أنه رد فصار خسارة عظيمة
طالب: ( ... ) اقرءوا يس على موتاكم هل هو صالح ( ... ).
الشيخ: إي نعم.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: صالح، ولهذا تقول: قرأت على المريض بالمعوذات مثلًا، وإن لم يسمع.
طالب: يصح أن يقرأ بعد موته؟
(1/2671)
________________________________________
الشيخ: لا يصح، يقول شيخ الإسلام: إن القراءة على الأموات بدعة.
طالب: يستدلون بهذا الحديث.
الشيخ: ما هو صحيح.
طالب: أن حديث مقيد.
الشيخ: هو غير مقيد، لكن ما الفائدة من قراءتنا عليه وهو ميت؟
طالب: الرحمة.
الشيخ: لا، الرحمة ندعو له، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام من حضر الميت أمر له أن يدعو، قال: «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» (2).
طالب: إذا قال الميت: أشهد أن محمدًا رسول الله، هل يصلى عليه ويغسل ويكفن؟
الشيخ: هذا ينبني على اختلاف العلماء في هذه المسألة.
طالب: الصحيح.
الشيخ: والله أنا أتردد في هذه المسألة؛ لأنه كونه يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله ولا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله ما يكفي، أين الإخلاص؟ أين التوحيد؟ النصراني يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، لكن ما يقول: إنه رسول للناس كافة.
طالب: يعني يحكم عليه بأصل الكفر؟
الشيخ: إي نعم.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، ما يخالف، ما قال: ما أراد إلا الحكم، لكن نقول: لا يقرب من الموسيقا، إلا إنسان في قلبه مرض في قلبه بلاء.
طالب: يجوز يا شيخ علاج الكافر بالموسيقا؟
الشيخ: أبدًا، ولا يجوز ( ... ) قال: أعالجهم بشرب الخمر ( ... ) شرب خمر.
طالب: قلتم يا شيخ بأن التوحيد ( ... ) لا إله إلا الله بحسب القوة، هل هي القوة الإيمانية أم قوة المرض؟
الشيخ: لا، القوة الإيمانية إذا علمنا أن الرجل هذا قوي الإيمان وأنه يعني عنده يقين ليس كالإنسان الضعيف.
طالب: الإنسان المحتضر يا شيخ من يرى أنه الحديث الذي ورد في فضل قراءة يس على الميت لا تجوز، وأنها لا تصح والذي حضر يا شيخ يرى أن هذا الحديث صحيح، فهل يقرأ عليه يا شيخ ولَّا؟
الشيخ: لا يقرأ عليه؛ لأنه لا يزيده إلا ضيق صدر.
طالب: لكن هو بالنسبة له يا شيخ ..
(1/2672)
________________________________________
الشيخ: إي لكن بيقرؤها لمصلحة الميت المحتضر، فإذا كان لا يرى أنها مشروعة فإنك إذا قرأتها عليه لا تزيده إلا ضيق الصدر وغضبًا، يقول: أنا أرى أنها ما هي مشروعة يروح يضادني ( ... ) هذه المسألة تحد لمشاعره.
طالب: أحسن الله إليك، إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ما ( ... ) الشهادة ..
الشيخ: ما يمنع هذا؛ لأن شهادة أن محمدًا رسول الله تابعة، ولهذا جعلها النبي عليه الصلاة والسلام مع شهادة أن لا إله إلا الله ركنًا واحدًا.
طالب: لكن ما يدل هذا، يعني في ظاهر الحديث ..
الشيخ: ما يمنع، نحن نقول: إذا قال: لا إله إلا الله كفى، لكن لو قال: إن محمدًا رسول الله ما يمنع أن يكون آخر كلامه لا إله إلا الله؛ لأن الشهادة بالرسالة من تمام الشهادة لله بالتوحيد.
طالب: جزاك الله خيرًا، ماذا قال المصنف رحمه الله: وإذا نزل به ملك الموت، ملك الموت ما يرى؟
الشيخ: إشكال، يقول: إذا نزل به، أي نزل الملك، والملك لا يرى، نقول: يعرف بالآثار.
طالب: ( ... ).
الشيخ: يعني حتى يتحقق
***
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ذكر المؤلف عدة مسائل فيما يكون عند المحتضر، منها؟
طالب: تعاهد بلّ حلقه بماء.
الشيخ: تعاهد بل حلقه بماء.
طالب: أو شراب.
الشيخ: أو شراب، ما هي العلة في ذلك؟
طالب: ليسهل عليه النطق بالشهادتين.
الشيخ: أحسنت. ثانيًا.
طالب: ( ... ).
الشيخ: قبلها شيء.
طالب: بل الشفتين بماء.
الشيخ: تندية الشفتين بماء، لكن هذا الماء يصب عليها صبًّا ولا أيش؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: هذا بل الحلق لكن تندية الشفتين يصب عليها؟
طالب: تبل قطنة.
الشيخ: نعم تبل بقطنة إي نعم؛ لأن الصب ما يفيد كما يفيد البلل. الثالث؟
طالب: تلقينه لا إله إلا الله.
الشيخ: تلقينه لا إله إلا الله، كيف التلقين؟
(1/2673)
________________________________________
طالب: إذا أحس الرجل إذا كان إيمانه قويًّا يؤمر إذا كان حاله ضعيفًا يذكر عنده ( ... ).
الشيخ: ثالثًا؟
طالب: إذا كان ( ... ).
الشيخ: يؤمر الثاني؟
طالب: الثاني إذا كان مسلمًا مريضًا فإنه ( ... )، وأما إن كان مسلمًا قوي الإيمان ( ... ).
الشيخ: فلا بأس ( ... ) تمام. ما هو الدليل على أن الكافر يؤمر؟
طالب: أمر عمه أبا طالب قال: قل ..
الشيخ: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمه أبا طالب فقال: «يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» (1)، تمام.
هل يكرر التلقين؟
طالب: يكرر التلقين في حالة إذا تكلم الميت فإنه يكرر عليه ( ... ).
الشيخ: أما إذا لم يتكلم؟
طالب: إذا لم يتكلم فيبقى على حاله.
الشيخ: لأنه يكون آخر كلامه؟
طالب: لا إله إلا الله.
الشيخ: لا إله إلا الله. هذه ثلاثة، الرابع؟
طالب: يقرأ عنده يس.
الشيخ: قراءة يس، كيف القراءة تكون جهرًا، وهل ينفث عليه فيها أو لا؟
طالب: اختلاف حال المريض.
الشيخ: النفث أولًا هل ينفث عليه فيها؟
طالب: ينفث على المريض؟
الشيخ: نعم.
طالب: لا، ما ورد ( ... ).
الشيخ: إي نعم، وأما الجهر بها فحسب؟
طالب: حال المريض.
الشيخ: حال المريض، نعم، وهذا بناء على أن الحديث من الأحاديث المقبولة، سواء كان صحيحًا أم حسنًا، أما إذا كان من الأحاديث الضعيفة فإنه لا يجوز العمل بالضعيف، وستجينا إن شاء الله الكلام فيها.
(1/2674)
________________________________________
قال المؤلف رحمه الله: (ويوجّهه إلى القبلة) يعني: يوجه من حضر الميت إلى القبلة، يعني: يجعل وجهه نحو القبلة، وهذا يقتضي أن يكون على جنبه إما الأيمن وإما الأيسر، حسب ما هو متيسر؛ المهم أن يكون وجهه إلى القبلة؛ وذلك لأن المجلس الذي يستقبل فيه الإنسان القبلة هو أفضل المجالس، كما يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «خَيْرُ مَجَالِسِكُمْ مَا اسْتَقْبَلْتُمْ بِهِ الْقِبْلَةَ» (3)، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْبَيْتُ الْحَرَامُ قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا» (4)، وهذا يشمل الميت المحتضر والميت بعد دفنه في القبر، وكلا الحديثين ضعيف، الأول «خَيْرُ مَجَالِسِكُمْ مَا اسْتَقْبَلْتُمْ بِهِ الْقِبْلَةَ»، والثاني أيضًا «الْكَعْبَةُ قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا»، لكن يشهد له ما أخرجه الحاكم والبيهقي عن أبي قتادة رضي الله عنه أن البراء بن معرور أوصى قبل موته أن يستقبل به القبلة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أَصَابَ الْفِطْرَةَ» (5)، فهذا يشهد للأحاديث السابقة، وإلا فإن الذي يظهر من عمل النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة أنهم لا يتقصدون أن يوجّه المحتضَر إلى القبلة.
ومن ذلك ما حصل للنبي صلّى الله عليه وسلّم عند موته، حيث مات في حجر عائشة رضي الله عنها (6)، ولم يُذْكر أنها استقبلت به القبلة، إنما هذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة ربما تصل إلى درجة ما من الحسن فتكون مقبولة.
يقول: (ويوجهه إلى القبلة، فإذا مات سنّ تغميضه) إذا مات يعني: إذا تحققنا موته، وقد مر علينا أن الإنسان إذا مات شخص بصره؛ انفتح يتبع روحه أين تذهب، إذا مات فإنه سوف يشخص بصره، فيسن تغميضه، ولذلك دليلان: أثري، ونظري:
(1/2675)
________________________________________
أما الأثري فهو ما كان من فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم بأبي سلمة، فإنه لما دخل على أبي سلمة ورأى بصره قد شخص قال: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ اتَّبَعَهُ الْبَصَرُ»، فسمعه من في البيت فضجوا، يعني علموا أن الرجل قد مات فضجوا، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»؛ لأنه من عادتهم في الجاهلية أنهم عند المصائب يدعون على أنفسهم بالشر، فيقولون: واثبوراه، وانقطاع ظهراه، وما أشبه ذلك من الكلمات المعروفة عندهم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأهل أبي سلمة: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»، وإِنَّ دعاءً تؤمِّن عليه الملائكة لحريٌّ بالإجابة، لا سيما في هذه الحال التي يكون فيها الإنسان مصابًا خاضعًا خاشعًا مفتقرًا إلى ربه، عارفًا بأنه لا ينجيه من هذه المصيبة إلا الله، فيكون حريًّا بالإجابة، ولهذا سُخِّرت الملائكة لتؤمِّن على دعائه.
(1/2676)
________________________________________
ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ» (7)، دعوات عظيمة خير من الدنيا وما فيها، دعا له بهذه الدعوات الخمس: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ» الأخيرة منها علمت، فإن الله تعالى خلفه في عقبه؛ حيث سخر نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يتزوج أم سلمة، ويكون أبناء أبي سلمة ربائب للنبي صلّى الله عليه وسلّم. فخلفه الله في عقبه، والذي علمناه علمناه، وما لم نعلمه من المغفرة، ورفع درجته في المهديين، والفسح له في قبره، وتنويره، فإننا نرجو أن يكون كذلك.
إذن يسن تغميض عينيه، هذا الدليل أثري أو نظري؟ دليل أثري.
أما الدليل النظري فهو أولًا لدفع تشويه الميت؛ لأنه إذا كان البصر شاخصًا ففيه تشويه، الذي ينظر إليه يجده مشوهًا، ففي تغميضه إزالة لتشويه وجهه.
قال العلماء: وفيه أيضًا حجب عن الهوام أن تصل إلى حدقة العين، ولكن هذا قد يكون تعليلًا بعيدًا؛ لأن الميت لن يبقى حتى تتسلط عليه الهوام، ولأنه سيأتي أنه يغطى، فالذباب وشبهه لن يصل إليه، لكن التعليل الذي ذكرناه هو الأولى، وهو: درء التشويه؛ لأن الميت سوف يغسل، سوف يكشف، فإذا كشف وقد حصل له هذا يكون مشوهًا، نعم ربما يتوجّه ما قاله بعض العلماء في منع الهوام من الوصول إلى الحدقة فيما إذا دفن في القبر؛ لأنه إذا بقي البصر منفتحًا ثم برد الميت لا يمكن أن ينضم، بعد هذا سيبقى منفتحًا إلى أن يشاء الله. إذن لدينا دليل أثري ونظري.
(1/2677)
________________________________________
وينبغي عند التغميض أن يدعو بما دعا به النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي سلمة، فيقول: اللهم اغفر لفلان، وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه، واخلفه في عقبه؛ كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيكون هنا سنّة فعلية وسنّة قولية، الفعلية هي تغميض العينين، والقولية هي هذا الدعاء.
يقول: (فإذا مات سنّ تغميضه، وَشَدُّ لِحْيَيْهِ وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ) لأن الآن كل ما سبق الستة التي ذكرناها فيما سبق قبل الموت الذي إذا مات فيه أشياء تسن، التغميض هو أول شيء (وشد لحييه) شدها يعني: ربطها، اللحيان: هما هذان العظمان اللذان هما منبت الأسنان، فيشدهما بحبل، أو بخيط، أو بلفافة؛ المهم أن يربطهما؛ لأنه إذا لم يربطهما فربما ينفتح الفم؛ لأنه ليس عند الإنسان شعور؛ ستلين اللحيان ثم تتدليان فينفتح الفم، فإذا شدهما وبرد الميت بقي هكذا مشدودًا.
وهذا ليس فيه دليل أثري فيما أعلم، لكن فيه دليلًا نظريًّا، وهو: درء تشويه الميت من وجه.
والثاني: حفظ باطنه من دخول الهوام عليه، ولو في القبر.
ثالثا: قال: (وتليين مفاصله) تليين المفاصل يعني أن يحاول كونها لينة، والمراد مفاصل اليدين والرجلين، وذلك بأن يرد الذراع إلى العضد، ثم العضد إلى الجنب، ثم يردهما، يعني يفتحهما هكذا، يقول هكذا وهكذا ثم ( ... ).
وكذلك مفاصل الرجلين: بأن يرد الساق إلى الفخذ، ثم الفخذ إلى البطن، ثم يردهما قبل أن يبرد؛ لأنه إذا برد بقي على ما هو عليه وصعب تغسيله، يكون مشتدًّا معصبًا، لكن إذا ليّنت المفاصل صارت لينة عند الغسل وعند التكفين وربط الكفن، فسهل على الغاسل والمكفن، هذا أيضًا لا أعلم فيه سنّة، لكن دليله أيش؟ نظري؛ لأن هذا فيه مصلحة، فتلين المفاصل، لكن يجب أن تليّن برفق، ما هو بشدة؛ ينزعها بشدة أو يردها بشدة؛ لأن الميت محل الرفق والرحمة، فيلينها برفق.
(1/2678)
________________________________________
رابعا قال: (وخلع ثيابه) خلع ثيابه، ودليل هذا أثري ونظري أيضًا: أما الأثري فهو قول الصحابة حين مات النبي صلّى الله عليه وسلّم: هل نجرد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما نجرد موتانا (8)، فينبغي أن تخلع ثيابه.
أما النظري فلأن الثياب لو بقيت لحمي الجسم، وأسرع إليه الفساد، فإذا جرّد من ثيابه صار أبرد له وأنفه، ويُسجَّى، يجرد من الثياب ويسجى كما سيأتي. هذا خلع الثياب.
ويجب أن يكون الخلع برفق، يجب برفق، خلافًا لما رأيناه من بعض الناس، تجده يعني ينزع الثياب بشدة، لا سيما في ثياب الشتاء إذا كان على الميت فنايل وشبهها تجده نسأل الله العافية ينزعها كما ينزع القصاب جلد الشاة، وهذا لا شك أنه خلاف الرحمة، خلاف الحنان، ويخشى أن يكون هذا الرجل قد نزعت الرحمة من قلبه، نسأل الله العافية.
تغميضه، شد لحييه، تليين مفاصله، خلع ثيابه، قال: (وستره بثوب) ستره أي الميت، بثوب يكون شاملًا للبدن كله.
ودليل ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حين توفي سُجي ببرد حِبَرة (9)، البُرد: ثوب يلتحف به يشمل كل الجسد، والحبرة: برود يمانية معروفة في ذلك العهد تأتي من اليمن، فسجي النبي صلى الله عليه وسلم ببرد حِبَرة لكنه صلّى الله عليه وسلّم لم يجرد من ثيابه، بل بقيت ثيابه عليه وستر بثوب.
قال: (ووضع حديدة على بطنه) يعني يسن أيضًا، وهذا السادس أن يوضع على بطنه حديدة أو نحوها من الأشياء الثقيلة توضع على بطن الميت.
واستدلوا لهذا بأثر فيه نظر، وبنظر فيه عِلة:
أما الأثر فذكروا عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ضعوا على بطنه شيئًا من حديد (10)، وهذا الأثر فيه نظر، ولا أظنه يثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه، والذي يظهر من حال الصحابة أنهم لا يفعلون ذلك.
وأما النظر الذي فيه عِلة فإنهم قالوا: لئلا ينتفخ البطن إذا وضع عليه حديدة أو نحوها من الأشياء الثقيلة لئلا ينتفخ.
(1/2679)
________________________________________
ولكن هل هذا يمنع الانتفاخ؟ لا أظنه يمنعه؛ لأن الانتفاخ إذا حصل يقطع الخيوط، فلا يغني شيئًا إذا انتفخ ارتفعت الحديدة، إلا إن كان بيحطون عليه حديدة وزن الجبل، هذا شيء ثان، أما إذا كانت حديدة يعني مألوفة فإنه إذا انتفخ سوف ترتفع، ثم إن المسافة ما هي كثيرة، المسافة ليست كثيرة؛ لأن السنة هي الإسراع بتجهيز الميت. في عصرنا الآن نستغني عن هذا، وهو أن يوضع في ثلاجة إذا احتيج إلى تأخير دفنه، وإذا وضع في الثلاجة فإنه لا ينتفخ؛ لأنه يبقى باردًا، فلا يحصل الانتفاخ في بطنه.
السابع قال: (ووضعه على سرير غسله) وضعه أي الميت على سرير غسله، يعني ينبغي أن يبادر برفعه عن الأرض؛ لئلا تأتيه الهوام، وكأن الفقهاء رحمهم الله في بيوتهم تكثر الهوام؛ لأنها ليست كبيوتنا الآن، بيوت نظيفة يبعد أن تجد فيها هوام، كان الناس في الأول بيوتهم يعني ما هي على هذه النظافة، الصارور كثير والخنفسة كثير، والأشياء الثانية كثيرة، ونحن أدركنا هذا، إذا دخلت المطبخ في الليل ما تسمع إلا وشيش الصوارير، نعم، رايح وجاي، فكأنهم فيما سبق إذا مات الميت يخشى عليه من هذه الهوام، فلهذا قالوا: ينبغي أن يبادر فيرفع على سرير الغسل.
والسرير معروف، السرير ما يجلس عليه، ويختلف سرير الغسل عند الناس، منهم من يكون السرير مختومًا يعني كله ألواح، ومنهم من يكون السرير غير مختوم، يعني عبارة عن أشياء من الخشب مصفوف بعضها إلى بعض مع الفتحات، كما هو موجود عندنا الآن، وهذا لا يضر، المهم أنه يكون على هذا السرير مرتفعًا عن الأرض.
قال المؤلف: (متوجهًا) إلى القبلة؛ لأن ذلك أفضل، ولا أعلم في هذا دليلًا من السنة خاصًّا في هذه المسألة.
(منحدرًا نحو رجليه) يعني أنه يكون رأسه أعلى من رجليه، لماذا؟ لسببين:
السبب الأول: لئلا ( ... ) الماء في السرير؛ وهذا لأن الأسرَّة كانت عندهم فيما سبق ألواحًا مختومة، أما السرير الذي عندنا فليس كذلك.
(1/2680)
________________________________________
والشيء الثاني: من أجل أن يسهل خروج ما كان مستعدًّا للخروج من بطنه؛ لأنه إذا كان مرتفعًا نازلًا نحو رجليه فالذي متهيئ للخروج يخرج.
كم هذه؟
طالب: سبعة.
الشيخ: سبعة نعم، وضعه على سرير غسله، هذه هي السابعة.
(متوجهًا، منحدرًا نحو رجليه) هذه صفة للوضع فلا نعدها مستقلة.
الثامن قال: (وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة)؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ؛ فَإِنَّ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» (11). وهذا حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه ظاهر فيما إذا كانت محمولة؛ لأن قوله: «فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ»، ظاهر في أن المراد بذلك الإسراع بها حين تشييعها، لكن نقول: إذا كان الإسراع في التشييع مطلوبًا مع ما فيه من المشقة على المشيعين، فالإسراع في التجهيز من باب أولى.
أما حديث: «لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» (12) فهو ضعيف، لكن ما استدللنا به يغني عنه.
قال: (إن مات غير فجأة) فإن مات فجأة فإنه لا يسن الإسراع بتجهيزه؛ لاحتمال أن تكون غشية، لا موتًا، والمسألة خطيرة؛ لأنه لو كانت غشية ثم جهزناه ودفناه، ولم تكن موتًا صار في ذلك قتل للنفس، فالواجب إذا مات فجأة أن ينتظر به.
وهذا الذي ذكره العلماء رحمهم الله قبل أن يتقدم الطب، أما الآن فإنه يمكن أن يحكم عليه مئة بالمئة أنه مات بسرعة؛ يعني يحكم عليه بسرعة أنه مات لأن لديهم وسائل قوية تدل على موت المريض، لكن إذا لم يكن هناك وسائل فإن الواجب الانتظار، فينتظر إن مات غير فجأة، إلى متى ننتظر إذا مات فجأة؟ إلى أن نتيقن موته.
(1/2681)
________________________________________
يقول المؤلف في الشرح: (يعلم موته بانخساف صدغيه، وميل أنفه، وانفصال كفيه، واسترخاء رجليه)، أربع علامات ذكر: انخساف الصدغ؛ الصدغ هذا ينخسف؛ لأن اللحيين تنطلق، إذا انطلقت صار هذا منخسفًا.
الثاني: يقول: (وميل أنفه)، إذا مات يميل الأنف؛ لأن الأنف مستقيم ما دامت الحياة في الإنسان، ثم إذا مات ارتخى ولان ومال.
قال المؤلف: (انفصال كفيه)، يعني عن ذراعه، تنطلق الكف عن الذراع، وتجدها مرتخية.
والرابع: (استرخاء رجليه)، تنفصل الرجل عن الكعب فترتخي وتميل.
هذه أربع علامات يعلم بها الموت، وهي علامات حسية بدون أدوات وبدون آلات، لكن الآن لدى الأطباء آلات تدل على الموت دون هذه العلامات.
يذكر أن رجلًا أصيب بغشية، فلما أصيب بغشية جهَّزوه وحملوه إلى المقبرة، فمروا برجل ذي خبرة، فقال لهم: ما هذا؟ قالوا: هذا جنازة نريد أن ندفنها، قال: لا، هذا لم يمت، نزلوه، فنزلوه، فأتى بسوط فجعل يضرب هذا الميت حتى تحرك فقالوا: ما الذي حملك على هذا؟ ما الذي أعلمك أولا أنه ليس يمت؟ قال: إن الميت تسترخي رجلاه، لا تنتصب، وهذا الذي أنتم حملتم رجلاه منتصبتان، وأما ضربي إياه بالسوط فلأن الضرب يحمي الجسم، وإذا حمي جسمه زالت عنه البرودة التي هي سبب الغشي، ثم حملوه راجعًا به إلى بيته.
فالمهم أن هذا شاهد على ما قاله الفقهاء رحمهم الله؛ أن من علامات الموت استرخاء الرجلين.
(1/2682)
________________________________________
إذن الثامن إسراع التجهيز بشرط أن يموت غير فجأة، فإن مات فجأة وجب الانتظار، وبهذا التقرير نعلم خطأ ما يفعله بعض الناس مما حدث أخيرًا أنهم يؤخرون الميت حتى يأتي أقاربه، أحيانًا يكون أقاربه خارج المملكة في أوربا أو غيرها، فينتظرون به يومًا، أو يومًا وليلة من أجل حضور الأقارب، وهذا في الحقيقة جناية على الميت، الميت إذا كان من أهل الخير فإنه يود أن يدفن سريعًا؛ لأنه يبشَّر بالجنة عند موته -نسأل الله أن يجعلنا منهم- وإذا خُرِجَ به من بيته تقول نفسه: قدموني قدموني، تحُثهم على أن يوصلوها إلى القبر، فإذا حبسناه عما أعد الله له من النعيم صار في هذا جناية عليه مع مخالفة السنة، أصبحت الآن الجنازة وكأنها حفل عرس ينتظر به القادم حتى يحضر، وهذا لا شك أنه خلاف السنة من وجه، وجناية على الميت من وجه آخر.
أما إذا أخر مثلًا لساعة أو ساعتين أو نحوهما من أجل كثرة الجمع فلا بأس بذلك، كما لو مات بأول النهار وأخرناه إلى الظهر ليحضر الناس، أو إلى صلاة الجمعة إذا كان في صباح الجمعة؛ ليكثر الناس عليه، فهذا لا بأس به؛ لأنه تأخير يسير لمصلحة، مصلحة من مصلحة الميت، فلا بأس به.
فإن قال قائل: كيف نجيب عن فعل الصحابة رضي الله عنهم، حيث لم يدفنوا النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء، مع أنه توفي يوم الاثنين؟
فالجواب عن ذلك أنه من أجل إقامة الخليفة بعده، حتى لا يبقى الناس بلا خليفة، فالإِمام الأول محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم توفي، فلا نواريه بالتراب ونغيبه عن ظهر الأرض حتى نقيم خليفة بعده، وهو مما يحثهم على إنجاز إقامة الخليفة، وتعلمون أنه من حين ما بويع أبو بكر رضي الله عنه شرعوا في تجهيز النبي صلّى الله عليه وسلّم ودفنه.
وعلى هذا فإذا مات الخليفة، وكان لم يعين من يخلفه، فلا حرج أن يؤخر دفنه حتى يقام خليفة بعده.
(1/2683)
________________________________________
قال: (وإنفاذ وصيته)، وإنفاذِ ولَّا وإنفاذُ؟ وإنفاذِ بالكسر عطفًا على (تجهيز)، يعني: وإسراع إنفاذ وصيته، أما إنفاذ وصيته فهو واجب، لكن إسراع الإِنفاذ فإنه يسن إسراع إنفاذ الوصية، إن كانت في واجب فلإسراع إبراء ذمته، وإن كانت في تطوع فلإسراع الأجر له، والوصية كما نعلم إما واجبة وإما تطوع.
قال أهل العلم: فينبغي أن تنفذ قبل أن يدفن، سبحان الله، إذا رأيت هذا الكلام ورأيت ما يفعله بعض الظلمة من الورثة الذين يؤخرون وفاء الدين عن الميت لمصالحهم الخاصة، تجد الميت عليه ديون ووراءه عقارات، فيقول: لا نبيعها؛ نوفيه من الأجرة ولو بعد عشر سنين، أو يقول: لا الأراضي مثلًا كسدت الآن كاسدة ننتظر حتى ترتفع قيمتها، وربما ترتفع، وربما تنزل، لكن والعياذ بالله هذا ظلم، وربما يكون هؤلاء الذين صنعوا ذلك ربما يكونون من ذرية الميت، فيكون فيه من العقوق ما لا يخفى على أحد؛ لأن الميت يتأثر بالدين الذي عليه إن صح الحديث: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» (13)، فقد صح، وإن لم يصح فلا بد أن تتأثر النفس بهذا الدين الذي عليه، فالوصية بالواجب يجب المبادرة بإنفاذها، وبالتطوع يسن، لكن الإسراع بذلك، سواء أنها واجبة أو مستحبة قبل أن يصلى عليه ويدفن، هذا سنة.
(وإنفاذِ وصيته، ويجب الإسراع في قضاء دينه) يجب الإسراع في قضاء دينه، أي دين الميت، سواء كان هذا الدَّين لله أو للآدمي، فالدَّين لله مثل: الزكاة، والكفارة، والنذر، وما أشبه ذلك.
والدَّين للآدمي كالقرض، وثمن المبيع، والأجرة، وضمان تالف، وغير هذا من حقوق الآدميين، يجب الإسراع بها بحسب الإمكان، فتأخيرها حرام.
ما هو الدليل على وجوب الإسراع في قضاء الدين؟ الدليل أثري ونظري:
(1/2684)
________________________________________
أما الأثري فلأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ». وهذا الحديث فيه ضعف، لكن يؤيده حديث أبي قتادة في الرجل الذي جيء به إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ليصلى عليه، فسأل «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ ». قالوا: نعم، ديناران، فتأخر ولم يصلِّ عليه، فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ يا رسول الله، قال: «حَقّ الْغَرِيمِ وَبَرِئَ مِنْهُ الْمَيِّتُ؟ ». قال: نعم، فتقدم فصلى (14)، فهذا يدل على وجوب الإسراع في قضاء دين الميت.
وأما الدليل النظري فلأن الأصل في الواجب أيش؟ المبادرة بفعله، هذا هو الأصل، ولا يجوز تأخير الواجب إلا إذا اقتضى الدليل تأخيره.
طالب: ستره بثوب، يعني بثوب بأي ثوب ( ... ) سروال.
الشيخ: لا، إذا قال العلماء: بثوب فالمراد بالثوب ما يستر ولو بخرقة، وهذا هو المراد، المراد بثوب ليس قميصًا ولا سراويل ولكنه خرقة، لحاف.
طالب: لعورته.
الشيخ: إي نعم، من أجل عورته وبدنه.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، تغميض العينين يا شيخ يعني ( ... ) هكذا ولَّا مجرد ( ... )؟
الشيخ: لا، إذا غمضها ورفع يده ينظر إن انفتحت أعاد تغميضه، وإن بقيت فقد حصل المقصود.
طالب: ما ذنب الميت عندما يؤخره أهله؟
الشيخ: ما له ذنب.
طالب: ( ... ) الأسرة.
الشيخ: هو ما له ذنب، ما عليه ذنب.
طالب: ( ... ) يحصل له ( ... ) ولو أخر.
الشيخ: ما عليه ذنب، لا؛ لأن قوله: قدموني قدموني يدل على أن فعلهم له أثر فيه.
الطالب: يعني معنى هذا أنه إذا وضع في الثلاجة ما يسأل؟
الشيخ: لا، ما يسأل.
الطالب: حتى لو جلس ..
الشيخ: حتى لو جلس عشر سنين، ما دام ما سلم وانتهى أهله منه فهو في عالم الدنيا.
طالب: ما يسأل إلا إذا وضع في القبر.
الشيخ: إلا إذا وضع في القبر، أو فيما يقوم مقام القبر، كما لو مات في بحر وألقي في البحر.
طالب: لكن في الثلاجة ما يسأل؟
الشيخ: لا، ما يسأل، حتى يكفن ويصلى عليه ويسلم.
(1/2685)
________________________________________
طالب: شيخ، إذا مات الميت ولم يغمض ( ... ) أما عند تكفينه ( ... ) شيخ هل يسن ( ... )؟
الشيخ: يمكن لأجل إزالة التشويه أن يوضع عليه قطنة وخرقة تلف.
طالب: شيخ، سلمك الله، ما يمكن الاستدلال بحديث أبي قتادة على أن الميت ( ... ) حتى يقضى عنه الدين؟
الشيخ: لا؛ لأن الرسول قال: «صَلُّوا عَلَيْهِ»، لكن هو عليه الصلاة والسلام تأخر؛ لأنه كان في أول الأمر لا يصلي على من عليه دين لا وفاء له، فلما فتح الله عليه قال: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ عَلَيَّ» (15).
طالب: قول بعض أهل العلم: إنه ينبغي إنفاذ الوصية قبل أن يدفن الميت، أليس هناك حقوق متعلقة بتركة الميت أولى من الوصية، كتجهيز الميت؟
الشيخ: هو الآن بيجهزوا.
طالب: قبل التجهيز؟
الشيخ: إي نعم، يعني نشتغل بهذا وهذا، ما به منافاة.
طالب: إذا مات الإنسان وعليه دين فهل السلطان لا يصلي عليه ( ... )؟
الشيخ: بعض العلماء يرى أنه لا بأس ألا يصلي عليه إمام البلد؛ كالقاضي أو الأمير أو ما أشبه ذلك؛ لما فيه من ردع الناس عن التهاون بالديون.
طالب: ويصلى عليه، يعني هل يجوز أن يصلى عليه؟
الشيخ: إي يجوز أن يصلى عليه لا شك، ولهذا كان الخلفاء الراشدون فيما نعلم لا يسألون عن الديون.
طالب: ( ... ) خاصية للنبي؟
الشيخ: وبعض العلماء يقول: هذا خاص بالرسول، لكن آخرون قالوا: لا، عام للرسول ولغيره، إذن فيه مصلحة ردع الناس من التهاون بالديون، خصوصًا في عصرنا، الآن تجد الإنسان الآن يتدين يأخذ سيارة مثلا لنقل: بخمسين ألفًا، مع أنه يكفيه السيارة بعشرين ألفًا ثم شرى سيارة بخمسين ألفًا راح ( ... ) خمسة آلاف أو أكثر.
طالب: أحسن الله إليك، قد يتعذر إنفاذ الوصية قبل دفن الميت ( ... ) بعيدين عن الميت أو أقربائه ..
(1/2686)
________________________________________
الشيخ: هي المسألة ما هي بعلى سبيل الوجوب، افرض أن الميت هذا قال: هذه مئة ريال، أوصيت بها لفلان صدقة سهل، يسهل أنهم يأخذونه قبل يدفنوه ( ... ) للموصى له، والمسألة حسب الإمكان ربما يكون أيضًا في التركة عقارات تحتاج إلى مدة في بيعها ..
طالب: شيخ، إذا أراد شخص عادي ليس إمامًا ولا قاضيًا أن يمتنع عن صلاة الذي عليه دين.
الشيخ: لا، ما يجوز بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يصلوا قال: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» (14).
طالب: شيخ، أكرمكم الله ( ... ) مشتركة فيمن مات في حال شهادة؟
الشيخ: كيف الأمور؟
طالب: من مات في قتال أو غرق ( ... ) مشركة.
الشيخ: إي مشتركة، إلا ما يختص في الشهيد، شهيد المعركة بكونه لا يغسل ولا يكفن فشيء ثان.
طالب: الميت إذا مات أتى شخص قال: أنا أسُد هذا الدَّين، عنه تبرأ ذمة الميت.
الشيخ: ما تبرأ البراءة التامة حتى يوفى لكنها تبرأ من المطالبة.
لماذا وضع العلماء كتاب الجنائز في آخر كتاب الصلاة، مع أن له تعلقًا بالوصايا والفرائض؟
طالب: لأن فيه الصلاة، صلاة الجنائز ( ... ).
الشيخ: ما يكفي هذا.
طالب: لأن أعظم ..
الشيخ: أهم.
طالب: لأن أهم ما يفعل بالميت الصلاة.
الشيخ: لأن أهم ما يفعل بالميت الصلاة، صحيح.
حكم عيادة المريض؟
طالب: على قول المؤلف أنها سنة.
الشيخ: مطلقًا؟
طالب: نعم سنة مطلقًا.
الشيخ: نعم، ما دليلها؟
طالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ» (16)، وذكر منها عيادة المريض.
الشيخ: نعم «إِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ».
طالب: «إِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ».
الشيخ: قال أخوكم: إنه على رأي المؤلف، فهل هناك رأي آخر؟
طالب: أنها واجبة.
الشيخ: فيها رأي أنها واجب مطلق عين.
طالب: واجبة إذا كان يعني ..
الشيخ: أقول: على كل عين، على كل واحد؟
طالب: على المسلم فقط.
الشيخ: إي، على كل مسلم، إذن معناه يجب علينا نحن أن نخرج الآن لعيادة المرضى.
(1/2687)
________________________________________
طالب: لا، الذي نعرفه.
الشيخ: الذي نعرفه، وما أكثر الذي نعرفه؟
طالب: فرض كفاية.
الشيخ: القول الثاني أنها فرض كفاية، وهذا القول.
طالب: الراجح.
الشيخ: هو الراجح، هذا القول هو الراجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها من حقوق المسلم على المسلم.
ما الذي ينبغي لمن عاد المريض أن يفعل عنده؟
طالب: التلقين، والتوبة، والوصية.
الشيخ: التلقين، والتوبة، والوصية. هل الأفضل أن يخفف العيادة أو أن يتأخر؟
طالب: حسب حال المريض، حسب تقدير المصلحة، إذا كان يأنس من يزوره ويأنس من يحدثه فالأحسن أن يحادثه ويخفف عنه ( ... ) وإذا كان حاله لا تسمح ذلك فالأفضل أن يخفف ( ... ).
الشيخ: أحسنت، صح. هل يسن لمن عاد المريض أن يقرأ عليه؟
طالب: نعم يا شيخ يسن أن يقرأ عليه رقية ( ... ).
الشيخ: نعم، لا سيما إذا كان المريض يتشوف لذلك فإنه يسن أن يقرأ عليه.
طالب: ( ... ).
الشيخ: تبع القراءة.
المؤلف يقول: تذكيره الوصية، ماذا يريد بالوصية؟ أن يذكره الوصية بأيش؟
طالب: ( ... ) عليه من حقوق.
الشيخ: إي، ما عليه من حقوق وما يريد أن يوصي به من تطوع، ولّا بس الوصية الواجبة؟
طالب: ( ... ) الوصية الواجبة.
الشيخ: هل يريد المؤلف أن يذكره الوصية الواجبة، وهي التي للحقوق التي ليس فيها بينة أو الوصية ولو مستحبة؟
طالب: الاثنين.
الشيخ: كلاهما يذكره، هذا وهذا.
طالب: الوصية الواجبة.
الشيخ: هو بيذكره بيقول: إن كان يا فلان لك وصية في الحقوق أو غيرها فأوص.
طالب: ( ... ).
الشيخ: هل يقول: أوص، أو يقول: قال ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ» (17)، أيهما أحسن؟
طالب: الثاني، حتى لا يفزع المريض ويظن على شفا الموت.
(1/2688)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، الأحسن هو هذا، أن الإنسان يحدث بأحاديث ثم يسوق الحديث، هذا لأنه لو يبادره فيقول: أوص يا فلان فإن الموت قاب قوسين أو أدنى لزاده مرضًا إلى مرضه، فلا ينبغي له أن يدخل عليه الفزع.
إذا نزل بالمريض يعني نزل الملك لقبض روحه فإن المؤلف ذكر أشياء تستحب، اذكر لنا واحدًا منها؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: هذا واحد، بلّ حلقه بماء أو شراب، كيف يبل؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: بأن ينقط فيه، نعم، أو يدخل مثلًا عودًا مبلولًا.
طالب: ما ( ... ).
الشيخ: يعني ليس هذا إي طيب هذه واحدة.
***
[غسل الميت وتكفينه]
الشيخ: سم الله.
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المصنف رحمه الله تعالى:
فصل
غسل الميت، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه فرض كفاية، وأولى الناس بغسله: وصيه، ثم أبوه، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته، ثم ذوو أرحامه، وأنثى: وصيتها، ثم القربى فالقربى من نسائها، ولكل من الزوجين غسل صاحبه، وكذا سيد مع سريته، ولرجل وامرأة غسل من له دون سبع سنين فقط وإن مات رجل بين نسوة أو عكسه يُمِّمَتْ، كخنثى مشكل.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
يقول المؤلف رحمه الله: (غسل الميت، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه فرض كفاية) هذه أربع مسائل.
ودليل ذلك في الغسل والتكفين قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في الذي وقصته ناقته يوم عرفة: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» (18)، اغسلوه، والأمر في الأصل للوجوب، ومن المعلوم أنه لا يريد من كل واحد من المسلمين أن يغسل هذا الميت، إنما يوجه الخطاب لعموم المسلمين، فإذا قام به بعضهم كفى.
(1/2689)
________________________________________
ودليل آخر هو قول النبي عليه الصلاة والسلام للنساء اللاتي يغسلن ابنته قال: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ» (19)، قال: «اغْسِلْنَهَا»، والأصل في الأمر الوجوب.
وهذان دليلان أثريان.
أما الدليل النظري فلأن هذا من حقوق المسلم على أخيه، بل هو من أعظم الحقوق أن يقدم الإنسان أخاه إلى ربه على أكمل ما يكون من الطهارة.
وأما التكفين فهو أيضًا فرض كفاية، ودليله قوله صلّى الله عليه وسلّم: «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» (18). كفنوه، فهنا أمر قال: «كَفِّنُوهُ»، والأصل في الأمر الوجوب، ومن المعلوم أنه واجب كفاية؛ لأنه لا يمكن أن يؤمر كل واحد من الناس أن يكفن الميت، وإنما المقصود أن يحصل الكفن. وهذا هو الفرق بين فرض الكفاية وفرض العين، فرض العين مطلوب من كل واحد، وفرض الكفاية المطلوب فيه وجود الفعل، هذا هو الفرق بين فرض الكفاية وفرض العين، أن فرض العين مطلوب من كل واحد، وأن فرض الكفاية المطلوب فيه أيش؟ الفعل، إذا حصل فهذا هو المطلوب.
وقوله: (والصلاة عليه)، الصلاة عليه أيضًا فرض كفاية؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي على الأموات باستمرار، وكان يقول: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» (14). وأمر أن يصلى على المرأة التي رجمت (20). وقال الله عز وجل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84]، فلما نهى عن الصلاة على المنافقين دل على أن الصلاة على المؤمنين شريعة قائمة، وهو كذلك.
(1/2690)
________________________________________
(ودفنه فرض كفاية)، دفن الميت أيضًا فرض كفاية؛ لأن الله تعالى امتن به على العباد، امتن بالدفن على العباد فقال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)} [المرسلات: 25، 26]، فكما أن علينا إيواء المضطر في البيوت، وستره فيها عند الضرورة، فكذلك علينا ستر الميت في قبره {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)}.
وكذلك أيضًا قوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21]، فإن هذا سيق على سبيل المنة؛ لأن الله أكرمه بدفنه، ولم يجعله كسائر الجيف تلقى في المزابل وفي الأسواق وفي الأفنية، بل أكرمه يدفن ويستر.
إذن هذه الأربع كلها فرض كفاية، وسيأتي إن شاء الله بالتفصيل كيف التغسيل، وكيف التكفين، وكيف الصلاة، وكيف الدفن.
كل فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، فإن لم يوجد إلا هو صار في حقه فرض عين.
وقول المؤلف: (دفنه فرض كفاية)، ما يتوقف عليه الدفن فرض كفاية أيضًا، مثل حمله، وكذلك ما تتوقف الصلاة عليه فرض كفاية، فحمله من بيته إلى المصلى أيش؟
طلبة: فرض كفاية.
الشيخ: فرض كفاية، وحمله من المصلى إلى المقبرة فرض كفاية؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فإذا قال قائل: إذا كانت هذه الأشياء تحتاج إلى مال، فمن أين يؤخذ المال، الغسل يحتاج إلى مال، والكفن يحتاج إلى مال، والدفن يحتاج إلى مال، والحمل قد يحتاج إلى مال، فعلى من يكون؟
يكون أولًا في تركة الميت، ثم على من تلزمه نفقته، فإن لم يمكن فعلى عموم المسلمين؛ لأنه فرض كفاية.
قال المؤلف: (وأولى الناس بغسله وصيه) يعني: لو تنازع الناس من يغسل هذا الميت، قلنا: أولى الناس بغسله وصيه، يعني الذي أوصى أن يغسله.
(1/2691)
________________________________________
واستفدنا من قول المؤلف: (وصيه) أنه يجوز للميت أن يوصي بألا يغسله إلا فلان، والميت قد يوصي بذلك لسبب، مثل: أن يكون هذا الوصي تقيًّا يستر ما يراه من مكروه، أو أن يكون عالمًا بأحكام الغسل، أو أن يكون رفيقًا؛ لأن بعض الذين يغسلون الأموات يعاملونهم بشدة عند نزع ثيابه، تجده يعامله بعنف وكأنما يسلخ جلد شاة مذبوحة، نسأل الله العافية، فيوصي إلى شخص معين، فإذا كان الميت قد أوصى إلى شخص معين بأن يغسله فلان فهو أولى الناس بتغسيله، فإن لم يوصِ فسيذكره المؤلف.
ما هو الدليل على استفادة أولوية التغسيل بالوصية؟ لأن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته (21)، وأوصى أنس بن مالك أن يغسله محمد بن سيرين (22).
ثانيا قال: (ثم أبوه، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته)، هنا قدموا ولاية الأصول على ولاية الفروع، وفي باب الميراث تقدم الفروع على الأصول، وفي ولاية النكاح الأصول على الفروع؛ فهنا لو كان للشخص الميت أبٌ وابنٌ ولم يوص من يغسله منهما، فالأولى الأب:
أولًا: لأن الأب أشد شفقة وحنوًّا على ابنه من الابن على أبيه.
ثانيًا: لأن الأب في الغالب يكون أعلم بهذه الأمور من الابن لصغره، في الغالب مع أنه قد يكون العكس، قد يكون ابن الميت طالب علم وأبوه جاهلًا.
يقول: (ثم جده)، أي الجدين؛ من قبل الأب أو من قبل الأم؟ من قبل الأب، الجد من قبل الأب.
(ثم الأقرب فالأقرب من عصباته)، من الأقرب بعد الأب والجد؟ الأبناء، وإن نزلوا، ثم الإخوة وإن نزلوا، ثم الأعمام وإن نزلوا، ثم الولاء على هذا الترتيب، ومن المعلوم أن مثل هذا الترتيب إنما نحتاج إليه عند المشاحة، فأما عند عدم المشاحة كما هو الواقع في عصرنا اليوم، فإنه يتولى غسله من يتولى غسل عامة الناس، وهذا هو المعمول به الآن، تجد الميت يموت وفيه أناس مستعدون للتغسيل، يذهب إليه فيغسلونه.
(1/2692)
________________________________________
يقول: (ثم الأقرب فالأقرب من عصباته) والأولى (ثم ذوو أرحامه) ذوو الأرحام أي: أصحاب الرحم: كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة، فأبو الأم مثلًا من ذوي الأرحام، وأم الأب من ذوي الأرحام؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: ليست من ذوي الأرحام، ولكن هل تغسل الرجل؟
طالب: لا.
الشيخ: إذن لا ترد علينا، وإن كانت من ذوي الفروض لكنها لا تغسل الرجل.
(ثم ذوو أرحامه) (وبأنثى) يعني والأولى بغسل الأنثى وصيتها، كما قلنا فيما سبق بالنسبة للرجل.
(ثم القربى فالقربى من نسائها)، ولم يقل: ثم الأقرب فالأقرب من العصبات؛ لأن النساء ليس فيهن عصبة إلا بالغير أو مع الغير، ولهذا قال: (القربى فالقربى من نسائها) وعلى هذا فنقول: الأولى بتغسيل المرأة إذا ماتت من؟ وصيتها، ثم أمها وإن علت، ثم ابنتها وإن نزلت، ثم أختها من أب أو أم، أو الشقيقة، ثم عماتها، وخالاتها، إلى آخره، القربى فالقربى من نسائها.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه) أي: تغسيله، فالزوج له أن يغسل زوجته إذا ماتت، والزوجة لها أن تغسل زوجها إذا مات.
ودليل هذا ما سبق من حديث أبي بكر رضي الله عنه: أنه أوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس (21).
وكذلك بالعكس؛ لأنه يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لعائشة: «لَوْ مُتِّ قَبْلِي لَغَسَّلْتُكِ» (23).
وعلى هذا فنقول: الزوج يجوز أن يغسل امرأته، والزوجة يجوز أن تغسل زوجها.
(وكذا سيد مع سُرِّيَته) والمراد: مع أمته، ولو لم تكن سُرِّية، فلو قدر أنها مملوكة، لكن لم يتسرها، يعني: لم يجامعها، ثم مات، فلها أن تغسله، وله أن يغسلها.
ثم قال: (ولرجل وامرأة غسل من دون سبع سنين فقط) من ذكر أو أنثى.
(1/2693)
________________________________________
ودليل هذا: أن إبراهيم ابن النبي صلّى الله عليه وسلّم غسلته النساء (24)؛ لأنه مات في الرضاعة، أي قبل أن يفطم، ولأن عورة من دون السبع لا حكم لها، فإذا ماتت طفلة لها أقل من سبع سنوات فلأبيها أن يغسلها، وإذا مات طفل له أقل من سبع سنوات فلأمه أن تغسله، فإن ماتت طفلة لها سبع سنوات فأكثر فهل لأبيها أن يغسلها؟ لا؛ لأنه لا يغسل الرجل المرأة، ولا المرأة الرجل، إلا في الزوجين، والمالك وأمته، ولهذا قال: (ولرجل وامرأة غسل من دون سبع سنين فقط).
(وإن مات رجل بين نسوة أو عكسه) يعني أو حصل عكسه بأن ماتت امرأة بين رجال فإنه يقول: يمم، كذا عندكم؟
طلبة: (يممت).
الشيخ: (يممت؛ كخنثى مشكل).
إن مات رجل بين نسوة، كم عمر الرجل؟ سبع سنين فأكثر، إذا مات بين نسوة فإنهن لا يغسلنه إلا أن يكون معهن زوجة له أو أمة، فإن كان معهن زوجة أو أمة فإنها تغسله كما سبق، أما إذا لم يكن معهن زوجة ولا أمة فإنه لا يغسل.
لو كان معه بنت؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لا تغسِّل، أُمُّ؟ لا تغسِّله أيضًا.
وكذلك لو ماتت امرأة بين رجال، فإنها لا تغسل إلا أن يكون أحد الرجال زوجًا أو سيدًا.
وقوله: (يُمِّمت كخنثى مشكل) أفادنا المؤلف بقوله: (يممت) أنه متى تعذر غسل الميت فإنه ييمم، وتعذره يكون له صور، منها هاتان الصورتان: أن تموت امرأة بين رجال أو رجل بين نساء، ليس فيهن من يصح أن يغسله.
ثانيًا: لو عدم الماء، مات ميت في البر، وليس عندنا ماء فإنه ييمم.
ثالثًا: لو تعذر تغسيله لكونه محترقًا فإنه ييمم، هكذا قال المؤلف رحمه الله، بناء على أن طهارة التيمم تقوم مقام طهارة الماء.
(1/2694)
________________________________________
وقال بعض العلماء: إن من تعذر غسله لا ييمم؛ وذلك لأن المقصود بالتيمم التعبد لله تعالى بتعفير الوجه واليدين بالتراب، وهذا لا يحتاجه الميت؛ إذ إن المقصود من تغسيل الميت التنظيف؛ بدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم في الرجل الذي وقصته ناقته: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» (25)، وقوله صلّى الله عليه وسلّم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ» (26)، وذلك بحسب ما يكون من نظافة جسد الميت أو عدم نظافته، فإذا كان نظيفًا فإنه لا يكرر إلا ثلاثًا، وإن كان غير نظيف فإنه يكرر بحسب ما يحتاج إليه.
لكن المؤلف رحمه الله يقول: إنه ييمم، كيف نيممه؟ يأتي رجل أو امرأة ويضرب التراب بيديه ثم يمسح بهما وجه الميت وكفيه، هذه صفة التيمم.
ثم قال المؤلف: (ويحرم أن يغسل مسلم كافرًا، أو يدفنه، بل يواريه لعدم من يواريه)، قال (يحرم أن يغسل مسلم كافرًا) ووجه التحريم: أن الله تعالى قال لنبيه صلّى الله عليه وسلّم: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] فإذا نهي عن الصلاة على الكافر، وهي أعظم ما يفعل بالميت وأنفع ما يكون للميت، فما دونها من باب أولى، ولأن الكافر نجس، وتطهيره لا يرفع نجاسته؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، ولمفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ» (27)، فيحرم أن يغسله.
وكذلك يحرم أن يكفنه، والعلة ما سبق أنه إذا نهي عن الصلاة، وهي أعظم وأنفع ما يفعل في الميت فما دونها من باب أولى.
(1/2695)
________________________________________
قال في الشرح: (أو يتبع جَنَازته) أو يتبع جَنَازته أو جِنازته، يجوز الوجهان حسب ما سبق، يعني: لا يجوز للمسلم أن يتبع جنازة الكافر؛ لأن تشييع الجنازة من إكرام الميت، والكافر ليس أهلًا للإكرام، بل يهان الكافر، قال الله تبارك وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29]، فدل هذا على أن غيظ الكفار مراد لله عز وجل، وقال تعالى: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120]، وتشييع الكافر إكرام له، وإكرام لذويه؛ ولهذا يحرم أن يتبع جنازته.
(أو يدفنه) نعم يحرم أن يدفنه لقوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}، والمراد: يحرم أن يدفنه كدفن المسلم، ولهذا قال: (بل يوارى لعدم من يواريه)، ومعنى يوارَى: يغطَّى بالتراب، سواء حفرنا له حفرة ورمسناه بها رمسًا، أو ألقيناه على ظهر الأرض وردمنا عليه ترابًا، لكن الأول أحسن، أي أننا نحفر له حفرة ونرمسه فيها؛ لأننا لو وضعناه على ظهر الأرض وردمناه بالتراب فلربما تحمله الرياح، تحمل هذا التراب، ثم تتبين جثته.
وقوله: (بل يوارى لعدم) يشمل ما إذا وُوري بالتراب، أو إذا وُوري بقعر بئر، أو نحوها؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بقتلى بدر من المشركين أن يلقوا في بئر من آبار بدر (28) كما هو مشهور في السيرة.
(1/2696)
________________________________________
قال: بل يواريه لعدم، ما معنى (لعدم)؟ أي: لعدم من يواريه، فإن وجد من يقوم بهذا من أقاربه فإنه لا يحل للمسلم أن يساعدهم في هذا، بل يكل الأمر إليهم.
ثم قال: (وإذا أخذ في غسله ستر عورته)، من هنا ابتدأ المؤلف في كيفية تغسيل الميت.
فقال: (وإذا أخذ في غسله) لا يرضى النحويون بهذا التعبير من الفقهاء؛ أي بقولهم (وإذا أخذ في غسله) لأن (أخذ) هنا من أفعال الشروع، وأفعال الشروع لا بد أن يكون خبرها جملة فعلها مضارع، وعلى هذا تكون العبارة على قاعدة النحويين: وإذا أخذ يغسله، ولكن العبارة من الفقهاء ليس فيها خلل؛ لأن كل واحد يعرف أن معنى قوله: (وإذا أخذ في غسله) أي: إذا شرع في غسله.
وقوله: (في غسله) أي: في تغسيله.
(ستر عورته) وجوبًا، وهي بالنسبة للرجل ما بين السرة والركبة، وكذلك بالنسبة للمرأة مع المرأة ما بين السرة والركبة، وعلى هذا فيجرد الميت من كل شيء إلا مما بين السرة والركبة، إن كان رجلًا فهو بالنسبة للرجال، وإن كانت امرأة فبالنسبة للنساء.
فقول المؤلف هنا: (عورته) يريد بها ما بين السرة والركبة.
قال: (وجرَّده) ومعنى جرَّده أي من ثيابه، فيستر عورته أولًا، يعني يلف عليها لفافة أولًا، ثم يجرده من ثيابه.
ودليل ذلك أثر ونظر؛ أما الأثر فقول الصحابة حين أرادوا تغسيل النبي صلّى الله عليه وسلّم: هل نجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا (8).
وأما النظر فلأن تجريده أبلغ في تطهيره، والمقام يقتضي التطهير، وكلما كان أكمل فيه فهو أفضل.
(1/2697)
________________________________________
(وستره عن العيون) يعني: ينبغي أن يستره عن العيون، وهذا غير ستر العورة؛ لأن ستر العورة واجب، وهذا مستحب، يعني: ينبغي أن يغسله في مكان لا يراه الناس، إما في حجرة، وإما في خيمة إن كان في البر وما أشبه ذلك؛ وذلك لأن ستر الميت عن العيون أولى من كشفه، فإن الميت قد يكون على حال مكروهة فيكون ظهوره للناس نوعًا من الشماتة به، وأيضًا ربما يكون مفزعًا لمن يشاهده مروعًا له، لا سيما عند بعض الناس؛ فإن بعض الناس يرتاع جدًّا إذا شاهد الميت، فستره عن العيون أولى وأحفظ، ولهذا قال: (وستره عن العيون).
قوله: (ويكره لغير معين في غسله حضوره)، (حضوره) هذه نائب الفاعل، يعني: يكره أن يحضره شخص إلا من احتيج إليه لمعونته؛ وذلك لأنه ربما يكون في الميت شيء لا يحب أن يطلع عليه الناس، ولنفرض أن في الميت جروحًا لا يحب أن يطلع عليه الناس، أو نفرض أن فيه عيبًا من برص أو نحوه لا يحب أن يطلع عليه الناس فنقول لغير المعين في غسله: لا تحضر، ما دمت لا يحتاج إليك فلا تحضر.
وظاهر كلام المؤلف حتى وإن كان من أقاربه، مثل أن يكون أباه أو ابنه، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يحضر؛ لأنه لا حاجة إليه.
الآن ما الذي عملنا إذا أخذنا في الغسل، ماذا نعمل أول ما نعمل؟
طالب: نستر عورته.
الشيخ: أن نستر عورته، ثم بعد ذلك نجرده من ثيابه، ثم نستره عن العيون.
رابعا: ألا يحضر أحد تغسيله إلا من احتيج إليه.
وقد سبق في الباب الذي قبل أنه من حين أن يموت يوضع على سرير تغسيله، فلا يقال: هل نغسله على الأرض أو نغسله على السرير؟ نقول: لأن هذا مفهوم مما سبق.
(1/2698)
________________________________________
ثم قال رحمه الله: (ثم يرفع رأسه إلى قرب جلوسه، ويعصر بطنه برفق، ويكثر صب الماء حينئذٍ) يعني: بعد أن نجرده ونحن قد سترنا عورته ( ... ) إلى قرب الجلوس يعني: رفعًا بيّنًا، ويعصر بطنه برفق؛ لأجل أن يخرج منه ما كان متهيئًا للخروج؛ لأن الميت يسترخي، تسترخي كل أعصابه، فإذا رفع رأسه إلى هذا النحو وعصر بطنه لكن برفق فإنه ربما يكون في بطنه شيء من القذر مُتهيئًا للخروج وبعصره يخرج، وربما لو تركنا هذا مع رجّ الميت عند حمله وتقليبه في غسله وتكفينه ربما يخرج هذا الشيء المتهيئ للخروج، فلهذا قال الفقهاء رحمهم الله: إنه ينبغي أن يرفع رأسه إلى قرب جلوسه ثم يعصر بطنه لكن وليكن برفق، كما قال المؤلف.
(ويكثر صب الماء حينئذ) متى؟ (حينئذ) أي حينئذ يعصر البطن؛ لأجل يندرج أو يدرج ما يخرج من بطنه حينئذ.
(ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها)، يعني أنه إذا فعل ما ذكر رفع رأسه وعصر بطنه، وخرج ما كان مستعدًّا للخروج، يلف على يده خرقة، من الذي يلف؟ الغاسل، وإذا كان هناك قفازان كما هو الآن متوفر ولله الحمد فإنه يلبس القفازين.
ثم ينجّيه، أي: ينجّي الميت، يعني يغسل فرجه مما خرج منه، ومما كان قد خرج قبل وفاته، ولكنه لم يستنج منه، فينجيه بها.
(ولا يحل مس عورة من له سبع سنين) يعني أنه يجب أن يضع هذه الخرقة إذا كان الميت له سبع سنين فأكثر، فأما إذا كان دون ذلك فله أن ينجيه بيده مباشرة؛ لأن ما دون سبع السنين على كلام الفقهاء ليس لعورته حكم، بل عورته مثل يده، ولهذا يجوز النظر إليها، ولا يحرم مسها، فإذا كان دون السبع فلا حرج أن ينجيه بيده مباشرة، أما إذا كان تم له السبع فإنه لا ينجيه إلا بخرقة.
(1/2699)
________________________________________
قال: (ويستحب ألا يمس سائره إلا بخرقة) هذا غير الخرقة الأولى، الخرقة الأولى واجبة أو لا؟ واجبة لئلا يمس عورته، واجبة إذا كان له سبع سنين فأكثر لئلا يمس عورته، هذه الخرقة خرقة ثانية جديدة غير الأولى يضعها على يده؛ لأجل أن يكون ذلك أنقى للميت؛ لأنه إذا دلكه بالخرقة فهو أنقى له مما لو دلكه بيده، فيستحب ألا يمس سائره إلا بخرقة، مع أن الميت الآن بالنسبة للانكشاف كل بدنه مكشوف إلا العورة.
(يستحب ألا يمس سائره إلا بخرقة، ثم يوضئه) وجوبًا أو ندبًا؟ ندبًا.
ثم يُوَضِّئهِ نَدْبًا ولا يُدْخِلُ الماءَ في فِيهِ ولا في أَنْفِه، ويُدْخِلُ إِصْبَعَيْهِ مَبْلُولَتَيْنِ بالماءِ بينَ شَفَتَيْه فيَمْسَحُ أسنانَه وفي مَنْخِرَيهِ فيُنَظِّفُهما ولا يُدْخِلُهما الماءَ ثم يَنْوِي غُسْلَه ويُسَمِّي ويَغْسِلُ برَغْوَةِ السِّدْرِ رأسَه ولِحْيَتَه فقط ثم يَغْسِلُ شِقَّه الأيمنَ ثم الأَيْسَرَ ثم كلَّه ثلاثًا يُمِرُّ في كلِّ مَرَّةٍ يَدَه على بَطْنِه فإن لم يَنْقَ بثلاثٍ زِيدَ حتى يَنْقَى، ولو جَاوَزَ السبْعَ ويَجْعَلُ في الغَسلةِ الأخيرةِ كافورًا، والماءَ الحارَّ والأشنانَ، والخِلالُ يُسْتَعْمَلُ إذا احْتِيجَ إليه، ويَقُصُّ شاربَه ويُقَلِّمُ أظافِرَه ولا يُسَرَّحُ شَعَرُه ثم يُنَشَّفُ بثوبٍ.
(1/2700)
________________________________________
ويُضَفَّرُ شَعَرُها ثلاثةَ قرونٍ ويُسْدَلُ وَراءَها. وإن خَرَجَ منه شيءٌ بعدَ سبعٍ حُشِيَ بقُطْنٍ فإن لم يَسْتَمْسِكْ فبِطِينٍ حُرٍّ، ثم يَغْسِلُ المحلَّ ويُوَضَّأُ، وإن خَرَجَ بعدَ تَكفينِه لم يُعِد الغُسْلَ، ومُحْرِمٌ مَيِّتٌ كَحَيٍّ يُغَسَّلُ بماءٍ وسِدْرٍ ولا يُقَرَّبُ طِيبًا ولا يُلْبَسُ ذَكَرٌ مَخيطًا ولا يُغَطَّى رأسُه ولا وَجْهُ أُنْثَى، ولا يُغَسَّلُ شَهيدٌ ومَقتولٌ ظُلْمًا إلا أن يكونَ جُنُبًا ويُدْفَنُ في ثِيابِه بعدَ نَزْعِ السلاحِ والْجُلودِ عنه، وإن سُلِبَها كُفِّنَ بغَيْرِها ولا يُصَلَّى عليه، وإن سَقَطَ عن دَابَّتِه أو وُجِدَ مَيِّتًا ولا أَثَرَ به
أنقى له مما لو دلكه بيده، فيستحب ألا يمس سائره إلا بخرقة، مع أن الميت الآن بالنسبة للانكشاف كل بدنه مكشوف إلا العورة.
(يستحب ألا يمس سائره إلا بخرقة ثم يوضئه) وجوبًا أو ندبًا؟ ندبًا، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا» (1).
وليس على سبيل الوجوب، بدليل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة فمات، فقال: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» (2)، ولم يقل: وضئوه، فدل على أن الوضوء ليس على سبيل الوجوب، بل هو على سبيل الاستحباب.
(ولا يدخل الماء في فيه ولا في أنفه) لا يدخل الماء في فيه بدلًا عن المضمضة، ولا في أنفه بدلًا عن الاستنشاق، لا يفعل هذا؛ لأن الحي إذا أدخل الماء في فمه تمضمض به ومجّه وخرج، والميت لو أننا صببنا الماء في فمه لانحدر إلى بطنه وربما يحرك ساكنًا، وكذلك نقول في مسألة الاستنشاق: الميت لا يستنشق الماء، ولا يستطيع أن يستنثره، وحينئذٍ نقول: لا تدخل الماء في فمه ولا أنفه.
(1/2701)
________________________________________
ولكن ماذا يصنع؟ يقول: (ويدخل إصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه، وفي منخريه فينظّفهما) وهذا يقوم مقام المضمضة والاستنشاق.
وقوله: (يدخل إصبعيه) يعني ملفوفًا عليهما خرقة، وهي الخرقة التي كان يمس بشرته بها فيدخل إصبعيه في فمه ويمسح أسنانه، ويكون ذلك برفق، وكذلك يدخلها في منخريه فينظّفهما ويكون هذا أيضًا برفق.
(ولا يدخلهما الماء) لماذا؟ لأنه لو أدخل فمه الماء نزل إلى بطنه، ولو أدخله في منخريه كذلك نزل إلى بطنه فيحرك ما كان ساكنًا. ويغني عن ذلك ما ذكره المؤلف أن يجعل خرقة مبلولة ينظّف بها أنفه وأسنانه وبقية فمه.
***
طالب: أحسن الله إليك، استدلالهم بالآية: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] هذه نجاسة معنوية وليست نجاسة حسية، وإنما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ربط في المسجد أحد المشركين (3) دل ذلك أن هذه ليس نجاسة الكافر؛ لأن النجاسة المعنوية ليست ( ... ) فكيف يستدل بهذه الآية؟
الشيخ: يقول: إن الاستدلال بأن الكافر لا يغسل بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ} فيه نظر؛ لأن النجاسة المذكورة في الآية نجاسة معنوية؟
فنقول: من لم يطهر باطنه من النجاسة المعنوية لا يصح أن يطهر ظاهره من النجاسة الحسية؛ ولهذا قال العلماء: من شرط صحة الغسل الإسلام.
طالب: شيخ أحسن الله إليك ( ... ).
الشيخ: لا، ما ( ... ) ليست نجسة لكنهم ليسوا أهلًا للتطهير.
طالب: شيخ ( ... ) وضعت الولد ( ... ) هل تغسله؟
الشيخ: إي، هذا سؤال جيد، يقول: لو أن الرجل توفي عن امرأة حامل، عن زوجته حاملًا، ثم وضعت الحمل قبل أن يغسل، فهل تغسله؟
الجواب: لا، لا تغسل، لماذا؟ لأنها بانت منه، انقضت عدتها قبل أن يدفن زوجها، فصارت أجنبية ( ... ).
***
(1/2702)
________________________________________
ضد الحمى أو غير الحمى ليس ينافي التوكل، بل هو من التوكل؛ لأن فعل الأسباب الواقية من الشر هذا من الأمور التي جاءت بها الشريعة، ولو حل هذا لكان أقرب إلى المنع مما لو لم يحل؛ لأنه إذا حل يشبه الفرار من الطاعون بعد وقوعه في المكان، لكن الذي نرى أنه لا بأس به؛ لا قبل حلول الوباء ولا بعده ( ... ).
يمر بنا دائمًا كلمة فرض كفاية، فما معناها؟
طالب: فرض كفاية أي إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين.
الشيخ: نعم، ما الفرق بين فرض الكفاية وبين فرض العين؟
الطالب: فرض العين هو أن يكون المطلوب من كل شخص بعينه وفرض الكفاية هو أن يكون المطلوب من ( ... ) إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين.
الشيخ: نعم، وفرض الكفاية يقصد به وجود الفعل بقطع النظر عن الفاعل، تمام طيب.
يقول المؤلف: إن غسل الميت فرض كفاية، فما هو الدليل؟
طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته راحلته: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» (2).
الشيخ: قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته راحلته: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ».
ودليل آخر؟
الطالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته فاطمة ..
الشيخ: فاطمة! فاطمة ماتت بعده، ابنته بس يمكن زينب.
الطالب: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا» (1).
الشيخ: «أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ».
ما هو الدليل على أن التكفين فرض كفاية؟
طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ» (2).
الشيخ: قول الرسول: «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ».
الدليل على أن الصلاة فرض كفاية؟
طالب: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على ( ... ) وقد قال لأصحابه يومًا: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» (4).
الشيخ: نعم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة على الميت «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» وما أشبه ذلك. هل حمل الميت فرض؟
طالب: نعم، فرض كفاية.
(1/2703)
________________________________________
الشيخ: كيف؟
الطالب: لأنه تابع لتغسيله، ودفنه فرض أيضًا، لا يكون دفنه إلا بعد حمله.
الشيخ: لا يتم دفنه إلا بحمله، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. تمام.
متى يجوز تغسيل الميت من الرجال والنساء؟
طالب: تغسيل الميت من الرجال والنساء ( ... ).
الشيخ: لا، متى يجوز تغسيله من الرجال والنساء؟
الطالب: الميت من الرجال يغسله وصيه.
الشيخ: لا إله إلا الله!
طالب: شيخ، إذا كان أقل من سبع.
الشيخ: إذا كان دون سبع سنين، فإنه يغسله الرجال والنساء؛ لأنه لا حكم لعورته. ومن هو الرجل البالغ الذي يمكن أن يغسل امرأة بالغة؟
طالب: الرجل البالغ ( ... ) فقط هو الذي لا يجوز ..
الشيخ: إي، لكن من هو الرجل الذي يتجاوز سبع سنين، يجوز أن يغسله امرأة أو بالعكس.
طالب: إذا كان زوجًا.
الشيخ: إذا كان زوجًا أو؟
طالب: أو زوجة.
الشيخ: أو سيدًا، الزوج مع زوجته، والسيد مع أمته، تمام.
هل هناك دليل على أن الرجل يغسل المرأة أو بالعكس، الزوج يعني يغسل زوجته أو بالعكس؟
طالب: أبو بكر الصديق أوصى أن تغسله أسماء (5).
الشيخ: صحيح، والعكس.
الطالب: والعكس ..
طالب آخر: ( ... ).
الشيخ: إي، بس نريد دليلًا.
الطالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة.
الشيخ: «لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ» (6) تمام.
من هو الميت الذي لا يغسل، يعني لا يمكن لأحد أن يغسله؟
طالب: الكافر لا يغسل المسلم.
الشيخ: لا، قصدي أنه غير قابل للتغسيل، ما هو معناه أنه ..
الطالب: إذا كان محروقًا أو غريقًا أو ..
الشيخ: لا.
طالب: إذا مات رجلًا بين النسوة.
الشيخ: إذا مات رجل بين النسوة فإنه؟
الطالب: لا يغسل.
الشيخ: يمم، ولا يغسل.
والخنثى المشكل ألا تغسله المرأة؟
الطالب: لا.
الشيخ: لا، لماذا؟
الطالب: لأنه مشكل.
الشيخ: لأنه يحتمل أن يكون رجلًا لا تغسله المرأة لاحتمال أن يكون رجلًا، ولا يغسله الرجل لاحتمال أن يكون .. طيب لو كان زوجًا؟
طالب: لو كان زوجًا ما صار مشكلة.
(1/2704)
________________________________________
طالب آخر: ( ... ).
الشيخ: نقول: لا يمكن أن يكون زوجًا ما دام مشكلًا؛ لأنه لا يمكن أن يتزوج إلا إذا اتضح أنه ذكر أو أنثى، إن اتضح أنه ذكر زوجناه أنثى، وإن اتضح أنه أنثى زوجناه ذكرًا.
طالب: ما فيه تغليب ظني؟
الشيخ: لا ما فيه، فيه علامات إذا وجدت تبين.
حكم تغسيل الكافر؟
طالب: حرام يا شيخ.
الشيخ: حرام الدليل؟
الطالب: قول المؤلف ..
الشيخ: لا، قول المؤلف ما هو بدليل، قول المؤلف يحتج له ولا يحتج به.
الطالب: المؤلف يعلل أنه لا يجوز.
الشيخ: لا، حكم ما هو تعليل، حتى المؤلف ما علل، حكم.
طالب: قال الله عز وجل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84].
الشيخ: نعم، والتكفين مقدمة للصلاة، إي نعم. ماذا يصنع الغاسل أول ما يصنع في التغسيل؟
طالب: يستر عورة الميت.
الشيخ: نعم، يستر عورة الميت.
الطالب: ثم ينزع ثيابه.
الشيخ: يجرده من الثياب.
طالب: ثم يرفعه حتى يجعله كهيئة الجالس.
الشيخ: يرفع رأسه طيب، ورفع رأسه حتى.
الطالب: ويعصر على بطنه ثم يصب الماء صبًّا كثيرًا حتى يخرج إذا كان أذى.
الشيخ: طيب إذن ما هي العلة أنه يرفع رأسه إلى قرب جلوسه ويعصر بطنه برفق.
الطالب: يعني حتى يخرج ما كان يتهيأ للخروج.
الشيخ: إي نعم أحسنت. في حال غسل فرجه هل يباشر غسل فرجه أو لا؟
طالب: لا.
الشيخ: ماذا يصنع؟
الطالب: يضع خرقة.
الشيخ: يضع على يديه خرقة فينجيه. العورة تكون مكشوفة ولا مستورة في هذه الحال؟
الطالب: مستورة.
الشيخ: مستورة، العورة لا تزال مستورة؛ لأنه لا حاجة إلى كشفها؛ إذ بإمكانه أن يدخل تحت السترة وينجيه. بعد هذا؟
طالب: ثم يوضئه.
الشيخ: يوضئه، كيف يوضئه في الاستنشاق والمضمضة؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: يبل خرقة ويمسح بها أسنانه وينظف منخريه، وهذا عوض عن المضمضة والاستنشاق.
هل توضئته واجبة؟
(1/2705)
________________________________________
طالب: توضئته ليست بواجب.
الشيخ: ليست بواجبة! أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا» (1).
الطالب: نعم قال ذلك، ما يحمل على الوجوب.
الشيخ: ما هو الذي يصرفه عن الوجوب؟
الطالب: النصوص العامة يعني في الأمر بالغسل.
الشيخ: مثل؟
الطالب: «اغْسِلُوهُ».
الشيخ: قول الرسول لـ ..
الطالب: ( ... ).
الشيخ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» (2) ولم يذكر الوضوء، ثم إن البداءة باليمين «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا» (1) ليست واجبة بالاتفاق، فكذلك مواضع الوضوء.
***
يقول المؤلف رحمه الله: (ثم ينوي غسله)، (ثم) للترتيب، والنية بمعنى القصد.
وظاهر كلام المؤلف أن النية تكون بعد عمل ما سبق من الاستنجاء والتوضئة، ولكن هذا فيه نظر، بل النية تتقدم الفعل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (7)، ولعل هذه نية أخرى ينوي بها عموم الغسل؛ لأن ما سبق لا بد أن يكون بنية.
(ويسمي) يقول: باسم الله، وهذا أيضًا فيه نظر؛ لأن التسمية تكون بعد الاستنجاء قبل أن يوضئه، كما هو الحال في طهارة الحي.
(ويغسل برغوة السدر رأسه ولحيته فقط) أفادنا المؤلف -رحمه الله- أنه لا بد أن يعد الغاسل سدرًا يدقه ويضعه في إناء فيه ماء، ثم يضربه بيديه حتى يكون له رغوة، هذه الرغوة يغسل بها رأسه ولحيته، وأما الثفل الباقي فإنه يغسل به سائر الجسد.
وإنما خُصّ الرأس واللحية بالرغوة؛ لأننا لو غسلناهما بالثفل لبقي الثفل متفرقًا في الشعور وصعب إخراجه منها، أما الرغوة فليس فيها ثفل.
وقوله: ويغسل رأسه ولحيته، إذا قال قائل: ما هو الدليل على استحباب السدر في تغسيل الميت؟
فالجواب أن الدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» (2) مع أنه محرِم.
(1/2706)
________________________________________
(ثم يغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا» (1)، فيغسل الشق الأيمن، ثم الأيسر.
(ثم كلّه) يعني: بقية بدنه، (ثلاثًا) لقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا».
(يُمر في كل مرة يده على بطنه) من أجل أن يخرج ما كان متهيئًا للخروج، وعلى هذا فإنه يعصر بطنه كم مرة؟ أربع مرات، المرة الأولى التي قبل الاستنجاء عندما يرفع رأسه إلى قرب الجلوس، وثلاث مرات عند غسله.
(فإن لم ينق بثلاث زيد حتى ينقى)، (إن لم ينق) الفاعل: الميت (بثلاث) فإنه يزيد حتى ينقى؛ لأن المقصود بذلك تطهيره، وعدم النقاء يكون في الغالب إذا كان الرجل صاحب حرفة بالطين والجبس، وما أشبه ذلك، أو كان مريضًا مرضًا طويلًا فإن الأوساخ تتراكم عليه، فإذا غسلوه ثلاث مرات ولم ينق فإنه يزاد حتى ينقى.
ودليل ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ»، وهذا يرجع إلى رأي الغاسل، ولكن ليس مجرد رأي، إنما هو الرأي الذي تقتضيه المصلحة.
قال المؤلف: (حتى ينقى، ولو جاوز السبع) لو جاوز أي: زاد عليها، أنا عندي: (ولو جاز السبع)، يمكن عندكم نسخة مثلي.
(ولو جاوز السبع) أي: ولو تعداها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ»، ولأن المقصود من تغسيل الميت التطهير، وقد لا ينقى بسبع مرات، فيزاد حتى ينقى.
قال: (ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورًا)؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «اجْعَلْنَ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ» (8)، والكافور: طِيب معروف أبيض يشبه الشب، فيدق ويجعل في الإناء الذي يغسل به آخر غسلة.
(1/2707)
________________________________________
قال العلماء: وإنما اختير الكافور من بين سائر الأطياب؛ لأنه بارد ولأن من خصائصه أنه يطرد الهوام عن الميت؛ لأن الميت في القبر تأتيه الهوام، فهذا الكافور له رائحة تطرد الهوام عنه، ففيه فائدتان: التبريد، والثاني: طرد الهوام، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «اجْعَلْنَ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ كَافُورًا».
ثم قال: (والماء الحار والأشنان والخلال يستعمل إذا احتيج إليه) إذن الأفضل أن نغسل الميت بماء بارد، لكن إذا احتجنا إلى الحار، مثل أن تكون عليه أوساخ كثيرة متراكمة فإننا نستعمله، ولكنه ليس الحار الشديد الحرارة الذي يؤثر على الجلد برخاوة بالغة، ولكنه حار يكون أنقى من البارد.
وبماذا يسخن الماء؟ يسخن بأي وقود، سواء بالكهرباء، أو بالغاز، أو بالحطب، أو بغير ذلك.
وإنما سألت هذا السؤال لأنه عند عوامنا يقولون: إنه لا يسخن الماء الذي يغسل به الميت إلا بسعف النخل فقط، وغير ذلك لا يسخن به، لكن هذا لا أصل له، يسخن بما تحصل به السخونة، بأي وقود كان.
وقوله: (والأشنان) الأشنان معروف.
طالب: غير معروف.
الشيخ: غير معروف، لعل الله يسهل نشوف إن كان هناك بقية من الأولين نأتي بها يومًا من الأيام لنريكم إياها، إلا إن كان أحد عنده جزاه الله خيرًا يكفينا الطلب.
طالب: أجيبه من على الطريق، أجيب يا شيخ.
الشيخ: إي جيب إن شاء الله.
الطالب: رطب ولا يابس.
الشيخ: لا، يابس مسحوق.
الأشنان معروف شجر ينبت في البر، يؤخذ وييبس ثم يدق، ويكون من جنس الرمل حبيبات، تغسل به الثياب، ويغتسل به الإنسان أيضًا في جلده، وينظِّف.
هل يجري فيه الربا أو لا يجري؟
فيه قول، الذي يجعل علة الربا هي الكيل يقول: إن الربا يجري في الأشنان، وسيأتي به إن شاء الله صاحبكم.
الأشنان يستعمل عند الحاجة، الحاجة لأي شيء؟ للتنظيف؛ لأنه قد يكون على الجلد أوساخ أو دهون لا يزيلها الماء وحده، فيزيلها الأشنان، فإن لم يحتج إليه فلا يستعمله.
(1/2708)
________________________________________
وهل مثل ذلك الصابون؟
نعم، الصابون مثل الأشنان، بل هو أقوى منه تنظيفًا، فإذا استعمل الصابون من أجل إزالة الوسخ فلا حرج فيه.
وهل يستعمل مع الصابون ليفة؟
الجواب: لا؛ لأن الليفة تشطب الجلد، ربما يأتي هذا الذي يغسله من شدة الحرص على التنظيف يكرفه بشدة فيتأثر الجلد، يكفي أن يمسح باليد.
(الخلال يستعمل إذا احتيج إليه) الخلال: خلال الأسنان، إذا احتيج إليه بأن كان في أسنانه طعام فإنه يستعمل؛ لأن في ذلك تنظيفًا لأسنانه.
ثم قال: (ويقص شاربه، ويقلّم أظفاره، ولا يسرح شعره) إلى آخره.
خصال الفطرة كم؟ خمسة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط.
هل تستعمل هذه الخصال مع الميت؟
الجواب: في ذلك تفصيل: أما الختان فلا يستعمل مع الميت، بل هو حرام؛ لأن الختان أخذ الجلدة، والجلدة جزء حي من الميت، فأخذها تمثيل بالميت ولا حاجة إليه؛ لأن الختان من حكمه أنه أطهر للإنسان، ولهذا يسمى عندنا في العامية الطهار، لكن إذا مات الإنسان فلا حاجة له؛ ولهذا قال العلماء: إنه يحرم ختان الميت.
الشارب والأظافر تؤخذ، لكن متى؟ إذا طالت، أما إذا كانت عادية، أو كان الميت قد أخذها عن قرب فإنها لا تؤخذ، يبقى على ما هو عليه.
الإبط كذلك، إن كثر فإنه يؤخذ، وإلا فيبقى على ما كان عليه. ويش بقي؟
طلبة: العانة.
الشيخ: العانة أيضًا إذا طالت وكثرت فإنها تؤخذ.
وقال بعض العلماء: إنها لا تؤخذ؛ لما في ذلك من كشف العورة، بخلاف الإبط والأظافر، ولكن الأولى أن تؤخذ إذا كانت كثيرة، وكشف العورة هنا للحاجة.
قال: (ولا يسرح شعره)، يعني أن الغاسل لا يسرح شعر الميت؛ لأن هذا يؤدي إلى أن تتقطع الشعر بالتسريح والمشط، ولكن المرأة يجعل رأسها ضفائر ثلاثة وتلقى خلفها (1) كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
(ثم ينشف بثوب) يعني: بعد أن يغسل يستحب أن ينشف؛ لأنه إذا بقي رطبًا عند التكفين أثر ذلك في الكفن، فالأفضل أن ينشف بثوب.
(1/2709)
________________________________________
وهذه الطهارة تخالف طهارة الحي، فإن طهارة الحي .. أو ندعها لكم -إن شاء الله- تبحثونها، طهارة الميت تخالف طهارة الحي من عدة وجوه:
منها: أن طهارة الحي لا تزيد على ثلاث، وهذه تزيد إلى سبع أو أكثر.
ومنها: أن الأفضل في طهارة الميت التنشيف، وأما طهارة الحي فقيل: الأفضل عدم التنشيف، وقيل: إن التنشيف وعدمه سواء، وإنه مباح؛ إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل.
ثم قال: (ويضفر شعرها ثلاثة قرون، ويسدل وراءها)، يضفر شعرها، أي: شعر المرأة، يعني يجعل ضفائر ثلاثًا، ويسدل من ورائها. ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء اللاتي يغسلن ابنته بذلك: أن يضفرن شعرها ثلاثة قرون، ويسدلنه من ورائها.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا يحلق حلقًا أو يقص، وقصه قد يكون أسهل.
طالب: ولا يسرح شعر ( ... ) في حديث ( ... ).
الشيخ: في أيش؟
الطالب: تسريح الرجل شعر المرأة.
الشيخ: الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمر بأن يسرح شعر المرأة.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: وهي حية؟ ما نعرفه، الذي نعرف أن الرسول أمر بأن يضفر ثلاثة قرون ويسدل من ورائها.
الطالب: وإن صح الحديث.
الشيخ: إذا صح فهو يكون كالظفر، يكون خاصًّا بالمرأة.
طالب: ما الدليل على أن ( ... ).
الشيخ: ما هي كلها.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: الدليل أن هذا من باب النظافة، وقصد النظافة في تغسيل الميت ظاهر من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» (1)، وهذا لا شك أنه أنظف
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا أدري، لكن المعنى صحيح.
طالب: ( ... ).
الشيخ: وحلق العانة للحي جائز، يعني لو إنسانًا واحدًا ما يحسن حلق عانته وليس عنده زوجه فإنه يحلق عانته رجل.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: المهم ذكروا أن هذا لا بأس به، العلماء قالوا: له أن يحلق عانة من لا يحسن حلق عانته.
الطالب: ( ... ).
(1/2710)
________________________________________
الشيخ: أنا عندي أنه ما أحد يعجز عن حلق العانة، خصوصًا وقتنا -الحمد لله- الآن فيه وسائل تسهل للإنسان هذا الشيء يمكن فيما سبق أن الموسى يصعب على الإنسان يحلق عانته به لكن فيه المكائن معروفة الآن، فيه مكائن حلاقة سهلة.
طالب: ( ... ).
الشيخ: إي نعم، لا بأس، قوله: «لَا تُحَنِّطُوهُ» (2) يدل على أن -كما سيأتي في التكفين- يدل على أنه يجعل حنوطًا في الكفن، ما هو في التغسيل.
طالب: بالنسبة ( ... ) الحامل ( ... ).
الشيخ: لا يعصر؛ لأن هذا خطر على الجنين، ربما ينزلق، فالأولى ألا يعصر.
طالب: الزوائد ( ... ) مع الميت ( ... ).
الشيخ: هذا مهم، سؤال مهم، يقول: الزوائد المركبة في الميت، مثل الأسنان والأنف، هل تدفن معه أو لا؟
نقول: أما ما لا قيمة له فلا بأس أن يدفن معه؛ كالأسنان من غير الذهب والفضة، والأنف من غير الذهب، وأما ما كان له قيمة فإنه يؤخذ، إلا إذا كان يخشى منه المثلة، كما لو كان السن لو أخذناه لصار فيه مثلة فإنه يبقى معه، ثم إن شاء الورثة بعد أن يفنى الميت أن يحفروا القبر ويأخذوا الذهب فلهم ذلك، وإن شاؤوا أن يبقى فلهم ذلك.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، هذه تبقى معه.
طالب: أحسن الله إليك ( ... ).
الشيخ: لا، ما يجوز هذا، لا بد أن يكون مسلمًا ( ... ).
***
إلى يوم الدين. مبتدأ النقاش، ما حكم تغسيل الأب الكافر؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، ما الدليل؟
الطالب: الدليل قوله عز وجل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84].
الشيخ: نعم، وجه الدلالة؟
طالب: ( ... ) الميت، فمن باب أولى ما وراءها.
الشيخ: فما دونها مما يتعلق بإكرامه من باب أولى، أحسنت. لماذا يوارى؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: إي، لماذا يوارى؟ لماذا لا نرميه في الزبالة ونتركه؟ لأن المؤلف يقول: يجب أن يوارى، يعني: يدفن ويستر.
الطالب: ( ... ) لسببين، إذا مات.
الشيخ: لئلا يتأذى الناس برائحته، هذا واحد، وغير؟
(1/2711)
________________________________________
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، هو لازم يدفن، لكن لماذا يوارى؟ أولًا: لئلا يتأذى الناس برائحته. والثاني؟
طالب: لئلا يكسر ذلك أهله.
الشيخ: نعم، لئلا يتأذى أهله بذلك.
طالب: لئلا ( ... ) أهل البدع ( ... ).
الشيخ: الأخ يقول: ولئلا يتخذ وثنًا.
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما أدري هو سوف يتعفن.
طالب: هي نفس العلة في بروز القبر أن القبر.
الشيخ: لا، هذا معناه أنه يلقى في الزبالة كما تلقى الشاة إذا ماتت، نقول هذا لأنه يتأذى الناس برائحته، ويتأذى أهله بمشاهدته، هاتان علتان واضحتان.
طالب: كذلك يا شيخ لئلا تأكله السباع ( ... ) ابن آدم.
الشيخ: هذه ربما تأكله السباع فتأخذ على بني آدم، ولكنني أخبرك بأن السباع تأكل الحي أحسن من الميت، وهي متعودة على أكل السباع.
على كل حال قد يوجد علل غير ما ذكرنا، لكن اللي واضح لي الآن هما العلتان الأوليان.
ما حكم ستر عورة الميت عند غسله؟
طالب: واجبة.
الشيخ: مطلقًا.
الطالب: إلا إذا كان دون سبع سنين.
الشيخ: إلا إذا كان دون سبع سنين، أحسنت.
المؤلف يقول: (إذا أخذ في غسله ستر عورته وجرده) هل يدل ذلك على أن ستر العورة قبل التجريد؟
طالب: نعم، تستر عورته قبل التجريد.
الشيخ: نعم تستر عورته، تلف عليها خرقة قبل أن يجرد؛ لأننا لو جردناه قبل ستر عورته لانكشفت العورة.
حكم توضئة الميت عند التغسيل؟
طالب: أمر مندوب.
الشيخ: أمر مندوب، ما الدليل على أنه للندب؟ وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم النساء اللاتي يغسلن ابنته، قال: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ» (1).
الطالب: لأن المطلوب في تغسيل الميت هو نظافة الميت وليس المقصود منه الوضوء للعبادة الشرعية، وأما غسل الميت هو للتنظيف.
الشيخ: للتنظيف، إذن لو أن الميت اغتسل قبل موته بخمس دقائق وتنظف بالصابون والشامبو وكل شيء ثم مات فلا يغسل.
طالب: ولكن يغسل من باب ..
الشيخ: من أنظف ما يكون.
(1/2712)
________________________________________
طالب: قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» (2) لم يبين يتوضأ.
الشيخ: في الذي مات، وقصته راحلته، قال: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»، ولم يأمرهم بتوضئته، وهذا في آخر أيام الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بعد قصة ابنته التي ماتت.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ما هي؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: هذا من باب دلالة الاقتران.
هل يمضمضه وينشقه؟
طالب: لا، ما يمضمضه ولا ينشقه.
الشيخ: ليش؟
الطالب: لأنه قد المضمضة في الميت هذا الماء المضمضة.
الشيخ: فيحرك ما كان ساكنًا في بطنه.
الطالب: لا ولكن.
الشيخ: إي نعم، لو دخل الماء إلى أنف الميت ما يتأذى، كله واحد، لكن لو دخل إلى معدته ربما يتحرك شيء، أما الاستنشاق فمتعذر؛ لأن الميت لن يستنشق.
كيف نغسل الميت بالسدر إذا قلنا: إنه يغسل بالسدر؟
طالب: السدر مع الماء.
الشيخ: يؤتى بالسدر، فأيش يعمل فيه؟
الطالب: فيوضع مع الماء.
الشيخ: إذا وضع في الماء يترك هكذا ولا يعمل فيه شيء آخر؟
الطالب: يقلب حتى تطلع رغوته.
الشيخ: حتى تطلع رغوته، ثم؟
الطالب: ثم يغسل برغوته رأس الميت ولحيته، وأما الثفل فيغسل به باقي الجسد.
الشيخ: تمام، لماذا اختير السدر؟
طالب: لأنه هو المنظف على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: هذا واحد.
طالب: لأنه يبعد الحشرات برائحته.
الشيخ: لا.
طالب: لفائدتين: الأولى: أنه يبرد ويبعد الهوام.
الشيخ: يبعد الهوام، لا.
طالب: شيخ، لأنه أحسن شيء.
الشيخ: للتنظيف؛ لأنه أكمل في التنظيف من غيره، ولأنه بارد، يبرد البدن، هكذا قالوا.
بعد أن يعمل فيما يعمل من البداءة بميامن الميت وغسل رأسه ولحيته برغوة السدر، كيف يغسل بقية بدنه؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لكن يغسل الظهر قبل البطن ولا البطن قبل الظهر.
الطالب: يبدأ بالأيمن والأيسر.
الشيخ: يبدأ بالأيمن ثم الأيسر، ما الدليل أنه يبدأ بالأيمن؟
(1/2713)
________________________________________
الطالب: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ» (1).
الشيخ: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا». إذا لم ينق بثلاث؟
طالب: يزيد رابعة وخامسة ..
الشيخ: يزيد رابعة ويقتصر عليها لو نقى بالرابعة؟
الطالب: يقتصر عليها.
الشيخ: يقتصر عليها؟
طالب: يزيد واحدة.
الشيخ: يزيد واحدة، لماذا؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: طيب الآن أنقى بأربع يزيد الخامسة لماذا؟
الطالب: لأنه هذا الذي ..
الشيخ: هذا الذي أمر به، ولأنه يقطعه على وتر.
إذا لم ينق بثلاث، فما منتهى الزيادة؟
طالب: يطيب بكافور.
الشيخ: لا، إذا لم ينق بثلاثة هل يزيد خمسة سبعة تسعة؟
الطالب: يزيد خمسة.
الشيخ: خمسة ما أنقى؟
الطالب: سبعة.
الشيخ: سبعة لم ينق؟
الطالب: فأكثر.
الشيخ: تسعة، ويش تقولون؟ صحيح؛ لأنه قال: (ولو جاوز السبع)، وفي الحديث: «أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ» (1).
التعليق بالرؤية هنا تعليق اختيار أو مصلحة؟
طالب: مصلحة.
الشيخ: تعليق مصلحة، هل هناك ضابط لما فيه التخيير بين أن يكون اختيارًا أو مصلحة؟
الطالب: إذا كان التخيير يرجع إلى الفاعل يكون التخيير تشهيًا، وإذا كان لغير الفاعل يكون تخيير مصلحة.
الشيخ: صح، الضابط هذا إذا كان المقصود التيسير على الفاعل وهو يعود لنفسه، لا يعود لغيره، فهو تخيير تشه، يعني: مخير اللي يشتهيه، وإذا كان يعود إلى الغير فهو تخيير مصلحة، هذا الضابط؛ لأن الإنسان في نفسه هو حر، مثل: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] هذا تخيير تشه؛ لأن المقصود به التيسير على المكلف، وهو يتعلق بنفسه، ما يتعلق بغيره، وأما إذا قيل: بع مال اليتيم أو أقرضه أو ضارب به فهذا تخيير مصلحة؛ لأنه يتعلق بالغير.
الكافور يجعل في الغسلة الأولى؟
(1/2714)
________________________________________
طالب: يجعل في الغسلة الأخيرة.
الشيخ: الأخيرة، الدليل؟
الطالب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: «وَاجْعَلْنَ فِي آخِرِ غَسْلَةٍ».
الشيخ: «فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ» ..
الطالب: «كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ».
الشيخ: ما هي الفائدة من ورق الكافور؟
طالب: أنه يطرد الهوام وأنه بارد.
الشيخ: وغير؟
الطالب: يطرد الهوام.
الشيخ: وغير؟
طالب: أنه يحنط المغتسل، يصلب المغتسل.
الشيخ: نعم يصلبه أيضًا، هو له رائحة طيبة رائحة زكية، يعني قريبًا أن يكون نوعًا من الطيب.
هل يقص شارب الميت عند تغسيله؟
طالب: نعم يا شيخ، إذا ( ... ) شاربه طويل فإنه يقص.
الشيخ: إن طال يقص وإلا فلا، طيب، ويقاس عليه الأظفار؟
الطالب: نعم.
الشيخ: والإبط؟
الطالب: نعم.
الشيخ: والعانة؟
الطالب: نعم.
الشيخ: والختان؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: إي نعم، الختان لا يجوز، يحرم، وأما الأظفار والإبط والشارب والعانة فتزال إن طالت.
كلام المؤلف ظاهره أنه لا يأتي الإبط ولا العانة ولا الختان؛ لأنه اقتصر على الشارب والظفر فقط، وهذا أحد القولين في المسألة.
ظاهر كلام المؤلف أنه لا يأتي سوى الشارب والأظافر.
ولكن المشهور من المذهب أنه يأخذ الإبط، ولا يأخذ العانة.
والصحيح أنه يأخذ العانة إذا طالت؛ لأن أخذ العانة ونتف الإبط وتقليم الأظفار، قص الشارب، كله من النظافة، والمشروع أن يخرج الميت نظيفًا.
يبقى عندنا مسألة العانة: كيف يحلقها؟ نقول: لنا في هذا مخرجان: إما أن يقال: إن هذه حاجة والنظر إلى العورة عند الحاجة جائز، وإما أن يقال: يمكن ألا يحلقها حلقًا، بل يقصها قصًّا، والقص ليس بضرورة أن يشاهدها.
يقول المؤلف: إن الميتة (يضفر شعرها ثلاثة قرون)، ما معناها؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، ما الدليل؟
طالب: حديث أم عطية عندما قالت: إننا غسلنا ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فضفرناها ثلاثة قرون (1).
الشيخ: ضفرنا شعرها.
(1/2715)
________________________________________
الطالب: ثلاثة قرون، وألقيناه خلفها.
الشيخ: تمام أحسنت، ألقيناه خلفها.
***
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وإن خرج منه شيء بعد السبع حشي بقطن).
(خرج منه) أي: من الميت، (شيء) أي من بول، أو غائط، أو دم، أو ما أشبه ذلك، (حشي بقطن) يعني: سد بالقطن من أجل أن يتوقف.
(فإن لم يستمسك) بالقطن (فبطين حر) الطين الحر: الذي ليس مخلوطًا بالرمل، يعني طينًا قويًّا؛ لأن الطين القوي يسد الخارج، واختاروا الطين لأنه أقرب إلى طبيعة الإنسان؛ حيث إن الإنسان خلق منه، وسيعاد إليه، فلهذا اختاروا الطين.
(ثم يغسل المحل ويوضأ) يغسل المحل، يعني الذي أصابه ما خرج، يغسل للتنظيف وإزالة النجاسة إن كان نجسًا، ثم يوضأ.
(وإن خرج بعد تكفينه لم يعد الغسل) إن خرج شيء بعد التكفين لم يعد الغسل؛ لأن في ذلك مشقة؛ إذ إننا لو أزلنا الكفن ثم نظفناه، ثم كفّناه مرة أخرى، فربما يخرج شيء، وحينئذٍ يكون فيه المشقة، فإذا خرج بعد التكفين تركناه.
قال الفقهاء رحمهم الله، وهو من عندهم: إذا خرج قبل السبع وجب غسله وإعادة الغسل، وإن خرج بعد السبع وجب غسله والوضوء، وإن خرج بعد التكفين لم يجب غسله ولا إعادة الوضوء. فله أحوال ثلاثة، ولهذا قال: (إن خرج بعد تكفينه لم يعد الغسل) ويترك.
ثم قال: (ومحرم ميت كحي) أي: في أحكامه، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» (2)، فهذا يدل على أنه باق على إحرامه، وإذا كان كالحي قد يغسل بماءٍ وسدر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»، ولأن استعمال السدر للمحرم ليس بحرام، بل هو جائز.
(ولا يقرّب طيبًا) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تُحَنِّطُوهُ»، ولأن المحرم ممنوع من الطيب.
(1/2716)
________________________________________
(ولا يلبس ذكرٌ مَخيطًا) يعني: لا يلبس الذكر قميصًا أو سراويل أو عمامة أو غيرها مما يحرم على الحي، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا».
قال: (ولا يغطى رأسه) لا يغطى رأسه، بل يبقى مكشوفًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ»، ولكن لا بأس أن يظلل بشمسية أو شبهها، كما يفعل بالمحرم الحي، وأما التغطية باللف عليه، فهذا لا يجوز.
(ولا وجه أُنثى) يعني: لو ماتت أُنثى محرمة فإن وجهها لا يغطى، وهذا إن لم يُمر بها حول رجال أجانب، فإن مُر بها حول رجال أجانب فإن وجهها يستر، كما لو كانت حية.
وظاهر كلام المؤلف اجتناب هذه الأشياء حتى بعد التحلل الأول، ولعله غير مراد؛ لأن المحرم بعد التحلل الأول لا يحرم عليه إلا النساء فقط، وعلى هذا فيصنع به كما يصنع بالمتحلل تحللًا أول.
وفي قول النبي عليه الصلاة والسلام: «يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» دليل على أنه لا يُقضى عنه ما بقي من نسكه، ولو كان الحج فريضةً، خلافاً لما ذهب إليه بعض أهل العلم، وقالوا: إنه يقضى عنه ما بقي من النسك إذا كان الحج فريضة.
فإننا نقول في رد هذا القول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم: اقضوا عنه بقية نسكه، ولو كان قضاء بقية النسك واجبًا لبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولأننا لو قضينا عنه بقية نسكه لفوتنا عليه فائدة كبيرة جدًّا، وهي أنه يبعث يوم القيامة ملبيًا؛ لأننا لو قضينا عنه بقية النسك لتحلل وانتهى من النسك، فيكون في قضاء بقية النسك عنه إساءة إلى الميت. بل نجعله يبقى ونقول: هذا الرجل شرع في أداء النسك ومات قبل إكماله، {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100]، أما بالنسبة لنا فلا نتعرض له.
(1/2717)
________________________________________
ثم قال: (ولا يغسل شهيد ومقتول ظلمًا إلا أن يكون جنبًا): (ولا يغسل شهيد) (لا) نافية، والنفي يحتمل الكراهة ويحتمل التحريم. ولهذا اختلف أصحابنا -رحمهم الله- هل تغسيل الشهيد حرام أو مكروه؛ فقال بعضهم: إنه مكروه. وقال بعضهم: إنه حرام.
والصحيح أنه حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يدفنوا في دمائهم وألا يغسلوا (9)، ولأن التغسيل واجب، ولا يترك الواجب من أجل فعل المكروه، لا يترك إلا لمحرم، وعلى هذا فالقول الصحيح في المسألة أنه لا يغسل تحريمًا أو كراهة؟ تحريمًا.
وقوله: (شهيد) المراد بالشهيد هنا شهيد المعركة، لا من في حكم الشهيد، المراد شهيد المعركة الذي يقتل وهو مقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
أما من قاتل لوطنية أو قومية أو عصبية فليس بشهيد، ولو قتل، لكن من قاتل حماية لوطنه الإسلامي من أجل أنه وطن إسلامي فقد قاتل لحماية الدين، فيكون من هذا الوجه في سبيل الله.
ولهذا يجب أن نبيّن لإخواننا في الجيش أنهم إنما يتأهبون للقتال لا دفاعاً عن وطنهم من أجل أنه وطنهم، ولكن من أجل أنه وطن إسلامي، يقاتلون لحماية الإسلام حتى يكونوا عند الموت شهداء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليُرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ» (10).
فاسأل من قاتل حمية، فالذي قاتل حمية نقول: لماذا تقاتل حمية؟ هل هو حدب على قومك، أو رغبة في بقاء الإسلام في بلادك؟
إن قال بالأول فليس بشهيد، وإن قال بالثاني فهو شهيد، قال: أنا أقاتل حدبًا على قومي، ليبقى الإسلام في بلادي. قلنا: إذن أنت في سبيل الله.
(1/2718)
________________________________________
وقوله: (ومقتول ظلمًا) يعني أن المقتول ظلمًا لا يغسل أيضًا؛ لأن المقتول ظلمًا شهيد، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (11).
هكذا قال المؤلف، والصحيح أن المقتول ظلمًا يغسل كغيره من الناس، ولا يمكن أن يساوى بشهيد المعركة، وإن كان يطلق عليه اسم شهيد، فالمطعون أيضًا شهيد، والمبطون شهيد، والغريق شهيد، والحريق شهيد، وليس كل ما أطلق عليه اسم الشهيد يكون حكمه كشهيد المعركة؛ لأن شهيد المعركة يا إخوانا مدَّ رقبته إلى عدوه ليقطعها في سبيل الله، والمقتول ظلما أُكره على المقاتلة حتى قتل، فبينهما فرق عظيم.
ولهذا يجب ألا نظن أن الشهداء في مرتبة واحدة، وإن كانوا شهداء، كل في مرتبته: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: 132].
فالصحيح أن جميع الموتى من المسلمين يغسلون ويكفّنون ويصلّى عليهم إلا شهداء المعركة فقط، فهؤلاء لا يغسلون، ولا يكفّنون، ولا يصلّى عليهم.
لكن لماذا؟ لأن المقصود بالصلاة عليهم: الشفاعة لهم، وكفى ببارقة السيوف على رؤوسهم شفاعة، كفى بذلك، فهم يشفع لهم هذا البذل الذي بذلوه، بذلوا أغلى ما عندهم، وهي النفوس، لإعلاء كلمة الله.
طالب: ( ... ) ما يتعارض.
الشيخ: لا، ما يتعارض؛ لأن هذاك في التغسيل وهذا في إزالة النجاسة.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا، ما هو على كل حال ( ... ).
طالب: شيخ، كل عبد يبعث على ما مات عليه، والحاج يبعث ملبيًا، هل يتعدى الحكم هذا إلى غيره مثل من مات مصليًا أو مات مثلًا ..
الشيخ: والله يرجى له ذلك، لكن ما نجزم بهذا الشيء.
الطالب: بموجب هذا الحديث.
(1/2719)
________________________________________
الشيخ: أقول: لأن القياس في العبادات أو في الثواب فيه نظر، وحديث: «يُبْعَثُ الْعَبْدُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ» (12) يعني: من التوحيد والإخلاص، ولا يلزم منه أنه إذا مات مصليًا فإنه يبعث مصليًا، وإذا مات طالب علم فإنه يبعث طالب علم، لكن يرجى ذلك إن شاء الله.
الطالب: لكن فعل أبي سعيد لما جاءه الموت لبث ثوبًا جديدًا وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ بِالثَّوْبِ الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ» (13).
الشيخ: هذه مخالفٌ فيها رضي الله عنه، أقول: فإن كثيرًا من العلماء يقول: المراد بالثياب هنا ثياب التقوى، ما هو ثياب اللباس الحسية ( ... ).
(ولا يغسل شهيد ولا مقتول ظلمًا) إلى آخره.
إذا خرج من الميت شيء بعد غسله فقد ذكرنا، إذا خرج منه شيء فقد ذكرنا أنه على ثلاثة أقسام؟
طالب: إذا كان قبل الغسل ( ... ) أما إذا كان قبل ( ... ).
الشيخ: لا، إذا كان قبل السبع.
الطالب: إذا كان قبل السبع قلنا: يجب غسله.
الشيخ: يجب إعادة الغسل، غسله كله. طيب.
الطالب: إذا كان قبل التكفين فإنه ( ... ).
الشيخ: اللي قبل التكفين حتى ( ... ) قبل التكفين إذا كان بعد السبع وقبل التكفين.
الطالب: إذا كان بعد السبع وقبل التكفين هنا يجب وضوؤه وغسله.
الشيخ: كيف الغسل؟ إذن لا فرق بين هذه والأولى.
الطالب: غسله.
طالب: إذا كان قبل السبع يعيد.
الشيخ: إذا كان قبل السبع وجب إعادة تغسيله.
الطالب: وإذا كان بعد السبع ( ... ).
الشيخ: وإذا كان بعد التكفين؟
الطالب: إذا كان بعد التكفين لا ..
الشيخ: لا يجب لا غسله ولا وضوؤه. طيب.
طالب: ( ... ) غير واضحة.
الشيخ: أصل كل ما وجب الغسل وجب الوضوء، إذا كان قبل السبع يجب التغسيل إذا كان بعده، وقبل التكفين يجب وضوؤه، والثالث: إذا كان بعد التكفين لم يجب شيء لا وضوء ولا غسل.
طالب: بعد السبع يقتصر على الوضوء.
الشيخ: يقتصر على الوضوء.
الطالب: ما يجب الغسل؟
(1/2720)
________________________________________
الشيخ: لا، ما يجب الغسل، لكن إذا لم ينق بالسبع كما قال المؤلف يزاد حتى ولو جاوز السبع.
طالب: لم يذكر شيئًا.
الشيخ: كيف ما يذكر هذه؟
الطالب: غسله والوضوء.
الشيخ: أصله يمكن غسله ( ... ).
الطالب: ( ... ).
طالب: غسل من الخارج.
الشيخ: إي غسل الخارج ما هو بتغسيل الميت. طيب، إذا مات محرم كيف نغسله ونكفنه؟
طالب: نغسله ( ... ).
الشيخ: نغسله بأيش؟ بماء وسدر، وهل نجعل معه كافورًا أو لا؟
الطالب: لا.
الشيخ: لا نعجل؛ لأن الكافور نوع من الطيب. وبماذا نكفنه؟
طالب: نكفنه بما عليه من ثياب.
الشيخ: في ثوبيه. طيب، وهل نغطي جميع جسده؟
طالب: لا نغطي جميع جسده، بل لا نغطي رأسه.
الشيخ: لا نغطي جميع جسده، بل نغطي، لا نغطي رأسه أيش؟
الطالب: لا يغطى المحرم ..
الشيخ: سؤال: هل إذا مات المحرم يغطى جميع بدنه؟
الطالب: يغطى جميع بدنه ما عدا رأسه.
الشيخ: أحسنت، ما عدا رأسه ووجهه؟
الطالب: الوجه من الرأس.
الشيخ: ما قال أحد من أهل العلم: إن الوجه من الرأس.
الطالب: لا بد إذا غطي الرأس غطي الوجه.
الشيخ: أبدًا، ما هو بصحيح، هذا الرأس مغطى الآن والوجه واضح. لا يغطى لا الرأس ولا وجهه؟
الطالب: لا يغطى الرأس.
الشيخ: والوجه؟
الطالب: لا يغطى.
الشيخ: كيف؟
طالب: ما يغطى، الرأس لا يغطى.
الشيخ: إذن لا يغطى لا رأسه ولا وجهه، لماذا؟
الطالب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما مات الذي وقصته راحلته قال: «وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ» (2).
الشيخ: «وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ» وهل قال: ولا وجهه؟
الطالب: لا.
الشيخ: إذن، طيب أسألك الآن لو كنت محرمًا هل يجوز أن تغطي وجهك أو لا؟
طالب: لا، ما يجوز .. يجوز أغطيه نعم.
الشيخ: واحد محرم قال هكذا بوجهه يجوز ولاَّ ما يجوز؟ يجوز؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يجوز، طيب إذا مات ما الذي يحرم تغطية وجهه بعد موته، هل طرأ شيء يوجب .. ؟
الطالب: ما طرأ شيء، ولكن الوجه داخل في عموم الرأس؛ لأن الرأس داخل يعني ..
(1/2721)
________________________________________
الشيخ: يا أخي، اجزم، قل: لا يحرم وبس، ماذا تقولون؟
طلبة: لا يحرم.
الشيخ: صحيح، لا يحرم؛ لأن المحرَّم على المحرِم تغطية الرأس فقط، فيه رواية: «وَلَا وَجْهَهُ» (14) لكن الرواية هذه شاذة، الرواية اعتبرها العلماء شاذة.
طيب، هل يجوز أن يلبس قميصًا؟
طالب: لا يجوز أن يلبس قميصًا ذكر من المخيط ما يجوز.
الشيخ: لأنه لا يجوز لبسه في حال الحياة.
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب هل هناك دليل على أن جميع المحظورات يُجَنَّبُها الميت؟
الطالب: نعم؛ لقوله: كمحرم حي.
الشيخ: لا، شوف كلام المؤلف ما نستدل به.
الطالب: جميع المحظورات ..
الشيخ: إي نعم، هل فيه دليل على أن جميع محظورات الإحرام تجنب المحرم إذا مات؟
الطالب: من ضمنها الطيب، وكشف الوجه للأنثى.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، أنا أريد جميع المحظورات، الطيب، تخمير الرأس.
طالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» (2).
الشيخ: نعم صحيح، «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا»، فهذا التعليل يقتضي أن يجنب جميع محظورات الإحرام، تمام، صح.
ذكرنا أنه لو مات بعد التحلل الأول فما الحكم؟
طالب: يغطى رأسه، يعني ( ... ) الحج؛ لأنه لا يحرم عن الحاج بعد التحلل الأول إلا ( ... ) فيجوز له أن يفعل كل ما ..
الشيخ: هو يمكن يؤخذ من قوله: «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» لأنه إذا حل التحلل الأول انقطعت التلبية، التلبية تنقطع متى؟ عند رمي جمرة العقبة.
امرأة ماتت وهي محرمة، هل يجوز أن نغطي رأسها؟
طالب: يجوز تغطية رأسها ولكن ( ... ).
الشيخ: يجوز أن يغطى رأسها وهي محرمة.
الطالب: لأنها وهي حية يغطى الرأس وهي ميتة من باب أولى.
الشيخ: وجهها؟
طالب: وجهها أيضًا؛ لأن بإحرامها لا يغطى وجهها.
الشيخ: طيب، هي سيمر بها من عند الرجال؟
الطالب: يمر بها من عند الرجال نغطي وجهها حينئذٍ.
الشيخ: إذا زال الموجب للتغطية كشفناه أحسنت، تمام.
(1/2722)
________________________________________
من الذي يموت من المسلمين ولا يغسل؟
طالب: الشهيد.
الشيخ: الشهيد، ما هو الدليل؟
الطالب: النبي صلى الله عليه وسلم دفن قتلى أحد ولم يغسلهم (9).
الشيخ: نعم، أن الرسول لم يغسل شهداء أحد ولم يصل عليهم. طيب.
هل يلحق بالشهيد -شهيد المعركة- كل شهيد؟
طالب: فيه قولان؛ على قول المؤلف يلحق به.
الشيخ: يلحق به كل شهيد، إي، يعني: حتى المبطون والمطعون.
الطالب: حتى لو ( ... ).
الشيخ: نعم.
طالب: على كلام المؤلف أنه ما يلحق.
الشيخ: وعلى رأيك أنه يلحق به كل شهيد؟
الطالب: ما يلحق ( ... ) الشهداء ما ..
الشيخ: المهم المؤلف ماذا يرى، هل يرى أن يلحق بشهيد المعركة كل شهيد؟
الطالب: يرى أنه لا يلحق به كل شهيد، إلا المقتول ظلمًا.
الشيخ: يعني لا، تقول: لا.
الطالب: ما يرى هذا.
الشيخ: لا يرى هذا.
طالب: ( ... ) لا يغسل شهيد.
الشيخ: سبحان الله، هو عمم، هذا يدل على أنك ما ( ... ) الكتاب ما حفظته، المؤلف يقول: ولا يغسل شهيد معركة، ما هي عندك معركة؟
طالب: لا، في الشرح.
الشيخ: شرح.
طالب: شهيد المعركة.
الشيخ: لا، هي المراد شهيد المعركة.
طالب: ( ... ) شهيد المعركة.
الشيخ: إي يمكن في بعض النسخ، طيب على كل حال المؤلف يرى أنه يلحق بشهيد المعركة المقتول ظلمًا.
طيب، ما هو القول الصحيح في هذا؟
طالب: ما يلحق بشهيد المعركة.
الشيخ: يعني لا يلحق بشهيد المعركة إلا شهيد المعركة.
الطالب: لا.
الشيخ: ما هو القول الراجح؟
الطالب: القول الراجح شهيد المعركة فقط هو الذي لا يغسل.
الشيخ: وغيره؟
الطالب: وغيره لا.
الشيخ: طيب، ما الذي جعلنا نرجح هذا القول؟
طالب: ( ... ) شهيد المعركة.
طالب آخر: شهيد المعركة قدم رقبته للأعداء ليضربوها، غيره لم يفعل ذلك.
الشيخ: هذه يمكن أن نقولها إذا رددنا القياس، لكن ما هو الدليل على وجوب تغسيل المقتول ظلمًا؟
طالب: لأن شهيد المعركة شفع له ..
(1/2723)
________________________________________
الشيخ: خل ما جينا هذا التعليل لما لم يغسل، لكن لماذا قلنا: إن الراجح وجوب تغسيل من قتل ظلمًا؟
طالب: لأنه ( ... ).
الشيخ: سبحان الله.
طالب: لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ( ... ).
الشيخ: يعني عمومات الأدلة الدالة على وجوب تغسيل المسلم، كل مسلم الأصل أن تغسيله وتكفينه والصلاة عليه فرض كفاية، كل مسلم، هذا الأصل، «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» (2) «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» (1)، فالأصل في كل مسلم يموت التغسيل، هذا العموم لا يمكن أن نخرج منه شيئًا إلا ما دل عليه الدليل.
شهيد المعركة دل عليه الدليل، ألحق الفقهاء به المقتول ظلمًا، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (11).
نقول: هذا الإلحاق لا يصح؛ للفرق العظيم بين شهادة هذا وهذا، وإلا فقولوا أيضًا: إن المطعون لا يغسل لأنه شهيد، فالصحيح أنه يغسل المقتول ظلمًا.
طالب: ( ... ).
الشيخ: هذا هو الصحيح.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ما صلى، صلى في آخر حياته، خرج فصلى عليهم، يعني دعا لهم دعاء عاديًّا.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: صُلي عليهم.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: هذا يجعل ضعف هذا القول.
***
قال المؤلف رحمه الله: (إلا أن يكون جنبًا)، (إلا أن يكون) الضمير يعود على الشهيد.
طالب: ( ... ).
الشيخ: اللي عندي يا إخواني ترى في المتن: (ولا يغسل شهيد).
طالب: ( ... ).
الشيخ: (ومقتول ظلمًا، ) ما هي بمتن عندكم، متن؟
طلبة: إي نعم.
الشيخ: عندكم متن، طيب ما يخالف شيء.
(1/2724)
________________________________________
(إلا شهيد المعركة) لكن قوله: (إلا أن يكون جنبًا) إذا كان المتن: (ولا يغسل شهيد ومقتول ظلمًا) أو (شهيد معركة ومقتول ظلمًا) فإن مقتضى القاعدة النحوية أن يقال: إلا أن يكونا جنبًا؛ لأن العطف بالواو يجعلهما شيئين، فيجب أن يكون الضمير عائدًا على شيئين بصيغة المثنى، ولكن الشرح اللي عندي جعل المقتول ظلمًا شرحًا، وهذا هو الذي يناسب للعبارة (إلا أن يكون جنبًا)، يعني: إلا أن يكون الشهيد جنبًا، فإن كان الشهيد جنبًا فإنه يغسل، وكذلك لو كانت امرأة استشهدت قتلت ظلمًا على المذهب، أو قتلت في الجهاد وكانت حائضًا ولم تغتسل من الحيض، فإنها كذلك تغسل، هذا ما ذهب إليه المؤلف، ولكن ظاهر الأخبار يدل على أنه لا فرق بين الجنب وغيره؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يغسل الذين قتلوا في أحد (9).
أما ما يذكر من أن عبد الله بن حنظلة، أو حنظلة غسلته الملائكة (15)، فهذا إن صح في الحديث ليس فيه دليل على أنه يغسله البشر؛ لأن تغسيل الملائكة له ليس شيئًا محسوسًا بماءٍ يطهر، بل هو إن صح من باب الكرامة، وليس من باب التكليف، وتغسيل الملائكة للرجل ليس قيامًا بواجب، بل هو من باب الكرامة، هذا إن صح الحديث.
فالصحيح أنه لا يغسل، سواء أكان جنبًا أم غير جنب؛ لعموم الأدلة، ولأن الشهادة تكفر كل شيء.
ولو قلنا بوجوب تغسيله إذا كان جنبًا، لقلنا أيضًا بوجوب وضوئه إذا كان محدثًا حدثًا أصغر؛ ليكون على طهارة، ولم يقولوا به، فالصواب أنه لا استثناء.
وقوله: (ويدفن بدمه في ثيابه).
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما عندكم (بدمه) عندي حطها متن.
(ويدفن في ثيابه) يدفن يعني الشهيد في ثيابه التي قتل فيها؛ لأنه يبعث يوم القيامة على ما مات عليه من القتل، ولهذا يبعث وجرحه يثعب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فيدفن في ثيابه.
(1/2725)
________________________________________
ولكن يقول: (بعد نزع السلاح والجلود عنه)، يعني: إذا كان معه جلود مثل سير ربط به إزاره أو رداءه، أو ما أشبه ذلك، أو معه سلاح قد حمله فإنه ينزع منه؛ لأن هذا لا يدخل في الثياب، ولأنه ورد في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم (9).
(وإن سُلبها) الضمير الذي هو نائب الفاعل يعود على (الثياب) ومعنى سلبه إياها أنها تؤخذ منه، مثل أن يأخذها العدو ويدعه عاريًا، قالوا: كفن بغيرها وجوبًا؛ لأنه لا بد من التكفين للميت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» (2).
(ولا يصلى عليه) لا يصلي عليه أحد من الناس؛ لا الإمام ولا غير الإمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد (9)، ولأن الحكمة من الصلاة الشفاعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ» (16)، فدل هذا على أن الحكمة من الصلاة هي الشفاعة.
والشهيد يكفر عنه كل شيء إلا الدَّين؛ فإن الدين لا يسقط بالشهادة، يبقى في ذمة الميت في تركته، إن خلف تركة، وإلا فإنه إذا كان أخذه يريد أداءه أدى الله عنه.
(ولا يصلى عليه) إذن نقول: لا يصلى عليه دليل وتعليل، ما هو الدليل؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد (9)، والتعليل: أن المقصود من الصلاة الشفاعة، والشهيد قد كفر عنه كل شيء.
فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج في آخر حياته إلى أحد وصلى عليهم (17)؟
(1/2726)
________________________________________
فالجواب أن هذه ليست صلاة الميت؛ لأن صلاة الميت يجب أن تكون قبل الدفن، ولكن هذه إما صلاة بمعنى الدعاء، وإما صلاة مودع كما مال إليه ابن القيم -رحمه الله- أنه خرج إليهم يدعو لهم كالمودع لهم، وأما أنها الصلاة التي تصلى على الميت فلا يمكن أن يبقى الرسول عليه الصلاة والسلام من السنة الثانية إلى السنة العاشرة أو الحادية عشرة لم يصلِّ عليهم.
ثم قال: (وإن سقط عن دابته)، (إن سقط) الفاعل من؟ الشهيد، إن سقط أي الشهيد عن دابته، لكن بشرط أن يكون بغير فعل العدو، فإن سقط عن دابته بفعل العدو فالعدو قتله إن مات، ويكون شهيدًا لا يغسل كما سبق.
(أو وجد ميتًا ولا أثر به) يعني ليس به أثر جراحة، ولا خنق، ولا ضرب، ووجد ميتًا فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، وهذا له دليل نظري؛ وذلك أن هذا الميت وجب بموته أن يغسل ويكفن ويصلى عليه.
وكون موته من فعل العدو مشكوك فيه؛ لأنه ليس فيه أثر، ولا يمكن أن ندع اليقين للشك، بل يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه.
وقول المؤلف: (ولا أثر به) يخرج به ما لو وجد به أثر، مثل جرح، خنق، ضرب، ضربات مميتة، فإنه يحكم بالظاهر هنا، وهو أن الذي فعل به ذلك العدو، وعلى هذا فيكون شهيدًا لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه.
وهنا غلبنا الظاهر على الأصل؛ كيف غلبنا الظاهر على الأصل؟ لأن الأصل وجوب التغسيل ..
أو حُمِلَ فأُكِلَ أو طالَ بقاؤُه عُرْفًا غُسِّلَ وصُلِّيَ عليه، والسَّقْطُ إذا بَلَغَ أربعةَ أَشْهُرٍ غُسِّلَ وصُلِّيَ عليه، ومَن تَعَذَّرَ غُسْلُه يُمِّمَ، وعلى الغاسِلِ سَتْرُ ما رآه إن لم يكنْ حَسَنًا.
(فصلٌ في الكفن)
(1/2727)
________________________________________
يَجِبُ تَكفينُه في مالِه مُقَدَّمًا على دَيْنٍ وغيرِه، فإن لم يكنْ له مالٌ فَعَلَى مَن تَلْزَمُه نَفقتُه إلا الزوجَ لا يَلْزَمُهُ كَفَنُ امرَأَتِه، ويُسْتَحَبُّ تَكفينُ رَجُلٍ في ثلاثِ لفائفَ بيضٍ تُجَمَّرُ ثم تُبْسَطُ بعضُها فوقَ بعضٍ ويُجْعَلُ الْحَنوطُ فيما بينَها ثم يُوضَعُ عليها مُسْتَلْقِيًا ويُجْعَلُ منه في قُطْنٍ بينَ ألْيَتَيْهِ ويُشَدُّ فوقَها خِرقةٌ مَشقوقةُ الطرْفِ كالتُّبَّانِ تَجْمَعُ ألْيَتَيْةِ ومَثَانَتَه، ويُجْعَلُ الباقي على مَنافِذِ وَجهِهِ ومَواضِعِ سُجودِه، وإن طُيِّبَ كلُّه فحَسَنٌ، ثم يُرَدُّ طَرْفُ اللِّفافةِ العُليا على شِقِّهِ الأيمنِ ويُرَدُّ طَرْفُها الآخَرُ من فوقِه ثم الثانيةُ والثالثةُ كذلك، ويُجْعَلُ أكثرُ الفاضلِ علىِ رأسِه ثم يَعْقِدُها وتُحَلُّ في القبرِ وإن كُفِّنَ في قميصٍ ومِئْزَرٍ ولِفافةٍ جازَ.
السُّنَّةُ أن يقومَ الإمامُ عندَ صَدْرِه وعندَ وَسَطِها، ويُكَبِّرُ أربعًا يَقرأُ في الأُولى بعدَ التَّعَوُّذِ الفاتحةَ، ويُصَلِّي على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ في الثانيةِ كالتَّشَهُّدِ، ويَدعُو في الثالثةِ فيقولُ: " اللهمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا ومَيِّتِنَا وشاهِدِنا وغائِبِنا وصَغيرنِا وكَبيرنِا وذَكَرِنا وأُنْثَانَا، إنك تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا ومَثوانَا وأنتَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ،
يخرج به ما لو وُجِدَ به أثر؛ مثل: جرح، خنق، ضرب؛ ضربات مميتة، فإنه يحكم بالظاهر هنا، وهو أن الذي فعل به ذلك العدو، وعلى هذا فيكون شهيدًا لا يُغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه.
وهنا غلَّبنا الظاهر على الأصل، كيف غلَّبنا الظاهر على الأصل؟ لأن الأصل وجوب التغسيل، وهنا أسقطنا هذا الواجب بهذا الظاهر الذي هو الأثر.
(1/2728)
________________________________________
استثنى بعضهم من الأثر الدمَ من الفم، أو الأنف، أو القُبُل، أو الدُّبُر، قال: لأن هذا قد يقع ممن مات موتًا طبيعيًا، فلا يدل على أن الذي فعل به هذا العدو، ولكن كلام المؤلف يدل على العموم أنه متى وجد به أثر يحتمل أنه من فعل العدو فهو شهيد.
قال: (أو حُمل فأكل) (حمل) من أين؟ من أرض المعركة، (فأكل) ثم مات، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، ولو علمنا أنه مات متأثرًا بجراحه؛ لأن كونه يأكل يدل على أن فيه حياة مستقرة؛ إذ إن الذي في حكم الميت لا يأكل، فأكله دليل على أن فيه حياة مستقرة.
وظاهر كلام المؤلف أنه إذا أكل ولو لم يطل الفصل؛ يعني: إذا أكل ولو مات بدون طول الفصل فإنه يغسل.
وقال بعض الفقهاء: لا يغسل إذا لم يطل الفصل؛ لأنه قد يأكل بغير شعور وهو في النزع، ولكن هذا في الحقيقة بعيد؛ أي: أن أكله دليل على أن فيه حياة مستقرة.
وقول المؤلف: (أو حُمل فأكل) ظاهره أنه لو لم يحمل فأكل، ثم مات فإنه شهيد لا يغسل، وعبارة بعض الفقهاء: أو جُرِحَ فأكل، وهذه العبارة الثانية الأخيرة أعم مما إذا حمل أم لم يحمل.
وهذا هو الأقرب، الأقرب أنه إذا أكل -سواء حمل أم لم يحمل- فإن أكله دليل على أن فيه حياة مستقرة، فيغسَّل ويكفن.
فإن قال قائل: ما الدليل على أن الشهيد إذا جرحه العدو جرحًا مميتًا وبقي حيًّا حياة مستقرة أنه يغسل ويكفن؟
قلنا: الدليل قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه؛ فإنه جُرح في أكحله عام الأحزاب، ولكنه سأل الله ألَّا يميته حتى يقر عينه ببني قريظة، فاستجاب الله دعاءه (1)، وبقي الجرح ملتئمًا حتى حكم فيهم هو نفسه، حكم في بني قريظة لماذا؟ لأنه هو حليفهم.
(1/2729)
________________________________________
انظر الفرق بين سعد بن معاذ وبين عبد الله بن أُبي؛ عبد الله بن أُبي قام يجادل عن حلفائه من اليهود؛ لأنه كافر، أما هذا فسأل الله ألَّا يميته حتى يقر عينه بهم، فأقر الله عينه، وصار هو الحكم فيهم، وحكم فيهم بالحكم الذي شهد له النبي عليه الصلاة والسلام بأنه حكم الله من فوق سبع سماوات (2)، ولما حكم فيهم -سبحان الله- انبعث الدم ومات رضي الله عنه، ولكنه أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: أن عرش الرب عز وجل اهتز لموته (3) فرحًا بروحه؛ لأن روحه صعدت إلى الله عز وجل.
وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
رضي الله عنه.
الحاصل أن هذا يكون دليلًا على أن الشهيد إذا طال بقاؤه فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، وألحق العلماء به ذلك ما إذا وجد منه دليل الحياة المستقرة؛ مثل الأكل.
(أو طال بقاؤه عُرفًا) يعني: ليس مقدرًا على الشرع، بل إذا طال بقاؤه وعرف أنه ليس في سياق الموت فإنه يغسل ويكفن ويُصَلَّى عليه.
وظاهر كلام المؤلف أنه لو شرب فإن ذلك لا يسقط وجوب الغسل، وهذا هو اختيار المجد، من المجد؟ مجد الدين ابن تيمية، وهو عبد السلام جد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله، يقول: إن الشرب لا يسقط حكم الشهادة؛ لأن الإنسان قد يشرب وهو في سياق الموت، بخلاف الأكل، فكلام الماتن تابع لكلام المجد رحمه الله.
طالب: أحسن الله إليك، إن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر قيس بن عاصم حينما أسلم أن يغتسل (4)، استدل العلماء على هذا بالوجوب، وبعض العلماء قالوا: على الاستحباب؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الصحابة بالاغتسال، قد يقول قائل: إن في غسل الشهيد، إن هذا لحنظلة رضي الله عنه أن الملائكة غسلوه، فيكون شرعًا معلومًا من بعده، فقيس بن عاصم ..
(1/2730)
________________________________________
الشيخ: لا، ما يستقيم هذا؛ لأن الشهادة تكفر كل شيء، أصل الموت حدث أكبر يوجب الغسل، فلما سقط عن الشهيد، نقول: كذلك أيضًا ما أوجب الغسل من غير الموت.
طالب: يا شيخ، في قوله: (إذا خرج منه شيء بعد السابعة يوضأ) لماذا؟ ولأن الوضوء ليس واجبًا؟
الشيخ: لا، يكون هذا نقضًا للوضوء، وإذا كان ناقضًا للوضوء فإنه يجب أن تكون الصلاة على الميت وهو على طهارة كاملة.
الطالب: الخارج منه هل لا بد أن يكون ( ... )؛ يعني: لو كان دم هل يُوَضَّأ؟
الشيخ: ظاهر كلامهم أنه يُوَضَّأ.
الطالب: من كل خارج؟
الشيخ: من كل خارج.
الطالب: وما هو ضابط الخارج؟
الشيخ: الخارج الدم، قيح، بول، غائط.
الطالب: كل شيء؟
الشيخ: كل شيء.
طالب: ( ... ).
الشيخ: أيهم؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: الذي يترجح عندي أنه إذا بقي متأثرًا كتأثر المحتضر أنه لا يغسل، أما إذا بقي متألمًا لكنه معه عقله وفكره فإنه يغسل.
الطالب: إذا قلنا يا شيخ ( ... ) حمية ( ... ) يغسل ( ... ) غنيمة فقط؟
الشيخ: ويش تقولون؟ يقول: لو كان المقتول في المعركة قد صرح بأنه يقاتل حمية وعصبية فهل له حكم الشهيد؟ لا، هذا يغسل كغيره.
طالب: أحسن الله إليك، ( ... ) ما يكون شهيد؟
الشيخ: وُجِدَ مقتولًا، وليس فيه آثار قتل.
الطالب: لا، ميتًا.
الشيخ: ميتًا، هذا الصواب هذا المؤلف يقول: (إذا وجد ميتًا ولا أثر به فإنه يجب أن يغسل).
الطالب: شيخ، ما يكون له أجر الشهداء؟
الشيخ: دعنا من الأجر، أجر الآخرة عند الله، لكن نحن الآن لم نعلم ما يسقط تغسيله، فلا يزال يقين الوجوب بالشك.
الطالب: هل شهيد المقتول في سبيل الله؟
الشيخ: المقتول في سبيل الله شهيد ما فيه شك.
الطالب: يعني: يقال لرجل ميت: إنه شهيد؟
الشيخ: ما ندري إن كان من فعل العدو فهو شهيد، وإن كان بفعل الله؛ الله يميت الإنسان هكذا سكتة.
طالب: الغازات تحتاج الكشف عليها ولا ظاهرة ( ... )؟
الشيخ: نعم، إذا علم أن العدو استعمل الغاز، وأن هذا الميت مات منه.
(1/2731)
________________________________________
الطالب: ( ... ).
الشيخ: إي، فهذا قد يقال: إن هذا ظاهر أنه مات من الغازات، لكن في عهد العلماء ما يعرفون الغازات ( ... ).
***
(والسقط إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه) السِّقط بكسر السين، ويجوز الفتح، ويجوز الضم؛ فتقول: السِّقط والسَّقط والسُّقط، ومعناه: الساقط، والمراد به: الحمل إذا سقط من بطن أمه.
فهل حكمه كحكم من مات بعد خروجه أم ماذا؟
قال: (إذا بلغ أربعة أشهر غُسِّل وصُلِّي عليه) يعني: إذا تم له أربعة أشهر، ليس المعنى إذا دخل الرابع، بل إذا أتمه.
(إذا بلغ أربعة أشهر غُسِّل وصُلِّي عليه) من ابتداء الحمل، والمراد بالأشهر هنا الأشهر الهلالية؛ لأن الأشهر الهلالية هي التي جعلها الله عز وجل مواقيت للناس؛ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]، وهي التي وضعها الله تعالى للناس جميعًا منذ خلق السماوات والأرض، قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]، وهي هذه الأشهر الهلالية المعروفة.
وأما الأشهر الاصطلاحية التي هي أشهر النصارى ومن تابعهم، فهذه لا أصل لها شرعًا ولا أصل لها قدرًا؛ أما الأصل القدري فلأن الله تعالى جعل هذه الأهلة هي المواقيت؛ {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}، وأما شرعًا فإنه لم يرتب عليها لا صيام، ولا حج، ولا أشهر حرم، كل الأحكام -أحكام الأشهر- منفية عن هذه الأشهر الاصطلاحية التي جاءت من النصارى.
إذن المعتبر بقوله: (أربعة أشهر) الأشهر الهلالية التي جعلها الله لعباده شرعًا وقدرًا.
يقول: (إذا بلغ أربعة أشهر غُسِّل وصُلِّي عليه) (غُسِّل) يعني: وكُفِّن، الكفن لا بد منه، (وصُلِّي عليه) يعني: ودُفِن، فالمؤلف طوى ذكر الكفن والدفن؛ لأنه معلوم.
(1/2732)
________________________________________
وإنما قيده ببلوغ أربعة أشهر؛ لأنه قبل ذلك ليس بإنسان؛ إذ لا يكون إنسانًا حتى يمضي عليه أربعة أشهر، ودليل ذلك حديث عبد الله بن مسعود حيث بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه يكون -يعني الجنين- في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، فهذه كم؟ أربعة أشهر، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات (5)، إلى آخره.
وعلى هذا فهو قبل هذه المدة يكون جمادًا؛ قطعة لحم يدفن في أي مكان بدون تغسيل، وبدون تكفين، وبدون صلاة، لكن بعد أربعة أشهر يكون إنسانًا، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14]، فيعامل معاملة من مات بعد خروجه.
قال العلماء: ويسمى؛ يسمى بالاسم؛ لأن هذا السقط يبعث يوم القيامة، فلا بد أن يسمى؛ لأن الناس يدعون يوم القيامة بأسمائهم وأسماء آبائهم، فيسمى حتى يدعى باسمه يوم القيامة.
قال العلماء: فإن شُك فيه هل هو ذكر أو أنثى -وهو بعيد، لكن ربما يقع- فإنه يسمى باسم صالح للذكر والأنثى؛ مثل هبة الله، عطية الله، نحلة الله، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا صالح للذكر والأنثى. أما إذا كان ذكرًا فيسمى باسم الذكور؛ كعبد لله، إن كان أنثى يسمى بأسماء الإناث؛ كزينب، وفاطمة.
(ومن تعذر غسله يُمِّمَ) يعني: من امتنع غسله؛ أي: تغسيله، فإنه ييمم. وكيفية التيمم أن يضرب الحيُّ يديه على الأرض، ثم يمسح بهما وجه الميت وكفيه.
ولكن بماذا يكون التعذر؟ يكون التعذر؛ إما بعدم الماء، وإما بتعذر استعماله في هذا الميت؛ بأن يكون الميت قد تمزق، أو يكون محترقًا لا يمكن مسه إلا بتمزيق جلده، فهنا ييمم.
(1/2733)
________________________________________
لماذا ييمم؟ قالوا: لأن تغسيل الميت طهارة مأمور بها، فإذا تعذر تطهيره بالماء عدلنا إلى بدله وهو التراب. وأظن فيه قولًا بأنه لا ييمم إذا تعذر غسله؛ لأن هذه ليست طهارة حدث، إنما هي طهارة تنظيف؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكَثَرَ مِنْ ذَلِكَ» (6)، وطهارة الحدث لا تزيد على ثلاث، فإذا كان المقصود تنظيف الميت، وتعذر الماء، فإن استعمال التراب لا يزيده إلا تلويثًا، فتجنبه أولى.
فإذا كان هذا قد قيل فهو أقرب إلى الصواب من القول بتيميمه، وإن كانت المسألة إجماعًا؛ يعني: ييمم من تعذر غسله، فالإجماع لا تجوز مخالفته؛ لأن هذه الأمة لا تجمع على ضلالة.
ثم قال: (وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنًا) (على الغاسل) غاسل من؟ غاسل الميت. (ستر ما رآه) من الميت، (إن لم يكن حسنًا) الميت ربما يُرَى منه ما ليس بحسن؛ إما ليس بحسن من الناحية الجسدية، وإما ليس بحسن من الناحية المعنوية، قد يُرَى -والعياذ بالله- وجهه مظلمًا متغيرًا كثيرًا عن حياته، فلا يجوز للإنسان أن يتحدث إلى الناس، ويقول: إني رأيت وجهه مظلمًا؛ لأنه إذا قال ذلك ظنَّ الناس به سوءًا. وقد يكون وجهه مسفرًا، حتى إن بعضهم يُرى بعد موته متبسمًا، هذا أيضًا يستر أو لا؟ هذا لا يستره.
أما السيء من الناحية الحسية؛ فإن الميت قد يكون في جلده أشياء من التي تسوؤه إذا اطَّلع الناس عليها، كما قال الله تعالى في قصة موسى: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [طه: 22]، فإنه قد يكون فيه برص يكره أن الناس تطلع عليه، فلا يجوز للإنسان أن يقول: رأيت فيه برصًا، وقد يتغير لون الجلد ببقع سوداء، والظاهر -والله أعلم- أنها دموية تكون، أيضًا لا يبرزها للناس يجب أن يسترها.
(1/2734)
________________________________________
قال العلماء: إلا إذا كان صاحب بدعة وداعية لبدعته ورآه على وجهٍ مكروه، فإنه ينبغي أن يبين ذلك، ليش؟ حتى يحذر الناس من دعوته إلى البدعة؛ لأن الناس إذا علموا أن خاتمته على هذه الحال، فإنهم ينفرون من منهجه وطريقه، وهذا القول لا شك قول جيد وحسن؛ لما فيه من درء المفسدة التي تحصل في اتباع هذا المبتدع الداعية.
عندي في الشرح كلام حسن يقول: فيلزمه ستر الشر، لا إظهار الخير؛ يعني: ستر الشر واجب، وإظهار الخير ليس بواجب، ولكنه حسن ومطلوب؛ لما فيه من إحسان الظن بالميت والترحم له، ولا سيما إذا كان صاحب خير.
يقول: (ونرجو للمحسن ونخاف على المسيء) يعني: بالنسبة للأموات أن نرجو للمحسن رحمة الله، ونخاف على المسيء، خوفنا على المسيء يستلزم أن ندعو الله له، إذا لم تكن إساءته مخرجة إلى الكفر، فإذا مات الإنسان وهو معروف بالمعاصي التي لا توصل إلى الكفر، فإننا نخاف عليه، ولكننا نسأل الله له المغفرة والعفو؛ لأنه محتاج إلى ذلك.
(ولا نشهد إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم) (لا نشهد) يعني: بالجنة أو بالنار، إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم.
والشهادة بالجنة أو بالنار على نوعين؛ النوع الأول: شهادة للجنس، والنوع الثاني: شهادة للعين؛ يعني: أن تشهد لشخص بعينه.
فأما الأول فنشهد بالجنة لكل مؤمن؛ لأن الله هكذا قال، ونشهد بالجنة لكل متق؛ لأن الله قال: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وهذا لا يخص شخصًا بعينه، لكن يعم الجنس، وكذلك نشهد لكل كافر أنه في النار، قال الله تعالى في النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131].
وأما الشهادة لمعين فلا نشهد إلا إذا شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، مثل العشرة المبشرين بالجنة؛ أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وستة مجموعون في بيت:
سَعِيدٌ وَسَعْدٌ وَابْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةُ
وَعَامِرُ فِهْرٍ وَالزُّبَيْرُ الْمُمَدَّحُ
(1/2735)
________________________________________
ستة وغيرهم أيضًا ممن شهد له الرسول شهد النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة لغير هؤلاء؛ مثل: سعد بن معاذ، ثابت بن قيس بن شماس، عبد الله بن سلَام، وبلال، وغيرهم من الصحابة نشهد لهم بالجنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لهم.
وألحق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من اتفقت الأمة أو جُلُّ الأمة على الثناء عليه؛ مثل الأئمة الأربعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا مرَّت جنازة أثنوا عليها خيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَجَبَتْ» يعني: وجبت له الجنة، ومرت جنازة أخرى فأثنوا عليها شرًّا، فقال: «وَجَبَتْ»، ثم قال لهم: «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ» (7).
وعلى هذا فنشهد لهؤلاء الأئمة الذين أجمعت الأمة أو جُلها على الثناء عليهم بالجنة، لكن ليست شهادتنا لهم بالجنة كشهادتنا لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال: (ويحرم سوء الظن بمسلم ظاهره العدالة) انتبه، يحرم سوء الظن بمسلم، أما الكافر فلا يحرم سوء الظن فيه؛ لأنه أهلٌ لذلك.
(ظاهره العدالة) يعني: وأما من عُرف بالفسوق والفجور فلا حرج أن نسيء الظن به؛ لأنه أهلٌ لذلك، ومع هذا لا ينبغي للإنسان أن يتتبع عورات الناس ويبحث عنها؛ لأنه قد يكون متجسسًا بهذا العمل.
قال: (ويُسْتَحَب ظنُّ الخيرِ بالمسلم) يعني: يستحب للإنسان أن يظن بالمسلمين خيرًا، وإذا وردت كلمةٌ من إنسانٍ تحتمل الخير والشر فاحملها على الخير ما وجدت لها محملًا، وإذا حصل فعلٌ من إنسانٍ يحتمل الخير والشر فاحمله على الخير ما وجدت له محملًا؛ لأن ذلك يزيل ما في قلبك من الحقد والعداوة والبغضاء ويريحك.
فإذا كان الله عز وجل لم يكلفك أن تبحث وتنقب، فاحمد الله على العافية، وأحسن الظن بإخوانك المسلمين حتى لو قالوا فيك كلمة أنت، وجاءك الشيطان يقول: ترى إن هذا الرجل يريد كذا وكذا، فالواجب أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن تحملها على أحسن المحامل.
(1/2736)
________________________________________
وإلا لو اتبعنا الشيطان في هذه الأمور لكنا نؤول كلمات كثيرة من الناس على أنها قدح، ولكننا يجب أن نبعد الشيطان عنا في هذا الأمر، وما دامت كلمة أخينا المسلم تحتمل الخير -ولو من وجه بعيد- فليحملها على الخير.
وأما ما يذكر عن النبي عليه الصلاة والسلام: «احْتَرِسُوا مِنَ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ» (8)، فهذا كذب لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل روى أبو داود من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يُحَدِّثْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ، وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» (9)، عليه الصلاة والسلام. وهذا هو اللائق بالمسلم.
أما -والعياذ بالله- بعض الناس من فُتن وصار يتتبع عورات الناس ويبحث عنها، وإذا رأى شيئًا يحتمل الشر ولو من وجه بعيد طار به فرحًا ونشره، فليبشرْ بأن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جحر ( ... ).
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله، قال المصنف رحمه الله تعالى:
فصل
يجب تكفينه في ماله مقدمًا على دينٍ وغيره، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته، إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته.
ويُسْتَحب تكفينُ رجلٍ في ثلاث لفائف بيض، تجمر، ثم تبسط بعضها فوق بعض، ويجعل الحنوط فيما بينها، ثم يوضع عليها مستلقيًا، ويجعل منه في قطن بين أليتيه، ويشد فوقها خرقة مشقوقة الطرف كالتبان، تجمع أليتيه ومثانته، ويجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده، وإن طيب كله فحسن.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فصل: في الكفن).
قبل أن نبدأ بالدرس اليوم نبين ما ذكرناه الآن من أن من تعذر غسله فإنه لا ييمم على القول الراجح، وننظر في السقط هل يغسل ويكفن ويصلى عليه أم لا؟
طالب: يغسل ويكفن ويصلى عليه.
الشيخ: السقط يغسل؟
الطالب: إذا بلغ أربعة أشهر.
(1/2737)
________________________________________
الشيخ: إذا بلغ أربعة أشهر يغسل ويكفن ويصلى عليه.
لماذا قيدناه بأربعة أشهر؟
طالب: لأنه عندما يبلغ عمره أربعة أشهر ينفخ فيه الروح ويتم خلقه، حديث ابن مسعود: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يَمْكُثُ -فِي معنى الحديث- أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَقَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ» (5)، وقبل الأربعة أشهر يكون كقطعة اللحم لا يتبين فيه خلق الإنسان.
الشيخ: يعني: لا يتبين فيه خلق الإنسان إلا بعد أربعة أشهر؟
الطالب: نعم.
الشيخ: خطأ.
طالب: إذا كان له أربعة أشهر فإنه يكون حكمه حكم إنسان يغسل ويُصَلَّى عليه، أما قبل ذلك ..
الشيخ: إي، لماذا؟ نسأل عن التعليل.
الطالب: لأنه يكون إنسانًا وتم إنسان .. ، لم يخلق؛ لم ينفخ فيه الروح.
الشيخ: يعني: إذا أتم أربعة أشهر نفخ فيه الروح، فكان إنسانًا يوصف بالحياة والموت.
قبل أربعة أشهر هل يخلق أو لا؟
طالب: لا يُخَلَّق.
الشيخ: قبل أربعة أشهر لا يُخَلَّق؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: أنا أسأل هل يُخَلَّق أو لا؟
الطالب: يُخَلَّق.
الشيخ: يُخَلَّق. الدليل؟
طالب: ( ... ) أربعين يوم علقة، ثم يكون مضغة مثل ذلك.
الشيخ: مثل ذلك، والمضغة قال الله فيها: {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: 5].
يقول المؤلف: (يجب على الغاسل أن يستر ما رآه إن لم يكن حسنًا) هل هذا على إطلاقه؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: يجب؟
الطالب: يجب على المغسِّل أن يبين ما فيه إذا كان صاحب بدعة.
الشيخ: إذن ليس على إطلاقه.
الطالب: إي نعم، إذا كان صاحب بدعة يبينه؛ ليعتبر به الناس.
الشيخ: إي نعم، وكذلك أيضًا لو كان صاحب مبدأ هدَّام؛ كالبعثيين مثلًا والحداثيين وما أشبههم، فقول العلماء: صاحب بدعة يشمل هذا؛ لأن هذه المبادئ كلها مبتدعة في الدين، وإن انتسبت إلى الدين فإنها بدعة.
(1/2738)
________________________________________
المهم أن كل صاحب عقيدة أو طريقة مخالفة للشرع وداعية لذلك والناس يعتقدون به فإن الواجب أن نبين ما نراه بعد موته من مظهر السوء؛ حتى ينفر الناس من طريقته ومنهجه.
***
ثم قال المؤلف: (فصل: في الكفن) (الكفن) ما يكفَّن به الميت من ثياب أو غيرها.
وحكمه -أي: حكم تكفين الميت- الوجوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» (10)، «كَفِّنُوهُ»، والأصل في الأمر الوجوب. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى النساء اللاتي يغسلن ابنته الكفن وقال: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» (6)، أعطاهن حِقْوَه عليه الصلاة والسلام -يعني: إزاره- وقال: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» أي: اجعلنه شعارًا، وهو الذي يلي بدنها.
وقوله: (يجب تكفينه) ما نوع الوجوب هذا؟ كفائي.
وقد تقدم لنا الفرق بين الكفائي والعيني؛ أن الكفائي يقصد حصول الفعل بقطع النظر عن الفاعل، وأما العيني فيطلب الفعل من الفاعل؛ يعني: يراعى فيه الفعل والفاعل.
وتقدم أيضًا أن القول الراجح أن فرض العين أفضل من فرض الكفاية؛ لأنه أوكد، بدليل أن الله تعالى أمر به جميع الخلق.
(يجب تكفينه في ماله) أي: في مال الميت، ودليل كونه واجبًا في ماله قوله: «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» (11)، فأضاف الثوبين إلى الميت.
ولكن لو فرض أن هناك جهة مسؤولة ملتزمة بذلك، فلا حرج أن نكفنه منها، إلا إذا أوصى الميت بعدم ذلك؛ بأن قال: كفنوني من مالي، فإنه لا يجوز أن نكفنه من الأكفان العامة، سواء كانت من جهة حكومية أو من جهة فاعل خير.
(مقدمًا على دَين وغيره) (مقدمًا) هذه حال من (تكفينه) يعني: حال كون التكفين مقدمًا على دَين وغيره.
الدَّين معروف وهو: كل ما ثبت في الذمة من ثمن مبيع، أو أجرة بيت، أو دكان، أو قرض، أو صداق، أو عوض خلع، المهم أن الدين كل ما ثبت في الذمة، وإن كان العامة لا يطلقون الدين إلا على ثمن المبيع لأجلٍ، فهذا عرف ليس موافقًا لإطلاقه الشرعي.
(1/2739)
________________________________________
وقوله: (وغيره) يعني: الوصية والإرث، فالتكفين مقدم على كل شيء.
وعموم قول المؤلف: (مقدمًا على دَين) يشمل ما إذا كان الدين فيه رهن أو لا، وعلى هذا فلو خلَّف الرجل شاة ليس له غيرها مرهونة هذه الشاة بدَين عليه، ولم نجد كفنًا إلا إذا بعنا هذه الشاة واشترينا بقيمتها كفنًا، فهل نقدم حق المرتهن ونقول: لا نبيع الشاة، أو نقدم الكفن؟ نقول: نقدم الكفن؛ لأن الكفن مما تتعلق به حاجة الشخص الخاصة، فيقدم على كل شيء.
إذن نأخذ من إطلاق المؤلف أو عموم كلامه: (مقدمًا على دَين) أنه يُقَدَّم التكفين على الدين، ولو كان الدَين برهنٍ فيباع الرهن ويُكَفَّن منه.
وقوله: (وغيره) ماذا ذكرنا في الغير؟ الوصية والإرث، فلو أوصى الميت بشاة للفقراء، ولما مات لم نجد ما نكفنه به إلا قيمة هذه الشاة فماذا نصنع؟ تباع الشاة ويكفن من قيمتها.
(فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته) يعني: إن لم نجد له مالًا فعلى من تلزمه نفقته.
إذا وجدنا ثوبًا قد لبسه الميت وغترة، فهل نكفنه به أو نقول: لا بد أن نكفنه باللفائف؟
نقول: إذا كان يقوم بالواجب فإننا لا نلزم الناس أن يكفنوه ما دام في ماله، ولو ثيابه التي عليه تكفي فإننا لا نلزم غيره بتكفينه.
(فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته) ومن الذي تلزمه النفقة؟ نحن نذكر هنا ما يسمى عند الناس بالخطوط العريضة؛ الأصول والفروع تجب نفقته بكل حال، فيجب عليك أن تنفق على والديك بكل حال، وعلى أولادك بكل حال، سواء كنت وارثًا أم لم تكن، وعلى هذا فتجب نفقة الجد على ابن ابنه، وإن لم يكن وارثًا لوجود الابن؛ يعني: وإن كان محجوبًا بالابن.
يعني: لو فرضنا أنا وجدنا جدًّا فقيرًا وأبًا فقيرًا وابنَ ابنٍ غنيًّا، يجب على ابن الابن أن ينفق على أبيه وعلى جده، مع أنه لا يرث جده؛ لكونه محجوبًا بأبيه، كذلك في الأصول يجب الإنفاق على الأصول، سواء ورثهم المنفق أم لم يرثهم.
(1/2740)
________________________________________
الضابط إذن في الأصول والفروع .. ، ما هو الضابط؟
طالب: أن كل أصل وفرع تجب نفقته.
الشيخ: بكل حال، سواء كان وارثًا أم لم يكن، أما غير الأصول والفروع فلا تجب النفقة، إلا على من كان وارثًا بفرض أو تعصيب.
الأخ هل يجب أن ينفق على أخيه؟
طالب: إن كان وارثًا.
الشيخ: إن كان لأخيه أولاد فإنه لا يلزمه أن ينفق عليه، لماذا؟ لأنه محجوب بهم، وإن لم يكن له أولاد وجب أن ينفق عليه؛ لأنه وارثه. هذه هي القاعدة العريضة في المشهور من مذهب الإمام أحمد، والمقام لا يقتضي البسط هنا ولا الترجيح، لكن هذه القاعدة.
إذن من الذي تلزمه نفقته؟ الأصول والفروع، وفي الحواشي من كان المنفق وارثًا له لزمته النفقة، وإلا فلا.
وعلى هذا لو مات ابن بنت شخص ولم نجد له كفنًا، هل يلزم جده من قبل أمه أن يكفنه؟ نعم، يلزم، لماذا؟ لأنه من الأصول، والأصول يجب عليهم الإنفاق على فروعهم مطلقًا، سواء كانوا وارثين أم لا، وكذلك الفروع يجب عليهم الإنفاق على أصولهم مطلقًا، سواء كانوا وارثين أم غير وارثين.
(إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته) يعني: لو ماتت امرأة ولم نجد وراءها شيئًا تكفن به، وزوجها عنده ملايين، فإنه لا يلزمه أن يكفن امرأته، لماذا؟ لأن الإنفاق على الزوجة إنفاق معاوضة؛ مقابل الاستمتاع، وهي إذا ماتت انتهى الاستمتاع بها، مع أنها إذا ماتت فإن بعض علائق الزوجية تبقى؛ بدليل أن الزوج يغسل امرأته بعد موتها.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة؛ فالمشهور عندنا في مذهب الحنابلة أنه لا يلزم الزوج أن يكفِّن امرأته، والعلة ما ذكرنا؛ أن الإنفاق عليها إنفاق معاوضة وقد انقطع بموتها.
والقول الثاني أنه يلزمه أن يكفِّن امرأته؛ لأن هذا من العِشْرَة بالمعروف، ومن المكافأة بالجميل، ولأن علائق الزوجية لم تنقطع. وهذا القول أرجح؛ أنه يلزمه كفن امرأته إذا كان موسرًا.
(1/2741)
________________________________________
فإن لم يوجد من تلزمه النفقة أو وُجِدَ وكان فقيرًا ففي بيت المال، فإن لم يوجد بيت مال منتظم فعلى من علم بحاله من المسلمين؛ لأنه فرض كفاية.
إذن فالمراتب أربعة؛ أولًا: في ماله، ثانيًا: من تلزمه نفقته، ثالثًا: بيت المال، رابعًا: عموم المسلمين.
وإنما قُدِّم بيت المال على عموم المسلمين؛ لأنه لا منَّة فيه على الميت، بخلاف ما إذا كان من المسلمين، فإن هذا الذي سيعطيه سيكون في قلبه منَّة عليه.
قال المؤلف رحمه الله: (ويستحب تكفين رجل في ثلاث لفائف بيض) الاستحباب هنا ليس منصبًّا على أصل التكفين؛ لأن أصل التكفين فرض كفاية، لكنه منصبٌّ على كون الكفن ثلاث لفائف، وكونها بيضًا، فالمستحب في تكفين الرجل أن يكفن في ثلاث لفائف بيض؛ وذلك لأن هذا هو كفن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كُفِّن في ثلاثة أثواب بيض سَحُولِيَّة، ليس فيها قميص ولا عمامة (12)، وكذلك أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن نلبس البياض ونكفن فيها موتانا، وقال: «إِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ» (13)، ولا شك أن البياض يبهج النفس أكثر من غيره من الألوان؛ ولهذا كان النهار أبيض، وتجد السرور إذا طلع الفجر، بخلاف ما إذا جاء الليل.
إذن نقول: الأفضل أن تكون بيضًا، وأن تكون ثلاث لفائف، فإن كُفِّن بغير الأبيض جاز، وإن كُفِّن بلفافة واحدة جاز أيضًا.
وكيف يكفن؟ قال: (تُجمَّر) يعني: تبخر، وسمي التبخير تجميرًا؛ لأنه يوضع في الجمر، ولكن ترش أولًا بماء، ترش رشًا ثم تبخر؛ من أجل أن يعلق الدخان فيها.
(تُجمَّر، ثم تبسط بعضها فوق بعض) تمد الأولى على الأرض، ثم الثانية، ثم الثالثة.
قال المؤلف: (ويُجْعَل الحنوطُ فيما بينها) الحنوط: أخلاط من الطيب تصنع للأموات، ويدل لهذا قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الذي وقصته راحلته: «وَلَا تُحَنِّطُوهُ» (11)؛ فإن هذا يدل على أن من عادتهم تحنيط الأموات.
(1/2742)
________________________________________
(ثم يوضع الميت عليها) أي: على اللفائف، (مستلقيًا) لأن وضعه مستلقيًا أثبت، وأسهل لإدراجه فيها؛ إذ لو وضع على جنبه لانقلب، وصار في إدراجه هذه اللفائف شيء من الصعوبة، فيوضع مستلقيًا.
(ويجعل منه) أي: من الحنوط (في قطن بين أَليتيه) الحنوط ذكرنا أنه أخلاط من الطيب يصنع للأموات، فنأتي بهذا الطيب نجعل منه فيما بين الأكفان الثلاثة، ونضعه أيضًا في قطنة نجعلها بين أليتيه.
قالوا في تعليل ذلك: لئلا يخرج شيء من دبره، والغالب إذا خرج شيء من دبره أن تكون رائحته كريهة، وهذا الحنوط يضيع الرائحة الكريهة.
ثم قال: (ثم يُشَد فوقها خرقة مشقوقة الطرف كالتُّبان) (يُشَد فوقها) أي: فوق الحنوط الذي وُضِعَ في القطن، (خرقة مشقوقة الطرف كالتُّبان) والتبان هو: السروال القصير الذي ليس له أكمام. يقول عندي في الشرح: هو السراويل بلا أكمام.
(تجمع) أي: الخرقة المشقوقة (أليتيه ومثانته)، واضحة؟
طلبة: لا.
الشيخ: إي، ما هي بواضحة، يؤتى بخرقة مشقوقة الطرف من أجل أن يمكن إدارتها على الفخذين جميعًا، ثم تشد، ومعنى تشد؛ يعني: تربط لتجمع بين أليتيه ومثانته.
إذن تكون على العورة على السوأتين؛ لأنه لا يمكن أن تجمع المثانة مع الأليتين إلا إذا كانت ساترة لهما، وهذا من تمام الستر؛ ولهذا يقول: (تجمع أليتيه ومثانته) يعني: هذه الخرقة.
(ويُجْعَل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده) الباقي منين؟ من الحنوط الذي وضع في القطن، يجعل على منافذ وجهه؛ ومنافذ الوجه هي: العينان، والمنخران، والشفتان.
وعندي أيضًا زيادة: (الأذنين) مع أن الأذنين من الرأس، لكنها لقربها من الوجه تلحق به.
(تجعل على المنافذ) من أجل أن تمنع الهوام دخول هذه المنافذ. وتجعل على مواضع السجود؛ وهي: الجبهة، والأنف، والكفان، والركبتان، وأطراف القدمين، عللوا لذلك بأن هذا من باب التشريف لها أن تخص بشيء من الحنوط.
(1/2743)
________________________________________
وكل هذا على سبيل الاستحباب من العلماء؛ يعني: وضع الحنوط في هذه الأماكن، أما الحنوط من حيث هو فقد جاءت به السنة كما سمعتم.
(وإن طُيِّب كله فحسن) إن طُيِّب الميت كله فحسن؛ لأنه يكون أطيب، لكن ينبغي أن يُطَيب بطيب ليس حارًّا؛ لأن الحار ربما يمزق البدن، لكن بل يكون باردًا، وهذا ليس من الأمور التي عُرِفَت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن فعلها بعض الصحابة.
يقول: (ثم يرد طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن، ويرد طرفها الآخر من فوقه) يعني: من فوق الطرف الأيمن، ثم يفعل الثانية، والثالثة كذلك، يرد طرف اللفافة العليا؛ وهي التي تلي الميت.
(على شقه الأيمن) الآن تصوروا أن الميت مستلقٍ على هذه اللفائف الثلاث، نرد طرف اللفافة العليا؛ وهي التي تلي الميت، على شقه الأيمن، ثم نرد طرفها من الجانب الأيسر على اللفافة التي جاءت من قبل اليمين، نفعل بالأولى هكذا، ثم نفعل بالثانية كذلك، ثم بالثالثة كذلك.
وإنما قال المؤلف هذا؛ لئلا يظن الظان أننا نرد طرف اللفائف الثلاث ردة واحدة؛ بمعنى أن نجمع الثلاث نردها على الجانب الأيمن، ثم نرد الثلاث أيضًا على الجانب الأيسر، المؤلف يقول: لا، أكملْ ردِّ اللفافة الأولى، كيف إكمالها؟ ترد الطرف الذي يلي يمين الميت، ثم الطرف الذي يلي يساره، انتهت العملية بالنسبة للفافة الأولى، ثم الثانية كذلك، ثم الثالثة كذلك.
قال: (ثم يرد طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن، ويرد طرفها الآخر من فوقه، ثم يفعل بالثانية، والثالثة كذلك، ويجعل أكثر الفاضل على رأسه) (أكثر الفاضل) منين؟ من الكفن؛ يعني: إذا كان الكفن طويلًا، فليجعل الفاضل من جهة رأسه؛ يعني: يرده على الرأس، وإذا كان يتحمل الرأس والرجلين فلا حرج، ويكون هذا أيضًا أثبت للكفن.
(1/2744)
________________________________________
يقول: (ثم يعقدها) يعقد اللفائف، والحكمة من عقدها لئلا تنتشر وتتفرق، (وتحل في القبر) استدل عندي بأثر عن ابن مسعود قال: إذا أدخلتم الميت القبر فحلوا العقد (14)، إي نعم، يعقدها، ثم تحل في القبر، حتى لو فرض أنه نُسي أن تحل، ثم ذكروا عن قرب، فإن الميت ينبش من أجل أن تحل هذه العقد.
عندي في الشرح يقول: وكره تخريق اللفائف؛ لأنه إفساد لها؛ يعني: يكره أنك تخرق اللفائف.
فإذا قال قائل: كيف أخرقها إذا خرقتها لم تستر؟
نقول: لا، تستره خرِّق -مثلًا- العليا، ثم خرق التي تحتها من جهة أخرى لا تقابل الخرق العليا، ثم الثالثة كذلك.
وإنما ذكر المؤلف هذا؛ لأن بعض أهل العلم قال: إذا خيف من النَّباش فإنها تخرق اللفائف. أيش النَّباش؟ فيه ناس سُرَّاق يأتون إلى المقابر ينبشونها ويأخذون الأكفان، فقال: إذا خفت من هؤلاء فخرق اللفائف؛ لتفسدها عليهم، كما خرق الخضر السفينة؛ لئلا يأخذها الملك الظالم، لكن الفقهاء المتأخرون يقولون: لا تخرقها.
طالب: ( ... )؟
الشيخ: إي، «لَا تُحَنِّطُوهُ» (11)؛ لأنه محرم؛ لأن الرسول يخاطبهم في المحرم الذي وقصته راحلته، فنهيه عن التحنيط يدل على أن هذا من عادتهم.
طالب: شيخ، لو وضع ( ... )؟
الشيخ: الظاهر أنه لا بأس، بس الفاظة يخشى منها أنها متينة.
الطالب: فيه نوع خفيف.
الشيخ: إذا كان فيه نوع خفيف طيب.
طالب: شيخ، الراجح أنه يقدم الكفن على الدَّين؟
الشيخ: إي نعم، الراجح أنه يقدم الكفن على الدَّين.
الطالب: من يقوم بسداد دينه إذا ( ... )؟
الشيخ: يقوم بسداد دينه رب العالمين، من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله، أجل نذهب بالميت كأنه فرخ لا ريش له إلى المقبرة.
الطالب: ( ... ) بيت المال؟
الشيخ: هذا فيه مِنَّة.
طالب: شيخ، إذا صلى على الميت من يقوم به؟
الشيخ: من تقوم به الكفاية.
الطالب: إذا ناس صلوا صلاة أخرى هل يكونون صلوا سنة أو واجبًا كفائيًّا؟
(1/2745)
________________________________________
الشيخ: الصلاة الثانية سنة، وصلاة الفريضة هي الأولى.
الطالب: طيب يا شيخ، بالنسبة للفرض الآن اللي قام بفرض الكفاية قام بالفرض عن الجميع ( ... ) إسقاط الواجب عن الجميع؟
الشيخ: أسقطوا الواجب عن أنفسهم فقط، لكنه سقط عن الجميع؛ لأن المقصود الفعل وقد حصل.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: إي نعم، معلوم؛ لأنه لا بد أن يوجد هذا الفعل من المسلمين، فإذا فعله واحد وحصل به الكفاية فقد أسقط الفرض عن نفسه، والآخرون بعد أن قام هذا بالكفاية لا يجب عليهم شيء.
طالب: شيخ، لماذا تحل العقد في القبر؟
الشيخ: تحل العقد في القبر، عرفتم الأثر عن ابن مسعود، هذه واحدة، الحكمة الثانية: الحكمة من ذلك هو أن الميت يتورم في القبر، فإذا كان مشدودًا بهذه العقد تمزق.
طالب: شيخ، ( ... ) في هامش الحاشية ( ... ) الإمام أحمد وقال هو وغيره: إنهم يتزاورون فيها.
الشيخ: الله أعلم، هذا ما نعلم.
طالب: بالنسبة -يا شيخ- لو توفي وليس عنده مال ولكن زوجته عندها مال هل تلزمها؟
الشيخ: لا تلزمها، إلا على رأي ابن حزم يقول: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] والزوجة وارثة، فيلزمها إذا كان زوجها فقيرًا أن تنفق عليه، حتى في الحياة يقول: إذا كان الزوج فقيرًا وجب على الزوجة أن تنفق عليه.
طالب: شيخ ( ... )؟
الشيخ: هو لا يضر، إذا كان عن قرب ما يضر، لم يحصل شيء، نعم لو مضى وقت وخيف أن يكون الميت قد تغير فهنا لا ينبش من أجلها.
طالب: أحسن الله إليك، ذكر أهل العلم ( ... ) أن تغسيل الميت ( ... ) سنة، ما دليل هؤلاء؟
الشيخ: ليس عندهم دليل، لا أعلم لهم دليلًا، يقول بعض العلماء: إنه سنة؛ غسل الميت وتكفينه، أقول: لا أعلم لهم دليلًا.
طالب: جزاك الله خيرًا، بالنسبة ( ... ) ما هو دليلهم على أن ( ... ) فعل الصحابة فقط؟
الشيخ: فعل الصحابة رضي الله عنهم، نعم.
الطالب: ( ... )؟
(1/2746)
________________________________________
الشيخ: لا، من جملة الصحابة أبو بكر وعمر، وقد أمرنا باتباع سنتهم، ثم إن بعض العلماء علل بعلة جيدة قال: لم يكن الله يختار لنبيه إلا أفضل الأكفان على أيدي الصحابة رضي الله عنهم.
الطالب: أربع أو خمس؟
الشيخ: لا، هذا إسراف ينهى عنه.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، قلت في الدرس الماضي: إن السقط يسمى، وإن الناس يوم يبعثون بأسماء ..
الشيخ: يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم.
الطالب: ( ... )؟
الشيخ: هذا ثبت في صحيح البخاري: أن الناس يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم (15).
طالب: إذا دفن الميت وفيه أشياء ثمينة، السِّنة ذهب وغيره هل يجوز ( ... )؟
الشيخ: إحنا ما ذكرنا هذا يا جماعة؟
طلبة: ذكرناها.
الشيخ: ذكرناها ولكن ( ... ).
الطالب: لا، ولكن شيء غامض؛ يعني: إذا شوف؟
الشيخ: نحن قلنا: إذا مات وفيه سن ذهب؛ فإن تيسر أخذه أخذ، وإن لم يمكن إلا بالتشويه فإنه يبقى، فإذا ظن أنه قد بلي نبش وأخذ، إلا إذا تنازل الورثة عنه فإنه يبقى.
الطالب: يعني يؤخذ بعد الدفن؟
الشيخ: إي، يؤخذ بعد الدفن، لكن ما هو بعد الدفن مباشرة؛ يعني: بعد الدفن مباشرة إذا أخذناه سيتشوه، لكن بعد أن نعلم أن الميت هذا قد يبس وصار لو أخذناه ما يتأذى.
طالب: ( ... )؟
الشيخ: إي نعم، هذا إشكال جيد، يقول: لو وجدنا بعض ميت فهل نغسله ونكفنه أم ماذا؟
نقول: إن كان الموجود جملة الميت؛ يعني: وجدنا رجلًا بلا أعضاء فإننا نغسله ونكفنه ونصلي عليه، وإن كان الموجود عضو من الأعضاء؛ فإن كان قد صُلِّي على جملة الميت فهذا لا يصلى عليه، وإن كان لم يصلَّ عليه فإننا نصلي على هذا الجزء الموجود.
طالب: شيخ، بالنسبة لعدد العقد؟
الشيخ: ما يحتاج إليه، أما بعض العامة يقولون: سبع عقد، فلا أعلم لها أصلًا، لكن ما يحتاج إليه، ومعلوم أننا نحتاج إلى عقدتين؛ واحدة عند الذي يرد عند الرأس، والثاني عند الذي يرد عند الرجل، ثم إن كانت اللفائف ما هي عريضة نحتاج أيضًا إلى اثنتين أو ثلاث في الوسط.
(1/2747)
________________________________________
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، بالنسبة إلى غسل الرَّجُل الميت وكان معه معاون، هل لهما أن يتحدثا بما رآه من الميت؟
الشيخ: ويش قلنا يا جماعة؟ هل للغاسل ومن معه أن يتحدثا بما رأى من الميت؟
الطالب: ( ... ) أن يتحدثا ( ... ) فقط.
الشيخ: إذن لا ينبغي؛ لأنه قد يتحدثا بذلك على وجه الشماتة.
الطالب: أو للعظة يا شيخ.
الشيخ: أما إذا كان للعظة أو للدعاء له فلا بأس.
طالب: شيخ، ( ... ) أيهما أفضل ( ... )؟
الشيخ: لا، إذا كان غير البياض يعتبر جمالًا؛ فإنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه يلبس العمامة السوداء (16) والحلة الحمراء (17)، وإذا كان على حد سواء فالبياض أفضل ( ... ).
***
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وإن كُفِّن في قميص ومئزرٍ ولفافة جاز) بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله المشروع في تكفين الرجل أنه يكفن في ثلاث لفائف بيض، كما كُفِّن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرنا وجه الدلالة في ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم اختاروا هذا، وقد اختار الله لنبيه ما اختاره أصحابه، والله عز وجل هداهم لما فيه الخير لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن مع هذا (إن كُفِّن في قميص ومئزر ولفافة جاز) القميص هو: هذا الذي نلبسه؛ يعني الدرع ذا أكمام. هذا القميص، والمئزر: ما يؤتزر به، ويكون في أسفل البدن، واللفافة عامة؛ يعني: إذا كُفِّن بهذا فلا بأس، ولكن غالب ما يكفن به الناس اليوم هو اللفائف الثلاث؛ لأن القميص يحتاج إلى خياطة وإلى مدة، أو إلى تجهيز أقمصة تكون مهيئة عند الذين يغسلون الموتى ويكفِّنونهم.
ثم قال المؤلف: (وتكفن المرأة في خمسة أثواب) المرأة تكفن في خمسة أثواب، فبينها: (إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين).
قوله: (في خمسة أثواب؛ إزار) هذه يسمونها من حيث الإعراب بدل بعضٍ من كل؛ لأن (خمسة أثواب) هذه عامة، ثم فصَّلها، الإِزار معروف، والخمار: ما يغطى به الرأس، والقميص: هو الدرع ذو الأكمام، واللفافتين: يعمان جميع الجسد.
(1/2748)
________________________________________
وقد جاء في هذا حديث مرفوع (18)، إلا أن هذا الحديث في إسناده نظر؛ لأن فيه راويًا مجهولًا؛ ولهذا قال بعض العلماء: إن المرأة تكفن بما يكفن به الرجل؛ أي: في ثلاثة أثواب يلف بعضها على بعض.
وهذا القول إذا لم يصح الحديث هو الأصح؛ لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية، إلا ما دلَّ الدليل عليه، فما دلَّ الدليل على اختصاص أحدهما بالحكم فعلى ما دلَّ عليه الدليل، وإلا فالأصل أنهما سواء.
وعلى هذا فنقول: إن ثبت الحديث بتكفين المرأة في هذه الأثواب الخمسة فعلى العين والرأس، وإن لم يثبت فالأصل تساوي الرجال والنساء في جميع الأحكام، إلا ما دلَّ عليه الدليل.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والواجب ثوب يستر جميع الميت) الواجب في الكفن ثوب يستر جميع الميت ثوب واحد، وقول المؤلف: (يستر جميع الميت) يدل على أنه لا بد أن يكون هذا الثوب صفيقًا بحيث لا ترى من ورائه البشرة، فإن رئيت من ورائه البشرة فإنه لا يكفي.
والدليل على أن هذا واجبٌ أن الصحابة الذين قصرت بهم ثيابهم عن الكفن أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يجعل الكفن من نحو الرأس، ويجعل على الرجلين شيء من الإذخر (19)، الإذخر نبات معروف.
فإذا لم يوجد شيء؛ مثل أن يكون الرجل قد احترق بثيابه ولم يوجد ثياب يكفن بها فإنه يكفن بحشيش أو نحوه يوضع على بدنه ويلف عليه حزائم، فإن لم يوجد شيء فإنه يدفن على ما هو عليه، كل هذا مأخوذ من عموم قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
***
[الصلاة على الميت]
ثم قال المؤلف: (فصل: السنة أن يقوم الإمام عند صدره وعند وسطها) لم يفصح المؤلف في هذا الفصل بحكم الصلاة على الميت؛ لأنه ذكرها في أول الفصل في قوله: (غسلُ الميتِ وتكفينُه والصلاةُ عليه ودفنُه فرضُ كفايةٍ).
(1/2749)
________________________________________
وعلى هذا فنقول: الصلاة على الميت فرض كفاية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة على الميت فقال في قصة الرجل الذي عليه الدين: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» (20)، وقال في الذي قتل نفسه بمشاقص: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» (21)، وقال: «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» (22).
ويشير إلى هذا قوله تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]، فإن هذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من هديه أن يصلي على الأموات، وهو كذلك. فالصلاة على الميت فرض كفاية، وتسقط بمكلَّف؛ يعني: لو صلَّى عليه مكلف واحد ذكر أو أنثى فإن الفرض يسقط.
قد تقولون: كيف لا يوجد إلا رجل واحد أو امرأة واحدة تصلي عليه؟
نقول: نعم، هذا ممكن؛ مثل أن يموت شخص في مكان مجهول، ولا يعلم عنه، فيصلي عليه واحد من الناس يكفي.
ومثلما يسأل عنه الآن بعد أن تنور الناس وتفتحت لهم أبواب العلم يكون عندهم أطفال صغار؛ إما سقط، أو أكبر من ذلك يدفنون في زمن الجهل بدون صلاة عليهم وبدون تكفين وبدون تغسيل، يسأل بعض الأحيان أهل البادية يقولون: إنا كنا ندفن الأموات الصغار بدون صلاة؟
نقول لهم: يصلي واحد منكم على هؤلاء الذين دفنوا ويكفي، حتى لو صلت امرأة واحدة على أحد من الناس كفى؛ لأن فرض الكفاية يسقط بواحد.
واشترطنا أن يكون مكلَّفًا؛ لأن الصلاة على الجنازة فرض، والفرض لا يقوم به إلا المكلَّف.
(1/2750)
________________________________________
أمَّا كيف يصلى عليه فاستمع يقول: (السنة أن يقوم الإمام عند صدره، وعند وسطها) هذه السنة، والسنة هنا ليست ضد الواجب، ولكن المراد بها الطريقة؛ يعني: الطريقة التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته؛ أن يقوم الإمام عند صدره، صدر من؟ صدر الرجل، بدليل قوله: (وعند وسطها) فيقف الإمام عند صدر الرجل، ويقف عند وسط المرأة، هكذا قال المؤلف رحمه الله، ولكن الصحيح أنه يقف عند رأس الرجل، لا عند صدره؛ لأن السنة ثبتت بذلك.
(وعند وسطها) أي: وسط المرأة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام على امرأة ماتت في نفاسها عند وسطها (23).
والحكمة في ذلك لأن وسطها محل العجيزة والفرج، فكان الإمام عندهما ليحول بين المأمومين وبين النظر إليه، هذه من الحكمة، والله أعلم هل هناك حكم أخرى أم لا، المهم أن هذا هو السنة عند؟
طالب: من السنة ذكرت أن الحكمة ..
الشيخ: ما هو الحكمة عند، الحكم أين يقف الإمام من الرجل؟
الطالب: عند رأس الرجل.
الشيخ: وعلى رأي المؤلف؟
الطالب: قال: عند صدره.
الشيخ: عند صدره، ولكن الصحيح عند الرأس.
وقوله: (أن يقوم الإمام عند صدره) يُفْهَم منه أن هذه الصلاة كغيرها من الصلوات؛ يكون الإمام هو المتقدم والمأمومون خلفه، وقد جرت عادة كثير من الناس اليوم أن يقوم مع الإمام الذين قربوا الجنازة إلى الإمام، يقومون على يمينه غالبًا دون يساره، وأحيانًا عن يمينه وعن يساره، وكل هذا خلاف السنة.
السنة أن يتقدم الإمام، وأما الذين قدموا الجنازة إلى الإمام؛ فإن كان لهم محل في الصف الأول صفوا في الصف الأول، وإن لم يكن لهم محل صفوا بين الإمام وبين الصف الأول؛ من أجل أن يتميز الإمام بمكانه، ويكون أمام المأمومين، ثم إن قدر أن المكان ضيق لم يتسع لوقوف الإمام وصف خلفه فإنهم يكونون عن يمينه وعن شماله، وليس كلهم عن اليمين؛ لأن صف المأمومين كلهم عن يمين الإمام خلاف السنة أيضًا.
(1/2751)
________________________________________
ودليل ذلك أنه لما كان الناس إذا كانوا ثلاثة وقاموا جماعة فإن الإمام يكون بين الاثنين، دلَّ ذلك على أنه متى كانت الصفوف مع الإمام فإنهم يكونون على يمينه وعلى يساره، خلافًا لما اعتاده كثير من الناس اليوم؛ يصف المأمومون كلهم عن يمين الإمام ولا يبقى عن يساره أحد، هذا خلاف السنة لا شك.
فإذا قال قائل: السنة إذا كانوا ثلاثة أن يتقدم الإمام؟
قلنا: نعم، هذا هو الذي آل إليه الحكم أخيرًا، والحكم الأول نسخ، لكن الذي نسخ من الحكم الأول هو كون الإمام بين الثلاثة، أما إذا كانوا لا بد أن يصفوا معه فإن السنة باقية؛ أن يكونوا على يمينه وعلى شماله.
وقول المؤلف رحمه الله: (ويكبر أربعًا) التكبيرات هنا يقول الفقهاء: كلها أركان؛ لأنها بمنزلة الركعات؛ كل تكبيرة عن ركعة، فيقولون: إن التكبيرات هنا كلها أركان.
بقية التكبيرات في الصلوات الأخرى؛ منها ما هو ركن، ومنها ما هو واجب، ومنها ما هو سنة؛ الركن في غير صلاة الجنازة تكبيرة الإحرام، والسنة تكبيرة المسبوق إذا جاء والإمام راكع، فإنه يكبِّر تكبيرة الإحرام قائمًا، ثم يركع، والأفضل أن يكبر للركوع وإن لم يكبر فلا حرج، والواجب ما عدا ذلك، هذا هو الراجح.
وذهب بعض العلماء إلى أن التكبيرات سوى تكبيرة الإحرام كلها سنة، وأن الرجل لو تعمد تركها لم تبطل صلاته، لكن ما ذكرناه هو ما مشى عليه أصحاب الإمام أحمد رحمهم الله.
(يكبر أربعًا؛ يقرأ في الأولى بعد التعوذ الفاتحة) يعني: في التكبيرة الأولى يقرأ بعد التعوذ؛ أي: بعد قول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الفاتحة.
(1/2752)
________________________________________
وعُلم من كلامه أنه لا استفتاح فيها؛ أي: في صلاة الجنازة، وعلل العلماء الذين يقولون بهذا بأن هذه الصلاة مبنية على التخفيف؛ ولهذا ليس فيها ركوع، وليس فيها سجود، وليس فيها قراءة مطولة زائدة على الفاتحة، بل ولا قراءة زائدة مطلقًا على قول بعض العلماء، وليس فيها تشهد، وليس فيها إلا تسليم واحد، فهي مبنية على التخفيف، إذن من التخفيف ألا يستفتح، وقال بعض أهل العلم: بل يستفتح؛ لأنها صلاة، فيستفتح لها كما يستفتح لسائر الصلوات.
يقول رحمه الله: (بعد الفاتحة) أفادنا أيضًا أن الفاتحة لا بد منها، وهو كذلك، فالفاتحة في صلاة الجنازة ركن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (24)، وصلاة الجنازة صلاة.
(ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية، كالتشهد) يصلي في الثانية؛ أي: في التكبيرة الثانية، (كالتشهد) يعني: كما يصلي عليه في التشهد.
والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد هي: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
وإن اقتصر على قوله: اللهم صلِّ على محمد، كفى كما يكفي ذلك في التشهد.
(ويدعو في الثالثة) يعني: في التكبيرة الثالثة يدعو بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم إن كان يعرفه، فإن لم يكن يعرفه فبأي دعاء دعا جاز، إلا أنه يخلص الدعاء للميت؛ أي: يخصه بالدعاء.
ومنه: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا).
(اللهم اغفر) أي: يا الله اغفر، والمغفرة: ستر الذنب مع التجاوز عنه، ليست ستر الذنب فقط، بل لا بد من ستر وتجاوز، وهي مأخوذة من المِغْفَر الذي يُغَطَّى به الرأس عند القتال؛ لأنه يتضمن سترًا ووقاية.
(1/2753)
________________________________________
وقوله: (لحينا وميتنا) أي: لحينا نحن المسلمين، وميتنا كذلك نحن المسلمين، وهذا عام، أليس كذلك؟ لأنه مفرد مضاف، والمفرد المضاف يعم؛ يشمل الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحر والعبد، والشاهد والغائب. وإنما قلت ذلك لتعتبروا فيما يأتي.
(وشاهدنا وغائبنا) هذا أيضًا عموم داخل في العموم الأول، والعموم الأول داخل فيه أيضًا؛ لأن (شاهدنا وغائبنا) يشمل الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحر والعبد، والحي والميت.
(وصغيرنا وكبيرنا) مثلها.
(وذكرنا وأُنثانا) مثلما سبق، كله عام.
فإذا قال قائل: لماذا؟ قلنا: لأن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط، السنة في الدعاء أن تبسط وتطول؛ لسببين:
السبب الأول: أن إطالة الدعاء تدل على محبة الداعي؛ لأن الإنسان كلما أحب شيئًا أحب طول مناجاته، أليس كذلك؟ فأنت متصل بالله في الدعاء، فتطويلك الدعاء وبسطك بالدعاء دليل على محبتك لمناجاة الله عز وجل.
ثانيًا: أن التطويل يظهر فيه من التفصيل ما يدل على شدة افتقار الإنسان إلى ربه في كل حال.
الثالث: أن ذلك أحضر للقلب.
واعتبر هذا بقول القائل: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، سره وعلانيته، وأوله وآخره، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، هذا فيه تفصيل ولَّا لا؟ تفصيل وعمومات، لكن فائدته ما أشرت إليه من قبل.
(إنك تعلم منقلبنا ومثوانا) (إنك تعلم) الجملة تعليل لما سبق؛ يعني: دعوناك بهذا الدعاء؛ لأننا نعلم أنك تعلم منقلبنا؛ أي: ما ننقلب إليه، ومثوانا؛ أي: ما نصير إليه؛ لأن المثوى والمصير معناهما واحد.
(وأنت على كل شيء قدير) تتمة الدعاء، ولكنها من زيادات بعض الفقهاء؛ لأنها لم ترد في الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1/2754)
________________________________________
ومعناها (وأنت على كل شيء قدير): أن الله قادر على كل شيء؛ قادر على أن يوجد المعدوم، وأن يعدم الموجود، وأن يغير الحال من أحسن إلى حسن، أو من حسن إلى أردى، أو من أردى إلى حسن، أو من حسن إلى أحسن، المهم أنه على كل شيء قدير، وهذه جملة عامة لا يستثنى منها شيء.
وقول صاحب تفسير الجلالين في قوله تعالى في سورة المائدة: {لِلَّهِ مُلْكُ السماوات وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يقول: (خصَّ العقلُ ذاتَه فليس عليها بقادر) هذا القول منكر؛ وذلك لأن قوله: (خص العقل ذاته) أين العقل الذي خص ذاته بأنَّه ليس قادرًا عليها، أليس الله يفعل ما يريد؟ ! بلى، يفعل ما يريد، والفاعل لما يريد يفعل بنفسه، فهو قادر على أن يفعل ما شاء، وأن يدع ما شاء.
نعم، الشيء الذي لا يليق بجلاله عز وجل لا يمكن أن يكون متعلق القدرة؛ لأن أصل القدرة لا تتعلق به.
كما لو قال قائل: هل يقدر الله على أن يخلق مثله؟ نقول: هذا مستحيل؛ لأن المثلية ممتنعة، لو لم يكن من انتفاء المماثلة إلا أن الثاني مخلوق والأول خالق ..
(1/2755)
________________________________________
اللَّهُمَّ مَن أَحْيَيْتَه منا فَأَحْيِهِ على الإسلامِ والسُّنَّةِ، ومَن تَوَفَّيْتَه مِنَّا فَتَوَفَّهُ عليهما، اللَّهُمَّ اغْفِرْ له وارْحَمْهُ وعافِهِ واعْفُ عنه وأَكْرِمْ نُزُلَه وأَوْسِعْ مُدْخَلَه، واغْسِلْهُ بالماءِ والثلجِ والْبَرَدِ، ونَقِّهِ من الذنوبِ والخطايا كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَسِ، وأَبْدِلْهُ دارًا خيرًا من دارِه وزَوجًا خيرًا من زَوْجِه وأَدْخِلْه الجنَّةَ وأَعِذْهُ من عَذابِ القبرِ وعذابِ النارِ وأَفْسِحْ له في قَبْرِه ونَوِّرْ له فيه، وإن كان صغيرًا قالَ: " اللهمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْه، وفَرَطًا وأَجْرًا وشَفيعًا مُجَابًا، اللهمَّ ثَقِّلْ به مَوازِينَهما، وأَعْظِمْ به أُجورَهما، وأَلْحِقْهُ بصالِحِ سَلَفِ المؤمنينَ، واجْعَلْهُ في كَفالةِ إبراهيمَ، وَقِهِ برَحمَتِكَ عذابَ الجحيمِ، ويَقِفُ بعدَ الرابعةِ قليلًا ويُسَلِّمُ واحدةً عن يمينِه ويَرفَعُ يَديْهِ مع كلِّ تكبيرةٍ، وواجبُها قِيامٌ وتَكبيراتٌ أربعٌ والفاتحةُ والصلاةُ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ودعوةٌ للمَيِّتِ والسلامُ، ومَن فاتَه شيءٌ من التكبيرِ قَضاهُ على صِفتِه، ومَن فاتَتْهُ الصلاةُ عليه صَلَّى على القبرِ. وعلى غائبٍ بالنِّيَّةِ إلى شَهْرٍ.
ولكنها من زيادات بعض الفقهاء؛ لأنها لم تَرِد في الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناها: {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]، وأنت على كل شيء قدير، إن الله قادر على كل شيء، قادر على أن يوجِد المعدوم، وأن يعدم الموجود، وأن يغيِّر الحال من أحسن إلى حسن، أو من حسن إلى أردأ، أو من أردأ إلى حسن، أو من حسن إلى أحسن، المهم أنه على كل شيء قدير، وهذه جملة عامة لا يُسْتَثْنَى منها شيء.
(1/2756)
________________________________________
وقول صاحب تفسير الجلالين في قوله تعالى في سورة المائدة: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 120]، يقول: (خَصَّ العقلُ ذاتَه، فليس عليها بقادر)، هذا القول منكَر، وذلك لأن قوله: خَصَّ العقلُ ذاتَه، أين العقل الذي خص ذاته بأنه ليس قادرًا عليه، أليس الله يفعل ما يريد؟ بلى، يفعل ما يريد، والفاعل لما يريد يفعل بنفسه، فهو قادر على أن يفعل ما شاء وأن يدع ما شاء.
نعم، الشيء الذي لا يليق بجلاله عز وجل لا يمكن أن يكون متعلّق القدرة؛ لأن أصل القدرة لا تتعلق به، كما لو قال قائل: هل يقدر الله على أن يخلق مثله؟ نقول: هذا مستحيل؛ لأن المثلية ممتنعة، لو لم يكن من انتقاء المماثلة إلا أن الثاني مخلوق والأول خالق، الأول واجب الوجوب، والثاني ممكن الوجوب، لو لم يكن إلا هذا الفرق لكان كافيًا، مع أنه مستحيل.
ويذكر أن جنود الشيطان جاؤوا إليه، استمع للقصة هذه غريبة، جاؤوا إليه فقالوا له: يا سيدنا، نراك تفرح بموت الواحد من العلماء، ولا تفرح بموت آلاف العُبَّاد، كيف هذا، العابد الذي يعبد الله ليلًا ونهارًا، يسبِّح ويهلِّل، ويصوم ويتصدق، لا تفرح بالأَلْف فرحك بالواحد من العلماء؟ !
قال: نعم، أنا أدلكم على هذا، فذهب إلى عابد وقال له: يا أيها الشيخ، هل يقدر الله أن يجعل السماوات في جوف بيضة، السماوات كلها الكبرى في جوف بيضة، فقال العابد: لا، ما يصير! قال: احبسوها عندكم، قيِّدُوها، غلطة كبيرة، وذهب إلى العالم وقال له: هل يقدر الله على أن يجعل السماوات في بيضة؟ قال: نعم. قال: كيف؟ قال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، إذا قال للسماوات: كونوا في جوف بيضة، كانت. فقال: انظروا الفرق بين هذا وهذا.
فالمهم أنه يجب أن نطلِق، نقول: إن الله على كل شيء قدير.
(1/2757)
________________________________________
فإن قال قائل عبارة تَرِد كثيرًا عند الناس: إنه على ما يشاء قدير. هل هذا جائز؟
قلنا: لا، لا يجوز إلا مقيَّدًا؛ لأنك إذا قلت: إنه على ما يشاء قدير، أوهم أن ما لا يشاء لا يقدر عليه، وهو قادر على الذي يشاء والذي لا يشاء، لكن إذا قيدت المشيئة بشيء معين صح، كقوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: 29]، يعني إذا يشاء جمعه فهو قادر عليه.
وكذلك في قصة الرجل الذي أدخله الله الجنة آخر ما كان، فقال الله له: إني على ما أشاء قادر؛ لأنه يتعلق بفعل معيَّن.
( ... ) ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
كيف يُكَفَّن الرجل، وكم خرقة توضع في كفنه؟
طالب: ثلاث ثياب بيض.
الشيخ: ثلاث لفائف.
الطالب: ثلاث لفائف بيض، يوضع فوق بعض، ثم نُجَمِّر هذه اللفائف، ثم يوضع عليها مستلقيًا ..
الشيخ: ويش معنى تُجَمَّر؟
الطالب: يعني تُطَيَّب.
الشيخ: تُبَخَّر؟ نعم.
الطالب: ثم يوضع عليها الميت مستلقيًا، ثم بعد ذلك يُوضَع من هذا الطِّيب في قطن، ثم توضع في إليتيه، ثم يشد بخرقة مشقوقة ..
الشيخ: على منافذ وجهه ومواضع سجوده.
الطالب: لا، الأول القطن يوضع من هذا بين إليتيه، شد هذه الإليتين بالخرقة هذه، ثم بعد ذلك يوضع الباقي من هذه القطنة على منافذ وجهه ومواضع سجوده، ثم بعد ذلك ..
الشيخ: يكفي، إلى هذا الحد، مَن يكمل؟
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يُرَد طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ..
الشيخ: العليا هي تلي الميت.
الطالب: نعم على شقه الأيمن، ويُرَد طرفها الأيسر من فوقها، طرف اللفافة العليا من فوق الشق الأيمن، ثم الثانية ثم الثالثة، ثم يُعْقَد، ويجعل الفاضل من اللفائف على رأسه إذا كان هناك فاضل، ثم يُعقد الطرفان، تُعْقَد ولا تُحَلُّ إلا في القبر.
الشيخ: إلَّا في القبر، تمام، هل يجوز أن يُكَفَّن بغير هذه اللفائف؟
طالب: إلا بعذر، إن لم تكن هناك لفائف يجوز أن يُكَفَّن ..
الشيخ: عند الضرورة.
(1/2758)
________________________________________
الطالب: عند الضرورة.
الشيخ: وعند غير الضرورة؟
الطالب: عند غير الضرورة مستحب.
الشيخ: إي، لكن هل يجوز أن يُكَفَّن بغيرها؟
الطالب: نعم.
الشيخ: مثل؟
الطالب: الملابس اللي ( ... ).
الشيخ: المؤلف ذكره، لا، على كل حال كل ده يكفي، هو الواجب ثوب يستر الجميع، لكن المؤلف ذكر صفة أخرى.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا ( ... ).
الطالب: يكفن بقميص ومئزر.
الشيخ: ولفافة، إي نعم، يعني ممكن أن نجعل اللفائف مئزرًا وقميصًا ولفافة، ما هو الواجب من الكفن؟
طالب: الثوب الواحد يستره.
الشيخ: يستر الجميع، لو كُفِّنَ في ثوب دقيق يصف البشرة، هل يجزئ أو لا؟
طالب: لا يجزئ.
الشيخ: لا يجزئ؛ لأن الواجب أن يكون الثوب ساترًا، إذا كُفِّنَ بثوب أسود يجوز؟
طالب: يجوز.
الشيخ: نعم، ولكن الأفضل الأبيض. إذا لم يجد إلا ما يستر بعض بدنه، فماذا نعمل؟
طالب: نستره ( ... ).
الشيخ: نعم، أو ورق، وإذا لم يجد شيئًا من ذلك، ماذا نعمل؟
طالب: يُدْفَن هكذا.
الشيخ: يُدْفَن هكذا، فاتقوا الله ما استطعتم، بارك الله فيك، الصلاة على الميت حكمُها؟
طالب: فرض.
الشيخ: فرض؟ ما هو الدليل؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: مثل؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، ويذكر عنه أنه قال: صَلُّوا ..
الطالب: ( ... ).
الشيخ: هل في القرآن ما يدل على أن من عادتهم الصلاة على الأموات؟
طالب: قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] ( ... ) أنه صلى عليهم.
الشيخ: نعم، النهي عن الصلاة على المنافقين دليل على أنه كان يصلي على غيرهم، وأنه من العادة الصلاة على الأموات.
طالب: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103].
الشيخ: لا لا، صلِّ عليهم، يعني عند إعطاء الزكاة، ما هو السنة في وقوف الإمام في صلاة الجنازة؟
طالب: أن يقف عند رأس الرجل، وعلى وسط المرأة ..
(1/2759)
________________________________________
الشيخ: وعلى وسط المرأة، أنت قلت: قال المؤلف، فهل لديك قول آخر؟
الطالب: ( ... ) عند رأس الرجل.
الشيخ: عند رأس الرجل، هل هذا على سبيل الوجوب؟ لو وقف عند رِجْلَي الرجل، عند قدميه، يجزئ أو لا؟
طالب: يجزئ.
الشيخ: يجزئ، ماذا تقولون؟ صحيح، لو وقف والميِّت خارج عن موضع يكون بين يدي الإمام؟
طالب: لا بد أن يكون بين يديه.
الشيخ: لا بد أن يكون بين يديه، فأما إذا ذهب به يمينًا أو يسارًا فإنه لا يجزئ، ما هي الحكمة في أنه يكون عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة؟
طالب: يكون عند وسط المرأة لكي ( ... ).
الشيخ: يحول دون رؤية ما وراءه، عند رأس الرجل؟
الطالب: لأنه مكان العقل.
الشيخ: إي نعم؛ لأنه مكان العقل.
طالب: المرأة يا شيخ يقولون: إن مكان ( ... ) في وسطها ( ... )؟
الشيخ: لا، لو كان كذا كان يقول: عند البطن.
الطالب: هو يشمل الوسط.
الشيخ: لا، عند العجيزة، كما جاء في الحديث: «عَجِيزَتِهَا» (1)، والذين قالوا: عند صدره، ذكروا فيه حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه لا يقاوم الحديث الصحيح، وقالوا: إن الصدر محل القلب، ولكن إذا جاءت السنة فهي تقضي على كل شيء.
طالب: ( ... ).
الشيخ: كأنه أيش؟ عند أيش؟
الطالب: عند رأسه.
الشيخ: لا، بينهما فرق؛ لأنه إذا وقف عند رأسه يجعل كل الصدر على يساره، أو على يمينه.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا، هذا أيضًا من المسائل التي ينبغي أن ننبه عليها، عند العامة لا بد أن يكون رأس الميت على يمين الإمام، وهذا ليس بصحيح، يعني يجوز أن يكون رأس الميت على يساره وعلى يمينه، ليس لازمًا أن يكون الرأس على يمين الإمام.
ماذا يقرأ في التكبيرة الأولى؟
طالب: الفاتحة.
الشيخ: الفاتحة، ما الدليل؟
الطالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (2).
الشيخ: بفاتحة الكتاب، هذا دليل، والجنازة صلاتها صلاة، دليل آخر؟
(1/2760)
________________________________________
الطالب: قول ابن عباس أنه من السنة قراءة الفاتحة.
الشيخ: أنها من السنة، تمام، في التكبيرة الثانية ماذا يصنع؟
طالب: يصلي على النبي.
الشيخ: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف يصلي؟
الطالب: يصلي كما يصلي في التشهد.
الشيخ: كما يصلي في التشهد، في الثالثة؟
طالب: يدعو للميت.
الشيخ: يدعو للميت، الدعاء للميت عام وخاص، الدعاء العام ما هو؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، هذا الدعاء فيه تطويل: «لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا»، فما هي الحكمة، لو قال: لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، عَمَّت كل شيء؟
طالب: إلحاح.
الشيخ: هذا إلحاح في الدعاء، هذه واحدة.
طالب: إظهار شدة الافتقار إلى الله.
الشيخ: إظهار شدة الافتقار إلى الله.
الطالب: وكذلك محبة الداعي.
الشيخ: نعم، كذلك محبة الداعي لمن دعاه، حيث يتبسَّط معه في القول.
الطالب: لأن الأولى يكون بسط الدعاء.
الشيخ: إي، بس لماذا هذا الحكم؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، يعني ربما يذكر شيئًا يدعو له مع البسط.
طالب: فيه إظهار ..
الشيخ: ذكرناه.
طالب: استحضار القلب.
الشيخ: استحضار القلب، يعني ربما يستحضر في أول جملة أو لا يستحضر ثم يستحضر في الثانية.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، هذه ما إليها.
الطالب: ( ... ) كان يلح في الدعاء.
الشيخ: إي نعم، لكن ما هي الحكمة من هذا؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: إي، بس هذه إن صحت فإنما تكون في صلاة الجنازة، لكن البسط في غير صلاة الجنازة أيضًا، ( ... ) من هذا، الآن نقول: زيادة الأجر والتعبد لله؛ لأن الدعاء عبادة يؤجَر عليها الإنسان.
طالب: ( ... ).
الشيخ: هذا إشكال، يقول: ذكرتم أنه لا يقرأ دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة؛ لأنها مبنية على التخفيف، فكيف نقول هنا: نبسط في الدعاء، والبسط معناه التطويل، فيقال: الدعاء هو مضمون الصلاة، ومضمون الصلاة ينبغي أن يُبْسَط فيه، أما الاستفتاح فهو خارج عن ذلك.
(1/2761)
________________________________________
وأهم شيء أن ذلك لم يَرِد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما ورد عن النبي أنه كان يستفتح في صلاة الجنازة، وهذا كافٍ.
فيه تنبيه على الكلمات، قوله: وأنت على كل شيء قدير، لم تَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالْأَوْلَى حذفها، وقوله: اللهم مَن أحييته منا فأَحْيِه على الإسلام والسنة، ومَن توفَّيْتَه منا فتوفَّهُ عليهما. هذه أيضًا بهذه الصيغة لم تَرِد، والوارد: «اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ» (3).
والوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى؛ أنَّ مَن أحياه الله يحييه الله على الإسلام والانقياد التام، ومَن أماته فليتوَفَّهُ على الإيمان.
طالب: العكس.
الشيخ: العكس أيش؟ على الإيمان، لا، اللي أحفظ: «مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ»، والحكمة من ذلك أن الاستسلام الظاهر حين الوفاة قد لا يتمكن الإنسان منه لأنه منهَك، وفي آخر قواه، فكان الدعاء له بالإيمان في هذه الحال أبلغ، ولأن الإيمان هو اليقين، ووفاة الإنسان على اليقين أبلغ، أما الإسلام فإن الإسلام ظاهر في العمل، ويكون من المؤمن حقًّا، ومن ضعيف الإيمان، ومن المنافق أيضًا، فلهذا كان الدعاء في حال الحياة بالإسلام، وعند الممات بالإيمان.
وهنا مسألة، أن الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمحافظة عليه من الدعاء غير الوارد، وإن كان الأمر واسعًا، لكن المحافظة على ما ورد أولى، إحنا وصلنا إلى هذا.
***
ثم قال المؤلف: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ)، هذا الدعاء الخاص، وبدأ بالدعاء العام؛ لأنه أشمل، أما الخاص فهو خاص بالميت، (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ)، المغفرة محو آثار الذنوب وسترها، والإنسان محتاج إلى ستر ذنوبه حيًّا وميتًا.
(1/2762)
________________________________________
(وَارْحَمْهُ) بحصول المطلوب، ولهذا يجمع بين المغفرة والرحمة كثيرًا؛ لأن بالمغفرة النجاة من المرهوب، وبالرحمة حصول المطلوب.
(وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ)، عافِه مما قد يصيبه من السوء كعذاب القبر مثلًا، (وَاعْفُ عَنْهُ) تجاوز عنه ما فرَّط فيه من الواجب في حال الحياة، فالعفو التسامح والتجاوز عن الأوامر، والمغفرة محو آثار الذنوب بالمخالفة.
(وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ)، يقال: نُزُلَه، بالضم، ويقال: نُزْلَه، بالسكون؛ وهو القِرَى، أي الإكرام الذي يقدَّم للضيف، والإنسان الراحل هو في الحقيقة قادم على دار جديدة، فتسأل الله أن يكرم نزله، أي: ضيافته.
(وَأَوْسِع مُدْخَلَهُ)، يقال: مَدْخَل ومُدْخَل، بالضم والفتح، فالمُدخل بالضم الإدخال، والمَدْخَل اسم مكان، أي: مكان الدخول، وعلى هذا فالفتح أحسن، يعني أَوْسِع مكان دخوله، والمراد به القبر، أن الله يوسِّعه له، وذلك لأن القبر إما أن يضيق على الميت حتى تختلف أضلاعه، والعياذ بالله، وإما أن يوسع له مد البصر، فأنت تسأل الله أن يوسع مدخله.
(وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ)، الغسل بالماء يعني استعمال الماء فيما تلوث وما حصل فيه أذى من أجل إزالة التلويث والأذى، وهنا المراد بالغسل غسل آثار الذنوب، وليس المراد أن يغسل شيئًا حسيًّا؛ لأن الغسل الحسي قد تم بالنسبة للميت قبل أن يُكَفَّن، ولهذا قال: (بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ).
أورد بعض العلماء على هذا إشكالًا، وقال: إن الغسل بالماء الساخن أنقى، فلماذا قال: (بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ)؟
وأجابوا عن ذلك بأن المراد غسله من آثار الذنوب، وآثار الذنوب نار محرقة، فيكون المضاد لها الماء والبرودة، وقال: (الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ).
(1/2763)
________________________________________
الفرق بينهما أن الثلج ما يتساقط من غير سحاب، يتساقط من الجو مثل الرذاذ ويتجمَّد، والبَرَد هو الذي يتساقط من السحاب، ويسمَّى عند بعض أهل اللغة حب الغَمَام؛ لأنه ينزل مثل الْحَبّ.
(وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَْبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ)، والحديث من الخطايا: نَقِّه من الخطايا، والخطايا جمع خطيئة، وهي ما خالَف فيه الصواب، سواء كان فعلًا للمحظور، أو تركًا للمأمور.
وأما قوله: (مِنَ الذُّنُوبِ) على ما أورده المؤلف فإنه لو صح به الحديث: «الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا» (4)، لقلنا: الذنوب للصغائر، والخطايا للكبائر، ولكن الحديث ورد بالخطايا فقط، وبناء عليه نقول: الخطايا هنا تشمل الصغائر والكبائر.
وقال: (كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَْبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ)، هذا التشبيه لقوة التنقية، يعني: نَقِّه نقاء كاملًا، كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدنس، وخَصَّ الأبيض لأن ظهور الدنس على الأبيض أَبْيَن من ظهوره على غيره، ولهذا يكره الغسَّالون أيام الشتاء؛ لأن الناس يلبسون ثيابًا سودًا ملوَّنَة لا تتسخ سريعًا، فيكسد سوقهم، في أيام الصيف يلبسون البياض ويتسخ، يومين أو ثلاثة حسب حال الإنسان، فيكثر الورود عليهم، وينشط سوقهم، إذن الأبيض نقول: خص الأبيض؛ لأنه أكثر قبولًا للوسخ، ونقاؤه يدل على أنه ليس فيه وسخ إطلاقًا.
وقوله: (وأبْدِلْهُ دَارًا خَيرًا مِنْ دَارِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَهْلًا خَيّرًا منْ أهْلِهِ).
طلبة: ( ... ).
الشيخ: ما هي موجودة، المؤلف حذفها، وهي موجودة في الحديث.
(أبْدِلْهُ دَارًا خَيرًا مِنْ دَارِهِ)، الدار الأولى دار الدنيا، والثانية دار البرزخ، وهناك دار أخرى ثالثة؛ وهي دار الآخرة، فـ (أبْدِلْهُ دَارًا خَيرًا مِنْ دَارِهِ) يشمل الدارين؛ دار البرزخ، ودار الآخرة.
(1/2764)
________________________________________
(وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ) هذا فيه إشكال، سواء كان المصلَّى عليه رجلًا أم امرأة؛ لأنه إن كان المصلَّى عليه رجلًا، وقلنا: أبدله زوجًا خيرًا من زوجه، فهذا يقتضي أن الحور خير من نساء الدنيا، وإن كان امرأة فهذا يقتضي أننا نسأل الله أن يفرِّق بينها وبين زوجها، ويبدلها بخير منه، صح؟ فهذان إشكالان.
أما الجواب عن الأول: (أبدله زوجًا خيرًا من زوجه) فنقول: ليس فيه دلالة صريحة على أن الحور خير من نساء الدنيا؛ لأنه قد يكون المراد خيرًا من زوجه في الأخلاق، لا في الخيرية عند الله عز وجل.
وبهذا الجواب يتضح الجواب عن الإشكال الثاني، وهو أن المرأة إذا قلنا: أبدلها زوجًا خيرًا من زوجها، فإنه يعني أننا نسأل الله أن يفرِّق بينهما؟
فنقول: الجواب أن خيرية الزوج هنا ليست خيرية في العين، بل خيرية في الوصف، وهذا يتضمن أن يجمع الله بينهما في الجنة؛ لأن أهل الجنة ينزع الله ما في صدورهم من غِلٍّ، ويبقون على أصفى ما يكون، والتبديل كما يكون في العين يكون في الصفة، ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48]، فالأرض هي الأرض بعينها، لكن اختلفت، وكذلك السماوات، فهذا هو الجواب عن هذا الإشكال.
قال: (وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ)، أدخله الجنة هي دار المتقين -نسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها- كما قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
(وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)؛ لأن القبر فيه عذاب، ولكن الله تعالى قد يَقِي الإنسان عذابه إذا ألَحَّ على الله في الدعاء، كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام، قال: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» (5).
(1/2765)
________________________________________
ولهذا أمر أن يتعوَّذ الإنسان من عذاب القبر في كل صلاة، إذا تشهَّد التشهد الأخير فإنه يُؤْمَر أن يتعوَّذ بالله من أربع؛ من عذاب القبر، وعذاب النار، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، وعذاب النار معروف.
فإن قال قائل: أليس إدخال الجنة يُغْنِي عن سؤال أن يعيذه الله من عذاب القبر وعذاب النار؟
قلنا: لا، فإن الإنسان قد يدخل الجنة بعد أن يعذَّب في القبر، وبعد أن يعذَّب بالنار، فأنت تسأل الله أن يدخل الجنة نقيًّا من عذاب سابق، لا في القبر ولا في النار.
ثم هاهنا إشكال في الدعاء (اللهم اغفر له)، الضمير للمفرد المذكَّر، فإذا كان الميت أنثى فهل نقول: اللهم اغفر له، أو نقول: اللهم اغفر لها، بالتأنيث؟
نقول هكذا بالتأنيث؛ لأن ضمير الأنثى يكون مؤنثًا، فنقول: اللهم اغفر لها وارحمها، وعافها واعف عنها .. إلى آخره.
وإن كان المقدَّم اثنين، نقول: اللهم اغفر لهما، وإن كانوا جماعة: اللهم اغفر لهم؛ إذا كانوا جماعة ذكور، وإذا كانت جماعة إناث: اللهم اغفر لهن.
المهم أن الضمير يكون على حسب مَن يُدْعَى له، ونظير هذا من بعض الوجوه حديث ابن مسعود رضي الله عنه في دعاء الغم، «اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ» (6)، تقول المرأة: اللهم إني أَمَتُك بنت عبدك بنت أَمَتِك.
الشيء الثاني، السؤال الثاني: على هذا إذا فرضنا أن الإنسان لا يدري هل المقدَّم ذكر أو أنثى، فهل يؤنِّث الضمير أو يذكِّر الضمير؟
طلبة: يجوز هذا وهذا.
الشيخ: نعم، يجوز هذا وهذا، فإن ذكرت (اللهم اغفر له)، أي: لهذا الشخص أو الميت، (اللهم اغفر لها)، أي: لهذه.
طالب: وَأَبْدِلْهَا زوجًا خيرًا من زوجها ( ... ).
الشيخ: هذا إشكال، يقول: إذا كان الميت لم يتزوج، فكيف نقول: زوجًا خيرًا من زوجه وهو لم يتزوج؟ نقول: نعم، الجواب على هذا أي خيرًا من زوجه في الدنيا لو تزوج.
طالب: ( ... ).
(1/2766)
________________________________________
الشيخ: لا، النص واضح؛ لأن هذا الحديث اللي ورد كان الرسول يصلِّي على رجل، لو قال: إذا صليتم على الميت فقولوا كذا، لكان قولك وجيهًا، أن نأخذ بالنص، ونؤوله نحن على ما يناسب الحال.
طالب: الزوجة أيضًا ( ... ).
الشيخ: لا، ( ... ) زوجية النكاح.
الطالب: الدليل على الترتيب ( ... )؟
الشيخ: إي نعم، الدليل على هذا، ما هناك دليل بَيِّن واضح، لكن المعروف أن الدعاء يبدأ فيه بالثناء على الله، وقد تضمَّنَتْه الفاتحة، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بالدعاء.
الطالب: الدليل على أنه يجمع بين العام والخاص؟
الشيخ: نعم، هي وردت، ورد الدعاء العام، وورد الدعاء الخاص.
الطالب: ما ورد الجمع بينهما؟
الشيخ: لا، الجمع بينهما ما ورد، لكن العلماء قالوا: يجمع بينهم؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: «أَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ»، فلا بد من تخصيصه، وإن كان قوله: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا» يشمل.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا، الاستفتاح ( ... ) أبو هريرة سأل النبي عليه الصلاة والسلام: ماذا تقول؟ فلم يذكر له إلَّا نوعًا واحدًا، فدل هذا على أن الاستفتاح ما يجمع فيه بين نوعين.
طالب: ( ... ).
الشيخ: أيش؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا، وفيه أيضًا (زوجًا خيرًا من زوجه)، نفس الـ ( ... ).
الطالب: ( ... ).
الشيخ: فيه (أهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه).
الطالب: أحسن الله إليكم، الشارح يقول: ويشير بأصبعه ( ... ) من الدعاء.
الشيخ: إي، شرح الروض، كيف؟
الطالب: قول المصنف.
الشيخ: يقول: لا بأس بالإشارة، في هذا نظر، إلا أن نقيسها على تحريك الأصبع في دعاء التشهد، وإلا ففيها نظر.
طالب: لماذا لا نبدأ ( ... ).
الشيخ: ممكن، نحن قلنا: إذا جعلت، لكن كونك تأتي بالشيء الخاص إذا علمت أنها أنثى، تقول: اللهم اغفر لها، أحسن.
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، كيف؟
الطالب: ( ... ).
(1/2767)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، يحصل هذا، الدعاء له فرض الكفاية إذا قام به مَن يكفي سقط عن الباقي، فمثلًا الصلاة على الميت تحصل بواحد، لكن دفن الميت ربما لا يكفي فيه واحد ولا اثنان ولا ثلاثة، يعني ربما يقتصر بالصلاة على واحد، ونقول: الدفن لا بد من أربعة.
طالب: ( ... ).
الشيخ: إي نعم، صحيح، هذا لأجل الإشارة إلى أن التنقية تكون مقرونة بما يُزِيل الأثر نهائيًّا.
***
( ... ) وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، نبدأ من أول الفصل، ما هي السنة في وقوف الإمام إذا كانت الجنازة ذَكَرًا؟
طالب: أن يكون عند صدره.
الشيخ: أن يكون عند صدره، كأنك تشير إلى أن هناك قولًا آخر؟
الطالب: إي نعم، القول الآخر أن ( ... ).
الشيخ: نعم، وإذا كان الميت أنثى؟
الطالب: يقف عند وسطها.
الشيخ: عند وسطها، ما هي الحكمة من هذا التفريق؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، هل يستفتح في صلاة الجنازة؟
طالب: إي نعم، يستفتح.
الشيخ: ( ... ).
طالب: قلنا: إنه لا يستفتح؛ لأن الصلاة مبنيَّة على التخفيف فلا يستفتح.
الشيخ: هل يتعوَّذ أو لا يتعوَّذ؟
طالب: يتعوَّذ.
الشيخ: كيف يتعوَّذ وهي مبنية على التخفيف؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: من أجل قراءة القرآن؛ لعموم قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98].
ما هي الحكمة في أنه يكرِّر في الدعاء «لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا» (7) إلى آخره، نعم، نقول: الحكمة أن يكرر؛ لأنه لو قال: اللهم اغفر لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، كفى عن كل شيء؛ لأن هذا من باب الإلحاح في الدعاء، والله يحب الْمُلِحِّين في الدعاء، فائدة أخرى؟
طالب: التعبد لله.
الشيخ: التعبد لله تعالى بالدعاء؛ لأن الدعاء عبادة.
طالب: ( ... ).
الشيخ: زيادة أجر وثواب؛ لأنه كلَّمَا كَرَّر الدعاء أُثِيبَ عليه.
طالب: ( ... ) يدل على شدة افتقار العبد إلى ربه.
(1/2768)
________________________________________
الشيخ: نعم، أنه يدل على شدة افتقار الإنسان إلى ربه.
الطالب: أدعى لحضور القلب.
الشيخ: أدعى لحضور القلب في الدعاء، خمسة.
طالب: ( ... ).
الشيخ: هذا ما هو للإفادة، لكن ما الحكمة من أن الرسول يفعل هذا؟
الطالب: أن العلماء ( ... ).
الشيخ: إي، لكن ما الحكمة من أن الرسول فعله؟
طالب: المحبة للميت.
الشيخ: محبة للميت، لا، ما يناسبه.
طالب: الافتقار إلى الله عز وجل.
الشيخ: ذكرناها.
طالب: الاستحضار.
الشيخ: نعم، الاستحضار؛ لأنه قد يأتي في أول الدعاء، ويستحضر في آخره.
طالب: محبة المدعو.
الشيخ: محبة المدعو.
الطالب: محبة الداعي للمدعو؛ لأن مَن أحب شيئًا أحب مناجاته.
الشيخ: مناجاته والتبسط معه، وفيه بالنسبة لغير هذه المسألة، في غير هذا الموضع، فيه التفصيل، «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، عَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» (8)، تفصيل.
قوله: (إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا وَمَثْوَانَا)، ما معنى منقلبنا؟
طالب: يعني ما نصير إليه.
الشيخ: يعني معنى ننقلب إليه؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: طيب مثوانا؟ إذن ( ... )، ماذا تقولون يا جماعة، صح؟ المثوى: المستقَرّ، والمنقلَب حال الانقلاب، يعني إذا الإنسان مثلًا ينصرف من باب إلى آخر فهو في السفر منقلب، وإذا وصل إلى الغاية فهو مثواه، تمام.
المؤلف يقول: (مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلامِ والسُّنَّةِ)، وذكرنا أن نص الحديث على خلاف ذلك، ما هي الحكمة في التفريق؟
طالب: هو أن الإسلام الأعمال الظاهرة للناس ( ... ).
الشيخ: حتى لا تظهر مخالفته للشرع.
الطالب: والإيمان لأنها تكون أعمالًا قلبية ( ... ).
الشيخ: والميت في هذه الحال حاجته للإيمان أقوى؛ لأنه قد لا يستطيع العمل بالجوارح. (عافه واعف عنه).
طالب: ( ... ).
الشيخ: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة: 286]، في القرآن، فالعطف يقتضي المغايرة.
(1/2769)
________________________________________
طالب: ( ... ) واعف عنه ( ... ).
الشيخ: الله المستعان.
طالب: العفو أي: تجاوز عنه السوء في عذاب القبر، والمعافاة ..
الشيخ: واعف عنه.
الطالب: واعف عنه ما حصل له.
الشيخ: ( ... ).
طالب: عافِني هذه: من الستر، ( ... )، واعف عني: تجاوز عما فرَّط فيه من واجب.
الشيخ: إذن المعافاة معناها السلامة من الفعل المحرَّم، والعفو التجاوز عن ترك الواجب، أما العافية البدنية فلا محل لها هنا.
قال المؤلف: (وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ)، هذا بقدر ثابت في القرآن والسنة، و ( ... ) إجماع الأمة أيضًا، وذكرنا أدلة من القرآن هل تستحضرونها الآن؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: أيش؟
الطالب: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46].
الشيخ: أحسنت، هذا من الدليل، دليل آخر من القرآن؟
طالب: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 185].
الشيخ: إي نعم، هو على كل حال استدل بعض العلماء بهذا، وقال: التوفية تكون لتكميل الشيء، لكن فيها نظر، {إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [محمد: 27]، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: 93]، {الْيَوْمَ} للعهد الحضوري.
طالب: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27].
الشيخ: هذا قد استدل به بعض العلماء، ولكنه ( ... )، على كل حال، القرآن فيه أدلة واضحة، طيب من السنة؟
طالب: ( ... ).
(1/2770)
________________________________________
الشيخ: صحيح، هذا ثبوت عذاب القبر، حديث البراء الطويل، وذكر فيه أنه يُعَذَّب ويضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه.
طالب: ( ... ).
الشيخ: قال الرسول أيضًا: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمُ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» (9)، ولا يتعوَّذ من شيء غير واقع.
ثم إن إجماع المسلمين على قبول هذا الإرشاد يدل على أن المسألة إجماعية، ومع ذلك أنكر بعض الناس عذاب القبر، ولكن قولهم محدود ( ... ) القرآن والسنة الثابتة.
طالب: الدليل الثاني.
الشيخ: ما يحتاج، المدلول يثبت بدليل واحد.
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (وافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ)، هذا من دعاء الميت، (افسح له في قبره)، أي: وَسِّع له؛ لأن الفسحة يعني السعة، وهذا التوسيع ليس توسيعًا محسوسًا بحيث يكون قبره يتسع حتى يملأ المقبرة، ولكنه فسح غير محسوس إحساسًا دنيويًّا؛ لأنه من أحوال الآخرة.
وكما تشاهدون، أو كما ترون في المنام أن الإنسان يرى أنه في مكان فسيح، وفي نخيل، وفي أشياء تبهج نفسه، وهو لا يزال في فراشه مُتَغَطٍّ بغطائه، فعذاب القبر يشبه من بعض الوجوه ما يراه النائم، وإن كان أشد منه في الحقيقة، يعني أشد منه في كونه حقيقة.
إذن يفسح له في قبره، لكن لا يلزم منه أن يتسع القبر اتساعًا حسيًّا، وإنما قلنا ذلك لئلا يورد علينا مُورِد بأن الناس في قبورهم لا تتسع القبور أكثر مما هي عليه في الواقع، فنقول له: هذا أمر غيبي، وليس أمرًا حسيًّا معروفًا.
(1/2771)
________________________________________
(وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ)، يعني: اجعل له فيه نورًا، هنا يقول: افسح له، نَوِّرْ له فيه، وكل الضمائر التي مرت علينا بصيغة المفرد المذكر، فلو كان الميت أنثى فإنها تكون بصيغة المفرد المؤنث، فيقال: (اللهم اغفر لها وارحمها، وعَافِهَا واعْفُ عنها .. إلى آخره)، وإن كان الميت اثنين يقول: (اللهم اغفر لهما)، وإن كان الأموات ثلاثة يقول: اللهم اغفر لهم؛ إن كانوا ذكورًا، واغفر لهن، إن كنَّ إناثًا، وإن كانوا ذكورًا وإناثًا يُغَلِّب جانب الذكورية، فيقول: اللهم اغفر لهم، وهذا إذا كان يعلم الجنازة يسهل عليه، لكن إذا كان لا يعلم فهل يذكِّر أو يؤنِّث أو يُفْرِد أو يُثَنِّي أو يجمع؟
طالب: كلاهما صواب.
الشيخ: كلاهما صواب.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: يعني يجوز التذكير والتأنيث باعتبار القصد، فكلمة: اللهم اغفر له، أي: لمن بين أيدينا، سواء كان ذكرًا أو أنثى، واحدًا أو متعدِّدًا.
قال المؤلف: (وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ، وَفَرَطًا، وأَجْرًا، وَشَفِيعًا مُجَابًا، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا، وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ المُؤْمِنِينَ، وَاجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَقِهِ بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الْجَحِيمِ).
ننظر في هذا الدعاء، أولًا: هل ثبت هذا الدعاء بهذه الصيغة للصغير؟
الجواب: لا، لم يثبت بهذه الصيغة للصغير، لكنه ورد أنه يصلَّى عليه ويُدْعَى له، أو يُدْعَى لوالديه، لفظان في المسألة.
ولكن العلماء -رحمهم الله- استحسنوا أن يكون هذا الدعاء: (اللَّهُمَّ اجْعلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ)، الذخر بمعنى المذخور، يعني ما هنا مصدر بمعنى اسم مفعول، أي: مذخورًا لوالديه، يرجعان إليه عند الحاجة.
(وفَرَطًا)، الفَرَط السابق السالف، وهنا يشكل، كيف نقول: إنه فرَط لوالديه لو كانَا قد ماتَا قبله؟
(1/2772)
________________________________________
فيقال: إنه فَرَط لوالديه في الآخرة، يتقدمهما ليكون لهما أجرُه، وذُخْرًا ( ... ).
(وأَجْرًا، وَشَفِيعًا مُجَابًا)، أجرًا يعني اجعل لهما أجرًا، وهذا ظاهر فيما إذا كانَا حَيَّيْنِ؛ لأنهما سوف يصابان به، فإذا أُصِيبَا به فصبرَا على هذه المصيبة صار أجرًا لهما، أما إذا كانَا ميتين فلا يظهر هذا، لكن لعل الفقهاء ذكروا هذا بناء على الأغلب.
يقول: (وَشَفِيعًا مُجَابًا)، الشفيع بمعنى الشافع، كالسميع بمعنى السامع، فمن هو الشفيع؟ الشفيع هو الذي يتوسط لغيره، بجلب منفعة أو دفع مضرة، وسمي شفيعًا؛ لأنه يجعل المشفوع له اثنين، بعد أن كان وِتْرًا واحدًا، فلهذا صار بضم صوته إلى صوت المشفوع له صار شفيعًا له.
وقوله: (مُجَابًا)؛ لأن الشفيع قد يُجَاب وقد لا يُجَاب، فسأل الله أن يكون شفيعًا مُجَابًا.
(اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا)، يعني موازين الأعمال، وذلك بكونه أجرًا لهما؛ لأنه كلما كان أجرًا ثقلت به الموازين، والموازين جمع ميزان، وهو ما يُوزَن به أعمال العباد يوم القيامة.
واختلف العلماء هل هو ميزان حقيقي، أو كناية عن إقامة العدل؟ فذهبت المعتزلة إلى أنه كناية عن إقامة العدل، وأنه ليس هناك ميزان حسي.
والصواب أنه ميزان حسي، لحديث صاحب البطاقة، أن ذنوبه تُجْعَل في كفة، ولا إله إلا الله في كفة (10).
وكذلك يظهر من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ» (11)، فإن ظاهره أنه ميزان له كفتان، ولكن هاتين الكفتين لا نعلم كيفيتهما؛ لأنه من أمور الغيب التي لم يُعْلَم عنها.
وهل الذي يوزَن العمل أو العامل أو صحائف العمل؟ على أقوال ثلاثة؛ منهم من قال: إن الذي يوزَن العمل، ومنهم من قال: إن الذي يوزَن العامل، ومنهم من قال: إن الذي يوزَن صحائف الأعمال، وذلك لاختلاف النصوص في ذلك.
(1/2773)
________________________________________
والصحيح أن الذي يوزَن هو العمل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ»، ولقول الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا}، فهذا يدل على أن الذي يوزن أيش؟ العملُ، وهو كذلك، وهذا الصحيح.
وحجة من قال: إن الذي يوزَن صاحب العمل قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ}، الآية، آخرها: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105]، وحديث ابن مسعود لما قام فهبَّت الريح فجعلت تكفؤه، فضحك الناس منه؛ لأنه رضي الله عنه كان دقيق الساقين وكان صغيرًا، فضحك الناس منه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ سَاقَيْهِ فِي الْمِيزَانِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ» (12).
فهذا يدل على أن الذي يوزَن العامل، وأما دليل من قال: إن الذي يوزَن صحائف العمل، فهو حديث صاحب البطاقة الذي يؤتَى له بسجلات عظيمة كلها ذنوب، حتى إذا رأى أنه قد هلك قيل له: إن لك عندنا حسنة، فيؤتَى ببطاقة صغيرة فيها لا إله إلا الله، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فيقول: إنك لا تُظْلَم شيئًا، ثم توضع البطاقة في كفة، وبقية الأعمال في كفة، فترجح بهم وتميل به (10).
فيقال: إن حقيقة هذا وزن الأعمال؛ لأن الصحائف إنما تثقل وتخف بما فيها من العمل، فتكون حقيقة وزنها وزنًا للعمل، وقد يقال: إن الأكثر هو وزن الأعمال، وقد توزن صحائف الأعمال، والله أعلم، لكن الراجح الذي عليه الجمهور أن الذي يوزَن هو العمل.
(وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا)، أعظِم به أجورَهما يعني: اجعل أجورَهما عظيمة، وهنا إشكال نحوي لغوي، قال: أجورَهما مع أن المضاف إليه مُثَنّى، أي لم يقل: عَظِّم به أَجْرَيْهما؟
(1/2774)
________________________________________
والجواب على ذلك أن الأفصح في اللغة العربية إذا أُضِيفَ إلى المثنى أن يؤتَى بالجمع، ثم بالإفراد، ثم بالتثنية، إلا أن يكون هناك داعٍ يستلزم أن يؤتَى بالتثنية أو الإفراد أو الجمع، وإلا فالأصل هو ما ذكرنا؛ أن الأفصح الجمع، ثم الإفراد، ثم التثنية، {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، مع أنه ليس لهما إلا قلبان، {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4]، ولم يقل: فقد صغت قلباكما، ولم يقل: فقد صغى قلبُكُما؛ لأن الأفصح هو ما ذكرنا، الجمع.
يقول: (وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ المُؤْمِنِينَ)، أي: صغار المؤمنين الذين سلفوا، وذلك أن الصغار من الولدان كانوا في كفالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقد رآهم النبي صلى الله عليه وسلم حين عُرِجَ به عند إبراهيم، وسأل عنهم فقيل له: هؤلاء وِلْدَان المؤمنين (13)، ولهذا قال: (وَاجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ).
قال: (وَقِهِ بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الْجَحِيمِ)، (قِهِ) من الوقاية، يعني اجعله سالِمًا من عذاب الجحيم، وأما قوله: (برحمتك) فهو من باب التوسل بصفة الله عز وجل.
وفي هذه الجملة إشكال؛ كيف يقول: قِهِ برحمتك عذاب الجحيم، وهو صغير لم يبلُغ، وليس عليه عذاب؟
قال بعض العلماء: إن النبي عليه الصلاة والسلام أَخْبَرَ بأنه ما من إنسان إلا مَسَّتْهُ النار، ولو تَحِلَّةَ القسم (14)، ومن ذلك الصغار؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71]، فيكون هذا دعاء لهذا الصبي أن يقيه الله عذاب الجحيم إذا عرض عليها يوم القيامة.
(وَيَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلًا، وَيُسَلِّمُ وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ)، يقف قليلًا ليتميز التكبير من السلام، أو من أجل أن يترادّ إليه نَفَسُه.
(1/2775)
________________________________________
وقوله: (يقف قليلًا ثم يسلِّم) يظهر منه أنه لا يدعو، واختار بعض الأصحاب رحمهم الله أنه يدعو، ولكن بماذا؟ قال بعضهم: يدعو بقوله: اللهم لا تَحْرِمْنَا أجره، ولا تَفْتِنَّا بعده، واغفر لنا وله. وقال بعضهم: يدعو بقوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]؛ لأن هذا الدعاء تختم به الأدعية، ولهذا جعله النبي عليه الصلاة والسلام في منتهى كل شوط في الطواف، حيث يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
والقول بأنه يدعو بما تيسَّر أولى من السكوت؛ لأن الصلاة عبادة ليس فيها سكوت أبدًا إلا لسبب، كالاستماع إلى قراءة الإمام، ونحو ذلك.
قال: (وَيُسَلِّمُ وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ)، يسلِّم واحدة عن اليمين، وإن سلَّم تلقاء وجهه فلا بأس، لكن عن اليمين أفضل، وظاهر كلام المؤلف أنه لا تُسَنُّ الزيادة على التسليمة الواحدة، وهو المذهب.
والصحيح أنه لا بأس أن يسلِّم مرة ثانية؛ لورود ذلك في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الذين قالوا: إنه يسلِّم واحدة، استدلوا بأثر، وفي صحته نظر، واستدلوا بالمعنى أن هذه الصلاة مبنية على التخفيف، والتسليمة الواحدة أخف، لكن لو سلَّم مرتين فلا حرج، ولا ينكَر عليه.
ثم قال: (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ)، (يرفع) الضمير يعود على المصلِّي، يرفع يديه مع كل تكبيرة على صفة ما يرفعهما في صلاة الفريضة، أي يرفعهما حتى يكونَا حذو منكِبَيْه، أو حذو فروع أذنيه.
(1/2776)
________________________________________
وقوله: (مع كل تكبيرة)، هذا هو القول الصحيح؛ لأنه صح عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفًا أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة (15)، ومثل هذا العمل لا يثبت بالاجتهاد، فله حكم الرفع، على أن الدارقطني روى الحديث بسند جيد كما قاله الشيخ عبد العزيز بن باز، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في كل تكبيرة (16)، وأعَلَّه الدارقطني بعمر بن شبة.
ولكن الشيخ عبد العزيز رد هذا التعليل بأن عمر ثقة، والزيادة من الثقة عند علماء الحديث مقبولة إذا لم تكن منافية، وهنا لا تنافي؛ لأن المسكوت عنه ليس كالمنطوق، ولا منافاة إلا إذا تعارض نُطْقَان، أما إذا كان أحدهما ناطقًا والثاني ساكتًا فهنا لا معارضة، وذلك لأن عدم النقل ليس نقلًا للعدم.
فالصحيح أنه يرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لهذا الحديث، ولأن المعنى يقتضيه؛ لأنه إذا حَرَّك يديه اجتمع بالانتقال من التكبيرة الأولى قول وعمل، أو قول وفعل، كسائر الصلوات، فإن الصلوات يكون مع القول فعل؛ إما ركوع، وإما سجود، وإما قيام، وإما قعود، فكان من المناسب أن يكون مع القول فعل، ولا فعل هنا يناسب إلا رفع اليدين؛ لأن السجود والركوع متعدِّد، فيبقى رفع اليدين، وحينئذ يكون رفع اليدين في كل تكبيرة مؤيَّدًا بالأثر والنظر.
طالب: هل يا شيخ تظهر بعض آثار عذاب القبر؟
الشيخ: إي نعم، تظهر، لكن ليس لكل أحد، هي ظهرت للنبي عليه الصلاة والسلام، في قصة الرجلين اللَّذَيْن يُعَذَّبَان بالنميمة وعدم التنزه من البول (17)، وربما يُسْمَع من بعض القبور صياح، كما يذكره بعض الناس لنا، وابن القيم رحمه الله في كتاب الروح ذكر من هذا أشياء.
(1/2777)
________________________________________
(وَيَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلًا، وَيُسَلِّمُ وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ)، يقف يعني أن يصلي على الجنازة، (يقف قليلًا، ويسلِّم واحدة عن يمينه)، واختلف العلماء رحمهم الله في هذه الوقفة، هل يدعو فيها أو لا؟ فقال بعضهم: إنه لا يدعو فيها، وهو ظاهر كلام المؤلف، وقال بعضهم: بل يدعو فيها فيقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]؛ لأن هذا الدعاء ينبغي أن يُخْتَم به الدعاء، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يختم به دعاء كل شوط في الطواف.
وقوله: (وَيَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلًا، وَيُسَلِّمُ وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ)، (يسلِّم واحدة عن يمينه)، وإن سلَّم مرتين فحسن؛ لأن الكل قد جاءت فيه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاختار بعض العلماء أن يسلِّم واحدة، واختار آخرون أن يسلِّم اثنتين.
والراجح أن الأمر في هذا واسع، يسلِّم أحيانًا مرة وأحيانًا مرتين، ولا حرج في ذلك، ويرفع يديه مع كل تكبيرة كما يرفعها في صلاة الفريضة والنافلة.
فهنا يرفعها في كل تكبيرة؛ لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك؛ ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة (16)، ومثل هذا لا يفعله ابن عمر بمجرد الرأي، بل هذا يعتبر من المرفوع حكمًا؛ لأن كل شيء لا مجال للرأي فيه من أحكام أو أخبار فإنه في حكم الرفع إذا صدر من الصحابي.
إلا أن الأخبار يشترط فيها ألا يكون الصحابي معروفًا بالأخذ عن بني إسرائيل، خوفًا من أن يكون ما ذكره من أخبار بني إسرائيل.
ثم إنه قد رُوِيَ مرفوعًا صريحًا عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند قال فيه الشيخ عبد العزيز بن باز: إنه سند جيد، وعلى هذا فيكون هو المعتمَد.
(1/2778)
________________________________________
وما يُرْوَى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يكبِّر في أول تكبيرة ثم لا يعود (18)، فهذا إن صح فلعلَّه في بعض الأحيان، والمعنى مناسب للرفع في كل تكبيرة؛ لأن كل تكبيرة تعتبر ركعة مستقلة، كالركعات في صلاة الفريضة والنافلة، فكان الأنسب والأقوم أن يجتمع في هذا الانتقال من تكبيرة إلى أخرى أن يجتمع الفعل والقول، كما اجتمع الفعل والقول في الانتقال في الصلوات الأخرى.
وقوله: (مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ)، مر علينا في كتاب الصلاة أنه إن شاء ابتدأ الرفع مع ابتداء التكبير، وإن شاء إذا كبَّر رَفَع، وإن شاء رَفَع ثم كَبَّر، كل ذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال المؤلف: (وَوَاجِبُهَا قِيَامٌ)، (وواجبها) يعني: ما يجب فيها، وليس المراد الواجب الاصطلاحي الذي هو قسيم الركن أو الشرط، بل المراد بالواجب هنا أي ما يجب فيها، كما قلنا في قراءة الفاتحة: واجبة في الصلاة.
فقوله: (واجبها) ليس ضد، أو ليس قسيم أركانها؛ لأن هذا الذي ذكره المؤلف أركان قيام، لكن القيام واجب فيما كان فريضة منها، وعلى هذا فإذا أعيدت صلاة الجنازة مرة ثانية كان القيام في المرة الثانية سُنَّة وليس بواجب؛ لأن الصلاة المعادة ليست فريضة.
(وَوَاجِبُهَا قِيَامٌ، وَتَكْبِيرَاتٌ أَرْبَعٌ) تكبيرات أربع، أي: واجبة، ولكنها في الحقيقة أركان؛ لأن كل تكبيرة منها كالركعة.
وقوله: (أربعٌ) بالتنوين ولَّا بغير التنوين؟ يجوز الوجهان، أربعُ أو أربعٌ، وقوله: (أربع) يعني: ألَّا تقل عن أربع، وله الزيادة إلى خمس، وإلى ست، وإلى سبع، وإلى ثمانٍ، وإلى تسع، كل هذا وارد، لكن الثابت في صحيح مسلم (19) إِلَى خَمْسٍ.
(1/2779)
________________________________________
ولهذا ينبغي للأئمة أن يكبِّرُوا أحيانا على الجنازة خمس مرات، إحياءً للسنة، وسيقول بعض الناس: إن إمامنا نسي فزاد خامسة، لكن إذا فعلها مرة تلو مرة، وبَيَّنَ للناس الذين يسألون يقولون له: إنك نسيت فكبَّرْت خمسًا، أن يُبَيِّن لهم أن هذا من السنة؛ لأنه ثبت أن زيد بن أرقم صلى على جنازة كبَّر عليها خمسًا، وأخبر أن ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم (20).
قال: إذا كبَّرْنَا خمسًا فماذا نقول بعد الرابعة؟
أنا لا أعلم في هذا سُنَّةً، لكنني إذا أردت أن أُكَبِّر خمسًا جعلت دعاء الثالثة الدعاء العام، والرابعة الدعاء الخاص بالميت، وما بعد الخامسة: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، ولهذا قد يعرف النبيه أنني أريد أن أُكَبِّر خمسًا إذا صار الدعاء بعد الثالثة قصيرًا.
يقول: (وَالْفَاتِحَة)، والفاتحة ركن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (2)، وقرأها ابن عباس رضي الله عنهما وجهر بها، وقال: ليعلموا أنها سُنَّة (21)، يعني أنها مشروعة، وليس المعنى أنها سُنَّة؛ إن شئت فافعلها، وإن شئت فلا، لكن أنها مشروعة.
(وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم) هذا أيضًا من واجباتها، وهو ركن على المشهور من المذهب، وهو مبني على القول بركنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات، أما إذا قلنا: بأنها ليست بركن في الصلوات، فهي هنا أيضًا ليست بركن.
لكن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام لها شأن، وذلك لأن الفاتحة ثناء على الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة عليه، والثالثة دعاء، وينبغي للداعي أن يقدم بين يديه الثناء على الله، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
(1/2780)
________________________________________
وقوله: (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم)، ولم يُبَيِّن هنا، لكنه بَيَّنَ فيما سبق أنها كالتشهُّد، لكن يكفي أن يقول: اللهم صَلِّ على محمد.
(وَدَعْوَةٌ لِلْمَيِّتِ)، هذا من الأركان أيضًا؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ» (22)، ولأن هذا هو لُبُّ هذه الصلاة، أصل الصلاة على الميت إنما كانت للدعاء له، وإن كان فيها عبادة، لكن ليست مجرد عبادة لله عز وجل.
(وَدَعْوَةٌ لِلْمَيِّتِ، وَالسَّلَامُ)، ركن أو واجب؟ ركن، لكنه يكفي فيه مرة واحدة كما مَرَّ.
قال: (وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ التَّكْبِيرِ)، السلام دليله قول عائشة رضي الله عنها: كان يختم الصلاة بالتسليم (23)، وهذا وإن لم يكن ظاهرًا في عموم صلاة الجنازة، لكن يصح أن يكون متمسِّكًا، ولأنها عبادة افتُتِحَت بالتكبير، فتُخْتَتَم بالتسليم كالصلاة المفروضة.
قال: (وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ التَّكْبِيرِ قَضَاهُ عَلَى صِفَتِهِ)، أي على صفة ما فاته، لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما فاتكم فأتموا» (24).
ويستفاد من قول المؤلف شيء من التكبير، أن التكبيرة بمنزلة الركعة، طيب وإذا دخل مع الإمام في التكبيرة الثالثة، فهل يقرأ الفاتحة، أو يدعو للميت، لأن هذا مكان الدعاء، الظاهر أنه في هذه الحال يدعو للميت، حتى على القول بأن ما يدركه المسبوق أول صلاته فينبغي في صلاة الجنازة أن يتابع الإمام فيما هو فيه، لأننا لو قلنا لهذا الذي أدرك الإمام في التكبيرة الثالثة، لو قلنا: اقرأ الفاتحة، ثم كبر الإمام للرابعة، وقلنا: صل على النبي، ثم حملت الجنازة؛ فاته الدعاء له.
وقول المؤلف: (وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ التَّكْبِيرِ قَضَاهُ عَلَى صِفَتِهِ)، ظاهره الوجوب، أنه يقضيه على صفته، وظاهره أيضًا أنه يقضيه، سواء خَشِيَ حمل الجنازة أم لم يَخْشَ.
(1/2781)
________________________________________
ووجه ذلك أنه إذا قَدَّر أن الجنازة رُفِعَت قبل أن يُتَمِّم فإنه يدعو له ولو في غيبتها للضرورة، ولكن قيَّده الأصحاب -رحمهم الله- قالوا: ما لم يَخْشَ رَفْعَها، أي رَفْع الجنازة، فإن خشي الرفع تابع وسلَّم.
والغالب في جنائزنا الغالب أنها تُرْفَع، لا يتأخرون فيها حتى يقضي الناس، وعلى هذا فيتابع التكبير ويسلِّم، ومع هذا قالوا: وله أن يسلِّم مع الإمام؛ لأن الفرض سقط بصلاة الإمام، فما بعد صلاة الإمام يعتبر نافلة، والنافلة يجوز قطعها.
فالأقوال إذن ثلاثة، المسبوق في صلاة الجنازة له ثلاث حالات؛ الحال الأولى: أن يمكن قضاء ما فات قبل أن تُحْمَل الجنازة، فهنا نقول أيش؟ اقْضِهِ ولا إشكال فيه؛ لأن عموم قوله عليه الصلاة والسلام: «مَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» يشمل هذا.
الحال الثانية: أن يخشى مِن رفعها فيتابع التكبير، وإن لم يَدْعُ إلا دعاء قليلًا للميت.
الحال الثالثة: أن يسلِّم مع الإمام، ويسقط عنه ما بقي من التكبير، وعلَّته ما ذكرت لكم؛ هو أن الفرض سقط بالصلاة الأولى التي هي صلاة الإمام، فكان ما بقي مخيَّرًا فيه، ومع هذا فليس هناك نص صحيح صريح في الموضوع، أعني في موضوع أنه يسلِّم مع الإمام، أو يتابع التكبير بدون دعاء، لكنه اجتهاد من أهل العلم رحمهم الله.
(1/2782)
________________________________________
ثم قال: (وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَّى عَلَى القَبْرِ)، من فاتته الصلاة عليه فلم يُدْرِك فإنه يصلِّي على القبر إن أدركها قد دُفِنَت، وإلا صلى عليها ولا ينتظر؛ لأن الصلاة على القبر إنما تكون للضرورة، إذا لم يمكن حضور الميِّت بين يديه فإنه يصلي على القبر، ودليل ذلك قصة المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد؛ أي ترفع قمامته وتنظفه منها، ماتت ليلًا ولم يُؤْذَن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، تحقيرًا لشأنها من وجه، ولئلا يَشُقُّوا على النبي صلى الله عليه وسلم من وجه آخر، فلما أصبح، أو فلما سأل عنها أخبروه أنها ماتت، فقال: «هَلَّا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟ »، أي: أخبرتموني، فقالوا كأنهم صغَّروا من شأنها، ثم قال: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا» (25)، فخرج بنفسه عليه الصلاة والسلام، وصلَّى على قبرها، وفي هذا من عناية الرسول عليه الصلاة والسلام بأهل الخير، حتى إنها امرأة سوداء، عنايته بأهل الخير الذين يعملون الخير الآن مما هو ظاهر، هذه ليس من عملها إلا أنها تَقُمُّ المسجد، وفيه أيضًا عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالمساجد، كما جاء في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور، وأن تُنَظَّف وتُطَيَّبَ (26).
وفيه أيضًا تواضع النبي صلى الله عليه وسلم للخروج إلى قبرها ليصلي عليها، وإلا فبإمكانه أن يدعو لها في مكانه، لكنه خرج تواضعًا لله وتعظيمًا لشأن هذه المرأة السوداء، وشكرًا لها على عملها، ولكن كيف يصلَّى على القبر صلاة الجنازة؟
المعروف إن كان رجلًا وقف عند رأسه، وإن كان أنثى عند وسط القبر، فيجعل القبر بينه وبين القبلة.
قال: (وَعَلَى غَائِبٍ بِالنِّيَّةِ)؛ لأن الغائب ليس بين يديه حتى ينوي يصلي على شيء مشاهَد، ولكن (بالنية إلى شهر)، فالصلاة على الميت إما أن يكون بين يديه، وذلك قبل الدفن أو بعده على القبر، وإما أن يكون غائبًا.
(1/2783)
________________________________________
لكن كلمة (غائب) ماذا تعني؟ تعني أنه غائب عن البلد، ولو دون المسافة، يصلي عليه صلاة الغائب، أما مَن في البلد فإنه لا يُشْرَع أن يصلي عليه صلاة الغائب، بل المشروع أن يخرج إلى أيش؟ إلى قبره ويصلي عليه.
ولهذا يخطئ بعض الجهال الذين يصلون على الميت في أطراف البلد وهو ميت في بلده، فإن هذا خلاف السنة، السنة أن تخرج إلى القبر وتصلي عليه.
ثم قال: (إِلَى شَهْرٍ) يصلي على الغائب وعلى القبر إلى شهر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر إلى شهر (27)، يعني إلى نهاية الشهر، هذا هو الدليل.
ولكن كون الرسول عليه الصلاة والسلام صلَّى على قبر له شهر، لا يدل على التحديد؛ لأن هذا فعل اتفاقًا ليس مقصودًا، فلا ندري لو كان له أكثر هل يصلي أو لا؟ ولو كان له دون هل يصلي أو لا، وما فعل اتفاقًا فليس بدليل اتفاقًا؛ لأنه لم يقصد.
ولهذا نقول: الصحيح أنه يصلي على الغائب ولو بعد الشهر، ويصلي أيضًا على القبر ولو بعد الشهر.، إلا أن بعض العلماء قيَّدَه بقيد حسن، قال: بشرط أن يكون هذا المدفون قد مات في زمن يكون فيه المصلي أهلًا للصلاة، معلوم، إلا أن يكون الميت قد مات في زمن بلغ فيه المصلي أن يكون من أهل الصلاة.
ولا يُصَلِّي الإمامُ على الغالِّ ولا على قاتلِ نفسِه، ولا بأسَ بالصلاةِ عليه في المسجدِ.
(فصلٌ في حمل الميت ودفنه)
يُسَنُّ التربيعُ في حَمْلِه ويُباحُ بينَ العمودينِ، ويُسَنُّ الإسراعُ بها وكونُ الْمُشاةِ أمامَها والرُّكبانِ خَلْفَها، ويُكْرَهُ جُلوسُ تابعِها حتى تُوضَعَ، ويُسَجَّى قبرُ امرأةٍ فقط، واللَّحْدُ أَفْضَلُ من الشَّقِّ ويقولُ مُدْخِلُه " بسمِ اللهِ وعلى مِلَّةِ رسولِ اللهِ " ويَضعُه في لَحْدِه على شِقِّه الأيمنِ مُستقبلَ القِبلةِ، ويُرفعُ القبرُ عن الأرضِ قَدْرَ شِبْرٍ مُسَنَّمًا ويُكرهُ تَجْصِيصُه والبناءُ والكتابةُ والجلوسُ والوطءُ عليه
(1/2784)
________________________________________
(إلى شهر) يصلي على الغائب وعلى القبر إلى شهر؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على قبر إلى شهر (1)؛ يعني: إلى نهاية الشهر، هذا هو الدليل، ولكن كون الرسول عليه الصلاة والسلام صلَّى على قبر له شهر لا يدل على التحديد؛ لأن هذا فُعِلَ اتفاقًا ليس مقصودًا، فلا ندري لو كان له أكثر هل يصلي أو لا؟ ولو كان له دون هل يصلي أو لا؟ وما فُعِلَ اتفاقًا فليس بدليل اتفاقًا؛ لأنه لم يقصد.
ولهذا نقول: الصحيح أنه يصلي على الغائب ولو بعد الشهر، ويصلي أيضًا على القبر ولو بعد الشهر، إلا أن بعض العلماء قيده بقيد حسن، قال: بشرط أن يكون هذا المدفون قد مات في زمنٍ يكون فيه المصلي أهلًا للصلاة، إلا أن يكون الميت قد مات في زمنٍ بلغ فيه المصلي أن يكون من أهل الصلاة.
مثال ذلك: رجل مات له عشرون سنة، فخرج إنسان يصلي عليه وله ثلاثون سنة، يصح أو لا؟ يصح، على هذا القول يصح؛ لأنه مات هذا الميت ولهذا عشر سنوات من أهل الصلاة على الميت.
مات رجل له ثلاثون سنة، وخرج شخص له عشرون سنة ليصلي عليه، لا يصح؛ لأن هذا كان معدومًا حين مات الرجل، فليس من أهل الصلاة عليه، ومن ثَمَّ لا يشرع لنا نحن أن نصلي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، لا يشرع لنا، وما علمنا أن أحدًا من الناس قال: إنه يشرع أن يصلي الإنسان على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو على قبور الصحابة، لكن يقف ويدعو، هذا شيء آخر.
وقول المؤلف: (وعلى غائب) أطلق، فيشمل كل غائب؛ أي واحد يموت وتحب أن تصلي عليه فصلِّ؛ رجلًا كان أو امرأة، شريفًا أو وضيعًا، قريبًا أو بعيدًا، تصلي على كل غائب، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على أقوال ثلاثة:
(1/2785)
________________________________________
القول الأول: أنه يصلى على كل ميت غائب ولو صلى عليه آلاف الناس، وبناء على هذا القول اتخذ بعض العلماء عملًا لا يشك أحد أنه بدعة، فقال: إذا أردت تنام فصل صلاة الجنازة على كل من مات في اليوم والليلة، كلما أردت تنام صلِّ صلاة الغائب على من؟ كل من مات من المسلمين، انو الصلاة عليه تؤجر أجرًا كثيرًا، كم مات مثلًا في هذا اليوم والليلة؟ قد يكون آلاف ماتوا، فيكون لك أجر آلاف الصلوات، ولكن هذا القول لا شك أنه بدعة؛ لأن أعلم الناس بالشرع، وأرحم الناس بالخلق، وأحب الناس أن ينفع الناس من؟ الرسول عليه الصلاة والسلام، هل كان كل ليلة يصلي على الناس؟ ! ولا خلفاؤه الراشدون ولا عُلِمَ عن أحد من الصحابة، فهو بدعة.
وقال بعض العلماء: يصلى على الغائب إذا كان فيه غناء للمسلمين؛ يعني: منفعة، كعالم نفع الناس بعلمه، وتاجر نفع الناس بماله، ومجاهد نفع الناس بجهاده، وما أشبه ذلك يصلى عليه شكرًا له، وردًّا لجميله، وتشجيعًا لغيره أن يفعل مثل فعله، وهذا قول وسط اختاره كثير من علمائنا المعاصرين وغير المعاصرين.
والقول الثالث: لا يصلى على غائب إلا من لم يصلَّ عليه، حتى وإن كان كبيرًا في علمه أو ماله أو جاهه أو غير ذلك، فإنه لا يُصَلَّى عليه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واستدل لذلك بأن الصلاة على الجنازة عبادة، والعبادة لا تشرع إلا من الكتاب والسنة، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على غائب إلا على النجاشي؛ لأنه مات بين أمة مشركة، أولًا ليسوا من أهل الصلاة، والمؤمن منهم -إن من كان منهم أحد آمن- لا يعرف عن كيفية الصلاة شيئًا، فأخبر به النبي عليه الصلاة والسلام في اليوم الذي مات فيه، وهو في الحبشة والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأخبر الناس بذلك، وقال: «إِنَّهُ مَاتَ رَجُلٌ صَالِحٌ» (2)، وفي بعض الروايات: «أَخُوكُمْ»، ثم أمرهم أن يخرجوا إلى المصَلَّى.
(1/2786)
________________________________________
المصَلَّى إما مصلى الجنائز؛ لأنه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام للجنائز مصلًّى خاص، وإما مصلى العيد، والحديث محتمل للقولين، وبكل من القولين قال بعض العلماء؛ فمن قال: إن المراد مصلَّى العيد قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك إظهارًا لشرف هذا الرجل، وردًّا لجميله؛ لأنه آوى الصحابة الذين هاجروا إليه، وقال: إن كونه يُصَلَّى عليه في مثل العيد أظهر.
وقال بعض العلماء: المراد المصَلَّى مصَلَّى الجنائز؛ لأن (أل) للعهد، وهذه صلاة جنازة فتحمل على المعهود في صلاة الجنازة؛ وهو مُصَلَّى الجنائز، المهم أنه لم يحفظ عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه صلى على جنازة غائبة، ولا عن الصحابة، ولا شك أنه يموت العظماء وذوو الغناء في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وفي عهد الخلفاء الراشدين.
وهذا القول أقرب إلى الصواب؛ أنه من صلي عليه فلا يُصَلَّى عليه صلاة غائب.
صلاة الغائب إلى شهر، يقول المؤلف: (إلى شهر)، وبعد الشهر لا يصلى عليه، وهذا ما لم يكن لم يُصَلَّ عليه، فإن كان لم يُصَلَّ عليه صلينا عليه ولو بعد سنين، وهذه المسألة الأخيرة ترد كثيرًا في البادية؛ في زمن الجهل يموت عندهم الرجل ويدفنونه بدون تغسيل ولا تكفين ولا صلاة، ثم يجيئون يسألون الآن: مات لنا ميت سنة الكسوف، تعرفون سنة الكسوف؟ نعم، هو سنة أظن ثلاث وسبعين، 1373 هـ كسفت الشمس كسوفًا كليًّا، حتى صرنا نرى النجوم في الظهر، وصار الناس يحملون السرج؛ ولهذا هي مؤرخة عند البادية بسنة الكسوف، كعام الفيل في قريش، المهم على كل حال أن الذي لم يُصَلَّ عليه يُصَلَّى عليه متى علمنا أنه لم يُصَلَّ عليه وإن طالت المدة.
طالب: أحسن الله إليك ( ... ) فاتحة الكتاب ما وجهه؟
الشيخ: واللهِ لا وجه له، ما أعرف له وجهًا، أقول: لا أعرف له وجهًا ما دام الحديث «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (3). وهذه صلاة.
الطالب: ( ... )؟
الشيخ: نعم.
(1/2787)
________________________________________
الطالب: الصلوات الخمس.
الشيخ: من يقول؟ أليس الله سمَّى هذه صلاة {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 84].
الطالب: لو انتهى المأموم من قراءة الفاتحة والإمام لم يكبر؟
الشيخ: إي نعم، إذا انتهى المأموم من قراءة الفاتحة قبل أن يكبر الإمام فليقرأ بسورة أخرى، بل إنه ورد في بعض الأحاديث أن الرسول قرأ معها سورة أخرى (4).
طالب: إذا سلَّم الإمام نصف تسليمة هل للمأمومين أن يسلموا مثل تسليمه؟
الشيخ: إي نعم؛ لأنه لا يتحقق به المخالفة، لكن لو سلَّم تسليمتين فليسلموا تسليمتين.
الطالب: قول عوف بن مالك لما سمع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الميت قال: حتى تمنيت ..
الشيخ: أن أكون أنا هو (5). إي نعم.
الطالب: ( ... )
الشيخ: لا، تمنى ذلك من أجل الدعاء، ما هو للموت؛ أن يكون هو ذلك الميت لأجل يحصل له دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا، ما هو معناه هذا يُحْرَم، ما قصد هذا، ما قصد أن هذا الرجل يُحْرَم من دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام، هذه كثيرًا ما تقع ما يريدون الناس يحسدونه؛ لأن النعمة قد حصلت الآن وانتهت، لكن يتمنى
مثلها.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، ( ... ) أخلصوا للميت في الدعاء ( ... ) اللهم اغفر ( ... ).
الشيخ: إي نعم، لا ينافي، أخلصوا له الدعاء؛ يعني: إذا دعوتم للميت فأخلصوا له.
الطالب: ( ... )؟
الشيخ: هو سيدعو الدعاء العام، ثم يقول: اللهم اغفر له وارحمه؛ للميت.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: يعني: اللهم اغفر لي وللميت مثلًا؟
لا، ما أرى في هذا بأسًا، لكن المحافظة على الوارد أحسن.
طالب: ( ... ) نقدم الصلاة على النبي ( ... ) أو الدعاء على الصلاة؟
الشيخ: لا بد من الترتيب.
الطالب: إذا كان فعل وعلم بعد الصلاة؟
الشيخ: ما يضر إن شاء الله.
الطالب: إذا سلَّم من تكبيرتين.
الشيخ: لا، إذا سلَّم من تكبيرتين يُكَمِّل مع القرب، أو يُعِيد مع البعد.
(1/2788)
________________________________________
طالب: حفظك الله يا شيخ، في الحاشية حديث يقول إشارة إلى ما رواه في مسألة .. ، يقول: (وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم)، يقول: ما رواه ابن أبي الدنيا وغيره عن خالد بن معدان: إن في الجنة لشجرة يقال لها: طوبى كلها ضروع، من مات من الصبيان الذين يرضعون رضع من طوبى، وحاضنهم إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام (6)، هذا الحديث؟
الشيخ: هذا -بارك الله فيك- يحتاج إلى تخريج.
طالب: يا شيخ، قلت: إن ما فُعِلَ اتفاقًا فليس فيه دليل اتفاقًا، المذهب يخالف ذلك ( ... )؟
الشيخ: إي، ما وقع اتفاقًا فليس دليلًا اتفاقًا.
الطالب: المذهب ما يخالفون يا شيخ؟
الشيخ: لا، ما يخالفون، قد يخالفون في كونه وقع اتفاقًا، أما إذا قال: نعم، وقع اتفاقًا فلا دليل فيه، لكن قد يخالف العالم، فيقول: هذا وقع قصدًا لا اتفاقًا.
الطالب: هل فيه دليل أنه وقع اتفاقًا؟
الشيخ: يؤخذ بالتتبع أن هذا ليس من مقاصد الشريعة.
طالب: شيخ، فعل ابن عمر في رفع اليدين مع كل تكبيرة، ما يعتبر أنه من اجتهاده رضي الله عنه أنها صلاة ( ... )؟
الشيخ: الصلاة العادية ما فيها رفع في كل تكبير، هو نفسه يقول: وكان لا يفعل ذلك في السجود (7).
***
( ... ) إلى يوم الدين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ويقف بعد الرابعة قليلًا، ويسلم واحدة عن يمينه)، ماذا يقول إذا وقف بعد الرابعة؟
طالب: اختلفوا بداية بعضهم قال: ( ... )، بعضهم قال: يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختم الدعاء بها.
(1/2789)
________________________________________
الشيخ: بعضهم يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختم الدعاء بها، وبعضهم يقول: يسكت ولا يقول شيئًا، وبعضهم يقول: إنه يقول: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، والمسألة ليس فيها دعاء موقوف ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن دعا بدعاء مناسب فهو خير.
يقول المؤلف: (إن واجب صلاة الجنازة كذا وكذا) ما المراد بقوله: (واجب)؟
طالب: أي: ما تجب الصلاة فيه.
الشيخ: ما يجب فيها، فلا ينافي أن يكون ركنًا، كذا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب، إذن هنا لم يفرقوا بين الركن وبين الواجب، بل جعلوا الأركان واجبات.
قوله: (قيام) هل يشمل الفرض والنفل أو الفرض خاصة؟
طالب: الفرض والنفل.
الشيخ: هل في صلاة الجنازة نفل؟
الطالب: نعم يا شيخ، الصلاة الثانية على الميت.
الشيخ: الصلاة الثانية على الميت، أحسنت، طيب.
ما هو الدليل على أن الفاتحة من واجبات الصلاة أو من أركانها؟
طالب: منها قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (3).
الشيخ: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»، نعم.
لو قال قائل: صلاة الجنازة هل هناك دليل على أنها صلاة؟ هل لو قال قائل: لا يدخل في هذا الحديث صلاة الجنازة، هل عندك دليل على أن صلاة الجنازة من الصلاة؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ( ... ) الصلاة.
الشيخ: لا، أنا أريد دليلًا على أنها صلاة.
الطالب: صلى الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه على الميت.
الشيخ: ما يخالف، هو صلى عليه، لكن لو قال قائل: ما هي صلاة، فلا تدخل .. ؟
الطالب: قال الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84].
(1/2790)
________________________________________
الشيخ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}، وكذلك الرسول يقول: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» (8)، إذن هي صلاة بدلالة الكتاب والسنة، فتدخل في عموم قوله: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».
لو أنه فاته شيء من التكبير فماذا يصنع؟
طالب: إذا فاته شيء يقضيه.
الشيخ: كيف يقضيه؟
الطالب: إن كان بإمكانه أن يقضي بدون أن يفوته الدعاء قضى ..
الشيخ: نعم، إن أمكنه أن يقضيه على صفته قبل أن تحمل الجنازة فعل، وإلا؟
الطالب: وإلا وافق الإمام.
الشيخ: يعني: يسلم مع الإمام؟ ما يمكنه؛ لأنه هو دخل مع الإمام في الثالثة مثلًا ..
الطالب: يدعو إذا دخل ..
الشيخ: نعم، هو يدعو، لكن سلم الإمام وباقٍ عليه تكبيرتان وما فيهما من الذكر.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: إذا خاف أن تحمل يتابع التكبير ويسلم، وله أن يسلم مع الإمام؛ لأن الفريضة انتهت بسلام الإمام.
لو قال قائل: ما هو الدليل على اختياركم أن يقضيه؛ أي: ما فاته على صفته؟
طالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» (9).
الشيخ: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»، ويلزم من ذلك أن يتمه على صفته.
إذا فاتته الصلاة عليها؟
طالب: يقول المؤلف: إذا فاتته الصلاة عليها صلى على القبر.
الشيخ: هل هناك دليل؟
الطالب: نعم، فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حينما صلى على المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد صلى على قبرها (10).
الشيخ: صلى على قبرها، تمام، هل هذا مقيد؟
طالب: بعضهم قيده بشهر، وبعضهم قال: لا حَدَّ له.
الشيخ: لا حَدَّ له.
الطالب: الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين (11).
الشيخ: المهم أن فيه خلافًا، ما بعد وصلنا إلى طلب الدليل، منهم من حده بشهر، واستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر؛ يعني: بعد مدة شهر (1).
(1/2791)
________________________________________
ومنهم من قال: لا حَدَّ له؛ لأن هذه قضية عين وقعت اتفاقًا، وما وقع اتفاقًا فليس بدليل اتفاقًا.
لكن من العلماء من قيَّد هذا بقيد ما هو؟
طالب: قيدوه بأن يكون المصلي أهلًا للصلاة حين وقت دفن الميت.
الشيخ: تمام، أن يكون المصلي أهلًا للصلاة حين وقت دفن الميت، لماذا؟ الذين قالوا: يقيد بهذا القيد ما هو دليلهم؟
طالب: السلف لم يصلِّ أحد منهم على قبر، من الصحابة وغيرهم.
الشيخ: نعم، يعني ما صلى الناس على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا على أهل البقيع، ولا على عثمان، ولا على غيرهم، طيب، هذا أحسن ما قيل في الحد.
هل يُصَلَّى على الغائب؟
طالب: نعم، يُصَلَّى.
الشيخ: يُصَلَّى على الغائب، سواء صُلِّيَ عليه أم لم يُصَلَّ؟
الطالب: نعم، على كلام المؤلف.
الشيخ: إي، ما يخالف، على كلام المؤلف. ما هو الدليل؟
الطالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي حين مات.
الشيخ: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي حين مات (12).
هل هذا الاستدلال بالحديث صحيح أو لا؟
طالب: الصلاة تجوز الصلاة على أي ميت مطلقًا.
الشيخ: إي، لا، هو المؤلف يقول: يُصَلَّى على الغائب، واستدل بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، فهل هذا الاستدلال صحيح أو لا؟
الطالب: نقول: إن الصلاة على الغائب ليست مطلقًا، بل الصلاة على من لم يُصَلَّ عليه وفي المسألة خلاف.
الشيخ: لا، هذا واحد قال: نقول: صلوا على كل غائب.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا، أنا ما أريد الحكم، أنا أقول: هل هذا الاستدلال صحيح أو لا؟
الطالب: صحيح.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي؛ لأنه لم يُصَلِّ عليه أحد.
الشيخ: نعم.
طالب: أولًا: لأن النجاشي مات بأرض ليس فيها مسلمون، ثانيًا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات من المسلمين من ليس حاضرًا عنده ولم يُصَلِّ عليه.
(1/2792)
________________________________________
الشيخ: لا، أنا أريد يا إخواني .. ، ما أريد أن نثبت الحكم أو ننفي الحكم، أريد أن أقول: هل الاستدلال بقصة النجاشي على الصلاة على عموم الناس، هل هو استدلال صحيح أو لا ولماذا؟
طالب: استدلال غير صحيح، الاستدلال بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي غير صحيح.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: إذا افترضنا أن النبي صلى الله علي وسلم صلى على النجاشي بعد شهر للزم الناس أن نقول لهم: صلوا على كل من مات من المسلم؟
الشيخ: لا.
طالب: نعم، يا شيخ؛ لقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
الشيخ: يا إخواني إحنا أعطيناكم قاعدة في الاستدلال؛ لا يصح الاستدلال بالأخص على الأعم، الاستدلال بالأخص لا يصح أن يُسْتَدَل به على الأعم؛ يعني: إذا كان الدليل أخص من المطلوب فإنه لا يُسْتَدَل به، وهذا صحيح، لكن يُسْتَدَل بالأعم على الأخص؛ لأن العام يشمل جميع أفراده، فنحن نقول: هذه قضية خاصة لا يمكن أن نستدل بها على العموم، ليس هذا لفظًّا عامًّا، قضية خاصة، والنجاشي كما قلتم: لم يُصَلَّ عليه في بلده، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يصلي المسلمون عليه هناك.
إذن من لم يُصَلَّ عليه يجب أن يُصَلَّى عليه؛ على الغائب، ومن صُلِّيَ عليه فهذا موضع خلاف بين العلماء، من يشرح لنا الخلاف؟
طالب: نقول: في المسألة هذه ثلاثة أقوال:
القول الأول: قال: يطلق أن يصلى على الميت الغائب.
القول الثاني: قال الإمام الشوكاني: إذا كان الإنسان له جاه في المسلمين ..
الشيخ: غناء ( ... ).
الطالب: القول الثالث قول شيخ الإسلام رحمة الله عليه، قال: إنه يُصَلي على من لم يُصَلَّ عليه.
الشيخ: وأما من صُلِّيَ عليه؟
الطالب: لا يُصَلَّى عليه.
(1/2793)
________________________________________
الشيخ: فلا يُصَلَّى عليه، وهذا القول الأخير هو الصحيح؛ لأنها تؤيده الأدلة، ويليه قول مفصَّل، وأبعد من ذلك القول المطلق الذي يقول: صلِّ على كل غائب، حتى إن بعض العلماء -رحمة الله علينا وعليهم- صار كلما أراد أن ينام صلى صلاة جنازة على من مات من المسلمين اليوم، أين هذه السنة؟ !
وهل تقيد الصلاة بشهر؟ نقول فيها ما قلنا في الصلاة على القبر.
***
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولا يصلي الإمام على الغال) من الإمام؟
إذا أطلق الفقهاء (الإمام) فالمراد به الإمام الأعظم؛ أي: رئيس الدولة لا يصلي على الغال.
وقوله: (الغال) الغال: هو من كتم شيئًا مما غنمه في الجهاد؛ مثل أن يكون رجل مع المجاهدين غنم شيئًا من المجاهدين وكتمه، يريد أن يختص به لنفسه، فهذا قد فعل إثمًا عظيمًا، والعياذ بالله، وأتى كبيرة من كبائر الذنوب، {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161]، سوف يأتي بما غَلَّه حاملًا إياه على رقبته يوم القيامة، خزي وعار وفضيحة، ولما كانت المسألة كبيرة ومتعلقة بعموم المسلمين امتنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على الغال؛ نكالًا لمن يأتي بعده.
ولكن هل تسقط الصلاة عليه عن بقية المسلمين؟
الجواب: لا، لا تسقط الصلاة عن بقية المسلمين، يجب على بقية المسلمين أن يصلوا عليه، ودليل ذلك ما روى زيد بن خالد، قال: توفي رجل من جهينة يوم خيبر، فذُكِرَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ»، فتغيرت وجوه القوم، فلما رأى ما بهم قال: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزًا من خرز اليهود لا يساوي درهمين -أعوذ بالله- ولم يُصَلِّ عليه (13)، ولكن الصلاة عليه باعتبار عموم المسلمين واجبة.
(1/2794)
________________________________________
وقوله: (ولا على قاتل نفسه) يعني: كذلك لا يصلي الإمام على قاتل نفسه؛ لأن قاتل نفسه -والعياذ بالله- أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وسوف يُعَذَّب في جهنم بما قتل به نفسه؛ إن قتلها بخنجر ففي يده خنجر في نار جهنم يطعن به نفسه، إن قتل نفسه بسُم ففي فمه سُم يتحساه يوم القيامة في النار، إن قتل نفسه بالتردي من عال من جبل أو من جدار أو ما أشبه ذلك فكذلك يُعَذَّب به في جهنم، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (14).
فلا يصلي الإمام على قاتل نفسه؛ نكالًا لمن بقي بعده، وكثير من الناس غير المسلمين إذا ضاقت به الدنيا قتل نفسه، انتحر، والعياذ بالله، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ عجل العقوبة لنفسه، والعياذ بالله؛ لأنه يُعَذَّب من حين ما يموت، نسأل الله العافية.
ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد قتل نفسه بمشاقص فلم يُصَلِّ عليه (15).
ولكن هل يصلي عليه بقية الناس؟ نعم، يصلي عليه بقية الناس؛ لأنه مسلم؛ لأن قاتل نفسه لا يكفر وإن كان يخلد في النار إلا أن يشاء الله فإنه لا يكفر.
بقي أن نناقش المؤلف في قوله: (لا يصلي الإمام).
لو قال قائل: أفلا ينبغي أن يعدى هذا الحكم إلى أمير كل قرية أو قاضيها أو مفتيها؛ يعني: من يحصل بامتناعهم نكال هل يتعدى الحكم إليهم؟
الجواب: نعم، صحيح أنه يتعدى الحكم إليهم، كل من في امتناعه عن الصلاة نكال فإنه يُسَن له ألَّا يصلي على الغال، ولا على قاتل نفسه.
وهل يلحق بالغال وقاتل النفس من هو أشد منهم أذية للمسلمين كقطاع الطرق مثلًا؟
(1/2795)
________________________________________
المشهور من المذهب: لا، والقول الثاني: أن من كان مثله -أي: مثل أهل الغلول أو قاتلي أنفسهم- أو أشد منهم فإنه لا يصلي الإمام عليه؛ وذلك لأن الشرع إذا جاء بالعقوبة على جرم من المعاصي فإنه يلحق به ما يماثله أو ما هو أشد، فإذا كان الذي غَلَّ هذا الشيء اليسير لم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالك بمن يقف للمسلمين في الطرق ويقتلهم ويأخذ أموالهم ويريعهم! أليس هذا من باب أولى أن ينكل به؟ الجواب: بلى؛ ولهذا الصحيح أن ما ساوى هاتين المعصيتين ورأى الإمام المصلحة في عدم الصلاة عليه فإنه لا يصلي عليه.
ثم قال: (ولا بأس بالصلاة عليه في المسجد) لا بأس بالصلاة على الميت في المسجد، وإنما قال: (لا بأس) ردًّا لقول من يقول: إنه لا تجوز الصلاة على الأموات في المساجد؛ لأن المساجد إنما بنيت للصلاة وقراءة القرآن والذكر، لا لأن تحمل إليها الجنائز ليُصَلَّى عليها فيها، ولأنه ربما يحصل من الميت تلويث للمسجد؛ يخرج منه خارج، أو يكون فيه رائحة كريهة، أو ما أشبه ذلك؛ فلهذا كره بعض العلماء أن يُصَلَّى على الأموات في المساجد، ولكن الصحيح أنه لا بأس في ذلك.
فإذا قال قائل: على هذا القول -أعني الكراهة- أين يصلى على الجنائز؟
نقول: يعد مُصَلًّى خاص للجنائز، كما هو متبع في كثير من البلاد الإسلامية، يعد مُصَلًّى خاص للجنائز، وينبغي إذا عملنا بهذا العمل -أعددنا مُصَلًّى خاصًّا- أن يكون هذا قريبًا من المقبرة؛ لأنه أسهل على المشيعين؛ لأن الناس إذا اجتمعوا -مثلًا- في مسجد في داخل البلد صار في ذلك مضايقة؛ لأنهم ينفرون مع الجنازة جميعًا، وقد تكون المقبرة بعيدة، لكن إذا كان مصلى الجنائز قريبًا من المقبرة صار الناس يأتون أرسالًا من بيوتهم إلى هذا المصلى، ثم يصلون عليه في المسجد، وإذا خرجوا جميعًا فإن المقبرة تكون قريبة ما يحصل فيها مشقة.
(1/2796)
________________________________________
عندنا هنا في نجد لا يستعملون هذا؛ أي: لا يخصصون مُصَلًّى للجنائز، بل الجنائز يؤتى بها إلى المساجد، وإذا كان لا بأس به، فإننا لا ننهى عنه، ولا نقول: إن هذا شيء يُخْشَى من الميت على المسجد، إلا إذا كان هناك قضية خاصة؛ بأن يكون الميت مات بحادث والدم لا زال ينزف منه، فهذا نمنع أن يُصَلَّى عليه في المسجد، لماذا؟ لأنه يلوثه بالنجاسة.
يقول: الدليل على جواز الصلاة في المسجد؛ لقول عائشة رضي الله عنها: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على سهيل -أو سهل- بن بيضاء في المسجد، أخرجه مسلم (16)، وهذا دليل على الجواز، وإن كان الرسول عليه الصلاة والسلام له مُصَلًّى للجنائز، ولكنه يصلي أحيانًا على الجنائز في المسجد.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (فصل: في حمل الميت ودفنه) المؤلف رحمه الله مشى على الترتيب، التغسيل، ثم التكفين، ثم الصلاة، ثم الحمل والدفن.
قال: (يُسَن التربيع في حمله) التربيع في حمل الميت سنة؛ لأن الإنسان إذا ربع حمل الميت من جميع الجهات.
وصفة التربيع أن يأخذ بجميع أعمدة النعش، بجميع الأعمدة؛ ولهذا سميناه تربيعًا؛ لأن أعمدة النعش أربعة.
ولكن بأيها يبدأ؟ قالوا: يبدأ بالجهة الأمامية، فيبدأ بالعمود الذي على يمين الميت، والميت مستلق على السرير يأخذ بالعمود الذي على يمين الميت، ثم يرجع للعمود الذي وراءه، ثم يتقدم مرة ثانية للعمود الذي عن يسار الميت، ثم يرجع إلى الخلف، وبعد ذلك يحمل بما شاء، هذا ما اختاره أصحابنا رحمهم الله؛ لأنه يُرْوَى عن ابن مسعود رضي الله عنه أن هذا من السنة.
(1/2797)
________________________________________
وقال بعض العلماء: بل يحمله بين العمودين؛ ولهذا قال المؤلف: (ويباح بين العمودين) ولكن بعض العلماء قال: يُسَن أن يحمل بين العمودين؛ يعني بأن يجعل عمود على يده اليمنى كذا، وعمود على يده اليسرى، ولكن هذا لا شك أن فيه مشقة على الحامل، ولا سيما إذا كانت الجنازة ثقيلة، لكن يباح بين العمودين، قال: لأنه صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين (17).
والذي يظهر لي أن الأمر في هذا واسع، وأنه ينبغي أن يفعل ما هو أسهل، ولا يكلف نفسه، قد يكون التربيع صعبًا أحيانًا فيما إذا كثر المشيعون، فيشق على نفسه وعلى غيره، أما الحمل بين العمودين فهو شاق، اللهم إلا إذا كان هناك عمودان يلتقيان عن قرب، بحيث يكون كل عمود على عاتقه، فيمكن أن يكون سهلًا، أما إذا كان يحمله على يده؛ على ذراعه وعضده فهو صعب، هذا إذا كان الميت محمولًا على نعش، ولكن إذا كان صغيرًا فيحمل بين الأيدي؛ يعني: يحمل على الأيدي إذا كان صغيرًا ولا يشق، فيحمل على الأيدي.
وحينئذٍ نسأل هل ينبغي أن يوضع على النعش مكبة أو لا؟ مكبة، المكبة مثل الخيمة؛ أعواد مقوسة توضع على النعش ويجعل عليها ستر، هذه إذا كانت أنثى فنعم؛ لأن ذلك أستر لها.
وقد قيل: إن أول من فعل به ذلك فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل غير هذا، لكن استحب هذا كثير من العلماء، قالوا: لأن هذا أستر للمرأة، أما أن يؤتى بالمرأة ملفوفة بعباءتها تبين أفخاذها، وربما يبين بطنها، لا سيما إذا كانت حاملًا، فهذا فيه شيء من الفضيحة، أما الرجل فلا يسن فيه هذا، يبقى كما هو عليه؛ لأنه ربما يكون فيه فائدة، وهي قوة الاتعاظ إذا شاهد الإنسان الميت الذي كان بالأمس معه وهو الآن جثة على هذا السرير، فإنه يتعظ أكثر.
(1/2798)
________________________________________
ثم قال المؤلف: (ويباح بين العمودين، ويُسَن الإسراع بها) يُسَن؛ يعني: يطلب على وجه السنية، والمراد بالسنية هنا السنية الاصطلاحية، فلا يدخل فيها الواجب؛ يعني: يُسَن استحبابًا الإسراع بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ؛ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سَوِى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» (18).
اللهم إلا أن يُخْشَى من تمزق الجنازة؛ مثل أن يكون الميت محترقًا، ويخشى من تفسخ لحمه إذا أُسرع به، فحينئذٍ يُعْمَل ما يزول به المكروه.
ثم إن الإسراع ليس هو الخبب كما يفعل بعض الناس اليوم، تجده يخب بها خبًّا عظيمًا يتعب الشباب من الرجال، فإن هذا ليس بمقصود، وربما يكون في هذا تحريك لجوف الميت، فينزل منه شيء؛ لأن الميت ليس عنده أعصاب يتحكم بما يخرج منه، فربما مع الحركة ينزل منه شيء فيتلوث الكفن، وربما يتلوث النعش أيضًا، لكن الإسراع الذي ليس فيه خبب ومشقة على المشيعين هذا أفضل من عدم الإسراع.
وقد شاهدنا من قبل -ولا أدري هل هو إلى الآن باقٍ أو لا؟ - في مكة بعضهم يتباطأ جدًّا في الجنازة يمشون رويدًا رويدًا، وهذا خلاف السنة، والعجلة السريعة التي تشق على الناس ويخشى منها تفسخ الميت أو خروج شيء منه أيضًا خلاف السنة؛ ولهذا قال: (الإسراع بها دون الخبب) هذا بالشرح، دون الخبب؛ وهو الإسراع الشديد.
طالب: شيخ، إذا قلنا: إن قاتل نفسه إذا امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه لم ينفعه، ولكن الإمام العادي إنسان شخص عادي لم قلنا: يمنع من الصلاة عليه؟
الشيخ: لا، ما هو الإمام العادي، الإمام الذي له شأن في البلد، الذي يرى الناس أن عدم صلاته على هذا الميت تعزير وتنكيل لمن بعده.
الطالب: ولكن لا يضره؟
الشيخ: من لا يضره؟
الطالب: لا يضر الميت؟
الشيخ: لا، ما يضره.
الطالب: ( ... ) النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاته ( ... ).
(1/2799)
________________________________________
الشيخ: معلوم أن الرسول شافع، وهو أقرب الناس إلى الرب للشفاعة، المصلون كلهم شفعاء، وأقرب الناس الرسول عليه الصلاة والسلام.
طالب: ( ... ) لا يصح أن يستدل بالأخص على الأعم استدل المؤلف بجواز ( ... ) أليس بالأخص؟
الشيخ: لا، هذا ما هو معناه الخاص؛ خصوصية الرجل، الأخص في المعنى، الفرق واضح؛ لأن المعنى إذا صار عامًّا وجاءت السنة بشيء خاص منه فإنه يحمل على هذا الخاص فقط وما ساواه في المعنى، ما هو معناه أنه يقتصر على نفس القضية، تعمم لما شابهه فقط.
طالب: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» (19) كيف نوجه هذا الحديث؟
الشيخ: نعم، هذه الأحاديث نظير الآية من بعض الوجوه، وإن كانت الآية ليس فيها التأبيد، لكن نظيره آية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]، والعلماء أجابوا عن هذا بأجوبة كثيرة؛ منها: أن هذا فيمن كان مستحلًّا للقتل، وقد عرض هذا الجواب على الإمام أحمد فضحك، وقال: سبحان الله، إذا استحل القتل فهو كافر؛ سواء قَتَلَ، أم لم يَقْتُل.
ومنهم من قال: إن هذا على شرط؛ يعني: هذا جزاؤه إن جازاه الله.
ومنهم من قال: إن هذا سبب، والسبب قد يوجد فيه مانع، وهو الإيمان، فالرسول عليه الصلاة والسلام بين أن هذا سبب، وقد وجد مانع.
ومنهم من قال: إن هذا على ظاهره، وإن من فعل هذا الشيء فإنه يختم له بسوء الخاتمة -والعياذ بالله- ما لم يتب، فإن تاب تاب الله عليه، وقالوا: يؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ الرَّجُلُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» (20).
(1/2800)
________________________________________
وهذا والذي قبله هو أحسن الأجوبة، أن نقول: هذا سبب، فإذا وجد مانع -وهو الإيمان ولو قلَّ- فإنه يمنع من الخلود، فله وجه.
طالب: ترون -يا شيخ- إقامة مساجد للصلاة بجوار القبور؟
الشيخ: واللهِ نحن نرى الأمر على ما كان عليه.
الطالب: لو أحد تبرع قال: أريد أن أبني مسجدًا بجوار القبور؟
الشيخ: نقول: ارجع للقاضي والأمير يشوف.
طالب: سجود السهو في الجنائز؟
الشيخ: السهو في الجنائز، كيف يسهو؟ !
الطالب: كيف يعمل إذا سها؟
الشيخ: إذا سها يجيب اللي سها فيه.
الطالب: ما يلزم السجود؟
الشيخ: لا، ما فيه سجود سهو؛ لأن أصلًا الصلاة ما فيها سجود.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك.
الشيخ: الله يبارك فيك.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: هذا الأخير؟ لا، معذور، جزاك الله خيرًا، ( ... ).
الطالب: ( ... ).
الشيخ: أيش؟
الطالب: على الجنازة خلف الجدار لا يصلي إذا كان خارج المسجد؟
الشيخ: ما يصلي على الميت، إذا صار خارج المسجد والمسجد ضيق كيف بيطلع الإمام يصلي عليه.
الطالب: لا، الإمام بيصلي هو اللي خرج، ما فيه ( ... ) ناس كانوا ( ... ).
الشيخ: يجاب الميت، لا بد يجاب، لا بد أن يحضر بين يديه، لا بد أن يؤتى بالميت يحضر بين يدي الإمام.
الطالب: المأموم؟
الشيخ: المأموم ما يهم، إذا صار الإمام موجودًا ليس بينه وبين الميت شيء يكفي.
طالب: المؤلف يقول: يصلي بإسراع، واستدل بحديث: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ» (18)، وهذا أمر؛ «أَسْرِعُوا» أمر، هذا يعني أخرج هذا؟
الشيخ: أخرج هذا أن الرسول بين أن هذا من باب الشفقة على الميت إذا كان صالحًا، أو الشفقة على الحامل إذا كان غير صالح، وإذا قال أحد بالوجوب فهو جيد؛ يعني القول بالوجوب جيد، لكن ما رأينا أحدًا قال بهذا.
طالب: بماذا استدل من قال: إنه لا يُصَلَّى في المسجد ويُصَلَّى خارج المسجد؟
(1/2801)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، استدلوا بأمرين؛ الأمر الأول: أن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل للجنائز مُصَلًّى، والثاني: أنه يخشى من تلويث المسجد، أو من الرائحة الكريهة من بعض الأموات.
طالب: رجل توفى في البئر ( ... ) ولا نستطيع إخراجه، هل يُصَلَّى على البئر، أم يُصَلَّى عليه صلاة الغائب؟
الشيخ: لا، يُصَلَّى على البئر، وتطم البئر عليه، يصلى على البئر؛ يعني: سقط رجل في البئر ولم نستطع إخراجه، نصلي عليه وهو في البئر، وهنا يسقط تغسيله؛ لعدم القدرة عليه، والتكفين أيضًا.
طالب: أقول: إركاب الجنازة السيارة ما رأيكم فيه؟
الشيخ: اللي نرى أن إركاب الجنازة في السيارة خلاف السنة، وأنه لا ينبغي إلا لعذر، كبعد المقبرة مثلًا، أو وجود رياح عاصفة، أو وجود أمطار، أو خوف، أو ما أشبه ذلك.
طالب: الإنسان ( ... ) امرأة ( ... ) المكبة الآن ما يحطونها ( ... )؟
الشيخ: لا بد أن تقدم للصلاة، حتى لو جعلناها في السيارة ( ... ).
الطالب: تقدمت للصلاة ( ... )، لكن المشي فيها ما ( ... ) السيارة؟
الشيخ: حتى المشي إذا الناس ما يشاهدونها كثيرًا؛ لأن المشي ستكون على الأعناق رفيعة.
الطالب: ( ... )؟
الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله! على كل حال لا شك أن الأفضل أن تحمل الجنازة على الأعناق؛ أولًا: لأن هذا هو ما جاءت به السنة، والثاني: أنه أدعى للاتعاظ والخشوع، أما لو حملناه في جنازة وجاءت السيارة من وراءها كأنهم في حفلة عرس.
طالب: إذا اجتمعت عدة قبور لم يُصَلَّى عليها؛ يعني: في صف واحد، فهل المصلي يجيب عليها مرة واحدة، أو يصلي على كل واحدة؟
الشيخ: كلها بين يديه قبور، إي نعم.
الطالب: لا، ليست كلها بين يديه.
الشيخ: إي، ما يصلح؛ لأن ما خرج عن مسامتته ما يمكن يصلي عليه؛ ولهذا نقول: إذا اجتمعت الجنائز نجعلها واحدة وراء الأخرى، حتى تكون كلها بين يديه.
طالب: إذا صلوا على جنازة، ثم كبروا عليها الأولى، وأتت جنازة أخرى، ثم ثالثة، ثم رابعة، هل يبقون؟
(1/2802)
________________________________________
الشيخ: إذا وصلوا إلى السبع أو التسع يتوقفون.
الطالب: كيف يكون؟
الشيخ: يعني مثلًا إذا كبرنا الأولى على الجنازة، ثم جاءت الجنازة الأخرى نكبر الثانية للأولى وهي الأولى للثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، حتى يصل إلى تسع للأولى، ثم نقف ما نُدَخِّل جنائز.
طالب: متى يقرأ الفاتحة؟
الشيخ: يقرأ الفاتحة إذا كبَّر للثانية؛ يعني: يعيد يكرر، يكون بالنسبة للأول مكرر.
***
[حمل الميت ودفنه]
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى:
فصل
يُسَنُّ التربيع في حمله، ويباح بين العمودين، ويُسَنُّ الإسراع بها، وكون المشاة أمامها والركبان خلفها، ويكره جلوس تابعها حتى توضع، ويُسَجَّى قبر امرأة فقط، واللحد أفضل من الشق، ويقول مدخله: باسم الله، وعلى ملة رسول الله، ويضعه في لحده على شقه الأيمن مستقبل القبلة، ويُرْفَع القبر عن الأرض قدر شبر مُسَنَّمًا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال المؤلف رحمه الله: (فصل يسن التربيع في حمل الميت) وقد سبق معنى التربيع؛ وهو أن يأخذ بقائمة السرير اليسرى يجعلها على كتفه الأيمن قليلًا، ثم يرجع إلى الخلفية يجعلها على الكتف الأيمن أيضًا، ثم يتقدم إلى مقدم السرير ليجعل الجانب الأيمن منه على كتفه الأيسر، ثم يرجع إلى المؤخرة، هذا هو التربيع، وهو سنة عند الحنابلة رحمهم الله، ولكنه لو خالف فإنه لا بأس به، ولو كان زحام فإنه لا ينبغي أن يتكلف التربيع؛ لما يكون فيه من الأذية له ولغيره.
(1/2803)
________________________________________
قال المؤلف: (ويُبَاح بين العمودين) يعني: يباح أن يحمل الميت بين العمودين يكون في الوسط، ويكون أحد العمودين على كتفه الأيمن، والثاني على كتفه الأيسر، ولكن هذا إذا كان النعش صغيرًا، أما إذا كان واسعًا -كما هو المعروف عندنا- فإنه لا يمكن أن يجعل طرف النعش على الكتف الأيمن والطرف الثاني على الكتف الأيسر؛ لأنه –أي: النعش- واسع، لكن إذا كان قويًّا يمكن أن يجعل طرف النعش على يد والطرف الآخر على يد، أقول هكذا، إذا كان قويًّا، لكن فيه مشقة.
على كل حال هذه الصفات ليست واجبة، فليفعل الإنسان ما تيسر؛ إن تيسر أن يربع في الحمل فهو أحسن، أو يحمل بين العمودين، وإن لم يتيسر -كما هو الغالب في الجنائز التي يتبعها أناس كثيرون- فليفعل ما تيسر.
قال: (ويُبَاح بين العمودين، ويُسَن الإسراع بها) لم يذكر المؤلف رحمه الله كيف يُغَطَّى الميت على النعش؟
والجواب أن الرجل لا حرج أن يبقى على أكفانه، وإن ستر بثوب يوضع عليه فلا بأس، كما هو المعروف الآن، يُسْتَر الرجل عندنا هنا في نجد بعباءة، أما المرأة فالأولى أن تُسْتَر بمكبة، المكبة هو سماها بعض الفقهاء خيمة؛ يعني: شيء مثل القبة يجعل على النعش؛ لأن هذا أستر لها.
وقد ذكر البيهقي رحمه الله أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم أوصت بذلك، (21) وهو مشهور عن زينب أم المؤمنين رضي الله عنها؛ (22) ولهذا استحبه الفقهاء رحمهم الله أن يجعل على نعش المرأة مكبة؛ لأنه أستر لها، وهذا مستعمل في الحجاز، لكنه في نجد لا يعرف، ولو فعله أحد لكان محسنًا ولا ينكر عليه؛ لأنه أحيانًا تقدم بعض الجنائز من النساء، يشاهد الإنسان ثديي المرأة، ويشاهد أشياء لا يحب أن يشاهدها، فإذا جعلت عليها المكبة فإنها تسترها بلا شك وتكون أستر.
(1/2804)
________________________________________
قال في الشرح عندي: (فإن كانت امرأة استحب تغطية نعشها بمكبة؛ لأنه أستر لها، ويروى أن فاطمة صنع لها ذلك بأمرها، ويُجْعَل فوق المكبة ثوبٌ، وكذا إن كان بالميت حدب ونحوه) لو كان الميت فيه حدب، وهو كثيرًا ما يقع، قد يموت الإنسان وليس حوله أحد، ثم مع شدة الموت يقرفص، فيضم فخذيه إلى بطنه، ثم يموت ويبرد، فيبقى على هذا الوضع، وهذا لا شك أنه تشويه ومثلة، فإذا حصل مثل هذا فإن الذي ينبغي أن يوضع على النعش مكبة؛ من أجل أن يستر هذا التشويه وهذه المثلة.
ثم قال المؤلف: (ويُسَن الإسراع بها) الإسراع بالجنازة سنة؛ لأمر النبي صلى الله عليه وآله بذلك، في قوله: «أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ؛ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» (18)، ولكن الإسراع ليس ذاسك الإسراع المتعب الذي يشق على المشيعين، وربما يحصل مع الرج من الميت أن يخرج منه شيء؛ ولهذا قال: الإسراع دون الخبب؛ الخبب: المشي بسرعة.
قال الفقهاء مفسِّرين لهذا الإسراع: بحيث لا يمشي مشيته المعتادة، بل يسرع، فالمشيعون للجنازة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
قسم: يمشون على عادتهم، بل ربما يمشون أقل من العادة.
وقسم آخر: يسعون بها سعيًا شديدًا يتعب المشيعين، وربما يحدث من الميت ما لا ينبغي.
القسم الثالث: بين هذا وهذا، وهذا هو المشهور، أن يكون إسراعًا بدون خبب.
قال: (وكون المشاة أمامها والركبان خلفها) يعني: ينبغي إذا كان المشيعون مختلفين ما بين راكب وماشٍ، أن يكون المشاة أمامها والركبان خلفها، هكذا جاءت السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (23)، ولكن مع ذلك جاءت السنة أيضًا بالتخيير للماشي بين أن يكون أمامها، أو عن يمينها، أو عن شمالها، وكذلك خلفها (23)، حسب ما يتيسر.
(1/2805)
________________________________________
ومثل ذلك أيضًا السيارات فإن الأولى أن تكون أمامها؛ أمام الجنازة؛ لأنهم إذا كانوا خلف الناس أزعجوهم، فإذا كانوا أمامها لم يحصل إزعاج منهم، وصار أصحاب السيارات أحرارًا في الإسراع إلى المقبرة، وسَلِمَ الناس منهم، ومعلوم أن الناس إذا كانت السيارات خلفهم فإنها سوف تحثهم أكثر على السير، كما هو مشاهد، فالذي نرى أن ركبان السيارات يكونون أمامها؛ لأن ذلك أكثر طمأنينة بالنسبة للمشيعين، وأسهل لأهل السيارات أيضًا؛ يعني: صاحب السيارة إذا هدأها مرة يتعب، فإذا انطلق بسرعة ما صار هذا أيسر له.
قال: (ويُكْرَهُ جُلوسُ تابِعِها حتى تُوضَعَ) يعني: أن المشيع لا يجلس حتى توضع الجنازة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك؛ عن الجلوس حتى توضع (24)، ولأنه مشيع تابع، فإذا كانت الجنازة محمولة فلا ينبغي أن يجلس حتى توضع في الأرض للدفن.
قال: (ويُسَجَّى قبر امرأة فقط) (يُسَجَّى) يعني: يُغَطَّى قبر المرأة فقط، متى يغطى؟ عند إدخالها إلى القبر يغطى القبر؛ من أجل ألَّا ترى المرأة؛ لأن ذلك أستر لها.
وقوله: (فقط) ليخرج قبر الرجل فإنه لا يُسَجَّى؛ لما روي عن علي رضي الله عنه أنه مرَّ بقوم يدفنون ميتًا رجلًا وقد سجوه، فجذبه وقال: إنما يصنع هذا في النساء (25).
ولكن كيف يدخل القبر؟ يدخل من عند رجليه، يؤتى بالميت من عند رجلي القبر، ثم يدخل رأسه هكذا سلًّا في القبر، هذا هو الأفضل، وعمل الناس اليوم على الطريقة الثانية؛ وهي أن يأتوا بالميت من قبلة القبر ويضعوه في القبر بدون سل، وهذا أيضًا جائز، فإن أمكنت الصفة الأولى فهي أفضل، وإن لم تمكن ولم يعرفها الناس فإن ذلك مجزئ.
يقول: (ويُسَجَّى قبر امرأة فقط، واللحد أفضل من الشق) يعني: القبر إذا كان لحدًا فهو أفضل.
(1/2806)
________________________________________
واللحد: أنه يحفر للميت في قاع القبر حفرة من جهة القبلة ليوضع فيها، ويجوز من جهة خلف القبلة، لكنها من جهة القبلة أفضل، المهم أن الشق الذي يوضع فيه الميت يكون على جانب القبر مائلًا، ليس في الوسط؛ ولهذا سمي لحدًا؛ لأن أصل اللحد من الميل، ولما كان الشق الذي يوضع فيه الميت مائلًا من جانب القبر سُمِّي لحدًا.
وقوله: (أفضل من الشق) الشق: أن يحفر للميت في وسط القبر حفرة، فصار اللحد أن يحفر للميت على جانبي القبر؛ إما من جهة القبلة، وهو الأفضل، أو من جهة خلاف القبلة، وهو المفضول.
والشق: أن يحفر للميت في وسط القبر، ولكن إذا احتيج إلى الشق فإنه لا بأس به، والحاجة إلى الشق إذا كانت الأرض رملية، فإن اللحد فيها لا يمكن؛ لأن الرمل إذا لحدت فيه انهدم، فتحفر حفرة، ثم يحفر في وسطها، ثم يوضع لبن على جانبي الحفرة التي فيها الميت؛ من أجل ألَّا ينهد الرمل، ثم يوضع الميت بين هذه اللبنات، تصورتموها الآن؟
الرمل -كما تعرفون- ينهدم، فكيف نصنع؟ نحفر الحفرة، حفرة ولو كانت واسعة، ثم إذا وصلنا إلى قاع القبر حفرنا الحفرة التي فيها الميت، ثم شككنا اللبن من هنا ومن هنا، ووضعنا الميت بين اللبنات، ولا يمكن إلا هذا في الأرض الرملية، هذا نعتبره شقًّا؛ لأنه ليس إلى جانب القبر، لكننا نبيحه لماذا؟ للضرورة؛ لأنه لا يمكن الرمل إذا يبس انهد، لا شك. وعلى هذا فنقول: إذا احتيج إلى الشق لكون الأرض رملًا ينهال عند حفره فإنه يحفر له شق، واللحد أفضل من الشق.
وعُلِمَ من قوله: (اللحد أفضل من الشق) أن الشق جائز، وهو كذلك، ولكنه خلاف الأفضل.
فإذا قال قائل: إلى أين نحفر، هل نحفر بطول قامة الرجل، أو نصف الرجل، أو أقل أو أكثر؟
(1/2807)
________________________________________
فالجواب أن نقول: التعميق سنة؛ يعمق في الحفر، والواجب ما يمنع السباع والرائحة، هذا الواجب، هذا أدنى الواجب أن يحفر له قبر بحيث يمنع السباع أن تأكله، والرائحة أن تخرج، أما كونه لا بد أن يمنع السباع فاحترامًا للميت، وأما كونه بحيث لا تكون رائحة احترامًا للحي؛ لئلا يؤذي الأحياء ويلوث الأجواء بالرائحة، هذا أقل ما يجب، وإن زاد في الحفر فهو أفضل وأكمل، لكن بلا حد، وبعضهم حده بالقامة؛ بأن يكون طول القامة، وهذا في الحقيقة قد يكون شاقًّا على الناس.
ثم إنه أحيانًا يعترضنا عند الحفر يعترضنا ماء، قد تكون الأرض يطفح ماؤها، ففي هذه الحال لا بد أن نتخذ الإجراءات اللازمة لمنع الماء؛ إما ببناء لبنات، أو ما أشبه ذلك، حتى يمتنع الماء عن الميت.
ثم قال: (ويقول مُدْخِلُه) يقول: (باسم الله، وعلى ملة رسول الله) يقول مدخله عند وضعه في القبر: (باسم الله)، البسملة كلها خير وبركة، ودفن الميت أمر ذو بال، وكل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بباسم الله فهو أبتر، وقد جاءت السنة بذلك أيضًا، (26) ولكن من الذي يتولى إدخاله؟ إن كان له وصي؛ يعني: قد قال قبل موته: فلان يتولى دفني فإننا نأخذ بوصيته، وإن لم يكن له وصي فبأقاربه؛ يعني: نبدأ بأقاربه إذا كانوا يحسنون الدفن، وإن لم يكن له أقارب أو كانوا لا يحسنون الدفن أو لا يريدون أن ينزلوا في القبر فأي واحد من الناس.
ولا يشترط فيمن يتولى تنزيل الميتة في قبرها أن يكون من محارمها؛ يعني: يجوز أن ينزلها شخص ولو كان أجنبيًّا.
(1/2808)
________________________________________
ودليل ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما ماتت ابنته زوجة عثمان رضي الله عنه، وخرج إلى المقبرة، وحان وقت دفنها، قال: «أَيُّكُمْ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ » - «لَمْ يُقَارِفِ» قال العلماء: معناه: لم يجامع- فقال أبو طلحة: أنا، فأمره أن ينزل في قبرها (27)، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أبوها، وزوجها عثمان بن عفان كانا حاضرين، فدل ذلك على أنه لا يشترط في تنزيل المرأة في قبرها أن يكون المنزل لها من محارمها.
ثم إنه إذا نزله في القبر يقول المؤلف: (يضعه في لحده على شقه الأيمن) ليس على سبيل الوجوب، ولكن على سبيل الأفضلية أن يكون على الشق الأيمن، وعللوا ذلك بأنها سنة النائم، والموت والنوم كلاهما وفاة، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أمر النائم بأن يكون على الجنب الأيمن فالموت كذلك، فيضعه على الجنب الأيمن.
وقال: (مستقبل القبلة) مستقبل القبلة وجوبًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْكَعْبَةُ قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا» (28)، ولأن هذا عمل المسلمين الذي أجمعوا عليه، ولأنه أفضل المجالس.
فإن وضعه على جنبه الأيسر مستقبل القبلة فهو جائز، لكن الأفضل أن يكون على الجنب الأيمن، ولم يذكر المؤلف رحمه الله أنه يضع تحته وسادة لبنة أو حجرًا، فظاهر كلامه أنه لا يُسَن أن يضع تحت رأسه لبنة كالوسادة له، وهذا هو الظاهر عن السلف، فإن من خطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: إنكم تدعون الميت في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد (29)، وعلى هذا فلا يحتاج إلى وسائد.
واستحب بعض العلماء أن يوضع له وسادة؛ لبنة صغيرة ما هي كبيرة؛ لتكون له كالوسادة.
ثم إن المؤلف لم يذكر أن يُكْشَف شيء من وجهه، وعلى هذا فلا يُسَن أن يُكْشَف شيء من وجه الميت، فليدفن ملفوفًا في أكفانه.
(1/2809)
________________________________________
وقال بعض العلماء: إنه يُكْشَف عن خده الأيمن؛ ليباشر الأرض، واستدلوا بأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إذا أنا مت ووضعتموني في القبر، فأفضوا بخدي إلى الأرض (30) يعني: اجعلوه مباشرًا للأرض.
وقالوا: إن هذا أيضًا فيه استكانة وذل؛ أن يضع الإنسان خده على الأرض مباشرة، ولكن كثيرًا من أهل العلم لا يرون ذلك، فأما كشف الوجه كله فلا أصل له، وليس فيه دليل، إلا فيما إذا كان الميت مُحْرِمًا؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ» (31) على أحد اللفظين، وإن كانت هذه اللفظة اختلف العلماء في ثبوتها، أما الرأس بالنسبة للمحرم فإنه لا يغطى.
إذن نقول: وضع اللبنة الأصل عدم سنيته؛ وضع اللبنة تحت رأسه، فإذا كان هذا هو الأصل فمن ادعى أنه سنة فعليه الدليل، ولا أعلم في ذلك سنة؛ ولهذا عده بعض العلماء من البدع، وأما الكشف عن شيء من وجهه فهذا يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأما كشف جميع الوجه فلا أصل له.
ثم قال المؤلف: (ويُرْفَع القبر عن الأرض قدر شبر مسنمًا) يعني: السنة أن يُرْفَع القبر عن الأرض، وهو كما أنه سنة فإن الواقع يقتضيه؛ لأن تراب القبر سوف يعاد إلى القبر، ومعلوم أن الأرض قبل حرثها أشد انضمامًا مما إذا حرثت فلا بد أن يربو التراب، هذا من وجه.
ومن وجه آخر: أن مكان الميت كان بالأول ترابًا، والآن صار فضاء، فهذا التراب الذي كان في مكان الميت بالأول سوف يكون فوق، فالسُّنة أن يرفع القبر قدر شبر، وهذا أيضًا هو الواقع.
(1/2810)
________________________________________
وقول المؤلف: (قدر شِبْر) الشبر ما هو؟ الشبر يقولون: ما بين رأس الخنصر والإبهام عند فتح الكف؛ يعني هكذا، ما بين هذا إلى هذا شبر، ومعلوم أن المسألة تقريبية؛ لأن الناس يختلفون في كبر اليد، فالإنسان الذي يده كبيرة وأصابعه طويلة سيكون شبره طويلًا، والعكس بالعكس، والمسألة تقريبية، والغالب أن التراب الذي يعاد إلى القبر أنه يرتفع بهذا المقدار، قد يزيد قليلًا، وقد ينقص قليلًا.
واستثنى العلماء من هذه المسألة ما إذا مات الإنسان في دار حرب؛ أي: في دار كفار محاربين، فإنه لا ينبغي أن يرفع قبره، بل يسوى بالأرض خوفًا عليه من الأعداء أن ينبشوه ويمثلوا به، أو ما أشبه ذلك.
وقوله: (مُسَنَّمًا) يعني مجعولًا كالسنام، بحيث يكون وسطه بارزًا على أطرافه، وضد المسنم المسطح الذي يجعل أعلاه كالسطح، فالسنة أن يكون مُسَنَّمًا؛ لأن هذا هو صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه.
ثم قال المؤلف: (ويُكْرَه تجصيصه والبناء عليه والكتابة والجلوس والوطء عليه) انتبهوا لهذه الأحكام التي ذكرها المؤلف.
(يُكْرَه) المكروه في اصطلاح الفقهاء: هو الذي يثاب تاركه امتثالًا ولا يعاقب فاعله، هذا عند الفقهاء، وهو كراهة التنزيه لا كراهة التحريم.
(يُكْرَه تجصيصه) أي: أن يوضع فوقه الجِص؛ لأن هذا داخل في تشريفه، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأبي الهياج الأسدي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألَّا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته (32).
كذلك (يكره البناء عليه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك (33).
(1/2811)
________________________________________
والاقتصار على الكراهة في هاتين المسألتين فيها نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك؛ أي: عن تجصيصها وعن البناء عليها، والأصل في النهي التحريم، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك، فإنه إذا بني عليها عُظِّمَت، وفي النهاية ربما تعبد من دون الله؛ لأن الشيطان يستجري بني آدم من الصغير إلى الكبير، ومن الكبير إلى الكفر، فالصحيح أن تجصيصها حرام، وأن البناء عليها حرام، وقد حاول بعض المتأخرين أن يقول: إن الفقهاء أرادوا بالكراهة هنا كراهة التنزيه، ولكن هذا غير مُسَلَّم؛ لأن هذا خلاف اصطلاحي.
كذلك أيضًا تكره الكتابة، الكتابة على القبر تكره، سواء كتب على الحصى المنصوب عليه، أو كتب على نفس القبر؛ لأن ذلك يؤدي إلى تعظيمه وتعظيم القبور.
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الكتابة مكروهة حتى ولو كانت بقدر الحاجة؛ أي: حاجة بيان صاحب القبر درءًا للمفسدة، وقال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: المراد بالكتابة ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من كتابات المدح والثناء؛ لأن هذه هي التي يكون فيها المحظور، أما التي بقدر الإعلام فإنها لا تكره.
(يكره الجلوس والوطء عليه) أي: على القبر، الجلوس على القبر مكروه -على كلام المؤلف- كراهة تنزيه، والصواب أنه محرَّم؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الجلوس على القبر، وقال: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَخْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَمْضِي إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى الْقَبْرِ» (34)، وهذا يدل على التحريم والتحذير من ذلك.
كذلك الوطء عليه قال المؤلف: إنه مكروه، والصحيح أنه حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك (35)، ولأنه امتهان لأخيه المسلم.
طالب: يروى في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يدفن حمزة قال: «لَوْلَا خَوْفِي مِنْ غَضِبِ صَفِيَّةَ لَجَعَلْتُ السِّبَاعَ تَأْكُلُهُ» (36).
(1/2812)
________________________________________
الشيخ: هذا قوله: «لَوْلَا خَوْفِي مِنْ أَنْ تَغْضَبَ صَفِيَّةُ لَتَرَكْتُهُ تَأْكُلُهُ السِّبَاعَ»، هذا إن صح فالمراد بذلك التنديد بالمشركين، وأنهم فعلوا بالمسلمين ما فعلوا؛ لأن حمزة رضي الله عنه مثَّل به المشركون حتى أخرجوا كبده رضي الله عنه، فهذا هو المقصود، لا أنه يَهتك حرمته، على أنا نطالبَك -إن شاء الله- بتصحيح النقل.
طالب: هذا الحديث يا شيخ صحيح.
الشيخ: أيه؟
الطالب: هذا؛ «لَوْلَا أَنْ تَأْكُلَهُ السِّبَاعُ».
الشيخ: نطالب الأخ مازن بتصحيحه.
طالب: نقول: المرور بين المقابر بدعة، أي بين القبور؟
الشيخ: إي نعم، هذا ما ذكره المؤلف، يمكن يذكره في زيارة القبور.
طالب: يا شيخ، الجلوس الآن والقيام للجنازة للوجوب ولا .. ؟
الشيخ: ما ذكره المؤلف.
الطالب: وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اجْلِسُوا» (37) يخالف ما عليه الإمام أحمد؟
الشيخ: أقول: المسألة فيها خلاف، والصحيح أنه يسن القيام لها، هذا هو الصحيح.
الطالب: مطلقًا؟
الشيخ: مطلقًا، إذا مرَّت به وهو جالس فإنه يقوم.
الطالب: وإذا كان موضوعًا داخل المقبرة؟
الشيخ: كيف موضوعًا بالمقبرة؟ !
الطالب: المقبور موضوع للاستعداد لدفنها.
الشيخ: كيف يقوم؟ هي إذا مرت بإنسان وهو جالس يقوم.
الطالب: لا، لو وضعت بجوار القبر استعدادًا لدفنها، الناس الآن يقومون ولَّا لا؟
الشيخ: لا، يجلسون، السنة الجلوس.
الطالب: لكن فعل مثلًا أبو هريرة مع مروان لما قال: اجلسوا لما أقامهم، لما جاء أبو سعيد، أبو هريرة (38) ..
الشيخ: هذه قضايا أعيان، وإلا فالمعروف أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجلس، خصوصًا إذا كان يحتاج إلى تأخر، كما في عهد عبد الرحمن بن سمرة، أنه لما انتهوا إلى القبر ولما يلحد جلسوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معه مِخْصَرَة ينكت بها الأرض (39).
الطالب: اللحد لغيرنا؛ يعني: لليهود والنصارى؟
الشيخ: الشق.
الطالب: الشق لغيرنا، لليهود والنصارى؟
(1/2813)
________________________________________
الشيخ: هو الظاهر؛ يعني أنه من ملتهم.
الطالب: وقد أمرنا بمخالفتهم.
الشيخ: يحتمل هذا أنه تعبد، فيكون الشق مكروهًا على أقل تقدير، ويحتمل أنه بيان لما كانوا يفعلونه فقط، هذه من عاداتهم.
طالب: فعل بعض الناس عند الدفن نجده يحثو على الميت ثلاث حثيات؟
الشيخ: إي نعم، هذا من السنة، يسن لمن حضر أن يحثو ثلاث حثيات؛ لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم (40).
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، مثل حديث أبي ذر (41) في دفن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على عدم جواز الدفن أو دخول القبر من قارف أهله؟
الشيخ: لا، يدل على أنه الأولى فقط، ولكن بعض العلماء اختلفوا في تعليل ذلك، والله أعلم.
الطالب: أليس ظاهر الحديث؛ يعني: الحادثة التي حصلت فيها حديث يدل على التحريم؟
الشيخ: لا، ما يدل على التحريم.
ما هي كيفية التربيع؟
طالب: أن يأتي من الجانب الأيمن للميت، فيضع على كتفه الأيمن، ثم يرجع إلى الخلف، ثم الأيسر، ثم الخلف.
الشيخ: طيب. ما حكم الحمل بين العمودين؟
طالب: سُنَّة.
الشيخ: سنة ولَّا مباح؟ ما الذي فهمت من كلام المؤلف؟
الطالب: أنه يجوز.
الشيخ: أنه مباح، طيب.
كيف يوضع الميت في اللحد؟
طالب: أن ينقلب على شقه الأيمن، ثم سلًّا أو ..
الشيخ: يضعه على شقه الأيمن، والقبلة عن يمينه أو شماله؟
الطالب: يستحب أن تكون عن يمينه.
الشيخ: الأفضل أن تكون القبلة عن يمينه، كيف يتصور أن تكون القبلة عن يمينه وهو ميت؟
الطالب: هو لا بد أن ( ... ) في اللحد ..
الشيخ: إي، لكن تقول: الأفضل أن تكون القبلة عن يمينه!
الطالب: الأفضل أن تكون عن يمينه القبر مستقبل القبلة ( ... ) اليمنى أو اليسرى، فإن ( ... ) مستقبل القبلة يوضع ..
الشيخ: أي له جهتان، يمنى ويسرى، صحيح؛ معناه يُجَلَّس الميت ويكون على يمينه أو يساره.
الطالب: ( ... ) إلى القبلة ( ... ) خلف، ( ... ) تستقبل الجهة اليمنى التي أقرب إلى ..
(1/2814)
________________________________________
الشيخ: يعني معناه أن اللحد يكون في قبلة القبر، هذا اللي تريد؟ طيب.
على أي الجنبين؟
طالب: على الجنب الأيمن.
الشيخ: على الجنب الأيمن. هل هناك دليل على هذا؟
طالب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم سن النوم على الجنب الأيمن (42).
الشيخ: فيكون هذا قياسًا على النائم، طيب.
أين يتجه؟
طالب: إلى القبلة.
الشيخ: يتجه إلى القبلة. طيب ما الدليل؟
طالب: القياس على النوم.
الشيخ: لا، إحنا النوم ما ذكرنا أنه يقاس على النوم.
طالب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا» (28).
الشيخ: الكعبة أحياء وأمواتًا، صح، لكن هذا الدليل فيه ضعف، إلا أن له شاهدًا من حديث البراء بن معرور، وسبق الكلام عليه، ثم هناك دليلًا آخر أقوى منه.
طالب: أفعال الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: عمل الصحابة من عهد الرسول، عمل المسلمين من عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى عهدنا اليوم.
والاتِّكَاءُ إليه، ويَحْرُمُ فيه دَفنُ اثنينِ فأكثرَ إلا لضرورةٍ، ويُجْعَلُ بينَ كلِّ اثنين حاجزٌ من ترابٍ، ولا تُكرهُ القراءةُ على القبرِ، وأيُّ قُربةٍ فَعَلَها وجَعَلَ ثوابَها لِمَيِّتٍ مسلمٍ أو حيٍّ نَفَعَه ذلك، وسُنَّ أن يُصْلَحَ لأهلِ الميِّتِ طعامٌ ويُبعثَ به إليهم، ويُكرهُ لهم فِعْلُه للناسِ.
(فصلٌ)
تُسَنُّ زيارةُ القبورِ إلا لنساءٍ وأن يَقولَ إذا زَارَها أو مَرَّ بها: " السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنينَ، وإنَّا إن شاءَ اللهُ بكم لَلَاحقونَ، يَرحمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ منكم والْمُسْتَأْخِرِينَ، نَسألُ اللهَ لنا ولكم العافيةَ، اللهمَّ لا تَحْرِمْنا أَجْرَهم، ولا تَفْتِنَّا بعدَهم، واغْفِرْ لنا ولهم" وتُسَنُّ تَعزيةُ الْمُصابِ بالميِّتِ، ويَجوزُ البكاءُ على الْمَيِّتِ، ويَحْرُمُ الندْبُ والنياحةُ وشَقُّ الثوبِ ولَطْمُ الْخَدِّ ونحوُه.
الشيخ: على أي الجنبين؟
طالب: على الجنب الأيمن.
(1/2815)
________________________________________
الشيخ: على الجنب الأيمن، هل هناك دليل على هذا؟
الطالب: لأنه صلى الله عليه وسلم سَنَّ النوم على الجنب الأيمن.
الشيخ: فيكون هذا قياسًا على النائم، أين يتجه؟
طالب: إلى القبلة.
الشيخ: يتجه إلى القبلة.
الطالب: وجهه إلى القبلة.
الشيخ: ما الدليل؟
الطالب: قياس على النوم.
الشيخ: لا، إحنا على النوم، ما ذكرنا قياس على النوم.
طالب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا».
الشيخ: الكعبة، أحياء وأمواتًا، صح، لكن هذا الدليل فيه ضعف، إلا أن له شاهدًا من حديث البراء بن معرور، وسبق الكلام عليه، ثم هناك دليل آخر أقوى منه.
طالب: شيخ، فِعْل الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: عمل المسلمين من عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى عهدنا اليوم.
ثم إذا لم يستقبل القبلة فهل يستدبرها؟ لا، غير لائق، أو يجعل رجليه نحوها، أو رأسه نحوها، فالأحوال أربع؛ إما أن يستدبرها، أو يكون رأسه نحو القبلة ورجلاه على خلف القبلة، أو بالعكس، أو يستقبلها، ولا شك أن الأخير هو أفضلها.
هل الأفضل تسطيح القبر أو تسنيمه؟
طالب: الأفضل تسنيمه قيد شبر.
الشيخ: تسنيمه، ما الفرق بين التسنيم والتسطيح؟
الطالب: التسطيح ما كان متساويًا.
الشيخ: أن يكون أعلاه متساويًا كالسطح، والتسنيم؟
الطالب: والتسنيم وسطه أعلى أطرافه.
الشيخ: ويكون الوسط كسنام البعير، صحيح.
حكم البناء على القبر؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: إي نعم، مكروه ولَّا حرام ولَّا؟
الطالب: القول الثابت أنه مكروه، والراجح أنه مُحَرَّم.
الشيخ: مُحَرَّم، أحسنت، ما هو دليل التحريم؟
طالب: الدليل هو قول الإمام علي: أَلَا أبعثك على ما بعثني ..
الشيخ: لا، دليل تحريم البناء.
الطالب: تحريم البناء نَهْي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأنه وسيلة للشرك.
(1/2816)
________________________________________
الشيخ: نَهْي النبي صلى الله عليه وسلم أن يُبْنَى على القبر، ولأنه وسيلة إلى الشرك، أحسنت، الوطء على القبر حكمه؟
طالب: حرام يا شيخ.
الشيخ: وعلى كلام المؤلف؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: مكروه، والصحيح التحريم ولَّا الكراهة؟
طالب: لأنه إذا كان نهى عن الجلوس فوقها فالوطء من باب أولى.
الشيخ: لا، هو نهى عن الوطء، ما هو قياس، والأصل في النهي التحريم، ولأن فيه امتهانًا لصاحب القبر.
***
قال: (وَالِاتِّكَاءُ إِلَيْهِ)، يعني أن يتكئ على القبر فيجعله كالوسادة له؛ لأن في هذا امتهانًا للقبر.
وانظر كيف نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُجَصَّ القبر، وأن يُبْنَى عليه، وأن يُكتَبَ عليه، وأن يُوطَأ، حيث جمع في هذا النهي بين ما يكون سببًا للغلو فيه وسببًا لامتهانه، الغلو في أي شيء؟ في البناء والتجصيص والكتابة، والامتهان في الوطء، من أجل أن يعامل الناس القبور معاملة وسط، لا غلو ولا تفريط.
قال المؤلف: (ويَحْرُم فيه دفنُ اثنين فأكثر إلا لضرورة)، (يحرُم فيه) أي في القبر، دفنُ اثنين فأكثر، سواء كانَا رجلين أم امرأتين، أم رجلًا وامرأة فإنه يحرُم، والدليل عمل المسلمين من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا، أن الإنسان يُدْفَن وحده في قبره.
ولا فرق بين أن يكون الدفن في آنٍ واحد بأن يؤتى بجنازتين وتُدْفَنَا في القبر، أو أن تدفن إحدى الجنازتين اليوم والثانية غدًا، كل هذا حرام على كلام المؤلف إلا للضرورة، وذلك بأن يكثُر الموتى ويقل مَن يدفنهم، ففي هذه الحال لا بأس أن يُدفَن الرجلان والثلاثة في قبر واحد.
ودليل ذلك ما صنعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شهداء أُحُد، حيث جعلوا يدفنون الرجلين والثلاثة في قبر واحد، ويقول: «انْظُرُوا أَيُّهُمْ أَكْثَرُ قُرْآنًا» (1)، فيقدِّمُهُ في اللحد.
(1/2817)
________________________________________
وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة الدفن كراهة تنزيه، أي كراهة دفن اثنين فأكثر دون التحريم، وقالوا: إن مجرد الفعل لا يدل على التحريم، أي مجرد كون المسلمين يدفنون كل جنازة وحدها لا يدل على تحريم دفن أكثر من واحدة، وإنما يدل على الكراهة كراهة مخالفة عمل المسلمين.
وذهب آخرون إلى أن إفراد كل ميت في قبر أفضل، والجمع ليس بمكروه ولا مُحَرَّم.
وهنا نقف لنقول: هل يلزم من ترك الأفضل أن يقع الإنسان في المكروه؟
طالب: لا.
الشيخ: لا يلزم مِنْ تَرْكِ السنة والأفضل أن يقع الإنسان في المكروه؛ لأن المكروه منهي عنه حقيقة، وترك الأفضل ليس بمنهي عنه، ولهذا لو أن الإنسان ترك راتبة الظهر مثلًا، هل نقول: إنه فعل مكروهًا؟ لا، ولو أنه لم يرفع يديه عند الركوع، هل نقول: إنه فعل مكروهًا؟ لا، ولكن ترك ما هو أفضل، فلا يلزم من ترك الأفضل الوقوع في المكروه.
فالأقوال ثلاثة الآن، ويترجح عندي -والله أعلم- أن القول الوسط، وهو الكراهة، كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إلا إذا كان الأول قد دُفِنَ واستقر في قبره فإنه أحق به، فحينئذ لا يدخل عليه ثانٍ، اللهم إلا للضرورة القصوى، ولكن هنا لا ضرورة؛ لأن القبر قد دُفِنَ، جَمْعُ الاثنين فأكثر إنما ينفع إذا دُفِنَا جميعًا.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ويُجْعَل بين كل اثنين حاجزٌ من تراب)، يعني إذا جاز دفن اثنين فأكثر في القبر الواحد فإن الأفضل أن يُجْعَل بينهما حاجزٌ من تراب ليكونَا كأنهما منفصلان، ولكن هذا ليس على سبيل الوجوب، على سبيل الأفضلية.
قال: (ولا تُكْرَهُ القراءةُ على القبر)، القراءة على القبر لا تُكْرَه، ولها صفتان؛ الصفة الأولى أن يقرأ على القبر كأنما يقرأ على مريض، والثانية أن يقرأ على القبر، أي عند القبر ليسمع صاحب القبر فيستأنس به.
(1/2818)
________________________________________
يقول المؤلف: (إن هذا غير مكروه)، ولكن الصحيح أنه مكروه، فنفي الكراهة إشارة إلى القول بالكراهة، وهو الصحيح؛ أن القراءة على القبر مكروهة، سواء كان ذلك عند الدفن، أو بعد الدفن؛ لأنه لم يُعْمَل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا عُهِدَ عن الخلفاء الراشدين.
ولأنه ربما يحصل فيه فتنة بصاحب القبر، فاليوم يقرأ عنده رجاء انتفاع صاحب القبر، وغدًا يقرأ عنده رجاء الانتفاع بصاحب القبر، ويرى أن القراءة عنده أفضل من القراءة في المسجد، فيحصل بذلك فتنة.
ثم قال: (وأي قُرْبَةٍ فعلها وجَعَلَ ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ذلك)، هذه قاعدة في إهداء القرب للغير، هل هو جائز، وهل ينفع الغير أو لا ينفع؟
يقول المؤلف في هذه القاعدة والضابط: (أي قُرْبَةٍ فَعَلَهَا)، يعني جميع أنواع القربات إذا فعلها وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي، والعبارة لو قال فيها رحمه الله: لمسلم ميت أو حي، لكان أحسن؛ لأن قوله: (لميت مسلم أو حي)، قد يقول قائل: أو حي مسلم أو كافر، لكن لو قال: لمسلم ميت أو حي، لكان أوضح، وهذا هو مراده بلا شك.
وقول المؤلف: (أي قربة) لم يُخَصِّصْهَا بالقربة المالية ولا بالبدنية، بل أطلق، مثال ذلك أن يصوم شخص يومًا عن شخص آخر تطوعًا، فهل ينفعه؟ يقول المؤلف: ينفعه ما دام مسلمًا، تصدق بمال عن شخص، فهل ينفعه؟ أجيبوا.
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم ينفعه، أعتق عبدًا ونوى ثوابه لشخص ينفعه.
(1/2819)
________________________________________
حج ونوى ثوابه لشخص ينفعه، إن كان ميتًا ففعله الطاعة عنه قد يكون متوجهًا؛ لأن الميت محتاج، ولا يمكنه العمل، لكن إن كان حيًّا وهو قادر على أن يقوم بهذا العمل ففي ذلك نظر؛ لأنه يؤدي إلى اتكال الحي على هذا الرجل الذي تقرَّب إلى الله عنه، وهذا لم يُعْهَد عن السلف؛ لا عن الصحابة، ولا عن السلف الصالح، إنما الذي عُهِدَ منهم هو جَعْلُ القرب للأموات، أما الأحياء فلم يُعْهَد، اللهم إلا ما كان فريضة كالحج، فإن ذلك عُهِدَ على عَهْدِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن بشرط أن يكون المحجوج عنه عاجزًا عجزًا لا يُرْجَى زواله.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أن ذلك نافع؟
قلنا: الدليل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (2)، فأنا نويت أن أتقرب إلى الله لفلان، فليأتِ إنسان بالدليل على المنع.
ثانيًا: أن بعض هذه المسائل وقع في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأجازها، فمن ذلك أن سعد بن عبادة رضي الله عنه تصدق ببستانه لأمه التي ماتت، فأجازه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وكذلك في حديث عائشة رضي الله عنها: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن أمي افتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وإنها لو تَكَلَّمَتْ لتَصَدَّقَتْ، أفأتصدق عنها؟ قال: «نَعَمْ». (3)
وكذلك عمرو بن العاص رضي الله عنه، سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل يتصدق عن أبيه بعتق خمسين رقبة؟ لأن أباه أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فتصدق أخو عمرو بخمسين أعتقها، وعمرو سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيعتق الخمسين الباقية، فبَيَّنَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم له أنه لو كان أبوه مسلمًا لنفعه، فترك العتاق لأنه كافر، والكافر لا ينتفع بعمل غيره، حتى عمله الذي عمله من خير يقول الله فيه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].
(1/2820)
________________________________________
فلما وُجِدَت هذه المسائل الفردية قلنا: الأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع، أما لو كان هناك دليل على المنع لقلنا: هذه المسائل أو هذه القضايا التي وردت تكون مخصِّصَة للمنع، لكن لم يرد ما يدل على منع التصدق، أو على منع التقرب إلى الله تعالى بقربة تكون لغيره.
فإن قال قائل: ما الجواب عن قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]؟
فالجواب عنها: أن مَنْ قَرَأَ الآيات عرف المراد بها، {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 36 - 39]، فكما أن وِزْرَ غيرك لا يُحْمَل عليك، فكذلك سَعْيُ غيرك لا يُجْعَل لك، والمعنى أن سعيك لا يضيع، وأنك لا تحمل وِزْرَ غيرك، هذا المعنى.
لكن لو أن أحدًا سعى لك فما المانع؟ أليس الرجل الذي يظلم غيره يأخذ الناس من حسناته تضاف إلى حسناتهم، مع أنهم ما سَعَوْا لها، فالمعنى أن الإنسان كما لا يزر وِزْرَ غيره لا يملك سَعْيَ غيره، فليس له إلا ما سعى، وأما أن يسعى غيرُه له فهذا لا مانع منه.
فالآية لا تدل على منع سَعْيِ الغير له، بل تدل على أنه ليس له من سعي غيره شيء، كما أنه لا يَحْمِل من وِزْر غيره شيئًا، وما دام هذا هو المعنى فإنه لا يصح الاستدلال بها على المنع.
يبقى النظر هل عمل العامة اليوم على صواب؟ وعمل العامة لا يعملون شيئًا إلا جعلوه لوالديهم وأعمامهم وأخوالهم، وما أشبه ذلك، حتى في رمضان يقرؤون القرآن يقول: أول ختمة للأم، والثانية للأب، والثالثة للجدة، والرابعة للجد، والخامسة للعم، والسادسة للعمة، والسابعة للخال، والثامنة للخالة، وماذا يكون له؟
طالب: أخاف يعطون الجيران.
(1/2821)
________________________________________
الشيخ: يمكن يعطون الجيران، هذا غلط، هذا ليس من هدي، كذلك في مكة يعتمرون، يعتمر أول عمرة له، واليوم الثاني لأمه، والثالث لأبيه، والرابع لجده، هذا سمعناه، حتى إن بعض الناس يفتيهم يقول: لا بأس أن تكرر العمرة كل يوم إذا لم تكن لنفسك، إذا كانت لعمك، لأبيك، لخالك، ما فيه مانع.
فيذهب الإنسان يجد له خمسين واحدًا من القرابة، وهو بينزل عشرة أيام، إذا قسمنا خمسين على عشرة، كل يوم يعتمر خمس مرات، من قال هذا؟ !
كل هذا ليس له أصل، والذين لا يعتمرون يطوفون ويُكْثِرُونَ من الطواف لمن؟ لأقاربهم، لموتاهم، مع أن هادي الخلق ودالَّهم إلى الله محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يُرْشِد الأمة إلى هذا، قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ؛ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (4).
وسياق الحديث في أيش؟ في الأعمال النافعة التي تنفع الإنسان، لو كان العمل الصالح للإنسان بعد موته نافعًا لقال: أو ولد صالح يعمل له؛ لأن الحديث عن الأعمال، فعدول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن العمل إلى الدعاء يدل على أنه ليس من المشروع أن تجعل الأعمال للأموات.
الأموات إن كنت تريد أن تنفعهم فادعُ الله لهم، وهكذا قول المؤمنين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
ونحن لا ننكر أن الميت ينتفع، لكن نُنْكِرُ أن تكون المسألة بهذا الإفراط، كل شيء للأموات، حتى أني حُدِّثْتُ حديثًا عجبًا، وهو أنهم إذا قدموا الغداء أفاضوا عليه أيديهم هكذا، اللهم اجعل ثوابه لفلان، الغداء، على العشاء كذلك، يعني ما بقي شيء من الأعمال الصالحة نجعلها لهم، وكل هذا من البدع.
(1/2822)
________________________________________
لكن مع الأسف أن الناس إذا عملوا عملًا ولم يُنَبَّهُوا عليه صار هذا العمل البدعي سُنَّةً عندهم، وصاحوا بمن ينكر عليهم: أتحسد أمواتنا؟ خَفْ من الله، أمواتنا محتاجون، أعمالهم منقطعة، كيف تحسدهم وتقول: لا تتوجه لهم بالعمل؟ أقول: ادعُ لهم، بدل ما تجعل العمل الصالح لهم خَلِّهِ لنفسك وادع الله لهم خير لك وأفضل، وتأخذ بتوجيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
كنا ونحن صغار لا نعرف الأضحية عن الحي أبدًا، كل الضحايا للأموات، حتى إن الواحد إذا قيل له: ضَحِّ، قال: بسم الله عَلَيَّ ما بعدُ مت، يعني يظن أيش؟ أن الأضحية للميت فقط، ولكن الحمد لله، الآن تَنَوَّرَ الناس، وعرفوا أن الأضحية في الأصل للحي.
قد يتعلل بعض الناس بأن الناس كانوا بالأول في شدة وفي فقر، وليس عندهم من الأضاحي إلا الوصايا التي أوصى بها الأموات في أملاكهم وعقاراتهم، لكن هذه العلة ساقطة، إذا خاطبت العامي ما هو يقولك: إن ما عندي فلوس، يقول: الأضحية لا تكون إلا للميت، وأمثال هذا، ولكن الحمد لله الناس تَنَوَّرُوا، وطلبة العلم بدؤوا يُبَيِّنُون للناس ما هو الحق في هذا الباب.
قال: (ويُسَنُّ أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث به إليهم)، يُسَنُّ أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث به إليهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله سلم حين جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرَ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» (5).
وظاهر كلام المؤلف أن صنع الطعام لأهل الميت سُنَّة مُطْلَقَة، ولكن السُّنَّة تدل على أنه ليس بسُنَّة مُطْلَقَة، وإنما هو سُنَّة لمن انشغلوا عن إصلاح الطعام بما أصابهم من المصيبة؛ لقوله: «فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ»، وأنتم تعرفون أن الإنسان إذا أُصِيبَ بمصيبة أصابته تمامًا انغلق ذهنه وفكره ولم يُصْلِح شيئًا، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ».
(1/2823)
________________________________________
فظاهر السنة أو ظاهر التعليل أنه إذا لم يَأْتِهِمْ ما يشغلهم فلا يُسَنُّ أن يُصْلَح لهم.
والآن -ولله الحمد- الأطعمة متوفِّرة، والذي لا يستطيع إصلاحه في بيته يأتي به من المطاعم، فالمسألة مُتَيَسِّرَة جدًّا، ومع ذلك غالى الناس في هذه المسألة غُلُوًّا عظيمًا، لا سيما في أطراف البلاد، حتى إنهم إذا مات الميت يُرْسِلُون الهدايا من الخرفان الكثيرة لأهل الميت، ثم إن أهل الميت يذبحونها للناس، ويدعون الناس إليها.
فتجد البيت الذي أُصِيبَ أهله كأنه بيت عرس، هذا يدخل ويأكل، وهذا يخرج، وفي الليل يضيؤون اللمبات الكثيرة، ويضعون الكراسي المتعددة، وتجد الناس كأنهم في محفل عرس، وأنا شاهدت هذا بنفسي، وهذا لا شك أنه من البدع المنكَرة.
هل نحن مأمورون عند المصائب أن نأتي بالْمُسَلِّيَات الحسية التي تختم على القلب حتى ننسى المصيبة نسيان البهائم؟ ! لا، نحن مأمورون بأن نتسلَّى بما أرشدنا الله إليه {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، لا بأن يأتي الناس من يمين وشمال ليجتمعوا إلينا ويؤنسونا تأنيسًا ظاهريًّا، إذا لم تكن المصيبة مَنْسِيَّة بما أمر الله به ورسوله فإنها لا خير فيها، يكون هذا النسيان سُلُوًّا كسُلُوِّ البهائم، وقد قال الصحابة رضي الله عنهم: كنا نَعُدّ صنع الطعام والاجتماع إلى أهل الميت ( ... ).
طالب: ( ... ).
الشيخ: على كل حال إذا وُجِدَت العلة وُجِدَ الحكم.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا؛ لأنه ربما أهل الميت أحيانًا يفرحون بموته، يمكن ( ... ) مانعهم من أشياء يريدونها، ويقولون ..
طالب: هل فيه فرق يا شيخ بين: هذه بدعة، وهذا خلاف السنة؟
الشيخ: البدعة هو الذي يقصد به الإنسان التقرب إلى الله عز وجل، فكل شيء تتدين به لله ولم يثبت شرعًا فهو بدعة، هذا الضابط، أما ما كان مجرد عادة فيقال: هذا خلاف السُّنَّة.
طالب: القراءة على القبر، لماذا قلنا بالكراهة؟
(1/2824)
________________________________________
الشيخ: الكراهة لأنها لم تأتِ عن السلف.
الطالب: لماذا لم نقل بالتحريم؟
الشيخ: التحريم صعب، التحريم يحتاج إلى نص على التحريم.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لكن هذه إن جاءت على صفة جماعية مثلًا يذهبون ويتلون على القبور فقد نقول: إنها بدعة وأنها منكرة وأنها محرَّمة، لكن مجرد إنسان وقف على قبر أبيه أو أمه وجعل يقرأ إطلاق التحريم فيه نظر.
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لا، ما نتوسل.
طالب: إذا قلنا بهذا يا شيخ من الذهاب إلى المقبرة وجدنا كل واحد جلس على قبر ويقرأ، فماذا ترى؟
الشيخ: إذا جاءت هذه الحال منعناها.
الطالب: تجيء.
الشيخ: لا، إن شاء الله ما تجيء،
أنت حققت لنا حديث حمزة؟
الطالب: أقرأ.
الشيخ: كثير؟
الطالب: صفحة.
الشيخ: صفحة، اقرأ، هذا الحديث الذي سألنا عنه أمس في الدرس السابق.
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، عن أنس بن مالك قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة يومَ أُحُد، فوقف عليه فرآه قد مُثِّلَ به، فقال: «لَوْلَا أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا لَتَرَكْتُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الْعَافِيَةُ حَتَّى يُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بُطُونِهَا» (1)، إلى آخر الحديث، رواه أبو داود، المجلد الثاني، صفحة 959، والترمذي وحَسَّنَه، وابن سعد وحَسَّنَه، والحاكم، ورواه أحمد، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وحَسَّنَهُ الألباني كما في كتاب أحكام الجنائز، قال في نصب الراية: أخرجه أبو داود في سننه عن عثمان بن عمر، قال: حدثنا أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مَرَّ بحمزة وقد مُثِّلَ به، ولم يُصَلِّ على أحد من الشهداء غيره (6). ورواه الدارقطني في سننه، وقال: لم يقل فيه: لَمْ يُصَلِّ على أحد من الشهداء غيره، إلا عثمان بن عمر، وليست بمحفوظة (7).
(1/2825)
________________________________________
قال ابن الجوزي رحمه الله في التحقيق: وعثمان بن عمر مُخَرَّجٌ له في الصحيحين، وزيادة من الثقة مقبولة.
وذكره عبد الحق الإشبيلي في أحكامه من جهة أبي داود، وقال: الصحيح حديث البخاري أنه لم يُصَلِّ على الشهداء.
قال ابن القطان في كتابه: وعِلَّتُهُ ضعف أسامة بن زيد الليثي، وقد ذكر عبد الحق هذا الحديث في أحكامه الكبرى، وأتبعه الكلام في أسامة، وقال: وثَّقَهُ ابن معين، وضَعَّفَهُ يحيى بن سعيد، وروى عنه الثوري وعبد الله بن المبارك، ورواه أحمد في مسنده: حدثنا صفوان بن عيسى، قال: حدثنا أسامة بن زيد. وأخرجه الحاكم في المستدرك عن عثمان بن عمر ورَوْح عن أسامة به، وقال: على شرط مسلم.
قال النووي في المجموع بعدما عزاه لأبي داود: إسناده حسن أو صحيح، والله أعلم.
الشيخ: والله على كل حال في نفسي منه شيء، حتى لو حَسَّنَهُ هؤلاء الْحُفَّاظ؛ لأن كَوْن الرسول عليه الصلاة والسلام يمتنع من دفنه مراعاة لأخته ..
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ لَا يُقْرَأُ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ» (8)، ما يستدل به على تحريم القراءة على القبر؟
الشيخ: أين وجدت هذه الزيادة: لَا يُقْرَأُ فِيهَا الْقُرْآنُ؟
الطالب: المبدع.
الشيخ: إن شاء الله تعالى الدرس القادم تأتي بها محقَّقة، فإذا كانت هذه محقَّقة دَلَّ على أن المقبرة ليست محلًّا للقراءة.
الطالب: أحسن الله إليك نحن قلنا ..
الشيخ: لكن الذين شرحوا الحديث قالوا: لا تجعلوها مقابر، أي في ترك الصلاة فيها.
الطالب: يقول: شدد أحمد حتى أنه قال: صلاة الجنازة لا يُقْرَأُ فيها بالقرآن.
الشيخ: يعني إذا صلى على الجنازة في المقبرة ما يقرأ القرآن؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: تشديد هذا.
الطالب: أحسن الله إليك، هنا القُرَب إلى الحي قلنا إنه يؤدي إلى ..
(1/2826)
________________________________________
طالب آخر: شيخ ألا يقولون: الميت في القبر يسمع، فهل الذين يُلَقِّنُون موتاهم، بعض الناس يقول: إذا أتاك ملكان فأَجْلَسَاكَ عن يمينك وعن شمالك، فيقول لك: من هو ربك، هل مشروع هذا يا شيخ؟
الشيخ: لا، تلقين الميت بعد الدفن لم يصح الحديث فيه، وعلى هذا فيكون بدعة، ولا يُنْتَفَعُ بذلك.
( ... ) أقيمت الصلاة وهم في الركعة الثانية أَتَمُّوها خفيفة، وإن كانوا في الركعة الأولى قطعوها.
التحجير في الصف قد ذكرنا عدة مرات أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إنه حرام ولا يجوز؛ لأن المسجد لمن سبق، من جاء أول فهو له، وأن كلام الفقهاء رحمهم الله في هذا -أعني في قولهم: إنه يجوز للإنسان أن يُحَجِّر- قول ضعيف؛ لأن المسجد لمن سبق، لكن إذا حَجَّرَ الإنسان وخرج لعذر، أو كان في المسجد في جهة أخرى، فلا بأس بهذا، ولا حرج فيه.
وكثير من الناس نقول لهم هذا الكلام، لكن يقولون: ما دام المذهب هو هذا، وأن هذا يَحُثُّنَا على الحرص، وأن نأتي قبل الإقامة، يعني يُبَرِّرُون فِعْلَهُم بهذا، ولكن الاحتياط والأحسن والأفضل ألَّا يُحَجِّرُوا.
أما بالنسبة للمؤذن فقد جرت العادة بأنه يكون خلف الإمام؛ لأنه يُقِيمُ، فلو تركتم هذا له لكان خيرًا، كذلك أيضًا إذا جئتم وفيه تحجير فإنكم لا ترفعونه؛ لأن هذا يُحْدِثُ فتنة وعداوة وبغضاء، ثم إنه ما دام الرجل يقول: أنا أرى هذا الرأي، أرى أنه لا بأس به كما يراه الفقهاء.
فلا إنكار في مسائل الاجتهاد، ولو أردنا أن نحمل الناس على ما نرى لكنا ادَّعَيْنَا لأنفسنا أننا رسل، وهذا لا يجوز، فمسائل الخلاف الاجتهادية ينبغي للإنسان ألَّا يُنْكِر فيها.
(1/2827)
________________________________________
ولهذا قال العلماء رحمهم الله: لا إنكار في مسائل الاجتهاد فيكو، ن الإنسان يرى أن التحجير حرام، ثم يأتي إلى الأشياء الْمَجْعُولَة في مكان يزيلها مثلًا أو يعمل فيها أشياء، لا شك أن هذا خطأ، وإن كان الأول مُخْطِئًا، لكن هذا أشد خطأ؛ لأنه يوجب كراهة الناس بعضهم لبعض، وهذا ما دام هذا رأيه هو يحاسبه الله عز وجل على ما يرى.
طلبة: ( ... ).
الشيخ: أما المسألة الثانية هذه ما عرفت أقرؤها إطلاقًا.
***
[زيارة القبور]
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى:
فصل
تُسَنُّ زيارة القبور إلا للنساء، وأن يقول إذا زارها أو مَرَّ بها: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنَّا إن شاء الله بكم للاحقون، يرحم الله المستقدِمِين منكم والمستأخِرِين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تَفْتِنَّا بعدهم، واغفر لنا ولهم، وتُسَنُّ تعزية المصاب بالميت، ويجوز البكاء على الميت، ويحرُم الندب والنياحة وشق الثوب ولطم الخد ونحوه.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فصل .. تُسَنُّ زيارة القبور)، تُسَنُّ، والسُّنَّة عند الفقهاء: ما أُثِيبَ فاعله ولم يعاقَب تاركه، فهي في مرتبة بين المباح والواجب، وسُنِّيَّتُهَا ثابتة بالسنة والإجماع كما نقله النووي رحمه الله.
أما السنة فمن قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله؛ قال صلى الله عليه وسلم: «كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ» (9)، وأما فعله فقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يخرج إلى البقيع فيُسَلِّم عليهم.
يقول: تُسَنُّ زيارة القبور، إلا للنساء فليست بسنة، فقيل: تُكْرَهُ، وقيل: تُبَاحُ، وقيل: تَحْرُمُ، وقيل: من الكبائر، أربعة أقوال؛ تُبَاح، تُكْرَه، تَحْرُم، كبيرة.
(1/2828)
________________________________________
والمشهور من المذهب عند الحنابلة أنها تُكْرَه، والكراهة عندهم للتنزيه، يعني فلو زارت المرأة القبور فإنه لا إثم عليها.
والصحيح أنها من كبائر الذنوب، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن زائرات القبور، واللعن لا يكون إلا على كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن معناها الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وهذا وعيد شديد.
أما من جهة النظر فلأن المرأة ضعيفة التحمل، قوية العاطفة، سريعة الانفعال، لا تتحمل أن تزور القبر، وإذا زارته حصل لها من البكاء والعويل، وربما شق الجيوب، ولطم الخدود، ونتف الشعور، وما أشبه ذلك، ثم إذا ذهبت وحدها إلى المقابر فالغالب أن المقابر تكون في مكان خالٍ في أطراف البلد، يُخْشَى عليها من الفتنة أو العدوان عليها، فكان القياس، وهو النظر الصحيح، موافقًا للأثر، وهو مَنْعُها من زيارة القبور ولَعْنُها.
استثنى الأصحاب -يعني الفقهاء؛ فقهاء الحنابلة- استثنوا قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقبري صاحبيه، وقالوا: إن زيارة النساء لهذه القبور الثلاثة لا بأس بها، وعَلَّلُوا ذلك بأن زيارتهن لهذه القبور الثلاثة لا يصدق عليها أنها زيارة؛ لأن بينها وبين هذه القبور ثلاثة جُدُر، كما قال ابن القيم:
فهن وإن وقفن على الحجرة لم يَصِلْنَ إلى القبر، فلا تكون زيارتهن زيارة حقيقية، وعلى هذا فيُسْتَثْنَى من قوله: (إلا للنساء) أيش؟ قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقَبْرَا صاحبيه.
(1/2829)
________________________________________
والذي يترجح عندي أنه لا استثناء؛ لأن وصولهن إلى محل القبور إما أن يكون زيارة أو لا يكون، فإن كان زيارة وقعن في الكبيرة، وإن لم تكن زيارة فلا فرق بين أن يحضرن إلى مكان القبر، أو أن يُسَلِّمْنَ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعيد، وحينئذ يكون مجيئهن إلى القبور لغوًا لا فائدة منه، بل في زمننا هذا قد يكون هناك مزاحمة للرجال، وأعمال لا تليق بالمرأة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فإن قال قائل: ما تقولون في حديث عائشة رضي الله عنها أنها زارت قبر أخيها (10)؟
قلنا: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يعارَض بقول أحد كائنًا مَن كان، وها هي عائشة تقول: شَبَّهْتُمُونَا بالحمير والكلاب (11)، يعني في قطع الصلاة إذا مَرَّت المرأة من بين يدي المصلي، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صرَّح بأن هذه الثلاثة: الكلب الأسود، والحمار، والمرأة، تقطع الصلاة، فهي رضي الله عنها غير معصومة، ولا يمكن أن يُسْتَدَلَّ بفعلها على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فإن قيل: ما تقولون في حديثها الثابت في صحيح مسلم حين فقدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة وطلبته، ثم أدركته في البقيع، خرج في البقيع يسلِّم عليهم، ثم رجع من البقيع، ورجعت هي قبله، حتى أدركها في البيت، ثم سألها: ما لها حَشْيَا رَابِيَة، يعني قد ثار نَفَسُهَا، فأخبرته وقالت: يا رسول الله، أرأيت -يعني إن خرجت- ماذا أقول؟ قال: قولي: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ». (12) إلى آخره؟
فالجواب عن ذلك أن نقول: يُفَرَّقُ بين المرأة إذا خرجت لقصد الزيارة، وإذا مَرَّت بالمقبرة بدون قصد الزيارة، فإذا مرت بالمقبرة بدون قصد الزيارة فلا حرج أن تُسَلِّم على أهل القبور، وأن تدعو لهم بما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة، وأما إذا خرجت لقصد الزيارة فهذه زائرة للمقبرة، فيصدق عليها اللعن.
(1/2830)
________________________________________
فإن قيل: ما تقولون في اللفظ الوارد في الحديث: لَعَنَ زوَّاراتِ القبور والْمُتَّخِذِين عليها المساجد والسُّرُج (13)، (زوَّارَات) بصيغة المبالغة؟
فالجواب أن نقول: إن الحديث ورد بلفظين: (زَائِرَات) و (زَوَّارَات)، فإن كانت (زَوَّارَات) للنسبة، فلا إشكال، وإن كانت للمبالغة فإن لفظ (زائرات) فيه زيادة علم، فيؤخذ به؛ لأن (زائرات) يصدق بزيارة واحدة، و (زَوَّارَات) بالكثير للمبالغة.
ومعلوم أن الوعيد إذا جاء معلَّقًا بزيارة واحدة ومعلَّقًا بزيارات متعددة، فإن مع المعلّق بزيارة واحدة أيش؟ زيادة علم؛ لأنه يحق الوعيد على مَن زَارَ مرة واحدة على لفظ (زَائِرَات) دون لفظ (زَوَّارَات)، فيكون مع لفظ (زَائِرَات) زيادة علم، فيؤخذ به، لكن لو أخذنا بـ (زَوَّارَات) ألغينا دلالة (زَائِرَات).
وقد تكلم شيخ الإسلام رحمه الله على هذه المسألة في الفتاوى مجموع ابن قاسم كلامًا جيدًا ينبغي لطالب العلم أن يراجعه، وبَيَّن أو وذَكَر أظن ثمانية أوجه في الرد على مَن قال: إن النساء يُسَنُّ لهن زيارة القبور، فراجِعُوه فإنه مفيد جدًّا.
قال: (تُسَنُّ زيارة القبور إلا للنساء، ويقول: إذا زارها)، نقول: يقولُ، أو ويقولَ؟ إن جعلنا الواو للاستئناف قلنا ..
طالب: بالرفع.
الشيخ: بالرفع؛ يقولُ، وإن جعلناها عطفا على (زيارة) قلنا: ويقولَ؛ لأن المضارع إذا عُطِفَ على اسم خالص نُصِبَ.
قال ابن مالك:
وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ
تَنْصِبُهُ أَنْ ثَابِتًا أَوْ مُنْحَذِفْ
(وإن على اسم خالص فِعْلٌ عُطِفْ)، يعني المضارع، (تنصبه أنْ ثابتًا)، يعني ثابتة، (أو منحذف) محذوفة.
واستشهدوا لذلك بقول الشاعر:
وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ
قوله: (لُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ) بالنصب؛ لأنها معطوفة على أيش؟ على (لُبْس) على اسمٍ خالص مصدر، هنا: ويقولَ، عطف على؟
طالب: زيارة.
(1/2831)
________________________________________
الشيخ: زيارة، فعليه يكون المعنى: ويُسَنُّ أن يقول، أما إذا جعلناها بالرفع فهي مستأنفة.
(ويقولَ إذا زارها أو مر بها)، (إذا زارها) يعني قصد زيارتها وخرج إليها، (أو مر بها) مرورًا قاصدًا غيرها.
(السلام عليكم دار قوم مؤمنين)، السلام اسم من أسماء الله، كما في آخر سورة الحشر: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} [الحشر: 23]، لكنه في التحية لا يُرَاد به اسم الله، وإنما يُرَاد به التسليم، فهو اسم مصدر كالكلام بمعنى أيش؟ التكليم، والمعنى: التسليم عليكم، أي: الدعاء بالسلامة عليكم، والسلامة بالنسبة لأهل القبور قد يَصْعُب على الإنسان تَصَوُّرُها، يسلمون من أيش؟ من المرض؟ لا، لكن من العذاب، قد يكون الإنسان في قبره مُعَذَّبًا ولو عذابًا خفيفًا، فإذا سألت الله له السلامة سَلِم، ثم أنت الآن تُسَلِّم على عموم القبور، السلام عليكم.
وقوله: (السلام عليكم) أتى بكاف الخطاب، فهل الكاف هذه تدل على أنهم يسمعون؟ لأنه لا يخاطَب إلا مَن يسمع، ما لم يقم دليل ظاهر على أن المخاطَب لا يسمع، وإنما قلت: ما لم يقم دليل ظاهر؛ لئلا يُورِدَ علينا مُورِد قولَ عمر رضي الله عنه للحجر الأسود: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُقَبِّلُك ما قَبَّلْتُك (14).
فهنا خاطبه وهو حَجَر، لكن أهل القبور هل هم يخاطَبون مخاطبة الحجر، أو مخاطبة السامع؟
الظاهر الثاني، وقد ذكر ابن القيم في كتاب الروح حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن أن «مَنْ سَلَّمَ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا رَدَّ اللهُ عَلَى صَاحِبِ الْقَبْرِ رُوحَهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» (15)، فلا يبعد أن يكون أهل المقبرة عمومًا إذا سلم عليهم يسمعون.
(1/2832)
________________________________________
ولا نقيسهم بالحجر الأسود؛ لأن الحجر الأسود عندنا دلالة حسية ملموسة، وهي أنه حجر، حتى ولو كان حجرًا فإنه يسمع، قال الله تعالى عن الأرض عمومًا: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)} [الزلزلة: 4، 5] {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}، أي: ما عُمِلَ عليها من خير أو شر، سواء كان قولًا مسموعًا أو فعلًا مرئيًّا تُحَدِّث به يوم القيامة، الجلود تنطق، أنطقها الله الذي أنطق كل شيء.
فلا تستبعد هذه الأمور؛ لأن قدرة الله عز وجل لا يمكن أن يدركها العقل، فلا يبعد أنك إذا قلت لأهل المقبرة: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنهم يسمعون.
وقوله: (دار قوم مؤمنين)، (دار قوم) يعني: يا دار قوم، والمراد بالدار هنا أهلها، كما في قوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] والمراد أهلها.
(وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)، لاحقون على أيش؟ بالموت، يعني: إذا قلنا: لاحقون بالموت، ورد علينا إشكال، وهو تعليق ذلك بمشيئة الله مع أنه مُحَقَّق، والمحقق لا يحتاج إلى تعليق بالمشيئة، التعليق بالمشيئة لأمر لا يُدْرَى عنه فيُوكَل إلى الله عز وجل، أما هذا ما فيه شك، كيف تعلق بالمشيئة وأنت تعلم أنه حاصل ولا بد، {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُم} [الجمعة: 8]، ليس لاحقًا لكم، شو الآية؟ {فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُم}، ولم يقل: فإنه لاحقكم؛ لأن اللاحق قد يُدْرِك وقد لا يدرك، لكن اللاقي؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: مدرك لا محالة، نسأل الله أن يميتنا وإياكم على الحق.
المهم أنه يَرِد إشكال: تعليق الشيء المحقَّق بالمشيئة غير وارد ولا مشروع، فقيل في التخلص من هذا الإيراد: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون على الإيمان، فيكون لحوقًا معنويًّا لا حسيًّا، بدليل قوله: (دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) على الإيمان، أعرفتم؟
(1/2833)
________________________________________
وحينئذ إذا كان المقصود لاحقون على الإيمان فالمشيئة مشروعة، تعليق ذلك بالمشيئة مشروع، ولكن يمكن أن نقول: لاحقون على الإيمان وعلى الموت، مع أن الذي يتبادر لزائر القبور الذي يقول: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون؟
طلبة: الموت.
الشيخ: الموت، هذا المتبادر، فنقول: أمَّا إذا فَسَّرنا اللحاق باللحاق على الإيمان فلا إشكال، وإذا فسرنا اللحاق باللحاق على الموت، فالجواب عن ذلك أن نقول: إن التعليق هنا تعليل، وليس تعليقًا. تعليل، أي أن لحوقنا إياكم سيكون بمشيئة الله، أو يكون التعليق هنا ليس على أصل الموت، ولكن على وقت الموت.
طلبة: ( ... ).
الشيخ: فرق ولَّا ما فيه فرق؟
طلبة: فيه فرق.
الشيخ: ليس على أصل الموت؛ لأنه محقق، لكن على وقت الموت، كأنه قال: وإنا إذا شاء الله، يعني متى ما شاء الله لحقنا بكم، فيكون التعليق على أيش؟
طلبة: على الوقت.
الشيخ: على وقت الموت، يعني: سنلحق بكم في الوقت الذي يشاء الله أن نلحق، وتعليق هذا بالمشيئة واضح؛ أننا لن نموت إلا إذا شاء الله موتَنا في أي وقت، فهذه ثلاثة أجوبة:
الأول: أن المراد اللحاق على الإيمان.
الثاني: أن المراد باللحاق أصل الموت، لكن التعليق؟
طلبة: للتعليل.
الشيخ: للتعليل
الثالث: أن المراد بالتعليق؟ التعليق بالوقت، يعني وقت الموت، كأنه قال: وإنا متى شاء الله أن نلحق بكم لحقنا بكم، والمقصود من هذه الجملة توطين النفس على ما صار إليه هؤلاء من أجل تحقيق التَّذَكُّر.
ثم قال: (يرحم الله المستقدِمين منكم والمستأخِرِين)، جملة خبرية، لكنها خبرية لفظًا إنشائية معنًى، يعني: نسأل الله أن يرحم المستقدِمين منكم والمستأخِرِين.
(نسأل الله لنا ولكم العافية)، العافية من أيش؟ أما بالنسبة لنا فإن عافيتنا عافية حسية كعافية البدن، وعافية معنوية من الذنوب والمعاصي، أما العافية لأهل القبور فهي العافية من عذاب القبر.
(اللهم لا تحرمنا أجرهم) أي أجر؟ أَجْرُنا على الأموات متعدد:
(1/2834)
________________________________________
أولًا: الحزن على الأموات، فكم من ميت في هذه المقبرة قد حزنت عليه، إما لقرابة، أو صداقة، أو نفع، أو غير ذلك، ولا شك أن الإنسان إذا أُصِيبَ بِمُصاب وتحمَّل فله أيش؟ فله أجر، إذا أصيب بمصاب به وتحمل فله أجر.
ثانيًا: أجر الزيارة، (لا تحرمنا أجرهم) أي: أجر الزيارة لهم؛ لأن زيارتنا لهم سنة أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعلها بنفسه، فنحن نفعلها امتثالًا واقتداء؛ امتثالًا لأمره، واقتداء بفعله عليه الصلاة والسلام.
(ولا تَفْتِنَّا بعدهم)، هذه جملة عظيمة، تسأل الله ألَّا يفتنك بعدهم؛ لأن الإنسان قد يُفْتَتَن بعد موت أقاربه وأصحابه وأصدقائه ومشائخه، وغير ذلك، قد يفارقون هذا الرجل مستقيمًا ثم يُفْتَن، وبالعكس.
فأنت تسأل الله ألَّا يفتنك بعدهم، يفتنك بشبهات تعرض لك، أو بإيرادات سيئة، وهي فتنة الشهوات تعرض لك، والإنسان ما دامت روحه في جسده فهو مُعَرَّض للفتنة، نعوذ بالله من الفتن.
يُذْكَر أن الإمام أحمد رحمه الله في سياق الموت يُغْمَى عليه ويُسْمَع يقول: بعد، بعد، فلما أفاق قيل له: يا أبا عبد الله، ما بعد بعد؟ قال: رأيت الشيطان أمامي يَعَضُّ على يديه يقول: فُتَّنِي يا أحمد، يعني: عَجَزْتُ أن أدركك وأغويك، فأقول: بعد بعد، يعني: ما دامت الروح في الجسد فالإنسان على خطر.
ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ» (16).
(1/2835)
________________________________________
ولهذا أوصي نفسي وإياكم أن تسألوا الله دائمًا الثبات على الإيمان، وأن تخافوا؛ لأن تحت أرجلكم مزالق وهوة إذا لم يُثَبِّتْكُمُ الله عز وجل وقعتم في الهلاك، واسمعوا قول الله عز وجل لرسوله أثبت الخلق وأقواهم إيمانًا: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74]، تميل ميلًا قليلًا {إِذًا} يعني لو فعلت {لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 75]، خطاب شديد للرسول عليه الصلاة والسلام.
فإذا كان هذا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فما بالنا نحن، نحن ضعفاء الإيمان واليقين، تعترينا الشبهات والشهوات، ونحن على خطر عظيم، لهذا أدعوكم مرة ثانية ونفسي أن تسألوا الله دائمًا الثبات على الحق، وألَّا يزيغ قلوبكم، وهذا هو دعاء أولي الألباب: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب} [آل عمران: 8].
قال: (ولا تَفْتِنَّا بعدهم، واغفر لنا ولهم)، الغَفْر ستر الذنب مع التجاوز عنه، يدل على ذلك الاشتقاق؛ لأنه مشتق من أيش؟
طلبة: من الْمِغْفَر.
الشيخ: من الْمِغْفَر، وهو ما يوضع على الرأس أيام القتال من أجل وقاية السهام، فهو ساتر واقٍ، فالمغفرة ستر الذنب مع العفو والتجاوز عنه، (واغفر لنا ولهم).
يقول: (وتُسَنُّ تعزية المصاب بالميت)، تُسَنُّ، عرفتم معنى السنة، وهي التي يُثَابُ فاعلها ولا يعاقَب تاركها، والتعزية هي التقوية، يعني تقوية المصاب على تحمل المصيبة، وذلك بأن نورد له من الأدعية والنصوص الواردة في فضيلة الصبر ما يجعله يتسلَّى وينسى المصيبة، هذا هو المقصود بالتعزية.
(1/2836)
________________________________________
لا المقصود بالتعزية أن نأتي إليه لنثير أحزانه، كما يفعل بعض الناس؛ يجيء يعزيه مثلًا بابنه ميت يقول: والله هذا الولد شاب صالح ( ... )، الحقيقة إنه ( ... ) على الموت، وما أشبه ذلك من الكلام، صحيح هذا موجود، وتلقى له أخ منحرف ربما يقول بعض الناس ( ... )، صحيح، أنا أقول شيئًا أسمع عنه، هل هذه تعزية؟ ما هي تعزية، هذه تزيد الإنسان.
ولما خرجوا بعقيل بن علي بن عقيل أحد الفقهاء الحنابلة، وكان هذا الولد طالب علم جيدًا، خرجوا به، وخرج الناس يعني احتفاءً به وقضاءً لحقه ولحق أبيه، قام رجل بأعلى صوته يقول: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِين} [يوسف: 78]، شوف كيف؟ فزجره ابن عقيل رحمه الله وقال: يا هذا القرآن نزل لتسكين الأحزان لا لتهييج الأحزان، وكلامك هذا يهيج الأحزان، فنهاه.
فالتعزية ليست لأجل أن تهيِّج أحزانه وتُنَدِّمَه على ما حصل، التعزية أن تُقَوِّيَه على الصبر والتحمل، وما لفظها؟ أحسن لفظ للتعزية ما اختاره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أرسلت إليه إحدى بناته تقول إن عندها طفلًا، يعني محتضَرًا، فجاء الرسول إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال له يعني يحضر، فقال له: «مُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ، فَإِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى»، أو قال: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» (17)، شوف الكلام؟
(1/2837)
________________________________________
هذا اللي يجعل الإنسان يطمئن، إِنَّ لِلَّهِ ما أخذ وله ما أعطى، صح {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [المائدة: 120]، ولدك الذي أُصِبْتَ به ليس لك، بل هو لله، حبيبك الذي أُصِبْتَ به ليس لك، بل هو لله، أبوك الذي أُصِبْتَ به ليس لك، بل هو لله، وهكذا، إن لله ما أخذ وله ما أعطى.
ثم مع ذلك ليست المسألة فوضى، كل شيء عنده بأجل مسمى معين، إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، والمكتوب لا بد أن يقع، أبدًا لا يمكن أن يتغير عما كان عليه إطلاقًا، يعني لا تندم تقول: والله ليت ما تركته بلا معالجة، ليت عالجته، وما أشبه ذلك، لا تقل هذا؛ لأن هذا شيء مكتوب على ما وقع، فقال: «كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، مُرْهَا فَلْتَصْبِرْ» على هذه المصيبة.
وَالصَّبْرُ مِثْلُ اسْمِهِ مُرٌّ مَذَاقَتُهُ
لَكِنْ عَوَاقِبُهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ
الصبر شديد لكن عواقبه حميدة، «وَلْتَحْتَسِبْ»، ما معنى تحتسب؟ يعني تحتسب الأجر على الله عز وجل؛ لأن الله قال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، هذا هو العزاء.
أما ما يفعله بعض الناس -نسأل الله السلامة- يجيء يعزي يقول: هذا الذي فيه، هذا اللي يجيب الخضار، هذا اللي يجيب الطعام، هذا اللي يجيب كذا، هذا اللي يجيب كذا، الله يخلف علينا مَن لنا غيره، وهكذا، هذا يخلي اللي ما يبكي يبكي، ويزداد حزنًا.
ولهذا يقول المؤلف: (تعزية المصاب) ثم إن المؤلف قال: (تعزية المصاب) ولم يقل: تعزية القريب، لماذا؟
من أجل الطرد والعكس، كل مصاب ولو بعيدًا فإنه؟
طالب: يُعَزَّى.
(1/2838)
________________________________________
الشيخ: يُعَزَّى، وكل مَن لم يُصَبْ ولو قريبًا فإنه لا يُعَزَّى، العبارة طرد وعكس، مَنْ أُصِيبَ فَعَزِّهِ، ومن لم يُصَب فلا تُعَزِّه، فإذا قَدَّرْنَا أن هناك ولدًا شريرًا قد آذى أباه وآذى أهله ثم مات وإذا وجه أبيه تبرق أساريره، يقول: الحمد لله الذي أراحنا منه، نجيء نعزيه ولَّا لا؟ الناس يُعَزُّونَه الآن؛ لأنه أبوه، فيجعلون العلة في التعزية هي القرابة، وهذا خطأ.
أو شخصًا آخر ابن عم بعيد مات ابن عمه الذي عنده ملايين من الدراهم وهو فقير، يأتي إليه كل يوم -لهذا الذي مات- يقول: أنا والله فقير، أنا ما عندي عشاء لعيالي، ولا عندي كذا ولا، يقول: روح وراك، أنا عارف اللي نعطيه، فإذا مات ابن عمه ماذا تكون حاله؟
طالب: سيفرح.
الشيخ: في ظني -والعلم عند الله- إنه سيفرح؛ لأنه أتعبه في حياته، والآن بيكون كل ماله، حتى ما له ولا صاحب فرض، ما له زوج، ولا له أم، ولا أب، ولا شيء مين بيرثه؟
طلبة: ابن العم.
الشيخ: ابن العم، فيفرح، هل نعزي هذا ولَّا نهنئه؟ إذن العلة ما هي؟
طلبة: المصاب.
الشيخ: المصيبة، ولهذا قال العلماء: إذا أُصِيبَ الإنسان ثم نسي مصيبته لطول الزمن مثلًا فإننا لا نعزيه؛ لأننا إذا عَزَّيْنَاه بعد طول الزمن فهذا يعني أننا جَدَّدْنَا له المصيبة والحزن.
طالب: شيخ، الدعاء في زيارة القبور، من الدعاء: السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين
هل فيه فرق بين المسلمين و .. ؟
الشيخ: إي نعم، من المسلمين والمؤمنين، أما على القول بأن الإسلام والإيمان شيء واحد فعطفهما من باب عطف المترادف، كقول الشاعر:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا
وأما على القول الراجح أنهما إذا اجتمعا افترقا، فمن المعلوم أن الذين في المقابر منهم مؤمن ومنهم مسلم، يعني: لم يدخل الإيمان إلى قلبه، يعني لم يكن إيمانه قويًّا.
طالب: المنافق.
(1/2839)
________________________________________
الشيخ: لا، المنافق ما يدخل في هذا؛ لأن المنافق ما يجوز الدعاء له، {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84].
الطالب: ومات على هذا فهو مؤمن.
الشيخ: لا، ناقص الإيمان، يكون مسلمًا، وليس بمؤمن.
طالب: ( ... ) وارد وقال: إن الحكم متعلق.
الشيخ: وارد؟
الطالب: لا، مُورِد.
الشيخ: مُورِد، نعم.
الطالب: الحكم متعلق بالعلة، فإن وُجِدَت العلة تجد الحكم، وإن لم توجد العلة لم تجد الحكم، فيقول مثلًا ( ... ) مقابر المسلمين إذ إنها زالت العلة فيها البكاء على ( ... ) المسلمين أو الدعاء لهم ( ... )، هل نقول: هذا يجوز؟
الشيخ: إي بالنسبة للنساء؟
الطالب: بالنسبة للنساء.
الشيخ: زيارة النساء لقبر الرسول هو إذا عللنا بعلة إذا كانت مستنبطة فالعبرة بعموم الحكم، أما إذا كانت منصوصة فهي التي يتبعها الحكم، وهذه المسألة ينبغي لكم أن تعرفوها، وقد قلناها كم مرة، العلة المنصوصة يتبعها الحكم، والعلة المستنبطة لا يتبعها الحكم؛ لأنه يجوز أن تكون العلة غير الذي فهمناه، أليس كذلك؟
طالب: لو قال قائل يا شيخ: سماع أهل القبور أمر غيبي، والأمور الغيبية لا بد من أدلة صريحة، وجاء ما يخالف أيضًا سماع أهل القبور.
الشيخ: مثل ..
الطالب: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور} [فاطر: 22].
الشيخ: أحسنت.
الطالب: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} [الأنعام: 36].
الشيخ: هذه الأخيرة ما لها دخل، الأولى ..
الطالب: {الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} [الأنعام: 36].
الشيخ: نعم {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} صح.
الطالب: يستجيبون.
الشيخ: نعم.
الطالب: والذين لا يسمعون لا يستجيبون.
(1/2840)
________________________________________
الشيخ: معلوم، لكن {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80]، هل كان الرسول يخرج إلى المقابر يدعوهم حتى نقول: إنك لا تُسْمِعُهُم؟ لا، فالمراد بالموتى هنا موتى القلوب، يعني هؤلاء بمنزلة الموتى الذين لا يستجيبون.
الطالب: لكن لو قال قائل يا شيخ: إن هذا جاء خاصًّا بالرسول، مما يدل على أنه خاص.
الشيخ: كيف الرسول يقول: «إِذَا أَتَيْتُمُ الْمَقَابِرَ فَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ». (12)
الطالب: لا، أقول: إنه ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا سُلِّمَ عليه يرد السلام.
الشيخ: لا، حتى اللي غيره الذي صححه ابن عبد البر، وأقرَّه ابن القيم عام، كل رجل يعرفه في الدنيا يسلِّم عليه.
ما حكم زيارة القبور، وما الحكمة منها؟
طالب: حكمها سنة.
الشيخ: سنة، وما الحكمة منها؟
الطالب: الحكمة منها قال صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ». (9)
الشيخ: الحكمة منها أنه تُذَكِّرُ الآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ماذا يقول إذا زارها؟
طالب: يقول إذا زار القبور: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون ( ... ).
الشيخ: يرحم الله المستقدِمين منكم ..
الطالب: والمستأخِرين.
الشيخ: كَمِّل: اللهم ..
الطالب: اللهم لا تَفْتِنَّا بعدهم.
الشيخ: لا تحرمنا أجرهم.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: نسأل الله لنا ولكم العافية.
زيارة القبور سنة لمن؟
طالب: سنة للرجال دون النساء.
الشيخ: دون النساء.
ما حكم زيارة النساء للقبور؟
الطالب: اختلف فيها أهل العلم على أربعة أقوال؛ قول: مباح، والقول الثاني: تُكْرَه، وهو المشهور من المذهب، والقول الثالث: أنها حرام، والقول الرابع أنها كبيرة من الكبائر، وهو الصحيح الأخير.
الشيخ: وفيه قول خامس أنها سنة للنساء، ما ذكرتُه لكم؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، فيه من يقول: إن حكم النساء حكم الرجال في هذا.
ما حكم تعزية أقارب الميت؟
طالب: فرض كفاية.
(1/2841)
________________________________________
الشيخ: تعزية أقارب الميت فرض كفاية؟
طالب: سنة.
الشيخ: سنة؟ تعزية أقارب الميت سنة؟ وأين أنت، ما أنت معنا؟
طالب: يُسَنُّ تعزية المصاب بالميت، وليس كل أقاربه، فقد يكون من أقاربه ..
الشيخ: الحكم معلَّق بالمصاب، كذا؟ إذن تعزية المصاب، سواء من الأقارب أو من غير الأقارب، لا مَن لم يُصَب ولو كان من الأقارب.
كيف يُعَزَّى المصاب؟
طالب: أحسن الله إليك، أحسن ما يُعَزَّى به ما عزى به النبي صلى الله عليه وسلم حينما أرسل له إحدى بناته، وكان عندها ابن في النزع، فقال للرسول: «مُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ، فَإِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى».
الشيخ: تمام، أحسن صيغة للتعزية ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» (18)، وهل يُجْتَمَع لها ويُتَلَقَّى الوفود من كل جانب؟
طالب: ما بحثناه.
الشيخ: نعم، ما بحثناه.
طالب: بحثناه.
الشيخ: يلّا، اللي يقول: بحثناه، يأتي بما بحثنا.
طالب: الصحابة يعدونها من النياحة، ومن البدع.
الشيخ: كانوا يعدون صُنْعَ الطعام والاجتماع عليه من النياحة، وصرح بعض العلماء بأنها بدعة، هذا إذا خلت مما يخالطها من فعل بعض الناس؛ اجتماع رجال ونساء، وصياح وعويل، وقارئ يقرأ، وما أشبه ذلك، حتى إنك تمر بالدار وكأنها دار عرس، فهذا لا شك أنه مُنْكَر، وأنه يجب على طلبة العلم أن يُنَبِّهُوا العامة عليه حتى يتركوه.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ويحرم الندب).
طالب: هل يجوز البكاء؟
(1/2842)
________________________________________
الشيخ: ويجوز البكاء على الميت؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكى على ابنه إبراهيم، وقال: «الْعَيْنُ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا -أَوْ قَالَ: الرَّبَّ- وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» (19)، وبكى عند قبر إحدى بناته وهي تُدْفَن.
ولكن هذا في البكاء الذي تمليه الطبيعة، ولا يتكلفه الإنسان، فأما الدعاء المتكلَّف فأخشى أن يكون من النياحة التي يُحْمَل عليها قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» (20)، «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ» يعني في قبره، «بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»، فإن هذا الحديث صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد اختلف العلماء في تخريج هذا الحديث، وقالوا: كيف يُعَذَّبُ الإنسان على عمل غيره، وقد قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، ولأن تعذيب الإنسان بعمل غيره ظلم له؛ فإنه عقوبة لغير الظالم بفعل الظالم، وهذا ينافي عدل الله وحكمة الله عز وجل، فكيف يكون هذا الأمر؟
وأجيب بأجوبة، منها: أن هذا في حق مَن أوصى به، أي قال لأهله: إذا مِتُّ فابكوني.
وقيل: هذا في حق مَن كانت عادتهم، أي من كان في قوم عادتهم البكاء ولم ينهَ أهله عنه، فيكون كأنه أَقَرَّهُم على ما اعتاده الناس من هذا الأمر.
وقيل: إن هذا في الكافر يعذَّب ببكاء أهله عليه.
وقيل: إن التعذيب ليس تعذيب عقوبة، ولكنه تعذيب ألم، تعذيب مَلَلٍ وشبهه، ولا يلزم من التعذيب الذي من هذا النوع أن يكون عقوبة، ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ» (21)، مع أن المسافر لا يعاقَب، لكنه يهتم للشيء ويتألم به، فهكذا الميت يعلم ببكاء أهله عليه فيتألم ويتعذب رحمةً بهم، وكونهم يبكون عليه، وليس هذا من باب العقوبة.
(1/2843)
________________________________________
وهذا الجواب هو أحسن الأجوبة؛ أن يقال: إن العذاب لا يلزم منه العقوبة، ولا يراد به العقوبة، ويؤتى بالشاهد أن السفر قطعة من العذاب، ولكن هذا في غير البكاء الذي تمليه الطبيعة، ويحصل للإنسان بدون اختيار، فإن مثل هذا لا يؤلم أحدًا؛ لأنه مما جرت به العادة، حتى الإنسان لا يتألم إذا رأى المصاب يبكي هذا البكاء المعتاد، وإنما يتألم إذا بكى بكاء متكلَّفًا أو زائدًا عن العادة، فإنه يتألم ويرحم هذا الباكي.
إذن البكاء على الميت حكمه الجواز إذا كان مما أملته الطبيعة لا متكلَّفًا، فإن كان متكلَّفًا فإني أخشى أن يكون من النياحة.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ويحرم الندب).
بقينا قبل أن نتجاوز البكاء، هل يجوز للمصاب أن يُحِدَّ على الميت بأن يترك تجارته، أو يترك ثياب الزينة، أو يترك الخروج للنزهة، أو ما أشبه ذلك؟
والجواب: أن هذا جائز في حدود ثلاثة أيام فأقل، إلا على الزوجة، فإنه يجب عليها أن تُحِدَّ مدة العدة؛ أربعة أشهر وعشرة أيام، إن لم تكن حاملًا، وإلى وضع الحمل إن كانت حاملًا.
وإنما جاز هذا الإحداد لغير الزوجة لإعطاء النفوس بعض الشيء مما يُهَوِّن عليها المصيبة؛ لأن الإنسان إذا أصيب ثم كُبِتَ بأن قيل: اخرج وامشِ على ما أنت عليه، فإنه ربما تبقى المصيبة في قلبه.
ولهذا يقال: إن من جملة الأدب والتربية بالنسبة للصبيان أنه إذا أراد أن يصيح خَلُّوه يصيح أحسن، من أجل أن يرتاح؛ لأنه يُخْرِج ما في قلبه، وهو وإن صاح مدة قصيرة ثم سكت بنفسه فإنه يذهب ما في نفسه، لكن لو سَكَّتَّه أنت صار عنده كَبْتٌ وانكماش نفسي.
فكذلك رَخَّصَ الشرع للإنسان أن يُحِدَّ دون الثلاث، أما ما زاد على الثلاث فلا يجوز إلا لذات الزوج.
لكن هل يجوز أن يُحِدَّ في أمر يلحقه به ضرر، أو يلحق عائلته به ضرر، مثل أن يكون رجلًا مُتَّجِرًا، ولو عطَّل التجارة لتضررت كفايته؟ نقول: لا، هذا ليس مباحًا، فهو إما مكروه وإما مُحَرَّم.
(1/2844)
________________________________________
يقول: (ويحرُم الندب، والنياحة، وشق الثوب، ولطم الخد، ونحوه)، (يحرم الندب)، الندب هو تعداد محاسن الميت، لكن بحرف النُّدْبَة وهي: وا، فيقول: وا سيداه، وا مَن يأتي لنا بالطعام والشراب، وا مَن يخرج بنا للنزهة، وا من يفعل كذا وكذا، هذا الندب، وإنما سُمِّيَ ندبًا كأن هذا المصاب نَدَبَهُ ليحضر، بحرف موضوع للندبة، وهي وا، كما قال ابن مالك في الألفية:
.......... وَوَا لِمَنْ نُدِبْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وأما النياحة فهي أن يبكي ويندب برنة تشبه نياحة الحمام؛ لأن هذا يُشْعِرُ بأن هذا الرجل أو هذا المصاب مُتَسَخِّط من قضاء الله وقدره، فلهذا ورد الوعيد الشديد على مَن فَعَلَ ذلك، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» (22)، نسأل الله العافية.
وإنما خص النائحة؛ لأن النياحة غالبًا في النساء لضعفهن، وإلا فالرجال مثلهن إذا ناحوا على الميت.
وكذلك يحرم شق الثوب، كما يجري من بعض المصابين يشقون ثيابهم، إما من أسفل، وإما من فوق، وكان من المعتاد عند بعض الناس أنه يشق جيبه هكذا، إشارة إلى أنه عجز عن تحمل الصبر على هذه المصيبة.
كذلك لطم الخد، كيف لطم الخد؟ يعني أن تلطم خد المصاب؟
طالب: خد نفسك.
الشيخ: لا، أن تلطم خد نفسك؛ لأن بعض المصابين من شدة إصابته يأخذ يلطم نفسه يضرب بخده الأيمن ثم الأيسر، ثم الأيمن ثم الأيسر، كأنما يصنع خُبْزَهُ، هذا حرام ولا يجوز، وكذلك أيضًا لو لطم غير الخد، بأن لطم الرأس، أو ضرب برأسه الجدار، وما أشبه ذلك، فكل هذا من المحرَّم.
ومن ذلك أيضًا يقول المؤلف: (ونحوه)، مثل نتف الشعر، يأخذ بشعر رأسه وينتفه؛ لأن هذا كله يدل على تَسَخُّطِهِ من هذا، وقد تَبَرَّأَ النبي صلى الله عليه وسلم من أمثال هؤلاء.
(1/2845)
________________________________________
ويَحْرُمُ الندْبُ والنياحةُ وشَقُّ الثوبِ ولَطْمُ الْخَدِّ ونحوُه.
لكن هل يجوز أن يُحِدَّ في أمر يلحقه به ضرر، أو يلحق عائلته به ضرر، مثل أن يكون رجلًا مُتَّجِرًا، ولو عطَّل التجارة لتضررت كفايته؟ نقول: لا، هذا ليس مباحًا، فهو إما مكروه وإما مُحَرَّم.
يقول: (ويحرُم الندب، والنياحة، وشق الثوب، ولطم الخد، ونحوه)، (يحرم الندب)، الندب هو تعداد محاسن الميت، لكن بحرف النُّدْبَة وهي: وا، فيقول: وا سيداه، وا مَن يأتي لنا بالطعام والشراب، وا مَن يخرج بنا للنزهة، وا من يفعل كذا وكذا، هذا الندب، وإنما سُمِّيَ ندبًا كأن هذا المصاب نَدَبَهُ ليحضر، بحرف موضوع للندبة، وهي وا، كما قال ابن مالك في الألفية:
.......... وَوَا لِمَنْ نُدِبْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وأما النياحة فهي أن يبكي ويندب برنة تشبه نياحة الحمام؛ لأن هذا يُشْعِرُ بأن هذا الرجل أو هذا المصاب مُتَسَخِّط من قضاء الله وقدره، فلهذا ورد الوعيد الشديد على مَن فَعَلَ ذلك، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: «النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» (1)، نسأل الله العافية.
وإنما خص النائحة؛ لأن النياحة غالبًا في النساء لضعفهن، وإلا فالرجال مثلهن إذا ناحوا على الميت.
وكذلك يحرم شق الثوب، كما يجري من بعض المصابين يشقون ثيابهم، إما من أسفل، وإما من فوق، وكان من المعتاد عند بعض الناس أنه يشق جيبه هكذا، إشارة إلى أنه عجز عن تحمل الصبر على هذه المصيبة.
كذلك لطم الخد، كيف لطم الخد؟ يعني أن تلطم خد المصاب؟
طالب: خد نفسك.
(1/2846)
________________________________________
الشيخ: لا، أن تلطم خد نفسك؛ لأن بعض المصابين من شدة إصابته يأخذ يلطم نفسه يضرب بخده الأيمن ثم الأيسر، ثم الأيمن ثم الأيسر، كأنما يصنع خُبْزَهُ، هذا حرام ولا يجوز، وكذلك أيضًا لو لطم غير الخد، بأن لطم الرأس، أو ضرب برأسه الجدار، وما أشبه ذلك، فكل هذا من المحرَّم.
ومن ذلك أيضًا يقول المؤلف: (ونحوه)، مثل نتف الشعر، يأخذ بشعر رأسه وينتفه؛ لأن هذا كله يدل على تَسَخُّطِهِ من هذا، وقد تَبَرَّأَ النبي صلى الله عليه وسلم من أمثال هؤلاء، فقال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» (2)، مثل أن يقول: يا ويلاه، يا ثبوراه! ! وما أشبهه؛ لأنه ينبئ عن التسخط، وليعلم أن الناس إزاء المصيبة على درجات: الشاكر، والراضي، والصابر، والجازع، أربع درجات، الشاكر؟
طلبة: والراضي.
الشيخ: والراضي، والصابر، والجازع.
أما الجازع فقد فعل محرَّمًا، وتسَخَّط من قضاء رب العالمين الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وله الملك يفعل ما يشاء.
وأما الصابر فقد قام بالواجب، والصابر هو الذي يتحمل المصيبة، يعني يرى أنها مُرَّة وشاقة وصعبة، ويكره وقوعها، ولكنه يتحمل ويحبس نَفْسَه عن الشيء المحرَّم، وهذا واجب، الصبر واجب.
وأما الراضي فهو الذي لا يهتم بهذه المصيبة، يرى أنها من عند الله فيرضى رضا تامًّا، ولا يكون في قلبه تحسُّر أو ندم عليها؛ لأنه راضٍ رضًا تامًّا، وحاله أعلى من حال الصابر، ولهذا كان الرضا مستحبًّا وليس بواجب. الرابعة؟
طلبة: الشاكر.
الشيخ: مقام الشكر أن يشكر الله على هذه المصيبة، ولكن كيف يشكر الله على هذه المصيبة، وهي مصيبة، يشكر الله على هذه المصيبة من وجهين:
(1/2847)
________________________________________
الوجه الأول: أن ينظر إلى مَن أصيب بما هو أعظم، فيشكر الله أن لم يُصَبْ بمثله، وعلى هذا جاء الحديث: «لَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، وَانْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ» (3).
فلو أن قومًا في سيارة أصيبوا بحادث فمات واحد منهم، وتكسَّر آخر، وانجرح ثالث، وسلِم الرابع، الثالث يشكر الله أن لم يتكسَّر، والمتكسِّر يشكر الله أن لم يَمُت، فيُقَدِّر المصيبة بما هو أعظم منها، وحينئذ يشكر الله عليها، هذا وجه.
الوجه الثاني: أن ينظر ما الذي حصل له بهذه المصيبة من تكفير السيئات، ورفعة الدرجات إذا صبر، فيقول: ما في الآخرة خير مما في الدنيا، فيشكر الله ويقول: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، الأمثل فالأمثل، فيقول: هذا أرجو أن أكون به صالحًا، أشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة.
ويُذْكَر أن رابعة العدوية أُصِيبَت في أصبعها ولم تُحَرِّك شيئًا، لم تحرِّك ساكنًا، فقيل لها في ذلك، فقالت: إن حلاوة أجرِها أَنْسَتْنِي مرارة صبرها.
شوف التقدير، المقابَلة، فمقام الناس عند المصائب على هذه الوجوه الأربعة، ثم؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: حكم أيش؟
الطالب: الشكر.
الشيخ: الشكر على المصيبة مستحب؛ لأنه فوق الرضا؛ لأن الشاكر راضٍ وزيادة.
***
انتهى الكلام على الصلاة، ونبدأ الآن في كتاب الزكاة، والعلماء رحمهم الله يُتَرْجِمُون بكتاب في الأجناس، وبالباب في الأنواع، وبالفصول في المسائل.
ومعلوم أن الزكاة جنس غير الصلاة، في الصلاة يقول: باب الاستسقاء، باب الكسوف، باب التطوع، وهكذا، هذه أنواع، في الفصول يذكر مثلًا: باب صلاة التطوع، يذكر الوتر، وإذا انتهى منه قال: فصل: وتُسَنُّ الرواتب، وهكذا، فالفصول للمسائل، والأبواب؟ للأنواع، والكتب للأجناس، هذا هو الأصل، وقد يختلف الحال.
(1/2848)
________________________________________
(كتاب الزكاة)
تَجِبُ بشروطٍ خمسةٍ؛ حُرِّيَّةٌ، وإسلامٌ، ومِلْكُ نِصابٍ، واستقرارُه، ومُضِيُّ الحولِ في غيرِ الْمُعَشَّرِ، إلا نِتاجَ السائمةِ، ورِبْحَ التجارةِ ولو لم يَبلُغْ نِصابًا، فإنَّ حَوْلَهما حَوْلُ أصلِهما إن كان نِصابًا، وإلا فمِن كَمالِه، ومَن كان له دَيْنٌ أو حَقٌّ من صَداقٍ وغيرِه على مَلْئٍ أو غيرِه أَدَّى زَكاتَه إذا قَبَضَه لِمَا مَضَى،
[مدخل]
الشيخ: انتهى الكلام على الصلاة، ونبدأ الآن بكتاب الزكاة.
طالب: يقول فيه: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ» (1).
الشيخ: نعم، والعلماء -رحمهم الله- يترجمون بـ (بكتاب) في الأجناس، وبـ (الباب) في الأنواع، وبـ (الفصول) في المسائل.
ومعلوم أن الزكاة جنس غير الصلاة، في الصلاة يقول: باب الاستسقاء، باب الكسوف، باب التطوع، وهكذا، هذه أنواع.
في الفصول يذكر مثلًا باب صلاة التطوع، يذكر الوتر، وإذا انتهى منه، قال: فصلٌ: وتسن الرواتب، وهكذا، فالفصول للمسائل، والأبواب للأنواع، والكتب؟
الطلبة: للأجناس.
الشيخ: للأجناس، هذا هو الأصل، وقد يختلف الحال.
ثم قال المؤلف: (كتاب الزكاة) كتاب الزكاة عبر عنه، أو ترجم له بـ (كتاب)؛ لأنه جنس مستقل، والزكاة -كما لا يخفى علينا جميعًا- أهم أركان الإسلام بعد الصلاة، والله سبحانه وتعالى يقرنها كثيرًا بالصلاة في كتابه، وقد ثبت عن الإمام أحمد رحمه الله في إحدى الروايات عنه أن تاركها بخلًا يكفر كتارك الصلاة.
(1/2849)
________________________________________
ولكن الصحيح أن تاركها لا يكفر، والذين كفَّروا تاركها، أو كفَّروا مانعها بخلًا، قالوا: إن الله تعالى قال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]، فرتب ثبوت الأخوة على هذه الأوصاف الثلاثة: إن تابوا من الشرك، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين، ولا يمكن أن تنتفي الأخوة في الدين إلا إذا خرج الإنسان من الدين، أما إذا فعل الكبائر فهو أخ لنا، وإن فعل الكبيرة، فها هو القاتل عمدًا قال الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] {مِنْ أَخِيهِ} مَنْ أخوه؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} أخوه المقتول، والضمير يعود على القاتل، فجعل الله المقتول أخًا للقاتل.
(1/2850)
________________________________________
وقال الله تعالى في المقتتلين من المؤمنين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] مع أن قتل المؤمن وقتاله من كبائر الذنوب، فلا يمكن أن تنتفي الأخوة في الدين إلا بكفر، فقال هؤلاء العلماء: إن الله تعالى رتَّب الأخوة في الدين على هذه الأوصاف الثلاثة، إن تابوا؛ يعني من الشرك، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين، ولا شك أن هذا القول له وجه جيد في الاستدلال بهذه الآية، لكن هذه الآية دل حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم على أن الزكاة ليس حكمها حكم الصلاة؛ حيث ذكر النبي عليه الصلاة والسلام مانع زكاة الذهب والفضة، وذكر عقوبته، ثم قال: «ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ؛ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» (2) فقال: «يَرَى سَبِيلَهُ؛ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ»، ولو كان كافرًا لم يكن له سبيل إلى الجنة.
فإن قال قائل: إذا قلتم هكذا وأدخلتم التخصيص على الآية -آية التوبة- فلماذا لا تقولون ذلك في تارك الصلاة؟ لأن الحكم واحد {إِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]؟
(1/2851)
________________________________________
فالجواب عن ذلك أن تارك الصلاة وردت فيه نصوص تدل على كفره؛ فمن أجل ذلك حكمنا بالكفر؛ لأن هذه النصوص الواردة في كفر تارك الصلاة نصوص قائمة، وليس لها معارض مقاوم، كل ما قيل في المعارضات فإنها لا تقاومها لا صحة لا دلالة، يعني لا ثبوتًا ولا دلالة، وغاية ما يعارِضون به النصوص الدالة على كُفر تارك الصلاة؛ إما إجمال أو عموم أو شيء مقيد بحالة مخصوصة، أما أن يوجد دليل يقول: من ترك الصلاة فهو مؤمن، أو من ترك الصلاة فله الجنة، أو من لم يصلِّ فهو مؤمن، أو من لم يُصلِّ فهو في الجنة فهذا لا يوجد أبدًا، فإذا كان كذلك، فلماذا نحمل النصوص الدالة على كُفْر تارك الصلاة على الكفر الأصغر مع أنه لا دليل على هذا الحمل؟ أما لو جاءت الأدلة تقول: من لم يُصلِّ فهو مؤمن، أو من لم يصلِّ فهو في الجنة لقلنا: يجب أن نحمل النصوص المطلقة للكفر على تارك الصلاة على أيش؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: على الكفر الأصغر، لكن ما فيه دليل أبدًا، الأدلة قسمناها إلى خمسة أقسام؛ إما أنه لا دليل فيها أصلًا، مثل استدلال بعضهم بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]؛ لأننا نقول: إن ترك الصلاة شرك، كما في حديث جابر في مسلم: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» (3).
وإما أنها عامة، ومعلوم أن العام يخصص بالخاص، هذه طريقة أهل العلم، مثل: «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (4)، هذا عام يُخصَّص بتارك الصلاة، ويُخصَّص أيضًا بجاحد بعض الأشياء، الجاحد لو جحد آية من القرآن كفر وهو يقول: لا إله إلا الله.
(1/2852)
________________________________________
أو أنها مقيدة بوصف لا يمكن معه ترك الصلاة مثل حديث عتبان: «يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ» (5)، وهل من المعقول أن رجلًا يقول: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله أن يحافظ على ترك الصلاة؟ أبدًا، لو كان صادقًا في ابتغاء وجه الله ما حافظ على ترك الصلاة، يقول: لا إله إلا الله، أبتغي بذلك وجه الله، ولا أصلي، هذا ما هو معقول؟ !
أو يكون مقيدًا بحال يُعذر فيها كحديث حذيفة في قوم اندرس الإسلام فيهم، ولم يعرفوا عن الإسلام شيئًا إلا قول: لا إله إلا الله، فهؤلاء لا شك أنهم ما داموا ينتمون للإسلام، ولكن لم يعرفوا من الإسلام إلا هذه الكلمة العظيمة فهم معذورون ومستحقون لدخول الجنة؛ لأن هذا غاية ما يمكنهم، وقد قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
وأما حديث الشفاعة في «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخْرِجُ مِنَ النَّارِ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ» (6)، فإن من العجب أن يستدل به هؤلاء على أن تارك الصلاة لا يكفر، وهم لا يستدلون به على أن تارك كلمة التوحيد لا يكفر، أعظم الخير، وأخير الخير قول: لا إله إلا الله، وهم لا يقولون بأن من ترك (لا إله إلا الله) يخرج من النار.
فنقول: إذا أخذتم بعموم هذا الحديث فخذوا به في حق أنفسكم وفي حق غيركم، قولوا: لم يعمل خيرًا قط، ومن الخير قول: لا إله إلا الله، أخرِجوا من لم يقل لا إله إلا الله من النار على كلامكم، فإذا كان عندنا دليل يدل على كفر تارك الصلاة، فنقول: هذا كافر أصلًا، والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين، سواء عمل خيرًا أم لم يعمل خيرًا.
(1/2853)
________________________________________
والمسألة واضحة جدًّا، ولكن كما قلت وأكرر -وأسأل الله أن يعينني أيضًا على تنفيذ ما أقول- أن الإنسان يستدل قبل أن يغتر، يعني بعض العلماء تعاظم أن نقول لرجل يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن الله رب العالمين، وهو الواحد، ولا أشرك به شيئًا، وبيده ملكوت السماوات والأرض، ولكن لا أصلي، تعاظم أن نقول لهذا: إنه كافر، وما لنا لا نقول: كافر، وقد كفره الرسول عليه الصلاة والسلام؟ ! أرحم الخلق بالخلق رسول الله، وقال: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» (7)، وقال: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» (8)، ثم كلام رب العالمين: {إِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].
نحن لا نحكم على أحد لا بإيمان ولا بكفر، ولا بفجور، ولا ببر، ولا على عمل أنه حلال أو حرام أو واجب إلا بكتاب الله وسنة رسوله، ليس الحكم إلينا، الحكم إلى الله ورسوله، فإذا حكم الله على شخص بالكفر، فإنا لا نتهيب أن نقول: هو كافر، لا نتهيب.
فالمسألة عند التأمل واضحة، لكن الإنسان يستكبرها ويستعظمها، ثم يحاول أن يؤول النصوص، أو يستدل بنصوص لا دلالة فيها.
بقي عندنا القسم الخامس من الأدلة التي عارضوا بها الأدلة القائمة: أحاديث ضعيفة، ومعلوم أن الضعيف لا يقاوِم الصحيح، هذا أمر مُتَّفق عليه، فإذا كان لدينا أحاديث ضعيفة وأحاديث صحيحة فالواجب علينا أن نأخذ بالأحاديث الصحيحة.
طالب: لماذا لا نأخذ بالحديث الذي في صحيح مسلم على أن تارك الزكاة تركها تهاونًا وتكاسلًا، ونجعل الآية نحملها على أن تاركها بخلًا كما قال الإمام نبقي الآية على عمومها؟
الشيخ: أيهم؟
الطالب: آية التوبة.
الشيخ: تارك الصلاة بخلًا؟
الطالب: نتكلم عن الزكاة.
الشيخ: إي.
(1/2854)
________________________________________
الطالب: إجمالًا لا نجعل الآية على من تركها بخلًا الزكاة، فنبقي الآية على عمومها، ونحمل الحديث الذي في صحيح مسلم على تاركها بخلًا أو تهاونًا وكسلًا.
الشيخ: أما الحديث في مسلم يقول: «لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ».
الطالب: الثاني.
الشيخ: يقول: لماذا لا نحمل الآية على من تركها بخلًا؛ حديث مسلم: «عَلَى مَنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا»، يعني لأن التارك بخلًا ليس عنده نية أن يزكي، والتارك تهاونًا عنده نية، لكن يقول: غدًا أو بكرة، أو بعد غد، أو ما أشبه ذلك، فالحديث يقول: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا» (2) ولم يقيده.
طالب: يا شيخ -حفظكم الله- ( ... ) الحادة على زوجها، وكانت حاملًا، ونقصت عدتها إذا كانت الحمل أربعة أشهر وعشرًا، هل تكمل مباشرة بعد الحمل؟
الشيخ: المرأة إذا مات عنها زوجها وهي حامل، ووضعت قبل أن يغسلوه انقضت عِدَّتها.
الطالب: قضت الحمل.
الشيخ: انقضت عدتها خلاص، لها أن تتزوج قبل أن يُصلى على زوجها.
طالب: روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال: أدركت الناس لا يعزون في أنثى إلا أن تكون أمًّا.
الشيخ: إي.
الطالب: فما هو القول؟
الشيخ: والله هذا قول ضعيف إذا صح عنه، النصوص عامة في المصاب.
طالب: شيخنا، الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال قائل: قولكم الآن ما هي الخلافة؟
الشيخ: أظن أنت تسأل عن «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ» (1)؟
الطالب: لا.
الشيخ: راح؟
الطالب: دا سؤال ثانٍ، «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْه» يكون ظاهر هذا النص يدل على أنه يُعذَّب، ويشهد لهذا ما جاء أيضًا من طريق آخر عند مسلم: «مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (9). فلو قال قائل: إن هذا العذاب حقيقي وليس المقصود به الألم والحلم؟
(1/2855)
________________________________________
الشيخ: والله على كل حال، هذا الظاهر الذي قلت يعارض قول الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فإما أن يُحمل على ما قال العلماء من أوصى به، أو من رضي به، أو ما أشبه ذلك، أو على أنه عذاب الألم.
الطالب: كيف يوجه يوم القيامة؟
الشيخ: والله ما أدري عن صحة اللفظة، لازم تحققها لنا.
الطالب: موجود قطعًا.
الشيخ: ما يخالف، جِبها لنا إن شاء الله ونشوف.
( ... ) يا شيخ والصابر الآن، أليس يدخل فيها الراضي والشاكر؟
الشيخ: لا، الصابر -كما قلت لكم- الفرق أن الصابر متألم، لكن لا يفعل ما يسخط الرب
طالب: الرسول قال: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ» (1).
الشيخ: إي نعم.
الطالب: صبر أو ما صبر.
الشيخ: نعم، هذا الواجب.
طالب: يا شيخ، الحداد يا شيخ، ما ورد فيه من السنة ( ... )؟
الشيخ: الحداد أيش؟
الطالب: الحداد.
الشيخ: الحداد على الزوج ولَّا على غير ذلك؟
الطالب: على غير ذلك.
الشيخ: إي نعم ورد فيه: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» (10).
الطالب: على غير الزوج؟
الشيخ: إي، غير الزوج فوق ثلاث، حرام فوق ثلاث ومن الثلاث فأقل جائز.
***
[شروط وجوب الزكاة]
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المصنف رحمه الله تعالى:
كتاب الزكاة
تجب بشروط خمسة: حريةٌ، وإسلامٌ، ومِلكُ نصاب، واستقرارُه، ومُضيُّ الحولِ في غير الْمُعَشَّر إلا نتاج السائمة، ورِبح التجارة، ولو لم يبلغ نصابًا، فإن حولهما حول أصلهما إن كان نصابًا، وإلا فمن كماله.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ما هي الزكاة في اللغة؟
طالب: النماء والزيادة.
الشيخ: النماء والزيادة، طيب وفي الشرع؟
(1/2856)
________________________________________
الزكاة في اللغة: النماء، يقال: زكا الزرع إذا نما وزاد.
أما في الشرع: فهي مال أو نصيب مقدر في مال معين، نصيب مقدر شرعًا في مال معين يصرف لطائفة مخصوصة، وحكمها الوجوب، ومنزلتها من الدين أنها أحد أركان الإسلام، وأهم أركان الإسلام بعد الصلاة، ومن جحد وجوبها ممن عاش بين المسلمين فإنه كافر؛ لأنه مكذِّب لله ورسوله وإجماع المسلمين، سواء أخرجها أم لم يُخرجها، ومن أقرَّ بوجوبها، وتهاون في إخراجها، وبخل بها فأصح قولي العلماء: أنه فاسِق، ولكنه ليس بكافر. لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في مانع الزكاة ذكر تعذيبه يوم القيامة: «حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» (2).
وهذا يدل على أنه ليس بكافر؛ إذ لو كان كافرًا لم يكن له سبيل إلى الجنة، ولكنها لا تجب في كل مال، الأخ ( ... ) تجب في المال النامي حقيقة أو تقديرًا؛ يعني في المال الذي ينمو ويزيد حقيقة أو تقديرًا؛ فالنمو حقيقة كماشية بهيمة الأنعام، والزروع والثمار، وعروض التجارة، والنامي تقديرًا كالذهب والفضة إذا لم يشتغل فيهما بالتجارة، فإنهما وإن كانا راكدين، لكنهما في تقدير النامي؛ لأنه متى شاء اتجر بهما.
والأموال الزكوية خمسة أصناف: الذهب، والفضة، وعروض التجارة، وبهيمة الأنعام، والخارج من الأرض بجميع أصنافها، هذه هي الأموال الزكوية، يعيدها علينا حكمة الله.
الطالب: الذهب، والفضة، وبهيمة الأنعام، وما خرج من الأرض، وعروض التجارة.
الشيخ: وعروض التجارة، هذه هي خمسة، هناك أشياء مختلف فيها كالعسل مثلًا، هل فيه الزكاة أو ليس فيه زكاة؟ وكالركاز هل الواجب فيه زكاة أو غير زكاة؟ وسيأتي إن شاء الله فيها البحث.
(1/2857)
________________________________________
ولكنها لا تجب إلا بشروط، ومن حكمة الله عز وجل وإتقانه في فرضه وشرائعه، أنه جعل لها شروطًا؛ يعني أوصافًا معينة لا تجب إلا بوجودها؛ لتكون الشرائع منضبطة، لا فوضى؛ إذ لو لم يكن هناك شروط لكان كل واحد يُقدِّر أن هذا واجب، وهذا غير واجب، فإذا أُتقنت الفرائض بالشروط، وحُدِّدت لم يبقَ هناك فوضى، صار الناس على عِلم وبصيرة، متى وُجدت الشروط في شيء ثبت، ومتى انتفت انتفى.
ثم إن هناك موانع أيضًا تمنع وجوب الزكاة مع وجود الشروط؛ لأن جميع الأشياء لا تتم إلا بشروطها وانتفاء موانعها، وسيأتي إن شاء الله بيان الموانع، وما اختلف فيه وما اتفق عليه.
يقول: (تجب بشروط خمسة: حريةٌ، وإسلامٌ، ومِلكُ النصاب، واستقرارُه، ومُضِيُّ الحول، هذه شروط خمسة):
الأول: الحرية، وضدها الرِّق، فلا تجب الزكاة على رقيق؛ أي على عبد؛ وذلك لأنه لا يملك، فالمال الذي بيده لسيده.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (11).
قال: «مَالُهُ» يعني الذي بيده «لِلَّذِي بَاعَهُ» لا له، فيكون بمنزلة الفقير الذي ليس عنده مال، والفقير لا تجب عليه بالاتفاق.
الثاني: إسلام، وضده الكفر؛ فلا تجب على كافر، سواء كان مرتدًّا أم أصليًّا؛ لأن الزكاة طهرة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103]، والكافر نجس، لو طُهِّر بماء البحر، وبملء الأرض ذهبًا لم يطهُر حتى يتوب من كفره، وإذا قلنا: إن الكافر لا تجب عليه الزكاة، فلا يعني ذلك أنه لا يُحاسب عليها، بل يحاسب يوم القيامة، لكنها لا تجب عليه؛ بمعنى أننا لا نلزمه بها حتى يسلم.
(1/2858)
________________________________________
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين بعث معاذًا إلى اليمن: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً» بعد أن ذكر التوحيد، والصلاة قال: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» (12).
ومن القرآن: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54]، فإذا كانت لا تُقبل فلا فائدة في إلزامهم بها، ولكنهم يُحاسَبون عليها يوم القيامة، ويُعذَّبون عليها.
ودليل ذلك قوله تعالى عن المجرمين: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}، هذا ترك الصلاة {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}، هذا ترك الزكاة، {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر 42 - 46]، فلولا أنهم عُوقِبوا على ترْك الصلاة، وترك إطعام المسكين ما ذكروا ذلك سببًا في دخولهم النار.
الثالث: مُلك نصاب، ما النصاب؟ النصاب: القدر الذي رتب الشارع وجوب الزكاة على بلوغه، وهو يختلف، فلا بد أن يملك نصابًا، فلو لم يملك شيئًا كالفقير فلا شيء عليه، ولو ملك دون النصاب فلا شيء عليه، فإذا قُدِّر أن شخصًا ما لا يتوفر عنده عند تمام الحول إلا نصف نصاب، فليس عليه زكاة وذلك لأنه لم يملك النصاب.
الرابع: استقراره، استقرار الملك، يعني بأن يكون المالك للشيء يملكه ملكًا مُستقرًّا، ومعنى كونه مستقرًّا أنه ليس بعرضة للتلف، فإن كان بعُرضة للتلف وعدم التمكن فلا زكاة فيه.
ومثلوا لذلك بالأجرة (أجرة البيت) قبل تمام المدة فإنها ليست مستقرة؛ لأنه من الجائز أن ينهدم البيت وتنفسخ الأجرة، إذا انهدم البيت انفسخت الأجرة.
(1/2859)
________________________________________
ومثلوا لذلك أيضًا بدين الكتابة؛ يعني السيد إذا باع على عبده نفسه بدراهم، وبقيت عند العبد سنة فإنه لا زكاة فيها، لماذا؟ لأن العبد يملك تعجيز نفسه، فيقول: لا أستطيع أن أوفي، وإذا كان لا يستطيع أن يوفي، فإنه يسقط عنه المال الذي اشترى نفسه به، فيكون الدين حينئذٍ غير مستقر، لا بد أن يكون مستقرًّا بحيث يأمن صاحبه تلفه.
الخامس: مضي الحول يعني تمامه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» (13) أخرجه ابن ماجه؛ ولأننا إن لم نُقدِّر زمنًا، فهل نقول: كل يوم تزكي، أو كل شهر، أو كل أسبوع، أو كل عشرة أعوام، فلا بد من تقدير، والحول قدرًا يكون به الربح مطردًا غالبًا، وتكون فيه الثمار، ويكون فيه النماء في المواشي في الغالب، فلهذا قُدِّر بالحول.
قال المؤلف: يستثنى من الحول ثلاثة أشياء أو أكثر قال: (في غير الْمُعَشَّر) يريد بذلك الخارج من الأرض، وسُمِّي معشرًا لوجوب العشر أو نصفه فيه، فالحبوب والثمار لا يُشترط لها تمام الحول، ولذلك يزرع الإنسان الأرض، ويكتمل الزرع في كم؟
طالب: في أربعة.
الشيخ: في أربعة شهور، أو ستة شهور، وتجب فيه الزكاة مع أنه لم يتم له سنة.
وكذلك يقول: (نتاج السائمة) أيضًا لا يُشترط فيه تمام الحول، مثال ذلك: رجلٌ عنده أربعون شاةً فيها الزكاة، أليس كذلك؟ هذه الأربعون وَلَدت في نصف الحول على ولَدين وثلاثة، تكون على ثلاثة أولاد أو أكثر، على ثلاثة وأربعة، على ثلاثة وأربعة في نصف الحول، كم يجب فيها؟ إذا ولدت على ثلاثة، وهي أربعون صارت مئة وعشرين، خلِّ واحدة منها ولدت أربعة.
الطلبة: مئة وواحد وعشرين.
الشيخ: مئة وواحد وعشرون، كم في مئة وواحد وعشرين؟
الطلبة: شاتان.
الشيخ: شاتان، فيجب فيها شاتان مع أن النماء لم يحل عليه الحول؛ لكنه تبع.
(1/2860)
________________________________________
الثالث: (ورِبح التجارة) أيضًا لا يُشترط فيه تمام الحول، بل يكون تبعًا لرأس المال، فإذا قدَّرنا شخصًا اشترى أرضًا بمئة ألف، وقبل تمام السنة صارت تساوي مئتين؛ كم يزكي؟
الطلبة: مئتين.
الشيخ: مئتين، مع أن المئة الثانية لم يتم عليها الحول، لكنها ربح للمئة الأولى؛ فيتبع الأصل، كم هذه؟
الطلبة: ثلاثة.
الشيخ: ثلاثة أشياء: المعشرات والثاني: نتاج السائمة، والثالث: ربح التجارة.
الرابع: الرِّكاز، وهو ما يوجد من دفن الجاهلية، فهذا فيه الزكاة، فيه الخمس بمجرد وجوده، بمجرد ما تجده فيه الخمس، وهو زكاة على المشهور من المذهب، وقيل: إنه فيء، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكره.
الخامس: المعدِن، لو أن إنسانًا عثر على معدن؛ ذهب أو فضة، واستخرج منه نصابًا فإنه يجب أداء زكاته فورًا قبل أن يتم عليه الحول، هذه خمسة أشياء لا يشترط فيها تمام الحول، الأول؟
الطلبة: المعشَّرات.
الشيخ: المشعرات، الثاني: نتاج السائمة، الثالث: ربح التجارة، الرابع الركاز، الخامس: المعدن، هذه لا يُشترط لها الحول. والأدلة واضحة، أما الأول المعشر، فلقول الله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] سواء تم له سنة أم لم يتم.
وأما نتاج السائمة، فلأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبعث السُّعاة لأخذ زكاة السائمة وفيها الصغار والكبار، ولا يستفصل أهلها فيقول: متى ولدت هذه؟ بل يحسبونها على عدد رؤوسها، ثم يخرجون زكاتها.
وأما عروض التجارة؛ ربح التجارة فكذلك؛ لأن المسلمين يؤدون الزكاة إذا جاء وقت أدائها دون أن يحذفوا منها الربح؛ ولأن الربح فرع، والفرع يتبع الأصل، وأما الركاز فلقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَفِي الرِّكَازُ الْخُمُسُ» (14)، ولم يقل: بعد الحول؛ ولأن وجوده يشبه الحصول على الثمار، والثمار تجب الزكاة فيها من حين؟
الطلبة: الحصول عليها.
(1/2861)
________________________________________
الشيخ: الحصول عليها، الحصاد فهو يشبهها، وأما المعدن فهو أشبه بالثمار من غيرها فهي تُؤدَّى زكاته من حين أن يجده، كذلك العسل أضيفه إلى ذلك إذا قلنا بأنه تجب فيه الزكاة.
الخامس: مضي الحول في غير الْمُعشَّر إلا نتاج السائمة ورِبح التجارة ولو لم يبلغ نصابًا فإن حولهما حول أصلهما إن كان نصابًا، وإلا فمن كماله، فإذا كان عنده خمس وثلاثون شاة ليس فيها زكاة؛ لأن النصاب؟
الطلبة: أربعون شاة.
الشيخ: أربعون أقله، وفي أثناء الحول نُتجت كل واحدة منها بسخلة، متى نحسب الحول؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: من تمام النصاب ذكرنا كم؟
الطلبة: خمسة وثلاثين.
الشيخ: خمس وثلاثون شاة، فإذا ولدت منها خمسًا على سخل السخلة من حين ما تلد الخمس السخلات يتم النصاب فيبدأ الحول، ولهذا قال: (وإلا فمن كماله).
لو أن رجلًا اتجر بمئة ألف ريال، وفي أثناء الحول ربحت خمسين ألفًا، فهل نُزكي الخمسين إذا تم حول المئة، أو إذا تم حولها من الربح؟
الطلبة: المال الأول.
الشيخ: الأول طيب. مثال آخر: رجل عنده مئة ألف، وفي أثناء الحول ورث من قريب له خمسين ألفًا، فهل نزكي الخمسين الألف مع المئة أو إذا تم حولها؟
الطلبة: إذا تم حولها.
الشيخ: إذا تم حولها. فإذا قال قائل: ما الفرق؟
قلنا الفرق؛ لأن الربح، فرع عن رأس المال فتبعه في الحول، وأما الإرث فهو ابتداء ملكه، فاعتبر حوله بنفسه.
إذا كان شخص عنده من الدراهم أقل من النصاب، وفي أثناء الحوْل مات له قريب، فورث منه خمسين ألفًا، فهل يبتدئ الحول من ملك الخمسين ألفًا في الخمسين، وفي الدراهم السابقة، أو يبتدئ الحول في الدراهم السابقة من حين ملكها، وفي الخمسين من حين ملكها؟
الطلبة: من حين ملكها الأول.
(1/2862)
________________________________________
الشيخ: الأول؛ لأن الدراهم الأولى أقل من النصاب، فليس فيها زكاة، لكن لما تم النصاب بإرث الخمسين ضممنا الأولى إلى الثانية، وصار الحول واحدًا، انتبهوا يا جماعة؛ لأن هذه قد تشكل على بعض الناس، يظن أنه إذا أتممنا النصاب بنينا على حول ما دون النصاب، وليس كذلك، وإنما يبتدئ الحول من كمال النصاب.
الشروط الآن خمسة: الحرية، الإسلام، ملك النصاب.
الطلبة: استقرار الملك.
الشيخ: استقرار الملك.
الطلبة: مضي الحول.
الشيخ: مضي الحول، إلا في خمسة أشياء: المعشرات.
الطلبة: نتاج السائمة، وقال: ربح التجارة.
الشيخ: ربح التجارة، نتاج السائمة.
الطلبة: الركاز.
الشيخ: الركاز، المعدن.
الطلبة: والعسل.
الشيخ: والعسل، على القول بوجوب الزكاة فيه، هذه الشروط.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا يُشترط البلوغ ولا العقل، أنه لا يشترط لوجوب الزكاة البلوغ ولا العقل، وعلى هذا فتجب الزكاة في مال الصبي وفي مال المجنون، وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم.
ووجه الخلاف أن من جعلها من العبادات المحضة قال: إن الصغير والمجنون ليسا من أهل العبادة كالصلاة، فإذا كانت الصلاة لا تجب على المجنون والصغير، فالزكاة من باب أوْلى، ومن جعل الزكاة من حق المال، يعني أنها واجب في المال لأهل الزكاة، قال: إنه لا يُشترط البلوغ والعقل؛ لأن هذا حكم رُتِّب على وجود شرطه، وهو بلوغ النصاب، فإذا وُجِد وجبت الزكاة، ولا يُشترط في ذلك التكليف؛ فتجب في مال الصبي وفي مال المجنون.
وهذا القول أصح، أن الزكاة من حقوق المال، ودليل ذلك قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، فالمدار على المال لا على المتموِّل، وقال النبي عليه الصلاة والسلام حين بعث معاذًا إلى اليمن: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ» (12) في أموالهم، فجعل محل الزكاة المال.
(1/2863)
________________________________________
وبناءً على ذلك لا يشترط التكليف؛ أي أن يكون بالغًا عاقلًا، فتجب في مال الصبي والمجنون، ولنا أن نعلل أيضًا؛ لأن الزكاة حق لآدمي، فاستوى في وجوب أدائه المكلَّف وغير المكلف، كما لو أتلف الصغير مال إنسان فإننا نلزمه بضمانه مع أنه غير مُكلَّف.
والقول هذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وخالف أبو حنيفة في هذا وقال: إن الصغير والمجنون لا زكاة في مالهما.
فإذا قال قائل: إذا أوجبنا الزكاة في مال الصبي والمجنون فهذا يؤدي إلى نقصه، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ} [الأنعام: 152].
فالجواب أن يقال: إن هذا نقص، هو في الحقيقة كمال وزيادة؛ لأن الزكاة تطهِّر وتنمِّي المال، فهي وإن كانت نقصًا حسًّا، لكنها كمال وزيادة معنى، ولا يرد، ثم إنه منقوض بوجوب النفقة عليهما، لو كان مال الصبي والمجنون تجب فيه النفقة لزوجة المجنون مثلًا، أليس ينقص؟ ينقص ولو كان المجنون أبًا له أولاد وجب أن ننفق على أولاده من ماله، ولو كان الصغير أبًا وله أولاد وجب أن ننفق على أولاده من ماله.
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: كيف؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: إي نعم، إذا جاءه أولاد فهو كبير مُكلَّف، لا يمكن أن يأتي أولاد إلا بعد التكليف.
الخلاصة الآن أن القول بوجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون هو الصواب، وأما مسألة النقص فغير ورادة، الجواب عن الآية: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ} [الأنعام: 152]. نقول: الزكاة من الأحسن لا شك.
فإن قال قائل: إذا قلتم: إن الزكاة من الأحسن فالصدقة أيضًا من الأحسن، فهل تجيزون أن تتصدقوا بمال اليتيم والمجنون؟
(1/2864)
________________________________________
الجواب: لا، إذن كيف تقولون هذا أحسن وفي الصدقة ليس أحسن؟ نقول: لأن الصدقة محض تبرع، لا تنشغل الذمة بتركه، والزكاة فريضة تنشغل الذمة بتركها، فهذا هو الفرق، ولهذا لو غلت مواد الإنفاق، وصارت غالية الثوب هذا الكتان بمئة ريال، والثوب من الخيش بعشرة ريالات، نشتري لليتيم هي بخيش ولا ثياب كتان؟
الطلبة: كتان.
الشيخ: الثاني، الكتان؛ لأن هذا هو المعتاد، فإذا كان كذلك فنقول: الزكاة من باب أولى أن نخرجها من مال اليتيم؛ لأنها أبلغ من أن نُخرج من ماله لثوب يلبسه، (وإلا فمن كماله).
ثم قال: (ومن كان له دينٌ أو حق من صداق أو غيره على ملي أو غيره أدى زكاته إذا قبضه لما مضى)، هذه مسألة أيضًا من مسائل الخلاف.
(من كان له دين أو حق) الدَّيْن: ما ثبت في الذمة من قرض، وثمن مبيع، وأجرة، وغير ذلك، كل ما ثبت في ذمة الغير لك فهو دَيْن.
(أو حق) من الحقوق كعارية عنده، وكوديعة، وغير ذلك من الحقوق.
(من صداق أو غيره) صداق، لمن الصداق؟
الطلبة: للزوجة.
الشيخ: للزوجة. (وغيره) غير الصداق، كعِوض الخلع الثابت للزوج.
(على ملي أو غيره) (الملي) الغني، (أو غيره) الفقير، ونزيد (وعلى باذل أو مماطل)، فإنه يجب عليه أن يزكيه إذا قبضه لما مضى، فلو كان مثلًا له مئتا درهم على أربعة أشخاص، على كل واحد خمسون درهمًا، وبقيت عنده سنوات، ولما قبضها وإذا زكاتها أكثر منها، ماذا نقول؟
نقول: أدِّ زكاتها ولو كانت أكثر منها، إذا كان عندك مال يُكمِّل النصاب، أما إذا لم يكن لك مال سواها، في أول سنة تنقص النصاب، ولا يجب فيها شيء.
انتبهوا، نأخذ أمثله على هذا، رجل باع أرضًا على شخص بمئة ألف والشخص فقير، وبقيت مئة ألف عنده عشر سنوات ثم قبضها، كم يؤديها؟
الطلبة: عشر سنوات.
الشيخ: عشر سنوات، يقول: زكَّاه لما مضى، هو يقول زكاه؟
الطلبة: يقول: أدَّى زكاته لما مضى.
الشيخ: أدَّى زكاته لما مضى، أدى زكاته.
الطلبة: إذا قبضه.
(1/2865)
________________________________________
الشيخ: إذا قبضه، نعم، أنا قلت: فقط مثال المقبوض، رجل باع أرضًا بمئة ألف على شخص، وبقي ثمنها عنده عشر سنوات، ثم قبضه فإنه يؤدي زكاته لما مضى، واستفدنا من قوله: (أدَّى) أن هذه الزكاة أداء، وليست قضاء، مئة ألف، كم فيها من الزكاة؟
طالب: ( ... ) ألفين وخمس مئة.
الشيخ: ألفين وخمس مئة، على عشر سنوات؟
الطلبة: خمس وعشرين ألفًا.
الشيخ: خمسة وعشرون ألفًا.
الطلبة: ( ... )؟
الشيخ: لا، عنده مال، لو كان عنده غيره حذفنا؛ لأن الزكاة تكون دينًا عليه، والدين يسقط الزكاة، لكن عنده مال يؤدي عنها خمسة وعشرين ألفًا، صارت زكاتها الآن الربع كاملًا، وزكاة الدراهم رُبع العشر؛ وذلك لأنه يؤديها لكل ما مضى.
مثال آخر: رجل أجَّر بيته على شخص بألف درهم، وانتهت المدة السنة، وجعل المستأجِر يماطل حتى بقيت عنده عشر سنوات، كم زكاة الألف كل سنة؟
الطلبة: خمسة وعشرين.
الشيخ: خمسة وعشرين، وهي بقت عنده كم؟
الطلبة: عشر.
الشيخ: عشر سنوات، يكون زكاته؟
الطلبة: مئتين وخمسين.
الشيخ: مئتين وخمسين، مئتين وخمسين وهي ألف؛ يعني الربع، كل هذا بناء على ما مشى عليه المؤلف.
امرأة تزوجها رجل على صداق قدره عشرون ألفًا، لكنه لم يُسلِّم الصداق، وبقيت الزوجة عنده عشر سنوات، ثم أعطاها المهر، كم زكاته في العشر سنوات وهو عشرون ألفًا؟ خمسة آلاف، الربع، وهلُمَّ جرًّا، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، على أن الدَّيْن تجب الزكاة فيه كل السنوات، سواء كان على مليٍّ باذل، أو على فقير، أو على مليٍّ مماطل، أو على غني باذل، يقول: متى شئت أعطيتك إياه، وسواء كان مؤجلًا أم حالًّا، كل الديون فيها الزكاة كل سنة، ولكن لا يجب عليه أداؤها إلا إذا قبض الدَّيْن، وهذا أحد الأقوال في المسألة.
والقول الثاني: إن كان الدَّيْن على مُعْسِر فلا زكاة فيه، لو بقي عشرين سنة، وإن كان على مُوسر باذِل، ففيه الزكاة كل سنة كالمذهب.
(1/2866)
________________________________________
والقول الثالث: لا زكاة في الدين مطلقًا سواء كان على غني أو على غير غني؛ لأن الدَّيْن في ذمة الغيب، ليس في يدك حتى يكون في جملة مالك، فلا زكاة في الدَّيْن حتى يقبضه، وإذا قبضه هل يؤدي الزكاة سنة القبض حالًا أو ينتظر حتى يتم الحول، فإن هلك المال قبل تمام الحول فلا زكاة فيه؟
نقول: إذا كان على غني فالصحيح أنه تجب الزكاة فيه كل سنة، ولكن يؤديها إذا قبض الدَّيْن، أما إذا كان على مُعْسِر فلا زكاة عليه، ولو بقي عشر سنوات، ولكن إذا قبضه يُزكِّيه مرة واحدة لسنة القبض، ثم كلما دارت عليه السنة يُزكِّيه.
والقول الثاني في هذه المسألة يقول: لا يزكيها أول ما يقبضه، ولكن إذا تم عليه الحوْل زكَّاه، وعلى هذا فيستأنف الحول مِنْ؟
الطلبة: مِنْ قبضه.
الشيخ: مِن قبضه.
طالب: يا شيخ، بالنسبة لزكاة النقود .. العاقل؟
الشيخ: إي الراجح، الراجح أنه تجب الزكاة فيه سنة القبض؛ لأن أقل ما نقول فيه أنه يشبه الثمار التي حصل عليها فيزكِّيه سنة القبض، ثم كلما دار عليه الحول زكَّاه.
طالب: بالنسبة لغير ( ... ) فإنا رجحنا بأن الصحيح أن الزكاة تجب في أموالهم.
الشيخ: نعم.
الطالب: نرجح هذا، وأن المكلف مخاطب بهذا الفعل، الله سبحانه وتعالى يقول: {وَآتُوا الزَّكَاة} [البقرة: 43]، وقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وهذا خطاب، والمجنون والصغير غير مخاطب، ما دون التطهير والتزكية تكون من الذنوب، والمجنون ليس عليه ذنب، ولا نستطيع أن نوجب عليه الحد.
(1/2867)
________________________________________
الشيخ: صحيح، هذا إيراد مهم هذا، لكن العمومات الأخرى، مثل: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ» (12)، العمومات الأخرى تدل على الوجوب مطلقًا، يكون كلمة {تُطَهِّرُهُمْ} بناءً على الأغلب، أن الأغلب أن الأموال في قوم مكلفين يحتاجون إلى تطهير، على أن الصبي ولا سيما المميِّز له بعض الآداب الْمخِلَّة والأعمال السيئة يحتاج إلى تطهير؛ ولهذا أُمرنا أن نأمره بالصلاة.
طالب: رجل عنده مال، ولم يبلغ النصاب، ثم أتاه مال من ميراث، فكمل النصاب، فتجب الزكاة؟
الشيخ: تجب إذا تم الحول من؟
الطالب: من المال الأول.
الشيخ: لا، من المال الثاني.
الطالب: ليس من المال الأول؟
الشيخ: لا، المال الذي لم يبلغ النصاب ما فيه زكاة.
طالب: يقول: إذا تأخر يعني في إخراج النصاب دار عليه الحول تأخر.
الشيخ: إخراج الزكاة؟
الطالب: نعم، إخراج الزكاة، إنسان معتاد أن يخرجها في رمضان وأخرجها فيه ذي الحجة.
الشيخ: سيأتينا إن شاء الله في باب الزكاة أنه ما يجوز تأخيرها.
طالب: أحسن الله إليك، اللي يحصل اليوم اعتماد النصاب، ماذا تراه؟
الشيخ: أقل شيء، النصاب مئتا درهم، إذا صار مئة وتسعين فلا زكاة.
الطالب: إذا صار مئة وخمسة وتسعين.
الشيخ: إذا صار مئة وخمسة وتسعين، أو مئة وتسعين فلا زكاة.
الطالب: حتى يتم؟
الشيخ: حتى يتم.
الطالب: طيب يا شيخ، استدلال العلماء الحبة والحبتين؟
الشيخ: ما له وجه.
طالب: أحسن الله إليك، المسألة نقيسها على من كان له دَيْن أن يقضيه إذا قبضه ليس عليه إكراه إذا أسلم.
الشيخ: لا، الكافر إذا أسلم، لا يزكي عن ما مضى؛ لأنه ليس من أهل الوجوب أصلًا.
الطالب: فكيف يخاطب؟
الشيخ: يخاطب، يعاقب عليه في الآخرة، أما في الدنيا ما يخاطب، إذا أسلم يبتدئ الحول من جديد.
(1/2868)
________________________________________
طالب: يا شيخ، أحسن الله إليك، إذا كان للرجل مال يدخره بدون أن يعمله في تجارة أو غيره، فجعل يؤدي زكاته كل حول، فهل يؤدي زكاته حتى ينقص ماله عن النصاب؟
الشيخ: إي نعم، يؤديه حتى ينقص عن النصاب، لا بد من هذا.
الطالب: إذا كان رجل يملك مئة ألف قبضها من سبيل، فهل يزكي خمسة وعشرين ألفًا، أو يزكي الأول مثلما لو زكَّى كل سنة قادمة؛ يعني لو زكَّى كل سنة نقص عن الخمسة وعشرين ألفًا؟
الشيخ: نعم، هو إذا كان عنده مال، فهو يزكيه كل سنة تامة، أما إذا لم يكن عنده سواها فهي كل سنة ستنقص، فيحسب النقص، يحسب النقص مثلًا أول سنة، كم زكاته؟
طالب: مئتين وتسعين.
الشيخ: تاني سنة يكون سبعة وتسعين وخمس.
الطالب: يزكي سبعة وتسعين ( ... ).
الشيخ: إي نعم.
الطالب: إذا لم يفعل؟
الشيخ: لا، ما تصير إذا كان ما عنده غيره، أما إذا كان عنده غيره فإنه يبقى المال لا ينقص، يبقى غير ناقص حتى لو لم يكن عنده غيرها ينبني هذا على الخلاف في مسألة الدين، هل إذا كان على الإنسان دين ينقص النصاب أو ينقص المال، هل يحسب عليه، ويلغى ما يقاله من الزكاة أو لا؟ سيأتينا إن شاء الله تعالى.
طالب: أولًا: بالنسبة للمجنون والصغير إذا كان لهم دين وبعد عشر سنوات أخذ على الدين، ما يجب عليهم الزكاة؟
الشيخ: إي، لا فرق بين الصغير والمجنون والبالغ والعاقل.
الطالب: الخلاف يا شيخ لا يعفو عنهم؟
الشيخ: كيف؟ لا، ما يعفو عنهم، لكن الصحيح -مثلما قلت- أنه إذا كان الدين على غير مليء باذل فلا زكاة فيه.
طالب: كيف يعاقبون الكفار بترك الواجبات؛ لأنهم ليسوا مسلمين؟
الشيخ: نعم؛ لأن الواجب عليهم الإسلام، لكن لا نخاطبهم بها في الدنيا لعدم وجود الأصل، وإلا واجب عليهم الإسلام وفروع الإسلام.
طالب: هل يزيد في تعذيبهم؟
الشيخ: إي، يزيد في تعذيبهم، بل إنهم إذا أكلوا أو شربوا عُذِّبوا على الأكل والشرب.
طالب: أليسوا مخلدين في النار؟
(1/2869)
________________________________________
الشيخ: لا، التخليد يختلف في قوة العذاب وشدته.
***
الركاز، ما هو الركاز؟ الركاز يعني المدفون، هذا الركاز، وهو الذي يوجد من دفن الجاهلية، أي من دَفْن الكفار سابقًا، وأما ما يوجد من دفن المسلمين فإنه لُقطة، لكن ما يوجد من دفن الكفار سابقًا هو رِكاز، يملكه آخذه، يملكه واجده، وإذا ملكه وجب عليه الخمس؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» (14)، هذا الخمس هل مصرفه زكاة؟ أو مصرفه مصرف الفيء؟ في هذا خلاف بين العلماء؛ منهم من قال: إن مصرفه مصرف الفيء يجعل في بيت المال للمصالح العامة، ومنهم من قال: إن مصرفه مصرف الزكاة يقسم في مَنْ؟ في أهل الزكاة.
وأصل اختلافهم، اختلافهم في (أل)، هل هي لبيان المقدار أو هي للعهد الذهني؟ إن كانت للعهد الذهني فالمراد بالخمس الفيء؛ يعني الخمس اللي تعرفون مصرفه، وإن كانت (أل) لبيان المقدار فهي زكاة، وفي المعروف عندنا في المذهب الحنبلي أنها زكاة، فيكون داخلًا في الاستثناء خمسة.
الطلبة: المعادن، المعدن.
الشيخ: المعدن، المعادن، معادن الذهب والفضة، أو معادن غيرهما إذا قصد به التجارة؛ يعني المعادن غير الذهب والفضة لازم أن نشترط إذا قصد التجارة؛ لأنها لا تكون، لا تجب فيها الزكاة إلا إذا كانت عروضًا، ولا تكون عروضًا إلا بالنية.
رجل عثر على معدن ذهب، ومعدن الذهب غالٍ أو رخيص؟ غالٍ، الذهب يُذهب العقل. نقول: عثر على معدن ذهب واستخرجه، وأخرج منه عشرة كيلوات، فيها زكاة؟ متى؟ إذا تم الحول؟ لا، من حين أن يجدها؛ لأنها نظير الخارج من الأرض من حين حصاده، فهذا حصاد المعدن، وذاك حصاد الثمار، فتجب الزكاة من حينه، كم زكاة الذهب؟
الطلبة: ربع العشر.
الشيخ: ربع العشر، يخرج من خمسة كيلو كم؟ ربع العُشر كم؟
الطلبة: ( ... ).
طالب: مئة وخمسة وعشرين جرامًا.
الشيخ: طيب أخرج أربعين كيلو، ما يخالف، ما دام مسألة فرضية، أخرج أربعين كم يلزم؟
الطلبة: كيلو.
(1/2870)
________________________________________
الشيخ: ربع العشر كيلو، فيُخرج ربع العشر فورًا، فيه شيء آخر في غير هذه الخمسة؟
الطلبة: العسل.
الشيخ: العسل، على القول بوجوبه من حين أن يجنيه يجب عليه إخراج زكاته.
طالب: المعدن.
الشيخ: هيأ الله لك معدنًا.
الطالب: بقي العسل ( ... ).
الشيخ: يجينا إن شاء الله من كلام المؤلف.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، في الركاز اللي ما يعرف هل هو من دفن الجاهلية، أو من دفن الإسلام؟ يحكم على أنه؟
الشيخ: على أنه من دفن الإسلام لقطة، يُعرِّفه سنة، وإذا لم يجئ أحد فهو له، ولا يخرج الخمس.
طالب: الاستقرار يا شيخ، لماذا قلنا بعدم الاستقرار، وهنا نقول بعدم مضي الحول؟
الشيخ: لا، حتى لو مضى عليه حول، أنا قلت لك: لو ربح من أول يوم.
الطالب: لكن الآن ( ... )؟
الشيخ: لا، لو ملكه من أول يوم.
طالب: وضح في المال مثلًا، نريد أن نعطيه لإنسان أو غيره ومضى عليه الحول.
الشيخ: وديعة يعني أعطاه ..
الطالب: ولكن الربح لم يعتد بنقصه.
الشيخ: إي نعم، لكنه مضى حول ولم يرَ فلانًا، فهو ملك الأول.
الطالب: يجوز فيه؟
الشيخ: إي، فيه زكاة، في ملكه، لو مات هذا الذي نوى أن يعطي المال فلانًا، هل يُورث المال؟
الطالب: لا.
الشيخ: لا؟ !
الطالب: ليش إذا كان من باب الهبة مثلًا؟
الشيخ: أنا أحصيت مالًا ألف ريال، أريده لفقير، ولكن الفقير ما حضر، ما رأيته هل يخرج عن ملكه ولَّا لا؟ ما يخرج، إذن فيها الزكاة عليَّ أنا.
طالب: أحسن الله إليكم يا شيخ، ذكرتم مثلما الحول ليس فيه ( ... ) أربعين، أقول -أحسن الله إليك-: ما ممكن يستدل بحديث ابن عمر: «لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» (15). هذا ثابت عن ابن عمر، وهذا أيضًا ممن ليس المشكلة فيه مجال فيكون له حكم الرفع.
(1/2871)
________________________________________
الشيخ: لا، فيه مجال، المجال أن الإنسان تمام النماء لا يكون إلا في حول وعجز الفقراء، أيضًا تكون في حول، وكما قلنا: لو عجلت الزكاة فيما دون الحول أجحفنا بالغني ولو أخَّرناها أجحفنا بالفقير.
طالب: لكن ما يستفاد هذا؟
الشيخ: على كل حال، هو قول الصحابي، يستفاد منه لا شك.
طالب: يا شيخ، قلنا: إن القول الصحيح في مانع الزكاة أنه لا يكفر، كيف نخرج قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6، 7]؟
الشيخ: ويش تقولون؟
طالب: السؤال يا شيخ؟
الشيخ: يقول: إذا قلنا: إن مانع الزكاة بخلًا لا يكفر، كيف نُخرِّج قول الله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}؟
طالب: ( ... ) تكملة الآية تبين ذلك، تبين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون.
الشيخ: نعم، والمراد بالزكاة هنا -عند أكثر العلماء- زكاة النفس، لكن بعض العلماء قال: هي زكاة المال، والأكثر على أنها زكاة النفس؛ لقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9].
طالب: جزاك الله خيرًا، ذكرت أن المجنون.
الشيخ: فات خمسة؟
الطالب: ما فات خمسة، فات اثنان، أن الزكاة حق المال، وذكرت الآية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] الآية تكملتها {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} يعني أرجع إلى أشخاص يعني نفس الشخص وليس إلى المال.
الطالب: وحديث بعْث معاذ إلى اليمن كان أمرًا مكلفًا به ناس معنيون؛ يعني من أمر بالتكليف ليس ..
الشيخ: كأنك تريد أن ترجح أن الزكاة لا تجوز من مال الصبي والمجنون؟
الطالب: نعم.
(1/2872)
________________________________________
الشيخ: لا، هذا ما هو صحيح؛ لأن قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ألا يمكن أن يُطهَّر الصبي؟ يمكن تطهر أخلاقه، ويجعل الله ذلك سببًا في حسن أخلاقه، وإلا نعم من جهة الذنوب ليس عليه ذنوب، وكذلك المجنون ربما يكون هذا سببًا لرد عقله عليه.
طالب: المضارَب ( ... ) مع المضارِب بعد مرور خمس سنوات مثلًا، هل يزكي على السنوات؟
الشيخ: لا، لا يزكي على ما مضى، يستأنف الحول.
طالب: شيخ، جزاكم الله خيرًا، لم تذكر المال الذي قلتم المال الذي ينمو حقيقة أو تقديرًا، ما المال الذي لا ينمو؟
الشيخ: ثيابك، سيارتك، بيتك، ساعتك، قلمك، كتبك.
الطالب: ما يعد للاقتناء؟
الشيخ: إي نعم، إلا حلي الذهب والفضة.
***
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: فيما يُستثنى مما يُشترط له الحول قال: (إلا نتاج السائمة وربح التجارة، فإن حولهما حول أصلهما إن كان نصابًا، وإلا فمن كماله).
(نتاج السائمة) يعني أولادها، وربح التجارة معروف. (فإن حولهما حول أصلهما إن كان نصابًا وإلا فمن كماله)، فإذا قدر أن عند شخص ما نصف نصاب، ومضى عليه ستة أشهر، ثم كمل نصابًا، وبعد مضي ثلاثة أشهر ربح مثله نصابًا، فمتى يبتدئ الحول؟ هل مما ملك أولًا أو بعد مضي ستة أشهر مما تم به النصاب؟
الطلبة: الثاني.
الشيخ: الثاني؛ يعني يبتدئ الحول من الوقت الذي تم فيه النصاب إلى أن يدور عليه اثنا عشر شهرًا فيزكيه، أما الربح فإنه يتبع الأصل، يتبعه من حين كمل نصابًا.
(1/2873)
________________________________________
وأما المستفاد بغير الربح كالرجل يرث مالًا، أو يُوهب له، أو المرأة تملك الصداق، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يُضم إلى ما عنده من المال في الحول؛ لأنه مستقل وليس فرعًا له، فلو فُرض أن عند شخص مالًا ملكه في واحد محرم يبلغ النصاب، وفي ربيع الثاني تُوفِّي له ميت، وورث منه، فهل يُضم إلى الأول في الحول أو لا يضم؟
الطلبة: لا يضم.
الشيخ: لا يضم؛ لأنه ليس فرعًا له، هذا مال مبتدأ جديد. طيب إذا كان الميراث دون النصاب، الميراث الذي ورثه في شهر ربيع دون النصاب، فهل يضم إلى الأول في تكميل النصاب، ويُبتدأ به حول من في ملكه أو لا؟
طالب: ما فيه ضم.
الشيخ: يقول العلماء: إنه يُضم في تكميل النصاب، ولا يُضم في الحول، الكلام معلوم ولا غير معلوم؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما فيه معلوم الظاهر.
طالب: ( ... ).
الشيخ: طيب ما يخالف، ملك نصابًا في شهر محرم، محرم الذي بين ذي الحجة وصفر، معلوم ولَّا غير معلوم؟ معلوم.
ملك نصابًا في شهر محرم، وفي شهر جمادى الثانية؛ أي بعد مضي ستة أشهر ورث مالًا جديدًا، ميراثًا، فهل يُبنى على الأول في الحول أو لا يبنى؟
الطلبة: لا يبنى.
الشيخ: لا يُبنى، ليش؟ لأنه مستقل، يحتاج إلى أن تدور عليه السنة.
هل يُبنى على الأول في النصاب؟ بمعنى لو كان الميراث الذي ورثه دون نصاب، فهل يضم إلى الأول وتجب فيه الزكاة، لكن لا تجب إلا بعد تمام حوله؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: الجواب: نعم، إذن المال المستفاد لا يُضم إلى ما عنده في الحول، ويضم إلى ما عنده في النصاب، تمام؟ معلوم الآن ولَّا غير معلوم؟
الطلبة: معلوم.
الشيخ: إذا قدرنا أن النصاب مئتا درهم، وكان عنده مال ملكه في شهر محرم، وفي شهر جمادى الثانية ملك بالميراث مئة درهم، المئة الدرهم دون النصاب، أليس كذلك؟ فهل فيها زكاة أو لا؟
طالب: فيها زكاة.
(1/2874)
________________________________________
الشيخ: فيها زكاة، وإن كانت دون النصاب، لماذا؟ لأنه كان عنده مال يبلغ النصاب، فتضم إلى المال، وتجب فيها الزكاة، لكن متى يُزكي المئة درهم؟ هل يزكيها عند تمام سنة الأول، أي في محرم، أو عند تمام سنتها في جمادى؟
الطلبة: في جمادى.
الشيخ: الثاني، يزكيها في جمادى، فالقاعدة إذن المال المستفاد غير الربح يُضم إلى ما عنده في النصاب، ولا يضم إلى ما عنده في الحول.
طالب: الفرق؟
الشيخ: الفرق؛ لأنه إذا ملكه فقد صار عنده الآن من ملكه إياه صار عنده نصاب ونصف مثلًا، إذا قدرنا عنده من الأول نصاب، وملك نصف نصاب صار عنده الآن نصاب ونصف، يبتدئ حول النصف من حين مُلكه، وأما الأول النصاب فقد ابتدأ حوله من حين ملكه.
أسألكم، قوله: (من كان له دَيْن أو حق) ما الفرق بين الدَّيْن والحق؟
طالب: الدين ما ثبت في الذمة.
الشيخ: نعم، ما ثبت في الذمة من قرض أو ثمن المبيع أو أجرة.
طالب: الحق مثلًا يكون شيئًا مكتوبًا أو ..
الشيخ: يعني عين مغصوبة استولى عليها ظالم فأخذها. (مِنْ صداق أو غيره)، ما هو الصداق؟
طالب: ما يدفعه الرجل عند زواجه بـ ..
الشيخ: لزوجته بسبب عقد النكاح. (أو غيره) غير الصداق؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، عوض الخلع، قيمة مُثلة، أرش الجناية. المهم كل ما ثبت عند الغير، يقول: (يؤدي زكاته على مليء أو غيره) من هو المليء؟
طالب: الغني.
الشيخ: الغني، (أو غيره) الفقير، ولا فرق بين المليء الباذل والمليء المماطل، كما أنه لا فرق بين الغني والفقير.
يقول المؤلف: (أدى زكاته إذا قبضه) أدى زكاته إذا قبضه؛ يعني ولا يلزمه أن يؤدي زكاته قبل قبضه، فهو مرخص له أن يؤخر الزكاة حتى يقبضه.
فإن قال قائل: أليست الزكاة على الفور؟ فلماذا لا تلزمه الزكاة إذا تم الحول، ولو كان في ذمة الغير؟
(1/2875)
________________________________________
فالجواب أن يقال: إنه وإن كان في ذمة الغير، لكنه فيه احتمال أن يتلف، أن يُعسر الذي عليه، أن يجحد نسيانًا أو ظلمًا، فلما كان هذا الاحتمال قائمًا رخصنا له أن يؤخر إخراج الزكاة حتى يقبضه، فإذا كان عند شخص ألف درهم، ومضى عليه عشر سنوات وجب عليه أن يخرج زكاة الألف كل عام، هذا الأصل، لكن يُرخَّص له أن يؤخر الزكاة حتى يقبضه، فإذا قبضه وكان عليه في كل سنة خمسة وعشرون درهمًا، كم يلزمه في عشر سنين؟
الطلبة: مئتان وخمسون.
الشيخ: مئتان وخمسون ريالًا يخرج زكاتها.
طالب: مع مراعاة الفارق الذي ينقص.
الشيخ: هذا ينبني على الدَّيْن، هل يسقط من الزكاة أو لا؟ إذن يؤدي زكاته لكل سنة، ولكن يُرخَّص له أن يؤخر إخراج الزكاة حتى يقبضه للاحتمال الذي ذكرت، ما هو الاحتمال؟
الطلبة: احتمال التلف.
الشيخ: التلف، الجحود نسيانًا أو ظلمًا، آفات تقضي على مال الثاني، الموت، المهم احتمال ألا يحصل عليه؛ فلأجل هذا رخَّصنا له أن يؤخر الزكاة، فإن أدى الزكاة قبل قبضه، قال: أنا أريد أن أخرج زكاة هذا الدَّيْن مع مالي لأستريح فله ذلك؟ نعم، له ذلك، بل قال أهل العلم: إن ذلك أفضل؛ لأن تأخيره إلى أن يقبضه من باب الرخصة والتسهيل، فإذا أحب أن يُخرج زكاته أداها، والزكاة إذا كان الدين على مليء باذل فوجوب الزكاة واضح؛ لأن المليء الباذل كالذي في صندوقك تمامًا، متى شئت قلت: أعطني فيعطيك، لكن إذا كان الدَّيْن على فقير، أو على مماطل لا يمكن أخذ الحق منه، أو كان المال ضائعًا، أو كان مسروقًا، ثم عثرت عليه بعد سنين، فالمذهب يجب إخراج زكاته؛ لأن الله مكَّنك منه.
(1/2876)
________________________________________
لكن القول الثاني في المسألة أن ما كان على فقير أو مليء لا تمكنه مطالبته، أو نحو ذلك؛ فإنه لا زكاة فيه إلا إذا قبضه، وإذا قبضه، فهل يبتدئ به حولًا، أو لا يبتدئ به حولًا، في هذا خلاف، فمن العلماء من قال: يستأنف الحول، يبتدئ حولًا من جديد، حتى لو فُرض أنك أعطيت هذا المدين أعطيته الدين في آخر شهر من السنة؛ يعني لم يبقَ على زكاتك إلا شهر واحد، ثم أعطيت هذا الفقير، بعت عليه شيئًا وبقي دين في ذمته، يقول: لا زكاة عليه، استأنِف الحول، مع أنه مضى من سنتك كم؟
الطلبة: اثنا عشر.
الشيخ: أحد عشر شهرًا، مثال ذلك: رجل تاجر يبيع ويشتري، وكان يُزكِّي ماله في رمضان، فجاءه فقير في شعبان، فباع عليه سلعة بألف درهم، وبقيت الألف في ذمة الفقير لمدة عشر سنوات. القول الصحيح أنه لا زكاة فيها هذه المدة، لكن إذا قبضها، فهل يستأنف حولًا جديدًا ونقول: لا زكاة عليك في هذا الألف حتى يتم عليك سنة، أو يزكيه سنة القبض؟
في هذا خلاف، مع أنه لم يبقَ عليه إلا لسنته التي دين فيها الفقير إلا سنة، يقول: ويستأنف شهرًا إلا شهرًا.
يقول: إنه يستأنف حولًا، ولكن الصحيح القول الثاني في المسألة، أنه يزكيه لما مضى سنة واحدة، وذكره في حاشية العنقري عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأحفاده، أنه يُزكَّى سنة، وهذا مذهب مالك، وهو أحوط؛ لأنه أشبه ما يكون بالثمرة، الثمرة إذا حصلتها تزكيها حين حصولها، وكذلك أشبه ما يكون بالأجرة، التي اختار شيخ الإسلام رحمه الله أن الزكاة واجبة فيها من حين القبض، ولو لم يتم عليه الحول؛ لأنها من جنس الثمار، تجب الزكاة فيها حين حصولها؛ ولأن من شرط وجوب الزكاة: القدرة على الأداء، فمتى قدر على الأداء زكَّى، وهذا الذي نرى أنه أقرب إلى الصواب أن يزكيها حين قَبْضِها لسنة واحدة فقط، لو بقيت عشر سنوات لا زكاة عليه فيها، ووجه ما ذكرنا أن هذا أشبه ما يكون بالثمرة والأجرة، فهذا أقوال العلماء في الدين.
(1/2877)
________________________________________
من العلماء من فصَّل قال: الدين الذي يُؤمَّل وجوده والحصول عليه فيه الزكاة لكل ما مضى، إذا حصَّلته، مثل: الدين على الفقير يؤمَّل حصوله إذا اغتنى، وأما الضائع والضال والمدفون المنسي، وما أشبهه فلا زكاة فيه؛ لأنه لا يؤمل حصوله، لا سيما إذا طال زمن ضياعه، ولكن الصحيح المدار على ما قلنا؛ على أن ما كان على غني باذل فهو في حكم الموجود في صندوقك فعليك أيش؟
الطلبة: زكاته.
الشيخ: زكاته، لكنك بالخيار، إن شئت أدَّيْت زكاته مع مالك، وإن شئت أخَّرت زكاته حتى تقبضه، والثاني رخصة، والأول فضيلة، وأسرع في إبراء الذمة.
وأما ما كان على مماطل أو مليء لا يمكن الحصول على ما عنده فلا زكاة فيه؛ لأنك عاجز عنه، وفي رفع الزكاة عنك فائدة، وهي إنظار المعسر؛ إذ إن النفس لا تقبل أن يقال: إن عليك زكاة هذا المال عند المعسر، ويجب عليك إنظاره، أنت تقول: أنا ليش أنظره؟ ما دام عليَّ زكاته، أزكي كل سنة مالًا ليس في حوزتي، ولا في قبضتي، ولا في إمكاني أن أطالب به؛ لوجوب إنظار المعسر، فإذا أسقطنا عنه الزكاة كان في ذلك تيسير عليه، وكان فيه أيضًا تيسير على من؟
الطلبة: المدِين المعسر.
الشيخ: المعسر المدِين، ففيه مصلحتان، لكن الأحوط والأولى أن نلزمه بإخراج الزكاة سنة قبضه؛ أولًا: لأنه قد يكون مضى عليه قبل الدين أشهر من السنة، وثانيًا: أن هذا يشبه الثمار التي يجب إخراج زكاتها عند الحصول عليها، ومثل ذلك المال المدفون المنسي، لو أن شخصًا دفن ماله خوفًا من السُّرَّاق ..
ولا زَكاةَ في مالِ مَن عليه دَينٌ يَنْقُصُ النصابَ، ولو كان المالُ ظاهرًا، وكَفَّارةٌ كدَيْنٍ، وإن مَلَكَ نِصابًا صغارًا انْعَقَدَ حولُه حينَ مَلَكَه، وإن نَقَصَ النصابَ في بعضِ الْحَولِ أو باعَه أو أَبْدَله بغيرِ جِنْسِه لا فِرارًا من الزكاةِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ، وإن أَبْدَلَه بجِنْسِه بَنَى على حولِه،
(1/2878)
________________________________________
الضائع، والضال، والمدفون المنسي، وما أشبهه فلا زكاة فيه؛ لأنه لا يؤمل حصوله، لا سيما إذا طال زمن غيابه، ولكن الصحيح المدار على ما قلنا، على أن ما كان على غني باذل فهو في حكم الموجود في صندوقك فعليك أيش؟
طلبة: زكاته.
الشيخ: زكاته، لكنك بالخيار، إن شئت أديت زكاته مع مالك، وإن شئت أخَّرت زكاته حتى تقبضه، والثاني رخصة، والأول فضيلة، وأسرع في إبراء الذمة، وأما ما كان على مماطل أو مليء لا يمكن الحصول على ما عنده فلا زكاة فيه؛ لأنك عاجز عنه، وفي رفع الزكاة عنه فائدة، وهي إنظار المعسر؛ إذ إن النفس لا تقبل أن يقال: إن عليك زكاة هذا المال عند المعسر، ويجب عليك إنظاره، أنت تقول: أنا ليش أنظره؟ ما دام عليَّ زكاة أزكي كل سنة مالًا ليس في حوزتي، ولا في قبضتي، ولا في إمكاني أن أطالب به؛ لوجوب إنظار المعسر، فإذا أسقطنا عنه الزكاة كان في ذلك تيسيرًا عليه، وكان فيه أيضًا تيسير على من؟
طلبة: المعسر.
الشيخ: المعسر المدِين، ففيه مصلحتان، لكن الأحوط والأولى أن يُلزمه بإخراج الزكاة سنة قبضه؛ أولًا: لأنه قد يكون مضى عليه قبل الدين أشهر من السنة، وثانيًا: أن هذا يشبه الثمار التي يجب إخراج زكاتها عند الحصول عليها.
ومثل ذلك المال المدفون المنسي، لو أن شخصًا دفن ماله خوفًا من السراق، ولم يجعل علامة، ثم نسي، وكان قد ضرب عليه البلاط في البيت، ونسي، ماذا نقول له؟
إذا كنت تريد أن تعثر عليه احفر البلاط كله، فقال: لا يمكنني هذا، نقول: إذا عثرت عليه فأدِّ الزكاة على القول الراجح سنة وجودك أو عثورك عليه فقط، بعض الناس يتحيل على إخفاء المال بالدفن، وبعض الناس يتحيل على إخفاء المال بالبناء عليه في الشبهه، ويجعله موضع لبنة، وسمعت أن بعض الناس يتحيل، نخبركم بهذا؟
طلبة: أيوه نعم.
الشيخ: يتحيل على إخفاء المال بأن يضعه في خزانات الماء، يمكن ولَّا لا؟
طلبة: يمكن.
(1/2879)
________________________________________
الشيخ: يمكن إذا كان في صندوق مغلق تمامًا الماء لا يؤثر عليه. على كل حال للناس طرق في إخفاء الأموال، فإذا أخفاه ونسي هذا حكمه أنه مدة نسيانه لا زكاة عليه فيه؛ لأنه مال معجوز عن التصرف فيه.
بقي مسألة مهمة كثر السؤال عنها حين كسدت الأراضي، تعرفون الأراضي السلح مرة زادت جدًّا قيمتها فاشتراها إنسان في وقت الغلاء، ثم كسدت ولا وجد أحدًا يشتريها لا بقليل ولا بكثير، فهل عليه زكاة في مدة الكساد أو لا؟ قولوا.
طلبة: ليس عليه، والله أعلم، ليس عليه زكاة.
الشيخ: يرى بعض العلماء أنه لا شيء عليه في هذه الحال؛ لأن هذا يشبه الدَّيْن على المعسر في عدم التصرف فيه؛ لأن صاحب الأرض يقول: يا ناس، خلو أحد يشتريها بقليل أو كثير، ما وجد أحدًا، كل الناس هاربون عن العقارات، وإن كان يُرجى في المستقبل أن تتحرك الأشياء كما هو الواقع، لكن حين كسادها يقول: لا زكاة فيها حتى يتمكن من بيعها، فإذا باعها حينئذٍ قلنا له: زكِّ لما مضى أو لسنة البيع؟
طلبة: لسنة البيع.
الشيخ: لسنة البيع، وهذا في الحقيقة فيه تيسير على الأمة، وفيه موافقة للقواعد؛ لأن الرجل يقول: أنا لا أنتظر الزيادة، أنا أنتظر أحدًا يرفع لسانه للهاته يقول: بِع عليَّ، ما وجدت أحدًا، فماذا أصنع؟ والأرض نفسها ليست مالًا زكويًّا في ذاته حتى نقول: تجب عليك الزكاة في عينها.
أما الدراهم المبقاة في البنك، أو في الصندوق من أجل أن يشتري بها دارًا للسكنى، أو يجعلها صداقًا لزوجته مثلًا، فهي ما تزيد لا شك، لكن هل فيها زكاة أو لا؟ فيها الزكاة، لماذا؟ ما الفرق بينها وبين الأرض الكاسدة؟
طلبة: لأن الزكاة في عينها.
الشيخ: لأن الزكاة في الدراهم واجبة في عينها، وأما الزكاة في العروض فهي في قيمتها، وقيمتها حين الكساد غير مقدور عليها، فهي بمنزلة أيش؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: الدين على المعسر.
طالب: هو غني ( ... )، هل الفقير ( ... )؟
الشيخ: ابحث، إي نعم اسأل.
(1/2880)
________________________________________
طالب: أحسن الله إليكم، هل المال اللي نبحث عنه الذي سأل عنه الأخ يقول: ما يمكن أن يبحث عن هذا السؤال، ما يمكن أن يبحث عنه ( ... ).
الشيخ: إذا كان المال ما يمكن البحث عنه، فالأصل عدم وجود المانع، وأن زكاته واجبة.
طالب: الأصل براءة الذمة.
الشيخ: لا، المال حاصل ما هو بالأصل براء الذمة، الأصل براء الذمة لو كان ما عندنا مال، أما ونحن مالكون للنصاب، فالأصل وجوب الزكاة.
طالب: طيب إذا صار يقول: أنا ما أقدر، ما عندي شيء؟
الشيخ: خلاص ما أقدر، إذن ما صار مستورًا.
الطالب: أنا أعرف أن عنده كل شهر مثلًا ثمانية آلاف ريالات.
الشيخ: طيب ثمانية آلاف، يمكن عليه دين سابق، ولا ثمانية آلاف فيها خير وبركة، أكبر حمولة ما زكَّت ثمانية آلاف ريال بالشهر.
طالب: شيخ، قلنا: إن الأجرة فيما مضى ما تجب فيها الزكاة؛ لأنها غير مستقرة.
الشيخ: نعم.
الطالب: ذكرت قولًا لشيخ الإسلام يقول: فيها زكاة.
الشيخ: إي، فيها زكاة إذا قبضها؛ لأنه بعد قبضها تبين استقرارها وثبتت، فهي كالثمرة، لكن المشهور من المذهب خلاف ذلك، المشهور لا بد من تمام السنة.
طالب: يا شيخ، ( ... ) إلى المئة القادمة نصف الزكاة من ( ... ).
الشيخ: أيش؟
الطالب: نصف الزكاة من ( ... ).
الشيخ: إي نعم.
الطالب: غير متاح ( ... ).
الشيخ: أنا بعت مثلًا بيتًا بمئة ألف.
الطالب: بعد عشر سنين ( ... ).
الشيخ: بعد عشر سنين؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: ليش؟
طالب: ( ... ) من الزكاة.
الشيخ: إذا قلنا بعدم الوجوب ما حاجة إلى أن نسقط عنه، لكن إذا قلنا بوجوب الزكاة في الدين على المعسر، وأسقطنا عن هذا المعسر مقدار الزكاة فالمذهب لا يجوز؛ لأن إبراء المعسر من الزكاة لا يجوز، واختار شيخ الإسلام رحمه الله أننا إذا قلنا بوجوبها في الدين على المعسر، وأسقط عن هذا المعسر مقدار زكاة الدين الذي في ذمته فلا بأس بها؛ لأن هذا مواساة، وهذا القول صحيح.
(1/2881)
________________________________________
طالب: يا شيخ، بالنسبة للأرض إذا لم يجد أحدًا يشتريها، الزكاة حينما ترغب وتُشترى.
الشيخ: إي نعم، تكون كالدية على فقير.
الطالب: طيب، لماذا يا شيخ لا نقومها بالسعر يعني؟
الشيخ: ما تشترى لا بقليل ولا بكثير.
الطالب: لا نقومها عند مثلًا ..
الشيخ: طبعًا، ما هو براح يبيع مثلًا الأرض بمئة ألف، يبيعها بعشرة آلاف، ما هو براح يبيع.
طالب: الدَّيْن يا شيخ.
الشيخ: القيمة ما تسوى ولا عشرة آلاف، ما تسوى ولا عشرة آلاف.
طالب: طيب يزكي بالنسبة للعشرة آلاف.
الشيخ: ما يلزم؛ لأن ما أحد راح يبيع بمئة ألف بعشرة آلاف، لكن بعضهم يقول: لو يعطونا عشرة آلاف أحب إلينا لو بمئة ألف نبيع ونتكسب بالعشرة، ويرزقنا الله، لكن ما يلقون أحدًا.
***
الطالب: ينقص النصاب، ولو كان المال ظاهرًا، وكفارة كدَيْن، وإن ملك نصابًا صغارًا انعقد حوله حين ملكه، وإن نقص النصاب في بعض الحول أو باعه.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ما هو القول الذي مشى عليه المؤلف في زكاة الدين؟
طالب: أنه لا يزكي إلا إذا قبضه، ويزكي ما مضى من السنوات.
الشيخ: نعم، أنه يجب زكاته لكل ما مضى من السنين. هل يُفرَّق عند المؤلف بين الغني والفقير، سواء كان على غني أو على فقير؟ طيب، القول الثاني، التفريق بينهما.
طالب: إذا كان على مليء حينئذٍ تجب فيه الزكاة.
الشيخ: إذا كان على مليء باذل ففيه الزكاة.
طالب: ( ... )؟
الشيخ: على مماطل لا يمكن أخذه منه بهذا القيد، أما الذي يمكن أخذه منه نشكوه ويجبر، وهذا القول هو الصحيح؛ التفريق.
إذا قبضه من الفقير، هل يستقبل به حولًا أو يؤدي زكاته فورًا؟
طالب: الصحيح أنه يقدم حول ( ... ).
الشيخ: يزكيه فورًا لحول واحد؟
الطالب: نعم.
(1/2882)
________________________________________
الشيخ: والقول الثاني: يستقبل به حولًا؛ يعني يبدأ حوله من جديد. ثم انتقل المؤلف -رحمه الله- إلى المسألة الثانية وهي قوله: (ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب).
(لا زكاة) أي: لا زكاة واجبة.
(في مال من عليه دين ينقص النصاب) يعني إذا كان عند الإنسان نصاب من الذهب، أو من الفضة، أو من الحبوب، أو من الثمار، أو من المواشي، ولكنَّ عليه دَينًا ينقص النصاب فلا زكاة فيما عنده.
مثال ذلك: رجل بيده مئة ألف، وعليه تسعة وتسعون ألفًا وتسع مئة، فالذي عنده الآن الزائد مئة، المئة دون النصاب ليس عليها زكاة، لماذا؟ لأن الزكاة إنما تجب مواساة ليواسي الغني الفقير، ومن عليه دَيْن فهو فقير، ولأنه روي عن عثمان -رضي الله عنه- أنه كان يخطب فيقول: إن هذا شهر زكاة أموالكم، فمن كان عليه دَيْنٌ فليقضِه، ثم ليُزكِّ (1)، وعثمان أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعه.
فالمسألة إذن فيها أثر، وفيها نظر، يعني دليل أثري، ودليل نظري؛ الدليل الأثري: أثر عثمان رضي الله عنه، والدليل النظري: أن الزكاة إنما تجب مواساة للفقير، والمدين كالفقير، هو يحتاج إلى أحد يعطيه ليوفي دينه، ولا فرق بين الدين المؤجل والدين الحال، كله سواء؛ يعني إذا كان عليه دين ولو لم يحل إلا بعد عشر سنوات، وبيده مال ينقصه الدين عن النصاب فلا زكاة عليه، مثاله: رجل عليه عشرة آلاف درهم تحل بعد عشر سنوات، وبيده الآن عشرة آلاف درهم، نقول: لا زكاة عليه، وهذا هو المشهور من المذهب، وعرفتم ما تمسكوا به من الأدلة؛ الدليل الأول: على أنه لا زكاة فيمن عليه دين ينقص النصاب، لا زكاة في ماله.
طالب: دليل نظري.
الشيخ: ما هو؟
طالب: يقول: إن الزكاة شرعت لمواساة الفقير، والفقير كالمدين.
الشيخ: والمدين كالفقير، طيب والثاني الأثري؟
الطالب: عمر بن الخطاب يا شيخ.
الشيخ: عمر ولَّا عثمان؟
الطالب: عثمان.
(1/2883)
________________________________________
الشيخ: نعم، أنه كان يقول: إن هذا شهر زكاة أموالكم، فمن كان عليه دين فليؤده، ثم ليُزكِّ (1)، وهذا أحد الأقوال في المسألة.
القول الثاني: أنه لا أثر للدين في منع الزكاة، وأن من كان عنده نصاب فليُزكِّه، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، أو يستغرق النصاب، أو يزيد على النصاب، واستدل هؤلاء بالعمومات الدالة على وجوب الزكاة في كل ما بلغ نصابًا.
مثل: حديث أنس بن مالك في كتاب الصدقات الذي كتبه أبو بكر: وفي الرِّقَة في كل مئتي درهم ربع العشر؛ الرقة هي الفضة. وكذلك ذكر في سائمة بهيمة الأنعام في كل خمس من الإبل شاة، وفي كل أربعين شاةً شاةٌ (2) وهكذا.
واستدلوا أيضًا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعث العمال الذين يقبضون الزكاة من أهل المواشي، ومن أهل الثمار، ولا يأمرهم بالاستفصال (3)، هل عليهم دين أم لا؟ مع أن الغالب أن أهل الثمار عليهم ديون في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن من عادتهم أنهم يُسلِفون في الثمار السنة والسنتين، فيكون على صاحب البستان دين سَلَم، ومع ذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يخرص عليهم ثمارهم، ويزكونها.
واستدلوا بدليل ثالث أن الزكاة تجب في المال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، وبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذًا إلى اليمن، وقال: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» (4).
والدَّيْن يجب في الذمة، ما هو في المال؛ ولذلك لو تلف المال الذي بيده كله لم يسقط عنه شيء من الدين، لو استقرض مالًا واشترى به سلعًا للبيع والشراء والاتجار، ثم هلك المال، هل يسقط الدين؟
طلبة: يسقط.
الشيخ: لماذا؟
طلبة: لأنه يتعلق بالذمة.
الشيخ: لأنه يتعلق بالذمة، والزكاة تجب في عين المال، فالجهة منفكة، وحينئذٍ لا يحصل تصادم أو تعارض.
(1/2884)
________________________________________
وأما أثر عثمان -رضي الله عنه- فإننا نُسلِّم أنه إذا كان على الإنسان دين حال، وقام بالواجب وهو أداؤه فليس عليه زكاة؛ لأنه سيؤدي من ماله، وسَبْقُ الدَّيْن يقتضي أن يُقدَّم في الوفاء، سبق الدين على الزكاة؛ لأن الزكاة متى تجب؟
طلبة: عند تمام الحول.
الشيخ: إذا تم الحول، والدَّيْن سابق، فكان لسبقه أحق بالتقديم من الزكاة.
ونحن نقول لمن اتقى الله وأوفى ما عليه: لا زكاة، عليك إلا فيما بقي، أما شخص لا يوفي ما عليه، ويماطل وينتفع بالمال، ثم نقول: هذا الدَّيْن اللي عليك يُسقط الزكاة، فهذا لا يتطابق مع الأثر.
وأما الدليل النظري: أن الزكاة وجبت مواساة، فنحن:
أولًا: نمانع في هذا الشيء، أهم شيء في الزكاة ما ذكره الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، أنها عبادة يطهر بها الإنسان من الذنوب، فإن «الصّدَقَة تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ» (5). وتزكو بها النفوس، ويشعر الإنسان فيها إذا بذلها بانشراح صدر واطمئنان قلب، فليس المقصود من الزكاة المادة فقط، ثم على فرض أن من أهدافها المواساة فإن هذا لا يقتضي تخصيص العمومات؛ لأن تخصيص العمومات معناه إبطال جانب منها، وهو الذي أخرجناه بالتخصيص، وإبطال جانب من مدلول النص ليس بالأمر الهين، الذي يقوى عليه عِلَّة مستنبطة قد تكون عليلة، وقد تكون سليمة، وقد تكون حية، وقد تكون ميتة، نعم، لو نص الشارع على هذا لكان للإنسان مجال أن يقول: إن المدِين ليس أهلًا للمواساة هو يحتاج من يواسيه.
وأما حاجة المدين، فحاجة المدين على العين والرأس، وعلى الرحب والسعة، هو أحد الأصناف الذين تُدفع إليهم الزكاة؛ لقضاء حاجتهم، في أي صنف؟
طلبة: في الغارمين.
الشيخ: في الغارمين، ونقول: نحن نقضي دَيْنَك من الزكاة، أنت تعبَّد الله بأداء الزكاة، ونحن نقضي دينَك منها.
(1/2885)
________________________________________
فإن قال قائل: كيف يمكن هذا أن يكون الإنسان مزكٍّ مزكًّا عليه؟
قلنا: هذا ليس فيه غرابة، لو كان عند الإنسان نصاب أو نصابان لا يكفيانه للمؤونة، لكنهما يبقيان عنده إلى الحول، فهنا نقول: نعطيه للمؤونة ونأمره بالزكاة، ولا تناقض.
هذان قولان متقابلان؛ القول الأول: لا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب ولو كان لا يحل إلا بعد عشرين سنة، وبناء على ذلك يمكن أن نقول: كل من عليه دين لصندوق التنمية العقاري.
طالب: ليس فيها زكاة.
الشيخ: لا زكاة عليه، ولو كان عنده خمسون ألفًا، ما دام عليه مئة ألف ما عليه زكاة، وهذه مشكلة.
القول الثاني: عكس هذا؛ أن الزكاة واجبة ولو كان عليه دين يستغرق، وذكرنا الأدلة على ذلك، وأجبنا عن أدلة القائلين بسقوط الزكاة.
القول الثالث -قول وسط يقول-: الأموال الظاهرة تجب فيها الزكاة، ولو كان عليه دَيْن ينقص النصاب، والأموال الباطنة لا تجب فيها الزكاة إذا كان عليه دَيْن ينقص النصاب.
الأموال الظاهرة ما هي؟ الحبوب، والثمار، والمواشي، هذه أموال ظاهرة.
والأموال الباطنة: الذهب، والفضة، والعروض؛ هؤلاء قالوا: إن لدينا دليلًا وهو:
أولًا: العمومات «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» (6) عام.
ثانيًا: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يبعث العمال لقبض الزكاة من الأموال الظاهرة دون أن يأمرهم بالاستفصال، مع أن الغالب على أهل الثمار، الغالب عليهم أن تكون عليهم ديون.
ثالثًا: أن الأموال الظاهرة تتعلق بها أطماع الفقراء؛ لأنهم يشاهدونها، فإذا لم يؤدِّ زكاتها بحجة أن عليه دينًا، والدين من الأمور الباطنة؛ لأن المدِين ليس يكتب على سيارته، وعلى ظاهر بيته أنه مدِين، فهو من الأمور الباطنة، فإذا رأى الناس أنه لم يؤدِّ الزكاة عن هذه الأموال الظاهرة، فإن ذلك فيه إساءة ظن به، وفيه إيغار للصدور، صدور من؟
طلبة: الفقراء.
(1/2886)
________________________________________
الشيخ: الفقراء، فلهذا نقول: الأموال الباطنة لا زكاة فيمن عليه دَين ينقص النصاب فيها، والأموال الظاهرة عليها الزكاة، ولكن هذا القول وإن كان يبدو في بادي الرأي أنه قوي، لكنه عند التأمل ضعيف؛ لأن استدلالهم بالعمومات يشمل الأموال الباطنة، لا شك؛ ولأن كون الرسول عليه الصلاة والسلام يبعث العمال ولا يستفصلون يدل على أن الزكاة تتعلق بالمال، ولا علاقة للذمة فيها، وهذا لا فرق فيه بين المال الظاهر والمال الباطن؛ ولأن الدَّيْن أمر باطن يستوي فيه الأموال الظاهرة والأموال الباطنة.
وإذا قلنا: إنها مواساة فلا فرْق بين هذا وهذا؛ ولأن ما زعموا أنه أموال باطنة فيه نظر، فالتاجر عند الناس تاجر ومعروف، قد يكون عنده مثلًا معارض سيارات ومخازن أدوات، وأنواع عظيمة من الأقمشة، ودكاكين كثيرة من المجوهرات، أيما أظهر هذا، أو غُنيمات في نقرة بين رمال عند بدوي لا يُعرف في السوق ولا مرة؟ ! قولوا؟
طلبة: الأول.
الشيخ: الأول، فالبطون والظهور أمر نسبي، قد يكون الظاهر باطنًا، وقد يكون الباطن ظاهرًا.
والذي أنا أرجِّحه أن الزكاة واجبة مطلقًا، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، إلا دينًا وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه، ثم يزكي ما بقي بعده، وبذلك تبرأ الذمة، ونحث إذا قلنا بهذا القول فإننا نحث المدِينِين على الوفاء.
إذا قلنا: يا أخي، أنت الآن عليك مئة ألف، وعندك مئة وخمسون ألفًا، والدين حال، أدِّ الدين وإلا أوجبنا عليك الزكاة في مئة ألف، فهنا أن يقول: أؤدي الدين؛ لأن الدين لن أؤديه مرتين، فأؤدي الدين، وهذا الذي اخترناه هو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز.
(1/2887)
________________________________________
والأول الذي يفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي؛ فلنا شيخان في هذه المسألة؛ شيخ يقول بالتفريق بين الأموال الظاهرة والأموال الباطنة، وشيخ يقول: لا فرق، كلها لا يمنعها الدين، لا يمنع الزكاة وجوب الدين ولو كان ينقص النصاب، وهذا القول الأخير هو الذي أنا أرجحه، وأرى أنه أحوط وأبرأ للذمة، والحمد لله.
«مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» (7) من يقوله؟
طلبة: الرسول عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: المعصوم عليه الصلاة والسلام، «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ»، وكم من إنسان يوقي ماله ما أوجب الله عليه، ثم يبتليه الله بشيء ينفد ماله، كذا؟
كم من إنسان يمنع الزكاة، ثم تأتيه آفات في ماله؛ احتراق، وهي أمراض تعتريها وتعتري أهله تستنفد أموالًا كثيرة، وكم من إنسان يُبتلى ويبقى المال عنده مع قصوره في الواجب، ولكنه يكون من باب البلوى، إذن فالأقوال في الدَّيْن الذي على الإنسان إذا كان يمنع الزكاة ثلاثة؛ الأول: من يعرف؟
طالب: ظاهرًا وباطنًا.
الشيخ: أنه يمنع الزكاة في المال الظاهر والباطن، طيب الثاني؟
طالب: لا يمنع الزكاة لا في الظاهر ولا في الباطن.
الشيخ: أنه لا يمنع الزكاة لا في الظاهر ولا في الباطن، أنه لا يمنعها في الأموال الظاهرة ويمنعها في الأموال الباطنة، وعرفتم دليل كل قول وتعليله، وعرفتم الراجح في هذه المسألة.
يقول رحمه الله: (ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب) وظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يكون الدين من جنس ما عنده، أو من غير جنسه، فإذا كان عليه دين من الذهب، وعنده فضة فلا زكاة فيها، دين من الفضة، وعنده مواشٍ، فلا زكاة فيها، كل هذا على كلام المؤلف.
ثم قال: (ولو كان المال ظاهرًا) (لو) هذه إشارة خلاف، وانتبهوا لعادة المصنفين -رحمهم الله- إذا جاؤوا بـ (لو) فالغالب أن الخلاف قوي، وإذا جاؤوا بـ (حتى) فالغالب أن الخلاف ضعيف، لكن فيه خلاف.
(1/2888)
________________________________________
إذا جاؤوا بالنفي فقالوا مثلًا: ولا يشترط كذا وكذا، فهذا إشارة إلى أن فيه خلافًا قد يكون ضعيفًا، وقد يكون قويًّا، لكنهم لا يمكن أن يأتوا بمثل هذه العبارة: (ولا يشترط) إلا وفيه خلاف بالاشتراط؛ لأنه لو لم يكن خلاف لا حاجة إلى نفيه؛ لأن عدم ذكره يعني نفيه، ما يقال: يُشترط في الزكاة خمسة شروط ولا يشترط كذا، مع أن بعض العلماء ذكر أن هذا من الشروط، وإلا فلا حاجة لنفيه؛ لأن عدم ذِكْره في الشروط نفي لكونه شرطًا، فأنت إذا رأيت في كلام العلماء بعدما يذكرون الشروط أو الواجبات، ثم يقولون: ولا يشترط كذا، أو ولا يجب كذا، فاعلم أن في المسألة خلافًا.
(ولو كان المال ظاهرًا وكَفَّارَةٌ كَدَيْنٍ) (كفارة كدين) أيش لونه؟ يعني لو وجب على الإنسان كفَّارة تنقص النصاب، فلا زكاة عليه فيما عنده؛ لأن الزكاة كالدَّيْن بل هي دين، لكن الدائن فيها هو الله عز وجل، مثال ذلك: رجل عنده ثلاث مئة صاع، ثلاث مئة صاع كم؟ نصاب ولَّا لا؟ أنا أقول لكم الآن: ثلاث مئة صاع نصاب من الحبوب نصاب، فرجل عنده ثلاث مئة صاعٍ من الحبوب عليه زكاة، لكن عليه إطعام ستين مسكينًا، ستين مسكينًا يلزم ثلاثون صاعًا، إذا قلنا: كل صاع على اثنين، معناه نقص النصاب ولَّا لا؟
طالب: نقص.
الشيخ: فليس عليه زكاة في ثلاث مئة صاع، ليش؟
طالب: لأنه عليه كفارة.
الشيخ: لأن عليه كفارة تنقص النصاب.
فإن قال قائل: ما الدليل على أن الكفارة وهي حق لله كدَيْن الآدمي؟
الدليل -قلنا- أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أمها نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، فقال لها: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ ». قالت: نعم. قال: «اقْضُوا اللَّهَ؛ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» (8). فجعل حق الله كحق الآدمي، جعله دينًا يُقضى.
طالب: ( ... ) المال فلا زكاة عليه وإلا فليُزكِّ قال: سوف أقدمه.
الشيخ: ( ... ) أيش؟
(1/2889)
________________________________________
طالب: إذا كان عليه دين مؤجل مثل البنك العقاري، لا يحل له البيع إلا بعد عشرين سنة، قال: فلما عرف أنه عليه دَيْن، يعني عليه زكاة في ماله، قال: سوف أسدد الآن.
الشيخ: طيب، أحد يمنعه، إذا سدد الآن أظن ينزلون عنه.
الطالب: لكن يا شيخ ينقص النصاب، يعني أقول: ينقص النصاب.
الشيخ: ما يخالف يسدد الآن، لا بأس لو لم يبقَ عنده ولا ريال، سؤالك؟
الطالب: أحسن الله إليكم، استعمال الفقهاء الدين بصيغة الضمان أو موعد حصاد ( ... ) من الدَّيْن الذي يمنع وجوب الزكاة ما وجهه؟
الشيخ: عموم قادتهم.
الطالب: لكن هم يقولون ..
الشيخ: يقولون: إن هذا نقص قبل وجوب الزكاة، ولا تستقر إلا بجعلها في البيدر، ما تستقر الزكاة إلا بجعلها في البيدر، يعني بعدما تحصد، بعدما تجذ.
طالب: يا شيخ، ( ... ) يعني ( ... ) من الدين بسبب هذا رأي ( ... )؟
الشيخ: إي؛ لأنه يقول: هذا أمر معلوم لمصلحة هذا النصاب.
طالب: يا شيخ، الذين قالوا بوجوب الزكاة مطلقًا يقولون يا شيخ: إذا أوجبنا عليه المدين لا يجيبون الزكاة عليه.
الشيخ: بأيش؟
طالب: الذين يقولون: لا زكاة عليه مطلقًا قالوا: لو أوجبنا عليه الزكاة صار تكون الزكاة على هذا المال مرتين؛ مرة من المدين، ومرة من الدائن، وهذا ليس في شرع الله.
الشيخ: إي، سبحان الله! هذا ما هو صحيح؛ لأن الذي عليه الدين قد لا يكون في يده نفس المال الذي أخذه من الدائن، هو لازم يكون نفس المال؟ يمكن يستدين دراهم وعنده مواشٍ أو بالعكس، وهذا كثير، ثم على فرض أنها هي الدراهم، افرض أنه أخذ دراهم وشرى بها عروض تجارة، الجهة منفكة؛ لأن المال اللي عندي اللي أخذته منك، مالي أتصرف فيه كما أشاء، ملكه التام، ودَينك اللي لك أنت في ذمتي، ما له دخل في هذا المال، وبهذا أجابوا عنه، وبعض العلماء ذهب إلى ما أشرت إليه وقال: إنه يجب على أحدهما، فإن أوجبناه على الدائن لم نوجبه على المدين، وإن أوجبناه على المدين لم نوجبه على الدائن.
(1/2890)
________________________________________
طالب: إجابة السؤال؟
الشيخ: سؤالك أنت طيب.
طالب: يا شيخ، عندي مثلًا راتب شهري، أوفر منه كل شهر مثلًا مبلغ ألف أو ألفين ريال، وفي نهاية السنة يبلغ عندي مثلًا خمسة آلاف أو ست، وينساه، يقول: ما حال على هذا المبلغ الحول مع أنه حال بكامل.
الشيخ: مخلي اللي أنفق من الأول.
الطالب: إي نعم، ثم يستمر على هذا الحال؟
الشيخ: والله ما هو بأحسن، أنا رأيي في هذه المسألة أنه إذا تم الحول أخرج زكاة ما عنده؛ لأن الدراهم ما هي معلومة بأعيانها، حتى يقول: والله أنا اللي بأعيانها أخرجتها من قبل، لو كان مثلًا يجيه عشرة ريالات في الشهر الأول، يكتب عليها أرقامًا خاصة، ثم ينفدها، أو يعرف أنه ما ينتهي الشهر إلا وقد بقي عنده أقل من النصاب.
طالب: ( ... ).
الشيخ: فالذي أرى أن مثل هذه أبرأ للذمة وأسهل، أنه إذا حل الحول أدى زكاته، زكاة ما عنده، ولو لم يتم عليه الحول، ويستمر على هذا.
طالب: ( ... ) هل هذا يشمل أهل البلد أم يشمل ( ... )؟
الشيخ: هذه تأتي في أهل الزكاة، لكن نظرًا لأنك سألت نجيب عنها إن شاء الله، يرى بعض العلماء أنها لا بد أن تكون في فقراء البلد، إلا إذا لم يوجد فقراء فيفرق في أقرب البلاد، بناءً على أن فقراءهم كأي شخص، وبعضهم يقول: لا يجب، وأن هؤلاء الفقراء إضافة جنس لا شخص، أي في فقرائهم؛ أي المسلمين عرفت؟
وقالوا: الدليل على ذلك أن معاذًا كان يأتي بالزكاة من أهل اليمن إلى المدينة، والمسألة فيها خلاف بين العلماء، ولا شك أنه إذا وُجد في البلد الذي أنت فيه فقراء أنه ليس من حُسن الجوار أن تُخرج الزكاة عنهم إلى بلد آخر، اللهم إلا أن يتميز البلد الآخر بشدة الحاجة، أو بقرابة، أو ما أشبه ذلك من المميزات، فهذه يُنظر فيها.
***
(1/2891)
________________________________________
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى: ولا زكاة في مال من عليه دَيْن ينقص النصاب، ولو كان المال ظاهرًا، وكفارة كدَيْن، وإن ملك نصابًا صغارًا انعقد حوله حين ملكه، وإن نقص النصاب في بعض الحول أو باعه أو أبدله بغير جنسه لا فرارًا من الزكاة انقطع الحول، وإن أبدله بجنسه بنى على حوله، وتجب الزكاة في عين المال، ولها تعلق بالذمة، ولا يعتبر في وجوبها إن كان الأداء، ولا بقاء المال والزكاة كالدين في التركة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبق لنا أن الزكاة أحد أركان الإسلام، ودليل ذلك؟
طالب: قوله تعالى ..
الشيخ: أنها أحد أركان الإسلام.
طالب: حديث ابن عمر: «بُنِي الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» (9).
الشيخ: وذكر منها؟
طالب: «وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ».
الشيخ: نعم، أحسنت، وسبق لنا أن لها شروطًا، أي لوجوبها شروط، منها؟
طالب: الحرية، والإسلام، ومضي الحول، وملك النصاب، والاستقرار.
الشيخ: الاستقرار، خمسة شروط. ما هي الحكمة في أن الشرع جعل لبعض العبادات، بل لجميع العبادات شروطًا وأوصافًا إذا لم تتحقق لم تجب، أو لم تشرع؟
طالب: ما هناك.
الشيخ: قد تقول: ما قيل، لكن أنت طالب علم!
طالب: دفعًا للحرج.
الشيخ: الحرج؟ طيب هذا واحد، دفعًا للحرج حتى لا تجب العبادة على كل أحد.
طالب: ( ... ) قول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
الشيخ: إي، هذا دفع الحرج.
طالب: حسن سمو الشريعة.
الشيخ: إي لأيش؟ كيف ذلك؟
الطالب: جعلت هذه الحكمة أن تؤخذ الزكاة من الأغنياء إلى الفقراء.
الشيخ: لا، أنا غير هذه، أنا قصدي الشروط للعبادات الآن، الصلاة لها شروط، والزكاة لها شروط، فما هو الحكمة؟
طالب: لتتميز كل عبادة عن الأخرى.
(1/2892)
________________________________________
الشيخ: زين، التمييز والانضباط؛ لأنه ما يمكن تكون الأشياء هكذا بدون معانٍ، بدون أوصاف تُقيَّد بها؛ فلهذا جعل الشارع لها شروطًا، حتى تنضبط الواجبات.
طالب: التباين ( ... ).
الشيخ: إي، الانضباط يعني اختلاف تعبير.
طالب: حتى يعلم الناس أن التشريع يعود إلى الشارع.
الشيخ: يعني لأنه هو الذي وضع هذه الشروط.
طالب: لا يزيد فيها ولا ينقص.
الشيخ: إي نعم، طيب هي على كل حال لها أكثر من هذه الفوائد، وتظهر للمتأمل؛ لأنه لو قال: تجب عليكم الصلاة بدون شروط كان هذا يصلي أربعًا وهذا يصلي خمسًا، وهذا يصلي بركوع، وهذا يصلي بدون ركوع ولا تنضبط الأشياء، ثم لكان الناس في فوضى يأمروا بالصلاة وإن لم تتم الشروط، فيحصل بذلك الحرج والضيق على الناس؛ فلهذا جعل الشارع لكل عبادة من شروطها. طيب لماذا اشتُرطت الحرية لوجوب الزكاة؟
طالب: لأن العبد لا يملك.
الشيخ: نعم؛ لأن العبد لا يملك، والله عز وجل يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} والعبد لا مال له، ما هو الدليل على أن العبد لا يملك؟
طالب: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ» (10).
الشيخ: مين قال ها الكلام؟
الطالب: النبي صلى الله عليه وسلم. .
الشيخ: إي، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم.
الطالب: قوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ».
الشيخ: نعم، قال: «فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ»، لكن هنا قد يقول قائل: في الحديث يعني ما يظهر منه التناقض، كقوله: «لَهُ مَالٌ»، ثم قال: «فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ». كيف له مال، ثم يقول: للذي باعه؟
طالب: إلا أن يشترط المبتاع. .
الشيخ: لا، ما هو هذا الإشكال.
طالب: أنه ما يكون عليه من الملابس ( ... ) من ملابس الزينة.
طالب آخر: قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5].
الشيخ: لا.
(1/2893)
________________________________________
طالب: كون العبد بما يكتسب؛ يعني يعمل ويكتسب فيكون يعني باعتبار خصوص لو ( ... ).
الشيخ: نقول: إن معنى اللامين مختلف، وإذا اختلف المعنى فلا تعارض، عبدًا له مال، الأول للاختصاص، كما تقول: بعيرٌ لها رحل، والثانية: فماله للذي باعه، اللام هذه لأيش؟
طالب: للملك.
الشيخ: للملك، فلما اختلف المعنيان لم يحصل تعارض.
اشتراط الإسلام لوجوب الزكاة ما دليله؟
طالب: لأن الإسلام هو الأساس، فإذا لم يوجد إسلام ( ... ).
الشيخ: إي، لكن ما فيه دليل، هذا تعليل.
الطالب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما سار لليمن: «فَادْعُهُمْ لِلشَّهَادَتَيْنِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ»
الشيخ: فالصلاة.
الطالب: «فَالصَّلَاةُ، ثُمَّ أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّه افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» (11) ( ... ) طاعتهم لابن جبل.
الشيخ: تمام، هذا دليل، الدليل الآخر؟
طالب: قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: 18] ( ... ) هذا في بلد بعيد.
الشيخ: نعم، أن أعمال الكافر هباء كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، فيه آية صريحة تقريبًا في الموضوع.
طالب: قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].
الشيخ: لا.
طالب: قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ}.
الشيخ: غير هذا {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54]. اشتراط ملك النصاب؛ يعني أن يملك الإنسان نصابًا زكويًّا، ما دليله؟
الطالب: قول النبي عليه الصلاة والسلام: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» (12). الذهب إذا بلغ عشرين دينارًا ففيه ربع العشر.
(1/2894)
________________________________________
الشيخ: نصف دينار، طيب.
الطالب: والفضة إذا بلغت مئتي درهم ففيها.
الشيخ: ربع العشر «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» و «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» (12) وقال في الغنم: «إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ»، شاة فيها، وهكذا إذن لا بد من ملك النصاب، فيه أيضًا تعليل لهذا.
طالب: لا مسوغ لوجوب الزكاة.
الشيخ: لا غيره؛ لأن ما دون النصاب لا يحتمل المواساة، فإذا أخذنا من عنده مثلًا ريالًا واحدًا، لو قلنا: لا نصاب قلنا: يجب في الريال الواحد زكاة، إذا أخذنا من الريال الواحد ربع ريال نقصه كثيرًا، فلهذا قالوا: ما دون النصاب لا يحتمل أيش؟
طلبة: المواساة.
الشيخ: المواساة، إذن فيها دليل وفيها تعليل. استقرار الملك شرط، هل يمكن أن يكون فيه دليل أو تعليل؟ أولًا: لا بد أن نعرف مثال ذلك من أجل أن يتضح، إذا ضاربتُ شخصًا؛ أعطيته دراهم على أن يتاجر بها، وله نصف الربح فرَبح، ربح المال، ربح أكثر من النصاب، أعطيته مئة فبلغت ألفًا، وحال عليها الحول، فعندنا الآن تسع مئة كلها ربح، حصة المضارَب –بالفتح؛ وهو العامل- من هذا الربح أربع مئة وخمسون لا تجب فيها الزكاة، وحصة المضارِب رب المال أربع مئة وخمسون تجب فيها الزكاة مضافة إلى رأس المال وهو مئة، يعني عليه زكاة خمس مئة وخمسون، أما المضارَب العامِل ليس عليه زكاة، لماذا؟
لأن ملكه غير مستقر؛ إذ من الجائز أن يبيع مرة بعد أخرى، ثم يخسر، فهو غير ثابت، فإذا خسر معناه أنه لن يستقر ملكه على ذلك، الآن عرفتم لماذا لا تجب الزكاة في مال غير مستقر ملكه؟
طالب: لأنه عرضة للزوال.
الشيخ: لأنه عرضة للتلف.
ولكن قد يقول قائل: نعم، هو عرضة للتلف، لكن إذا تم عليه الحول ولم يتلف، لماذا لا توجبون عليه كلما تم حول وهو باقٍ توجبون الزكاة؟
قلنا: لأنه ليس له أصل يرجع إليه، بخلاف حصة رب المال فلها أصل يرجع إليه، وهو رأس المال، هكذا فرقوا بينهما.
(1/2895)
________________________________________
ما هو الذي لا يُشترط فيه تمام الحول؟
طالب: أقول: هي في أربعة أشياء: هي نتاج السائمة، وعروض التجارة، والمواشي، والنقدين الذهب والفضة.
الشيخ: نتاج السائمة هو المواشي.
طالب: إي نعم، والخارج من الأرض.
الشيخ: نعم، الْمُعَشَّر وهو الخارج من الأرض.
طالب: الأخرى، ذكرنا أن مسألة العسل فيه خلاف.
الشيخ: إي نعم، أربعة: الْمُعَشَّر وهو الخارج من الأرض، نتاج السائمة، ربح التجارة، سادس، يعني ما وجبت زكاته على الفور، مثل الركاز، إذا قلنا: إن الخمس اللي واجب فيه الزكاة، وكذلك العسل على القول بوجوبه، الثمار والْمُعشَّر.
رجل اشترى أرضًا بعشرة آلاف ريال، وبعد مضي تسعة شهور بلغت عشرين ألفًا، فهل الزكاة واجبة عليه في العشرة آلاف ريال أو في العشرين؟
طالب: في العشرين.
الشيخ: بس العشرة الربح ما تم لها إلا ستة أشهر.
طالب: لكن رأس المال هو القائم انضم إليها.
الشيخ: يعني الربح يكون تبعًا لرأس المال، تمام، فإذا تم الحول أوجبنا عليه زكاة عشرة آلاف ريال؛ لأن الربح يتبع الأصل.
رجل عنده خمسة آلاف ريال، وبعد مضي ستة أشهر مات له ميت مُورِّث، فورث منه خمسة آلاف ريال، وتم حول الخمسة الأولى، فهل تجب عليه زكاة في الخمسة الثانية أو لا؟
طالب: لا تجب فيها الزكاة.
الشيخ: ليش؟
طالب: لأنها ليست عروض تجارة، من ملكها يبدأ نصابها من الملك.
الشيخ: إي.
طالب: لأنها ليست من أصل المال.
الشيخ: يعني ليست تابعة لأصل.
طالب: ليست تابعة للأول.
الشيخ: ليست تابعة للأول، نفس الشيء؟ هذه ليس لها أصل تبنى عليه، ميراث جديد، كما لو وُهب له هبة في أثناء الحول فإنه لا يضمها إلى ما سبق في الحول.
المؤلف رحمه الله يقول: في نتاج السائمة (حولهما حول أصلهما إن كان نصابًا، وإلا فمن كماله)، إن بلغ نصابًا وإلا فمن كماله، أيش معنى العبارة؟
طالب: حوله حول أصله؛ يعني النتاج إن كان الأصل قد تم نصابًا فالنتاج يكون حول أصله.
الشيخ: وإلا؟
(1/2896)
________________________________________
الطالب: وإلا يبدأ من تمام النصاب، أو النصاب الأصلي.
الشيخ: طيب مثِّل للأول إذا كان الأصل دون النصاب.
الطالب: إذا كان الأصل دون النصاب مثلًا لو كان رجل عنده خمس وثلاثون شاة، ثم دار عليها الحول فلا يزكي.
الشيخ: تمام.
الطالب: وعندما أنتجت فبلغت أربعين فيبدأ منذ بلوغها النصاب.
الشيخ: يعني مثلًا بقيت الغنم خمسًا وثلاثين إلى ستة أشهر، ثم أنتجت، كل واحدة جاءت بواحد، كم صار عنده؟ صار عنده سبعون، هل يبني على حول الخمسة وثلاثين الذي مضى عليه ستة أشهر، أو من حين ما ولَّدته؟
طالب: من حين ما ولدته.
الشيخ: من حين ما ولدته ليش؟ لأن الأصل.
طلبة: كان دون النصاب.
الشيخ: كان دون النصاب، فلا يبني عليه. لو كان عنده أربعون إلى ستة أشهر، ثم ولدت كل واحدة واحدة.
طلبة: الزكاة على الأصل.
الشيخ: يكون حول هذا من الأصل، كم يجب عليه إذا تم الحول؟
طلبة: شاتان.
الشيخ: خطأ.
طلبة: لا، شاة واحدة.
الشيخ: نعم.
طلبة: شاة واحدة.
الشيخ: اضبطوا يا جماعة، عنده أربعون شاة، ومضى عليها ستة أشهر فولدت كل واحدة واحدة.
طلبة: ( ... ).
الشيخ: وتم الحول.
طلبة: شاة واحدة.
الشيخ: شاة واحدة، لماذا؟
طلبة: لأن الوقص.
الشيخ: لأن الوقص لا يحسب، الوقص ما بين الفرضين من أربعين شاة إلى مئة وعشرين ما فيها إلا شاة واحدة؛ يعني لو ولدت أربعين شاة، لو ولدت كل واحدة اثنين.
طلبة: فيها شاة واحدة.
الشيخ: شاة واحدة؛ لأن الجميع يكون.
طلبة: مئة وعشرين.
الشيخ: مئة وعشرين. لو ولدت واحدة ثلاثًا، والباقي على شاتين.
طلبة: شاتين.
الشيخ: فإذا تم حول الأمهات وجب عليه شاتان صح ولَّا لا؟
المهم أن نتاج السائمة حوله حول أصله إن كان نصابًا، أما إذا لم يكن نصابًا فإنه من تمام النصاب.
ثم قال المؤلف: (ومن كان له دَيْن أو حق من صداق أو غيره) رجل له دَيْن على معسر، تم له عشر سنوات، ثم قبضه؟
طالب: لا يزكي ما مضى.
الشيخ: لا يزكي ما مضى على كلام المؤلف.
(1/2897)
________________________________________
الطالب: على كلام المؤلف يأتي.
الشيخ: يزكي لما مضى؟ ويش تقولون؟
طلبة: يزكي.
الشيخ: صحيح؟
طلبة: صحيح، يزكي.
الشيخ: يزكي لما مضى؛ يعني للعشر سنوات كلها، متأكد؟
طالب: هذا قول المؤلف.
الشيخ: إن هذا قول المؤلف، متأكد أن هذا قول المؤلف؟
طالب: هو قول المؤلف.
الشيخ: أسألك الآن: هل أنت متأكد أن هذا قول المؤلف؟
طالب: نعم، متأكد.
الشيخ: متأكد، ماذا قال؟
طالب: على مليء أو غيره.
الشيخ: على مليء أو غيره، صح. المؤلف يرى أيضًا أن الزكاة إذا نقصت النصاب سقطت الزكاة.
طالب: هذا ( ... ).
الشيخ: يرى أنها دين، فإذا قدرنا مثلًا رجلًا له مئتا درهم في ذمة شخص معسِر، وبقيت عشر سنين كم يزكيها؟ قبضها بعد عشر سنين.
طالب: عشرين.
الشيخ: لا، عشر سنين بقيت.
الطالب: عشرين تؤدى عليها.
الشيخ: لا، ما هو مقدار الزكاة؟ إنسان له عند شخص معسر مئتا درهم نصاب ولَّا غير نصاب؟
طلبة: نصاب.
الشيخ: نصاب، بقيت عند الفقير عشر سنوات، والرجل الذي له الدراهم ما عنده مال، ليس عنده مال سواها، فقبضها كم يزكيها؟
طلبة: عشر سنوات، فيما مضى، خمسين.
الشيخ: كيف ما أنا بأقول كم مقدار الزكاة؟
طلبة: عشر سنوات.
الشيخ: كم يزكيها عشر سنوات ولا سنة ولا سنتين.
طلبة: عشر سنوات.
الشيخ: عشر سنوات، خطأ.
طالب: سنتين.
الشيخ: خطأ.
طالب: سنة واحدة يا شيخ؛ لأنه ينقص النصاب.
الشيخ: سنة واحدة؛ لأنه ينقص النصاب، والمؤلف يقول: إن الدين الذي ينقص النصاب معناه ما تجب الزكاة، ما هي مئتين درهم تجب في أول سنة كم؟ درهمين ونصف صح ولَّا لا، درهمين ونصف.
طالب: خمسة وعشرون في ثلاثة.
الشيخ: مئتي إيه صحيح خمسة دراهم، يجب في أول سنة خمسة دراهم، كم بقي له؟
طلبة: مئة وخمسة وتسعون.
(1/2898)
________________________________________
الشيخ: مئة وخمسة وتسعون دون النصاب، فلا تجب فيها الزكاة؛ لأن ما دون النصاب لا زكاة فيه، حطوا بالكم من المسألة دي؛ لأنه ربما يأتي إنسان ويقول مثل هذا السؤال، نعم، لو فرضنا أن الرجل هذا عنده مال آخر، الذي له الطلب عنده مال آخر لا ينقص النصاب إذا وجبت زكاته، فهنا يجب عليه أن يزكي.
طالب: عشر سنوات.
الشيخ: عشر سنوات، لو فرضنا أن الرجل هذا عنده آلاف الدراهم، قلنا: إذن المئتان اللي في ذمة الفقير لم تنقص، فعليك زكاتها لكل سنة، تمام؟
في المسألة قول آخر: أن المال في ذمة المعسر كالمعدوم، وعلى هذا، فإذا قبضه ابتدأ حولًا جديدًا، هذا قول.
والقول الثالث أنه كالمعدوم؛ لأنه معدوم شرعًا في الواقع، إذ لا يحل لصاحب الطلب أن يطالب المعسر؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]، لكن يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة، جعلًا لهذا القبض كالثمار إذا حصلت، والثمار لا يشرط فيها تمام الحول، أو يقولون: إنه تُحسب السنة التي أعطى الفقير فيها الدين، فيؤدي لسنة، وهذا القول هو مذهب مالك رحمه الله، وهو عندي أحوط من القول بأنه يبتدئ بها حولًا جديدًا، أما وجوب الزكاة وهي على معسر فهو ضعيف؛ لأنه قد حِيل بينه وبين ماله شرعًا أو قدرًا؟
طلبة: شرعًا.
الشيخ: شرعًا، ما يقدر؛ لأن الله قال: {إِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} فيكون القول الصحيح: أنها لا تجب الزكاة إلا لسنة واحدة.
قول المؤلف: (ولو كان المال ظاهرًا)، ما هو المال الظاهر؟
طالب: ما أدري.
الشيخ: ما تعرف؟
الطالب: الأموال الظاهرة؛ كالمواشي.
الشيخ: المواشي والحبوب.
الطالب: والحبوب.
الشيخ: والثمار. لماذا سميت ظاهرًا؟
الطالب: لأنها واضحة للفقراء يرونها الفقراء.
الشيخ: ولا تحفظ في الصناديق.
الطالب: ولا تحفظ في الصناديق.
الشيخ: قول المؤلف: (ولو كان المال ظاهرًا)، إشارة إلى أيش؟
(1/2899)
________________________________________
طالب: إلى العِلم بمكانة المال باطنًا فتجب فيه الزكاة.
الشيخ: لا.
طالب: إذا كان المال باطنًا، فمن باب أولى لا زكاة على الظاهر.
الشيخ: لكن قوله: (ولو كان المال ظاهرًا) ليش جابه؟ لماذا أتى بها ودفعها.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا.
طالب: هي مسألة خلافية.
الشيخ: نعم، إشارة إلى خلاف في المسألة، فإن من العلماء من يقول: تجب الزكاة في مال من عليه دَيْن إذا كان المال ظاهرًا، كالمواشي والثمار، وعلَّلوا ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعث السُّعاة لأخذ زكاة المواشي والنخيل، ولا يسألهم هل عليكم دين أو لا؟ مع أن الغالب عليهم في النخيل الغالب عليهم الديون، كما قال ابن عباس: قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين (13) ويش معنى يسلفونها؟ يعني يأخذون دراهم من الأغنياء بثمر عند وجوده، فتجد الفلاح يأخذ الدراهم من الغني على أن يعطيه مئة بدله تمرًا عند حلول أجل الدين، فقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعث السعاة لأخذ الزكاة من الثمار دون أن يسأل المزارع: هل أنت مدين أو لا؟ هذه واحدة.
ثانيًا: أن الأموال الظاهرة تتعلق بها أطماع الفقراء؛ فالسبب للزكاة ظاهر، والدين باطن ولَّا ظاهر؟
طلبة: باطن.
الشيخ: باطن ولا يمكن أن يسقط الباطن الظاهر، المدِين، ما هو يروح للناس يقول: يا جماعة، ترى في ذمتي دين، اعفوني من الزكاة، الدين باطن، والثمار والمواشي ظاهرة، فلا يمكن أن يسقط الباطن الظاهر؛ لأن حق الفقراء متعلق بما يشاهدونه.
هناك قول ثالث: أن الزكاة تجب في مال المدين مطلقًا، فإذا كان عنده ألف وفي ذمته ألف وجب أن يزكي على الألف الذي بيده، واستدل هؤلاء بعموم الأدلة القاضية بوجوب الزكاة في الأموال بدون تفصيل.
(1/2900)
________________________________________
والقول بأن الزكاة مواساة، والمدين ليس من أهل المواساة، هذا قد يُنظر فيه؛ لأن الزكاة حقيقة هي عبادة، أهم ما فيها العبادة، أن يبذل الإنسان ما يحب لما يحبه الله، هذا أهم شيء، ما هو أن يحسن إلى الفقير أو يواسي الفقير لا، الإحسان إلى الفقير ومواساة الفقير تحصل حتى من الكافر، لكن أهم شيء فيها أيش؟ التعبد لله تعالى ببذل المحبوب والمال محبوب للنفوس {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]، {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، فأنت عندما تبذل زكاتك لا تنوي أنك تدفع الزكاة لمجرد الإحسان لمن يستحقها، بل أهم من ذلك أيش؟ أن تنوي بها التعبد لله تعالى ببذل محبوبك لما يحبه الله عز وجل حتى يتحقق أنك تقدم ما يحبه الله على ما أيش؟
طلبة: تحب.
الشيخ: على ما تحب واضح؟ إذن نقول: الزكاة واجبة في المال الذي بين يديك، والدين الذي في ذمتك يعينك الله عليه، أنت أدِّ زكاة مالك، ونحن نعطيك ما توفي به دينك، لو فرضنا عنده ألف ريال وعليه عشرة آلاف ريال، نقول له: أدِّ زكاة مالك، ونعينك في قضاء كم؟
طالب: عشرة آلاف ريال.
الشيخ: تسعة آلاف ريال؛ لأن عنده ألف، أدِّ الزكاة، واقضِ الدين ألف ريال ونحن نعطيك تسعة آلاف، فخذ وأعطِ، هذا القول اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز، والأول أن المال إذا كان ظاهرًا وجبت الزكاة فيه ولو على المدِين، وإذا كان باطنًا فلا زكاة على المدِين في ماله الذي بين يديه، اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، فلنا شيخان في هذه المسألة، ويكون لنا فيها قولان، وأيهما أحوط؟
طالب: الثاني.
الشيخ: الثاني أو الأول؟
طالب: الثاني.
(1/2901)
________________________________________
الشيخ: يعني الوجوب مطلقًا أحوط، وأبرأ للذمة، وربما يبارك الله للإنسان بماله الذي بيده فيعينه على سداد دينه، كما جاء في الحديث الصحيح: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» (14). فالأقوال إذن في قول المؤلف: (ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب) الأقوال ثلاثة، ولكن هنا مسألة يجب أن نتفطن لها، وهو أنه إذا حل الدين قبل وجوب الزكاة كان الواجب على المرء أيش؟
طلبة: أن يؤديه.
الشيخ: أن يؤديه، يؤدي الدين، إذا أدى الدين لم تجب الزكاة عليه إلا فيما بقي إلا فيما بقي.
قال المؤلف رحمه الله: (وإن ملك نصابًا صغارًا انعقد حوله حين ملكه) (إن ملك نصابًا صغارًا)، ما الذي يتصور في هذه الصورة؟
طالب: الماشية.
الشيخ: في الحبوب.
طلبة: في المواشي.
الشيخ: في الثمار، في المواشي.
(وإن ملك نصابًا صغارًا انعقد حوله حين ملكه) مثاله: اشترى رجل أربعين طفلة صغيرة من الغنم، فينعقد الحول من متى؟
من حين ملكه، لكن لو فرضنا أن هذه الأطفال تتغذى باللبن توها مولودة، تتغذى باللبن فلا زكاة فيها ليش؟ لأنها غير سائمة الآن، ومن شروط وجوب الزكاة في الماشية أن تكون سائمة، وهذه الأطفال لا ترعى، تسقى اللبن، فهي غير سائمة فقول المؤلف: (انعقد حوله حين ملكه) يجب أن يلاحظ فيه الشرط، وهو أن تكون سائمة، فإذا كانت تتغذى باللبن، ولا ترعى فإنه لا زكاة فيها نعم.
إذا قيل: ما الدليل على أنه ينعقد الحول على الماشية الصغار؟
قلنا: عموم الأدلة: «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» (6)، وهذه من الشياه بلا شك، فالدليل هو العموم، لم يفرق النبي عليه الصلاة والسلام بين الصغير والكبير إلا في مسألة واحدة وهي السَّوْم.
ثم قال المؤلف: (وإن نقص النصاب في بعض الحول سقطت الزكاة)، عنده مئتا درهم، وفي أثناء الحول سرق منها خمسة، فهل عليه الزكاة في الباقي؟
طلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟
طلبة: لم تبلغ النصاب.
(1/2902)
________________________________________
الشيخ: لأنه نقص النصاب قبل تمام الحول، فإن سُرقت بعد الحول بيوم؟
طالب: فعليه الزكاة.
الشيخ: فعليه الزكاة، فعليه زكاة ما بقي، وإن سُرقت كلها فسيأتينا -إن شاء الله تعالى- في باب إخراج الزكاة حكم هذا.
يقول: (إن نقص النصاب في بعض الحول أو باعه انقطع الحول إلا في عروض التجارة)، فإذا باع النصاب في أثناء الحول انقطعت الزكاة.
مثاله: رجل عنده أربعون شاة سائمة فيها شاة، لكن قبل تمام الحول باعها بدراهم، وهو رجل ليس متجرًا، لكن رأى أنها أتعبته في الأكل والشرب والمراعاة فباعها، فهل يبني في الدراهم التي هي ثمنها على حولها أو نقول: انقطع الحول؟
طلبة: انقطع الحول.
الشيخ: انقطع الحول، فيبتدئ للدراهم حولًا جديدًا حتى لو باعها قبل تمام الحول بيوم أو يومين فإنه ينقطع الحول.
يقول المؤلف: (أو أبدله بغير جنسه) والحقيقة أن الإبدال بَيْع، لكن ما دام المؤلف -رحمه الله- قال: (باعه أو أبدله) يجب أن نجعل البيع بالنقد، والإبدال بالعين، الإبدال بالعين فنقول: إذا باع أربعين شاة بدراهم، فهذا بيع.
إذا أبدل أربعين شاة ببقر، بثلاثين بقرة فهذا بدل، وإلا فالبيع بدل، كما قالوا في تعريف البيع: هو مبادَلة مال، ولو في الذمة بمثله.
وقوله: (أبدله بغير جنسه) لو أبدله بجنسه فإنه لا ينقطع الحول مثل أن تبيع المرأة ذهبها الحلي بذهب، فإن الحول لا ينقطع، لماذا؟ لأنه أبدل بجنسه، أو يبيع صاحب أربعين شاة غنمه بأربعين شاة من آخر، فإن الحوْل أيش؟
طلبة: لا ينقطع.
الشيخ: لا ينقطع، لماذا؟ لأنه أبدله بجنسه. إذا أبدل ذهبًا بفضة؛ يعني كان عنده مثلًا عشرون دينارًا، وفي أثناء الحول باعها بمئتي درهم، فهل ينقطع الحول؟
طلبة: ( ... ).
(1/2903)
________________________________________
الشيخ: نقول: ظاهِر كلام المؤلف أن الحوْل ينقطع؛ لأن الذهب غير الفضة بنص الحديث، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» (15).
وعلى هذا فيكون كلام المؤلف عامًّا، حتى في إبدال الذهب بالفضة، والمذهب أن إبدال الذهب بالفضة لا يقطع الحول؛ لأنهما في حكم الجنس الواحد، بدليل أن أحدهما يكمل بالآخر في النصاب، ولكن الصحيح أن أحدهما لا يكمل بالآخر في النصاب، وأن الحول ينقطع؛ لأنهما من جنسين.
طالب: يا شيخ، المال غير المستقر، ولكنه عُرضة للزوال ( ... ).
الشيخ: إي، أحسنت، لكن المال الآخر له أصل، وهو تمام الملك، أما هذا ما تم ملكه عليه.
طالب: يا شيخ، إذا كان عند رجل أربعون شاة سائمة، وفي تمام الحول إذا خرج تمام الحول، وأخذ منهم خمسة حتى يأتي بالشعير في البيت بهدف الفرار من الزكاة.
الشيخ: إي، الفرار لا ينفع، الحيل باطلة شرعًا.
الطالب: يعني أخذ ..
الشيخ: الحيل باطلة شرعًا.
الطالب: يعني أصلًا ما هو الفرار من أجل ..
الشيخ: بيجينا إن شاء الله إي نعم.
طالب: قلت في نتاج السائمة ( ... ): إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا، ولا يسألون الناس هل عليهم دين، ( ... ) قد يأتي إنسان ويرد عليهم ويقول أيضًا: لا يسألون هل فيها ( ... )؟
الشيخ: نعم، هذا وجد مالًا، الأصل أنها له ولو كان عنده خلاف ذلك لدافع.
طالب: يا شيخ، نصف مليون درهم حال عليها الحول، وقبل أن يحول عليها الحول بيوم سرقت نصف المليون، ضاعت.
الشيخ: سرقت.
الطالب: خمسة ( ... ).
الشيخ: نعم.
الطالب: ثم انتهى الحول، وبدأ الحول الجديد، وملك ( ... ).
الشيخ: ملك، يبتدئ حولًا جديدًا.
الطالب: ما عندوش مال.
الشيخ: خلاص انقطع.
الطالب: ما يرجع إلى أصله.
(1/2904)
________________________________________
الشيخ: لا، ما يرجع إلى الأصل؛ لأنه نقص قبل تمام الحول، فإذا رُزق مثلًا، لو رزق بعد تمام الحول بيوم أو يومين خمسة دراهم ما يتمم، لكن كنت أظن أنك بتسأل تبغي تقول، لو أنها وجدت من السارق.
طالب: ( ... ).
الشيخ: هذا ما كنت أظن، فما تقولون في هذه المسألة؟
طلبة: ( ... ) يجب على السارق فيما مضى.
الشيخ: يعني مثلًا سُرقت خمسة دراهم من مئتي درهم قبل تمام الحول بيوم، وبعد تمام الحول بيوم رُدَّت هذه السرقة، فهل نقول: إن هذا المسروق في حكم الموجود، أو نقول: إن الأصل أن السارق ما هو براده فيكون في حكم المعدوم؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: على كل حال محل نظر، إن شاء الله نتأملها.
طالب: إذا كان الدين على غني مماطل، ما هو المقصود؟
الشيخ: الغني المماطِل الذي لا تمكن مطالبته كالفقير، والذي تمكن مطالبته يقال: أنت الذي فرطت، الذي لا تمكن مطالبته مثل لو كان عند الحكومة مثلًا، أو عند ذي سلطان أو عند أبيك.
طالب: ( ... ).
الشيخ: من اللي يعلمنا بالخمسة؟
طالب: أقول: ولو ظاهرًا ( ... ).
الشيخ: ولو كان المال ظاهرًا.
طالب: قد يكون مثلًا صاحب مال باطن ويرى ظاهرًا ( ... ).
الشيخ: إي نعم، هذا أوردناه فيما سبق، قد يكون تاجر عنده معارض معروف أنه غني، لكن هم يقولون: عروض التجارة تجب الزكاة في قيمتها في النقدين، والنقدان على كل حال باطنة، ما هو الواحد يكدس فلوسه عند الناس.
طالب: لكن هي ظاهرة يعني.
الشيخ: لا، ظاهرها أنها عروض؛ لأن أهل التجارة لا يبدون في مكان تجارتهم إلا العروض ما هو بالواحد يجي يصف الدراهم ( ... ).
وعلى نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال المؤلف رحمه الله: (وكفارة كدين) ما معنى هذه العبارة؟
طالب: قلنا: الكفارة إذا كانت تنقص النصاب ( ... ) فإنه لا يجب ( ... ).
الشيخ: مثاله؟
الطالب: مثاله: شخص عنده أربعون شاة باع شاة من أجل الكفارة فعليه كفارة.
الشيخ: لكن ما باع كله موجود الآن.
(1/2905)
________________________________________
الطالب: ( ... ) وعليه كفارة.
الشيخ: عليه كفارة.
الطالب: الكفارة تساوي شاة أو أكثر.
الشيخ: نعم.
طالب: لأنه ماله.
الشيخ: أو أقل.
طالب: لا.
الشيخ: كيف؟ حتى لو كان أقل فإنه ليس عليه زكاة، كذلك لو كان عنده ألف وعليه عتق رقبة بألف فلا زكاة عليه في هذا الألف بناء على أن الدين يمنع وجوب الزكاة.
يقول المؤلف: (إذا ملك نصابًا صغارًا انعقد حوله حين ملكه) ما معنى العبارة؟
طالب: رجل مثلًا كان عنده أربعون شاة، وهذه الصغار أنتجت فينقطع.
الشيخ: إن ملك نصابًا صغارًا ملك؟
طالب: أي ملك أربعين شاة صغارًا، وليست ترعى من الماشية، ترعى من اللبن هذا يا شيخ.
الشيخ: لا.
طالب: إذا ملك مالك، يعني لو اشترى مالك صغارًا مثل المواشي وحبوب وغير ذلك.
الشيخ: الحبوب ما بصغار وكبار يا شيخ!
الطالب: لا، صغار منهم صغار يعني صغار من الغنم، الصغار كالكبار، ينعقد حوله من أول ما ملك يعني إذا ..
الشيخ: يعني لو اشترى مثلًا بهمة، أربعين بهمة انعقد حوله من حين؟
الطالب: من حين ملكه.
الشيخ: من حين ملكه، لكن يشترط.
الطالب: أن تكون سائمة.
الشيخ: أن تكون سائمة؛ يعني لا تتغذى باللبن، فإن كانت تتغذى باللبن فإنه لا ينعقد الحول؛ لأنه لا زكاة في غير السائمة.
رجل يملك مئتي درهم أي نصابًا، وفي أثناء الحول سُرِق منه خمسة دراهم.
طالب: ينقطع الحول.
الشيخ: ثم بعد ذلك كسب خمسة دراهم، هل يبني على الحول الأول أو يستأنف الحول من جديد؟
طالب: يا شيخ، ذكرت أنك ستبحث ما سبق.
الشيخ: رجل عنده مئتا درهم أي: نصابًا سُرق منه خمسة دراهم، ثم بعد ذلك رزقه الله خمسة بدل التي سرقت، فهل يبني على الحول الأول أو يستأنف الحول من جديد؟
طالب: يستأنف الحول من جديد.
الشيخ: لماذا؟
طالب: لأنه في حكم المعدوم.
الشيخ: في حكم المعدوم سُرق؟
طالب: لما سُرق منه، ونقص النصاب، فصار في حكم المعدوم ليس إلا.
(1/2906)
________________________________________
الشيخ: يعني لما نقص النصاب انقطع الحول، فإذا عاد النصاب استأنف حولًا جديدًا.
طالب: ما يفرق مثلًا قبل انقضاء الحول، وما بعد انقضاء الحول.
الشيخ: وفي أثناء الحول، قلنا: في أثناء الحول.
طالب: ما هو يا شيخ يكون العبرة ( ... ).
الشيخ: في أثناء الحول؛ يعني قبل تمام الحول.
طالب: ما هو العبرة بالطين ( ... ).
الشيخ: ما هو هلك في عروض التجارة، إذا أبدله بجنسه، يقال: انتقل وهمك إذا ما أبدله. إذا نقص النصاب في أثناء الحول.
طلبة: انقطع الحول.
الشيخ: انقطع الحول، فلو عاد ابتدأ حولًا جديدًا.
رجل عنده غنم، فلما مضى نصف الحول باعها ببقر، ويش تقول؟
طالب: انقطع الحول.
الشيخ: لماذا؟ مين اللي أجاب، لا السؤال للأخ.
الطالب: لا زكاة فيها.
الشيخ: عنده غنم، نصاب من الغنم، وفي أثناء الحول باعه بنصاب من البقر، هل ينقطع الحول أو يبني على الأول؟
طالب: ينقطع الحول.
الشيخ: ينقطع الحول؛ لأنه أبدله بغير جنسه، إذن يستأنف الحول.
عنده نصاب من الغنم، فأبدله في أثناء الحول بنصاب من الغنم؟
طالب: لا ينقطع الحول.
الشيخ: لا ينقطع الحول، لماذا؟
طالب: لأنه أبدله بجنسه.
الشيخ: لأنه أبدله بجنسه، فلا ينقطع الحول. طيب عنده نصاب من الغنم سائمة، فأبدله بنصاب من الغنم عروضًا، هل ينقطع الحول أو لا؟
طالب: ينقطع الحول.
الشيخ: كيف؟ عنده أربعون شاة سائمة فأبدلها بأربعين شاة عروضًا يريد بها التكسب.
طالب: تغير.
الشيخ: هل ينقطع الحول أو يبني على ما مضى؟
الطالب: ينقطع يا شيخ.
الشيخ: ما هو غنم بغنم؟
طالب: إي، لكن الغنم الثانية غير الغنم الأولى، الثانية عروض تجارة والأولى ..
الشيخ: عروض تجارة والزكاة في.
طالب: الزكاة في القيمة.
الشيخ: في قيمتها، فيكون كأنه أبدلها بغير جنسها.
إذن لو سُئلت هكذا مطلقًا: رجل أبدل أربعين شاة بأربعين شاة في أثناء الحول، فهل ينقطع الحول؟
طلبة: فيه تفصيل.
(1/2907)
________________________________________
الشيخ: يقال: فيه التفصيل؛ إن كانت كلها عروضًا، فإن الحول لا ينقطع، وإن كانت كلها سائمة، فإن الحول لا ينقطع، وإن أبدل سائمة بعروض أو عروضًا بسائمة.
طلبة: انقطع الحول.
الشيخ: انقطع الحول، تمام.
إذا أبدل ذهبًا بفضة، هل ينقطع الحول أو لا؟ عنده نصاب من الذهب أبدله بنصاب من الفضة في أثناء الحول.
طالب: ينقطع الحول.
الشيخ: ينقطع الحول، لماذا؟
طالب: لأن نصاب الذهب غير نصاب الفضة، يختلف النصاب في الذهب.
الشيخ: لأنه أبدله بغير جنسه، نعم، هذا القول هو الصحيح، والمذهب يرون أن الذهب والفضة جنس واحد، وأنه يُكمَّل أحدهما بالآخر في النصاب، ويُبنى أحدهما على الآخر في الحول، والصحيح أنهما جنسان مختلفان، لا يُكمَّل أحدهما بالآخر في النصاب، ولا يُبنى أحدهما على الآخر في الحول، هذا هو الصحيح.
وتَجِبُ الزكاةُ في عينِ المالِ ولها تَعَلُّقٌ بالذِّمَّةِ، ولا يُعتبَرُ في وُجوبِها إمكانُ الأداءِ ولا بقاءُ المالِ، والزكاةُ كالدَّيْنِ في التَّرِكَةِ.
(باب زكاة بهيمة الأنعام)
تَجِبُ في إِبِلٍ وبَقَرٍ وغَنَمٍ إذا كانت سائمةً الحولَ أو أكثرَه، فيَجبُ في خَمْسٍ وعشرين من الإبِلِ بنتُ مَخاضٍ، وفيما دونَها في كلِّ خمسٍ شاةٌ، وفي سِتٍّ وثلاثين بنتُ لَبُونٍ، وفي ستٍّ وأربعينَ حُقَّةٌ،
يقال: فيه التفصيل كذا؟ إن كانت كلها عروضًا فإن الحول لا ينقطع، وإن كانت كلها سائمة فإن الحول لا ينقطع، وإن أبدل سائمة بعروض أو عروضًا بسائمة انقطع الحول.
إذا أبدل ذهبًا بفضة، هل ينقطع الحول أو لا؟ عنده نصاب من الذهب أبدله بنصاب من الفضة في أثناء الحول.
طالب: ينقطع الحول.
الشيخ: ينقطع الحول، لماذا؟
الطالب: لأن نصاب الذهب يختلف.
(1/2908)
________________________________________
الشيخ: لأنه أبدله بغير جنسه، نعم، هذا القول هو الصحيح، والمذهب يرون أن الذهب والفضة جنس واحد، وأنه يكمل أحدهما بالآخر في النصاب، ويبنى أحدهما على الآخر في الحول، والصحيح أنهما جنسان مختلفان، لا يكمل أحدهما بالآخر في النصاب، ولا يبنى أحدهما على الآخر في الحول، هذا هو الصحيح.
رجل عنده نصاب من الغنم، فلما قارب الحول، خاف أن تلزمه شاة، فذهب فأبدلها بنِصاب من الغنم عروضًا، هل تسقط الزكاة أو لا؟ أنت فهمت السؤال؟ عنده أربعون شاة من الغنم سائمة، وعند قرب انقضاء الحول أبدلها بأربعين من الغنم عروضًا؛ لئلا تلزمه الشاة.
طالب: نعم، تلزمه الزكاة.
الشيخ: يعني لا ينقطع الحول، لماذا؟
الطالب: لفراره من الزكاة.
الشيخ: لأنه فعل ذلك فرارًا من الزكاة، والتحيل على إسقاط الواجب لا يسقطه، كما أن التحيل على المحرَّم لا يبيحه، وهذه قاعدة بينها الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» (1).
رجل عنده نصاب من الفضة، وفي أثناء الحول اشترى به عروضًا للتجارة، هل ينقطع الحول أو لا؟
طالب: ينقطع يا شيخ.
الشيخ: عنده دراهم فضة نصاب، في أثناء الحول اشترى به عروضًا، يعني تجارة، أموال تجارة هل ينقطع الحول أو لا؟
الطالب: ينقطع الحول.
الشيخ: ينقطع، لماذا؟ علِّل، وإلا فالحكم مبني على غير أساس.
طالب: ( ... ).
الشيخ: كيف؟
الطالب: ( ... ) التعبير ( ... ).
الشيخ: أبدًا نريد المعنى، عبِّر بما شئت؟
الطالب: اختلافهم في الجنسين يا شيخ.
الشيخ: لأنه أبدله بغير جنسه؟ هكذا تقول؟
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب ماذا تقولون في حكمه وتعليله؟
طالب: صحيح.
طالب آخر: خطأ.
الشيخ: خطأ، أيش الصواب؟
الطالب: لا، ينقطع الحول؛ لأن العروض أساسية؛ لأن يعتبر بها القيمة وهي الدراهم.
(1/2909)
________________________________________
الشيخ: عندنا قولان؛ قول: إنه ينقطع الحول؛ لأنه باعه بغير جنسه، وقول ثانٍ: لا ينقطع الحول؛ لأن الزكاة تجب في قيمة العروض لا في عينها، فكأنه أبدل دراهم بدراهم، والصحيح؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: الثاني، فعندنا الذهب والفضة والعروض تعتبر كشيء واحد، خصوصًا العروض، أما الذهب والفضة فقد عرفتم أن الصواب أنهما جنسان مختلفان، لكن إذا قُصد بهما التجارة صارا كالجنس الواحد.
والخلاصة أن عروض التجارة -انتبهوا لها- تجب الزكاة في قيمتها، فلا ينقطع الحول إذا أبدل دراهم بعروض تجارة، أو دنانير بعروض تجارة.
***
قال المؤلف رحمه الله: (وتجب الزكاة في عين المال، ولها تعلقٌ بالذمة).
اختلف العلماء رحمهم الله، هل الزكاة واجبة في الذمة، أو الزكاة واجبة في عين المال؟
فقال بعض العلماء: إنها واجبة في الذمة، ولا علاقة لها في المال إطلاقًا؛ بدليل أن المال لو تلف بعد وجوب الزكاة لوجب على المرء أن يؤدي الزكاة ولو تلف.
وقال بعض العلماء: بل تجب الزكاة في عين المال؛ لقول الله تبارك وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن قال: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ» (2)، فالزكاة واجبة في عين المال.
وكلا القولين يرد عليه إشكال؛ لأننا إذا قلنا: إنها تجب في عين المال صار تعلقها بعين المال كتعلق الرهن بالعين المرهونة، فلا يجوز لصاحب المال إذا وجبت فيه الزكاة أن يتصرف فيه، وهذا لا شك أنه خلاف الواقع، وأن المزكي له أن يتصرف في ماله، ولو بعد وجوب الزكاة فيه، لكن يضمن الزكاة، وإذا قلنا: إنها في الذمة، وأنها واجبة حتى ولو تلف المال بعد وجوب الزكاة من غير تعدٍّ ولا تفريط، ففيها أيضًا نظر.
فالقول الذي مشى عليه المؤلف قول جامع بين المعنيين، وهو أنها تجب في عين المال.
(1/2910)
________________________________________
(ولها تعلق بالذمة) فالإنسان في ذمته مطالب بها، وهي واجبة في المال، ولولا المال لم تجب الزكاة، فهي واجبة في عين المال، إلا أنه يُستثنى من ذلك مسألة واحدة، وهي العروض؛ فإن الزكاة لا تجب في عينها، ولكن تجب في قيمتها، ولهذا لو أخرج زكاة العروض منها لم تجزئه، بل يجب أن يخرجها من القيمة.
فصاحب الدكان مثلًا إذا تم الحول، وقال: أنا عندي سكر، وعندي شاهي، وعندي ثياب، سأخرج زكاة السكر من السكر، والشاهي من الشاه، والثياب من الثياب، فإننا نقول: لا، يجب أن تخرج من القيمة، قدر قيمة هذه الأموال التي عندك، وأخرِج رُبع عُشر قيمتها؛ لأن ذلك أنفع للفقراء؛ ولأن مالك لم يثبت من أول السنة إلى آخرها على هذا، ربما تُغيِّر بدل السكر تأتي برز، بِبُر، بغير ذلك، بخلاف السائمة؛ فإن السائمة تبقى من أول الحول إلى آخره، وتُخرج من عينها.
وهذا القول أي أنه لا يصح إخراج زكاة العروض إلا من القيمة هو الصحيح، وعلى هذا فيستثنى من قوله: تجب في عين المال، يُستثنى من ذلك عروض التجارة؛ فإن الزكاة تجب في قيمتها، لا في عينها.
(ولها تعلق بالذمة) إذن يجوز لمن وجبت عليه الزكاة أن يبيع المال، ولكن يضمن الزكاة، ويجوز أن يهبه، ولكن يضمن الزكاة؛ لأن هذا التعلق بالمال ليس تعلقًا تامًّا من كل وجه حتى نقول: إن المال الواجب الزكاة فيه كالمرهون، بل لها تعلق بالذمة، ولا يشترط في وجوبها إمكان الأداء.
طلبة: يقول: (ولا يعتبر).
الشيخ: (ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء)، يعني لا يشترط لوجوب الزكاة أن يتمكن من أدائها، ولهذا تجب في الدَّيْن مع أنه لا يمكن أن يؤدي منه، وهو في ذمة المدِين، وتجب في المال الضائع إذا وجده، وتجب في المال المجحود إذا أقر به المنكِر، وهكذا، فلا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء، بل تجب وإن كان لا يتمكن من أدائها، ولكن لا يجب الإخراج حتى يتمكن من الأداء.
(1/2911)
________________________________________
(ولا بقاء المال) يعني: ولا يعتبر في وجوبها بقاء المال، يعني إذا وجبت وتم الحول فإنه لا يعتبر في وجوبها بقاء المال، فلو تلف المال بعد تمام الحول ووجوب الزكاة فيه، فعليه أن يؤدي الزكاة، سواء فرط أم لم يفرط؛ لأنها وجبت، وصارت دينًا في ذمته فيلزمه الإخراج، فعليه لو أن صاحب دكان عنده عروض تجارة تم الحول عليه، وقدَّره وإذا زكاته تبلغ عشرة آلاف ريال، ثم قُدِّر على هذا الدكان واحترق، ولم يبقَ منه ما يساوي درهمًا واحدًا، فهل يضمن الزكاة وهي مئة ألف ريال أو لا يضمن، وهي كم؟
طلبة: عشرة آلاف.
الشيخ: عشرة آلاف ريال أو لا يضمن؟
طلبة: لا يضمن.
الشيخ: على كلام المؤلف يضمن؛ لأنه لا يُعتبر في وجوبها بقاء المال، والصحيح في هذه المسألة أنه إن تعدى أو فرَّط ضمن، وإن لم يتعدَّ أو يفرِّط فلا ضمان؛ لأن الزكاة بعد وجوبها أمانة عنده، والأمين إذا لم يتعدَّ أو يفرِّط فلا ضمان عليه.
أرأيتم لو أن فقيرًا وضع عند هذا الشخص دراهم له داخلة في ملكه، ثم تلفت عند المودع بلا تعدٍّ ولا تفريط، فهل يلزمه أن يضمن للفقير؟
طالب: لا.
الشيخ: لا، فالزكاة من باب أوْلى، مع أن الفقير لا يملك الزكاة إلا من جهة المزكِّي، فكيف نُضمِّنه وهو لم يتعد ولم يُفرِّط؟ فإن تعدَّى أو فرَّط؛ إن تعدى بأن وضع المال في مكان يقدر فيه هلاكه، فهذا الرجل يضمن إذا تلف المال بعد وجوب الزكاة، يضمن الزكاة، وكذلك لو فرط فأخر إخراجها بلا مسوغ شرعي، وتلف المال فإنه يضمن الزكاة.
أما إذا لم يتعدَّ، ولم يفرط، وكان الرجل مستعدًّا للإخراج في وقت الإخراج، لكن جاءه أمر أهلك ماله بدون أن يتعدى أو يفرط، فكيف نضمنه؟ ! فالصواب أنه يُشترط لوجوبها بقاء المال، إلا أن أيش؟
طلبة: إلا أن يتعدى.
الشيخ: إلا أن يتعدى، أو يفرط، فإن تعدى أو فرط فعليه الضمان.
(1/2912)
________________________________________
ثم قال المؤلف: (والزكاة كالدَّيْن في التركة)؛ يعني: إذا مات الرجل وعليه زكاة، فإن الزكاة كالدَّيْن لا يستحق الوارث شيئًا إلا بعد أداء الزكاة، فإذا قدرنا أن رجلًا لزمه عشرة آلاف زكاة، ثم تلف ماله إلا عشرة آلاف، ومات وخلف عشرة آلاف فقط فإلى أين تصرف هذه العشرة؟
طالب: في الزكاة.
الشيخ: تصرف في الزكاة، ولا شيء للورثة، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» (3). فعلى هذا تكون الزكاة مقدمة على الوصية وعلى الإرث.
وهذا فيما إذا كان الرجل لم يتعمَّد تأخير الزكاة، فإننا نُخرجها من تركته، وتُجزئ عنه، وتبرأ ذمته، كرجل يزكي كل سنة، وتم الحول في هذه السنة التي هي آخر سنواته في الدنيا، ثم مات، فور تمام الحول، فهنا نخرج الزكاة من ماله، وتبرأ بها ذمته.
أما إذا كان الرجل قد تعمد ترك إخراج الزكاة، وقال: الزكاة متى سهل الله أخرجتها، وما أشبه ذلك، المهم منعها بخلًا، ثم مات، فهل تُخرج من تركته وتبرأ بها ذمته.
يقول ابن القيم رحمه الله: إنها لا تبرأ منها ذمته، ولو أخرجوها من تركته؛ لأن الرجل مُصِرٌّ على عدم الإخراج، فكيف ينفعه عمل غيره؟ وقال: إن نصوص الكتاب والسنة أو قواعد الشرع تدل على هذا.
وما قاله -رحمه الله- صحيح في أنه لا يجزئ ذلك عن ذمته، ولا تبرأ بها ذمته ما دام الرجل مُصِرًّا حال حياته على عدم الإخراج.
ولكن كوننا نسقطها عن المال، هذا محل نظر؛ فإن غلبنا جانب العبادة، قلنا: لا نخرجها من المال؛ لأنها عبادة لا تنفع صاحبها، وإن غلبنا جانب الحق؛ أي: حق أهل الزكاة، قلنا: نخرجها؛ نؤدي حقهم، وإن كانت عند الله لا تنفع صاحبها.
وهذا أحوط، أننا نخرجها من تركته؛ لتعلق حق أهل الزكاة بها، ولكنها لا تنفعه عند الله؛ لأن الرجل مُصِرٌّ على عدم إخراجها، واضحة الآن؟
إذن إذا مات الإنسان وعليه زكاة؛ فالزكاة حكمها حُكم الدَّين في أنها تُقدم على الوصية وعلى الورثة.
(1/2913)
________________________________________
ثانيًا: هل هذا في حق من تركها بخلًا حتى مات، أو من كان يقول: كل يوم أخرجها، ولكن عجله الأجل؟ المذهب العموم، والصحيح الثاني، وأن من كان منعها بخلًا فإنها لا تبرأ ذمته ولو أخرجها الورثة من بعده؛ لأن الرجل مُصمِّم على عدم إخراج الزكاة فكيف ينفعه عمل غيره؟ لكن بالنسبة لحق أهل الزكاة ينبغي أن تخرج لسبق حقهم على حق الورثة، ولأن حقهم حق آدمي، فلا ينبغي أن نُسقطه بظلم مَنْ عليه الحق؛ لأن المزكي الذي منع الزكاة هو الظالم، فكيف نسقطها عنه؟ والورثة نقول لهم: إن حقكم لا يرد إلى بعد إخراج الواجب السابق، والزكاة سابقة على حقكم.
ثم قال المؤلف رحمه الله .. قوله: (والزكاة كدَيْن في التركة) لو اجتمع دَيْن وزكاة، أيهما يقدم؟
طلبة: الدين.
طلبة آخرون: الزكاة، الله أعلم.
الشيخ: الآن اختلفتم على قولين: أحدهما: أن يقدم الدين، والثاني: أن تقدم الزكاة، مثاله: رجل خلَّف مئة ريال، وعليه زكاة مئة ريال، وعليه دين لآدمي مئة ريال، فهل نُقدِّم حق الآدمي، أو الذي له الدين، أو نقدم الزكاة؟
طلبة: في قول ثالث؟
الشيخ: قولان.
طلبة: القول الثالث.
الشيخ: فيه قول ثالث؟
طالب: لازم لأنها للمشاحة.
الشيخ: على كل حال، الآدمي، رجعت عن قولك، إي طيب.
يقول بعض العلماء: يقدم دين الآدمي؛ لأنه مبني على المشاحة؛ ولأن الآدمي محتاج لدفع حقه إليه في الدنيا، أما حق الله فالله غني عنه، وهو مبني، حقه سبحانه وتعالى مبني على المسامحة.
وقال بعض العلماء: يقدم حق الله؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» (4).
وقال بعض العلماء -وهو المذهب-: إنهما يتحاصان؛ فإذا كان عليه دَين مئة وزكاة مئة، ولم يخلف إلا مئة فللزكاة خمسون، وللدَّيْن خمسون، وهذا أصح؛ أنهما يتحاصان.
(1/2914)
________________________________________
ويجاب عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يحكم بدَيْنين؛ أحدهما للآدمي، والثاني لله، فقال: دَيْن الله أحق، وإنما أراد القياس؛ لأنه سأل: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيتَهُ؟ ». قالت: نعم، قال: «اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ».
فكأنه قال: إذا كان يقضى دَيْن الآدمي، فدَيْن الله من باب أولى، وهذا القول بالتحاص هو الراجح.
ثم قال: (باب زكاة بهيمة الأنعام)
(باب زكاة بهيمة الأنعام) بدأ بها؛ اقتداء بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه في الكتاب الذي كتبه أبو بكر، وبيَّن فيه الصدقات، فقد قدم بهيمة الأنعام على الخارج من الأرض، وعلى الذهب، وعلى الفضة.
طالب: لو سرق من إنسان مئة ألف ريال ( ... )، ثم استردها، ( ... ) الإنسان فكم يزكي، يزكي حولًا واحدًا ( ... ) أو عشر سنين؟
الشيخ: السؤال يقول: لو سُرق من شخص مئة ألف ريال وبقيت عشر سنوات، ثم استردها، فهل يُزكي لكل ما مضى، أو يزكي سنة واحدة، أو يستأنف حولًا؟ ما تقولون؟
طالب: الصواب يُسدد سنة واحدة.
الشيخ: هذا قول.
طالب: يستأنف حولًا جديدًا؛ لأن المال في حكم المعدوم.
الشيخ: يستأنف حولًا جديدًا، هذا قول ثانٍ أيضًا.
طالب: السنوات العشر.
الشيخ: قيلت: يزكي كل العشرة، وهو المذهب، يزكي العشر سنوات كلها.
لو قلنا: هل هو قادر قبل تمام عشر سنوات على استخلاصها واسترجاعها أو لا؟ إن كان قادرًا فعليه الزكاة من حين قدرته، وإن كان عاجزًا فالصحيح أنه يزكيها مرة واحدة فقط لكل عشرة.
طالب: في أمثلة على ..
الشيخ: كالدين.
طالب: لو رجل لم يزكِّ بخلًا ومات، هل الأولى أبناؤه وكان عليه دين، وجاء وقت قضاء دين أبيهم هذا الذي في ذمة أبيهم، لم يبقَ الآن عنده مال، فقد المال، هل هم يخرجون الزكاة من أموالهم الخاصة؟
(1/2915)
________________________________________
الشيخ: نقول: ما تنفع الزكاة، لو أخرجوها من ماله، لو كان عنده مال، وأخرجوها من ماله لم تنفعه عند الله؛ يعني يعتبر مانعًا للزكاة، يعاقب عقوبة المانع من الزكاة، يعني يحمى عليها في نار جهنم يوم القيامة، ويكوى بها جبينه وجنبه وظهره.
طالب: لو ما رضي صاحب الدَّيْن بالنصف؟
الشيخ: ما له غير هذا.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا؛ لأن الزكاة تشاركه كما لو كان الدَّيْن بين رجلين.
طالب: هل الوصية شرط فيها في أداء زكاة المال؟
الشيخ: أيش؟
طالب: الوصية وصى بها ( ... ).
الشيخ: لا، ما هي شرط.
الطالب: وكيف نعرف عليه زكاة ولا .. ؟
الشيخ: يقول: إذا كان على الميت زكاة، فهل يشترط أن يوصي بها؟ أقول: لا يشترط متى علمنا أن عليه زكاة فإنه لا يشترط أن يوصي بها.
طالب: يا شيخ، لو سرق من المال قدر ما ينقص النصاب، ثم وجد قبل تمام الحول، فهل ينقطع هذا الحول؟
الشيخ: هو ما ذكرت؟ هذه مثلنا بها.
طالب: طيب يا شيخ إنه ( ... ) سرقت وجدتها؟
الشيخ: إي نعم، نفس الشيء؛ لأنها لما سرقت صارت كالمعدوم.
طالب: يا شيخ، معنى قولك الزكاة في المشاحة والدين في حال الحياة ما تقولون؟
الشيخ: كيف؟
طالب: في حال الحياة قلنا: إنه يا شيخ يقدم الزكاة على الدين ( ... )؟
الشيخ: إي نعم، هذا قد وجبت الزكاة، في حال الموت قد وجبت الزكاة، والدَّيْن واجب أيضًا، لكن في حال الحياة، لم تجب الزكاة على المذهب أصلًا؛ لأن الدين الذي ينقص النصاب يمنع وجوب الزكاة.
طالب: على القول الراجح.
الشيخ: على القول الراجح أنه لا يمنع، نقول: يؤدي الزكاة ونعطيه؛ لأنه في حال الحياة نعطيه كقضاء الدين من الغارمين، لكن بعد الموت ما نعطيه.
طالب: ( ... ) أخرج الإنسان زكاته من عين عروض التجارة، فهل يعني يخرج ( ... )؟
الشيخ: نعم؛ لأن مثلما قلنا فيما سبق: أولًا: أن عروض التجارة قد لا تكون ملائمة للفقير.
(1/2916)
________________________________________
والشيء الثاني: عروض التجارة في الغالب تتبدَّل بمعنى أن هذه العين لم تأتِ عليها سنة كاملة، يمكن في أول السنة قد ملكت عينًا أنفع للفقراء من هذه العين.
والشيء الثالث: أن الزكاة في عروض التجارة تجب في القيمة، ما هي تجب في عينها، فإذا كانت القيمة هي محل الوجوب فلتكن هي محل الإعطاء.
طالب: هل فيه دليل أنها تجب في القيمة؟
الشيخ: لا، أصل عروض التجارة ما فيها دليل؛ يعني مثل الدليل على الذهب والفضة، ولهذا كان فيها خلاف، الظاهرية لا يرون وجوب الزكاة في عروض التجارة، وغيرهم أيضًا من بعض العلماء، حتى إن بعض الفقهاء؛ فقهاء الحنابلة يميلون إلى هذا الشيء، لكنه قول ضعيف لا شك فيهما إذا قلنا: لا تجب في عروض التجارة، معناه كل التجار ما عليهم شيء إلا من عنده دراهم.
طالب: ورد آثار بأن الزكاة غير الدين؛ لأن الميت ما سلم الزكاة، ما دفع الزكاة، ما تقبل منه الزكاة، ولو عليه دَيْن ( ... )، ما الفرق؟
الشيخ: الفرق أن الزكاة عبادة، إنما وجبت في أمر الله، والدَّين إنما وجب للآدمي، فهو حق آدمي محض، لكني أنا أميل إلى أن الذي عليه دين لا يجوز أن يتصدق، ولا أن ينظر الصدقة في المال حتى يوفي دينه.
طالب: إذا كان الإنسان في عروض التجارة، وقبل حلول الحول دخل معه شريك في التجارة، هل يكون الشريك في تجارته؛ يعني حوله مع حول الشخص هذا أو لا؟
الشيخ: لا، الشريك يكون حوله من حين ملك النصاب.
طالب: ( ... ) المال.
الشيخ: إي، ما يضر، والشريك هذا مثلًا له نصف، أعطاه النصف مثلًا، يكون من نصفه هو إذا حال عليه الحول إلا إذا كان هذا المشارِك من أصل عنده عروض تجارة، ويعمل به.
طالب: ( ... ) مثلًا: «إِنَّ أَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» (5)، ما نقول: إن مال هذا الغني اللي عروض التجارة، ما يجوز أن يعني نأخذه إلا بدليل صريح؟
الشيخ: اللي هو؟
طالب: ( ... ) زكاة عروض التجارة.
(1/2917)
________________________________________
الشيخ: إي، لكن هذا حق لله، وقد قاله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} وهذا مال، وإذا كان أصحاب المواشي الذين يكدون عليها ليلًا ونهارًا؛ يعني يرعونها ليلًا ونهارًا تجب عليهم، فهذا مثله، إحنا ما ظلمناه، شيء أوجبه الله عليه. ( ... )
الشيخ: ما هي الزكاة في الشرع؟
طالب: هي مال مخصوص يُخرج في وقت مخصوص.
الشيخ: هي مال مخصوص يخرج في وقت مخصوص، ما فيه تعريف أدق من هذا؟
طالب: هي حق المال في الأموال لطائفة مخصوصة في زمن مخصوص في مال مخصوص.
الشيخ: مرتبة الزكاة في الإسلام؟
طالب: نعم، هي الركن الثالث.
الشيخ: هي الركن الثالث من؟ هل أحد خالف في وجوبها؟
الطالب: وجوبها بإجماع المسلمين، لم يخالف أحد.
الشيخ: نعم، وجوبها بإجماع المسلمين، لكن خالفوا في بعض الأشياء، هل تجب أو لا تجب؟ للزكاة شروط؛ أي لوجوب الزكاة شروط؟ كم؟
طالب: خمسة.
الشيخ: خمسة.
الطالب: الحرية، والإسلام، ومضي الحول، واستقراره، وملك النصاب.
الشيخ: كيف؟ الحرية والإسلام، ومضي الحول واستقراره، يعني استقرار الحول؟
الطالب: ملك النصاب واستقراره.
الشيخ: نعم، أحسنت، ومضي الحول. ما ضد الإسلام؟
طالب: الكفر.
الشيخ: الكافر لا تجب عليه الزكاة؟
الطالب: لا تجب عليه إلا أن يُسلم.
الشيخ: فإن أسلم؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: قضى ما مضى.
الطالب: لا.
الشيخ: كيف تقول: إلا أن يسلم؟
الطالب: قلنا: يعني يطالب الأول بالإسلام إذا أسلم تجب عليه.
الشيخ: السؤال: هل تجب الزكاة على الكافر؟
الطالب: لا تجب.
الشيخ: لا تجب، تمام. هل يعاقب عليها؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ما الدليل؟
الطالب: الدليل قول الله سبحانه وتعالى قال: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 42 - 47]
(1/2918)
________________________________________
الشيخ: تمام، إذن ما الفائدة من قولنا: إنها لا تجب عليه؟
طالب: لأن هذا لا نطالبه بها في حال كفره.
الشيخ: نعم، ولا نأمره بقضائها؟
الطالب: إذا أسلم.
الشيخ: إذا أسلم، تمام. ما هو الدليل على أنه لا يطالب بها إذا أسلم؟
طالب: أن الله سبحانه وتعالى اشترط الإسلام.
الشيخ: الدليل؟ الدليل غير التعليل، ما هو الدليل على أنه لا يطالب بها إذا أسلم؟
طالب: من القرآن قول الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} [التوبة: 54].
الشيخ: لا.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا.
الطالب: قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38].
الشيخ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]. حرية، ما ضد الحرية؟
طالب: العبودية، أو الرق.
الشيخ: تجب الزكاة في الشروط الخمسة منها الحرية، فما ضد الحرية؟
الطالب: الرق.
الشيخ: الرق، لماذا لا تجب على الرقيق؟
الطالب: لأن الزكاة تجب على المالك، والرقيق لا يملك.
الشيخ: لأنها تجب على المالك، والرقيق لا يملك.
كيف لا يملك وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ» (6)؟
طالب: هذا إضافة ( ... ) وليس ملكًا له.
الشيخ: الدليل؟
طالب: قوله عليه الصلاة والسلام «مَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ». (7)
الشيخ: نعم، إذن فالإضافة هنا إضافة اختصاص لا مُلك، كما تقول: زمام الناقة، رحل البعير، وما أشبهه. طيب، ملك النصاب ضده؟
طالب: ضده ألا يملك النصاب.
الشيخ: أو يملك بعض؟
الطالب: بعض النصاب.
الشيخ: أو يملك بعض النصاب. طيب ما هو الدليل على اشتراط ملك النصاب؟
الطالب: ملك النصاب؟ لأن مقادير الزكاة حُدِّدت.
الشيخ: إذا قلنا: (لأن) فهو تعليل.
الطالب: الدليل؟
(1/2919)
________________________________________
الشيخ: نعم، المطلوب يا إخواننا الدليل على اشتراط ملك النصاب، وأنه لا بد أن يكون عند الإنسان نصاب.
طالب: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: 36].
الشيخ: ما هو وجه الدلالة؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، هذا دليلك أنت، قل أنت إي؟
طالب: إخراج الحب؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
الشيخ: لا.
طالب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، وليس في المال زكاة إلا النصاب ( ... ).
الشيخ: أما وليس في المال زكاة حتى يبلغ النصاب، فهذا من كيسك!
طالب: ما هو ..
الشيخ: لا، ما هو بعد حتى يكون كعشرين دينارًا. طيب على كل حال هو أشار «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» (8) فالرسول صلى الله عليه وسلم جمعها في حديث واحد؛ مما يدل على أنه لا بد من ملك النصاب، وعللوا ذلك أيضًا بعلة قالوا: بأن ما دون ذلك لا يحتمل المواساة.
قال المؤلف: (واستقراره) استقرار الملك؟ نعم، ماذا يريد باستقراره؟
طالب: أي أن يكون المال ..
الشيخ: نعم، ما ضده، أحسن، يعرف الأشياء بضدها، ما ضده؟
الطالب: أن يكون المال عُرضة للتلف، وعلى المالك الثبوت.
الشيخ: مثل؟
الطالب: مثل مال المكاتب الذي يكون عند العبد وهو لسيده؛ لأن العبد قد يرجع إن لم يقدر، ويفسخ المكاتبة.
الشيخ: ويكون الملك لسيده، طيب وغير؟
طالب: مثل الإجارة.
الشيخ: لا، إجارة إذا تمت المدة فهو مستقر.
طالب: مال المضارب؟
الشيخ: يعني حصة المضارَب من الربح، تمام، حصة المضارَب من الربح ليس فيها زكاة؛ لأنها وقاية لرأس المال، تصورون هذه المسألة ولَّا لا؟
(1/2920)
________________________________________
أعطيت شخصًا مئة ألف على أن يتجر بها، فربحت مئة الألف، ربحت عشرة آلاف، لي نصفها وللمضارب العامل نصفها، خمسة آلاف للمضارب، ليس فيها زكاة لماذا؟
طالب: لأنها عُرضة للتلف.
الشيخ: لأنها عرضة للتلف وقاية لرأس المال، لو يخسر المال لم يكن له شيء، وحصة رب المال من الربح فيها الزكاة؛ لأنها تابعة لأصل مستقر.
ما الذي يُستثنى من اشتراط تمام الحول؟
طالب: انعقاد الأصل بالنسبة إلا استثنى المؤلف إلا المعشر وهو نتاجها من الحبوب والثمار؛ لأنه ..
الشيخ: هذا واحد، اصبر لا تُعلِّل، هذا واحد، الثاني؟
الطالب: الثاني نتاج السائمة.
الشيخ: والثالث؟
الطالب: ربح التجارة.
الشيخ: ربح التجارة، تمام، هذه ثلاثة.
طالب: الركاز.
الشيخ: الركاز، إذا قلنا: إن الخمس واجب فيه الزكاة.
طالب: العسل.
الشيخ: العسل.
طالب: المعدن.
الشيخ: المعدن، الإجارة على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنه يرى أن مجرد ما تقبض الإجارة تخرج زكاتها؛ لأنها كالثمرة.
مثال ربح التجارة، ما هو ويش؟ مثال ربح التجارة الذي لم يحل عليه الحول، وأوجبنا فيه الزكاة؟
طالب: رجل -يا شيخ- بدأ في أول السنة بعشرة آلاف، ثم ربح في نصف السنة خمسة آلاف، فإذا اكتملت السنة يزكي خمسة عشر ألفًا.
الشيخ: إذا اكتملت سنة الأول ولَّا الثاني؟ سنة الأول، يُزكِّي خمسة عشر ألفًا مع أن الخمسة لم يتم لها إلا نصف سنة، لكن هذا.
طالب: لأنه ربح.
الشيخ: لأنه ربح تجارة يتبع الأصل، وهو مبني على قاعدة: يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا. طيب نتاج السائمة مثاله؟
طالب: نتاج السائمة؟
الشيخ: نعم.
طالب: أن تلد ..
الشيخ: أن تلد الماشية، إي مَثِّل.
طالب: اللي يكون عنده تسعة وثلاثون من الضأن وتمام الحول ( ... ).
الشيخ: لا؛ لأن تسعة وثلاثين ما تمت النصاب.
طالب: ما هي أربعين وولدت؟
الشيخ: طيب عنده أربعون شاةً، وقبل تمام الحول بشهر؟
الطالب: ( ... ) ثمانون.
(1/2921)
________________________________________
الشيخ: طيب ولدت كل واحدة واحدًا صار عنده ثمانون. هل تزيد الزكاة بهذا؟
طالب: مثاله أن يكون لرجل ثمانون رأسًا من الغنم، ثم تلد كل واحدة رأسًا.
الشيخ: قبل الحول بشهر ولدت كل واحدة.
الطالب: قبل الحول بنصف سنة تنتج، ولدت كل واحدة رأسًا من الغنم، فيؤدي زكاتها.
الشيخ: يكون عنده مئة وستون.
الطالب: فيؤدي زكاتها شاتين.
الشيخ: يؤدي الزكاة؟
الطالب: زكاتها شاتان.
الشيخ: أحسنت.
الطالب: شاتين.
الشيخ: صحيح، لا، فيها لغة، فيها لغة بالألف، خليك على ما أنت عليه. طيب فهمنا الآن ولَّا لا؟ هذا نتاج السائمة، وإنما لم يشترط فيه؛ لأنه كربح التجارة؛ ولأن العمال الذين يبعثهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما هم بيسألون الناس، يقولون: متى ولدت البهائم اللي عندك، يأخذون على سبيل العموم.
رجل له عند شخص عشرة آلاف، وبقيت عند هذا الشخص عشر سنوات، فهل يزكيها للسنوات أو لا؟
طالب: فيها خلاف.
الشيخ: على ما في الكتاب.
الطالب: على ما في الكتاب؟
الشيخ: نعم.
الطالب: يزكيها إذا قبضها لما مضى.
الشيخ: لكل العشرة، سواء كان المدين؟
الطالب: مليًّا.
الشيخ: مليًّا.
الطالب: أو مماطلًا، أو غنيًّا أو قادرًا على كل الأحوال.
الشيخ: على كل الأحوال، أحسنت. أشار الأخ إلى خلاف في المسألة، ما هو الخلاف؟
طالب: القول الثاني أنه إذا أحال الدين على معسر فإنه لا زكاة عليه.
الشيخ: يعني على من لا يستطيع، إذا كان الدين على من لا يستطيع استيفاءه منه شرعًا، أو عادة وعرفًا فإنه لا زكاة عليه.
الطالب: إلا إذا قبضه فإنه يزكيه ..
الشيخ: اصبر، لا زكاة عليه فيما مضى. نحن ذكرنا إلا إذا كان الدين على شخص لا يمكن استيفاؤه منه شرعًا أو عادة وعرفًا نحتاج إلى مثال في الشرع؟
طالب: شرعًا، غير قادر على الوفاء.
(1/2922)
________________________________________
الشيخ: نعم، شرعًا بأن يكون معسرًا، هذا لا يمكن استيفاؤه؛ لأن الله قال: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]، أو عادة وعرفًا.
طالب: الغني مماطل.
الشيخ: لا، الغني المماطل وراه عصا الشرطة.
الطالب: لأنه هو الفقير.
الشيخ: لا، الفقير لا يستوفى منه شرعًا، لا يمكن استيفاؤه شرعًا.
طالب: بأن يكون على أبي الشخص.
الشيخ: كالدَّيْن على أبيه، أو على وزير، أو على أمير، نعم، أو ما أشبه ذلك، المهم الذي لا يمكن استيفاؤه، فهذا لا زكاة فيه فيما مضى على القول الراجح، لكن إذا قبضه؟
طالب: إذا قبضه فإنه يزكيه لسنته.
الشيخ: فقيل: يزكيه لسنة واحدة، وقيل: يستأنف به حولًا، والراجح الأول.
قال المؤلف: (لا زكاة في مال من عليه دَيْن ينقص النصاب ولو كان المال ظاهرًا) ما معنى هذه العبارة؟
طالب: يعني ولا زكاة ..
الشيخ: لا، الأخ.
طالب: لأن من عليه دَيْن أو من وجبت عليه الزكاة.
الشيخ: ما معنى العبارة أولًا، ثم نطلب المثال ثانيًا؟
الطالب: العبارة أنه لا زكاة في مال من عليه دَيْن.
الشيخ: ينقص النصاب، ولو كان المال ظاهرًا.
الطالب: أي ما تجب عليه الزكاة، من عليه دين لا تجب عليه الزكاة.
الشيخ: طيب أن الإنسان إذا كان عنده مال وعليه دين ينقص النصاب فلا زكاة عليه في هذا المال ولو كان كثيرًا، مثاله؟
الطالب: مثل لو أن رجلًا مثلًا له أربعون شاة وعليه دين، دين قيمة شاة، ما قيمة شاتين، فإنه لا يزكي.
الشيخ: صح، رجل عنده أربعون شاة، وعليه دين يساوي قيمة الشاة، قيمة شاة أو أكثر، أو نصف شاة، فليس عليه زكاة في هذه الماشية؛ لأن المؤلف يقول: (ولو كان المال ظاهرًا).
ما الفرق بين المال الظاهر والمال الباطن؟
طالب: المال الظاهر اللي يُرى كالبهائم ترى و ..
الشيخ: عينه لنا.
الطالب: مثلًا السائبة ترى ظاهرة.
الشيخ: طيب، هذا واحد، السائمة؟
طالب: المال اللي المساكن؟
(1/2923)
________________________________________
الشيخ: في المساكن لا، ما هي من المال الظاهر.
طالب: المعشر ( ... ).
الشيخ: الْمُعَشَّر يعني الحبوب والثمار.
الطالب: نعم، هذا اللي ظاهر.
طالب: عروض التجارة.
الشيخ: لا، هي ثلاثة، الحبوب والثمار والمواشي.
المؤلف لماذا قال: (ولو كان المال ظاهرًا).
طالب: أن يكون المال باطنًا ما يرى.
الشيخ: إي، لكن لماذا قال: ولو كان المال ظاهرًا؟ إشارة إلى أيش؟
طالب: لو كان المال ظاهرًا ليس عليه ربح.
الشيخ: لا.
الطالب: إشارة إلى وجود خلاف قوي ..
الشيخ: نعم، إلى خلاف قوي في المسألة، وهو أنه إذا كان المال ظاهرًا ففيه الزكاة ولو كان عليه دَيْن. إذن من عنده مواشٍ أربعون شاة، وعليه دين أربعون ألفًا فعليه الزكاة على القول بأنه إذا كان المال ظاهرًا لم يمنع وجوب الزكاة فيه الدين.
تحصلنا الآن على قولين: قول المؤلف بأنه لا زكاة في مال منْ عليه دين سواء كان المال ظاهرًا أم باطنًا.
القول الثاني: لا زكاة في مال ما عليه ديْن إن كان المال باطنًا، فإن كان ظاهرًا ففيه الزكاة. فيه قول ثالث؟
طالب: القول الثالث: أن الدين ليس له أثره في الزكاة.
الشيخ: يعني لا يمنع وجوب الزكاة لا في المال الظاهر، ولا في المال الباطن.
إذن الأقوال ثلاثة: أن الدَّيْن مانع مطلقًا، أنه لا يمنع مطلقًا، أنه يمنع في الأموال الباطنة دون الظاهرة، الذين قالوا بأنه يمنع، ما حجتهم على هذا؟
طالب: لهم حُجَّتان، الأثر الذي ثبت عن عثمان رضي الله عنه قال: من كان عليه فليؤده؛ إنكم تستقبلون شهر زكاة. (9) قالوا: لأن المدِين هو فقير يحتاج إلى الزكاة ( ... ).
الشيخ: نعم، الزكاة وجبت للمواساة، والمدين ليس أهلًا لها.
الطالب: فهو من أهل المواساة.
الشيخ: نعم، والذين قالوا: إن الأموال الظاهرة تجب فيها الزكاة، ولو كان عليه دَيْن، بماذا استدلوا؟
طالب: استدلوا بتعليل؛ لأن الأموال الظاهرة تتعلق بها أطماع الفقراء بخلاف الأموال الباطنة فإنه لا ( ... ).
الشيخ: طيب هذا تعليل.
(1/2924)
________________________________________
الطالب: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السعاة لأخذ الزكاة ولم يكن يستفصل، هل عليكم دَيْن أم لا؟
الشيخ: تمام، هؤلاء استدلوا بأثر ونظر، الأثر قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يبعث السعاة لأهل الأموال، ويأخذون الزكاة من الثمار ومن المواشي، ولا يستفصلون (10) مع أن الغالب أن أصحاب الثمار في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أنهم أيش؟
طلبة: يسلفون.
الشيخ: مدينون؛ لأن الناس كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين، هذا أثر، والنظر قالوا: لأن المال الظاهر تتعلق فيه أطماع الفقراء، فإذا لم تؤدَّ الزكاة منه فإنهم سوف يجدون في نفوسهم حاجة على الأغنياء.
والذين قالوا بالوجوب مطلقًا ما حجتهم؟
طالب: الاستدلال قالوا: إن الزكاة المقصود منها هو التعبد لله سبحانه وتعالى، وغلبوا جانب التعبد على جانب المواساة.
الشيخ: هذا تعليل، فيه دليل أثري؟
الطالب: عموم الأحاديث.
الشيخ: عموم النصوص الموجبة للزكاة بدون تفصيل. ونحن لدينا قاعدة مهمة: أن أي أحد يضع مانعًا من دلالة النصوص فإنه يحتاج إلى دليل، والعمومات تبقى على عمومها إلا بدليل، والمطلقات تبقى على إطلاقها إلا بدليل، وهذه قاعدة تفيدك؛ لأنك أنت مخاطب يوم القيامة عند الله بما ظهر من النص.
أما الأظهر عندنا الوجوب مطلقًا لظواهر الأدلة، وهي في المال الظاهر قوية جدًّا، والتعليل بأن الزكاة مواساة تعليل فيه نظر، والصواب أن الزكاة عبادة من أجل العبادات، وأنه ينبغي لمؤدي الزكاة ألا يلحظ مجرد منفعة الفقير، بل أن يلحظ التعبد لله عز وجل بإخراج ما يحب فيما يحبه الله عز وجل.
أما أثر عثمان رضي الله عنه، فإنه رضي الله عنه أمر بإخراج الديون قبل أن يأتي شهر الزكاة من أجل أن يبقى الإنسان فارغ الذمة، وليس المعنى أنه يريد أنه إذا جاء وقت الزكاة وعليكم الديون فلا زكاة عليكم فيها، هذا ليس في الأثر ما يدل عليه.
(1/2925)
________________________________________
وعلى كل حال نحن نقول للذي عليه الدين الحال: أدِّ الدَّيْن، اتقِ الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» (11).
ما معنى قول المؤلف: (وإن ملك نصابًا صغارًا انعقد حوله حين ملكه)؟
طالب: في المواشي إذا كانت صغارًا، وعقب الحول.
الشيخ: يعني لو اشترى مواشي صغيرة للتنمية.
طالب: انعقد الحول وبلغت النصاب.
الشيخ: فإنه ينعقد من حين أن يملكه. طيب هل يُضاف إلى كلام المؤلف قيد؟
طالب: إذا كانت سائمة.
الشيخ: نعم، إذا كانت سائمة، وقد يقال: هذا معلوم كما سيأتي إن شاء الله في زكاة بهيمة الأنعام.
رجل عنده مئتا درهم، وهي نصاب الفضة، وفي أثناء الحول في الشهر العاشر نقصت عشرة دراهم، فإذا تم الحول، فهل يزكي المئة والتسعين أو لا؟
طالب: نقول: إذا كان فعل ذلك فرارًا من الزكاة؟
الشيخ: لا، تلفت الأموال.
الطالب: فلا تجب الزكاة.
الشيخ: لا تجب، لماذا؟
الطالب: لم تبلغ النصاب.
الشيخ: لا، بلغ النصاب عشرة الأشهر والمئتان موجودتان.
طالب: هو لم يمضِ عليه الحول.
الشيخ: لم يمضِ عليه الحول؛ لأنه نقص النصاب قبل تمام الحول. قبل تمام الحول بشهر نقصت عشرة، وقبل تمام الحول بعشرة أيام أتاه عشرة من جهة أخرى؟
الطالب: من جنسها؟
الشيخ: العشرة دراهم نعم، فماذا تقول؟ هل يزكي إذا تم الحول أو لا؟
الطالب: يستأنف حولًا جديدًا.
الشيخ: أن يستأنف حولًا جديدًا. طيب نحن ذكرنا مسألة أشكلت علينا في الموضوع، فمن يستحضرها؟
طالب: أنه إذا سُرق منه يا شيخ خمسة دراهم.
الشيخ: سُرق منه خمسة دراهم قبل تمام الحول، ثُم ردت قبل تمام الحول.
طالب: لا، بعده.
الشيخ: لا، رُدَّت قبل التمام؛ يعني تم الحول على النصاب، سُرقت قبل تمام الحول بشهر، ثم رُدَّت قبل تمام الحول بنصف شهر، هل نقول: إنه يبني؛ لأن دراهمه رُدَّت إليه، أو نقول: إنه يستأنف؟ ظاهر كلام المؤلف أيش؟
طلبة: أن يستأنف.
(1/2926)
________________________________________
الشيخ: أنه يستأنف؛ لأنه لما سرقت، فالأصل عدم رجوعه. رجل عنده أربعون شاة للتنمية، للدر والنسل، وفي أثناء الحول باعها بأربعين شاة للتجارة، فهل ينقطع الحول أو لا؟
طالب: ينقطع الحول؛ لأنها من غير جنسها.
الشيخ: شاة، أربعون شاة للتنمية، باعها بأربعين شاة للعروض.
طالب: هذان جنسان مختلفان.
الشيخ: كلها لها ثغاء، ولها آذان، ولها ألْيات.
طالب: هذه عروض تجارة وهذه ..
الشيخ: ما هي من جنسها دي؟ !
الطالب: لا، ليس من جنسها.
الشيخ: الجنس واحد يا أخي، غنم بغنم.
طالب: الجنس ليس واحدًا، النوع واحد.
الشيخ: إذا كان النوع واحدًا فالجنس من باب أوْلى؛ لأن الجنس أعم، كل ما اتفق في النوع فهما متفقان في الجنس.
طالب: ( ... ) فالجنسان مختلفان.
الشيخ: لا، ما يدعوك الناس، كل يقول: هذه غنم، وهذا غنم، وإن شئت قلنا لك: إنها في اللون واحد، وفي السن واحد. طيب أنت جازم أنه ينقطع الحول؟
طالب: جازم.
الشيخ: جازم.
طالب: لأنهما مختلفان.
الشيخ: كيف؟
الطالب: لأن الشياه اللي هي عروض التجارة نعتبر بها الدين.
الشيخ: أيش تقولون؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: صحيح؛ لأن محل وجوب الزكاة فيما كان للتجارة ليس عين المال، ولكن قيمة المال، فكأنه أبدل هذه الغنم التي للدر والنسل أبدلها بدراهم.
قال المؤلف: (إن الزكاة كالدين في التركة)، فما معنى هذه العبارة؟ الزكاة كالدَّيْن في التركة.
طالب: نعم، الزكاة كالدَّيْن في التركة؛ يعني سابق على ( ... ) وقضاء الدَّيْن.
الشيخ: سابق على أيش؟
الطالب: على الورق كالدَّيْن سابق على الورق.
الشيخ: يعني أنه يُقدَّم على الوصية وعلى الميراث؟ أيش تقولون؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: صحيح. طيب إذا اجتمع دَيْن وزكاة، فأيهما نقدم؟
الطالب: نقدم الدين؛ لأن في الزكاة ممكن معسر، ممكن هذا رجل معسر.
الشيخ: لا، ما أعسر، عليه زكاة.
الطالب: يعني ممكن مُعسر، ولا ( ... ).
(1/2927)
________________________________________
الشيخ: المهم رجل تُوفِّي وعليه مئة درهم زكاة، وعليه مئة درهم دين، ولم نجد في تركته إلا مئة، ماذا نقدم؟
الطالب: وإن كان تعطيل الزكاة لأجل البخل فالدَّيْن مقدم؟
الشيخ: لا، هذا، ما قال شيئًا، هذا مات ووجدنا عنده مئة.
طالب: وبعده فيه اختلاف العلماء ثلاثة أقوال، وبعضهم يقولون: الدَّيْن مُقدَّم؛ لأنه هو حق الآدمي، وبعضهم يقولون: هذا حق الله، وحق الله مُقدَّم عليه، والقول الثالث يقولون: على القِسمة بين الزكاة وبين الدَّيْن.
الشيخ: أحسنت تمام، إذن.
الطالب: إذا كانت الزكاة بخلًا ( ... )!
الشيخ: تمام صدقت، الآن فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: تُقدَّم الزكاة، والثاني: يُقدَّم الدَّيْن، والثالث: يتحاصَّان. نحتاج الآن إلى .. ما حجة من قال: يُقدَّم الدَّين على الزكاة؟
طالب: لأن حق الآدمي -يا شيخ- مبني على المشاحة، وحق الله عز وجل مبني على المسامحة.
الشيخ: تمام، قالوا: وما كان مبنيًّا على المشاحة فهو أولى، والله عز وجل يسمح. وحجة من قال: تُقدم الزكاة؟
طالب: قول الرسول: «اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ».
الشيخ: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» (4) وأحق اسم تفضيل. ومن قال: يتحاصان؟
طالب: يا شيخ، قالوا: هذان حقان وجبا، ولم نجد ما يوفي لهم فيتحاصان في الوجوب.
الشيخ: هل كلاهما واجب في ذمة الميت فيتحاصان؟ الذين قالوا: بأنه يُقضى دين الله، دليلهم نص، والذين قالوا يُقدَّم دَين الآدمي دليلهم؟
طالب: نظر.
الشيخ: نظر؛ تعليل، والذين قالوا بالتسوية أيضًا تعليل، ولكن إذن نحتاج إلى دفع استدلال من استدلوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ».
(1/2928)
________________________________________
طالب: نقول: يظهر هذا الدليل في أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث، ليس في معرض زكاة ودَيْن، وإنما سألته امرأة عن حق الله عز وجل على هذه الأمة، فقال رسول الله: «اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ»، وليس في الحديث ذِكْر للدَّيْن مطلقًا.
الشيخ: إي، يعني ليس المقصود الرسول المقارنة، ولكن بيان أنه إذا كان يُقضى دَيْن الآدمي فدَيْن الله أحق بالوفاء، هذا هو الجواب. ( ... )
***
[باب زكاة بهيمة الأنعام]
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى:
باب زكاة بهيمة الأنعام
تجب في إبل وبقر وغنم إذا كانت سائمةً الحولَ أو أكثرَهُ، فيجب في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض، وفيما دونها في كل خمس شاة، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست وأربعين حِقَّة، وفي إحدى وستين جذعة، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، فإذا زادت على مئة وعشرين واحدة فثلاث بنات لبون، ثم في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب زكاة بهيمة الأنعام) (بهيمة الأنعام) هي الإبل، والبقر، والغنم، قال الله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1]. وسميت بهيمة؛ لأنها لا تتكلم، وهي مأخوذة من الإبهام، وهو الإخفاء وعدم الإيضاح، ولما كانت لا تتكلم سميت بهيمة، لكنها تتكلم فيما بينها كلامًا معروفًا يُعرف، ولهذا تحن الإبل إلى أولادها فتأتي الأولاد، وتنهرها فتنتهر، وكذلك بقية الحيوان، قال موسى عليه الصلاة السلام لما سأله فرعون: {مَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 49، 50] أعطاه خلقه اللائق به، ثم هداه لمصالحه، ولهذا تجدون كل ما خلقه الله عز وجل يهتدي لمصالحه، ويأكل ما يليق به، ويشرب ما يليق به، كل شيء بحسبه.
بهيمة الأنعام ثلاثة أصناف: الإبل، والبقر، والغنم.
(1/2929)
________________________________________
والإبل سواء كانت عِرابًا، أو بَخاتي؛ وهي التي لها سنامان، وهي معروفة في القارة الأفريقية، وأما البقر فهي أيضًا تشمل البقر المعتادة والجواميس، فإنها من البقر، والغنم تشمل المعز والضأن، ولا يدخل فيها الظباء؛ الظباء ليست من الغنم، فلا تدخل في زكاة السائمة.
واعلم أن بهيمة الأنعام تُتخذ على أوجه:
الوجه الأول: أن تكون عروض تجارة، فهذه تُزكَّى زكاة العروض. قد تجب الزكاة في شاة واحدة، أو في بعير واحدة، أو في بقرة واحدة؛ لأن المعتبر في عروض التجارة القيمة، فإذا كان هذا هو المعتبر فما بلغ نصابًا بالقيمة ففيه الزكاة، سواء كان سائمة أو معلوفة، مأجورة كانت، أو مركوبة للانتفاع. هذا قسم.
القسم الثاني: أن تكون مُتخذة للدر والنسل، لكنها تُعلَّف؛ بمعنى أن صاحبها يشتري لها العلف، أو يحصده لها، أو يحشه لها، فهذه ليس فيها زكاة إطلاقًا، ولو بلغت ما بلغت؛ لأنها ليست من عروض التجارة، وليست من السوائم، والسوائم: الرواعي.
القسم الثالث: السوائم التي تسوم؛ أي ترعى، كما قال الله تعالى: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10].
السائمة: هي الْمُعدَّة للدر والنسل؛ يعني اتخذها صاحبها لدرها، أي: حليبها، وسمنها والنسل، ولا يمنع من كونها معدة لذلك أن يبيع منها ما زاد على حاجته من أولادها؛ لأن هؤلاء الأولاد كثمر النخل، كما يوجد عند كثير من البادية يكون يتخذ سائمة معينة العدد، وما زاد يبيع منه، هذا لا يمنع أن تكون سائمة.
فيه قسم رابع: وهي العوامل، العوامل هذه أيضًا ليس فيها زكاة؛ يعني الإبل التي عند الشخص يؤجرها للحمل، وهذه موجودة فيما سبق قبل أن تنتشر السيارات، تجد الرجل عنده مئة بعير، مئتا بعير يؤجِّرها، ينقل فيها البضائع من بلد إلى بلد، هذه أيضًا لا زكاة فيها، وإنما الزكاة فيما يحصل من أُجرتها إذا تم عليها الحول. فصارت الأقسام كم؟
طلبة: أربعة.
(1/2930)
________________________________________
الشيخ: أربعة، كل قسم منها بينه الشرع -ولله الحمد- بيانًا واضحًا شافيًا.
وأعم هذه الأقسام أو الأنواع أعمها: عروض التجارة؛ لأنها تجب فيها على كل حال.
يقول المؤلف: (تجب في إبل وبقر وغنم) (تجب) الفاعل: الزكاة، تجب الزكاة في هذه الأصناف الثلاثة: إبل، والثاني: بقر، والثالث: غنم.
يقول: (إذا كانت سائمةً الحوْل أو أكثره) (سائمةً) قلنا: السائمة: الراعية التي ترعى المباح، المباح معناه: هو الذي نبت بفعل الله -عز وجل- ليس بفعلنا نحن، أما ما نزرعه نحن وتأكله هي ترعاه، فهذا لا يجعلها سائمة، كما لو كان عند الإنسان مثلًا أمكنة واسعة يزرعها، ثم يجعل سائمته ترعى هذه الأمكنة الواسعة، فإنها لا تُعد سائمة، السائمة هي التي ترعى أيش؟
طلبة: المباح.
الشيخ: المباح، والمباح هنا ليس ضد المحرم، المباح هو ما نبت بفعل الله من غير فعل الآدمي.
ويقول المؤلف: (الحول أو أكثر الحول)، أما كونها سائمة الحول فظاهر، وأما كونها سائمةً أكثر الحول فلأن الأقل يدخل في الأكثر، والاعتبار بالأكثر، فإذا كان عند الإنسان إبل ترعى خمسة أشهر، ويعلفها ستة أشهر، فهل فيها زكاة سائمة؟
طالب: لا.
الشيخ: لا، إذا كانت ترعى ستة أشهر، ويعلفها ستة أشهر، ليس فيها، إذا كانت ترعى ستة أشهر ويعلفها خمسة ففيها الزكاة، وإذا كانت ترعى كل الحول ففيها الزكاة.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على اشتراط السوم؟
قلنا: الدليل السنة، ففي حديث أنس بن مالك في الكتاب الذي كتبه أبو بكر في الصدقات قال: «وَفِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» (12)، «فِي الْغَنَمِ» ثم قال: «فِي سَائِمَتِهَا» وفي هذه عطف بيان، وعطف البيان يعتبر كالصفة في تقييد الموصوف، فكأنه قال: وفي سائمة الغنم في كل أربعين شاة شاة.
(1/2931)
________________________________________
كذلك في الإبل في حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَفِي كُلِّ إِبِلٍ سَائِمَةٌ» (13)، وحتى لو لم يرد هذا الحديث، أو وإن كان العلماء يختلفون في مثل هذا السند؛ فإن الإبل تقاس على الغنم، ولا إشكال فيها، والبقر كذلك تُقاس عليها، يشترط الآن أن تكون سائمة.
ثم بين مقدار الزكاة فقال: (فيجب في خمسة وعشرين من الإبل بنت مخاض، وفيما دونها في كل خمس شاةٌ).
يجب في كل خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض؛ يعني أنثى لها سنة، بكرة صغيرة لها سنة، وسميت بنت مخاض؛ لأن الغالب أن أمها قد حملت فهي ماخِض، والماخِض هي الحامل، (وفيما دونها) أي فيما دون خمس وعشرين في كُلِّ خمس شاة، ففي الخمس الأولى شاة، وفي العشر شاتان، وفي الخمس عشرة؟
طلبة: ثلاث شياه.
الشيخ: ثلاث شياه، وفي العشرين؟
طلبة: أربعة.
الشيخ: أربع شياه، وفي الخمس والعشرين؟
طلبة: بنت مخاض.
الشيخ: بنت مخاض. لو أخرج خمسًا في خمس وعشرين ما أجزأ، ولو أخرج بنت مخاض في عشرين؟
طلبة: ما أجزأ.
الشيخ: فيها خلاف؛ فمنهم من يقول: لا يجزئ فيما دون الخمس والعشرين بعير، ولو كبيرة؛ لحديث أبي بكر الذي كتبه قال: «وَفِيمَا دُونَهَا الْغَنَمُ -فعين - في كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» (12) فيما دونها؛ أي فيما دون خمس وعشرين الغنم في كل خمس شاة.
ولكن بعض العلماء قال: إذا كانت تُجزئ بنت المخاض في خمس وعشرين، فإجزاؤها فيما دون ذلك.
طلبة: من باب أولى.
الشيخ: مِنْ باب أوْلى، والشريعة لا تفرق بين المتماثلين، لكن الشارع أسقط الإبل فيما دون الخمس والعشرين رفقًا بالمالك، رفقًا به، وليس ذلك للتعيين. وهذا القول هو الصحيح، إحنا كل أحد يعلم أن الشريعة الكاملة المبنية على الدلالة العقلية والنقلية لا يمكن أن تقول: من عنده خمس وعشرون من الإبل، وأخرج بنت مخاض أجزأه، ومن عنده عشرون وأخرج بنت مخاض لا يجزئه! !
(1/2932)
________________________________________
فالصواب -في هذه المسألة- أن ما دون الخمس والعشرين يُجزئ فيها الإبل بنت مخاض، أو بنت لبون، أو أكبر من ذلك.
يقول المؤلف: (وفيما دونها في كل خمس شاة، وفي ست وثلاثين بنت لبون)، كم من الوقص؟ ما بين الفرضين يسمى الوقص، كم من الوقص؟
طلبة: شاة، ثلاثة ..
الشيخ: ما بين الفرضين هو الوقص خمس وعشرون بنت مخاض، ست وثلاثون بنت لبون، ما الذي بينهما؟
طلبة: عشرة.
الشيخ: عشرة.
طلبة: أربعة.
الشيخ: لا، بينهما عشرة، عشر ليس فيها شيء، ست وعشرون فيها؟
طلبة: بنت مخاض.
الشيخ: سبع وعشرون؟
طلبة: بنت مخاض.
الشيخ: ثمانية وعشرون؟
طلبة: بنت مخاض.
الشيخ: تسع وعشرون، ثلاثون؟
طلبة: بنت مخاض.
الشيخ: واحد وثلاثون؟
طلبة: بنت مخاض.
الشيخ: اثنان وثلاثون؟
طلبة: بنت مخاض.
الشيخ: ثلاثة وثلاثون؟
طلبة: بنت مخاض.
الشيخ: أربعة وثلاثون، خمس وثلاثون، عشر، كلها ليس فيها شيء وقص، وذلك رفقًا بالمالك. الذهب والفضة لو يزيد قيراطًا زادت الزكاة.
الحبوب والثمار لو تزيد مدة زادت الزكاة، لكن المواشي؛ لأنها تحتاج إلى مؤونة كثيرة من رعْي وحلْب وسقي، وغير ذلك، جعل الشارع هذه الأوقاص فيها، إذن الوقص ما بين الخمس والعشرين وستة وثلاثين عشر ليس فيه شيء.
(وفي ست وأربعين حقة) ست وأربعين حقة لا، قبلها أظن ستة وثلاثين بنت لبون، ما تم لها سنتان.
(وفي ست وأربعين حقة) وهي الأنثى من الإبل التي تم لها ثلاث سنوات، وسُميت حقة؛ لأنها تتحمل الجَمَل، ولهذا جاء في حديث أبي بكر: «حِقَّة طَرُوقة الْجَمَلِ» يعني ما تتحمل أن يطرقها الجمل فتحمل، لها ثلاث سنوات، كم من الوقص؟
طالب: تسع.
الشيخ: تسع، سبحان الله! ! ما بين ست وثلاثين إلى خمس وعشرين
طلبة: عشرة.
الشيخ: ما بين ست وثلاثين إلى خمس وأربعين تسع.
طلبة: ست وأربعين؟
الشيخ: ست وأربعين نعم، نشوف، سبعة وأربعون، ثمانية وأربعون، تسع وأربعون، خمسون، واحد وخمسون، اثنان وخمسون، ثلاثة وخمسون.
طالب: سبع وثلاثون.
(1/2933)
________________________________________
الشيخ: نعم، لا، غلطنا. في ست وثلاثين بنت لبون، في ست وأربعين حقة، نقول: سبع وثلاثون، ثمانية وثلاثون، تسع وثلاثون، أربعون، واحد وأربعون، اثنان وأربعون، ثلاثة وأربعون، أربعة وأربعون، خمسة وأربعون.
طلبة: تسع.
الشيخ: تسع، (وفي ست وأربعين حقة). (وفي إحدى وستين جذعة) الجذعة ما تم لها أربع سنوات. ما بين ست وأربعين إلى واحد وستين؟
طلبة: أربعة عشر، ستة عشر، أربعة عشر ..
الشيخ: لا إله إلا الله، ابدؤوا من سبعة وأربعين.
طلبة: أربعة عشر.
الشيخ: ما يخالف، ابدؤوا من سبع وأربعين إلى ستين أربعة عشر، صح؟ لأن هذه واحد وستون، نعد سبعة وأربعون، ثمانية وأربعون، تسعة وأربعون، خمسون، واحد وخمسون، اثنان وخمسون، ثلاثة وخمسون، أربعة وخمسون، خمس وخمسون، ست وخمسون، سبع وخمسون، ثمان وخمسون، تسع وخمسون، ستون كم؟
طلبة: أربع عشرة.
الشيخ: كم؟
طلبة: أربعة عشر.
الشيخ: أربعة عشر، الأول أكثر من اللي بعده، والثالث أكثر منهما جميعًا.
(وفي ست وسبعين بنتا لبون) رجعنا الآن إلى بنت اللبون، معناه أن أعلى سن يجب في الزكاة.
طالب: الجذعة.
الشيخ: الجذعة، وكل هذا السن لا يجزئ في الأضحية، كل السن الواجب في الزكاة لا يجزئ في الأضحية؛ لأنه لا يجزئ في الأضحية إلا الثني، الثني: وهو ما تم لها خمس سنوات، فالجذعة فما دونها لا تجزئ في الأضحية، لكن في الزكاة تجزئ.
(وفي ست وسبعين بنتا لبون)، كم من الوقص؟
طلبة: أربعة عشر، خمسة عشر.
الشيخ: خمسة عشر، لا، شوف.
طالب: ست.
الشيخ: ست، نعم. طيب إحدى وستين جذعة، إذن نبدأ ما فيها الستون يكون أربعة عشرة صح، (وفي ست وسبعين بنتا لبون)، كم لهما؟
طالب: جذعة.
الشيخ: بكرتان لكل واحدة سنتان. لو أخرج بنت لبون وابن لبون؟
طالب: ما يجزئ.
الشيخ: لم يجزئ؛ لأن الأنثى أغلى من الذكر، وأنفع للناس من الذكر.
(وفي إحدى وتسعين حقتان) كم؟
طلبة: أربعة عشر.
الشيخ: ابدؤوا من سبعة وسبعين.
(1/2934)
________________________________________
طلبة: من ست وأربعين يا شيخ .. أربعة عشر.
الشيخ: أربعة عشرة. (فإذا زادت على مئة وعشرين واحدةً فثلاث بنات لبون) إذن من واحد وتسعين إلى مئة وعشرين؟
طلبة: واحدة، حقتان، حقتان اثنتان، في واحد وتسعين.
الشيخ: في إحدى وتسعين حقتان، فإذا زادت عن مئة وعشرين من واحد وتسعين إلى عشرين.
طلبة: تمام، عشرين الوقص، تسعة عشر، تسع وعشرون.
الشيخ: الوقص.
طلبة: تسع وعشرون.
الشيخ: نشوف.
طلبة: تسعة عشر.
الشيخ: بارك الله فيكم.
طلبة: تسعة عشر.
الشيخ: فرق بين تسعة عشر وثمانية وعشرون!
طالب: ثمانية وعشرون.
الشيخ: طيب، واحد وتسعون، تمام المئة كم؟
طلبة: تسع.
الشيخ: تمام المئة تسع، كذا ولَّا لا؟ وعندك عشرون.
طلبة: تسع وعشرون.
الشيخ: تسع وعشرون، فإذا زادت عن مئة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون، ثم بعد ذلك تستقر الفريضة.
(ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة).
من مئة وعشرين فما زاد في كل عشر تتغير الفريضة، إذا وصلت مئة وعشرين، كم فيها؟
طلبة: مئة وعشرون بنتا لبون، حقتان حقتان.
الشيخ: شوف (فإذا زادت على مئة وعشرين واحدة فثلاث بنات لبون)؛ يعني مئة وواحد وعشرون ثلاث بنات لبون، بعدها تستقر الفريضة، كلما بلغت عشرًا تغيرت الفريضة، مئة وثلاثون كم فيها؟
طلبة: بنتا لبون، ثلاث بنات لبون.
الشيخ: اصبر، طيب مئة وثلاثون.
طلبة: بنتا لبون ( ... ) ثلاث بنات لبون.
الشيخ: لا، ما تلغبطوا في مئة وثلاثين؟
طالب: فيها ثلاثة بنات لبون.
طالب آخر: بنتا لبون يا شيخ ثمانون، وخمسون حقة، هذه مئة وثلاثون.
الشيخ: حقة وبنتا لبون، كم في الخمسين؟
طلبة: حقة.
الشيخ: طيب وفي الأربعين؟
طلبة: بنت لبون.
الشيخ: وفي الأربعين الأخرى؟
طلبة: بنت لبون.
الشيخ: كم هذه؟ مئة وثلاثون، في مئة وثلاثين بنتا لبون وحقة. طيب في مئة وأربعين؟
طلبة: حقتان.
الشيخ: لا.
طلبة: تقدران، حقتان.
الشيخ: كم في الحقتين؟
طلبة: مئة.
الشيخ: مئة .. وأربعين؟
طلبة: بنت لبون.
(1/2935)
________________________________________
الشيخ: بنت لبون. وفي مئة وخمسين؟
طلبة: ثلاث حقاق.
الشيخ: هذه واحدة، ثلاث حقاق، في كل خمسين حقة، في مئة وستين؟
طلبة: أربع بنات لبون.
الشيخ: أربع بنات لبون، في مئة وسبعين؟
طلبة: أربع بنات لبون.
الشيخ: حقة.
طلبة: أربع بنات، ثلاث بنات لبون وحقة.
الشيخ: ثلاث بنات لبون وحقة، ثلاث بنات لبون مئة وعشرين، وحقة خمسون، طيب في مئة وثمانين؟
طالب: حقتان وبنتا لبون.
الشيخ: حقتان وبنتا لبون، حقتان في مئة، المئة فيها حقتان، وثمانون فيها بنتا لبون. في مئة وتسعين؟
طلبة: ثلاث حقاق وبنت لبون.
الشيخ: ثلاث حقاق مئة وخمسين، وبنت لبون أربعون. في مئتين؟
طلبة: أربع حقاق أو خمس بنات لبون.
الشيخ: تمام، تستوي الفريضتان؛ إن شئت فخمس بنات لبون، وإن شئت فأربع حقاق؛ لأن الخمسين فيها حقة، والمئتان أربع خمسينات أو؟
طلبة: خمس بنات لبون.
الشيخ: خمس بنات لبون؛ لأن كل أربعين فيها بنت لبون، والمئتان فيها خمسة أربعينات، تمام، إذن إذا زدات عن مئة وعشرين واحدة، فكلما زاد عشرًا أيش؟
طلبة: تغير الفرض.
الشيخ: تغير الفرض، الثلاثين والأربعين، والخمسين، والستين، والسبعين، والثمانين فوق المئة، والتسعين، والمئتين مئتين وعشرة؟
طلبة: أربع حقاق، وبنت لبون، ثلاث حقاق، حقتان، أربع بنات لبون.
الشيخ: أربع بنات لبون، وحقة؛ لأن مئة وستين، أربع بنات لبون وخمسين، حقة ..
(فصلٌ في زكاة البقر)
ويَجِبُ في ثلاثينَ من البقَرِ تَبِيعٌ أو تَبيعةٌ، وفي أربعينَ مُسِنَّةٌ، ثم في كلِّ ثلاثينَ تَبِيعٌ، وفي كلِّ أربعينَ مُسِنَّةٌ، ويُجْزِئُ الذكَرُ هنا، وابنُ لَبونٍ مكانَ بنتِ مَخاضٍ، وإذا كان النِّصابُ كلُّه ذُكُورًا.
(فصلٌ في زكاة الغنم)
ويَجِبُ في أربعين من الْغَنَمِ شاةٌ، وفي مائةٍ وإحدى وعشرينَ شاتان، وفي مائتين وواحدةٍ ثلاثُ شِيَاهٍ، ثم في كلِّ مائةٍ شاةٌ، والْخُلْطَةُ تُصَيِّرُ الْمَالَيْنِ كالواحدِ.
(باب زكاة الحبوب والثمار)
(1/2936)
________________________________________
تَجِبُ في الحبوبِ كُلِّها ولو لم تكنْ قُوتًا، وفي كلِّ ثَمَرٍ يُكالُ ويُدَّخَرُ كتَمْرٍ وزَبيبٍ، ويُعتبرُ بُلوغُ نِصابٍ قَدْرُه ألْفٌ وسِتُّمائةِ رَطْلٍ عِراقيٍّ،
مئة وتسعين؟
طالب: ثلاث حقاق.
الشيخ: ثلاث حقاق؛ مئة وخمسين، وبنت لبون؛ أربعين.
في مئتين؟
طالب: أربع حقاق.
طالب آخر: أو خمس بنات لبون.
الشيخ: تمام، ( ... ) الفريضتان، إن شئت فخمس بنات لبون، وإن شئت فأربع حِقاق؛ لأن الخمسين فيها حِقَّة، والمئتان أربع خمسينات، أو خمس بنات لبون؛ لأن كل أربعين فيها بنت لبون، والمئتان فيها خمس أربعينات، تمام؟
إذن إذا زادت عن مئة وعشرين واحدة؟ فكلما زاد عشر تغيَّر الفرض.
الثلاثون والأربعون والخمسون والستون والسبعون والثمانون فوق المئة، والتسعون، والمئتان، مئتان وعشرة؟
طالب: أربع بنات لبون.
الشيخ: أربع بنات لبون وحقة؛ لأنه مئة وستين أربع بنات لبون، وخمسين حقة، وعلى هذا فقس، كلما زادت عشرًا يتغير الفرض.
عندنا في الشرح يقول: (ومن وجبت عليه بنتُ لبون مثلًا وعدِمها، فله أن يعدِلَ إلى بنت مخاض، ويدفع جُبرانًا، أو إلى حِقَّة ويأخذُه).
طالب: ( ... ).
الشيخ: أو كانت مَعِيبة، المعيبة ما تجزئ.
من وجب عليه بنت لبون؟ في كم بنت اللبون؟ في أربعين بنت لبون، لكن ما هي موجودة عنده، وعنده بنت مخاض، أَنْزَل منها ولَّا أعلى؟ أنزل، فإنه يدفع بنت مخاض، ويدفع معها جبرانًا، وإذا كان ليس عنده بنت لبون، وعنده حِقَّة، فإنه يدفع الحقة ويأخذ الجبران.
من أين يأخذه؟ مِنَ المصدِّق الذي يبعثه ولي الأمر لقبض الزكوات يأخذه، يُسَمَّى جُبْرانًا. فما هو الجبران؟
شاتانِ أو عشرون درهمًا؛ يعني: كل شاة بعشرة دراهم، هذا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام شاتان أو عشرون درهمًا، فهل العشرون تقويم أو تعيين؟ الظاهر والله أعلم أنه تقويم.
(1/2937)
________________________________________
وبناء على ذلك فلو كانت قيمة الشاتين مئتين، وأراد أن يَعْدِل عنهما فهل يقول: أنا أعطيك عشرين درهمًا فقط؟ إن كان تعيينًا أجزأ، وإن كان تقويمًا لم يجزئ، والظاهر أنه تقويم.
الآن عندنا بنتُ مخاض وبنت لبون وحِقَّة وجَذَعة.
إذا وجبت عليه بنتُ لبون وليس عنده بنت لبون.
نقول: أنت الآن بالخيار؛ إما أن تدفع بنتَ مخاض ومعها شاتان أو عشرون درهمًا، وإما أن تدفع حقة، وهي فوق بنت اللبون، ونعطيك شاتين أو عشرين درهمًا، واضح؟
وليس في غير الإبل جبران، الجبران في الإبل خاصَّة لأن السنة وردت به.
قال: (فصل في زكاة البقر).
نقول في زكاة البقر كما قلنا في زكاة الإبل؛ يعني: أن الأقسام اللي ذكرناها الأربعة تشمل البقر والإبل والغنم.
البقر سُمِّيَت بذلك؛ لأنها تَبْقُر الأرض بالحراثة، أي: تَشُقُّها.
يجب في ثلاثين من البقر تَبِيع أو تبيعة، تَبِيع ذكر أو تَبِيعة أنثى، لكل واحدة منهما سنة، وفيما دون الثلاثين لا شيء.
سبحان الله! الفرق بين الإبل والبقر في باب الزكاة فرق عظيم؛ الإبل من الخمس يبدأ نِصابها، وهذه من الثلاثين، مع أنها في باب الأضاحي سواء، لكن الشرع فوق العقول، والواجب اتَّباع ما جاء به الشرع.
وفي كل أربعين مُسِنَّة، المُسِنَّة: لها سنتان، أنثى ولا ذكر؟ أنثى لها سنتان.
طيب ما بين الثلاثين والأربعين وَقْصٌ؛ يعني: تسع، وَقْصٌ ليس فيه شيء. في خمسين؟ خمسين، وأيش نعطيه؟
طلبة: مُسِنَّة.
الشيخ: مسنة، في ستين؟
طلبة: تَبِيعان.
الشيخ: تَبِيعان أو تبيعتان؛ لأن كل ثلاثين فيه تبيع أو تبيعة، في كل أربعين مُسِنَّة، إذن من أربعين إلى سبعين وَقْص، صح؟ أو إلى الستين؟
من الأربعين إلى الستين؛ لأن الستين فيها تبيعان. في السبعين تبيع ومسنة، في الثمانين مسنتان، في التسعين ثلاث تبيعات، في المئة تَبِيعَان ومُسِنَّة؛ صحيح، تبيعان في الستين ومُسِنَّة في الأربعين.
طيب في مئة وعشرين ويش هي تسوي؟
(1/2938)
________________________________________
في مئة وعشرين أربع تبيعات، أو ثلاث مسنات، كالمئتين في الإبل.
طيب، إذا تساوى الفرضان، فلمن الخيار، هل هو للمعطي أو للآخذ؟
طالب: الخيار للمعطي.
الشيخ: نعم، الخيار للمعطي؛ لأنه هو الغارم.
قال: (ويجزئ الذكر هنا) يعني: في زكاة البقر يجزئ الذكر، وفي زكاة الإبل؟
طالب: ( ... )
الشيخ: لا، فيه، ابن اللبون الذكر، لكنه ما ذكره المؤلف؛ ابن اللبون الذكر يكون بدل بنت المخاض إذا لم توجد، لكن المؤلف ما ذكره .. نعم ذكره هنا، لا ذكره.
قال: (ويجزئ الذكر هنا) أي: في ثلاثين من البقر؛ التبيع (وابنُ لبون مكان بنت مخاض) صح، (وإذا كان النصاب كله ذكورًا).
في ثلاثة مواضع؛ الذكر يجزي في ثلاثة مواضع:
الموضع الأول التبيع في ثلاثين من البقر.
والموضع الثاني ابن اللبون مكان بنت المخاض إذا لم يكن عنده بنت مخاض. وبنت المخاض تجب في أيش؟ في خمس وعشرين، فإذا كان عنده خمس وعشرون من الإبل قلنا: أنت عليك بنت مخاض؛ بكرة لها سنة، قال: ما عندي بكرة لها سنة، قلنا: عليك جمل ابن لبون له سنتان.
الموضع الثالث إذا كان النصابُ كله ذكورًا؛ فإنه يجزئ أن يخرج منها ذكرًا، كما لو كان عنده خمسة وعشرون من الإبل كلها ذكور، فعليه ابن مخاض؛ لأن الإنسان لا يُكَلَّف شيئًا ليس في ماله؛ ولأن الزكاة وجبت مواساة، فالذكر له ذكر، والأنثى لها أنثى.
وخالف في هذا بعض أهل العلم وقال: إن النصاب إذا كان ذكورًا، فإنه يجب ما عيَّنه الشارع، فلو كان عنده خمسة وعشرون من الإبل كلها ذكور وجب عليه بنت مخاض، فإن لم يجد فابن لبون ذكر، وإذا كان عنده ستة وثلاثون جملًا ففيها بنت لبون، ولا يجزئ ابن اللبون، ولا يجزئ ما تم له ثلاث سنوات.
وهذا القول أقرب إلى ظاهر السنة، والقول الذي مشى عليه المؤلف أقرب إلى المعنى والقياس؛ لأن الإنسان إنما يُلزم بمثل ماله، فإذا كان ماله كله ذكورًا فكيف نلزمه بأن يأتي بإناث؟ !
(1/2939)
________________________________________
والقول الأول يقول: لأن الشرع عَيَّن؛ قال: بنت لبون، بنت مخاض، حقة، جذعة، فكيف نعدل إلى ما جاء به الشرع لمجرد القياس؟ وعليه فيكون الأحوط القول الثاني، والأقيس ما مشى عليه المؤلف رحمه الله أنه إذا كان النصاب كله ذكورًا فإنه يجزئ ذكر.
ثم قال: (فصل في زكاة الغنم).
طالب: سؤال يا شيخ، إذا كانت الأنعام -يا شيخ- معدة؛ مثل البقر، ( ... ) يعلف البقرة ويستحلب من لبنها ( ... ) اللبن، الحليب ( ... ).
الشيخ: ما فيها زكاة.
الطالب: للبيع يا شيخ، معدة ( ... ).
الشيخ: المعدة للبيع اللبن ولا هي؟
الطالب: اللبن.
الشيخ: ما يضر، ما فيه زكاة.
الطالب: إذا كان في أصل المال .. ؟
الشيخ: نفس البقر ما فيها زكاة، واللبن إذا اجتمع عنده النصاب وحال عليه الحول وجبت عليه الزكاة.
طالب: يعني: في قيمته يا شيخ؟
الشيخ: اللي هو اللبن؟ في قيمته أو منه، لا بأس.
طالب: إذا قال المصنف: ( ... ) أتتها الحول أو أكثر، هل للأكثر حد؛ يعني: الأكثر ولو كان ستة شهور ودقيقة، هذا أكثر من يعني .. ؟
الشيخ: قال العلماء: يُعْفَى عن نصف يوم.
طالب: بالنسبة للجُبْران -جزاك الله خيرًا- هل يُلْحَق به جميع مثلًا؛ إذا وجب عليه بنت مخاض وليس عنده إلا حِقَّة، هل يستوي فيها الشاتان أو العشرون درهم أو يزاد عليهم؟
الشيخ: لا ما يزاد، يستوي.
الطالب: يستوي؟
الشيخ: نعم.
الطالب: وجب له جبران أو عليه مثلًا، وكان ثمن الغنم ثمن الشاتين مرتفعًا، بعض السنوات يمر يكون ثمن الشياه يمكن يصل إلى ثمن حِقَّة، هل يعتبر القيمة؟
الشيخ: على كل حال، هو إذا ارتفع حتى زاد على الحقة فالإنسان ما هو براح يجي يدفع فلوسًا أكثر من الحِقة، بيجيب الحقة؛ يعني مثلًا: إذا لم يكن عنده بنت لبون، وعنده بنت مخاض يجب عليه جبران الآن، أليس كذلك؟
الغنم مرتفع قيمها، ويش يختار؟ يختار حقة؛ يشتري حقة ويدفعها أو بنت لبون الواجب عليه.
(1/2940)
________________________________________