الكتاب : شرح أخصر المختصرات
المؤلف : عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبرين
مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net
[الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - 88 درسا]
حكم الخطبة على خطبة الغير
يحرم أن يخطب على خطبة أخيه المسلم إذا كان قد أجيب؛ لأن ذلك يسبب الوحشة بينهما والعداوة، فإذا علمت بأنه قد أفسد عليك الخطبة، بأن تقدم عليهم، وقد كانوا أجابوك أو ركنوا إليك، ثم قدموه لكونه أشب أو أغنى أو نحو ذلك، فإن هذا حرام، وقد يحصل بينك وبينه بسبب هذا وحشة وعداوة.
(57/14)
________________________________________
ما يستحب في العقد
ذكر المصنف سنية العقد، يعني: عقد الزوجية بين الزوجين، الذي يسمى الآن المِلكة، فذكر أن التزويج يسن أن يكون يوم الجمعة، وأن يكون في المساء، يعني: في آخر النهار، رجاء أن يصادفوا ساعة الإجابة؛ لأنه يدعى لهما بالبركة، ويسن أن يخطب بخطبة ابن مسعود، التي هي خطبة الحاجة المشهورة، وهي أن يقول: إن الحمد لله نحمده ونستعينه إلى آخر ذلك، ثم يقرأ ثلاث آيات: من سورة آل عمران: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:102] وأول سورة النساء، وآيتين من آخر سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب:70] .
(57/15)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [58]
النكاح عقد له أهمية كبيرة في الإسلام، فله أركان وشروط لابد من حصولها ليحكم بصحته، وقد بين الفقهاء هذه الأركان والشروط بأدلتها من الكتاب والسنة.
(58/1)
________________________________________
أركان النكاح
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: أركانه: الزوجان الخاليان عن الموانع، وإيجاب بلفظ: (أنكحت) أو (زوجت) ، وقبول بلفظ: (قبلت) أو (رضيت) فقط أو (مع هذا النكاح) ، أو (تزوجتها) .
ومن جهلهما لم يلزمه تعلم, وكفاه معناهما الخاص بكل لسان.
وشروطه أربعة: تعيين الزوجين، ورضاهما, لكن لأب ووصيه في نكاح تزويج صغير وبالغ معتوه ومجنونة وثيب لها دون تسع, وبكر مطلقاً كسيد مع إمائه وعبده الصغير، فلا يزوج باقي الأولياء صغيرة بحال، ولا بنت تسع إلا بإذنها, وهو: صمات بكر، ونطق ثيب.
والولي, وشروطه: تكليف, وذكورة, وحرية, ورشد, واتفاق دين، وعدالة ولو ظاهراً، إلا في سلطان وسيد.
ويقدم وجوباً أب، ثم وصيه فيه, ثم جد لأب وإن علا, ثم ابن وإن نزل, وهكذا على ترتيب الميراث، ثم المولى المنعم، ثم أقرب عصبته نسباً, ثم ولاء, ثم السلطان، فإن عضل الأقرب أو لم يكن أهلاً أو كان مسافراً فوق مسافة قصر زوج حرة أبعد وأمة الحاكم.
وشهادة رجلين مكلفين عدلين ولو ظاهراً سميعين ناطقين.
والكفاءة شرط للزومه, فيحرم تزويجها بغيره إلا برضاها] .
للنكاح أركان، وله شروط، ويراد بأركانه: مجموع ما يتكون منه، وأركان الشيء أجزاؤه الذي يتكون منها، ويُعرفون الركن: بأنه جزء ماهية الشيء، كأركان البيت أو المسجد، يعني: حيطانه التي يتكون منها، ونقول مثلاً: أركان الإنسان أجزاؤه، فيقال: يداه ركن منه، ورجلاه ركن، ورأسه ركن، وظهره ركن، يعني: يتكون ويتركب من هذه الأجزاء، كأركان الصلاة التي تتكون منها، فالقيام جزء من الصلاة وهو ركن، والركوع جزء، كذلك أركان النكاح التي يتكون منها ويصير من مجموعها نكاحاً كاملاً.
ذكروا أن أركانه أربعة: الزوج، ولابد أن يكون كامل الرجولة، وخالياً عن الموانع، والزوجة، والإيجاب، والقبول.
قوله: (الزوجان الخاليان من الموانع) ، فإذا كان الزوج محرماً للمرأة، لا يصح النكاح؛ لأن هناك مانعاً، أو كان رضيعاً لها لم يصح النكاح، أو كان الزوج كافراً والمرأة مسلمة لم يصح النكاح؛ وذلك لكونه غير كفءٍ لها، وهكذا الموانع التي لا يصح ولا ينعقد معها النكاح، وكذلك المرأة قد يكون فيها موانع، كأن تكون ذات زوج، أو تكون معتدة في عدة زوج قد طلقها أو في عدة وفاة، وكذلك كون الزوج عنده أربع قبلها، فكل هذه موانع لابد من انتفائها من الزوج ومن الزوجة.
فالزوج ركن، والزوجة ركن، والإيجاب ركن، والقبول ركن، والإيجاب يكون من الولي، والقبول من الزوج.
(58/2)
________________________________________
الألفاظ التي يكون بها الإيجاب والقبول
يشترط بعضهم أن يكون الإيجاب بأحد لفظتين: زوجتك، أو أنكحتك، ويقولون: إنها هي الألفاظ التي ذكرت في القرآن، فذكر في القرآن قوله تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:37] ، وكذلك ذكر الأزواج: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب:50] ، وذكر في القرآن النكاح: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:3] ، وكذلك قوله: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:32] ، وقوله: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] ، وقوله: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة:235] ، فلذلك قالوا: ينطق الولي بأحد هاتين الكلمتين: (زوجتك موليتي) أو (أنكحتك موليتي) .
ولفظ التزويج اشتقاقه من العدد الشفع، فإن العدد قسمان: شفع ووتر، والشفع يقال له: زوج، وسمي النكاح زواجاً؛ لأن أحد الزوجين قبله كان فرداً ووتراً، فإذا انضم إليه الزوج الثاني أصبح زوجاً، يعني: أصبح بدل الوتر اثنين، ولأجل ذلك كلمة (الزوج) تطلق على الذكر والأنثى، كما تقول: عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: التي صارت معه زوجاً، ويقال: النبي صلى الله عليه وسلم زوج عائشة، فكلمة زوج تصلح للرجل وللمرأة، فكل منهما يُسمى زوجاً، إلا أن أهل الفرائض احتاجوا إلى التمييز، فأدخلوا على المرأة تاء التأنيث، كما في قول الناظم: والثمن للزوجة والزوجات وهو لكل زوجة أو أكثرا وإلا فالأصل أنه موضوع لكل واحد من الزوجين، هذا سبب تسمية الزوج بهذا الاسم؛ لأنه بانضمامه إلى الآخر يكون زوجاً بدل ما كان وتراً وفرداً.
أما النكاح فالأصل فيه أنه الانضمام، تقول العرب: تناكحت الأشجار، يعني: انضم بعضها إلى بعض وتلاصقت، وذلك إذا امتدت أغصانها، ويقال: تناكح العودان على النار، يعني: انضم أحدهما إلى الآخر حتى صح الوقود بهما، وأما تسمية هذا الزواج نكاحاً؛ فلأن الزوج ينضم إلى الزوجة، والانضمام هو: التناكح، هذا هو الأصل من الانضمام.
وهل المراد بالنكاح العقد أو الوطء؟
الجواب
يطلق عليهما، وأغلب ما يطلق على العقد، فيقال: نكح فلان المرأة، يعني: عقد عليها، وذكر بعض أهل اللغة: أن العرب فرقت بينهما فرقاً لطيفاً، فإذا قالوا: نكح فلان بنت فلان، فالمراد عقد عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته أو أمته، فالمراد وطؤها، وكل ما في القرآن من نكح فإنه للعقد، إلا قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] ، فإن النكاح هنا هو الوطء، وورد ذلك في السنة.
ذكر بعض العلماء في كتب الفقه: أنه لا يصح إلا بلفظ: (أنكحتك موليتي) أو (زوجتك موليتي) بأحد هاتين الكلمتين، وذهب آخرون إلى أنه يجوز بغيرهما مما هو معروف عند المتخاطبين، ورجح ذلك بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، فإذا قال -مثلاً-: (ملكت ابنتي) فمعناه: أنك تملك الاستمتاع بها ما لا يملكه أبوها، فيكون هذا قائماً مقام زوجتك؛ لأنه حصل بها المقصود، وإذا قال: وهبتك ابنتي، حصل أيضاً المقصود، وهكذا إذا قال: أعطيتكها، حصل بذلك المقصود، وهذا القول هو الأقرب، وهو أنه يصح بكل لفظ يدل على المعنى، ويؤدي المراد، مثل: أنكحتك، وزوجتك، وملكّتك، ووهبتك، وأعطيتك ابنتي، وأملكت لك عليها، أو خليت بينك وبينها، أو خذ ابنتي حلالاً لك، أو أحللتها لك، أو ما أشبه ذلك.
وأما القبول فهو من الزوج، واشترطوا أن يقول: قبلت، أو رضيت، عبارتين فقط، أو قبلت هذا النكاح، يعني: يضيف كلمة (هذا النكاح) بعد (قبلت) ، أو يجمع بينهما فيقول: قبلت هذا النكاح ورضيته، أو تزوجتها، أو قبلتها.
وإذا قلنا: إنه يصح بما دل على المعنى، فيصح إذا قال الزوج: وافقت، أو أنا موافق، أو أخذتها، أو استوهبتها، أو ما أشبه ذلك مما يدل على الرضا.
يقول المصنف رحمه الله: (ومن جهلهما لم يلزمه تعلم) يعني: من جهل كلمة: (أنكحت) أو (زوجت) أو كلمة: (قبلت) أو (رضيت) ، وذلك إذا كان لا يعرف اللغة، أو لا يعرف معناها، فهل يلزمه أن يتعلمهما، ولا يصح إلا أن يقول: (قبلت) أو (رضيت) ؟ الجواب: لا يلزم، إنما يكفيه معناهما الخاص بكل لسان؛ وذلك لأن كل قوم وأهل كل لسان عندهم اصطلاحات يتعارفون عليها بلسانهم، ذكر لنا بعض الإخوان أنه جاء إلى بعض الأعراب الجهلة في بعض جهات المملكة، وأخذ يسأله، فذكر له أنه مفتيهم، وأنه الذي يعقد لهم، فقال له: كيف طريقتك في عقد النكاح لهم؟ لأنهم بوادٍ بعيدون عن القرى، وبعيدون عن الناس، فذكر له أنه يقول للولي قل: هاك خصلة بنتي على سنة الله وسنة رسوله، منامها حلال، ومقامها حلال، وادخل على الله من الملل والاستملال، وأنت وإياها تحت الله! ولا شك أن هذه من العبارات التي اصطلحوا عليها، وليس عندهم أحد يعقد لهم، فرضوا بأن يكون هذا الذي عندهم -وكأنه أعرفهم وأفهمهم- أن يتكلم بهذه الكلمات.
فيبقى أن الزوج لابد أن يقول: قد وافقت، أو قبلت، أو أخذتها، أو ما أشبه ذلك.
وهل يصح النكاح بالمعاطاة؟ الصحيح: أنه لا يصح، وإنما تصح المعاطاة في البيع، مثلاً: إذا كانت السلعة معروفاً ثمنها، الثوب معروف ثمنه، فأتيت مثلاً بعشرة ودفعتها للبائع، ودفع لك الثوب، ولم يتكلم واحد منكما بكلمة، صح البيع بالمعاطاة، ولكن لا يصح النكاح بالمعاطاة، فلا يصح أن تدفع له مثلاً المهر، ويدفع لك الزوجة بدون كلام، بل لا يصح إلا بهذا الكلام، ولا يصح أيضاً إلا بشروطه.
(58/3)
________________________________________
شروط عقد النكاح
الشروط: جمع شرط، وهو: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، يعني: إذا عدمت الشروط عدم المشروط، ولكن إذا اجتمعت الشروط فقد يتخلف المشروط، فهاهنا الشروط في النكاح هي لوازم النكاح التي لا يتم إلا بها، وهي أيضاً شروط للعقد، وشروط العقد أربعة: الأول: تعيين الزوجين.
الثاني: رضاهما.
الثالث: الولي.
الرابع: الشهود.
هذه شروط النكاح، إذا تخلف واحد منها لا يصح النكاح.
(58/4)
________________________________________
تعيين الزوجين
الشرط الأول: التعيين، ومعناه: أن يسمي الزوج أو يعيّنه، وكذلك الزوجة، فلا يقول مثلاً: زوجتك أحد بناتي، وله خمس أو عشر؛ لأنه قد يختار من لا ترضى، أو من لا تصلح له، أو يختار الولي له من لا تناسبه، فلابد أن يعينها، فإن قال مثلاً: زوجتك ابنتي فلانة، وسماها صح إذا تعينت، أو كان له بنات وقال: زوجتك ابنتي الكبرى، أو الصغرى، أو الوسطى صح ذلك؛ وذلك لأن هذا الوصف يحصل به التعيين، ولو لم يكن له إلا ابنة واحدة، وقال: زوجتك ابنتي؛ صح ذلك، وأما إذا كان ليس أباً فلابد أن يسميها، فإذا قال: زوجتك أختي، فلابد من تسميتها، أو زوجتك ابنة أخي، فلابد أن يسميها، حتى تتعين؛ لأن الجهالة يحصل معها الغرر، ويحصل معها عدم المقصود.
كذلك أيضاً يشترط تعيين الزوج وهو الرجل، فإذا قال: زوجت أحد ولديك ابنتي، أو أحد أبنائك، وله عدة أبناء، لا يصح، أو جاء إليه اثنان فقال: زوجت أحدكما ابنتي فلانة لا يصح؛ لأنه لا يعرف أيهما هو الزوج، فلابد أن يخاطبه، ويقول: يا فلان! زوجتك ابنتي فلانة، أو يكون الخطاب له، وهو معروف ماثل بين يديه، ويقول: زوجتك ابنتي فلانة، هذا معنى تعيين الزوجين.
(58/5)
________________________________________
الرضا
الشرط الثاني: الرضا، ولا شك أن الرضا معتبر، وقد تقدم أنه شرط في البيع أيضاً، ودليله: قوله سبحانه وتعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء:29] ، وقوله: {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:232] ، فإذا كان شرطاً في البيع، مع أنه تمليك مال، فلابد أيضاً أن يكون شرطاً في النكاح، فلا يصح إكراه أحدهما على النكاح وهو لا يريده، ولا يصح أن يُكره الرجل على امرأة لا يرغبها، وتنفر نفسه منها، إما لسوء خلق، أو لقبح مظهر، أو دمامة، أو عيب، أو كبر، أو صغر، أو جهل، أو نحو ذلك، فإذا أكره وهو غير مقتنع ولم يكن موافقاً، لم يعش عيشة طيبة، ويؤدي ذلك إلى الفراق بسرعة، فلذلك لابد أن يكون موافقاً راضياً، وهكذا الزوجة أيضاً لابد من رضاها، بل ورضاها أهم، وما ذاك إلا أن الغالب أن الزوج هو المتقدم للخطبة، وهو الطالب، والغالب أنه لا يقدم إلا بعدما يتأكد من الصلاحية، أما الزوجة فإنها قد تكون جاهلة بذلك الزوج، وقد تكون أيضاً كارهة له، وربما كارهة للنكاح كلياً، فلذلك لابد من رضاها، وقد جاءت السنة باشتراط الرضا، فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح البكر حتى تُستأذن، ولا الثيب حتى تُستأمر) ، وثبت أيضاً: (أن جارية زوجها أبوها بغير رضاها، فخيّرها النبي صلى الله عليه وسلم) ، وفي حديث آخر: (جاءت جارية بكراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته -يعني: ليرفع قدره، كأن ابن أخيه كان خاملاً فأراد أن يرفع قدره بتزويجه بابنته- فخيّرها، فأجازت نكاح أبيها، وقالت: إنما أردت أن يعلم النساء أن ليس للأولياء عليهن سلطة) أو كما في الحديث، فدل ذلك على أنه يشترط رضاها، وفي حديث عبد الله بن عمر أنه خطب ابنة خاله قدامة وكان قد مات، وكان له بنت فخطبها إلى أمها فوافقت، وعقدوا له، ثم إنه جاءهم المغيرة بن شعبة ورغب لهم في المال، فجاء عمها، واشتكى وقال: (يا رسول الله! إنها جاهلة، وإنها تزوجت وأنا غير راضٍ، وأنا أولى بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها يتيمة، وإن اليتيمة لا تزوج إلا بإذنها وبإذن وليها) ففسخ نكاحها من عبد الله وهي ابنة خاله، وزوجها بـ المغيرة؛ فدل ذلك على أنها لا تزوج إلا برضاها، وبعد مشاورتها.
ثم لابد أن يُسمى لها الرجل حتى تعرفه يقيناً، وإذا كانت جاهلة فلها أن تسأل، وكذلك أيضاً لابد أن تخبر عن نسبه، وعن حرفته، وعن كفاءته، ومقدرته المالية ونحوها، فإذا اقتنعت بذلك كله، حصل التزويج، أما إذا لم تقتنع فلا يجوز.
والفقهاء استثنوا الأب، وقالوا: إن الأب يجوز له أن يزوج الصغيرة بدون إذنها، وله أيضاً أن يزوج ابنه الصغير إذا رأى في ذلك مصلحة، ولماذا يزوج ابنته دون رضاها إذا كانت صغيرة؟
الجواب
الغالب أن الأب يكون معه شفقة، ويكون معه حنو على ولده ذكراً كان أو أنثى، فلا يقدم على تزويجه إلا لمصلحة ظاهرة يراها، فأباحوا له أن يزوج ولده ذكراً أو أنثى إذا كان صغيراً، والغالب أن الصغير رجلاً أو امرأة لا يكون عنده تفكير، ولا يكون عنده معرفة، فإذا كان الأب راضياً بهذا الزوج فالغالب أن الولد يكون كفئاً وأهلاً أن يزوج، ومع ذلك فالصحيح أنه ليس على إطلاقه، فقد يكون كثير من الآباء عندهم جشع، ويزوج غير الكفء لأجل المال، فإذا جاءه إنسان عنده مال ورغبه في كثرة العطاء، فقد يزوجه بغير رضا المرأة، والمرأة هي التي تتألم، وهي التي تتعذب؛ لأنها تلازم ذلك الزوج طوال حياتها، فإذا لم يكن أهلاً في دينه وفي خلقه، فإنها هي التي ينالها الأذى، فلابد من رضاها.
وكثيراً ما تشتكي الإناث فتذكر الواحدة منهن أن أباها أكرهها؛ لأجل أن ذلك الزوج عنده مال، ودفع له دفعاً كثيراً، فتألمت الزوجة وتعذبت، وبقيت حسيرة سجينة، وتذكر أنه يتركها في المنزل، ويذهب مع رفقته، ولا يأتي إلا في الساعة الثالثة ليلاً، وربما لا يأتي إلا بعد الفجر، وإذا جاء طرح نفسه على الفراش، وهي طوال ليلها ساهرة تنتظره، أو كذلك يأتي إلى بيته بأصدقائه الفاسدين، ويشرب معهم المسكر، ويسهرون طوال ليلهم على غناء وزمر ومفاسد، وتكون هي المعذبة، لذلك لابد أنها تكون راضية حتى ولو كانت صغيرة إذا كانت مميزة عاقلة.
والأولى أيضاً عدم تزويج الصغيرة التي دون العاشرة؛ وذلك لأنها في الغالب ليس عندها تفكير، ولكن إذا كان الأب ناصحاً، وخاف أن هذا الزوج يفوت عليه، فله أن يزوجها، ويكون ذلك موقوفاً على رضاها بعدما تميز.
كذلك أيضاً استثنوا المعتوه ولو كان بالغاً، أي: ضعيف العقل، ما عنده تمييز ولا عنده معرفة، سواء كان ذكراً أو أنثى، فإذا رأى وليه المصلحة في تزويجه فإن له أن يزوجه ولو بغير رضاه، فكثير من النساء تكون مخبلة ضعيفة العقل، أو معها مس أو نحوه، ولا تمييز لها، فلابد أنه ينظر لها المصلحة، فإذا جاءه من يخطبها ولو كبيراً ولو فقيراً ورأى في ذلك المصلحة فله تزويجها؛ لأنه ليس لها اختيار، سواء كان فيها نقص العقل أو فقده كالجنون، فالمعتوهة أو المجنونة له أن يزوجها وليها بغير اختيارها؛ لأنه ليس لها اختيار.
كذلك أيضاً استثنوا الثيب التي دون تسع، وإن كان ذلك أيضاً نادراً، فلو قدر أن رجلاً زوج ابنته وهي بنت ثمان، ودخل بها زوجها ووطأها، ثم طلقها وأصبحت ثيباً وعمرها دون التسع، فلأبيها أن يزوجها؛ وذلك لعدم تمييزها، ولعدم معرفتها بما هو الأصلح.
وقد ذكرنا أن الأولى عدم تزويجها حتى ترشد وحتى تختار.
وكذلك أيضاً البكر، جُعل له تزويجها مطلقاً؛ وذلك لأن الأب كما ذكروا أحنى على أولاده، وأشفق عليهم، فلا يزوج إلا باختيار وبحرص، فجعلوا الأب أحق بالبكر ولو كان عمرها عشرين، فله أن يزوجها بدون اختيارها وبدون أخذ رأيها، هكذا قالوا، وقد ذكرنا الأدلة على أنها تختار، وأنه لا يجوز تزويجها إلا برضاها؛ لعموم الأدلة: (لا تنكح البكر حتى تُستأذن) وهذا عام، سواء كان الأب أو غيره، فالفقهاء اختاروا أن الأب له خصوصية، وألحقوا به أيضاً وصيه، فإذا أوصى إلى إنسان عدل وموثوق فإنه يقوم مقام الأب في كونه يزوج الصغير ويزوج المعتوه ولو كان بالغاً بدون رضاه، ويزوج المجنونة، ويزوج الثيب التي دون تسع، ويزوج البكر مطلقاً ولو كانت ابنة عشرين، فالأب ووصيه يزوجون هؤلاء بدون الرضا.
والقول الثاني -وهو الصحيح سيما في هذه الأزمنة-: أنه لابد من الرضا لهؤلاء مطلقاً.
واستثنوا أيضاً السيد، فإذا كان إنسان عنده مماليك: إماء وعبيد، فيزوج إماءه بدون رضاهن؛ وذلك لأن المصلحة له، وهو الذي يأخذ المهر، وأولادها يكونون مماليكاً له وعبيداً، فله أن يكرهها، وأن يجبرها على أن تتزوج بمن يريد، ولعل الأرجح: عدم جواز ذلك؛ لما فيه من التعذيب حسياً أو معنوياً، وكذلك أيضاً عبده الصغير، ليس له إكراهه على أن يتزوج إلا برضاه؛ لأن ذلك يخضع لشهوته ونفسه وميلها.
ولما ذكروا الأب ووصيه والسيد قالوا: لا يزوج بقية الأولياء صغيرة بحال، كالأخ وابن الأخ، والعم وابن العم، والجد، والابن وابنه، لا يزوجون الصغيرة بحال، فلابد أنهم يتركونها حتى تبلغ وترشد، ولا يزوجون بنت تسع إلا بإذنها، سواء كانت بكراً أو ثيباً.
ثم ذكروا كيف يعرف إذنها، ورد في الحديث: (رضا البكر صماتها، وسئل: إن البكر قد تستأذن فتستحيي، فقال: إذنها سكوتها) ، فإذا سكتت فإن ذلك دليل على الرضا، أما إذا نطقت وقالت: لا أريده، فعند ذلك لا يجوز إجبارها، وإذا تجرأت ونطقت وقالت: زوجوه، ولو كانت بكراً، جاز ذلك بطريق الأولى، فإذا كان رضاها السكوت، فالنطق دليل الرضا أيضاً، وأما الثيب فلا يُكتفى في نكاحها بالسكوت، بل لابد أنها تنطق وتتكلم صريحاً بأنها قد رضيت فتقول: زوجوه، أو قبلته، أو ما أشبه ذلك.
(58/6)
________________________________________
الولي
الشرط الثالث: الولي.
الولي هو: ولي المرأة الذي يتولى العقد لها، واشتراطه هو قول الجمهور، ووردت في اشتراطه الأحاديث الكثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) وهو حديث مشهور، رواه نحو خمسة من الصحابة أو أكثر، وورد أيضاً حديث: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها) ، وفي رواية: (فإن الزانية هي التي تزوج نفسها) وهذا هو قول الجمهور.
واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232] فدل على أن الولي هو الذي يمنع المرأة؛ لأن العضل المنع، أي: لا تمنعوهن من نكاح أزواجهن، أي: من الزواج.
وذهب الأحناف إلى أنه يصح للمرأة أن تزوج نفسها، وعللوا ذلك بأنها أملك لنفسها، وإذا كانت تملك نفسها فإنها تزوج نفسها، وهي أيضاً تملك أمتها، فلها أن تزوج أمتها.
وأدلة الحنفية تعليلات، وقد استدلوا بظاهر قوله تعالى: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] ولكن لا دلالة في الآية، إنما المراد: حتى يطأها الزوج.
فالحاصل: أن جمهور الأمة على أنه لابد من الولي في العقد، وأن من تزوجت بدون ولي فنكاحها باطل، ورد ذلك في حديث: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) ، وقد أخذ الحنفية من بعض هذه الكلمات: (الثيب أحق بنفسها من وليها) ، فجعلوا هذا دليلاً على أنها تزوج نفسها، ولكن ليس هذا بصحيح، وإنما المراد أنها أحق بنفسها، أي: لا يكرهها، ولا يزوجها إلا بعدما يأخذ رضاها.
وإذا عرفنا أن الولي شرط من شروط النكاح، فماذا يشترط في الولي؟ ذكر المصنف أنه يشترط فيه ستة شروط: الشرط الأول: التكليف.
الشرط الثاني: الذكورية.
الشرط الثالث: الحرية.
الشرط الرابع: الرشد.
الشرط الخامس: اتفاق الدين.
الشرط السادس: العدالة.
فهذه ستة شروط، ويمكن أن تكون سبعة، فإن التكليف يتضمن شرطين: الشرط الأول: البلوغ.
فلا يُزوج صغير دون البلوغ؛ وذلك لنقص معرفته؛ لأنه ناقص المعرفة بنفسه، فلا يكون عارفاً بغيره، أو بمن هو ولي عليه.
الشرط الثاني: العقل.
فناقص العقل أو المخبل أوالمجنون ليس أهلاً أن يزوج؛ وذلك لعدم أهليته، ولعدم تفكيره.
الشرط الثالث: الذكورة.
فلا تزوج المرأة المرأة، كما جاء في الحديث: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها) ، وفي الحديث الآخر: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) .
الرابع: الحرية.
فالمملوك لا يزوج نفسه، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أيما عبد نكح بغير إذن مواليه فهو عاهر) أي: زاني، فإذا كان لا يقدر أن يزوّج نفسه، فكذا لا يزوّج بنته، ولو كانت حرة.
الخامس: الرشد.
الرشد هو: الصلاح، وضده السفه، فإذا كان سفيهاً مغفلاً لم يكن أهلاً أن يزوج، ورد في الحديث: (لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل) ، فاشترط فيه: أن يكون مرشداً، يعني: رشيداً غير سفيه، ولا ضعيف التفكير.
الشرط السادس: اتفاق الدين.
فلا يزوج الكافر مسلمة؛ لأن الإسلام فرق بينهما، قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141] فلابد أن يكونا متفقي الدين.
الشرط السابع: العدالة.
أي: ولو ظاهراً، فيشترط أن يكون عدلاً، فيخرج ما إذا كان فاسقاً معلناً الفسوق، أما إذا كان ظاهره العدالة فإنه يُزوج، واستثنوا السلطان؛ لأنه -أي: السلطان- ولي من لا ولي له، واستثنوا السيد ولو كان فاسقاً؛ لأنه ولي مواليه.
ثم ترتيب الأولياء: يقدم الأب وجوباً؛ وذلك لأنه أولى بابنته، ثم وصيه، إذا مات وكان قد وصى أو وكَّل، فوصيه يقدم على غيره، ثم الجد لأب، ثم أبوه وإن علا، فهو أقدم من الإخوة، ثم الابن، يعني: ابن المرأة يزوجها، ثم ابن الابن وإن نزل يزوج جدته مثلاً، ثم بعد ذلك بقية العصبة على ترتيب الميراث: فيقدم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم أبناءهما وإن نزلا، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب، على ترتيب الميراث كما تقدم، ثم إذا انقطع أصحاب العصبة فهل يزوج ذوو الأرحام كالخال، والأخ من الأم، وابن الأخت؟ والصحيح: أنهم لا يزوجون، والمولى أقرب منهم، فالمولى المعتق يزوج، فإذا عُدم فأقرب عصبته نسباً، ابنه، ثم أبوه، ثم إخوته على ترتيب الميراث، ثم مولاه، يعني: الذي أعتقه، ثم إذا انقرضوا فالسلطان، لحديث: (السلطان ولي من لا ولي له) ، فإذا عضل الأقرب أو لم يكن أهلاً، أو كان مسافراً فوق مسافة قصر زوج حرة أبعد، وأمة حاكم، والعضل مذكور في قوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة:232] ، فإذا عضلها ومنعها حتى ولو كان أباها، فإنه يزوج من هو أبعد منه، إذا اشتكت واشتكى أقاربها أنه منعها وعضلها، كذلك إذا لم يكن أهلاً، فإذا كان سفيهاً أو فاسقاً أو مخبلاً زوج الأبعد، كذلك إذا كان غائباً مسافة لا تقطع إلا بمشقة زوج الأبعد، وفي هذه الأزمنة المسافات تقاربت، فليس هناك مكان بعيد، لكن إذا شق عليه الحضور أمكنه أن يوكل ولو هاتفياً.
(58/7)
________________________________________
الإشهاد في النكاح
الشرط الرابع: شهادة رجلين مكلفين عدلين.
ورد في الحديث: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) ، والله تعالى أمر بالإشهاد عند البيع فقال: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة:282] ، وقال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282] ، فكذلك بطريق الأولى النكاح، والشاهدان يشهدان على قول الولي: زوجتك، وعلى قول الزوج: قبلت.
ولابد أيضاً أن يكونا رجلين، فلا تصح شهادة النساء، ولو كن أربعاً أو خمساً أو عشراً، وكذلك لا يصح بشهادة رجل وامرأتين، وشهادة النساء إنما تكون في المال، ولابد أيضاً أن يكونا مكلفين، فلا يصح شهادة ضعيف العقل، أو مخبّل، أو مجنون، أو صغير، فلابد أن يكون الشاهد مكلفاً، ولابد أن يكونا عدلين، فلا تصح شهادة الفاسق ناقص العدالة؛ لأن العدالة: ضدها الفسوق.
ثم العدالة يُكتفى بها ولو كانت عدالة في الظاهر.
ولابد أن يكونا سميعين ناطقين، يعني: يسمعان الكلام وينطقان.
واشتراط الشهادة هو قول الجمهور، وخالف في ذلك المالكية فاكتفوا بالإعلان، فقالوا: إذا أعلن النكاح اكتفي بذلك ولو لم يكن هناك شهود، والجمهور على أنه لابد من شهود للحديث الذي ذكرنا.
(58/8)
________________________________________
اشتراط الكفاءة في النكاح
الكفاءة في النكاح جعلها بعضهم شرطاً للزومه، فقالوا: يحرم تزويجها بغير الكفء إلا برضاها، وفسرت الكفاءة بأنها المساواة، والمساواة معتبرة في خمسة أشياء: الديانة، والصناعة، والميسرة، والحرية، والنسب، وفيها كلام طويل، وبالأخص في النسب، وقد ورد فيها بعض الأدلة، حيث إن هناك من يجعل الموالي ليسوا أكفاء للعرب، وبعضهم يتسامح في ذلك.
وأما في الصناعة فإذا كانت صناعته رديئة ولم يخبرهم بأنه حداد أو دباغ أو حائك أو حجام أو ما أشبه ذلك، فيمكن أن يكون لهم الخيار.
وأما الديانة فهي شرط كما ذكرنا.
وكذلك الميسرة يشترط أن يقدر على النفقة على زوجته.
وكذلك الحرية، فإذا تبين أنه مملوك فإن ذلك عيب.
فهذه تمام الشروط في النكاح، والله أعلم.
(58/9)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [59]
بينت الشريعة الإسلامية المحرمات من النساء في النكاح، ويجب على المسلم معرفتهن؛ لأن الوقوع في ذلك أمر خطير، والمحرمات في النكاح قسمان: قسم يحرم على التأبيد، وقسم يحرم مؤقتاً، وقد بين العلماء في كتب التفاسير والفقه تفاصيل ذلك.
(59/1)
________________________________________
المحرمات في النكاح بالنسب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ويحرم أبداً أمٌ وجدة وإن علت, وبنت وبنت ولد وإن سفلت, وأخت مطلقاً, وبنتها, وبنت ولدها وإن سفلت, وبنت كل أخ, وبنتها, وبنت ولدها وإن سفلت، وعمة وخالة مطلقاً.
ويحرم برضاع ما يحرم بنسب, ويحرم بعقد حلائل عمودي نسبه, وأمهات زوجته وإن علون، وبدخولٍ ربيبةٌ، وبنتها، وبنت ولدها وإن سفلت، وإلى أمدٍ أخت معتدته أو زوجته, وزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها, ومطلقته ثلاثاً حتى يطأها زوج غيره بشرطه، ومسلمة على كافر, وكافرة على مسلم إلا حرةً كتابيةً، وعلى حر مسلم أمة مسلمة, ما لم يخف عنت عزوبة لحاجة متعة أو خدمة، ويعجز عن طول حرة أو ثمن أمة، وعلى عبد سيدته وعلى سيد أمته وأمة ولده, وعلى حرة قِنُّ ولدها.
ومن حرم وطؤها بعقد حرم بملك يمين إلا أمةً كتابيةً] .
يبوب الفقهاء على الفصل الأول: باب المحرمات في النكاح، ويذكرون أيضاً بعده باب نكاح الكفار؛ وذلك أنه لابد أن نبحث ونعرف متى تحرم المرأة، ومتى لا تحرم.
والمحرمات في النكاح قد ورد إجمالهن في القرآن، فذكر الله تعالى في القرآن سبعاً من المحرمات بالنسب، وذكر أيضاً اثنتين من المحرمات بالرضاع، وأربعاً من المحرمات بالمصاهرة، وواحدة محرمة بكونها زوجة للغير، ثم إن العلماء فصلوا: فأول المحرمات: الأم قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23] وكلمة الأم تصدق على الوالدة، وتصدق على الجدة، فالجدة أم الأم تعتبر أماً، وكذلك الجدة أم الأب، فهي من الأمهات؛ لأنه إذا قيل: أمك وأم أمك، وأم أم أمك، وكذلك أم أبيك، وأم أبي أبيك؛ ففيها كلمة أم، ولا شك أن تحريمها لأجل الولادة، ولأنها التي ربت المولود، وأشفقت عليه في صغره، فتعتبر ذات تربية، وذات نعمة عليه، فلا جرم أن كانت أول المحرمات، وأول ما بدأ بها، فالذي ينكح أمه يعتبر قد أتى أكبر المنكر وأفحشه، وكذلك أيضاً أم الأم وإن علت، وأم الأب وإن علت.
الثانية: قوله: {وَبَنَاتُكُمْ} [النساء:23] ، فجعل البنت بعد الأم، والبنت أيضاً خلقت من ماء الرجل، وهو الذي غالباً يحنو عليها ويرفق بها، فهي خلقت من مائه، وخلقت منه؛ فلذلك يتأكد تحريمها، ويدخل في كلمة: {وَبَنَاتُكُمْ} [النساء:23] الفروع، فبنته، وبنت بنته، وبنت بنت بنته، وبنت ابنه، وبنت ابن ابنه، يعني: التي هو جدها، سواء كان أبا الأم، أو أبا الأب وإن بعدت يصدق عليها أنها بنته.
وكلمة (ولد) يدخل فيها الذكور والإناث، فالبنت ولد، يعني: مولدة، فبنتها تحرم، وكذلك الابن ولد، فبنته تحرم، وبنت ابن ابن، وبنت بنت ابن، وإن بعدت.
الثالثة: قوله: {وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء:23] ، فالأخت خلقت معه، إما من ماء واحد إذا كانت أختاً لأبيه، أو اجتمعت وإياه في رحم واحد، إذا كانت أخته من الأم، فكلمة (مطلقاً) يدخل فيها الجميع: أخت من الأبوين، وأخت من الأب، وأخت من الأم، وكلهن يدخلن في كلمة: {وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء:23] .
الرابعة والخامسة: ذكر الله تعالى بعدهن العمة والخالة فقال: {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ} [النساء:23] ، ويدخل في كلمة (عمتك) : أخت أبيك، وأخت جدك عمةُ أبيك، وكذلك أخت جدك أبي الأم، فهي عمة أمك، {عَمَّاتُكُمْ} [النساء:23] يعني: أخوات آبائكم، وأخوات أجدادكم، آباء الآباء أو آباء الأجداد من جهة الأم أو من جهة الأب، فأخت جدك أبي أمك تعتبر عمة أمك؛ فتكون عمتك، وهكذا.
والخالة هي: أخت الأم، فأخت الأم تُسمى خالة، وكذلك خالة الأم أخت جدتك أم الأم، وخالة الأب أخت جدتك أم أبيك، وهكذا.
قوله: (مطلقاً) أي: تدخل فيه الأخت من أي جهة، فأخت أبيك من أبيه عمتك، وأخته من أبويه عمتك، وأخته من الأم عمتك، كذلك أخت جدك للأب عمة أبيك، سواءً كانت أخته من الأب أو من الأم أو من الأبوين، وأخت جدك أبي الأم عمة أمك، سواء كانت أخته من الأب أو من الأم أو من الأبوين، فالجميع يصدق عليها أنها عمة، وكذلك الخالة هي أخت الأم، سواء كانت أختها من أمها، أو من أبيها، أو شقيقة، يصدق عليها أنها خالتك أخت أمك؛ لأنها وأمك من أب واحد، أو من أم واحدة، أو من أب وأم، كذلك أيضاً خالة أمك، التي هي أخت جدتك من أب أو من أم أو من أبوين، الجميع تدخل في اسم العمة والخالة.
السادسة والسابعة: قال تعالى: {وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء:23] ، وهاتان من المحرمات من النسب: بنت أخيك، وأخوك: يعم الأخ من الأب، أو من الأم، أو من الأبوين وهو الشقيق، فتحرم بنته عليك؛ لأنك عمها، كذلك بنتها وإن نزلت، وكذلك بنت ولدها.
فهذه التي أنت عمها حرام عليك؛ لأنها بنت أخيك، وبنتها تقول: أنت عم أمي فأنت محرم لها، أو عم جدتي فأنت محرم لها، كذلك بنت ابنها، تدعوك وتقول: يا عم أبي، فأنت عم أبيها، وإن بعدت، فبنت الأخ وبنت بنت الأخ، وبنت بنت بنت الأخ، وبنت ابن الأخ، وبنت ابن ابن الأخ، وبنت بنت ابن الأخ، وكل من تدعوك عماً لها، أو عماً لأحد أجدادها أو آبائها، تدخل في بنت الأخ.
كذلك بنت الأخت، أنت خالها، فهي تدعوك خال، سواء كنت أخاً لأمها من الأم، أو من الأب، أو من الأبوين؛ فهي تدعوك خالاً لها، كذلك بنتها، تقول لك: يا خال أمي، وكذلك بنت ابنها، تقول لك: أنت خال أبي، أو خال أبي أبي، أو خال جدي.
والأخوَّة سواء كانت من الأبوين أو من أحدهما؛ فالأخت وبنتها، وبنت بنتها، وإن نزلت، وبنت ابنها، وبنت ابن ابنها، وبنت بنت ابنها، وهكذا، كل من تفرع ممن تدعوك عماً لها أو خالاً، أو عماً لأمها أو لأبيها، أو عماً لجدها أو خالاً لها أو خالاً لجدها، أو نحو ذلك.
فهؤلاء سبع محرمات بالنسب.
(59/2)
________________________________________
المحرمات في النكاح بالرضاع
قوله: (يحرم برضاع ما يحرم بنسب) .
جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أي: المحرمات من النسب يحرم مثلهن من الرضاع، فالأم التي أرضعتك تعتبر محرماً لك، وبنتها تعتبر أختك من الرضاع، فهي تقول: أرضعتك أمي، وبنت زوجها، تعتبر أيضاً أختك، تقول: أرضعتك زوجة أبي بلبن أبي، فأنت أخي، ارتضعت من اللبن الذي سببه والدي، فهي كذلك تعتبر أختك.
مثلاً: لو قدر أن رجلاً له أربع زوجات، ثم أرضعتك إحداهن رضعتين، وأرضعتك الثانية رضعة، والثالثة رضعة، والرابعة رضعة؛ فاجتمع خمس رضعات، فكل واحدة لست ابناً لها؛ لأن الرضاع المحرم خمس، وهذه ما أرضعتك إلا واحدة أو ثنتين، ولكن زوجهن يعتبر أبوك؛ لأنك رضعت من لبنه خمس رضعات، من اللبن الذي هو بسببه، فبناته أخواتك، فهن يقلن: ارتضعت من لبن أبينا خمس رضعات، فبناته من هذه ومن هذه ومن هذه ومن كل زوجاته محرمات عليك؛ لأنك أنت ابنه؛ لأنك رضعت من زوجاته، وزوجاته يحتجبن عنك، إلا أنك ابن زوجهن، وبناته لا يحتجبن؛ وذلك لأنك ارتضعت من لبن أبيهن.
فالحاصل أن الأم من الرضاعة هي: التي أرضعت الطفل خمس رضعات في الحولين.
والأخت من الرضاع هي: بنت المرضعة أو بنت زوجها الذي هو صاحب اللبن، فتدخل في قوله تعالى: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23] ، فبنتك من الرضاعة هي: التي رضعت من زوجتك خمس رضعات، فتحرم عليك؛ لأنها رضعت من اللبن الذي أنت سببه، فتكون محرماً لها.
وكذلك بنت ابنك من الرضاعة، يعني: هذا الذي رضع من زوجتك إذا كان له بنت، فأنت جدها من الرضاع، فهي تقول: أنت أبو أبي من الرضاع، وأنت تقول لها: أنت بنت ابني من الرضاع.
كذلك عمتك من الرضاع، وهي أخت أبيك من الرضاع، إذا كان زوج المرأة التي أرضعتك له أخوات، فاعتبرهن عماتك؛ لأنهن أخوات أبيك من الرضاع، وأمك التي أرضعتك إذا كان لها أخوات فاعتبرهن خالاتك من الرضاع، وكل واحدة تقول: أرضعتك أختي فأنت ابن أختي من الرضاع، والعمات كل واحدة تقول: رضعت من لبن أخي، فأنا عمتك أخت أبيك من الرضاع.
وكذلك بنت أخيك من الرضاع، يعني: الذي رضعت من لبن أمه أو من لبن أبيه فبنته تدعوك عماً، وتقول: أنت عمي من الرضاع، رضعت من لبن جدتي أخت أم أبي، فأنت أخو أبي، فتكون عمي، أو أنت أخو أمي فتكون خالي، فهي بنت أخيك من الرضاع، وبنت أختك من الرضاع.
فتحرم الأم من الرضاع، والأخت من الرضاع، والبنت من الرضاع، وبنت الأخ من الرضاع، وبنت الأخت من الرضاع، والعمة من الرضاع، والخالة من الرضاع، يحرم سبع من الرضاع، كما يحرم سبع من النسب.
(59/3)
________________________________________
المحرمات في النكاح بالمصاهرة
ثم ذكر المصنف المحرمات بالمصاهرة، والقرابة بين الناس: إما قرابة نسب، وإما قرابة مناسبة، كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:54] ، فالمصاهرة القرابة من النكاح، فأم الزوجة تحريمها بالمصاهرة، وبنت الزوجة، تحريمها بالمصاهرة، وكذلك زوجة الابن، وزوجة الأب، تحريمهن بالمصاهرة، وهؤلاء يحرمن بمجرد ما يحصل عقد النكاح، ولو لم يدخل بها، فإذا عقدت على امرأة مجرد عقد ولم تدخل بها فقد حرمت عليك أمها وجدتها، وإن علت، وكذلك إذا عقد ابنك على امرأة ولو لم يدخل بها؛ حرمت عليك تلك المرأة التي عقد عليها ابنك ولو لم يدخل بها، فتصبح محرماً لك، وإذا عقد أبوك على امرأة؛ حرمت عليك تلك المرأة التي عقد عليها أبوك ولو لم يدخل بها، حتى ولو طلقها قبل الدخول بها، فزوجة الابن محرم بمجرد العقد، وزوجة الأب محرم بمجرد العقد، ومثله ابن الابن، فزوجة ابن ابنك أيضاً محرم لك، وزوجة ابن بنتك محرم لك، وابن بنتك حتى -على الصحيح- من الرضاع، فابنك من الرضاع زوجته محرم لك، وأبوك من الرضاع زوجته محرم لك.
قوله: (حلائل عمودي نسبه) ، فزوجة الجد محرم، ولو كان بعيداً، فالجد أبو الأم، أو الجد أبو الأب، وكذلك زوجة ابن الابن، وابن البنت وإن نزل كلهن محرمات، هذا معنى: حلائل عمودي نسبه.
ولماذا سميا عمودين؟
الجواب
لأن الفروع أغصان يعتمد بعضها على بعض، والأصول كأنها أعمدة يعتمد بعضها على بعض، فعمود النسب العليا: أبوك، وجدك، وجد أبيك، وجد جدك من الأب أو الأم.
وعمود النسب الفروع: ابنك، وابن ابنك، وابن ابن ابنك، وبنتك، وبنت ابنك، وبنت ابن ابنك، وبنت بنت ابنك، وهكذا؛ فحلائلهم تحرم بمجرد العقد، كما مثلنا.
قوله: (أمهات زوجته وإن علون) يعني: بمجرد العقد، فإذا عقد رجل على امرأة حرمت عليه أمها، وجدتها أم أمها، وجدتها أم أبيها، وإن علت، فهؤلاء هن أمهات الزوجات وإن علون، وهؤلاء يحرمن بمجرد العقد، حتى ولو طلق قبل الدخول.
والتي تحرم بالدخول ولا تحرم بالعقد هي الربيبة، لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] وهي بنت الزوجة، ولا تكون محرمة إلا إذا دخل بأمها، أما إذا عقد على امرأة ثم طلقها ولها بنت، حلت له البنت؛ لأنه لم يدخل بأمها، فمجرد العقد عليها لا يحرم بنتها؛ وإنما يحرم الأم ولا يحرم البنت، يقول السلف: أطلقوا ما أطلقه الله، فالله تعالى قال: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء:23] ، وأطلق، ثم قال: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] ، فاشترط في الربيبة الدخول بأمها.
وقول الله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] استدل بها بعض العلماء على أن زوجة الابن من الرضاع، إذا طلقها حلت لأبيه من الرضاع؛ لأن الله قال: (الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) ، فيجعلون الابن من الرضاع لا يدخل في هذه الآية، والجمهور على أنه يدخل؛ وذلك لأن اللبن الذي ارتضع منه من الصلب ولو كان لبن المرأة، لكن أصله بسبب الزوج، فالحمل الذي حصل ودرت بسببه لبناً هو من الزوج، فهذا الولد ارتضع من اللبن الذي صار بسببه، والذي خلق من صلبه، هذا هو الصحيح، فعلى هذا يخرج بقوله: (مِنْ أَصْلابِكُمْ) المتبنى؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يأخذ أحدهم ولداً أجنبياً ويضمه ويقول: هذا ابني بالتبني، ويسمى دعيّاً، ويسمون أدعياء، فلذلك قال الله تعالى في سورة الأحزاب: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب:4] ، (أدعياءكم) يعني: الذين تدعونهم أبناء وهم أجانب، وإنما ضممتموهم إليكم، فيكون قوله: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] ليخرج الدعي، فإن زوجته أجنبية، ولأجل ذلك أحل الله زوجة زيد بن حارثة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان دعياً يدعونه ابن محمد، فقال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب:40] ، فأباح الله زوجته زينب للنبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْد مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:37] لماذا؟ {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَج فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب:37] أي: حتى لا يتحرج أحد أن يتزوج زوجة دعيه من بعده.
والربيبة اشترط الله فيها قوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:23] ، ولكن أكثر العلماء على أن هذا الشرط أغلبي، وأن كونها ربيبة تعريف لها، وليس ذلك مطرداً، فالضابط أن نقول: بنت الزوجة حرام على زوجها، أي: بنتها من غيره حرام عليه، سواء كانت تلك البنت في حجره أو ليست في حجره، وسواءً كانت ولدت قبل أن يتزوجها أو بعدما تزوجها وطلقها، فبنتها محرم له، هذا هو قول الجمهور، والغالب أنه إذا تزوج الرجل امرأة ومعها بنات أنهن يتربين عنده، وينفق عليهن، فبناء على الأغلب قال تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء:23] ، وليس ضرورياً أن يربيها، بل لو ربتها أمها قبل أن يتزوجها، ولما تزوجها أخذها أبوها، فتُعتبر ربيبة؛ لأنها بنت زوجته.
كذلك أيضاً لا يشترط أن تكون في حجره، بل لو تزوجها ولها بنت، فأخذ البنت أهلها، ولم تدخل في بيته إلا لزيارة فنعتبرها ربيبة له، وتحرم عليه، ويكون محرماً لها.
وكذلك بنات الزوجة بعد الزوج، إذا تزوجت امرأة، وجاءت منك بأولاد، وطلقتها، وتزوجها زيد وجاءت منه ببنات، فبناتها قبلك وبناتها بعدك حرام عليك، فالضابط أن بنت المرأة المدخول بها، سواء قبل الزوج أو بعده محارم له.
وبنت الربيبة حرام أيضاً، فهي تقول: أنت زوج جدتي أم أمي، وكذلك بنت ابنها، فهي تقول: أنت زوج جدتي أم أبي، فتكون محرماً لها، يعني: بنات زوجتك من غيرك، وبنات بنات زوجتك، وبنات أبناء زوجتك من غيرك، كلهن محرمات عليك وإن سفلن، هؤلاء المحرمات أبداً.
وقوله في أول الباب: (يحرم أبداً) يعني: محرمات مطلقاً.
(59/4)
________________________________________
المحرمات في النكاح تحريماً مؤقتاً
(59/5)
________________________________________
تحريم أخت الزوجة
ذكر المصنف رحمه الله المحرمات إلى أمد، يعني: المحرمات تحريماً مؤقتاً، فيقول: (أخت معتدته، أو أخت زوجته) .
أخت زوجته التي في ذمته حرام عليه إلى أن يطلق زوجته، وتنتهي عدتها، أو تتوفى زوجته، فتحل له أختها، فإذا طلق امرأة فلا يتزوج أختها حتى تنتهي عدة المطلقة، سواء بوضع الحمل، أو بثلاثة قروء، أو نحو ذلك؛ لئلا يجتمع ماؤه في رحم أختين، حتى لو كانت المطلقة بائناً، وهي المطلقة ثلاثاً، فلا يتزوج أختها حتى تنتهي عدتها، وتحل للأزواج، أمّا ما دامت محبوسة عليه فإنها تعتبر كأنها في عصمته.
(59/6)
________________________________________
تحريم الزواج بالزانية حتى تتوب
تحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها، قال الله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَان أَوْ مُشْرِك} [النور:3] ، ففي الآية تحريم نكاح الزانية، سيما إذا كانت مصرة على الزنا؛ وذلك لأنها فاجرة، ولأنها تستحق الحد الذي هو العقوبة المشروعة، فلا يتزوجها لئلا تدخل عليه أولاداً من غيره؛ لأنها إذا زنت وحملت من غيره نسبت الأولاد الذين هم من الزنا إليه، فيترتب على ذلك مفاسد، فلا يجوز أن يتزوجها إلا بعد توبتها، ولكن بعدما تقام عليها الحدود، فإذا زنت واعترفت وهي بكر وجلدت مائة جلدة، وغربت، وظهرت منها التوبة والندم، وعرف بذلك أنها صادقة في توبتها، وانقضت عدتها من ذلك الحمل، أو من ذلك الزنا، ففي هذه الحال يحل أن يتزوجها؛ لأنها أصبحت عفيفة، وأما قبل ذلك فلا يجوز، قال الله تعالى: {الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:26] ، فإذا تابت أصبحت من الطيبات، وقبل ذلك كانت من الخبيثات، والله يقول: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [النور:26] .
(59/7)
________________________________________
تحريم المطلقة ثلاثاً
تحرم على الرجل مطلقته ثلاثاً، فإذا طلقها ثلاث طلقات حرمت عليه، وتُسمى بائناً بينونة كبرى، قال الله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] يعني: الطلاق الرجعي، كما قال قبل هذه الآية: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] يعني: في الطلقتين، فإذا طلقها ثم راجعها ثم طلقها فله مراجعتها: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة:228] ، ثم قال بعد ذلك: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة:230] يعني: الثالثة، {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة:230] ، فلا تحل مطلقته إذا كان قد طلقها طلاقاً ثلاثاً -وهي البائنة- حتى تنكح زوجاً غيره، وحتى يطأها ذلك الزوج بشرطه، يعني: لابد أن يطأها الوطء الصحيح، كما في حديث المرأة التي ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه طلقها زوجها، وأنها تزوجت بعده، وأنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا، حتى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته) يعني: حتى يطأها الوطء الذي يوجب الغسل، يطأها بنكاح صحيح مع الانتشار في قبلها، فلو وطأها في الدبر أو باشرها دون الفرج؛ فإنها لا تحل لزوجها الأول، حتى يطأها الثاني وطئاً صحيحاً.
(59/8)
________________________________________
تحريم زواج المسلمة بالكافر والمسلم بالكافرة إلا الكتابية
تحرم المسلمة على الكافر، قال الله تعالى: {وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْد مُؤْمِن خَيْر مِنْ مُشْرِك} [البقرة:221] فالعبد المؤمن المملوك خير من الحر المشرك، وإذا أسلمت تحته فرق بينهما، فإن أسلم في العدة رجعت إليه، وإلا حرمت عليه.
قوله: (تحرم كافرة على مسلم، إلا حرة كتابية) .
لقول الله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10] عصمتها يعني ذمتها، أي: إذا كان لكم زوجات كافرات فلا تمسكوهن بعصمتهن، ولما نزلت الآية طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه زوجتين له كانتا بمكة كافرتين.
ويقول تعالى: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَة مُؤْمِنَة خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] يعني: مملوكة خير من حرة مشركة، واستثنوا الحرة الكتابية؛ لأن الله تعالى أباح نكاح الكتابية؛ لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَان} [المائدة:5] ، فمثل هذه تحل بهذه الشروط: الشرط الأول: أن تكون كتابية، يعني: من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) ، فإذا كانت وثنية فلا تحل، وإذا كانت مجوسية، أو هندوسية، أو بوذية، أو قاديانية؛ فإنها لا تحل.
الشرط الثاني: لابد أن تكون متمسكة بكتابها، فإذا كانوا يتسمون بأنهم يهود، ولكنهم لم يتمكسوا بما في كتابهم، أو نصارى ولم يعملوا بالإنجيل العمل الواجب، بل يخالفونه؛ فليسوا كتابيين، وذلك لأن من شريعة الكتابيين في التوراة والإنجيل تحريم الزنا، وأما الموجودون الآن بكثرة فإنهم لا يحرمون الزنا، ويتسمون بأنهم نصارى أو يهود، يذكر لنا الذين يسافرون إلى فرنسا وبريطانيا وأمريكا أن المرأة هناك لا تتورع عن الزنا، وأن الزنا عندهم أسهل شيء، ولا يغار أحد على ابنته، ولا على موليته، ففي هذه الحال، هل تكون كتابية أصلاً؟! لا تكون كتابية حقيقة.
الشرط الثالث: أن تكون محصنة، والمحصنة هي المتعففة، أما إذا كانت غير عفيفة فلا تحل، وكثير من الذين يسافرون إلى البلاد الخارجية يقول أحدهم: أتزوجها؛ لأنها كتابية، ولا يشترط أن تكون عفيفة، ولا يشترط أن تكون متمسكة بكتابها، وقد تكون مرتدة، أو لا تكون كتابيةً حقيقية، فنقول: نكاحها حرام، والله تعالى ما أباح إلا نكاح اللاتي هن من أهل الكتاب حقاً، بشرط كونهن محصنات؛ لقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة:5] المحصنات يعني: العفيفات، فإذا لم تكن محصنة فلا يحل لك أن تتزوجها، وإذا لم تكن من أهل الكتاب المتمسكين بكتابهم فلا تحل لك، ولا يحل أن تتزوجها.
الشرط الرابع: أن تكون حرةً، فإذا كانت أمة كتابية فلا تحل لمسلم.
(59/9)
________________________________________
تحريم زواج المسلم بالأمة المسلمة إلا للضرورة
يحرم على الحر المسلم نكاح الأمة المسلمة، إلا إذا خاف عنت العزوبة، واحتاج إلى نكاحها لحاجة متعة أو خدمة، وعجز عن طول حرة أو ثمن أمة، قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:25] يعني: من المملوكات، فاشترط ألا يستطيع طولاً، والطول هو: المهر، فإذا كان لا يقدر على مهر الحرة، ولا على ثمن أمة يستمتع بها إذا وجد الإماء فله أن يتزوج أمة، ثم قال في آخر الآية: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء:25] يعني: خشي الزنا، يعني: خاف من مشقة عنت العزوبة أن تحمله الشهوة على فعل الفاحشة، فلذلك قال: (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ) أي: خاف (الْعَنَتَ) أي: عنت العزوبة، وكانت حاجته الاستمتاع لكسر حدة شهوته أو الخدمة أيضاً، قال الله: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْر لَكُمْ} [النساء:25] ؛ وذلك لأنه إذا تزوجها صار أولاده عبيداً لسيدها؛ لأن الأولاد يتبعون أمهم، فيتحسر إذا رأى أولاده مملوكين يباعون ويشترون؛ فلذلك الصبر خير.
(59/10)
________________________________________
تحريم زواج العبد بسيدته والسيد بأمته
يحرم على العبد سيدته، وعلى السيد أمته؛ لأن العبد ليس كفئاً أن يتزوج سيدته، فهو في ملكها؛ لأنها أرفع منه، والسيد يطأ أمته بملك اليمين، فليس بحاجة إلى أن يتزوجها وكذلك أمة ولده لا يحل له أن يتزوجها، إلا إذا لم يكن الابن قد وطأها، وخرجت من ملكية ولدها.
وقد ورد في فضل من أعتق الأمة ثم تزوجها الحديث المشهور: (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين -وذكر منهم- السيد الذي علم أمته ثم أعتقها وتزوجها) .
قوله: (يحرم على الحرة قن ولدها) يعني: مملوك ولدها، فالحرة لا يحل لها أن تتزوج عبدها، ولا عبد ولدها؛ لأنها أرفع منه.
(59/11)
________________________________________
من حرم وطؤها بعقد حرم بملك يمين إلا الأمة الكتابية
يقول المصنف رحمه الله: (ومن حرم وطؤها بعقد حرم بملك يمين؛ إلا أمةً كتابية) .
(من حرم وطؤها بالعقد) مثلاً: حرم وطء أخت الزوجة بالعقد؛ فكذلك يحرم بملك اليمين، فلو كان لزوجتك أخت مملوكة اشترتيها فلا تطأها، وإن كانت مملوكة لك؛ لئلا تدخل في قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء:23] ، وكذلك عمة زوجتك، وخالة زوجتك، وما أشبه ذلك.
والمؤلف هنا لم يذكر من المحرمات للجمع إلا قوله: (أخت معتدته، وأخت زوجته) .
والصحيح أيضاً: أن عمة زوجته، وخالتها، وبنت أخيها، وبنت أختها محرمات عليه، حتى يفارق زوجته.
(59/12)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [60]
يجب الوفاء بالشروط إذا لم تحل حراماً أو تحرم حلالاً، وأحق الشروط التي يجب الوفاء بها -إذا كانت شروطاً جائزة- الشروط في النكاح، وقد بين الفقهاء أحكام الشروط في النكاح، وما يجوز منها وما لا يجوز.
(60/1)
________________________________________
الشروط في النكاح
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: والشروط في النكاح نوعان: صحيح كشرط زيادة في مهرها، فإن لم يف بذلك فلها الفسخ.
وفاسد يبطل العقد، وهو أربعة أشياء: نكاح الشغار، والمحلل، والمتعة، والمعلق على شرط غير مشيئة الله تعالى.
وفاسد لا يبطله كشرط أن لا مهر، أو لا نفقة، أو أن يقيم عندها أكثر من ضرتها أو أقل.
وإن شرط نفي عيب لا يفسخ به النكاح فوجد بها فله الفسخ.
فصل: وعيب نكاح ثلاثة أنواع: نوع مختص بالرجل كجب وعنة، ونوع مختص بالمرأة كسد فرج ورتق، ونوع مشترك بينهما كجنون وجذام، فيفسخ بكل من ذلك، ولو حدث بعد دخول، لا بنحو عمىً وطرش وقطع يد أو رجل إلا بشرط، ومن ثبتت عنته أجل سنة من حين ترفعه إلى الحاكم، فإن لم يطأ فيها فلها الفسخ.
وخيار عيب على التراخي لكن يسقط بما يدل على الرضا، لا في عنة إلا بقول.
ولا فسخ إلا بحاكم، فإن فسخ قبل دخول فلا مهر، وبعده لها المسمى يرجع به على مُغرِّ.
ويقر الكفار على نكاح فاسد إن اعتقدوا صحته، وإن أسلم الزوجان -والمرأة تباح إذن- أقرا] .
هذا الفصل يبوبون عليه: باب الشروط في النكاح، وقد سبق أنهم قالوا: باب الشروط في البيع، وهنا قالوا: باب الشروط في النكاح، وهي: ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر، وهي قسمان: - شروط صحيحة.
- وشروط باطلة.
وقد ورد الوفاء بالشروط في النكاح في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج) يعني: أن الشروط التي تشترطها المرأة، وتحل نفسها لك بها، عليك أن توفي بها.
والشرط هو ما يلتزم به الزوج للزوجة، أو ما تلتزم به الزوجة لزوجها، ويكون محل الشروط صلب العقد، أي: الشروط التي يلزم الوفاء بها هي التي يشترطونها عند العقد، ويكتب ذلك في العقد، فيكتب في العقد أنه اشترط الولي على الزوج لزوجته أن يسكنها في بيت مستقل، أو اشترط ألا يسافر بها، أو اشترط ألا يتزوج عليها، وقد تكثر الشروط التي يحتاج إلى كتابتها، ويختار الإشهاد عليها، فيكتبونها ويشهدون عليها عند العقد، وإذا خالف فيها فلها طلب الفسخ؛ لأنه حق لها، ومعلوم أنه إذا أدخل عليها زوجة أخرى في بيتها فإنها تتضرر، فلها أن تطلب الفسخ، وتقول: إما ألا تدخل علي الزوجة أو فارقني.
كذلك أيضاً إذا شرط لها ألا يسافر بها، فإن لها شرطها، وكذلك إذا شرط لها ألا يخرجها من دارها أو من بلدها، فإن هذا من الشروط التي لها فيه مصلحة، وهكذا أيضاً إذا اشترط عليه أن يزوّرها أهلها كل أسبوع أو كل شهر أو كل سنة، فلها شرطها، ولها المطالبة به، وكذلك إذا شرطت زيادة في المهر، فإذا كان مهر أخواتها -مثلاً- عشرة آلاف فاشترطت عشرين ألفاً فلها شرطها، وهكذا إذا شرطوا أيضاً شرطاً قد وجد له أصل في الشرع، ويكون ذلك من باب التأكيد، فإذا شرطوا ألا يُركبها مع أجنبي في السيارة، أو ألا يخلو بها أجنبي، فهذا شرط أقره الشرع، وكذلك إذا شرطوا على الزوج ألا يدخل عليها جهاز الدش ونحوه، ولو طلبت ذلك، وهكذا إذا شرطت أن تبقى في وظيفتها، أو شرطت أن تواصل دراستها حتى تكملها، أو شرطت -إذا كانت موظفة- أن لها راتبها، أو أن يوصلها إلى المدرسة، أو إلى محل عملها، كل ذلك من الشروط التي يجب الوفاء بها.
أما الشروط التي تحلل حراماً فلا يجوز اشتراطها ولا الوفاء بها، فلو شرطت أن يمكنها من دخول السوق متى أرادت، أو أن تخرج من بيته متى شاءت، فهذا شرط يخالف الشرع، أو شرطت مثلاً أن يمكنها من نزع الحجاب، كما يكون ذلك في بعض البلاد، أو من حضور الحفلات التي فيها منكرات، أو النوادي، أو من الألعاب التي فيها منكر ونحوه، فهذا شرط يخالف مقتضى الشرع، فلا يجوز الوفاء به، ولو رضي بذلك عند العقد، فإن في الحديث: (المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) .
وإذا شرطت ألا يتزوج عليها فبعض العلماء يقول: لا يصح؛ لأن هذا شرط يحرم حلالاً، ولكن الجمهور على أنه صحيح؛ وما ذاك إلا لأن عليها ضرراً من الضرة، وعلى هذا إذا أراد الزواج بأخرى فإنه يخيرها، ويقول: أنا أريد أن أتزوج، فإما أن توافقي، وإما أن تطلبي الفراق، أي: إذا رغب في ذلك النكاح، وكان هناك دوافع، لكن قد تقول: إن الطلاق ضرر عليَّ، فقد يكون ضرراً عليها، لاسيما إذا أتت بولد واحد أو عدد، فإن ذلك يكون إساءة لسمعتها، وإذا طلقت فقد لا يرغبها الرجال، ويقولون: هذه قد نشزت وفارقها زوج، فلا يرغب فيها غيره، فلذلك يرى بعض العلماء أن عليه الوفاء بهذا الشرط، وألا يتزوج عليها، ولو تضرر.
والصحيح: أنه إذا احتاج إلى ذلك فإنه يخيرها بين أن تبقى معه مع الزوجة الجديدة أو تفارقه، فيكون لها الخيار.
فإذا لم يف بهذه الشروط أو ببعضها فلها طلب الفسخ، ولها أن تذهب إلى الحاكم وتطلب منه أن يفسخ النكاح إذا جاءت بالشرط، وقد تقول: قد شُرط عليه كذا، وهذه صورة العقد، أو هؤلاء الشهود الذين يشهدون، فأطالب إما أن يفي بما شُرط عليه، وإما أن يخلي لي السبيل، ويكون هذا أوثق لها، روي أن عمر رضي الله عنه رفع إليه رجل تزوج امرأة، وأنها شرطت عليه ألا يسافر بها، فقال: مقاطع الحقوق عند الشروط، يعني: أن الحقوق تقطعها الشروط، فالشروط أوثق، وأولى ما يوفى به شروط النكاح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) ، فإذا كان هناك شروط في العقد لزم الوفاء بها.
(60/2)
________________________________________
الشروط التي تبطل النكاح
الشروط الفاسدة: منها شروط تبطل العقد، ومنها شروط فاسدة والعقد صحيح.
والشروط التي تبطل العقد أربعة:
(60/3)
________________________________________
نكاح الشغار
الأول: نكاح الشغار، صورته: أن يقول لك: أزوج ابنك ابنتي، بشرط: أن تزوج ابني ابنتك، أو زوجني بنتك، بشرط: أن أزوجك ابنتي، أو لا أزوج ابنك إلا إذا زوجت ابني، فهذا هو نكاح الشغار.
واختُلف في سبب تسميته، فقيل: كلمة (الشغار) مشتقة من الشغر الذي هو الفراغ، يقال: شغر البيت، يعني: خلي ولم يكن فيه ساكن، ومحل شاغر، ومركز شاغر، أي: خالٍ، فقيل: إنه سمي من الفراغ؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يخلونه من المهر، فيقول أحدهم: زوجني بنتك وأزوجك ابنتي، ولا صداق، وتكون هذه عوض هذه، يعني: بضع هذه هو مهر الثانية، وبضع هذه هو مهر الأولى، فلا يكون بينهما شيء من المهر، هذا تفسير للشغار.
وروي في حديث ابن عمر أنه فسر الشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، ولا صداق بينهما.
ورجح بعض المحققين أن تفسيره من كلام ابن عمر، وقيل: إنه من كلام نافع، فعلى هذا هل يكون حجة؟ وهل يستدل به على أن الشغار هو الذي لا يكون فيه مهر؟ ذهب إلى ذلك بعض العلماء كالأحناف، فقالوا: الشغار صحيح، ولكن يفرض لكل منهما، فإذا تم العقد فإننا نقول: يا هذا! أعط زوجتك مهراً، وأنت أيضاً أعط زوجتك مهراً، أي: مهر أمثالها، ويبقى النكاح على حاله صحيحاً.
والقول الثاني: أنه باطل ولو سُمي لها صداقاً، ولو أعطيت صداقاً بعد العقد أو قبله، وقالوا: إنه ورد في الحديث تفسيره أن يقول: زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، زوجني أختك بشرط أن أزوجك أختي، أو نحو ذلك، ويكون العلة فيه هو الاشتراط: لا أزوجك إلا إذا زوجتني، أو لا أزوج ابنك إلا بشرط أن تزوج ابني، فيكون هذا مفسداً له؛ لأنه لابد غالباً أن يحصل إكراه لإحدى الزوجتين، فإنه قد يكره ابنته لمصلحته، ويلجؤها على أن توافق؛ لأن له مصلحة بأنه سوف يتزوج، فيقول: يا ابنتي! اقبلي حتى يزوجوني، أو حتى يزوجوا ابني، فيكرهها، فيكون فيه غالباً إكراه إحدى الزوجتين، أو إكراه كلتيهما، والإكراه لا يجوز، وقد تقدم أنه لا يجوز تزويج البكر إلا بإذنها، ولا الثيب إلا بأمرها، كما في الحديث: (والبكر يستأذنها أبوها) ، فإذا كان هناك عدم رضا فلن تصلح الحال، ولن تستقيم الأمور، فلذلك حرم هذا النكاح، كما يقع في كثير من القرى ومن البوادي، يقع عندهم هذا، ثم تحصل مفسدة، وهو أن أحدهما إذا نشزت امرأته وذهبت إلى أهلها، وابنته صالحة مع زوجها، جاء إلى ابنته وأخذها قهراً، وقال: انشزي يا بنتي! كما نشزت ابنتهم، أو آخذ ابنتي قهراً ولو كانت موافقةً لزوجها، ولو كان بينهما أولاد، ولو كانت تحبه ويحبها، فيصر على أن يأخذها قهراً، ويكون في ذلك مفسدة.
هذه هي العلة في تحريم الشغار.
أما إذا لم يكن هناك شرط، وكان هناك رضاً من الطرفين، ودفع لكل واحدة منهما ما تستحقه، ففي هذه الحال يظهر أنه لا بأس به، فإذا قال: أهلاً وسهلاً، أنا سوف أزوجك أو أزوج ابنك، وابنتي موافقة، فأعطها مهرها الذي تستحق، فقال: مهرها كذا وكذا، وعندي أيضاً ابنة إذا تريدها فإنها توافق عليك أو على ابنك، ولم يكرهها، ولا ألزمها، فهي راضية، ولكن لابد أن تدفع لها مهرها، وكل واحد منهم يقول: أنا سوف أزوجك سواء زوجتني أم لا، وإذا زوجتني فإني سوف أعطي ابنتك حقها، فمثل هذا لا بأس إذا حصل التراضي.
(60/4)
________________________________________
نكاح التحليل
الثاني: المحلل، وهو: الذي يتزوج المرأة لأجل أن يحلها لزوجها الذي طلقها ثلاثاً، كأنه مستأجَر، وقد اشترطوا عليه وقالوا له: تزوجها بشرط أنك متى وطأتها فإنها تطلق منك، أو يلزمك أن تطلقها، ويقصدون بذلك إحلالها لزوجها، وقد يكون الزوج الذي طلق هو الذي يتفق مع هذا الجديد فيقول له: تزوج امرأتي فلانة فإني قد طلقتها، وحُرمت عليّ، بشرط: أنك تبيت معها ليلة ثم تفارقها، حتى أراجعها بعدما تطلقها وتعتد، وقد تقدم في ذكر أنواع المحرمات أنها تحرم عليه مطلقته حتى تنكح زوجاً آخر ويطؤها، فإذا كان ذلك الذي تزوجها ما قصد إلا إحلالها، أو استأجره أهلها أو زوجها حتى يحلها، فإن هذا باطل، والأحاديث فيه كثيرة، أورد ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة:230] أحاديث كثيرة في لعن المحلِّل والمحلَّل له، وفي بعضها تسمية هذا المحلِّل (التيسَ المستعار) ، والتيس هو ذكر المعز، يعني: كأن زوجها استعاره حتى يطأ زوجته، أو كأنه تيس يُستعار حتى ينزو على المعزى حتى تحبل، فهذه تسمية للتنفير، أما إذا تزوجها برضا وباختيار، وما قصد بذلك إلا النكاح، ففي هذه الحال لو طلقها بعد ذلك باختياره حلت للأول.
ثم قد يكون هذا من المرأة، كثيراً ما تندم المرأة إذا طلقت ثلاثاً، وتتمنى الرجوع إلى زوجها، والزوج لا يشعر بذلك منها، فتتزوج، وإذا دخل بها الزوج ووطأها نفرت منه، وافتدت أو خالعت، أو قالت: لا أريده، ويكون قصدها بذلك أن تحل للأول، فهل يكون هذا تحليلاً؟
الجواب
لا يكون إذا كان الزوج الأول لم يتدخل في هذا، والزوج الثاني ما له دخل، ولا قصد إحلالها، وإنما هي التي نفرت، وطلبت فراقه حتى تحل للأول، فمثل هذا الوعيد عليها هي، وأما الزوج فلا وعيد عليه، ولا يلحقه هذا اللعن.
(60/5)
________________________________________
نكاح المتعة
الثالث: نكاح المتعة، وهو الذي تحدد فيه المدة، بأن يقول للمرأة: تزوجتك مدة شهر، أو يقول وليها: زوجتكها مدة أسبوع، ويعطيها صداقاً يسيراً كدرهم أو دراهم معدودة، ثم إذا مضت المدة التي حددوها حصل الفراق بينهما، هذا النكاح ورد أنه أبيح في غزوة الفتح، والصحيح: أنه ما أبيح إلا فيها، ثم حرم فيها؛ وذلك لأنهم لما دخلوا مكة كانوا عشرة آلاف، وأكثرهم عزّاب، وأعراب، ومسلمون جدد، ويشق عليهم طول العزبة، ودخلوها في نصف رمضان، أو في العشر الأواخر، ومكثوا ستة عشر أو سبعة عشر يوماً، ففي تلك المدة مع عشرة أيام في الطريق خاف النبي صلى الله عليه وسلم عليهم العنت؛ لكونهم حديث عهد بالإسلام، فأباح لهم نكاح المتعة، بأن يتزوج الرجل المرأة على ثوب، أو على خمسة دراهم، ويمكث معها عشرة أيام أو أسبوعاً يستمتع بها، ثم يفارقها إن انتهت المدة، ثم هي تعتد، أو تستبرئ، وإن حملت فإن حملها يكون منه، وإن لم تحمل لا تتزوج غيره إلا بعدما تحيض حيضة، حتى تعرف براءة رحمها، ولما مضت عشرة أيام أو نحوها أعلن أنه زواج محرم، وبقي تحريمه أبداً، وما ذاك إلا لأنه لا يُسمى نكاحاً شرعياً، وهذه المرأة لا تُسمى زوجة، ولا يتوارثان، ولا يحصل بهذا عشرة زوجية، فلذلك نهي عنه نهياً مؤبداً، وبقي كذلك، إلا عند الرافضة فإنهم يبالغون في أنه حلال، ويدّعون أنه كان حلالاً في العهد النبوي، وأن الذي حرمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيعيبون على عمر، ويطعنون فيه بأنه هو الذي حرم هذا النكاح، وكذبوا، بل التحريم من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر إنما نهى عن متعة الحج، فتوهموا أنه نهى عن متعة النكاح، ومعنى متعة الحج، أي: التمتع بالحج إلى العمرة، حتى لا يجمع الإنسان في سفر واحد بين حج وعمرة، بل يسافر للعمرة سفراً مستقلاً، وقصده بذلك ألا يبقى البيت مهجوراً؛ لأنهم إذا اعتمروا مع حجتهم بقي البيت طوال السنة لا يأتي إليه أحد، مع أنه ليس نهياً صريحاً، إنما هو نهي كراهة، أو نهي من باب ما هو الأحسن، فلما رأوا في صحيح مسلم أو في غيره أنه نهى عن المتعة، جعلوها متعة النكاح، وقد وقع في بعض الروايات في صحيح مسلم، وكذلك في مصنف عبد الرزاق: أنه نهى عن متعة النساء، والصحيح: أنه خطأ من الراوي.
وكذلك أيضاً روي عن بعض الصحابة أنه كان يبيحه كـ ابن عباس، ولكن الصحيح أن ابن عباس ما أباحه إلا للضرورة، وقد أنكر عليه بعض الصحابة حتى علي رضي الله عنه، وكان ابن عباس يبيح أيضاً أكل لحوم الحمر، فيقول: إنها حلال، فرد عليه علي في هاتين المسألتين، في المتعة وفي الحمر، كما في الحديث الذي في الصحيح عن علي رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر) فجمع بينهما في حديث، وأتى بكلمة: (يوم خيبر) ظرفاً لتحريم الحمر لا ظرفاً للمسألتين، وتوهم بعض العلماء أن النهي عن نكاح المتعة كان في خيبر، والصحيح: أنه ما أبيح إلا في غزوة الفتح، وحرم في تلك الغزوة.
وقد ناقش أدلة الرافضة كثير من أهل السنة، ولهم مؤلفات في ذلك، والرافضة لهم مبالغة في إباحتها، ولا يزالون هكذا، ولا يعتبر بخلافهم؛ لأنهم ليسوا من أهل السنة.
(60/6)
________________________________________
تعليق الشرط على غير مشيئة الله
الرابع: المعلق على شرط غير مشيئة الله تعالى.
إذا قال: زوجتك بشرط رضا أخيها، وأخوها غائب، فهذا معلق على شرط، أو زوجتك بشرط بقائها إلى سنة أو نصف سنة، أو زوجتك بشرط نجاحها في هذا الاختبار، فهذا غيب ولا يُدرى، لأجل ذلك يكون هذا باطلاً، فإذا أرادوا العقد عند تحقق الشرط فليعقدوا لها عقداً جديداً لا بتعليق.
(60/7)
________________________________________
الشروط الباطلة التي لا تبطل العقد
هناك شروط فاسدة لا تبطل العقد، بل يبطل الشرط ويصح العقد، فإذا شرط ألا مهر لها، فالعقد صحيح والشرط باطل، وتعطى مهر أمثالها؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} [النساء:4] ، وإذا شرط ألا نفقة لها، أو شرط ألا تطالبه بنفقة ولو خبزة أو رغيفاً، صح العقد وبطل الشرط؛ لأنه يخالف مقتضى العقد، فالأصل أن الزوج عليه نفقة امرأته، لقول الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ، فالنفقة واجبة على الزوج، لكن إذا كان لها دخل وساعدته في نفقتها أو في نفقة الأولاد جاز ذلك.
ومن الشروط الباطلة: إذا شرط أن يقيم عندها أكثر من ضرتها أو أقل، فإذا قالت: بشرط أن تقيم عندي أربعة أيام، وعند ضرتي يوماً، أو تقيم عندي ثلاثة، أو يومين، فهذا شرط ينافي العدل؛ لأن الله تعالى قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3] فلابد أن يعدل بينهما.
وكذلك إذا كان قد شرط عليها: ما لك إلا يوم في الأسبوع، والبقية لضرتك، أو نحو ذلك، فهذا شرط باطل، والعقد صحيح.
وإذا شرط نفي عيب لا يفسخ به النكاح، فوُجد بها؛ فله الفسخ، مثلاً: إذا شرط أنها ليست أمية، فوجدت أمية لا تقرأ ولا تكتب، فهذا الشرط لا يبطل العقد، ولكن إذا كان قد شرط ذلك فله شرطه، وله طلب الفسخ، ويُرد عليه صداقه، وكذلك لو شرط أنها بيضاء وبانت سوداء، أو شرط أنها جميلة وبانت دميمة، فالعقد صحيح، ولكن لما تخلّف المطلوب فله الفسخ، وكذلك لو شرط أنها سليمة وصحيحة من العيوب، فوجد بها مثلاً نقص إصبع أو زيادته، أو مثلاً جروحاً يسيرة في البدن، فإن هذا أيضاً لا يبطل به العقد، لكن إذا قال: أنا شرطت فيها السلامة، ووجدت فيها عيوباً أو عيباً؛ فله الفسخ.
(60/8)
________________________________________
عيوب النكاح
الفصل الثاني في عيوب النكاح، والعيب هو: ما يكون نقصاً في أحد الزوجين، بحيث تنفر النفس من ذلك العيب، أو لا يحصل كمال الاستمتاع، أو لا يحصل كمال الألفة، أو ما أشبه ذلك، فإذا وجد هذا العيب فإنه يكون سبباً في الفراق.
وذكر المصنف أن العيوب ثلاثة أنواع: قسم يختص بالرجال، وقسم يختص بالنساء، وقسم يوجد في الرجال وفي النساء.
فالذي يختص بالرجال: كجبّ وعنة، والجب هو: قطع الذكر، وهذا بلا شك عيب؛ لأنه لا يحصل به الاستمتاع، والمجبوب لا يكون زوجاً يحصل منه الإنجاب، ولا يحصل منه الاستمتاع.
وإذا كان مقطوعاً نصف ذكره فإنه قد يحصل منه الاستمتاع أو الوطء، ولكن لا يكون استمتاعاً كاملاً، فلها طلب الفسخ.
وأما العنة: فهي عدم القدرة على الوطء، العنين هو: الذي لا يحصل منه الانتشار الذي يتمكن معه من الوطء، فإن بعض الناس ليس عنده شهوة، أو عنده شهوة ضعيفة بحيث إنه لا يحصل منه الانتشار والانتصاب، فلا يحصل منه قدرة على الوطء، فيكون هذا عيباً، فللمرأة طلب الفسخ إذا ظهر أنه عنين.
والنوع الثاني يختص بالنساء: ذكروا أن من النساء من يكون في فرجها سد يسمى الرتق والعفل، والرتق هو: انضمام الفرج والتحامه، فلا يتمكن زوجها من الاستمتاع، يقال: امرأة رتقاء، أي: ملتصق فرجها بعضه ببعض، ومن الرتق قول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً} [الأنبياء:30] أي: كانت السموات ملتصقة بالأرض {فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء:30] .
وكذلك العفل مرض يكون أيضاً في الفرج، يمنع من كمال الاستمتاع، ويشبهونه بالأدرة التي قد تكون في الرجل، والآدر هو: الذي فيه فتق في أسفل بطنه، فتنحدر منه أمعاؤه، حتى تجتمع في الأنثيين، هذه تسمى الأدرة، فيكون في النساء هذا الفتق، فيكون أيضاً عيباً، ولكنه أغلب ما يكون في الرجل، والآدر: هو الذي فيه هذا الفتق، فيكون أيضاً عيباً، والفتق قد يفسر بنوع آخر وهو: انفتاق ما بين مخرج الحيض ومخرج البول، فإذا كان منفتقاً ما بينهما فإن ذلك أيضاً عيب؛ لأنها في هذه الحالة لا تقدر على استمساك البول، ففي هذه الحال يكون هذا عيباً.
النوع الثالث: العيب المشترك بين الرجل والمرأة: كالجنون، والجذام، والبرص، فإذا وجد في واحد منهما فللآخر طلب الفسخ؛ لأنه مما تنفر منه النفس، فالجنون: فقد للعقل، يقال: جن إذا غُطي على عقله، فإذا تبين أن المرأة مجنونة فله أن يطالب بالفسخ، أو الرجل تبين أنه مجنون فلها المطالبة بالفسخ.
كذلك الجذام، وهو: قروح تخرج في الأنف وفي الوجه وتنتشر، ويكون لها رائحة منتنة، ويخشى أيضاً انتقالها، وفي الحديث: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) فالجذام من الأمراض الشديدة، وقد ورد الاستعاذة منه، فمن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بالله من البرص، والجنون، والجذام، وسيئ الأسقام) .
والبرص معروف وهو: هذا البهق والبياض الذي يكون في بعض الناس في يديه أو في وجهه أو في أعضائه، فإن كان خفياً في بطن أو ظهر فقد لا يكون عيباً، وإلا فإن النفس تنفر من الشيء الذي يخالف خلقة الإنسان، فيكون عيباً يفسخ به، أما بقية العيوب فلا توجب الفسخ، لكن إذا اشترط نفيها فله شرطه، فإذا شرط ألا عيب فيها، ووجد بها عور، أو وُجد أنها عمياء، أو مشلولة إحدى اليدين، أو عرجاء، أو بها قرع، وهو تمزق شعر الرأس، الأقرع هو: الذي يكون في رأسه هذه القروح التي تمزق الشعر أو نحوه، أو قروح خفية وجروح، أو مرض خفي.
فالحاصل: أنه إذا وجد عيب خفي، وكانوا قد كتبوه؛ فله المطالبة بالفسخ إذا كان مما ينفر النفس، وله أن يرضى به.
وإذا حدث الجنون أو البرص بعد الزواج وبعد الدخول جاز له أن يطلب الفسخ، مع أن هذا ليس بسبب منها، ولا من أهلها، وإنما حدث أنها جنت، أو أصيبت بالجذام بعد ما دخل بها، ولكن النفس تنفر من ذلك.
وهناك عيوب لا تكون ملزمة للفسخ، ولكن إذا كان هناك شرط فـ (المسلمون على شروطهم) ، فإذا لم يشترط نفي العيوب، ووجدها عمياء، أو عوراء، أو وجدت زوجها مثلاً ضعيف البصر يحتاج إلى من يقوده، أو أطرش، والطرَش هو: ثقل السمع، فإذا وجد بأحد منهما طرَش، فإن كان هناك شرط فله شرطه، وإلا فإنه لا يُعد عيباً، وكذلك قطع اليد أو الرجل، سواءً كان حادثاً أو قديماً، وكذلك إذا قطعت إصبعه، فلا يكون هذا موجباً للفسخ إلا بشرط، فإذا شرط: ألا عيب فيها أصلاً من الخلقة، ثم وجدت مقطوعة إحدى اليدين، أو مقطوعة أحد الأصابع بحيث يختل العمل؛ فله طلب الفسخ؛ لأنه شرط نفي العيب.
ومن ثبتت عنته أجل سنة من حين ترفعه إلى الحاكم، ويحدث هذا في كبار السن، فقد تجد أن أحدهم يصاب بضعف الشهوة، والمرأة تريد زوجاً يحصل منه الاستمتاع بها، ففي هذه الحال إذا طلبت منه الاستمتاع ورفعته إلى الحاكم، فإن الحاكم يؤجله سنة، وكذلك إذا ثبتت عنته، أي: أنه لا ينتصب ذكره، ولا يحصل منه الوطء الذي يحصل به الاستمتاع، فإذا ترافعا فالحاكم يؤجله سنة، حتى تمر به الفصول الأربعة، يمر به فصل الربيع، فقد يكون مثلاً بسبب برودة، ويمر به فصل الشتاء، فقد يكون الضعف بسبب حرارة، ويمر به فصل الخريف وفصل الصيف، فإذا مرت به الفصول الأربعة ولم يتبين أنه تغيّر بل بقي على عنته، ففي هذه الحال بعد أن ثبتت عنته، وأجله الحاكم سنة من حين الترافع، فإن لم يطأ فيها فلها طلب الفسخ.
وإذا وجد عيب كعمى وطرش أو صمم أو خرس أو عور أو شلل على التراخي، يعني: سكتت، ولم تطالب الفراق، ومضى عليها سنة أو سنوات ثم طلبت الفراق، فهل يحتج عليها ويقول: أنت قد مكثت عندي سنة أو سنتين راضية بالحال، فلماذا طلبت الفراق بعد ذلك؟
الجواب
لها أن تطلب الفراق ولو بعد عشر سنين؛ لأنه يمكن أنها تقول: كنت أتحمل، أو أتصبر، أو لعله يتغير، فخيار العيب على التراخي، لكن يسقط بما يدل على الرضا إذا دل كلامها أو كلامه على الرضا، فإذا قال: رضيت بها ولو خرساء، فهذا دليل على رضاه، أو قال: رضيت بها ولو عرجاء فكذلك، أو قالت: رضيت به ولو أعور، أو أعمى، أو حدث به العمى، أو المرض، فإذا أظهرت الرضا بطل الخيار، فلو طالبت بعد ذلك بالفسخ فليس لها؛ لأنها رضيت به، ومن رضي به في وقت استقر الرضا بعد ذلك.
وأما في عنة فلا يسقط، ولا خيار إلا بالقول، فالعنين خياره لا يسقط إلا بقول، وصورة ذلك: إذا قالت: رضيت به عنيناً، أي: رضيت أن يبقى معها ولو كان عنيناً، فيسقط خيارها.
وأما الفسخ فهو: فسخ النكاح، بمعنى: أنها تطالب بالفسخ، ولا يفسخه إلا الحاكم، فإذا ترافعا إلى الحاكم، وقالت: أريد فسخ النكاح بيننا، فإنه هو الذي يتولى فسخه، وإذا فُسِخ النكاح قبل الدخول فلا مهر؛ لأن الصداق إنما كان بسبب العقد، وهاهنا تبين أن العقد لا يصح، وأنه لا يُقر على تلك الحال، فلا تستحق عليه لا مهراً ولا نصف المهر، وأما إذا دخل بها فإنها تستحق المهر كاملاً بما استحل من فرجها، ولكن يرجع به على الذي غرّه أو أوهمه أنها سليمة، سواء الأب أو الأخ أو الواسطة بينهما، يقول: أنت خدعتني، دخلت بها ووجدت بها عيب كذا وكذا، وقد أخذت مني المهر كاملاً، فأنت الذي خدعتني، فيرجع به عليه.
(60/9)
________________________________________
أحكام نكاح الكفار، وحكم إذا أسلم أحد الزوجين أو كلاهما
ذكر المصنف نكاح الكفار، وأنهم يقرون على النكاح الفاسد الذي اعتقدوا صحته، كنكاح بلا ولي، أي: أن تزوج المرأة نفسها، كذلك أيضاً إذا كان هناك نكاح بلا إيجاب ولا قبول، مثاله: اجتمع رجل وامرأة في الجاهلية وقال: زوجيني نفسك، فأخذ بيدها دون أن يكون هناك إيجاب أو قبول، فإذا اعتقدوا صحته صح ذلك.
وإذا أسلم الزوجان والمرأة تباح أُقرا على نكاحهما، أي: إذا كانت تباح في تلك الحال، وإلا فرق بينهما.
رووا: أن فيروزاً الديلمي أسلم وعنده أختان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارق إحداهما، ولكن يعتزل الثانية حتى تستبرأ التي فارقها.
وأسلم غيلان الثقفي وعنده عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اختر أربعاً وفارق سائرهن) ، فإذا أسلموا يقرون على الذي يحله الشرع، والذي لا يحله لا يقرون عليه.
وإذا أسلم المجوسي وعنده في ذمته أحد من محارمه أمر بفراقها؛ وذلك لأنه محرم، والمجوس يستبيح أحدهم أن يتزوج بنته أو أخته أو أمه أو غيرهن، فإذا أسلموا أمروا بفراق من هي من المحارم.
(60/10)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [61]
مما فرضه الله عز وجل للمرأة على الزوج: الصداق، وهي تستحقه كله بالدخول عليها، وتستحق نصفه إذا فارقها بعد العقد وقبل الدخول، ويستحب في الصداق أن يكون معجلاً، ويجوز تأجيله، وتكره المغالاة في المهور.
(61/1)
________________________________________
أحكام الصداق
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصداق.
يسن تسميته في العقد وتخفيفه، وكل ما صح ثمناً أو أجرة صح مهراً، فإن لم يسم أو بطلت التسمية وجب مهر مثل بعقد.
وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح، فلو طلق قبل دخول رجع بألفها، ولا شيء على الأب لهما، وإن شرط لغير الأب شيء فالكل لها، ويصح تأجيله، وإن أطلق الأجل فمحله الفرقة، وتملكه بعقد.
ويصح تفويض بضع بأن يزوج أب ابنته المجبرة، أو ولي غيرها بإذنها بلا مهر، كعلى ما شاءت أو شاء فلان.
ويجب لها بعقد مهر مثل، ويستقر بدخول، وإن مات أحدهما قبل دخول وفرض ورثه الآخر، ولها مهر نسائها كأمها وعمتها وخالتها.
وإن طلقت قبلهما لم يكن لها عليه إلا المتعة، وهي بقدر يسره وعسره.
ويجب مهر مثل لمن وطئت بشبهة أو زناً كرهاً، لا أرش بكارة معه، ولها منع نفسها حتى تقبض مهراً حالاً، لا إذا حلّ قبل تسليم أو تبرعت بتسليم نفسها، وإن أعسر لحال فلها الفسخ بحاكم.
ويقرر المسمى كله موت، وقتل، ووطء في فرج ولو دبراً، وخلوة عن مميز ممن يطأ مثله مع علمه إن لم تمنعه، وطلاق في مرض موت أحدهما، ولمس أو نظر إلى فرجها بشهوة فيهما، وتقبيلها، وينصفه كل فرقة من قِبله قبل دخول، ومن قِبلها قبله تسقطه.
فصل: وتسن الوليمة لعرس ولو بشاة فأقل.
وتجب الإجابة إليها بشرطه.
وتسن لكل دعوة مباحة، وتكره لمن في ماله حرام كأكل منه، ومعاملته وقبول هديته، وهبته.
ويسن الأكل، وإباحته تتوقف على صريح إذن أو قرينة مطلقاً.
والصائم فرضاً يدعو، ونفلاً يسن أكله مع جبر خاطر.
وسن إعلان نكاح، وضرب بدف مباح فيه، وفي ختان ونحوه] .
(61/2)
________________________________________
تعريف الصداق
الصداق: هو ما تستحقه المرأة مقابل الزواج بها، سمي صداقاً؛ لأنه يدل على الصدق في دفعه، وأنه ما دفعه إلا لأجل صدقه في طلبها، وفي نكاحها، أو على الصداقة بينهما، قال الله تعالى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} [النساء:4] جمع الصدَاق: صدُقات، وأما الصدقة فجمعها: صدَقات.
وقوله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] يعني: نحلاً، والنحل هو: العطاء، تقول: نحلني فلان يعني: أعطاني عطية، ويُسمى أيضاً أجراً كقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء:24] ، ويسمى أيضاً فريضة كقوله في هذه الآية: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء:24] ، وذكر بعض العلماء أن له ثمانية أسماء، ونظمها بقوله: صداق ومهر نحلةٌ وفريضةٌ حباءٌ وأجر ثم عقر علائق.
فله هذه الأسماء، ومنها ما هو مستعمل كثيراً، ومنها ما استعماله قليل، فالجميع اسم لمسمىً واحد، وهو ما تستحقه المرأة مقابل العقد عليها.
(61/3)
________________________________________
استحباب تسمية الصداق عند العقد
قال المصنف رحمه الله: (يسن تسميته بالعقد وتخفيفه) ، قوله: (يسن) أي: ليس بلازم، فإذا عقد عليها، ولم يسم لها مهراً، فإنها تُسمى مفوضة، أي: قد فوضت أمرها إلى وليها، أو إلى زوجها الذي لم يسم لها صداقاً بيناً، وقد دل أيضاً على عدم التسمية قول الله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة:236] يعني: يجوز لكم طلاقهن بعد العقد، ولو قبل الدخول، وقبل الفرض، فدل على أن هناك عقداً لا يكون فيه فرض، أي: تسمية مهر، ولكن يسن تسميته لأجل قطع الخلاف، أي: حتى لا يكون هناك خلاف بينهما في مقداره، وإذا طلق قبله، وكان الصداق بيناً، فتستحق ما سمي لها.
ويسن تسميته في العقد، فإذا عقد الولي يقول: زوجتك موليتي فلانة بصداق ألف، أو بصداق عشرين ألفاً، فيسميه، حتى لا يكون هناك نزاع.
(61/4)
________________________________________
استحباب تخفيف الصداق
يسن تخفيفه، ورد في حديث: (خير النساء أيسرهن مهراً) أو (أيسرهن مئونة) أو (أفضل النساء أو خير النساء أيسرهن مئونة) ، وورد (أن امرأة تزوجت على نعلين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرضيت من نفسك بنعلين؟ فقالت: نعم) فأجاز ذلك، وكذلك جاء في الحديث أنه قال لرجل: (التمس ولو خاتماً من حديد) ، فلو جاء بخاتم من حديد لعقد له به، وكذلك أيضاً جاء رجل فقال: (إني تزوجت امرأة على اثني عشرة أوقية) فأنكر عليه وقال: (كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل) ، فأنكر عليه مع أن هذا قليل، فدل على أنه يستحب أن يكون المهر قليلاً، والأوقية: أربعون درهماً، وذكرت عائشة أن مهر نساء النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشر أوقية ونشَّاً، أي: ونصفاً، فيكون ذلك خمسمائة درهم؛ لأن الأوقية أربعون درهماً، وأما بناته فمهورهن أربعمائة، يعني: عشر أواق، أربعمائة درهم، إلا أم حبيبة فإنه أمهرها عنه النجاشي بأربعة آلاف دينار، ولم يدفع النبي صلى الله عليه وسلم في مهرها شيئاً.
(61/5)
________________________________________
مقدار الصداق
قال المصنف رحمه الله: (وكل ما صح ثمناً أو أجرة صح مهراً) ، كل ما صح أجره، يعني: عوضاً عن عمل، والأثمان هي قيم السلع، أو هي التي تجعل ثمناً للسلع، وهي الآن تسمى نقوداً، والنقود تختلف باختلاف البلاد، فإذا قال مثلاً: زوجتك على عشرين ألف ريال، وأطلق، فإنه يرجع إلى نقد البلد، فإن كان في السعودية، فعشرون ألف ريال سعودي، وإن كان في قطر فعشرون ألف ريال قطري، وفي اليمن يمني؛ لأن لكل بلد عملتهم، مع أن اسمه ريال، وإذا كان مثلاً في مصر وعقد على عشرين ألف فإنه يكون بنقد البلد، وهو: الجنيه المصري، وإن كان في السودان فالجنيه السوداني، وكذلك إذا عقد على عشرين ألف ليرة، فإن كانوا في سوريا فمن نقدها، وإن كانوا في لبنان فمن نقدها، وإن كانوا في تركيا فليرة تركية، وهكذا، فهذا معنى أن كل بلد لهم نقدهم، فيسمى بالاسم الذي يتعارف عليه.
وكل ما صح ثمناً صح مهراً، وعندنا الآن الأثمان بالريالات، وقد تكون أيضاً بالدولارات الأمريكية، وذلك لشيوعها وكثرة التعامل بها في كثير من الدول، فإذا قال: زوجتك بخمسة آلاف دولار، صح ذلك مهراً، وهكذا.
وكذلك من الأثمان الجنيه، فإذا قال: زوجتك بخمسين جنيهاً وهم في السعودية فالجنيه السعودي وهكذا.
ويصح أيضاً أن يجعل المهر عرضاً، ففي حديث علي لما تزوج فاطمة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ادفع لها مهراً، قال: ليس عندي شيء، فقال: أين درعك الحطمية؟ قال: هي عندي، فجعلها مهراً) ، والدرع هي: التي تلبس في الجهاد يتقي بها اللابس وقع السلاح، ولا يلبسها غالباً إلا الرجال، فجعلها مهراً، وكذلك أيضاً لو أصدقها ثوباً أو ثياباً، أو أصدقها عروضاً كأكياس من الأطعمة، أو أدوات من هذه الأواني وما أشبهها، صدق عليه أنه قد أصدقها مهراً، فكل ما صح ثمناً صح مهراً.
وكل ما صح أجرة كذلك، والأجرة هي: التي تؤخذ مقابل عمل، مثلاً: يعمل الإنسان عندك أجيراً، فتعطيه أجرته، فإما أن تعطيه عيناً ونقداً، وإما أن تعطيه عرضاً، فكل ما صح أجرة صح مهراً، فتقول له مثلاً: اشتغل عندي خادماً، وكل شهر أعطيك كبشاً، أي: كل شهر بكبش من الغنم، أو كل أسبوع أجرته ثوب، أو كل شهر أجرته كيس من الأرز أو البر، فكل ما يصلح أن يكون أجرة فيصلح أن يكون مهراً، فيصح أن تمهرها أكياساً من الأرز، أو قطيعاً من الغنم، أو قطعاً من الأقمشة، أو عدداً من الأواني التي تستعمل للشرب أو للطبخ أو للأكل؛ لأنها يصلح أن يكون لها ثمن معين، فيصلح أن تكون مهراً، وقد يصح أيضاً بالحرفة نفسها، فإذا قالت: مهري أن تبني لي هذا البيت، أو مهري أن تحفر لي هذه البئر، أو تركز لي هذا الشجر، أو تسقيه، أو نحو ذلك؛ صح ذلك مهراً، وهو حرفة وعمل، أو أن تطحن لي هذا البر، أو أن تخيط لي هذه الثياب، فيعتبر هذا مهراً؛ لأنه يؤخذ عليه الأجر، والإنسان لا يبني الدار إلا بأجرة، فإذا قيل له: ابنه واجعله صداقاً، أو نزوجك ابنتنا مقابل بنائك لهذا الجدار، أو لهذه الدار، فيصلح أن يكون هذا مهراً.
إذاً: المهر المسمى الأصل أنه عند العقد، ويجب لها مهر المثل إذا لم يسم لها صداقاً، فإذا قال: زوجتك ابنتي، ولم يقل: بصداق كذا وكذا، أو قال مثلاً: نتفق فيما بعد، ثم حصلت الفرقة وهو ما سمى، أو حصلت الوفاة، ففي هذه الحال يجب لها مهر المثل بعقد، يعني: مهر أمثالها التي عُقد عليهن بذلك المهر، كأختها أو شبيهتها من زميلاتها.
وكذلك إذا بطلت التسمية، فلو أصدقها محرّماً فلا يصح، مثلاً: لو أصدقها زقاق خمر، أو أصدقها طبول، أو آلات لهو، أو أصدقها أفلاماً هابطة، أو أشرطة غناء، فهل يصح هذا الصداق؟
الجواب
هذا حرام فلا يصح، وفي هذه الحال يضرب لها مهر أمثالها، أي: من يساويها، فيقال: فلانة التي تساويها في السن، وتساويها في الجمال، وفي النسب، وفي العلم والدراسة، فرض لها كذا، فيفرض لها مثلها.
(61/6)
________________________________________
حكم أخذ الأب من مهر ابنته
قال المصنف رحمه الله: (إن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح ذلك) ؛ وذلك لأن الأب له أن يأخذ من مال أولاده ما لا يضرهم ولا يحتاجون إليه، فإذا أخذ الأب صداق ابنته، فإن له الحق في ذلك، إلا الشيء الذي تتضرر بأخذه كثيابها وأحذيتها وما أشبه ذلك، فإذا قال: أصدقتك ألفاً لك وألفاً لابنتك -التي هي الزوجة- انعقد النكاح وصح، ولزمه الألفان، لكن إذا طلّق قبل الدخول سقط نصف الصداق؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:237] أي: أعطوهن نصف الفريضة التي فرضتم لهن، {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:237] فإن قوله (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) يعني: لو فرض لها ألفين صداقاً، ثم طلقها قبل الدخول استحق أن يطالبها بألف، فيلزمها دفعه، هذا إذا كانت قد قبلت الصداق وقبضته، فإن كان فرض لها ألفين: ألفاً لها وألفاً لأبيها، وطلق قبل أن يدخل بها، رجع بالألف الذي لها، وأما الألف الذي لأبيها فلا تستطيع أن تجبر أباها، وتقول: أعطني الألف الذي قبضته؛ لأن له أن يأخذ من مالها ما لا تحتاجه.
قال المصنف: (إذا طلق قبل الدخول رجع بألفها ولا شيء على الأب لهما) ، لا للزوج ولا للزوجة؛ لأن الزوج أخذ نصفه، ولا يستحق أكثر من النصف، وقد أخذه، وأما الزوجة فإنها لا تطالب أباها، ولا تقول: يا أبي! أخذت مهري؛ لأنه يقول: أخذته؛ لأن الولد وما يملك لأبيه، كما في الحديث: (أنت ومالك لأبيك) .
(61/7)
________________________________________
إذا اشترط في الصداق شيء لغير الأب فالكل للمرأة
قال المصنف رحمه الله: (وإن شرط لغير الأب شيء فالكل لها) أي: إذا كان لغير الأب حتى الأم، فلو قال: أصدقتكم عشرة ثياب! لها ثوبان، وآخران لأمها، وآخران لأختها، وآخران لعمتها، وآخران لخالتها، فهذه عشرة ثياب كلها لها، وفي هذه الحال إذا طلق رجع بنصف هذه الثياب، سواء كانت عندها، أو عند خالاتها وأخواتها، وما ذاك إلا أن غير الأب لا يُقاس عليه، فيرجع على من هي عنده، وهذه الثياب العشرة هي صداقها، والآن حصل الطلاق قبل الدخول، واستحق خمسة من هذه الثياب إذا كانت متساوية، فيرجع عليها، ويطالبها بأن تجمع له نصف الصداق الذي هو خمسة من هذه الثياب وتردها عليه، سواء التي عندها أو عند أختها أو عند عمتها أو نحو ذلك.
(61/8)
________________________________________
صحة تأجيل الصداق
قال المصنف رحمه الله: (ويصح تأجيله) يصح تأجيل الصداق، ويقع هذا في كثير من الدول، في سوريا، وفي مصر، وفي الأردن وغيرها، فيقسمون الصداق إلى معجل ومؤخر، فالمعجل يدفعه لها عند العقد أو بعده لتنتفع به، وأما المؤخر فإنه يبقى عنده إلى أن يطلق أو إلى أن يفارق أو بعد الموت، ويبقى في ذمته ديناً عليه، لماذا تجعلون هذا المؤخر؟ يقولون: لأنها قد تطلق، وإذا طلقت فقد لا ترغب في الأزواج، وتبقى أيماً أرملةً ليس عندها من يكفلها، فإذا طُلقت فهذا الصداق الذي كان مؤجلاً -وقد يكون عشرين ألفاً أو أربعين ألفاً- تتمتع به بقية حياتها، حتى لا تضطر إلى أهلها، ولا إلى أخوتها أو أبويها أو نحو ذلك، فتستغني بهذا المهر المؤخر، ويصح تأجيله كما ذكر، سواءً كان إلى أجل مسمىً أو غير مسمىً، فالأجل المسمى إذا قالوا: أصدقنا ثلاثين ألفاً: عشرة ادفعها، وعشرين بعد سنة، أو عشرة ادفعها، وعشرة بعد سنة، وعشرة بعد السنة الثانية، ففي هذه الحال يلزمهم أن يؤخروه إلى أن يحل الأجل، وقد يكون قصدهم أنها بحاجة؛ يمكن هذه السنة تكفيها العشرة لأواني أو فرش أو سرر أو مجالس أو أكسية أو ما أشبه ذلك، وهذه الأشياء قد تفنى في عشر سنين، أو تتحطم أو تنكسر؛ ففي العشر السنين الأخرى يأتيها مثلاً عشرة آلاف أخرى، وهكذا.
فالحاصل: أنه يصح تأجيله إلى أجل محدد أو غير محدد، فإذا أطلق الأجل ولم يحدد وإنما قال: أصدقنا أربعين ألفاً مؤجلة، وعشرين ألفاً نقداً، فنقد له العشرين ألفاً، وسكت عن تحديد المؤجلة، ما قال: مدة سنة، أو سنتين، أو عشر سنين، أو إلى الموت، فالمؤجل محِلُّه الفرقة، فإذا حصلت الفرقة بطلاق أو بفسخ أو بموت متى ما حصلت حُكِم لها به، ولزمه دفعه، فالفرقة تكون بطلاق أو بفسخ كأن يفسخ الحاكم النكاح، أو بالموت، فمتى حصلت الفرقة حل المؤجل، حتى ولو حصلت بعد الدخول بيوم أو بأيام؛ وذلك لأنه تحقق أنه فارقها.
(61/9)
________________________________________
المرأة تملك الصداق بمجرد العقد
متى تملك المرأة صداقها؟
الجواب
تملكه بمجرد العقد، فقد يكون الصداق عيناً، يعني: قد يكون عرضاً من العروض أو بهيمة أو نحوها فتملكه بالعقد، فإن كان معيناً، كأن يقول: أصدقتك هذه الدار، أو هذه الأشجار، أو هذه الأغنام، فبمجرد العقد تملكها، فلو أن هذه الغنم ولدت بعد شهر، ثم طلق، وأراد أن يأخذ نصف الغنم، فهل يأخذ نصف البهم؟ الجواب: لا يأخذ؛ لأنه في تلك المدة التي أُعلفت فيها، كانت في ملك الزوجة، وفائدتها لها؛ فإذا حلبتها في تلك الأيام فإن لها لبنها ودهنها وجِزتها، كل ذلك يكون لها، وإذا أثمر الشجر بعد العقد فالثمرة لها، وإذا أجَّرت الدار بعد العقد فالأجرة لها، وليس له إذا طلق أن يطالب بنصف الأجرة أو بنصف الثمرة؛ لأنها دخلت في ملكها بمجرد العقد، هذا معنى قوله: (وتملكه بعقد) .
(61/10)
________________________________________
مئونة الصداق إذا طلق قبل الدخول يكون على المرأة
يلزم المرأة مئونة الصداق، فمثلاً إذا قال: أصدقتك هذه الأكياس، وكانت الأكياس في مستودع إنسان، ثم مكثت في ذلك المستودع خمسة أشهر، فأجرتها في هذه الخمسة على الزوجة؛ لأنها ملكها، فلو أنه طلق قبل الدخول أخذ نصفها، وليس لها أن تطالبه بنصف الأجرة، بل يقول: أجرتها عليك وغلتها لك، أي: أن أولاد الغنم وأجرة الدار وثمر الشجر لها، ولو كان كثيراً، ولا يطالبها بنصفه، ومئونتها عليها، فإذا احتاجت الغنم إلى علف فإنه عليها، ولو طلق قبل الدخول لا تطالبه بنصف العلف ولا بنصف أجرة الراعي، كما لا يطالبها بنصف اللبن، ولا بنصف الجزة، ولا بنصف النتاج من الأولاد.
(61/11)
________________________________________
مهر المفوضة
قال المصنف رحمه الله: (يصح تفويض بضع) .
التفويض هو: عدم تسمية المهر في العقد، ومن لم يُسم لها مهر تُسمى مفوَّضة، فيصح تفويض البضع، يعني: بضع امرأة بأن يزوج الأب ابنته المجبرة بلا مهر، أو يزوج الرجل غير المجبرة بإذنها بلا مهر، مثاله: أن يقول: أصدقتها ما شاءت، أو ما شاء أخوها، أو ما شاءت أمها، وما أشبه ذلك، ففي هذه الحال تُسمى مفوضة، يفرض لها ما شاءت، قل أو كثر، فإذا قالت: أنتم قلتم: صداقها ما شاءت أو ما رضيت به أو ما ترضى فلو طلبت مائة ألف أو مائتين فلها ذلك؛ لأنه فوض الأمر إليها وقال: ما شاءت، أو قال: ما شاء فلان، ما شاء أخوها، أو ابنها أو أبوها، فالكل يُسمى تفويضاً.
ثم المفوَّضة أو غير المسمى لها، متى يجب لها مهر المثل؟ يجب بالعقد، وقد تقدم أنها تملكه بالعقد إذا كان مسمى، وإذا لم يكن مسمى فلها مهر المثل، ويجب بمجرد ما يحصل العقد بينهما، ففي هذه الحال يجب لها مهر المثل.
(61/12)
________________________________________
استقرار المهر بالدخول
قال المصنف رحمه الله: (ويستقر لدخول) .
يعني: إذا دخل بها استقر المهر، فهنا فرَّق بين (يجب) و (يستقر) ، فما هو الفرق بينهما؟
الجواب
الوجوب معناه: اللزوم، يعني: يكون لازماً لها، لها مهر المثل، وإن لم يحدد، وأما الاستقرار فإنما يكون بالدخول، فبمجرد العقد يقال: في ذمتك مهر المثل، وبمجرد الدخول يقال: استقر عليك مهر قدره كذا وكذا، فالمهر يستقر بالدخول.
(61/13)
________________________________________
مقدار المهر إذا مات أحد الزوجين قبل الآخر
قال المصنف رحمه الله: (وإن مات أحدهما قبل دخول وفرض ورثه الآخر) .
قد ذكرنا في الفرائض أن المرأة إذا ماتت بعد العقد ورث منها، ويرث من مهرها ولو قبل الدخول، وإذا مات ورثت منه ولو قبل أن يفرض لها، فإذا عقد عليها عقداً صحيحاً فمات ورثت منه، أو ماتت ورث منها، وإن لم يحصل دخول ولا خلوة، فإذا مات الزوج ورثت منه، وإذا ماتت الزوجة ورث منها، ولو قبل الدخول بها، ولو قبل أن يفرض لها، ويُسمى لها مهر مثلها، وحينئذ ماذا يجب لها من المهر؟ لها مهر نسائها كأمها وعمتها وخالتها، أي: يفرض لها مثل مهر نسائها اللاتي يماثلنها، كما جاء في الحديث أن قوماً سألوا ابن مسعود عن رجل عقد على امرأة ومات قبل أن يفرض لها، وترددوا إليه شهراً، فقال: (أنا أفتيكم برأي إن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً فمني ومن الشيطان، ولا تتخذوا قولي دليلاً: لها مهر نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث) وكان عنده رجل يقال له: معقل بن سنان الأشجعي، فقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في امرأة عندنا يقال لها: بروع بنت واشق بمثل ما قضيت) ، ففرح بذلك ابن مسعود؛ حيث وافق قوله قول النبي صلى الله عليه وسلم، ففي هذا أنه جعل لها مهر نسائها، يعني: كعمتها وخالتها وأختها وقريباتها، فيُنظر كم كان يقدر لهن، فلها مهر كامل ولو قبل الدخول، فإذا مات قبل أن يدخل بها وقبل أن يسمي لها إذا كان قد عقد عليها فإنها ترثه من تركته، ومع ذلك تحد عليه، فجعل عليها عدة وإحداداً، وجعل لها ميراثاً، وأمر لها بصداق أمثالها، هذا هو الذي يجب لها.
وروي أن بعض الصحابة خالفوا ذلك، ولم يقبلوا قول معقل بن سنان الأشجعي، وكأنهم لم يصدقوه، حتى قال بعضهم: (كيف نقبل قول أعرابي يبول على عقبه؟!) يعني: أنه من الذين لا يعرفون العلم وهذا غير قادح، فإنه صحابي، والصحابة عدول، والحديث قد اشتهر، ورواه الأئمة في كتبهم، فعلى هذا تُعطى مهراً كاملاً كمهر نسائها، عملاً بهذا الحديث، وهكذا إذا كان قد فرض لها، فإنه يدفع لها المهر الذي فرض لها كاملاً.
وذهب بعضهم إلى أنها كالمطلقة قبل الدخول، لها نصف الصداق، عملاً بقوله: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:237] وبعضهم قال: لا يقدر لها شيئاً، أي: إذا لم يكن قد فرض لها، وجعلها كالمفوضة غير المدخول بها.
قال المصنف رحمه الله: (يجب لها بعقد مهر مثل -يعني: مفوضة- ويستقر بالدخول، وإن مات أحدهما قبل الدخول وقبل الفرض ورثه الآخر، وأُعطيت مهر نسائها -أي: مثل مهر نساءها- لا وكس، ولا شطط) أي: مثل نسائها كأمها وعمتها وخالتها وأخواتها ونحوهن.
(61/14)
________________________________________
متعة المطلقة
قال المصنف رحمه الله: (وإن طلقت قبلهما لم يكن عليه لها إلا المتعة، وهي بقدر يسره وعسره) .
يعني: امرأة عقد عليها رجل، ولم يدخل بها، ولم يُسم لها مهراً، ثم طلقها قبل الدخول وقبل تسمية الصداق، فهل تطالبه بصداق أو تطالبه بنصفه مع أنه لم يسم لها شيئاً؟
الجواب
هذه ليس لها إلا أن يمتعها، والمتعة هي: أن يعطيها شيئاً يجبر نفسها عوضاً عن فراقه لها، يُسمى متاعاً ومتعة، واستُدل عليها بآيات من القرآن منها قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب:49] أي: أنه ليس عليها عدة، وعليك أن تُمتعها بأن تعطيها متاعاً وتسرحها.
ومنها أيضاً قول الله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236] فجعل المتاع بقدر العسر واليسر، هذا إذا لم يكن لها صداق فلها المتعة، ولها أن يمتعها، يقول تعالى: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ) يعني: مقدار الذي يتحمله، وعلى المعسر الفقير (قدره) وقرأها بعضها: (قدْرُهُ) .
ثم قال بعضهم: أعلى المتاع أن يعطيها خادماً: ذكراً أو أنثى، أي: يشتري لها عبداً أو أمة، وأدناه كسوة تجزئها في صلاتها، فإذا طلقها يمتعها؛ لأنها نكحت وطلقت قبل الدخول ولم يُفرض لها، فلم تُعط نصف المفروض ولم تُعط صداقاً كاملاً ولم يدخل بها، وانكسر قلبها بهذا الطلاق الذي حصل قبل الدخول، فيُجبر ذلك بهذه المتعة، يعطيها متاعاً كما قال تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236] .
(61/15)
________________________________________
وجوب مهر المثل لمن وطئت بشبهة أو زناً كرهاً
قال المصنف رحمه الله: (يجب مهر مثل لمن وطئت بشبهة أو زناً كرهاً) .
مهر المثل يعني: مهر مثل نسائها، مثاله: إذا دخل إنسان بيته، وفيه امرأة نائمة، وظنها زوجته، ووطأها ولم ينتبه إلا بعدما وطأها، فعليه مهر المثل، يعني: مثل مهر نسائها وما ذاك إلا أنه وطأ من لا تحل له، فتطالبه بمهر مثلها، ولو أنه وطأها ساعة أو نصف ساعة.
وكذلك لو اشتبهت عليه امرأته بأجنبية، ووطأ الأجنبية وهو يعتقدها زوجته، فإن عليه مهر مثلها، وقد يكون هناك اشتباه بين الزوجين وبين الزوجتين كما إذا أُدخل هذا على زوجة أخيه وأُدخل الثاني على زوجة أخيه الأول، ووطأ كل واحد منهما زوجة أخيه، وهو يعتقد أنها زوجته الحلال، ثم تبين عدم ذلك، ففي هذه الحال عليه لها مهر مثلها؛ لأنها وطئت بشبهة.
وكذا إذا زنا بها إكراهاً، يعني: هددها حتى مكنته من نفسها قهراً فزنى بها، ففي هذه الحال إذا تاب فعليه لها مهر مثل نسائها، سواء كانت بكراً وأزال بكارتها فإن عليه مهر مثل نسائها أو وطأها وهي ثيب.
وإذا كانت بكراً هل لها أن تطالبه بأرش البكارة وتقول: أنت قهرتني قهراً، وأكرهتني على الزنا، والآن أطالبك باثنين: أطالبك بمهر المثل، وأطالبك بأرش البكارة؛ لأنك أزلت بكارتي؟ ليس لها إلا واحد، وهو مهر المثل، فلا تطالبه بأرش البكارة، وإنما يكفيها صداقها الذي وهبه لها مثل مهر نسائها، يعني: صداق مثل أمثالها، فلا تطالبه بأرش البكارة.
(61/16)
________________________________________
جواز منع المرأة نفسها قبل قبضها المهر الحال
قال المصنف رحمه الله: (ولها منع نفسها حتى تقبض مهراً حالاً) .
إذا أصدقها عشرين ألفاً أو ثلاثين ألفاً حالَّة ثم طلبها للزفاف فلها أن تمتنع وتقول: لا أُسلم نفسي حتى تُسلم ما عندك، على حد قول بعضهم: ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم ولا أسلِّمها إلا يداً بيد فإن وفيتم بما قلتم وفيت أنا وإن أبيتم يكون الرهن تحت يدي فهي إذا بذلت نفسها، ووطأها وأزال بكارتها، ثم مع ذلك منعها من صداقها، فات عليها الأوان، فلها قبل ذلك أن تمتنع وتقول: لا أسلِّم نفسي حتى تسلم ما عندك من الصداق الحال، وكذا لو كان الصداق مؤجلاً ثم حل، فلها الامتناع من تسليم نفسها حتى يسلمها ما حل من صداقها.
قوله: (لا إذا حل قبل تسليم) .
أي: إذا سلمت نفسها ثم حل الصداق، ففي هذه الحال لا تمتنع بعد ذلك؛ لأنها رضيت وسلمت نفسها، ووطأها واستمتع بها، ثم حل الصداق، فهل تقول: أنا أمنع نفسي منك الآن حتى تسلم ما بقي؟
الجواب
ليس لها أن تمتنع، ولكن لها المطالبة، وكذلك إذا تبرعت بتسليم نفسها، فليس لها الامتناع بعد ذلك، فإذا تبرعت بتسليم نفسها ثم أرادت أن تمتنع وقالت: سلم لي المهر وإلا امتنعت، ليس لها الامتناع.
(61/17)
________________________________________
إذا أعسر الزوج عن دفع الصداق فللمرأة المطالبة بالفسخ
قال المصنف رحمه الله: (إن أعسر بحال فلها الفسخ بحاكم) .
إذا أعسر الزوج بالصداق الحال، ولو بعد تسليم نفسها، ففي هذه الحال لها أن تطالبه وتقول له: إما أن تعطيني صداقي أو تفارقني، فإذا قال: أنا معسر لا أجد، ف
الجواب
ولو كنت كذلك، فترفعه للحاكم، وتذكر له أنه لم يسلمها صداقها، فيقول له الحاكم: إما أن تسلمه، وإما أن أفسخ النكاح منك، فإن امتنع فله أن يفسخ النكاح، ولا يفسخه إلا الحاكم.
(61/18)
________________________________________
بيان الوقت الذي يستقر فيه الصداق
قال المصنف رحمه الله: (ويقرر المسمى كله موت، وقتل، ووطء في فرج ولو دبراً، وخلوة عن مميز) .
يعني: كل هذه تقرر المسمى، وقد ذكرنا قريباً الفرق بين الاستقرار وبين الوجوب، عند قوله: (ويجب عليها بعقد مهر مثل، ويستقر بدخول) يستقر: يعني يثبت كله؛ لأنه قبل الدخول عرضة لأن ينفسخ نصفه، فأما بعد الدخول فإنه يستقر المسمى كله.
يستقر بالموت، فإذا مات استقر الصداق كله في تركته، وكذلك إذا قُتل، أو إذا وطء في الفرج، فهذا يستقر به المهر، حتى ولو وطء في الدبر مع تحريمه.
وكذلك إذا كان هناك خلوة، فإذا خلى بها، ولم يكن عندهما مميز، وهو يقدر على الوطء، وهو عالم بأنها معه في ذلك المكان، ولم تمنعه أن يطأها.
وكذلك الطلاق إذا طلق في مرض موته أو مرض موتها كل ذلك يقرر المسمى.
وكذلك اللمس، فإذا لمسها بشهوة استقر لها الصداق وكذلك إذا نظر إلى فرجها بشهوة، وكذلك إذا قبل، كل هذه يستقر بها المهر كله لها.
وأما النصف فينصفه كل فرقة من قبله قبل الدخول، وأما من قبلها فتسقطه، فإذا كان الطلاق منه قبل الدخول يُنصف المهر، وأما إذا كان منها، أي: هي التي فسخت إما لعيب فيها وإما هي التي طلبت فإنه يسقط.
(61/19)
________________________________________
حكم الوليمة
قال المصنف رحمه الله: (تسن الوليمة للعرس ولو بشاة فأقل) .
ذهب بعض العلماء إلى أنها تجب، ولكن الصحيح: أنها مسنونة، ودليلهم قصة عبد الرحمن بن عوف لما تزوج وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (مهيم؟ قال: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال: كم أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب) والنواة نواة التمر، يعني: هذا صداقها، فقال: (بارك الله لك، أولم ولو بشاة) يعني: اجعل وليمة ولو بشاة، فكأن هذا يدل على أقل الوليمة في حق القادر، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أولم على زوجته زينب بنت جحش رضي الله عنها بشاة، وأكثر نسائه كان يولم عليهن بحيس، فإن صفية لما تزوجها في طريقه بين خيبر وبين المدينة أمر بالأنطاع فبسطت، وجُعل عليها تمر وأقط وسمن، ودعا الناس فأكلوا، فكانت تلك وليمته، فدل هذا على أنه يجوز جعل الوليمة من غير شاة وغير لحم.
(61/20)
________________________________________
وجوب إجابة دعوة الوليمة إذا لم يكن فيها منكر
قال المصنف رحمه الله: (تجب الإجابة إليها بشرطه) .
إذا دُعي الإنسان إلى الوليمة فما حكم إجابته إليها؟ ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (شر الطعام طعام الوليمة؛ يُدعى إليها من يأباها، ويترك من يأيتها أو من يريدها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله) وورد في الحديث أنه عليه السلام جعل إجابة الدعوة من حقوق المسلم على أخيه، لقوله: (وتجيبه إذا دعاك) فأخذوا من قوله: (ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله) أن هذا يدل على الوجوب، ولكن خصوا ذلك بما إذا كانت دعوة خاصة، وجعلوا الولائم قسمين: النقر، والجفل، فدعوة الجفل هي: أن يرسل واحداً ويقول: ادع كل من لقيت في الأسواق وفي الطرق وفي الأماكن العامة، فدعوة الجفل لا تجب الإجابة إليها.
وأما دعوة النقر فهي أن يخصص فيقول: ادع فلاناً وفلاناً وفلاناً، فدعوة النقر هي التي تجب الإجابة إليها، ولو لم يجب الدعوة فقد عصى الله.
ثم اشترطوا ألا يكون له عذر، فإن كان له عذر كشغل أو مرض أو علم بوجود منكر فإن له بهذا عذراً، مثل أن يعلم أن هناك اختلاط رجال بنساء، أو هناك نساء متكشفات، أو هناك من يعلنون بشرب الدخان، أو من يدقون الطبول، أو من يغنون غناءً ماجناً، أو من يشربون الخمور، أو يجلسون على فرش الحرير، أو يشربون في أواني ذهب، ولو كانت كئوس لقهوة ونحوها، أو كان الذي دعاه مكسبه حرام كرشوة أو رباً أو نحو ذلك فله أن يمتنع.
(61/21)
________________________________________
استحباب إجابة كل دعوة مباحة
قال المصنف رحمه الله: (تسن لكل دعوة مباحة) .
كل من دعاك لمناسبة مباحة فإن الأصل أنك تجيبه، وذلك جبراً لقلب أخيك الذي دعاك إلى أي دعوة مباحة؛ لأن هناك ولائم لها مناسبات، كمناسبة سُكنى الدار، فإذا دعاك لذلك فإن هذا ممن تُسن إجابته، وكذلك مناسبة شفاء من مرض، أو مناسبة قدوم غائب، أو مناسبة نجاح من دراسة، أو مناسبة مكسب في تجارة، أو تحصيل وظيفة أو ما أشبه ذلك، فهذه مباحة إذا لم يكن فيها منكر.
(61/22)
________________________________________
تكره إجابة دعوة من في ماله حرام
قال المصنف رحمه الله: (وتكره لمن في ماله حرام) .
إذا كانت معاملاته محرمة؛ يأخذ الرشا، أو يخدع في البيوع، أو يأكل أموال الناس بالباطل، أو يتعامل بمعاملات ربوية أو ما أشبه ذلك، فتكره إجابته، ويكره الأكل من ماله، وتكره معاملته من بيع وشراء، ويكره قبول هديته وهبته إذا كان في ماله حرام؛ لأن في ذلك شيئاً من إقراره بهذا الحرام، وقد يكون ذلك أيضاً سبباً في تقريره، وبعض العلماء يقول: يجوز قبول هديته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل هدايا ملوك الكفار، فملك مصر، وملك الشام، وملك عمان، كانوا يهدون إليه، ويقبل منهم وهم كفار، ويكون إثم المكسب عليهم، ولكن لما كان أصل المال فيه حرام، فالذي يأكله كأنه يقره، ويتغذى بشيء من جملة ما حرم الله، فالأولى أنك لا تجيب دعوته، ولا تقبل هبته وهديته أو كرامته، ولا تتعامل معه ببيع أو شراء وأنت تعرف أنه يتعاطى المحرمات.
وأما الأكل فإذا دُعي الإنسان إلى وليمة أو إلى طعام فإن الدعوة لأجل الأكل، فالذي يُدعى ولكنه لا يأكل يكون كأنه ما أتى، فلذلك يُستحب أن يأكل، ومتى يباح الطعام إذا قُدِّم؟ تتوقف إباحته على الإذن أو على القرينة، الإذن أن يقول: كلوا، أو كلوا باسم الله، أو يأمرهم، وأما القرينة فإذا وضع الطعام على الخوان ودعاهم وقال: هلُموا وجلسوا؛ فإن تقديمه إذن في أكله، فلا يحتاج إلى إذن خاص: ما جيء بالطعام إلا للالتقام لا تحتشم من أكل كفعل أهل الجهل فيأكل منه إذا قُدِّم له الأكل الذي تهواه نفسه، فإذا كان صائماً صيام فريضة كقضاء أو نحوه فيقتصر على الدعاء، فيدعو وينصرف، كما جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائماً فليُصلِ) يعني: يدعو له بالبركة وينصرف، أما إذا كان صيامه نفلاً فيستحب أن يفطر؛ ليجبر خاطر صاحبه الذي دعاه، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم دعاه أحد الصحابة، فلما جلسوا للأكل اعتزل أحدهم وقال: (إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعاكم أخوكم وجمعكم وقدّم لكم هذا الطعام، أَفطرْ وصمْ يوماً مكانه) فهذا إذا كان نفلاً، وكان أكله فيه جبر لخاطر صاحبه، وفي عدم أكله إساءة الظن به، وإذا لم يكن هناك إساءة ظن فلا داعي إلى ذلك.
(61/23)
________________________________________
حكم إجابة الدعوة بالبطاقات
في الأزمنة المتقدمة كان الداعي أو صاحب الوليمة يُرسل رسله، فيُرسل واحداً فيقول: ادع فلاناً وفلاناً وفلاناً، ويرسل الآخر إلى الجهة الأخرى ويقول: ادع فلاناً وفلاناً وفلاناً، فيأتي المدعو مع ذلك الرسول.
وفي هذه الأزمنة كما هو معروف في هذه البلاد يكتفون كثيراً بإرسال بطاقات فيها الدعوة، وفيها تحديد اليوم، وتحديد المكان، وهذه البطاقة ليس لها حكم الدعوة، وليس لها حكم ما لو كان يُرسل رسولاً؛ وما ذاك إلا أن الدعوة حقيقة هي كونه يقول: فلان يدعوك، فأما كونه يكتب لك كلمات يدعوك بها، وهذه كلمات كتبت لك ولغيرك، فلا تكون مثل الدعوة الخاصة، ولكن من باب الجبر تتأكد الإجابة.
(61/24)
________________________________________
استحباب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف
ذكر المصنف رحمه الله أنه يسن إعلان النكاح والضرب عليه بالدف، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف) والإعلان هو: الإشهار حتى لا يكون سراً، كما في قول الله تعالى: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} [البقرة:235] يعني: كونهم يخفونه ولا يبدونه ولا يظهرونه، فإعلان النكاح إشهاره حتى يشتهر أن فلاناً تزوج بفلانه، وربما يكون هناك أخبار عن معرفة بمحظور أو رضاع بينهما، فإذا اشتهر النكاح عرف ما بينهما، فهذا هو السبب في إعلانه، والإعلان يكون بنشر الأخبار، ويكون أيضاً الآن بوضع الأنوار الكهربائية على المكان الذي يجتمعون فيه، ويكون فيه الاحتفال، وغير ذلك من الأشياء التي يحصل فيها الإعلان.
وأما الضرب بالدف فالدف هو: الآلة التي هي كهيئة الطار يُختم أحد جانبيه بجلد لم يُدبغ، ثم يُضرب فيصير له صوت ليس شديداً، أما إذا ختم جانباه فإنه لا يجوز، ويسمى طبلاً، والطبل هو: الذي خُتم جانباه، فيُسمى الدف (الطار) ، ويسمى في بعض البلاد (الزير) ، ويسمى عند بعضهم (الدمام) ، والأصل أن تسمية الدف شرعية، وقد جاء حديث أن امرأة قالت: يا رسول الله! إني نذرت إن قدمت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال: (أوف بنذرك) فالدف يُضرب به للفرح، وهو مثل المنخل إلا أنه ختم أحد جانبيه، والمنخل فيه خروق، فذلك المكان المختوم فيه جلد ليس فيه خروق، هو الدف، وهو مباح، وله أوصاف أيضاً يكون بها أحياناً غير مباح، مثل إذا كان فيه زرود أو نحوها.
ولا بأس أيضاً مع ذلك بصوت مباح؛ لأنه روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (هلا أرسلتم معها من ينادي يقول: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم) إلى آخره، يعني: أبيات فيها شيء من التحية والترحيب والمديح المباح الذي يكون فيه دليل على التواد والمحبة، فأما الغناء الذي يُفعل لكثير من المناسبات بحيث إنه يجتمع رجال من جهتين، فهؤلاء في جهة وهؤلاء في جهة، ثم يتمايلون ويُغنون غناءً فيه شيء من التشبيب، وفيه شيء من التلحين والطرب، أو يضربون الطبول، فمثل هذا نرى أنه لا يُشرع حضوره، وكذلك أيضاً رفع أصوات النساء بضرب الدفوف أو الطبول، ورفع أصواتهن بغناء فيه شيء من المبالغة في التمايل أو التطريب أو التلحين أو التشبيب أو وصف الخدود والقدود أو ما أشبه ذلك، فهذا أيضاً لا يجوز.
وعادة أن النساء يضربن بالدف ويتمايلن ويرقصن، فهذا إذا لم يكن فيه شيء من الاختلاط، وليس فيه شيء من المحظورات، فلا بأس به.
(61/25)
________________________________________
ضرب الدف عند الختان
يستحبون أيضاً ضرب الدف في حفل الختان، والصحيح: أن الختان أمر عادي، وكانوا يختنون الطفل وعمره سنتان أو ثلاث سنين، ثم يجعلون للختان شيئاً من الحفل، يقسِّمون فيه على الأولاد ونحوهم شيئاً يفرحهم، كجوز أو حلوى أو ما أشبه ذلك، ويضربون بالدف، ولكن ليس دائماً، وإنما مرتين أو ثلاث مرات، والله أعلم.
(61/26)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [62]
أساس بناء المجتمع يبدأ من الأسرة المكونة من الزوج والزوجة، ولأجل أن يكون البناء صحيحاً متيناً فقد بين الشرع أحكام العشرة بين الزوجين، فبين حقوق الزوج على زوجته، وبين حقوق الزوجة على زوجها، فإذا أدى كل منهما ما عليه من الحقوق فستكون أسرة سعيدة، وسيكون بناؤها قوياً متيناً.
(62/1)
________________________________________
أحكام العِشْرة بين الزوجين
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ويلزم كلاً من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف، وألا يمطله بما يلزمه، ولا يتكره لبذله.
ويجب بعقد تسليم حرة يوطأ مثلها في بيت زوج إن طلبها ولم تكن شرطت دارها.
ومن استُمهل أمهل اليومين والثلاثة لا لعمل جهاز، وتسليم أمة ليلاً فقط.
ولزوج استمتاع بزوجة كل وقت ما لم يضرها، أو يشغلها عن فرض, والسفر بحرة ما لم تكن شرطت بلدها.
وله إجبارها على غسل حيض وجنابة ونجاسة، وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره.
ويلزمه الوطء في كل أربعة أشهر مرة إن قدر، ومبيت بطلب عند حرة ليلة من كل أربع، وأمة من كل سبع] .
هذا الفصل يتعلق بعشرة النساء، يذكر فيه الفقهاء باب عشرة النساء، والعشرة والمعاشرة هي: الصحبة التي تكون بين اثنين، وسُميت القبيلة عشيرة لوجود الصحبة بينهم، قال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22] فعشيرة الرجل هم أقاربه؛ لأنه يصحبهم، فبين الزوجين صحبة هي غالباً أتم من غيرها، وأطول مدة في الغالب، فلذلك لابد من حُسن العشرة، وأمر الله تعالى بذلك فقال تعالى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] أي: اصحبوهن صحبة حسنة بالمعروف، أي: بما هو معروف حُسنُه، ومعروف ملاءمتُه، فيلزم زوجين معاشرة كل منهما الآخر بالمعروف، وأن يتخلق بالأخلاق الفاضلة، وهي كذلك، فيلين جانبه، ويصفح عن الأخطاء والزلات، وكذلك يتخلق بالأخلاق الشريفة، ويبتعد عن الأخلاق السيئة، فيبتعد عما يثير الأحقاد والغضب، وما يسبب الغضب أو النفرة أو ما أشبه ذلك، وهكذا أيضاً يبتعد عن الأخلاق السيئة: عن الكذب، وخُلف الوعد، والمماطلة، والتقصير، وكذلك أيضاً عن أسباب الأذى التي تتأذى منها، فإذا كان كذلك فالأصل أنها تدوم الصحبة.
أما إذا اشتمل المجتمع الزوجي على شيء من الأذى فغالباً أن الصحبة لا تدوم، وإذا كان أحد الزوجين سيء الخلق، أو شرساً، أو كثير الظنون، أو حقوداً، أو غضوباً، أو شديد التأثر بأدنى شيء، فإن على الطرف الثاني أن يكون لين الجانب، ويكون سهل الكلام، بحيث إنه يتحمل ما يسمعه، فإذا غضب الزوج لشيء وسب فإن كانت الزوجة ذات خلق فإنها تعترف بالخطأ وتعتذر، وتطلب منه العفو والصفح عما حصل منها، وإن كان شيئاً طفيفاً، وكذلك أيضاً إذا أساء إليها بغيبة أو بتأخير في شيء طلبته أو ما أشبه ذلك، فعليها أن تعفو وتصفح، وهو إذا رأى منها حقداً أو شدة تأثر اعتذر عذراً لطيفاً، وتودد إليها، ووعدها وعد خير، فيكون ذلك سبباً في الصفح وفي الرضا وفي دوام الصحبة.
وكثيراً ما تحصل الفرقة بسبب سوء خلق أحدهما إذا كان الآخر لا يعتذر ولا يقبل الاعتذار، بل مجرد أدنى زلة أو خطأً أو ما أشبه ذلك يسب ويشتم، ثم يقابله الآخر بالسباب وبالعتاب الشديد الذي يثير الغضب.
أو هي كذلك تسيء الظن به وتتهمه بتهم كثيرة فتقول: أنت تذهب إلى كذا وتتركني، وأنت تجلس إلى فلان أو أنت وأنت، وهو يقول: أنت تكلمين كذا، ويتهمها بأنها تعاكس أو تغازل فيكون ذلك من الأسباب التي تُثير الأحقاد، والواجب هو حسن الظن، فيجب أن يحسن كل منهما الظن بالآخر، وأن يعفو ويتجاوز عما يقع من الخطأ، فهذا من العمل بقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] .
(62/2)
________________________________________
من العشرة بالمعروف عدم المماطلة
من العشرة بالمعروف ترك المماطلة التي هي التأخير بما يلزمه، فإذا طلبت منه شيئاً من حاجتها كنفقة أو كسوة ضرورية فأخذ يماطلها ويتأخر بما طلبت من شيء واجب فإن ذلك يُسبب حقدها؛ فلا يجوز له المماطلة، كذلك إذا طلبت صداقها الحال فلا يجوز له التأخير بغير عذر، فإن كان يقدر سلّم ما طلبت منه، وإن كان لا يقدر فإنه يعتذر عذراً يُقبل منه.
وكثيراً ما يحصل الضجر من هذا الفعل الذي هو المماطلة بالحقوق وبالمواعيد، فإذا وعدها زيارة وماطلها فإن ذلك مما يسبب نفرتها أو إساءة الظن به، وإذا وعدها أن يشتري لها حاجة مما تحتاج إليها ثم تأخر كان ذلك من أسباب إساءة الظن به، وكذلك إذا وعدته شيئاً كأن تصلح له حاجةً وأن تخيط له ثوباً أو تغسله أو تصلح له طعاماً يطلبه أو طعاماً لضيفه ولكنها تأخرت أو ماطلت كان ذلك من أسباب النفرة.
(62/3)
________________________________________
من العشرة بالمعروف عدم التكره
قال المصنف رحمه الله: (ولا يتكره لبذله) .
يعني: يتكره لما يبذله فيمنُّ به عليها ويقول: أتعبتني وأقلقت راحتي بكثرة الطلبات، وبكثرة الأشغال والأعمال، وهذا مما يكلفني.
وكذلك المرأة إذا طلبها شيئاً أخذت تتكره إليه وتتثاقل، فإذا طلبها -مثلاً- لفراشه لا تجيبه إلا بعد تعب، وبعد طول انتظار، وإذا طلب منها حاجة لا تبذلها إلا بتكره، فهذا مما يسبب النفرة.
(62/4)
________________________________________
وجوب تسليم الزوجة للزوج بعد العقد إذا طلبها زوجها
قال المصنف رحمه الله: (ويجب بالعقد تسليم الحرة التي يوطأ مثلها في بيت زوجها إن طلبها، ولم تكن شرطت داراً) .
أي: متى حصل العقد، وطلب من أهلها تسليمها إلى منزله، وكانت يوطأ مثلها، يعني: قد كبرت، وهي التي زادت على العشر وأمكن أن توطأ ويستمتع بمثلها، فإذا طلبها إلى بيته وجب على أهلها تسليمها إلا إذا اشترطت دارها، فإذا اشترطت ألا يخرجها من بيتها أو من بيت أهلها فلها شرطها، وأما إذا لم تشترط فإن على أهلها أن يسلموها لزوجها.
كذلك أيضاً إذا اشترطوا ألا يستلمها إلا بعدما يدفع المهر كاملاً فامتنعت وقالت: لا أسلم نفسي إلا إذا سلمت الدفع الذي اشترط عليك فلها ذلك، فإذا طلب زوجته فعليهم أن يدفعوها له إذا لم يكن هناك عذر، فإذا طلبوا الإمهال وقالوا: أمهلنا حتى نجهزها، فله أن يمهلهم يومين أو ثلاثة، حتى يهيئوها ويشتروا لها حاجاتها وما أشبه ذلك، ثم يسلموها لزوجها.
قوله: (من استمهل أمهل اليومين والثلاثة، لا لعمل جهاز) .
يعني: إذا كانوا يشترون لها حاجاتها، ويكملون لها طلباتها؛ أمهلهم، أما التجهيز فإنه هو الذي يجهزها، فإذا أعطوه امرأته فإنه يجهزها بما طلبت، يعني: بكسوتها وبأوانيها وبأدواتها التي تحتاج إليها إذا كانت هذه الأشياء معتادة: وإذا تزوج الرجل أمة مملوكة فالعادة أنها تخدم سيدها في النهار، ففي الليل تبيت مع زوجها، فيُسلمها سيدها لزوجها ليلاً.
(62/5)
________________________________________
وجوب إجابة المرأة زوجها إلى الفراش إذا دعاها
الاستمتاع الذي هو الوطء يملكه الزوج، فهو حق للزوج، وأيضاً هو حق للزوجة، ولكن الأصل أن الزوج هو الذي يطلب امرأته إلى فراشه، وقد تطلبه هي أن يستمتع بها، فالأصل أنه للزوج، فلذلك يملك أن يستمتع بها كل وقت ليلاً أو نهاراً ما لم يضرها، أما إذا أضرها بكثرة الوطء فإن الضرر يزال، أو يشغلها عن فرض من الفروض كصلاة من الصلوات فلا يجوز ذلك، فالأصل أن الاستمتاع يكون متى طلبها ليلاً أو نهاراً، وعليها أن تجيبه متى طلبها، كما في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعا الرجل امرأته فلتجبه ولو كانت على التنور) وذكر العلماء أنه يستمتع بها وتجيبه ولو كانت على التنور، أو كانت راكبة قتب، وهو: الذي يجعل على ظهر الدابة التي يُحمل عليها، أي: ولو كانت راكبة تجيبه لقضاء حاجته؛ لأنه هو الذي يملك الاستمتاع بها ما لم يضرها أو يشغلها عن فرض، وإذا دعاها فعليها الإجابة، ويحرم عليها التكره والتبرم والتثاقل، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) ، وفي رواية: (إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها) ويكون هذا حسب شهوته ورغبته.
وإذا كان الأمر من قبلها فكذلك أيضاً، فبعض النساء هي التي تطلب زوجها، كلما دخل أو كلما رأته اجتذبته إلى الفراش، فإن كان قادراً فإن عليه أن يجيبها؛ لأن لها شهوة كما للرجل.
(62/6)
________________________________________
المرأة تابعة لزوجها حضراً وسفراً
قوله: (وله السفر بحرة ما لم تشترط بلدها) .
تقدم في الشروط أنها إذا لم تشترط فإن له أن يسافر بها حيث يرغب، فإذا كان -مثلاً- في الرياض وتزوج وأراد السفر -مثلاً- إلى الحجاز أو إلى القصيم فالمرأة تابعة له إلا إذا اشترط عليه أهلها أنها لا تسافر، أو شرطت هي عند العقد.
(62/7)
________________________________________
إجبار الرجل زوجته على التطهر والتنظف
قوله: (وله إجبارها على غسل حيض وجنابة) ؛ وذلك لأنه نجاسة معنوية، فيلزمها أن تغتسل حتى تحل له لقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ} [البقرة:222] ، فالتطهر يكون بالاغتسال الذي ورد في السنة، وكذلك إذا حصلت جنابة يلزمها أن تغتسل ولا تصلي إلا بعد الاغتسال لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ، ولقوله: {وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء:43] .
ويلزمها أيضاً على غسل النجاسة على بدنها أو ثوبها أو مكانها، فإذا كان هناك نجاسة عينية كبول أو غائط أو دم أو قيء أو شيء مستقذر فعليها أن تغسل ذلك؛ لأنه مما يحصل به التقذر، وعليها أخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره، يعني: إذا كان هناك شيء تعافه النفس كشعر الإبط أو شعر العانة فعليها إزالة ذلك، ونحوه كالأظفار إذا طالت، وكالوسخ في الأسنان الذي يحتاج إلى استعمال السواك والنظافة، وكالوسخ في البدن، فيلزمها أخذ وإزالة كل ما تعافه النفس.
(62/8)
________________________________________
لزوم الوطء كل أربعة أشهر
ذكر المصنف حكم الوطء فقال: (يلزمه الوطء في كل أربعة أشهر مرة، إذا قدر) .
أي: في كل ثلث سنة؛ وذلك لأن هذا هو القدر الذي تقدر المرأة على التحمل والصبر فيه، ولأجل ذلك جعلت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام لقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234] ، وزيادة العشر للاحتياط في وجود حمل أو نحوه، مثال ذلك: عليه أن يطأها في كل أربعة أشهر إن قدر، فإن كان عاجزاً لكبر أو نحوه فبقدر ما يستطيع.
ويلزمه المبيت بطلب عند الحرة ليلة من كل أربع، والأمة ليلة من كل سبع، واشتهرت في هذا قصة كعب بن سور، وهي أن امرأة جاءت إلى عمر فقالت له: (إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، فظن أنها تمدحه) فقال: (جزاه الله خيراً) ، فاستحيت المرأة وانصرفت، فقال كعب: إنها تشتكيه وتدعي أنه لا يتفرغ للاستمتاع بها، فردّها وأرسل إلى زوجها وقال لـ كعب بن سور: (اقض بينهما كما فهمت قصتها) ، فقال له كعب: أيها الرجل! إن الله أباح لك أربع نساء، نصيب كل واحدة منهن ليلة، وحيث إنه ليس معك إلا واحدة فلك أن تتعبد ثلاث ليال وتبيت مع زوجتك ليلة من كل أربع، فعجب عمر من فطانته، وأرسله قاضياً على الكوفة، فمن هذا أخذوا أن يلزمه أن يبيت معها، ولا يلزم من المبيت الوطء، وإنما يبيت معها للمؤانسة، فله أن يبيت ثلاث ليال حيث شاء، والليلة الرابعة يبيت عندها، وإذا لم يكن هناك مانع فالأصل أنه يبيت عندها كل الليالي.
أما الأمة فإنه قد يجمع معها ثلاث حرائر، والحرة لها مثل الأمة مرتين، فكأنه إذا كان عنده ثلاث حرائر وأمة بات عند هذه ليلتين وعند الأخرى ليلتين وعند الأخرى ليلتين والسابعة عند الأمة؛ فنصيب الأمة ليلة من كل سبع، فإذا لم يكن معه إلا زوجة مملوكة فإنه يبيت عندها ليلة من كل أسبوع.
(62/9)
________________________________________
عدم جواز غيبة الرجل عن زوجته أكثر من نصف سنة إلا برضاها
إن سافر الزوج أكثر من نصف سنة، وطلبت زوجته قدومه؛ راسله الحاكم، ذكروا أن عمر رضي الله عنه سأل ابنته حفصة: (كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: نصف سنة) فعند ذلك كان يرسل إلى أمراء الأجناد أن كل من تم نصف سنة فإن عليه أن يرجع، ويرسل بديله من المجاهدين، ففي كل نصف سنة يرجع ليقيم عند زوجته شهراً أو نحوه ثم يرجع، أما إذا تركته وسمحت ولم تطلبه ولم تتكلم فله أن يبقى إلى الوقت الذي يحتاج إليه.
والآن كثير من العمال قد يبقى سنتين وربما ثلاث سنين أو أربعاً ولا يذهب إلى زوجته، وعذره عدم التفرغ، أو أن كفيله لا يسمح له، أو أنه لم يجمع شيئاً يستغني به إذا رجع إلى بلده، وزوجته قد سمحت له لأنها تعرف حاجته، فإذا طلبت قدومه أرسل إليه الحاكم، فإذا راسله الحاكم فامتنع وليس له عذر فرق الحاكم بينهما بطلبها، فيفسخ النكاح.
أما إذا لم يُعلم خبره فلا فسخ لذلك بحال، فإذا لم يعلم هل هو في الشمال أو في الجنوب أو هو مفقود، ففي هذه الحال تبقى، لكن الصحيح: أنها إذا تضررت، ولم تجد من ينفق عليها، فإن للحاكم فسخ النكاح، فإن رجع الزوج قبل أن تتزوج فهو أحق بها، وإن تزوجت قبل أن يرجع فإنه يعطى مهره.
(62/10)
________________________________________
تحريم جمع الزوجات في مسكن واحد إلا برضاهن
قال المصنف رحمه الله: (من العشرة ألا يجمع الزوجتين بمسكن واحد إلا برضاهما) .
وذلك لأن العادة وجود غيرة بينهما، وكل منهما تبغض الأخرى، وتحقد عليها، وتحسدها، وتلتمس عثراتها، فمن الصعب أن ترضى إحداهما بالأخرى وهي معها في منزل واحد، تقابلها كل يوم؛ فلذلك يجعل كل واحدة في مسكن إلا إذا شرط على الأولى أن الثانية تسكن معك، وشرط على الثانية أن أسكنك معها، ورضيتا بذلك، ففي هذه الحال يجوز أن يجمعهما إذا رضيتا بذلك، وكذا الثلاث أو الأربع.
(62/11)
________________________________________
جواز منع الرجل زوجته من الخروج من داره إلا للضرورة
قوله: (وله منعها من الخروج من داره) .
لأنه إذا عقد عليها وذهبت معه إلى منزله فهو أملك بها؛ فليس لها أن تخرج إلا بإذنه، وله منعها إلا للأشياء الضرورية، كما إذا مرضت وذهبت إلى الطبيب، أو إذا احتاجت حاجة ضرورية وذهبت إلى البقال وما أشبه ذلك، ففي هذه الحال ليس له منعها لشدة الضرورة، وكذلك أيضاً إذا مرض أحد أبويها فليس له منعها من زيارتهم وما أشبه ذلك.
هذا ما يتعلق بالعشرة، وبعد ذلك يتكلمون على القسم بين الزوجات.
(62/12)
________________________________________
القسمة بين الزوجات ووجوب العدل
قال المصنف رحمه الله: (وعلى غير طفل التسوية بين زوجات في القسم) .
إذا كان له زوجتان فأكثر وهو بالغ عاقل رشيد، وجب عليه التسوية بينهما؛ وذلك لأن كلاً منهما لها حق عليه، فيلزمه أن يسوي بينهما، ولا يفضل إحداهما على الأخرى، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) يعني: كالمفلوج، يجيء وهو مشلول أحد الجانبين علامة على ميله.
والتسوية بينهما هي: التسوية في القسم، وفي النفقة، وفي المبيت، وفي قضاء الحاجات، ونحوها.
لكن إذا رضيت أحداهما فلها إسقاط حقها، والأصل أنه يسوي بينهما بقدر ما يستطيعه، فيسوي بينهما في شراء الحاجات وما أشبهها، وكذلك أيضاً يُسوي بينهما في الأكل، يعني: يأكل عند هذه يوماً وعند هذه يوماً حتى لا تتبرم إحداهما، وقد يقول بعضهم: إذا استضاف الزوج أضيافاً فقد لا تتحمل إحداهما أن تقوم بخدمة الأضياف! فنقول: له أن يجعلهم عند التي تتحمل، كما إذا كان بيت هذه واسعاً والأخرى ضيقاً، وكل ذلك حسب الحاجة.
(62/13)
________________________________________
عدم وجوب التسوية في الوطء والكسوة والمودة
لا يلزم الزوج التسوية في الوطء، وذلك لأن الوطء يخضع للشهوة، فقد توجد شهوته عند إحداهما دون الأخرى، ولكن عليه ألا يمنعها من حقها من الاستمتاع ولو في الشهر مرة أو في الشهرين أو في الثلاثة أو ما أشبه ذلك بقدر الاستطاعة، فإذا كانت تحتد شهوته إذا جاء عند إحداهما دون الأخرى فلا يلزمه التسوية بينهما.
وكذلك في الكسوة، فالكسوة تكون على قدر الحاجة، فقد تحتاج إحداهما إلى كسوة كل شهرين والأخرى بخلافها؛ بكثرة زيارات هذه دون هذه، فلا يلزمه التسوية بالكسوة.
كذلك التسوية في الأطعمة يشتري لكلٍ حاجتها، فقد يكون هذه عندها أولاد بحاجة إلى فاكهة وبحاجة إلى لحم وتلك إذا اشترى لها حاجة وليس عندها أولاد بقيت عندها مدة.
كذلك أيضاً لا تجب التسوية في مودة القلب، لما جاء في حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه، فيعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) يعني: القلب، فإن القلوب بيد علام الغيوب، فإذا كان قلبه يحب إحداهما أكثر فهو لا يقدر على التسوية في ذلك، ولكن آثار ذلك لابد أن يحرص على التسوية فيها، فإذا قام بالواجب لهما، ولكن الأخرى أحب إليه؛ فلا حرج عليه.
والقسم عماده الليل؛ لأن الناس في النهار يتقلبون في حاجاتهم وفي أعمالهم، فيقسم لهذه ليلة، ولهذه ليلة، لكن إذا كان حارساً فإنه يقسم في النهار، وكذلك الذي عمله ليلاً كأهل المرابطة وأهل الخفارات وأهل الحراسة للأشياء المخوفة وكل من لا يحرس إلا ليلاً، ففي هذه الحال يقسم في النهار؛ لأنه في الليل منشغل بالحراسة.
(62/14)
________________________________________
القسم للملوكة على النصف من الحرة
ذكر المصنف أن الزوجة المملوكة على النصف من الحرة في القسم، فإذا كان عنده زوجتان حرة وأمة فللحرة ليلتان وللأمة ليلة، والمبعضة في الحساب التي نصفها حر في هذه الحال يقال: لهذه التي نصفها حر مثلاً ليلة ونصف ليلة، وتلك الأخرى الحرة لها ليلتان، ويكون ذلك بالجبر، كأن يقول: لهذه أربع ليال ولهذه ثلاث، بالحساب.
(62/15)
________________________________________
متى يسقط حق الزوجة؟
إذا أبت الزوجة المبيت معه أو السفر سقطت نفقتها، إلا إذا كانت قد اشترطت دارها أو بلدها وامتنعت من السفر، وأما إذا طلبها للمبيت على فراشه فامتنعت سقطت نفقتها، وسقط حظها من القسم، وله أن يُعطي نصيبها للضرة الثانية.
وإذا سافرت لحاجتها حتى للحج أو للعمرة سقطت نفقتها مدة السفر سواء كان طويلاً أو قصيراً؛ وذلك لأن النفقة مقابل الاستمتاع، وهي الآن قد فوتته على نفسها.
(62/16)
________________________________________
يقيم عند البكر سبعاً وعند الثيب ثلاثاً
إذا تزوج الرجل بكراً وعنده قبلها امرأة أو امرأتان أقام عند البكر الجديدة سبعة أيام ثم قسم، أما إذا تزوج ثيباً وعنده قبلها نساء أقام عند هذه الجديدة ثلاثة أيام ثم دار على نسائه، كما ذكرت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها وهي ثيب أقام عندها ثلاثة أيام متتابعة ثم قال: (إنه ليس بك هوان على أهلك، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي) يعني: أتممت لك سبعة أيام، فرضيت أن يبيت عندها ثلاث ليال، فالجديدة البكر يبيت عندها سبعة أيام متوالية لتأنيسها لكونها جديدة، والثيب يبيت عندها ثلاثة أيام متوالية، إلى هنا انتهى ما يتعلق بالقسم.
(62/17)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [63]
لقد بين العلماء أحكام النشوز والناشز، وما ينبغي للزوج تجاه زوجته إذا خشي نشوزها، وإذا كرهت الزوجة زوجها فلها أن تخالعه ببذل شيء من مالها يتراضيان عليه.
(63/1)
________________________________________
أحكام النشوز
قال المصنف رحمه الله: [والنشوز حرام، وهو معصيتها إياه فيما يجب عليها، فمتى ظهرت أماراته وعظها، فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء، وفي الكلام ثلاثاً، فإن أصرت ضربها غير شديد، وله ضربها على ترك فرائض الله تعالى.
باب الخلع: يباح لسوء عشرة، وبغض، وكبر، وقلة دين، ويكره مع استقامة، وهو بلفظ خلع أو فسخ أو مفاداة فسخ، وبلفظ طلاق أو نيته أو كنايته طلقة بائنة.
ولا يصح إلا بعوض.
ويكره بأكثر مما أعطاها.
ويصح بذله ممن يصح تبرعه من زوجة وأجنبي، ويصح بمجهول ومعدوم لا بلا عوض ولا بمحرم، ولا حيلة لإسقاط طلاق، وإذا قال: متى أو إذا أو إن أعطيتيني ألفاً فأنت طالق طلقت بعطيته ولو تراخت، وإن قالت: اخلعني بألف أو على ألف ففعل بانت واستحقها.
وليس له خلع زوجة ابنه الصغير ولا طلاقها ولا ابنته الصغيرة بشيء من مالها، وإن علّق طلاقها على صفة ثم أبانها فوجدت أو لا ثم نكحها فوجدت طلقت, وكذا عتق.
وإن سافر فوق نصف سنة وطلبت قدومه راسله حاكم, فإن أبى بلا عذر فُرق بينهما بطلبها, وإن لم يُعلم خبره فلا فسخ لذلك بحال.
وحرُم جمع زوجتيه بمسكن واحد ما لم يرضيا، وله منعها من الخروج، وعلى غير طفل التسوية بين زوجات في القسم، لا في وطء وكسوة ونحوهما إذا قام بالواجب، وعماده الليل، إلا في حارس ونحوه فالنهار، وزوجة أمة على النصف من حرة، ومبعضة بالحساب، وإن أبت المبيت معه أو السفر أو سافرت في حاجتها سقط قسمها ونفقتها.
وإن تزوج بكراً أقام عندها سبعاً، أو ثيباً أقام ثلاثاً ثم دار] .
النشوز هو: عصيان المرأة لزوجها وهو حرام، أي: معصيتها إياه فيما يجب عليها؛ وذلك لأن الواجب عليها أن تطيعه بما يتعلق بحاجته، فإذا رأى منها أنها تكرهه، وعلامة ذلك أنها لا تجيبه إلى فراشه، أو تجيبه متبرمة متثاقلة، فهذا من علامات النشوز، يقول الله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:34] فيبدأ بالوعظ والتذكير، فيذكرها ويخوفها، ويذكر لها حق الزوج عليها، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لما لها عليه من الحق) ، ووردت في عظم حق الزوج على امرأته أحاديث، وإن كان في أسانيدها مقال، ولكن أصحها هذا، فيعظها ويذكرها ويحذرها من هذا النشوز والتبرم والتثاقل، والعصيان لزوجها، ويخوفها بالله، ويخوفها بالعذاب الأخروي، وبسخط الله، وأن الله يسخط عليها، وأن الملائكة تلعنها وما أشبه ذلك.
فإن أصرت وامتنعت أن تقبل وعظه فإنه يهجرها، قال الله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34] فيعتزل فراشها، ويذهب إلى زوجته الأخرى إن كان له زوجة، وإذا لم يكن له زوجة فإنه يبيت ويترك فراشها أو يوليها ظهره، فيهجرها في المضجع ما شاء، ولو طالت المدة، ويهجرها في الكلام ثلاثة أيام لا أكثر، فإن الهجر لا يجوز أكثر من ثلاث، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) .
ثم قال تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] فإذا أصرت ولم تتأثر بالموعظة ولا بالهجران ينتقل معها إلى الضرب، ولكنه ضرب غير مبرح، أي: غير شديد، يعني: ضرب تأديب، لا يزيد فيه على عشر جلدات.
ثم ذكروا أن له ضربها على ترك فرائض الله تعالى كالصلاة والصيام وما أشبه ذلك من الواجبات الدينية، كما أن له ضربها على فعل المنكرات، كما إذا علم بأنها تعاكس، أو لها خلوات مع غير المحارم، أو تدخل في بيته من لا يرضاه، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهونه، ولا يأذن في بيوتكم لمن لا تريدونه) فليس لها أن تدخل في بيت زوجها من لا يرضاه، ولو كان من محارمها، إلا إذا سمح الزوج.
وكذلك لا تجلس على فراشه أجنبياً سواء تجلسه لفعل الفاحشة بها أو لغير ذلك لعموم: (لا يوطئن فرشكم من تكرهونه) ، فإذا علم ذلك منها فله تأديبها.
(63/2)
________________________________________
أحكام الخلع
عقد المصنف رحمه الله باب الخلع، وهو: أن تطلب المرأة فسخ النكاح، والتخلي من هذا الزوج؛ وذلك إذا كرهته، والأصل في ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] أي: لا جناح عليها إذا فدت نفسها واشترت نفسها، والأصل فيه أيضاً قصة امرأة ثابت بن قيس بن شماس، فإنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (إني لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام) وذكرت أنها كرهت خلقته، خيل إليها أنه دميم، وأنه قبيح المنظر، وأنه وأنه، فلم تطق التحمل والصبر معه، فأباح لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تفتدي فيه، وقال: (اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة) وكان قد أعطاها حديقة، فإذا كانت تكرهه لسوء عشرته، ولصلابته، ولشرهه، ولعيب فيه؛ فإنها تفتدي منه.
وكذلك لنقص دينه أو تهمته بالزنا أو بمسكر أو ما أشبه ذلك، وكذلك إذا عمل معها ما لا يحل كإتيانها في الدبر، فإن لها أن تفتدي.
وكذلك إذا كرهته لكبر سن، أي: أنه طعن في السن وهي لا تزال شابة، أو رأت أنه قليل الديانة لا يتورع عن الحرام، أو يترك الصلوات، أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحال لها أن تخالعه.
قوله: (ويكره مع الاستقامة) إذا كانت حاله مستقيمة كره لها أن تطلب الطلاق أو أن تطلب الفراق أو أن تفتدي، ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) يعني: إذا طلبت الطلاق والحال مستقيمة بينها وبين زوجها، وليس هناك عيب فيه ولا خلل، لا نقص في دينه، ولا نقص في عقله، ولا نقص في أخلاقه؛ فطلبها للطلاق أو للمخالعة يعتبر حراماً عليها والحال هذه؛ لورود هذا الحديث.
(63/3)
________________________________________
الخلاف في الخلع هل يُعد فسخاً أو طلاقاً
وهل يعتبر الخلع فسخاً للنكاح أو يعتبر طلاقاً؟ إذا كان بلفظ الخلع أو بلفظ الفسخ، أو بلفظ المفاداة اعتبر فسخاً، وإذا كان بلفظ الطلاق أو نيته أو كنايته اعتبر طلاقاً، طلقة بائنة، وإذا قلت: ما النتيجة في ذلك؟ نقول: إذا قال: خالعتها بألف، أو فسخت نكاحها بعشرة آلاف، أو يقول لها: افتدي نفسك بعشرة آلاف فدفعتها، ففي هذه الحال يكون فسخاً، ومعنى كونه فسخاً: أنه لا ينقص به عدد الطلقات، فمثلاً: لو خالعها في سنة إحدى وعشرين بلفظ المفاداة، ثم تزوجها بعد ذلك بالتراضي؛ ثم خالعها في سنة اثنتين وعشرين، فبذلت له مالاً وخالعها، ثم تزوجها بعد ذلك بشهر أو شهرين ودفع لها مهراً، ثم خالعها في سنة ثلاث وعشرين فبذلت له مالاً وخالعها ورضيت بذلك، ثم تراضوا بعد ذلك، فقد خالعها ثلاث مرات، فهل تكون هذه الثلاث ثلاث طلقات؟
الجواب
لا تكون، بل يحل له أن ينكحها بعقد جديد، فالخلع بلفظ الخلع، أو بلفظ الفداء يعتبر فسخاً، هذه من النتائج، كذلك من النتائج أيضاً أن في الفسخ ليس عليها عدة، وإنما عليها أن تتربص حيضة واحدة إذا كانت تحيض، ثم تتزوج إذا شاءت، أو تتربص شهر إذا كانت لا تحيض، هذا معنى كونه بلفظ الخلع أو الفسخ أو المفاداة، أي: أنه فسخ لا ينقص به عدد الطلاق.
فأما إذا قال: طلقتك بألف فقالت: خذه، فإنه يعتبر طلاقاً بلفظ الطلاق، أو: أعطيني ألفاً وأطلقك، فقالت: أعطيتك، أو قال: طلقت، أو كان بنية الطلاق كما إذا كان ناوياً طلاقها وطلب منها فدية وقع الطلاق، وتكون طلقة واحدة، أو كناية الطلاق فإذا قال -مثلاً-: أنت خلية، أو برية، أو أنت حرة، أو أنت الحرج، أو اخرجي وذوقي وتجرعي، وحبلك على الغارب، اذهبي كيف شئت، فهذه تعتبر كنايات الطلاق، فإذا قال ذلك وقعت طلقة.
وهل تكون رجعية أو بائنة؟ ذكروا أنها طلقة بائنة، ومعنى كونها بائنة عدم تمكنه من الرجعة؛ لأنها اشترت نفسها، فلا ترضى أنه يعيدها، وهي ما دفعت له هذا المال إلا للتخلص، فليس له رجعة عليها، فتعتبر طلقة واحدة بائنة، فإذا قال: اخرجي واذهبي وذوقي وتجرعي طلقت طلقة واحدة ولكنها بائنة.
(63/4)
________________________________________
حكم الخلع بغير عوض
وقوله: (الخلع لا يصح إلا بعوض) أي: فلا يصح بدون عوض، وإذا كان بدون عوض يُسمى طلاقاً ولا يسمى خلعاً؛ لأن الخلع كأنه تفدي وتشتري نفسها، وتتخلص من سوء عشرة هذا الزوج، فلابد أن تبذل له مالاً حتى يفارقها وتتخلص منه.
(63/5)
________________________________________
حكم الخلع بأكثر من المهر
قوله: (ويكره بأكثر مما أعطاها) في حديث امرأة ثابت أنه كان أعطاها حديقة، فقال عليه الصلاة والسلام: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) فردت عليه حديقته، كان هذا هو الخلع، فإذا أصدقها ألفاً فلا يأخذ منها أكثر منه، ويكره ذلك، وإذا أصدقها بعيراً ومات البعير فإنها ترد عليه بدله مثله، وهكذا لو أصدقها شاة أو ضأناً فإنها ترد عليه مثلهن، وأما أولادهن فلا تردها؛ لأنهن ملكها، وأشباه ذلك.
وأجاز بعض العلماء أن يأخذ منها أكثر، واستدلوا بعموم الآية وهي قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] ، يعني: ولو افتدت بكثير فلا جناح عليهما في شيء تفتدي به، وظاهر الآية أنه يجوز أن تفتدي نفسها ولو بأكثر مما أعطاها، فأجاز ذلك بعضهم، ولكن ورد في الحديث، أنه منع من الزيادة، فقال: (أما الزيادة فلا) .
(63/6)
________________________________________
حكم بذل العوض من غير مخالعة
ويصح بذل العوض ممن يصح تبرعه من زوجة وأجنبي، يعني: أن الأجنبي يصح تبرعه أو زوجة يصح تبرعها، فلو دفع الفدية أخوها وهو عاقل بالغ رشيد صحت الفدية، وكذلك لو دفعها أجنبي كجار لهم أو صديق لهم أو نحو ذلك جاز ذلك، لكن لا يتخذ حيلة، فإذا عرف بأنها حيلة لم يجز.
مثلاً: بعض الرجال قد يعشق امرأة زيد من الناس، ثم يراسلها ويهاتفها ويقول: انشزي عنه وافتدي منه وأنا أتزوجك، فإذا قالت: كيف أفتدي وما عندي شيء؟ يقول: أنا أدفع لك -مثلاً- ألفاً أو عشرين ألفاً تفتدين بها نفسك، فمثل هذا لا يجوز، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من خبب امرأة على زوجها فله النار) أو كما قال، (خببها) يعني: أفسدها حتى نشزت وعصت عليه، ولا يجوز لها أيضاً طاعة مثل هؤلاء الذين يخببونها، ولو وعدها ولو قال: أنا أكثر منه مالاً، وأنا أعطيك أكثر منه أو ما أشبه ذلك، وكذلك أيضاً لو كان يعطيها مطالب قد تجوز أو قد لا تجوز، ويحدث مثل هذا من بعض الفسقة، فإذا رأها -مثلاً- مكموتة قال: زوجك قد أضرك، لم يعطك أجهزة تتسلين بها، ولو كنت عندي فإني أشتري لك جهاز تلفاز، أو جهاز الدش مثلاً، أو أشرطة غناء تتسلين بها، أو أسمح لك بالخروج إلى الملاهي وإلى الملاعب وإلى الأسواق وإلى المنتزهات، وما أشبه ذلك، فهذا أيضاً حرام عليه أن يخبب امرأة على زوجها، فإذا رآها سالكة مع زوجها يحرم عليه الاتصال بها ومكالمتها أو مهاتفتها، ومن باب أولى أفسادها.
أما إذا كان رافقاً بها ورآها متضررة، ورآها متأثمة فتصدق عليها وأعطاها مالاً تفتدي به فلا بأس بذلك، ولا يكون قصده أن يتزوج بها، فإن ثبت أنها متضررة جاز لها أن تأخذ هذا المال حتى تتخلص من ذلك الضرر، من سوء عشرة الزوج، أو سوء خلقه، أو سوء معاملته، أو قبح مظهره، أو إضراره بها، أو تقصيره بالنفقة، أو كثرة غيبته، أو كثرة أسفاره وتركها وحيدة أو ما أشبه ذلك.
(63/7)
________________________________________
حكم الخلع بمجهول أو معدوم
ويصح عوض الخلع بمجهول ومعدوم، فلو قالت -مثلاً-: خالعني بنفقة ولدي، فهذه النفقة معدومة، ولكنها توجد شيئاً فشيئاً، أو قالت: أنا أبريك من نفقة الولد أو الأولاد سنة أو خمس سنين وخالعني، وأنا أتحمل نفقتهم فيكون الخلع معدوماً، ولكنه يوجد شيئاً فشيئاً، وكذلك المجهول، لو قالت: خالعني بما تحمل به هذه الشجرة، أو بما تلده هذه الشاة أو هذه الفرس، فهذا مجهول لا يعلم أهو ذكر أم أنثى، واحد أم عدد، ولكن يصح ذلك، فإن حملت وإلا فله مطالبتها بمثله، لا بلا عوض، والخلع لا يصح إلا بعوض.
(63/8)
________________________________________
حكم الخلع بمحرم أو بحيلة
ولا يصح بمحرم، فلو قالت: خالعني بزقاق خمر، أو بطبول وآلات لهو لم يصح؛ لأن هذا محرم.
ولا يصح حيلة لإسقاط الطلاق، فبعض الناس يتزوج المرأة وإذا رأى منها سوء خلقها وخاف أنه إن طلقها تحسب عليه طلقة قال: أعطيني عشرة ريالات أو خمسة ريالات فداءً افتدي بها نفسك، حتى لا تحسب عليه طلقة، وليس له حاجة بهذه الدراهم وإنما يريد أنها لا تحسب عليه، ثم يتزوجها بعد ذلك بعقد جديد، ثم يحتال أيضاً حتى لا يقع الطلاق بأن يطلب منها وما أشبه ذلك، فلا يجوز أن يتخذ حيلة لإسقاط الطلاق، أما إذا كان قصده المال فلا بأس أن يأخذ المال ولا يحسب من الطلاق.
(63/9)
________________________________________
حكم الخلع والطلاق بالتعليق
فإذا قال: متى أعطيتيني ألفاً فأنت طالق، أو إذا أعطيتني ألفاً فأنت طالق، طلقت لعطيته ولو تأخرت؛ لأنه علق الطلاق على إعطائه ألفاً، فلو ما أعطته إلا بعد سنة أو بعد عشر سنين، أعطته قالت: خذ الألف الذي أنت طلبته على الطلاق، فأنت قد علقت الطلاق على عطية الألف والآن هذا هو الألف وقع الطلاق في الحال، ولكنه يقع طلقة واحدة، ولكن تكون طلقة بائنة بحيث إنه لا يقدر على رجعتها، والبينونة هنا بينونة صغرى، والبينونة الكبرى هي التي لا تحل له إلا بعد زوج، وأما هذه فهي بائنة بينونة صغرى تحل له برضاها بعقد جديد، ومهر جديد.
فإذا قالت له: اخلعني بألف، أو على ألف، ففعل، بانت واستحق الألف، فإذا قال: قد فعلت، قد وافقت، يستحق الألف منها، وتبين منه بينونة صغرى أيضاً؛ وذلك لأنها هي التي طلبت وهو وافق على طلبها.
(63/10)
________________________________________
حكم مخالعة الأب لزوجة ابنه الصغير
قوله: (وليس له خلع زوجة ابنه الصغير ولا طلاقها) أي: إذا كانت راضية وكانت الحال مستقيمة، وقد يقال: إن الابن في هذه الحال ليس له خيرة، فإذا كان صغيراً دون العشر وعقد له على امرأة دون العشر، ثم طلبت تلك المرأة ولو كانت صغيرة أو طلب وليها المخالعة فهل لأبيه أن يخالعها؟
الجواب
لا يجوز ذلك، بل تترك إلى أن يبلغ الصبي ويعقل، فإن وافق على المخالعة فله ذلك، وأما إذا امتنع وقال: أنا أريدها كزوجة فإنه تبقى الزوجية.
وكذلك أيضاً ليس له طلاق امرأة ابنه إلا برضى الابن، فإذا تشددت وقالت: أريد الطلاق، والابن صغير ليس له اختيار فلا يطلقها أبوه، وإذا تضررت رفع الأمر إلى الحاكم، وللحاكم أن يطلق أو يعلق.
(63/11)
________________________________________
حكم خلع الأب ابنته الصغيرة من زوجها
وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها، فمثلاً: أنه جاء إلى زوج ابنته، وقال: أنا أريد أن أخلع ابنتي منك؛ لأنك لا تصلح زوجاً، وابنتي لا تريدك، فأريد أن أخلعها بشيء من مالها، آخذ من مالها ألفاً أو ألفين أو عشرة وهي ما طلبت ولا سمحت بمالها فليس له أن يخلعها، أما إذا طلبت هي وقالت: يا أبت! وكلتك أن تخلصني من هذا الزوج بشيء من مالي أو من مالك بما تريد ففي هذه الحال إذا طلبت ووافق أبوها وبذل من مالها ما طلبه الزوج جاز له ذلك، فإذا قال الزوج: أنا أطلب ألفاً أو عشرة آلاف فله أعطاؤه ذلك.
(63/12)
________________________________________
من أحكام تعليق الطلاق على صفة
وإذا علق طلاقها على صفة، ثم أبانها فوجدت تلك الصفة، ثم نكحها فوجدت طلقت وكذا العتق، صورة ذلك: إذا قال لها: إذا كلمتي فلاناً بالهاتف فأنت طالق، ثم طلقها قبل أن تكلمه، وبانت منه بينونة صغرى، ولما بانت منه بينونة صغرى كلمته بالهاتف، ثم تراضوا بعد ذلك ونكحها نكاحاً جديداً، ثم بعد أن نكحها النكاح الجديد كلمته بالهاتف، وجد ذلك الشيء الذي علق عليه الطلاق، ففي هذه الحال يقع الطلاق المعلق، فإن قلت: أليس علقه على أول مكالمة؟ قلنا: نعم، ولكن المكالمة الأولى كانت في غير عصمته، ولا يملك إيقاع الطلاق فيها، وهو قد حذرها من المكالمة هاتفياً، وقد كالمته في حال كونها في ذمته فيقع الطلاق.
وقاسوا على ذلك العتق، فإذا كان له عبد فقال له: إن سافرت إلى الأحساء -مثلاً- فأنت عتيق، فقدر أنه باعه، اشتراه رجل، وفي حالة شرائه سافر إلى الأحساء، ثم قدر أن صاحبه الأول استعاده واشتراه، ولما اشتراه مرة ثانية سافر إلى الأحساء فيحصل العتق الذي هو متعلق على السفر أو على أية صفة، كأن يقول مثلاً: إن خدمت فلاناً لمدة شهر أو: إن خدمت والدي فأنت حر، وباعه قبل الخدمة، ثم قدر أنه خدم في حالة بينونته وفي حالة عدم كونه تحت ملكه، ثم استعاده فإذا خدم حصل العتق المعلق على ذلك الشرط.
هذا آخر كتاب النكاح.
(63/13)
________________________________________
الأسئلة
(63/14)
________________________________________
جواز مخالعة المرأة زوجها إذا كان عقيماً
السؤال
فضيلة الشيخ: إذا كان الزوج عقيماً، فهل للزوجة المطالبة بالطلاق؟
الجواب
إذا تبين أن الزوج لا يولد له، وكانت ترغب في الإنجاب، فلها طلب الفسخ، ولا يفسخ إلا الحاكم، وإن كان هناك شرط فإنه يحدد، فإذا عرف أنه لا يولد له، وزوجوه وقالوا: بشرط فسخ النكاح بعد سنتين أو خمس سنين إن أرادت المرأة، فلهم ذلك.
(63/15)
________________________________________
معنى الدخول الموجب للمهر
السؤال
ما معنى الدخول الذي يوجب المهر، هل هو الخلوة أم الوطء؟
الجواب
الصحيح أنه الخلوة، فإذا أغلق الباب، وليس معه أحد غيرها، ففي هذه الحال يُسمى قد دخل بها، ولو لم يطأها.
(63/16)
________________________________________
تعريف النكاح المعلق على شرط
السؤال
إذا زوج الشخص ابنته وكتبوا في العقد: يشترط أن يكون الزواج بعد سنة أو بعد إنهاء الدراسة فهل هذا من الشرط المعلق؟
الجواب
ليس بمعلق، وإنما أخروا الزفاف، فيجوز أن يشترطوا أنه لا يكون هناك زفاف إلا بعد انتهائها من الدراسة أو ما أشبه ذلك، والنكاح المعلق على شرط هو الذي يعلق على شيء مجهول، كأن يقول: بشرط أن يرضى أخوها، ولا يدرى هل يرضى أم لا، أو بشرط نجاحها أو نجاحه وهذا أيضاً لا يدرى هل يحصل أم لا.
(63/17)
________________________________________
المساواة في المبيت لا تسقط إلا برضا المرأة
السؤال
رجل متزوج بأربع نسوة، ولا يعدل في المبيت، وعندما ينصح يقول: إنني اشترطت عليها أن المبيت على مزاجي إن أردت المبيت وإلا فلا؟
الجواب
ذكروا أن هذا شرط باطل، وأن عليه العدل بينهن إلا إذا أسقطت إحداهن حقها أو ليلتها برضاها فلها ذلك، فأما إذا لم ترض ولم يكن هناك قناعة ولا موافقة فلها طلب ليلتها في حينها.
(63/18)
________________________________________
على المدرس والمفتي تبيين مسائل الخلاف
السؤال
امرأة مدرسة لمادة الفقه، ويوجد أقوال للعلماء مختلفة، فكيف يحصل الترجيح، وهل دائماً يؤخذ بالأحوط؟
الجواب
المدرس أو المفتي إذا سئل عن مسألة خلافية فالأولى له أن يذكر الخلاف إذا كان لا يقدر على الترجيح، كأن يكون في المسألة قولان، فيذكر من قال بكل قول، هذا إذا كان الخلاف ظاهراً، أما إذا كان الخلاف ضعيفاً أو الذين ذهبوا إلى أحد القولين هم الجمهور فإنه يقول: قول الجمهور كذا، أو الصحيح عند العلماء كذا.
(63/19)
________________________________________
معاودة النظر إلى المرأة المخطوبة
السؤال
هل للخاطب أن يعاود النظر إلى المرأة المخطوبة؟ وهل تأثم في لبس بعض الحلي عندما يراها؟
الجواب
له ذلك، لكن إذا كان صادق الرغبة، فله أن يطلب النظر إليها مرة ثانية، ويقول: إني نظرت وقد تكون في تلك المرة متغيرة، أو متحلية بشيء يغيرها ويجملها، أو ما أشبه ذلك، فعليها أن تظهر بلباسها المعتاد، ولا تغير شيئاً من جسدها، ولا تظهر بحلي أو بزينة تلفت الأنظار لا في المرة الأولى ولا في الثانية، والأولى أنه لا يتشدد في طلب النظر.
(63/20)
________________________________________
جواز تزويج الولي نفسه من موليته إذا كان أقرب الناس إليها وكانت راضية
السؤال
فضيلة الشيخ: أنا ولي لابنة عمي، وهي الآن مطلقة، فهل أزوج نفسي بها أم لابد من ولي من العصبة، أفتونا مأجورين؟
الجواب
إذا كنت أقرب عصبتها فلك أن تزوج نفسك بشاهدين إذا كانت راضية، فتقول للشاهدين: اشهدا أنني زوجت نفسي من ابنة عمي، أو أني تزوجتها، أو قبلتها كزوجة، أو ما أشبه ذلك، أو يقول لك ذلك المأذون: قل: إني زوجت نفسي بابنة عمي وقبلت الزواج، وأما إذا كان هناك من هو أقرب منك فإنه هو الذي يتولى العقد.
(63/21)
________________________________________
حكم زواج التحليل
السؤال
فضيلة الشيخ: بالنسبة للتيس المستعار هل هو محرم فقط ويكون الزواج صحيحاً ويأثم فاعله أم أن هذا الزواج باطل ولا تحل لزوجها من بعده؟
الجواب
الجمهور على أنه باطل، وهناك بعض الذين يتساهلون فيحللونها للأول إذا تزوجها هذا الثاني، مع أنه ما قصد إلا تحليلها، أو حصل الاتفاق بينهما، فالجمهور على أنه باطل، وعلى أنها لا تحل للأول، وتعرفون أنه تساهل فيه كثير من الناس في القرون الأولى، وصاروا في القرون المتوسطة يتساهلون فيه أكثر، وفي زمن شيخ الإسلام ابن تيمية كثر هذا التحليل، وصار عادة وديدناً، وألف فيه ابن تيمية كتاباً كبيراً مطبوعاً اسمه: (إبطال التحليل) وأورد الأدلة فيه، وبين أنه حرام، وكذلك تكلم عليه ابن القيم في (إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان) وبين الأدلة على تحريمه، وكأنه اختصر ما ذكره شيخه، فعلى هذا نقول: إن من تزوجها لقصد الإحلال لا تحل، وحرام عليه، وكذلك إذا استأجره الزوج وقال: تزوجها واشترط كذا.
(63/22)
________________________________________
الفرق بين الزواج العرفي وزواج المسيار
السؤال
فضيلة الشيخ: ما الفرق بين الزواج العرفي ونكاح المتعة وزواج المسيار؟
الجواب
أما العرفي فالعرف عند الناس هو الذي يتعارفون عليه، فإذا كان هناك عرف عند أهل بلد يتعارفون على تسميته زواجاً فلهم عرفهم، ولكن لا يُعتمد إذا كان مخالفاً للشرع، أو كان فيه ما يخالف الشروط الشرعية، ولو تعارفوا على تسميته زواجاً، يعني: لو تعارفوا على تسمية نكاح المتعة زواجاً وقالوا: هذا الزواج العرفي، أو تعارفوا على زواج بلا رضا، أو بلا شهود، أو بلا مهر، وتعارفوا وقالوا: نسميه زواجاً، أو زواجاً مؤقتاً، فلا عبرة بهذا الزواج العرفي.
وأما الزواج الشرعي فهو الذي تمت فيه الشروط التي ذكرت في أول كتاب النكاح، فإذا تمت الشروط فيه وانتفت الموانع، فهذا هو الزواج الشرعي.
وأما ما سموه الآن بزواج المسيار فهذا شيء جديد، ما كان معروفاً بهذا الاسم، ثم اصطلحوا على تسميته، فإذا تمت فيه الشروط فلا بأس، يعني: كأنه لا يجعل لها ليلة، وإنما يأتيها ساعة من نهار، ويقضي وطره ثم يخرج، ولا يجعل لها ليلة محددة، وهي ترضى بذلك، أو تبقى في بيتها، وتقول: لا أتحول عن بيتي ومع أولادي، وأنت الذي تأتي لقضاء حاجتك، فإذا تمت الشروط فهو صحيح، والشروط أن يكون هناك رضا، وشاهدان، وصداق، وإعلان للنكاح، وإضافتها -مثلاً- في دفتر عائلته، فأما إذا كان سراً، فقد ورد النهي عن نكاح السر، وكذلك إذا شرط شيئاًَ لا يجيزه الشرع.
(63/23)
________________________________________
تعريف الدرزية
السؤال
أشكل علي قوله في الحاشية: كالمجوسية والوثنية والدرزية، فمن هي الدرزية؟
الجواب
الدروز طائفة من غلاة الرافضة والنصيرية، وقد يكونون أخبث منهم، ويوجدون بكثرة في سوريا في دمشق، وفي كثير من قرى سوريا، وهم معروفون بهذا الاسم، ويعترفون بأنهم دروز، واحدهم درزي، وعقيدتهم عقيدة كفرية، وقد يتكتمون على عقيدتهم ولا يبدونها، ولا يخرجون شيئا ًمن مؤلفاتهم التي فيها عقائدهم، لكن بعض من دخل فيهم أو احتال عليهم أظهر شيئاً من مؤلفاتهم التي عرف بها معتقدهم، فهم يعتقدون في الحاكم العبيدي أنه إله أو أنه معبودهم، ومعتقداتهم سيئة، فهم لا يصلون ولا يزكون ولا يعملون الأعمال الصالحة، ولا يخلصون العبادة لله، ولا يعترفون بالعبودية، وقد ألفت في الرد عليهم مؤلفات قديمة وحديثة.
(63/24)
________________________________________
مارية القبطية رضي الله عنها كانت أمة للنبي صلى الله عليه وسلم وليست زوجة
السؤال
هل مارية القبطية أمة للرسول صلى الله عليه وسلم أم زوجة له؟ وهل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وطء أمة؟
الجواب
هي جارية أهديت له، وأصلها مصرية؛ لأن القبط كانوا في مصر، فهي أمة، وأم ولد، يعني: استمتع بها فحملت وولدت له ابنه إبراهيم، وبقيت عنده، وأعتقت بعد موته، ولعله أعتقها في حياته.
(63/25)
________________________________________
حكم اشتراط المرأة على زوجها عند العقد ألا يتزوج عليها
السؤال
شرط المرأة على العاقد: ألا يتزوج عليها، أليس شرطاً محرماً؟
الجواب
لا شك أنه شرط حرم حلالاً، ولكن للمرأة مصلحة في هذا الشرط، وعليها مضرة بمخالفته، فلأجل ذلك يعتبره كثير من العلماء شرطاً صحيحاً، ويقولون: إذا كان عليها ضرر فتطلب الفسخ، فإذا شرطت أنه لا يتزوج ثم تزوج، فلها أن تقول: فارقني؛ أنا لا أطيق أن أبقى مع ضرة.
(63/26)
________________________________________
حكم لعن الكافر المعين
السؤال
هل يجوز لعن الكافر المعين بعد موته سيما إذا تحقق أنه مات على كفره؟
الجواب
الصحيح أنه يجوز، وأن النهي عن لعن المعين إنما هو في حال الحياة؛ لأنا لا ندري ما يختم له، أما إذا تحقق أنه مات وهو على كفره مصراً عليه، وعمله الكفري لا خلاف فيه، فإنه يجوز لعنه تنفيراً من معتقده ومذهبه.
(63/27)
________________________________________
معنى قول المؤلف (حتى يطأها زوج غيره بشرطه)
السؤال
ما معنى قول المؤلف: (حتى يطأها زوج غيره بشرطه) مع تحريم زواج التحليل أفيدونا مأجورين؟
الجواب
سيأتينا تحريم نكاح التحليل، وقوله: (بشرطه) ليخرج نكاح التحليل، وهو: أن يطأها زوج، ولذلك سماه زوجاً، وأما المحلل فلا يُسمى زوجاً، فيشترط أنه لابد أن يكون زوجاً لا محللاً.
(63/28)
________________________________________
المتمسكات بدينهن المحرف من الكتابيات موجودات
السؤال
فضيلة الشيخ: ذكرتم حفظكم الله أنه إذا لم تكن الكتابية متمسكة بدينها فإنه لا يجوز التزوج بها، فهل يوجد هناك كتابيات متمسكات في هذا الزمن؟
الجواب
لابد أنه يوجد، فهناك من يدعون إلى التمسك بشريعتهم، فيوجد من اليهود من يدعو إلى التمسك بشريعة اليهود، وهكذا يوجد في النصارى من يُسمون الرهبان والنساك ونحوهم، وعلامتهم أنهم يدعون إلى ذلك، ويُسمون أيضاً مبشرين، ويسمون قسيسين، فلابد أنه يوجد ولو كانوا قلة.
(63/29)
________________________________________
بنات المرأة لا يحرمن بمجرد العقد
السؤال
أنا شاب عقدت النكاح على امرأة وخلوت بها، ولم أجامعها بسبب عدم قبولها، ثم حصل بيننا الطلاق، فهل أكون محرماً لبناتها فيما بعد، ويكون أبنائي محارم لبناتها، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
إذا لم تطأها فالصحيح أنك لا تكون محرماً لبناتها، وتكون محرما ًلأمها؛ لأنك حصل لك العقد مع ابنتها، وكذلك أولادك يكونون محارم لها؛ لأن زوجة الأب تحرم بمجرد العقد، وأما بناتها فحلال لأولادك.
(63/30)
________________________________________
حكم الزواج بنية الطلاق
السؤال
فضيلة الشيخ: بعض الشباب يذهبون إلى بعض البلاد ويتزوجون هناك بنية الطلاق، فيجلس معها شهراً أو أكثر، ثم إذا أراد أن يرجع طلقها، وقد اتخذ هذا العمل عادة في كل إجازة، فهل هذا جائز؟
الجواب
أفتى المشايخ أنه يجوز النكاح بنية الطلاق إذا لم يكن مشروطاً في العقد، إذا لم يشترط ولم تحدد المدة، لأنه إذا شرط وحددت المدة فهو نكاح متعة وهو حرام، فأما إذا حصل العقد، ودفع المهر المطلوب منه كاملاً مهر أمثالها، والتزم أنها زوجة له، ورضيت بذلك، وكان في نفسه أنه لا يرضاها كزوجة ثم طلقها؛ اعتبر هو الذي خسر زوجته وخسر ماله، وهي رابحة لأنها سوف تتزوج بعده غيره.
بكل حال، هكذا أفتى المشايخ، وذكروا ذلك أيضاً عن بعض المؤلفين، وخالف في ذلك بعض الإخوان، وألف الشيخ صالح بن منصور رسالة قوية في المنع، وقدم لها الشيخ صالح بن اللحيدان، وذكروا أنه لا يجوز، واختاروا عدم إباحته لما فيه من المفاسد، ولما فيه من الإسراف والمحذورات، ولكل اجتهاده.
فنحن نقول: إذا كان يخشى على نفسه الزنا وتزوج زواجاً صحيحاً فهو خير من أن يقع في فاحشة الزنا.
ثم نقول أيضاً: لا يجوز السفر لأجل ذلك، فكون الإنسان يقطع هذه المسافات ويسافر لأجل هذا فهذا حرام عليه، يعني: كأنه يقول: أسافر لأجل أتمتع بها هذه المدة، مع أن تكاليف السفر ومهر تلك المرأة وتكاليف الرجوع يمكنه أن يتزوج به زوجة وطنية تبقى معه بقية حياته.
(63/31)
________________________________________
كفر عباد القبور
السؤال
فضيلة الشيخ: ينكر بعض الإخوة على من يكفر القبوريين، ويقول: الله لم يكلفكم بتكفير هؤلاء، فهل قولهم صحيح؟
الجواب
نقول: المراد بالقبوريين: عباد القبور الذين يعبدون الأموات، والذين يأتون إلى المقبور كالسيد الحسين أو علي أو البدوي أو ابن علوان أو السيدة زينب أو ما أشبه ذلك، ثم يدعونهم: يا سيدتي زينب! يا سيدي الحسين! يا سيدي علي! يا ابن علوان! يا يوسف! يا فلان! ثم يعكفون عندهم، ويذبحون لهم ذبائح يتقربون بها إليهم، ويتبركون بتربتهم، فيأخذ أحدهم التراب ويمسح به وجهه، زاعماً التبرك بهذه التربة المباركة التي نالتها بركة هذا السيد، ويصلي عنده، ويقول: إن الصلاة عنده أفضل من الصلاة في المساجد؛ لأنه يرفع صلاتي! أليس هذا من الشرك؟! الجواب: لا شك أنه دعاه من دون الله، وإذا كانوا بهذه الحالة أصبحوا كفاراً، ولكن لا يقاتلون إلا بعدما تقوم عليهم الحجة، ونرى أن الحجة في هذه الأزمنة قائمة بانتشار الإذاعات، والكتب الإسلامية، والدعوة إلى الله.
(63/32)
________________________________________
حكم اشتراط الرجل على زوجته الكفالة
السؤال
رجل اشترط على زوجته كفالته، وإذا لم تكفله سوف ينكد عليها فما حكم ذلك؟
الجواب
يمكن أن يكون أجنبياً وهي وطنية، فمعنى كفالته: أن تكون إقامته على كفالتها، فإذا كان كذلك فعليها إذا أرادته زوجاً أن تكفله حتى تؤشر له الإقامة؛ لأن إقامته محدودة أو مشروط فيها أن يكون له كفيل، فالأجنبي المصري أو اليمني أو السوري إذا لم يكن له كفيل فلابد أنه يُسفّر، أما إذا كان له كفيل ولو كفلته زوجته فإنه يبقى.
وبكل حال إذا كانت ترغب أن يبقى زوجاً لها فإنها تتقدم حتى تكفله، هذا إذا كانت السائلة تريد الكفالة يعني: كفالة الإقامة.
أما إذا كانت تقصد كفالة النفقة، أي: أنه فقير يريد أن تكفله، وتنفق عليه من راتبها أو مالها فإذا كان كذلك فالأصل أن الزوج هو الذي ينفق على زوجته، فإذا شرط عليها هذا، فهذا شرط يخالف مقتضى العقد.
(63/33)
________________________________________
حكم الصفرة والكدرة التي تكون قبل الحيض
السؤال
ما حكم الصفرة والكدرة التي تسبق الحيض؟
الجواب
الأصل أنها ليست حيضاً إذا كانت في غير الحيض، وإنما تكون حيضاً إذا كانت في وقته، أما إذا كانت قبله أو بعده فلا تعد، تقول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) أي: لا نعتبرها حيضاً، فلا نترك لها الصلاة.
(63/34)
________________________________________
البياض الذي تراه المرأة بعد الطهر لا يضر
السؤال
ماذا لو رأت المرأة البياض بعد ستة أيام من دم الحيض، وحوالى عشرة أيام أخرى ما بين كدرة وصفرة، وقد يستمر لأكثر من ذلك؟
الجواب
البياض الذي هو القصة البيضاء علامة على انقطاع الحيض، فإذا رأت القصة البيضاء المعروفة عرفت أنها انقضى حيضها، فما رأته بعد ذلك فإنه دم عرق أو صفرة أو كدرة، سواء قليله أو كثيره.
(63/35)
________________________________________
وصف القصة البيضاء
السؤال
هل للقصة البيضاء وصف معروف حتى لا يلتبس مع الإفرازات الأخرى؟
الجواب
هذا شيء تعرفه النساء، يقولون: إنها شيء تشبه الجص، والقصة في الأصل هي الجص الأبيض يخرج من الرحم بعد انتهاء العادة، وهو دليل على أن الحيض قد انقطع، وليس شبيهاً بالإفرازات التي تخرج من الرحم في الاحتلام أو نحوه، فهو شيء له لون خاص، وله إحساس خاص.
(63/36)
________________________________________
حكم إمامة صاحب السَلَس
السؤال
أنا شخص مصاب بمرض خروج الريح المستمر -سلس الريح-، وقد حفظت كتاب الله جل وعلا، هل تصح إمامتي في الصلاة، حيث إنني أحياناً أصلي مع كبار السن، وأناس لا يستطيعون قراءة القرآن، أو قراءة الفاتحة، أفتونا مأجورين؟
الجواب
لا تصح إمامة صاحب السلس إلا بمثله، هكذا نص العلماء، ثم إذا كان كذلك فإن عليه أن يعالج نفسه حتى تزول هذه الأمراض والعاهات ونحوها، وإذا قدموه فعليه أن يتحفظ حتى تنتهي الصلاة، فلا يصلي وهو يخرج منه هذا الريح الذي هو ناقض للوضوء، وإذا خرج منه فإن عليه أن يستخلف، ويقدم غيره ليكمل الصلاة.
(63/37)
________________________________________
زوج الجدة من المحارم
السؤال
هل تحرم البنت على زوج جدتها، الذي لم يكن أباً لأمها؟
الجواب
زوج الجدة يعتبر محرماً للأم، يعني: تقول: أنت زوج جدتي أم الأم أو أم الأب، فأنت تعتبر محرماً، فزوج الأم وزوج أم الأم وزوج أم الأب كلهم محارم للمرأة.
(63/38)
________________________________________
الفرق بين المخالعة والفسخ
السؤال
لقد أشكل علي الفرق بين المخالعة والفسخ، فما الفرق بينهما وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
إذا كرهت المرأة زوجها، وقالت: أعطيك ألفاً أو عشرة آلاف، أو أعطيك أرضاً أو بيتاً على أن تخلي سبيلي، يُسمى هذا خلعاً، وإذا غاب الزوج وتقدمت المرأة إلى القاضي وقالت: زوجي غاب، وأهملني فله أن يفسخ النكاح؛ لأنها تتضرر بانتظاره، ويُسمى هذا فسخاً، وكذلك إذا ظهر به عيب كمرض مستمر فللقاضي أن يفسخ النكاح.
(63/39)
________________________________________
حكم الرجوع في الهبة قبل تسليمها
السؤال
فضيلة الشيخ: اتفقت أنا وأحد أصدقائي على هبة شخص مبلغاً من المال، وقمنا بجمع المبلغ، وقبل إيصال المبلغ إليه احتجنا لذلك المبلغ، فهل لنا الرجوع في هذه الهبة؟
الجواب
يجوز الرجوع للواهب إذا لم يدفعها للموهوب له أو لوكيله، فأما إذا دفعوها له أو لوكيله حرم الرجوع، فهذا الذي لا تزال هبته في يده ولم يعطها للموهوب له يجوز أن يرجع فيها، وأما الذي قد أعطاك أو أعطى شخصاً آخر فليس له أن يرجع فيها.
(63/40)
________________________________________
ضابط الرضعات المحرمة
السؤال
ما هو ضابط الرضعات المحرمة وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
هي مذكورة في الكتاب في باب الرضاع بعد باب الطلاق، ذكروا أنه تحرم عند الإمام الشافعي والإمام أحمد خمس رضعات، وأما عند الإمام مالك فرضعة واحدة، وذهب الأحناف إلى أنه لا تحرم إلا عشر رضعات.
والرضعة اختلفوا فيها، فمنهم من يقول: إنها مجرد مصة؛ لأن في الحديث قال: (لا تحرم المصة ولا المصتان) فإذا مص وابتلع فتعد واحدة، ومنهم من يقول: إنها الإمساك ثم الإطلاق، فإذا أمسك الثدي وامتص منه ثم تركه أو نزع منه فهي رضعة، ومنهم من يقول: هي الشبع، فإذا رضع حتى يشبع تعد هذه رضعة، ولو أنه مسه وأطلقه مراراً، والمختار الذي عليه الفتوى أن الرضعة هي: الإمساك والإطلاق ولو في مجلس واحد.
(63/41)
________________________________________
حكم الجمعية التي يجمع فيها أفراد قبيلة للحوادث التي تنزل بهم
السؤال
قبيلة معينة أنشأت فيما بينها جمعية؛ حيث يقوم كل فرد من أفراد هذه القبيلة بدفع مبلغ معين، وذلك كل سنة، ويتم تجميعها ووضعها عند أحد أفراد هذه القبيلة، وتبقى عنده، وذلك من أجل الدم أو الدية، ثم حدث خلاف بينهم بسبب هذه الجمعية، مما أدى إلى حصول الشحناء والبغضاء والمقاطعة بينهم، وسؤالي: ما حكم إنشاء مثل هذه الجمعيات؟ وما العمل لحل هذا الخلاف بين القبيلة وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
إذا أدى ذلك إلى هذا الخلاف فعليهم حل هذه الجمعية، ورد كل مال إلى صاحبه، وإذا نزل بهم حادث عليهم أن يجمعوا له ما يحتاج إليه فوراً؛ لأن الحوادث هذه تقوم بها العاقلة، وأقارب صاحب الحادث يأخذون من هذا ألفاً أو خمسة آلاف ومن هذا ومن هذا حتى يجمعوها.
وهذه الجمعية يفعلونها حتى لا يكون هناك تكلف في جمعها بعد أن يحدث الحادث، فإذا صار يحصل بسببها خلاف كأن يقول أحدهم: كلفتوني أو أخذتم مني أكثر من غيري، وقد يقول: لا أعطيكم لأنكم لا تستحقون، أو لأنكم تأخذون مني ولم يحصل شيء، فيحصل نزاعات وخصومات وتقاطع، فالأولى تركها.
(63/42)
________________________________________
حكم الجمع بين المرأة وزوجة أبيها
السؤال
هل يصح الجمع بين الزوجة وزوجة أبيها المتوفى؟
الجواب
يصح ذلك، فقد ذكروا أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب تزوج بنت علي بن أبي طالب، ولما مات علي تزوج امرأة من نسائه، فجمع بين بنت علي وزوجته، ولكنها ليست أم الزوجة التي عنده، وذلك لأنه لا قرابة بينهما، إنما هي قرابة مصاهرة.
(63/43)
________________________________________
حكم إكراه البكر على الزواج إذا لم ترغب فيه
السؤال
إذا رفضت البكر الزواج من عدد من الرجال، وكلهم كفء لها، من دون عذر شرعي، فهل لوليها إجبارها على الزواج؟
الجواب
لا يجبرها إذا امتنعت، ولا خير في إجبارها؛ لأنها هي التي تتألم، ولكن عليه وعلى أمها إقناعها، وبيان المصلحة التي تترتب على تزويجها، فإذا لم ترغب أصلاً فلا إكراه عليها.
(63/44)
________________________________________
حكم عقد الزواج بلفظ البيع
السؤال
في بعض المناطق يقول الرجل إذا أراد تزويج ابنته: بعتك بنتي بمائة من الغنم، فيقول الزوج: قبلت، وكذلك يقولون: باع بنته، ويقصدون زوجها فهل يصح ذلك؟
الجواب
إذا كان هذا اصطلاح فلا مانع، وهذا مثل قوله: ملكتك ابنتي، أو أعطيتك ابنتي بصداق كذا، أو بمهر كذا، فهذا يمكن أن يكون اصطلاحاً كما يكون في اللغات الأخرى، هناك لغات أجنبية متنوعة، فكل يعقد باللغة التي يفهمها.
(63/45)
________________________________________
على العاقد أن يعرف توفر الشروط وانتفاء الموانع في المرأة قبل أن يعقد
السؤال
هل يجب على المأذون أو أحد الشهود أن يتأكدوا من رضا الزوجة؟ وكيف يكون ذلك؟
الجواب
المأذون يعتبر كواسطة بينهما، فعليه أن يستفصل قبل أن يعقد، فيسألهم: هل الزوجة راضية؟ ولابد أن يسأل الشاهدين إذا كانا يعرفانها، وكذلك يسأل الولي، ويتحقق من تمام الشروط، ومن انتفاء الموانع، فإذا خاف أن هناك إجباراً، أو أن هناك أشياء من الموانع فلا يجوز له الإقدام على العقد إلا بعد التحقق من توافر الشروط وانتفاء الموانع.
(63/46)
________________________________________
الفرق بين الاستئذان والاستئمار
السؤال
ما الفرق بين الاستئذان للبكر والاستئمار للثيب؟
الجواب
كأن الاستئذان مأخوذ من الإذن الذي يدل على الرضا، فيكون السكوت دليلاً على الإذن، وأما الاستئمار فلابد فيه من الأمر، فكلمة: زوجوه أمر، أو اعقدوا له، فلابد أن الثيب تأمرهم، فلذلك قال: (حتى تستأمر) يعني: يطلب منها الأمر، وقال في الصغيرة: (حتى تستأذن) فهذا هو الفرق.
(63/47)
________________________________________
حكم قول: (يا وجه الله)
السؤال
كثر عند العامة الدعاء بقولهم: يا وجه الله! فما حكم ذلك؟
الجواب
لا بأس بذلك؛ لأن الوجه يطلق على الذات، كما قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص:88] ، فإذا دعا الله تعالى بيا وجه الله! جاز ذلك؛ لإطلاقه على الذات، وإن كان الاقتصار على بعض الصفات غير مألوف.
(63/48)
________________________________________
يصح الزواج بأي شرط جائز
السؤال
رجل متزوج وأراد أن يتزوج بأخرى، وشرط عليها أن تسكن مع أهلها، ويأتيها إذا سافر لعمله، فهل يصح ذلك؟
الجواب
إذا قبلت بهذا الشرط فلا بأس بذلك، المسلمون على شروطهم، كذلك أيضاً إذا اشترطت عليه شروطاً، فالمسلمون على شروطهم.
(63/49)
________________________________________
العقد بدون تعيين غير صحيح
السؤال
قال لي أحد الناس: سأزوجك ابنتي، وله ابنتان، فقلت له: قبلت، فهل يلزمه أن يزوجني إحداهما؟
الجواب
لا يلزم حتى يسميها، فيقول: زوجتك ابنتي فلانة، وأما قوله: سوف أزوجك أو أريد أن أزوجك بلفظ المضارع فلا يصير عقداً حتى يكون بلفظ: زوجتك، بلفظ الماضي، وبكل حال لا يتم إلا بعد الرضا، ولا يتم إلا بعد التعيين.
(63/50)
________________________________________
إذا اشترطت المرأة عند العقد مواصلة الدراسة أو التدريس فلها ذلك
السؤال
اشترطت على زوجي عند عقد النكاح المواصلة في الدراسة والتدريس، فهل إذا توظفت في وظيفة تدريس أعتبر ناشزا ًولا تحل لي نفقته؟
الجواب
إذا كان هناك شرط وافق عليه كمواصلة الدراسة أو مواصلة التدريس أو اشترطت أن تواصل الدراسة ثم بعد إنهاء الدراسة أن يمكنها من التدريس والتزم بذلك فإن عليه ذلك، وإذا أراد منعها فإن لها أن تطالبه بتمكينها من هذا الذي شرطت عليه، وإذا منعها من هذا العمل ثم عصت أو نفرت فلا تُسمى ناشزا ًوالحال هذه؛ لأنها قد اشترطت عليه، لكن إذا رأيا المصلحة في ترك العمل ونحو ذلك فيشير عليها بذلك رجاء أن يحصل بينهما التوافق.
(63/51)
________________________________________
حكم أخذ الراتب مع عدم العمل إذا أذن في ذلك المسئول عن العمل
السؤال
أنا موظف في إحدى وزارات الدولة، وقد سمح لي الوزير المفوض من الحاكم بعدم المجيء إلى العمل؛ وذلك لأني أدرس في إحدى الجامعات في خارج بلدي، فهل الراتب الذي أستلمه حلال أم حرام؛ مع العلم أن القانون عندنا لا ينطبق عليّ، أفتونا مأجورين؟
الجواب
لابد لمن تعين في عمل أن يقوم بذلك العمل، لكن إذا وافق الرئيس المباشر أو المسئول عنه على تخفيف العمل عنه، ويسلم له الراتب كاملاً؛ بسبب كونه يواصل الدراسة انتظاماً أو انتساباً في الداخل أو الخارج ولن يختل العمل الذي وكل إليه، فلعله يتسامح في ذلك، ويكون الراتب حلالاً، سواء وافق على ذلك النظام أو القانون أو لا.
والحاصل: لابد من التأكد من عدم اختلال العمل، وموافقة المسئول.
(63/52)
________________________________________
حكم العقد بالهاتف أو الكتابة
السؤال
ما حكم عقد النكاح ونحوه بالهاتف أو بالكتابة ونحوه من الوسائل الحديثة؟
الجواب
يظهر أنه إذا كان بالهاتف الذي يسمعه الشهود فلا بأس، يعني: هناك هاتف معه سماعة خارجية، ولا يقتصر على سماعه المتكلم، بل يرفع صوته، فالولي ولو كان بعيداً لابد أنهم يعرفون كلامه، ويتحققون أن هذا هو الولي، ويتكلم فيقول: أشهدكم يا فلان وفلان أني قد زوجت ابنتي فلانة لفلان على أن يصدقها كذا، وبشرط كذا وكذا.
ثم يجيب الزوج ويقول: أشهدكم أني قبلت، وهو يسمع ذلك، أما إذا كان الهاتف لا يسمعه إلا واحد فلا يكفي؛ لأن الشهود لابد أن يشهدوا على سماع الإيجاب والقبول، وأما الكتابة فلا تكفي، وذلك لأنه يشترط -على الصحيح- الموالاة بين الإيجاب والقبول، وعدم الفاصل بينها.
(63/53)
________________________________________
حكم المزاح في ألفاظ عقد النكاح
السؤال
كثير من الناس يقول مازحاً عن ابنته: زوجتها ابنك أو العكس، فهل في هذا مزح، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا يجوز المزح بهذا، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والعتاق) فلا يجوز المزاح ولا العبث بمثل هذه الكلمات، ومع ذلك مثل هذا الكلام لا يكون عقداً صحيحاً، وذلك لفقد الرضا ولفقد التعيين، ولفقد كثير من الشروط كالأهلية وما أشبهها.
(63/54)
________________________________________
ذكر الاختلاف في أيهما الأصل: الإفراد أو التعدد
السؤال
ذكرتم أن العلماء اختلفوا هل الأصل التعدد أم الإفراد، فما هو الراجح من أقوالهم، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
لكلٍ دليله، والأصل والأغلب الاقتصار على الواحدة كما ذكر ذلك المؤلف بقوله (يسن نكاح واحدة) ، وقالوا: إن الزيادة عليها تعريض للضرر، ولذلك تسمى الزوجة الثانية: ضرة، لأنها تضار الأولى، وتضار الزوج، ولكن تختلف باختلاف المقدرات وما أشبهه.
(63/55)
________________________________________
حكم كتابة آيات من القرآن ثم تُغمس في ماء وتشرب
السؤال
يقوم بعض الناس بكتابة بعض آيات من كتاب الله بالزعفران في أوراق، ثم تغمس هذه الأوراق بالماء وتشرب، فهل يستشفى بذلك، وجزاكم الله خيرا؟
الجواب
أدركنا بعض المشايخ يعملون ذلك، يعني: يكتبون آيات من القرآن في أوراق أو في أواني نظيفة، ثم تغسل ويشربها المريض الذي كُتبت له، ويذكرون أنهم يتأثرون بذلك، ويجدون فيها فائدة؛ لأن كلام الله تعالى فيه فائدة، كما يستشفى بالقراءة عليه ونحو ذلك، فإذا كان ذلك الكاتب موثوقاً معروفاً أنه لا يكتب إلا شيئاً معروفاً فلعله يجوز.
(63/56)
________________________________________
حكم معصية الأقارب في الزواج من أجنبية
السؤال
أنا شاب أريد الزواج من امرأة أجنبية، وذلك لأن أقاربي يطلبون مهراً كثيراً، ولكن والدتي ترفض زواجي من أجنبية، فهل يحل لي عصيانها؟
الجواب
عليك أن تطلب النكاح من غير أجنبية؛ لأن نكاح الأجنبية يحتاج إلى إذن من الدولة، ويحتاج إلى إجراءات، ثم هذه الأجنبية قد لا يوافق عليها، وقد لا تناسبك، وإذا طلقت مثلاً أو رجع أهلها إلى دولتهم شق عليك أن تخرجها، وأن تفرق بينها وبين أولادها، ثم في ذلك أيضاً معصية أهلك وأبويك وأقاربك، فنشير عليك بأن تطيع أهلك وأقاربك الذين لا يريدون منك الزواج بالأجنبية، وستجد إن شاء الله من يناسبك غير هذه الأجنبية.
وإذا كان يقصد أنها أجنبية بمعنى ما ذكره المؤلف يعني: أنها ليست من قبيلته بل من قبيلة أخرى، فمثل هذا أيضاً ليس فيه عيب، بل استحبه العلماء كما سمعنا؛ ولما ذكرنا من العلل، ففي هذه الحال لعلك أن تشير على أهلك، وتحاول معهم حتى يوافقوا.
(63/57)
________________________________________
حكم استخدام حبوب منع الحمل
السؤال
كثير من النساء يستخدمن حبوب منع الحمل بحجة أنها تجلس فترة بعد الولادة ترتاح فيها؛ لأن كثرة الولادة يتعبها ويذهب شبابها فهل يجوز ذلك؟
الجواب
لا يستحب ذلك، فهذه الحبوب مضرة بالصحة، وقد قرر ذلك الأطباء المعتبرون، ولها نتائج سيئة؛ فعلى المرأة أن ترضى بقضاء الله تعالى وبقدره، وقد كان النساء قبل أربعين سنة أو نحوها لا يعرفن هذه الحبوب، ولا يستعملها إلا النادر منهن، وكانت المرأة إذا ولدت اشتغلت برضاع ولدها، وإذا اشتغلت بإرضاعه توقف عنها دم الحيض، وإذا توقف يقول العلماء: إنه ينقلب لبناً، وحيث إنها لا تحيض فإنها لا تحمل، وهذا مشاهد أنها تبقى سنتين بعد الولادة وقت الرضاع لا يأتيها قطرة دم، ومع ذلك لا تحمل، فإذا أنهت رضاع ولدها وفطمته ففي ذلك الشهر تأتيها العادة، ثم بعد وطء زوجها لها بعد الطهر تحمل، هذا كان فعل النساء، وفي كل ثلاث سنين تأتي بولد، أو سنتين ونصف، ولا يحصل عليها تأثر، ولا أذى، ولا ضرر بكثرة إنهاك بدنها، أما في هذه الأزمنة فعدل كثير من النساء عن إرضاع أطفالهن، فصارت ترضعه من هذا اللبن الصناعي، وبعدما تنتهي من مدة النفاس تأتيها العادة، ثم إذا طهرت من العادة ووطأها زوجها حملت منه بعد ذلك، فتحمل في كل سنة، وربما في كل عشرة أشهر أو نحوها، فتقول: إنني أتضرر بذلك، فلذلك تعمل هذه الحيل، فتعمل ما يسمى باللولب، أو تتعاطى هذه الحبوب، أو تحمل زوجها على أن يعزل عنها، وإن كان العزل فيه خلاف في جوازه كما سيأتي.
والحاصل: ننصح المرأة بأن تقتصر على ما كانت عليه أمها وجدتها وهو إرضاع الطفل، فتقصره على رضاع لبنه منها إلى أن تفطمه.
ووجد من النساء من تحيض ولو كانت ترضع، ومنهن من تحيض بعد الإرضاع بسنة، يعني: تبقى سنة لا تحيض، والنساء يختلفن في قوة البنية أو ضعفها.
(63/58)
________________________________________
الزواج لا يعيق عن طلب العلم
السؤال
أريد الزواج ولكن بعض الإخوة ينصحونني بعدم الزواج؛ لأنه يشغل عن طلب العلم، مع أنني أدرس في الجامعة فما رأيكم؟
الجواب
إذا كنت قادراً مقدرة مالية فإن الزواج لا يشغلك عن طلب العلم لا في الجامعة ولا في الحلقات ونحوها، وستجد وقتاً تتعلم فيه، والزواج تعف به نفسك، وكذلك تشغل به فراغك، وتؤنس نفسك، وتؤنس زوجتك، فأنصحك بألا تتأخر لأجل عذر الطلب، فكثير من الطلاب متزوجون ولا يعوقهم ذلك.
(63/59)
________________________________________
الذي لا يستطيع القيام بواجب زوجته عليه أن يفارقها
السؤال
ماذا يلزم الرجل إذا كان لا يستطيع أن يقوم بالواجب نحو زوجته بسبب ضعف شهوته وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
عليه أن يحرص على أن يعفها بما يستطيع، وقد ذكروا في باب العشرة أنه إذا كان قادراً على وطئها في السنة ثلاث مرات -أي: في كل أربعة أشهر مرة- كفاه ذلك، أما إذا لم يقدر أصلاً، وطلبت منه الفراق، وهي مثلاً ذات شباب أو نحوه؛ فيجب عليه أن يفارقها حتى تجد من يعفها.
(63/60)
________________________________________
حكم تأخير زواج الأصغر إلى أن يتزوج الأكبر
السؤال
يوجد بعض العادات وهي أن بعض الآباء لا يزوج إلا الابن الأكبر ثم الذي يليه، فإذا كان الابن الأكبر لا يريد الزواج أخر من قبله من الإخوة، فهل من كلمة لهؤلاء؟
الجواب
نعتبر هذا خطأ، بل من طلب النكاح وكان أهلاً فإن على الوالد أن يزوجه، وتزويجهم على آبائهم؛ وذلك ليعفهم وليحرص على أن يصونهم عن الوقوع في المحرمات ونحوها.
وكذلك أيضاً الإناث كثير من الأولياء قد تبلغ إحدى بناته مثلاً: خمساً وعشرين سنة، أو ثلاثين سنة، فيتقدم إليه بعض الشباب عمره في عشرين سنة، ويخطب ابنة له عمرها عشرون، أو عمرها ثمانية عشر عاماً فيرده، ويقول: لا أزوجها حتى أزوج التي أكبر منها، فيعضلها ويعضل الأخرى، ويكون سبب ذلك كونه لا يزوج الصغرى حتى تتزوج الكبرى، فعليه أن يزوج من جاءه خاطباً إذا كان كفئاً، فهذا الخاطب الذي عمره عشرون سنة أو ثنتان وعشرون قد لا يرغب في التي عمرها ثلاثون أو خمس وعشرون؛ فلذلك لا يحق له أن يمنع من تقدم له من الأكفاء، والله أعلم.
(63/61)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [64]
(64/1)
________________________________________
لا يصح وقف إلا ما ينتفع به مع بقائه
السؤال
ذكر المؤلف رحمه الله أن من شرط الوقف أن ينتفع به مع بقائه، فهل يصح وقف بعض التمر أو بعض الماء مع أنه لا يبقى؟ وما ضابط هذا الشرط، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
يصح وقف النخلة أو النخل؛ لأنه يثمر كل سنة، وكذلك يصح وقف الأرض التي تزرع وتستغل، فيكون زرعها يتنفع به ويؤكل منه، وكذلك الأشجار التي فيها ثمر كشجر التين والعنب والتوت والرمان يصح وقفها؛ وذلك لأنه ينتفع بها، وتثمر كل سنة، وأما أن يقول: وقفت هذا الكيس التمر فهذا لا ينتفع به؛ لأنه يؤكل مرتين أو ثلاثاً ثم يفنى، أو كيس البر لا ينتفع به إلا لاستهلاكه.
(64/2)
________________________________________
الفرق بين ضمان الموقوف وضمان ما تلف من غيره
السؤال
لماذا استثنى علماء الحنابلة رحمهم الله تعالى ضمان الموقوف، مع أنهم قالوا بضمان ما تلف من غيره؟
الجواب
كأنه يريد بضمان الموقوف أن العلماء قالوا: إذا تلف الموقوف فلا يضمنه المتلف، وقالوا: إن كل من أتلف شيئاً فإنه يضمنه، ولعل السبب في ذلك أن من أتلف شيئاً مملوكاً لشخص فإن ذلك المالك لابد أنه يطالب المتلف، فإذا أتلف إنسان داراً مملوكة فأهلها يطالبون ذلك الذي هدمها وأتلفها ويقولون: لماذا هدمت دارنا؟ وكذلك الموقوف فلو أن إنساناً هدم داراً موقوفة فالوكيل يطالب ذلك الهادم: لماذا أتلفتها وأذهبت منفعتها؟ عليك أن تبنيها وتعيدها كما كانت، أما الموقوف المستعمل فإذا تلف فيما استعمل به فإنه لا يضمن، فإذا وقف إنسان ثوباً ولبسه إنسان لأنه من أهله وتمزق عليه فلا يضمنه، وكذلك لو احترق وهو عنده فلا يضمنه؛ لأنه يعتبر كالأمانة عنده، هذا الفرق بينهما.
(64/3)
________________________________________
صحة وقف تسجيلات إسلامية
السؤال
يوجد عندي تسجيلات إسلامية، وأرغب في وقفها بالاشتراك مع بعض الإخوة، على أن يتم بيع الأشرطة بسعر رمزي، فهل يصح مثل هذا الوقف؟
الجواب
لا بأس بذلك، والأولى -مثلاً- أنك توقف الأشرطة التي تسجل، وأما إذا وقفت الأجهزة وقلت: هذه الأجهزة وقف، وجعلت لمن يشتغل بها أن يبيع الأشرطة بسعر التكلفة فلك أجر على وقف هذه الأجهزة.
(64/4)
________________________________________
حكم الوقف لمدة معلومة
السؤال
هل يصح الوقف لمدة معلومة مثل: وقفت هذا المنزل لمدة عشر سنين؟
الجواب
لا يصح، بل لابد أن يكون الوقف مستمراً، ولا يُرجع فيه، بل يخرج من ملكية الواقف.
(64/5)
________________________________________
حكم الوقف على بعض الأولاد دون بعض
السؤال
من وقف على أحد أولاده هل يلزمه أن يقف على بقية أولاده مثله؟
الجواب
يصح الوقف على جنس من أولاده، فيقف مثلاً البيت على العزاب، أو على المطلقة من البنات أو نحوها للسكنى، أو يقفه على الفقير من الأولاد يسكنه، وكذلك على من تفرغ لطلب العلم، فيقول: المتفرغ يستحق من يساعده بخلاف العاملين والموظفين، فيجعله على جهة أو على جنس، فأما إذا كان بدون سبب فإنه يوقفه عليهم جميعاً.
(64/6)
________________________________________
حكم أخذ الواقف مما أوقفه
السؤال
رجل أوقف دكاناً لصالح المسجد أو للفقراء، وكان غنياً ثم افتقر، فهل يجوز له أن يأخذ مما أوقفه، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
إذا أوقفه وخرج من ملكه فإن كان على الفقراء فهو فقير له أن يأخذ مع الفقراء، وأما إذا كان على المسجد فليس له أن يرجع فيه، ولا أن يأخذ من غلته شيئاً، ولكن يأخذ من جهة أخرى كالأوقاف التي على المساكين والفقراء.
(64/7)
________________________________________
الوقف المعلق
السؤال
ما حكم لو قال: هذه كتبي إذا مت فهي وقف لله؟
الجواب
هذا وقف يعتبر معلقاً، ولكن حيث إنه لا يكون إلا بعد الموت فإنه يعتبر وصية إذا علقه بالموت، إذا قال مثلاً: هذه البيوت وقف بعد موتي فقوله يعتبر وصية، فإن كانت بقدر الثلث نفذت هذه الوصية، وإن كانت أكثر نفذ منها بقدر الثلث.
(64/8)
________________________________________
لا يشترط في الموقوف له أن يكون فقيراً
السؤال
هل من شرط الموقوف له أن يكون فقيراً؟
الجواب
قد لا يكون، فكثير من الآباء يوقفون على أولادهم ولهم أموال طائلة، ولكن يقول: أوقف هذا البستان حتى لا يُباع، وحتى يأكلوا منه بقية حياتهم وأولادهم وأولاد أولادهم، وأوقف هذه الدكاكين وهذه الشقق حتى يأكلوا من غلتها، وربما تتغير حالتهم، هم الآن أغنياء وقد يصيرون فقراء في يوم من الأيام، فيجعلها وقفاً عليهم كلهم، غنيهم وفقيرهم ولو كانوا كلهم فقراء أو كلهم أغنياء.
(64/9)
________________________________________
الشرط الذي فيه ضرر لا يصح
السؤال
انتشر في الآونة الأخير في بعض المناطق أن تشترط الزوجة على زوجها في عقد النكاح بيتاً خاصاً بها، وتشترط عدم دخول أم الزوج لهذا البيت إلا بعد إذنها، وقد يكون الأبوان أو أحدهما مريضاً أو محتاجاً، فهل يصح مثل هذا الشرط؟
الجواب
إذا كان شرطاً فيه ضرر فلا يصح، فلا يجوز له أن يوافقها على هذا الشرط، وهو منع أبويه مثلاً من الدخول في هذا البيت أو من زيارته، أو منع أولاده من غيرها، أو منع أقاربه أو ما أشبه ذلك هذا شرط فيه ضرر، ولكن إذا رأى فيه مصلحة وليس فيه ضرر، وسمح أبواه ونحوهم فلا بأس.
(64/10)
________________________________________
لا يجوز الوثوق بطبيب نصراني
السؤال
كانت امرأتي حاملاً ولها ستة أشهر، فقال لي الطبيب: إن الجنين مشوه ولابد من إنزاله، وعندما وافقت وأجريت العملية تبين أن الطفل لم يكن به شيء، وكان الطبيب نصرانياً، فقتله الطبيب، فماذا علي، علماً بأن الجنين لم يُعمل له عقيقة حتى الآن لعدم علمي ماذا له وماذا عليه، وهل علي كفارة صيام شهرين أفتونا مأجورين؟
الجواب
لا يجوز أن يوثق بالنصارى، فإنهم أعداء للمسلمين، وفي تقريره هذا قد أخفق، وأنت أخطأت حيث صدقته وعملت بقوله حتى أسقطت ذلك الجنين الذي لم يكن فيه شيء من التشويه، فنقول: لك مطالبة هذا الطبيب الذي كذب والذي اقترح إنزاله بالدية، وكذلك أيضاً لا يلزم العقيقة؛ لأن العقيقة إنما تلزم إذا ولد حياً وعاش سبعة أيام فأكثر، وأما صيام شهرين فليس عليك، بل الآثم ذاك النصراني الذي قرر إنزاله، وأمر به.
(64/11)
________________________________________
حكم الأحذية المصنوعة من جلد النمر
السؤال
يوجد أحذية من جلد النمر، فهل يجوز لبسها وبيعها واقتناؤها؟
الجواب
هناك قول بأن الدباغ يطهر كل الجلود، ولو كان جلد محرم الأكل، ورجح ذلك الشوكاني في (نيل الأوطار) واستدل بعموم الحديث: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) وهذا قول من الأقوال، فهذه الأحذية إذا كانت إنما هي أحذية تلبس في الأرجل فلا بأس، لكن نرى أنك لا تصلي بها للشك في طهارتها.
(64/12)
________________________________________
الكفارة على عدة أيمان على عدة أفعال
السؤال
لو حلف شخص عدة أيمان على عدة أفعال مختلفة عن بعضها، فهل يجزئ أن يكفر كفارة واحدة، أم لابد لكل يمين من كفارة؟
الجواب
الصحيح أنه يكفيه كفارة واحدة ولو تعددت الأيمان ولو تعدد أسبابها، لأن المسبب واحد فتتداخل، فقد يحلف يميناً واحدة على عدة أشياء، كأن يقول: والله لا أكلم فلاناً، ولا آكل من هذا الطعام، ولا أدخل هذا البيت، ولا أركب هذه السيارة، ثم يضطر فيكلم ويأكل ويركب ويدخل، وهي يمين واحدة وحلف واحد، فتكفيه كفارة واحدة، وكذلك لو كانت عدة أيمان، فلو حلف -مثلاً- اليوم أنه لا يكلم فلاناً فكلمه، ثم حلف غداً أنه لا يأكل من هذا الطعام فأكل، ثم حلف بعده أنه لا يركب هذه السيارة ثم ركب، فالصحيح أنها تتداخل، وتكفيه كفارة واحدة.
(64/13)
________________________________________
حكم من ترك السعي بين الصفا والمروة ولم يعلم إلا بعد رجوعه إلى بلده
السؤال
امرأة كبيرة في السن طافت، ولكنها لم تسع لأنها ضاعت، ولم يعلموا إلا بعد وصولهم إلى الرياض، فما هو العمل الآن؟
الجواب
معلوم أن هناك خلافاً في السعي، فهناك من يقول: إنه ركن، وهناك من يقول: إنه واجب، فاختلف في ذلك كثير من العلماء، حتى أن عالماً واحداً وهو ابن قدامة في كتابه (المقنع) ذكر روايتين، وفي كتابه (العمدة) ذكر أنه واجب وأنه يجبر بدم، فعلى هذا نعمل بهذه الرواية ونقول: عليها دم يذبح لمساكين الحرم، وهذه الأعمال إذا وقعت وانقطع ومضى الفعل ولا يمكن تداركه أفتينا بأسهل الأقوال، حتى لا يقع المسلم في حرج.
(64/14)
________________________________________
حكم تجاوز الميقات والإحرام من ميقات آخر
السؤال
نحن جماعة قدمنا من المدينة قاصدين مكة للعمرة، ولكننا تجاوزنا ميقات أهل المدينة عامدين، وذلك لأننا أردنا الإحرام من الطائف؛ لأنه أيسر لنا وأسهل، فما حكم عملنا هذا، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا بأس بذلك إذا أحرمتم من ميقات آخر، فإذا وصلتم إلى الطائف ومررتم بميقات أهل الطائف الذي هو وادي محرم أو السيل الكبير وأحرمتم منه فلا حرج، مع أن الأولى أنه ليس هناك مشقة لو أحرمتم من ذي الحليفة ميقات أهل المدينة، وقد تكون المشقة في وصولكم الطائف أكثر؛ لأنكم ستبقون بعد إحرامكم أربع ساعات أو ثلاث ساعات ونصف بين المدينة وبين مكة، وأما ذهابكم إلى الطائف ثم رجوعكم ستطول مدة ذهابكم ورجوعكم، وعلى كل حال لا حرج في ذلك.
(64/15)
________________________________________
حكم التأمين، وحكم الأخذ من شركات التأمين
السؤال
هل يجوز أخذ الدية من التأمين التجاري، وإذا اضطر الإنسان إلى التأمين التجاري وحصل له حادث فهل يأخذ مما تعوض له الشركة تأميناً أم لا؛ وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
نحن نختار أنه لا يجوز التأمين التجاري لا على السيارات ولا على الأنفس ولا على التجارات، ولكن متى حصل ووقع أن إنساناً أمّن على سيارته ثم حصل عليه حادث فإنه تدفع له الشركة، وله أن يأخذ؛ لأن تلك الشركة التزمت أن تدفع له، سواء أخذ منها أكثر مما أعطاها أو أقل.
(64/16)
________________________________________
حكم بيع الوقف إذا لم ينتفع به وصرفه في مجال آخر
السؤال
إذا وقف رجل نخلاً وهي لبعض الأموات، ويخشى من موتها لعدم قيام أحد بهذا الوقف، فهل يجوز بيعها وجعلها في مسجد أو بئر، نرجو التوضيح، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
صحيح أن هناك أوقافاً تعطلت، يعني: قديماً كان الميت إذا مات يوقف هذه البئر، أو هذا النخل، أو هذه الأرض مزرعة أو نحوها، وفي ذلك الوقت كان الناس يهتمون بالحرث، ويحفرون الآبار العميقة، وكذلك أيضاً يولون الأشجار عناية، ولكن أتى بعد ذلك سنوات زهدوا في الزراعة، وأقبلوا على الوظائف أو على التجارات فتعطلت الأوقاف، فالآبار والأراضي قد تبقى عشرات السنين لا ينتفع بها، ولا يصل إلى الميت منها شيء، ففي هذه الحال للوكيل أو للناظر أن يرفع أمرها إلى قاضي البلد الذي هو تبع لها، والقاضي إذا عرف أنها لا يمكن أن تعمر، وليس هناك من يعمرها، وأن عمارتها تكلف أضعاف ثمنها، فله أن يبيعها وينقل ثمنها إلى غيرها ليعمر به شققاً أو يبني به مسجداً أو يصرفه في وجه من وجوه الخير.
(64/17)
________________________________________
حكم العمل في تصوير الأموات
السؤال
هل يجوز تصوير الأموات كعمل، علماً أني أعمل في قطاع عسكري، ويوجد غيري يقوم بهذا العمل، فما رأيكم؟
الجواب
نرى أنه لا يجوز، وأنه يبتعد عن الأشياء التي ورد فيها وعيد، وبكل حال قد يكون هناك مقاصد في تصوير الأموات في بعض النشرات، وقصده في ذلك أن يعتبر المسلمون، ويرون أنه حصل كذا وكذا، كذلك في بعض الصحف الذين ينشرون عن الأموات أنه مات فلان، وأن أسرته آل فلان حتى يكون هناك تعزية لهم، فتختلف المقاصد.
(64/18)
________________________________________
حكم الأخذ من المصاحف الموقوفة إذا زادت عن الحاجة
السؤال
كان بجانبي أحد المساجد مصاحف كثيرة زائدة في كراتين، وكان هناك عامل يصلح هذا المسجد، فطلب مني أن أعطيه مصحفاً، فأعطيته مع أن هذه المصاحف وقف لله تعالى، فهل علي شيء؟
الجواب
في هذه الأزمنة كثرت المصاحف والحمد لله، وطبع منها ألوف مؤلفة، وامتلأت المساجد، وكتب عليها أنها وقف لا تباع، ففي هذه الحال إذا كانت زائدة عن حاجة المسجد فلا مانع من أن تأخذ منها مصحفاً تقرأ به في بيتك مع بقائه على وقفيته، أو تعطيه إذا كنت وكيلاً على المسجد إنساناً تعرف أنه يقرأ فيه، فهو أولى من بقائها مرصوصة، بل قد تبقى أشهراً لا يُقرأ في شيء منها.
(64/19)
________________________________________
حكم الوقف على أمر مباح
السؤال
هل يصح الوقف على مباح، كمن وقف البندقية للصيد مثلاً؟
الجواب
لا بأس، والأصل أن الواقف يقصد بذلك الأجر، فإذا أوقف السلاح فإنه يجعله على المقاتلين في سبيل الله، أو المقاتلين لصد المعتدي، ولا يجوز أن يجعله للمحاربين أو قطاع الطريق، أو البغاة ونحوهم، أو المقاتلين في فتنة، أما إن جعله فيمن يقاتل به في الصيد كأن يقول: وقف على أولادي يصيدون بها فهذا يعتبر وقفاً على الأولاد، ومنفعته خاصة، وهو كما لو قال: هذه الدار وقف على أولادي للسكنى.
(64/20)
________________________________________
جواز إشراك الذين أوقف عليهم غيرهم في منفعة الوقف
السؤال
إذا أوقفت منزلاً على آل فلان، فهل يجوز لهم إسكان غيرهم معهم، مع أنهم راضون جميعاً؟
الجواب
إذا كانوا راضين فلا بأس، فإذا حدد وقال: وقف على أولاد أخي، ثم تزوجت أخت لهم وماتت ولها أولاد وأسكنوا أولاد أختهم معهم برضاهم فلا حرج.
(64/21)
________________________________________
الوقف لا يرجع إلى من أوقفه
السؤال
ما حكم من يقول: هذا وقف على الفقراء أو على مسجد كذا، فإن استغني عنه فيرجع لولدي، فهل هذا الشرط صحيح؟
الجواب
ليس بصحيح، لا يرجع الوقف على الميت ولا على أولاده، بل إذا قال: وقف على ذلك المسجد، ثم استغنى المسجد، نقل إلى مسجد آخر، فإذا قال: وقف على حاجة أولاد أخي واستغنوا ولم يكن لهم حاجة صرف على أولاد قريب له آخر، وأما كونه يرجع إليه فلا يجوز.
(64/22)
________________________________________
وقف الأسهم التجارية
السؤال
هل يجوز وقف الأسهم التجارية في الشركات، مع العلم أنها معرضة للخطر من الربح والخسارة؟
الجواب
نرى أنه لا بأس بذلك؛ لأن فيها غالباً غلة، فإذا قال: أسهمي في شركة كذا وقف، فهو يريد بذلك غلتها؛ لأنها في كل سنة يخرج لها غلة، فيقول: وقف على المساجد، أو وقف على الغزاة ونحوهم، أو وقف على الفقراء والمساكين، أو وقف على طبع الكتب والمصاحف، فكلما أخذت أرباحها في سنة صرفت حالاً في ذلك الشيء، فإن قدر أنها خسرت أو كسدت أو لم تربح في سنة من السنين فلا شيء عليه.
(64/23)
________________________________________
حكم بناء مسجد في أرض مسبلة للسقاية
السؤال
يوجد في قريتنا قطعة أرض مسبلة بسقاية ماء، وبعد فترة جاء رجل وبنى في هذه الأرض مسجداً، فهل تعتبر أرضاً مغصوبة، وهل يجوز الصلاة في هذا المسجد؟
الجواب
أرى أنه لا بأس إذا كانت موقوفة مسبلة للسقاية، واستغني عن السقاية، وقد كانوا في الأزمنة القديمة يجعلون سقاية، وهي ما يُسمى بالجوابي، والجابية هي مجمع الماء، وقد يكون طولها خمسة أمتار أو أربعة، وعرضها قريباً من ذلك، ويجعلونها مسبلة تردها الدواب من إبل وبقر وأغنام، فيملئونها بالماء، ثم قد يقال إن في هذه الأزمنة قد استغني عنها، فأهل الأغنام ونحوهم يأخذون المياه لها في الوايتات والأحواض، ويجلبون الماء إليها وهي في البرية، فلا يوجد الآن حاجة إلى جعلها، ففي هذه الحال لما استغني عنها وبني مكانها مسجد فلا يعتبر مغصوباً، بل الأجر باقٍ، وهو أولى من تعطيلها.
(64/24)
________________________________________
تعطيل الوقف
السؤال
رجل أوقف ثلاجة على طلبة العلم، فإذا خربت فهل على الناظر إصلاحها أم على من يستخدمها؟
الجواب
الواجب الحرص على عمارتها؛ حتى يستمر نفعها على طلبة العلم، ولكن إذا خربت ولم يكن في الإمكان عمارتها فلا حرج على الناظر.
(64/25)
________________________________________
من أوقف وقفاً فليس له المنازعة فيه
السؤال
رجل أوقف أرضاً لإصلاح بئر للشرب، وبعدما أصلحت هذه البئر صار ينازعهم كل يوم يريد أن يسقي زرعه ويزرع عليها، فهل يجوز لنا منعه من ذلك، علماً أن هناك الكثير ممن يجاورون البئر، وتسبب لنا مشاكل معهم أفيدونا مأجورين؟
الجواب
ليس له حق، بل تبقى على ما وقفت عليه، فإن سقي زرعه شيء خاص يخصه، وهي وقفت على الأمر العام، فلا يجوز له المنازعة، والأولى في هذه الحال أن يتدخل القضاة، وأن يأخذوا على يد الظالم، ويردوه إلى الحق، ويبينوا له أن العمل بشرط الواقف لازم إذا لم يكن هناك محذور، وأنه لا حق له في أن يسقي زرعه، ويعطل المصالح الأخرى.
(64/26)
________________________________________
حكم وقف أرباح الأموال المودعة في البنوك
السؤال
هل من الممكن أخذ الأموال التي تخرج أرباحاً من البنوك وجعلها وقفاً للفقراء؟
الجواب
نرى أن الأرباح التي في البنوك كسب حرام، ولكن لا يجوز لصاحب المال أن يتملكها، ولا يجوز له أن يؤكلهم ذلك الربا، فلا يأكله ولا يؤكلهم، لأن في الحديث (لعن الله آكل الربا وموكله) وإنما يتخلص منه، والتخلص هو أن يحيل عليه من ينتفع به، فلا يأخذه وإنما يحيل عليه أحد الفقراء أو المساكين، أو يحيل عليه من يأخذه إلى مسجد ليُعمر به أو نحو ذلك، وإذا أخذ من البنك ولم يأكله المالك ولم يأكله البنك فهو مال طاهر كالأموال التي تغنم من المشركين ولو كانت حراماً، فتحل باغتنام المسلمين لها، ولو كانت ثمن خمر، وكان عمر رضي الله عنه ضرب الجزية على بعض النصارى، ولم يكن عندهم أموال إلا الخمور، فكان يقول: (ولوهم بيعها، وخذوا الجزية من أثمانها، فإذا باعوها وأعطوكم من أثمانها الجزية فخذوها فهي لكم) فكذلك هذه الأموال إذا أخذت طهرت، فلا يأكلها المالك ولا يأكلها البنك، فتكون بعد ذلك كأموال الغنائم، يجوز أن يُبنى بها مساجد أو غيرها، أو تجعل في أوقاف تكون غلتها للمسلمين أو ما أشبه ذلك.
(64/27)
________________________________________
التصرف في غلة الوقف الزائدة
السؤال
رجل أوصى بثلث ماله في أضحية، وغلته تزيد عن قيمة الأضحية، فهل للورثة أن يقتسموا الزيادة؟
الجواب
إذا زادت الغلة عن الأضحية يفضل أنها تصرف في المصالح الأخرى، يعني: أن الثلث قد يزيد على ما عين له، فإذا قال: أوصي بثلثي صدقة تخرج منه أضحية، ثم جعل الثلث في دكان، وأجرة الدكان عشرة آلاف سنوياً، وقيمة الأضحية -مثلاً- ألف، فالتسعة الباقية لابد أنها صدقة، وأنه قصد بها الأجر، فللوكيل الناظر أن يصرفها في وجه آخر من وجوه الخير.
(64/28)
________________________________________
حكم بيع الوقف لسداد الواقف
السؤال
إذا أوقف رجل لأولاده بيتاً ثم توفي، ووجد أن عليه ديناً، فهل يسدد الدين من البيت الموقوف أم لا؟
الجواب
يُسدد الدين من الغلة، وأما البيت فلا يباع إلا بإذن الحاكم.
(64/29)
________________________________________
حكم الوقف للذكور دون الإناث
السؤال
أوقفت جدة جدي وقفاً، ونصت أن ثمرة الوقف لذريتها الذكور دون الإناث، وأُخبرنا أن هذا لا يجوز، فلماذا؟
الجواب
كأن فيه حيفاً ومحاباة وظلماً للإناث، وهذا هو ما يسمى بالتوليج، يعني: كأنها تولج المال للذكور دون الإناث، هذا هو السبب، وعلى كل حال الوصية لا يُعمل بها إلا بعد الموت، ولا يعمل فيها إلا بأمر الشرع.
(64/30)
________________________________________
حكم أخذ الناظر من مال الوقف
السؤال
أوقف أبي وقفاً عاماً لجدي، وقد توفي والدي رحمه الله وعهد إلي بالوقف، وهو عبارة عن بيت مؤجر، وسؤالي: هل يجوز لي الأخذ من ريع الوقف وصرفه في أمور البيت وحاجاته من الطعام واللباس وشراء المركب أو إصلاحه إلى غير ذلك من الأمور التي يحتاجها البيت، علماً بأني قد أحتاج أحياناً لريع الوقف، وهل يجوز لي سداد ديني من هذا الريع، أفتونا مأجورين؟
الجواب
يجوز ذلك، فتبدأ بما أوصاك به سواءً الجد أو الأب فيما عينه كأضحية أو حجة أو ما كانوا يوصون به قديماً، وقد كانوا قديماً يوصون بأشياء الغالب أنها قد انقرضت، فيوصي أحدهم -مثلاً- بدلو أو ما يُسمى بالركية يعني: البئر، وهذا قد انقطع، أو يوصي بسراج للمسجد، وهذا أيضاً قد انقطع، أو يوصي بقرب كسقاية للناس، ففي هذه الحال يمكن أن يجعل بدل القرب ما يسمى بالبرادات؛ لأنها تقوم مقامها، فالحاصل: أنه إذا نفذ ما أوصي به وزاد هناك شيء وهو محتاج فله أن ينفقه على بيته، إما لأجل أنه ناظر على هذا الوقف، والناظر له أن يأخذ منه بقدر عمله، وإما لأنه ولد ذلك الواقف أو ولد ولده، فله حق فيه، وله أن يقضي دينه من الزائد أو نحوه.
(64/31)
________________________________________
وقف النخل هل يشتمل الأرض التي هي فيها
السؤال
إذا أوقف رجل نخلة أو نخلات فتعطل الوقف بموتها، فهل يشمل وقف الأرض أم أن الوقف خاص بالنخلة، فإذا ماتت انتهى الوقف؟
الجواب
إن نص صاحب الوقف على أنها لا تبدل فإنه يختص بالنخلة، وأما إذا سكت، وقال: هذه النخلة أو هذه النخلات وقف، فإذا ماتت أو سقطت فعليهم أن يغرسوا في مكانها أخرى، أو قريباً منها، فإن الأرض تتبع النخلة التي غرست فيها.
(64/32)
________________________________________
لا يكون الوقف إلا فيما يبقى
السؤال
رجل يملك مزرعة وبها مضخة ماء، وهي ليست وقفاً، وتعطلت المضخة وهو لا يملك مالاً لإصلاحها، وأعطيته مالاً لإصلاحها بنية أنه وقف لله، فهل يعتبر هذا المال صدقة أم وقفاً؟
الجواب
يعتبر صدقة؛ لأن الوقف هو الذي يبقى، أما هذا فإنه يشتري به -مثلاً- محروقات، أو يشتري به زيتاً، أو يشتري به ما يسمى بالديزل، فهذا يُعتبر صدقة.
(64/33)
________________________________________
حكم الوقف للمخالف في الدين
السؤال
مر معنا أنه يصح الوقف من مسلم على ذمي وعكسه، وفي آخر الفصل يقول: وعلى قرابته أو أهل بيته، إلى أن قال: لا على مخالف دينه، فكيف التوفيق بين ذلك؟
الجواب
المخالف للدين، يعني: إذا قال: على أولادي أو أقاربي أو أنسابي أو قومي أو أهل بيتي فلا يدخل فيهم المخالف للدين، وأما إذا كان له قريب وخصصه، فقال: غلة هذا البيت لقريبي فلان الذي هو ذمي، كما وقفت صفية، فالتخصيص يستثنى من المخالف للدين.
(64/34)
________________________________________
المقصود بالبنين في قوله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)
السؤال
هل المقصود في قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46] الأبناء الذكور أم تشمل الذكور والإناث؟
الجواب
الظاهر أنها خاصة بالذكور، وذلك لأنهم يفتخرون بالذكور، ولذلك قال تعالى في آية أخرى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمران:14] ولم يقل: البنات، فإنما كانوا يفتخرون بالبنين.
(64/35)
________________________________________
الحجر على من يستخدم الوقف أو الهدية في المحرم
السؤال
وهبت لأخي سيارة هدية، ولكنه أصبح بعد ذلك قليل المكوث في البيت، وقد يذهب إلى أصدقاء السوء، وأنا أخشى عليه من الانحراف، فهل يجوز لي أن آخذ السيارة ولو على وجه التهديد له حتى يقلل من خروجه من البيت، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
في هذه الحال يُحجر عليه، ويمنع إذا أصبحت هذه السيارة سبباً لفساده وكثرة غيابه، واتصاله بمن يُفسد عليه أخلاقه، فلأخيه أو لأبيه أو لأحد أقاربه الذين لهم ولاية عليه أن يمنعوه، وأن يحولوا بينه وبين ذلك، وأن يأخذوا هذه السيارة، فإما أن يبيعوها ويصرفوا ثمنها له في شيء آخر، وإما أن ينفقوا بها عليه إلى أن يعقل، ويتغير عن حالته هذه.
(64/36)
________________________________________
يوزع الوقف كما يريد الواقف
السؤال
بعض الواقفين يجعل ريع الوقف في الأضاحي، والباقي يوزع على الورثة بالتساوي، فهل هذا جائز، أم يقسم الباقي حسب القسمة الشرعية؟
الجواب
يعمل بوصية الواقف، فإذا أخرجت الأضحية وقال: الباقي للورثة بقدر إرثهم، فللذكر مثل حظ الإنثيين، وإذا قال: بالتساوي فيسوى بين الذكر والأنثى، وإذا قال: الباقي للورثة وسكت فيصح أن يُسمى إرثاً.
(64/37)
________________________________________
الوفاء بالوعد المعلق
السؤال
اختلفت أنا وأحد الإخوة على ناقة هل هي لقحة أم لا، وقلت له: إن كانت لقحة فما في بطنها فهو لك، تأكيداً مني على أنها غير ذلك، فأنتجت فهل يلزمني أن أعطيه ما أنتجت؟
الجواب
في هذه الحال يكون وعداً، والمسلم يفي بما وعد، فإذا قال: إن كانت هذه الناقة حاملاً فولدها لك، فصارت حاملاً فولدت فعليه أن يفي بما وعده.
(64/38)
________________________________________
الشفاعة في تارك الصلاة
السؤال
ما هو رد العلماء الذين يرون تكفير تارك الصلاة تهاوناً على أحاديث الشفاعة، وحديث صاحب البطاقة، وأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان؟
الجواب
معلوم في أحاديث الشفاعة أنه لا يشفع إلا في أهل التوحيد، أهل (لا إله إلا الله) وأنهم يعرفونهم بأثر السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، وهذا دليل على أنهم يصلون، فدل على أن من لا يصلي لا يُعرف فلا تناله شفاعتهم، وكذلك حديث البطاقة معلوم أن هذه البطاقة التي فيها الشهادتان حصلت من مؤمن موقن مصدق بها تصديقاً يقينياً، وهذا التصديق لا شك أنه يحمله على العمل بحقها، لقوله في الحديث: (إلا بحقها) فيكون بذلك من أهل (لا إله إلا الله) ومن العاملين بها، ومن العمل بها أداء الصلاة.
(64/39)
________________________________________
هدايا المسئولين
السؤال
ما حكم الهبة لأجل مصلحة، مثل أن يُعطي الموظف للمدير هدية؟
الجواب
ورد في حديث: (هدايا العمال غلول) ، فإذا كان يقصد في هذه الهدية منفعة عاجلة فلا يجوز، ولا يجوز للمهدى إليه قبولها إذا خاف أنها تحمله على أن يفعل منكراً، أو يترك واجباً، أو ما أشبه ذلك.
(64/40)
________________________________________
بيان متى يستقر المسافر ويكون له حكم المقيم
السؤال
قدمنا من الكويت لحضور دروس هذه الدورة، فهل نعتبر مسافرين، وهل تسقط عنا السنن الرواتب؟
الجواب
من استقر في سكن مفروش مهيأ مكيف منور فلا يقال إنه مسافر، بل له حكم المقيم، ولو ما أقام إلا يوماً أو يومين، ومن لم يستقر وبقي في سيارته يتجول فيها، أو سكن خارج البلد في خيمة أو تحت شجرة فله حكم المسافر ولو طالت مدته.
(64/41)
________________________________________
الزنا أشد من حلق اللحية وكلاهما معصية
السؤال
يقال: إنك تفتي أن حلق اللحية أشد من الزنا، فهل هذا صحيح؟
الجواب
ما ذكرت ذلك، ولا أتذكر أني أفتيت بذلك، ولا شك أن الزنا أقبح وأشد؛ لأن الله رتب عليه عقوبة وحداً زاجراً، وحداً شديداً وهو الرجم أو الجلد والتغريب، فلا يقال: إن حلق اللحى أشد منه، وفي كل حال كلاهما معصية.
(64/42)
________________________________________
وصية لمن خاف على نفسه الانتكاسة
السؤال
أنا شاب مستقيم بحمد الله، ولكنني لا أستطيع الموازنة بين الأعمال، فأحياناً أنشط للصيام فأصوم كثيراً، وأحياناً للصدقة ولغيرها، ثم يقول: أخشى أن أصاب بالانتكاسة، فأسألك يا شيخ الدعاء لي، وبماذا توجهني؟
الجواب
نوصيك بمواصلة الأعمال الصالحة، والحرص على الإكثار من النوافل وملازمتها، وإذا كسلت أحياناً وعجزت عن الصيام أو عن الصدقة، أو كسلت وفاتتك سنة من السنن قبلية أو بعدية كالرواتب فلا لوم عليك؛ لأنك تركت مستحباً، ولا يقال: إن هذه انتكاسة.
(64/43)
________________________________________
من خاف خروج وقت الصلاة فليصل على أي حال تيسر له
السؤال
كنا في حافلة في أيام الحج، وكنا في وسط الزحام، وحان وقت صلاة الفجر ولم نستطع التوقف، وبدأ الوقت بالخروج ثم اتضح النور، فحينما توقفنا نزلت وصليت، فما حكم صلاتي هذه، وهل كان يجوز لي أن أصلي وأنا جالس في الحافلة، وما الحكم إذا كنت على غير وضوء، وما الحكم أيضاً في القبلة إذا لم نكن عليها، أفتونا مأجورين؟
الجواب
نقول: إن الذين في الحافلة كان بإمكانهم أن يقفوا إذا حان الوقت في زاوية من الطريق ويصلوا الصلاة في وقتها، فإن كان معهم ماء وإلا تيمموا، فإذا قدر أنهم لم يستطيعوا بأن كان الطريق ضيقاً كما في حالة الانصراف من عرفة إلى مزدلفة، أو أنهم لا يتمكنون لوجود سيارات عن اليمين وعن الشمال، فإذا خافوا أن يخرج الوقت صلوا، فإن قدروا على أن يصلوا قياماً بين الكراسي فعلوا ذلك، وإن لم يقدروا صلوا على الكراسي ولو بالإيماء بالركوع والسجود، وإن قدروا على طهارة توضئوا وتطهروا أو تيمموا، وإن عجزوا فعلوا ما يستطيعونه ولو أن يتيمموا على كراسيهم.
(64/44)
________________________________________
يكون للواقف أجر ولو شاركه غيره فيه
السؤال
هذا أخ يقول: أشهد الله سبحانه وتعالى أني أحبك فيه، وأسأله أن ينفعني والحاضرين بعلمك إنه ولي ذلك والقادر عليه، فضيلة الشيخ! كان لدي بعض الكتيبات قمت بطباعتها، ثم جاءني بعض الإخوة يرغبون بشرائها، فقلت لهم: أبيعكم إياها بنصف قيمة الطباعة على أن تكون وقفاً لله تعالى، وتوزع مجاناً فوافقوا على ذلك، فهل يكتب لي وقفها وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
لك أجر على طبعها ونشرها، ونستحب لك أن تطبع بثمنها مثلها؛ لأنك نويت إخراجها من ماليتك، فثمنها الذي بعتها به -ولو اشترطت على الذين اشتروها أنهم يوقفونها- ننصحك بأن تشتري مثلها، أو تطبع مثلها، وتكون وقفاً.
(64/45)
________________________________________
أنواع الهبة
السؤال
كيف الجمع بين حديث: (الرجل أحق بهديته ما لم يثب عليها) وبين حديث: (العائد في هبته كالكلب) أفتونا مأجورين؟
الجواب
ذكرنا أن الهبة نوعان: هبة تبرر، وهبة ثواب، فالذي أحق بهبته هو الذي شرط عوضاً، وتُسمى هبة الثواب، فهو أحق بها ما لم يثب عليها، وأما إذا كانت هبة تبرر فإنه لا يجوز له الرجوع فيها.
(64/46)
________________________________________
حكم حجز الأماكن في المسجد
السؤال
ما حكم حجز المكان في المسجد بكتاب أو بمفتاح أو بشيء آخر، سواء كان هذا المكان من صفوف الصلاة أو من صفوف طلب العلم عند المشايخ، نرجو التفصيل بارك الله فيكم؟
الجواب
إذا كان الذي حجز هذا المكان قريباً، يعني: ذهب لقضاء حاجة، أو لتجديد وضوء فله ذلك، أو كان في المسجد جالساً متكئاً على سارية يقرأ أو يذاكر أو يتعلم جاز له أن يحجز مكاناً سواء للصلاة أو لطلب العلم، وقد ورد فيه حديث: (إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به) ، وأما إذا حجز المكان وذهب لينام أو ذهب ليتجول في الأسواق لغير حاجة، أو ذهب إلى محل تجارته أو حرفته أو ما أشبه ذلك فلا يجوز، ولا يحق له الحجز والحال هذه.
(64/47)
________________________________________
حكم الهدية إلى المعلم أو الشيخ
السؤال
هل يجوز للطالب أن يقدم لأحد أساتذته ومشايخه هدية أو هبة، علماً أن هؤلاء قد أحسنوا إليه بالتعليم والتربية، أفتونا مأجورين؛ لأن بعض الإخوة قد قال بعدم جواز ذلك؛ لأنه يدخل في الرشوة، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الممنوع أن الأستاذ والمدرس يأخذ الهدية من الطالب إذا خاف أنه يميل معه، أي: أنه إذا أهدى إليك مالت نفسك معه، فتقدمه على غيره، وتتغاضى عن هفواته، وتجبر نفسه، وتزيد في درجاته، وتتساهل في التصحيح معه وما أشبه ذلك مما تفضله به على غيره، ففي هذه الحال لا يحق للمدرس أن يقبل من هذا، ولو أنه قد أحسن إليه، ولا يحق للطالب أن يهدي له وهذا غرضه.
وأما إذا كان قد انتهى من الدراسة، وانتهى من هذه المدرسة، ونجح منها وعزم على أن ينتقل إلى جامعة أو إلى مدرسة أخرى فلا مانع من أن يهدي إليهم هدايا مكافأة لهم، وأن يستضيفهم ويكرمهم أو يهديهم كتباً، أو يهديهم أقلاماً ثمينة، أو ساعات، أو حقائب، أو كسوة، أو ما أشبه ذلك، وهذا من باب رد الجميل، يعني: رأى منهم حسن معاملة معه ومع غيره، فأراد مكافأتهم.
(64/48)
________________________________________
حكم هبة ما لا يجوز بيعه
السؤال
ذكر الماتن أنه تصح هبة كل ما يصح بيعه، فهل تصح هبة ما لا يجوز بيعه ككلب الصيد وغيره؟
الجواب
لما كان صاحبه الذي يمسكه أولى بنفعه، فالصحيح أنه تجوز هبته، ولكن لا يطلب مكافأة على الصحيح، ومع ذلك إن كافأه جاز، ومما لا يصح بيعه وتجوز هبته أو المكافأة عليه عسب الفحل، فإنه لا يجوز بيعه، لحديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع عسب الفحل) ، والمراد ضرابه، فإذا كان عند إنسان ثور أو تيس معد للضراب والنزوان على الإناث وطلبه إنسان لينزو على الإناث عنده كبقر أو معز أو نحوه، فلا يجوز أن يشرط ويقول: أعطيكه على أن تعطيني عنه مائة أو ألفاً أو نحو ذلك، لكن له أن يكافئه بعدما ينتهي من الضراب، ويقولون: إنه يحصل منه هزال وضعف بعد ذلك، فله أن يرد الجميل، وأن يعطيه مكافأة بدون شرط.
(64/49)
________________________________________
حكم المطالب بالدين بعد إسقاطه إذا لم يقبل المدين الإسقاط
السؤال
إذا رفض المدين أن يقبل إسقاط الدين عنه، وأصر على إرجاع الدين، فهل يحق للدائن أن يطالبه بعد حين به؟
الجواب
لا يطالبه، وكثير من المدينين لا يحب منّة الدائن، فإذا قال: أسقطت عنك الدين الذي في ذمتك، فقال: لا أقبل؛ لأني لا أتحمل منتك، بل سوف أقضيك، فإذا قال: إني قد أسقطته، قال: لا أقبل صدقتك ولا إسقاطك، فالدائن لا يطالبه، ولكن لو رده جاز قبوله، فإذا رده إليك جاز أن تقبله، لأنك لما وهبته ولم يقل: قبلت، لم يخرج عن ملكيتك.
(64/50)
________________________________________
حكم مكافأة أحد الأولاد دون إخوته على عمل ما
السؤال
هل يجوز أن يكافئ الوالد ولده إذا نجح في الدراسة تفضيلاً على إخوته، أو إذا حفظ القرآن مثلاً؟
الجواب
يجوز ذلك تشجيعاً له، فإنه يجوز للأب أن يقول لأولاده: من حفظ منكم جزءاً فإني أكافئه أو أعطيه ساعة مثلاً، أو قلماً ثميناً، أو حقيبة جديدة، تشجيعاً لهم، أو من نجح منكم أعطيته مكافأة على جده ونشاطه كذا وكذا، مكافأة له، ففي هذه الحالة يجوز ذلك، ويكون بذلك قد حثهم على المنافسة، ولا يكون هذا تفضيلاً.
(64/51)
________________________________________
حكم الأخذ من الميراث مقابل عمل من الأعمال
السؤال
رجل كان لوالده مزرعة كبيرة، وكان هو يقوم عليها، وكذلك كان يقوم بالإنفاق على والديه وأخواته، وقرب موت والده قام بكتب هذه المزرعة له، ولم يعط إخوانه منها إلا شيئاً يسيراً، فهل هذا العمل صحيح، وإذا كان غير صحيح فما هو العمل، أفتونا مأجورين؟
الجواب
كان عليهم أن يكافئوه على جهده وعلى نشاطه وعلى حفظه لهذه المزرعة في حياة أبيه، بأن يجعلوا له نصيباً منها، كربع أو خمس مقابل تعبه؛ لأنه وقف نفسه عليها هذه المدة، ولكن حيث لم يتأكد من ذلك ولم يتثبت من أبيه ولم يفرض له أبوه شيئاً، وبخل إخوته أن يكافئوه فإنهم يعتبرون آثمين إذا لم يرض، وإذا رضي عنهم وسامحهم فلا إثم.
(64/52)
________________________________________
حكم تملك الابن الكافر من مال أبيه المسلم
السؤال
ذكرتم حفظكم الله أن من شروط تملك الابن لملك أبيه ألا يكون الابن مسلماً والأب كافراً، فلو كان العكس الابن كافراً والأب مسلماً فهل هذا يصح، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
أولاً: يتصور هذا فيما إذا كانا كافرين فأسلم الأب وبقي الابن على كفره، بأن كان من أهل الذمة، ففي هذه الحال الإسلام فرق بينهما، فلا يتوارثان، وأما الأخذ فعلى القاعدة أن الإسلام فرق بينهما فليس للأب أن يتملك من مال ولده؛ وذلك لأنه لا ولاية له عليه، لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] ، هذا مقتضى القاعدة.
(64/53)
________________________________________
حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن والسنة
السؤال
هل يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن والسنة النبوية؟
الجواب
يجوز ذلك، وأما حديث سلمان فإنه كان متبرعاً في تعليمه ذلك المهاجر، وكان ذلك المهاجر أيضاً فقيراً، فكره له أن يبطل أجره بأخذ ذلك القوس، وإلا فقد ورد: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) فيجوز أن يأخذ على تعليم القرآن وعلى تعليم السنة أجراً.
(64/54)
________________________________________
بعض الأسباب المعينة على الاستقامة
السؤال
أنا شاب في بداية طريقي إلى الهداية والاستقامة، فكيف أقوي إيماني وأثبت على هدايتي ولا أفتر؟ وكيف أكون في ذمة الله، أفتونا مأجورين؟
الجواب
نوصي الشباب المستقيمين أن يحرصوا على أسباب الاستقامة، فمن الأسباب التي تثبتهم وتقوي إيمانهم تعلم العلم النافع، ومن من الأسباب أيضاً كثرة الأعمال الصالحة، ولكن بقدر الجهد، يعني: يتقرب إلى الله بالفرائض وبما يتيسر من النوافل، ومن الأسباب عدم تكليف النفس والمشقة عليها، كما في الحديث: (إن الله لا يمل حتى تملوا) وكذلك أيضاً قد يكلف نفسه ويشق عليها بكثرة الصيام وبكثرة القيام وبكثرة العبادات وبالتقلل من الشهوة ومن المباحات ويكون بذلك متسبباً بأن تمل نفسه وتستثقل الطاعة، ويشبه مثل هذا بالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فعليه أن يرفق بنفسه وألا يكلفها فوق طاقتها، وعليه أيضاً أن يختار الصحبة الذين يثبتونه ويشجعونه.
(64/55)
________________________________________
حكم الجوائز التي تؤخذ على المسابقات القرآنية والعلمية
السؤال
ما حكم الجوائز التي تؤخذ على المسابقات القرآنية والعلمية، وكيف يحكم فيها مع ما ذكر من الترهيب في أخذ مثل ذلك كما في حديث سلمان، وكيف نوفق بين ذلك وحديث: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) أفتونا مأجورين؟
الجواب
الجوائز هذه تعتبر جوائز تشجيعية لمن سبق إلى كذا أو لمن فعل كذا، كأن يقال مثلاً: من حفظ القرآن كله يعطى جائزة تشجيعاً له وحثاً للآخرين، أو من حفظ من القرآن كذا فله كذا، وكذا من حفظ السنة، أو من حفظ الصحيح، أو من حفظ مائة حديث أو ألفاً فله جائزة كذا وكذا، فهذه جوائز مشروعة لأجل الحث على المسابقة، مع أن الفاعل يجب عليه الحرص على إخلاص النية، وأن الذي يحمله هو إرادة الثواب الأخروي، وإنما يأخذ هذا تقوية له، فلا يكون هذا هو الهدف.
كذلك أيضاً عندنا المسابقات التي ورد فيها الحديث: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) فهذه أيضاً تشجيعية، والنصل هو الرمي، والحافر هو الفرس، والخف هو الإبل، فالمسابقة على هذه يجعل عليها سبق، والسبق هو الجعل الذي يجعل عليها، فيجعل الجعل على مثل هذه، وأما معنى الحديث فإنه يريد بذلك النهي عن الأشياء التي فيها قمار كالألعاب، وما يُسمى بـ (البلوت) أو الألعاب التي تلهي، ثم يأخذون عنها عوضاً، فهذا قمار، ولا يصح أخذه، وهذه لا تُسمى سبقاً، يعني: الجوائز، إنما تُسمى تشجيعية.
(64/56)
________________________________________
الأم تعدل بين أولادها كالأب
السؤال
هل يجب على الأم أن تعدل كالأب في العطية بين أولادها؟
الجواب
الأم أحد الأبوين، فإذا كان عندها مال وعندها ملك فإنها تعدل بين أولادها، ولا تفضل إلا اذا كان هناك مبرر للتفضيل.
(64/57)
________________________________________
الفرق بين الوصية والوقف
السؤال
إذا كان الفقهاء رحمهم الله يقولون: إن الوقف بعد الموت حكمه حكم الوصية، بمعنى: أنه ينظر هل يخرج من الثلث أم لا، فهل هو أيضاً حكمه حكم الوصية في إمكان الرجوع قبل الموت، أم أنه يلزم، ويبقى النظر في خروجه من الثلث فقط، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الوقف هو: إخراج شيء من ماله في حياته ليبقى وينتفع به مع بقاء عينه، بمعنى أنه قال: هذه الدار وقف، وغلتها تصرف على الفقراء أو على المساكين أو على الدعوة إلى الله، ثم في مرض موته قال: وهذه الدار أيضاً وقف، غلتها تصرف على المساجد أو على المجاهدين، فالدار الأولى نفذت؛ لأنها في حالة الصحة، والدار الثانية لا تنفذ؛ لأنها في حالة المرض، فإذا مات وخرجت من الثلث نفذت؛ لأنه أصبح جائز التصرف في الثلث، وإذا عاش وبرئ من ذلك المرض نفذت أيضاً، ولو كانت أكثر من الثلث؛ لأنه في حياته يصح له أن يتصرف، وأن يخرج من ماله ما يريد، ولو ماله كله.
(64/58)
________________________________________
حكم دفع الرشوة إذا لم يخرج الحق إلا بدفعها
السؤال
إذا دفع شخص الرشوة لمسئول لكي يحصل على حق له شرعي كان سيضيع ويُعطى لمن لا يستحقه إن لم يدفع الرشوة، فما حكم ذلك، أفتونا مأجورين، فإن هذا أمر قد عمت فيه البلوى في بعض البلاد؟
الجواب
لا شك أنه رشوة، ولكن يمكن أن يكون السائل في بلاد لا تخرج منها الحقوق إلا برشوة، وإذا لم يدفعها بشيء فلا يخرج حقه بل يضيع عليه ويؤكل، ويعطى لغيره، أو يأخذه أولئك المستولون، فكأنه يشتري حقه الذي هو مستحق له، فأما إذا كان غيره أحق منه فلا يجوز له أن يدفع، صورة الحق الذي له: إذا كان له تركة عند ولي الأمر، وهذه التركة يؤخذ عليها ضرائب، وإذا لم يدفع تلك الضرائب استولي عليها ولم تخرج، ففي هذه الحال يخلصها ولو دفع هذه الضرائب، وكذلك لو كان له دين على إنسان، والقاضي أو الوالي لا يحكم له إلا إذا دفع له رشوة، وإلا فيعرف أن صاحبها الذي عليه الدين سيدفع رشوة، وإذا دفع رشوة قال القاضي أو الوالي لصاحب الحق: ليس لك حق، فهذا إذا كان عادة متبعة ففي هذه الحال يدفعها تخليصاً لحقه إذا لم يظهر لغيره.
(64/59)
________________________________________
قضاء الأولاد دين أبيهم بعد موته
السؤال
إذا مات الأب وعليه دين فهل يلزم الأولاد بتسديد هذا الدين عن أبيهم، أفتونا مأجورين؟
الجواب
إذا كان له تركة وجب عليهم المبادرة بوفاء الدين عن أبيهم من تركته؛ لأن الميت معلق بدينه حتى يقضى، وأما إذا لم يكن له تركة وكان له أولاد عندهم مال فإن عليهم أن يوفوا عن أبيهم، لقوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي قالت: (إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: أرأيتِ لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) فدل على أنهم قد عرفوا أن الدين حق لآدمي يقضيه ورثته، أو يقضيه أولاده إذا كانوا قادرين.
(64/60)
________________________________________
حكم أخذ الجوائز والهدايا التجارية
السؤال
يحدث في الوقت الحالي عند دخولي إلى محطة الوقود أو ما أشبه ذلك، وعند تعبئة وقود السيارة بسعر معين يعطونني هدية فما حكم أخذ هذه الهدية، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذه تعتبر دعايات من أصحاب هذه المحلات، ويقصدون بذلك أن يجلبوا الناس إليهم، فيجعلون مثل هذه الأشياء لتشتهر أماكنهم، أو شركاتهم، فيجعلون هذه الهدايا، فصاحب المحطة -مثلاً- يقول: إذا اشترى مني أحد بمائة أو مائتين فإني أعطيه كذا، ولا شك أنه يضر أصحاب المحطات الأخرى؛ لأن الناس يأتون إلى هذا، فيكون هذا ضرراً، فلا يجوز لك أن تقصده لأجل هذا التخفيض، أو لأجل هذه الهدية، كذلك أصحاب الورش يقولون لأصحاب السيارات الناقلة التي تسمى الونوش التي تنقل: إذا أتيتنا بسيارة خربة فلك جائزة كذا كلما أتيتنا، فهو يتجاوز أكثر من ورشة ويذهب إلى تلك الورشة التي تعطيه مائة أو خمسين، ولا شك أيضاً أنهم ضروا أصحاب الورش الأخرى، فيكون هذا أيضاً شبيهاً بأخذ الحرام؛ لما فيه من الضرر، وكذلك أصحاب المحلات الذي يقولون: من اشترى منا بكذا أعطيناه جائزة قد تصل هذه الجائزة إلى سيارة أو ما أشبهها، ففي هذه الحالة أيضاً يضرون أصحاب المحلات الأخرى، فلا يجوز ذلك والحالة هذه، ولا يحل لهم هذا، وإذا كنت تشتري منهم بكل حال، أو أوصلت لهم سيارتك لأنهم أقرب فلا بأس أن تأخذ هذه الجائزة، وأما قصدهم لأجل ذلك فإن فيه تشجيعهم على إضرار غيرهم.
(64/61)
________________________________________
حكم صلاة المسبل ووضوئه
السؤال
انتشرت أوراق في بطلان صلاة ووضوء المسبل، فهل هذا صحيح؟
الجواب
إذا توضأ المسلم وضوءاً صحيحا ً سليماً وكذلك صلى صلاة كاملة فلا يجوز أن يقال: إن وضوءه باطل وصلاته باطلة، إنما تبطل فيما إذا أبطلها، والوضوء لا يبطله إلا الحدث والناقض، والصلاة لا يبطلها إلا ما يبطلها من النواقض والمبطلات.
فقد ورد في المسبل في سنن أبي داود، ولكن الحديث في إسناده مقال، وإن ذكره النووي في رياض الصالحين، وفي الحديث أنه قال له: (ارجع فأعد وضوءك مرتين، ثم قال: إنه مسبل، وإن الله لا يقبل صلاة مسبل) وهذا الحديث الذي في السنن فيه رجل ضعيف، وإن كان يروى حديثه للاعتبار، وبكل حال فالحديث لا يقبل بكل حال، وإذا صح فإنما هو زجر عن الإسبال.
(64/62)
________________________________________
صيغة السلام على النبي في التشهد
السؤال
هل يقول المصلي في التشهد: السلام عليك أيها النبي! أم يقول: السلام على النبي، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الصحيح والمشهور أن يقول: السلام عليك أيها النبي! ولو لم يكن خطاباً، وذكر عن ابن مسعود رواية أنه قال: (كنا نقول: السلام عليك أيها النبي في حياته، أما بعد موته فنقول: السلام على النبي) ولكن هذا لم يكن مشهوراً، والصحابة كلهم كانوا يقولون: السلام عليك أيها النبي!
(64/63)
________________________________________
حكم الرجوع في العطية والوصية
السؤال
لم يتضح لي جواز الرجوع وعدمه في العطية والوصية، فهل لك أن توضح ذلك؟
الجواب
أما الرجوع في الوصية فالإنسان ما دام حياً فله أن يرجع عن وصيته، وله أن يرجع فيها؛ وذلك لأنها لا تلزم إلا بعد الموت، فلو قال: إذا مت فأعطوا زيداً مائة، ثم ندم وقال: لا تعطوه، فله ذلك، أو قال: إذا مت فأعطوا زيداً هذه الشاه، ثم قال: لا تعطوه؛ فالشاه لي وزيد لا حق له، فرجع فيها فيجوز له ذلك، فيجوز أن يرجع في وصيته.
وأما العطية فيجوز أن يرجع فيها قبل أن يقبلها صاحبها، أما إذا قال: قبلتها فإنها تثبت، وليس له أن يرجع فيها إذا قبلها صاحبها وقبضها، وأما قبل القبض وقبل القبول فله أن يرجع.
(64/64)
________________________________________
بيان الواجب على ورثة من مات وعليه دين لا يُعرف صاحبه
السؤال
امرأة ماتت وعليها ديون كثيرة ولا يعرف أصحاب الديون، وقد أعلنوا في الصحف وغيرها مطالبين بأصحاب الديون لمراجعتهم فلم يحضر أحد، فما هو الحل؟
الجواب
على كل حال إما أن يسأل ورثتها عمن كانت تتعامل معه، فإذا عرف أصحاب المعاملة فالغالب أنهم يقولون: إن لفلان عليها كذا، ولفلان كذا وكذا، فمن عرفوا منهم أعطوه حقه، ومن جاءهم وقال: إن لي ديناً وأثبت ذلك بوثيقة أو ببينة أو حلف عليه فعليهم الوفاء.
(64/65)
________________________________________
حكم بيع الولد من مال أبيه المجنون من أجل علاجه
السؤال
أبي يعاني من مرض الجنون منذ زمن طويل، وقد عالجته دون فائدة، وله أملاك، وأنا ابنه الوحيد، فهل يجوز لي أن أبيع من أملاكه عند حاجتي، علماً أنني لم أبع شيئاً رغم ظروفي القاسية التي أمر بها وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
يجوز إذا لم تجد ما تعالجه به إلا من ماله كماشية أو عقار أو نحو ذلك، وإذا كان علاجه يخفف عنه هذا المرض أو يزيله برقية أو أدوية معروفة فلك أن تعالجه.
(64/66)
________________________________________
دية قتل الخطأ تكون على العاقلة
السؤال
أحسن الله إليكم، رجل توفي في حادث، وتوفي معه شخصان، وليس له تركة، فهل يلزم أولاده بدفع دياتهم، مع العلم أن أولاده صغار ومحتاجون؟
الجواب
في هذه الحالة الدية تكون على العاقلة، فإذا كان القتل خطأ فالعاقلة تتحمل الدية، وتؤجل عليهم ثلاث سنين، كل سنة يدفعون ثلثها.
(64/67)
________________________________________
حكم توكيل أحد الورثة على حفظ التركة وتنميتها
السؤال
نحن ثمانية إخوة وثلاث بنات، مع وجود الوالدة، وقد ترك لنا والدنا أملاكاً عقارية كثيرة، ومنذ وفاة الوالد منذ ثلاث سنوات لم يتم تصفية الإرث، لكن يتم توزيع الأرباح بالتساوي علينا، مع بقاء عين هذه الأملاك، علماً أني عينت من قبل بقية الإخوة وكيلاً على الورثة، فهل فعلنا هذا صحيح؟
الجواب
كان الواجب إذا طلبوا القسمة أن يقسم بينهم ويصفيها، فإن رضوا بالشراكة فيما بينهم ووكلوا أحد إخوتهم على أنه يتجر لهم أو ينمي أموالهم ويعطونه أجرته على تعبه وعلى تصفيته وعلى عمله وعلى جمعه للتركة فلهم ذلك، وما فعلوه لا بأس به إن شاء الله.
(64/68)
________________________________________
الوصية لوارث لا تمنعه من أخذ فرضه المفروض له
السؤال
إذا سمح الورثة بالوصية لوارث، فهل يقتسم الباقي معهم بسهمه المفروض له؟
الجواب
نعم؛ لا يسقط حقه من الإرث، فإذا سمحوا بما خصه به فالباقي لهم جميعاً وهو معهم.
(64/69)
________________________________________
حكم توكيل الورثة أحدهم ناظراً للوقف
السؤال
إذا لم يحدد الواقف ناظراً، واتفقت الورثة على أحدهم، فهل يجوز ذلك دون الرجوع إلى الحاكم؟ وهل للناظر أن يأخذ مقابل نظارته على الوقف؟
الجواب
لا بأس، والأصل أن الواقف يوكل واحداً عنده الأهلية، فإذا لم يوكل وكان له أولاد يجوز أن يُوكل واحداً منهم.
(64/70)
________________________________________
الوصية لا تنفذ إلا بعد الموت
السؤال
أشكل علي قولهم: لا يصح القبول قبل الموت، ويثبت الملك به بعد الموت؟
الجواب
يعني: قبول الوصية؛ لأنه إذا أوصى لزيد بشاة، ثم قال زيد: قبلت وهو حي، ثم إن الموصي رجع فيها، بطلت الوصية، أما إذا قال: قبلت بعد الموت ثبت الملك.
(64/71)
________________________________________
حكم قسمة المورث تركته على ورثته قبل موته
السؤال
قد يقوم بعض الأشخاص بتوزيع ماله عند قرب أجله وفي مرضه على ورثته للرجل ضعف ما للأنثيين، فهل ما يفعله هذا الرجل سليماً؟
الجواب
إذا لم يضر أحداً من الورثة فلا بأس، فإذا لم يضر أبويه أو زوجته أو زوجاته وقسم بين أولاده وأعطى الذكر سهمين والأنثى سهماً فلا حرج في ذلك، كما لو أعطاهم وهو صحيح.
(64/72)
________________________________________
حكم منع الورثة من الميراث إذا كانوا سيستخدمونه في الحرام
السؤال
إذا كان لي مال كثير وشركات كثيرة، وكان لي أبناء أخ وأبناء أخت، وخشيت أن يقوموا باستخدام أموالي في المحرمات والفسوق والمخدرات، فهل أحرمهم من الميراث؟
الجواب
الذين يرثون هم أولى بالأخذ إذا كان ليس له أقارب، أما أولاد الأخت فلا يرثون؛ لأنهم من ذوي الأرحام، وبكل حال لا يحرمهم حقهم، لكن في حياته له أن يتصدق وله أن يوقف، وله في حياته وفي صحته أن يعمر مساجد وقناطر وما أشبه ذلك، وأما بعد موته أو قرب موته فليس له أن يضرهم، ولكن مع ذلك ينصحهم ويربيهم التربية الصالحة، ويبين لهم تحريم ما يفعلونه من المخدرات ونحوها.
(64/73)
________________________________________
تقدير الوصية عند عدم إمكان حصرها
السؤال
رجل أوصى بثلث ماله، وماله كثير جداً، فما استطاع الورثة أن يحصروا ثلث ماله، ولو أرادوا ذلك لاحتاجوا إلى سنين طويلة، ويكون في ذلك ضرر على الورثة، وتأخر في أخذ نصيبهم، فهل للورثة تقدير الثلث وذلك بوضع لجنة تقدر الثلث، أفتونا مأجورين؟
الجواب
لهم ذلك، ولكن يحتاطون، فإذا قالوا: يمكن أن يكون الثلث عشرة ملايين ولكن نحتاط ونجعله خمسة عشر، والبقية لنا؛ حتى لا يتأخر إخراج الثلث، وإخراج حق الميت.
(64/74)
________________________________________
حكم إجازة بعض الورثة الوصية لوارث دون بعض
السؤال
إن أجاز الوصية لوارث بعض الورثة دون البعض الآخر فما الحكم؟
الجواب
إذا أجازها بعضهم صحت في نصيبه، والذين لم يجيزوها لا تصح في نصيبهم، سواء كانت زيادة على الثلث أو وصية لوارث، فيؤخذ من نصيب الذين أجازوه وتقدر نسبتها.
(64/75)
________________________________________
ماذا يعمل الموسوس في وضوئه
السؤال
أحياناً بعد الانتهاء من التبول والبدء بالوضوء أو عند الدخول في الصلاة أشعر بخروج قطرة من البول، وقد تأكدت من ذلك، فعند ذلك أقطع صلاتي إذا كنت في صلاة، وأذهب إلى إعادة وضوئي والصلاة، وأحياناً لا أعيد الصلاة ولا ألتفت لذلك، وقد أشغلني ذلك كثيراً، فما هو العمل، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الغالب أن هذا إذا كان من الشباب أنه وسوسة وتخيلات، فننصح بعدم الالتفات إلى ذلك، فبعد التبول يستنجي بالماء، والعادة أنه ينقطع أثر البول، وعلامة أنه وسوسة: كونه لا يحس به في سائر أوقاته، وإنما يحس به إذا كان في الصلاة أو قرب الوضوء، أو ما أشبه ذلك، فيتخيل هذا، ثم إذا قدر أنه حقيقي اعتبر من سلس البول، وسلس البول عذر في أنه يصلي على حسب حاله ولو كان يتقاطر.
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(64/76)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [65]
(65/1)
________________________________________
معنى قوله تعالى: (وإذا حضر القسمة أولو القربى) الآية
السؤال
كيف يعطى من حضر القسمة؟ وما حكم تعمد الحضور لمثل هذا؟ وما مقدار العطية منه، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
قد اختلف في قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء:8] حيث قيل: إنها منسوخة، وقيل: إنها على الاستحباب، ومعنى ذلك: أنه على الذين يقتسمون المال وحضرهم بعض أقاربهم من المستضعفين وذوي الحاجة أن يعطوهم رزقاً من ذلك المال، لا سيما إذا كان مطعوماً، مثل أن يقتسموا الطعام بالصاع تمراً أو حنطةً، أو نحو ذلك، أو يحضرهم أخ للميت أو ابن أخٍ من ذوي الحاجة، أو يأتيهم أحد من أقاربهم فيعطونه صاعاً أو صاعين أو ما أشبه ذلك.
(65/2)
________________________________________
أقسام العصبات في الميراث
السؤال
ما الفرق بين التعصيب مع الغير، والتعصيب بالغير، والتعصيب بالنفس.
وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
ذكروا أن العصبة ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير، فالعصبة بالنفس كلهم ذكور، أي: أن الإنسان يرث بنفسه، وهم الذكور: الابن، وابن الابن، والأب، والجد، والإخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم، والمعتق، فهؤلاء أحدهم يقرب نفسه، فهو الذي يرث، وهو الذي يعصب نفسه.
وأما العصبة بالغير ومع الغير فإنهن إناث، فالعصبة بالغير: البنت يعصبها أخوها، وبنت الابن يعصبها أخوها أو ابن عمها الذي في درجتها، والأخت الشقيقة يعصبها أخوها الشقيق، والأخت من الأب يعصبها الأخ من الأب إذا كان أبوهما واحداً.
ومعنى ذلك: أنه ينقلها من الإرث بالفرض إلى الإرث بالتعصيب، فبدل أن كانت البنات يأخذن الثلثين، فإذا كان معهن أخوهن أو إخوتهن فلا يأخذن الثلثين، بل يقتسمون الباقي ولو كان أقل من الثلث، أو أقل من الثلثين أو نحو ذلك.
فمثلاً: ماتت امرأة عن زوج وأم وأب وثلاث بنات، فالبنات لهن الثلثان ولو عالت المسألة إلى ثلاثة عشر، ولو كان معهن أخوهن لها عالت المسألة، فبدل ما يأخذون ستة من ثلاثة عشر يأخذون خمسة من اثني عشر، ويرثون بالتعصيب ويُسمى بالنسبة للأخ تعصيباً بالنفس، ولأخواته البنات تعصيباً بالغير.
وأما التعصيب مع الغير فمثاله: الأخت إذا كانت مع البنت أو مع بنت الابن، أي: شقيقة الأخت أو أخت لأب فإنها ترث ما بقي من المال، ويُسمى هذا تعصيباً مع الغير.
(65/3)
________________________________________
الخلاف في التوارث بالإسلام على اليد والالتقاط وكونهما من أهل الديوان
السؤال
ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن من أسباب الإرث: الإسلام على اليد، والالتقاط، وكونهما من أهل الديوان، فما معنى هذا القيد؟ والله يرعاكم.
الجواب
هذه أدخلوها في المولى، وفيها خلاف قوي، يقول: إذا دعوت نصرانياً أو مجوسياً وأسلم على يدك، ثم مات وليس له وارث، وله أموال بحيث إنك أنت الذي تسببت في هدايته فتعتبر مولىً له فترثه على هذا القول؛ لأنه أسلم على يديك.
والقول الثاني: أن ماله لبيت المال.
وأما الالتقاط فمعنى ذلك: إذا وجد لقيط ليس له أب، كأولاد البغايا، فإذا ولدت البغي ألقت ولدها غالباً إما في مسجدٍ أو في زاوية في برية أو في غير ذلك، فإذا التقطه إنسان ورباه فإذا مات وله مال فهذا الذي التقطه ورباه أولى بماله، وقيل: ماله لبيت المال.
وأما كونهما من أهل الديوان، فالمراد أنهما كانا يجتمعان ويدونان اسميهما تحت مسمىً واحد، فيكون هذا دليلاً على أخوتهما وتُسمى هذه أخوةً بالمؤاخاة، يعني: اسمهما في ديوان واحد، والصحيح -وهو القول المشهور- أنهما لا يتوارثان.
(65/4)
________________________________________
ذكر الخلاف في الرد على الزوج
السؤال
هل يجوز للمرأة أن توصي لزوجها بالنصف إذا لم يكن لها وارث إلا هو، وهل يكون هذا النصف نصف المال أو نصف المال بعد فرضه؛ فإني لم أتبين كيفية القسمة، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
إذا ماتت وليس لها وارث إلا الزوج فيأخذ نصف المال بالفرض، ويبقى النصف الآخر اختلف لمن يكون إذا لم يكن لها وراث غير زوجها؟ فأكثر العلماء يقولون: يصرف لأقاربها ولو كانوا بعيدون، ولو إلى الجد العاشر، ولو من القبيلة، أو لسيدها الذي أعتقها، فإذا لم يوجد لها أحدٌ قريب فقيل: إن النصف الباقي لبيت المال، وقيل: إنه يرد على الزوج، ويسمى هذا الرد كما أسماه كثير من العلماء: الرد على الزوجين، وأجازه بعضهم كـ شيخ الإسلام، فعلى هذا القول يأخذ المال كله فرضاً ورداً.
(65/5)
________________________________________
إرث الأخ لأب مع الأخت الشقيقة
السؤال
هل الأخ من الأب يُعصب الأخت الشقيقة؟
الجواب
لا يعصبها.
بل هي أقوى منه وأقرب، ولا يرث إلا ما بقي بعد النصف، فإذا مات ميتٌ وله أخت شقيقة وأخ لأب، فالشقيقة تأخذ النصف كاملاً فرضاً، والباقي يأخذه الأخ من الأب تعصيباً، ولو قدرنا أنه ما بقي إلا قليل فليس له إلا ما بقي.
فإذا كان عندنا زوج وأخت شقيقة وأخ من الأب فالزوج له النصف، والشقيقة لها النصف، ويسقط الأخ من الأب؛ وذلك لاستغراق أصحاب الفروض جميع التركة.
(65/6)
________________________________________
حكم مضارة الزوجة في الميراث
السؤال
رجلٌ قسم تركته بين أبنائه وهو حيٌ ولم يفرض لزوجته التي لا تزال على قيد الحياة، فما حكم عمله هذا؟
الجواب
نرى أن ترد القسمة، كما جاء في قصة غيلان الثقفي في عهد عمر لما طال عمره قسَّم أمواله في حياته على أولاده، وطلق نساءه؛ حتى لا يرثن، فجيء به إلى عمر فقال: (لتراجعن نساءك، ولتسترجعن أموالك، أو لأمرن بقبرك أن يرجم) .
أي: أنه ما فعل ذلك إلا ليحرم زوجاته.
فإذا كانت زوجته في ذمته فلا يحرمها من حقها لاسيما إذا كان كبيراً مترقباً للموت، فعليه أن يترك المال حتى يقسم قسمةً شرعية، أما فعله هذا فيعتبر ظلماً؛ لأنه ما قصد من ذلك إلا حرمان الزوجة.
(65/7)
________________________________________
حكم تبيين الخاطب لأهل المرأة أنه مريض بالسكري
السؤال
رجلٌ مصاب بمرض السكري ويريد الزواج، فهل يجب عليه أن يخبر من يريد الزواج منهم، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
إذا كان هذا المرض لا يعوقه عن الاستمتاع ولا يعوقه أيضاً عن الإنجاب فلا يلزمه الإخبار، أما إذا كان في التقارير أنه لا يحصل منه الإنجاب، أو لا يحصل منه كمال الاستمتاع فلابد أنه يبين أمره للزوجة.
وكذلك أيضاً ليس هو مرضاً وراثياً، أو أنه ينتقل ويعدي كما يقولون، بل هذا ليس بصحيح.
(65/8)
________________________________________
حكم ضرب الطبل أو الدف للنساء في الأعراس
السؤال
تقام في بعض الأعراس عند النساء ما تسمى بضاربة الطبل أو الدف، فهل يجوز أن تذهب نساؤنا إلى مثل هذه الأعراس، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الضرب بالدف جائزٌ في الأعراس، وقد يكون مندوباً، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف) ، وقال: (فرق ما بين النكاح والسفاح الضرب بالدف) ، ولعل السبب فيه إظهار الفرح والسرور.
وأما إذا كان معه طبول أو أصوات موسيقية أو أغانٍ ماجنة، أو تغنجٌ وأهازيج ونحو ذلك مما لا يحل، فننصح بعدم حضوره للنساء.
(65/9)
________________________________________
الجمع بين حديث: (لا عدوى ولا طيرة) وحديث: (وفر من المجذوم فرارك من الأسد)
السؤال
كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) وبين قوله: (وفر من المجذوم فرارك من الأسد) ؟
الجواب
جمعوا بينهما بأن قوله: (لا عدوى ولا طيرة) ، نافٍ لما كانت العرب تعتقده من أن الأمراض تعدي بطبعها، فإنهم كانوا يعتقدون أن المرض بطبيعته يعدي.
فبين صلى الله عليه وسلم أنه لا ينتقل إلا بإذن الله، وقد جعل الله تعالى المخالطة سبباً، ولكن ليست سبباً أكيداً، فقد يحصل الاختلاط ومع ذلك لا تنتقل الأمراض، فنهى عن المخالطة، بألا يُورد ممرضٌ على مصح، فـ: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) مخافة أن يصيبه مرضٌ، فيعتقد صحة العدوى، وأنها كما يقول الجاهليون تعدي بطبيعتها.
(65/10)
________________________________________
الحقوق المتعلقة بعين التركة، وبيان ما يُقدّم من حقوق الميت والنفقات
السؤال
أشكل عليَّ تمثيل الفقهاء رحمهم الله تعالى بالحقوق المتعلقة بعين التركة بأرش جناية العبد المتعلق برقبته، فآمل منكم توضيح ذلك؟
الجواب
إذا مات الميت وله تركة: فأولاً: يبدأ بتجهيز الميت، كأجرة الحفر، والغسل، وثمن الكفن والحنوط.
ثانياً: الحقوق المتعلقة بعين التركة.
مثاله: إذا رهن إنسان بيتاً بدين، فهو أحق به حتى يأخذ دينه، أو رهن سيفاً من التركة فهو أحق بثمنه، فإذا استوفى دينه فالبقية بين الورثة.
والفقهاء يمثلون بأرش الجناية على العبد؛ لأن الرق كان كثيراً في زمانهم.
مثال ذلك: إذا كان في التركة عبد مملوك، وهذا العبد قد شج إنساناً -أي: جرحه في رأسه- فقدر جرحه بخمسٍ من الإبل، وقطع إصبع إنسان آخر فقدر الإصبع بعشر من الإبل، فهذه تكون خمسة عشر، والتركة موجودة ومنها هذا العبد، فيقدم صاحب الشجة وصاحب الإصبع في قيمة العبد، فيباع العبد ويؤخذ منه أرش الشجة، وأرش الإصبع، مقدمة على بقية أصحاب الديون؛ لأن أرشهم تعلق برقبة هذا العبد، فهم أولى بثمنه، فإن أوفاهم ثمنه وإلا فهم في بقية المال مثل بقية الغرماء، وإذا قدرت الشجاج -مثلاً- بعشرين ألفاً، وقيمة العبد عشرة آلاف فتأخذ العشرة الآلاف والعشرة الباقية يرجعون فيها إلى بقية المال ويتحاصون مع الغرماء، أي: يقتسمون المال هم والغرماء، فإن أوفاهم وإلا فلا شيء لهم.
(65/11)
________________________________________
المذي الذي ينقض الوضوء
السؤال
أحس أحياناً بخروج مذي قليل جداً بعد التفكير أو التقبيل لزوجتي، فهل ينقض الوضوء هذا المذي اليسير، مع العلم بأنه لا يخرج أحياناً إلا في أثناء الصلاة، وهل يلزمني إعادة تلك الصلاة، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
إذا كنت لا تحس برطوبته على فخذيك أو في ثوبك فلا تقطع الصلاة، فمجرد الإحساس من غير أن تحس برطوبته خارجاً لا يضر، وقد يكون قطع الصلاة يشق عليك ويكلفك فلا حرج بأن تستمر في صلاتك.
وأما إذا تيقنت أنه خرج وأنت في الصلاة، وكان ذلك بسبب منك، أي: بسبب مداعبة أو تقبيل أو ضم أو نحو ذلك، فإنه يبطل الوضوء.
(65/12)
________________________________________
من شروط التوبة إرجاع الحقوق إلى أصحابها
السؤال
رجلٌ سرق ثم تاب، وهو الآن يريد أن يرد ما سرقه إلى صاحبه، فهل يجوز له أن يرد من غير أن يعرف صاحب المال، أو ما الحل في ذلك؟
الجواب
لابد أن يرد المال إلى أصحابه الذين أُخذ منهم سرقةً أو اختلاساً أو نحو ذلك، فإن كان يعرفهم أوصله إليهم بأي وسيلة ولو بواسطة، بأن يعطيه ولد أحدهم ويقول: أعط هذا أباك فإنه من نصيبه، أو يعطيه أحد أصدقائه ويقول: أوصله إلى فلان فإنه مال له عندي أو ما أشبه ذلك، ولا تبرأ ذمته إلا بإيصاله، فإن جهلهم تصدق به عنهم.
(65/13)
________________________________________
حكم بنت العمة من الرضاع
السؤال
ابنةٌ رضعت من عمتي، فهل يكون والدي خالٌ لها ويحق له السلام عليها، أفتونا مأجورين؟
الجواب
كلمة العمة عند العامة قد تطلق على زوجة الأب، فإن كان يريد زوجة أبيه اعتبرت أخته، أي: أن هذه التي رضعت من زوجة أبيه تكون قد رضعت من لبن أبيه فتكون أخته، فإذا كانت أخته كانت عمة أولاده.
أما إذا أراد أنها رضعت من عمته التي هي أخت أبيه، فإنها لا تحرم عليه، بل تكون ابنة عمته، وبنت عمته تحل له كابنة عمه، يحل له أن يتزوج بنت عمته كابنة عمه.
(65/14)
________________________________________
حكم حبس الكتب الموقوفة
السؤال
نحصل أحياناً على بعض الكتب الموقوفة لله عز وجل، ولكن قد يمر عليها عدة سنوات ولم نقرأ فيها، فهل يجوز لنا أن نتركها حتى نحتاج إليها، أم يجب علينا إخراجها لمن يستفيد منها؟
الجواب
نظراً لكثرة الكتب وتيسرها في هذه الأزمنة وأصبحت متوفرةً في المكتبات الخيرية وفي المكتبات العامة، وكذلك المكتبات الخاصة، وأصبحت موقوفة، وكثر الذين يطبعونها ويوقفونها، نقول: إن وجدت من هو بحاجةٍ إلى هذه الكتب الموقوفة وسوف يقرأ فيها فلا تحبسها عندك، بل أعطها لمن يستفيدون منها، حيث إنك تذكر أنه قد يأتي عليك عدة سنوات ما فتشت فيها كتاباً.
فأما إذا كان الآخرون عندهم أمثالها فلا حرج أن تحبسها حتى تحتاج إليها ولو في العمر مرة.
(65/15)
________________________________________
حكم البيع والشراء بجانب المسجد
السؤال
هل صحيح أنكم تحرمون البيع والشراء من الباعة الذين يبيعون خارج المسجد؟
الجواب
يحرم ذلك إذا أقيمت الصلاة أو تضايق الوقت، فيحرم أن يبيع أو أن يُبتاع منهم.
أما قبل الإقامة فلا يحرم ذلك.
ولكن على كل حال الواجب أنهم لا يشتغلون بعد الأذان، بل يتفرغون للصلاة، ولمقدمة الصلاة.
(65/16)
________________________________________
اللقيط والدعي وولد الزنى لا يرثون
السؤال
توفي عمٌ لي وترك إرثاً، وكان له بنتٌ وزوجة وابنٌ غير شرعي، فهل لوالدي حقٌ في هذا الإرث؟
الجواب
كأنه يقول: إن هذا الابن إما أنه لقيط، أي: تبناه وإما أنه ولدٌ له من امرأة زنى بها.
وعلى كل حال لا يرث هذا اللقيط، ولا الدعي، ولا ابن المزني بها، لا يرث من الزاني، ففي هذه الحال يكون بقية المال بعد البنات وبعد الزوجة للعاصب الذي هو ابن العم أو العم، أو ابن الأخ، يعني: الأقرب من العصبة.
(65/17)
________________________________________
بيان الوقت الذي يقسم فيه الإرث
السؤال
ما هو الأفضل: تقسيم الإرث حال وفاة الميت، أم إبقاؤه وصرف الأرباح السنوية على الورثة إذا كانت بعض هذه الأموال مؤجرة؟
الجواب
الأولى تقسيمه إذا طلبوا القسمة، لكن إذا كان هناك أطفالٌ قاصرون فنرى عدم التقسيم بينهم، بل يترك الذي لهم جميعاً عند وكيلهم ووليهم لينفق عليهم، وعليه مع ذلك أن يتصرف في مالهم ويتجر به حتى لا تأكله الصدقات والنفقات والزكاة.
(65/18)
________________________________________
حكم منحة الوالد لبعض أولاده دون الآخرين
السؤال
قبل وفاة والدي منحني قطعة أرض مقابل خدمتي له، وقمت ببيعها على أحد إخوتي وتصرفت بثمنها، فهل تحق لي هذه المنحة من والدي، أفتونا مأجورين؟
الجواب
ذكر العلماء أنه لا يجوز للوالد أن يفضل أحد أولاده، لكن إذا فعل ذلك ومات قبل أن يسوي بينهم ثبتت واستقرت على ما هي عليه، وحيث إنه قد توفي وأنك قد تصرفت فيها قبل وفاته أو بعد وفاته فنرى أنها استقرت ملكاً لك.
(65/19)
________________________________________
حكم تخصيص الذكور دون الإناث بشيء من الإرث
السؤال
منحنا والدنا قبل وفاته نحن الأولاد فللاً سكنية من دون البنات، فهل تحسب هذه المساكن ضمن الإرث بالتساوي مع البنات، أم تكون مستقلة عن حق الورثة، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
كان الواجب على الوالد أن يسوي بين أولاده، فيعطي الإناث نصف ما يعطي الذكور من هذه المنح ونحوها، ولكن قد ذكرنا أنه يجوز التفضيل لمبرر ولسبب من الأسباب التي ذكرها العلماء.
وعلى كل حال وحيث إنه قد مات وقد تُصرف فيها أو قبضت فعلى ما ذكر الفقهاء أنها تثبت، ولا يرجعون فيها، وليس للإناث شيءٌ منها.
(65/20)
________________________________________
حكم وجود شاهدين في الوصية
السؤال
هل يشترط في الوصية المكتوبة وجود شاهدين فيها، وإن وجدت وصية مكتوبة بدون شاهدين، فهل تمضى أم لا؟
الجواب
الأولى أن يكون عليها شاهدان، لكن إذا كانت بخط يده المعروف ووجدت في حقائبه أو في حفائظه عُمل بها إذا لم يأتِ ما ينسخها وإن لم يكن فيها شهود؛ إذا عرفوا أن هذا خطه.
(65/21)
________________________________________
من هلك عن أب وأم وزوج وأخ لأم
السؤال
هلك هالك عن أبٍ وأم وزوجٍ وأخ لأم، هل تُعد المسألة عمرية؛ وذلك لسقوط الأخ لأم أم لا؛ وذلك لأنه يحجب الأم، نرجو الإيضاح والله يرعاكم؟
الجواب
إذا قلنا: إنه إذا وجد اثنان من الإخوة ولو كانوا لا يرثون فإنهم يحجبون الأم، فأخوان من أم، أو أخ وأخت من أم، أو أخ من أم وأخ من أب يحجبون الأم، سواء كانوا وارثين أو محجوبين بالأب.
ففي هذه الحال الجمهور على أنهم لا يرثون ويحجبون بالأب، ومع ذلك يحجبون الأم حجب نقصان.
(65/22)
________________________________________
من هلك عن بنت وابن ابن
السؤال
إذا مات الميت عن بنتٍ وابن ابن، هل يأخذ ابن الابن السدس تكملة الثلثين، أم يأخذ الباقي تعصيباً، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
يأخذ الباقي تعصيباً؛ لأنه لو لم يكن إلا هو فيأخذ المال كله، فالبنت تأخذ النصف لأنها أقرب، والباقي لأولى رجل ذكر، وهو أولى رجل ذكر.
(65/23)
________________________________________
معنى قول الفرضيين: (من أدلى بأنثى)
السؤال
ذكرتم قولكم: (يدلون بأنثى) ، فما معنى هذا الكلام؟
الجواب
أي: أنها واسطتهم، فالإدلاء بمعنى التوسط.
فواسطة الإخوة من الأم، الأم؛ فهي التي قربتهم، ومع ذلك ورثوا، فقولهم: (أدلوا بأنثى) أي: توسطوا بها وورثوا، وبقية الذين يدلون بإناث لا يرثون إلا أم الأم، فالجدة أم الأم واسطتها الأم، ومع ذلك ترث، ولكنها تسقطها الأم.
مثلاً: أولاد الأخت، الأخت ترث وأولادها ذكوراً وإناثاً لا يرثون؛ لأن واسطتهم الأخت وهي أنثى، وكذلك أولاد البنت، ابن البنت وبنت البنت لا يرثون؛ لأن واسطتهم أنثى، فكل من كان واسطته أنثى لا يرث، إلا من استُثني.
(65/24)
________________________________________
معنى قيام الحجة على الكافر
السؤال
هناك من يقول: إن الكفار من اليهود والنصارى والمجوس لا يستوجبون دخول النار بعد موتهم إلا إذا سمعوا القرآن أو السنة، أو شيئاً من الحجج العقلية، ولا يدخلون النار إلا بعد فهم الحجة، فهل هذا صحيح؟
الجواب
لله الحجة على خلقه، فليس هناك أحدٌ إلا وقد قامت عليه الحجة، سواء بالعقل أو بالنقل، ولا شك أن هؤلاء الكفار سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو مجوساً أو وثنيين ونحوهم، كلهم قد قامت عليهم الحجة، إما ببعث الرسل إليهم وإما ببقايا دين الرسل قبلهم، فالذين قامت عليهم الحجة يعذبون إذا كفروا وأصروا، والذين لم تقم عليهم الحجة يمتحنون في الآخرة، والذين لم تبلغهم الشريعة كأهل الفترة يمتحنون في الآخرة، فمنهم من يمتثل عند الامتحان أمر الله فيكون من أهل الجنة، ومنهم من لا يمتثل فيعصي أمر الله فيكون من أهل النار.
وتجدون الأحاديث في ذلك في تفسير ابن كثير عند قوله تعالى في سورة الإسراء: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] .
(65/25)
________________________________________
قضاء ترديد الأذان بعد الانتهاء منه
السؤال
هل يجوز قضاء ترديد الأذان بعد الانتهاء، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا بأس بذلك؛ لأنه من باب التدارك، فإذا كان الإنسان مشغولاً ففات عليه شيءٌ من السنن فعليه أن يبادر بقضاء ما فاته، سواء قضاء الأذان أو قضاء السنن الرواتب إذا فاتت، أو ما أشبه ذلك.
(65/26)
________________________________________
حكم قول: (شرفني الله بخدمتك)
السؤال
(شرفني الله بخدمتك) هذه اللفظة انتشرت، فما رأي فضيلتكم فيها؟
الجواب
كلمةٌ يستعملها ويتساهل فيها بعض الناس، ولا شك أنها قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة.
ولا شك أن خدمة أولياء الله والصالحين من عباده أنها فضيلة وفيها أجر، فمن شُرف بها فله أجر.
وأما خدمة من ليسوا مثلهم فليس فيها شرف، بل إما أن تكون عادية مباحة أو تكون محرمة.
(65/27)
________________________________________
حكم زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
ما حكم من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم من النساء؟
الجواب
وردت الأدلة في تحريم زيارة النساء للقبور بما في ذلك قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه، فالأصل أن النساء لا يزرن القبور؛ لئلا يدخلن في اللعن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور) ، وهذا يدل على التحريم؛ لأن اللعن يدل على التحريم.
(65/28)
________________________________________
نصيحة لمن لا يستطيع الزواج
السؤال
أنا شابٌ لا أسمع عن الزواج إلا وتزداد شهوتي حتى في الدروس العلمية، ولا أستطيع الزواج، حيث إنني ما زلت طالباً، ولا أستطيع النفقة على زوجتي، فبماذا تنصحونني مع أنني أصوم، ولكنه لا ينفع؟
الجواب
ننصحك بأن تكثر من الأعمال التي تضعف شهوتك، مثل الاحتراف، والعمل البدني، فغالباً أنه يكون له تأثير في إضعاف الشهوة، فإذا كان الإنسان يحترف يحفر يحرث يحمل أحمالاً ثقيلة يمشي مشياً طويلاً يجوع يظمأ فإن ذلك من أسباب إضعاف الشهوة.
ثم احرص على أن تعف نفسك بالنكاح الحلال، احرص على أنك تتكسب وتطلب من المال باحترافك وعملك بدنياً إلى أن تجد ما تتعفف به وما تدفعه صداقاً، حتى تزول عنك هذه الحدة.
(65/29)
________________________________________
تحذير أولياء الأمور من الفتنة والتبرج عند النساء
السؤال
ما رأي فضيلتكم في أغلب الزواجات الآن واحتوائها على منكر عظيم، بل إنهم في زيادة، والله المستعان، والملاحظ يا شيخ! أن كثيراً من الشباب المستقيمين زوجاتهم على هذه الكيفية بالنسبة للبسها في الزواج وغيرها من المنكرات، ويقول واحد منهم: هذا عند النساء، وأنا لا شأن لي، مع أنه من المساعدين على هذا المنكر بضعف شخصيته وبماله الذي يدفعه، فهل من كلمة لهؤلاء؟
الجواب
الواجب هاهنا على النساء والرجال، فعلى الرجال أولياء الأمور الآباء والإخوة والأزواج أن يحرصوا على استقامة نسائهم، وعلى ردهن عن أسباب الشر والفساد، سواءٌ في اللباس أو في الأعمال الأخرى، فالرجل مسئولٌ عن زوجته وعن نسائه، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] ، أي: أن الرجل قائم عليها، فلا يمكنها -مثلاً- من الخروج إلى الأماكن التي يكثر فيها الزحام واحتكاك الرجال بالنساء أو مقاربتهن، أو يكثر فيها وجود الشباب المنحرف الذين يحصل منهم غمزٌ أو معاكسة أو ما أشبه ذلك، وكذلك أيضاً الخروج إلى المنتديات أو الملاهي حتى لا يحصل شيءٌ من التبرج والسفور والعري ومشاهدة العراة، وما أشبه ذلك.
وأيضاً الأعمال البدنية، فالكثير من النساء اللاتي يعملن في وجوههن أعمالاً تلفت الأنظار، سواء من اللباس أو غيره، تعمل ما يسمى بالمكياج، أو تحمير الشفتين، أو توسعة فتحات النقاب، أو ما أشبه ذلك، وكذلك أيضاً إظهارها لزينتها إذا كان عليها حليٌ، كأسورة في ذراعها، وقد تخرج ذراعها وساعدها وفيه خواتيم وأسورة، فإذا أبدته مع بياض أو حمرةٍ زائدة كان ذلك من الفتنة.
فلا شك أن الواجب على الأولياء أن يأخذوا على أيدي من تحت ولايتهم، كذلك أيضاً بالنسبة إلى الأمهات فعليهن مسئولية عن بناتهن ألا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وإذا اضطرت إلى أن تخرج خرجت محتشمة، متسترة؛ لئلا تكون سبباً في فتنة نفسها أو الافتتان بها.
(65/30)
________________________________________
كيفية صفوف النساء في صلاة الجماعة
السؤال
تقول: يحضر دروس هذه الدورة كثير من النساء بحمد الله عز وجل، ولكن نلاحظ عليهن عدم الاهتمام بالصفوف أثناء الصلاة، فتصف كل اثنتين مع بعضهن، ويتركن مسافةً بين بعضهن، فهل من كلمة لهؤلاء؟ وهل على النساء أن يقفن في جهة واحدة من المسجد، أو يقفن في وسط المسجد خلف الإمام، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
صفوف النساء كصفوف الرجال، وكانوا يستحبون أن تصف المرأة أول ما تأتي في الصفوف المتأخرة لحديث: (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) ، وكان السبب قربه من الرجال -قرب المقدم من صفوف الرجال- ولكن لوجود وصول الصوت مع وجود الحواجز المنيعة التي لا يحصل معها احتكاك أو اختلاط أو تقارب تصبح صفوف النساء أولها أفضلها، أي: المقدم.
فعليهن أن يبدأن بالصف المقدم، وأن يكون الصف من الوسط كصفوف الرجال، أي: من محاذاة الإمام ثم يكملن الصفوف الأول فالأول، وليس لهن التفرق وأن يدعن فُرجاً أو صفوفاً متباعدة، فمن خصائص النساء أن المرأة يجوز لها أن تقوم وحدها؛ لحديث مليكة جدة أنس لما صلوا قامت في صف وحدها، وهذا يدل على أن المرأة يجوز لها أن تصف وحدها، ولو لم يصف معها غيرها.
(65/31)
________________________________________
حكم بيع المدبَّر
السؤال
ألم يرد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المُدَّبر، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
باع النبي صلى الله عليه وسلم المدَّبر، ففي حديث جابر: (أن رجلاً أعتق عبداً له عن دبر، لم يكن له غيره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم النحام بثمانمائة درهم، فدفعها إليه، وقال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها) .
يقول جابر: عبداً حبشياً مات عام أول -عرفه جابر - ولم يكن هناك نهي عن بيع المدَّبر.
(65/32)
________________________________________
تعريف المدبَّر
السؤال
ما هو تعريف المكاتب والمُدَّبر، جزاكم الله خيراً؟
الجواب
المدَّبر هو الذي يقول له سيده: إذا مت فأنت حر بعد موتي، أو أعتقتك عن دبر، سمي بذلك لأنه دبر حياته بالاستخدام، ودبر موته بالأجر، فهذا سبب تسميته، ثم إنه يجوز بيعه كما سمعنا، والمدَّبر إذا مات سيده أعتق، ولكن يعتق من الثلث، فإذا خرج من الثلث عتق، وإن لم يخرج عتق منه بقدر الثلث.
(65/33)
________________________________________
استخدام المبعض من العبيد
السؤال
هل يكون استعمال العبد والأمة الذي عتق جزء من أحدهما بنفس استعمال العبد والأمة غير المعتق جزء منه؟
الجواب
إذا عتق جزء منه أصبح مبعضاً فلا يجوز استخدامه إلا بقدر جزئه، فلو أن عبداً مملوكاً بين ثلاثة فأعتق أحدهم نصيبه وهو الثلث، والآخران لم يعتقا، والذي أعتق لم يقدر على تخليصه فأصبح ثلثه حراً وثلثاه رقيقاً، فإنه يشتغل ويحترف لنفسه يوماً، ويخدم سيده هذا يوماً ويخدم الآخر يوماً، فلا يجوز لهما أن يستخدماه طوال الزمان، فليس لهما إلا ثلثا خدمته، فيومه الذي هو يخدم نفسه له أن يتكسب، سواء في التجارة أو في حرفةٍ أو في غيرها.
(65/34)
________________________________________
الفرق بين الوصية بالعتق والوصية للعبد
السؤال
أشكل عليَّ قولكم: (الوصية بالعتق) والفرق بينها وبين الوصية للعبد؟
الجواب
الوصية بالعتق إذا قال: إذا متُ فعبدي حر، فهذه وصيةٌ بالعتق، وفي هذه الحال لا يعتق إلا إذا خرج من الثلث، فتعتبر وصية.
وأما الوصية للعبد، فهو إذا قال: إذا متُ فأعطوا عبدي ثلث تركتي أو ربع تركتي، ففي هذه الحال العبد مملوك، فكأنه يوصي له، فتصح الوصية له، فإذا مات نظرنا في ثلث التركة، فإذا كان أكثر من قيمة العبد فننظر: إن كانت قيمة العبد مائة وثلث التركة مائتين أعتق وأخذ مائة؛ لأنه أُوصي له بالثلث، وإذا كان ثلث التركة خمسين وقيمة العبد مائة عتق نصفه، وهكذا.
(65/35)
________________________________________
جواز استرقاق الكفار وبيعهم إذا أُسروا في الجهاد في سبيل الله
السؤال
هناك قبائل مسلمة في دولةٍ من الدول، وتقوم هذه القبائل بقتال القبائل الوثنية، وتقوم بأسر بعض النساء، فهل يجوز للمسلم أن يشتري منهم جاريةً للتسري بها؟
الجواب
يجوز ذلك، يعني: شرعاً لا مانع من جوازه إذا تحقق بأن الذين يقاتلونهم يقاتلونهم على الإسلام، بأن كانوا يدعونهم ويقولون: أسلموا وإلا قاتلناكم، ثم إذا قاتلوهم استولوا على سبيهم نساءً وأطفالاً، فإنهم يصبحون مماليك.
فمثلاً: المقاتلون الآن في الشيشان معلوم أنهم يقاتلون دولة كافرة، وأن أموالهم وسبيهم حلال، فإن استولى المقاتلون على شيءٍ من السبي جاز لهم بيعه وتملكه، وجاز الشراء منهم بعدما يستولون عليه، لكن قد لا يُسمح بدخوله في كثير من البلاد الإسلامية؛ وذلك لأن الدول الإسلامية الآن كأنهم أخذوا هذه الفكرة وارتكزت في نفوسهم، هذه الفكرة هي التي يرددها النصارى ويقولون: كيف تستخدمون أمثالكم؟! كيف تستعبدون إنساناً سوياً مثلكم؟! فصارت القوانين الآن في كل البلاد تحارب الرق، والبلاد هذه منعته لأجل ما ذكر، ولو قُدر مثلاً أنه حصل قتال صحيح وسبي صحيح فلا مانع من الاسترقاق.
(65/36)
________________________________________
حكم حضور العرس الذي يشتمل على منكرات
السؤال
إذا كان هناك زواجٌ وفي هذا الزواج منكرات: من ضرب الطبول، والتصوير بالكاميرا، ومن لبس النساء اللاتي يحضرن لباساً عارياً، يبين مفاتنهن، ولبس البنطال وغيره، فهل يجوز حضور هذا الزواج، ولاسيما إذا كان هذا الزواج لأخٍ لي، أفتونا مأجورين؟
الجواب
نرى أنه لا يجوز إذا كان فيه منكرات، فإذا كان فيه طبول فالطبل لا يجوز الضرب به، وإنما يجوز بالدف، وهكذا إذا كان فيه غناء فاتن، أي: أغانٍ ماجنة، أو كان فيه اختلاط الرجال بالنساء، أو فيه أن النساء يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، فيلبسن لباساً أشبه بالعري، أو كذلك فيه تصوير وإفشاء لتلك الصور؛ صور لنساءٍ متكشفات.
فإن قدرت المرأة أن تغيّر وتنصح فلها الحضور، وأما إذا لم تقدر على أن تغير فعذرها واسع فلا تحضر.
(65/37)
________________________________________
الرد على من يقول: لا حاجة إلى علم أحكام الجهاد وأحكام الرق
السؤال
هناك من يدَّعون ويقولون: لا حاجة لنا بهذا العلم -علم أحكام العتق والرقيق- بل هو من المعدوم الآن فلا ينبغي الانشغال بتعلمه حتى يقع ذلك، فما قولكم، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذا العلم تكلم فيه العلماء، وأودعوه كتبهم، وامتلأت الكتب بما يتعلق بالعتق، وبتحرير الرقاب وغيرها، ولم ينقطع، وأشرنا إلى أنه إذا استولى المسلمون في البلاد التي فيها حروب على أسرى كفار فإنه يقع ذلك، والآن هناك حرب في الشيشان وحرب في كشمير وفي الفلبين وفي إرتيريا وفي فلسطين، فهذه الحروب حروب مع كفار نصارى، فلماذا إذا استولى المسلمون على سبيهم لا يكون رقيقاً؟ فهذا أصل الرق في الشرع، فيمكن أن يعود الرق، وأن يستعمل، وتطبق العلوم والمسائل التي يمثل بها العلماء في كل باب غالباً.
(65/38)
________________________________________
الرد على من ينكر دعاء الخطيب يوم الجمعة
السؤال
قال لي أحد الإخوة: إن دعاء الخطيب يوم الجمعة للمسلمين خلاف السنة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو في الخطبة، فما رأيكم؟
الجواب
ليس بصحيح، بل الدعاء سنة لأمور: أولاً: ورد في الحديث أن في يوم الجمعة ساعة إجابة.
ثانياً: رجح كثير من العلماء أن تلك الساعة هي ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنتهي الصلاة، فيكون هذا موضع دعاء عند مظنة الإجابة.
ثالثاً: ما ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدعو فيها، بل الأصل أنه يدعو، يدل على ذلك دعاؤه بالاستغاثة لما طُلب منه في جمعةٍ من الجمع، وقال: (اللهم أغثنا) ، وفي الجمعة الثانية دعا بكفها فقال: (اللهم حوالينا ولا علينا) .
فالغالب أنه يدعو في كل جمعة للمسلمين، وهذا سنة المسلمين، ذكروا أن أحد المجاهدين في عهد الصحابة كان يتحيّن وقت صلاة الجمعة فيبدأ في القتال، ويقول: في تلك الساعة يدعو الخطباء بكل جهات البلاد الإسلامية للمجاهدين بالنصر: اللهم انصر المجاهدين، فيرجى إجابة دعائهم -أي: الخطباء- لنا بالنصر إذا بدأنا القتال في تلك الساعة، مما يدل على أن هذا كان مشهوراً.
(65/39)
________________________________________
حكم التصرف في الممتلكات العامة للأمور الخاصة
السؤال
رئيسٌ في إحدى الدوائر الحكومية يستعمل سيارات تلك الدائرة وبعض موظفيها أو عمالها لمصلحته الخاصة، ويمنح أراضي بعد موافقة ولي الأمر لأقاربه وإن كانوا ليسوا من أهل هذه المدينة، فهل عمله هذا جائز؟ وهل يجوز أخذ هذه الأراضي التي يوزعها على أقاربه، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الواجب على من اؤتمن على أمانة أن يؤدي هذه الأمانة.
فمدراء ورؤساء الدوائر مؤتمنون على ما يصرف لهم من السيارات، أي: أنهم يستعملونها في الأمور الإدارية التي تحتاجها الإدارة، أي: بما تحتاج إليه تلك الإدارة من نقليات أو شراء أدواتٍ أو ما أشبه ذلك.
وأما استعمالهم لها في الأغراض الخاصة كنقل أولاده أو في شراء أغراضه الخاصة به أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك خيانة للأمانة.
وهكذا أيضاً لا يجوز له تشغيل موظفي الحكومة في أغراضه الخاصة، يعني: الخادم الذي هو خادم في المكاتب لا يحق له أن يقول له: اذهب إلى السوق واشترِ لي غرض كذا وكذا وأوصله إلى داري، أو انقل أولادي من المدرسة إلى المنزل؛ لأنه ليس مملوكاً له أو خادماً له، وإنما خادم للمكتب.
وهكذا أيضاً إذا فوّض إليه توزيع أراضٍ فليس له أن يستبد بها ويعطيها أخصاءه، بل عليه أن يقدم من هو أحق من المواطنين، ويعطي كل مستحق ما يستحقه، ويسوي بينهم، ولا يقدم هذا لقرابته أو نحو ذلك.
(65/40)
________________________________________
حكم مد الأرجل إذا كان أمامها مصاحف
السؤال
نرى بعض الإخوة يمدون أرجلهم وأمامها المصاحف، فهل هذا العمل جائز؟
الجواب
إذا لم يكن هناك استهانة بالمصاحف لا حرج في ذلك، فالأصل أن المصاحف تكون على كراسٍ مرتفعة عن مستوى الأرض، وأن يتحقق الرفع لها لقوله تعالى: {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عبس:14] ، فإذا احتاج إلى مد قدميه للاستراحة من تعبٍ أو نحوه ولو كان المصحف أمامه فليس في ذلك تهاون.
(65/41)
________________________________________
حكم قتل المرأة التي تقاتل
السؤال
هل يجوز قتل النساء اللاتي يقاتلن المسلمين، كما هو في الوقت الحاضر؛ فإنهن من الجنود فهل يجوز قتلهن، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
يقولون: لا تقاتل المرأة إلا إذا قاتلت؛ لأنه ورد في الحديث أنه وجدت امرأة مقتولة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كانت هذه لتقاتل، ونهى عن قتل النساء) ، فإذا قُدر في زمن من الأزمنة أن النساء تعلمن الحرب والرمي وخوض المعارك، صارت المرأة كأنها رجل تدخل في المعركة ومعها آلات القتال إما سيف وإما بندقية وإما رشاشات وإما تقود دبابات أو نحوها، فحكمها في هذه الحال أنها تُقتل؛ لأنها من جملة المقاتلين.
(65/42)
________________________________________
حكم الجمع بين الأختين في النكاح
السؤال
هل يجوز الجمع بين الأختين في الزواج إذا كانت الأخرى من الأب؟
الجواب
لا يجوز نكاح أختين، لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء:23] ، أي: لا يجمعهما زوج واحد، سواء كانتا أختين من أب أو أم، أو شقيقتين أو متفرقتين، فلا يجوز.
(65/43)
________________________________________
معنى قول المؤلف: (كل جدة أدلت بأب بين أمَّين)
السؤال
نريد أن تبينوا لنا معنى قول المؤلف: (كل جدة أدلت بأبٍ بين أُمين) ؟
الجواب
أي: عندك أم أب أم، فالأب أصبح بين أُمين: أم أب أم، فهذا الأب أبو الأم هو جدك أبو الأم ولا يرث، فأمه كذلك لا ترث، ويُسمى الجد الذي من قبل الأم، أي أن أبا الأم من ذوي الأرحام، فجعله -كما سمعنا- من ذوي الأرحام، وكذلك أمه من ذوي الأرحام، فهي جدة أدلت بأبٍ بين أُمين، ذكرها الناظم بقوله: وكل من أدلت بغير وارث فما لها حظٌ من الموارث وكذلك إذا أدلت بجدٍ رابع، يعني: لأن عندهم أن الجدات لا يرثن إلا أم أم، وأم أب، وأم جد، وأما أم أبي الجد فلا ترث، إنما ترث أم الجد القريب.
(65/44)
________________________________________
حكم اصطحاب الخادمة في السفر
السؤال
يوجد عندنا خادمة مسلمة ونريد أن نسافر، فهل يجوز لنا أن نأخذها معنا؟
الجواب
يجوز ذلك إذا خيف عليها وتكون مع النساء؛ لأنها إذا كانت أجنبية وليس هناك أحد تجلس عنده، وليس هناك لها محارم، وإذا تركوها في المنزل خيف عليها، أو تركوها عند أحدٍ من الناس خافوا عليها، ففي هذه الحال يجوز للضرورة لاسيما إذا كانوا محتاجين لها.
(65/45)
________________________________________
حكم الأخذ من اللحية، وبيان حدودها
السؤال
ما حكم ما يفعله بعض الناس من الأخذ من لحيته من جهة الرقبة، ومن أعلى من جهة الخد، هل يجوز هذا العمل؟
الجواب
الشعر الذي على الرقبة أو تحت الحنك ليس من اللحية، اللحية: ما نبت على اللحيين، واللحيان هما: منبت الأسنان السفلى، فالحنك الأسفل ما نبت عليه يُسمى لحية، فما نبت على الوجنتين أو قرب منهما أو على الأسنان العليا فليس من اللحية، وما نبت تحت الحنك ليس من اللحية أيضاً.
(65/46)
________________________________________
حكم طهارة المصاب بالسلس
السؤال
هل من يحس بالرطوبة في ثيابه أثناء الصلاة يقطع صلاته، مع العلم أنه مصاب بالسلس، أفتونا مأجورين؟
الجواب
إذا كان مصاباً بالسلس فهو معذور، فيتطهر عند دخول الوقت بعد الأذان ثم يصلي على حسب حاله.
وكثيراً ما تحدث الوسوسة عند بعض الشباب، فيخيل إلى أحدهم أنه أحدث بخروج ريح، أو يخيل إليه أنه تقاطر منه بول، وتلك في الحقيقة تخيلات ليست بصحيحة، وعلامة ذلك: أنه لا يجد ذلك إلا أثناء الصلاة، أو بعدما يتوضأ للصلاة، ولا يحس بذلك في الضحى أو في أوقات غير أوقات الصلاة، فهذا دليلٌ على أنها توهمات وتخيلات.
(65/47)
________________________________________
ميراث الجد من جهة الأم
السؤال
توفي شخص وليس له ورثة ولكن له جد من جهة الأم، فهل يرث وما نصيبه؟
الجواب
الجد أحياناً في مثل هذه الحال يكون من ذوي الأرحام، فذوو الأرحام ينزلون منزلة من أدلوا به، فالجد أبو الأم يدلي بالأم، فهي واسطته فينزل منزلتها، ولو لم يكن عندنا إلا أم أعطيناها المال كله فرضاً ورداً، فرضها الثلث والباقي بالرد.
كذلك أبوها الذي أدلى بها وهو الجد أبو الأم، فيأخذ المال كله فرضاً ورداً.
(65/48)
________________________________________
حكم قول القائل: (الله يخلف علينا؛ صرنا كلنا مطاوعة)
السؤال
أبي يردد أحياناً هذه الكلمة: (الله يخلف علينا؛ صرنا كلنا مطاوعة) ، وهو يقصد أن هؤلاء الشباب ليسوا بشجعان، فكيف أوجه أبي حينما يقول هذه المقالة، وهل هذا من الاستهزاء بالدين، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
يكون هذا على حسب النية، ولا شك أن مثل هذه الكلمات يرددها بعض الناس كأنهم ينظرون إلى واقع حال أهل زمانهم، ولكن لا نحملها على أنها سخرية بالدين أو سخرية بغيره، وإنما هي من الكلمات التي يكثر استعمالها تأسفاً على ما مضى، أو تأسفاً على فقد الناس الذين هم أكفأ أو نحو ذلك.
ولا شك أن مثل هذه الكلمة فيها شيء من التنقص، فإذا كان يقصد بذلك أن هذا عيب فهي شيء من السخرية، وأما إذا كان يقصد بذلك أنهم صاروا كذلك ففي هذه الحال إنما الأعمال بالنيات.
(65/49)
________________________________________
تحول صغائر الذنوب إلى كبائر
السؤال
هل الذنوب والصغائر تتحول إلى كبائر؟ وهل الإصرار على حلق اللحية من كبائر الذنوب؟
الجواب
ذُكر عن ابن عباس أنه قال: (لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار) ، فمن أصر على الصغائر فمعنى ذلك أنه احتقر هذا الذنب، وإذا احتقره واستصغره فإنه يصير كبيرة؛ لأنه يحتقر ما حرم الله وما نهى الله تعالى عنه.
ومن ذلك الاستمرار على حلق اللحية باعتقاد أنه ذنب يسير، ولا شك أنه مع الاستمرار والاحتقار له ينقل إلى كبيرة من الكبائر التي لا تغفر إلا بالتوبة، وكذلك بقية الذنوب ولو كانت صغيرة كالإسبال والكبرياء وما أشبه ذلك.
(65/50)
________________________________________
حكم من طاف من داخل الحِجْر
السؤال
رجلٌ حج هو وزوجته، فلما طافا طواف الإفاضة طافا من داخل الحِجر جاهلين بالحكم، فماذا عليهما، مع العلم أنهما لم يعلما بحكم المسألة إلا بعد الرجوع إلى بلادهم، أفتونا مأجورين؟
الجواب
لا يجزئ هذا الطواف؛ لأن الحِجر جزءٌ منه من البيت، فكأنهما لم يطوفا بالبيت كله وإنما طافا ببعضه، لكن نقول: إذا كان طواف الوداع طوافاً كاملاً فلعله يكفي عن طواف الإفاضة.
بمعنى: أنهما طافا للوداع من وراء الحِجر كما يطوف الناس، ويمكن أنهما طافا؛ لأن غالباً طواف الوداع يكون فيه زحام شديد فيطوفون من بعيد، فعلى كل حال يجزئ طواف الوداع عن طواف الإفاضة؛ لأنه يصدق عليه أنه طاف بالبيت، ولو كانت نيته أنه للوداع، حيث بطل طواف الإفاضة.
أما إذا كان طواف الوداع مثل طواف الإفاضة أيضاً من داخل الحِجر؛ فإننا نقول: إنهما لم يكملا حجهما، وإن زوجته لا تحل له حتى يرجعا ويطوفا؛ لأنهما لم يتحللا التحلل الثاني.
(65/51)
________________________________________
الأولى عدم الخوض في المسائل التي فيها شيء من الغرابة
السؤال
قرأت أن بعض أهل العلم نفى أن يلامس الله -أي: يماس- شيئاً من مخلوقاته، وبعضهم أثبت ذلك مستدلاً بالحديث الذي فيه: (أن الله خلق الجنة بيده) ، والحديث الذي فيه: (أن الله خط التوراة بيده) ، فما الصحيح في ذلك، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الأولى عدم الخوض في مثل ذلك، فالمسائل التي فيها شيء من الغرابة فالأولى البعد عنها، وعدم الخوض فيها.
ونحن نعتقد أن الله تعالى يخلق ما يشاء، وأنه يقول للشيء: كن، فيكون، كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ، وأن خلقه بيده كما يشاء؛ لقوله: (كتب التوراة بيده) ، ولقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] ، خلقه كما يشاء، سواءً قلنا: إنه مماسة أو قلنا إنه كما يشاء، فالأولى أن نقول: يخلق ما يشاء وكما يشاء.
(65/52)
________________________________________
حكم دعاء الأموات
السؤال
ما حكم أن يسأل رجل الميت أن يسأل الله له، فقال بعضهم: إنه شركٌ أكبر، وقال بعضهم: إنه بدعة وليس بشرك، فما الصحيح في ذلك، أفتونا مأجورين؟
الجواب
لا شك أنه شرك، فدعاء الأموات شرك؛ لأن الأموات كما ذكر الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} [الأعراف:191-192] إلى أن قال: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:195] ، فدعاء الميت يكون شركاً.
(65/53)
________________________________________
حكم إرث الولد من والده إذا مات في حادث سيارة كان الولد هو السائق لها
السؤال
شابٌ يسوق السيارة ومعه والده فوقع حادث فمات الوالد، فهل يرث الابن؟
الجواب
المشهور أنه لا يرث إذا كان عليه نسبة من الخطأ، ولو قليلة؛ لأنه في هذه الحال يلزمه دية، لو مات معه أموات يلزمه دية أو نسبة من الدية، وكذلك تلزمه الكفارة، فلا يرثه في هذه الحالة.
أما إذا لم يكن عليه نسبة من الخطأ، وكان الخطأ على الطرف الثاني أو نحو ذلك فإنه يرث.
(65/54)
________________________________________
حكم طواف الوداع بعد السفر بمدة يومين
السؤال
عندما رجعنا من منى إلى مكة لم أطف طواف الوداع، وذهبت إلى جدة ثم رجعت اليوم الثاني ليلاً وطفت طواف الوداع، فهل عليَّ شيء؟
الجواب
ليس عليك شيء إذا رجعت وطُفت، ذكر العلماء أنه لو سافر مسيرة يومين أنه يرجع، بمعنى أنه سار يومين في ذلك الوقت الذي يكون السير فيه على الإبل ثم رجع، أي: أنه ما ودع إلا بعدما خرج بأربعة أيام، فيعتبر إذا غاب أربعة أيام في جدة ثم رجع وودع.
(65/55)
________________________________________
غلط من يقول: إن الأخ لأب ليس من ذوي الأرحام
السؤال
يقول بعض العامة: إن زيارة الخال والخالة والعم والعمة أفضل من زيارة الأخ لأب، وأن الأخ من الأب ليس من الرحم، فهل هذا صحيح؟
الجواب
ليس كذلك، والأخ من الأب والأخت من الأب من الورثة، يرثون إما بالفرض أو بالتعصيب، وأما الأخوال فلا يرثون إلا مع الرحم، وفي كل حال كلهم من ذوي الأرحام.
(65/56)
________________________________________
أبناء الابن محجوبون بالابن
السؤال
رجل توفي، وقبل وفاته توفي له ذكر وأنثى من أبنائه، وبقي له ثلاثة ذكور وثلاث إناث، فهل لأبناء الميتين مطالبة أعمامهم بأخذ شيء من التركة؟
الجواب
الأعمام الأحياء هم الذين يرثون، أما الأموات فلا يرثون ولا يرث أبناؤهم، لكن الأولى للميت هذا قبل أن يموت أن يوصي لأولاد بنيه الذين ماتوا وهو حي؛ حتى لا يحرموا من المال، وعلى كل حال هذا هو الأقرب، أما الإلزام فليس بلازم.
(65/57)
________________________________________
حكم الإنصات للقرآن
السؤال
إذا كان القرآن يُقرأ في السيارة ونحن نتحدث، فهل يلزمنا الإنصات أم نغلقه، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
عليكم أن تنصتوا لعموم الآية: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف:204] فإنه يدخل فيه سماع القرآن في الإذاعة ونحوه، وإذا لم تكن منصتاً له فالأولى أنك تغلقه، سواء من شريط أو من إذاعة، فإذا كنت تمشي في السيارة أو في المنزل فإن فتحت القرآن فاستمع له وأنصت.
(65/58)
________________________________________
حكم النفقة على الزوجة إذا رفضت السفر معه
السؤال
رجل تزوج من خارج بلده وبقي معها مدة، ثم طلب من زوجته السفر معه إلى بلاده فرفضت، مع أنه قد شرط عليها السفر، وله منها ابنان يرسل لهما النفقة شهرياً، ويسأل: هل تلزمه النفقة على زوجته بالرغم أنها رفضت السفر معه، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
يرجع إلى الشروط؛ فإن كان قد اشترط عليها أنها تأتي معه إلى بلده فامتنعت سقطت نفقتها، وأما نفقة أولاده فلا تسقط حيثما كانوا، وأما إذا كان لم يشترط أو هي التي اشترطت أنها تبقى، أي: تزوجته بشرط أنه لا يخرجها من بلدها فلها شرطها، وليس له والحال هذه أن يلزمها بأن تأتي معه إلا برضاها، وإذا امتنعت فهي قد اشترطت أنها تبقى في بلادها، وفي هذه الحال عليه نفقتها.
(65/59)
________________________________________
حكم بيع الأسهم التجارية إلى أجل
السؤال
لدي أسهمٌ في إحدى الشركات تساوي ستين ألف ريال، فجاء شخصٌ وقال: بعنيها بمائة ألف إلى سنتين، علماً أنه ما اشتراها إلا لقصد بيعها وأخذ ثمنها، فهل هذا من الربا؟
الجواب
لا يكون من الربا، ولكنه من الأشياء التي نهي عنها، ورد أنه صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الدين بالدين، أو بيع الكالئ بالكالئ) ، ففي هذه الحال يكون هذا السهم ديناً؛ لأنه من شركة غير مقبوض، وأنت إذا اشتريته تشتريه بدين؛ لأن ثمنه مؤجل، فيكون بيع دين بدين، أي: غائب بغائب، فلا يجوز، عملاً بحديث: (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) .
أما إذا حضر أحد الثمنين فلا مانع إذا بعته بثمنٍ نقداً، فلو قلت: أنا أملك بهذه الشركة سهماً أو مائة سهم، أي: تملك جزءاً معلوماً منها، كواحد في الألف أو واحد في مائة ألف، أو اثنين من ألف ألف، ثم اتفقتم على الثمن فهذا الثمن يجب أن ينقده لك وتحيله على الشركة وينزل منزلتك في استحقاق الأرباح، فيجوز ذلك إذا سلَّم الثمن.
(65/60)
________________________________________
الخلاف في إرث الجد مع الإخوة
السؤال
أشكل عليَّ فهم قولكم: (وهذا ما عليه الفتوى) فلم أعرف ما هو المقصود بهذه الكلمة؟
الجواب
تقدم هذا في مسألة الجد والإخوة، يعني: أن فقهاء المذهب الحنبلي يورثون الإخوة مع الجد، وكذلك فقهاء المالكية وفقهاء الشافعية يورثون الجد مع الإخوة، ولكن اللجنة الدائمة وهيئة كبار العلماء اختاروا القول الثاني وهو: أن الجد يُسقِط الإخوة، فصارت الفتوى على أنهم لا يرثون معه.
وكذلك المسائل التي فيها خلاف.
(65/61)
________________________________________
مدى صحة القاعدة: (الشروع في النوافل يصيرها فرائض)
السؤال
ما رأيكم حفظكم الله في القاعدة الأصولية: (الشروع في النوافل يصيرها فرائض) ؟
الجواب
ما أظنها صحيحة، فهذه القاعدة على الإطلاق لا تكون إلا في الحج أو العمرة، فإذا شرع الإنسان في الحج أو العمرة فإنها تصير فريضة يلزمه إتمامها؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] ، فلا يجوز له إبطالها.
وأما إذا شرع في صيام التطوع فيجوز له أن يقطع صومه، لما ورد في الحديث: (المتطوع أمير نفسه) ، فله أن يفطر إذا عرض له عارض، وكذلك أيضاً الصلاة -على الصحيح- إذا شرع فيها وعرض له عارض فله أن يقطعها، كما لو أقيمت الصلاة وخاف أن تفوته ركعة أو نحو ذلك فله أن يقطعها، وأما إذا رجا أنه يتمها فلا يقطعها؛ لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33] .
(65/62)
________________________________________
حال حديث: (أنا وارث من لا وارث له، والخال وارث من لا وارث له)
السؤال
ما صحة حديث: (أنا وارث من لا وارث له، والخال وارث من لا وارث له) ، وهل الخال يرث؟
الجواب
الحديث مشهور بلفظ: (الخال وارث من لا وارث له) ، وأما أول الحديث فليس بصحيح، إنما فيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك ديناً أو ضياعاً فعليَّ وإليَّ، ومن ترك مالاً فلورثته) ، فحديث: (الخال وارث من لا وارث له) حديث مشهور يعمل به كثير من العلماء، ولم يعمل به آخرون كالشافعية؛ لأنه ما ثبت عندهم.
(65/63)
________________________________________
حكم عقد الأجرة من غير منفعة
السؤال
عندنا في بلادنا يطلب من الشركات التي لديها بضاعة كبيرة أن تستأجر مخازن، والسؤال: يأتي مندوب الشركة التي تريد استئجار المحل ويطلب ورقة من مكتب العقارات فقط دون المنفعة بثلث القيمة، يعني: إذا أراد استعمال المخزن فإنه يستأجره بثلاثين ألف مثلاً، وبدون استعمال المخزن يدفع عشرة آلاف سنوياً، فهل يجوز أن نعطيه ورقة العقد؛ لأن الحكومة تطالب بذلك، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
لا بأس أنكم تعقدون الأجرة معه كمخزن، إما أن تلزموه بالضرائب التي تأخذها الحكومة، وإما أن تسقطوها عنه وتقومون أنتم بدفعها، سواء كان اتفاق مع مندوب الشركة أو كان مع مديرها، فإذا اتفقتم على تحديد الأجرة فلا مانع من الزيادة فيها مقابل أنكم تدفعون ما تطلبه الدولة أو النقص منها، مع الالتزام بأنه يدفع، فتقولون مثلاً: هذا يساوي ثمانين ألفاً، والدولة تأخذ منا عشرة، فإما أن تلتزم بتسعين ونحن ندفع للدولة، وإما أن تلتزم بثمانين وتدفع للدولة، فإذا اتفقوا على ذلك جاز.
وأما إذا كان القصد به التحيل فلا يجوز؛ لأن هذا يصير خداعاً، أعني أن بعض الموظفين يصرف لهم بدل سكن كالمتعاقدين، ثم إنه يتفق مع صاحب العقار على أنه دفع له، يعني: يقول: أنا سأدفع لك يا صاحب العقار عشرين ألفاً وهو ما دفع له شيئاً، أو دفع له عشرة، وكتبها عشرين وقال: اكتب أني دفعت لك عشرين وأنا أعطيك خمسة مني، اكتبها عشرين حتى أستلم، فيكتبها عشرين ألفاً، وهو ما دفع إلا عشرة أو خمسة عشر، فهذا تحايل لا يجوز.
(65/64)
________________________________________
حكم حفظ الأصول الثلاثة
السؤال
سمعنا من بعض المشايخ أنه من الواجب على كل مسلم ومسلمة حفظ شرح الأصول الثلاثة، وهل الإنسان إذا مات يُسأل عن الدليل؟
الجواب
إذا فهم ذلك فليس واجباً حفظ النصوص، إنما الواجب الفهم والاعتقاد، واجب على كل المسلمين أن يعترفوا بأن الله تعالى هو ربهم، وهو خالقهم، وهو معبودهم، فإذا فعلوا ذلك فلا يلزم أن يحفظوا قوله: (ربي الله الذي رباني، وربى جميع العالمين بنعمته) ، فليس واجباً عليهم أن يحفظوا هذا النص.
كذلك عليهم جميعاً أن يدينوا بالإسلام، وأن يكونوا كلهم من الذين يعترفون بأنهم مسلمون، وليس واجباً عليهم أن يعرفوا أو يحفظوا قوله: (الإسلام: الاستسلام لله بالتوحيد) إلخ، بل إذا اتفق أنهم اعترفوا بأنهم مسلمون وأنهم يدينون لله تعالى بالطاعة فلا يلزم حفظ النصوص ونحوها.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(65/65)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [66]
شرع الله تعالى الطلاق وأباحه عند الحاجة، وجعله بيد الرجل، وفي إباحته رحمة وحكمة، والطلاق له أحكام كثيرة من حيث وقوعه وعدمه، وشروط صحته، وصريحه وكنايته، وطلاق السنة وطلاق البدعة، والتوكيل فيه، وغير ذلك من الأحكام.
(66/1)
________________________________________
مقدمة عن أهمية تعلم العلم والعمل به وتعليمه
نحمد الله ونشكره، ونثني عليه ونستغفره، ونسأله المزيد من فضله، ونسأله أن يعلمنا ما جهلنا، وأن يبصرنا بأمور ديننا، وأن يهدينا سواء السبيل.
نذكركم أنكم -والحمد لله- تعملون عملاً صالحاً في مثل هذه الدورات؛ وذلك لأن مواصلة التعلم والحرص على التلقي عمل بر، عمل صالح يهدي به الله تعالى من أراد به خيراً؛ تكتب به الحسنات، وترفع به الدرجات، ويكتب الله أهله في حملة العلم الذين يحبهم ويحبونه، فهنيئاً للذين يواصلون أوقاتهم بعضها ببعض حتى يستفيدوا من حياتهم في هذه الإجازة التي يتوقف فيها الكثير من الناس عن الدراسة النظامية، والإجازة تضيع على كثير من الناس، بحيث إنهم إما يضيعونها في لهو وسهو وجلوس وتسكع في الأسواق وعمل غير مرضي، أو يضيعونها في رحلات وأسفار لا أهمية لها ولا يستفيدون منها فائدة تعود عليهم بالخير، أو يضيعونها في أمور دنيوية، أو لو استفادوا من أمور الدنيا لكن يفوتهم الخير الكثير؛ وذلك لأن هذه الأيام لابد أن يحاسب عليها العبد، فمن صنع جزءاً من عمره في غير فائدة فإنه يحاسب، وفي الحديث: (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) .
فالسؤال عن العمر هو أولها، يعني: سواء كان كهلاً أو شاباً أو شيخاً، يسأل عن عمره في أي شيءٍ شغله، ويسأل أيضاً عن شبابه في أي شيءٍ شغله وصرفه، فإذا كان قد صرفه في خير أجاب بجواب نافع مفيد، وأما إذا صرفه في اللهو والسهو فإنه يكون في ذلك متحسراً ولا يجد جواباً.
ومن أفضل ما يصرف الشاب أيامه وأشهره فيه التعلم، سيما تعلم العلوم الشرعية، فإنها مفيدة للإنسان في حياته، والعلوم الشرعية يحبها الله تعالى، وتبصر الإنسان في حياته، ويكون بها عالماً كيف يعمل؛ وذلك لأن علمه له نتيجة وله ثمرة.
ونحن نحسن الظن بإخواننا الذين توافدوا من بلاد بعيدة إلى هذه الدورة، ونقول لهم: هنيئاً لكم أن تجشمتم المشقات، وجئتم من بلاد بعيدة، وقصدكم بذلك أن تستفيدوا من حياتكم، وأن تعملوا عملاً صالحاً يرفعكم الله تعالى به درجات، ويجزل لكم به الثواب العظيم، فهذا فضل الله تعالى ونعمته عليكم، فلكم بذلك فضل كبير، ونوصيكم أولاً بحسن النية؛ لأن النية إذا كانت حسنة صالحة وفق الله العبد للعمل الصالح، فانو بهذا التعلم رفع الجهل؛ فإن الإنسان خلق جاهلاً كما قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل:78] ، فالإنسان خلق جاهلاً، والجهل نقص، فيزول هذا النقص بالتعلم، حيث أعطانا الله السمع والبصر واللسان والفؤاد وهي من وسائل التعلم، فمن حسن النية أن تنوي رفع الجهل.
ومن حسن النية أن تنوي حمل العلم الذي حمله شرف وحمله فضيلة.
ومن حسن النية أن تنوي العمل بهذا العلم؛ حتى تعمل على بصيرة، وعلى نور وبرهان.
ومن حسن النية أن تنوي نفع نفسك؛ حيث تعمل بالعلم ويقبله الله منك، وتثاب على هذا العلم الذي تعلمته.
ومن حسن النية أن تنوي ميراث الأنبياء، بأن تكون من ورثة علمهم الذين ورثوه، ومن أخذه أخذ بحظ وافر.
ومن حسن النية أن تنوي نفع الناس الجهلة الذين يحتاجون إليك وإلى أمثالك، وهم كثيرون في البلاد، فقد يتعلم فرد العلم الشرعي، ويرجع إلى بلدة يغمرها الجهل، ويكثر الجهل في أهلها، فلذلك إذا تعلم وفقه الله تعالى وعلّم أهل بلده، واستفاد واستفادوا منه ونفعهم، وكان له أجر كبير على تعلمه؛ حيث إنه يبث ما معه من العلم، ويفقه الأمة ويدعوهم إلى الله: (ومن دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء) ، وفي الحديث: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) .
ونوصيك أيضاً بمواصلة التعلم؛ فإن العلم كثير ليس له نهاية، وهذه المدة التي تتعلمها في هذه الدورة قليلة بالنسبة إلى بقية الحياة، لا تنال فيها إلا جزءاً يسيراً من العلم، وأنت تعرف أن هذه العلوم تعتبر مبادئ، وأن كل علم له فروع وله شروحات، فإذا انتهيت من هذه الدورة فعليك المواصلة بقراءة الشروح والتعاليق والحواشي، والحرص على استظهارها، وعلى تذكر معانيها حتى تبقى هذه المعلومات، وعليك التزود فيما بعد إلى نهاية الحياة، وتذكر وصية بعض العلماء الذي يقول: اطلب العلم من المهد إلى اللحد؛ يعني إلى الموت، وما ذكر عن الإمام أحمد أنه قال: مع المحبرة إلى المقبرة، أي: نحمل المحبرة التي هي الدواة نكتب من مدادها الفوائد، ولا نفارقها إلا إذا متنا: مع المحبرة إلى المقبرة، وأشباه ذلك.
فكل هذا دليل على أنه لا بد من مواصلة التعلم، وأن الإنسان مهما بلغ من العلم، فإن علمه قليل.
وليس كل العلم قد حويته أجل ولا العشر ولو أحصيته لو عمرت مائة سنة ما وصلت إلى عشر العلوم، ولكن الله تعالى جعل بعض العلوم فريضة يلزم تعلمها والعمل بها، وجعل البقية نافلة إذا تعلمها كان من حملة العلم الذي قد يحتاج إليه.
والعلوم منها: ما هو فرض عين: وهي الأشياء التي كلف بها العبد أن يعمل بها، ومنها ما هو فرض كفاية: وهي العلوم التي يلزم الأمة أن يتعلموها ويحملوها.
موضوعنا هذا هو موضوع الفقه في الدين، الذي هو تعلم الأحكام؛ وذلك لأن العلماء رحمهم الله لما قرءوا النصوص من الكتاب والسنة؛ استخرجوا منها الأحكام، وجعلوها في هذه الكتب، وسموها: الفقه؛ الذي هو الفهم، واستنباط الأحكام من الأدلة، وذكر كل مسألة قد يحتاج إليها؛ فدونوها في هذه الكتب وسموها: كتب الفقه.
وتعرفون ما فيها من الخلاف بين العلماء المجتهدين، حيث إن هناك أقوالاً للأحناف الذين هم على مذهب أبي حنيفة، وخالفتها أقوال ومسائل لمن هم أتباع مالك، وخالفتها أيضاً أقوال لأتباع الشافعي، وخالفتها أقوال لأتباع الإمام أحمد بن حنبل، وهذا الاختلاف الذي وقع بينهم الأصل أنه بسبب الاجتهاد، وسبب اختلاف الآراء، وسبب اختلاف الأفهام، وقد يكون سببه أيضاً وقوع خلاف بين الأدلة، والمحققون يجدون جواباً على اختلاف الأدلة، فيجمعون بينها حتى لا يكون بينها اختلاف؛ وذلك لأن مصدرها واحد؛ لأنها إما من كتاب الله وإما من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
فالاختلاف الذي يكون بينها يمكن الجمع بينه، وإذا لم يمكن حرصوا على أن يجمعوا بينها بأية وسيلة، وقد مر بنا أمثلة لهذه المسائل التي وقع فيها خلاف.
نحن الآن في أواخر كتاب الأحكام من هذا الكتاب الذي هو: أخصر المختصرات، وهو من أخصر كتب الفقه، اختصره مؤلفه من زاد المستقنع، وزاد عليه بعض الجمل، ونقص منه كثيراً؛ فهو قد اختصره لمن يريد أن يحفظه والذي يفهمه يكون عنده علم بمجمل الأحكام الفقهية التي يحتاج إليها في هذه الحياة الدنيا.
(66/2)
________________________________________
الطلاق أحكام ومعان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الطلاق: يكره بلا حاجة، ويباح لها، ويسن لتضررها بالوطء، وتركها صلاةً وعفةً ونحوهما.
ولا يصح إلا من زوج ولو مميزاً يعقله.
ومن عذر بزوال عقله، أو أكره، أو هدد من قادر فطلق لذلك؛ لم يقع.
ومن صح طلاقه صح توكيله فيه وتوكله، ويصح توكيل امرأة في طلاق نفسها أو غيرها.
والسنة أن يطلقها واحدةً في طهر لم يجامع فيه، وإن طلق مدخولاً بها في حيض أو طهر جامع فيه؛ فبدعة محرم ويقع، لكن تسن رجعتها.
ولا سنة ولا بدعة لمستبين حملها، وصغيرة، وآيسة، وغير مدخول بها.
ويقع بصريحه مطلقاً، وبكنايته مع النية، وصريحه لفظ طلاق وما تصرف منه، غير أمر ومضارع ومطلّقة بكسر اللام.
وإن قال: أنت عليَّ حرام، أو كظهر أمي، أو ما أحل الله عليَّ حرام، فهو ظهار ولو نوى طلاقاً، وإن قال: كالميتة أو الدم، وقع ما نواه، ومع عدم نية ظهار، وإن قال: حلفت بالطلاق وكذب دين ولزمه حكماً.
ويملك حر ومبعَّض ثلاث تطليقات، وعبد اثنتين.
ويصح استثناء النصف فأقل من طلقات ومطلقات.
وشرطَ تلفظ، واتصال معتاد، ونيته قبل تمام مستثنًى منه، ويصح بقلب من مطلقات لا طلقات.
وأنت طالق قبل موتي تطلق في الحال، وبعده أو معه لا تطلق، وفي هذا الشهر أو اليوم أو السنة تطلق في الحال، فإن قال: أردت آخر الكل، قبل حكماً، وغداً أو يوم السبت ونحوه تطلق بأوله، فلو قال: أردت الآخر لم يقبل، وإذا مضت سنة فأنت طالق، تطلق بمضي اثني عشر شهراً، وإن قال: السنة، فبانسلاخ ذي الحجة] .
الطلاق في اللغة: يراد به فك الشيء المربوط، وحلّ الرباط ونحوه، يقولون: أطلق البعير فهو مطْلَق ومطَلَّق؛ يعني غير مربوط بعد أن كان مربوطاً، طلّق رباط البعير أو الشاة ونحو ذلك؛ وسمي بذلك لأنه بعد حله ينطلق، يعني: يذهب حيث يريد.
والطلاق في الشرع: اسم لمفارقة الزوجة وإطلاق صراحها، سماه الله تعالى بذلك في قوله: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] ؛ ولذلك تسمى هذه السورة: سورة الطلاق، وذكر أيضاً في البقرة في قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:227] ، وفي قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} [البقرة:228] ، وفي قوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] ، إلى قوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة:230] ، وغير ذلك من الآيات.
والمراد به: إطلاق صراح المرأة، فالزوجة بعد عقد النكاح يلزمها أن تكون مقيَّدة مع زوجها، فلا تقدر على معصيته في نفسها ولا أن تذهب إلا بإذنه، ويحل له الاستمتاع بها، فهي معه في عصمته وفي ذمته، فإذا كرهها فإن له رخصة في أن يفارقها، ويسمى هذا الفراق: طلاقاً.
(66/3)
________________________________________
حكم الطلاق
ذكر العلماء أن الطلاق تتعلق به الأحكام الخمسة: يباح للحاجة، ويكره بلا حاجة، فالطلاق يباح للحاجة، ومالمراد بالحاجة؟ إذا تضررت المرأة مثلاً، أو كره الرجل خلق المرأة، أو سوء معاملتها؛ فإنه يكون مباحاً؛ لا ثواب منه ولا عقاب، ويكره لغير الحاجة، فإذا كانت الحالة مستقيمة بين الزوجين وكل منهما يسير سيراً مستقيماً مع الآخر؛ فإن الطلاق يكون مكروهاً ولو كان حلالاً، جاء في الحديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) ؛ فيكون حلالاً ولكنه مكروه، لماذا؟ لأنه يفرق بين الزوجين، ولأنه قد يفرق بين الأولاد وأحد أبويهم، ولما فيه من إضاعتها؛ فالزوجة متى طلقت فإنها قد يكره النّاس عشرتها ونكاحها، يقولون: ما طلقت إلا وفيها ضرر، أو أنها غير صالحة، وهكذا أيضاً قد يتضرر الزوج، ولا يرغب فيه أحد، حيث يقولون: إنه كثير الطلاق، أو يطلق بلا سبب؛ فلذلك يكون الطلاق مكروهاً من غير حاجة، وإن كان واقعاً.
ويستحب الطلاق لتضررها، فإذا تضررت الزوجة، وليس التضرر خاصاً بأن يضرها الجماع، بل حتى إذا كانت تتضرر بسوء خلق الزوج، إذا كانت تكرهه لسوء خلقه ولسوء معاملته؛ بحيث إنه إذا أمسكها تضررت وتمنت فراقه، حتى ربما تبذل له من مالها ليطلقها، وهو الخلع، بحيث تحتاج إلى المخالعة، فإذا وصلت إلى هذه الحالة، وصارت تتمنى الفراق؛ استحب له أن يطلقها سواء كانت تتضرر بكثرة الجماع منه، أو تتضرر بسوء معاملته أو ما أشبه ذلك.
وكذلك إذا ساءت أخلاقها، أو رآها لا تصلي؛ استحب أن يطلقها، أو رآها قليلة ديانة، أو ليست عفيفة، يخشى أن تفسد نفسها؛ فتفسد عليه فراشها، أو تدخل عليه من ليس من أولاده إذا كانت متهمة بالفاحشة، ففي هذه الحال يستحب له فراقها حتى يسلم من هذه المصائب وما أشبهها.
(66/4)
________________________________________
من يصح منه الطلاق
من الذي يصح منه الطلاق؟ ورد في الحديث: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) ، وهو الزوج الذي يملك الاستمتاع بامرأته، فهو الذي يطلق، فلو طلّق أبوه ما وقع، ولو طلق ابنه أو أخوه ما وقع، إلا إذا وكّل، لا يصح الطلاق إلا من الزوج، وإذا كان الزوج صغيراً غير مميز لا يقع طلاقه، وأما إذا كان قد بلغ سن التمييز، وكان في نحو سن العاشرة، وعرف أن الطلاق يسبب مفارقة الزوجة؛ فإن له -والحالة هذه- أن يطلق، ويقع طلاقه ولو كان دون البلوغ.
(66/5)
________________________________________
موانع الطلاق وتعذر وقوعه
متى لا يقع الطلاق؟ إذا كان الزوج معذوراً كزوال عقله -فلو شرب مسكراً جاهلاً، ولم يعلم أنه حرام، فطلاقه لا يقع؛ لأنه يتكلم بما لا يعقل.
واختلف فيما إذا طلق وقد تعمد السكر، هل يقع طلاقه أم لا؟ معلوم أن السكران يهذي في كلامه ولا يعقل ما يقول، حيث إن هذا السكر غطّى عقله ومعرفته.
أكثر العلماء يقولون: إنه يقع؛ لأنه تعمد شرب المسكر؛ فيقع الطلاق عقوبة له، ولأنه يعرف ما يترتب على شرب المسكر: كالغيبوبة وزوال العقل وزوال المعرفة، فهو كأنه مقدم على هذا الأمر؛ فيقع عقوبة له، قال أكثر العلماء: يقع طلاق السكران، واختار بعض المحققين أنه لا يقع؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وبه كان يفتي شيخنا ابن باز رحمه الله؛ وذلك لأنه في تلك الحالة لا يدري ما يقول، والله تعالى يقول: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43] ، وهو لا يعلم ما يقول، فكلامه لا يحاسب عليه، ومعلوم أنه سيقام عليه الحد الذي هو الجلد أو السجن أو نحو ذلك، فلا نؤاخذه بالطلاق حال سكره.
وبعض الناس يستحلون ما يقدرون عليه من أموال السكران، فبعض السكارى -والعياذ بالله- إذا سكر خرج وجعل يمشي بين الناس وفي الأسواق، فإذا أشار مثلاً إلى صاحب سيارة وركب معه، وعرف السائق أنه سكران، أخذ ما معه، فيسلبه ما معه ولو كان ألفاً أو ألوفاً، وربما يأخذ ما معه مما هو ثمين كساعة أو نحوها، فهذا حرام، لأنه أخذ ماله في غفلته وهو لا يدري، وهكذا بعض هؤلاء إذا دخلوا بيت إنسان، ورأوا أنه سكران؛ فإنهم يسلبون ما عنده من المال، ويقولون: إنه حلال لنا؛ لأنه سمح لنا وأعطانا، وهذا حرام.
ولاشك أنه يستحق العقوبة الشديدة؛ حيث إنه تعاطى ما يزيل عقله، ولكن كوننا نستحل أمواله أو نأخذ منه ما ليس حقاً لنا، فهذا لا يجوز، أما إذا كان عقله زال بعذر؛ بمعنى: أنه شرب وهو لا يدري، أو مثلاً بنج أي: ضرب ببنج أزال شعوره، فتكلم بما لا يعقل وطلق؛ فإنه لا يقع.
وهكذا المكره، وهو الذي ألجئ على التلفظ بالطلاق وهدد، وكان الذي هدده إذا قال فعل؛ يعني: أنه قادر على إلحاق الضرر به، فطلق لذلك، فلا يقع طلاقه، فإذا أكرهه سلطان أو رئيس، أو جاء أهل المرأة إليه فقالوا: طلق وإلا قتلناك، أو قال له أحد أوليائها الذين يريدونها لأنفسهم: طلق وإلا قتلناك، وهددوه بالسلاح، وهم قادرون، ومعهم الأسلحة، فطلق بناءً على كلامهم، فالأصل أنه مغلوب على أمره، فالمكره قد أبيح له أن ينطق بكلمة الكفر، قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106] ، فكل ما فيه شيء من الإكراه لا يقع به الطلاق.
يحكى أن رجلاً رأى عسلاً في قمة جبل، ولا يوصل إليه إلا من الأعلى، فقال لامرأته: إني سأتدلى بهذا الحبل إليه، فأمسكي هذا الحبل، فأمسكته وتدلى، ولما كان في نصف الطريق متدلياً قالت له: طلقني وإلا أطلقت الحبل حتى تسقط، ولو أطلقته سقط من قمة الجبل ولن يصل إلا قطعاً، فخوفها بالله فلم تقبل؛ فطلقها، ولما صعد ذهب إلى عمر وسأله فقال: راجع امرأتك، لا يقع مثل هذا الطلاق، هذا مثال على الإكراه.
(66/6)
________________________________________
من يصح توكيله في الطلاق
من صح طلاقه صح توكيله فيه وتوكله، ومن لا يصح طلاقه فلا يصح توكيله، فلو قال رجل: وكلتك أن تطلق زوجة ابني، فهل تطلقها وقد وكلك أبوه؟ ما يصح، وليس لك أن تطلقها؛ لأن الأب لا يصح أن يطلق زوجة ابنه، أما إذا وكلك هو وقال: وكلتك أن تطلق زوجتي فلانة؛ فلك أن تطلقها، بشرط أن يكون الوكيل عاقلاً عارفاً بآثار الطلاق، وأن يكون الموكل عاقلاً عارفاً بآثار الطلاق، فلا بد أن يكون الوكيل والموكل كلاهما ممن يصح طلاقه.
فيصح توكل العاقل البالغ الرشيد ويصح توكيله.
وهل يصح توكيل المرأة لطلاق نفسها؟ يصح ذلك، فإذا قال لها: وكلتك في تطليق نفسك متى طلبت أو متى رغبت فيه، فإذا رغبت وقالت: قد طلقت نفسي وقع؛ لأنه سمح لها بتطليق نفسها، فيقع الطلاق.
ويصح أيضاً أن يوكلها لطلاق غيرها، فلو وكل امرأة أجنبية وقال لها: وكلتك أن تطلقي امرأتي فلانة، وهي امرأة عاقلة عارفة، يصح أن تطلقها، فيصح أن تكون وكيلةً للطلاق، وكيلةً لطلاق نفسها، ووكيلةً لطلاق ضرتها، ووكيلةً لطلاق امرأة بعيدة.
(66/7)
________________________________________
طلاق البدعة وحكمه
الطلاق نوعان: طلاق سنة، وطلاق بدعة.
ما صفة طلاق السنة؟ طلاق السنة أن يطلقها طلقة واحدة، وأن تكون في طهر لم يطأها فيه، بل طلقها في طهر لم يجامع فيه، هذا هو طلاق السنة إذا كانت قد دخل بها.
طلاق البدعة مثل: طلاق الثنتين، وطلاق الثلاث، فجمع الثلاث طلاق بدعة، واختلف هل يقع إذا طلقها ثلاثاً، كما لو قال: أنت طالق وطالق وطالق، أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أنت طالق ثلاثاً، أو قال: أنت طالق مائةً أو نحو ذلك، والجمهور على أنه يقع؛ وذلك لأن هذا هو الذي اجتمع عليه الصحابة، والأئمة الأربعة على أن من جمع الطلاق الثلاث بلفظ واحد أنه يعد طلاقاً، وأنها لا تحل له إلا بعد زوج، وخالف في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: لا يقع إلا واحدة إذا طلقها بالثلاث، فقال: أنت طالق بالثلاث، أو طالق وطالق وطالق، قال: إنما يقع طلقة واحدة، لماذا خالفت الجمهور؟ لماذا خالفت الأئمة الأربعة وأتباعهم؟ يقول: إني ابتليت بالمحلل، كثر في زمانه المحلل، لو طلق الرجل امرأته ثلاثاً استأجر من يحللها له، والمحلل ملعون كما في الحديث: (لعن الله المحلِّل والمحلَّل له) ، ويقول: جاء في صحيح مسلم: (أن الطلاق الثلاث كانت تحسب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واحدة، وكذلك في عهد أبي بكر، وأن عمر هو الذي أجراها وجعلها ثلاثاً) ؛ فقال اجتهاداً منه: أنا أعمل بهذا الحديث، أعمل بما كان في العهد النبوي، هذا عذر الإمام ابن تيمية، وكان يفتي بذلك شيخنا ابن باز رحمه الله، فمن جمع الثلاث بقوله: طالق ثلاثاً أو طالق بالثلاث تكون واحدة، لما جاء في هذا الحديث.
والعلماء أجابوا عن حديث ابن عباس الذي فيه أن الثلاث واحدة بستة أجوبة تجدونها في كتب الشروح: كسبل السلام ونيل الأوطار وغيرها، ومنها: أنه كان منسوخاً ولم يتفطن لنسخه إلا عمر.
ومنها: أن الحديث مضطرب ولا يعمل به.
ومنها: أن ابن عباس خالف هذا الحديث وأفتى بأن الثلاث تكون ثلاثاً، ولو كانت بلفظ واحدة، إلى غير ذلك.
ثم منهم من يقول: إذا قال: طالق ثلاثاً، أو طالق بالثلاث بكلمة واحدة فهي واحدة، وإذا قال: طالق وطالق وطالق، أو طالق ثم طالق ثم طالق فإنه يقع الثلاث، يعني: لم تقع إلا طلقة واحدة إذا قال: طالق بالثلاث أو طالق ثلاثاً، بخلاف ما إذا قال: طالق وطالق، أو طالق ثم طالق فتقع الثلاث.
ثم طلاقها وهي حائض طلاق بدعة، وطلاقها في طهر قد جامعها فيه طلاق بدعة، ولكن هل يقع؟ في ذلك أيضاً خلاف؛ فـ شيخ الإسلام وتبعه الشيخ ابن باز على أنه لا يقع إذا طلق وهي حائض أو في طهر قد جامع فيه، والجمهور على أنه يقع ولو كان طلاق بدعة، هذا قول الجمهور.
ذكر المصنف رحمه الله هنا أنه إذا طلق مدخولاً بها في زمن الحيض أو في طهر جامع فيه فهو طلاق بدعة محرم، ويقع، ولكن تسن رجعتها، واستدلوا بحديث ابن عمر: (أنه طلق امرأته وهي حائض، فأخبر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاستاء لذلك وقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر ثم ليطلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) فقوله: (فليراجعها) دليل على أن الطلاق قد وقع، وهذا معنى قوله: (تسن رجعتها) ، فإن الرجعة لا تكون إلا بعد طلاق، وهو يدل على أنه طلقها في حيض ووقعت، وأمر أن يراجعها، إذا راجعها في ذلك الحيض أمسكها، حتى إذا طهرت بعد ذلك الحيض فإنه يجامعها؛ لأن الرجعة تكون بالوطء، ثم بعد ذلك يمسكها، فإذا مضى ذلك الطهر وحاضت حيضةً أخرى وطهرت، فإن شاء طلق وإن شاء أمسك.
فالنبي عليه الصلاة والسلام أمره أن يراجعها في ذلك الحيض حتى تطهر، وفي الطهر الذي بعد ذلك الحيض يطؤها فيه، ولا يطلقها في ذلك الطهر حتى تحيض حيضة غير التي طلقها فيه، فإذا حاضت أمسكها حتى تطهر، فإذا طهرت في الحيضة الثانية طلقها إن شاء أو أمسكها، وإذا تأملنا ذلك وجدنا أن الحكمة فيه تقليل الطلاق؛ لأن الشرع يكرهه، وذلك لأن الزوج إذا حاضت امرأته قد تكرهها نفسه؛ لأنه لا يقدر على الانتفاع بها والاستمتاع، فإذا طلقها وهي حائض تسرعاً منه فإنه يندم، بخلاف ما إذا أمسكها، فنقول له: أمسكها حتى تطهر، فإذا طهرت فقد تغلبه شهوته فيطؤها فإذا وطئها في ذلك الطهر قلنا له: لا تطلقها في ذلك الطهر حتى يتبين حملها، فإذا أمسكها ولم يتبين فقد يبغضها، فإذا حاضت المرة الثانية قلنا له: لا تطلقها في هذا الحيض فهو طلاق بدعة، أمسكها حتى تطهر، لا يجوز الطلاق في الحيض، فهو يمسكها مع كراهته لها، وإذا طهرت من الحيضة الأخرى فقد يندفع إليها ويجامعها، فإذا جامعها عرف أيضاً أنه لا يحل له أن يطلقها في ذلك الطهر الذي وطأها فيه، فيمسكها وربما يتغير ما في قلبه، ربما يتراجع عن عزمه على الطلاق، فيمسكها ويبقيها زوجة له، وتصلح الحال بينهما، هذا هو السبب في النهي عن طلاق البدعة.
عرفنا أن طلاق الثلاث طلاق بدعة، ويقع عند الجمهور، وأن من طلاق البدعة الطلاق في الحيض، ومع ذلك يقع عند الجمهور , وأن من طلاق البدعة أن يطلق في طهر قد جامع فيه، ويقع عند الجمهور، ولا يقع عند بعض المحققين.
(66/8)
________________________________________
حكم طلاق الغضبان
مما وقع فيه الخلاف إذا طلق في حالة غضب، وهو (طلاق الغضبان) ، وقد قسم العلماء الغضب إلى ثلاثة أقسام: الأول: عند ابتداء الغضب، وهذا يقع الطلاق فيه بلا خلاف.
القسم الثاني: الغضب الشديد الذي لا يذهب الإحساس، وهذا يقع الطلاق فيه عند الجمهور، وخالف في ذلك شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وألّف ابن القيم رسالة مطبوعة اسمها: إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان، ورجح أنه لا يقع.
والقسم الثالث: الغضب الذي يذهب الإحساس ويسبب الإغماء والغيبوبة، فهذا لا يقع.
(66/9)
________________________________________
حكم طلاق الحامل والصغيرة والآيسة وغير المدخول بها
ذكر المصنف رحمه الله الطلاق الذي لا يسمى سنة ولا بدعة فقال: (ولا سنة ولا بدعة لمستبين حملها) يعني: متى بان حملها، فإنه يطلقها متى أراد، وطلاق الحامل جائز بكل حال وليس ببدعة، ففي حديث ابن عمر أنه قال: (ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) يعني: طاهراً ليست حائضاً في طهر لم يجامعها فيه، أو حاملاً قد تبين حملها، والطهر هاهنا هو طهرها من الحيض، أي: بعد انقضاء الحيض واغتسالها بعده.
ذكر عن بعض الجهلة أنه لما سمع أنه لا يطلق إلا في طهر ظن أنه لا يطلق إلا متطهراً؛ يعني: متوضئاً أو مغتسلاً، وهذا قلة فهم، والمراد طهر للمرأة، أي: وهي ليست حائضاً.
وكذلك الصغيرة التي لم تحض يجوز طلاقها متى أراد، وليس لطلاقها سنة ولا بدعة؛ وذلك لأنها لا تحيض ولا تحمل، فمتى أراد يطلقها ولو في طهر جامعها فيه؛ لأنها لا تحيض، فله أن يطلقها متى شاء.
وكذلك الآيسة التي قد بلغت سن اليأس يقول تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق:4] يطلقها متى شاء فليس لطلاقها سنة محددة.
وكذلك أيضاً غير المدخول بها، أي: التي لم يكن دخل بها، فإن له أن يطلقها متى أراد، ولا يشترط أن تكون طاهراً أو حائضاً.
(66/10)
________________________________________
صريح الطلاق وكنايته
ذكروا أن الطلاق له صريح وله كناية: فصريح الطلاق إذا قال: أنت طالق، أو قد طلقتك، أو أنت مطلقة، فيقع الطلاق بصريحه مطلقاً، وكذلك معنى الطلاق كما لو قال: فارقتك أو خلعتك أو لست في ذمتي، أو أنت لست زوجة لي أو ما أشبه ذلك، الطلاق والتسريح والفراق ورد في القرآن في قوله تعالى: {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة:231] ، وفي قوله: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2] ، إذا قال: سرحتك، أو أنت مسرحة، فارقتك أو أنت مفارقة، طلقتك أو أنت مطلقة؛ فهو صريح، وكذلك يكون صريحاً بلفظ (طلاق) وما تصرف منه: طلاق، وطالق، أنت طلاق، وأنت طالق، وأنت مطلقة، قد طلقتك، وما تصرف منه، إلا الأمر لا يقع به، إذا قال: اطلقي أو اسرحي، فهذا أمر لا يقع به الطلاق، وكذلك المضارع مثل: تطلقين أو تسرحين، هذا أيضاً لا يصح، لا بد أن يكون بلفظ الماضي أو بلفظ اسم المفعول مطلَّقة، أما إذا قال: مطلِّقة (بكسر اللام) فلا يقع الطلاق؛ لأنه يقصد أنت مطلقة لغيركِ.
وأما الكنايات فهي كثيرة: مثل أن يقول: اخرجي، اذهبي، ذوقي، تجرعي، حبلك على غاربك، أو قال مثلاً: بتتكِ، أنت خلية، أنت برية، أنت بائن، أنت حرة، أنت حرج، فهل يقع الطلاق بهذه الكنايات التي ليست صريحة؟ يقع بالكناية إذا نوى، فيقال له: هل نويت؟ إذا قلت مثلاً: اخرجي، ذوقي، تجرعي، حبلك على غاربك، أنت خلية، أنت برية، أنت حرة، أنت حرج، هل نويت طلاقاً، أم لم تنوِ طلاقاً؟ فإن قال: قلت لها: أنت حرة؛ لأنها ليست مملوكة، أنت حرة؛ يعني: بنفسكِ، ما ملكتكِ ملكاً كما تملك الإماء.
وكذلك قوله: أنت الحرج، فإن قال: لا أريد بذلك أنها محرمة علي، وإنما أريد أن أحرجها، وقولي لها: اذهبي ذوقي اخرجي، ما أريد إلا تأديبها، أما إذا قال: نعم، قد أردت فراقها؛ فإنها تطلق بهذه الكناية.
إذا قال: أنت علي حرام، أو أنت كظهر أمي، أو ما أحل الله علي حرام، فهذا ظهار، يأتينا في باب الظهار كفارته هي المذكورة في أول سورة المجادلة، فإنه إذا حرم امرأته فالتحريم يعتبر ظهاراً، إذا قال: أنت علي كظهر أمي، أو كظهر أختي، أو كظهر ابنتي أو كبطنها أو كفرجها، فإن هذا أيضاً ظهار، أو ما أحل الله منكِ علي حرام؛ فهذا ظهار، فإذا قال: نويت الطلاق، نقول له: لا يقع، لكن عليك كفارة أو عليك أن تصرح بالطلاق.
إذا قال: أنت علي كالميتة أو كالدم أو كلحم الخنزير، يعني: محرمة، وقع ما نواه، إن كان نوى طلاقاً وقع طلاقاً، وإن كان لم ينوِ فإنه ظهار، ومع عدم النية يكون ظهاراً.
إذا قال: هلكت بالطلاق وكذب؛ فإنه يديَّن، هل أنت صدقت في أنك هالك بالطلاق؟ فإذا قال: ما أردت إلا اليمين، ما أردت الطلاق، فإنه يديَّن ويكون عليه كفارة اليمين.
وأما إذا قال: حلفت بالطلاق، أو علي الطلاق من امرأتي أن أفعل كذا وكذا، وكان قد نوى الطلاق، فإنه يقع، ويلزمه حكماً ظاهراً، فإذا طالبت امرأته وقالت: إنه قد حلف بالطلاق، وقال مثلاً: إن لم تخرجي فأنتِ طالق، إن لم تركبي معي فأنت طالق، أو قال: إن خرجت مع فلان فأنت طالق، وكان يريد الطلاق؛ فإنها تطلق، فإن كان لا يريد إلا اليمين يديَّن.
(66/11)
________________________________________
عدد الطلقات للحر والمبعض والعبد
كم يملك الحر والمبعض من الطلقات؟ يملك الحر والمبعض ثلاثاً، والعبد يملك اثنتين، إذا طلق الحر واحدة فله أن يراجع؛ لأنها رجعية، فإذا طلق الثانية فله أن يراجع، أما إذا طلق الثالثة فلا رجعة بعدها حتى تنكح زوجاً غيره.
وكذلك المعتق بعضه الذي ليس حراً كله؛ نصفه حر، ونصفه عبد يملك ثلاثاً، أما العبد فلا يملك إلا طلقتين، إذا طلق طلقتين لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
(66/12)
________________________________________
حكم الاستثناء من الطلاق والمطلقات
ما هو حكم الاستثناء من الطلاق ومن المطلقات؟ يصح استثناء النصف فأقل، ولا يصح استثناء أكثر، إذا كان له مثلاً أربع زوجات فقال: زوجاتي طوالق إلا اثنتين، صح ذلك، ووقع الطلاق على اثنتين ولم يقع على اثنتين؛ لأنه استثنى النصف، وكذلك لو قال: زوجاتي الثلاث طوالق إلا واحدة، الواحدة أقل من النصف، أما لو قال: زوجاتي الأربع طوالق إلا ثلاثاً، ما يصح استثناء أكثر من النصف، أو زوجاتي الثلاث طوالق إلا اثنتين ما يصح؛ لأنه استثنى أكثر من النصف، والاستثناء يكون بالنصف فأقل.
وهكذا الطلقات وصورتها أن يقول: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة، كم يقع بها؟ تقع اثنتان؛ لأن الواحدة أقل من النصف، أما إذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين فإنه لا يصح الاستثناء؛ لأنه استثنى أكثر من النصف، لا بد أن يكون الاستثناء بالنصف فأقل.
اختلف فيما إذا زاد على ما يملك، لو قال: أنت طالق أربع طلقات إلا اثنتين، فهل يقع؟ هو ما يملك إلا ثلاث، ففي هذه الحال الصحيح أنه يصح استثناؤه، أو قال: أنت طالق عشر طلقات إلا اثنتين تطلق واحدة؛ لأنه استثنى أقل من النصف.
(66/13)
________________________________________
شروط صحة الاستثناء
متى يصح الاستثناء؟ اشترط له التلفظ أما إذا كان بالنية، فلا، مثال النية أن يقول: أنت طالق ثلاثاً، ثم قال: استثنيت واحدة بقلبي، أو زوجاتي الأربع مطلقات، وسئل بعد ذلك فقال: استثنيت فلانة، أو استثنيت اثنتين، هذا ما ينفعه؛ لا بد أن يكون الاستثناء باللفظ.
الشرط الثاني: شرط اتصال المكان، وشرط النية قبل تمام المستثنى منه، الاتصال أي: لا يكون مفصولاً، صورته مثلاً: إذا قال: أنت طالق ثلاثاً، وسكت نصف ساعة أو ربع ساعة ثم قال: إلا واحدة، لا ينفعه الاستثناء، لا بد أن يكون متصلاً بالكلام.
ذكر عن رجل أنه دخل على المنصور وعنده أبو حنيفة فقال له: إن أبا حنيفة يخالف جدك ابن عباس يقول: إن الاستثناء لا يكون إلا متصلاً، فقال المنصور: ما تقول يا أبا حنيفة؟ قال أبو حنيفة: إن هذا الرجل يزعم أنه ليس لكم بيعة عند الرعية، قال المنصور: لماذا؟ قال: يحلفون لكم، وإذا رجعوا إلى بيوتهم استثنوا، وصح لهم أن ينقضوا العهد؛ لأنهم قد استثنوا، فعرف المنصور أن الاستثناء لا يكون إلا متصلاً، وأقر أبا حنيفة على ذلك، والأثر الذي روي عن ابن عباس أنه كان يجيز الاستثناء ولو متأخراً، لم يثبت عنه على الصحيح، فهو أثر ضعيف، فالاستثناء لا بد أن يكون متصلاً، لكن لو سكت للتنفس صح، كما لو قال: أنت طالق ثلاثاً، ثم وقف يتنفس ثم قال: إلا واحدة، فهذا اتصال مكان.
ولا بد من النية قبل أن يتم المستثنى منه، فلو قال: أنت طالق ثلاثاً، وما كانت نيته الاستثناء، ولكنه لما أكمل كلامه قال: إلا واحدة، فلا تنفعه؛ لأنه ما نوى الاستثناء قبل تمام الكلام.
(66/14)
________________________________________
حكم الاستثناء بالقلب
هل يصح الاستثناء بالقلب؟ يقول المصنف: (يصح من مطلقات لا من طلقات) ، إذا قال مثلاً: زوجاتي طوالق وله أربع، ونوى بقلبه استثناء واحدة أو استثناء اثنتين، يصح؛ وذلك لأن كلمة زوجات تصدق على اثنتين وعلى واحدة، فلا حرج في أن يستثني بقلبه من المطلقات، وأما الطلقات فلا يصح الاستثناء إلا باللفظ، ولا ينفعه الاستثناء بالقلب في عدد الطلقات.
(66/15)
________________________________________
مسائل غريبة في الطلاق
تكلم المصنف هنا على مسائل فيها بعض الغرابة، أولاً: إذا قال: أنت طالق قبل موتي، طلقت في الحال؛ لأن الآن قبل موته، ولا يدرى هل يموت بعد دقائق أو يموت بعد سنوات أو بعد عشرات السنين؛ فتطلق في الحال؛ لأنه جعل الطلاق قبل الموت وهذا الوقت قبل موته.
ثانياً: إذا قال: أنت طالق بعد موتي فهل تطلق؟ ما تطلق؛ لأنها بعد موته قد بانت منه؛ لأن الموت بينونة كبرى، ومفارقة كاملة، فلا يقع الطلاق، هذا إذا قال: بعد موتي، وإذا قال: أنت طالق مع موتي هل تطلق؟ لا تطلق أيضاً، وما ذاك إلا لأن الطلاق لا بد أن يكون في الحياة، وأما حالة الموت فلا يصح.
وقد ذكروا أنه لو طلقها وهو مريض، فإنها ترث منه، حتى ولو انتهت عدتها؛ لأن الغالب أنه يقصد حرمانها، فيطلقها في المرض حتى لا ترث، فالطلاق مع الموت أو مع قربه لا يقع، لكن إن كان في مرض معتاد وقع الطلاق، لكن إذا اتهم بقصد حرمانها فإنها ترث.
وإذا قال: أنت طالق في هذا الشهر، متى تطلق؟ تطلق في الحال؛ لأن هذه الحال من هذا الشهر.
وإذا قال: أنت طالق اليوم؛ تطلق ساعة ما يتلفظ، ولا حاجة إلى أن يؤخر الطلاق إلى نهايته.
وإذا قال: أنت طالق في هذه السنة؛ تطلق حالة ما يتكلم، سواء قال: أنت طالق اليوم أو في هذا الأسبوع أو في هذا الشهر أو في هذه السنة؛ فإنها تطلق ساعة ما يتكلم.
ولو قال: ما أردت طلاقها في الحال، وإنما أردت آخر الكل، يقبل حكماً؛ يعني يصدق.
فإذا قال: ما أردت إلا آخر اليوم؛ فإنها تطلق عند غروب الشمس، وإذا قال: آخر الأسبوع؛ فإنها تطلق آخر يوم الجمعة، وإذا قال: آخر الشهر؛ فإنها تطلق آخر يوم ثلاثين الذي هو آخر الشهر، أو آخر تسع وعشرين إن كان الشهر ناقصاً، وهكذا آخر السنة يقبل قوله حكماً.
إذا قال: أنت طالق غداً، يراد بغدٍ اليوم الذي بعد هذا اليوم، تطلق في أوله، وأول غدٍ متى هو؟ وقت إمساك الصائم، يعني: وقت طلوع الفجر، فإنه أول النهار، فتطلق وقت طلوع الفجر وتبيُّن الصبح، وقبل ذلك لو ماتت؛ ورثها، ولو مات قبلها ورثت منه؛ لأنها لا تزال زوجة، وتحد عليه ونحو ذلك.
إذا قال: أنت طالق يوم السبت مثلاً، يوم السبت قيل: إنه يدخل فيه الليل، فتطلق إذا غربت شمس يوم الجمعة؛ لأن الليلة تكون من يوم السبت، ولكن الأكثرون على أنه يفرق بين يوم السبت وليلة السبت، فلا تطلق إلا في أول صباح يوم السبت بطلوع الفجر، لو قال: أردت آخر يوم السبت أي: وقت غروب شمس يوم السبت، أو قال: أردت آخر الغد كأن قال: أنت طالق غداً، وأراد بها آخر النهار قرب غروب الشمس، هل يقبل؟ لا يقبل.
إذا قال: إذا مرَّت سنة فأنت طالق، كلمة سنة اسم لمضي اثني عشر شهراً، فمتى مضى اثنا عشر شهراً هلالياً فإنها تطلق، لكن في بعض البلاد يوقتون بالأشهر الشمسية أو الميلادية، فإذا كان ذلك معتاداً عندهم، فلا بد أن يمضي اثنا عشر شهراً شمسياً من الأشهر المعروفة عند أهل التاريخ الميلادي، وأما إذا قال: اثنا عشر شهراً وهو من المسلمين وبينهم، فتكون الأشهر هلالية؛ لأن هذا هو المعتاد والمعروف عند المسلمين.
إذا قال: إذا مضت السنة فأنت طالق؛ السنة في اصطلاح المسلمين هي السنة الهجرية، وتبدأ بشهر محرم، وتنتهي بشهر ذي الحجة، فتطلق في آخر شهر ذي الحجة؛ لأن هذه هي السنة الهجرية، وإذا كان ممن يؤرخ بالتاريخ الميلادي، فإنها تطلق بنهاية السنة الميلادية، فقبل أن يدخل الشهر الميلادي الذي يستقبلون به السنة ويسمى: يناير تطلق، وتنتهي السنة بشهر ديسمبر.
الحاصل أن مثل هذه المسائل يذكرها الفقهاء، وبعضها قالوه بالاجتهاد، ومع ذلك فإنهم يقيسون بعضها على بعض على أقل ما يليق بها، فنقول: لا يشترط أن يكون على كل جملة نصٌ أو دليل واضح، بل الأدلة تؤخذ من العمومات أو تؤخذ من المسميات، ونعرف أيضاً أن كثيراً منها خلافية أي: يوجد فيها خلاف بين الفقهاء، وإنما ذكروا ما يترجح لهم.
(66/16)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [67]
اهتم الفقهاء بباب تعليق الطلاق بالشروط، وذكروا فيه مسائل عديدة، وفرقوا بين كثير منها بفروق دقيقة، وكل ذلك استنباط من الأدلة الشرعية وأصول اللغة العربية، ومعرفة هذه المسائل فيها تدريب لطالب العلم على الاستنباط والفتوى.
(67/1)
________________________________________
الحكمة من مشروعية الطلاق
دين الإسلام دين وسط، والأدلة على هذا كثيرة؛ ومن ذلك أنه أباح الطلاق، وأباح الرجعة، وذكروا: أن النصارى ليس عندهم طلاق، بل متى عقد على المرأة فلا يقدر على أن يتخلص منها، ويلزمونه بإبقائها مهما كانت الحال، ويشددون عليه في أن يمسكها، ولو أساءت صحبته، ولو أضرت به، ولو كانت مخالفة له في أمر العقيدة أو في أمر الديانة، ولا يقدر على أن يتخلص منها، هكذا قالوا.
وإذا قدر أنه فارقها فإنهم يلزمونه بالإنفاق عليها بقية حياتها، ويقولون له: إنك أفسدت عليها حياتها، وإنك أضررت بها حيث تزوجتها ثم طلقتها، وذلك ضرر عليها، من أين تأكل؟ وكيف تعيش وقد فارقتها؟ فإما أن تؤمن لها معيشة، وإما أن تبقيها عندك ولا تفارقها، هذه ديانة النصارى، وقد انتشرت هذا الظاهرة في كثير من الدول التي تتسمى بالإسلام؛ وذلك بسبب تأثرها بالاستعمار النصراني، وقد أثر فيها مجاورة النصارى، فهذه الدول تحرم أن يتزوج الرجل أكثر من واحدة.
وكذلك أيضاً يمنعون من الطلاق تأثراً بمجاورة من حولهم من النصارى.
وكذلك أيضاً إذا عقد عليها فرضوا عليه صداقاً مؤخراً، ويقولون: هذا المؤخر لو قدر أنه مات قبلها، أو قدر أنه طلقها، فإن هذا المؤخر يؤمن لها حياتها، ويؤمن لها معيشتها، فهذه عادة ورثوها من النصارى.
ونحن نقول: لا بأس إذا طلبت تأخير صداقها وقالت: لست بحاجة إليه الآن، أدعه كوديعة عندك متى بدت لي حاجة طلبتك، أو إذا فارقتني بموت أو بطلاق طلبته، لا بأس بهذا المؤخر، وأما اعتياده واعتقاد أنه لا يحصل عقد إلا بفرضه، فهذا يخالف ما عليه تعاليم الإسلام؛ لأنهم فرضوا شيئاً زائداً على شرع الله تعالى.
إباحة الطلاق من محاسن دين الإسلام، إذا كره الرجل امرأته، ونفرت منها نفسه، أبيح له أن يطلقها، كما أنها إذا كرهته لسوء خلقه أو لسوء معاملته فلها أن تفتدي، أي: أن تدفع مالاً حتى يخلي سبيلها؛ لقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] ، وهو ما يسمى: بالخلع.
(67/2)
________________________________________
من أسباب وقوع الطلاق بين الزوجين
كثيراً ما يحدث الشقاق والنزاع بين الزوجين، يكون أحياناً من الزوج وأحياناً من الزوجة، ويكون نتيجته الطلاق؛ ومن أعظم أسباب ذلك -والله أعلم-: سوء التربية للزوج أو للزوجة، فالزوج مثلاً ينشأ في ترف وفي سرف، وينشأ في مجتمع فاسد يألف اللهو واللعب، ويألف المعاصي والمحرمات، ويشب عليها، فإذا تزوج امرأة حصينة محصنة عفيفة أساء معاملتها أو أضر بها، مما يحملها على بغضه وكراهيته وطلب الطلاق.
أحياناً يسهر مع شلة من جنسه إلى الساعة الثانية أو الثالثة ليلاً، ثم يأتي وهو مجهد، فيلقي بنفسه على الفراش، ولا يستيقظ إلا قرب القيلولة، ويتركها أول الليل وحيدة تذرف عيناها بالدموع، لا تدري أين هو، ليس عندها من يؤانسها، ولا يسمح لها أن تكون عند أهلها، ولا أن تكون عند جيرانها، فهي وحيدة ولا تدري أين هو، هل هو في بئر أو في بطن سبع؛ أو على أي شيء سَهِر؟ وسهره غالباً على معاصٍ، حيث إنه نشأ منذ ترعرع مع أولئك الفاسدين المفسدين، فيسهرون على لعب ولهو، ويسهرون على غناء وطرب، ويسهرون على أعواد وعلى دفوف وعلى طبول طوال ليلهم، وقد يسهرون على خمر وزمر ودخان وما أشبه ذلك، وقد يسهرون على مشاهدة أفلام خليعة عبر القنوات الفضائية، ينظرونها ويشاهدونها عبر الشاشات، ويكون ليلهم ضحكاً وقهقهة وتفكهاً وتسلية، كما يعبرون، وهكذا ينقضي ليله، ولا شك أنها تتألم وتتضرر إذا كانت هذه حالته.
فعلى هذه الحال لها أن تطلب الطلاق، كيف تقيم زمناً طويلاً وهي وحيدة ليس عندها من يؤانسها، ولا من يزيل وحشتها؟!! وهكذا أيضاً كثير من الأزواج يكون سيئ الخلق مع امرأته، فهو يشدد عليها، ودائماً يسبها ويشتم ويثلب ويعيب ويقبح، ويمد يده ويضرب ويؤلم، وينتقدها على أقل شيء مما ينتقد، ويدقق عليها بأي شيء إذا لم تفعله، بحيث إنه إذا جاء مثلاً وتأخرت عن إحضار الطعام قام وسب وأقذع في السب، وبالغ فيه، وتكلم بكلام سيئ يقلق راحتها، ويقض مضجعها، فهذا بلا شك مما يسبب قلقها، حتى لا تصبر، وتطلب الفراق ولو كان ما كان، وتتمنى أن تعيش وحيدة ولا أن تكون قرينة ذلك الزوج.
كذلك مما يسبب الفراق أيضاً أن كثيراً من الأزواج يكون شديداً على امرأته، بحيث يهجرها دائماً، ويغلق عليها، ولا يترك لها متنفساً، فلا يمكنها من زيارة أبويها ولا أقاربها، حتى ولو استدعوها، ولا يمكنها من زيارة أهل فلان كأصدقاء أو جيران لها، فهي دائماً منفردة، مغلق عليها بأشد التغاليق، فماذا تفعل؟ لا شك أنها والحال هذه لا يهنأ لها عيش، ولا يستقر لها قرار، فتكون متمنية دائماً أن تفارقه؛ لأنها تعتبر سجينة، وتعتبر نفسها في أشد الضرر؛ وذلك مما يسبب طلبها الفراق؛ بسبب الصحبة السيئة.
كذلك أيضاً كثير من الأزواج سيئ الظن بامرأته، بحيث إنه يكاد أن يقذفها وأن يرميها بفعل الفاحشة، إذا رآها رفعت السماعة اتهمها أن لها أصدقاء، وإذا رآها خرجت اتهمها أنها خرجت للزنا، أو نحو ذلك، ودائماً يسألها ويحلّفها، وأدنى حركة يظن أنها فعلت مع غيره أو زنت أو نحو ذلك، مع أنها في الظاهر محصنة قد أحصنت فرجها، قد حفظت نفسها، ولكن لشدة ظنه وتشدده يقع منه هذا الظن السيئ، وقد ورد النهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث) .
وهناك أسباب أخرى لعلكم تعرفونها أكثر مما ذكرنا.
وأما بالنسبة للزوجة فلا شك أيضاً أنه يحصل منها أسباب تحمل الزوج على الفراق، منها: أن كثيراً من الزوجات نشأت في بيت ترف، وفي بيت إسراف، وفي بيت فساد، قد أعطاها أهلها ما تريد، وقد أطلقوا لها الحرية، وقد مكنوها من كل شيء تتمناه، فهي عند أهلها قبل زواجها تسرح وتمرح، إذا شاءت دخلت الأسواق وحدها أو مع غيرها، ولا تبالي أن تزاحم الرجال، وقد تتكشف وتتبرج أمام الرجال الذين يحتكون بها.
وكذلك أيضاً قد تطول غيبتها عن أهلها، وأهلها قد أطلقوا لها الحرية، وتركوا لها الحبل على الغارب، ومكنوها مما تريد.
ومنها: أن كثيراً من البنات تعيش عند أهلها فيما يسمونه بالرفاهية والتنعم، فهم يجلبون لبناتهم ما يتمنينه، فتجد البنات قد نشأن على سماع الغناء دائماً والتلذذ به، ونشأن على رؤية الصور التي تفتن، فهن دائماً مقابلات لهذه الشاشات التي تُعرض فيها الصور الفاتنة الفاضحة، والمرأة ضعيفة التحمل، فهي قد عاشت على هذه العيشة الشريرة التي عاقبتها سيئة.
ومنها: تمكين أهلها لها من شراء الصور الفاتنة، والمجلات الخليعة التي فيها صور فاتنة هابطة، إذا رآها الرجل أو المرأة اعتقد أن أهلها هم أهل الرقي وأهل التقدم وأهل الحضارة وأهل الثقافة، فتقلدهم، وتفعل كما تفعل أولئك النساء اللاتي صورت صورهن في تلك المجلات متكشفات متبرجات، فماذا تكون حالتها وقد عاشت عشرين سنة أو نحوها على هذه الصور، وعلى النظر فيها؟ لا شك أنها تحب التقليد لأولئك، فهذا من أسباب فساد البنات.
ومنها: أن كثيراً من البنات يمنعهن أهلهن من العمل، فإذا دخلت بيتها فليس لها عمل إلا أن تنطرح على فراش أو تقرأ في قصة، أو تنظر إلى أفلام أو صور، ولا تمد يدها لشغل، قد أراحها أهلها، واجتلبوا لها خادمة تكفيها مئونة بيتها، فهي لا تحسن أن تصلح طعاماً، ولا أن تصلح شراباً، ولا أن تغسل ثوباً، ولا أن تنظف بيتاً، ولا أن تنظف إناءً، قد اعتادت الرفاهية، واعتادت الكسل، واعتادت الخمول، ورضيت بذلك، ورضي بذلك أهلها، ولم يعلموها أية حرفة، فإذا تزوج مثل هؤلاء البنات ماذا تكون حالتهن إذا تزوجن؟! فهل في الإمكان أن تشتغل لزوجها؟ لا يمكن أنها تشتغل، سمعت قصة أوردها شيخنا الشيخ ابن حميد رحمه الله، وهي: أن رجلاً كان وحيداً هو ووالدته في بيت واسع، ثم إنه تزوج امرأة وقال: أتزوج يا والدتي امرأة تساعدك على شغل الدار، وتشتغل وتحترف معك، فلما تزوج تلك المرأة التي قد رفهها أهلها ونعموها، وعاشت في غاية التنعم، دخلت إلى بيته وبقيت على الفراش، ففي اليوم الأول قامت أمه بإصلاح الطعام وبكنس الدار، والزوجة الجديدة تنظر إليها، ثم في اليوم الثاني رأى والدته أيضاً قامت تكنس الدار وتصلحها، فقال: يا أماه! دعيني أكنس معك.
يريد بذلك إثارة همة هذه الزوجة لعلها أن ترفق به وتقول: بل أنا أقوم مقامك، ولا تكلف نفسك، أنت رجل.
فامتنعت أمه وصارت هي التي تكنس.
في اليوم الثالث دخل وإذا أمه تكنس الدار، أيضاً حاول أن يكنس معها فأبت أمه، فأطلت هذه الزوجة الجديدة من النافذة تتفرج عليهما، فقالت: أنا أحكم بينكما: عليك أن تكنس يوماً، وعلى أمك أن تكنس يوماً! هذا جوابها!! ما تنازلت أن تنزل وتريح زوجها من هذا العمل، ففي هذه الحال ماذا تكون حالتها؟ فالرجل يتزوج المرأة من أجل أن تريحه، وأن تصلح له الطعام، فإذا جاء من عمله يجده مهيأًً، وكذلك تغسل ثوبه، وتغسل أواني بيتها وما أشبه ذلك، فإن هذا لا يضرها، بل إنه يعودها على الحركة، ويذهب عنها الخمول والكسل الذي اعتادته ونشأت عليه، وهو مما يضر بصحتها.
فهذا ونحوه من أسباب الفراق، إذا تزوجها ولم يجد منها إلا خمولاً وضعف همة، وانقطاعاً عن أن تنفعه أو تنفع غيره، فلا شك أن هذا يسبب الفراق.
كذلك مطالبتها بما نشأت عليه، مثل أن يحضر لها تلك المجلات الخليعة؛ لأنه لا صبر لها عنها؛ ولأنها تربت عليها، أو دخل عليها وعثر عليها عندها، فهذا مما يجلب له الظن السيئ بها، وكذلك إذا ألحت عليه في أن يجلب لها الأفلام والصور الخليعة المسجلة في أشرطة الفيديو وغيرها، أو طلبت منه أن يمكنها من شراء هذه الأفلام، فهذا أيضاً مما يسبب مقته وبغضه، لها وسرعة فراقه لها.
ومنها: إذا رآها مكبة على سماع الغناء الماجن والتلذذ به، ولا همة لها في أن تصلح شأنه أو شأن بيتها، بل هي مكبة على هذا السماع واللهو، فهذا من أسباب الفراق، فيمقتها ويقول: هذه لا حاجة لي فيها، ولا منفعة لي منها، فكيف أتحمل؟! وكيف أصبر وأقوم أنا بخدمتها؟! ولا شك أن هذا من آثار تربية أهلها الذين ربوها التربية السيئة، ولم يعلموها شيئاً من عمل البيت ولا من عمل الحرفة، ونعموها، وأحضروا لها مطالبها.
ومنها: كون البنت درست وواصلت الدراسة، ووصلت إلى مرحلة راقية، أصبحت جامعية أو دكتورة أو نحو ذلك، وقد يكون الرجل دونها في هذا المؤهل، فتحتقره، وتقلل من شأنه، ومن أمره، وتقول: أنا أرفع منك رتبة، وأنا أعز منك منزلة، وأنا وأنا مما يجعله يبغضها، ويعجل بفراقها.
ومن أسباب الفرقة: الوظيفة، كونها موظفة في مدرسة كمدرسة أو مديرة أو نحو ذلك، أو موظفة في مستشفى كطبيبة أو ممرضة أو ما أشبه ذلك، فإن هذا أيضاً يأخذ منها وقتاً طويلاً على زوجها، وتكلفه أيضاً إيصالها أو ردها، أو تكلفه إحضار خادم أو سائق يذهب بها ويجيء، وذلك مما قد يسبب الريبة لخلوته بها، ولمخاطبته لها، ولا تلين لزوجها، بل تلزمه بذلك إلزاماً، فهذا ونحوه من آثار التربية السيئة.
(67/3)
________________________________________
علاج الأسباب المؤدية إلى الطلاق
الواجب على الوالدين أن يربوا أولادهم ذكوراً وإناثاً التربية الصحيحة، التربية السليمة، فيربون الذكور على محبة العلم والعمل، العلم النافع، والعمل الصالح، والعبادة ومحبتها، ومحبة الصالحين، وعلى الآداب الإسلامية، وعلى الأخلاق الفاضلة العالية، ومن ذلك حسن المعاملة لأبويهم، وكذلك لإخوتهم وللمسلمين عموماً ذكوراً وإناثاً، فإن الشاب إذا نشأ على هذه التربية علم بأن عليه حقوقاً: حق لله تعالى، وحق لعباده، وحق لنفسه، وأعطى كل ذي حق حقه، وعرف أنه إذا تزوج فإنه يجب عليه حسن المعاملة لهذه الزوجة، وحسن الصحبة، والتخلق بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، وبذل الندى، وكف الأذى، وحسن المعاملة، وتجنب مساوئ الأخلاق، وإعطاؤها حقوقها، وتمكينها مما تريد مما لا محظور فيه، حتى تألفه، وحتى تعيش معه عيشة طيبة، وتجد مطلبها وراحتها، ويرزقها الله تعالى رزقاً حسناً.
وكذلك الزوجة إذا تربت على ذلك كان في ذلك توفيقاً بإذن الله لكل من الزوجين، وكل منهما يعيش العيشة الطيبة، ويحيا حياة طيبة، ويسعد سعادة طيبة، هذا هو العلاج الفعال لبقاء الزوجية، وعدم المفارقة لها.
(67/4)
________________________________________
تعليق الطلاق بالشروط
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ومن علق طلاقًا ونحوه بشرطٍ لم يقع حتى يوجد، فلو لم يلفظ به وادعاه لم يقبل حكمًا.
ولا يصح إلا من زوجٍ بصريحٍ وكنايةٍ مع قصدٍ، ويقطعه فصلٌ بتسبيحٍ وسكوتٍ، لا كلامٌ منتظمٌ، كأنت طالقٌ يا زانية إن قمت.
وأدوات الشرط نحو: "إن" و"متى" و"إذا"، وإن كلمتك فأنت طالقٌ فتحققي أو تنحي ونحوه تطلق، وإن بدأتك بالكلام فأنت طالقٌ، فقالت: إن بدأتك به فعبدي حر، انحلت يمينه وتبقى يمينها، وإن خرجتِ بغير إذني ونحوه فأنت طالقٌ، ثم أذن لها فخرجت، ثم خرجت بغير إذنٍ، أو أذن لها ولم تعلم طلقت.
وإن علقه على مشيئتها تطلق بمشيئتها غير مكرهة، أو بمشيئة اثنين، فبمشيئتهما كذلك، وإن علقه على مشيئة الله تعالى تطلق في الحال، وكذا عتق.
وإن حلف لا يدخل دارًا، أو لا يخرج منها، فأدخل أو أخرج بعض جسده أو دخل طاق الباب، أو لا يلبس ثوبًا من غزلها فلبس ثوبًا فيه منه، أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه لم يحنث، وليفعلن شيئًا لا يبر إلا بفعله كله ما لم يكن له نيةٌ، وإن فعل المحلوف عليه ناسيًا أو جاهلًا حنث في طلاقٍ وعتاقٍ.
وينفع غير ظالمٍ تأول بيمينه.
ومن شك في طلاقٍ أو ما علق عليه لم يلزمه، أو في عدده رجع إلى اليقين.
وإن قال لمن ظنها زوجته: أنت طالقٌ.
طلقت زوجته، لا عكسها.
ومن أوقع بزوجته كلمةً وشك هل هي طلاقٌ أو ظهارٌ لم يلزمه شيءٌ] .
هذا الفصل يتعلق بالحلف بالطلاق، ويتعلق بتعليق الطلاق بالشروط، هكذا يبوبون: باب الحلف بالطلاق، أو باب تعليق الطلاق بالشروط.
والشروط هاهنا: هي الأمور المستقبلة، فمتى علق الطلاق أو العتق أو البيع أو نحو ذلك بشرط فلا يقع ذلك الشيء حتى يوجد ذلك الشرط، ويكثر تمثيل الفقهاء بهذا الشرط، ويقولون: متى علقه بشرط تعلق به، ولو أراد نقضه لم يقدر؛ لأن الشرط تعلق به، فلو قال: إن ولدت امرأتي ابنة فهي طالق.
ثم ندم قبل أن تلد، وهي لا تزال حاملاً، وقال: أبطلت شرطي، أبطلت طلاقي، لا ينفعه؛ وذلك لأنه علقه بشيء مستقبل، فإذا ولدت أنثى وقعت الطلقة التي علق بها.
وهكذا أيضاً إذا علقه بزمان مستقبل، كأن يقول: إذا دخل شهر ربيع الثاني فامرأتي طالق، وندم قبل انسلاخ هذا الشهر؛ لم ينفعه ندمه، بل تطلق بدخول شهر ربيع الثاني، ولو حاول إبطال الشرط، فإنه لا ينفعه إبطاله.
وكذلك إذا قال: متى قدم زيد فامرأتي طالق، ثم ندم قبل قدوم زيد، ما نفعه ندمه، بل يقع الطلاق وقت قدوم زيد.
(67/5)
________________________________________
ضرورة التلفظ بالشرط المعلق في الطلاق
الشرط لابد أن يكون ملفوظاً، ثم قد يكون الشرط فعلاً، كأن يقول مثلاً: إن سافرتِ بدون محرم فأنت طالق، أو أنت طالق إن ركبت مع أجنبي.
وقد يقول: إنني أريد شرطاً ولم أتلفظ به، في هذه الحال هل ينفعه إذا قال: أنت طالق، ثم قال بعد مدة: أردت إذا سافرتِ؟ فقالت: أنت ما أسمعتني هذا الشرط، سمعتك تقول: أنت طالق، وسمعك فلان وفلان تقول: أنتِ طالق، فقال: إني أريد إذا سافرتِ بدون محرم، أو إذا خرجت بدون رضاي أو ما أشبه ذلك، وإنما قلته بقلبي، هل ينفعه ذلك؟ لا ينفعه إذا لم يتلفظ بذلك الشرط، وادعاه بعد ما وقع الفعل، بعدما وقع الطلاق لم يقبل حكماً، وأما إذا لم يسأل، وكانت هذه نيته، أو دلت على الشرط قرائن فإنه يُقبل؛ وذلك لأن هذا شيء بينه وبين الله، لا يعلم ما في قلبه إلا الله.
فإذا قال: ما طلقتها بهذا اللفظ إلا إذا فعلت هذا الفعل: إذا سمعت أغاني مثلاً، أو إذا خاطبت أجنبياً، أو إذا خرجت إلى الأسواق بدون إذني، أو إذا تبرجت وتكشفت للناس، هذه نيتي، فيقال له: أنت ما تكلمت بهذا، سمعك فلان وفلان تقول: أنتِ طالق، أو امرأتي طالق، ولم تقل: إن خرجت، ما أتيت بالشرط، فإذاً لا يُقبل منه، إلا إذا كان ذلك بينه وبين الله، ولم يسمع الطلاق منه أحد إلا امرأته.
(67/6)
________________________________________
عدم صحة الطلاق المعلق وغيره إلا من زوج
قال المصنف رحمه الله: (لا يصح الطلاق إلا من زوج) .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) يعني: الزوج، فإنه هو الذي يمسك امرأته وقت الوقاع، يمسك ساقها، ويمسك عضدها، الطلاق للزوج، فلو طلق عليه أبوه -مثلاً- لم يقع، لا يقول: امرأة ابني طالق، أو امرأة والدي طالق، أو امرأة أخي، لا يقع الطلاق إلا من الزوج.
وقد ذكرنا أن الطلاق صريح وكناية، وصريح الطلاق كقوله: أنت طالق، أنت مطلقة، قد طلقتك، وكذلك: فارقتك، وسرحتك، وما أشبه ذلك، هذا صريح.
والكناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية، كناية الطلاق هي اللفظ الذي ليس بصريح، مثل: اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، وأنت خلية، وأنت برية، وأنت بائن، وأنت حرة، وأنت حرج، ولست لي بامرأة، وحبلك على غاربك، وأمثال ذلك، فهذه محتملة، فإذا كان هناك نية أو هناك قرينة وقع الطلاق بالكناية.
(67/7)
________________________________________
ما يقطع التعليق في الطلاق؟
قال المصنف رحمه الله: (يقطعه فصل بتسبيح وسكوت، لا كلام منتظم) .
الضمير في (يقطعه) الشرط والاستثناء، يقطعه تسبيح وسكوت، فلو قال مثلاً: أنت طالق، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، إن قمتِ، إن خرجتِ، بطل الشرط، ووقع الطلاق، ولا ينفعه هذا الشرط، وكذلك لو قال: أنت طالق، ثم سكت سكوتاً يمكنه أن يأتي فيه بكلام، وبعد سكوته قال: إن ركبت مع أجنبي.
لماذا لم تأتِ بالشرط ساعة ما نطقت بالطلاق؟ لا ينفعه هذا الشرط المتأخر؛ لأنه فصل بين الطلاق والشرط بالسكوت.
أما إذا كان الكلام متواصلاً فإنه والحال هذه يعتبر الشرط، ومثلوا له بقوله: أنتِ طالقة يا زانية إن قمت، كلمة (إن قمت) هذه هي الشرط، وفصل بينها بقوله: (يا زانية) ، وهكذا لو دعاها باسمها، إذا قال: أنت طالق يا بنت زيد إن خرجت بلا إذني، فهذا كلام متصل، ويعتبر الشرط، ولا تطلق إلا إذا خرجت بغير إذنه.
(67/8)
________________________________________
أدوات الشرط المستعملة في الطلاق المعلق
ذكر المصنف أدوات الشرط، وهي معروفة في علم النحو وغيره، لكن اقتصر هنا على ثلاث: (إن) وهي الأصل، و (متى) ، و (إذا) .
مثالها: أنت طالق إن كلمتِ زيداً هاتفياً، أو أنتِ طالق متى خرجتِ بدون إذني، أنت طالق إذا ركبتِ مع سائق أجنبي.
أتى بـ (إن، وإذا، ومتى) فمتى أتى بها متصلة وقع الطلاق إذا وقع الشرط، هذا هو قول جمهور العلماء، أن الطلاق المعلق يقع بوقوع ذلك الشيء الذي علقه، إذا كان ذلك في الإمكان، وأما إذا علقه بشيء غير متصور؛ فإنه لا يقع، ومثل له بعض العلماء بما إذا قال: أنت طالق إن طرتِ، أو صعدتِ السماء، أو قلبت الحجر ذهباً، أو رددتِ اليوم الماضي، أو أحييتِ هذا الميت.
فهل يقع الطلاق؟ هذا شيء لا يتصور، ولا يمكن أن تقدر عليه، لا يمكن أن تقلب الحجر ذهباً، ولا أن تحيي الأموات، ولا أن ترد مثلاً يوم السبت الماضي.
وأما إذا عكس ذلك فإنها تقع الطلقة، إذا قال: أنت طالق إن لم تحيي الموتى، فتطلق في الحال، أنت طالق إن لم تصعدي إلى السماء، تطلق في الحال، وأشباه ذلك.
(67/9)
________________________________________
حكم وقوع الطلاق المعلق
الطلاق المعلق عند جمهور العلماء يقع متى وقع الشرط، وهناك خلاف، فذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه إذا لم ينوِ الطلاق، وإنما نوى التهديد، اعتبر يميناً، وكفاه أن يكفر كفارة يمين، وهذا هو الواقع كثيراً من الناس، فأكثر من يعلق الطلاق لا يقصد الطلاق، وإنما يقصد الحض أو المنع، يريد بذلك تهديدها، فإذا طلبها من أهلها وقال: اركبي معي، اذهبي إلى البيت، فتثاقلت فقال: إن لم تذهبي معي فأنت طالق، يقول: ما أردت طلاقها، ولكن أردت تخويفها حتى تخاف من الطلاق وتركب معي، ولكنها تمادت وعصت ولم تركب معه، هل يقع طلاقاً؟ يفتي شيخ الإسلام بأنه لا يقع الطلاق وإنما يكفر بإطعام عشرة مساكين كفارة يمين؛ فهو رحمه الله لاحظ المراد من هذا اللفظ.
كذلك إذا طلب أن يزور أهله وقال: تعالي معي إلى أهلي، فتثاقلت، فقال: إن لم تركبي معي إلى أهلي فأنت طالق، يريد بذلك تخويفها حتى تطيعه، ولا تتخلف، ولكنها امتنعت، فهل يقع الطلاق؟ يقول شيخ الإسلام: عليه كفارة يمين، وهذا يقع من كثير من الأزواج، فيعتبره شيخ الإسلام يميناً، ويعتبره غيره طلاقاً معلقاً.
إذا قال مثلاً: إن خرجت من البيت فأنت طالق، فقال: ما أريد طلاقها، ولكني أريد ألا تخرج من البيت أو قال مثلاً: إن ركبتِ مع فلان، أو إن كلمتِ فلاناً ولو هاتفياً فأنت طالق، ثم قال: ما أريد فراقها، ولكني أريد تهديدها حتى لا يقع منها هذا العصيان، فهذا يعتبره شيخ الإسلام يميناً، فيها كفارة اليمين، ولو لم يكن حلفاً صريحاً، ولكن كأنه حلف، كأنه يقول: والله لتذهبن معي، أو لأمنعنك أن تركبي مع فلان، أو أن تكلمي أجنبياً، أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا حلفاً.
ولما أفتى شيخ الإسلام بهذا وافقه كثيرون، حتى الخصوم الذين خالفوه في كثير من المسائل الفرعية والأصولية وافقوه على هذه الفكرة، وله رسالة في تعليق الطلاق بالشروط، وكون ذلك يميناً، طبعت في المجلد الرابع والثلاثين، وقد أفردت وطبعت في نسخة مستقلة، وعلق عليها، وجعل لها مقدمة، وهذا يريح كثيراً من الذين يعلقون الطلاق بشرط مستقبل، ولا يكون قصدهم إيقاع الطلاق.
وأما الشيء الذي ليس باختيارها فإنه على الصحيح يقع به الطلاق، وقد مثلنا له في أول الكلام، كما لو قال: إن ولدتِ أنثى فأنت طالق، فهنا تطلق؛ وذلك لأن الذكور والإناث ليس باختيارها، وكذلك إذا قال: أنتِ طالق إذا دخل شهر ربيع الثاني، وهاهنا تطلق ولا يقال: إنه تهديد، ولا إنه حض، ولا إنه منع، وكذلك لو قال: أنتِ طالق إذا قدم زيد من سفره، فقدومه ليس باختيارها، فهذا لا يصلح تهديداً ولا وعيداً، وليس فيه حض ولا منع، فكل شيء ليس في إمكانها أن تفعله فإنه يقع، ويكون طلاقاً معلقاً بشرط، وأما الأشياء التي يكلمها به وفي إمكانها أن تفعل أو تترك فيعتبرونها يميناً، ويفتي بذلك شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وغيره من زملائه، فإذا جاءهم من يقول: إني قلت لامرأتي: إن خرجت إلى السوق فأنت طالق، ثم ندمت فماذا أفعل؟ يقولون: هل أنت تريد الطلاق أو لا تريده وإنما تريد منعها؟ فإذا قال: أنا أريد امرأتي، ولا أرغب طلاقها، ولكني أردت أن تمتنع عن هذا الخروج، فيقولون: إذاً عليك الكفارة.
أما إذا قال: إني عازم على الطلاق، وأريد أن يكون آخر عهدي بها خروجها أو مكالمتها، ولا أريدها بعد ذلك، أنا أريد طلاقها، ولكن يتوقف طلاقها على هذا الفعل، فهنا تقع الطلقة أو الطلقات.
بعد ذلك أتى المصنف بأمثلة: إن كلمتك فأنت طالق فتنحي أو تحققي أو نحو ذلك؛ فإنها تطلق؛ وذلك لأنه كلمها، أليس قوله: (فتحققي أو تنحي) كلام؟ نعم، فتطلق؛ وذلك لأنه علق الطلاق بكلامه، ومع ذلك أوقع الكلام، فتطلق، هذا على قول الجمهور في أن التعليق يقع به طلاق، وأما على قول شيخ الإسلام فإنه لا يقع، ويكون يميناً إذا لم يقصد الطلاق، وإنما قصد منع نفسه أن يكلمها في هذه الحال كلاماً مطلقاً.
قوله: (إن بدأتك بالكلام فأنت طالق) يعني: إذا ابتدأتك بعد هذه الجملة، لكنها قالت له: (إن بدأتك به فعبدي حر.
انحلت يمينه) ؛ وذلك لأنه ما بدأها، بل هي التي بدأته بقولها: إن بدأتك به فعبدي حر، فلا تطلق، حيث إنها هي التي بدأته، وأما هي فتبقى يمينها، فإذا كلمته بعد ذلك عتق عبدها؛ لأنها بدأته بعد هذا الكلام.
قوله: (إن خرجت بغير إذني -أو نحو ذلك- فأنت طالق) يعني: إن خرجتِ إلى السوق، أو إلى الأندية، أو إلى الاستراحات، أو أماكن اللهو بغير إذني فأنت طالق، ثم أذن لها فخرجت، فهذه المرة ما تطلق، لكن خرجت بعد ذلك بغير إذنه، أو أذن لها ولم تعلم بإذنه لها وخرجت، في هذه الحال تطلق، المرة الأولى أذن، والمرة الثانية ما أذن، أو أذن ولم تعلم.
أما إذا أبطل كلامه وقال: قد أبطلت كلامي، قد أذنت لك متى شئتِ؛ فإنها لا تطلق.
(67/10)
________________________________________
حكم تعليق الطلاق على مشيئة المرأة أو اثنين
قال المصنف رحمه الله: (وإن علقه على مشيئتها تطلق بمشيئتها غير مكرهة) إذا قال: أنتِ طالق متى شئتِ، فإذا قالت: قد شئت، أنا أريد الطلاق، أنا أشاء الطلاق، طلقت؛ لأنه علقه على فعل لها، وهذا الطلاق لا يعرف إلا من قبلها، فإذا قالت: قد شئت الطلاق، أو قد أردته، وليست بمكرهة؛ طلقت.
أما إذا أكرهها أبوها، وقال: إنه أراد طلاقك، اطلبي منه الطلاق، قولي: إني قد شئت، وإلا ضربتكِ، وإلا أوجعتكِ، أو قاله أخوها لها، فأكرهوها على أن تقول: إني قد شئت الطلاق، فهاهنا هي مكرهة، وتقدم أن الإكراه يمنع وقوع الطلاق.
وإذا علق الطلاق بمشيئة اثنين فلا تطلق إلا بمشيئتهما جميعاً، فإذا قال: أنت طالق إذا شاء أبوك وأمك، فقال أبوها: أنا قد شئت، وقالت أمها: أنا لم أشأ، ولا أريد أن تطلق، لا تطلق؛ لأنه علقه على مشيئة اثنين، وكذلك على مشيئة أخويها أو أختيها، إذا شاء أحدهما وقال: أنا أريد أنها تطلق، وقال الآخر: أنا لا أريد، فلا يقع الطلاق إلا بمشيئتهما جميعاً.
وإن علقه على مشيئة الله تعالى تطلق في الحال؛ وذلك لأن مشيئة الله نافذة، والله تعالى يشاء كل ما في الوجود، فإذا قال: أنتِ طالق إن شاء الله.
طلقت في الحال، وإذا قال لعبده: أنت حر إن شاء الله، أو أعتقتك إن شاء الله، فمتى يعتق؟ يعتق في الحال؛ لأن كل ما يقع فإنه يكون بمشيئة الله تعالى.
(67/11)
________________________________________
الحلف بالطلاق بنية الحث أو المنع أو التضمين
ذكر المؤلف بعد ذلك أمثلة من الكلام الذي هو حلف؛ وذلك لأن كثيراً من الطلاق يعتبرونه حلفاً، فأتوا بهذه الأمثلة: إذا حلف لا يدخل داراً، أو لا يخرج منها، فأدخل أو أخرج بعض جسده، أو دخل طاق الباب، في هذه الحال هل يحنث؟ لا يحنث؛ لأنه ما فعل المحلوف عليه، ومثله الطلاق، لو قال: أنت طالق إن دخلت هذه الدار، فأدخلت رأسها، أو وقفت فوق الطاق، والطاق: هو الباب، إذا فتح ووقفت تحت الطاق، ما تطلق؛ لأنه ما حصل الدخول.
وكذلك لو قال: والله! لا أخرج من هذه الدار اليوم، فأطل من النافذة، وأخرج رأسه أو نحو ذلك، أو وقف في طاق الباب فلا يحنث.
وكذا لو قال لامرأته: إن خرجت من هذه الدار في هذا اليوم فأنت طالق، فأخرجت رأسها من نافذة أو من الباب، أو وقفت في طاق الباب، فلا تطلق، وكذلك إذا أخرجت يدها من الباب أو من النافذة.
إذا حلف ألا يلبس ثوباً من غزلها، فلبس ثوباً بعضه من غزلها، وبعضه من غيره، وغزلها هو الذي تحيكه، كان النساء يغزلن الصوف، وإذا غزلنه نسج ثياباً أو فرشاً أو بيوت شعر أو نحو ذلك، إذا قال: والله لا ألبس ثوباً من غزلها ولبس ثوباً بعضه من غزلها، وبعضه من غيره، ما يحنث.
وكذلك لو قال: إن لبست ثوباً من غزلها فهي طالق، ولبس ثوباً بعضه من غزلها، فلا تطلق.
إذا حلف ألا يشرب ماء هذا الإناء، كان الإناء فيه ماء فقال: والله! لا أشرب ماء هذا الإناء، فإذا شرب بعضه وقد حلف ألا يشربه لم يحنث، أما إذا حلف أن يشربه وشرب بعضه حنث، فإذا شربه كله لم يحنث.
وكذا الطلاق إذا قال: أنت طالق إن شربتِ ماء هذا الإناء، فإنها لا تطلق إذا شربت نصفه أو ثلثيه؛ لأنه علق الطلاق على شربه كله.
أما إذا قال: أنت طالق إن لم تشربي ماءه، فإذا شربته كله لم تطلق، وإن شربت بعضه طلقت.
إذا قال: والله لآكلن هذا الرغيف، أو والله لألبسن هذا الثوب أو هذه الحلة، فلا يبر إلا إذا فعله كله، ما لم يكن له نية، لو أكل بعضه حنث، وكذا لو حلف على امرأته: إن لم تأكلي هذا الرغيف فأنت طالق، فأكلت نصفه طلقت، وإن أكلته كله لم تطلق.
أو قال: أنت طالق إن أكلت الرغيف، فإن أكلت نصفه لم تطلق، وإن أكلته كله طلقت.
وهكذا إذا قال: أنت طالق إن لم تشربي هذا الماء، وشربت نصفه فإنها تطلق، فإن شربته كله لا تطلق.
أنت طالق إن شربت هذا الإناء، يعني: إن شربته أكله.
إذا كان له نية فإنها تنفعه نيته، كما لو لم يكن يتصور، لو قال مثلاً: إن شربت ماء هذا النهر فأنتِ طالق، معلوم أنه لا يتصور أن الإنسان يشرب ماء النهر الجاري كله، فعلى هذا إذا شربت منه فإنها تطلق؛ لأن القرينة تدل على أنه لا يريد شربه كله، وكذلك مثلاً لو كان الطعام كثيراً، فإذا ذبح مثلاً كبشاً، وقال: إن لم تأكلي هذا الكبش فأنت طالق.
يريد بذلك: إن لم تأكلي منه، لا يريد أنها تأكله كله؛ فإن هذا متعذر.
(67/12)
________________________________________
حكم من علق الطلاق والعتاق بشيء ففعله ناسياً
ذكروا أنه يعذر من حلف على شيء ثم فعله ناسياً أو جاهلاً، إلا في الطلاق والعتاق، فإذا قال: إن لبست هذا الثوب فامرأتي طالق، ولبسه، وقال: إني نسيت أني علقت الطلاق على لبسه، هل يقبل قوله؟ لا يقبل، بل يقع الطلاق؛ وذلك لأنه ادعى شيئاً خفياً، فنحن نعامله بالظاهر، فنقول: تطلق المرأة، وكذلك العكس، لو قال: إن لبست هذا الثوب فعبدي حر، ثم لبسه وقال: إني نسيت، أو إني جاهل أنه هو الثوب الذي علقت العتق على لبسه، فيعتق العبد؛ وذلك لأن الطلاق والعتق فيهما حق لآدمي، وحقوق الآدميين مبنية على المشاحة والمضايقة، فلأجل ذلك يقع الطلاق ويقع العتاق؛ بخلاف اليمين فإنها لا تقع.
ومعنى ذلك: أنه لو قال: والله! لا ألبس هذا الثوب، ثم لبسه ناسياً، فلا يحنث، والله! لا أركب هذه السيارة، ثم ركبها ناسياً ليمينه أو جاهلاً أنها السيارة التي حلف ألا يركبها، فإنه لا كفارة عليه، وما ذاك إلا لأنه معذور بالنسيان وبالجهل؛ لأن الناسي معذور، قال تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ، فإذا حلف أنه لا يركب فركب، أو حلف أنه لا يشرب فشرب، وقال: إني ناسٍِ أو جاهل؛ قُبل قوله ولم يلزمه كفارة، وإذا طلق أو أعتق أنه لا يركب وقال: إن ركبت فامرأتي طالق، إن شربت فامرأتي طالق أو عبدي حر، فشرب الماء، أو ركب البعير، أو أكل من اللحم الذي علق عليه طلاقاً ففي هذه الحال يقع الطلاق، حتى ولو قال: إني ناسٍ، ويقع العتاق، ولو ادعى النسيان؛ لأنه ينكر حقاً لغيره.
(67/13)
________________________________________
حكم المعاريض في الطلاق والعتاق وغيرهما
قال المصنف رحمه الله: (وينفع غير ظالم تأول بيمينه) .
التأويل: هو ما يسمى: بالمعاريض، أو تأويل الكلام بتأويل فيه غرابة، وقد ذكروا أمثلة كثيرة في بعضها غرابة، ولكن يقولون: إن فيها مخرجاً من بعض المآزم، ولا يسمى: كذباً، مثاله: في غزوة بدر لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأقبل على بدر لقي رجلاً من المشركين، فسألوه: (ما أخبار قريش وما أخبار محمد؟ فسألهم: ممن أنتم؟ فقالوا: أخبرنا ونخبرك.
فأخبرهم بما سمع عن هؤلاء وهؤلاء، ثم قال: من أنتم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء) يعني: أننا خلقنا من ماء، فظن أن هناك قبيلة يقال لها: (ماءً) وصدقهم، وليس في هذا كذب، ولكن فيه تأويل، فالتأويل ينفع إذا كان المؤول غير ظالم، وأما إذا كان ظالماً فليس له أن يتأول، فمثلاً الإنسان الذي عنده دين أو عنده مال، إذا حلف وقال: والله! ماله عندي شيء، وقال: أردت بذلك ماله عندي، وهو شيء، فصاحب المال يعتبر أن هذا حلف على النفي، ونية الحالف على الإثبات، أي: له عندي شيء.
فمثل هذا يعتبر كذباً، ولا ينفعه هذا التأويل.
وقد كثر التأويل من قبل أهل البدع في كثير من النصوص، واعتبروه أنه نافع، ولكن ليس بنافع لهم؛ لأنهم متأولون ما لا يحل لهم، فأول بعضهم قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] فجعلوا كلمة: (إلى) اسماً لواحد الآلاء التي هي النعم، قالوا: (إلى) -يعني: نعمة- (ربها ناظرة) وهذا تأويل بعيد.
ومثال التأويل الظالم: لو قال: هل رأيت بعيري؟ فقال: والله ما رأيته، مع أنه قد تركه عنده، لماذا حلفت وهو عندك؟ قال: حلفت ما رأيته؛ يعني: ما طعنت رئته، رأيته يعني: طعنته في الرئة وأخرجت رئته، وكذلك لو قال: ما قلبته، وأراد بذلك: ما قطعت قلبه، فإن هذا تأويل باطل إذا كان المؤول ظالماً وكاذباً وسارقاً، ولا ينفعه تأويله، وأما إذا كان غير كاذب وغير ظالم فإنه ينفعه تأويله، وينفعه الكلام الذي قد يفهم منه غير ظاهره، فلا يكون في ذلك كذب.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بكلمات حق، وقد يفهمها بعض على غير ما هي عليه: (جاء إليه رجل فقال: يا رسول الله! احملني.
فقال: أحملك على ولد الناقة، فقال: لا يطيقني، فقال: والله! لا أحملك إلا على ولد الناقة) وظن أن ولد الناقة هو البكر الصغير (فقيل له: وهل الجمل إلا ولد الناقة؟!) ، إذا حملك على جمل فالجمل ولد الناقة، فهذا من التأويل المباح.
وذكر أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر في زوجها، فقال: (زوجك الذي في عينيه بياض؟ فأنكرت ذلك، فقال: بلى) ولما رجعت أخذت تنظر في عيني زوجها، وما فكرت أن المراد بالبياض: البياض الذي بجانب السواد، وكل إنسان في عينيه سواد وبياض.
وكذلك -أيضاً- جاءت امرأة وقالت: يا رسول الله! ادعُ الله أن يدخلني الجنة، وكانت امرأة كبيرة، فقال: (ويحك! إن الجنة لا يدخلها عجوز، فولت تبكي، فقال: ادعوها وأخبروها أنها لا تدخل الجنة وهي عجوز، إن الله يقول: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} [الواقعة:35-36] ) .
فهذه أمثلة من التأويل الذي ينفع.
(67/14)
________________________________________
حكم الشك في وقوع الطلاق وعدده وما علق عليه
قال المصنف رحمه الله: (من شك في طلاق أو ما علق عليه لم يلزمه) إذا قال: أنا أشك هل أنا طلقت أو ما طلقت؟! لا تلتفت إلى هذا الشك، ولا تهتم به؛ وذلك لأن الأصل بقاء الزوجية، وإذا كانت الزوجية باقية فالأصل أنه ما حدث شيء يخرجها عن كونها زوجة، فلا تلتفت إلى هذا الطلاق المشكوك فيه.
وكذلك إذا شك فيما علق عليه، إذا قال: أنا طلقتها إن خرجتْ، أنا أشك هل هي خرجت أو ما خرجت، هي تنفي وتقول: أنا ما خرجت، فالأصل عدم وجود الشرط الذي علق عليه الطلاق، فلا يلتفت إلى ذلك الطلاق الذي علقه على شيء وشك في وقوعه، فلا يلزمه ذلك الطلاق.
وهكذا إذا شك في العدد، قال: أنا طلقت، ولا أدري هل أنا طلقت واحدة أو اثنتين؟ أشك في ذلك! أيقن بوقوع الطلاق وشك في عدده، ما الحكم؟ يبني على اليقين، الواحدة يقين، والثانية مشكوك فيها، فيبني على اليقين وهي طلقة واحدة.
(67/15)
________________________________________
حكم من طلق امرأة ظنها زوجته فبانت أجنبية والعكس
إذا قال لمن ظنها زوجته: أنت طالق، طلقت زوجته، رأى امرأة تمشي في السوق، فظنها زوجته وقال لها: أنت طالق، وإذا هي أجنبية، هو يظنها امرأته، طلقت امرأته؛ لأن نيته تطليق امرأته، أو كذلك رآها تمشي وقال: اشهدوا أن هذه طالق، وهو يظنها امرأته، ويريد تطليقها، فيقع الطلاق.
وكذلك العكس إذا رأى امرأة تمشي في السوق، وظن أنها أجنبية، فقال لها: أنت طالق، فبانت زوجته، في هذه الحالة يقول: ما كنت أظنها زوجتي، كنت أظنها امرأة من سائر النساء، ففوجئ بأنها امرأته، من العلماء من يقول: تطلق امرأته؛ وما ذاك إلا لأنه واجهها بطلاق، وإذا قال: إني ما كنت أظن أنها امرأتي، كنت أظنها أجنبية، فلا يقبل؛ وذلك لأنه يتعلق به حق آدمي، فيلزمه الطلاق الذي أوقعه بها، هكذا ذكروا.
والقول الثاني: أنه لا يقع؛ وذلك لأنه ظنها أجنبية، وطلاقه للأجنبية لا يضر.
(67/16)
________________________________________
حكم من شك هل طلق أو ظاهر
من أوقع بزوجته كلمة وشك هل هي طلاق أو ظهار فما الحكم؟ يقول: أنا تكلمت مع امرأتي كلمة، ونسيت هل أنا قلت: أنت طالق، أو أنت محرمة علي، أو أنت كظهر أمي، أو قلت: أنت جريئة، أو أنت بريئة، أو أنت غير محترمة، أو ما أشبه ذلك، تكلمت عليها بكلمة، ونسيت تلك الكلمة هل هي ظهار، أو طلاق، أو إنكار، أو سب، أو عيب، نسيت تلك الكلمة، فماذا يلزمه؟ لا يلزمه شيء؛ لأنه ما تجرأ ولا جزم بشيء يترتب عليه طلاق أو ظهار.
هذا ما تضمنه هذا الفصل، وبمراجعة الشروح يتبين ما يلحق بها من الصور.
(67/17)
________________________________________
الأسئلة
(67/18)
________________________________________
حكم حضور الحائض الدورات الشرعية في المساجد
السؤال
ما حكم حضور الحائض لمثل هذه الدورة؟ وهل لها دخول المسجد وفقكم الله ورعاكم؟
الجواب
أكثر العلماء على أنه لا يجوز للحائض أن تدخل المسجد؛ وذلك لحرمته، ولكن السبب في ذلك: مخافة أن تلوثه بما يتقاطر منها من الدم، وفي هذه الأزمنة النساء يتحفظن، ولا يخرج منهن شيء، ومع ذلك الأولى أنها لا تدخل إلا في الملحقات، فإذا كان هناك ملحقات في المسجد كمكتبة مثلاً، أو غرف للحراس، أو ما أشبه ذلك، فلها الجلوس فيها.
(67/19)
________________________________________
مشروعية رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة المفروضة وصفته
السؤال
هل جاء في مسألة رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة المفروضة حديث أو أثر أم أنه بدعة، أفتونا مأجورين؟
الجواب
ليس ببدعة، ورد في حديث ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: (كنا نعرف انقضاء الصلاة بالتكبير) يعني: بالذكر، يعني: أنهم بعد السلام يسبح هذا، ويستغفر هذا، ويهلل هذا، ويكبر هذا، ويحمد هذا، فيجتمع من رفع الأصوات أن يسمعها الذي خارج المسجد.
(67/20)
________________________________________
حكم الاستثناء في الطلاق بأكثر من النصف
السؤال
إذا قال الزوج لزوجته: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين، هل يصح الاستثناء في هذه الحال، وكم تطلق الزوجة، أفتونا مأجورين؟
الجواب
لا يصح الاستثناء إلا النصف أو أقل، وحيث إن نصف الثلاثة واحدة ونصف، والطلاق لا يتنصف فإنها تطلق اثنتين، حيث استثنى هاتين، ولا يصلح إلا استثناء واحدة.
(67/21)
________________________________________
معنى قولهم: بالرفاء والبنين وحكمها
السؤال
ما معنى قولهم: بالرفاء والبنين؟ وما حكم هذه المقولة؟
الجواب
كانت هذه من تبريكات الجاهلية، إذا تزوج أحدهم يقولون: بالرفاء والبنين، يدعون له بالرفاء الذي هو النعمة والسرور، وبالبنين الأولاد الذكور، وجاء الإسلام بالتبريك، وكره هذه الكلمة التي هي كلمة جاهلية، فأمر بالدعاء له بالبركة، قال عليه الصلاة والسلام: (بارك الله لك، أولم ولو بشاة) ونحو ذلك.
(67/22)
________________________________________
حكم عرض الرجل موليته على من يتزوجها
السؤال
لي أخت تأخر زواجها، وأنا أرغب أن أعرضها على أحد الشباب الصالحين من طلبة العلم، ولكنني متردد؛ لأنها ليست على مستواه من الصلاح، فهي تسمع الغناء، وتنظر إلى الأفلام، مع أنها محافظة على صلاتها، وبارة بوالديها، فهل أقدم على هذا الموضوع أم لا، وأنا أخاف أن أظلم هذا الشاب إن تزوجها، وأخاف أن يتزوجها غيره من الفساق إن لم تتزوجه، أفتونا مأجورين؟
الجواب
الأصل أنه لا يجوز تزويجها إلا برضاها، ولكن إذا وكلت أخاها -مثلاً- وقالت: لك أن تختار لي من تراه مناسباً، وناسب أنه رأى شاباً صالحاً من الصالحين، فله أن يعرض عليه، ومع ذلك يلتمس رضاها ويقول: إني قد طلبت فلاناً فوافق، فإن رضيتِ وإلا فلا إكراه، وكذلك أيضاً يستأذن أبويه، ويذكر لهم خصال هذا الشاب، فأما حبسها حبساً طويلاً ورد الأكْفاء عنها فلا يجوز.
أما إذا علم بأنها غير صالحة فلا يعرضها على الصالح، وعليه أن يخبره ويقول: إنها نشأت على سماع لهو وغناء، ولكن لعلها أن تتوب، وعليه أيضاً أن ينصحها قبل ذلك.
(67/23)
________________________________________
حكم من طلق امرأته ثم استغفر وندم
السؤال
ما حكم قول: أنت طالق، ثم استغفر الله، أفتونا مأجورين؟
الجواب
إذا قال: أنت طالق.
يقع الطلاق، وأما استغفاره أو ندمه وقوله: قد ندمت؛ فلا ينفع.
(67/24)
________________________________________
حكم من علق طلاقه على الكلام فسلم عليها وردت
السؤال
إذا قال الرجل لامرأته: إذا كلمتكِ فأنت طالق، ولم يكلمها بعد ذلك، وسافر ورجع بعد شهر، ثم قال لها: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فردت عليه السلام، فهل تطلق إذا كانت نيته التهديد بسبب خلاف بينهما، أجيبونا مأجورين.
الجواب
إذا كان يعني بقوله: إذا كلمتك، أي: جميع الكلام حتى السلام فإنها تطلق للسلام، وإما إذا ما قصد بذلك إلا كلاماً خاصاً كأن يقول: إن كلمتك في هذا الأمر، إن كلمتك مثلاً في النفقة أو في الكسوة أو في الخروج، يعني: كلاماً خاصاً فلا يقع، إلا إذا كلمها بذلك الشيء.
(67/25)
________________________________________
حكم الطلاق بنية الحض أو المنع
السؤال
إذا قال شخص لآخر: علي الطلاق أن تدخل بيتي وتأكل عندي، فلم يدخل، فهل يقع الطلاق؟
الجواب
هذا الطلاق يقع عند الجمهور، ولكن شيخ الإسلام يعتبره يميناً إذا كان قصده الحض أو المنع، وهذا هو الذي عليه الفتوى.
(67/26)
________________________________________
حكم من قال: على الحرام ما أجتمع وزوجتي تحت سقف واحد
السؤال
من قال لامرأته -وقد ذهبت إلى أهلها بدون إذنه-: علي الحرام ما يجمعني معها سقف.
فما الحكم؟
الجواب
ينظر في كلمة: علي الحرام، إن أراد تحريمها فهو ظهار، وإن أراد تحريم شيء آخر فهو يمين مكفرة.
(67/27)
________________________________________
حكم من طلق زوجته إن خرجت من الدار فخرجت إلى فنائه
السؤال
إذا قال لزوجته: إذا خرجت من هذه الدار فأنت طالق، وكان للبيت فناء وخرجت في هذا الفناء، فهل تطلق؟
الجواب
لا تطلق حتى تخرج من الدار كلها، فإن الأفنية والملحقات من اسم الدار.
(67/28)
________________________________________
حكم وقوع الطلاق بالتوعد في المستقبل
السؤال
رجل قال لأم زوجته: إن لم تعقل بنتك، وتصير حرمة، وإلا طلقتها، فما الحكم؟
الجواب
كلمة: إلا طلقتها، مستقبل، فلا تقع حتى يطلقها، فإن قوله: وإلا طلقتها.
يعني: فيما يستقبل.
(67/29)
________________________________________
الفرق بين تعليق الطلاق بشيء مستقبل وبين الإذن وعدمه
السؤال
ما هو الفرق بين أن يعلق الطلاق بشيء مستقبل كقدوم شهر رمضان، وبين أن يقول: إن خرجت بغير إذني، ثم غير رأيه وقال: لك الخروج بدون إذني، إذ جاز الرجوع له في الثاني دون الأول، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
لأن الأذن له، فهو يأذن إذا شاء ويمنع إذا شاء، وأما دخول رمضان فليس له التصرف فيه، لا يقدر أن يقول: يا رمضان! تأخر، يا رمضان! لا تأت، فإذا دخل رمضان قهراً عليه وقع الطلاق، بخلاف قوله: إن خرجت بغير إذني، فإن الإذن يملكه.
(67/30)
________________________________________
حكم من علق طلاقه على إنجاب الأنثى فأتت بأنثيين
السؤال
من قال لزوجته: إن أنجبت أنثى فأنت طالق، فأنجبت أنثيين، فهل يقع الطلاق؟
الجواب
يقع الطلاق، لكن لو أنجبت ذكراً وأنثى في بطن واحد فإنه لا يقع؛ لأنه يريد الذكور وقد حصل ذكر.
(67/31)
________________________________________
حكم كثرة الحلف بالطلاق
السؤال
عندنا في السودان يكثر الحلف بالطلاق، وأحياناً يكون معلقاً مثل أن يقول: علي الطلاق ألا أدخل بيتك، أو آكل من طعامك، أو ألا أكلمك، فما حكم هذا العمل، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذا أيضاً موجود عندنا في المملكة بكثرة، وخاصة في البوادي، لا يدخل أحدهم إلا إذا طلق عليه، ولا ينزل إلا إذا طلق عليه، عليَّ الطلاق أن تنزل، علي الطلاق أن تأكل من ذبيحتي، علي الطلاق أني ما أنزل، علي الطلاق ألا أتكلم مع فلان، وهذا بلا شك من الخطأ؛ وذلك لأن فيه تسرعاً، وفيه تساهلاً، ويعرض نفسه للوقوع في الطلاق إذا لم يحصل له مقصوده، ونحن نقول: على الفتوى المشهورة: إذا لم يحصل ما طلق عليه وكان قصده الحض أو المنع كفاه كفارة يمين.
(67/32)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [68]
من محاسن الشريعة أن أباحت الطلاق للحاجة إليه، ومن رحمتها أن منحت الرجعة بعد الطلاق، فقد يندم الزوج بعد الطلاق، أو تصلح المرأة بعده وتعود إلى رشدها، فأجازت الشريعة السمحاء الرجعة بضوابط وشروط حكيمة.
(68/1)
________________________________________
مقدمة في أقسام فراق الرجل لامرأته
قسم العلماء فراق الرجل لامرأته إلى ثلاثة أقسام: الخلع، والطلاق، والفسخ.
القسم الأول: الخلع: وهو خاص بما إذا طلبت الزوجة الفراق، وبذلت شيئاً من المال، فإذا كرهت خُلق زوجها، أو خَلقه، أو نقص دينه، أو خافت الإثم بالبقاء معه لعدم أداء حقه، فلها والحال هذه أن تبذل شيئاً من مالها، أو تعطيه صداقه على أن يفارقها.
وهذا الفراق ليس طلاقاً، ولا ينقص به عدد الطلاق، بحيث إنه لو خالعها، ثم بعد ذلك تراجع، ثم خالعها مرة أخرى، ثم تراجع، ثم خالعها ثالثة فلهما أن يتراجعا بعقد جديد؛ لأنه ليس طلاقاً من قِبله.
القسم الثاني: الطلاق الذي يفعله الزوج، فقد يكره زوجته؛ يكره خَلقها أو خُلقها أو، نقص دينها، أو عدم عفتها، أو يكرهها كراهية قلبية، وإن لم يكن هناك سبب ظاهر، ففي هذه الحال له أن يطلقها، وله بعد الطلقة الأولى أن يراجعها، وله بعد ذلك إذا راجعها أن يطلقها مرة ثانية، وله أن يراجعها بعد الطلقة الثانية في العدة، وبعد العدة بعقد جديد، وإذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ويطؤها الزوج الثاني، ويكون نكاحه نكاح رغبة لا نكاح تحليل، وهذا هو الذي جاء به الإسلام؛ حتى لا يضر الرجال بالنساء.
ذكروا أنهم كانوا قبل الإسلام يطلق أحدهم ما شاء ثم يراجع، يطلقها المرة الأولى، فإذا قاربت انقضاء العدة راجع، ثم يطلق طلقة ثانية، فإذا قربت العدة راجع، ثم يطلق ثالثة فإذا قربت العدة راجع، وهكذا بعد رابعة وبعد خامسة، إلى ما لا نهاية له، ولما كان في ذلك ضرر على المرأة منع الله من ذلك، وحدد له ثلاث طلقات، يراجع بعد اثنتين أو يجدد العقد، ولا يقدر بعد الثالثة؛ حتى لا يضاروا بالنساء؛ لقول الله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} [البقرة:231] ، فإنها إذا كانت كلما شارفت على انقضاء العدة راجعها، لا شك أنها تتضرر، ولذلك قال الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء:128] ثم قال: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء:129] يعني: العدل التام الذي يكون في القلب محبة وفعلاً، ثم قال: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129] يعني: يميل مع إحدى زوجتيه، ويترك الأخرى كالمعلقة، فتكون لا أيماً ولا ذات زوج، أي: ليس معها زوج يواسيها ويعطيها حقها، وليست أيماً أي: غير مزوجة بل زواجها كأنه ليس زواجاً، هذا هو الإمساك ضراراً.
وأباح الله له أن يفارقها، قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] إذا لم تناسبه فإن له أن يفارقها، وسوف يغنيه ربه، ويغنيها أيضاً، وييسر لكل منهما ما يناسبه، ييسر له امرأة تناسبه، وييسر لها زوجاً يناسبها: (يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ) هكذا وعد الله، فهذا الطلاق هو الذي يعتاده الذين يرغبون في فراق أزواجهم، ولكن كرهوا للرجل كثرة الطلاق، فلا يكون مذواقاً مطلاقاً، بحيث إنه يتزوجها ثم بعد شهر أو سنة يطلق، ثم يتزوج الثانية ثم يطلق، وما روي عن بعض السلف أنه كان كثير الزواج وكثير الطلاق، فلعل ذلك بسبب عدم صلاحية أو ما أشبه ذلك، كما ذكروا عن الحسن بن علي رضي الله عنه، فإنه تزوج نساء كثيرات، ذكروا في بعض ترجمته: أنه مرة كان يمشي في المدينة، فرأى نساءً كثيرات، ولما رأينه اجتمعن والتف بعضهن ببعض وجلسن حياءً منه، فوقف متعجباً! فكلمته إحداهن -وهي أجرؤهن- وقالت: امض رحمك الله، فما منا واحدة إلا وقد ذقت عسيلتها! يعني: هذا الجمع الكثير ما منهن واحدة إلا وقد تزوجها ودخل بها ثم طلق.
وقرأت في تاريخ ابن كثير، فذكر في آخر ترجمة لبعض المترجمين فيه أنه تزوج بألف امرأة، هكذا ذكر، ويظهر أن فيه مبالغة.
وكذلك في هذه الأزمنة إذا رأوا الرجل مذواقاً مطلاقاً كرهوا أن يزوجوه؛ لأنه إذا طلقها كرهتها النفوس، فإذا طُلقت المرأة فإن الرجال ينفرون منها، ويعتقدون أنها ما طلقت إلا لعيب فيها؛ لأمر من الأمور التي تعاب بها، فيكون ذلك ضرراً عليها، وكان الأولى ألا يتزوج إلا برغبة، وأن يعزم على أنها زوجة له طوال حياته وحياتها، ولا ينوي أن زواجه بها تجربة أو ما أشبه ذلك.
فلعله بذلك يرغب فيها وترغب فيه، أما أن يطلقها بعد أن يدخل بها بيومين أو بشهر أو نحو ذلك، فإنها تتضرر بذلك، حتى ولو كان كثير الأموال ويقول: لا يهمني أن أتزوج كل شهر أو كل سنة، وأدفع كثيراً من الأموال، فالمال عندي متوافر، فهذا لا يسوغ له كثرة الطلاق وكثرة النكاح.
القسم الثالث: الفسخ: وهو فسخ الحاكم للعقد الذي بين الزوجين، ولا يتولى ذلك إلا القاضي أو من يقوم مقامه، وله أسباب؛ منها: غيبة الرجل، فإذا غاب كثيراً، وترك زوجته، وليس عندها نفقة، ففي هذه الحال إذا تضررت فإن للحاكم أن يفسخ نكاحه ولو كان غائباً، فيقول: حكمت بفسخ نكاح فلان بفلانة.
وبعد فسخه تستبرئ بحيضة، ثم تتزوج إذا شاءت، هذا إذا لم تصبر وتتحمل.
ومن أسباب الفسخ: إذا ظهر في أحدهما عيب، إذا ظهر في الرجل عيب وكرهته المرأة، فإن لها أن تطلب من الحاكم أن يفسخ نكاحها.
ومن أسباب الفسخ إذا جاءت الفرقة من قِبَلها، كما لو نشزت وطالت مدة نشوزها، فله أن يفسخها.
وكذا لو ارتدت عن الإسلام فللقاضي أن يفسخ النكاح بينهما، ويكون ذلك الفسخ من قبل الحكام.
وأكثر ما يكون الفسخ إذا كان الزوج غائباً أو ظهر فيه عيب كعمى أو برص أو جذام أو جنون أو مرض مزمن أو ما أشبه ذلك، ففي كل هذا يجوز للحاكم أن يفسخ ما بينهما من النكاح.
وهذا الفسخ لا يحسب من عدد الطلقات، بمعنى: أن زوجها لو رجع ووجده أنه قد فسخ نكاحها، فله أن يخطبها، ولو كانت قد فسخت منه ثلاثاً، فله أن يخطبها ويعيد نكاحها.
(68/2)
________________________________________
الرد على شبهات دعاة التحرير حول الزواج في الإسلام
بما تقدم نعرف أن الزوجية التي هي عقدة النكاح بين زوجين أجنبيين ليست مثل الرق، وغير المسلمين قد يعيبون أهل الإسلام بهذا الزواج، ويقولون: إن الرجل الذي يتزوج المرأة يحجزها ويحجرها في منزلها، ويضيق عليها، ولا يترك لها حرية التصرف، ولا يترك لها الخروج متى أرادت، وتكون موقوفة على مصالحه، ولا تتمكن من التصرف لنفسها وما أشبه ذلك، وهؤلاء دعاة التحرر كما يسمون أنفسهم يقولون: ندعو إلى أن نحرر المرأة من هذا الرق الذي جعلها الإسلام فيه.
ولا شك أن هذا تهور وكذب على الإسلام، الإسلام جاء بهذا النكاح، ومع ذلك جعله ينحل بهذه الثلاثة الأمور: بالخلع، وبالطلاق، وبالفسخ، وألزم الزوج أن يحسن العشرة، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] أي: عليه أن يحسن عشرة النساء، وكذلك ألزمه أن ينفق عليها بالمعروف، قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] ، وأمره بأن يسكنها، قال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق:6] ، وقال: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:7] ، وإذا طلقها فعليه أن يمتعها كما قال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:241] ، وقال: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236] فذلك دليل على أن الإسلام أعطى حقها كاملاً.
وكون المرأة إذا تزوجت قامت على منفعة ومصلحة زوجها لا يقال: إن ذلك رق، ولا إن ذلك إذلال لها، بل إن هذا صيانة لها، حيث إن الإسلام أمر بأن تكون المرأة معززة ومكرمة عند زوجها، وأمر الزوج أن يحافظ عليها، وأن يصون كرامتها، وذلك دليل على أنه أعطاها حقها كاملاً، لا كما يقول الكفرة الذين يقولون: إن النساء نصف المجتمع، وإن لهن حقاً على الأزواج، وإنهن يملكن أنفسهن، ولهن التصرف في أنفسهن، بحيث إنهم أباحوا لها أن تبذل نفسها لمن يزني بها إذا رضيت، ويقولون: لا عقوبة عليها في ذلك؛ لأن هذا شيء تملكه، هي تملك نفسها، فإذا بذلت نفسها باختيارها ولو كانت مزوجة، أو كانت عند أبويها، فإن ذلك في نظرهم جائز، ولا يحق لأبيها أو زوجها أو وليها أن يحافظ عليها!! ولكن الإسلام جاء بتولية زوجها عليها، وكذلك غيره من أوليائها، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] يعني: قائمون عليهن: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] ، فالله تعالى فضل بعضهم على بعض، أي: جعل الرجال أفضل من النساء، وجعل الرجال أولياء للنساء، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) ، وروي: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها) ، وما أشبه ذلك، فيعرف بذلك بطلان ما يقوله أعداء الإسلام من أن الإسلام ظلم المرأة، وبخسها حقها، وأن لها حقاً في التصرف في نفسها، بل الإسلام جاء بحفظها، وبصيانتها، وبحراستها، حتى لا تكون ممتهنة، ولا تكون مبتذلة، فترخص بذلك، وتقل معنويتها، وتقل الرغبة فيها، وتكون آلة يتبادلها الأعداء، وتتبادلها النفوس الرديئة، يأخذها هذا ثم هذا، وهذا هو الواقع في بلاد الكفر وغيرها من البلاد التي قلدت بلاد الكفر.
هذا ما أردنا أن نبينه في هذه المقدمة.
(68/3)
________________________________________
أحكام الرجعة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وإذا طلق حر من دخل أو خلا بها أقل من ثلاثٍ، أو عبدٌ واحدةً لا عوض فيهما، فله ولولي مجنونٍ رجعتها في عدتها مطلقاً، وسن لها إشهادٌ، وتحصل بوطئها مطلقاً، والرجعية زوجةٌ في غير قسمٍ.
وتصح بعد طهرٍ من حيضةٍ ثالثةٍ قبل غُسلٍ، وتعود بعد عدةٍ بعقدٍ جديدٍ على ما بقي من طلاقها.
ومن ادعت انقضاء عدتها وأمكن قُبِل لا في شهرٍ بحيضٍ إلا ببينةٍ.
وإن طلق حر ثلاثاً أو عبدٌ اثنتين لم تحل له حتى يطأها زوجٌ غيره في قبلٍ بنكاحٍ صحيحٍ مع انتشارٍ، ويكفي تغييب حشفةٍ، ولو لم ينزل أو يبلغ عشراً، لا في حيضٍ أو نفاسٍ أو إحرامٍ أو صوم فرضٍ أو ردةٍ] .
ذكر في هذا الفصل ما يملكه الزوج من الطلاق، وكيف إذا طلق العدد الذي يملكه، والفرق بين الحر والعبد، ومتى يراجع، ومتى لا يقدر على الرجعة، وحكم الرجعية، وحكم ادعاء المرأة انقضاء عدتها، وإذا طلق الطلاق الذي يملكه فماذا يفعل، ومتى تحل له إذا طلقها ثلاثاً أو عبد اثنتين، وصفة النكاح الذي يحلها للزوج الأول والذي لا يحلها.
هذه المسائل مذكورة في هذا الفصل.
(68/4)
________________________________________
الرجعة لا تكون إلا في العدة
قال المصنف رحمه الله: (وإذا طلق حر من دخل أو خلا بها أقل من ثلاثٍ، أو عبدٌ واحدةً لا عوض فيهما، فله ولولي مجنون رجعتها في عدتها مطلقاً) .
يعني: إذا طلق الحر واحدة، وابتدأت في العدة فله أن يراجعها ما دامت في العدة، وسيأتينا أقسام المعتدات، يقول الله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] أي: طلقوهن في زمن يستقبلن العدة، ويقول تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] يعني: الطلاق الرجعي الذي يملك رجعتها، ثم قال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] أي: الزوج أحق برد الزوجة في هذه المدة التي طلق فيها واحدة أو طلق اثنتين، فإذا طلقها الطلقة الأولى راجعها في العدة، إذا كانت عدتها ثلاث حيض، الحيض الثلاث عادة تكون في ثلاثة أشهر، غالب النساء تحيض في كل شهر مرة، ففي هذه الحال يطلقها قبل الحيضة الأولى، وبعدها قبل الحيضة الثانية، وبعدها قبل الحيضة الثالثة، وله أن يراجعها في هذه المدة، حتى قال بعضهم: لو راجعها بعدما طهرت من الحيضة الثالثة، وقبل أن تغتسل، صحت رجعتها، حتى ذكروا: أن رجلاً طلق امرأته وتركها، ولما طهرت من الحيضة الثالثة وأخذت ماءها وسدرها، وتجردت للاغتسال، فقبل أن تغتسل طرق الباب عليها وقال: يا فلانة! إني راجعتك.
فقالت: إني قد حضت ثلاث حيض، فترافعا إلى بعض الصحابة فأثبت الرجعة.
وهكذا بعد الحيضة الثانية قبل الحيضة الثالثة أو قبل الطهر منها، إذا كان الطلاق رجعياً.
ومتى يكون الطلاق رجعياً؟ إذا طلق حر أو عبد واحدة، أو طلق اثنتين وهو حر، فإن الطلاق رجعي، وتسمى المرأة: رجعية، يعني: تصح رجعتها، هذا سبب تسميتها رجعية: أنه يقدر على مراجعتها، وإذا راجعها فإنها على ما بقي لها من الطلقات، إذا طلقها وهو يملك ثلاثاً، طلق واحدة ثم راجعها بدون عقد، أو تركها إلى أن انتهت عدتها ثم جدد العقد، فإنه يبقى له طلقتان، فإذا طلق الثانية ثم راجعها وهي في العدة بدون عقد أو بعد العدة بعقد جديد، ثم استعادها ورجعت إليه، حتى ولو بعد الزواج من آخر، فإنه لا يبقى له إلا واحدة؛ لأنه قد طلق اثنتين، فيبقى له طلقة واحدة.
كذلك العبد إذا طلق واحدة فإن له أن يراجعها في العدة، وله أيضاً أن يؤخر رجعتها ويجدد العقد بعد انتهاء العدة، إذا كانت زوجته أمة فعدتها طلقتان، وهو ما يملك إلا طلقتين، فإذا طلق طلقتين حرمت عليه.
إذا كانت الزوجة أمة والزوج حر ملك ثلاث طلقات، وإذا كان الزوج عبداً والمرأة حرة لم يملك إلا طلقتين، هكذا الفرق بين الحر والعبد.
فإذا كان الزوج الذي طلق قد دخل بزوجته أو خلا بها، وكان طلاقه واحدة أو اثنتين، أو كان طلاق العبد طلقة واحدة، وكان الطلاق بغير عوض، فله الرجعة.
(68/5)
________________________________________
صحة مراجعة الزوجة للحر والعبد
ذكر المصنف بعض المحترزات، فقوله: (من دخل بها) فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فهل له رجعة؟ ليس له رجعة؛ لأن غير المدخول بها لا عدة لها، قال تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] ، فإذا عقد عليها ثم طلقها قبل الدخول ففي هذه الحال بانت منه، فلو امتنعت وقالت: لا أريده، فلها ذلك، فإذا أرادها فلابد من تجديد العقد؛ لأنه لا عدة لها، ولأنه لا يصح رجعتها؛ لأنها قد بانت منه بمجرد قوله: قد طلقتها، هذا إذا لم يكن دخل بها ولا خلا بها.
كذلك قوله: (أقل من ثلاث) نعرف أنه إذا طلقها الثالثة بانت منه، فلا يقدر على نكاحها حتى برضاها وبعقد جديد، فضلاً عن رجعتها، بل تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره.
قوله: (لا عوض فيهما) أي: لا عوض في فراق العبد، ولا عوض في فراق الحر، ويدل على أنه إذا كان الطلاق على عوض فلا رجعة، إذا اشترت المرأة نفسها من زوجها وقالت: أنا أشتري نفسي منك بعشرة آلاف، أو بعشرين ألفاً، أو بهذا البستان، أو بهذه العمارة، تريد أن تخلص نفسها، وهو ما يسمى: بالخلع، وقَبل ذلك، فهل يقدر على الرجعة؟ لا يقدر، وما ذاك إلا لأنها ما بذلت المال إلا للتخلص، ولو علمت أنه يستعيدها ما بذلت مالها، فهذه لا يقدر على رجعتها؛ ولأنه ليس لها عدة، وإنما عليها الاستبراء.
وقوله: (ولولي مجنون) إذا كان الزوج مجنوناً، أو أصابه الجنون، أو مرض أخل بعقله، بحيث إنه عادم للشعور، ففي هذه الحال نقول: إن وليه يقوم مقامه.
فإذا طلق عليه الحاكم فلوليه الرجوع، إلا إذا كان طلاق الحاكم فسخاً، وإذا طلقها الولي أو طلقها الزوج في حالة عقل، ثم أصيب بالجنون، فلوليها الرجعة إذا رأى ذلك مصلحة.
وقوله: (ولولي مجنون رجعتها في عدتها مطلقاً) أي -كما قال في التعليق-: سواء رضيت أو لم ترض، فلا يشترط رضاها؛ لأن الطلاق حصل باختياره، ولأنها والحال هذه قد بذلت نفسها؛ ولأنها طلقت وهو أملك بها، فليس لها أن تمتنع، لكن شرط الله تعالى شرطاً في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة:228] ، أما إذا كان راجعها للضرر بها فيحرم عليه، ولو أن الرجعة صحيحة، فحرام عليه أن يراجعها بقصد الإضرار بها؛ لقوله: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة:231] .
(68/6)
________________________________________
حكم الإشهاد وعدمه على الرجعة
الإشهاد على الرجعة مسنون، كما أن الإشهاد على العقد مسنون، وكذلك على الطلاق، ودليل الإشهاد على العقد قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) ، وعلى الطلاق قول الله تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] إلى قوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2] ، وروي أن رجلاً جاء إلى ابن عباس وقال: (إني طلقت امرأتي وراجعتها.
قال: هل أشهدت على ذلك؟ قال: لا.
فقال: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة) أي: ما عملت بالسنة في الطلاق، ولا عملت بالسنة في الرجعة، قال: (طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة، لماذا لم تشهد؟ أشهد على رجعتها يقول تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2] ) .
وهل تحصل الرجعة بغير الإشهاد؟ يقولون: تحصل؛ وذلك لأن الرجعية في حكم الزوجة، إذا طلقها مرة فإنه يبقيها في بيتها، ولا يخرجها، قال تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:1] فلا يجوز له إخراجها، بل يتركها في بيتها، يتركها في مكانها الذي كانت تسكنه حتى تنتهي عدتها، وعليه نفقتها، وعليه كسوتها، وعليه سكناها، وهي في حكم الزوجة؛ لأنها لم تنقطع علاقتها به، ولها أن تكشف له، ولها أن تتجمل أمامه، ولها أن تعرض نفسها عليه لعله أن يراجعها إذا كانت ترغبه، وعليه أيضاً أن يقسم لها في المبيت، فيبيت عندها، ولكن إذا كان عازماً على الطلاق فلا يجامعها، فإذا جامعها حصلت الرجعة، فتحصل الرجعة بوطئها مطلقاً، حتى ولو لم يكن له نية، فإذا وطأها فإن الوطء لا يحل إلا للزوجة، وفيه دليل على أنه قد رضيها، وأنه قد قنع بمراجعتها، فيحصل بذلك تمام المراجعة، سواء نوى الرجعة بالوطء أو لم ينو.
(68/7)
________________________________________
حكم القسم والنفقة للرجعية
قال المصنف رحمه الله: (والرجعية زوجة في غير قسم) هكذا استثنوا القسم، بعض العلماء يقول: يقسم لها؛ لأن القسم ليس الغرض منه الوطء، وإنما الغرض منه المؤانسة، ومنهم من يقول: لا قسم لها؛ لأن الأصل في القسم أنه لأجل العدل، وهذه قد انعقد سبب فراقها.
والرجعية زوجة في أنها تكشف لزوجها، وفي أنه ينفق عليها، وتبقى في بيته، وفي أنها تتجمل له رجاء مراجعته، ولو مات أحدهما لورثه الآخر، وإذا مات وهي في العدة فإنها تترك عدة الطلاق، وتنتقل إلى عدة الوفاة مع الإحداد.
(68/8)
________________________________________
وقت التمكن من مراجعة الزوجة فيه
قال المصنف رحمه الله: (تصح رجعتها بعد طهر من حيضة ثالثة قبل غسل) يعني: إذا حاضت المرة الأولى وطهرت ولم يراجع، وحاضت المرة الثانية وطهرت ولم يراجع، وحاضت المرة الثالثة وطهرت ولم يراجع، وقبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة بعد الطهر راجعها، صحت الرجعة، وقد ذكرنا قصة الرجل الذي دخل على زوجته بعدما أخذت ماءها وسدرها وتجردت لأجل أن تغتسل بعد طهرها من الحيضة الثالثة، فطرق عليها الباب وقال: يا فلانة! إني قد راجعتك، فقالت: إني قد طهرت من الحيضة الثالثة، فقال لها: هل اغتسلتِ؟ قالت: لا، قال: قد راجعتك، فتحاكما إلى أحد الصحابة، فأفتاهما بأنها ما دامت لم تغتسل، ولم تحل لها الصلاة، فهي في حكم الحائض، فتصح رجعتها.
وهكذا إذا طلقت مرة ثم راجعها، فيبقى له عليها طلقتان، وكذلك إذا طلقها واحدة وانتهت عدتها، ونكحها نكاحاً جديداً فإنه يبقى له عليها طلقتان.
(68/9)
________________________________________
من راجع المطلقة بعقد جديد فهو على ما بقي من طلاقها
قال المصنف رحمه الله: (تعود بعد عدة بعقد جديد على ما بقي من طلاقها) بمعنى: أنه لو طلقها واحدة وانتهت عدتها فهو خاطب من الخطاب، أي: لها أن تقبله ولها أن ترده، فإذا قبلته فلابد من عقد جديد، ورضا وشهود، ومهر.
وتعود على ما بقي، يعني: أنها تعود على أنه ليس له عليها إلا طلقتان، ولا يقول: إني نكحتها نكاحاً جديداً فأنا أملك ثلاثاً، نقول: إنك قد أمضيت طلقة واحدة، فما بقي لك إلا طلقتان.
إذا كان طلقها طلقتين وانتهت عدتها، وخطبها وتزوجها، فكم يبقى له عليها؟ يبقى له عليها طلقة واحدة؛ وذلك لأنه قد أمضى اثنتين، ولو كان العقد جديداً، حتى ولو نكحت قبله، فلو قدر مثلاً أنه طلقها طلقتين، وتركها حتى انقضت عدتها، وتزوجت من غيره وطُلقت، فهذا الزوج الثاني لا يهدم الطلقتين من الأول، فالزوج الأول إذا نكحها بعده لا تعود على ثلاث، وإذا نكحها زوجها لم يبق له عليها إلا واحدة؛ وذلك لأن النكاح الثاني ليس شرطاً في حلها له، هي تحل له ولو لم ينكحها غيره، إنما الذي يهدم هو إذا طلقها ثلاثاً، ثم تزوجت وطلقت، ثم تزوجها الزوج الأول، ففي هذه الحال تنهدم الطلقات الثلاث، وصار يملك ثلاث طلقات أخرى، نكاح الزوج الثاني لها إذا كان الأول قد طلقها طلقة واحدة فإنه لا يهدمها، وكذا إذا كان الأول قد طلقها طلقتين لا يهدمها نكاح الثاني، وإنما يهدم الثلاث.
فهذا معنى قوله: (تعود بعد عدة بعقد جديد، على ما بقي من طلاقها) إذا كان بقي طلقة أو بقي طلقتان لا يملك غيرهما.
(68/10)
________________________________________
حكم قبول من ادعت انقضاء عدتها
قال المصنف رحمه الله: (ومن ادعت انقضاء عدتها وأمكن قبل، لا في شهر بحيض إلا ببينة) ذُكِر أن رجلاً طلق امرأته، وبعدما أتمت شهراً رجعت إلى علي رضي الله عنه وقالت: إني قد انقضت عدتي في شهر واحد، فسأل شريحاً: هل يمكن؟ فقال: إن جاءت ببينة من صالحي أهلها تشهد بذلك، وإلا فهي كاذبة، فإذا ادعت انقضاء عدتها في شهر واحد فهي كاذبة؛ إلا إذا جاءت ببينة، وأما إذا كان الزمن ممكناً فإنه يقبل بلا بينة؛ وذلك لأنها مؤتمنة على نفسها، والله تعالى يقول: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة:228] فهي مأمونة على ما في رحمها من الحمل أو الحيض.
وأما قصة علي وتلك المرأة فقال العلماء: يمكن وقوعها إذا اعتبرنا أقل الحيض وأقل الطهر، فيمكن أنها بعدما طلقها الزوج حاضت في اليوم الثاني من وقت طلاقها، ولم تبق إلا يوماً، وهو أقل الحيض، ثم طهرت في اليوم الثاني من حيضها، ولما طهرت حسبنا هذه حيضة ثم بقيت ثلاثة عشر يوماً وهي طاهر، ثم حاضت الحيضة الثانية، ولما مضى عليها يوم طهرت في اليوم الثاني، فهنا مضى عليها حيضتان في ستة عشر يوماً، ثم طهرت الطهر الثاني ثلاثة عشر يوماً، ففي اليوم التاسع والعشرين حاضت الحيضة الثالثة، وطهرت في اليوم الثلاثين أو في اليوم الواحد والثلاثين، فهي حاضت في اليوم الأول، وفي اليوم الخامس عشر، وفي اليوم التاسع والعشرين، في شهر واحد حاضت ثلاث حيضات، وبينهما طهران، فتقبل إذا جاءت ببينة، ولكن هذا شيء نادر، يعني: قليل أن توجد امرأة يكون حيضها يوماً واحداً وطهرها ثلاثة عشر أو أربعة عشر يوماً، غالب النساء تحيض وتطهر في شهر، غالب حيضها ستة أيام أو سبعة أيام، وغالب طهرها ثلاثة وعشرون أو أربعة وعشرون يوماً، هذه عادة النساء.
فعلى هذا العادة لا تنقضي عدتها إلا في ثلاثة أشهر، فلو انقضت عدتها في شهرين وأمكن ذلك قبل منها؛ لأن هذا شيء لا يعرف إلا من قبلها، وأما في شهر فلا يقبل إلا ببينة.
(68/11)
________________________________________
متى يجوز نكاح المطلقة ثلاثاً؟
قال المصنف رحمه الله: (إذا طلق الحر ثلاثاً أو العبد اثنتين لم تحل له حتى يطأها زوج غيره في قبل بنكاح صحيح، مع انتشار، ويكفي تغييب حشفة ولو لم ينزل، ولو لم يبلغ عشراً، لا في حيض أو نفاس أو إحرام أو صوم فرض أو ردة) ذكرنا أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بدون عدد، يطلقها وإذا شارفت على انقضاء العدة راجعها، ثم يطلقها ثانية، وإذا شارفت على انقضاء العدة راجعها، ثم الثالثة والرابعة والخامسة وهكذا، ولو إلى عشر أو عشرين، فجاء الإسلام بتحديد الثلاث، وأنها بعد الثالثة تحرم عليه، ولا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره، قال تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] يعني: الطلاق الرجعي، وقال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] أي: بعد الطلقتين، ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة:230] يعني: الثالثة: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] ، فإذا طلقها الحر ثلاثاً حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، وإذا طلق العبد اثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ولابد في ذلك الزوج أن يطأها، ولا يكفي العقد، فلو عقد عليها ولم يدخل بها وطلقها ما حلت للأول، وفسروا قوله تعالى: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] بأن النكاح هو الوطء.
وفي ذلك قصة امرأة رفاعة، جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: (إن رفاعة طلقني وبت طلاقي، وإني تزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال صلى الله عليه وسلم: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟! لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك) وعبر بالعسيلة عن الوطء، أي: لذة الوطء، فلا يكون هناك رجعة إلى الزوج الأول، ولا تحل له؛ حتى يذوق الثاني عسيلتها، بمعنى: يطؤها زوج غيره، فلو وطئها في الدبر ما حلت للأول، لابد أن يكون في القُبُل، ولو وطئها في نكاح فاسد لم يكفِ، كما لو تزوجها بغير شهود، أو زوجته بنفسها، فإن هذا أيضاً لا يكفي، حتى ولو دخل بها، ولو بقي عندها مدة؛ لأنا نحكم بأنه نكاح فاسد، لابد أن يكون النكاح الثاني نكاحاً صحيحاً كامل الشروط.
وقوله: (مع انتشار) الانتشار: هو الإنعاظ، أي: قيام الذكر، فلا يكفي أن يباشرها بدون انتشار، ويقول: إني قد جامعتها وأنزلت؛ لأن مجرد المماسة والمباشرة لا تسمى جماعاً.
قوله: (ويكفي تغييب حشفة) يعني: يكفي في الوطء الذي يوجب الغسل تغييب الحشفة في الفرج، أي: تغييب رأس الذكر، تغييب المدورة ولو لم ينزل، فإذا أولج رأس الذكر ولو لم ينزل، واعترف بذلك، واعترفت هي، فإنها تحل للأول إذا طلقها.
ولو كان الزوج الثاني صغيراً دون عشر، يعني تزوجها وعمره تسع سنوات وعشرة أشهر، ولكن يتصور منه الانتشار، ويتصور منه الشهوة، ودخل بها، وأولج فيها رأس ذكره، وطلقها بعد ذلك أو طلقت عليه؛ حلت للزوج الأول.
واستثنوا إذا وطئها وهي حائض، فإن هذا وطء فاسد وحرام، لا يحللها للأول، وكذلك وهي نفساء ثم، بأن طلقها زوجها الأول ثلاثاً، وكانت حاملاً فولدت وانقضت عدتها، وتزوجت زوجاً آخر وهي في النفاس، ودخل بها ووطئها وهي نفساء، ثم طلقها بعده فهل هذا الوطء يبيحها للأول؟ لا يبيحها.
أو وطئها وهي محرمة، وحرام وطء المحرمة، ويجب عليها أو عليه إذا كانا محرمين فدية، حتى لو وطئها بعد التحلل الأول، فإذا أحرم بحج وتحلل، بأن رمى وحلق وبقي عليه الطواف، ووطئ، فإن هذا الوطء محرم؛ لأنه لم يتحلل، فلا يحلها لزوجها الأول لو طلقها بعده.
أو وطئها وهي صائمة في رمضان أو صوم قضاء، فلا يحل له أن يطأها في صيام الفرض، فهذا الوطء لا يحللها لزوجها الأول.
أو في ردة، فالمرتدة لا يصلح أن تكون زوجة للمسلم؛ لأن الردة تفرق بينهما، قال تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10] ، وهذه قد كفرت، فإذا تزوجت وهي كافرة مرتدة، ودخل بها الزوج، ثم أسلمت وعادت إلى الإسلام، فهل هذا الوطء يبيحها لزوجها الأول المسلم؟ لا يبيحها؛ وذلك لأنه وطء محرم في حالة لا يبيحها الشرع، لا يبيح لها أن تتزوج مرتداً، ولا يبيح للمسلم أن يتزوج مرتدة.
(68/12)
________________________________________
حرمة نكاح التحليل
يشترط أن يكون النكاح الثاني نكاح رغبة، وهذا لابد منه، لا نكاح تحليل، سواء اتفق مع الزوج الأول، أو اتفق مع المرأة، فلا يباح أن يتزوجها ليحللها؛ وذلك لأنه ورد لعن المحلل في عدة أحاديث، ذكرها ابن كثير في تفسير هذا الآية: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] فالزوج الثاني لابد أن يتزوجها على أنها زوجة، لا على أنه يحللها للأول، والأحاديث التي وردت بلفظ اللعن كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المحِلل، والمُحَلل له) فالمحِلل هو الذي يتزوجها إذا طلقت ثلاثاً، ثم يطلقها ويقول: أحللها لزوجها الأول أحسن إليه، فإنه يريدها وهي تريده، وكل منهما يرغب في العودة، وهذا قد طلقها ثلاثاً، فأنا أحسن إليهما، فإذا دخلت عليها وجامعتها طلقتها حتى تحل للأول، هذا هو المحِلل.
والمحلل له: هو الذي يستأجره، كأن يقول: أنا قد حرمت علي زوجتي حيث طلقتها ثلاثاً، وأريدها وتريدني، وهي أم أولادي، ولا تحل لي إلا بعد زوج، فأريد منك أن تتزوجها، وأن تدخل بها، وأن تطلقها بعد ليلة أو بعد ليلتين، وأنا أدفع لك كل ما تخسره من مهر وغيره، أنا أعطيكه، ولكن بشرط: أن تدخل بها ثم إذا أصبحت فإنك تطلقها، ولا تبقها معك، يستأجره ويستعيره؛ ولذلك يسمى المحَلل: التيس المستعار، والتيس ذكر المعز، فالذين ليس عندهم فحل يستعيرون تيساً لينزو على غنمهم.
فيما سبق دليل على تحريم تحليل المرأة إذا طلقت ثلاثاً وحرمت على زوجها، وإنما ينكحها برغبة وإرادة منه ومحبة لأجل أن تكون زوجة، ثم بعد ذلك يقع منه كراهية لها فيطلقها فتحل للأول، أما إذا كان لا رغبة له في البقاء معها، وإنما يريد أن تحل للأول فإنها لا تحل، ويكون الوعيد الشديد عليه وعليها وعلى زوجها الذي استأجره لذلك.
وأما إذا كانت المرأة تريد أن ترجع إلى زوجها، فهذا ليس باختيار أحد الزوجين، فلو أنها ندمت على زوجها، ثم خطبها إنسان وعقد عليها ودخل بها، ولما دخل بها بعد يوم أو بعد يومين نفرت منه ونشزت، وأثارت البغض والكراهية، وقالت: لا أريدك، ولا أرغب في البقاء معك، ولست صالحاً للزوجية، وما قصدها إلا أن يفارقها حتى تحل للأول، ولو دفعت إليه ما دفع إليها، فإن هذا مكروه، ومع ذلك لم يذكروا أنها تحرم على الأول.
(68/13)
________________________________________
أحكام الإيلاء
قال المصنف رحمه الله: [فصل: والإيلاء حرامٌ، وهو حلف زوجٍ عاقلٍ يمكنه الوطء، بالله أو صفةٍ من صفاته على ترك وطء زوجته الممكن في قُبلٍ أبداً أو مطلقاً أو فوق أربعة أشهرٍ، فمتى مضى أربعة أشهرٍ من يمينه ولم يجامع فيها بلا عذرٍ أمر به، فإن أبى أمر بالطلاق، فإن امتنع طَلق عليه حاكمٌ.
ويجب بوطئه كفارة يمينٍ، وتارك الوطء ضرراً بلا عذرٍ كمؤلٍ] .
هذا الفصل يتعلق بالإيلاء المذكور في قول الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226-227] .
الإيلاء: هو الحلف، فإذا حلف رجل على ترك وطء زوجته سمي مولياً، والإيلاء حرام؛ لأن الله أنكره، ولكن إذا فاءوا غفر الله لهم ذلك الحلف، فإذا حلف الزوج العاقل الذي يقدر على الوطء، حلف بالله أو بالرحمن أو بعزة الله أو بصفة من صفاته، حلف وقال: والله! لا أطأ هذه الزوجة، مع أنه يمكنه وطؤها في القبل، فقال: والله! لا أطؤها أبداً، أو والله! لا أطؤها، أو والله! لا أطؤها خمسة أشهر أو نصف سنة أو سنوات؛ فيسمى هذا: إيلاءً، فأما إذا حدد ترك الوطء بشهر، فقال: والله! لا أطؤها شهراً أو شهرين أو ثلاثة أشهر أو ثلاثة وعشرين يوماً، فلا يسمى هذا إيلاءً، إلا إذا زاد على أربعة أشهر.
وكذلك إذا كان الزوج مجبوباً لا يمكنه الوطء، فحلف أنه لا يطؤها، فلا يسمى هذا: إيلاءً؛ لأنه ليس له آلة يطأ بها.
وكذلك إذا كان الحلف بغير الله، إذا حلف بمخلوق، كأن يحلف بالولي أو بالنبي أو بالسيد فلان، فهذا حلف بغير الله، ولا تنعقد يمينه، ولكن عليه الكفارة.
وإذا كانت الزوجة لا يمكن وطؤها بأن كانت مثلاً رتقاء، أو بها ما يمنع الوطء من العفل ونحوه من العيوب التي تقدمت في النكاح، فإذا حلف أنه لا يطؤها يعني: الوطء العادي الذي تعلق منه بولد، فإن هذا لا يسمى إيلاءً؛ لأنه لا يقدر على وطئها لعدم تمكنه.
كذلك لو حلف غير الزوج وقال: والله! لا أطأ فلانة، وهي أجنبية، فلا يسمى هذا إيلاءً.
وهكذا لو حلف المجنون، وكان له زوجة، فالمجنون مرفوع عنه قلم التكليف فلا تنعقد يمينه.
وأما إذا حلف على عدم وطئها في غير القبل فإنه لا يسمى إيلاءً، إذا حلف لها أو لأهلها إذا كان متهماً بالوطء في الدبر، فحلف وقال: والله لا أطؤها في الدبر أبداً.
فإن هذا ليس بإيلاء؛ لأنه التزم ألا يفعل الحرام؛ لأن الوطء في الدبر محرم، ولو وطئها في الدبر وقد حلف، عليه كفارة يمين، وعليه التوبة إلى الله من ذلك.
فإذا حلف ولم يحدد مدة، أو كانت المدة فوق أربعة أشهر، أو قال: والله! لا أطؤها حتى تقوم الساعة، أو والله لا أطؤها حتى تطلع الشمس من مغربها، أو: والله لا أطؤها حتى ينزل عيسى ابن مريم، يعني: مدة يغلب أنها تطول، فهذا أيضاً قد آلى من زوجته.
(68/14)
________________________________________
حكم سكوت المرأة عن إيلاء الزوج
إذا حصل الإيلاء وسكتت الزوجة، ولم تطلب الوطء، فالحق لها، وأما إذا طالبت فإن الحاكم يخيره، يقول له: إما أن ترجع، وإما أن تطلق، يلزمك أحد الأمرين، مضت أربعة أشهر، والله تعالى يقول: {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة:226] يعني: رجعوا عن ترك الوطء: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:226] يغفر لك ذنبك، ويغفر لك ما حلفت عليه من ترك الوطء، وعليك الكفارة، {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:227] إذا قال: أنا لا أريدها، قيل له: إما أن ترجع عن يمينك وتطأ، وإما أن تطلق، فأما بقاؤها معلقة فذلك لا يجوز.
قرأنا قبل قليل قول الله تعالى: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129] أي: لا أيماً ولا ذات زوج، وقول الله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة:231] أي: مضارة بها.
لو سخط عليها وقال: لا حاجة لي في وطئها، وصد عنها، وترك وطأها، ففي هذه الحال يعتبر قد أضر بها، وإن لم يكن مولياً، فمتى مضت أربعة أشهر ولم يجامع، ولم يكن له عذر؛ أمره الحاكم بالجماع أو بالطلاق، يقول له: إما أن تجامع وإما أن تطلق، فإذا أبى كلفه أن يطلق، فإذا امتنع طلق عليه الحاكم، ويسمى طلاق الحاكم: فسخاً، فيقول: إما أن تطلقها وإما أن تفيء وتجامعها، وإلا فسخنا نكاحها، لا نقرها ولا نقرك على هذه المضارة.
(68/15)
________________________________________
كيفية الفيء في الإيلاء
إذا أراد المؤلي أن يفيء فكيف يفيء؟ الفيئة تكون بكفارة يمين؛ لأنه حلف بالله أو حلف بالرحمن أو حلف بذات الله أو باسمه العزيز أو برب العالمين أو بمالك يوم الدين، حلف أنه لا يطأ امرأته، فإذا أراد ترك اليمين والوطء فاليمين لها كفارة ذكرها الله تعالى في قوله: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة:89] إلى آخر الآية، وهذا قد عقد اليمين، فعليه كفارة اليمين، فإذا عزم على ترك ما حلف عليه ألزم بذلك.
(68/16)
________________________________________
حكم تارك الوطء إضراراً بالزوجة دون عذر
قال المصنف رحمه الله: (وتارك الوطء ضراراً بلا عذر كمؤلٍ) .
بعض الأزواج قد يغضب على زوجته، فإذا كان له زوجتان مثلاً فغضب على إحداهما، ترك مضاجعتها، وترك وطأها، والاستمتاع بها، ومضى على ذلك شهر وشهران وأشهر، فما حكم هذا الترك؟ لا شك أنه إضرار، والله تعالى يقول: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة:231] ، ويقول: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2] وهذا ما أمسكها بمعروف، بل أضر بها، حيث لم يعطها حقها.
في هذه الحال إذا طلبت حقها فلها أن ترفع أمره إلى الحاكم، والحاكم يقول له: إما أن تطأها وإما أن تطلق، وإما أن نطلق عليك إذا امتنعت، فإذا أراد الرجوع لا كفارة عليه؛ لأنه ما حلف، إنما ترك الوطء بغير يمين، ولكن يحدد لها لمدة، والمدة هي أربعة أشهر؛ لأنها المدة التي يمكن للمرأة أن تتحمل غيبة زوجها فيها.
(68/17)
________________________________________
مدة تحمل المرأة غياب زوجها عنها
ذكر ابن كثير عند تفسير آية الوفاة: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] أن هذه المدة هي التي يمكن للمرأة أن تصبر عن زوجها إذا غاب عنها، وذكر أن عمر رضي الله عنه كان مرة يعس في المدينة، فسمع امرأة غاب عنها زوجها، وكان في الجهاد، وهي قد اشتاقت إليه، سمعها وهي تقول: تطاول هذا الليل وازور جانبه وأرقني ألا خليل ألاعبه ألاعبه طوراً وطوراً كأنما بدا قمراً في ظلمة الليل حاجبه فوالله لولا الله لا شيء غيره لحركت من هذا السرير جوانبه مخافة الله والحياء يصدني وإكرام بعلي أن تنال مراتبه فعلم أمير المؤمنين أنها قد اشتاقت إلى زوجها، فسأل ابنته: كم تصبر المرأة عن الزوج عادة؟ قالت: أربعة أشهر إلى ستة أشهر، فأمر أمراء الغزو ألا يتركوا الإنسان يغيب عن أهله أكثر من ستة أشهر، فلأجل ذلك حدد الله مدة الإيلاء بأربعة أشهر؛ لأن هذا هو الذي يمكن للمرأة أن تتحمله، لكن إذا صبرت أكثر من ذلك فلها ذلك، وأنتم تشاهدون هؤلاء العمال الذين يأتون ويتركون زوجاتهم، يغيب أحدهم سنتين، وربما أكثر، ففي هذه الحالة نقول: إذا سمحت الزوجة بهذا المقدار الذي هو سنتان فلها ذلك، وإذا لم تسمح فإما أن يذهب إليها وإما أن يطلق، والعادة أنها تصبر؛ لأنه ما ذهب إلا لأجل طلب الرزق.
ويوجد بعض النساء لا يرغبها زوجها، ولكنها ترغب في البقاء معه، فهو يخيرها ويقول لها: أنا لا أريدكِ كزوجة، ولا أرغب مجامعتكِ، فلك الخيار: إما أن تبقي ولا تطالبينني بالقسم، وتبقي مع أولادك في بيتك، كلي واشربي ونامي وامكثي مع أولادك، وإما الطلاق واخرجي وتزوجي إذا شئت.
فإذا آثرت البقاء، وأسقطت حقها؛ فلها ذلك، وفي ذلك نزل قول الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء:128] خافت أن ينشز عنها أو يعرض أو يطلق: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء:128] تقول: نصطلح على أني أسقط حقي من القسم، وأسقط حقي من الوطء، وأرغب في البقاء في عصمتك حتى أبقى مع ولدي، فلها ذلك.
(68/18)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [69]
الظهار من عادات الجاهلية التي أبطلها الإسلام، ورتب العقوبة على من فعله، وقد أمر الله بالابتعاد عنه، ووصفه بأنه زور ومنكر، وأوجب الكفارة على من ظاهر من زوجته، فعلى المسلم أن يبتعد عنه وعن جميع العادات الجاهلية.
ومن الأمور التي بينت الشريعة أحكامها: اللعان، وهو أن يقذف الزوج زوجته بالزنا وهي منكرة لا تقر، فيتلاعنان، والكاذب منهما معرض لعذاب الله، وقد بين الفقهاء أحكام اللعان وشروطه وما يتعلق بذلك.
(69/1)
________________________________________
الظهار
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: والظهار محرمٌ، وهو أن يشبه زوجته أو بعضها بمن تحرم عليه أو بعضها، أو برجل مطلقًا، لا بشعر وسن وظفر وريقٍ ونحوها.
وإن قالته لزوجها فليس بظهار، وعليها كفارته بوطئها مطاوعةً.
ويصح ممن يصح طلاقه.
ويحرم عليهما وطءٌ ودواعيه قبل كفارته، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
ويكفر كافرٌ بمالٍ وعبدٌ بالصوم، وشرط في رقبة كفارة ونذر عتق مطلق إسلامٌ، وسلامةٌ من عيب مضر بالعمل ضررًا بينًا.
ولا يجزئ التكفير إلا بما يجزئ فطرةً، ويجزئ من البر مد لكل مسكينٍ ومن غيره مدان.
فصل: ويجوز اللعان بين زوجين بالغين عاقلين لإسقاط الحد، فمن قذف زوجته بالزنا لفظًا وكذبته فله لعانها بأن يقول أربعًا: أشهد بالله إني لصادقٌ فيما رميتها به من الزنا.
وفي الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
ثم تقول هي أربعًا: أشهد بالله إنه لكاذبٌ فيما رماني به من الزنا.
وفي الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
فإذا تم سقط الحد، وثبتت الفرقة المؤبدة، وينتفي الولد بنفيه.
ومن أتت زوجته بولدٍ بعد نصف سنةٍ منذ أمكن اجتماعه بها، أو لدون أربع سنين منذ أبانها ولو ابن عشرٍ، لحقه نسبه، ولا يُحكم ببلوغه مع شك فيه.
ومن أعتق أو باع من أقر بوطئها، فولدت لدون نصف سنةٍ لحقه، والبيع باطلٌ] .
(69/2)
________________________________________
معنى الظهار
من عادات أهل الجاهلية ألفاظ يتكلمون بها، يعبرون بها عن تحريم الزوجة أو تحريم الأمة أو ما أشبه ذلك، ولما جاء الإسلام نهى عن تلك الألفاظ وتلك الكلمات الجاهلية، ومن ذلك الظهار، والظهار مشتق من الظهر؛ لأن الأصل فيه تشبيه الزوجة بظهر الأم، وذلك لأن الظهر في الدابة هو الذي يركب، فشبه ركوب الزوجة بركوب الدابة في ظهرها، وشبهها بظهر الأم.
وقد كان أهل الجاهلية يحرمون نكاح المحارم التي جاء الشرع بتحريمهن كنكاح الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت، لكنهم كانوا يبيحون نكاح زوجة الأب، فإذا مات الأب ينكحها أحد أبنائه من غيرها، وكذلك كانوا يبيحون الجمع بين الأختين، ويبيحون أكثر من أربع، فقد يجمع الرجل بين خمس وعشر وثمان ونحو ذلك، فلما جاء الإسلام قصرهم بالنكاح على أربع، وحرم المحرمات التي يحرم نكاحهن إما لرضاع أو لقرابة أو لمصاهرة، وأبطل تلك العادات الجاهلية، والتي منها مسألة الظهار.
أنزل الله تعالى في حكم الظهار أول سورة المجادلة.
وسبب نزولها أن صحابياً -اسمه أوس بن الصامت - غضب على امرأة له يقال لها: خولة، ويصغرون اسمها فيقولون خويلة، فلما غضب عليها قال: أنت علي كظهر أمي.
وكان لها أولاد منه، ويشق عليها أن تفارق أولادها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله، وتظهر الشكاية إلى الله، وتقول: إني تزوجته ونثرت له ما في بطني، ولي منه صبية صغار، إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن تركتهم عنده ضاعوا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بينه وبينها: (ما أظنكِ إلا قد حرمتِ عليه) ؛ وذلك لأن الظهار في الجاهلية فراق وتحريم؛ لأنه شبهها بمن هي محرمة عليه إلى الأبد، وهي الأم، فكان في ذلك تحريماً ظاهراً.
فأخذت تردد وتقول: إلى الله المشتكى، أشكوا إلى الله ضعفي، وكأنها تسأل الله تعالى أن ينزل فيها ما يكون سبباً لرجوعها إلى زوجها، ويجعل لها فرجاً ومخرجاً، فبينما هي جالسة عنده نزلت سورة المجادلة، تقول عائشة رضي الله عنها: سبحان من وسع سمعه الأصوات! لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله، وإني لفي جانب الحجرة، ويخفى عليَّ بعض كلامها، قال الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1] ، فهذا خبر من الله تعالى أنه سمع شكواها وسمع تحاورها مع النبي صلى الله عليه وسلم.
(69/3)
________________________________________
الدليل على تحريم الظهار
ذكر الله حكم هذا العمل الذي هو تشبيه الزوجة بظهر الأم، وهو أن يقول لزوجته: أنت علي كظهر أمي.
ويسمي هذا الفعل ظهاراً.
ثم إن العلماء رحمهم الله أخذوا من هذه الآيات أحكام الظهار، وأنه محرم، والدليل على تحريمه قوله في الآية الثانية: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة:2] فإذا قال: أنتِ علي كأمي، أو أنت علي كظهر أمي، فإنه كاذب، فليست أمه، وليست مثل أمه، ولا يقال: إن لها حكم أمه، فأمه في الحقيقة هي التي ولدته، وأما هذه فإنها لم تلده، وقال تعالى في سورة الأحزاب: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} [الأحزاب:4] أي: ليست أزواجكم أمهات إذا ظاهرتم منهن، فلا تكون الزوجة أماً، ولا تكون شبيهة بالأم، وإنما هي امرأة أجنبية، عقد عليها هذا الرجل، وأصبحت زوجة له حلالاً له، بخلاف أمه، فإنها محرمة عليه تحريماً مؤبداً، ولا تحل له بحال، والله تعالى أحل نكاح الزوجات، فعلى هذا بين الله تعالى أنها ليست أماً، ولو شبهها بالأم، ثم أخبر بأنه منكر {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة:2] والزور: هو الكذب، والمنكر: ضد المعروف، يعني: أنهم يتكلمون بهذه الكلمة وهي كلمة منكرة، ولأجل ذلك يعدون الظهار من المنكرات ومن الكذب، ويعده بعضهم من كبائر الذنوب؛ لأن عليه الكفارة، وكل ذنب يحتاج إلى كفارة فإنه من كبائر الذنوب، فدل على أنه من المحرمات، وقد نص العلماء على ذلك.
(69/4)
________________________________________
حكم التشبيه بغير ظهر الأم
كان أهل الجاهلية إنما يحرمون بظهر الأم، لكن الحكم أعم من ذلك، فمن شبه ببطن أمه فالبطن كالظهر، فإذا قال لزوجته: أنت علي كبطن أمي، أو كفرج أمي، أو كيد أمي، أو كرأس أمي.
وقصد بذلك تحريمها، فإنه يكون مظاهراً، وأما إذا قال: أنت علي كأمي، أو أنت مني كأمي.
وقصد بذلك المودة، فلا يكون ذلك تحريماً.
وهكذا لو دعاها: يا أمي! ويريد بذلك الشفقة، يعني: أنه يشفق عليها كما يشفق على أمه ويرحمها ويودها كما يود أمه، فإن ذلك مما يكون من أسباب المودة ولا يكون ظهاراً، وهكذا لو ناداها بقوله: يا أمي! لا يكون هذا ظهاراً، إلا إذا عرف من قصده أنه يحرمها عليه، فيشبهها بأمه التي يحرم عليه نكاحها، فيكون بذلك مظاهراً.
(69/5)
________________________________________
حكم تشبيه الزوجة بغير الأم من المحارم وبالرجال
وألحق العلماء غير الأم من المحارم بها، أي: كل امرأة تحرم عليه بنسب أو سبب مباشر تحريماً مؤبداً، فإنه إذا شبه زوجته بها صدق عليه أنه مظاهر، وأن عليه كفارة الظهار، وهكذا -أيضاً- لو شبه بعض زوجته بمن تحرم عليه، فلو قال -مثلاً-: وطؤك علي كأمي، أو فرجك علي كفرج أمي، أو بطنك أو ظهرك أو رأسك أو يدك أو رجلك كأمي، أو كبطن أمي، أو كرجل أمي أو كرأس أمي، صدق عليه أنه مظاهر.
وهكذا غير الأم، إذا قال: أنت علي كظهر أختي، أو كبطن أختي، أو كأختي، أو كظهر عمتي أو خالتي أو ابنتي، أياً كان من أقاربه، فإن هذا يكون ظهاراً.
وهكذا -أيضاً- إذا شبهها برجل، إذا قال: أنت علي كأبي، أو كابني، أو كظهر ابني أو ظهر أخي، أو شبهها برجل أجنبي، فقال: أنت علي كزيد أو كسعد، وهو لا يحل له نكاح رجل، فإذا شبهها برجل صدق عليه أنه مظاهر.
(69/6)
________________________________________
حكم تشبيه الزوجة بما ينفصل كالشعر والظفر من محارمه
وأما إذا شبهها بشيء منفصل فلا يسمى مظاهراً، إذا قال: أنت علي كشعر أمي.
والشعر نعلم أنه قد ينفصل، وأنه لا يسمى منكوحاً ولا يتلذذ به، وكذلك السن، إذا قال: أنت علي كسن أو كأسنان أمي، والأسنان -أيضاً- تنفصل وتنقلع، فلا يكون ذلك ظهاراً، وكذلك الظفر والريق واللعاب وما أشبهه، وهكذا الثياب، مثل: أنت علي كثياب أمي أو كثياب أختي، أو كريقها، أو كلعابها، أو أظفارها أو نحو ذلك، لا يصير هذا ظهاراً.
وهكذا لو شبه أجزاءً من زوجته تنفصل بمن تحرم عليه، فإذا قال: سنك أو شعرك علي كظهر أمي.
فلا يكون مظاهراً.
(69/7)
________________________________________
حكم ظهار المرأة من زوجها
الظهار في الأصل يكون من الرجل، ولكن هل يكون من المرأة إذا قالته؟ في ذلك خلاف، يقول المؤلف هاهنا: وإن قالته لزوجها فليس بظهار، ومع ذلك عليها كفارته إذا وطئها مطاوعة.
لذكر عن امرأة من أولاد الصحابة اسمها عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، قيل لها: إن مصعب بن الزبير يريد أن يتزوجك.
فقالت: هو علي كظهر أبي.
ثم قدر بعد ذلك أن تزوجها، ولما تزوجها وكانت قد ظاهرت أعتقت عبداً، كفارة لتلك الكلمة، وكأنها سألت من أفتاها بأن هذا وإن لم يكن ظهاراً فإن فيه كفارة الظهار؛ وذلك لأنه شبيه بظهار الرجل.
ولا شك أنه محرم، فكما أن ظهار الرجل من امرأته محرم فكذلك المرأة، وإذا حرمت زوجها فلا يجوز لها أن تمنعه من نفسها؛ لأن الحق له بالزوجية، فإذا قالت: أنت علي كأبي أو كأخي أو كابني، أو كظهر ابني أو نحو ذلك، ثم طلبها لنفسه ليستمتع بها، فلا تمنع نفسها.
ومن العلماء من يقول: عليها كفارة يمين كسائر المحرمات، فإن كل من حرم شيئاً من المباحات فإنما عليه كفارة يمين، حتى إذا كان للإنسان أمة ينكحها ثم حرمها لم تحرم، ولكن عليه كفارة يمين، واستدل بآية التحريم وهي قوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1] إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] قيل في سبب نزولها: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على زينب وتسقيه عسلاً، فحسدتها بعض زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وهما حفصة وعائشة فأرادتا أن يمتنع من شربه، فدخل على إحداهما فقالت: أكلت مغافير! قال: إنما شربت عسلاً عند زينب.
فقالت: جرست نحله العرفط.
يعني: أكلت نحله من شجر العرفط الذي له رائحة، ثم دخل على الأخرى فقالت مثل ذلك، فعند ذلك قال: هو علي حرام، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم:1] .
وقيل: إن سبب نزولها تحريم أمته مارية القبطية، لما وطئها في بيت إحدى زوجاته فأنكرت عليه ذلك، وقالت: في بيتي وعلى فراشي! فقال: (إذاً هي علي حرام) فأنزل الله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] تحلة الأيمان: يعني كفارة الأيمان، فجعل في هذا اليمين كفارة، فإذا قال: هذه الأمة علي حرام، فعليه كفارة يمين، هذا هو الصحيح.
وكذلك إذا قال: هذا الطعام أو هذا الشراب علي حرام.
لا يكون حراماً، وإنما يكون فيه كفارة يمين، بخلاف تحريم الزوجة الذي يسمى ظهاراً، إذا حرم زوجته ولم يشبهها بأمه أو بغيرها، بل قال: أنت علي حرام، ففعليه كفارة الظهار؛ لأن هذا شبيه بما إذا قال: نكاحكِ علي محرم كنكاح أمي أو أختي أو ابنتي.
فيكون بذلك مظاهراً، وهكذا إذا قال: أنتِ علي حرام.
عليه كفارة الظهار، هذا هو القول الصحيح.
(69/8)
________________________________________
ممن يصح الظهار
ممن يصح الظهار؟ يصح من الزوج العاقل المكلف، الذي يعرف حكمه الذي يترتب عليه، وقد تقدم في كتاب الطلاق أن الطلاق لا يصح إلا من زوج ولو مميزاً، ولابد أن يكون ممن يعقله، فكذلك الظهار يصح ممن يصح طلاقه، وهو الزوج، فلا يظاهر غير زوجته.
ولا يحرم زوجة الرجل عليه غيره، فلو قال الوالد لولده: زوجتك عليك حرام، أو زوجتك عليك كظهر أمك.
فهل يكون هذا ظهاراً؟ لا يكون ظهاراً؛ لأنه ليس من الزوج، ولو قال الأب لابنه أو الابن لأبيه: زوْجتَك عليك حرام كظهر أمك.
لم يكن هذا مظاهراً؛ لأنه لا يملك تطليق زوجة ابنه ولا زوجة أبيه.
(69/9)
________________________________________
ما يحرم على المظاهر قبل الكفارة
إذا ظاهر من امرأته فهل يطؤها؟ لا يطؤها حتى يكفر، وكذلك لا يجوز له أن يقبلها، ولا أن يباشرها، ولا يضمها، ولا غير ذلك حتى يكفر، والدليل قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3] والتماس: هو الوطء ومقدمات الوطء، فلا يقربها حتى يفعل ما أمره الله به، وقد ذكر الله عقب أمره بالعتق، وعقب أمره بالصيام (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) ، والصيام تطول مدته، فإذا اختار أن يصوم شهرين متتابعين ففي هذه الحال يتجنبها إلى أن ينتهي من الصيام.
وهكذا -أيضاً- إذا اختار الإطعام، فلا يقربها حتى يطعم ستين مسكيناً، ولو لم يذكر المسيس في قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة:4] فلم يذكر (من قبل أن يتماسا) ولكنه مراد، فإذا كان الصيام مع طول مدته ذكر فيه (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) ، فكذلك الإطعام لقلة زمنه، ولأنه قد يطعمهم في يوم واحد أو يومين.
هذا معنى قول المصنف: يحرم وطء ودواعيه عليهما قبل الكفارة.
(69/10)
________________________________________
كفارة الظهار
الكفارة نص الله تعالى عليها في سورة المجادلة، وهي على الترتيب.
عتق رقبة؛ فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، على هذا الترتيب، فمن قدر على الرقبة لم يجزئه الصيام، ولو صام فإنه لا يكفيه؛ لأن الله بدء بذكر الرقبة، فإذا لم يجد ثمن الرقبة، أو لم يجد الرقبة -كما في هذه الأزمنة- انتقل إلى الصيام، وإذا كان يطيق الصيام فلا يجزئه الإطعام؛ لأن الله قال: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ} [المجادلة:4] ، ولابد أن يكون الصيام شهرين متتابعين، فاشترط التتابع في كفارة الظهارة، وفي كفارة القتل كما في سورة النساء، وجاء -أيضاً- في كفارة الوطء في نهار رمضان، كما في الحديث الصحيح.
فكفارة الظهار على النحو التالي: أولاً: الكفارة بالعتق، ثم الكفارة بالصيام، ثم الكفارة بالإطعام.
(69/11)
________________________________________
كفارة الكافر والمملوك إذا ظاهرا
الكافر لا يكفر بالصيام؛ لأن الصيام عبادة، والعبادة لا تصح من كافر، بل يكفر الكافر الذمي بالعتق، وإذا لم يجد كفر بإطعام ستين مسكيناً، أما الصيام فإنه عبادة بدنية تختص بالمؤمنين، يحتسبون فيها الأجر، ولا أجر للكافر في الصيام.
أما العبد المملوك إذا ظاهر من امرأته فمعلوم أنه لا يملك عتقاً، ولا يملك إطعاماً، فليس أمامه كفارة إلا الصيام، فيكفر العبد بالصيام.
(69/12)
________________________________________
شروط الرقبة في كفارة الظهار
ماذا يشترط في رقبة كفارة الظهار، وكفارة اليمين، وكفارة الوطء في نهار رمضان، وكفارة قتل الخطأ؟ أما نذر العتق فيكون على ما نذر، كأن يقول: لله علي أن أعتق عبداً.
وأطلق، ولم يقل: عبداً كبيراً ولا صغيراً ولا ذكراً ولا أنثى، فهذا نذر عتق مطلق، أما ما عداه فيشترط في ذلك ما يلي.
الشرط الأول: الإيمان، ذكر الله تعالى الإيمان في آية القتل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] فلا يجزئ إعتاق الكافر، فالإيمان ذكر في آية عتق كفارة القتل، وقيس عليه كفارة الظهار وكفارة اليمين وكفارة الوطء في نهار رمضان؛ وذلك لأن العتق قربة وعبادة فيه أجر، ولا يطلب إلا عتق المؤمنين، أما العبد الكافر فإعتاقه تمكين له من الكفر، وإعانة له على بقائه على هذا الكفر، فلا جرم اشترط أن يكون العتيق مؤمناً، قال الله: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] .
الشرط الثاني في العتيق: السلامة من كل عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً، فلابد أن يكون العبد الذي يعتق في الكفارة سالماً من العيوب، فلا يعتق العبد الأعور، ولا الأعمى، ولا الأعرج؛ لأنه ناقص القيمة، وكذلك الأصم والأبكم والأقطع والمعاق والمقعد وما أشبه ذلك، ممن فيه ضرر، وذكروا من أمثلته: إذا كان مقطوع الإبهام؛ لأنه لا يستطع أن يعمل بأربع أصابع، وهكذا لو قطعت منه السبابة، فعمله يكون ناقصاً، وهكذا لو قطعت الوسطى، أما إذا قطع الخنصر فقد لا يؤثر، فيستطيع أن يكتب وأن يعمل، بخلاف ما إذا قطع الإبهام فكيف يكتب أو يمسك أو نحو ذلك؟ أو قطعت السبابة يصعب عليه أن يمسك القلم مثلاً، أو قطعت الوسطى يصعب عليه أن يمسك القلم أو الشيء بإصبعين.
أما إذا قطع الخنصر والبنصر معاً فيكون هذا نقصاً ظاهراً، وقد يصعب عليه أن يعمل بثلاثة أصابع.
وكذلك العيوب التي تخل بالعمل، فإذا كانت يده مشلولة، أو فيه عيب خَلقي، فمثل هذا لا يجزئ إعتاقه عن الكفارة، فلابد أن يكون سليماً من العيوب التي تضر بالعمل ضرراً بيناً.
(69/13)
________________________________________
شروط صيام الكفارة
يشترط في الصيام التوالي والتتابع (شهرين متتابعين) ، فإن صام بالشهر الهلالي اكتفى بشهرين هلاليين ولو كانا ناقصين، أو كان أحدهما ناقصاً -يعني: تسعة وعشرين يوماً-؛ وذلك لأنه يصدق عليه أنه شهر.
وإن ابتدأ من نصف الشهر أو وسطه فإنه يصوم ستين يوماً بالعدد، فإن الشهرين لا يزيدان عن ستين يوماً.
(69/14)
________________________________________
شروط الإطعام في الكفارة
وإطعام ستين مسكيناً يكون بأن يعطي كل واحد منهم ما يكفيه وجبة واحدة كغداء أو عشاء، وقد ذكر الله تعالى الإطعام في كفارة اليمين في قوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:89] أي: من الطعام الوسط، فلا يكلف نفسه الطعام الثمين الغالي، ولا يجزئ الرخيص الدنيء، بل ينظر الإنسان إلى أكثر ما يطعم أهله، فأحياناً قد يشتري لأهله في بعض المناسبات أنواعاً من اللحوم، كالسمك، أو لحم حمام أو نحو ذلك، أو لحوم شياه أو لحوم ضأن ونحو ذلك، وأحياناً لا يطعمهم إلا الخبز فقط بدون لحم، وبدون فاكهة لبعض الأسباب، فينظر إلى أكثر ما يطعم أهله، فإذا قال: أكثر ما أطعم أهلي وأوسط ما أطعمهم الأرز ولحم دجاج وشيء من الفاكهة.
نقول: أخرج هذا في كفارة اليمين، وفي كفارة الظهار، وما أشبهها؛ لأن الله قال: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:89] .
ومن العلماء من يقول: لابد أن يملكهم، فيعطي كل مسكين ما يكفيه يومه ذلك كغداء أو عشاء، يسلمه له، حتى يتصرف فيه ذلك المسكين.
ومنهم من يقول: يكفي أن يدعوهم ليأكلوا في بيته حتى يشبعوا، فإذا شبعوا صدق عليه أنه أطعمهم.
وقد ذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه في آخر حياته -بعد أن تجاوز عمره المائة- صعب عليه الصيام، فكان إذا دخل رمضان يجمع ثلاثين مسكيناً فيعشيهم أول ليلة حتى يشبعوا، ويكتفي بذلك عن الصيام، وأخذ ذلك من قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] فجعل طعام المسكين قائماً مقام الصيام، فكذلك تكون الكفارة، ومعنى هذا: أنه لو جمع ستين مسكيناً، وجعل لهم طعاماً من جنس طعام أهله، من خبز ولحم، أو أرز ولحم معتاد، أو غير ذلك من الأطعمة فإنه يكفي إذا أكلوا حتى شبعوا.
وكذلك إذا ملكهم، وتمليكهم أن يسلم لكل واحد منهم ما يكفيه، والفقهاء يشترطون أن يملكهم، والمصنف يقول: ولا يجزئ التكفير -يعني: بالإطعام- إلا بما يجزئ فطرة، وقد تقدم اختيار الحنابلة أن زكاة الفطر تكون من خمسة: من البر والشعير والتمر والزبيب والأقط؛ لأنها هي المعتاد أكلها في ذلك الزمان، ولكن الصحيح أنها تجزئ من غالب قوت البلد، فكذلك الكفارة تكون من غالب قوت البلد، ففي بلدنا هذا الغالب هو الأرز، وأغلب الناس وأوسطهم يأكلون مع الأرز شيئاً من لحم الدجاج أو من لحم الإبل أو من لحم الغنم كإدام له، وغالباً يأكلون معه شيئاً من الفاكهة التي يتفكه بها كتفاح أو موز أو برتقال أو نحو ذلك من الفواكه، فإذا كان هذا هو غالب قوت أهله فإنه يطعم المساكين من مثل هذا.
والذين اشترطوا أن يملكهم قالوا: يعطيهم طعاماً غير مطبوخ، فيجزئ من البر لكل مسكين مد، ومن غيره لكل مسكين مدان.
وقوله: (ومن غيره) يعم بقية أنواع الطعام، فمعنى ذلك أنه لو أطعم المساكين من الزبيب فلابد من مدين، أو من التمر فلابد من مدين، مع تفاوت القيمة، ومعلوم أن المدين من الزبيب قد تكون قيمتهما عشرين ريالاً، والمدان من التمر السائد المعتاد قد تكون قيمتهما ثلاثة ريالات أو أربعة، ومع ذلك جعلوه سواء، وقد اختار مشايخنا أنه يطعم نصف صاع من الجميع، فيكفيه أن يملكهم نصف صاع من البر، أو نصف صاع من الأرز، أو نصف صاع من التمر أو من الزبيب أو من الذرة أو ما أشبه ذلك، إذا كان هو القوت السائد.
(69/15)
________________________________________
باب اللعان
اللعان: شهادات بين الزوجين مختومة بلعن أو غضب، مؤكدة من كل من الزوجين.
وسوف يأتينا إن شاء الله في كتاب الحدود حد القذف، وهو أن يرمي الإنسان غيره بالزنا أو باللواط أو نحو ذلك، فإذا رماه فإن عليه حد القذف، واستثني من ذلك إذا رمى زوجته فإن عليه اللعان، وأما إذا رمت هي زوجها فإن عليها حد القذف، ولا لعان.
نزل في اللعان آيات من سورة النور، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:6-9] هكذا جاءت هذه الآيات.
(69/16)
________________________________________
سبب نزول آية القذف
وسبب نزولها: أنه لما نزلت آيات القذف وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور:4-5] سأل بعض الصحابة عنها وقالوا: إذا رأى أحدنا امرأته تزني، فكيف يفعل؟ إذا ذهب يأتي بأربعة شهداء فإن هذا الزاني سوف يهرب، ولن يتمكن من إمساكه، فكيف يفعل؟ فلم يجبهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
ثم وقع أن عويمر العجلاني اتهم امرأته، فسأل أحد أقاربه فقال: أرأيت لو أن أحدنا وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ ثم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فكره المسائل وعابها، ولكن جاء بعد ذلك عويمر وقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به.
أي: إنه تحقق أن امرأته زنت، ولكن لم يكن عنده شهود، ولا يستطيع أن يحضر شهوداً يجمعهم إذا كان ذلك في وسط ليل أو نحو ذلك.
وحدث -أيضاً- أن رجلاً آخر من الصحابة وهو هلال بن أمية، وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم في سورة التوبة، قذف امرأته -أيضاً- برجل يقال له: شريك بن سحماء، دخل بيته فرأى وسمع وتحقق، عند ذلك أصبح وقال: إني وجدت مع امرأتي رجلاً قد فعل بها.
فنزلت الآيات المذكورة في بيان هذا الحكم، وبين الله تعالى حكم ما إذا قذف الرجل امرأته، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ} [النور:6] يعني: لا يستطيع أن يأتي بشهداء، ليس له شهداء إلا نفسه، يعني: أنه هو الذي رأى وعاين وشاهد، فأمره الله تعالى بهذه الأوامر.
ثم إن عويمراً جاء هو وامرأته، فشهد عليها أربع شهادات، وأتى بالخامسة، ثم إنها شهدت -أيضاً- أربع شهادات أنه كاذب وليس بصادق، وختمت بالغضب، ولما تمت الشهادتان منها ومنه طلقها، وقال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت سنة بين المتلاعنين التفرقة بينهما.
وهكذا -أيضاً- جاء هلال وامرأته، ولما جاء ابتدأ فشهد على نفسه أربعة شهادات أنه صادق، ولما كانت الخامسة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل رجل يده على فمه، وقال: (إنها الموجبة) ولكنه أقدم ولعن نفسه إن كان كاذباً عليها، ثم قربت المرأة، وشهدت أربع شهادات أنه كاذب عليها، وبعد ذلك أمر أن يضع إنسان يده على فمها حتى لا تأتي بالخامسة، وقال: (إنها الموجبة) فتلكأت قليلاً، ثم أقدمت وقالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فشهدت ودعت على نفسها بالغضب، وكانت حاملاً فتبرأ من حملها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنظروها، فإن جاءت به خدلج الساقين فهو لـ هلال، وإن جاءت به كذا وكذا فهو لـ شريك) ، فجاءت به على الوصف المكروه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن) أي: أن الذي منعه من إقامة الحد عليها أنها أتت بهذه الأيمان التي درأت عنها ذلك الحد الذي هو العقوبة عليها.
(69/17)
________________________________________
شروط المتلاعنين
سمي اللعان بهذا الاسم لقوله: {أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [النور:7] .
ولا يكون اللعان إلا بين الزوجين، ولابد أن يكونا بالغين عاقلين، فإذا كان الزوجان أو أحدهما دون البلوغ، أو كان أحدهما مجنوناً أو ناقص العقل، فلا يكون هناك لعان؛ وذلك لأن الصغير لا يبالي، وليس هناك ما يحجزه عن الشهادة كاذباً؛ لأنه غير مكلف، والمجنون ليس معه عقل يحجزه عن الكذب أو عن الشهادة على الكذب، وكذلك ليس هناك ما يحجز المرأة الصغيرة عن أن تمكن من نفسها لعدم تكليفها، فإذا لم يكونا كذلك فلا لعان.
(69/18)
________________________________________
من لم يلاعن أقيم عليه الحد
وإذا لم يلاعن فعليه الحد؛ وذلك لأن هلالاً لما جاء وقال: إني وجدت مع امرأتي رجلاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة أو حد في ظهرك) يعني: قبل نزول الآية، وبعد نزول آية المحصنات، والبينة: هي أربعة شهود، أو حد في ظهرك، أي: تعاقب بالحد الذي هو ثمانون جلدة، فتعجب وقال: يا رسول الله! إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلاً فاجراً قد تفخذها، يذهب فيجمع أربعة شهود! فكرر عليه (البينة أو حد في ظهرك) .
فدل على أنه إذا لم يأت بالبينة فإنه ينتقل إلى الملاعنة، فإذا امتنع من الملاعنة، وطالبت المرأة بحد القذف، فإنه يقام عليه حد القذف، وأما إذا شهد عليها، وكمل الشهادة باللعن، ولم تكمل هي الشهادة، أو لم تدعُ على نفسها بالغضب، فإنه يقام عليها الحد الذي هو الرجم، والدليل قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور:8] وهذا يدل على أنها إذا لم تأت بهذه الشهادات فلا يدرأ عنها العذاب، بل على الإمام إقامة الحد عليها.
(69/19)
________________________________________
شروط اللعان
يقول المصنف: القذف لابد أن يكون لفظاً، بأن يقول: إن امرأتي قد زنت.
سواء سمى الزاني فلاناً أو لم يسمه، فلو أشار إشارة ولو كانت إشارة مفهومة فلا يكون لعاناً.
ويشترط أن تكذبه، أما إذا صدقته واعترفت بأنها قد زنت فلا لعان، بل يقام الحد عليها.
ويبدأ الزوج بالشهادة، فيقول الزوج: أشهد بالله إني لصادق فيما رميتها به من الزنا.
يكرر ذلك أربع مرات، ثم يقول في الخامسة: وأن لعنة الله عليَّ إن كنت من الكاذبين.
هذه شهادة الزوج.
ثم إذا أنكرت الزوجة، وادعت أنه كذب عليها، فإنها تحضر وتشهد، فتقول: أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة: وأن غضب الله عليَّ إن كان من الصادقين.
لا يقبل إلا بلفظ الشهادة (أشهد) ، إذا لم يأت بها فلا تكون شهادة؛ وذلك لأن الله تعالى قال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور:6] وقال: {أَنْ تَشْهَدَ} [النور:8] فلو لم يأتِ بلفظ الشهادة، بل قال: إن هذه امرأتي زنت، إنها زانية، إنها زانية، وكرر ذلك أربعاً، لا يكون بذلك آتياً بما يدرأ عنه الحد، حتى يصرح بقوله: أشهد بالله.
والله تعالى يقول: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور:6] ويقول: {أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} [النور:8] والشهادة تكون بالله، وسميت شهادة لأنها تدل على المشاهدة التي هي مشاهدة الشيء الظاهر، ورؤيته بالعين.
ثم الرجل يدعو على نفسه باللعن إن كان من الكاذبين، واللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، ولا شك أنه والحال هذه يكون وعيداً شديداً، إذا دعا على نفسه وهو كاذب بهذا اللعن فقد عرض نفسه للعقوبة.
المرأة اختير لها الغضب، {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:9] وغضب الله تعالى هو ما تشدد عقوبته، فإن الله تعالى إذا غضب فقد يعاقب من غضب عليه عاجلاً، وقد يؤخر عقوبته آجلاً -يعني في الدار الآخرة- هذا هو الصحيح في اختيار الغضب، والغضب أشد من اللعن؛ لأنه يسبب دخول النار والعياذ بالله، واللعن والغضب كلاهما يسبب العذاب.
وبدئ بالرجل لأنه أقوى جانباً؛ وذلك لأنه غالباً ليس بمتهم، ولا غرض له في أن يلاعن امرأته؛ لأنه إذا أبغضها فلا حاجة له إلى أن يقذف وبإمكانه أن يطلقها ويخلي سبيلها، فلا حاجة له إلى أن يلاعن وهو كاذب، فالقرائن تدل على صدقه، كما في قصة هلال، حيث إن امرأته ولدت مولوداً شبيهاً بذلك الرجل الذي قذفت به، فدلت القرائن على أنه أقرب إلى الحق وإلى الصدق، وكذلك في قصة امرأة هلال أنها تلكأت عند اليمين الخامسة، أو عند الغضب، وكادت أن تعترف، ومع ذلك أقدمت، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن) أي: لولا الأيمان لأقام عليها الحد، فدل ذلك على أن جانب الرجل أقوى من جانبها.
(69/20)
________________________________________
الموعظة قبل اللعان
قبل البدء في الملاعنة على القاضي أن يعظهما جميعاً ويذكرهما كما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ذكرهما وخوفهما، وقال لهما: (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟) .
وكذلك -أيضاً- خوفهما وأخبرهما أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، عذاب الدنيا في حق الزوج هو أن يجلد ثمانين جلدة إذا تبين أنه كذب عليها، وعذاب الزوجة هو الرجم بالحجارة حتى تموت، ومع ذلك فإنه أهون من عذاب الآخرة، سيما إذا تابت وندمت واعترفت وأقيم عليها الحد، فهو أهون من عذاب الآخرة الذي هو النار وبئس القرار، فعليه أن يخوفهما ويذكرهما.
فإذا تمت الملاعنة سقط الحد، فلا يقام عليه الحد الذي هو الجلد؛ لأنه أتى بما يسقطه وهو هذه الشهادات، وكذلك -أيضاً- يسقط الحد عنها؛ لأنها أتت بما يسقطه، وهو هذه الشهادات.
بعد ذلك تتم الفرقة بينهما، وتكون فرقة مؤبدة، بحيث لو أنه بعد ذلك ندم، وقال: إني كذبت عليها، ردوها علي.
لا تعاد إليه إلى آخر الحياة، وتحرم عليه تحريماً مؤبداً، وتكون كإحدى محارمه، ولا تحل له أبداً بعد تمام هذه الملاعنة، وهكذا -أيضاً- لو كذبت نفسها بعد ذلك يقام عليها الحد.
فالحاصل: أن القاضي يفرق بينهما فرقة مؤبدة.
(69/21)
________________________________________
من أحكام اللعان
إذا كان في بطنها حمل، وتبرأ منه، وقال: ليس لي، وليس ابناً لي.
فإنه لا يلحقه، بل يُلحق بالزوجة، ويُنسب لأمه، يقال: ابن فلانة.
ولا ينسب لأب لا للزاني ولا للزوج.
أما إذا اعترف به وقال: إنه ابني، وإنها علقت به مني قبل أن تزني.
فإنه يلحق به؛ لأنه اعترف بأنه ابنه فيلحق به وينسب إلى أبيه، والشرع يتشوف إلى صلة الأنساب.
وأما إذا لم يكن القذف صريحاً فلا يكون هناك حد ولا لعان، تذكرون قصة رجل قال: يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود -وهو يعرض بنفيه-.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألك إبل؟ قال: نعم.
قال: فما ألوانها؟ قال: حمر.
قال: أليس فيها أورق؟ -يعني: أسود- قال: بلى.
قال: فمن أين جاءها؟ قال: لعله نزعه عرق.
فقال: وهذا لعله نزعه عرق) ، فلا لعان والحال هذه.
(69/22)
________________________________________
أقل مدة الحمل وأكثرها
يقول المصنف: ومن أتت زوجته بعد نصف سنة منذ أن كان جماعه بها، أو لدون أربع سنين منذ أبانها، ولو ابن عشر، لحقه نسبه.
قدر الفقهاء أن أقل مدة الحمل نصف سنة، فإذا تزوج امرأة ودخل بها، وبعد أن دخل بها ولدت بعد ستة أشهر، ولدت في الشهر السابع بعد دخوله عليها، فهذا الولد يلحق به؛ لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، والغالب أن أكثر النساء تلد لتسعة أشهر، ولكن لما كان أقل مدة الحمل ستة أشهر دُرئ عنها الحد.
فلو أنكره وقال: إنه ليس مني.
فلا يقبل إنكاره، إلا إذا كان هناك قرائن بينة، وفي هذه الأزمنة يمكن أن يعرض على الأطباء الذين يقدرون عمر الجنين، فإذا عرض عليهم وقالوا بعدما دخل عليها بشهر: هذا الحمل له -مثلاً- عشرون أسبوعاً أو خمسة عشر أسبوعاً، تبين أنه ليس منه، فله في هذه الحالة أن ينتفي منه، وإذا لم ينتف منه فإنه يلحق به.
ذكر أن امرأة ولدت بعدما تزوجها رجل بستة أشهر، فأراد عمر أن يرجمها، فقال له بعض الصحابة: إن أقل مدة الحمل ستة أشهر، واستدل بقول الله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:15] أي: مدة حمله ومدة فصاله ورضاعه، وقال الله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان:14] فصاله: يعني رضاعه في عامين، فإذا أسقطنا العامين وهي أربعة وعشرون شهراً من الثلاثين فكم يبقى؟ يبقى ستة أشهر، فهي مدة الحمل، فالرضاع والفصال سنتان أربعة وعشرون شهراً، والبقية مدة الحمل، هذا أقل مدة الحمل.
أما إذا طلق رجل امرأة، ولما طلقها ادعت أنها حامل، ولم تتزوج، ومضى عليها سنة وسنتان ولم تلد إلا في السنة الثالثة أو في السنة الرابعة قبل تمام أربع سنين منذ طلقها، وادعت أنه منه، لزم الإقرار به واستلحاقه؛ لأن الحمل قد يبقى في الرحم سنتين أو ثلاث سنين، وأكثر ما وجد أن الحمل يبقى في بطن أمه أربع سنين، ولكن الغالب أنه يكون مريضاً، وأنه في حالة مرضه لا يتغذى ولا ينمو بدنه وجسده؛ فلذلك تزيد مدة الحمل، فإذا ولدته لأقل من أربع سنين منذ أبانها لحقه.
ولو كان الزوج صغيراً كابن عشر فإنه يلحقه نسبه؛ لأن ابن عشر قد يكون منه انتشار، ويكون منه شهوة، ويحصل منه الإنزال، وقد قدر العلماء أن أقل ما يحصل البلوغ لابن عشر، فإذا دخل بزوجة وهو ابن عشر سنين، وعلقت بحمل لحقه ذلك الحمل.
ولكن اختلفوا: هل يحكم ببلوغه مع الشك فيه؟ قالوا: لا يحكم بالبلوغ إلا بعد اليقين، وبلوغ الرجل يكون باحتلامه أو بالإنبات -كما تقدم في باب الحجر- أو بتمام خمس عشرة سنة، لكن إذا دخل بامرأة وحملت وهو ابن عشر تبين بذلك أنه قد بلغ؛ لأن الحمل لا يكون إلا من إنزال، فلابد أنه أنزل في الرحم، وحصل من ذلك الإنزال علوق ذلك المولود، فأما إذا شك في هذا المولود هل هو من هذا الصبي أو من غيره فلا يحكم ببلوغه مع الشك.
(69/23)
________________________________________
حكم بيع الأمة إذا ولدت لدون نصف سنة
يقول المصنف: ومن أعتق أو باع من أقر بوطئها فولدت في دون نصف سنة لحقه، والبيع باطل.
صورة ذلك: إذا وطأ أمة مملوكة له، ولما وطئها باعها قبل أن يستبرئها، واعترف بأنه قد وطئها، وأنه باعها ولا يدري هل هي حامل أم لا، ولكن أقر بأنها كانت أمته، وبأنه قد وطئها، وبأنه لما باعها لم يستبرئها بحيضة، ففي هذه الحال إذا ولدت مولوداً يمكن أن يكون منه، فإنه يلزمه أن يلحقه، ويكون البيع باطلاً.
وعليه أن يقر به إذا كانت ولادته لأقل من ستة أشهر منذ باعها؛ لأنه اعترف بأنه قد وطئها قبل البيع، والآن ولدت مولوداً كامل الخلقة في خمسة أشهر وثمانية وعشرين يوماً، فهذا المولود لابد أنه موجود في رحمها قبل بيعه لها، فعليه أن يقر به، وإذا أقر به لحقه نسبه، وحينئذ ترجع إليه؛ لأنها تصير أم ولد، وأم الولد لا يجوز بيعها، -وأم الولد هي المملوكة التي يطؤها سيدها فتلد له أولاداً- فإذا اعترف بأنه وطئها، وولدت بعد بيعه لها في أقل من ستة أشهر، فالولد منه يقيناً، وهو موجود في الرحم قبل أن يبيعها، فترجع إليه وتبقى أم ولده، ويبطل البيع.
أما إذا ولدت بعد الستة الأشهر من البيع، يعني: باعها وبعدما باعها بنحو ستة أشهر وخمسة أيام جاءت بولد، نقول: إنه للمشتري الذي اشتراها؛ لأنه هو الذي وطئها بعدما تملكها، فإنه يمكن أنه لما اشتراها استبرأها بحيضة، والحيضة قد تكون يوماً أو يومين، ولما استبرأها وطئها، وبعدما وطئها علقت منه، ولما علقت منه مضى على شرائه لها ستة أشهر وخمسة أيام، يومان هما الاستبراء ونحوه، فتكون بذلك قد علقت منه، والولد له، ولا تعود إلى الأول.
(69/24)
________________________________________
الأسئلة
(69/25)
________________________________________
من ارتكب حداً فهل تكفيه التوبة؟
السؤال
كثير من البلدان لا يحكم فيها بالشرع في الحدود مثل القتل أو قطع يد السارق أو حد اللعان أو غيره، فهل تكفي التوبة؟
الجواب
إذا ارتكب الإنسان ذنباً، واعترف بذنبه فيما بينه وبين الله فإنه يستر نفسه، فإذا زنى فإنه يستر نفسه ويتوب، وتكفي التوبة، وكذلك حقوق الله تعالى يكفي فيها الندم والتوبة وأن يستر نفسه.
وأما حقوق الآدميين فلابد فيها من الصلح، فإذا قتل إنساناً فلأوليائه أن يقتصوا ولو لم يكن هناك حاكم، فيقتلوا ذلك القاتل؛ لأن النفس بالنفس، ولهم أن يصطلحوا معه على دية ولو أكثر مما يقدر، وأما حد القذف فلهم أن يصطلحوا معه على أن يرضيهم، ويكفيه أن يندم على ما فعل، ويستر نفسه.
(69/26)
________________________________________
النصيحة لمن يتلفظ بالطلاق أو الظهار
السؤال
بماذا تنصحون من يكون على لسانه كلمة الظهار دائماً؟
الجواب
ننصحه بالتوبة وترك هذه الكلمة، فكلمة الطلاق وكلمة الظهار تجري على ألسن الكثير، وكثيراً ما تسمعون من يقول: علي الطلاق أن أفعل كذا، أو امرأتي علي مثل أمي، أو مثل فرج أمي وما أشبه ذلك، فعليه أن يتوب، ويمسك لسانه، والتوبة تمحو الذنب.
(69/27)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [70]
من رحمة الله بعباده وحكمته التي قد لا يستوعبها البشر: أن شرع أنظمة وتعاليم يجب على الناس الالتزام بها وتطبيقها على نسائهم، ومن ذلك أن فرض الله العدة على الزوجة إذا طلقت طلاقاً رجعياً أو بائناً، أو توفي عنها زوجها، وأمر من اشترى أمه أن يستبرئها قبل الوطء، وما ذاك إلا لأجل أن لا تختلط الأنساب وتنتهك الحقوق الزوجية وتهدر.
(70/1)
________________________________________
العدد والاستبراء والإحداد
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب العِدَد: لا عدة في فرقة حي قبل وطء وخلوة.
وشرط لوطء كونها يوطأ مثلها، وكونه يلحق به الولد، ولخلوة مطاوعته وعلمه بها ولو مع مانع، وتلزم لوفاة مطلقًا.
والمعتدات ست: الحامل: وعدتها مطلقًا إلى وضع كل حمل تصير به أمة أم ولد.
وشرط لحوقه للزوج، وأقل مدته ستة أشهر، وغالبها تسعة، وأكثرها أربع سنين، ويباح إلقاء نطفة قبل أربعين يومًا بدواء مباح.
الثانية: المتوفى عنها بلا حمل، فتعتد حرة أربعة أشهر وعشر ليال بعشرة أيام، وأمة نصفها، ومبعضة بالحساب، وتعتد من أبانها في مرض موته الأطول من عدة وفاة أو طلاق إن ورثت، وإلا عدة طلاق.
الثالثة: ذات الحيض المفارقة في الحياة، فتعتد حرة ومبعضة بثلاث حيضات، وأمة بحيضتين.
الرابعة: المفارقة في الحياة، ولم تحض لصغر أو إياس، فتعتد حرة بثلاثة أشهر، وأمة بشهرين، ومبعضة بالحساب.
الخامسة: من ارتفع حيضها ولم تعلم ما رفعه، فتعتد للحمل غالب مدته ثم تعتد كآيسة، وإن علمت ما رفعه فلا تزال حتى يعود فتعتد به، أو تصير آيسةً فتعتد عدتها.
وعدة بالغة لم تحض ومستحاضة مبتدأة أو ناسية كآيسة.
السادسة: امرأة المفقود تتربص -ولو أمةً- أربع سنين إن انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك، وتسعين منذ ولد إن كان ظاهرها السلامة، ثم تعتد للوفاة، وإن طلق غائب أو مات، فابتداء العدة من الفرقة.
وعدة من وطئت بشبهة أو زنًا كمطلقة إلا أمةً غير مزوجة فتستبرأ بحيضة.
وإن وطئت معتدة بشبهة، أو زنًا، أو نكاح فاسد أتمت عدة الأول، ولا يحتسب منها مقامها عند ثان، ثم اعتدت لثان.
ويحرم إحداد على ميت غير زوج فوق ثلاث، ويجب على زوجة ميت، ويباح لبائن.
وهو ترك زينة وطيب، وكل ما يدعو إلى جماعها ويرغب في النظر إليها.
ويحرم -بلا حاجة- تحولها من مسكن وجبت فيه، ولها الخروج لحاجتها نهارًا.
ومن ملك أمةً يوطء مثلها من أي شخص كان، حرم عليه وطؤها ومقدماته قبل استبراء حامل بوضع، ومن تحيض بحيضة، وآيسة وصغيرة بشهر] .
(70/2)
________________________________________
حكمة مشروعية العدد ونحوها
يتعلق هذا الفصل بالعدة والإحداد والاستبراء؛ والحكمة في ذلك: عدم اختلاط الأنساب، وذلك أن الرحم إذا كان مشغولاً بحمل لم يجز لغير الزوج أو السيد وطء تلك المرأة التي انشغل رحمها بحمل، فإن ذلك فيه شيء من اختلاط الأنساب، وهكذا لو علقت بحمل ثم طلقت وتزوجت، أو توفي عنها وتزوجت، فإنه لا يدري: هل الولد للأول أو للثاني، وقد يتنازعانه، فكل منهما يدعي أنه منه، وقد يكون ذلك سبباً في أن الولد يتعقد ولا يدري هل هو ولد هذا أو ولد هذا! هذا هو السبب.
ولأجل ذلك حرم وطء الحامل، وقد ثبت في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره) ، وهذا على وجه الاستعارة، يعني: فلا يطأ امرأة غيره إذا كانت حاملاً، فإنه يسقي ذلك الولد من مائه الذي هو المني، وإذا فعل ووطئ المرأة الحامل فربما ينسب الولد إليه وهو ليس ولداً له، فذكروا أيضاً أن وطء الحامل يزيد في بصر الحمل أو في قوته أو نحو ذلك، فيكون الولد مشتركاً فيه هذا وهذا.
هذه هي الحكمة من هذا الباب الذي هو العدد.
وكان أهل الجاهلية لا يبالون باختلاط الأنساب، وفي الحديث الذي في البخاري عن عائشة: أنها ذكرت أن النكاح في الجاهلية على عدة أقسام، وذكرت منها: قسم الزواني اللاتي ينصبن الأعلام على بيوتهن، وهن العاهرات، وكل من رأى هذا العلم عرف أنه على امرأة بغي.
وقسم آخر هو الاستبضاع، وهو أن الرجل يرسل امرأته إلى رجل شريف، ويقول لها: اذهبي استبضعي منه.
أي: مكنيه من نفسك حتى تعلقي بولد، ليكون ولداً لنا، ويكون فيه صفات ذلك الشريف من شجاعة أو كرم أو بسالة أو قوة، فيكون هذا فيه أيضاً اشتراك في هذا الولد.
وذكرت أيضاً قسم الاشتراك، وهو: أن يتفق خمسة أو عشرة في الدخول على المرأة، وكل منهم يطؤها، وإذا علقت بالحمل ووضعت حملها أرسلت إليهم، وقالت: قد علمتم ما حصل منكم، وقد وجد هذا الولد، ثم إنها تختار واحداً منهم وتعلقه به فتقول: هو لك يا فلان! ولا يستطيع أن يرد ذلك، فيتبناه.
ولما جاء الإسلام حدد الزواج المباح الذي هو وطء الزوجة بنكاح صحيح، أو وطء الأمة بملك يمين، وما عدا ذلك فإنه محرم، ويحرم على المطلقة أو المتوفى عنها أن تتزوج حتى تستبرئ رحمها، وذلك بشرع هذه العدة.
وجعل العدة أكثر من مدة الاستبراء كما سيأتي في هذه الأقسام، وكل ذلك من مصالح العباد، وفيه فوائد عظيمة تدل على أن الإسلام راعى الزوجية، وأنه جاء بالمصالح ودرء المفاسد.
(70/3)
________________________________________
الأدلة القرآنية على العدد
في هذا الفصل ذكر العدد، ونعلم أن العدد قد بينها القرآن بياناً مجملاً، فذكر الله عدة الحامل في قوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] ، وعدة المطلقة في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] ، وعدة الآيسة والصغيرة في قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق:4] يعني: بلغت سن الإياس {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] يعني: وكذلك اللائي لم يحضن، فذكر عدة هؤلاء.
وكذلك عدة المتوفى عنها ليست حاملاً بقوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] .
والمطلقة التي لم يدخل بها ذكرت في قول الله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] .
(70/4)
________________________________________
عدة غير المدخول بها
بدأ بغير المدخول بها، فقال: (لا عدة في فرقة حي قبل وطء وخلوة) .
(70/5)
________________________________________
عدة المتوفى عنها قبل الدخول
(فرقة حي) مفهومه: أن الفرقة بالموت لها عدة، ولكنها تسمى إحداداً، وصورة ذلك: إذا تزوج رجل بامرأة، ومات قبل أن يدخل بها، ففي هذه الحال عليها الإحداد؛ لأنها زوجة، وداخلة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة:234] ، ولأنها ترث، ولأنها تعطى المهر، ودليل ذلك حديث عن رجل من أشجع: (أنه سئل ابن مسعود عن امرأة مات زوجها قبل أن يدخل بها، وقبل أن يفرض لها.
فقال أقول فيها برأيي، فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان، لها مهر مثل نسائها، لا وكس ولا شطط -يعني: لا زيادة ولا نقص- وعليها العدة -يعني: مع الإحداد- ولها الميراث.
فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة منا يقال لها: بروع بنت واشق بمثل ما قضيت) ففرح ابن مسعود لما وافق حكمه حكم النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا مات إنسان قبل أن يدخل بزوجته فإنها زوجة ترث منه، كما لو ماتت قبل أن يدخل بها فإنه يرث منها، وإذا لم يكن قد أعطاها مهراً فإنه يدفع لها مهر أمثالها لا وكس ولا شطط، يعني: لا تقصير -وهو الوكس- ولا شطط -وهو الزيادة- بل مهر المثل، وعليها العدة التي معها إحداد، هذا حكم من مات عنها زوجها وهي قد عقد عليها ولم يدخل بها.
(70/6)
________________________________________
عدة المطلقة قبل الدخول
وأما إذا فارقها قبل الدخول والخلوة فلا عدة، ولكن لها نصف الصداق، ولا يلزمها إحداد ولا عدة إذا طلقها؛ لصراحة الآية: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] ، دل ذلك على أن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها.
ولكن إذا كان قد فرض لها صداقاً فلها نصفه، إلا إذا سمحت أو سمح الزوج وأكمل لها المهر، وإذا لم يفرض لها صداقاً فلها المتعة؛ لقوله تعالى: (فَمَتِّعُوهُنَّ) أي: أعطوهن متاعاً، {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب:49] .
(70/7)
________________________________________
معنى الدخول الموجب للعدة وشرطه
وأما إذا كان بعد الوطء أو بعد الخلوة فإنها تعتد، وماذا يشترط للوطء الذي يوجب العدة؟ كونها يوطأ مثلها، والتي يوطأ مثلها هي بنت تسع، فإذا كانت أقل من تسع سنين فالأصل أنه لا يوطأ مثلها، وأنه ليس لها شهوة، وأنها لا تعلق بحمل، فمثلها إذا طلقت فلا عدة عليها.
شرط ثانٍ: كونه يلحق به الولد، متى يُلحق به الولد؟ إذا كان الزوج ابن عشر، والذي دون العشر عادة أنه لا يطأ، وإن وطئ فلا يحصل منه الإنزال، وإن أنزل فلا يخلق من إنزاله الولد.
أما إذا كان يولد لمثله فإنه يلحق به الولد سواء كان ابن عشر أو أكثر، فإن الوطء يوجب العدة، يعني: إذا كانت بنت تسع، وكان هو ابن عشر ووطئها ثم فارقها، فعليها العدة، وأما إذا كان أقل من عشر أو هي أقل من تسع ووطئها فلا عدة عليها.
ماذا يشترط للخلوة؟ مطاوعته، يعني: أن يكون مطاوعاً في تلك الخلوة، ويكون عالماً أنها عنده وأنها معه ولو مع وجود مانع.
عرفوا الخلوة بتعريفين أو بثلاثة: إسدال الحجاب، وإغلاق الباب، وكشف النقاب.
فإذا خلا بها، ليس معهما أحد، وأغلق الباب، أو كان -مثلاً- في بيت شعر وأسدل الحجاب بينه وبين الناس، وكشفت له وجهها، ولم يكن هناك ما يمنعه من أن يطأها، فإنه إذا طلقها فعليها العدة، وتستحق المهر كاملاً.
ويحدث أن كثيراً من الذين يتزوجون يخلو أحدهم بامرأته ولكن في غير المنزل، فيركبها معه في سيارته، ويدخل بها الأسواق، أو يظهر بها في المنتزهات أو الحدائق أو الاستراحات أو خارج البلد، ويقول: لم أغلق باباً.
نقول: بلى؛ إنك أغلقت باب السيارة، ولو كان باب السيارة غير ساتر، ولكن هذا دليل الخلوة، وإنك خلوت بها في مكان قد لا يراكما أحد، فإذا طلقت فإنها تستحق الصداق كله، فيجب الصداق كله بعد هذه الخلوة.
فإذا قال: إني ما جامعتها! نقول: إن هذه الخلوة تعتبر مالكة بها للصداق، وعليها أن تعتد عدة الطلاق لهذه الخلوة.
فإذا قال: إني خلوت بها في مكان خاص، ولكنها كانت حائضاً، ولم أستمتع بها.
ف
الجواب
الخلوة تسبب ثبوت الصداق كله ولو مع وجود مانع.
وكذا لو خلا بها وهما صائمان، فإنها تلزمها العدة، ويلزمه الصداق، وإذا قال: أنا خلوت بها ولكن كنت صائماً أو كانت صائمة، أو كانت حائضاً، فعليها العدة بعد الطلاق، وعليه كمال الصداق.
(70/8)
________________________________________
أنواع المعتدات وأحكامها
(70/9)
________________________________________
تجب العدة للوفاة مطلقاً
قوله: (وتلزم لوفاة مطلقاً) العدة تلزم للوفاة مطلقاً، سواء خلا بها أو لم يخلو، لحديث بروع بنت واشق الذي رواه معقل بن سنان الأشجعي، فإنه صريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض لها صداق مثلها لا وكس ولا شطط، وجعل عليها العدة، وذلك لأنها زوجة، فتدخل في قوله تعالى: {والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة:234] ، فإنه يعم الزوج الذي قد دخل والذي لم يدخل، فكل من مات عن زوجة دخل بها أو لم يدخل فإنها تعتد وتحد.
(70/10)
________________________________________
عدة الحامل
والمعتدات ستة أنواع، بدأ بالحامل للنص عليها، وعدتها مطلقاً وضع كل الحمل الذي تصير به الأمَة أم ولد، ويشترط لحوقه بالزوج، وأقل مدته ستة أشهر، وغالبها تسعة أشهر، وأكثرها أربع سنين، قال الله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] فمتى وضعت الحمل انتهت عدتها، وإن كان في بطنها توأمان فلا تنتهي العدة إلا بوضع الأخير.
فإن أسقطت سقطاً قد تبين فيه خلق الإنسان انتهت عدتها، وأكثر ما تتبين فيه أربعة أشهر، وقد تتبين خلقة الإنسان في ثلاثة أشهر، وهذا هو الذي تصير به الأمة أم ولد، فالأمة إذا وطئها سيدها، ثم حملت منه وأسقطت، وكان ذلك السقط قد تبينت فيه مفاصله، كأن تبين رأسه، وإن لم تتشقق عيناه، ولم ينشق فمه، وتبينت يداه وإن لم تتشقق أصابعه، وإن كانت اليدان ملتصقتين في جنبه، وتبينت القدمان ولو كانتا لا تزالان ملتصقتين، فإذا تبين فيه هذا الخلق فإن الأمة تصير أم ولد، ولا يجوز له أن يبيعها، بل يستمتع بها بقية حياته، وإذا مات عتقت من كل ماله، فإذا أسقطت المتوفى عنها سقطاً قد تبين فيه خلق الإنسان فإنها تنقضي عدتها، وبطريق الأولى إذا وضعت حملاً لمدة كاملة فإنها تكون قد انتهت عدتها، وسواء طالت المدة أو قصرت.
فلو وضعت بعد أن مات بساعة أو نصف ساعة انتهت عدتها، وجاز لها أن تتزوج، ولو قبل أن يدفن زوجها، ولو كان على سرير التغسيل أو سرير حمله إلى القبر، فالله تعالى يقول: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] .
وهكذا لو طالت مدته: فلو مات زوجها والحمل نطفة فإنها تعتد حتى يوضع، ولو بقي سنة، فتبقى في الإحداد والعدة، حتى تضع جميع الحمل.
روي عن بعض السلف أنه قال: إنها تعتد أبعد الأجلين، وأبعد الأجلين أقصاهما، إما العدة بالأشهر وإما العدة بالحمل، فمعنى ذلك أنه لو مات وهي في الشهر التاسع فعدتها أربعة أشهر وعشر، وإن مات وهي في الشهر الأول فعدتها التسعة الأشهر كلها.
ولكن الصحيح: أنها تنتهي عدتها بوضع الحمل، سواء طالت مدته أو قصرت.
واشترط لحوقه بذلك الزوج، فإذا تبين أنه لا يلحق به فلا تنقضي عدتها منه، فلو قدر أنه تزوجها وكانت حاملاً من غيره، ومات وهو لا يعلم، ثم إنه توفي وهي حامل، ووضعت حملها بعد ثلاثة أشهر أو شهرين، فهل نلحق ذلك الولد به؟ لا يلحق به؛ لأنه تبين أنه من غيره.
وهكذا لو وضعته دون أقل مدة الحمل، وأقل مدة يوضع فيه الحمل كاملاً ستة أشهر؛ وذلك لأن الله تعالى قال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:15] ، ثم قال في آية أخرى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان:14] ، أليس العامان أربعة وعشرين شهراً؟ كم بقي من الثلاثين؟ ستة أشهر، فتكون هي مدة الحمل، هكذا استنبط ابن عباس وغيره.
وغالب مدة الحمل تسعة أشهر، فغالب النساء يلدن لتسعة أشهر، وقد يلدن لأكثر من تسعة، وأكثر مدة الحمل أربع سنين، والغالب أن التي يزيد حملها على تسعة يمتد إلى سنة أو سنتين أو ثلاث، وسبب ذلك مرض الجنين، بحيث إنه إذا مرض لا يتغذى، وإذا لم يتغذ فإنه يبقى ولا يموت جسده، إلى أن ترجع إليه صحته، ثم بعد ذلك يواصل التغذي، ولأجل ذلك إذا لم يتغذ الجنين فإن الدم يخرج كأنه حيض، ولكن ذكروا أن أكثر مدة الحمل أربع سنين، وذكر بعض العلماء أنه قد يزيد، وتبقى خمساً أو ستاً أو ربما إلى عشر والدم يخرج منها، ولكنها تعرف أن فيها حملاً، وذلك الحمل لا ينمو.
وبكل حال: الأصل والغالب والمعتاد تسعة أشهر أو قريباً منها.
(70/11)
________________________________________
حكم الإجهاض
(ويباح إلقاء نطفة قبل أربعين يوماً بدواء مباح) إذا علمت أنها حملت، أو علم الزوج وكان لا يريد الحمل، جاز لهما الإسقاط قبل تمام الأربعين يوماً بدواء مباح، لا بدواء محرم كعمل السحرة ونحوهم، ويجوز لها أن تذهب إلى طبيبة تعطيها دواءً يسقط ذلك الحمل الذي لا يزال نطفة؛ لأنه في الأربعين اليوم الأولى لا يزال نطفة، لم يبدأ في طور التخليق، فيجوز إسقاطه، ولكن بدواء مباح.
وأما بعد الأربعين فإنه قد بدأ في طور التخليق، أي: بدأ في الأربعين الثانية وكان علقة، الله تعالى ذكر الأطوار في قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [المؤمنون:14] فإذا أصبح علقة بدأ في طور التخليق فلا يجوز إلقاؤه إلا لضرورة، إذا عرف -مثلاً- أنه سيضر بأمه، وأنها لا تتحمل وأنه يمكن موتها إلى آخر ذلك من الأذى.
(70/12)
________________________________________
عدة المتوفى عنها وليست حاملاً
الثانية من المعتدات: المتوفى عنها وليست حاملاً، فتعتد الحرة أربعة أشهر وعشر ليال لعشرة أيام، وتعتد الأمة نصفها، أي: شهرين وخمسة أيام، وتعتد المبعضة بالحساب، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] (يتربصن) يعني: ينتظرن، ولا يتزوجن هذه المدة كلها.
فهذا حكم الحرة، والأمة معلوم أنها تعتد على النصف من الحرة، فإذا كانت الأمة مزوجة من حر أو من عبد فمات زوجها فإنها تعتد نصف هذه المدة شهرين وخمسة أيام، والمبعضة تعتد بالحساب إذا كان نصفها حراً ونصفها مملوكاً فإنها تعتد شهرين وخمسة أيام، ونصف ذلك أي: شهراً ويومين ونصف، فتكون عدتها بالحساب، تأخذ من الشهرين والخمسة الأيام الباقية نسبة ما فيها من الحرية، فإن كان نصفها حراً أخذت من الشهرين والخمسة الأيام نصفها، وإن كان فيها ربع حراً أخذت ربع الشهرين والخمسة الأيام، وإن كان ثلثها حر أخذت ثلث الشهرين والخمسة الأيام، وإن كان ثلثاها أخذت ثلثي الشهرين والخمسة الأيام، هذا معنى (بالحساب) .
الحكمة في ذلك: أولاً: استبراء الرحم، وذلك لأنه قد يكون فيها حمل ولكن لا يتبين ويتحقق إلا بعد أربعة أشهر.
ثانياً: أن المدة التي يمكن أن تصبر فيها عن الزواج أربعة أشهر، وجعلت العشرة الأيام احتياطاً؛ لأن بعض الأشهر قد يكون ناقصاً.
وإذا تحقق بأنها ليس في رحمها حمل فإن هذه المدة تعبد، وقيل: إن هذا لتعرف حق الزوج؛ ولأجل ذلك تحد عليه خاصة، فدل ذلك على أن من الحكمة معرفتهن لحقوق الأزواج، مما يحملها على الاعتراف بحقه وأدائه، وكذلك حرصها على القيام بخدمته في حياته وما أشبه ذلك.
(70/13)
________________________________________
عدة المطلقة في مرض الموت
وإذا أبانها في مرض موته كأن خاف من الموت وطلقها ثلاثاً، أو كانت مطلقة باثنتين وقد بقي لها واحدة، وطلقها الثالثة وهو مريض، أليس ذلك يدل على أنه متهم بقصد حرمانها من الإرث؟ في هذه الحال ترث ولو كانت قد بانت، ولو طالت مدة مرضه بعدما أبانها، وحاضت ثلاث حيض قبل موته، ثم مات بعدما اعتدت وانتهت عدتها بالأشهر، ففي هذه الحال ترث منه، معاملة له بنقيض قصده.
فهي إذاً ترث، وإذا ورثت وجبت عليها العدة، وإذا أبانها بمرض موته فإنها تعتد الأطول من عدة وفاة أو طلاق إن ورثت، وإن لم ترث فعدة طلاق، فلو طلقها ومات بعد طلاقها وقد بانت منه، كأن مات بعد طلاقها بثلاثة أشهر، وقد حاضت ثلاث حيض، ففي هذه الحال ترث منه وتعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشر؛ لأنها الأطول.
فأما إذا أبانها وانتهت العدة فإنها ترث منه؛ وذلك لأنه معروف أنه أراد بذلك حرمانها.
أما إذا حكم بأنها لا ترث فليس عليها إلا عدة الطلاق، وإذا عرف أنه لم يكن متهماً بقصد الحرمان فليس عليها إلا عدة الطلاق ولا ميراث لها.
(70/14)
________________________________________
عدة ذات الحيض
الثالثة من المعتدات: ذات الحيض المفارقة في الحياة، فعدة الحرة والمبعضة ثلاث حيضات، وعدة الأمة حيضتان، قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] .
اختلف العلماء في القروء ما هي، فقيل: إنها الأطهار، أي: تعتد ثلاثة أطهار، إذا طلقها وهي طاهر فهذا الطهر تعتده، ثم إذا حاضت ثم طهرت فهذا الطهر الثاني، ثم إذا حاضت ثم طهرت فهذا الطهر الثالث، فإذا تم الطهر الثالث وجاءتها العادة انتهت عدتها، هذا قول أن الأطهار تسمى قروءاً، واستدلوا بقول الأعشى يمدح أحد الملوك أو أحد الغزاة بكثرة الغزو وإضاعة نسائه، فيقول: وفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا مورثة عزاً وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا الذي ضاع من قروء نسائه هي الأطهار؛ لأنه فاته طهر هذه الزوجة ولم يطأها فيه، وفاته طهر الثانية ولم يجامعها فيه؛ لأنه كان في غزو، فسمى الأطهار قروءاً.
القول الثاني: أن القرء هو الحيض، وهذا هو الذي اختاره الإمام أحمد؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل ذلك في قوله لـ فاطمة بنت قيس: (دعي الصلاة أيام أقرائك) يعني: أيام حيضك.
فعلى هذا إذا طلقت وهي ممن يحيض فعدتها ثلاثة قروء، أي: ثلاث حيض إذا كانت حرة، وهكذا لو كانت مبعضة فعدتها ثلاثة قروء، ولو كان الرقيق منها العشر أو الربع، وأما الأمة التي لم تبعض فعدتها قرءان أي: حيضتان.
قد يقال: لماذا تعتد بثلاثة قروء مع أن القرء الواحد والحيضة الواحدة يعلم بها براءة الرحم، وسلامتها من انعقاد الرحم على حمل، فما الفائدة في حبسها ثلاثة أشهر أو ثلاث حيض؟ الحكمة في ذلك: تمكين الزوج من مراجعتها؛ لقول الله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة:228] ، وتقدم ذلك في الرجعة، وأنه لو راجعها وقد طهرت من الحيضة الثالثة ولكن لم تغتسل صحت الرجعة، إذا كان الطلاق واحدة أو اثنتين، هكذا يتمكن الزوج من الرجعة في هذه المدة.
وإذا قلت: فالبائن التي طلقت ثلاثاً أو آخر ثلاث، وليس لزوجها عليها رجعة، لماذا تعتد ثلاثة أشهر أو ثلاث حيض؟ ف
الجواب
إن ذلك لأجل أن يجري الطلاق على وتيرة واحدة، لا يكون فرق بين من طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، تكون العدة واحدة وهي ثلاثة قروء؛ ولعموم الآية: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] فالآية عامة لكل مطلقة في الحياة.
(70/15)
________________________________________
عدة الآيسة والصغيرة
الرابعة من المعتدات: المفارقة في الحياة ولم تحض لصغر أو إياس، قد تعتد الحرة بثلاثة أشهر، والأمة بشهرين، والمبعضة بالحساب، قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] ، وكثيراً من النساء إذا تمت خمسين سنة توقف الحمل والحيض، فلا تحمل ولا تحيض بعد الخمسين، وبعضهن يتوقف الحيض عنها في عمر خمس وأربعين، وبعضهن قد تحيض ولو في خمس وخمسين أو في ثمانية وخمسين، وقد وجد من تحيض وعمرها ثمان وخمسون، وأما إذا تجاوزت الستون فالعادة أنها لا تحيض، فإنه يتوقف عنها الحيض.
فالحاصل: أن هذا دليل على أن الحيض هو المعتبر في النساء، فإذا أيست من الحيض، وعرفت أنه لا يعود، في هذه الحال إذا طلقت كانت عدتها ثلاثة أشهر.
وهكذا الصغيرة التي طلقت قبل أن تحيض، يعني: قد يتزوجها وعمرها عشر أو اثنتا عشرة أو أربع عشرة سنة ويطؤها، ولم يسبق أن حاضت، قد يتأخر الحيض عن بعض الفتيات إلى الخامسة عشرة، وربما إلى سبع عشرة، فإذا طلقت وهي لم تحض فإن عدتها كعدة الآيسة ثلاثة أشهر، فإن حاضت في الثلاثة الأشهر انتقلت إلى عدة الحيض.
لو طلقها -مثلاً- وعمرها أربع عشرة، ولما طلقها مكثت شهرين ما حاضت فيهما وما جاءها الحيض، ولكن حاضت في الشهر الثالث، ففي هذه الحال عدتها الأقراء، فتمكث ثلاث حيض بعد الشهرين التي ما حاضت فيهما.
والأمة عدتها شهران، والمبعضة بالحساب، والمبعضة: هي التي بعضها حر وبعضها مملوك، فإذا كان نصفها حراً فإنها تعتد شهرين بالرق، ونصف شهر بنصف حريتها، تأخذ من الشهر الثالث مثل النسبة التي فيها من الحرية.
(70/16)
________________________________________
عدة من ارتفع حيضها
الخامسة من المعتدات: (من ارتفع حيضها ولم تعلم ما رفعه، فتعتد للحمل غالب مدته، ثم تعتد كآيسة، وإن علمت ما رفعه فلا تزال حتى يعود فتعتد به، أو تصير آيسة فتعتد عدتها وعدة بالغة لم تحض، ومستحاضة مبتدأة أو ناسية كعدة آيسة) .
قد يرتفع حيض بعض النساء، فإن كانت لا تدري ما رفعه، كأن توقف حيضها وهي تحيض بسبب خفي لا تدري ما هو، ففي هذه الحال عدتها سنة: تسعة أشهر مدة أغلب الحمل، وثلاثة أشهر عدة الآيسة.
أما إذا علمت ما الذي رفع هذا الحيض فإنها لا تزال في العدة، ذكر عن بعض الصحابة أنه طلق امرأة له، وكانت ترضع ابنة له، ثم ارتفع حيضها بسبب الرضاع ولم تحض، ومكثت معها ابنتها سنتين أو سنة وستة أشهر، مرض ذلك الزوج، وقال: الآن قد طلقتها من سنة وتسعة أشهر، ولو مت لورثت مني، فذهب وانتزع ابنته منها، ولما أُخذت البنت رجعت إليها الحيضة، ولكنه مات قبل أن تعتد عدة ذات الأقراء، فورثت منه.
ففي هذه الحال إذا علمت أنها لا تحيض ما دامت ترضع، فإنها تبقى في العدة إلى أن يرجع إليها الحيض بعد فطام الولد؛ لأن العادة أنها إذا كانت ترضع ينقلب الدم لبناً وترضعه الطفل، فلا تحيض ما دامت ترضع، هذا أغلب النساء، وبعضهن لقوة شبابها وبنيتها تحيض ولو كانت ترضع، سيما إذا كانت لا ترضع ولدها إلا شيئاً قليلاً، اعتماداً في إرضاعه على اللبن الصناعي، أما النساء قبل خمسين سنة أو نحوها فإن الولد إنما يرتضع لبن أمه مدة سنتين، وفي هاتين السنتين لا تحيض.
فإذا طُلقت وهي في النفاس، ثم طهرت، ثم اشتغلت في إرضاع الطفل وتوقف عنها الحيض لمدة سنتين فإنها تكون في العدة، بحيث إنه لو مات ورثت منه، أو ماتت ورث منها؛ لأنها لا تزال محبوسة لأجله؛ ولأنها علمت أن عدتها في الأقراء، وعلمت ما رفع الحيض عنها، فتبقى في العدة إلى أن يرجع إليها الحيض فتعتد به ولو طالت المدة.
وهكذا لو ارتفع حيضها بمرض، وهكذا لو تعاطت دواءً يوقف الحيض، فإنها علمت أنه يرتفع الدم، وبعض النساء تعرف أنها إذا أخذت هذا الدواء توقف الحيض عنها سنة أو نصف سنة، ثم يعود إليها، فإذا علمت ما رفعه فلا تعتد حتى يرجع الحيض فتعتد به، فقال: (إذا علمت ما رفعه فلا تزال حتى يعود فتعتد به) .
فإن بلغت سن الإياس والحيض ما عاد إليها فعدتها كآيسة، فلو قدر -مثلاً- أن هذا الدواء أو هذا المرض استمر معها ولم يعد إليها الحيض، وبلغت سن الخمسين أو الخمسة والأربعين وأيست، وعلمت أن الحيض لا يعود إليها لكبر سنها، ففي هذه الحال تعتد بالأشهر ثلاثة أشهر.
(70/17)
________________________________________
عدة المستحاضة والمبتدأة والناسية والبالغة بغير حيض
يقول: (وعدة بالغةٍ لم تحض ومستحاضةٍ مبتدأةٍ أو ناسيةٍ كآيسةٍ) .
يعني: لو بلغت المرأة بنبات الشعر حول الفرج، أو بخمس عشرة سنة، ولكن ما حاضت، وطلقت، فماذا تكون عدتها؟ بالأشهر كالآيسة، وهكذا عدة المستحاضة المبتدأة، مثالها: امرأة ابتدأها الدم لأول مرة وعمرها خمسة عشر، واستمر عليها شهراً أو شهرين أو سنة أو سنوات ولم يتوقف، ولم تعرف لها عادة، وطلقت، فعدتها كالآيسة ثلاثة أشهر.
وهكذا إذا استحيضت وكانت لها عادة ولكن نسيت عادتها، واختلط عليها الأمر، فاختلط دم الحيض بدم الاستحاضة، إذا طلقت فعدتها ثلاثة أشهر كعدة الآيسة.
(70/18)
________________________________________
عدة امرأة المفقود
السادسة والأخيرة من المعتدات: امرأة المفقود، وهو الذي غاب ولم يعلم خبره، ولم تعلم حياته ولا موته، في هذه الحال تتربص ولو كانت أمة أربع سنين، إذا انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك، أي: إذا كان يغلب على الظن الموت.
وذكروا أمثلة -كما تقدم في الفرائض- بمن فُقد في معركة حصلت بين المسلمين والكفار، فما وجد مع الأحياء، ولا وجد مع الأموات، ولا وجد مع الأسرى، ولا يدرى هل هو حي أم ميت، ولكن الغالب أنه قد مات، فيمكن أنه في مكان خفي قتل في هذه المعركة، فلا يقسم ماله إلا بعد أربع سنين من هذه المعركة، ولا تتزوج امرأته ولا تعتد إلا بعد أربع سنين.
وهكذا لو خرج في الليل من أهله ولم يدر أين هو، وانقطع خبره، قد يقال: إنه اختطف، وقد يقال: إنه اغتيل، خرج في الليل على أنه يعود بعد ساعة وانقطع خبره، فتتربص مدة أربع سنين، يمكن أنه يعود، ولكن الغالب أنه مات.
وقد وقعت قصة في عهد عمر رضي الله عنه أن رجلاً خرج من أهله ليلاً ولم يرجع، فانتظرته امرأته، فبعد أربع سنين وقد تزوجت زوجته جاء إلى أهله، فسألوه: أين كنت؟ فقال: استهوتني الجن -أي: اختطفتني- فكنت عندهم كأسير، ثم إنه غزاهم جن مسلمون وتغلبوا عليهم، ووجدوني في الأسرى فقالوا: أنت مسلم، لا يحل لنا إمساكك، فإن شئت أن تبقى معنا، وإن شئت أن نردك إلى أهلك.
فقلت: ردوني، فأصبحت في طرف المدينة.
فخيره عمر بين زوجته وبين ماله، فاختار ماله، والزوجة قد تزوجت.
هذه القصة ذكرها صاحب "منار السبيل في شرح الدليل".
أما إذا كان الغالب عليه السلامة فإن امرأته تتربص تمام تسعين سنة منذ ولد، ينظر كم عمره عندما فقد، فإذا كان عمره خمسين سنة فلا يقسم ماله، ولا تتزوج امرأته إلا بعد أربعين سنة حتى تتم التسعون، فتتزوج امرأته بعد إحداد.
وكذلك لو فُقد وعمره ثمانون تتربص عشر سنوات.
ولو فُقد وعمره عشرون سنة، فعلى كلامهم أنها تنتظر سبعين سنة، ولا شك أن في هذا ضرراً عليها، فلا تتزوج ولا تقسم تركته؛ لأجل ذلك قالوا: إن الحاكم له الاجتهاد، كما لو فقد وعمره تسعون فللحاكم أن يجتهد، والغالب في هذه الأزمنة العثور عليه، وذلك بفضل المواصلات، ولوجود الهواتف والإذاعات ونحوها، وإمكان البحث عنه والتنقيب، ومعرفة أين هو، ولو كان قد يخفي نفسه.
(70/19)
________________________________________
متى تبدأ عدة المرأة إذا طلقها أو مات وهو غائب
يقول: إذا طلق الغائب أو مات متى تبدأ العدة؟ من وقت الفرقة، أي من وقت الطلاق أو الموت، فلو مات في بلاد بعيدة، ووصل خبره إلى امرأته بعد أن مضى أربعة أشهر وعشر فلا عدة عليها؛ لأنها انتهت، ما جاءها الخبر إلا بعدما مضى على موته هذه المدة، فإن جاءها الخبر بعد ثلاثة أشهر بقي لها شهر وعشرة أيام، وإن جاءها الخبر بعد عشرة أيام فتعتد أربعة أشهر.
وهكذا المطلقة، كثير من الرجال يطلق امرأته ولا يأتي الخبر إلا بعد العدة، يطلقها وهو في بلاد، ويكتب ورقة الطلاق -مثلاً- في شهر محرم، ولا يصل إليها الخبر إلا في شهر ربيع الثاني، وتكون قد حاضت ثلاث حيض، أو مر بها ثلاثة أشهر إذا كانت آيسة، فهل تعتد بعد ذلك؟ لا عدة عليها.
جاءتها ورقة الطلاق مكتوب فيها أن الطلاق وقع في شهر محرم، حاضت في محرم وفي صفر وفي ربيع الأول وطهرت، ففلا عدة عليها، ولها أن تتزوج، وابتداء العدة يكون من الفرقة.
(70/20)
________________________________________
عدة الموطوءة بشبهة أو زنا
من وطئت بشبهة أو الزانية إذا وطئت فإنها إذا أرادت التوبة والزواج فلابد من مضي ثلاثة قروء كالمطلقة، وذلك حرصاً على استبراء الرحم.
وهكذا لو وطئت بشبهة، كرجل عقد على امرأة بعقد فاسد -يعني: بدون ولي- ودخل بها، ثم فرق بينهما أو طلقها، فعدتها ثلاثة قروء إذا كانت تحيض؛ لأن هذا وطء بشبهة، وهكذا لو وجد امرأة على فراشه فاعتقدها أمته أو زوجته ووطئها، وتبين أنها ليست زوجته، فهذا وطء شبهة، فتعتد له ثلاثة قروء.
يستثنى من ذلك الأمة، إذا وطئت بشبهة أو وطئت بزنا، فإن كانت مزوجة فإنه لا يحل لزوجها أن يطأها إلا بعد حيضتين، وإن كانت غير مزوجة فليس عليها إلا حيضة واحدة تسمى الاستبراء، وإن كانت حرة مزوجة ووجدها رجل على فراشه فوطئها، فهي تظنه زوجها، وهو يظنها امرأته، وتبين أنها غير امرأته، ففي هذه الحال لا يحل لزوجها وطؤها إلا بعد أن يمضي عليها ثلاث حيض، حرصاً على استبراء الرحم، ولو كانت الحيضة الواحدة يعلم بها براءة الرحم، ولكن من باب الاحتياط.
وإذا وطئت معتدة لشبهة أو زنا أو نكاح فاسد أتمت عدة الأول، ولا يحتسب مقامها عند الثاني، ثم اعتدت للثاني، ثم جدد لها العقد إن كان زواجاً فاسداً.
صورة ذلك: إذا طلق امرأة عدتها ثلاثة قروء، وبعد ما مر قرءان وبقي لها قرء وطئها رجل بشبهة أو بزنا، أو عقد عليها وهي في العدة، فهذا يعتبر عقداً ونكاحاً باطلاً، ثم دخل بها، ومكثت عنده شهراً أو شهرين أو سنة، ثم تبين الأمر، فماذا نفعل؟ نفرق بينهما، فإذا فرقنا بينهما قلنا لها: أكملي عدة الأول الذي بقي له حيضة.
فإذا قالت: أنا قد حضت عشر مرات عند هذا الثاني.
نقول: لا يحسب مقامك عند الثاني، وعليها أن تكمل الحيضة التي بقيت للأول، ثم بعد ذلك تعتد لهذا الثاني الذي نكاحه فاسد أو باطل ثلاثة قروء، ثم إن شاءت رجعت على الثاني بعقد جديد.
وهكذا لو وطئت بشبهة، وقد بقي من عدتها حيضة، أو وطئت بزنا وقد بقي من عدتها حيضة، فإننا نأمرها بأن تكمل الحيضة التي للأول، ثم تكمل للثاني -الذي هو وطء شبهة أو وطء زنا- ثلاث حيض، ثم تتزوج إن شاءت بعد التوبة إذا كانت زانية.
(70/21)
________________________________________
أحكام الإحداد
(70/22)
________________________________________
تعريف الإحداد وحكمه
انتهى ما يتعلق بالعدد، وبقي الإحداد، وتعريفه: هو ترك المرأة للزينة، وكل شيء يدعو إلى النظر إليها، ويرغب في نكاحها، وهو مما جاءت به السنة وإن لم يذكر في القرآن، فقد جاءت السنة بإحداد المرأة إذا مات زوجها، فلا تحد على أبيها، ولا على ابنها، ولا أخيها أكثر من ثلاثة أيام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) فخص الزوج لأنه هو الذي تحد عليه أربعة أشهر وعشراً.
فيجب أن تحد على الزوج إذا مات وهي في ذمته، وأما إذا طلقت طلاقاً بائناً، وقيل: إن عدتها ثلاثة قروء، فهل تحد لفراق هذا الزوج، مع أنه فراق في حياة؟ يجوز الإحداد، ولكن ليس بواجب، بخلاف الإحداد على الزوج فإنه واجب.
كان أهل الجاهلية إذا مات الزوج فإن زوجته تدخل في حشٍ صغير، ثم تنقطع عن الزينة، ولا تغتسل ولا تمشط شعرها طوال سنة، ولا تغير ثيابها طوال السنة، ويكون مقامها في هذا الحش الصغير الذي هو في غاية شدة الضيق، وفي غاية شدة الحر، وإذا انتهت السنة خرجت وأخذت بعرة ورمت بها، كأنها تقول: إن هذه المدة خفيفة علي كما أن هذه البعرة خفيف عليَّ رميها، ثم بعد ذلك تراجع الزينة.
(70/23)
________________________________________
ما يحرم على المرأة في الحداد وما يباح لها
فلما جاء الإسلام جعل لها عدة أربعة أشهر وعشراً تترك فيها الزينة، وأباح لها أن تغير ثيابها، وأن تغسلها، وأن تغتسل، وأن تتنظف، وأن تخرج لحاجتها وما أشبه ذلك، إلا أنه حرم عليها الزينة التي تجلب النظر إليها، وحرم عليها استعمال الطيب، وكل شيء يدعو إلى جماعها، أو يرغب في النظر إليها، فلا تتطيب بطيب له ريح، أو له لون حسن كزعفران أو ورس أو عصفر أو نحو ذلك.
وكذلك أدهان الطيب كماء الورد ودهن العود وما أشبه ذلك، وكذلك لا تلبس لباس الشهرة كاللباس الذي تلبسه في الحفلات، وإنما تلبس ثيابها التي تشتغل بها في بيتها، ولا تقتصر على لباس لون معين، يعتاد بعض النساء الإحداد في الثوب الأسود، وهذا ليس شرطاً، بل تعتد في ثياب عادتها، لا فرق بين أسود وأحمر وأخضر وأزرق، ولا تكتحل الكحل الذي للزينة، وأما إذا احتاجت إلى الكحل للعلاج فلها ذلك، ولكن قالوا: تكتحل بالليل وتمسح بالنهار إذا كان يكسبها زينة في عينيها.
ولا تلبس الحلي؛ لأنه من جملة ما يلفت النظر إليها، فلا تلبس الخواتيم في الأصابع، ولا تلبس الأسورة في الذراع وهي ما تسمى بالروائش، ولا ما في العضد، وهو ما يسمى بالمعاضد، ولا ما في الأذن مما يسمى بالأقراط، والقرط: هو الذي يعلق في الأذن، ولا ما في الرقبة، وهو ما يسمى بالقلائد، وقد يسمى الآن الرشائش وأشباه ذلك مما تتحلى به من ذهب أو من فضة؛ لأن ذلك يلفت الأنظار إليها، ويدعو إلى وطئها، فلا تتجمل بشيء من ذلك.
وهكذا ورد في الحديث أنها لا تلبس ثياب زينة إلا ثوب عصب، والعصب: هي ثياب منسوجة كانت تأتي من اليمن، يكون فيها خطوط مستطيلة ليست للزينة.
وأبيح لها إذا اغتسلت من الحيض أن تتتبع أثر الدم الذي لوث بدنها كالفخذين ونحوه، فتأخذ قطعة من قسط أو أظفار، والقسط: هو نوع من الطيب، وكذا الأظفار، يسحق ويخلط بعضه ببعض، ثم تجعله في قطنة، ثم تتبع أثر الدم حتى يزيل ذلك الأثر والوسخ عنها.
ولها أن تغتسل متى شاءت، ولكن لا تغتسل بما فيه طيب كالصابون الممسك ونحوه، ولها أن تغتسل بغيره مثل الصابون التايت ونحوه.
ولها أن تصعد في بيتها ما شاءت، أو تخرج إلى ملاحق البيت، يعتقد بعض النساء أنه لا تبرح البيت، وأنها لا تنظر إلى القمر، وأنها لا تمشي في مشارف الدار وما أشبه ذلك مما لا أصل له، فليس عليها شيء من ذلك، كل ذلك مما يروجه بعض الناس بدون دليل.
ولها أن تصلي كما يصلي غيرها، يقول بعض الناس: إنها لا تصلي إلا بعد صلاة الإمام.
ولا أصل لذلك، ويقول بعضهم: إنها لا تغتسل إلا في كل أسبوع.
وهذا ليس بصحيح، بل تغتسل متى احتاجت إلى ذلك.
ثم عليها أن تبقى في محلها الذي مات وهي فيه، ولا يجوز لها أن تتحول من مسكن وجبت عليها العدة وهي فيه إلا لضرورة وحاجة، كما إذا كان البيت مستأجراً وانتهت مدة الإيجار، وليس عندها ما تدفعه كأجرة، أو أخرجها أهله، أو كذلك لم يكن عندها من يؤنسها واحتاجت أن تنتقل عند أهلها لتؤنس، أو خافت من الوحشة في هذا البيت، ففي هذه الحال يجوز أن تتحول، وإلا فلا تتحول.
وإذا كانت -مثلاً في هذه الأزمنة- معلمة أو طالبة أو ممرضة -أعني: موظفة- فهل تترك وظيفتها؟ وهل تترك الدراسة؟ لا تتركها، ويجوز لها والحال هذه أن تذهب، ولكن تكون متحجبة متسترة من حال خروجها من بيتها، وتركب في سيارة إن كان مكاناً بعيداً إلى باب المدرسة، ثم تتستر أيضاً إذا خرجت من المدرسة أو من المستشفى أو نحو ذلك.
ويجوز لها وهي في هذه الحال أن تخرج للحاجة، فلو استدعاها القاضي لأجل شهادة مثلاً، أو لحصر إرث، أو لأن توكل على نصيبها من التركة، ولم تقدر على أن توكل فإنها تحضر.
وهكذا لو مرضت، فلها أن تذهب إلى الطبيب أو الطبيبة للعلاج، وكذلك لو احتاجت إلى شراء شيء ولم يكن عندها من يشتري لها من البقالة، فلها أن تخرج لذلك.
ولكن خصوا الخروج نهاراً، ولا تخرج ليلاً؛ لأن الليل مظنة الوحشة ونحوه.
ولها أن تخرج في أول الليل، ولكن ترجع قبل النوم.
ذكر أن نساء الصحابة الذين استشهدوا في غزوة أحد كن يجتمعن عند إحداهن في النهار من باب التأنيس، خمس أو ست يجتمعن في بيت فلانة، من باب أن بعضهن يؤنس بعضاً حتى تزول عنهن الوحشة، فإذا جاء الليل وجاء وقت النوم رجعت كل واحدة إلى منزلها.
(70/24)
________________________________________
أحكام الاستبراء
ولندخل في موضوع الاستبراء.
يقول رحمه الله: (ومن ملك أمة يوطأ مثلها من أي شخصٍ كان، حرم عليه وطؤها ومقدماته قبل استبراء حامل بوضع، ومن تحيض بحيضة، وآيسة وصغيرة بشهر) .
هذا هو الاستبراء، وهو خاص بالأمة، والأمة معلوم أن سيدها يطؤها، ولكن حرام عليه إذا كان وطئها أن يبيعها قبل أن يستبرئها، لماذا؟ قد تكون حاملاً منه، وإذا حملت منه أصبحت أم ولد، وأم الولد لا يجوز أن يبيعها، ففي هذه الحال عليه أن يتركها إلى أن تحيض حيضة، ويعلم بذلك براءة رحمها، ثم بعد ذلك يبيعها.
والمشتري يستبرئها، ولا يحل له أن يطأها قبل أن يستبرئها مرة أخرى، ولو قال له البائع: قد استبرأتها، وإنها بريئة، ليس في رحمها نطفة، فلابد أن يستبرئها المشتري، فتستبرأ مرتين من باب الاحتياط.
وشرط ذلك: أن تكون كبيرة، يعني: أن يوطأ مثلها، أما إذا كانت صغيرة كبنت ثمان أو ثمان ونصف فمثل هذه لا تحيض عادة، وأيضاً لا يوطأ مثلها، ولا تحبل مثلها، فيجوز للمشتري أن يباشرها، وأن يقبلها، وما أشبه ذلك.
ولو كان البائع امرأة فهل يستبرئها المشتري؟ يقول: هذه اشتريتها من امرأة، وهل المرأة تطأ المرأة؟ وهل يكون بها حمل مع أن الذي ملكها امرأة؟
الجواب
نعم، لابد أن يستبرئها.
وإذا كان الذي باعها ممن تحرم عليه، يعني: لا يحل له وطؤها لسبب، كأن تكون قد أرضعته فلا يحل له وطؤها مع أنه يملكها، ففي هذه الحال لو قال: أنا لا أطؤها؛ لأنها قد أرضعتني أو هي أختي من الرضاعة، ولكني ملكتها بالإرث من أبي، واعلم أنها لم توطأ عندي، فما وطأتها أنا ولا وطأها أحد غيري.
فعلى المشتري أن يستبرئها، فلا يطؤها قبل الاستبراء، ولا يقبلها، ولا يضمها، ولا يباشرها قبل الاستبراء.
وكيفية الاستبراء: ورد ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم في سبي أوطاس: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) فإن كانت حاملاً فبوضع جنين الحمل، وإن لم تكن حاملاً فبحيضة واحدة، وإذا كانت آيسة أو صغيرة فتستبرأ بشهر، وإذا كانت صغيرة ولو كانت قد قاربت البلوغ كأن تكون بنت عشر أو بنت ثلاث عشرة، ولكنها ما حاضت، فاستبراؤها يكون بشهر، وكذلك الآيسة التي بلغت الستين أو خمساً وخمسين وأيست من الحيض، فاستبراؤها يكون بشهر.
وبهذا ينتهي ما يتعلق بالعدة والاستبراء والإحداد.
والله أعلم.
(70/25)
________________________________________
الأسئلة
(70/26)
________________________________________
العدة مسألة تعبدية
السؤال
إذا كانت عدة الموطوءة بشبهة كعدة المطلقة، وذلك لاستبراء الرحم، فإذا قرر الطب الحديث أن المرأة غير حامل فهل تنتفي العدة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
العدة هاهنا تعبدية، ولو تأكدنا أنها بريئة الرحم، حتى ولو كانت مطلقة، ولو كانت بائنة، إذا طلقها ثلاثاً أو آخر ثلاث، وعلم بأنها ليس في رحمها حمل وعمرها مثلاً ستون، فإنها تعتد، وليس ذلك لأجل الاستبراء.
(70/27)
________________________________________
خروج المرأة في مدة الحداد بسبب الخوف
السؤال
إذا كانت المعتدة تخاف النوم في البيت وحدها، هل يجوز لها أن تنام في بيت أهلها؟
الجواب
إذا كان هناك عدة طلاق رجعي فتقدم أنها تبقى في بيت زوجها، وتكون عدتها ثلاث حيض، ولكن لها أن تذهب إلى أهلها إذا كانت المعتدة عدة وفاة، وشق عليها أن تبقى وحيدة في البيت.
(70/28)
________________________________________
حكمة التنصيف للأمة في العدة
السؤال
إذا علمنا أن الحكمة من العدة استبراء الرحم، فلماذا كانت عدة الأمة على النصف من عدة الحرة؟
الجواب
تنصيف الأمة وتنصيف العبد أجري على العموم، ولو كان لأجل استبراء الرحم، فإن فيه شيئاً من التعبد، قد عرفنا -مثلاً- أن الرحم تعرف براءته بحيضة واحدة، ومع ذلك فالمتوفى عنها تعتد أربعة أشهر وعشراً إذا كانت حرة، وإذا كانت أمة تعتد شهرين وخمسة أيام، فدل ذلك على أنه تعبد.
(70/29)
________________________________________
حكم شرب الشاي والقهوة المزعفرة لمن عليها حداد
السؤال
هل يجوز للمرأة التي عليها حداد أن تشرب الشاي والقهوة التي فيها شيء من الزعفران؟
الجواب
لعل ذلك جائز، والمنهي عنه هو التطيب، فأما الشرب فإنه لا يظهر أثره ولا تظهر رائحته.
(70/30)
________________________________________
طريقة حساب عدة المبعضة
السؤال
ما هي طريقة حساب عدة المبعضة؟
الجواب
المبعضة تأخذ من الشهر الثالث بقدر نسبتها، فإذا قلنا مثلاً: المطلقة وهي آيسة عدتها ثلاثة أشهر، وإذا كانت أمة اعتدت شهرين، فحيث إن نصفها مملوك رقيق ونصفها الآخر حر فتأخذ نصف الشهر الثالث، فإن كان ربعها مملوكاً زادت ربع الشهر الثالث، وإن كان سدسها حراً اعتدت سدس الشهر الثالث، وهكذا.
(70/31)
________________________________________
حكم وطء الأمة المشتركة
السؤال
الأمة إذا اعتق نصفها أو ربعها فهل يحق لمولى النصف أو الربع وطؤها؟
الجواب
لا يجوز وطء الأمة المشتركة، لو كانت الأمة مملوكة بين اثنين لكل منهم نصفها، لم يحل لأحد منهم أن يطأها، وإذا أعتق بعض منها فليس لمالك النصف أن يطأها، لكن لها أن تتزوج، وزوجها يطؤها باسم الزوجية لا بملك اليمين.
(70/32)
________________________________________
تبدأ المعتدة عدتها من وقت الطلاق أو الموت
السؤال
متى تبدأ المعتدة عدة وفاة أو عدة طلاق في عدتها؟ أهو منذ بلوغها النبأ أم منذ يوم الطلاق أو الوفاة؟
الجواب
هذا مر بنا في نفس الكتاب، أنها تبدأ من وقت الطلاق ومن وقت الوفاة، بحيث إنه لو لم يبلغها خبر الوفاة إلا بعد أربعة أشهر وعشرة أيام فلا عدة ولا إحداد، وكذلك خبر الطلاق، فلو طلقت وما وصلها الخبر إلا بعد ثلاث حيض فلها أن تتزوج.
(70/33)
________________________________________
حكم استبراء المطلقة طلاقاً بائناً بحيضة واحدة
السؤال
ألا تستبرأ المطلقة طلاقاً بائناً بحيضة واحدة؟
الجواب
يُجرى الطلاق مجرىً واحداً، سواء طلقت واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، يكون مجراه واحداً لعموم الآية، وهي قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] ولو كان لا رجعة لزوجها عليها كالغائب.
(70/34)
________________________________________
حكم من أسر زوجها في الحرب
السؤال
من فُقد أو أسر في حرب الخليج فماذا تفعل زوجته الآن؟
الجواب
إذا كان معروفاً أنه أسير عند العدو، ولكن قبضوا عليه ومنعوه من التفلت، ففي هذه الحال لها أن ترفع أمرها إلى القاضي ليحكم بفسخها، وإذا فسخت فإنها تعتد عن الفسخ، وتكون بالاستبراء.
(70/35)
________________________________________
عدة الوفاة تعبدية
السؤال
هل عدة الوفاة عبادة تحتاج إلى نية؟ فإن كان كذلك فما حكم خادمة في المملكة توفي زوجها في بلادها، ولم تعرف عن ذلك إلا بعد مدة؟
الجواب
صحيح أنها شرعت لأجل أن تعرف قدر الزوج وحقوقه، ولكن إذا مضت المدة التي بعد موته ولم تعلم به سقطت العدة، وسقط ما معها من الإحداد.
(70/36)
________________________________________
حكم كتابة (ص) عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
أريد أن أكتب عن المشايخ في الدروس كثيراً من كلامهم، ولكن عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أكتب الرمز (ص) وذلك لتدوين ما يقوله المشايخ، فهل هذا جائز؟
الجواب
وفقك الله، ورزقناً جميعاً الحب فيه والبغض فيه، أنت قيد الكتابة كما تستطيع، وإذا انتهيت من الكتابة فلك أن تعود إلى الرمز وتكتبه صلاة وتسليماً صريحاً؛ ليكتب لك الأجر.
(70/37)
________________________________________
حكم من طلق امرأة في السوق ظنها زوجته
السؤال
إذا قال لزوجته: أنت طالق إن خرجتِ.
ثم ذهب هو إلى السوق فرأى امرأة وظن أنها زوجته، فطلقها، فهل يقع الطلاق؟
الجواب
نرى كما ذكر في المتن أنها لا تطلق؛ لأنه ظنها امرأته وليست امرأة، وظن أنها خرجت بدون إذنه، فلم يقع الطلاق؛ لأنها ما خرجت، ولا عرضت عليه.
(70/38)
________________________________________
حكم الحلف بالطلاق لأجل الاحتشام والتستر
السؤال
امرأة قال لها زوجها: أنت طالق إذا رآك رجل في أحد الأعراس.
ثم في ذلك العرس فُتح الباب فجأة، وكان هناك أحد الرجال، ولا تدري هل رآها ذلك الرجل أم لا، فهل تطلق؟
الجواب
نرى أن هذا منع لها عن رؤية الرجال والنظر إليهم، فإذا كان يقصد بذلك حضها على التستر والاحتشام، ومنعها عن النظر إلى الرجال، سواء في الأفراح أو في غيرها كفاه كفارة يمين.
(70/39)
________________________________________
حكم الزواج بنية الطلاق
السؤال
ما رأيكم في الزواج بنية الطلاق؟
الجواب
يختار أكثر العلماء أنه جائز إذا تمت الشروط، ولم يكن هناك تحديد مدة، بمعنى أنه يقول: أتزوجها زواجاً كاملاً بشهود، وبرضاها، وأعطيها صداق أمثالها، ولا أحدد مدة، ولكن إذا بدا لي طلقتها، أو إذا لم تناسب، أو إذا فارقت المدينة هذه، فلا مانع من ذلك لتمام شروطه.
(70/40)
________________________________________
وقوع الطلاق البدعي
السؤال
ذكرتم من قبل أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا يوقع الطلاق البدعي، وحديث ابن عمر في مسلم: قد وقع فيه الطلاق، آملاً منكم بسط القول في هذا، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
هكذا يرى ابن القيم، ويوافقه أيضاً ابن باز وغيره من المشايخ، أن الطلاق البدعي لا يصح، ولكن الجمهور على أنه يقع، والأدلة كثيرة في ذلك، والأحاديث التي هي روايات حديث ابن عمر تجدونها قد بسطها الألباني رحمه الله في كتابه الذي هو تعليق على منار السبيل، وتخريج أحاديثه، فإنه أتى بالألفاظ كلها التي تدل على أنه طلاق صحيح، وأنه وقع الطلاق في الحين.
(70/41)
________________________________________
حكم من قال لزوجته: إن كنت خرجت إلى السوق فأنت طالق.
فكذبت عليه
السؤال
هذا سؤال عبر الإنترنت من أمريكا الشمالية، تقول: خرجت إلى السوق بدون إذن زوجي، فلما رجع قال: إن كنتِ خرجت إلى السوق فأنت طالق.
فقلت: إنما خرجت لأوصل الولد إلى المسجد.
فسكت ولم يطلق، فماذا تفعل هذه الزوجة؟ هل تخبر زوجها، وهل تطلق؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
نرى أن عليها أن تبين له أنها خرجت حتى يكون ذلك صدقاً، وكذلك عليه أن يراجعها إذا كان قد قصد الطلاق وعزم عليه، أو يكفر عن يمينه إذا لم يكن عزم على الطلاق وإنما أراد التهديد.
(70/42)
________________________________________
حكم شراء الكتب لمن عليه دين
السؤال
ما حكم شراء الكتب العلمية وأنا علي دين؟ هل أشتري الكتب أم أسدد أهل الدين مع أنهم ليسوا متشددين في طلب دينهم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
نرى أنك تسدد الدين، إلا إذا استأذنتهم ورخصوا لك في أن تؤخر الوفاء.
(70/43)
________________________________________
حكم من نادى زوجته بلفظ الأم أو الأخت
السؤال
في بلدي عادة وهي: أن الزوج ينادي زوجته بلفظ أمي أو أختي بلغة غير العربية، ولا يقصد بذلك الطلاق، وإنما جرت العادة هكذا، هل يجوز ذلك؟
الجواب
لا يكون طلاقاً إذا نوى ذلك، ولا يكون ظهاراً، وإنما يريد أنها في المودة وفي الأخوة والصداقة بمنزلة الأم والأخت.
(70/44)
________________________________________
حكم من طلق زوجته ثلاثاً في حالة عصبية
السؤال
رجل طلق زوجته في حالة عصبية، ورمى عليها الطلاق بالثلاث، فهل يحصل الطلاق في هذه الظروف؟ وكيف يراجعها؟
الجواب
أرى أنه إذا كان الغضب ليس شديداً، ويمكنه أن يملك نفسه وأعصابه فالطلاق واقع، وأما إذا اشتد الغضب بحيث إنه لا يملك أعصابه، ولا يقدر أن يتصرف في نفسه، ففي هذه الحال يقع الطلاق، وتبين منه زوجته.
(70/45)
________________________________________
حكم امرأة أسلمت وتريد الزواج ولا ولي لها مسلم
السؤال
المرأة التي أسلمت وأهلها غير مسلمين، هل لها أن توكل ولياً ليزوجها بحضور الشهود؟ وكذلك لو رغبت غير المسلمة -الكتابية- من الزواج بالمسلم، هل لها أن تزوج نفسها من دون ولي؟ ومن يكون وليها إذا كان أهلها غير مسلمين، خصوصاً في البلاد التي لا يوجد فيها حكم شرعي؟
الجواب
لا تزوج نفسها، فإن كان في الدولة أو البلد رئيس دولة مسلمة، أو مدير دعوة أو ما أشبه ذلك زوجها، ففي الحديث: (السلطان ولي من لا ولي له) ، وإذا تعذر بأن لا يوجد -مثلاً- قاضٍ، ولا أمير مسلم، ولا رئيس دعوة، ولا رئيس مركز دعوة، ولا غير ذلك، فإنها توكل واحداً من المسلمين يتولى العقد عليها.
(70/46)
________________________________________
حكم طلاق المسحور
السؤال
تزوجت زوجة صالحة قائمة بحقوقي، إلا أنني أصبت بعد الزواج أو في أيام الخطوبة بمرض، كثير من الرقاة قالوا: إنه سحر.
حيث إنني في مشاكل معها دائماً، وقد نشزت عند أهلها شهرين، ثم ثمانية أشهر، والآن لها سنتين ونصف تقريباً ولها أربعة أطفال مني، وقد صدر مني عدة طلقات في مجالس مختلفة، وهي عند أهلها؛ علماً بأن أهلها لم يطالبونني بالطلاق، لكنهم حرموني زوجتي طوال هذه الفترة، هل طلاقي يقع؛ وخاصة أني مريض، ثم أثبت الطلاق في صك، وأثبت القاضي طلقتين، لكن الصك فيه نظر، حيث إن تاريخ الطلقة الأولى غير صحيح، فما رأيكم؛ علماً بأني أرغب عودة زوجتي وأطفالي؟
الجواب
عليك أن تتعالج بالرقية الشرعية، فإنها إذا كانت من صادق بطل هذا العمل الشيطاني، وعاد إليك فكرك وعقلك، وأما هذا الطلاق فإن كان وقع وأنت مغلوب على أمرك في حالة لا تعقل فيها، ولا تفكر، ولا تدري ما تقول، فإنه لا يقع ولا يحسب، وأنت معذور في ذلك.
وأما إذا وقع وأنت تفكر وتعرف، ولو كان معك شيء من التألم فإنه يحسب.
ثم إذا طلقتها وانقضت عدتها، ثم طلقتها ثانية بعد انقضاء العدة، فالطلاق الذي بعد انقضاء العدة لا يقع، وحيث ذكرت أنك حررت صكاً فالعمل على ما في الصك، راجع القاضي الذي أصدره، واطلب منه أن يفتيك بما فيه.
(70/47)
________________________________________
حكم التفريق بين رجل يبيع مخدرات وبين زوجته
السؤال
رجل متزوج، وقد سجن بسبب ترويجه للمخدرات، وقبل سجنه للمرة الثالثة حذره أهل الزوجة بالتفريق بينهما، فهل يحق لهم ذلك؟ أرجو التفصيل وجزاكم الله خيراً.
الجواب
يحق لهم ذلك، إذا اشتهر أنه يعمل هذا العمل المحرم، وإذا سجن فإن سجنه يؤذي زوجته، فيقال له: عليك أن تتوب من هذا، أو أن تطلق، إن عدت إلى هذا الترويج طلبنا من الحاكم أن يفرق بينك وبين امرأتك.
(70/48)
________________________________________
نصيحة لمن يريد فراق زوجته بعلة أنه لا يحبها
السؤال
أنا متزوج منذ ثلاث سنين تقريباً على فتاة ذات خلق ودين ولله الحمد، ولكن منذ أن تزوجت لم أحس بطعم للحياة الزوجية، وهذه الأيام أفكر في فراقها، إذ إنني أرى أن السبب في ذلك عدم المحبة، فبماذا تنصحونني؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لابد أن هناك أسباباً تمنعك من الالتذاذ بهذه الحياة، إما أن يكون هناك من حسدك، فالحاسد والعائن قد يؤذي من يحسده، وإما أن يكون هناك قلق في الحياة بحيث إن هناك ما يضايقك في أمور حياتك، فعليك أن تعالج نفسك بالرقية، أو بكثرة الدعاء والاستعاذة من الشيطان ووساوسه.
(70/49)
________________________________________
حكم لبس بدلة الخطوبة
السؤال
ما رأي فضيلتكم فيمن يلبس بدلة الخطوبة؟ وهل لها أصل في الشرع؟
الجواب
لا أصل لهذه لا للرجل ولا للمرأة، يلبس الإنسان اللباس المعتاد، سواء لباس الثياب أو الخواتيم أو ما أشبه ذلك، أما أن يكون للخطوبة لباس متميز أو دبلة أو نحو ذلك فلا أصل لذلك.
(70/50)
________________________________________
حكم الحلف بالطلاق
السؤال
إذا حلف بالطلاق، فهل تلزمه الكفارة فوراً، أم تسقط الكفارة إذا برت المرأة بحلف زوجها عليها؟
الجواب
إذا حلف بالطلاق ذكرنا أنه إذا كان قصده اليمين، والحض أو المنع فعليه كفارة اليمين، وإذا تبين للمرأة أنه قاصد الطلاق فإن لها أن تمتنع منه وتقول: إنك قد حلفت حلفاً مؤكداً عازماً على الطلاق، فلا أرجع إليك إلا بفتوى، وعليه أن يراجع الإفتاء.
(70/51)
________________________________________
حكم من تزوج بنية الطلاق
السؤال
عندي رغبة في الزواج من امرأة زواجاً صحيحاً بجميع شروطه، لكنني لا أرغب بقاءها معي، وإنما لفترة غير محددة، وكذلك لا أرغب الإنجاب منها بعمل حبوب وغيره من موانع الحمل، حيث إنني متزوج ولدي أولاد وبنات، ولكن مجرد إعفاف نفسي زيادة، ما حكم هذا العمل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لابد أن تخبرها بأنك لا تريد بقاءها، وإنما تريد أن تلتذ بها ساعة أو يوماً أو شهراً أو سنة وما أشبه ذلك، وأنك لا تريد الإنجاب منها، فإذا أخبرتها ورغبت فلك ذلك، وإلا فلا يجوز أن تقدم على هذا الزواج الذي فيه مخادعة لها.
(70/52)
________________________________________
حكم التوكيل في الزواج بنية الطلاق
السؤال
رجل تزوج من خارج البلاد زواجاً بنية الطلاق، وكان والد البنت غير موجود في وقت العقد، فعقد له ابن خالة البنت، حيث قال: إن والد البنت قد وكله بتزويجها، وأكدت البنت ذلك بنفسها بتوكيل ابن خالتها، فما رأي فضيلتكم في هذا؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
أولاً: النكاح الذي بنية الطلاق فيه خلاف، أجازه بعض العلماء كالشيخ ابن باز، وذكر أن العلماء الأولين أباحوه، وذكر أنه ليس شبيهاً بنكاح المتعة، ولكن بعض المشايخ نهوا عن ذلك، وألف فيه الشيخ صالح بن منصور رسالة، وقدم له الشيخ صالح آل حيدان، وذكر له مفاسد، فلذلك نرى أنه مكروه، لكن إذا كان في بلاد غريبة، وخاف أن يقع في الزنا فله أن يتزوج، ولكن زواجاً صحيحاً، لا يحدد فيه المدة، ولابد أن تتم فيه الشروط، وأن يدفع الصداق كاملاً صداق المثل، وما أشبه ذلك.
كذلك -أيضاً- نقول: هذا السؤال إذا كانت المرأة صادقة في أن أباها غائب، وأن هذا الوكيل عنده وكالة على تزويجها فالعقد صحيح إن شاء الله.
(70/53)
________________________________________
حكم من وطئ بعد طلاق ولم ينو الرجعة
السؤال
رجل اشترط على زوجته إن خرجت من البيت فإنها طالق، وقد خرجت الزوجة من بيتها بأمر من والدها، فهل يقع هذا الطلاق؟ وإن كان يقع هذا الطلاق فما الحكم إذا جامعها زوجها جهلاً منه أن الطلاق قد وقع؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
ذكرنا أن مثل هذا في الغالب يكون يميناً، إذا قال: إن خرجت فأنتِ طالق.
يقصد منعها من الخروج، ولا رغبة له في الفراق، ففي هذه الحال عليه كفارة يمين، ولا يقع الطلاق، وأما إذا كان عازماً على الطلاق، ويدري أن آخر عهد له بها خروجها، فإن الطلاق يقع، ولكن يكون رجعياً، أي: طلقة واحدة.
وبكل حال: إن كان لم يطلقها إلا هذه المرة، ووطئها بعدما خرجت فالوطء كما سمعنا يكون رجعة، ويكون وقع بها طلقة، وإن لم ينوِ الطلاق وإنما نوى اليمين فعليه كفارة يمين، وهذا هو الأغلب.
(70/54)
________________________________________
حكم ضرب الزوجة الناشز بسبب تقصير الزوج
السؤال
هل يمنع الزوج من ضرب زوجته الناشز إذا كان النشوز بسبب تقصير الزوج في حقوقها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا يجوز له أن يضربها إذا كان هو المقصر، فإن المرأة إذا قصر زوجها في نفقة أو عشرة أو في حسن معاملة، أو أساء إليها وسبها، وقصر في حقها، فلا تلام إذا خرجت ولم تستطع التحمل والصبر، وفي هذه الحال لا يجوز له أن يضربها، فإن ذلك ظلم لها.
(70/55)
________________________________________
طلاق الحاكم يعتبر فسخاً
السؤال
هل يطلق القاضي الزوجة إذا حلف الزوج ألا يجامع زوجته أكثر من أربعة أشهر؟ وهل يكون طلاق القاضي باللفظ؟
الجواب
هذا في حالة الإيلاء، فإذا مضت أربعة أشهر وهو قد حلف ألا يطأها، أو ترك وطأها بدون حلف، ورفعت أمرها إلى القاضي، فالقاضي يحضره ويقول: إما أن تطأها وتكفر عن يمينك، ويكون هذا هو الفيء، {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:226] ، وإما أن تطلق، فتصرح بلفظ الطلاق، فإذا امتنع وقال: لا أطأ ولا أطلق.
فللحاكم أن يهدده ويقول: إن لم تطلق طلقنا عليك، فيطلق عليه الحاكم، ولا يملك الحاكم إلا التفريق بينهما، وتفريق الحاكم لا يسمى طلاقاً ولكنه يسمى فسخاً، بحيث إذا فسخ الحاكم لا يقدر الزوج على إرجاعها إلا برضاها وبعقد جديد.
(70/56)
________________________________________
الفرق بين المتعة والزواج بنية الطلاق
السؤال
ما ذكرتم -يا شيخ حفظكم الله- من إخبارها بالزوج لمدة سنة أو شهر أليس شبيهاً بالمتعة؟
الجواب
المتعة يحدد فيها الزمان، فيشترطه ويقول: زوجتك ابنتي شهراً أو شهرين أو سنة.
فهذه هي المتعة، وأما إذا لم يحدد، وإنما في نفسه وفي قلبه أنه سوف يجربها، أو أنه سوف يعف نفسه بها في هذه السنة أو السنوات الدراسية، وأعطاها مهرها كاملاً، وأثبتها في هويته، وكذلك -أيضاً- اعترف بأولادها ولم يضر بها بمنعها من الإنجاب، وكذلك التزم بالإنفاق عليها، فهذا زواج صحيح.
(70/57)
________________________________________
حكم الفسخ إذا كرهت الزوجة زوجها
السؤال
إذا غاب الزوج وترك زوجته في بلاده، فهل يجوز للزوجة فسخ النكاح؛ لأن ذلك كثير في بلادنا يفسخون النكاح في هذه المسألة؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الواجب ألا يفسخ إلا بعذر، وليس كل من كرهت زوجها تكون صادقة، ويكون قولها صحيحاً، فيرجع إلى القضاء الشرعي، فإن كان هناك عيب في الزوج، أو إضرار، أو كان -مثلاً- فيه عيب خَلقي أو خُلقي، أو ترك الإنفاق عليها، فللقاضي أن يتدخل ويفسخ النكاح، وإلا فلا.
(70/58)
________________________________________
تجديد العقد لمن كان لا يصلي ثم تاب
السؤال
أنا شاب متزوج، وكنت لا أصلي، ومنَّ الله علي بالهداية، هل عقدي الأول باطل؟ أفتونا مأجورين.
الجواب
إذا كان الزوجان سواء في أنهما لا يصليان ثم هداهما الله فالعقد صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أنكحة الكفار لما أسلموا، وأما إذا كان أحدهما لا يصلي فالراجح أنه لابد إذا تاب من تجديد العقد، ولو تجديداً سفرياً، بأن يأتي إلى والدها ويقول: جدد لي العقد (شفهياً) فيحضر شاهدين ويقول: أشهدا أنني زوجت هذا ابنتي فلانة، وهو يقول: اشهدوا أني قد قبلتها.
وتبقى على زوجيتها.
(70/59)
________________________________________
حكم من طالبت زوجها بالطلاق بسبب أنه تزوج عليها
السؤال
هل يجوز للزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها إذا تزوج عليها لعدم وجود الصبر عندها؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
لا يجوز لها ذلك، وورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها، ولتنكح ولها حظها) أو كما قال، فعليها أن تتحمل وتصبر، وفي الحديث: (أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) فعليها أن تتحمل وتصبر، سيما إذا كان الزوج عادلاً قائماً بما يجب عليه.
(70/60)
________________________________________
حكم اتفاق الزوجين على الطلاق بمصطلح آخر غير لفظ الطلاق
السؤال
هل إذا اتفق الرجل وزوجته على أنه إذا قال لها: أنتِ طالق.
أي بلفظ: قومي أو اقعدي، أو غير ذلك، هل يقع الطلاق بهذه النية أو لابد من اللفظ؟
الجواب
الأصل أنه لابد من اللفظ، ولكن إذا اصطلحا على كلمة عبرا بها عن الطلاق وقع، فإذا كان اصطلح على أن يقول: فاخرجي.
وأن هذا عنده طلاق، طلقت بقوله: اخرجي أو اذهبي، أو لستِ لي بامرأة، أو قومي عني، أو فارقيني فهذه كنايات فمع النية يقع بها الطلاق، ومع عدم النية لا يقع.
(70/61)
________________________________________
حكم القراءة على أنها رقية شرعية
السؤال
توجد امرأة كلما حملت وأنجبت ذكراً مات بعد الولادة، فقيل لها: إذا حملتِ واصلي القراءة عند شيخ حتى تضعي، ما رأي فضيلتكم في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
القراءة لا بأس بها والرقية الشرعية، فيمكن أن هناك بعض الشياطين -شياطين الجن أو نحوهم- أو أن هناك من أصابه بعين، فالرقية علاج شرعي.
(70/62)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [71]
الرضاع من المسائل الشرعية الشائكة، وقد جاء الشرع ببيانه أتم بيان وأوضحه، فبين ما يحرم من الرضاع وما لا يحرم، وما هو مقدار الرضاع المحرم، وكيفية الرضعة المحتسبة من الرضاع، وغير ذلك من مسائل الرضاع.
(71/1)
________________________________________
أحكام الرضاع
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب على رضيعٍ وفرعه وإن نزل فقط.
ولا حرمة إلا بخمس رضعاتٍ في الحولين، وتثبت بسعوطٍ، ووجورٍ، ولبن ميتةٍ، وموطوءةٍ بشبهةٍ، ومشوبٍ.
وكل امرأةٍ تحرم عليه بنتها كأمه وجدته وربيبته إذا أرضعت طفلةً حرمتها عليه.
وكل رجلٍ تحرم عليه بنته كأخيه وأبيه وربيبه إذا أرضعت امرأته بلبنه طفلةً حرمتها عليه.
ومن قال: إن زوجته أخته من الرضاع بطل نكاحه.
ولا مهر قبل دخولٍ إن صدقته، ويجب نصفه إن كذبته، وكله بعد دخولٍ مطلقًا، وإن قالت هي ذلك وكذبها فهي زوجته حكمًا.
ومن شك في رضاعٍ أو عدده بنى على اليقين.
ويثبت بإخبار مرضعةٍ مرضيةٍ وبشهادة عدلٍ مطلقًا] .
(71/2)
________________________________________
الأدلة على وجود حرمة الرضاع
الرضاع قد جاء ذكره في القرآن، قال الله تعالى في المحرمات: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23] نص الله على تحريم اثنتين: الأم من الرضاعة، ويدخل فيها الجدة أم الأم، والجدة أم الأب، فكل منهن تكون أماً من الرضاعة، والأخت من الرضاعة يدخل فيها الأخت بنت الأب من الرضاعة، وكذلك بنت الأم، فكلاهما تدخل في اسم الأخت.
ثم جاء الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ، وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا شرح هذا الحديث ابن رجب عند شرح الأربعين النووية، وأضاف إليها ثمانية أحاديث من جملتها هذا الحديث؛ لأنه مجمل يدخل تحته صور كثيرة (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) .
(71/3)
________________________________________
الفرق بين قرابة الرضاع وقرابة النسب
قرابة الرجل قسمان: النسب والصهر، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان:54] ، أخبر بأنه خلق الإنسان من الماء، وأخبر بأنه جعله قسمين أو نوعين، أي: جعل القرابة نوعين: قرابة نسب، وقرابة صهر، فالنسب هم الآباء والأجداد والإخوة والأخوات، وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات، وكذلك -أيضاً- الأخوال وأبناؤهم والخالات، والأعمام والعمات وأولادهم، وأعمام الآباء يسمون أنساباً، يعني: أقارب ينتسب إليهم، وينتمي إليهم، فيقول: أنا ابن فلان ومن آل فلان.
وأما الصهر: فهو القرابة من النكاح كأبي الزوجة وأبيه -أبوها وجدها- وأجدادها، وكذلك إخوتها وأخواتها وأعمامها، هؤلاء أصهار، والصهر: القريب من النكاح.
والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إنما خص النسب: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أي: من القرابة بالولادة، جاء في رواية أخرى: (الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) وهو نص على أن القرابة الحقيقية هي الولادة، ولكن قرابة الرضاعة لها نوع قرابة، فجعلها مثل النسب، ولكن القريب من الرضاعة قرابته قرابة محرمية، ليس مثل قرابة الولادة، فمثلاً: القريب من الولادة تجب نفقته عليه إذا احتاج إلى ذلك، أما القريب من الرضاعة فليس كأخيك من الولادة إذا افتقر أنفقت عليه حتى تسد خلته، وإذا مات الأخ من الولادة وليس له أولاد ولا أب فإنك ترث منه، وليس كذلك الأخ من الرضاعة.
وهكذا -أيضاً- القرابة من الولادة عليهم عقل الدية، فإذا قتل أحدهم إنساناً خطأً ألزمنا قرابته أن يدفعوا الدية، ويسمون بالعاقلة، وليس كذلك القرابة من الرضاعة، فلا يدفعون الدية مع العاقلة، وإنما القرابة من الرضاعة تسبب المحرمية، وتسبب منع النكاح، وتسبب جواز السفر بها، يعني: أختك من الرضاعة حرام عليك نكاحها، وهي محرم لك، فيجوز أن تكشف لك، وتسافر بها كمحارمك ولو مكاناً بعيداً، فلها نوع حق.
ومع ذلك إذا افتقرت لا تجب عليك نفقتها، ولا ترث منها إذا ماتت، ولا تعقل -يعني: تدفع من الدية- إذا قتل أحد إخوتك من الرضاعة، وإنما حق هذه القرابة زيارة واستزارة، واستضافة، وإجابة دعوة، وإكرام، وهدية، وقبول هدية، وما أشبه ذلك؛ لأن لها هذه القرابة.
(71/4)
________________________________________
المحرمية المترتبة على الرضاع تكون في حق الرضيع وفروعه فقط
سبب هذه القرابة: الرضاعة، الطفل في حال صغره يتغذى على هذا اللبن، وينبت عليه لحمه وعظمه، فلما نبت على هذه الرضاعة من هذه المرأة كانت هذه المرأة كأنها أنبتت لحمه من لبنها، فصار لبنها سبباً في نباته وتغذيته، فأصبح لها حكم الأمومة، وأصبحت كأنها أم له في هذه المحرمية، فكان لها حق الاحترام، وكان لها حق الأمومة، وحرم عليه نكاحها، وألحقت بمحارمه من النسب، وألحق بها -أيضاً- أقاربها الذين هم إخوتها وأخواتها ونحوهم.
يقول هاهنا: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب على رضيعٍ وفروعه وإن نزل) .
المحرمية تكون على الرضيع لا على أصوله، ولا على حواشيه، فأنت إذا رضعت من امرأة تصير هي أمك، فإخوتك أجانب لها، ولهم أن يتزوجوها، وأن يتزوجوا من بناتها وأخواتها، أما أنت فلا تتزوجها ولا تتزوج من بناتها، وأولادك مثلك؛ لأنهم أولاد ابنها، ويصيرون محارم لها، وبناتها -أيضاً- محارم لأولادك.
كذلك أبوك وأجدادك أجانب منها، فالمحرمية تتعلق بالرضيع، فهو الذي يكون ابناً لها، وكذلك أقاربها، فأختها خالته من الرضاعة؛ لأنها أخت أمه، وأمها وجدتها كجدتك من النسب، كذلك خالتها تصير كخالة أمك، وتصير محرماً لك، ألست محرماً لخالة أمك؟ خالة أمك من الولادة تكشف لك، وعمة أمك من الولادة تكشف لك، فهكذا -أيضاً- خالة أمك من الرضاع، وعمة أمك من الرضاع، وزوجها الذي رضعت منها وهي في ذمته هو الذي تسبب في وجود هذا اللبن، فيكون أباك من الرضاع، وكذلك إخوته أعمامك من الرضاع.
وتذكرون قصة أفلح أخي أبي القعيس عندما استأذن على عائشة فامتنعت من الإذن له، وقالت: إن أبا القعيس ليس هو أرضعني، وإنما أرضعتني امرأة أبي القعيس، فقال لها: أرضعتك امرأة أخي أي: بلبن أخي، اللبن لـ أبي قعيس، فهو الذي تسبب في وجوده.
امرأة أبي القعيس أرضعت عائشة، فأصبحت المرأة أم عائشة، وأصبح أبو القعيس أبا عائشة، وأصبح أخوه الذي اسمه أفلح عمها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وسألته قال: (ائذني له؛ فإنه عمك من الرضاعة) .
هذا دليل على أن أقارب المرضعة وأقارب زوجها يكونون محارم للرضيع، وبناتها أخواته، وكذلك بنات بناتها وإن بعدن، كذلك أخواتها خالاته، جداته عماتها، وزوجها أبوه، وأخوات زوجها عماته، وكذلك إخوانه أعمامه، وأعمامه أجداده، وعماته جداته، وخالاته كذلك وهكذا: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) .
(71/5)
________________________________________
اشتراط خمس رضعات لثبوت حرمة الرضاع
اختلفوا في مقدار الرضاع المحرم، يقول هنا: (ولا حرمة إلا بخمس رضعات) هذا هو المذهب، واستدل على ذلك بحديث عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم المصة والمصتان، ولا الإملاجة والإملاجتان) ، وذكرت عائشة وقالت: (كان مما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ ذلك بخمس رضعات، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهي مما يُقرأ) ، لكن هذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه، فيدل على أن الذي يحرم خمس رضعات، هذا هو المذهب.
والمالكية يقولون: يحرم قليله وكثيره، ولو مصة واحدة، وأخذوا ذلك من إطلاق الآية والحديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فجعلوا الحكم عاماً في رضعة واحدة أو أكثر، فإذا حصل الرضاع ولو مصة واحدة حرم.
ويرد عليهم بحديث عائشة الذي ذكرنا: (لا تحرم الرضعة والرضعتان، ولا المصة والمصتان، ولا الإملاجة والإملاجتان) وهذا دليل على أن القليل ما يحرم.
وذهب الأحناف إلى أنه لا يحرم إلا عشر رضعات، قالوا: لأنه هو الذي يصدق عليه أنه نبت به الجسم، ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم) (أنبت اللحم) يعني: مع التغذية نبت عليه لحم الطفل، (وأنشز العظم) أنشزه: رفعه، والإنشاز: هو الرفع والظهور، ومنه قوله تعالى: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} [البقرة:259] ، فيقولون: أربع رضعات، خمس رضعات، سبع رضعات، هذه قليلة لا يمكن أن اللحم ينبت بها، فلا بد من رضعات ينبت بها اللحم، فجعلوا أقل ذلك عشراً، هذا قول الأحناف.
والمشهور -أيضاً- عن الشافعية كالحنابلة خمس رضعات، وحيث جاء الحديث الذي ذكرت عائشة فإنه يعتبر، وهو الأقرب، وعليه العمل، أي: خمس رضعات.
(71/6)
________________________________________
كيفية الرضعة التي تحسب من الخمس الرضعات
واختلفوا في ماهية الرضعة، ما المراد بالرضعة التي جاء فيها هذا الحديث: خمس رضعات؟! من العلماء من يقول: الرضعة هي المصة، يعني: مجرد ما يمص، واستدلوا بقوله: (لا تحرم المصة والمصتان) ، الطفل إذا أمسك الثدي فإنه يمص مصة ثم يبتلع، ثم يمص ثم يبتلع، وهكذا، ولكن نقول: إن هذه المصة قد لا تحصل بها التغذية.
القول الثاني: أن الرضعة هي الإمساك والإطلاق.
يعني: إمساك الثدي، فإذا تركه حسبت رضعة ولو بعد نصف ساعة، أو بعد لحظة، فإذا امتص منه ثم تركه حسبت رضعة سواء طال إمساكه أو قصر، وهذا هو القول الأقرب.
وذهب آخرون إلى أن الرضعة هي الشبع، ويختار هذا القول ابن بسام في تيسير العلام، يقول: قياساً على الأكلة والوجبة، والإنسان إذا قال: أكلت عند فلان أكلة.
فمعناه: أكل حتى شبع، ويقولون: فلان يأكل كل يوم أكلتين، أو كل يوم ثلاث أكلات، فالأكلة هي الأكل حتى الشبع، فقاس عليها أن الرضعة هي الشبع أو الري، سواء كان صغيراً أو كبيراً، فإذا ارتضع حتى روي سواء بإمساكة واحدة أو بخمس إمساكات، ما دام أنه يمتص، ثم يطلقه للتنفس، ثم يمسكه ويمتص، ثم يطلقه للتنفس، ثم يمسك إلى أن يروى، وإذا فرغ ما في الثدي نقلته إلى الثدي الآخر، فإذا روي صدق عليها أنها رضعة.
والعمل والفتوى على القول الوسط: أن الرضعة هي الإمساكة، سواء طال الإمساك أو قصر، وهذا هو الأقرب؛ لكن استثنوا من ذلك إذا نزعت الثدي من فمه، أما إذا تركه هو من نفسه فإنا نحسبها رضعة، فإذا امتص منه فنزعته فإنها هي التي تسببت، فلا بد أن تتركه إلى أن يتركه من نفسه، سواء كان قد روي، أو تركه للتنفس، أو تركه ليرتاح قليلاً ثم يرجع إليه، فإنها تعتبر رضعة إذا تركه اختياراً، فتكون خمس رضعات، قد تكون مجتمعة وقد تكون متفرقة.
ويحدث أن كثيراً من النساء ترضع طفلاً، ولكن تشك في عدد الرضعات، إذا شكت فالعمل على اليقين كما يأتي.
(71/7)
________________________________________
لا يحرم الرضاع إلا إذا كان في الحولين
أما قوله: في الحولين.
أي: في مدة الرضاع، قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233] ، فيدل على أن الرضاع هو الذي يكون قبل الفطام، إذا تم الصبي حولين فطم عادة، ولا يجوز إرضاعه بعد الحولين، والعادة أنه يأكل ويتغذى.
لكن أجاز بعض العلماء من الحنفية الزيادة على الحولين، وبعض الأطفال يكون نضو الخلقة، ضعيف البنية، ومع ذلك يتم الحولين وهو لا يتغذى ولا يقبل الطعام، فأباحوا له الزيادة نصف سنة، ولكن لما جاء الحديث بأن الرضاعة قبل الفطام اقتصر على الحولين، فلا يحرم إلا إذا كان الرضاع في الحولين؛ لأنه هو الذي تحصل به التغذية، وفي حديث عن عائشة (دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وعندها رجل، فكأنه أنكره، قالت: أخي من الرضاع.
قال صلى الله عليه وسلم: انظرن من إخوانكن! فإنما الرضاعة من المجاعة) يعني: تأكدي من الأخ، فليس كل من يدعي أنه أخ يكون أخاً من الرضاع، إنما الرضاعة من المجاعة، الرضاعة التي تحرم هي التي ترفع الجوع؛ وذلك لأن الرضيع يكون جائعاً، فإذا ارتضع فذلك الرضاع يشبعه فيكون غذاءً له، ويدفع الجوع عنه.
(71/8)
________________________________________
رضاع الكبير لا يحرم
إنما الرضاعة من المجاعة، ومعلوم أن الرضاعة بعد ذلك لا تكون رافعاً للجوع، وهذا هو الصحيح الذي عليه العمل: أن رضاع الكبير لا يحرم، أي: بعد الفطام، وما كان بعد الحولين ولو تغذى به، ولو كثر فلا يحرم.
وجاء حديث عن امرأة أبي حذيفة (اشتكت للنبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن سالماً إنما نعده ولداً، وإنه قد بلغ مبلغ الرجال، وإني أرى أبا حذيفة يكره أو يسوءه دخوله علي فقال: أرضعيه تحرمي عليه) مع أنه رجل ذو لحية! فأرضعته خمس رضعات، فكان يدخل عليها كأنه أحد أولادها مع أنه كبير.
فمن العلماء من أخذ بهذا الحديث مطلقاً وقال: يحرم رضاع الكبير كما يحرم رضاع الصغير؛ لهذا الحديث.
ومنهم من قال: إنه خاص بـ سهلة امرأة أبي حذيفة، فهو من الخصوصيات للعلة التي ذكرت بأنه كان مولى وخادماً لهم، مع أنه ليس مملوكاً ولكنه مولى، فيحمل على الخصوص، فلا يعارض الأحاديث الأخرى كحديث: (إنما الرضاعة من المجاعة) ، ورضاع الكبير لا يقطع الجوع، فالرضاع إنما يحرم إذا أنبت اللحم وأنشز العظم، ورضاع الكبير لا ينبت اللحم ولا ينشز العظم، ولا يحصل به الشبع، فلا يكون محرماً، فيكون من خصائص سهلة امرأة أبي حذيفة.
وعائشة رضي الله عنها عملت بهذا الحديث، فكانت إذا أرادت أن يدخل عليها رجل من التلاميذ الذين يقرءون عليها أو يستفيدون أمرت أختها أو بنت أخيها أن ترضعه حتى يكون ابن أختها أو نحو ذلك، أما بقية أمهات المؤمنين فامتنعن من ذلك، وقلن: إن قصة سالم خصوصية.
ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه: إذا وجد امرأة ابتليت بما ابتليت به سهلة، واضطرت إلى أن يدخل عليها بعض الرجال، فإنها إذا أرضعته حرمت عليه، وصار محرماً لها، وأما سائر الناس فلا يحرم، فيكون خاصاً بمن كان مثل سهلة.
وهذا قول جمع بين الأحاديث.
(71/9)
________________________________________
الرضاع بالسعوط والوجور ولبن الميتة واللبن المشوب
كيفية الرضاع! الأصل أنها الامتصاص: أن يمسك الثدي بشفتيه، ثم يمص، وإذا ولد الطفل ألهمه الله أن يمص؛ ليكون ذلك المص كغذاء له إلهاماً من الله، فالأصل أن الرضاع: هو الامتصاص بالفم، فإذا انصب اللبن في فمه ابتلعه.
وألحقوا به غيره، فألحقوا به السعوط، فلو جعلت اللبن في إناء، وأدخلت قصبة في أنفه، وصببت مع تلك القصبة إلى أن وصل إلى حلقه وابتلعه فهذا يسمى سعوطاً، وبه يصدق عليها أنها أرضعته؛ لأن هذا اللبن وصل إلى جوفه ولو من غير الفم، يعني: دخل من المنخر أو المنخرين، فيكون غذاءً يتغذى به، فهذا هو السعوط.
والوجور: إذا جعلت اللبن في إناء صغير، وذلك الإناء قد يكون له ثعبة ينصب منها اللبن، فجعلت الثعبة في شقه، وصبت من تلك الثعبة ذلك اللبن، أصغت الإناء الذي فيه الثعبة حتى انصب من الثعبة في جوفه، هذا يسمى الوجور.
ولبن الميتة: لو قدر أن امرأة ميتة وكان فيها لبن، وارتضعه الطفل، فارتضع منها خمس رضعات، صدق عليه أنه ارتضع من لبنها؛ وذلك لأنه يغذي، ولو كانت قد ماتت.
ولبن الموطوءة بشبهة: امرأة وجدها رجل على فراشه وظنها امرأته فوطئها وحملت منه وولدت، فذلك الولد ينسب إلى ذلك الواطئ لأنه يعترف بأنه منه، وإن كان محرماً عليه وطؤها وليست زوجة له، ولكن لم يكن متعمداً؛ ولبنها يحرم؛ لأنه لبن امرأة جاء عن حمل، وتكون أماً لمن أرضعته، وصاحب اللبن الذي وطئها يكون هو أبا ذلك الطفل الذي ترضعه.
ويحرم المشوب المخلوط، الشوب: هو خلط اللبن بماء، تذكرون، يقول بعض الشعراء يفتخر بالعلم: هذا الفخار لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالاً يعني: أن الافتخار والشرف يكون بالعلم لا بهذا اللبن الذي يشاب بالماء.
والقعب: هو ما يصب فيه اللبن يحتقن في السقاء ونحوه، فإذا كان اللبن مشوباً بماء، ثم امتصه هذا الطفل خمس مرات صدق عليه أنه قد رضع من لبن هذه المرأة، فمثلاً إذا حلبته في هذا الكأس، ولما حلبته كان قليلاً فصبت عليه ماءً، ثم شربه ذلك الطفل، أليس قد تغذى بلبنها؟ لا شك أنه تغذى غذاءً كافياً، يعني: شبع أو ارتوى منه.
وكذلك لو صبته في الرضاعة التي يرضع منها الأطفال اليوم، وغالب النساء اليوم لا ترضع ولدها، إنما تأخذ له من اللبن الصناعي، ثم إذا صبته في الإناء صبت عليه ماءً، وحركته، ثم صبته في تلك القارورة التي لها مثل الحلمة، ثم ترضعه للطفل، فلو أن امرأة حلبت من لبنها في تلك القارورة، وارتضع الطفل من الحلمة كما يرتضع من الثدي، صدق عليه أنه ارتضع من لبنها إذا تم خمس رضعات.
(71/10)
________________________________________
ما يتفرع على الرضاع من المحارم
يقول: (وكل امرأةٍ تحرم عليه بنتها كأمه وجدته وربيبته إذا أرضعت طفلةً حرمتها عليه) .
لأنها تكون أخته، أو تكون خالته، أو تكون بنت ربيبة، وبنت الربيبة ربيبة.
أمك إذا أرضعت طفلة فتلك الطفلة أختك من الأم، وكذلك زوجة أبيك، إذا أرضعت الطفلة فإنها تكون أختك من الأب، لأنها ارتضعت من زوجة أبيك بلبن أبيك، فبنتها تكون أختك من الرضاعة، يعني: رضعت من زوجة أبيك، فهي أختك من الأب.
جدتك -أم الأم- أليس بناتها من الولادة خالاتك؟ وكذلك بناتها من الرضاعة خالاتك أيضاً أرضعتهن جدتك وجدتك أم الأب أليس بناتها حراماً عليك لأنهن عماتك، وبناتها من الرضاعة كذلك أخوات أبيك من الرضاعة، فهن عماتك.
ربيبتك التي هي بنت زوجتك، أليست حراماً عليك؟ يقول تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:23] ، وإذا كانت ربيبتك بنت زوجتك محرمة عليك، فكذلك بنتها؛ لأنها تقول: أمي ربيبتك، جدتي زوجتك، فأنا محرم.
هذه بنت الربيبة، وكذلك ولد زوجتك من غيرك أليس ربيباً؟ فكذلك بنته محرم لك، تكشف لك بنت ربيبك؛ لأنها تقول: جدتي أم أبي زوجتك.
فتكون محرماً لك، هذه بنت الربيب.
وبنت أمك من الرضاع تكون أختك، وبنت زوجة أبيك تكون أختك، وبنت جدتك أم الأب تكون عمتك، وجدتك أم الأم بنتها خالتك، وربيبتك بنتها بنت ربيبتك، وبنت ربيبك -أيضاً- محرم لك، هذه من الفروع المحارم.
يقول: (وكل رجل تحرم عليه بنته كأخيه وأبيه وربيبه إذا أرضعت امرأته بلبنه طفلة حرمتها عليه) .
صورنا بنت الربيب، والآن نصور بنت الأخ: أليست بنت أخيك تكشف لك، أنت عمها وهي بنت أخيك من الولادة؟ كذلك بنته من الرضاعة، لو كان لأخيك أربع نسوة، ثم إن واحدة أرضعت طفلة رضعة، والثانية أرضعتها رضعة، والثالثة أرضعتها رضعة، والرابعة أرضعتها رضعتين، فهذه الطفلة ليست بنتاً لواحدة من الزوجات، وكل واحدة منهن لا تقول: إني أمها؛ لأنها ما أرضعتها إلا رضعة أو رضعتين، ولكن الزوج يكون أباها؛ لأنها رضعت من لبنه خمس رضعات، من هذه واحدة، ومن هذه ثنتين، وهكذا، فرضعت من لبنه خمس رضعات فتكون بنته من الرضاع.
فكذلك تكون بنتاً لإخوته، إذا أرضعت امرأتك طفلة فإن إخوتك محارم لتلك الطفلة، وإذا كان الرضاع محرماً، فكل واحدة تقول لأخيك: أنت عمي، أنا رضعت من لبن أخيك؛ لقصة عائشة مع أفلح، ذكرنا أن أفلح أخا أبي القعيس قال لـ عائشة: (أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي) ، فهذا مثال الأخ، وكذلك الأب والجد.
بنات أبي أبيك عماتك من النسب، وبناته من الرضاع كذلك عماتك من الرضاع، إذا أرضعت امرأة أبيك طفلاً أو طفلة فهو أخوك أو أختك، وامرأة جدك، أليس بناتها عماتك؟ فكذلك بنات امرأة جدك أخوات أبيك وعماتك، فبناتها من الرضاع كذلك عماتك من الرضاع.
ربيبك الذي هو ابن زوجتك ابنته -أيضاً- محرم لك؛ لأنها تقول: جدتي زوجتك.
(71/11)
________________________________________
إذا ادعى الزوج أن زوجته أخته من الرضاع
يقول: (ومن قال: إن زوجته أخته من الرضاع بطل نكاحه) إذا اعترف بامرأة وقال: هذه أختي من الرضاع.
فلا يحل له نكاحها، وكذلك إذا كان قد تزوجها بطل النكاح؛ وذلك لأنه أقر على نفسه بأنها لا تحل له، واعترف بأنها أخته من الرضاع، أما لو قال: أنتِ أختي.
ويريد بذلك أخوة الصداقة والمودة والمحبة فلا يبطل النكاح، وكثيراً ما يقول الإنسان لزوجته: يا أمي يا أختي يا بنتي.
يريد بذلك في المودة، فلا يبطل نكاحه، وأما إذا قال: هذه أختي من الرضاع بطل نكاحه.
فإذا كان ذلك قبل الدخول، وقالت: صدق، أنا أخته من الرضاع بطل النكاح، هل لها مهر؟ ليس لها مهر؛ لأنه يقر بأنها محرمة عليه، وهي كذلك تقر بذلك، والعقد قد بطل، فلا تستحق عليه صداقاً.
أما إذا قالت: ليس كذلك، ولا قرابة بيننا، وأنت كاذب، ولست أختك.
في هذه الحال يفرق بينهما؛ لأنه اعترف بأنها لا تحل له، ولكن تطالبه بنصف الصداق قبل الدخول؛ لأنها تعترف بأنها حلال له، والعقد قد حصل، فتكون فرقته كأنها طلاق، والله تعالى يقول: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:237] ، فلها نصفه.
أما إذا كان قد دخل بها، وسواء خلا بها ووطئها أم لا، ففي هذه الحال تستحق الصداق كله، وإذا كانت قد كذبته أنه أخوها، وقالت: لست أختك، ولا قرابة بيننا.
وإذا قالت: أنا لا أحل لك، أنا أختك من الرضاعة.
وكذبها، فهل نفرق بينهما؟ لا يفرق بينهما؛ وما ذاك إلا لأننا لا نقبل قولها عليه، فيمكن أنها أخطأت، وقولها هذا كأنها تريد فراقه، والفرقة من قبل الرجل لا من قبل المرأة، فتبقى الزوجية بينهما، لكن إن أتت ببينة تشهد بأنه رضع من أمها أو رضعت من أمه، فإنه يفرق بينهما بموجب البينة.
(71/12)
________________________________________
الشك في الرضاع
قال: (ومن شك في رضاع أو شك في عدده بنى على اليقين) : لأن الأصل الإباحة، والأصل عدم الرضاعة، وصورة ذلك: إذا قالت المرأة: أنا في شك هل أرضعت هذا الطفل أو ما أرضعته.
وتوقفت عن الجزم، ففي هذه الحال لا محرمية، فلا يقال بشيء مشكوك فيه.
وإذا ادعت فقالت: نعم، أنا أرضعته، ولكني نسيت مع طول الزمان، فلا أدري أرضعته رضعة أو رضعتين أو ثلاث رضعات أو عشر رضعات، أتذكر أنني أرضعته، ولكني أشك في عدد الرضعات.
ولم يكن هناك علامات ولا قرائن يعرف بها عدد الرضعات، ففي هذه الحال لا محرمية.
ثم يفرقون بين رضاع الصغير والكبير، والعادة أن الصغير الذي في الأربعين أو في الشهرين الأولين رضاعه قليل، ونفسه قصير، ففي المجلس الواحد يمكن أن ترضعه خمس مرات أو أكثر، فإذا قالت: نعم، أنا أرضعته جلسة أو جلستين، استغرق ساعة أو ساعتين وهو في الشهر الأول، كلما بكى أرضعته؛ ففي هذه الحال يغلب على الظن أنه محرم، فنحتاط ونقول: محرم؛ لأن الطفل يرضع عدة رضعات في الجلسة الواحدة إذا كان في الشهر الأول أو نحوه.
وأما إذا كان في السنة الأولى كأن يكون ابن خمسة أشهر أو أكبر منها فالعادة أنه يطيل الامتصاص، وإذا أمسك الثدي فإنه لا يتركه حتى يشبع أو حتى يفرغ ما في الثدي من اللبن، فإذا قالت: أنا أرضعته جلستين وعمره ستة أشهر.
فالأصل أنها رضعتان لا أكثر، ويمكن أنها أربع رضعات، كل جلسة ترضعه من هذا الثدي، وإذا انتهى ما فيه نقلته إلى الثاني، فتكون أربع رضعات في الجلستين، والأربع أيضاً لا تحرم.
وكذلك كثير من النساء تقول: إني أرضعه ولكن لمناسبات، ويحصل هذا عند أهل البوادي، تقول: إن أمه تذهب لرعي الغنم أو لحلب غنمها ونحو ذلك، وتتركه يبكي وأرق عليه، فألقمه ثديي، وإذا ألقمته ارتضع منه إلى أن يسكت أو إلى أن ينام، أو حتى ترجع أمه عدة مرات، ففي هذه الحال يغلب على الظن أنه محرم؛ وذلك لأن عادة الطفل أنه إذا بكى إنما يسكت إذا التقم الثدي، فيحكم بالرضاع إذا كانت ترضعه كلما ذهبت أمه أو نحو ذلك، فيحمل قولها على أنها قد أرضعته، ويحكم بأنها أمه من الرضاع.
وإذا لم يكن فيها لبن، إنما يمسك الثدي لأجل أن يسكت وهي كبيرة في عمر ستين أو سبعين سنة، فمعلوم أنه لا يؤثر إمساكه، فهو كما يمسك المصاصة، وإنما تمسكه حتى يمتص لأجل أن يسكت، فيمتص منه فلا يؤثر، لكن وجد أن كثيراً من كبار السن درت وهي بنت ثمانين على طفل، وهذا وقع كثيراً؛ فمثلاً: ماتت أم هذا الطفل وهو في الشهر الأول، ولم يكن هناك من يرضعه، لا عمة ولا خالة ولا غير ذلك، وكان هناك جدة أبيه أو نحو ذلك، فمن رقتها به وشفقتها عليه تدر عليه بإذن الله من آثار الرقة، ففي هذه الحال يحرم لبنها؛ لأنه اعتبر زاده.
وأما إذا كانت بكراً فإنه لا يحرم، يعني: لو أن شابة ما تزوجت، وعمرها في العشرين أو نحوه فدرت على طفل، فهل يحرم؟ لا يحرم؛ لأن هذا اللبن لم يتولد من حمل، وليس لها زوج، فالغالب أنه ليس لبناً صريحاً، وأنه لا يحصل به التغذية، فلا يكون محرماً.
(71/13)
________________________________________
ما يثبت به حكم الرضاع
وإذا ارتضع اثنان من امرأة أجنبية ليست أماً لواحد منهما فإنهما يكونان أخوين من الرضاعة، ودليل ذلك: قصة عقبة بن عامر، يقول: إني تزوجت أم يحيى بن أبي إهاب، فجاءتنا أمة سوداء، وقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج.
فتوقف في ذلك عقبة وقال: لا أعرف أنك أرضعتني.
فأصرت وقالت: بلى، قد أرضعتك وأرضعتها.
بمعنى أنها لا تحل له لأنها أخته، وإن لم يكن رضعت من أمه ولا رضع من أمها، ولكن رضعا جميعاً من امرأة أخرى.
وتذكرون في القصة أن عقبة كان بمكة، ثم إنه رحل إلى المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، يقول: فسألته فأعرض عني، فسألته وقلت: إنها كاذبة.
فقال: (كيف وقد ادعت أنها أرضعتكما! دعها عنك) فطلقها وفارقها عقبة، وتزوجت غيره.
فيقولون: يثبت بإخبار مرضعة مرضية، وبشهادة عدل مطلقاً رجل أو امرأة؛ لقصة عقبة هذه، فإن امرأة واحدة تقبل شهادتها، سواء كانت هي المرضعة أو غيرها، وإذا جاءت امرأة وقالت: أشهد أن هذا الطفل أو هذا الشاب قد رضع من لبن فلانة امرأة سمتها.
أو جاء رجل وقال: أشهد أن هذا الطفل أو هذا الشاب قد رضع من لبن فلانة، فإنه يقبل قوله، أي: يثبت الرضاع بشهادة امرأة واحدة، أو بشهادة رجل واحد، أو بشهادة المرضعة نفسها؛ وذلك لأنه لا يعلم إلا من قبلها، فيترتب على ردها عدم ثبوت الرضاع.
والأصل أن الرضاع غالباً يكون خفياً، وليس هناك شهود، ولا يوجد رجال يقولون: نشهد أنا رأينا هذه المرأة ترضع هذا الولد، والغالب أنه شيء يختص بالنساء، وذكروا في الشهادات أن النساء تقبل شهادتهن في الأشياء التي لا يطلع عليها الرجال غالباً، فإذا جاءت المرضعة وأخبرت بأنها قد أرضعت هذا الطفل قبل قولها، أو جاءت امرأة وقالت: إنها قد أرضعت هذا أو هذه قبل قولها، أو شهد بذلك شاهد واحد.
ومسائل الرضاع مسائل كثيرة توسع فيها العلماء، ولكن المؤلف اقتصر على أهمها.
(71/14)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [72]
يجب على الزوج أن ينفق على زوجته، والنفقة تشمل الطعام والشراب والكسوة والسكن، وهي تختلف باختلاف حال الزوج، فيجب على الموسر ما لا يجب على المعسر، وكذلك باختلاف حال الزوجة فيجب للموسرة ما لا يجب للمعسرة.
ومن أحكام النفقات: ثبوتها في الذمة وسقوطها، وجواز الفسخ عند تقصير الزوج وإعساره من عدمه، وقد بين الفقهاء كل هذه الأحكام.
(72/1)
________________________________________
نفقة الزوجة
وعلى زوجٍ نفقة زوجته من مأكولٍ ومشروبٍ وكسوةٍ وسكنى بالمعروف، فيفرض لموسرةٍ مع موسرٍ عند تنازعٍ من أرفع خبز البلد وأدمه عادة الموسرين، وما يلبس مثلها وينام عليه.
ولفقيرةٍ مع فقيرٍ كفايتها من أدنى خبز البلد وأدمه وما يلبس مثلها وينام ويجلس عليه.
ولمتوسطةٍ مع متوسطٍ، وموسرةٍ مع فقيرٍ وعكسها ما بين ذلك، لا القيمة إلا برضاهما، وعليه مؤنة نظافتها لا دواء وأجرة طبيبٍ، وثمن طيبٍ.
وتجب لرجعيةٍ وبائنٍ حاملٍ، لا متوفى عنها.
ومن حبست أو نشزت أو صامت نفلًا، أو لكفارةٍ، أو قضاء رمضان ووقته متسعٌ، أو حجت نفلًا بلا إذنه أو سافرت لحاجتها بإذنه، سقطت.
ولها الكسوة كل عامٍ مرةً في أوله.
ومتى لم ينفق تبق في ذمته.
وإن أنفقت من ماله في غيبته فبان ميتًا رجع عليها وارثٌ.
ومن تسلم من يلزمه تسلمها، أو بذلته هي أو وليها، وجبت نفقتها ولو مع صغره ومرضه وعنته وجبه.
ولها منع نفسها قبل دخولٍ لقبض مهرٍ حال ولها النفقة.
وإن أعسر بنفقة معسرٍ أو بعضها لا بما في ذمته، أو غاب وتعذرت باستدانةٍ أو غيرها فلها الفسخ بحاكمٍ، وترجع بما استدانته لها أو لولدها الصغير مطلقًا] .
النفقات: هي الإنفاق على الزوجات، والإنفاق على الأقارب، ولكن الأصل الذي يكون فيه الخلاف وهو من الواجبات: نفقة الزوجة، بمعنى إعطائها من النفقة ما يكفيها.
دليل ذلك قول الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] الضمير يرجع إلى الوالدات في قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة:233] ثم قال بعد ذلك: ((وعلى المولود له)) المولود له هو الزوج، عليه رزقهن، أي: رزق الزوجات حتى ولو لم تكن مرضعة، وأما إذا طلقت فإن عليه أجرة إرضاعها لطفلها؛ لأن الله ذكر في سورة الطلاق أجرتهن، قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6] ، فإذا كانت مطلقة وأرضعت الولد، فعلى الزوج نفقة زوجته من مأكول ومشروب، وكسوة وسكنى بالمعروف؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] المعروف: هو الشيء المعتاد الذي هو متعارف عليه بين الناس، أو الذي هو مناسب لحالة الزوج، أو مناسب لحالة الزوجة.
(72/2)
________________________________________
ضابط نفقة الموسر والمعسر
ثم يقول: (فيفرض لموسرةٍ مع موسرٍ عند تنازع من أعلى خبز البلد وأدمه -كعادة الموسرين- وما يلبس مثلها، وينام ويجلس عليه) .
يعني: إذا كان موسراً وعنده ثروة، وهي -أيضاً- من الموسرين، وأهلها نشئوا في ثروة، وهي نشأت في ثروة، فنفقتها في هذه الحال من أرفع ما ينفقه أهل اليسار، ومن أفضل الأطعمة سواء الخبز أو الأرز، وكذا أعلى أنواع الأطعمة وأنفسها؛ وذلك لأنها نشأت على ذلك، وهو أيضاً نشأ على ذلك، فيعطيها ما اعتادته، ولا يضره ذلك، ولا يخل باقتصاده، فعادة الموسرين التوسع في النفقة، وإن كان بعضهم يكون توسعه إسرافاً، وفي هذه الأزمنة الموسرون غالباً يكون أكلهم ثلاث أكلات: أكلة في الصباح في أوله، وأكلة بعد الظهر، وأكلة في الليل، هذه عادتهم، وإن كانت عادة المتوسطين أكلتين صباحاً ومساءً، لكن إذا كان أهل اليسار على هذا فإنه كذلك.
ثم الأكلات أيضاً تختلف، فأكلات الموسرين تختلف عن أكلات الفقراء، فأهل اليسار يأكلون أفضل الأطعمة من الأرز ومن أعلى أنواعه، ومن أحسن أنواع اللحوم، وكذلك الأُدم والفواكه والخضار وما أشبه ذلك من الأنواع التي يتفكه بها، هذه عادة الموسرين، فيوفر لزوجته ما كانت اعتادته، حسب نفقة الموسرين.
وكذلك المشروبات، إذا كان هناك مشروبات مباحة فإنه يوفرها، من المياه والعصائر والألبان وما أشبهها.
وكذلك الكسوة: أعلى أنواع الكسوة وأنفسها كعادة الموسرين.
وكذلك فرش الدار التي يجلس عليها، أحسن أنواع الفرش.
وكذلك فراش النوم، أحسن أنواع فرش النوم، وهكذا هذه عادة الموسرات تحت الموسر.
الفقيرة مع الفقير كفايتها من أدنى خبز البلد وأدمه، وما يلبس مثلها وينام ويجلس عليه، وذلك لأنها نشأت في فقر، وهو نشأ في فقر، فلا يكلف أن ينفق عليها مثل نفقة الموسرين، فيشتري من أرخص أنواع الطعام بقدر الكفاية وبقدر القوت، وبقدر سد الجوع، ولا يتوسع في المأكولات الأخرى، فلا يتوسع في الخضار ولا في الفواكه ولا في اللحوم، وإذا كان عادة فقراء أهل بلده أنهم يأكلون من اللحوم فله أن يطعمها كل أسبوع من أرخص أنواع اللحم كلحم إبل أو نحوه، فإذا شق ذلك عليه اقتصر على ما يسد الجوع، ويقتصر على أكلتين غداء وعشاء.
كفايتها من أدنى -يعني: أرخص- خبز البلد وأدمه، وإذا كان الفقراء يأتدمون بالزيت ائتدم به، أو بالخل، أو بالشحم المذاب، أو بالسمن المذاب، أو باللحم ولو لحماً يسيراً رخيصاً، فهو أدم من أرخص الأدم.
واللباس كذلك -أيضاً- يشتري لها من الرخيص، إذا كانت الغنية ثوبها مثلاً يكلف خمسمائة، والفقيرة تجد كسوة بخمسين ريالاً أو أقل أو نحو ذلك، فيعطيها ما يلبس مثلها.
الفرش يشتري فراشاً متواضعاً ولو خلقاً؛ لأنه لا يقدر على رفيع الثمن.
كذلك فراش النوم، ولو مستعملاً.
وهكذا أدوات المنزل من الأدوات المستعملة: كالقدور والصحون والأباريق وما أشبهها، يشتري ولو مستعملاً؛ لأنه لا يقدر على ما هو رفيع.
(72/3)
________________________________________
ضابط نفقة المتوسط مع المتوسطة والموسرة مع الفقير والعكس
يقول: (ولمتوسطةٍ مع متوسطٍ، وموسرةٍ مع فقيرٍ وعكسها) أي: فقيرة مع موسر (ما بين ذلك) .
يمكن أن تنحصر الحالات في تسع؛ الأولى: موسرة تحت موسر، الثانية: موسرة تحت متوسط، الثالثة: موسرة تحت فقير، الرابعة: فقيرة تحت موسر، الخامسة: فقيرة تحت متوسط، السادسة: فقيرة تحت فقير، السابعة: متوسطة تحت موسر، الثامنة: متوسطة تحت متوسط، التاسعة: متوسطة تحت فقير.
فتكون الحالات ثلاث: الموسرة تحت الموسر من أرفع الأطعمة، والفقيرة تحت الفقير من أدناها، والبقية من الوسط.
لكن الفقيرة تحت الموسر يندب له أن يكون مثل الموسرين، وأن يتوسع كما يتوسعون؛ وذلك لأنه يجد ويقدر على أن يوسع؛ لأنه ذو مال؛ فيوسع وسعته على أولاده، ولو كانت الزوجة نشأت في بيت فقر وفي فاقة، قد يقول: كيف أوسع عليها؟ أنقلها من عيشة ضيقة إلى عيشة رفيعة؟! نقول: إنك قد ضممتها إليك وأنت ذو مال، ولا ينقصك ولا يضرك أن تتوسع في هذه النفقة، فعليك أن تنفق نفقة الموسرين على زوجتك وعلى نفسك وأولادك.
وأما الموسرة تحت الفقير، فهي تقول: أريد أن أتوسع، أنا نشأت في سعة، وأهلي عندهم سعة وفضل وأموال، تغذينا على أحسن الأغذية وأرفعها، فكيف أنتقل من حالة السعة إلى حالة الضيق؟
الجواب
إنك رضيتِ بهذا الزوج الفقير، ونفقته على قدر حالته، فلا يكلف نفقة الأغنياء ولا نفقة المتوسطين؛ لأن ذلك يعجزه؛ والله تعالى يقول: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] ، ويقول تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236] ، فإذا رضيت المرأة التي نشأت في بيت سعة أن تختار هذا الفقير؛ لكونه ابن عم أو ابن خال، أو -مثلاً- أخو زوج أختها؛ أو بينهما قرابة، ورضيت وقالت: أرضى به ولو كان فقيراً.
فهل تكلفه نفقة الأغنياء؟ لا تكلفه؛ لأن النفقة معتبرة بحالة الزوج.
لكن الفقهاء كأنهم يقولون: إنه يصعب على المرأة الغنية أن تصبر على نفقة الفقراء، فلذلك قالوا: المتوسطة مع المتوسط، والموسرة مع فقير، والفقيرة مع موسر عليهم نفقة المتوسطين.
وبكل حال فالراجح اعتبار النفقة بحالة الزوج، سواء كان معسراً أو موسراً.
(72/4)
________________________________________
إذا طلبت المرأة نفقتها نقوداً
هل يعطيها القيمة؟ إذا قالت: لا تشتر لي طعاماً ولا كسوة، أعطنيها دراهم أو نقوداً.
فهل عليه ذلك؟ ليس عليه ذلك إلا بتراضيهما، فإذا تراضيا على دفع القيمة فلا بأس، قد تقول: أنا ينفق علي أهلي، يعطوني دائماً طعاماً، ويعطوني لحوماً ونحو ذلك؛ لأنهم أهل سعة، آخذ منهم الأرز واللحوم وما أشبهها، فلا تشتري شيئاً، ولكن أعطني نفقتي دراهم.
لا يلزمه ذلك إلا إذا تراضيا على ذلك.
(72/5)
________________________________________
النفقة والصرفيات التي تجب على الزوج من غير الطعام والشراب والكسوة
هل عليه شيء غير الطعام والشراب والكسوة؟ عليه نظافتها؛ لأنها بحاجة إلى أن تتجمل له، فلا بد أن يشتري لها ما تتجمل به له، فتدهن رأسها -مثلاً- أو تمشطه، فلا بد أن يأتي لها بما تدهن به رأسها حتى لا يكون شعثاً، وكذلك -أيضاً- نظافة بدنها، إذا كانت تحتاج إلى المنظفات القديمة أو الموجودة الآن مثل الصابون والشامبو وما أشبه ذلك، هذه لو لم تتنظف لكانت قذرة ونفر منها، فلذلك لا بد أن يأتي لها بالأشياء التي تتنظف بها، فتنظف ثيابها، وبدنها، وشعرها وما أشبه ذلك.
ولها أن تطلب منه الطيب الذي تتجمل به، وطيب النساء: ما ظهر لونه وخفي ريحه، وكذلك ما يحتاجه بيتها كما هو معتاد من أدوات الدار فهي عليه.
هل عليه علاجها إذا مرضت؟
(72/6)
________________________________________
علاج الزوجة وطيبها
ذكروا أنه إذا مرضت فلا يلزمه ثمن الدواء، ولا يلزمه أجرة الطبيب، ولكن الصحيح أنه يرجع في ذلك إلى العرف والعادة، فالناس في هذه الأزمنة العرف عندهم أن الرجل يعالج زوجته، ولا يترك علاجها على أهلها؛ لأنها زوجته تخدمه، وهي فراشه وأم أولاده، وهي المربية لأولاده، فكيف يتركها مريضة تعاني من هذه الأمراض؟ لا يهنأ ولا ترتاح نفسه بتركها على الفراش، فالعرف على أنه يعالجها، ويدفع أجرة الطبيب، ويشتري الأدوية من ماله.
وأما ثمن الطيب إذا طلبت طيباً فالصحيح أنه يرجع إلى العرف، وما ذاك إلا أن عرف الناس وعادتهم أنه يشتري لها من الطيب ما يناسبها، وطيب النساء مثل الكركم والعصفر والزعفران والورس التي تصفر به خديها أو ذراعيها وما أشبه ذلك، وكذلك الدهان لرأسها، فهذا العرف على أنه عليه.
(72/7)
________________________________________
نفقة المرأة المطلقة
المرأة المطلقة هل لها نفقة؟ إذا كانت رجعية فلها نفقة؛ لأن الرجعية ما زالت زوجاً، إذا طلقها واحدة واحتبست ثلاثة قروء عليه نفقتها، وعليه سكناها؛ لأن الله تعالى يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:1] ، فإذا كانت عنده في بيته فمن أين تأكل؟ ينفق عليها، فإذا انتهت عدتها ولم يراجعها فعند ذلك بانت منه، فله أن يخرجها ويقول: انتهت عدتك، اذهبي إلى أهلك.
أما قبل أن تنتهي العدة فإنها في عصمته، وعليه نفقتها؛ لأنها في حكم الزوجة، بحيث إنه لو مات ورثت منه، أو ماتت ورث منها.
(72/8)
________________________________________
نفقة الحامل المطلقة
كذلك البائن إذا كانت حاملاً، وهي التي طلقها ثلاثاً، لا تحل له إلا بعد زوج، لكن إذا كانت حاملاً، ففي هذه الحال ينفق عليها، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6] فالنفقة عليها للحمل، أما هي فليس لها، فلو أنه ترك النفقة عليها شهراً أو شهرين فهل لها مطالبته، وتقول: إنك تركت النفقة علي شهرين، فأعطني بدلها؟ نقول: ليس لك نفقة، النفقة للحمل، ونفقة الحمل نفقة الأقارب، والأقارب لا تضمن نفقتهم إذا فات الزمان، وأما المرأة فإن نفقتها لا تفوت بفوات الوقت.
لو أن إنساناً ترك النفقة على زوجته خمسة أشهر وهي في بيته، ثم إنها أنفق عليها أبوها، أو تصدق عليها جيرانها وهي في هذه الحال ثم جاء زوجها، فتطالبه بنفقة خمسة أشهر، وعليه أن يعوضها؛ لأن نفقة الزوجة معاوضة، وأما نفقة الأقارب فإنها إحسان.
(72/9)
________________________________________
نفقة المتوفى عنها
المتوفى عنها هل لها نفقة؟ ليس لها نفقة، ولو كانت حاملاً، فينفق عليها من نصيبها من الإرث، أو ينفق عليها من قسم الحمل الذي في بطنها؛ لأنه يرث.
(72/10)
________________________________________
ما تسقط به نفقة الزوجة
لما ذكر نفقة الزوجة، وأنها بقدر العسر أو اليسر؛ لقول الله تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236] ذكر متى تسقط نفقة الزوجة على زوجها؟ وقد عرفنا أن نفقة الزوجة معاوضة؛ لأنها مقابل بذلها لنفسها، فهي لما بذلت نفسها له للاستمتاع استحقت على ذلك النفقة التي هي القوت والغذاء، فإذا فعلت شيئاً من الأسباب يحول بينه وبين الاستمتاع به سقطت نفقتها في تلك المدة.
(72/11)
________________________________________
إذا حبست المرأة لسبب من الأسباب
فأولاً: إذا حبست لسبب من الأسباب في السجن، وهو لا يقدر على أن يدخل عليها، ولا على أن يجامعها؛ لأنها في داخل سجن، ففي هذه الحال تسقط نفقتها؛ لعدم تمكنه منها.
(72/12)
________________________________________
إذا نشزت المرأة
ثانياً: إذا نشزت، والنشوز هو العصيان، فإذا نشزت ومنعت نفسها، سواء بقيت في بيته ولكن امتنعت من فراشه ومن تمكينه من نفسها، أو خرجت إلى أهلها أو إلى بيت استقلت فيه، فامتناعها حال بينه وبين الاستمتاع بها، والنفقة إنما هي معاوضة لأجل تمكينه من الاستمتاع بها، وهاهنا قد نشزت، ففي هذه الحال لا نفقة لها.
(72/13)
________________________________________
إذا صامت نفلاً أو نذراً أو كفارة
ثالثاً: إذا صامت نفلاً، فلا يلزمه نفقتها نهاراً؛ لأنها منعت نفسها في النهار، أما في الليل فإنها إذا أفطرت بذلت له نفسها، فكأنهم يقولون: يعطيها نفقة الليل دون نفقة النهار، هذا إذا صامت بدون إذنه تطوعاً.
لكن نرى أن هذا مما يتسامح فيه، وأنه شيء يسير، وأنها في النهار لا تحتاج إلى نفقة؛ لأنها قد صامت، فلا تحتاج إلى أكل وغيره، وهي قد بذلت نفسها له طوال الليل، وأعطاها فطوراً وعشاءً وسحوراً، فلا ينبغي أن يحسب صيامها إلا إذا خرجت من منزله، فأما ما دامت في منزله وتطوعت فصامت يوم إثنين أو يوم خميس، أو أيام بيض، أو تطوعاً، فلا حاجة إلى أن يحرمها من النفقة، هي تقول: أنا لا أريد نفقة لأني صائمة، إنما النفقة والأكل في الليل، وهي في الليل قد تحللت من الصيام.
وكذلك ذكروا أمراً رابعاً: إذا صامت عن كفارة يمين أو نذر نذرته، والتزمت أنها تصوم ذلك النذر الذي كفرته.
(72/14)
________________________________________
إذا صامت قضاء رمضان ووقته متسع
خامساً: ألحقوا به إذا صامت قضاء رمضان ووقته متسع، يعني: إذا كان عليها أيام من رمضان ووقته متسع فصامته مثلاً في شوال أو ذي القعدة، أما إذا ضاق الوقت بأن دخل عليها شعبان، ففي هذه الحال تصوم ولو لم يأذن لها، وتلزمه النفقة.
ورد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوم المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه) ، وذكروا أنه إذا صامت بدون إذنه تطوعاً فإن له أن يفطرها، وله أن يطلب منها التمكين، وعليها أن تمكنه من وطئها؛ لأنه حق له عليها.
وإن كان هذا مما يتسامح فيه، وأن الأصل أن الصيام يكون في النهار، والرجل يكون منشغلاً بعمله، وكذلك المرأة منشغلة بتربية أولادها وإصلاحهم وما أشبه ذلك، فيكون هذا مما يتسامح فيه.
(72/15)
________________________________________
إذا حجت نفلاً بدون إذن الزوج
سادساً: الحج، إذا حجت نفلاً بلا إذنه.
الحج كان قديماً يستغرق وقتاً، من هذه البلاد كان يستغرق شهرين أو قريباً من الشهرين، ففي هذا أنها منعت نفسها من زوجها شهرين، وهذا ليس بلازم لها؛ لأنه حج تطوع، فيرون في هذه الحال أنه يسقط الإنفاق عنه، إلا إذا كان قد رخص لها في أن تحج مع أبويها، أو تحج مع أحد إخوتها وأخواتها لتريهم المناسك، أو لتخدمهم لأنهم بحاجة إليها، فرخص لها زوجها فحجت، ففي هذه الحال إن لم ينفق عليها رفقتها فعلى زوجها الإنفاق؛ لأنه أذن لها بالغيبة، أما إذا التزم الذين حجوا معها أن ينفقوا عليها فليس على الزوج نفقة، وكذلك إذا كان قد رخص لها أن تحج معهم، وطلبت منه نفقة، فإنها تلزمه نفقتها؛ لأنه أذن لها.
(72/16)
________________________________________
إذا سافرت المرأة لحاجتها
سابعاً: إذا سافرت لحاجتها بإذنه فلا نفقة لها؛ لأن الحاجة لها، فتسقط نفقتها بالسفر؛ لأنها حالت بينه وبين نفسها، حتى لو كان السفر بإذنه، كأن سافرت خمسة أيام أو شهراً لأجل أن تزور أقاربها، أو تخدم أبويها، أو تمرض أحد أبويها أو إخوتها، أو سافرت لحاجة تخصها، ففي هذه الحال حالت بين زوجها وبين نفسها، وسقطت نفقتها.
الناس في هذه الأزمنة في سعة من العيش، فهم يتغاضون عن مثل ذلك.
(72/17)
________________________________________
نفقة الزوجة على عادة أهل البلد
وكل ما تقدم يتعلق بالنفقة التي هي الأكل والشرب؛ لأنه ضروري، والناس فيه على ما اعتادوا، فبعضهم يكتفون بالأكل مرة واحدة في اليوم والليلة، وهذا في بعض البلاد سيما الفقراء والضعفاء ونحوهم، وفي بعضها يأكلون كل يوم أكلتين: أكلة في النهار، وأكلة في الليل، وكأن هذا هو المعتاد غداء وعشاء، هذا هو الذي كان معروفاً في القرون الماضية بين المسلمين وغيرهم: أكلتان كل يوم.
جاءت هذه الأزمنة المتأخرة فصاروا يأكلون ثلاث أكلات: أكلة في الصباح، وأكلة في وسط النهار قريباً من بعد الظهر، وأكلة في الليل.
فالنفقة تكون على عرف أهل كل بلد، فإذا كانوا يأكلون أكلتين وفر لها الأكلتين، وإذا كانوا يأكلون ثلاثاً وفر لها الثلاث، والأصل والعادة أنه يوليها مفاتح خزائنه التي فيها الطعام والشراب، وهي في هذه الحال تأخذ لنفسها ما تريد، ولكن الشيء الذي لا يكون متوفراً عليها أن تطلبه مثل اللحم، وقديماً كانوا يشترونه يومياً قبل وجود آلات الثلاجات، وكذلك الفواكه والخضار يشترونها يومياً، فإذا كان في بلاد ليس فيها ثلاجات ونحوها فإنه يلزمه أن يؤمن ذلك لها كل يوم، وإلا فكل أسبوع كما في هذه البلاد ونحوها.
وإذا اعتادت على أكل لحم من نوع خاص كسمك أو طير كدجاج أو حمام أو نحو ذلك، فإن عليه أن يوفره إذا كان قادراً؛ لأن هذا مما اعتاده أهل البلد.
(72/18)
________________________________________
الكسوة الواجبة هي مرة أو كل سنة
ذكر بعد ذلك الكسوة، يقول: (ولها الكسوة كل عام مرة في أوله) .
هكذا كان في الأزمنة المتقدمة، إذا دخلت السنة اشترى لها كسوة، يشتري لها مثلاً قميصاً وسراويل، وخماراً وعباءةً، ورداءً وجلباباً، فيشتري مرة واحدة، ويكفيها سنة، هذه كانت عادتهم، وكذلك أيضاً كانت عادة الرجال، نحن قبل خمسين أو ستين سنة يبقى الثوب والقميص علينا سنة أو عشرة أشهر، ولا نغسله إلا بالماء في كل أسبوع أو كل أسبوعين، وإذا غسله أحدنا يبقى ليس عليه إلا إزار إلى أن يجف الثوب ثم يلبسه، وهكذا أيضاً كانت النساء ليس عندها إلا ثوب واحد، إذا انتهت السنة وإذا هو قد بلي، وإذا تشقق في أثناء السنة تخيطه، وترقع وسطه إذا احتاج إلى رقعة، ترقعه من ثياب السنة الماضية.
وتلك الثياب أيضاً ثياب تنسج في البلاد العربية، لا يستوردونها من البلاد البعيدة، وهي أيضاً رخيصة، كانوا يبيعونه بالذراع الذي هو أربعة وخمسون سنتيمتراً، الذراع بنصف الريال، أو الذراعان بريال ونصف، وبعض الأقمشة يقدر أن المتر بريال، وقد يكون بأقل في بعض الأقمشة، فتكون كسوتها تكلفها عشرة ريالات، وربما خمسة ريالات في بعض الأقمشة، وتكفيها سنة، وإذا كانت مترفهة اشترت كسوتين، كل كسوة بعشرة ريالات، هذه كانت عادة النساء قبل خمسين أو ستين سنة، قبل وجود هذا التوسع.
ولما فتح الله على الناس هذه الأموال، وكذلك انفتح باب الواردات توسعوا، حتى من قبل سنين في بعض البلاد التي فيها توسع، ونحن نحكي حال القرى الذين هم في قلة من العيش، وأما المدن الكبيرة كمكة والرياض ونحوها فإن عند كثير منهم توسعاً.
حتى قبل أربعين أو خمس وأربعين سنة يذكر لنا أحد المشايخ أن كثيراً من النساء عندها ثياب كان لها منذ سنة وسنتين وثلاث سنوات، وكل سنة تشتري زيادة، حتى إن الثوب يكلف في ذلك الوقت خمسمائة ريال، بينما الفقراء يكفيهم عشرة ريالات للثوب، فهؤلاء الذين يتوسعون يصل الثوب إلى خمسمائة، وفي هذه الأزمنة -كما تسمعون- كثير من النساء كسوتها تكلفها ألفاً، وربما ألفين، وربما ثلاثة آلاف، المتر الذي كانوا يشترونه بعشرة أصبح الآن يباع بخمسمائة أو بأربعمائة، لا شك أن هذا التوسع لأجل أن الناس توسعوا في الأموال، وصاروا يحرصون على أن يقتنوا أرفع الأقمشة وأعلاها وأغلاها.
والنساء يتفاخرن في ذلك، الآن المرأة إذا دخلت لتشتري قماشاً رأت القماش الغالي ولو كان رديئاً، والباعة يزيدون عليها، تأتي إلى أحدهم فيقول: هذا المتر بمائة، وهذا المتر بمائتين، وهذا بثلاثمائة، مع أنها كلها سواء، فتقول: أريد من الذي قيمته ثلاثمائة، ولو حدها بخمسمائة أو بستمائة لاشترت مما هو رفيع، ولا شك أن هذا من العبث، وأنه من إضاعة الأموال.
وهذه الإضاعة -أيضاً- وقع بها من قديم كثيرون، ذكر ابن القيم في كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" يتكلم عن الحب الذي يُبتلى به كثير من الناس أو من النساء، يذكر أن رجلاً عشق امرأة لما رأى عليها ثوباً أعجبه نوع القماش، فصار كلما رأى في السوق ثوباً مفصلاً من ذلك النوع الذي رآه على معشوقته اشتراه، حتى لما توفي وإذا عنده أكثر من مائتي ثوب! يدل على أن الناس يشترون ما يناسبهم وما يهوونه.
فإذا كان في هذه الأزمنة فالكسوة على قدر المناسبة، والناس في هذه الأزمنة توسعوا في بعض الكسوة، فالمرأة تفرض على زوجها كسوة في كل مناسبة، ففي كل عيد تطلب كسوة جديدة، كذلك أيضاً في أيام المناسبات كحفلات زواج إخوتها أو أخواتها، تطلب أيضاً كسوة جديدة في كل مناسبة، وإذا قيل لها: عندك كسوة تم شراؤها قريباً.
تقول: إن هذه قد استعملت، أو رئيت يوماً أو نصف يوم.
فتفرض عليه أن يجدد لها كسوة في كل مناسبة، والرجال يتسامحون معهن في ذلك، وكان الأولى المنع والامتناع؛ لأن هذا من الإسراف؛ ولأنه من إيتاء السفهاء، والله تعالى يقول: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء:5] أي: لا تسلطوهم على أموالكم فيفسدونها، فإذا كانت المرأة تشتري الكسوة بألف أو بألفين أو بثلاثة آلاف اعتبر ذلك من السفه والإفساد.
ويقال كذلك أيضاً فيما تحتاجه من الحلي والزينة ونحوها، مثاله: إذا طلبت شراء ساعة يدوية فإنه قد يتنازل معها، وتوجد ساعة -مثلاً- بمائتين، وساعة بألفين، وساعة بعشرة آلاف، فكثير من النساء تشتري أعلى ما تجد، ولو كانت المكانة واحدة، ولو كان الاستعمال واحداً، يخيل إليها أن زيادة الثمن يدل على الحسن والجمال، ويدل على القوة والمناعة وما أشبه ذلك.
وقد أخبرني الكثير من الذين يستوردون الساعات أنها كلها سواء، يعني: أدواتها، وآلاتها الداخلية، لا فرق بين التي قيمتها مائتان والتي قيمتها عشرة آلاف إلا في الاسم والمورد، تؤخذ من الذي يصنعها سواء في اليابان أو في الصين أو في أمريكا، الأدوات واحدة لا تختلف، ومع ذلك الذي يوردها يكتب عليها اسم أنها ساعة كذا وكذا، فإذا خيل إليهم أنها من نوع كذا وكذا ظنوا أن لها مكانة.
الذين يشترون الساعة التي بمائتين، والذين يشترون الساعة التي بألفين أو بخمسة آلاف أو بعشرة، يجدون أن الاستعمال واحد، وأنه لا فرق بين هذه وهذه، قد تكون هذه أسرع خراباً من هذه، فلذلك نقول: الواجب الأخذ على أيدي السفهاء.
(72/19)
________________________________________
بقاء نفقة الزوجة في ذمة الزوج إذا لم ينفق عليها
كذلك عاد إلى النفقة فقال: (ومتى لم ينفق تبق في ذمته) .
وذلك لأن النفقة -كما قلنا- معاوضة، فإذا امتنع من النفقة عليها فلها أن تطالبه بنفقة ما مضى، ولا تسقط نفقة الزوجة بمضي زمان، سواء كان تركه النفقة لغيبة أو لتساهل، تركها مثلاً في بيته ولم ينفق عليها، فأخذت تتكفف الناس وتسأل من آل فلان أو فلان، أو عرف حالتها بعض جيرانها أو بعض أهلها فأعطاها ما يسد خلتها مدة شهر أو أشهر، فلها أن تطالب زوجها فتقول: أنت تركت الإنفاق علي هذا الشهر أو هذه السنة، إما لكونك غائباً، وإما لكونك حاضراً ولكنك متساهل، وأنا أنفقت على نفسي من مالي، أو أنفق علي أبي، أو تصدق علي جيراني أو أقاربي، فالآن أطالبك بنفقة هذا الشهر ولو كان قد مضى، ولو عدة أشهر، ولو عدة سنوات.
فللزوجة مطالبته بنفقة ما مضى، وإذا لم ينفق بقيت النفقة ديناً في ذمته، فإن أسقطت ذلك عنه وإلا ألزم بغرامته؛ لأن النفقة على الزوجة معاوضة كما ذكرنا.
(72/20)
________________________________________
إذا غاب الزوج وأنفقت من ماله حال غيبته ثم تبين أنه قد مات
إذا غاب وأنفقت من ماله في غيبته فبان ميتاً رجع عليها وارث، وذلك لأنها تستحق النفقة في حياته مقابل ما بذلت له نفسها، فغاب مثلاً شهراً أو سنة وهي في بيته تنفق على نفسها من ماله، ثم تبين أنه مات قبل سنة أو قبل ثمانية أشهر، إذا لم يتسامح معها الورثة طالبوها بنفقة ما مضى، ولا يطالبونها بالنفقة على أولاده؛ لأن لهم حقاً، ويمكن أيضاً أن يسقطوا ما أنفقته على نفسها أو على أولادها من إرثهم.
وقد يقولون: أنتِ لك حق في التركة، وهو الثمن، وأولادك لهم حق في التركة، ونحن الأولاد الكبار لنا حق، فعلينا أن نطالبك بما أخذت، ثم نقتسمها، فيطالبونها مثلاً وترد عليهم خمسة آلاف أو عشرة آلاف مثلاً يجعلونها في التركة ويقسمونها، ثم يعطونها نصيبها من التركة، فيعطون كل واحد من أطفالها نصيبه أو يعطونه لوليهم؛ وذلك لأنه بعد موته ينتقل المال إلى الورثة.
(72/21)
________________________________________
إذا سلمت المرأة نفسها لزوجها وجبت نفقتها
يقول: (ومن تسلم من يلزمه تسلمها، أو بذلته هي أو وليها، وجبت نفقتها ولو مع صغره ومرضه وعنته وجبه) .
إذا عقد الرجل على امرأة، ولما تم العقد قالت له: خذني إليك، أنا بذلت لك نفسي، وليس عنده مانع لكنه لم يتسلمها، بل تركها شهراً أو سنة وهي تبذل نفسها، ففي هذه الحال إذا طالبته بنفقة السنة لزمه أن يدفعها، وكذلك لو لم يستلمها لزمه أن ينفق عليها.
هي تقول: خذني إليك، أنا قد أعددت نفسي، ليس هناك مانع.
وهو يقول: لم أتأهب ولم أستعد.
في هذه الحال يلزمه نفقتها ولو كانت عند أهلها؛ لأنها استعدت لبذل نفسها ولتسليم نفسها له.
وكذلك إذا تسلم من يلزمه تسلمها ابتدأت النفقة، بذلت نفسها وقالت: خذني.
فيلزمه النفقة ولو لم يأخذها، أو بذلها له أبوها أو أخوها الذي هو الولي، يقولون له: خذ امرأتك، لا عذر لك، قد عقدت عليها وأصبحت في ذمتك، فخذ زوجتك.
لكنه يعتذر بأنه غير مستعد أو لم يتأهب، فيطالبونه فيقولون: زوجتك قد بذلت نفسها، فخذها وأعطنا نفقتها، أنفق عليها ولو كانت عندنا؛ لأنها بذلت لك نفسها؛ فتجب عليه نفقتها ولو كانت عند أهلها.
لو كان صغيراً وعُقد له على امرأة، وطلب أهل المرأة أن يأخذها وهي ممن يوطأ مثلها كابنة تسع، وهو يمكن أن يطأ كابن عشر، ففي هذه الحال أيضاً تلزمه نفقتها، أو يلزم وليه أن يعطيها.
لو كان الزوج مريضاً وبذلت نفسها أو بذلها وليها وجبت نفقتها، وكذا لو كان عنيناً أو مجبوباً، العنين: هو الذي لا ينتشر ذكره، ولا يكون له شهوة، ولكنه عقد على امرأة، ومع ذلك بذلت له نفسها، وكذلك المجبوب -الذي هو مقطوع الذكر- إذا عُقد له على امرأة يلزمه أن ينفق عليها إذا بذلت له نفسها.
(72/22)
________________________________________
إذا منعت المرأة نفسها قبل الدخول لأجل المهر وجبت نفقتها
يقول: (ولها منع نفسها قبل دخولٍ لقبض مهرٍ حال ومع ذلك لها النفقة) .
فإذا جاءها وقال: اذهبي معي.
فقالت: أنا مستعدة أن أذهب، ولكن أعطني بقية المهر، بقي عندك ألف أو عشرون ألفاً، فلا أذهب معك إلا بعد أن تعطيني بقية الصداق الذي هو حال غير مؤجل، فهل يحق لها هذا الامتناع؟ يحق لها؛ لأنها منعت نفسها بحق؛ ولأن هذا شيء يفوت؛ ولأن الاستمتاع بها لا يمكن تعويضه، ففي هذه الحال يلزمه أن يعطيها صداقها، وإذا لم يعطها فلها أن تمتنع.
فإذا امتنعت وبقيت عند أهلها، امتناع بحق، وفي هذه الحال هل لها نفقة؟ نعم، لها نفقة؛ لأن امتناعها بحق.
لو قال: كيف أنفق عليها ولم أتسلمها؟ كيف أنفق عليها ولم أتمكن من الاستمتاع بها؟ فنقول: إنك أنت الذي أخللت بالشرط، وهو إعطاؤها حقها، أعطها صداقها كاملاً؛ لأن هذا هو الذي عقد لك عليها بموجبه، فنحن نطالبك بالنفقة، ونطالبك بالصداق، فإذا دفعت الصداق سلمنا لك المرأة.
(72/23)
________________________________________
الحالات التي يجوز للمرأة فيها طلب الفسخ
متى يجوز لها طلب الفسخ؟ في حالات: الحالة الأولى: إذا كان معسراً لا يقدر على نفقة المعسرين، وقد تقدم أن المعسر إنما عليه من أرخص الأطعمة، وتعرفون أن الفقراء يشترون أرخص الخبز؛ لأن قصدهم بذلك سد الجوع، ولا يشترون اللحوم ولا الفواكه وما أشبه ذلك، ولا يشترون الأشربة التي يتفكهون بها، إنما يشترون شيئاً يسدون به جوعهم، فإذا قدر أن هذا الرجل لا يقدر حتى على شراء القوت الضروري الذي هو من يابس الخبز، فهل تصبر على هذا الجوع؟ في هذه الحال أعسر بنفقة المعسرين، فلها أن تطلب الفسخ، فتذهب إلى الحاكم وتقول: لا أصبر عليه، ليس عنده ما يقوتني، أموت جوعاً! ثانياً: كذلك لو كان لا يجد القوت إلا يوماً وراء يوم، في هذه الحال أيضاً لها طلب الفسخ، يشتغل وشغله إنما يحصل به قوت يوم، والثاني لا يحصله، أو يحصل قوت نفس اليوم، ففي هذه الحال إذا أعسر ببعضها فلها طلب الفسخ.
لكن إذا أعسر بشيء في ذمته لها بعد أن سلمت نفسها ففي هذه الحال لا تطلب الفسخ، وذلك إذا قالت: خذني، ولو كان الصداق لم تسلمه لي، فسلمت نفسها وذهبت معه، والصداق دين في ذمته مع أنه دين حال، وبعدما مضى عليها شهر أو سنة طالبته بالصداق، فقالت: أعطني الصداق وإلا ذهبت إلى أهلي، هل لها ذلك؟ ليس لها ذلك؛ لأنها طاوعت بتسليم نفسها، فيبقى صداقها في ذمته إلى أن يجده: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7] .
ثالثاً: إذا غاب، وتعذرت عليها النفقة بالاستدانة ونحوها، كأن غاب غيبة طويلة ولم يرسل لها نفقة، عجز عن إرسال النفقة، ولم تقدر على أن تستدين في ذمته، ولم يكن له أقارب ينفقون عليها، فهل تصبر على الجوع؟ ليس عليها ذلك، ولها أن تطلب الفسخ، وكذلك إذا أعسر بالكسوة، أو غاب وتعذرت الكسوة وقتها، ولم تجد من يكسوها، ولم يكن عندها أهل له ولا أقارب يكسونها.
(72/24)
________________________________________
كيفية الفسخ
كيفية الفسخ: أن ترفع إلى الحاكم، والحاكم -قاضي البلد- ينظر في المسألة، فإذا اتضح له أنه ليس لها أحد ينفق عليها، وأن زوجها لم يترك لها نفقة، وأنه عاجز عن النفقة، أو أن زوجها غائب ولا يدرى متى يقدم، ولم يرسل لها، ولم يكن له أقارب ينفقون عليها وعلى أولاده، فالحاكم يخول في أن يفسخ، فيقول: بناءً على غيبة فلان، وتعذر إنفاق زوجته من ماله، وبناءً على الضرر الذي يلحقها حكمت بفسخ نكاحه منها، وأن لها بعد العدة أن تتزوج من شاءت.
ففي هذه الحال له ذلك.
وإذا فسخ فهل عليها عدة؟ عليها الاستبراء، إذا حاضت حيضة ولو كان معلوماً أنه قد طال غيبته، فبعد حيضة واحدة لها أن تتزوج.
إذا غاب زوجها واستدانت في ذمتها للنفقة عليها وعلى أولادها الأطفال، ثم رجع الزوج، ففي هذه الحال تطالبه بوفاء هذا الدين، وتقول: علي لفلان مائة أنفقتها علي وعلى أولادي، وعلي لفلان مائتان، وعلي لفلان ألف؛ بسبب أنك ما تركت لنا نفقة، فنحن اضطررنا إلى الاستدانة، لها ذلك، ولها أن تطالبه بالتعويض، فيوفي الديون التي عليها.
انتهى ما يتعلق بالنفقة على الزوجة.
(72/25)
________________________________________
شرح أخصر المختصرات [73]
شرع الله التوارث بين الأقارب، فيرث الأخ أخاه ويرث أباه وابنه وهكذا، وكما يرث القريب قريبه فيغنم تركته، فكذلك عليه أن يشارك في الإنفاق عليه إذا افتقر، وذلك بشروط وأحكام فصلها الفقهاء وبينوها، وكل ذلك مما ينبغي على كل مسلم معرفته.
(73/1)
________________________________________
الأقارب الذين تجب النفقة عليهم
قال المصنف رحمه الله: [فصل: وتجب عليه بمعروف لكل من أبويه وإن علوا، وولده وإن سفل، ولو حجبه معسر.
ولكل من يرثه بفرض أو تعصيب لا برحم، سوى عمودي نسبه، مع فقر من تجب عليه وعجزه عن كسب، إذا كانت فاضلة عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومه وليلته كفطرة، لا من رأس مال وثمن ملك وآلة صنعة] .
(73/2)
________________________________________
الأصول الذين تجب عليهم النفقة
هذا الفصل يتعلق بالنفقة على الأقارب.
والأقارب هم الأصول والفروع والحواشي وذوو الأرحام، ولا يدخل فيهم الأقارب من الرضاع.
فأما الذين تلزمه نفقتهم فأصوله وفروعه، سواء كانوا وارثين أو غير وارثين، وذلك إذا افتقروا واستغنى، ومنهم الأبوان، فحق على ولدهما أن ينفق عليهما، وإذا كان لهم عدة أولاد وزعت النفقة على الأولاد، إلا إذا كانوا فقراء استقل بها من كان غنياً.
إذا كان أبواه بحاجة إلى النفقة الضرورية -النفقة بالمعروف- فينفق عليهما، ولا يقول: إن أولادكم كثير؛ لأنهم قد يقولون: أولادنا فقراء مثلنا، فنحن بحاجة، أنفق علينا.
لا شك أن هذا من حق الوالدين، والله تعالى أمر بالإحسان إليهما: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة:83] فهل من الإحسان أن يتركهما جائعين؟! لا شك أن إنفاقه عليهما يعتبر من الإحسان.
كذلك الأجداد والجدات لهم حق الولادة، فإذا كان جدك موجوداً وأبوك موجوداً، ولكن أبوك فقير وأنت غني، فعليك أن تنفق على جدك كما تنفق على أبيك، وكذلك الجدات سواء من قبل الأب أو من قبل الأم وكذا الجد أبو الأم، ولو كان من ذوي الأرحام، والجدة أم الأم ولو كانت من ذوي الأرحام، فتجب عليك نفقتهم إذا كنت قادراً وكانوا محتاجين.
وإذا كان أولادهم موجودين فالنفقة على الأولاد لا على أولاد الأولاد، إذا كان مثلاً جدك فقيراً، وأبوك غنياً، وكنت أنت غنياً، من الذي ينفق على جدك؟ ينفق عليه ولده لأنه أقرب؛ ولأنه هو الذي يرثه، فينفق عليه ولده، ولا يقول: أنفق علي يا ولد الولد.
أنت تقول: هناك من هو مثلي في الغنى، وأقرب لك مني.
فينفق عليه ولده، فإن كان ولده فقيراً وأولاده كلهم فقراء طالب ولد الولد.
فالحاصل: أنه تجب عليه النفقة بالمعروف -يعني: بالمعتاد- لا إسراف ولا تقتير، وينفق على أبويه نفقة كفاف، فليس لهما أن يطالباه بالتوسع، فلا يقولان له: أنت في سعة، وأنت في ثروة، وعندك أموال طائلة، فنريد أن توسع علينا، نريد أن تسكننا في مساكن عالية، ونريد أن تفرش المساكن بفرش عالية، ونريد أن ترفهنا بالأمتعة الحسنة، ونريد أن تشتري لنا الكسوة الغالية، وأن تعطينا من أنواع اللحوم والفواكه والخضار وما أشبه ذلك، ليس لهما مطالبتك إلا بالنفقة بالمعروف، أي: النفقة المعتادة ليست الزائدة، هذه نفقة أبويه، جده أبو أبيه، وجده أبو أمه، وكذلك أجداده وإن بعدوا، أمه، وجدته أم الأم، أو أم الأب، وجدتها، وجدة أبيه، وإن علت الجدات، كل هؤلاء يسمون أصولاً، يلزمه أن ينفق عليهم إذا لم يكن هناك أقرب منه.
(73/3)
________________________________________
الفروع الذين تجب عليهم النفقة
ثانياً: الفروع.
الفروع: هم الأولاد ذكوراً وإناثاً، وأولاد الأولاد، وأولاد أولاد الأولاد ذكوراً وإناثاً، ولو كانوا أجانب، إذا افتقروا ولم يكن لهم من ينفق عليهم فإنه ينفق عليهم، فمثلاً: بنت بنتك قد تكون أجنبية، أبوها الذي هو زوج بنتك فقير، وأمها التي هي بنتك فقيرة، وأنت غني، فعليك أن تعطيها نفقة الفقراء، أي: تعطيها كفافاً تنفق عليها بالمعروف.
كذلك ابن بنتك أجنبي، إذا افتقر وكان أبوه وأمه وأقاربه الذين يرثونه فقراء فعليك نفقته، وبطريق الأولى ابن ابنك وبنت ابنك الذين ينتسبون إليك، ولو كانوا بعيداً، ولو كان ابن ابن ابن ابن، أو كذلك بنت ابن ابن ابن، أو بنت بنت بنت ابن، أو بنت بنت بنت بنت، يعني: الفروع كلهم وإن كثروا يسمون فروعاً لك، بمنزلة فروع الشجرة، فأنت تعرف مثلاً أن ساق الشجرة له فروع، فهؤلاء الفروع هم أولادك ذكوراً وإناثاً، وأولادهم، وأولاد أولادهم، وساق الشجرة لها عروق ممتدة في الأرض، هؤلاء هم أصولك الذين هم آباؤك وأجدادك ذكوراً وإناثاً، فمثل هؤلاء تلزم نفقتهم على من كان غنياً.
قد تقول مثلاً: أنا لا أرث من ابن ابني، إذا مات فإنه يرثه ابني الذي هو أبوه المباشر، وأنا جده، فكيف أنفق عليه وأنا لا أرث منه، وأنا محجوب بمن هو أقرب مني؟
الجواب
إن الذي حجبك فقير، صحيح أنه أقرب إليه، وأنت جده، وأبوه موجود، ولكن أباه فقير وهو فقير.
وكذلك أيضاً الأصول: إذا كان جدُك فقيراً وأبوك أيضاً فقيراً، لو مات جدك لم ترث منه، وميراثه لأبيك، يحجبك أبوك، وإنما أنت الغني، وأبوك فقير وجدك فقير، وابنك فقير، وابن ابنك فقير، فتنفق على جدك مع أنك محجوب، وتنفق على ابن ابنك مع أنك محجوب، حجبك معسر.
هذا بالنسبة إلى الأبوين والفروع، يعني: الأصول والفروع.
(73/4)
________________________________________
الحواشي الذين لهم الحق في النفقة
أما الحواشي فهم: الإخوة وبنوهم، والأخوات، والأعمام وبنوهم، هؤلاء الحواشي: أعمام الأب، أعمام الجد، أبناء العم وما أشبههم، هؤلاء -أيضاً- يعتبرون من الأقارب، لهم حق عليك، الدليل قوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء:26] وقول الله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى} [البقرة:83] فلهم حق عليك: حق الصلة، وحق القرابة، وحق الهدية، والزيارة والاستزارة والإكرام والاحترام والبر ونحو ذلك.
لكن بالنسبة إلى النفقة: متى تجب عليك نفقة أقاربك كإخوتك وأخواتك وأعمامك وبنوهم؟ تجب على من ترثه بفرض أو بتعصيب، إذا كنت ترث هذا الإنسان الفقير لو مات، فإنه عليك نفقته إذا افتقر، فإذا كنت لا ترثه فليس عليك نفقته ولو كان فقيراً، ولو كان الذي حجبه فقيراً، وإذا كان لك أخوان من الأب، وهما شقيقان، وهما فقيران، فأنت لا ترث واحداً منهما، إذا مات هذا ورثه أخوه الشقيق، وأنت لا ترث منه، فلا تجب عليك نفقة واحد منهما؛ وذلك لأنه لا يحصل التوارث، فلو مات واحد منهما فإنك ترث الآخر، فعليك نفقته؛ لأنك أصبحت وارثاً، والذي حجبك قد توفي.
(73/5)
________________________________________
شروط وجوب النفقة على الأقارب
فالحاصل أن النفقة على ذوي القرابة إنما تجب إذا كان وارثاً، استدلوا بقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة:233] ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233] (على الوارث مثل ذلك) أي: مثل ما على المولود له، الذي عليه النفقة.
الذي ترثه مثلاً بالفرض كالأخ من الأم، إذا افتقر وأنت من جملة الذين يرثونه، فإنك تنفق عليه، فإنه إذا مات لا ترث منه إلا السدس، ولكن أنت من جملة الورثة، فإن كان له أولاد ذكور أو إناث حجبوك، فلا يلزمك أن تنفق عليه؛ لأنك لست بوارث.
وكذلك مثلاً: الأم ترث ولدها، ولا ترث منه إلا السدس إذا كان له أولاد، أو له جمع من الإخوة، فإذا افتقر ولدها أنفقت عليه؛ وذلك لأنها ترثه لأنه من الفروع؛ ولأنها أحد الأبوين.
أما بالنسبة إلى الذين يرثون بفرض فكالأخت، فإنها إذا مات أخوها ترث منه النصف فرضاً، فإذا افتقر أخوها وهي غنية فعليها أن تنفق عليه؛ لأنها من جملة ورثته.
وإذا كانت لا ترث منه إلا شيئاً يسيراً، كأن كان له بنتان ترثان الثلثين، وله زوجة، وله أم، وله أخت شقيقة غنية، هو فقير، وبنتاه كذلك، وأمه فقيرة، وزوجته فقيرة، وأخته غنية، أخته ترث منه بالتعصيب، ولكن إنما ترث واحداً من أربعة وعشرين سهماً، في هذه الحال عليها أن تنفق عليه إذا افتقر، ولو كانت لا ترث منه إلا شيئاً يسيراً.
فالحاصل: أن كل من ترث منه بفرض أو تعصيب إذا افتقر من أقاربك كإخوة وأخوات وعم وأعمام وبني عم وبني أخ وبنات أخ ونحو ذلك، فإنك تنفق عليهم؛ لأنك من جملة الورثة.
أما إذا كنت ترثه بالرحم فالميراث بالرحم فيه خلاف، فلذلك لا يلزمك الإنفاق عليه، كالخال وابن الأخت، فإذا افتقر ابن أختك وأنت خاله لم تلزمك النفقة عليه؛ لأن الميراث ليس متفقاً عليه، وكذلك إذا افتقر خالك أو خالتك أو ابن خالك لا يلزمك النفقة عليهم؛ لأنك لا ترثهم.
أما عمودي النسب الأصول والفروع فإنهم بلا شك يتوارثون، والنفقة تجب عليك ولو كنت غير وارث، كأن كنت محجوباً بمن هو أقرب منك، فيستثنى عمودا النسب.
الشرط: أن يكون ذلك الذي تنفق عليه فقيراً، أي: ليس عنده القوت الضروري.
وشرط آخر: عجزه عن التكسب، فإذا كان ابن عمك الذي ترثه قوياً، وصحيح البدن، وعاقلاً، وفارغاً، تأمره وتقول: تكسب، اشتغل يا ابن عمي، لا تكن عالة علي وعلى الناس، أنت تقدر على أن تشتغل وتتكسب وتحترف، فالحرف كثيرة، فهذا لا تجب النفقة عليه، أما إذا كان عاجزاً لمرض أو عاهة أو إعاقة أو كبر سن، ففي هذه الحال تجب نفقته على أقاربه الذين هم أغنياء وبينهم توارث.
متى تجب عليك نفقتهم؟ إذا فضل عن قوتك ما يقوتهم، أي: إذا كانت نفقتهم فاضلة عن قوت نفسك، وعن قوت زوجتك ورقيقك المملوك يومك وليلتك، قياساً على زكاة الفطر، وقد تقدم في زكاة الفطر أنك تبدأ بنفسك، ثم بعد ذلك بزوجتك، ثم برقيقك، ثم بعد ذلك بأبويك وأولادك، ثم بعد ذلك بأقاربك الذين هم فقراء كإخوة وأخوات وأعمام وعمات ونحوهم، فيكون ترتيبهم في هذا على ترتيب الميراث.
إذا قلت مثلاً: أنا ما عندي إلا قوت إنسان زائد على قوتي وقوت عيالي، فمن أعطيه؟ ف
الجواب
تعطيه الوالدة، فإن كان عندك قوت اثنين زائداً على قوت نفسك، وعلى قوت من تحت يدك من أولادك ونحوهم أعطيته الأبوين، إذا كان عندك قوت ثلاثة فأعطه أخاك الشقيق أو أختك، وهكذا كالفطرة.
إذا لم يكن عندك شيء زائد إلا رأس مالك الذي تتجر به، كأن تقول: رأس مالي ألف، أشتري به كل يوم بضاعة وأبيعها وأربح فيها ثلاثين ريالاً، أقوت بها نفسي وأولادي، فهل نلزمك أن تعطيه من الألف الذي هو رأس مالك الذي تتجر به؟ لا يلزمك؛ لأنه إذا نزعنا منه كل يوم ثلاثين، بقيت بدون رأس مال، فحينئذ تتضرر، ويتضرر من تحت يدك؛ لأنك تتجر في هذا المقدار من المال، فلا يؤخذ من رأس المال.
إذا لم يكن عندك إلا بيتك فهل يلزمك نفقة أقاربك؛ فيقولون: بع البيت وأنفق علينا، فإننا بحاجة؟ أو عندك سيارتك التي تتنقل عليها، فهل يلزمك الشرع أن تبيع سيارتك وتنفق على أعمامك، وعلى أولاد أعمامك، وعلى أجدادك، وعلى أولاد بناتك؟ لا يلزمونك بذلك؛ لأن في هذا ضرراً عليك.
فإذا لم يكن عندك إلا آلة الصنعة فلا يلزمك أن تبيعها لأنك تعمل بها، فمثلاً: الحداد عنده آلة الحدادة، لا يلزمه أن يبيعها، النجار عنده آلة النجارة، والحلاق عنده آلة الحلاقة، والحجام عنده آلة الحجامة، والبناء عنده آلة البناء وأشباه ذلك، فلا يلزمه القاضي أن يبيع آلة صنعته لأجل الإنفاق على أقاربه، بل يكون فقيراً كما أن أولئك الذين معه يعتبرون فقراء.
(73/6)
________________________________________