الكتاب: الشرح الميسر لزاد المستقنع - كتاب الطهارة
المؤلف: أبو عبد الله، أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي
مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشيخ الحازمي http://alhazme.net
[ الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - 16 درسا]
يسخن به الماء فإن وجد تعين عليه استعماله، (أو حبس في مِصرٍ) في مصرٍ أو في مصرَ؟ مصرٍ أو مصرَ؟ مصرٍ؛ لماذا؟ لأنه ليس علم وإنما المراد به بلد نعم لو قلت أو حبس في مصرَ يعني في بلد مصر وإن حبس في غيره الحكم يختلف (أو حبس في مصرٍ) يعني في بلد فلم يصل الماء إليه حبس الشخص في مصر يعني في بلد والمصر واحد الأمصار يعني حبس الماء عنه (حبس في مصر) هو الذي حبس عن الماء أو حبس الماء عنه هذا أو ذاك - حينئذٍ - يتيمم ولا إعادة عليه؛ لماذا؟ لأن الطهارة شرط من شروط صحت الصلاة وهو هنا لم يتمكن من الأصل وهو الماء - حينئذٍ - سقط عنه وعدل إلى البدل وهو التيمم (فاتقوا الله ما استطعتم) (أو حبس في مصر) فلم يصل الماء تيمم - حينئذٍ - وأجزأه ولا إعادة عليه أو حبس عنه الماء فتيمم أجزأه يعني هذه الأسباب الثلاثة (أو عدم الماء والتراب) عرفنا لآن إذا حبس عن الماء أو حبس عنه الماء تيمم؛ لماذا؟ لأنه يصدق عليه أنه غير واجد للماء (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا لم يجد الماء سواء حبس عنه أو حبس هو عن الماء - حينئذٍ - انتقل إلى التيمم (أو عدم الماء والتراب) وهذا ما يسمى بفاقد الطهورين يعني لا يوجد عنده ماء وكذلك حبس عن التراب ليس عنده تراب يعني محبوس في سجن مكتوف اليدين ماذا يصنع؟ يدخل وقت الصلاة ويخرج هذا لا تراب ولا ماء ماذا يصنع؟ نقول صلى بحاله ويسقط عنه الطهارتان طهارة الماء وكذلك طهارة التراب؛ لماذا؟ لأنه عاجز ولا واجب مع العجز لقوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) ولقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وهذا عاجز عن التراب والماء - حينئذٍ - صلى ولا إعادة عليه على الصحيح يصلي وبعضهم يرى أنه لا يصلي بل يستحب له الصلاة والصحيح أنه يصلي والصلاة واجبة عليه لأن قوله (أقيموا الصلاة) باقي من حيث دلالته فكل مكلف فهو مخاطب بهذا النص (أقيموا الصلاة) - حينئذٍ - يتعين عليه أن يصلي بماء أو ببدله وهو التراب فإن عجز عن أحدهما أو عنهما سقط ذلك الشرط وبقي الأصل وهو الوجوب وجوب فعل الصلاة واضح - حينئذٍ - نقول واجبة على الصحيح وهو مخاطب بها ولو كان عاجز عن استعمال الماء وكذلك عاجز عن البدل وهو التراب فالوجوب باقي وإنما سقط تحقيق الشرط لأن وجوب الصلاة حكم ووجوب وإحدى الطهارتين حكم آخر فإذا سقط الثاني أو عجز عنه لا يلزم منه أن يستصحب سقوط الأول إذاً وجوب الصلاة حكم مستقل وكذلك وجوب الطهارة بالماء أو التراب حكم مستقل فعجز عن الثاني فلا يلزم منه إسقاط الأول (أو عدم الماء أو التراب) كمن حبس في محل لا ماء به ولا تراب وكذا منه به قروح لا يستطيع معها لمس البشرة بماء ولا تراب يعني بعضهم قد يصيبه حروق في وجهه ويديه ويعجز عن استعمال الماء والتراب - حينئذٍ - نقول صلي بحالك وتكون الطهارتان ساقطتين ووجوب الصلاة لا يسقط بعجزك عن استعمال الماء أو عجزك عن استعمال التراب (صلى ولم يعد) يعني في المسائل كلها السابقة أو خاف برد وما قبله أو حبس في مصر فتيمم - حينئذٍ - (صلى ولم يعد) (صلى) الشارح قيدها وهو المذهب صلى الفرض فقط ولا يصلي نوافل، نعم صلى الفرض فقط دون النوافل على حسب حاله لأن الطهارة الشرط فلم
(12/7)
________________________________________
تؤخر الصلاة عند عدمه كالسترة لكن قوله دون النوافل نقول هذا محل نظر متى ما جاز له أن يتيمم صلى به فرضاً ونوافل وفعل به ما شاء من النوافل يعني له أن يصلي وله أن يقرأ وله أن يطوف إلى آخره فالأصل في التيمم من حيث ما يتيمم له من صلاة ونحوها الأصل فيه حكمه حكم الوضوء - حينئذٍ - لا فرق بين فرض ولا نوافل فالتقيد هذا محل نظر (ولم يعد) لأنه أتى بما أمر به فخرج عن عهدته بالنص الذي ذكرناه سابقاً، ثم قال رحمه الله تعالى (ويجب التيمم بتراب غير محترق له غبار) هذه صفة التراب الذي يتيمم به سبق معنا أن قوله تعالى (فتيمموا صعيداً) أن الصعيد اسم لكل ما علا من الأرض وهذا قول جماهير أهل اللغة ولا يعرف الخلاف إلا عن الفراء لأنه خصه بالتراب - حينئذٍ - قوله (فتيمموا صعيداً) كل ما على وجه الأرض يتيمم به سواء كان تراباً أو كان رملاً أو كان شجراً أو كان حجراً أو كان أرضاً ولو وضع عليها الفراش ونحوه أو جدار بل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تيمم على جدار - حينئذٍ - كل ما كان على وجه الأرض فهو محل للتيمم دون شرط أو قيد إلا أن يقال بأنه أن لا يكون نجساً فإن كان نجساً بأن يكون خلطه بول أو نجاسة - حينئذٍ - يمنع منه للأصل العام هنا قال (ويجب التيمم بتراب) تراب التراب معروف وجمعها أتربة وتربان خرج به ما عداه ولذلك قال الشارح [فلا يجوز التيمم برمل وجص ونحيت الحجارة ونحوها] ما الدليل؟ قال حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (جعلت لنا الأرض كلها مسجداً وطهوراً وتربتها) وفي رواية أخرى (تربتها طهوراً) قالوا تربتها والأرض هذا مطلق وهذا مقيد إذاً (جعلت لنا الأرض) المراد به التراب وليس المراد به كل ما على وجه الأرض لأنه جاء مقيداً - حينئذٍ - يجعل هذا النص مفسراً لقوله (فتيمموا صعيداً) الصعيد نعم محتمل أنه بكل ما على وجه الأرض لكن جاء هذا النص - حينئذٍ - يعتبر مقيداً لذلك المنطوق العام فالأرض هذه اسم جنس واسم الجنس إذا دخلت عليه أل أفاد العموم فالأرض يصدق على التراب ويصدق على الجبال ويصدق على الأشجار لأنها متصلة بها وكذلك يصدق على الحجارة ونحوها - حينئذٍ - جاء النص بقوله (وتربتها طهوراً) قالوا هذا تقيد لهذا النص واضح هذا - حينئذٍ - يجعل هذا النص النبوي موضحاً ومفسراً ومقيداً لقوله (فتيمموا صعيداً) والصحيح أن يقال بأن قوله (تربتها) مفهومه أن غير التربة لا يتيمم به هذا المفهوم لكنه مفهوم لقب
{أضعفها اللقب وهو ما أبي ... من دونه نظم الكلام العرب}
(12/8)
________________________________________
- حينئذٍ - مفهوم اللقب عند جماهير الأصوليين غير معتبر فلا مفهوم له فقوله تربتها هنا علق الحكم على اسم جنس جامد وإذا علق الحكم على اسم جنس جامد ولو كان له مفهوم فهو غير معتبر - حينئذٍ - لا يعتبر مقيداً للنص العام فلا مفهوم له فلا يعتبر أن له مفهوماً - حينئذٍ - يبقى النص على إطلاقه (وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً) كلها والأرض هذه اسم جنس دخلت عليها أل فتعم إذاً وافق هذا النص مدلول قوله تعالى (فتيمموا صعيداً طيباً) إذاً الصحيح أن قوله (ويجب التيمم بتراب) دون غيره مما على وجه الأرض أنه قول ضعيف وأن احتجاجهم بالرواية الواردة (تربتها) أنه احتجاج ضعيف لأنه احتجاج بمفهوم اللقب وهو ضعيف
(12/9)
________________________________________
{أضعفها اللقب} يعني أضعف المفاهيم اللقب ونص على ذلك جماهير الأصوليين {أضعفها اللقب} - فحينئذٍ - لا يعتبر وهذا من مفهوم اللقب فإن قيل الأرض عام والتربة أحد أفرادها - حينئذٍ - نقول نجيب لو قيل أنه ليس من مفهوم اللقب الأرض عام والتربة أحد أفراد العام نقول علق الحكم على فرد من أفراد العام بحكم لا يخالف معلق على العام فلا يعتبر مخصصاً كما لو قال أكرم الطلاب وأكرم زيداً ما هو الحكم؟ أكرم في الموضعين؛ ما هو المحكوم عليه؟ الطلاب وزيداً - حينئذٍ - الطلاب لفظ عام دخل فيه زيد أو لا وزيد من الطلاب؟ دخل فيه زيد إذا قال أكرم الطلاب صدق على كل الطلاب؛ أكرم زيداً هو واحد منهم؛ هل يعتبر هذا النص أكرم زيداً مخرج لزيد من الطلاب أم أنه مؤكد؟ مخرج؟ لا يخرجه إذاً هو مؤكد؛ لماذا؟ لأن الحكم واحد أكرم أكرم لكن لو قال أكرم الطلاب وأهن زيداً أو لا تكرم زيداً؛ مخصص أو لا؟ مخصص؛ لماذا؟ لكونه رتب على الفرد الخاص حكم يخالف الحكم الذي رتب على اللفظ العام فهو مخصص وأما إذا اتحدا في الحكم - الحكم واحد - وجاء نص بإثبات ما أثبته للحكم العام بأحد آحاد العام لا يعتبر مخصصاً (تربتها طهوراً) تربة أحد أفراد الأرض نقول نعم ما نص عليه الشارع أولى بالاعتبار فلو وجد أمامك تراب وغير تراب - حينئذٍ - نقول لك لا تعدل عن التراب إلى غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على التراب ففيه خروج من الخلاف أولاً وثانياً فيه أن التراب أولى من غيره إن وجد التراب وغيره؛ لماذا؟ لأن الشارع لا ينص على فرد إلا للاهتمام به لكن لا يلزم ذلك التخصيص إذاً (ويجب التيمم بتراب) قال ابن منذر [أجمع أهل العلم أن التيمم بالتراب ذي الغبار جائز إلا من شذ منهم] وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى [أجمع العلماء على أن التيمم بالتراب جائز واختلفوا فيما عداه من الأرض] والصواب أنه يجوز التيمم به (طهور) قاسوا التراب على الماء وسبق أن الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام طهور وطاهر ونجس هنا التراب قالوا كذلك طهور وطاهر ونجس فقوله (طهور) يعني لا طاهر ولا نجس - حينئذٍ - التيمم بتراب نجس لا يصح التيمم به وهذا واضح بين وذلك فيما لو وجد بولاً على تراب لا يتيمم به لو لم يوجد إلا هذا النوع من التراب وهو نجس - حينئذٍ - نقول هذا فاقد للطهورين يصلي ولا إعادة عليه أما إذا لم يجد إلا هذا النوع - حينئذٍ - نقول لا يجوز له أن يتيمم فوجود هذا التراب كعدمه وجوده وعدمه سواء - حينئذٍ - يصلي مباشرة ولا يتيمم بهذا النوع الطاهر قالوا التراب الطهور إن خالطه ذو غبار لا يجوز التيمم به يعني لو وجد تراب واختلط به شيء من الإسمنت مثلاً قالوا هذا تراب الأصل فيه أنه طهور خالطه شيء طاهر إن غيره - حينئذٍ - انتقل من كونه طهوراً إلى طاهر فصار التراب ماذا؟ صار طاهراً قالوا لا يوصف بكونه طهور لماذا؟ قياساً على الماء كما أن الماء إذا خالطه كما سبق معنا وإن تغير بشيء طبخ فيه أو ساقط فيه أو نحو ذلك - حينئذٍ - حكم على الماء بكونه طاهر غير مطهر الشأن في التراب كالشأن في الماء إذا وقع في شيء طاهر كالإسمنت والجص ونحوها - حينئذٍ - قالوا إن اختلط به وكان التغير كبير صار طاهراً غير مطهر كذلك لو
(12/10)
________________________________________
استعمال تيمم به وتساقط التراب من وجهه ويديه قالوا هذا المستعمل كالماء المستعمل هناك - حينئذٍ - يكون طاهراً غير مطهر فلا يستعمل هذا النوع في هذا النوع - حينئذٍ - نقول هذا يحتاج إلى دليل وقياس التراب على الماء قياس مع الفراق والأصل عدمه والصحيح أنه ليس عندنا إلا طهور ويقابله النجس وهذا أمر واضح بين، إذاً (طهور) فلا يجوز بتراب تيمم به لأنه صار ماذا؟ صار مستعملاً كالماء المستعمل أو خالطه غيره كالنَورة فكما إن خالطه طاهر لزوال طهوريته باستعماله والصحيح أنه لا وجود لهذا النوع ألبته وإنما هو من صنع الفقهاء (غير محترق) قال في الشرح [ويعتبر أيضاً أن يكون مباحاً فلا يصح التيمم بتراب مغصوب] هذا صحيح ثابت كما أن الماء المغصوب لا يصح الوضوء به كذلك التراب المغصوب أو المسروق لو وجد تراب في مثل هذه العلبة وسرقها هل له أن يتيمم؟ لا يصح لو تيمم لا يصح تيممه؛ لماذا؟ لأن الشرع إذا أمر بشيء أمر بشيء مباح ولا يتناول هذا (فتيمموا صعيداً طيباً) (صعيداً طيباً) (طيباً) هذا دليل على أن النجس لا يتيمم به لأن الطيب المراد به الطاهر وصعيداً المراد به كل ما على وجه الأرض لا يأذن الشارع بتوجه العبد باستعمال شيء محرم عليه واضح هذا كل أمر في الشريعة قاعدة عامة كل أمر في الشريعة إنما المراد به امتثال ما أذن به الشارع بفعله وأما ما حرم الشارع فعله هذا لا يمكن أن يدخل في النص (أقيموا الصلاة) الصلاة مأمور بها الصلاة بماذا؟ بماء طهور مباح فلا يدخل المغصوب ولا يدخل المسروق كذلك الصلاة بثوب أباحه الشارع فلا يدخل فيه الحرير إن كان على رجل ولا يدخل فيه ثوب الشهرة مثلاً وكذلك لا يدخل فيه الإسبال ونحو ذلك فكل مأمور به فلا يتناول إلا المأذون فيه فحسب فلا يستدل على صحة صلاة المسبل مثلاً لقوله (أقيموا الصلاة) ولا يستدل بصحة صلاة من توضأ بماء مغصوب لقوله (أقيموا الصلاة) لأن الشارع لا يأمر بكل صلاة على كل وجه لا؛ كذلك الصلاة في الدار المغصوبة كما سبق معنا نرى أنها باطلة لا تصح فلا صحة ولا أجر بل هو آثم وصلاته باطلة - حينئذٍ - لماذا؟ لأن قوله (أقيموا الصلاة) المراد بها الصلاة في المكان المباح المأذون به شرعاً، إذاً أن يكون مباحاً فلا يصح بتراب مغصوب كالماء المغصوب (غير محترق) فإن كان محترق فلا يصح بما دق من خزف ونحوه قد يحرق التراب ينصع به الآجر ونحو ذلك - حينئذٍ - نقول إذا فتت ذلك الشيء المحروق نقول هذا الشيء المحروق لا يسمى تراباً لا لغة ولا عرفاً - حينئذٍ - إذا تيمم به لم يكن متيمماً بتراب هذا على المذهب أنه لابد من تراب، إذاً (غير محترق) فلا يصح بما دق من خزف ونحوه كالنورة والخرف والآجر وكل ما عمل من طين وشوي بالنار لأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب وهذا له حظ من النظر لكن إذا قيدنا الحكم بالتراب وأما إذا عممنا وصار على وجه الأرض - حينئذٍ - هو داخل في فيما هو على وجه الأرض (له غبار) لقوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) إذاً الصواب لا يشترط أن يكون غير محترق لأنه دخل في (صعيداً) (له غبار) غبار يعني يتعلق باليد لقوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) هنا وجه الاستدلال (منه) فاختلفوا في من
(12/11)
________________________________________
ما المراد بها هل هي للتبعيض أو لابتداء الغاية؟ إن قولت للتبعيض - حينئذٍ - لزم منه أن يكون في اليد بعد الضرب شيء من التراب (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) الضمير يعود إلى الصعيد الطيب إذاً لابد أن يبقى شيء منه لابد أن يبقى بعضه في اليد وإذا قيل أن من هنا لابتداء الغاية - حينئذٍ - نقول لا يشترط أن يكون له غبار واللفظ هذا يسمى عند الأصوليين (من) ماذا يسمى إذا احتمل معنيين ليس هو في أحدهما أظهر من الآخر؟ ماذا يسمى ما الاصطلاح له؟ - فقه بلا أصول كصلاة بلا طهارة صحيح لا تغضبون - يسمى مجملاً، هذه لابد أن تكون محفوظة كالفاتحة وإلا لا تضيع وقت إن لك ناصح أمين الفقه يحتاج إلى أن تكون مع كتاب مختصر في أصول الفقه تكون كالفاتحة معك لا تتردد هذا مجمل وهذا أمر وهذا نهي إذا كان الطالب يتردد هذه صيغة نهي ولا أمر إلى آخره هذا مشكل هذا طامة هذه كيف يفهم لو أردت أن تأخذ قولاً واحد دعك من الفقه المقارن ليس عندنا فقه مقارن إنما نذكر المذهب ودليله والقول الراجح فقط إذاً ليس مقارناً لا يمكن فهم المذهب بهذه الصورة إلا إذا كنت جيداً على مستوى عالي في أصول الفقه وإلا العبث العبث والوقت يذهب سدى وتمض بك السنون الشهر والسنة والسنتان والثلاث والأربع وأنت تظن أنك حصلت شيء من العلم وأنت مقلد ما خرجت عن التقليد يعني الذي يدرس المذهب ويرى وجوب التمذهب مثله ومثل الذي يدرس ويرى أنه لابد أن يتحرر ولا يجوز له التقليد إن كان هذا الكلام فيه تفصيل هما سيان في النتيجة ذاك يدعي أنه متحرر وينظر في القول الراجح لكن هو مقلد مغلف مقلد هذا التقليد المغلف الموجود الآن كل يدعي وصلاً بليلى أنه ما شاء الله وصل إلى الاجتهاد وأنه أهل أن ينظر ويرجح إلى آخره ثم هو صفر صفر في أصول الفقه وصفر بل تحت الصفر في لغة العرب - وحينئذٍ - كيف يرجح هذا، هذا يحرم عليه عند جماهير وإن لم يكن إجماعاً يحرم عليه الترجيح لأنه قول على الله بلا علم إذا قال هذا قول راجح رجحته بأي سبب؟ إما بموجب شرعي أو لا الثاني هوى وتحكم الموجب الشرعي هو التحقق والضبط لعلم أصول الفقه مع قاعدته الكبرى وهو لغة العرب فإذا كان ضعيفاً في هذين الفنين كيف يرجح فيه إشكال، على كل هذا يسمى مجملاً ولذلك الجمع بين الفنين أرى أنه مناسب لطالب العلم يقرأ كتاب في أصول الفقه وكذلك كتاب في الفقه ولو كان فك عبارة ونحو ذلك يستطيع أن يجمع بين النوعين، إذاً (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) هل يشترط التراب أو الصعيد له غبار أو لا؟ هذا الخلاف مبني على الخلاف في قوله (منه) وانظر هنا المسألة لغوية هل من هنا للابتداء ابتداء الغاية أم أنها للتبعيض فهي محتملة بأن تكون للتبعيض فيتعين في التيمم التراب الذي له غبار يعلق باليد ومحتملة بأن تكون لابتداء الغاية أي مبدأ ذلك المسح كائن من الصعيد (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد) ابتداء (من المسجد) لا يلزم أن يكون المسجد الحرام بعضه معه الصحيح وإنما منشأ وابتداء الإسراء كان من المسجد الحرام إذاً لا يلزم أن يكون شيئاً من المسجد الحرام معه كذلك لا يلزم أن يكون شيئاً من التراب قد علق به فكانت لابتداء الغاية أي مبدأ ذلك المسح كائن من
(12/12)
________________________________________
الصعيد الطيب فلا يتعين ما له غبار وبالأول الذي هو للتبعيض قال الشافعي وأحمد وبالثاني قال مالك أبو حنيفة ومذهب مالك وأبي حنيفة أرجح يعني المذهب الثاني أرجح لأن من هنا الظاهر أنها لابتداء الغاية لا للتبعيض لقوله تعالى (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) حرج نكرة في سياق النفي وزيدت قبلها من فهي نص في العموم فتدل على عمومها على نفي كل الحرج وهذا يرجح أن تكون من لابتداء الغاية لأن كثيراً من البلاد ليس فيها إلا الرمال أو الجبال فالتكليف بتراب له غبار فيه مشقة ولا يخلو من حرج كذلك جاء في حديث عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم (ضرب بيديه فنفخ فيهما) إذاً أطار ماذا؟ أطار الغبار فدل على أنه لا يشترط أن يكون في اليد غبار إذاً كون النبي صلى الله عليه وسلم يسافر مراحل كما ذهب من المدينة إلى تبوك فالغالب أنه قد سار بين رمال والرمال ليست هي تراب ولا يكون فيها غبار قد تيمم النبي صلى الله عليه وسلم من تلك البقعة - حينئذٍ - نقول من هنا لابتداء الغاية ولذلك ذكرت في آية ولم تذكر في آية أخرى يعني في موضع آخر لم تذكر في النساء قال (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) دل على أنه لا يشترط وذكرت في آية المائدة (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه)، ثم قال المصنف رحمه الله تعالى (وفروضه) أي التيمم وأركانه التي لابد منها والفرض هو الواجب {والفرض والواجب ذو ترادف ... ومال نعمان إلى التخالف} نعم مترادفان عند جمهور الأصوليين الفرض والواجب مترادفان لكن قد يطلق ويراد به الركن بمعنى أنه تزول الماهية بزوالها وليس كل واجب تزول الماهية بزواله ولذلك التشهد لو تركه نسياناً وهو واجب التشهد الأول لو تركه نسياناً وهو واجب ما زالت الصلاة بزواله ولو تركه عمداً زالت الصلاة بزواله إذا فرق بين واجب وواجب لكن لو ترك سجدة من الصلاة ناسياً تسقط؟ هاه تسقط لو نسي السجدة الأول من الركعة الأول من صلاة العصر وما تذكر إلا بعد نصف ساعة أنه ترك سجدة مثل التشهد الأول لو تركه ناسياً مع أن كل منهما واجب السجد الأول والثانية وكذلك الركوع والفاتحة كل منها واجب وكذلك التشهد الأول واجب لكن هذا يسقط بالنسيان وهذا لا يسقط بالنسيان لأنه فرض ركن وهذا ليس بركن، إذاً (فروضه) أي أركانه أربعة للحدث الأصغر وكذلك اثنان للحدث الأكبر (وفروضه) أي فروض التيمم (مسح وجهه) لا خلاف في وجوب مسح الوجه والكفين في التيمم للآية الآية واضحة بينة (فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) إذاً نص على الوجوه والأيدي إذاً كل منهما فرض فلو مسح الوجه دون اليدين أو اليدين دون الوجه مع القدرة عليه ما صح لم يصح التيمم؛ لماذا؟ لأنه تارك لفرض لركن كما لو ترك غسل وجهه في الوضوء أو ترك مسح رأسه في الوضوء مع القدرة نقول هذا لا يصح كذلك في التيمم (وفروضه مسح وجهه) ومنه اللحية لأن الحكم هنا كالحكم فيما سبق ولذلك عند المذاهب الأربعة مذهب الأئمة الأربعة أنه يجب استيعاب الوجه والكفين لابد من الاستيعاب يعني لا يترك جزء من الوجه ولا من اليدين ولذلك قال الشارح [سوى ما تحت شعر ولو خفيفاً وداخل فم وأنف فيكره] يعني لا يضع التراب في فمه ولا في أنفه لعدم
(12/13)
________________________________________
النقل وإن كان الفم والأنف داخلين في مسمى الوجه كما في سبق في فروض الوضوء - حينئذٍ - (والفم والأنف منه) أي من الوجه وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق فدل على وجوبها لكن هنا لا نقول بدخوله الفم لأنه يلوث وكذلك لا نقول بدخول الأنف لأنه مضر له كيف يستنشق التراب هذا مضر وما تحت شعر ولو خفيفاً كذلك ليس بمشروع مسح بالتراب لعدم النقل إذاً يجب استيعاب الوجه والكفين إلا ما استثني بالمسح فيمسح ما يأتي عليه الماء إلا المضمضة والاستنشاق وما تحت الشعر ولو خفيفاً وهذا قول الأئمة الأربعة لقوله (فامسحوا بوجوهكم) والباء هنا للإلصاق فصار كأنه قال فامسحوا وجوهكم وأيديكم فيجب تعميمهما كما وجب ذلك بالغسل لقوله (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) وذهب ابن حزم رحمه الله تعالى إلى أن الاستيعاب ليس بفرض وإنما المراد أن يمسح أكثر الوجه لماذا؟ قال لعدم الدليل فمسح الأكثر يقوم مقام الكل وهذه طهارة مسح وهي مبنية على الخفيف وإيجاب التعميم فيه عسر ومشقة لكن يقال بماذا هنا لأن النص عام (فامسحوا بوجوهكم)؟ نقول الأمر هنا بالمسح لا بإيصال التراب فالأصل أن يعمم وجهه وحتى لحيته لأنها داخلة في مسمى الوجه إلا ما استثني من الفم والأنف - حينئذٍ - يعمم المسح لا إيصال التراب ولذلك قال (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) - حينئذٍ - نقول يعمم المسح ولا يلزم منه أن يعمم التراب لأن التراب سينفخ فيه ويذهب منه بعضه - حينئذٍ - لا يلزم من ذلك الوقوع في الأذية أو ما نسميه بالاستقذار ونحو ذلك لأن فيه مشقة لو أريد أن أعمم بالتراب بنفسه لكان فيه نوع مشقة وقد يصيبه شيء من الأذى قد يدخل في عينيه قد يصل إلى فمه ولذلك المذهب كما نص في الحاشية [حتى على ظاهر شفيته يوصل المسح] لكن نقول الفرق هنا بين المسح وبين إيصال التراب فالمراد أو المطلوب بالآية المنصوص عليه (فامسحوا) إذاً يجب التعميم هذا ظاهر الآية وظاهر السنة والله أعلم (وفروضه مسح وجهه ويديه إلى كوعيه) (يديه إلى كوعيه) لم يطلق اليدين إنما قيدها بقوله (إلى كوعيه) احترازاً من المرفقين جاء في الحديث لكنه ضعيف ولذلك قال أحمد [من قال إن التيمم إلى المرفقين فإنما هو شيء زاده من عنده] ورد فيه حديث من صححه له حجته لكن من ضعفه لا يقول بالحديث الضعيف بمثل هذه المسائل لأن مبناها على التعبد إذاً (ويديه إلى كوعيه) هذا المذهب لقوله صلى الله عليه وسلم لعمار (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا - وضرب بكفيه - ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) متفق عليه فدل ذلك على أن المراد باليدين إلى الكوعين وإن جاءت مطلقة في الآية (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) قيدها بالمرفقين في الوضوء (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) قيدها وأطلقها في التيمم؛ هل يحمل المطلق على المقيد؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لاختلاف الحكم وإن كان السبب متحداً وهو طهارة حدث السبب متحد لكن لا يحمل المطلق على المقيد لاختلاف الحكم ويشترط في المطلق والمقيد اتحاد الحكم وإن اختلف السبب - وإن اختلف السبب هذا لا إشكال فيه - إذاً الفرض الثاني أن يمسح يديه إلى كوعيه كذلك لابد من
(12/14)
________________________________________
التعميم والمراد بالتعميم المسح لا إيصال التراب (والترتيب والمولاة) انظر الشارح قال [وكذا الترتيب] ادخل كلمة كذا بين الواو والترتيب مع أنها معطوفة على ما سبق، قال (فروضه) يعني أربعة؛ أولاً (مسح وجهه ويديه إلى كوعيه) قال [وكذا الترتيب] لماذا أتى بالكذلكة؟ تسمى الكذلكة؟ للخلاف بمعنى أن يؤتى بالكذلكة بين متماثلين في الحكم يعني هنا قال (فروضه) إذاً مسح الوجه فرض ومسح اليدين فرض والترتيب فرض والمولاة فرض لكن لماذا قال [كذا الترتيب] عطف مختلف فيه على متفق عليه ولذلك مجمع على أن مسح الوجه واليدين فرضان من فرائض التيمم لا يتحقق التيمم إلا يهذين الفرضين لكن الترتيب هذا مختلف فيه والمرجح في المذهب أنه فرض كذلك المولاة مختلف فيها والمرجح في المذهب أنها فرض ولذلك بعض الطلاب إذا فصل بين متفق عليه وبين مختلف فيه وقد يدعى الإجماع في الثاني بالكذلكة وكذلك كذا هذه عبارة تكثر عند الفقهاء حتى عند النحاة وغيرهم ومرادهم أن الثاني كالأول من حيث الترجيح لكن لا من حيث الاختلاف الأول مجمع عليه والثاني مختلف فيه إذاً وكذا الترتيب هذا المذهب وهو مذهب الشافعية كذلك وعند المالكية سنة كذا عند الحنفية يعني الترتيب بين مسح الوجه واليدين لابد أن يقدم ماذا؟ كما قدمه الله في الآية (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) - حينئذٍ - الوجه مقدم على اليدين فلو خالف فقدم الوجه على اليدين لم يصح التيمم لأن الترتيب فرض والصحيح أنه ليس بفرض وإنما هو سنة ولذلك في الحديث السابق المتفق عليه (ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) قدم الكفين على الوجه وإن كان التقديم الشيء في القرآن يدل على أنه هو الظاهر لكن جاء بالسنة لو لم يرد هذا النص لقلنا المعتبر هناك هو المقدم يعني أن الوجه مقدم على اليدين لكن لما جاء هذا الحديث المتفق عليه وقد النبي صلى الله عليه وسلم الكفين على الوجه دل على أنه سنة ليس بواجب (والمولاة) يعني بين مسح الوجه ومسح اليدين المولاة بينهما بأن لا يؤخر مسح اليدين بحيث يجف الوجه إذا كان مغسولاً فهما فرضان، وهما يعود إلى الترتيب والمولاة؛ المولاة هنا شرط أو فرض في التيمم قياساً على الوضوء كما أن المولاة في الوضوء فرض من فرائضه كذلك المولاة فرض من فرائض التيمم لأن مبنى التيمم على طهارة الماء ولذلك قال (والمولاة) بينهما ما ضابط المولاة؟ بأن لا يؤخر مسح اليدين بحيث يشف الوجه لو كان مغسولاً فيمسح وجهه أولاً ثم يفصل بين الوجه ومسح اليدين إن كان الفاصل بينهما لو كان الوجه مغسولاً لجف فاتت المولاة وإن كان دون ذلك - حينئذٍ - لا بأس به فالمرد إلى العرف والصحيح أن المولاة سنة وليست بواجبة والقياس هنا قياس مع الفارق لأن التيمم هنا طهارة مستقلة والوضوء هنا طهارة مستقلة لكن لابد أن يراعى أن لا يخرج التيمم عن صورته بمعنى أنه لا يمسح وجهه ثم يجلس ساعة من الزمن ثم يمسح يديه لأن هذه الصورة ليست مرتبة بين مسح ومسح وإنما المراد به أن لا يجعل هذا الضابط قيداً في فوات المولاة وهو أن يقدر لو كان الوجه مغسولاً وجب أن يكون مسح اليدين تابع لهما نقول هذا الاعتبار غير مراد لكن إذا قيل بأنه غير
(12/15)
________________________________________
مراد لا يلزم منه أن يخرج التيمم عن صورته؛ لا، بأن يتيمم يمسح وجهه ثم يبقى ساعة من الزمن وإذا رآه رائي قال هذا مسح يديه ولم يمسح وجهه ومن رآه في السابق يرى أنه مسح وجهه ولم يمسح يديه نقول هذا أخرج التيمم عن صورته، ثم قال رحمه الله تعالى نعم قال هنا (الترتيب والمولاة في حدث أصغر) يعني الشرط الثالث والرابع أو الفرض الثالث والفرض الرابع (الترتيب والمولاة في) التيمم عن (حدث أصغر) وأما الحدث الأكبر فلا يشترط فيه ترتيب ولا مولاة كما سبق ولذلك هنا في الاستدلال عن الترتيب بكونه أدخل ممسوحاً بين مغسولات فصل بين متماثلات المغسولات بإدخال ممسوح بين مغسول ومغسول فدل على أنه مراد وهذا دليل على أن الترتيب فرض وهذا لم يجعل في التيمم - حينئذٍ - الدليل الذي دل على الترتيب في طهارة الوضوء ليس موجوداً في طهارة التيمم - حينئذٍ - القياس طهارة وطهارة نقول هذا قياس مع الفارق، ثم قال (وتشترط النية لما يتيمم له من حدث أو غيره) عندنا نيتان هنا نية ما يتيمم له ونية ما يتيمم عنه ما سبق بيانه تيمم عن أحداث أو نجاسة على بدنه تضره إزالتها أو عدم ما يزيلها هذا تيمم عن نجاسة عن حدث أصغر عن حدث أكبر فهو شيء سابق الموجب للحدث، ما يتيمم له من صلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة هنا قال (وتشترط النية) يعني تعين النية (لما) يعني لشيء لعبادة يتيمم (له) الضمير يعود إلى ما كصلاة أو طواف أو غيرهما مما لا تصح إلا بطهارة طهارة مائية أو طهارة ترابية (من حدث) هذا جار ومجرور متعلق بقوله تيمم (لما يتيمم له من حدث أو غيره) ما هو غير الحدث؟ نجاسة مطلقاً؟ نجاسة على بدنه (من حدث أو غيره) كنجاسة على بدن فتجب النية لها على الصحيح في هذا الموضع ولذلك من المخالفات عندهم لأنه سبق تقرير أن النجاسة إزالت النجاسة لا يشترط لها النية هذا محل وفاق عند الأئمة إلا بعضهم أبي حنيفة وابن حزم - فحينئذٍ - إذا أراد إزالت النجاسة بطهارة مائية لا تشترط لها النية وأما في هذا الموضع التيمم خالف المذهب الأصل الذي قرره في الطهارة المائية والأصل عندهم أن طهارة التيمم محمولة على طهارة الماء - حينئذٍ - الأصل فيه إما أن يقال باشتراط النية في الموضعين أو بانتفاء النية في الموضعين واضح إما أن يقال باشتراط النية في الموضعين أنه يجب اشتراط النية تعين النية إزالت النجاسة في الطهارة المائية وكذلك هنا كما قالوا به وإما أن يقال ولا يشترط في التيمم عن النجاسة النية كما أنها لا تشترط في الطهارة المائية لأنه صرحوا في هذا الموضع أن مبنى التيمم من حيث الجملة والتفصيل مبناه على الطهارة المائية فالحكم هو الحكم وهذا مما اختلفا واضطربا فيه لكن ما السبب؟ قالوا لأن التيمم ضعيف لماذا ضعيف؟ لأنه طهارة ضرورة بمعنى أنه مقيد بعدم وجود الماء - حينئذٍ - لابد أن يضيق في بعض المسائل ومن أهم المسائل التي فرقوا بين الطهارتين طهارة الضرورة والأصلية المائية أن التيمم مبيح لا رافع وأن الطهارة المائية رافع الطهارة المائية رافعة للحدث سواء كان أصغر أو أكبر وأما التيمم ليس برافع وإنما هو مبيح نحن نقول نعم نسلم بأن التيمم لا يرفع الحدث على الصحيح وإنما هو مراد به استباحت
(12/16)
________________________________________
ما يتيمم له لكن للدليل الذي دل على أن التيمم مبيح لا رافع على ما ذكرناه سابقاً وما عدا ذلك من الأحكام فيبقى على الأصل لما أطلق الله عز وجل قال (إذا قمتم إلى الصلاة) ثم قال (فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا) ما قيد شيئاً من ذلك بما قيد به شيء من الطهارة المائية - حينئذٍ - نقول هذه طهارة مستقلة وهذه طهارة مستقلة كل منهما مشروع لشيء لعبادة تشترط له الطهارة - حينئذٍ - يبقى كل شيء على أصله ولذلك كما سيأتي أن الصحيح أنه لو تيمم في صلاة الفجر وبقي غير محدث إلى صلاة العشاء جاز له أن يصلي؛ لماذا؟ لعدم دليل يدل على أن خروج الوقت مثلاً أو أنه إذا تيمم لفرض لا يصلي به نفلاً ونحو ذلك كل هذه تقيدات اجتهادية ولا أصل لها لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (الصعيد الطيب طهور المسلم) مطلقاً نقيده بدخول الوقت أو بخروج الوقت هذا زيادة على النص، إذاً (وتشترط النية لما يتيمم له من حدث أو غيره) كنجاسة على بدن فينوي استباحة الصلاة من الجنابة نعم لا ينوي رفع الحدث لو نوى رفع الحدث ما صح تيممه لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما ينوي استباحة يعني يباح له أن يفعل الصلاة وهذا من حكمة الله عز وجل في الصلاة ونحوها أنه شرط الطهارة المائية فإن لم يتمكن - حينئذٍ - لابد من شيء يفعله من أجل الإقدام على الصلاة فأباح له أو أمره بضرب اليدين على التراب ومسح الوجه واليدين ثم بعد ذلك بهذا الفعل يستبيح لأن الأصل التحريم يستبيح فعل الصلاة فيجوز له وأما إذا دخل بدون طهارة مائية ولا ترابية ولم يكن فاقداً للطهورين الأصل فيه التحريم فيأثم وذهب أبو حنيفة إلى أنه كافر لأنه يعتبر مسخفاً مستهزئ بالصلاة هذا شأنه - حينئذٍ - الأصل التحريم أن يقدم على صلاة بدون إحدى الطهارتين فأذن له الشارع - حينئذٍ - ينوي استباحة الصلاة ينوي استباحة الطواف ينوي استباحة مس المصحف ونحو ذلك، استباحة الصلاة من الجنابة والحدث إن كانا أو أحدهما أو عن غسل بعض بدنه الجريح ونحوه قال في التعليل هنا في الشرح [لأنها طهارة ضرورة فلم ترفع الحدث] هذا صحيح طهارة ضرورة لكن لا يلزم أن تفهم الضرورة بالضرورة التي قعدها الأصوليون بمعنى أن الضرورة تقدر بقدرها ثم ما عدا المنوي لا يستباح فيه ألبته نقول هذه زيادة على النص طهارة ضرورة بمفهوم أخص ليس بالمفهوم العام الذي ينطبق عليه القواعد العامة في الضرورات إنما نقول ضرورة خاصة وهي نفسرها؛ نفسرها بماذا؟ (فلم تجدوا ماء) إذاً عدم الماء - حينئذٍ - عدل إلى التيمم وهذا المراد بطهارة الضرورة على ما جاءت به النصوص وهما وسعوا مفهوم الضرورة أطلق اللفظ على هذه العبادة المستقلة وهي التيمم ثم ألحقوا بالضرورة كل الأحكام المتعلق به قالوا الضرورة تقدر بقدرها - حينئذٍ - فاقد الطهورين يتيمم يصلي فرضاً فقط ولا يصلي نافلة هذا الأصل له كذلك إذا صلى قرأ الفاتحة ولا يحل له زيادة في حرف واحد من القرآن ويقول سبحان ربي العظيم ولا يأتي بثانية تسبيحه ثانية فإن جاء أثم ويقول سبحان ربي الأعلى في السجود بواحدة فقط لماذا؟ لأن التيمم ضرورة فتقدر بقدرها فيأتي بالواجب ولا يزيد عليه ألبته نقول هذا يحتاج إلى دليل ولا دليل ويبقى الأصل أن الرب
(12/17)
________________________________________
شرع التيمم ثم يفعل به ما شاء ولا ينتقض هذا التيمم إلا بمبطلات الوضوء أو وجد الماء ولو في الصلاة على الصحيح فلابد من التعين تقوية لضعفيه ولو نوى رفع الحدث لم يصح ثم قال ولو نوى رفع الحدث لا يصح، ثم قال (فإن نوى أحدها) أي أحد ما سبق ذكره من حدث أو غيره (أحدها) يعني الحدث الأصغر أو الحدث الأكبر أو نجاسة على بدنه تضره إزالتها (لم يجزئه عن الآخر) إذا عين الحدث الأصغر لا يجزئه عن الحدث الأكبر إذا عين الحدث الأكبر لا يجزئه عن الحدث الأصغر إذا عين النجاسة إزالت النجاسة على بدنه تضره إزالتها لا يجزئه عن الحدث الأصغر والأكبر؛ لماذا؟ لأنه لابد من تعين النية عرفنا أن الأصل في التيمم عن النجاسة أنه ضعيف - حينئذٍ - نسقط هذه فلا نحتاجها بقي، ماذا؟ الحدث الأصغر والأكبر كما سبق، ابن تيمية رحمه الله تعالى نقل عن جماهير أهل العلم أنه لو نوى أحدها أجزأه عن الآخر لكن نية الحدث الأكبر عن الأصغر واضحة أنها داخلة فيها لأنه نوى الأعم فدخل فيه الأصغر وأما العكس فهذا محل نظر لقول صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذه الحدث الأصغر لم ينوي الحدث الأكبر هذا محل بحث، (لم يجزئه عن الآخر) يعني الذي لم ينويه لحديث (وإنما لكل امرئ ما نوى) وإن نوى جميعها جاز هذا واضح بين (إنما الأعمال) والتيمم عمل (بالنيات) (إنما الأعمال بالنيات) وهذا نوى التيمم عن حدث أصغر وأكبر وعن نجاسة أجزأ وكل واحد يدخل في العموم يكون منوي، ثم قال (وإن نوى نفلاً وأطلق لم يصلي به فرضاً) عندهم أدنى وأعلى إن نوى الأعلى صلى به الأعلى ومثله والأدنى واضح إن نوى الأعلى فرض العين صلى به مثله كالمقضية أو فرض الكفاية الأدنى والأدنى كذلك الذي هو النافلة لكن إذا نوى الأدنى لا يصلي به الأعلى وهذا يحتاج إلى دليل ولا دليل؛ لماذا؟ لأن الأصل هنا شرع التيمم ليفعل به ما اشترطت الطهارة له فإذا كان كذلك فالأصل هو المطلق فأطلقه الشارع فنبقى على إطلاقه وتقيده بهذه التفصيلات نقول نحتاج إلى دليل ولذلك لو كلف الناس العوام بهذه التفصيلات التي عند الفقهاء لصار التيمم أشق من الطهارة المائية وهو طهارة ضرورة رخصة وقيل عزيمة فهذه التفصيلات لا يدركها العوام صلي أعلى وأدنى طلاب العلم ما يميز بين أدنى وأعلى طواف فرض أو طواف فرض كفاية أيهما أعلى الطواف المندوب أو الطواف الذي يكون طواف للزيارة؟ هذا قد يقع فيه إشكال عند البعض على كل قال (وإن نوى نفلاً) يعني نوى بتيممه (نفلاً) نافلة (لم يصلي به فرضاً) لا يستباح الفرض بنية النفل لأنه ليس بمنوي ولا يستباح الأعلى بنية الأدنى وخالف طهارة الماء؛ لماذا؟ قالوا لأنها ترفع الحدث تقول نسلم بالأصل لكن لا نسلم بالتفريع نسلم بالأصل لا نسلم بالتفريع؛ لماذا؟ ليس هذا تناقض نقول نسلم بالأصل لوجود الدليل الدال عليه وهذا التيمم لا يرفع الحدث وإنما هو مبيح لما ذكرناه سابقاً لكن أصل إذا فرع وقيس عليه أشياء لم يرد فيها النص أو به النص - حينئذٍ - نمنع في كل مسألة على حده إذ لو كان كذلك لجاء النص مبيناً لكل مسألة من هذه المسائل (أو أطلق) يعني النية أطلق النية نوى الصلاة نوى بتيممه صلاة وأطلق هل هي
(12/18)
________________________________________
صلاة فرض هل هي فرض كفاية جنازة هل هي نفل أطلق؟ قالوا لا يصلي به إلا الأدنى لماذا؟ لأنها صارت مشتركة بين أعلى وأدنى وهو لم يعين فيحمل على الأدنى فلا يصلي به فرضاً ولذلك قال (أو أطلق) يعني أطلق النية يعني نوى استباحة الصلاة وأطلق لم يعين الصلاة فلم يعين فرضاً ولا نفلاً (لم يصلي به فرضاً) ولو جنازة لماذا؟ لأن الجنازة من الواجبات لكنها واجب كفائي لا واجب عيني إذاً كل منهما الواجب العيني والكفائي لا يصلي به إذا نوى إذا أطلق النية ولم يعين فانتفاء التعين - حينئذٍ - يحمل التيمم أنه تيمم عن نافلة ولا يصلي به الأعلى وهذا لا دليل عليه والصواب أنه متى ما نوى ما تشترط له الطهارة صلى به مطلقاً أدنى وأعلى ومساوي ومثله وغير ذلك، (وإن نواه) يعني نوى الفرض (صلى كل وقته) يعني وقت الفرض (فروضاً ونوافل) فله الجمع وقضاء الفوات (صلى كل وقته) يعني وقت الفرض (فروضاً) كيف صلى فروضا هو فرض واحد؟ نقول نعم قد يجمع بين فرضين ظهر وعصر مغرب وعشاء - حينئذٍ - لا يشترط أن يتيمم للظهر ثم يتيمم للعصر قد قال به بعض الفقهاء الصواب أنه يجمع بينهما بتيمم واحد وله أن يصلي نوافل كذلك، كذلك إذا تذكر ماذا؟ فائته - حينئذٍ - له أن يصلي لماذا؟ لأنها فرض وقد الفرض فصلى به فروضاً ونوافل فمن نوى شيء استباحه ومثله ودونه العوام لا يفهمون هذا الكلام فإذا قيل بهذا - - فالباب فصار فيه مشقة، ثم انتقل إلى مبطلات التيمم فقال (ويبطل التيمم بخروج الوقت) هذه مسألة اجتهادية قالوا لأن مبنى التيمم على طهارة الضرورة - حينئذٍ - تقدر بقدرها فلا يحل له أن يتيمم قبل دخول الوقت لماذا؟ لأنه غير مضطر وكذلك إذا خرج الوقت بطل التيمم لأنه إنما قيد بوقت معين وهذه مسألة اجتهادية وليس عليها دليل فالظاهر والصحيح أنه لا يبطل التيمم بخروج الوقت مطلقاً (ويبطل التيمم) قال [مطلقاً] سواء كان في صلاة وغيرها (بخروج الوقت) [وإن لم يحدث أو دخوله فلا يباح له فعل شيء من العبادات المشترط لها التيمم وظاهر كلامه أنه لو خرج الوقت في أثناء الصلاة بطل التيمم] وهو كذلك المذهب أنه لو خرج الوقت في أثناء الصلاة بطل التيمم وهذا محل إشكال إذاً بخروج وقته أو دخوله يبطل التيمم وعنه عن الإمام أحمد رواية أنه رافع فيصلي به إلى حدثه لأن الله تعالى شرع التيمم حال عدم الماء فقال (فلم تجدوا ماء فتيمموا) فتبقى الطهارة ببقائه والرسول صلى الله عليه وسلم جعل طهارة التيمم ممتدة إلى وجود الماء فقال (طهور المسلم) وقال (جعلت تربتها لنا طهوراً) وللنسائي بسند قوي (وضوء المسلم) فكان في عدم الماء كالوضوء ولأنها طهارة تبيح الصلاة فلا تتقيد بالوقت كطهارة الماء إذاً هذا الشرط أو هذا المبطل ليس بمسلم له واستثنى المذهب مسألتين صلاة الجمعة لو خرج الوقت وهو يصلي ما بطلت كذلك الجمع وكذلك يبطل التيمم عن حدث أصغر من مبطلات الوضوء قال في الإنصاف [بلا نزاع] وعن حدث بموجباته يعني لو تيمم عن حدث أصغر بطل التيمم بمبطلات الوضوء السابقة الثمانية وكذلك يبطل التيمم إذا تيمم عن حدث أكبر بموجبات الغسل السابقة في باب الغسل وهذا محل وفاق قال ابن حزم رحمه الله تعالى [وكل حدث ينقض الوضوء فإنه ينقض
(12/19)
________________________________________
التيمم وهذا مما لا خلاف فيه من أحد من أهل الإسلام] رحمه الله (وبوجود الماء ولو في الصلاة) هذه مبطل في باب التيمم يزاد على مبطلات الوضوء ويبطل التيمم أيضاً (بوجود الماء) إذا تيمم ثم وجد الماء قبل دخوله في الصلاة بطل تيممه عند عامة أهل العلم إذا تيمم ولم يصلي بعد تيمم قيل جاء الماء وصل الماء ولم يصلي بطل تيممه عند عامة أهل العلم إن وجد التيمم بعد الوقت خروج الوقت عامة أهل العلم لا تلزمه الإعادة إن وجد الماء بعد الصلاة قبل خروج الوقت فيه خلاف وجمهور أهل العلم أنه لا تلزمه الإعادة وهو الصحيح لأنه إذا أدى ما أمر به فقد خرج عن العهدة - حينئذٍ - بقي عليه إن وجد الماء قبل الصلاة هذا محل وفاق إن وجد الماء أثناء الصلاة هذا محل خلاف بين أهل العلم ولذلك قال (بوجود الماء) المقدور على استعماله بلا ضرر إن كان تيمم لعدمه وإلا فبزوال مبيح لمرض ونحوه يعني إذا وجد الماء وقدر على استعماله أما إذا تيمم لعجزه كمن به جروح ووجد الماء بعد ذلك لا يضره أليس كذلك؟ لأن الموجب لانتقاله عن الطهارة المائية إلى الطهارة الترابية ليس هو عدم الماء ولو كان بالفعل عادم للماء فلو وجده نقول السبب الموجب له المنتقل من الطهارة المائية إلى الترابية هو ماذا؟ العجز وليس عدم الماء حساً - حينئذٍ - لو جد الماء لا يضره قال (ولو في الصلاة) (ولو) هذه إشارة خلاف (في الصلاة) فرضاً كانت أو نفلاً فيتطهر ويستأنفها أي يبطل تيممه بوجود الماء وهو في الصلاة وظاهره ولو جمعة لأن طهارة انتهت بانتهاء وقتها وهذا مذهب أبي حنيفة قال ابن رشد [وهما أحفظ للأصل لأنه أمر غير مناسب للشرع أن يوجد شيء واحد لا يبطل الطهارة في الصلاة وينقضها في غير الصلاة]- حينئذٍ - لو جد الماء قبل الصلاة انتقضت الطهارة إذا وجد الماء أثناء الصلاة قالوا لا ينتقض قل لا ينتقض لأن الشيء الواحد إذا اعتبر ناقضاً في قبل الصلاة كذلك هو ناقض أثناء الصلاة كالريح مثلاً خروج الريح ناقض للوضوء قبل الدخول في الصلاة لو وجد في أثناء الصلاة فهو كذلك والتفريق بين متماثلين هذا لا أساس به في الشرع إذاً لا يصدق عليه أنه غير واجد للماء إذا وجد الماء أثناء الصلاة (فلم نجدوا ماء فتيمموا) ثم يصلي به ولا يتحقق عدم وجود الماء إلا إذا انتهى من صلاته فإن وجده أثناء الصلاة لزمه الإعادة (لا بعدها) يعني لا إن وجد ذلك (بعدها) يعني بعد الصلاة سواء خرج الوقت أو لا قال ابن المنذر [أجمع أهل العلم على أنه من تيمم صعيداً طيباً كما أمر الله وصلى ثم وجد الماء بعد خروج وقت الصلاة لا إعادة عليه] فإن وجده قبل خروج الوقت فالجمهور لا يجب عليه أن يعيد الصلاة وقيل يستحب والصواب أنه لا يلزمه ولا يستحب لأنه فعل شيء مأموراً به فأدى ما عليه وبرئت ذمته من الصلاة وسقطت عنه الطلب (لا بعدها) يعني لا بعد الصلاة فلا تجب إعادتها، قال رحمه الله تعالى (والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى وصفته) هذا يأتي معنا مع باب النجاسة ونقف على هذا
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(12/20)
________________________________________
عناصر الدرس
* قوله: "والتييم آخر الوقت لراجي الماء أولى".
* صفة التيمم.
* باب: إزالة النجاسة، وشرح الترجمة.
* لم قدم المصنف هذا الباب على الحيض، والنفاس؟
* النجاسة الحكمية على المذهب ثلاثة أقسام.
* قوله: "ويجزئ في غسل النجاسات كلها إذا كانت على الأرض" المسألة.
* كيفية تطهير نجاسة الكلب، وهل يقاس عليه الخنزير؟
* قوله: "ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه"، والصحيح في المسألة.
* قوله: "ولا يطهر متنجس بشمس، ولا ريح، ولا دلك، ولا استحالة".
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
مازال الحديث فيما يتعلق بمسائل باب التيمم وقد وقفنا عند قول المصنف رحمه الله تعالى (والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى) أليس كذلك؟ (والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى) الوقت المراد به هنا الوقت المختار بمعنى أنه إذا فقد الماء - حينئذٍ - إما أن يكون راجي لو جود الماء في آخر الوقت وإما أن يكون عالم بوجود الماء في آخر الوقت وإما أن يستوي عنده الأمران وإما أن يظن وجوده أو يظن عدم وجوده فالصور تكون خمسة، إما أن يكون عالم بوجوده آخر الوقت وإما أن يظن وجوده آخر الوقت وإما أن يستوي عنده الأمران لا يرجح أحدهما على الآخر وإما أن يغلب على ظنه عدم وجوده أو يعلم عدم وجوده لثلاث الصور مذهب الحنابلة أنه يتيمم آخر الوقت وذلك فيما إذا رجا وجود الماء أو كان عالماً أنه سيأتي قاطعاً جازماً بأن الماء سيأتي في آخر الوقت ولمن استوى عنده الأمران هذه ثلاث صور مذهب الحنابلة التيمم في آخر الوقت أولى بمعنى أنه لو تيمم في أول الوقت لكان مجزئ إلا أنه من باب الأفضلية والأرجحية يؤخر التيمم إلى آخر الوقت بقي صورتان أن يتحقق عدم وجود الماء فالتقديم أولى أن يظن عدم وجوده فالتقديم أولى - حينئذٍ - هذه الصور الخمس حصل فيها تعارض بين أصلين؛ أولاً: تقديم الصلاة في أول الوقت، الثاني: الصلاة بطهارة الماء على الأصل لأنه إذا راع الأحاديث الواردة في أفضلية تقديم الصلاة في أول الوقت وعمل بذلك - حينئذٍ - صلى بدون طهارة مائية ولو أخر مع ظنه وجود الماء أو علمه بوجود الماء - حينئذٍ - صلى بطهارة مائية ولكنه أخر إلى آخر الوقت أيهما أولى بالمراعاة أي الأصلين لا شك أن الصلاة بطهارة مائية أولى ومراعاته أولى فمتى ظن وجود الماء في آخر الوقت أو عدم هاتين الصورتين فالأفضل في حقه أن يؤخر التيمم إلى آخر الوقت وأما إذا استوى عنده الأمران أو ظن عدم وجود الماء أو قطع بعدم وجود الماء فهذه الصور الثلاث فالأولى أن يتيمم في أول الوقت خلاف لما ذهب إليه المصنف إذاً في صورتين نقول يتيمم في آخر الوقت وهو إذا علم وجود الماء في آخر الوقت - حينئذٍ - يترجح تأخير الصلاة عن أول وقتها إذا ظن وجود الماء كذلك الحكم أنه يتأخر بقي ثلاث صور على الصحيح إذا استوى عنده الأمران لم يرجح أحد الأمرين على الآخر لا يدري هل يجد الماء في آخر الوقت أم لا؟ أو ظن عدم وجود الماء أو قطع لعدم وجود الماء فهذه صور ثلاث نقول أن يترجح فيها أن يصلي في أول الوقت، ولذلك قال هنا (والتيمم آخر الوقت) يعني المختار (لراجي الماء) هذا شرط في المسألة، قال الشارح [أو العالم وجوده - وهذا كذلك يسلم له - ولمن استوى عنده الأمران] وهذا لا يسلم له بل التقديم يكون أفضل في حقه إذاً (لراجي الماء) هذا له مفهوم فإن يأس من وجوده استحب له التقديم قوله (أولى) إن صلى بتيممه في أول الوقت أجزأه ولكن الكلام في الأولوية الدليل على ذلك هو من باب التقعيد والتأصيل من باب الاجتهاد ولكن أوردوا قولاً لعلي رضي الله تعالى عنه في الجنب (يتلوم ما بينه
(13/1)
________________________________________
وبين آخر الوقت فإن وجد الماء وإلا تيمم) (يتلوم) أي يتأن (ما بينه وبين آخر الوقت) يتأن في وجود الماء (فإن وجد الماء) في آخر الوقت (وإلا تيمم) بمعنى أن علي رضي الله تعالى عنه يرى أن من كان على جنابة لا يتعجل في التيمم إنما ينتظر إلى آخر الوقت فإن وجد الماء - حينئذٍ - الطهارة المائية مقدمة وإلا تيمم، ثم قال رحمه الله تعالى (وصفته) يعني التيمم ما هي الكيفية التي يتيمم بها قال (أن ينوي) يعني يأتي بالنية والنية كما سبق هي الاستباحة هنا ولا ينوي رفع الحدث (أن ينوي) أي ينوي استباحت ما تيمم له على الصحيح من المذهب وعلى المذهب كذلك يعتبر معه ما يتيمم له قبل الحدث هذا على الصحيح من المذهب إذاً ينوي استباحت فرض الصلاة من الحدث الأصغر أو الأكبر يتيمم له يتيمم منه لابد من مراعاة النوعين في المذهب يعني ينوي استباحت الصلاة فرضاً هذا لابد منه؛ من ماذا؟ من الحدث الأصغر أو من الحدث الأكبر يعني تيمم لشيء من شيء فلابد أن ينوي الأمرين على المذهب (ثم) تفيد الترتيب يعني يأتي بالنية أولاً ثم يأتي بالتسمية من أجل أن التسمية عندهم واجبة هنا كالوضوء - حينئذٍ - لابد أن تكون النية مصاحبة لجميع صفة التيمم من أوله إلى آخره (ثم يسمى) يعني يقول بسم الله [وهي هنا كوضوء] هكذا قال الشارح يعني هنا كوضوء يعني تجب مع الذكر وتسقط مع السهو - حينئذٍ - حكمها الوجوب في التيمم - حينئذٍ - نطالب بالدليل ما الدليل على أن التسمية مشروعة في التيمم؟ قياساً على الوضوء وإذا كان الأمر كذلك نقول القياس هنا باطل ولا يصح فيبقى التيمم على أصله وهو أنه لا تشرع له التسمية لأن هذا القياس هنا في محل نظر؛ لماذا؟ لأن الوضوء عبادة مستقلة كما ذكرنا آنفاً وغسل الجنابة ونحوه كذلك عبادة مستقلة والوضوء كذلك عبادة مستقلة - حينئذٍ - لا يقاس أحدهما على الآخر فإذا شرعت التسمية في الوضوء - حينئذٍ - لا نقيس عليه غسل الجنابة لأن كل منهما طهارة والأصل عدم المشروعية فما جاء النص به - حينئذٍ - وقفنا عنده والتيمم كذلك عبادة مستقلة وإن كانت بدلاً عن الوضوء إلا أنه لا يلزم أن يكون البدل مساوياً للمبدل عنه من كل وجه فلا تشرع التسمية في التيمم لكونها مشروعة في الوضوء وهو أصل للتيمم نقول هذا قياس فاسد - حينئذٍ - نرجع إلى الأصل (ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع) (ويضرب التراب) (يضرب) الصحيح من المذهب أن المسنون والواجب ضربة واحدة (يضرب) ضربة واحدة لا ضربتين وهو من المفردات، قال في الإنصاف [وهو المسنون والواجب على الصحيح من المذهب] وفي المبدع [والمنصوص ضربة واحدة وهي الواجب بلا نزاع] لأنه جاء في الأحاديث هكذا جاء في حديث عمار قال في التيمم ضربة واحدة للوجه واليدين (ضرب ضربة واحدة) قيدها بكونها واحدة - حينئذٍ - لا نزيد الثانية فزيادة الثانية هنا كزيادة غسلة رابعة في الوضوء كما أنه محدث هناك لا يشرع وإنما يكتفا بالعدد الوارد في التثليث فيما جاء به التثليث والمسح مرة واحدة في الرأس ولا يشرع التثنية ولا التثليث على الصحيح كذلك يقال في التيمم إنما المشروع هو ضربة واحدة فلا نزيد ضربة ثانية - حينئذٍ - زيادة ضربة ثانية يكون شيء قد زاده من ضرب يعني
(13/2)
________________________________________
من عنده ولا يكون مشروعاً ألبته لأن الأصل في هذا المقام التعبد لله بما ورد فما لم يرد فالأصل عدم مشروعيته إذاً ضربة واحدة للوجه واليدين وفي الصحيحين (ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وعن أبي الجهيم (وضع يديه على الجدار فمسح بوجهه وكفيه) وقيل لأحمد [التيمم ضربة واحدة؟ قال: نعم للوجه والكفين ومن قال ضربتين فإنما هو شيء زاده] يعني لا يصح وأما حديث (التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) فهذا حديث ضعيف لا يثبت، إذاً (ويضرب) ضربة واحدة، لو وضع يده ولم يضرب معلوم أن الضرب مساس بالقوة لو وضع يده هكذا على رمل ونحوه أو تراب وصار الغبار في يده هل هذا مجزئ أو لا؟ نقول نعم مجزئ ولا يشترط فيه الضرب لو وضع هكذا - حينئذٍ - نقول صح التيمم فهل يشترط في التيمم ضرب الأرض بيديه أو يصح ولو بدون ضرب كأن يضع يديه على الأرض؛ والصحيح أنه لا يشترط وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة فلو وضعهما على الأرض أجزأه بدليل حديث أبي الجهيم السابق (وضع يديه على الجدار فمسح بوجهه وكفيه) (وضع يديه على الجدار) إذاً لم يرد فيه الضرب كذلك جاء قوله تعالى (فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا) فأمر بالمسح ولم يعتبر الضرب داخل في مسمى التيمم وأما حديث عمار وفيه (فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه أو كفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه) فلا يدل على وجوب الضرب وإنما هذه الصفة الكاملة بدليل ماذا؟ أنه ذكر النفخ ثم نفخ فيهما قال ماذا؟ (فضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما) فلو قيل بأن هذه الصفة واجب لدل على أن النفخ واجب وهو ليس بواجب - وحينئذٍ - الضرب مسنون ومشروع وهو صفة كمال لكن لو وضع يديه على التراب نقول هذا يعتبر مجزئ ولا إشكال فيه، قوله التراب) (ويضرب التراب) بناء على المذهب لم يقل الأرض لأنه يشترط عندهم التراب والصحيح أنه لا يتعين التراب (بيديه) المراد باليدين هنا الكفين (مفرجتي الأصابع) ليصل التراب إلى ما بينهما ليحصل الاستيعاب لأنه لابد أن يستوعب الضرب - حينئذٍ - إذا ضرب بيديه لابد أن يفرج بين أصابعه من أجل أن يدخل التراب بين الأصابع فيحصل الاستيعاب ولكن ظاهر السنة كما في الأحاديث التي ذكرناها أنفاً ليس فيها تفريج الأصابع لأنه في حديث عمار (ضرب ضربة واحدة للوجه واليدين) ولم يذكر تفريج الأصابع وجاء في الصحيحين (ثم ضرب الأرض ضربة واحدة) - حينئذٍ - نقول تفريج الأصابع هذا إنما هو شيء زادوه من عندهم من باب الاجتهاد فحسب وإلا ظاهر السنة أنه لا يفرج بين أصابعه وأنه لا يشترط على الصحيح الاستيعاب إذاً قوله (مفرجتي الأصابع) فيه نظر فظاهر السنة لم يرد أنها كانت مفرجتي الأصابع وإنما جاء فيها الإطلاق فضرب بيديه هكذا - حينئذٍ - كيفما ضرب أجزأ؛ لماذا نقول كيفما ضرب أجزأ؟ لأن النص جاء مطلق غير مقيد (ضربة واحدة للوجه واليدين) (ضرب بيديه الأرض) كيفما ضرب أجزأ لأن النص جاء مطلقاً - حينئذٍ - يبقى على إطلاقه ولا نقيده بأي صفة كانت فتقيده بصفة والتزامها يعد من الأمور الزائدة على النص بل من الأمور الزائدة على التعبد - حينئذٍ - يكون أمراً محدثاً نعم لو فعله مرة وتركه
(13/3)
________________________________________
مرات دون أن يقصد السنية لا بأس به أما أن يتعمد مثل ذلك الفعل ولم تثبت به سنة - حينئذٍ - نقول هذا التعمد خلاف السنة فإن التزمه صار بدعة إذاً العلة في المذهب ليصل التراب إلى ما بينها يعني بين الأصابع ليحصل الاستيعاب (يمسح وجهه بباطنها) لم يذكر النفخ؛ لماذا؟ لأنه ليس بواجب وهل هو جائز أم لا؟ المذهب فيه تفصيل إذا علا على يديه تراب كثير لم يكره نفخه في المذهب عندنا الحنابلة لحديث عمار السابق الذي فيه (فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما) قالوا (ونفخ فيهما) هذا محمول على أنه ...
(13/4)
________________________________________
لأنهم يشترطون ماذا؟ أن يكون تراب له غبار لابد أن يكون له غبار إذاً لابد أن يكون باقياً في اليد فيمسح به الوجه واليدان إذاً لابد أن يكون أثر التراب باقيا - حينئذٍ - لو نفخه فأزاله كله قال هذا منافي إذاً نحن نقرر أنه لابد أن يكون تراب له غبار من أجل الاستيعاب وأن يصل شيء منه إلى الوجه واليدين - حينئذٍ - لو جوزنا لو جوزنا النفخ مطلقاً لصار فيه نوع تناقض ولكن عندهم تفصيل قالوا إذا علا على يديه تراب كثير لم يكره نفخه لحديث عمار قال أحمد [لا يضره فعل أو لم يفعل] إذا كان كثير [لا يضره فعل أو لم يفعل] وإن كان التراب خفيفاً قليلاً يعني لو نفخه لزال قالوا هذا يكره له أن ينفخه يكره له النفخ - حينئذٍ - لو نفخ وهو قليل خفيف فطار الغبار لم يبقى عليه شيء قالوا وجب عليه أن يعيد الضرب لماذا؟ لكونه أزال الغبار الذي هو شرط في صحة ضرب التراب باليدين والصحيح على ما سبق أنه لا يشترط أن يكون له غبار - حينئذٍ - لو ضرب يديه علق تراب أو لم يعلق - حينئذٍ - إذا جوزنا أنه يصح التيمم ولو لم يعلق غبار بيديه - حينئذٍ - لو علق ونفخه وطار كله - حينئذٍ - لا إشكال فيه وهذا التفصيل في المذهب بناء على اشتراط أن يكون التراب له غبار والصحيح أنه لا يشترط وعليه يستحب ونفخ مطلقاً سواء علا على يديه تراب كثير أم خفيف أو لم يعلو على يديه تراب الصحيح أنه يستحب مطلقاً (يمسح وجهه بباطنها) عندكم بباطنهما وهو غلط (بباطنها) الضمير يعود إلى باطن الأصابع (يمسح وجهه بباطنها) أي باطن الأصابع (وكفيه براحتيه) الراحة باطن اليد هذا استحباباً؛ لماذا؟ قالوا لأنه لو مسح وجهه بباطن يديه ثم مسح كفيه لكان متيمماً بتراب مستعمل والماء المستعمل كما سبق عندهم إذا استعمل في طهارة واجبة صار ماذا؟ صار طاهراً غير مطهر فلو تطهر بماء طاهر ما صح وضوؤه فالماء المستعمل في طهارة واجبة هو طاهر فلو توضأ به ما صح وضوؤه كذلك التراب طهور وطاهر ونجس فإذا استعمل التراب في طهارة واجبة ثم استعمله مرة آخر لكان مستعمل لتراب طاهر إذاً هذا التفريق بين باطن الأصابع وباطن الراحة مبني على أصل عندهم وهو إثبات التراب الطاهر والصحيح أن التراب إما طهور وإما نجس والقسمة الثلاثية إنما هي واردة في الماء فحسب الماء ينقسم إلى ماء طهور وطاهر ونجس وأما التراب فهذا قول محدث بمعنى أنه اجتهاد من أصحاب المذهب ولا دليل عليه يدل على إثبات هذا القول، إذاً (يمسح وجهه بباطنها) أي باطن الأصابع يعني قسموا باطن الأصابع يجعلها للوجه ثم راحة باطن اليد الراحة يجعلها للكفين؛ لماذا؟ لأنه لو مسح الوجه كله بباطن الأصابع والراحة ثم استعملها في الكفين لكان مستعمل لتراب قد استعمل في استباحة ما ترتب على التيمم كصلاة ونحوها - حينئذٍ - صار التراب طاهراً وإذا كان كذلك إذا كان التقسيم هنا مبني على تعليل أو علة ضعيفة صار التقسيم كذلك محدث كسابقه بمعنى أنه لم يرد في السنة هذا التقسيم أولاً جاء في الحديث (ضربة واحدة للوجه واليدين) ولم يتأتي فيه تفصيل مما دل عليه المذهب - حينئذٍ - نبقى على الأصل فنقول كما قال تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) فيمسح الوجه كيفما مسح ويمسح اليدين كيفما مسح
(13/5)
________________________________________
وعلى الصحيح سواء قدم مسح الوجه على اليدين أو قدم مسح اليدين على الوجه لا بأس به وكيفما مسح أجزأه وأما التفصيل الذي يذكره الفقهاء هذا لا دليل عليه، إذاً (يمسح وجهه بباطنها) أي بباطن أصابعه (وكفيه) أي يمسح كفيه (براحتيه) الراحة باطن اليد استحباباً فلو مسح وجهه بيمينه ويمينه بيساره صح أو عكس صح لماذا؟ لأنه لا يشترط فيه الترتيب واستيعاب الوجه والكفين واجب سوى ما يشق وصول التراب إليه ذكرنا أن الأئمة الأربعة على أنه يجب الاستيعاب وأن ابن حزم رحمه الله تعالى لا يرى ذلك لأن فيه شيء من المشقة إذاً هذه الصفة التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى ثم قال (ويخلل أصابعه) وجوباً في المذهب بخلاف الوضوء فيستحب لماذا لأنه لا يتمكن من إيصال التراب إلى ما بين أصابعه إلا بالتخليل وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بخلاف ماذا؟ بخلاف الوضوء قلنا في الوضوء في الجملة هو مستحب تخليل الأصابع ذكره في (باب السواك وسنن الوضوء) أن تخليل الأصابع من المستحبات وقلنا الصحيح التفصيل أنه قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً فإذا لا يمكن إيصال الماء بنفسه إلى الموضع - حينئذٍ - وجب التخليل لأنه لابد من إيصال الماء وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وأما إذا وصل الماء بنفسه - حينئذٍ - لا نحتاج إلى التخليل هذا في الوضوء وأما في التيمم لا يمكن التراب أن يصل بنفسه - حينئذٍ - ارتفع نوع من أنواع وصول الماء إلى الموضع وأما التراب هنا فيتعين أن يكون واجباً لأن الاستيعاب واجب ولا يمكن إيصال التراب إلى هذا الموضع الذي هو بين الأصابع إلا بتخليله فتعين التخليل فصار واجباً بناء على قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وعلى ما سبق نقول الصحيح أنه لا يشرع تخليل الأصابع بمعنى أنه لا يعتقده سنة ولا يداوم عليه من باب أولى والصحيح أنه ليس بواجب بل ليس بسنة لماذا؟ لعدم الدليل عدم الدليل لماذا؟ لأن الأصل هنا التوقيف عدم المشروعية - حينئذٍ - تقول الدليل هو عدم الدليل إذاً من قال بأن تخليل ما بين الأصابع مستحب أو أنه واجب نقول ائتي بنص من كتاب أو سنة فإن جاء به فعلى العين والرأس وإلا رجعنا إلى الأصل وهو عدم المشروعية، إذاً قوله (ويخلل أصابعه) وجوباً ليصل التراب إلى ما بينها نقول هذا فيه نظر إذاً الصفة التي ذكره المصنف في الجملة لم تثبت لأنه قال (ينوي) هذا واضح (إنما الأعمال بالنيات) - حينئذٍ - النية شرط لطهارة الأحداث كلها وضوء وغسلاً وتيمماً (ثم يسمي) نقول لا يشرع التسمية يضرب التراب بيديه ويمسح بهما وجهه ويديه هذه الصفة التي جاءت في الكتاب (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) - حينئذٍ - نقول نبقى على ظاهر النص كيفما مسح وجهه أجزأه وكيفما مسح يديه أجزأه سواء قدم الوجه على اليدين أو عكس نقول هذا لا بأس به وإن كان موافقة القرآن مستحبة لكن لا على جهة الإيجاب وهنا قوله (يمسح وجهه بباطنها وكفيه براحتيه) هذا التقسيم وهذا التفصيل كذلك ليس عليه دليل (ويخلل أصابعه) كذلك ليس عليه دليل.
(13/6)
________________________________________
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى (باب إزالة النجاسة) أي باب بيانها وبيان أحكامها وتطهير محالها وما يعفى عنه منها وما يتعلق بذلك هذا النوع الثاني من نوعي الطهارة المجمع عليها بين الفقهاء سبق حد الطهارة (وهي ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث) قلنا هذان نوعان مجمع عليهما في الجملة يعني من حيث التقسيم الأصلي عندنا طهارة الحدث وطهارة الخبث طهارة الحدث هذه تشمل نوعين طهارة صغرى وهي الوضوء وطهارة كبرى وهي غسل الجنابة ونحوه وبدل عنهما وهو التيمم - حينئذٍ - بقي ماذا؟ النوع الثاني وهو طهارة الخبث وهو الذي عناه بهذا لباب (باب إزالة النجاسة) إذاً هذا شروع منه في بيان النوع الثاني المجمع عليه بين أهل العلم وهو طهارة الخبث وقدم هذا الباب على باب الحيض والنفاس لا شك أن موجبات الغسل منها الحيض والنفاس إذاً الحيض والنفاس له ارتباط بموجبات الغسل فلما فصل بين ما يتعلق بالغسل موجباته من الجنابة والحيض والنفاس فصل بين هذه الأبواب بالنوع الثاني وإن كان باب الحيض والنفاس له علاقة بالطهارة السابقة طهارة الحدث نقول الجواب أن إزالة النجاسة هذا مشترك بين الرجال والنساء وأما الحيض والنفاس فهذا مختص بالنساء - حينئذٍ - إذا تعارض أمران من حيث التقديم والتأخير فما كان مشتركاً أولى بالتقديم مما كان مختصاً أليس كذلك؟ ولذلك قدموا هذا الباب على باب الحيض والنفاس (باب إزالة النجاسة) (إزالة) هي التنحية يقال أزلت الشيء إزالة والنجاسة اسم مصدر وجمعها أنجاس والنجاسة كما سبق التعريف الصحيح الذي لا ينتقض ولا يقع الإنسان فيه تعارض مع أصول أخرى هو أن قول النجاسة {عين مستقذرة شرعاً}، وهذا النجاسة العينية {عين} يعني مما له جرم أو طعم أو لون أو رائحة {مستقذرة شرعاً} يعني الاستقذار جاء من جهة الشرع لأن الاستقذار نوعان: قد يستقذر من جهة الطبع كالمخاط والبصاق ونحوه هذا مستقذر طبعاً لكنه ليس بنجس لماذا؟ لعدم ورود الدليل الدال على نجاسته كذلك المني هذا مستقذر طبعاً لكنه بنجس إذاً ليس كل مستقذر يكون نجساً وإنما يكون من جهة الشرع {شرعاً} لإدخال ما لا يستقذر طبعاً وإنما يستقذر شرعاً كالخمر الخمر في الجملة عند أربابها وأصحابها عند أربابها أما الذين تعافه نفسهم ذلك هذا شيء آخر عند أصحابها هي غير مستقذرة بل هي مشروبات روحانية كما يقال - حينئذٍ - نقول هي غير مستقذرة إذاً عند جماهير أهل العلم وحكي الإجماع إن كان فيه شيء من النظر أن الخمر نجس - حينئذٍ - هو مستقذر من جهة الشرع لا من جهة الطبع واضح هذا إذاً ثلاث كلمات تحفظها في بيان حقيقة النجاسة {عين مستقذرة شرعاً} وأما التعريف المشهور كل عين حرم تناولها مع إمكانه لا لحرمته ...
(13/7)
________________________________________
إلى آخر التعريف المذكور هذا تعريف فاسد؛ لماذا؟ لأنهم أخذوا التحريم قيد في حد النجاسة يلزم منه أن كل محرم لا لما ذكر منفي في الحد يكون نجساً - حينئذٍ - التحريم يستلزم التنجيس وهذه قاعدة باطلة كل نجس محرم لكن ليس كل محرم يكون نجس إذا أخذنا التحريم قيداً في تحريم النجاسة لزم منه هذه القاعدة ولذلك يقرر بعض الفقهاء ليس من المتقدمين هم أصحاب أصول مضطردة إنما من المعاصرين يقرر أن قاعدة كل محرم نجس قاعدة باطلة ثم يعرف النجس أو النجاسة بهذا الحد نقول هذا تعارض هذا تناقض إذا قررت بأن قاعدة كل محرم ليس بنجس وأن قاعدة كل محرم نجس هذه قاعدة فاسدة وجب إخراج لفظ التحريم من حد النجاسة - حينئذٍ - التعريف المشهور {كل عين حرم تناولها} أخذ التحريم قيد هنا فنقول يلزم منه أن كل محرم لا لما ذكر يكون نجساً وهذه قاعدة باطلة على كل أدركتم هذا أو لا نقول التعريف الصحيح {عين مستقذرة شرعاً} انظر لم نذكر اصطلاح التحريم لا يلزم منه أن يكون من كل محرم نجس بل العكس هو الصحيح (باب إزالة النجاسة) نقول الأصل في الأعيان الطهارة إذاً أصل في هذا الباب بمعنى أن لا نحكم على الشيء بكونه نجساً إلا بدليل لماذا؟ لأن الأصل في الأعيان الطهارة كل باب له أصول من أصول هذا الباب إزالة النجاسة أن الأصل في الأعيان حتى المائعات ومنها أي داخلت في حقيقة الأعيان الأصل فيها الطهارة قال ابن حزم رحمه الله تعالى [من ادعى نجاسة أو تحريماً لم يصدق إلا بدليل] [من ادعى نجاسة] يعني قال بأن هذا الشيء نجس [لم يصدق] خبره [إلا بدليل من نص القرآن أو سنة صحيحة] فإذا ادعى بأن هذا لشيء نجس نقول أثبت هذا بالقرآن والسنة فإن جاء بدليل واضح بين لا يحتمل وكان ظاهر في الحكم بالنجاسة قبلنا الحكم فإن لم يأتي بدليل أو جاء بدليل لكن ليس بظاهر - حينئذٍ - حكمنا بكون الشيء طاهراً ونرجع إلى الأصل قال الله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) (خلق لكم ما) اسم موصول بمعنى الذي يعم وامتن الله عز وجل هنا بما خلق لنا في الأرض - حينئذٍ - لا يمتن إلا بشيء طاهر مباح وأما النجس فلا يمتن به ألبته وقال تعالى (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميع منه) كذلك امتن بما سخره لنا في السموات والأرض - حينئذٍ - نقول هذا يدل على أنه طاهر لأن الله تعالى لا يمتن بشيء نجس ألبته قال الله تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [الفقهاء كلهم اتفقوا على أن الأصل في الأعيان الطهارة وأن النجاسات محصاة مستقصاة - يعني معدودة تعد فيقال كذا وكذا وكذا نجس وما عداه فهو طاهر كما تقول نواقض الوضوء كذا وكذا وكذا وما عداه لا ينقض الوضوء موجبات الغسل كذا وكذا وكذا وما عداه لا ينقض الوضوء - وما خرج عن الضبط والحصر فهو طاهر كما يقولون فيما ينقض الوضوء ويوجب الغسل وما لا يحل نكاحه وشبه ذلك] إذاً الأصل في الأعيان الطهارة كذلك قال (باب إزالة النجاسة) من الأصول المعتمدة وإن كان فيها خلاف بين أهل العلم أن الأصل في إزالة النجاسة أنه لا يجوز إزالتها بغير الماء الطهور - حينئذٍ - لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس الطارئ غير الماء الباقي على خلقته حقيقة أو حكماً
(13/8)
________________________________________
وهذا كما سبق بيانه وإن كان ثَمَّ رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى رجحها شيخ الإسلام ابن تيمية أن النجاسة تزال بكل مائع مزيل كالخل ونحوه وهو مذهب أبو حنفية ولكن هذا مذهب ضعيف والأرجح هو الأول لعله مر شيء معنا من الأدلة إذاً لا يجوز إزالتها بغير الماء الطهور وهو المذهب مطلقاً قال الخطابي [إنما تزال النجاسة بالماء دون غيره من المائعات وهو قول الجمهور] ونسبه النووي في المجموع إلى جماهير السلف والخلف، النجاسة ثلاثة أقسام: الأولى: نجاسة معنوية، والثانية: نجاسة عينة، والثالثة: نجاسة حكمية، معنوية هي نجاسة الشرك قال الله تعالى (إنما المشركون نجس) يعني بنجاسة الشرك وأما أعيانهم فهذه في حال الحياة ليسوا بأنجاس أما في الممات فهم أنجاس (إنما المشركون نجس) إذاً بنجاسة الشرك وطهارتها تكون بالتوحيد وأما بدن المشرك فهو طاهر وكذلك عرقه وريقه وما يصنعه فطاهر على الأصل، ثانياً: نجاسة عينية وهي التي عرفناها فيما سبق عين مستقذرة شرعاً - حينئذٍ - نقول ما له جرم أو طعم أو رائحة أو لون فهو نجاسة عينية يعني ما يدرك بالبصر وعين جامدة يابسة أو رطبة أو مائعة فهذه لا تطهر بحال وليست دخلة معنا في هذا الباب ألبته يعني النجاسة العينية ليست هي المرادة هنا وسميت عينية لأنها تدرك بحاسة البصر وإن لم تكن مختصة به يعني تدرك بالشم وبذوق وليست منحصرة في ذلك ولكن سميت عينية نسبة إلى العين لأن في الغالب إنما تدرك بالبصر وليست منحصرة في إدراك البصر بل قد تدرك بغير ذلك، النوع الثالث: نجاسة حكمية وهذه هي التي عنون لها المصنف هنا إذاً ليست النجاسة العينية وليست النجاسة المعنوية وإنما المراد بها النجاسة الحكمية وهي لا يمكن أن تفهم إلا بمعرفة النجاسة العينية؛ وحقيقتها: هي الطارئة على محل طاهر؛ النجاسة الحكمية هي الطارئة على محل طاهر يعني نجاسة عينية تقع على بدن طاهر فنحكم على البدن هو في الأصل طاهر فنحكم على البدن بكونه نجساً هل هو نجس عيناً أو بحلول هذه النجاسة عليه؟ لا شك أنه الثاني ويكون الثوب طاهراً نقياً فيقع عليه قطرة بول - حينئذٍ - نقول البول نفسه نجاسة عينية والثوب نجاسة حكمية؛ لماذا؟ لأنه في الأصل هو طاهر وإنما حكمنا عليه بكونه نجساً حكماً؛ لماذا؟ لوقوع النجاسة العينية عليه إذاً الحكمية هي الطارئة على محل طاهر فالأصل يكون طاهر تقع عليه نجاسة عينية فنحكم على هذا الطاهر بكونه نجساً لكن ليست نجاسة عينية وإنما هي نجاسة حكمية والحكمية بعضهم قال ما ليس لها ذلك يعني ما ليس لها جرم أو طعم أو رائحة أو لون وهو كذلك كالبول إذا جف وعدمت صفاته مع تيقن إصابته سميت حكمية لأنها لا تدرك بحاسة من الحواس الخمس فلا يشاهد لها عين ولا يدرك لها طعم ولا رائحة ومع وجود ذلك فيها تحقيقاً أو تقديراً هذه النجاسة الحكمية على أربعة أنواع: سيتعرض لها المصنف لكن دون تقسم النوع الأول: وهذا عند الحنابلة وعند الشافعية أقسام النجاسة أربعة: النوع الأول: نجاسة مغلظة وهي نجاسة الكلب والخنزير، ثانياً: نجاسة مخففة وهي نجاسة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام ونجاسة المذي لأنه جاء فيه الرش النضح دون الغسل، ثالثاً نجاسة متوسطة بين ذلك
(13/9)
________________________________________
يعني فيها غسل ولم تغلظ بأن يجعل التراب فيها ولم يخفف فيها بأن يجعل أو يكتفا بالنضح والرش دون الغسل وهو ما عدا ما ذكر يعني ما عدا نجاسة الكلب والخنزير وبول الغلام الذي لم يأكل الطعام - حينئذٍ - نقول هذه نجاسة متوسطة لأنه لم يشترط التتريب التراب وكذلك لم يخفف يعدل عن الغسل إلى النضح، رابعاً: نجاسة معفو عنها كيسير الدم وأثر الاستجمار في محله على المذهب وإن قلنا فيما سبق أن الصحيح أنه طاهر، قال المصنف رحمه الله تعالى (يجزئ في غسل النجاسات كلها إذا كانت على الأرض غسلة واحدة تَذْهَب بعين النجاسة) (تُذْهِب تَذْهَب) (يجزئ في غسل النجاسات) النجاسات أل هنا للعموم يعني يعم كل النجاسات ولو كانت من كلب أو خنزير (كلها) (في غسل النجاسات كلها) هذا من باب التأكيد لكن قيدها المصنف (إذا كانت على الأرض) بمعنى أنها لم تكن على البدن ولم تكن في محل الاستجمار مثلاً ولم تكن على الثوب وإنما الحكم هنا خاص بالنجاسة الواقعة على الأرض (يجزئ في غسل النجاسات كلها) دون تفصيل بين نجاسة الكلب والخنزير وغيره من النجاسات بشرط أن (إذا كانت على الأرض) لأن قوله (إذا كانت على الأرض) مفهومها هذه الجملة إذا لم تكن على الأرض فليس الحكم فيها ما ذكر (إذا كانت على الأرض) فالحكم فيها أنه يجب إزالتها بغسلة واحدة وأما إذا لم تكن على الأرض فالحكم مختلف ويأتي تفصيله (إذا كانت على الأرض) قال الشارح [وما اتصل بها] يعني ليس المراد الأرض فحسب وإنما ما اتصل بها من الحيطان والأحواض والصخور والجبال والأشجار لو وقعت نجاسة على جبل رأس جبل فالحكم واحد لو وقعت نجاسة على الجدار فالحكم واحد لو وقعت نجاسة على رأس شجرة فالحكم واحد إذاً الأرض وما اتصل بها يعني وما ثبت مكانه بمكان الأرض ما الذي يجزئ؟ قال (غسلة) (يجزئ) (غسلة) (غسلة) بالرفع على أنه فاعل (يجزئ) (يجزئ) (غسلة واحدة) لكن بماء طهور لأنه يشترط في إزالة النجاسة أن تكون بماء طهور (تذهب بعين النجاسة) هذا هو الشرط في تحقق هذه الغسلة (غسلة واحدة تذهب) هذه الغسلة (بعين النجاسة) الدليل على ذلك؟ ما جاء في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم حديث الأعرابي (أريقوا على بوله سجلاً من ماء أو قال ذنوباً من ماء) (أريقوا على بوله) أين وقع؟ وقع على الأرض (سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء) - حينئذِ - أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإراقة وهذه إنما تحصل بغسلة واحدة يعني بإراقة واحدة يقال هل اشترط النبي صلى الله عليه وسلم بالنص هنا عدداً معيناً؟ الجواب لا، - حينئذٍ - لما كان الحكم معلق على عين النجاسة - حينئذٍ - يدور بدوران النجاسة فمتى زالت هذه النجاسة بهذا الماء الطهور مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث - حينئذٍ - نقول لا تزال النجاسة إلا بزوالها يعني لا يزال حكمها إلا بزوال عينها ولذلك قال المصنف (تذهب) أي هذه الغسلة (بعين النجاسة) فإن لم تذهب بالغسلة الواحدة تعينت غسلة الثانية فإن لم تذهب عين النجاسة بالغسلة الثانية تعينت الثالثة إذاً تعين الثانية والثالثة هل هو لذات الحكم أو لأمر زائد على الحكم؟ هل هو لذات الحكم بمعنى أنه يشرع ابتداء سبع غسلات أو ثلاث أم لكون الحكم مرتباً على عين
(13/10)
________________________________________
النجاسة؟ لا شك أنه الثاني لأنه قال (غسلة واحدة) إذاً المشروع هو غسلة واحدة فإذا زالت النجاسة بغسلة واحدة حكمنا على المحل بكونه طاهراً إذاً الحاصل نقول تطهر أرض متنجسة بمائع كبول أو بنجاسة ذات جرم أزيل عنها ولو من كلب أو خنزير وما اتصل بها بمكاثرة الماء عليها وهي المراد بقوله (غسلة واحدة) يعني تطهر بالمكاثرة لكن لابد من إزالة عين النجاسة أول الجرم لابد من إزالته فإن كان مائع يذهب مع الماء في أجزاء الأرض اكتفينا بالغسلة الواحدة وإن كان ثَمَّ أجزاء لها جرم يدرك بالبصر لابد من إزالته - حينئذٍ - سواء كان هذا الجرم مائع أو جامداً يزال أولاً ثم بعد ذلك تكاثر الأرض بالماء لحديث أنس قال (جاء عرابي فبال في طائفة المسجد فقام إليه الناس ليقعوا به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلاً من ماء أو قال ذنوباً من ماء) متفق عليه ولو لم يطهر بذلك لكان تكثيراً للنجاسة وهو كذلك ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم في تطهيرها العدد دفعاً للحرج والمشقة، إذاً إذا كانت النجاسة على الأرض إنما يكون تطهيرها بغسلة واحدة تذهب هذه الغسلة بعين النجاسة فإن كانت جرماً يدرك بالبصر والحس - حينئذٍ - لابد أولاً من إزالة هذا العين ثم إراقة الماء على الأرض، (وعلى غيرها سبع إحداها بتراب في نجاسة كلب وخنزير ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه) هذا ما يتعلق بالنجاسة المغلظة تطهير النجاسة المغلظة وهي نجاسة كلب وخنزير فقال المصنف (وعلى غيرها) يعني ويجزئ في نجاسة على غيرها الضمير يعود على الأرض يعني على غير الأرض أما إذا كانت نجاسة الكلب والخنزير على الأرض فالحكم كما سبق غسلة واحدة، إذاً تأخذ من هذا أن ليس كل نجاسة كلب يشرع فيه التسبيع والتتريب وإنما فيه تفصيل فيقال ولوغ الكلب مثلاً أو نجاسة الكلب على جهة العموم إذا وقعت على الأرض - حينئذٍ - لا تسبيع ولا تتريب وإنما يجزئ غسلة واحدة وإذا وقعت نجاسة الكلب والخنزير على غير الأرض - حينئذٍ - جاءت مسألة التسبيع والتتريب (على غيرها) أي على غير الأرض (سبع) بالتنوين التنوين هنا عوض عن المضاف إليه يعني سبع غسلات كما قال الشارح (سبع) هذا عدد هل له مفهوم أم لا؟ هل له مفهوم أم لا؟ نقول نعم له مفهوم باعتبار الأقل يعني لا ست لا خمس لا أربع لا غسلة واحدة فإن غسل أدنى وأقل من سبع لم يجزئ ولو زالت النجاسة إن قلنا للنجاسة لا للتعبد؛ هل له مفهوم باعتبار الزيادة؟ الجواب لا ليس له مفهوم باعتبار الزيادة بل لو لم تطهر وأدركنا ذلك بالحس إلا بثامنة بتاسعة بعاشرة وجب؛ لماذا؟ لأن الحكمية النجاسة تطهير النجاسة الحكمية إن كانت موجودة النجاسة - حينئذٍ - ما اشترط فيه العدد كسبع ولم تزل عين النجاسة بالسبع وجب زيادة العدد؛ لماذا؟ لأن المراد من الحكم هنا وهو وجوب الغسل إزالة العين وما ترتب عليه فإذا كانت العين باقية- حينئذٍ - تعلق الحكم بها فلابد من زيادة ثامنة وتاسعة وعاشرة لأن الحكم معلق بعين النجاسة - حينئذٍ - لو لم تذهب عين النجاسة بسبع قلنا ما أجزأت السبع؛ لماذا؟ لأن الغسل إنما وجب لإزالة العين والعين باقية - حينئذٍ - يتعين الزيادة، إذاً (سبع) له مفهوم باعتبار الأقل
(13/11)
________________________________________
فأقل من سبع لا يجزئ ولو زالت النجاسة وما زاد على سبع فهو بالنظر في عين النجاسة متى ما وجدت النجاسة وجب الزيادة ومتى ما ذهبت توقفنا عند السبع (على غيرها سبع) أي سبع غسلات قال (إحداها بتراب) ظاهر المتن لأنه لم يعين هل هي الأولى؟ هل هي الثانية؟ هل هي السابعة؟ قال (إحداها) ظاهره أنه لا أولوية لأنه قال (إحداها بتراب) إذاً التراب يكون في واحدة من هذه الغسلات السبع أي هذه الغسلات هي أولى؟ لم يعين المصنف فكأنه استوى عنده الأمران جعلها في أولها جعلها في آخرها جعلها في أثنائها الحكم واحد إذاً ظاهر كلام الماتن أنه لا أولوية فيه وهو رواية عن الأمام أحمد وعنه رواية أخرى وهي التي اختارها الشارح الأَولى أن يكون في الغسلة الأُولى وهو الصحيح الأولية من حيث الأجزاء أجزأ لا إشكال فيه لكن الأفضل والأحسن والأولى أن تكون في الأولى وعنه رواية ثالثة أن تكون الأخيرة أولى لكن الرواية الثانية هي أرجح لحديث (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب) وجاء في رواية (إحداهن بالتراب) وجاء في رواية (أخراهن بالتراب) إحداهن لا تعارض بينها وبين أولاهن أو أخراهن؛ لماذا؟ لأنها تصدق إحداهن أولاهن يحتمل أن إحداهن هي الأولى فلا تعارض كذلك إحداهن مع أخراهن هذه لا تعارض - حينئذٍ - لا تعارض بين رواية إحداهن مع الروايتين الأخريتين؛ أين وقع التعارض؟ أولاهن وأخراهن؛ أيهما أرجح؟ كلاهما صحيحتان ثابتة وإنما الأرجحية هنا كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى [فيبقى النظر في الترجيح بين رواية أولاهن ورواية السابعة والأولى أرجح - من حيث ماذا - من حيث الأكثرية - رواتها أكثر من رواة أخراهن - والأحفظية - يعني رواة أولاهن أكثر حفظاً من رواة أخراهن - والمعنى] يعني النظر؛ ما هو النظر؟ قالوا إذا جعلنا التراب في الأخيرة لزم منه تلويث الموضع ونحتاج إلى ثامنة ونحن المشروع عندنا سبعة إذاً لو جعلناها الأولى لجاء الماء بعدها منظفاً ومطهراً لها إذاً من حيث المعنى ومن حيث ما يليق بالتطهير أن نجعل التراب في الأولى وهذا هو الأرجح إذاً (إحداها) أي إحدى الغسلات (بتراب) والأولى أولى لما ذكرناه سابقاً ولا خلاف بينهم أنه لو جعل التراب في أي غسلة شاء أنه يجزئ وإنما الخلاف في الأولوية والصحيح أن الأولى هي الأولى قال (بتراب) يعني يضع التراب مع الماء في الغسلة الأولى؛ وهل هو شرط أم مستحب؟ فيه خلاف حتى في المذهب والصحيح أنه شرط بمعنى أنه واجب ولذلك نقول الصحيح من المذهب اشتراط التراب في غسل نجاسة الكلب والخنزير مطلقاً قال الشارح بتراب طهور احترازاً من الطاهر احترازاً من النجس لا إشكال فيه إذا علمنا بأن هذا التراب نجس لا يصح استعماله في تطهير نجاسة الكلب وهذا واضح وأما التفريق بين الطهور والطاهر فكما سبق لا أصل له فكل تراب لم يكن نجساً صح أن يجعل في إحدى هذه الغسلات (إحداها بتراب في نجاسة كلب) (في نجاسة كلب) هنا فيه عموم (في نجاسة كلب) أطلق المصنف - حينئذٍ - نجاسة الكلب هنا تعم سواء كان من جهة الولوغ أو من جهة روثه أو من جهة عرقه أو من جهة ما يخرج من أنفه فهو عام يشمل البول والروث والولوغ وعرقه كل ما يخرج منه -
(13/12)
________________________________________
حينئذٍ - كل ما خرج من الكلب فيشرع بل يجب في تطهير نجاسته أن يكون بسبع أولاهن بتراب هذا الذي أراده المصنف قال (في نجاسة كلب) إذاً (في نجاسة كلب) فيه شمل لأنواع النجاسة الصادرة عن الكلب فكل نجاسة خرجت من كلب ولم تقع على أرض - حينئذٍ - نقول تطهيرها يكون بهذه الصورة التي ذكرها المصنف والصحيح أن الحكم خاص بولوغه لأن الحكم جاء معلقاً بالولوغ - حينئذٍ - قوله (إذا ولغ الكلب) إذاً إذا بال الحكم يختلف إذا خرج من عرق الحكم يختلف فإذا نص الشارع على حكم ورتب عليه شيء - حينئذٍ - نكتفي بما هو عليه (إذا ولغ الكلب) إذاً الحكم معلق بالولوغ (في نجاسة كلب) أطلق المصنف الكلب لأن الكلب أنواع منه معلم ومنه غير معلم فقوله (نجاسة كلب) يشمل المعلم وغير المعلم سواء كان صغيراً جرواً أو كان كبيراً سواء كان مما يباح اقتناؤه ككلب الصيد والماشية والحراسة أو لا فالحكم عام قالوا سواء كان حضرياً أو بدوياً فالحكم عام إذاً كل كلب بقطع النظر عن نوعه فالحكم عام لأن قوله صلى الله عليه وسلم (إذا ولغ الكلب) بأل أل هذه للجنس وهي من صيغ العموم كلب هذا علم اسم دخلت عليه أل - حينئذٍ - يعم فلا يختص بنوع دون نوع آخر فمن أخرج كلب الصيد والماشية والحراسة عن الحكم بالمشقة نقول هذا اجتهاد مخالف للنص لماذا؟ اجتهاد مخالف للنص لأن هذه الأفراد داخلة في مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا ولغ الكلب) نقول هذه أل تفيد الجنس وهي تفيد العموم كل أنواع الكلاب داخلة في هذا النص - حينئذٍ - إذا كان من صيغ العموم لا يخرج فرد من أفراد العموم بالاجتهاد ومنه القياس على الصحيح فإذا كان كذلك فدعوا إخراج ما أبيح اقتناؤه نقول هذا بالاجتهاد وهو اجتهاد مقابل للنص لأن هذه الأنواع داخلة في مفهوم هذا الحديث إذاً (في نجاسة كلب) فيه عمومان عموم من جهة أنواع النجاسة الولوغ وما عداه والصحيح أن الحكم خاص بالولوغ وفيه عموم آخر وشمول وهو لأنواع الكلاب وهو الصحيح مسلم للمصنف؛ قال (وخنزير) خنزير معلوم معروف؛ ما الدليل على أن الحكم يستوي في الكلب والخنزير؟ أما الكلب فالنص وأما الخنزير قالوا هذا قياساً على الكلب لأنه شر منه - حينئذٍ - نقول هل هذا الدليل مستقيم أم لا؟ كان الخنزير معروفاً وإن لم يكن بجزيرة العرب ولم يكن في المدينة النبوية التي كان فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ذكره موجود في القرآن فإذا كان كذلك لما خص النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بالكلب دل على أن الحكم معلق على مسماه وهو الكلب - حينئذٍ - قياس غيره عليه يكون قياساً في مقابلة النص؛ ما هو النص الذي معنا؟ لأن النص هنا يدل بالمنطوق على إثبات الحكم للكلب ولوغ الكلب ويدل بالمفهوم على نفي الحكم عن غير الكلب واضح فله دلالة بالمنطوق وله دلالة بالمفهوم - حينئذٍ - نقول المفهوم دليل شرعي وقياس الخنزير على الكلب مصادماً لمفهوم هذا النص لأنه قال (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله) هذا له مفهوم شرط وهو معتبر إذا ولغ غير الكلب لا يغسل سبعاً ولا يغسل إلا على الأصل إن كان نجساً والخنزير نجس بالإجماع - حينئذٍ - نقول إلحاقه بالكلب فيه نظر بل الصواب أن الحكم خاص بالكلاب إذاً (إحداها بتراب
(13/13)
________________________________________
في نجاسة كلب وخنزير) لحديث (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم) (في إناء أحدكم) (إناء) إذاً الشيء الذي يكون صغيراً (أحدكم) الحكم خاص بالمسلمين أو أنه عام يشمل الكافرين هل هو خاص أم عام؟ الصحيح أن هذه الفروع عامة في شأن المسلم والكافر فهي عامة لكن يشترط في الكافر أنه يسلم أولاً (فليغسله) الفاء وقع في جواب الشرط واللام هذه لام الأمر ولام الأمر تدل على الوجوب (فليغسله) إذاً صار الغسل واجباً دل على أن ولوغ الكلب في الإناء فيه شيء مما يدل على نجاسته على أنه نجس وقوله (سبعاً) (فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب) نقول (سبعاً أولاهن بالتراب) هل هو داخل في المأمور به أم أنه قدر زائد على صيغة الأمر؟ انتبه لهذه هذه من المزالق قوله صلى الله عليه وسلم (فليغسله) بعض الفقهاء يقف هنا (فليغسله) يقول هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب إذاً الغسل واجب بقي شيء آخر وهو التسبيع والتتريب قوله (سبعاً) داخل في مفهوم الغسل - حينئذٍ - لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمطلق الغسل اغسله فقط لا ليس هذا المأمور به وإنما المأمور به غسل وعلى كيفية معينة كما أمر بالوضوء وبكيفية معينة إن وقع الوضوء على هذه الكيفية كان ممتثلاً فإن لم يقع هذا الوضوء على الكيفية المعينة شرعاً لم يكن ممتثلاً كذلك هنا أمر بغسل بكيفية معينة إن وقع هذا الغسل بهذه الكيفية المعينة كان ممتثلاً وإن لا فلا نأخذ من هذا التقرير تقعيد أن التسبيع واجب لقوله (فل ... )
(13/14)
________________________________________
اللام هذه للوجوب نأخذ بأن التراب واجب لقوله (فليغسله) إذاً لام الأمر دلت على الوجوب وجوب الغسل لكن بصفة معينة فإن وقع بهذه الصفة المعينة كان ممتثلاً وإن لا لم يكن ممتثلاً وأما الوقوف مع صيغة الأمر فحسب والمتعلقات التي تعلقت بهذا الفعل تترك وتهجر أو تجعل أنها من المسنونات أو أن الأمر لا يدل عليه هذا مخالف للتقعيد الصحيح عند الأصوليين ولذلك قال بعض الأصوليين لو أمر الشارع بأن قال صوم يوم الاثنين فصام يوم الثلاثاء؛ هل هذا ممتثل أو لا؟ لم يمتثل؛ لماذا مع كونه قد أوقع صياماً؟ لأنه لم يأمر بصيام مطلق أليس كذلك؟ وإنما أمر بصيام مقيد - حينئذٍ - يكون الامتثال بالصيام المقيد لا بمطلق الصيام، كذلك إذا أمر بماذا؟ إذا أمر بغسل ثم حدد هذه الغسلات وإحدى هذه الغسلات تكون بتراب - حينئذٍ - إذا جاء بالسبع كان ممتثلاً وإن لم يأتي بالسبع لم يكن ممتثلاً إن جاء بالسبع وإحداهن إحدى الغسلات السبع بتراب كان ممتثلاً وإلا فلا، ثم قال رحمه الله تعالى (ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه) (يجزئ عن التراب) يعني لو لم يضع، النبي صلى الله عليه وسلم يقول (أولاهن بالتراب) فالأصل الوقوف مع النص؛ لماذا؟ لأن الحكم هنا وإن كان مدركاً من جهة التعليل تعليل الأصل قلنا أن الحكم معلل بالنجاسة لكن لا يلزم أنه إذا كان الحكم معللاً بالنجاسة أن يكون الطريق في إزالة النجاسة كذلك مدركاً بالعقل يعني قد يكون الأصل معللاً والوسيلة أو الطريق في التحصيل تعبدي ولذلك الزكاة مثلاً وهذه قاعدة ذكرها ابن دقيق العيد في إحكام الإحكام قاعدة نفيسة؛ الزكاة ركن من الدين الإسلام وهي واجبة وهذا الحكم معلل مواساة الفقراء إلى آخره - حينئذٍ - نقول تعليل صحيح ودلت عليه نصوص لكن في أربعين شاة شاة معلل أم تعبدي؟ في عشرين مثقال من الذهب كذا وكذا معلل أم لا؟ معلل؟! غير معلل؛ ليه ما خص الأربعين لما لو كان الحكم تسع وثلاثين شاة هل وجبت الزكاة؟ ما وجبت الزكاة؛ ما الفرق؟ واحدة، لو كان الحكم مدركاً بالعقل لقيل الأربعون وإذا نقصت واحدة لا فرق لا أثر فيها عند من أخرج وعند غيره - حينئذٍ - نقول أصل الزكاة معلل وهو مواساة الفقراء - ومن جهة التكافل ونحوه - وأما أنصبت وتحديد من يخرج له أصحاب الأصناف الثمانية نقول هذا غير معلل فالتعبد وقع في كيفية إخراج الزكاة وإن كان الأصل معللاً هنا إذا قيل إذا ولغ الكلب كان معللاً بالنجاسة لا يلزم أن يكون الطريق الذي هو الغسل السبع والتتريب أن يكون معللاً لأن النجاسة قد تزول بالأولى أو الثانية - حينئذٍ - لما لابد من إيصاله للسابعة نقول التسبيع غير معلل فهو تعبدي لأنه قد يكون إدراك الولوغ وهو قد زال بالأولى والثانية وقد يضع التراب بالأولى وينظف الإناء كما كان بالثانية أو الثالثة وجب عليه أن يوصل العدد إلى سبع لماذا؟ تعبداً لما لابد من وضع التراب نقول تعبداً لو جاء شيء آخر غير التراب كالأشنان ولو كان أنظف وقوى في التنظيف نقول جاء الشرع بالتنصيص على التراب وغيره لا يجزئ إذاً قوله (ويجزئ عن التراب أشنان) يعني ولو مع وجود التراب ونحوه من كل ما له قوة في الإزالة كالملح ونحوه والأشنان بضم الهمزة وكسرها شجر يدق ويكون
(13/15)
________________________________________
حبيبات كالسكر تغسل به الثياب سابقاً وهو خشن كالتراب منظف ومزيل يعني يؤدي ما يؤديه التراب بل أبلغ من التراب - حينئذٍ - هل نقول أولاهن بالتراب إذاً إذا عند تراب وهذا أنظف إذاً أولاهن بالأشنان أو بغيره من الأمور المستحدثة الآن نقول لا ليس الأمر كذلك لماذا؟ أولاً إتباعاً للنص نص النبي صلى الله عليه وسلم على التراب والأشنان كان موجوداً آن ذاك وغيره غير التراب من المطهرات كان موجوداً آن ذاك وقتئذ - حينئذٍ - كون النبي صلى الله عليه وسلم ينص على التراب دل على أنه مقصود بذاته فلا يعدل عن غيره ألبته فإتباعاً للنص نبقى على أنه لا يجزئ غير التراب كذلك وجود الأشنان والسدر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشر إليها ثالثاً التراب أحد الطهورين كون النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين التراب والماء لآن التراب يكون بدلاً عن الماء في طهارة الحدث الأصغر أو الأكبر إذاً قوله (ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه) الصحيح أنه لا يجزئ، وإذا لم يجد التراب - حينئذٍ - نقول سقط يسقط عنه التراب لماذا؟ لأنه واجب في الغسل ولا واجب إلا مع القدرة فإذا عجز عنه أو فقده - حينئذٍ - يسقط عنه، ثم قال (وفي نجاسة غيرهما سبع) (في نجاسة غيرهما) غير ماذا؟ الكلب والخنزير ويجزئ (في نجاسة غيرهما) أي غير الكلب والخنزير (سبع) أي سبع غسلات لكن مفهوم نجاسة غيرهما دخل فيه نجاسة بول الغلام هذا يؤخذ عليه أليس كذلك؟ (وفي نجاسة غيرهما) يعني غير الكلب والخنزير (سبع) إذاً نجاسة بول الغلام تغسل سبع على هذا لكن هذا ليس مراد وإنما في نجاسة غير الكلب والخنزير وغير بول الغلام الذي لم يأكل الطعام والمذي لابد من استثنائه هذا يؤخذ على المصنف من حيث العموم لأن العموم له مفهوم هنا - حينئذٍ - دخل معه بول الغلام الذي لم يأكل الطعام ودخل معه كذلك المذي والصحيح أنه سيأتي حكمه فيما يأتي إذاً (سبع) يعني سبع غسلات بماء طهور إن أنقت السبع فإذا لم تنقي وتنظف المحل - حينئذٍ - وجب الزيادة لما ذكرناه سابقاً وإنما المراد بالسبع هنا أن لا تقل عن سبع فلو ظهر المحل بخمس وجب زياد السادسة والسابعة لماذا؟ لأن العدد هنا دل عليه الشرع وهو مراد وهو متعبد به فالحكم هنا ليس معلق بعين النجاسة فحسب وإنما بإزالة حكمها ولا تزال إلا بسبع فإن أنقت السبع - حينئذٍ - كفا فإن لم تنقي زاد حتى ينقي في كل النجاسات من نجاسة كلب وغيره يعني فيما سبق قال الشارح [مع حت وقرص لحاجة] يعني دلك إذا احتاج بأن النجاسة عين النجاسة لا تزول إلا بالدلك وجب الدلك وإلا الأصل فيه صب الماء فقط هذا الذي هو واجب وأما الدلك هل هو واجب كما سبق في لغة العرب الدلك ليس داخل في مفهوم الغسل بل يصدق بمجرد صب الماء على الموضع - حينئذٍ - الدلك هل واجب في إزالة النجاسة أم لا؟ تقول إن احتيج إلى القرص وإلى الحت وإلى النتف بأظفر أو غيره - حينئذٍ - نقول وجب وإلا فلا، ما الدليل على أنه في غير نجاسة الكلب والخنزير لابد من السبع؟ يعني لو وقعت قطرة بول على الثوب يجب أن تغسل الثوب الذي هو الموضع سبع غسلات وجب أن تغسله سبع غسلات فلو غسلته مرة واحدة ما أجزأ ولو غسلته أربع ما أجزأ ولو غسلته خمس أو ست ما أجزأ
(13/16)
________________________________________
ولو كانت قطرة واحدة لابد أن تستوفي السبع؛ ما الدليل؟ قالوا عندنا دليل قوله قول ابن عمر (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) (أمرنا) إذا قال الصحابي أمرنا من الآمر؟ النبي صلى الله عليه وسلم إذاً هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب (أمرنا بغسل الأنجاس) كل الأنجاس؟ هذا هو الأصل لأن أل تفيد العموم ودخلت على الجمع فهي تفيد العموم استثنينا نجاسة الكلب والخنزير لما سبق لحديث (إذا ولغ الكلب) وقيس عليه الخنزير صار مخصصاً لهذا الحديث كذلك بول الأعرابي صار مخصصاً لهذا الحديث بقي (أمرنا بغسل الأنجاس) إذا لم تكن على الأرض لحديث الأعرابي حديث أنس وإذا لم تكن نجاسة كلب للحديث السابق حديث أبي هريرة وقيس عليه الخنزير ما عدا هذه النجاسات - حينئذٍ - (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) يخص منها كذلك ما جاء في بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام، إذاً قال (سبعاً) وهو داخل في مفهوم قوله (أمرنا) هذا الدليل الأول الذي ذكره، ثانياً قياساً على نجاسة الكلب والخنزير وهذا قياس فاسد لأن النص إنما عين الكلب فحسب فإذا نفينا قياس الخنزير وهو شر من الكلب فمن باب أولى وأحرى أن ننفي قياس غير الخنزير على ذلك - حينئذٍ - يبقى النظر في أثر ابن عمر والصحيح أن الأثر هذا ضعيف لا يثبت وإذا كان كذلك نرجع إلى الأصل، إذاً (في نجاسة غيرهما سبع) للنص المذكور - وحينئذٍ - نقول الحكم هنا معلل وهو إزالة النجاسة - حينئذٍ - متى ما زالت النجاسة حكمنا بكون المحل قد طهر وأصل إزالة النجاسة يكون بغسلة واحدة فتكون هي المتعينة - حينئذٍ - ما كان على الأرض يكون بغسلة واحدة وكذلك ما كان على البدن أو غير الأرض على جهة العموم ما عدا نجاسة الكلب أو ولوغ الكلب فيكون كذلك بغسلة واحدة وهذا هو الصحيح الذي تدل عليه الأدلة وهو رواية عن أحمد لذا قال المحشي [وعنه تكاثر بماء حتى تذهب عينها ولونها وهذا مذهب الحنفية والمالكية والشافعية] وهذا هو الصحيح أنه لا يشترط فيها التسبيع لأن النص الوارد حديث ابن عمر ضعيف وإذا كان ضعيفاً لا تثبت به أحكام شرعية بل لا تثبت به حتى الفضائل على الصحيح وقياسه على نجاسة الكلب أو ولوغ الكلب قياس مع الفارق وإذا كان كذلك رجعنا إلى الأصل وهو أن الحكم معلق بإزالة عين النجاسة وإنما يتعين المرة الواحدة فإن لم تكفي زدنا حتى تزول النجاسة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأسماء (اغسله بالماء) ولم يعين عدداً فدل على أن الغسل إنما يكون بمرة الواحدة وقال في دم الحيض (فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء) ولم يعين عدداً فدل على أن العدد غير معتبر فهي نجاسة كالنجاسة الواقعة على الأرض، ثم قال رحمه الله تعالى (بلا تراب) يعني لما قاس هذه النجاسة على نجاسة الكلب - وحينئذٍ - نجاسة الكلب لابد أن يكون في إحدى الغسلات تراب فإذا كان كذلك لابد من استواء الفرع مع أصله؛ ما هو الفرع؟ نجاسة غير الكلب فرع كبول يقع على بدنك - حينئذٍ - إذا قيس هذا الموضع على إناء أحدكم الذي ورد فيه التسبيع مع التتريب الأصل الاستواء إذا قلنا هذا يجب أن يكون سبعاً لحديث (إذا ولغ) إذاً لابد أن يكون فيه تراب قالوا (بلا تراب) إذاً هذا اعتراض أم لا؟ هذا فيه شيء من التناقض لأن الفرع إنما يأخذ
(13/17)
________________________________________
حكم أصله دون تفريق إذا كان حكم الأصل مركباً وحكم الأصل مركب وهو غسل مع تسبيع مع تتريب وهنا أخذوا الغسل مع التسبيع وتركوا التتريب لذا قال (بلا تراب) لأنه لم يرد في النص قصراً على مورد النص قال الشارح هنا [ولا يضر بقى لون أو ريح - يعني النجاسة - أو ما له عجز] يعني إزالة النجاسة إذا كانت على الثوب مثلاً أو على بساط أو على أي موضع كان فبقي لون النجاسة لا يضر أو بقي ريح النجاسة كذلك لا يضر أو بقي اللون والرائحة معاً لعجز يعني ما استطاع أن يزيله كذلك لا يضر بخلاف بقاء الطعم إذا كان مما يطعم لأن الطعم يدل على أن ثَمَّ أجزاء باقية في الموضع إذاً يستثنى اللون ويستثنى الرائحة في كل منهما فلا يضر بقاؤه أو هما معاً للعجز وأما الطعم فلا يستثنى منه شيء ألبته، ثم قال رحمه الله تعالى (ولا يطهر متنجس بشمس ولا ريح ولا دلك) عرفنا فيما سبق أن الماء متعين لابد من إزالة النجاسة بماء طهور فلو زالت النجاسة بشمس يعني ضربته الشمس فلم يبقى له أثر زالت الرائحة واللون والطعم - حينئذٍ - هل طهر المحل؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لكون النجاسة باقية حكماً ويشترط فيه الماء كذلك (ولا ريح) لو جاء الهواء والريح وأزال عين النجاسة وأثرها ولونها ورائحتها ولم يبقى لها أثر هل طهر المحل؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لأنه لم تزل بالماء فيشترط فيه الماء وهو المذهب وهو الصحيح، (ولا يطهر متنجس) قال المصنف (متنجس) متنجس هذا نكرة في سياق النفي - حينئذٍ - يعم؛ يعم ماذا؟ أرضاً أو ثوباً أو بدناً أو كل ما يقع عليه النجاسة فلا يختص الحكم بالثوب مثلاً ولا بالأرض (ولا يطهر متنجس بشمس ولا ريح - ولا جفاف - ولا دلك) أما الطهارة بالشمس هذا مسلم له وأما الطهارة بالريح كذلك مسلم له لا يجزئ وأما الدلك فهذا محل تفصيل فما جاء النص فيه كذيل المرأة وأسفل النعل والخف فهو مستثنى من الأصل - حينئذٍ - نقول يطهر ذيل المرأة إذا مر على شيء طاهر ولو علق بنجاسة وكذلك إذا حلت النجاسة في أسفل النعل أو الخف ثم مر على تراب طاهر - حينئذٍ - يطهر وهذا لا ينقض الأصل؛ لماذا؟ لأن الأصل هو إزالة النجاسة بالماء قد جاءت بعض المواضع بالاستثناء من باب التخفيف وإثبات الرخصة لما عم أو تعم به البلوى كالاستجمار الاستجمار المذهب كما سيأتي أنه لا أو مر معنا أنه لا يطهر وإنما يعفى عن يسيره وقلنا الصحيح أنه مطهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله مع وجود الماء فدل على أنه مطهر في ذاته وكذلك للحديث السابق (أنهما لا يطهران) فدل على غيرهما يطهر كذلك قال في ذيل المرأة (يطهره ما بعده) - حينئذٍ - ما جاء به النص نجعله كالمستثنى من القاعدة والأصل العام فإذا دلت النصوص على أن إزالة النجاسة بل الطهارة على جهة العموم طهارة الحدث وطهارة الخبث لا ترفع ولا تزال إلا بالماء وجب التسليم لهذا النص ولهذا الأصل ولهذه القاعدة فإن جاء الاستثناء في إزالة النجاسة ببعض المواضع أنها تزال بغير الماء - حينئذٍ - نقول هذا تخصيص ويبقى على محله وهو رخصة ولا يقاس عليه غيره كما نقول الأصل في رفع الحدث إنما يكون بالماء وجاء الدليل بأن التراب يقوم مقام الماء في الجملة ولا يلزم منه رفع الحدث - حينئذٍ -
(13/18)
________________________________________
نكتفي بما جاء به النص ولا نقول بأنه يجوز التيمم مع وجود الماء ولا قائل به؛ لماذا؟ لأنه إنما جعل رخصة كذلك هنا في هذا الموضع قوله (ولا دلك) نقول فيه تفصيل فما جاء به النص - حينئذ - بقي على ما هو عليه، قال [(ولا دلك) ولو أسفل خف أو حذاء أو ذيل امرأة] والصحيح أنه يطهر في هذا الموضع وأما ما عداه فلا فلو وقعت نجاسة على ساعة مثلاً ودلكها بشيء ما بمنديل ونحوه هل تطهر؟ نقول لا؛ لماذا؟ لكونه لم يرد به نص وإنما نرجع إلى الأصل إن وقعت نجاسة أو حلت بذيل امرأة أو عباءة امرأة وهي ماشية - حينئذٍ - نقول إن مر على تراب طهره؛ لماذا؟ لورود النص لأن النجاسة وإن كانت مدركة من حيث الأصل وهي أن الحكم يدور معها وجوداً وعدماً إلا أن كيفية التطهير في الجملة تعبدي ولذلك لا يسأل لماذا يخص به الماء مع كون الخل يزيل النجاسة؟ بل نبقى على الأصل، قال (ولا استحالة) هذا النوع الرابع مما نفاه المصنف يعني لا يطهر متنجس باستحالة الاستحالة استفعال من حال الشيء عما كان عليه إذا زال وذلك مثل أن تصير العين النجسة رماداً أو وقع كلب كالمثال المشهور وقع كلب في مملحة ملح كثير وقع فيه كلب فصار الكلب ملح أين الكلب؟ لا يوجد عندنا كلب أين هو؟ استحال صار ملحاً ما حكم هذا المحل الذي صار من الكلب إن قلنا بأن الاستحالة مطهرة - حينئذٍ - صار الملح طاهراً وإن قلنا بأن الاستحالة غير مطهرة فالملح نجس المذهب عند الحنابلة أن الاستحالة لا تطهر ولذلك قال (ولا استحالة) يعني لا يطهر متنجس باستحالة فلو تغير كان عذرة مثلاً ثم صار رماداً إذاً هذا رماد ليس اسمه عذرة هذا ملح وليس اسمه كلب كان كلباً - حينئذٍ - زوال الاسم سقوط الاسم لم يسقط الحكم بقي الحكم على أصله وهو أنه نجس وهنا قال [وذلك مثل أن تصير العين النجسة رماداً أو غير ذلك كما لو أحرق سرجين فصار رماداً وكالدم إذا استحال قيحاً أو صديداً] على المذهب لا تعد من المطهرات ولذلك قال [فرماد النجاسة نجس ودخان النجاسة نجس وغبار النجاسة وبخار يعتبر من النجاسات] وفرق بين دخان النجاسة وبين النجاسة عينها وفرق بين النجاسة التي تجعل حطباً بين رمادها لأن الاسم تغير هل تغير الأسماء يسقط الأحكام؟ يعني تتبدل الأحكام بتغير الأسماء أم لا؟ هو هذا الذي وقع فيه النزاع لأن عندنا ماذا؟ عندنا كلب هو نجس إذاً عندنا اسم على مسمى على ذات كلب الحكم نجس، تغير الكلب ما صار كلب صار ملح هل يبقى الحكم أم يزول لتغير الأسماء؟ هذا محل خلاف والصحيح أن الأحكام تتبدل وتتغير بتغير أسمائها ولذلك قال ابن حزم [الأحكام للأسماء والأسماء تابعة للصفات التي هي حد ما هي فيه إذا زال الاسم زال الحكم] إذا كان الحكم تابعاً للاسم - حينئذٍ - نقول الحكم النجاسة تابع للكلب فإذا بقي الكلب كلب كما هو في صورته المعهودة فالحكم باقي وإذا تغير وزال وصف الكلب وهيئته إذاً سقط الحكم وعليه نقول الصحيح أن الاستحالة تعتبر من المطهرات، فالأصح أن الاستحالة مطهرة لأن هذه الأعيان المستحيلة لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظاً ولا معنى وإنما جاء النص بكون الكلب نجساً إذاً نص الشارع على الكلب وهذا ليس بكلب هذا ملح - حينئذٍ - لابد من تغير الحكم
(13/19)
________________________________________
فنقول الحكم يتبع الاسم وأيضاً اتفقوا على أن الخمر إذا صارت خلاً بفعل الله صارت حلالاً طيباً وهذه مثلها ومن فرق بينهما قالوا الخمر تنجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة بخلاف الدم والميتة ولحم الخنزير وهذا ضعيف، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [ولا ينبغي أن يعبر عن ذلك بأن النجاسة طهرت بالاستحالة فإن نفس النجس لم يطهر بل استحال] إذا الشيء نفسه عينه قد تغير كان كلباً فصار ملحاً - حينئذٍ - نقول الحكم لآن على كلب أو على ملح في الطور الثاني كلب استحال؛ صار ماذا؟ صار ملحاً - حينئذٍ - إذا حكمنا على الشيء الثاني الذي استحال الكلب إليه نحكم على كلب أو على ملح؛ ما اسمه؟ اسمه ملح - فحينئذٍ - نقول الأصل في الملح الطهارة فيبقى على أصله، إذاً (ولا استحالة) يعني لا يطهر متنجس باستحالة والصحيح أنه يطهر فإن التنجيس والتحريم يتبع الاسم والمعنى الذي هو الخبث (غير الخمرة) هذه مستثناة (غير الخمرة) الخمرة هذه فيها نزاع بعضهم يرى أنها نجسة المذاهب الأربعة على أنها نجسة وبعضهم يرى أنها طاهرة [(غير الخمرة) إذا انقلبت بنفسها خلاً] يعني انقلبت بنفسها يعني استحالة إذاً الاستحالة على المذهب لا تطهر واستثنوا نوعاً واحداً من الاستحالة وهي استحالة الخمرة بشرط أن تكون بفعل الله عز وجل يعني ليس بقصد من المكلف - حينئذٍ - قالوا بالاستحالة بكونها مطهرة؛ لماذا؟ لورود النص ولذلك جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الخمر تتخذ خلاً قال (لا)، الخمر تتخذ خلاً إذاً هي كانت خمراً فصارت خلاً إذاً ارتفع الاسم أو لا؟ قال (لا) وإنما قال لا هنا لكونه جاء الفعل تتخذ إذاً بفعل فاعل بالعمد يعني قصداً فقال (لا) عليه الصلاة والسلام مفهومه أنها لو صارت خلاً دون اتخاذ الجواب نعم (غير الخمرة) الخمرة اسم لكل مسكر وسميت بذلك لتخميرها العقل أي تغطيتها إياه، قال ابن هبيرة [واتفقوا على أن الخمرة إذا انقلبت خلاً من غير معالجة الآدمي طهر] وإنما إذا انقلبت خلاً بفعل فاعل فلنص حديث أنس - حينئذٍ - لا تطهر تبقى على الأصل فإن خللت يعني نقلت لقصد التخليل لم تطهر للحديث السابق قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الخمر تتخذ خلاً قال (لا) رواه مسلم وغيره عن أنس وقال عمر (لا تأكلوا خل خمر إلا خمر بدء الله بفسادها) وثبت عن طائف من الصحابة، قال ابن القيم [ولا يعلموا لهم - في الصحابة - مخالف وذلك لأن اقتناء الخمر محرم فمتى قصد باقتنائها التخليل كان قد فعل محرماً فلا يكون سبباً للحل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه داء وليست بدواء] إذاً على المذهب الاستحالة ليست بمطهرة إلا في مسألة الخمر ثم مسألة الخمر قد تكون بفعل فاعل وقد تكون بفعل الله عز وجل فالأول هي نجسة باقية على أصلها وفي الثاني هي طاهرة للنص، قال (أو تنجس دهن مائع) هذا يأتي في محله.
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(13/20)
________________________________________
عناصر الدرس
* تابع لباب: إزالة النجاسة.
* قوله: "أو تنجس دهن مائع"، وسبب التفريق بين المائع والجامد.
* حكم من خفي عليه موضع النجاسة.
* تطهير بول الغلام الذي لم يأكل الطعام.
* قوله: "ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم" المسألة.
* هل ينجس المسلم بالموت؟
* تعليق الحكم بمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق.
* حكم المني، ودليل المسألة.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فلا يزال الحديث في بيان ما يتعلق بباب إزالة النجاسة وعرفنا هنا أن المراد بالنجاسة هنا النجاسة الحكمية وليست النجاسة العينية فإنها غير قابلة للتطهير وبينا أن النجاسة الحكمية أربعة أنواع: هذا في المذهب عند الحنابلة وكذلك عند الشافعية فهي نجاسة مغلظة والمراد بها نجاسة كلب وخنزير على المذهب ونجاسة مخففة والمراد بها نجاسة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام ونجاسة المذي كذلك على المذهب والثالثة نجاسة متوسطة بين ذلك رابعاً نجاسة معفواً عنها كيسير الدم وأثر الاستجمار في محله سبق ما يتعلق ببعض المسائل المتعلقة بالنجاسة المغلظة والنجاسة المتوسطة، وكانت آخر مسألة وقفنا معها هي أن النجاسة لا تزول بشمس ولا ريح ولا دلك ولا استحالة غير الخمرة فإن خللت - حينئذٍ - إن كانت قصداً فالحكم بنجاستها محل وفاق وإن كانت بفعل الله عز وجل - حينئذٍ - كانت طاهرة فيفرق بين تخليل الخمر بين أن يكون بفعل الله عز وجل وبين أن يكون بفعل الآدمي والحكم - حينئذٍ - يختلف باختلاف اليد والاستحالة سبق أن الصحيح أنها مطهرة وما عداها يبقى على أصله فالشمس لا تطهر كذلك الدلك لا يطهر إلا ما جاء النص به كذيل المرأة ونحوها - حينئذٍ - ما جاء النص ببيان تطهيره بغير الماء وقيل معه وإلا الأصل أن النصوص دالة على أن النجاسة لا تزول بغير الماء الطهور وأما المائعات ولو كانت أقوى من الماء كما هو الموجود في العصر الحاضر هذه لا تطهر النجاسة لأن الشرع أوقف إزالة النجاسة على الماء وما عداه يبقى على الأصل وقفنا عند قوله (أو تنجس دهن مائع) أي لم يطهر المذهب يفرقون بين المائعات حيث التنجيس فالماء عندهم فيه تفصيل وهو ما سبق في أول الباب ما تغير بالنجاسة حكمنا عليه بكونه نجس هذا الماء الكلام في الماء إن وقعت فيه نجاسة فتغير الماء بالنجاسة - حينئذٍ - نقول الماء انتقل من الطهورية إلى النجاسة وإن لم يتغير بالنجاسة - حينئذٍ - فرقنا بين القليل والكثير فإن كان كثيراً وهو ما بلغ قلتين فأكثر لا ينجس بل باقي على أصله وما كان دون القلتين حكمنا على الماء بكونه نجساً بمجرد الملاقاة وهذا بمنطوق ومفهوم حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) مفهومه مفهوم مخالفة أنه إذا لم يبلغ القلتين - حينئذٍ - يحمل الخبث مطلقاً ولو لم يتغير وذكرنا أن هذا هو الصحيح وأما ما عدا الماء على المذهب - حينئذٍ - كل مائع عدا الماء كالزيت السمن ونحو ذلك أو الخل فالحكم عندهم أنه يستوي فيه القليل والكثير فينجس بمجرد الملاقاة ولا عبرة هنا بالتغير بل التغير إن تغير المائع ما عدا الماء كالزيت مثلاً وقعت فيه نجاسة فتغير - حينئذٍ - محل وفاق أنه نجس لو جود أثر النجاسة هذا لا إشكال فيه يبقى الخلاف فيما إذا لم يتغير فالمذهب سواء كان قليلاً أو كثيراً بمجرد الملاقاة حكمنا عليه بكونه نجساً ولذلك قال (أو تنجس دهن مائع) (دهن) الدهن قد يكون مائعاً وقد يكون جامداً والفرق بينهما كما في حواشي الإقناع
(14/1)
________________________________________
الجامد الذي فيه قوة تمنع انتقال أجزأ النجاسة من الموضع الذي وقعت فيه إلى ما سواه يعني لا تسري فيه النجاسة يعني لا تمشي بل يقف على محله نقول هذا جامداً ما عداه فهو المائع، هذا الجامد وعرفه بعضهم بأنه القائم اليابس ضد الذائب والذائب كما عرفه هنا في الحاشية [وهو ما بحيث يسيل لو فتح فم الزق] بمعنى أنه لو فتح فم قربة سال بنفسه هذا يسمى مائعاً أو ذائباً المذهب يفرقون بين الجامد والمائع، الجامد إذا وقعت فيه نجاسة أزيلت النجاسة وما حولها وأما المائع فبمجرد الملاقاة حكموا عليه بكونه نجساً، ولذلك قال (أو تنجس دهن مائع) يعني لم يطهر ولا يمكن تطهيره بخلاف الماء سبق أن الماء يمكن أن يطهر؛ ماء قليل إذا وقع فيه أو صب عليه ماء كثير تطهر أليس كذلك؟ أو الماء النجس الكثير الذي زال تغيره بنفسه حكمنا عليه بكونه انتقل من النجاسة إلى الطهورية إذاً الحاصل أن الماء النجس يمكن تطهيره بواحد من الأمور السابقة لكن الدهن المائع لو وقعت فيه نجاسة عندهم لا يمكن تطهيره؛ لماذا؟ لأن الدهن لا يدخل الماء في أجزأ الدهن بخلاف الماء فالماء أجزأ يمكن أن يدخل بعضها في بعض وأما الدهن فلا، ولذلك قال (أو تنجس دهن) دهن هذا قد يكون مائعاً وقد يكون جامداً أخرج الجامد بقوله (مائع) (لم يطهر) لأنه لم يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه بدليل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة السمن الذي وقعت فيه الفأرة، هذا المذهب والصحيح أن يقال أن الدهن المائع كالجامد بمعنى أن ما عدا الماء على الصحيح أنه لا ينجس إلا بالتغير يعني بالتغير بالنجاسة - حينئذٍ - إذا وقعت النجاسة في الدهن مثلاً سواء كان جامداً أو مائعاً تزال النجاسة وما حولها والباقي يعتبر طاهراًََ وإلحاقه بالماء بمجرد الملاقاة نقول هذا إلحاق مع الفارق - حينئذٍ - الأصل القاعدة الأصل ما تغير بالنجاسة فهو نجس ما لم يتغير بالنجاسة وما لم يتغير بالنجاسة فالأصل أنه ليس بنجس إلا ما دل الدليل عليه؛ كالماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة حكم الشارع بكونه نجس إذاً للنص وإذا لم يرد النص بقينا على الأصل واستصحاب البراءة الأصلية - حينئذٍ - نقول هذا الدهن الذي لم يتأثر كله جميعه بالنجاسة نقول الأصل فيه أنه طاهر - حينئذٍ - نبقى على هذا الأصل حتى يرد دليل واضح بين ينقلنا إلى الحكم بالنجاسة فالصواب أن الدهن المائع كالجامد تلقى النجاسة وما حولها والباقي طاهر، ففي البخاري من حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) هنا سئل عن ماذا؟ عن فأرة وقعت في سمن ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هل هذا السمن جامد أم مائع؟ - حينئذٍ - ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال فيكون النص عاماً - حينئذٍ - هذا الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم (ألقوها وما حولها) يعني يكون الجواب لأي شيء؟ سواء كان السمن مائعاً أو كان سمن جامداً؟ لأنه لم يستفصل فيحمل على العموم وأما الرواية التي احتجوا بها في المذهب ومن قال بهذا القول أنه قال (إذا كان جامداً فألقوها وما حولها وإذا كان مائعاً فلا تقربوها) هذا الحديث ضعيف
(14/2)
________________________________________
هذه الزيادة ضعيفة وإذا كان ضعيفاً - حينئذٍ - لا يعول عليه ويكون حديث ميمونة الوارد في صحيح البخاري هو المعتمد والنبي صلى الله عليه وسلم سئل عن السمن ولم يستفصل وبيّن الحكم - حينئذٍ - يكون عاماً، إذاً التفريق بين الجامد والمائع نقول هذا تفريق بناء على نص وهو ضعيف وإذا كان ضعيف رجعنا إلى الأصل وقياسه على الماء قياس مع الفارق فلا يقاس المائع على الماء لأن الماء هو الذي يحصل به التطهير وأما المائعات فلا يحصل بها التطهير ولذلك قال (فلم تجدوا ماء فتيمموا) لما لم يوجد الماء عدلنا إلى التيمم التراب ولو وجد غير الماء من المائعات فدل على أن المائع غير الماء ليس كل الماء - حينئذٍ - يكون القياس مع الفارق، إذاً (أو تنجس دهن مائع لم يطهر) على المذهب مطلقاً سواء كان قليلاً أو كثيراً تغير أم لا والصحيح أنه إن تغير حكمنا بنجاسته وهذا محل وفاق وإن لم يتغير - حينئذٍ - نلقي النجاسة وما حولها ويكون طاهراً ولذلك قال في الشرح [لم يطهر لأنه لا يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه] وإن كان جامداً ووقعت فيه نجاسة ألقيت وما حولها والباقي طاهر للحديث حديث أبي هريرة (ألقوها وما حولها وكلوا وإن كان مائعاً فلا تقربوه) رواه أبو داود، قال ابن تيمية [عمل بهذا اللفظ بعض العلماء لظنهم صحته وهو باطل ولو أطلع الإمام أحمد على العلة القادحة فيه لم يقل به لأنه من رواية معمر وهو كثير الغلط باتفاق أهل العلم] قولهم (فلا تقربوه) متروك عند السلف والخلف من الصحابة والتابعين وقال البخاري وغيره [هو غلط أخطأ] وقال ابن القيم [غلط من معمر من عدة وجوه وكيف أن الزهري قد روى عنه الناس كلهم خلاف ما روى عنه معمر وسئل عن هذه المسألة فأفتى بأنها يلقى وما حولها ويأكل بالباقي بالجامد والمائع والقليل والكثير واستدل بالحديث فهذه فتياه وهذا استدلاله وهذه رواية الأمة عنه] إذاً القول بأن المائع يلقى كله وأنه تنجس هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال المصنف (وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزوالها) هذه العبارة أخذها من المقنع وعبارة المقنع أوضح حيث قال [وإذا خفيت النجاسة لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها] يعني إذا كان المكان ضيقاً ويمكن حصره يعني لا صحراء ونحوها هذا مستثنى إن كان الموضع موضع النجاسة ضيق في بدن أو ثوب أو بقعة ونحوها وخفي عليه موضع النجاسة يعني تيقن نزول النجاسة على الثوب مثلاً لكن لا يدري هل هو أمامه خلفه في الكم الأيمن الأيسر خفي عليه موضع النجاسة مع يقينه بأن الثوب قد وقعت عليه نجاسة - حينئذٍ - لا يحكم على الثوب بكونه قد تطهر إلا بغسله كله لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يتيقن مع تيقنه إصابة الثوب بالنجاسة - حينئذٍ - تيقن أنه تنجس ولا يمكن أن يرتفع هذا الحكم إلا بغسله كله - حينئذٍ - تعين أو وجب عليه أن يغسل الثوب كله حتى يجزم بزواله (وإن خفي موضع نجاسة) (خفي موضع نجاسة) هذا مراد به في المكان الضيق لا الواسع أما الواسع فالمذهب أنه يتحر يعني لو كان في أرض أو كان في بيت صالة أو نحوها يعلم أن الولد قد بال في موضع ما لكنه لا يدري نقول هذا المكان واسع ليس بضيق - حينئذٍ - يتحر يعني يبحث عن قرائن فما غلب عليه ظنه
(14/3)
________________________________________
عمل به فيغسله فإن غلب على ظنه أنه بال في هذا الموضع غسل هذا الموضع إن غلب على ظنه أنه بال في هذا الموضع غسل ذاك الموضع ولا يلزمه غسل كل ما يكون في غرفة ونحوها لأن هذا مما يشق، (إن خفي موضع نجاسة) وهذا إنما يتصور في مكان ضيق لا واسع وأما الواسع فيتحر يعني يتحر الموضع الذي يغسله فيغسله ليس المراد أنه يتحر في موضع فيصلي قد يكون هذا لكن المراد هنا النجاسة، (وإن خفي موضع) يعني محل (نجاسة) والنجاسة هذه نكرة في سياق الشرط فتعم يعني سواء كانت النجاسة على الثوب أو كانت في البدن أو كانت في بقعة ضيقة وأراد الصلاة لم يجز له حتى يتيقن زوالها يعني لم يجز له أن يصلي لأن إزالة النجاسة واجتناب النجاسات شرط من شروط صحة الصلاة فإذا تيقن أن الموضع الثوب أو البدن أو الموضع الذي سيصلي فيه أصابته نجاسة - حينئذٍ - لا يجوز أن يصلي حتى يتيقن طهارة الثوب وكذلك البدن والموضع لم يجز له حتى يتيقن زوالها وإنما يتيقن ذلك بغسل كل محل يحتمل أن النجاسة أصابته وبهذا قال مالك والشافعي وابن المنذر، (غُسل حتى يجزم) (غُسل) يعني ذلك الموضع وجوباً (غسل) ليس اختياراً وإنما وجوباً؛ لماذا؟ لأن اجتناب النجاسات هذا واجب إذا كان كذلك - حينئذٍ - ما لم يتحقق الوجوب إلا به فهو واجب - حينئذٍ - اجتناب النجاسة يعتبر واجباً (حتى يجزم) أي إلى أن (حتى) بمعنى إلى؛ إلى أن يجزم ويقطع بزواله يعني زوال النجس لأنه متيقن فلا يزول إلا بيقين الطهارة وقيل يتحرى مكان النجاسة فيغسلها يعني لا فرق بين الواسع والضيق وهذا هو الصحيح إن غلب على ظنه أنه أصيب في موضع ما من بدنه أو ثوبه أو بقعته - حينئذٍ - نقول التحري جاءت به الشريعة بدليل ماذا؟ بدليل أنهم قالوا بالتحري في مكان واسع صحراء ونحوها له أن يتحرى وهذا حكم شرعي إذا كان كذلك كما أنه يتحرى في الصلاة ويتحرى في عدد أشواط الطواف والسعي ونحو ذلك هنا كذلك نقول على الصحيح تلك المسألة هنا كذلك يتحرى فما غلب عليه في ظنه عمل به فإن تيقن أن النجاسة أصابت أحد الكمين هذا أو ذاك على المذهب يجب أن يغسل الكمين معاً على المذهب والصحيح أنه إن غلب على ظنه أنه في الكم الأيمن هذا الذي يلزمه غسله وما عداه فلا يغسله هذا على الصحيح أنه يتحرى يعني إذا غلب على ظنه هو الذي يعمل به إن استويا - حينئذٍ - رجعنا إلى الأصل وهو ما قرره المصنف هنا رحمه الله تعالى، إذاً (وإن خفي موضع نجاسة غُسل حتى يجزم بزواله) والصحيح أنه لا يلزمه غسل ذلك إذا غلب على ظنه - وحينئذٍ - يتحرى فما غلب على ظنه وإلا فلا، [فإن لم يعلم جهتها من الثوب غسله كله] هذا على المذهب والصحيح أنه يتحرى فإن لم يغلب على ظنه شيء غسل الثوب كله وأما إذا غلب على ظنه جهة معينة - حينئذٍ - رجعنا إلى التحري، [وإن علمها في أحد كميه ولا يعرفه غسلهما] هذا مثال أو تفريع لقاعدة (خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزواله) والصحيح ما ذكرناه، [ويصلي في فضاء واسع حيث شاء بلا تحري]- حينئذٍ - نقول لا فرق بين الفضاء الواسع وبين الضيق بل الصواب أنه يتحرى فيهما، ثم قال رحمه الله تعالى (ويطهر بول غلام لم يأكل الطعام بنضحه) هذا النوع الثالث من أنواع النجاسة وهو أنه قد تكون
(14/4)
________________________________________
النجاسة مخففة نجاسة مخففة وهي نجاسة بول الغلام، قال (ويطهر بول) إذاً البول نجس أخذنا ذلك من قوله (يطهر) لأن الطهارة يقابلها ماذا؟ النجاسة؛ وهل قال بعض أهل العلم بطهارة بول الغلام؟ نقول نعم قال داود الظاهري بأنه طاهر وليس بنجس والصحيح ما عليه الجماهير من أنه نجس ولذلك عبر المصنف هنا بالطهارة (ويطهر بول) إذاً خص البول وخرج الغائط وليس له حكم من حيث الاستثناء أو التخفيف وإنما رجع إلى الأصل وهو وجوب الغسل (ويطهر بول) لا غائط (بول غلام) غلام يطلق على الصبي من حين يولد على اختلاف أحواله إلى أن يبلغ هذا أصل الغلام لكن المراد هنا من ولادته إلا أن يأكل الطعام لأن الحكم مقيد فليس مطلق الغلام كل غلام لا؛ المراد به غلام قيده المصنف لم يأكل إذاً هناك غلام أكل الطعام فإذا كان الغلام يطلق على من دون البلوغ - حينئذٍ - قد يكون شاباً أليس كذلك؟ هذا يأكل ويشرب - حينئذٍ - الحكم لا يتعلق به، (غلام) أخرج الجارية - حينئذٍ - الحكم لا يتناولها (غلام) لم يأكل الطعام قال (بنضحه) جار ومجرور متعلق بقول (يطهر) يعني يطهر هذا المذكور النجس (بنضحه) والنضح هو الرش والبل وهو يقابل الغسل فالغسل لابد من جريان الماء ولابد من الفرك والعصر لابد أن يفركه لابد أن يعصره وأما النضح فيكفي الرش فحسب وهذا كما هو الشأن في المذي إذا أصاب الثياب كذلك البول بول الغلام، قال هنا (لم يأكل الطعام) هذا القيد لم يرد في النص وإنما جاء من وصف الصحابي للصبي الذي بال على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه جاء في الحديث (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بصبي فبال على ثوبه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فأتبعه إياه) متفق عليه وليس فيه أنه لم يأكل الطعام وجاء في حديث أم قيس (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام - فجاء الوصف هنا مقيد بالصحابية - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حَجْرِه فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) إذاً (فنضحه ولم يغسله) دل على أن النضح هنا المراد به الرش والبل وليس المراد به الغسل فإن قيل بأن النضح قد يطلق على الغسل نقول ليس بمراد في هذا النص بدليل (ولم يغسله) لما نفى لم يغسله دل على أن النضح المراد به هنا الرش والبل وليس المراد به الغسل إذاً جاء في النص هنا بابن لها صغير لم يأكل الطعام، وجاء كذلك عن أم الحسن (أنها أفسرت أم سلمة تصب الماء على بول الغلام ما لم يطعم فإذا طعم غسلته وكانت تغسل بول الجارية) إذاً هذا القيد لم يرد في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قوله وإنما جاء بقرائن الأحاديث الواردة في هذا الموضع، (ويطهر بول غلام لم يأكل الطعام بنضحه) قال أي غمره بالماء ولا يحتاج لمرص وعصر فإن أكل الطعام غسل، قال ابن القيم رحمه الله تعالى [وإنما يزول حكم النضح إذا أكل الطعام وأراده وشتهاه تغذياً به] يعني ليس المراد مطلق الأكل لأنه قد يحنك بالتمر مثلاً عند ولادته هذا أكل الطعام لكنه هل اشتهاه هل طلب الطعام؟ هل اختاره؟ الجواب لا، إذاً ليس كل من أكل الطعام يخرج عن هذا الحكم وإنما المراد غلام لم يأكل الطعام تشهياً يعني لشهوة أو اختياراً لم يطلبه وإنما أعطي إعطاء هذا ليس بخراج ولا يسمى
(14/5)
________________________________________
آكلاً للطعام؛ لماذا؟ لأنه لا يكون آكلاً للطعام إلا إذا قاصداً طالباً له والفعل إنما ينسب إلى الشخص إذا كان قاصداً وطالباً له، إذاً قال ابن القيم [وإنما يزول حكم النضح إذا أكل الطعام وأراده واشتهاه تغذياً به] وقال في الفتح ابن حجر رحمه الله تعالى [والمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه] لأنه نوع طعام إذا لم يأكل الطعام مات هذا أليس كذلك؟ وإنما المراد به لم يأكل الطعام لشهوة - حينئذٍ - اللبن الذي يرتضعه أخرجه عن الحكم نقول لا، لأنه منذ أن يولد وهو يرتضع فإذا كان هذا آكلاً للطعام ارتفع الحكم الشرعي، إذاً قال ابن حجر [والمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها فكان المراد أنه لم يحصل الإغتذاء بغير اللبن عن الاستقلال] هذه المذكورات لا تخرجه عن كونه ليس آكلاً للطعام لأنه يعطى إعطاء إذاً هذا الحكم خاص بالغلام ولا يشمل الجارية للنص الذي ذكرناه سابقاً ولما فرق الشارع بينهما الله أعلم، بين النبي صلى الله عليه وسلم بأن البول بول الصبي ينضح من بول الغلام ويغسل بول الجارية نقول فرق بينهما وجمع بينهما في لفظ واحد؛ لم فرق؟ نقول الصحابة لم يسألوا لم فرقت يا نبي الله صلى الله عليه وسلم وإذا لم يسألوا - حينئذٍ - رجعنا إلى التسليم والأحكام الشرعية إنما مبناها على التعبد الفقهاء استنبطوا أحكام لكن لا نقف معها، ثم قال (ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس من حيوان طاهر) (ويعفى) هذا النوع الرابع وهو النجاسة التي يعفى عن يسيرها (ويعفى) أي يتجاوز تجاوز (عن يسير دم) يتجاوز (يعفى) (عن يسير) متعلق بقوله (يعفى) والذي عفا من؟ الشارع هو الذي تسامح هو الذي تجاوز يعفى عن يسير إذاً لا كثير واليسير ما لا يفحش في نفس كل أحد بحسبه والكثير ما يفحش في نفس كل أحد بحسبه يسير ماذا؟ قال (يسير دم) أما يسير غير الدم كالبول والغائط فلا يعفى لأنه خصه بماذا؟ بالدم، النجاسات كثيرة ومنها الدم - حينئذٍ - لما قال (عن يسير) إذاً لا كثير فكثير الدم لا يعفى عنه ولما قال (عن يسير دم) خص الحكم وقيده بالدم إذاً يسير البول لا يعفى عنه يسير الغائط لا يعفى عنه يسير القيء على القول بنجاسته لا يعفى عنه وقلها في ما عدا هذه النجاسات، (عن يسير دم نجس) قيد الدم بكونه نجس تعلم منه أن بعض الدم ليس نجس، فالدماء ثلاثة أقسام: الأول: نجس لا يعفى عن شيء منه ألبته؛ وهو الدم الخارج من حيوان نجس ولذلك قال هنا (من حيوان طاهر) إذاً الحيوان النجس هذا لا يعفى عنه لا يسير ولا كثير نجس لا يعفى عن شيء وهو الدم الخارج من حيوان نجس أو خارج من السبيلين من القبل أو الدبر هذا على المذهب لا يعفى عن يسيره، النوع الثاني: نجس يعفى عن يسيره؛ وهو الذي معنا يسير دم من حيوان طاهر - بهذا القيد - حيوان طاهر يعني في الحياة ولو لم يكن مأكول اللحم، الثالث: دم طاهر؛ وهذا أنواع دم السمك لأن ميتته طاهرة، الثاني الدم اليسير الذي لا يسيل كدم البعوضة والذباب ونحوها لأن ميتتها طاهرة كما سينص عليها المصنف، ثالثاً الدم الذي يبقى في المذكاة بعد تذكيتها كدم الذي يكون في العروق أو في الكبد أو في الطحال هذا
(14/6)
________________________________________
سواء كان قليلاً أو يسيراً يعني بعد سيران الدم الذي يسيل الدم المسفوح هذا نجس باتفاق وأما الدم الباقي في اللحم أو في الكبد أو في الطحال أو في العروق هذا طاهر وليس بنجس ولو كثر ولو رأيته يطبخ مع اللحم نقول هذا مستثنى طاهر، رابعاً دم الشهيد عليه طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بغسله فدل على طهارته هذا عندنا وعند الحنفية وأما عن المالكية والشافعية فهو نجس، إذاً الدماء الطاهرة أربعة دم السمك والدم اليسير الذي لا يسيل وثالثاً الدم الذي يبقى في المذكاة بعد تذكيتها ودم الشهيد ما عدا هذه - حينئذٍ - يكون نجساً ويختلف حكمه من حيث العفو عن يسيره أو لا، (ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس) عرفنا أنه من حيوان طاهر في الحياة وسيأتي هذا، إذاً التخصيص في العفو هنا خصه المصنف باستثناء نوعين أنه لا يعفى عن يسيره وهو (في غير مائع) السائل يعني في غير السائل وأما السائل سواء كان ماء أو غيره فعلى كلام المصنف أن يسير الدم النجس وغيره كذلك لا يعفى عنه فلو وقعت قطرة بول في ماء يسير؟ نجس ما يعفى عنه ولو كانت قطرة بول، (ومطعوم) يعني ما يطعم من الجوامد كالخبز ونحوه كذلك لو وقعت عليه قطرة بول قالوا حكمنا عليه بأنه نجس ولا يعفى عن يسيره وما يعفى عن يسيره يترتب عليه حكم وهو أنه لا يطالب بغسله أو تطهيره وأما هنا في المطعوم وفي المائع - حينئذٍ - الحكم ثابت كما هو فمراد المصنف هنا أن العفو عن يسير الدم النجس من حيوان طاهر يكون في غير المائع وأما المائع فلا يعفى عن يسيره بل نحكم عليه بكونه نجساً لأن الماء وغيره بمجرد الملاقاة يعتبر نجساً ولكن الماء بقيد القليل وأما المائع فلا يقيد بقليل ولا كثير وهذا يصح في ماذا؟ يصح في الماء القليل وأما المائع فكما ذكرنا سابقاً أن العبرة بالتغير وبناء المذهب هنا على أنه بمجرد الملاقاة وهو قول ضعيف، (ويعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس) يعني في الثياب والبدن والأرض والبساط ونحوها أما المائع والمطعوم فلا يعفى عن يسيره (من حيوان طاهر) هذا من المتن - إن كان ظاهر النسخة التي معنا ليست من المتن بل هي من المتن - قيد لابد منه (من حيوان طاهر) حيوان قسمان: طاهر ونجس، فالطاهر الأول مأكول اللحم كل ما أذن الشارع بأكل لحمه فهو طاهر لأن النجس خبيث وإذا كان خبيثاً فالأصل فيه التحريم إذاً مأكول اللحم، ثانياً ما ليس له دم سائلة فهو طاهر في الحياة وبعد الممات كالذباب للحديث الوارد في الذباب فهو طاهر في الحياة وبعد الممات، والنجس كل حيوان محرم في الأكل إلا الهرة وما دونها في الخلقة، إذاً مأكول اللحم طاهر، ما ليس مأكول اللحم هل كله ليس بطاهر؟ الجواب لا؛ وإنما يفسر فيه ما ليس له دم سائلة فهو طاهر في الحياة وبعد الممات - طيب - كذلك ما دون الهرة في الخلقة فهو طاهر في الحياة وهو له دم سائلة لكن جاء النص باستثنائه، إذاً الطاهر مأكول اللحم وما ليس له دم سائلة فهو طاهر في الحياة وبعد الممات ثم النجس كل حيوان محرم الأكل إلا الهرة وما دونها في الخلقة على المذهب فطاهر، وما دونها في الخلقة هذا القيد فيه نظر والصحيح أن العلة هي التطواف كما سيأتي، المراد الهرة وما
(14/7)
________________________________________
دونها هذا طاهر في الحياة، قال هنا (من حيوان طاهر) إذاً لو كان يسير دم من حيوان نجس؛ ما الحكم هل يعفى عن يسيره؟ الجواب لا؛ وإنما يعفى عن يسير الدم النجس من حيوان طاهر - حينئذٍ - الطاهر قد يكون مأكول اللحم وقد لا يكون مأكول اللحم؛ أليس كذلك؟ فالهرة مثلاً هي طاهرة - حينئذٍ - لو أصيبت يعني جرحت فخرج الدم فأصاب ثوبك قطرة يسيرة؛ هل يجب إزالته؟ لا يجب إزالته؛ لماذا؟ لأنه دم نجس من حيوان طاهر في الحياة - حينئذٍ - نحكم عن هذا اليسير بأنه معفو عنه يعني لا يحب غسله فلو صليت به ولو عمداً نقول هذه الصلاة صحيحة فلا يجب غسله ألبته لأنه مما استثني، إذاً (من حيوان طاهر) لا نجس ولا إن كان من سبيل قبلاً كان أو دبراً، وأما مسألة الدم الإنسان هل طاهر أم نجس؟ حكي الإجماع أنه نجس وإن كانت الأدلة قد لا تسانده وهذه المسألة طويلة مفصلة في الشرح المطول، ثم قال (وعن أثر استجمار بمحله) هذا النوع الثاني مما يعفى عن يسيره وهو الاستجمار وقد مر معنا في باب الاستجمار (وعن أثر استجمار) يعني ويعفى ويتجاوز (عن أثر استجمار) والمراد بالاستجمار الاستجمار الشرعي يعني الذي استوفى العدد مع الإنقاء وأما إذا لم يكن شرعياً كأن استنجى أو استجمر بنجس نقول هذا لا يعفى عنه ولا عن يسيره ولا عن أثره - حينئذٍ - نقول هذا الاستجمار ليس شرعياً وإنما المراد الاستجمار الشرعي الذي توفرت فيه الشروط السابقة في بابه، (وعن أثر استجمار) هو في الأصل نجس لأنه بول والبول نجس وكذلك الغائط الدبر مثلاً والأصل فيه أنه نجس والأصل في الموضعين أنهما نجسان هذا الأصل فيهما ولكن لكون النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على الاستجمار مع وجود الماء دل على أن هذا الأثر معفو عنه، وهذا على التسليم بأن الاستجمار لا يطهر لأنه لو استجمر في موضع القبل أو الدبر فالباقي من أثر النجاسة معفو عنه يعني متجاوز عنه يعني لا يجب غسله فيما لو صلى أو انتهى من صلاته، طيب ماذا بقي؟ قال (بمحله) يعني في محله يعني على القبل والدبر فإن علق الموضع فأصاب الثوب قالوا رجعنا إلى الأصل وهو النجاسة فلا يعفى عنه إنما العفو معلق بالمحل فمادام أن الغائط في الدبر بقية منه أجزاء قالوا معفو عنه يعني يتسامح فيه ولا يترتب عليه الحكم وهو وجوب الإزالة لكن لو علق الموضع فأصاب الثوب حكمنا على الثوب بأنه نجس؛ لماذا؟ لأنه رخصة والرخصة إنما تناط بمحلها فإذا تجاوزت المحل رجعنا إلى الأصل، وهذا الفرع الذي وقع فيه نزاع مبني على الاستجمار هل هو مطهر أو لا؟ فمن قال أنه مطهر حكمنا على الباقي ولو كان في أصله نجساً حكمنا على الباقي أثره في الموضع بأنه طاهر فإن عرق الموضع فأصاب الثوب فالثوب طاهر وهذا هو الصحيح بأن الموضع قد تطهر ثم ما أصاب الثوب ولو وجد لونه لون البول أو الغائط ونحو ذلك نقول الأصل أنه طاهر؛ لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنهما لا يطهران) دل على أن ما عداهما يطهر ثم استعمل الاستجمار مع وجود الماء فليس هو كالتيمم طاهرة ضرورة وإنما هو طهارة مع القدرة على الماء فلما عدل عن الماء إلى الاستجمار مع وجود الماء علمنا أنه ليست طهارة ضرورة وإذا كان كذلك ساوى الاستجمار الماء
(14/8)
________________________________________
هذه النتيجة ساوى الاستجمار الماء - حينئذٍ - كما أن الماء يطهر وإن كان هو أكثر تطهيراً وإنقاء كذلك الاستجمار بالأحجار ونحوها يطهر وإن كان أدنى تطهيراً من الماء ويترتب عليهما أن الموضع قد طهر ولو بقيت أجزاء النجاسة ولو بقيت أجزاء النجاسة وعقلك لا تدخله في مثل هذه المواضع هذه تعبدية والحكم ما حكم به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فمادام أن النصوص صحت فالاجتهاد والرأي يكون لا مجال له ألبته، ويعفى (عن أثر استجمار) إذاً هو في الأصل نجس على المذهب هو في الأصل نجس لأن المسح لا يزيل أجزاء النجاسة كلها فالباقي منها نجس لأنه عين نجاسة فأشبه ما لو وجد في المحل وحده (عن أثر استجمار بمحله) يعني في الباء هنا بمعنى في، مفهومه أنه لو تجاوز محله لم يعفى عنه وهذا المذهب والصحيح كما ذكرنا أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اقتصر على الاستجمار في التنزه عن البول والغائط فإذا كان كذلك فهو مطهر، ثم قال رحمه الله تعالى (ولا ينجس الآدمي بالموت) (ولا ينجس) لأن المقام هنا حديث في بيان النجاسات والآدمي سواء كان مسلماً أو كافراً فيه خلافاً بين أهل العلم المسلم في حال الحياة بالإجماع أنه طاهر وإذا مات صار ميتة - حينئذٍ - هل يدخل في الألفاظ الدالة على أن الميتة نجسة أو لا؟ هذا محل نزاع ولذلك ذهب بعض الفقهاء وهو رواية عن الإمام أحمد في بعض الروايات أن المسلم إذا مات صار نجساً ولذلك يحتاج إلى تغسيله، لكن هذا القول ضعيف، (ولا ينجس الآدمي) يعني من كان من بني آدم سواء كان مسلماً أو كافراً (لا ينحس) بالموت وهنا لم يفرق المصنف بين المسلم ولا الكافر لاستوائهما في حال الحياة وأجزاؤه وأبعاضه كجملته، قال (بالموت) لا ينجس بسبب الموت لأن الموت إذا حل بحيوان بحكم بنجاسته والآدمي حيوان لكنه ليس كسائر الحيوانات هل يختلف الحكم أو لا؟ جاء النص بقوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن لا ينجس) (سبحان الله إن المؤمن لا ينجس) (المؤمن) مؤمن مفعل يعني ذات متصف بالإيمان دخلت عليه أل وأل هذه ما نوعها؟ استغراقية ما نوعها؟ موصولية - وصفة صريحة صلة أل - صفة صريحة مؤمن يعني اسم فاعل صلة أل؛ إذاً أل هذه من الموصولات وإذا كانت من الموصولات عند الأصوليين أن الموصولات الذي والتي والذين وأل مثلها أنها من صيغ العموم - حينئذٍ - تعم (المؤمن) تعمه من أي جهة سواء كان ميتة أو حياً فالمؤمن في حال الحياة هو متصف بالإيمان إذا مات هل يبقى الوصف أم يزول؟ إذا مات على إيمانه يبقى الوصف أم يزول؟ يبقى الوصف؛ هل يصدق عليه الحديث؟ يصدق عليه الحديث إذاً (المؤمن) سواء كان ميتة أو حياً والعموم لكونه صفة دخلت عليه أل فوصف الإيمان باق في حياته وبعد مماته - فحينئذٍ - قال (لا ينجس) هذا نفي يعني لا يوصف بكون نجساً بسبب الموت ألبته (المؤمن لا ينجس) الحكم نفي النجاسة علقه على ماذا؟ على وصف المؤمن وتعليق الحكم بمشتق يأذن بعلية ما منه الاشتقاق بمعنى أن نفي النجاسة لكونه مؤمناً يعني كأنه قال المؤمن لأجل إيمانه لهذه العلة لا ينجس مفهومه مفهوم مخالفة أن الكافر ينجس لماذا؟ لانتفاء العلة وهي الإيمان وهذا صحيح فكما أن المؤمن عام في الحي والميت كذلك الحكم
(14/9)
________________________________________
ينجس الكافر حياً وميتاً الكلام في النص لآن الكلام في هذا الحديث، - حينئذٍ - (لا ينجس) هذا حكم معلق على ماذا؟ على مشتق على وصف وتعليق الحكم بمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق يعني الحكم هنا معلل والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً كأنه قال (المؤمن) لعلة لكونه مؤمن متصف بالإيمان قريب من رحمة الله (لا ينجس) مفهومه مفهوم مخالفة من لم يؤمن نجس إذاً الكافر نجس وهذا صحيح - حينئذٍ - يكون العموم هنا في مفهوم المخالفة يعم الكافر حياً وميتاً دلت النصوص لجواز نكاح الكتابية وكذلك أكل طعامهم النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع اليهودي وتعامل مع اليهود وإلى آخره دلت هذه النصوص الواردة في التعامل مع الكفار على أنه في حال الحياة طاهر بقي ماذا؟ بقي الموت؛ - حينئذٍ - نقول الكافر في حال الحياة طاهر وأما إذا مات رجع إلى دلالة هذا النص فنحكم عليه بكونه نجساً قال ابن قدامة في هذا الحديث [ويحتمل أن ينجس الكافر بموته - بل هو مدلول النص - لأن الخبر إنما ورد في المسلم ولا يقاس الكافر عليه لأنه لا يصلى عليه ولا حرمة له كالمسلم]، وأما في حال الحياة قد ذهب بعضهم كأبي حنيفة وابن حزم إلى أنهم أنجاس استدلالاً بقوله تعالى (إنما المشركون نجس) لكن المراد هنا بالآية النجاسة المعنوية وليست النجاسة الحسية ولذلك أباح الله طعامهم ونساءهم فدل على أنهم على طهارتهم في حال الحياة ولذلك دخلوا المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك ربط ثمامة في المسجد فدل على أنهم على طهارة لو كانوا أنجاساً ما جاز أن يدخلوا المساجد - حينئذٍ - نقول في حال الحياة هم طاهرون وأما إذا مات فنرجع إلى دلالة النص، إذاً (ولا ينجس الآدمي بالموت) يستثنى من الكافر والكافر ينجس بالموت على الصحيح والله أعلم، (وما لا نفس له سائلةً - سائلةٌ يجوز الوجهان - متولد من طاهر) (وما) هذا معطوف على ماذا؟ على الآدمي (ولا ينجس الآدمي) ولا ينجس (ما لا) وما هنا اسم موصول يصدق على حيوان يعني كأنه قال لا ينجس حيوان لا نفس له؛ النفس هنا المراد بها الدم يعني ليس له دم ليس المراد ليس له دم الدم ضروري بل قيل هو الروح لكن المراد إذا قطع أو ذبح أو نحو ذلك لا يسيل الدم يعني لا يجري هو فيه دم لكن لا يجري ليس له دم مسفوح، فالنفس الدم فإن العرب تسمي الدم نفساً ومنه قيل للمرأة نفساء لسيلان دمها عند الولادة ويقال نفست المرأة إذا حاضت، إذاً (وما لا نفس) أي دماً (له) الضمير يعود إلى (ما) للحيوان (سائلة) كالبقي والعقرب وهو (متولد من طاهر) هذا شرط في الحكم عليه بكونه طاهراً لأنه ليس بنجس (متولد من طاهر) المتولد من طاهر يعني الذي أصله الطهارة بخلاف الذي أصله النجاسة فما كان متولد من طاهر هذا لا خلاف فيه والمتولد من النجس جمهور أهل العلم على أنه طاهر خلافاً للمذهب فإنه لا يطهر وهذا مبني على مسألة الاستحالة يعني لو وجد نجاسة ميتة مثلاً فتحول بعض الدم أو بعض اللحم إلى دود هذا دود متولد من ماذا؟ من نجس؛ ما حكمه؟ إن قلنا أن الاستحالة لا تطهر وهي المذهب حكمنا عليه بكونه نجس وإن قلنا بكون الاستحالة مطهرة حكمنا عليه بكونه طاهراً وكذلك مثلاً الصراصير التي توجد في الحمامات
(14/10)
________________________________________
ونحوها قد تتولد من نجاسة إن حكمنا عليها بكونها نجسة بأن الاستحالة لا تطهر فهي نجسة فإن وقعت في الماء نجسته وإذا ماتت فيه نجسته وإذا حكمنا بكون الاستحالة مطهرة - حينئذٍ - لو وقعت وماتت في الماء لا نحكم بنجاسته لأنها طاهرة إذاً (ما لا نفس له سائلة) يعني ليس له دم تجري إذا ذبح مثلاً (متولد من طاهر) لا ينجس بالموت وهذا المذهب فلا ينجس الماء اليسير بموتهما فيه هذا الذي ينبني عليه، قال ابن هبيرة [واتفقوا على أنه إذا مات في الماء اليسير ما لا نفس له سائلة كالذباب ونحوه فإنه لا ينجسه - يعني لا ينجس الماء - إلا في أحد قولي الشافعي] والأصل في هذه المسألة مسألة الحيوان الذي ليس له دم سائلة الأصل أنه ورد حديث في الذباب فقط وقيس عليه ما عداه جاء في الصحيح (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه) يفهم منه ماذا؟ أولاً وقع وهو حي إذاً لم ينجس الشراب وهو قليل قطعاً أنه قليل إذاً الذباب في حال الحياة طاهر لأنه لو كان نجس دلت النصوص على أن الماء القليل بمجرد الملاقاة ينجس وهنا قال (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم) إذاً (فليغمسه) إذاً أول ما وقع نقول حكمنا عليه بكونه وهو حي أنه طاهر قوله فليغمسه وقال (في شراب أحدكم) الشراب على نوعين شراب بارد وشراب ساخن حار - حينئذٍ - لو غمسه في الشراب الحار قضا عليه إذاً مات فإذا مات هل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة هذا الشراب؟ الجواب لا - حينئذٍ - دل على أنه بعد موته ميتته طاهرة وليست نجسة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فليغمسه) ومع إطلاقه الشراب قد يكون حاراً ساخناً فيموت وهذا النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر به لأنه إفساد له لو كانت الميتة نجسة فدل هذا النص على أن الذباب ليس بنجس في حال الحياة كذلك بعد الموت، قال ابن القيم في هذا الحديث [وفيه دلالة ظاهرة على أنه لو مات في ماء أو مائع أنه لا ينجسه لأنه طاهر وهذا قول جمهور العلماء ولا يعرف في السلف مخالف في ذلك وعدي هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة] يعني استنبطوا لما الذباب هل له خاصية معينة بالغمس هل يفيد الشراب شيئاً يحتمل هذا وذاك لكن وجدوا أن الذباب ليس له دم تسيل فقاسوا عليه كل ما لا نفس له سائلة - حينئذٍ - مثله الصراصير وكذلك العقارب والنمل وكله يقاس على هذا ليس فيه نص خاص وإنما من باب القياس [وعدي هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة]، قول المصنف (وما لا نفس له سائلة) مفهومه ما له نفس سائلة أنه ينجس لكن هنا لابد من إخراج ما نص عليه سابقاً الآدمي لأن الآدمي نص على أنه ليس بنجس (ولا ينجس الآدمي بالموت وما لا نفس له سائلة متولد من طاهر) خرج الآدمي ما له نفس سائلة من الحيوان غير الآدمي على قسمين: الأول ما ميتته طاهرة وهو السمك وسائر حيوان البحر الذي لا يعيش إلا في الماء فهو طاهر حياً وميتاً لأنه لو كان نجس لم يبح أكله، ثانياً ما لا تباح ميتته غير الآدمي كحيوان البر المأكول وغيره وحيوان البحر الذي يعيش البحر كالضفدع والحية والتمساح ونحو ذلك وكل ذلك ينجس بالموت وينجس الماء القليل إذا مات فيه والكثير إذا غيره، إذاً (ما لا نفس له سائلة متولد من طاهر) المراد به ما لم
(14/11)
________________________________________
يأتي النص بكونه نجساً أو أنه حي، ثم قال المصنف رحمه الله تعالى (بول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه ومني الآدمي ورطوبة فرج المرأة) كل ذلك حكم عليه بأنه طاهر (وبول ما يؤكل لحمه) إذاً مفهومه أن بول ما لا يؤكل لحمه أن الحكم يختلف لأنه خصه بماذا؟ بموصوف وهو ما يؤكل لحمه، إذاً فرق بين الحيوان مأكول اللحم والحيوان غير مأكول اللحم (بول ما يؤكل لحمه) ومثل البول (روثه) بالرفع عطفاً على ماذا؟ - ما يؤكل لحمه روثه - إن عطفته على اللحم - ما يؤكل لحمه روثه - معطوف على البول انتبه!، بول وروث ومني ما يؤكل لحمه هذا المراد ولو أخر المصنف لكان أجود، (وبول ما يؤكل لحمه) انظر النحو كيف (روثه) بالرفع قد يظن الظان أنه معطوف على (لحمه) ولحمه نائب فاعل يؤكل لحمه نائب فاعل لو عطفت عليه روثه لقولت يؤكل روثه وإذا عطفت على البول - حينئذٍ - صار محكوماً عليه، الكلام بول وروث ومني ما يؤكل لحمه؛ ما حكمه؟ طاهر، أما الإبل فجاء النص فيه على جهة الخصوصية وما عداه فهو مقيس عليه (بول ما يؤكل) (بول ما) أي حيوان (يؤكل لحمه) ذكرنا أن في الإبل النص وفي غيرها مما يؤكل لحمه فبالقياس (وروثه) كبوله (ومنيه) وله مني لقوله تعالى (والله خلق كل دابة من ماء) (كل دابة) عام والإبل دابة والقط دابة إذاً كل ما يصدق عليه أنه دابة قال (من ماء) يعني من مني فله مني، إذاً هذه الثلاثة الأشياء نحكم عليها بكونها طاهرة؛ لماذا؟ قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين قبيلة من العرب أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها فلما أمرهم بذلك دل على أن - الألبان واضحة طاهرة - أبوالها طاهرة؛ لماذا؟ لأنه لا دواء فيما حرمه الله تعالى، فلو كانت الأبوال نجسة معلوم أن نجس محرم الشرب ولم يأذن الله عزوجل للعباد أن يتداووا بما هو محرم - حينئذٍ - لما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأذن لهم أن يشربوا أبوال الإبل لأجل الدواء علمنا أنها طاهرة هذا يستلزم الطهارة ولذلك قال الشارح [والنجس لا يباح شربه] قد يقال أنه للضرورة قال لو أبيح للضرورة لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة فلما ترك دل على أنه طاهر وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرابض الغنم وأذن بالصلاة فيها ولا تخلو من أبعالها وأبوالها؛ وكذلك البراءة الأصلية، إذاً الأصل في بول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه الأصل أنه طاهر، ولذلك قال الشوكاني رحمه الله تعالى [والظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه تمسكاً بالأصل واستصحاباً للبراءة الأصلية والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصل والبراءة فلا يقبل قول مدعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليل] ليس عندهم دليل واضح بين وإن كان هذا منسوب القول بالنجاسة منسوب للجمهور شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى [يقول هذا القول محدث لا سلف له من الصحابة] مع كونه قول الجمهور، (ومني الآدمي) كذلك طاهر لقول عائشة رضي الله تعالى عنها (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب ويصلي فيه) إذاً لم تغسلهّ إذ لو كان نجساً لغسلته والحديث متفق عليه، قال شيخ الإسلام [وأما كون عائشة تغسله تارة - من
(14/12)
________________________________________
ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وتفركه تارة هذا لا يقتضي تنجيسه] يعني هو طاهرة كونه يغسل لا يدل على النجاسة؛ بدليل ماذا؟ أمرين؛ الأول: أن المخاط والبصاق مثلاً وما يكون من سائر الإنسان قد يغسل فالغسل - حينئذٍ - لا يستلزم التنجيس، ثانياً: أنه قد ورد رواية أخرى وهي أنها تفركه؛ ولو كان نجساً لوجب غسله لهذين الأمرين هو طاهر، ولذلك قال [وأما كون عائشة تغسله تارة وتفركه تارة فهذا لا يقتضي تنجيسه فإن الثوب يغسل من المخاط والبصاق والوسخ وهذا قول غير واحد من الصحابة ابن عباس وغيره] إذاً مني الآدمي طاهر هذا المذهب مطلقاً لكن استثنوا ما سبق التنصيص عليه وهو أن المني إذا خرج دون دفق ولذة حكم عليه بأنه نجس والثاني - النوع الثاني من المني النجس على المذهب - أنه لو استجمر ثم أمنى حكم على المني بأنه نجس؛ لماذا؟ لأنه لاقا نجاسة لا في محلها يعني تعدى خرجت تجاوز الموضع - حينئذٍ - حكم عليه بكونه نجساً، في هذين الموضعين المني على المذهب يعتبر نجساً، (ورطوبة فرج المرأة) كذلك طاهر فرج المرأة المراد به مسلك الذكر حكمه حكم الظاهر وهو طاهر، والرطوبة التي تخرج من المعدة نجسة بالاتفاق والمراد هنا الرطوبة التي تخرج من فرج المرأة، قال هنا [للحكم بطاهرة منيها مطلقاً وهو قول الشافعي وتقدم قول الشيخ وقال القاضي ما أصاب منه في حال الجماع نجس لأنه لا يسلم من المذي قال في المبدع وهو ممنوع فإن الشهوة إذا اشتدت خرج المني وحده] على القول السابق بأن مجرد الملاقاة لا ينجس إلا الماء - حينئذٍ - لا نحكم على سائر المائعات إلا بالتغير وإذا كان كذلك فإصابة قطرة أو قطرتين من المذي للمني لا نحكم عليه بكون نجساً وكذلك الشأن في الرطوبة التي قد تواجه مذي أو نحو ذلك فلا نحكم عليه بالنجاسة، (ورطوبة فرج المرأة) طاهر، وعنه نجس عن الإمام أحمد رواية أخرى أنها نجسة وجاء في بعض الروايات للنبي صلى الله عليه وسلم في ذاك الراجل الذي قال له (لعلنا أعجلناك؛ اغسل ذكرك) هذا أمر ودل على أنه قد يحكم عليها بالنجاسة (ورطوبة فرج المرأة) طاهر والكلام في حكم الرطوبة هنا ليس هو الكلام في حكم النقض فمن حكم بكونها طاهرة لا يلزم منه أن يحكم بكونها غير ناقضة للوضوء فالجمهور على كونها طاهرة ولكنها ناقضة للوضوء هذا هو الصحيح أنها ناقضة للوضوء وأما الطاهرة فهذا فيه شيء من الإشكال، ثم قال (وسؤر وما دونها في الخلقة طاهر) (سُؤر) بضم السين مع الهمزة بضم السين مهموز المراد به بقية الطعام وكذلك الشراب يعني يصدق على الطعام ويصدق على الشراب، ولذلك قال في الشرح [والسؤر بضم السين مهموز بقية طعام الحيوان وشرابه] (الهِرة) بالكسر المراد به القط (وما دونها في الخلقة) يعني وما هو أقل منها في الخلقة يعني أقل حجماً العبرة بالحجم هنا فالقطة المتوسطة وما دونها في الخلقة يعني كالفأر ونحوه ما حكمه؟ قال (طاهر) ويستثنى ما سبق وهو ما كان متولد من نجس فما كان متولد من نجس على المذهب فهو نجس فلا يستثنى ليس داخل في الحكم لأنه قال هناك (وما لا نفس له سائلة متولد من طاهر) فإن كان متولد من نجس حكمنا عليه بكونه نجس وليس داخل معنا هنا فسؤره نجس لأنه نجسه وكذلك
(14/13)
________________________________________
سؤره سواء كان طعاماً أو شراباً يعتبر نجساً والحكم إنما هو معلق بالطاهر إذاً سؤر الهرة وما دونها في الخلقة ويستثنى ما سبق وهو ما لم يكن متولد من نجساً فهو طاهر، لحديث أبا قتادة في الهر (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات) هذا تعليل فنفى أنها نجسة لما رآه تشرب من الماء ثم توضأ بعدها فكأنه أنكره أو زوجته أنكرت ذلك قال (إنها ليست بنجس) فإذا لم تكن نجسة - حينئذٍ - سؤرها ليس بنجس وهذا قد يؤخذ منه تأييد المذهب وهو أن ما كان دون القلتين بأنه ينجس بمجرد الملاقاة لأنه نظر هنا إلى الظاهر هرة نجسة في ظنها ثم أخذت أو شربت من الماء فلو لم يكن لها تأثير مطلقاً لما كان الإنكار، إذاً (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات) انظر نظروا إلى الهرة من حيث الخلقة ونفي الحكم بالنجاسة - حينئذٍ - عمموا الحكم فيما دونها مع أن العلة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ليست هي متعلقة بحجم الهر أو أكبر أو دون ذلك وإنما دفعاً للمشقة لأن التطواف المراد به ما يدخل البيوت بكثرة أو ما يلابس الناس بكثرة هذا الاحتراز منه وعنه من حيث النجاسة فيه مشقة ولذلك العلة الصحيحة أن يقال فيما هنا أنه التطواف لأن إن بعد النفي تدل على التعليل كما أن إن بعد الأمر أو النهي تدل على التعليل (إنها ليست بنجس) لماذا؟ لإنها - حينئذٍ - صار علة فعلق النبي صلى الله عليه وسلم العلة هنا ليس على حجمها وإنما على مشقة الاحتراز عنها ومنها - حينئذٍ - ما كان مثل الهرة كالحمار الأهلي ونحوه مما يركبه الناس ونحوه مما لا يمكن التحرز منه وعنه - حينئذٍ - يكون حكمه حكم الهرة وهذا هو الصحيح، (وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر) فنقول أن الصحيح أن العلة ليست هي حجم الهرة وإنما العلة هي التطواف فكل ما كان كثير تطواف على الناس ويشق التحرز عنه - حينئذٍ - نحكم عليه بكونه طاهر، ثم قال المصنف رحمه الله تعالى (وسباع البهائم والطير والحمار الأهلي والبغل منه نجسة) (سباع البهائم) مراده غير الكلب والخنزير وغير الهر وما دونها في الخلقة يعني يستثنى مما سبق من أول الباب فالكلب ليس بداخل وإن كان من سباع البهائم وكذلك الخنزير ليس بداخل والهر وما دونها في الخلقة ليس بداخل، (وسباع البهائم والطير) الطير اسم جنس يقع على الواحد ومنها السباع كذلك التي أكبر من الهر خلقة والمراد بالسباع هي التي تأكل وتفترس (والحمار الأهلي) لا الوحشي (والبغل منه) يعني إذا كان نتاجاً عن الحمار الأهلي أي من الحمار الأهلي لا الوحشي (نجسة) فالحكم على كل ما ذكر بأنه نجس وكذلك جميع أجزائها وفضلاتها لأنه عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب فقال (إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء) ما هو المسئول عنه؟ ينوبه من السباع والدواب؛ والسباع يشمل سباع البهائم ويشمل سباع الطيور فكل ما هو من هذه الطائفة التي تأكل وتفترس - حينئذٍ - الحكم أنها نجسة ولأنه أجاب بأنه إذا كان الماء قلتين لم ينجس شيء يعني من تلك السباع فدل على أنها نجسة، فمفهومه أنه ينجس إذا لم يبلغهما، وقال في الحمر يوم خيبر (إنها رجس) هذا أكلها وليس المراد أنها يعني عرقها وما
(14/14)
________________________________________
يخرج منها أنه نجس والصحيح في الحمار الأهلي أنه داخل فيما سبق ولذلك كان يركب وكان يعرق وكان النبي صلى الله عليه وسلم يركبه والصحابة ولم يأتي حرف واحد بكون النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه نجس ولذلك قال ابن القيم [ودليل النجاسة لا يقاوم دليل الطهارة فإنه لم يقم على تنجس سؤرها دليل وغاية محتج به لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنها رجس) الرجس هو النجس وهذا لا دليل فيه لأنه إنما نهاهم عن لحومها - عن أكلها - وقال (إنها رجس) ولا ريب أن لحومها ميتة لا تعمل الذكاة فيه فهي رجس ولكن من أين أن تكون في حال حياتها حتى يكون سؤرها نجس] والصحيح أن الحمار الأهلي والبغل منه أنه ليس بنجس بل هو طاهر للأصل وثانياً للعلة السابقة لأنه مما يستعمله الناس ولذلك عن الإمام أحمد رواية أخرى أن الحمار الأهلي والبغل أنه طاهر واختاره الموفق وابن تيمية وجماعة وهو مذهب مالك والشافعي قال في الإنصاف [وهو الأصح والأقوى دليلاً لأن عليه الصلاة والسلام يركبهما ويركبان في زمانه وفي عصر الصحابة فلو كان نجسين لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك] لكن إذا قيل بأن العلة التطواف إذاً في المدن الآن في المدن لا يركبون الحمير؛ هل تبقى العلة أم تزول؟ الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً - حينئذٍ - إذا كان في القرى وفي الأرياف يستعملون هذه الحمير في الركوب ونحوها لا شك أن الحكم واضح بين وأما إذا كان في نحو المدن هذا يحتاج إلى نظر في إعادة ما ذكر
والله أعلم
وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
(14/15)
________________________________________
عناصر الدرس
* باب الحيض، وشرح الترجمة.
* الدماء التي تخرج من الرحم ثلاثة باتفاق.
* قوله: "لا حيض قبل تسع سنين، ولا بعد خمسين، ولا مع حمل"، والصحيح خلافه.
* أقل مدة الحيض، وأكثره، وغالبه.
* ما هو أقل طهر بين حيضتين؟
* الحيض يمنع وجوب الصلاة وفعلها، ويمنع فعل الصوم فقط.
* قوله: "ويحرم وطؤها في الفرج"، والواجب على من فعل.
* ماذا يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟
* قوله: "إذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق".
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
قال المصنف رحمه الله تعالى (باب الحيض) أي هذا باب بيان حقيقة الحيض وما يتعلق به من الأحكام إن كان يذكرون معه الاستحاضة والنفاس إلا إن الاستحاضة والنفاس إنما هو دم مرض الاستحاضة مرض والنفاس في حكمه وأما دم الحيض فهو صحة وهو الأصل، الأصل في المرأة هو الصحة، وهذا الباب هو خاتمة أبواب الطهارة ذكرنا السبب تقديم المصنف رحمه الله تعالى باب إزالة النجاسة على باب الحيض مع أنه متعلق بالغسل لأن الحيض موجب من موجبات الغسل ذكرنا أن الحيض خاص بالنساء وأما إزالة النجاسة فهي عامة للرجال والنساء وما كان عاماً فهو مقدم على الخاص، وقال النووي رحمه الله تعالى [وأعلم أن باب الحيض من عويص الأبواب - يعني باب عويص - ومما غلط فيه كثيرون من الكبار لدقة مسائله واعتنى به المحققون وأفرده بالتصنيف في كتب مستقلة] لأن الأحاديث الواردة فيه في باب الحيض أو ما يتعلق بالحيض أحاديث معدودة بمعنى أنها ليست بالكثيرة وكل لما قلت الأدلة كثر الخلاف ولذلك كل لما كثرة الأدلة قل الخلاف العكس بالعكس، إذا وجدت خلافاً بين أهل العلم وكثرت الأقوال في الغالب - أن النص أو الآية - إما أنه لا يكون هناك نص أو يكون هناك لكنه ليس واضح الدلالة، لأن أهل العلم الأصل فيهم أنهم وقافون مع دلالة النص، فإذا جاء خلاف طويل عريض فاعلم أنه إما أنه لا نص أو أنه ثَمَّ نص إلا أنه ليس واضح الدلالة هذا هو الغالب وقد يكون ثَمَّ خلاف والنصوص واضحة بينة، وإنما كان باب الحيض من عويص الأبواب لكثرة تفريعاته، وحاول أهل العلم أن يجعلوا له ضوابط، قال ابن رشد رحمه الله تعالى [اتفق المسلمون على أن الدماء التي تخرج من الرحم ثلاثة - يعني الدماء التي تتعلق بها الأحكام وتخرج من الرحم ثلاثة - الأول: دم الحيض وهو الخارج على جهة الصحة - يعني دليل على الصحة ليس بعلامة مرض - الثاني: دم استحاضة وهو الخارج على جهة المرض وأنه غير دم الحيض - ليس هو دم الحيض ألبته - لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة) (إنما ذلك) المشار إليه دم الاستحاضة (وليس بالحيضة) إذاً فرق بين دم الاستحاضة والحيض - الثالث: دم نفاس وهو الخارج مع الولد] وعلى المذهب قبله بيوم أو يومين وأما المشهور أنه وهو من المفردات المشهور أنه مع الولد، إذاً هذه ثلاثة أنواع دم حيض ودم استحاضة ودم نفاس، ثَمَّ نوع رابع وقع فيه نزاع وهو دم فساد ما يسمى بدم الفساد؛ هل هو عينه الاستحاضة أم أنه غيره؟ محل نزاع والصحيح أنه هو يعني لا فرق بين دم الاستحاضة ودم الفساد فكل منهما دم عرق علل النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلكم عرق وليس بالحيضة) إذاً تقابلا - حينئذٍ - يدخل دم الفساد في دم الاستحاضة هذا هو الصحيح أن الدماء محصورة فيما ذكر، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [والأصل في كل ما خرج من الرحم أنه حيض] هذا أصل مهم الباب لا بد أن يبنى على أصل إذا قيل الدماء ثلاثة حيض ونفاس واستحاضة؛ طيب أيها أصل؟ لا بد من التأصيل - حينئذٍ - نستفيد من ذلك أنه إذا
(15/1)
________________________________________
وقع شك هل هذا دم حيض أو استحاضة وليس عندنا ما يميز أحدهما عن الآخر نرجع إلى الأصل ما هو الأصل؟ الأصل هو دم الاستحاضة قد قيل به - حينئذٍ - قلنا هذا دم استحاضة وليس بحيض وعلى رأي ابن تيمية رحمه الله تعالى أن الأصل هو دم الحيض - حينئذٍ - نرجح أنه هو دم حيض، إذاً معرفة الأصل مهم جداً في هذا الباب لذلك من أراد أن يضبط هذا الباب فليضبط هذا الأصل لأن فيه خلاف بين أهل العلم، هل الأصل في الذي خرج من الرحم أنه دم حيض أو استحاضة؟ ينبني عليه أنه إن لم توجد قرينة هنا محل الإشكال في باب الحيض تتردد المرأة أو يتردد المفتي هل هذا دم حيض أو استحاضة ثَمَّ قرائن ترجح هذا وقرائن ترجح الآخر وقد لا يستطيع أن يرجح - حينئذٍ - نرجع إلى الأصل لأن الشك لا يبنى عليه حكم ما هو الأصل؟ قلنا الأصل هو دم استحاضة إذاً تصلي وتصوم وإذا قلنا الأصل بأن دم الحيض إذاً تترك الصلاة وتترك الصوم إذاً هذا ينبني حكم عظيم الحكم على الدم بكون دم حيض أو دم استحاضة ينبني عليه فعل الصلاة وترك الصلاة وهذا شيء كبير جداً، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [والأصل في كل ما خرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة] إذاً نستصحب الأصل أنه حيض إلا إذا دلت قرينة على أنه استحاضة فنرجع إلى الاستحاضة؛ لماذا؟ ما الدليل؟ قال [لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي وهو دم ترخيه الرحم ودم الفساد دم عرق ينفجر وذلك كالمرض] إذاً دم الفساد والاستحاضة دم مرض ودم الحيض دم صحة، وأيهما الأصل في الإنسان الصحة أم المرض؟ الصحة - حينئذٍ - ولا نقول بأنه مريض إلا إذا وجدت علامة المرض والأصل أنه صحيح كذلك الحيض الأصل أنه علامة على الصحة - حينئذٍ - دم الاستحاضة علامة على المرض فإذا وجدت قرينة تدل على أنه دم استحاضة رجحناه أنه دم استحاضة وإذا لم توجد قرينة رجعنا إلى الأصل وهو أنه دم حيض، والأصل الصحة لا المرض فمتى رأت الدم جارياً من رحمها فهو حيض تترك لأجله الصلاة، إذاً باب الحيض وما يتعلق به من الأحكام وسيذكر الاستحاضة تبعاً كذلك النفاس في آخر الباب، الحيض أصله لغة السيلان مصدر سل يسيل سيلاً سيلان إذاً المعنى اللغوي هو السيلان من قولهم حاض الوادي إذا سال إذاً لا بد من علاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي فلا بد أن يوجد السيلان في الدم الذي يحكم عليه بأنه حيض إذا لم يسل الدم لا نحكم عليه بأنه حيض، ولذلك إذا قالت المرأة رأيت نقطة أو نقطتين أو ثلاث نقاط متفرقة ما حكمه؟ ليس بحيض؛ لماذا؟ لانتفاء المعنى اللغوي هنا انتفى لا بد أن يكون ثَمَّ سيلان يعني يجري سيلان المراد به الجري معلوم أنه جري يعني يسيل سيلاً إذا لم يكن سيلان - حينئذٍ - حكمنا عليه بأنه ليس بدم حيض هذا أصل تجعله كذلك في باب الحيض، من أجل ضبط الباب هذا الباب عويص كما قال النووي رحمه الله تعالى ولذلك قال الإمام أحمد [كنت في كتاب الحيض تسع سنين حتى فهمته] يعني بكل ما ورد فيه من أحاديث وأقوال أهل العلم يعني فقه مقارن هذا المراد لأن ضبطه يعتمد على ضبط الواقع، إذاً أصله في اللغة السيلان فالحيض لا يطلق على النقطة والنقطتين، وأما في الشرع فعرفه هنا المصنف الشارح [دم طبيعة وجبلة يخرج من
(15/2)
________________________________________
قعر الرحم في أوقات معلوم خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته] دم هذا جنس يدخل فيه الثلاثة الأنواع السابقة دم الحيض ودم النفاس ودم الاستحاضة فهو جنس يدخل فيه كل الأنواع الثلاثة، قوله [طبيعة وجبلة] جبلة المراد به الخلقة وهو المراد به الطبيعة فالعطف عطف تفسير بمعنى واحد إذاً دم الطبيعة هو عينه دم الجبلة يعني أمر فطرت عليه المرأة خلقت وهي تحيض هكذا يعني من شأنها أن تحيض وقوله دم طبيعة أخرج دم الاستحاضة وأخرج دم النفاس؛ لماذا؟ لأن دم الاستحاضة ليس بدم طبيعة بل هو مرض ودم النفساء هو في حكم المرض لأنها مريضة فهي في حكم المرض - حينئذٍ - وقوله [دم طبيعة وجبلة] خرج به النوعان الآخران [يخرج من قعر الرحم] هذا بيان لمخرج الدم من أين يخرج؟ [يخرج من قعر الرحم] هذا بيان لمخرج الدم وليس داخل في الحد وإنما أرادوا أن يبينوا حقيقة دم الحيض وأن يبينوا وقت الحيض ومكانه، [في أوقات معلومة] [في أوقات] هذا إشارة إلى أنه لا يكون مستمراً - حينئذٍ - لو كان مستمراً لا يكون حيضاً يعني استمر بها الشهرين والثلاث والأربع بل السنة والسنتين كما سيأتي أن بعضهم قد يجري بها الدم ست سنين - حينئذٍ - نقول هذا ليس بدم حيض لأن دم الحيض يأتي وينقطع وأما إذا استمر فاستمراره علامة على أنه ليس بدم حيض واضح في [أوقات معلومة] إشارة إلى أنه لا يكون مستمراً بخلاف الاستحاضة والأوقات المعلومة المراد بها أقل سن تحيض له وأكثر سن تحيض له ومتى ينقطع وأقل الحيض من حيث الزمن يوم وليلة أكثره خمسة عشر يوماً ونحو ذلك [خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته] هذا بيان لعلة الخلق، والمستحاضة من عبر دمها أكثر الحيض ومن فرق بين دم الاستحاضة ودم الفساد قدموا الفساد أعم من ذلك والذي ينفرد به وهو المذهب عندنا من أجل ضبط المذهب أن المبتدءة بالدم قبل أن يثبت أنها حائض الدم الذي أول ما يأتيها هذا يعتبر دم فساد يعني مبتدءة التي يأتيها قبل أقل سن تحيض له كخمس سنين وسبع سنين وثماني سنين وتسع سنين إذا لم تتم هذا يسمى دم فساد وأما دم الاستحاضة - فحينئذٍ - يكون متصلاً بدم الحيض يعني هو دم الحيض إن استمر صار استحاضة وأما إذا كان منفصلاً فلا يسمى دم استحاضة وإنما يكون دم فساد فلو جاءها في غير موعد الحيض هذا يسمى دم فساد ولا يسمى دم استحاضة على المذهب لأنهم يفرقون بين النوعين والصحيح أنهما بمعنى واحد ودم النفاس سيأتي في محله، قال المصنف رحمه الله تعالى (لا حيض قبل تسع سنين) الفقهاء أرادوا أن يحددوا أقل سن تحيض له المرأة وأكثر سن ينقطع الدم ولا يكون دم حيض وأقل زمن للعادة وأكثر زمن وأقل زمن للحيض وأكثر زمن على أقوال شهيرة الخلاف في هذه المسائل هو الذي جعل باب الحيض من عويص الأبواب والصحيح في المسائل كلها أنه لم يرد تحديد لا في أقل ما تحيض به المرأة بسن أو أكثر ولا لأقل ما يكون زمناً للحيض ولا أكثر وإنما العبرة بوجود الدم فإذا تقرر كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن الأصل هو دم الحيض - حينئذٍ - متى ما رأت الدم فهو دم حيض سواء جلس معها ساعة ثم انقطع فهو حيض سواء أتاها وعمرها سبع سنين ثماني سنين تسع سنين عشر سنين نقول هذا يعتبر دم حيض؛ لماذا
(15/3)
________________________________________
لأن الشارع أطلق عليه بأنه أذى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إذاً متى ما وجد الأذى تعلقت به الأحكام الشرعية وهذا هو علة الحكم يعني كونه أذى ترتبت عليه الأحكام الشرعية وهو قوله (فاعتزلوا النساء) وكذلك ترك الصلاة والصيام ونحوها - حينئذٍ - الحكم يدور مع علته متى ما وجد الأذى تعلقت به الأحكام متى ما انتفى انتفت الأحكام؛ هل بين الشارع أن أقل سن يصدق على الخارج أنه أذى أم لم يرد؟ لا شك أنه الثاني وإنما نظر الفقهاء كل بحسبه سواء كان أبا حنيفة أو مالكاً أو الشافعي أو أحمد كل نظر باعتبار الوجود ولذلك أكثر ما يحتجون به ليس من نصوص الشريعة وإن كان بعضهم يستند إلى بعض الأقوال عن عائشة أو علي أو غير ذلك لكن المعتمد أكثر عندهم هو الوجود يعني نظر فلان من الناس بأن من حوله كلهن قد حاضت لتمام تسع سنين إذاً قال هذا الذي يعلق به الحكم وجد أن من حوله من كبار السن خمسين سنة وتوقف الحيض قال هذا هو الحكم، إذا الوجود بمعنى الواقع وهذا الوجود يسمى استقراء عند أهل العلم ولا شك أن الاستقراء تتعلق به الأحكام لا شك أنه تتعلق به الأحكام لكن الاستقراء التام يعني هذا الفقيه الذي حكم بكون أقل سن تحيض له المرأة تمام تسع سنين إن استقرأ بنات العالم كله - حينئذٍ - يسلم له وأما إذا كان من كان حوله فقط نقول هذا استقراء ناقص والاستقراء الناقص لا يصلح أن يكون مستنداً لإثبات حكم شرعي وإنما يكون الاستقراء التام وكل ما ذكر في كتب أهل العلم من الوجود المراد به الاستقراء الناقص وعليه لا يبنى عليه حكم ألبته، ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى [لا حد لأقل سن تحيض فيه] ليس له أقل سن وهذا هو الصحيح؛ لماذا؟ لأن الشارع حكم بكون المرأة تبلغ بوجود الدم ولم يحدد له سناً معيناً - حينئذٍ - متى ما رأته حكمنا عليه بأنه دم حيض ولو بنت خمس سنين ست سنين حكم عليه بأنه دم حيض لأنه أذى ويصدق عليه ما علق الله عزوجل عليه هذا الوصف ترتبت الأحكام الشرعية [لا حد لأقل سن تحيض فيه المرأة ولا لأكثره فمتى رأت الأنثى الحيض فهي حائض وإن كانت دون تسع سنين أو فوق خمسين ولذلك لأن أحكام الحيض علقها الله سبحانه وتعالى على وجوده] يعني وجوده هو بعينه في المحل (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إذاً متى ما خرج الأذى من المحيض الذي هو محل الخروج الذي هو الرحم - حينئذٍ - حكمنا بوجود الأحكام الشرعية [لأن أحكام الحيض علقها الله سبحانه على وجوده ولم يحدد الله سبحانه ولا رسوله سن معيناً فوجب الرجوع فيه إلى الوجود الذي علق عليه الأحكام وتحديده بسن معين يحتاج إلى دليل من الكتاب أو السنة ولا دليل في ذلك] ولذلك لو اعتمد الباب على هذه الترجيحات لصار الباب من أسهل الأبواب ولكن لما أردوا أن يجعلوا حداً لأقل سن - حينئذٍ - لا بد من نظر في الوجود ولا بد من نظر فيما ورد عن الصحابة إلى غير ذلك وكل ما ورد إنما يتكلم عمن حوله فحسب وهذا لا تثبت به الأحكام الشرعية والصحيح ما رآه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن العبرة بوجود الدم متى ما رأته الأنثى حكمنا عليه بأنه دم حيض فهي حائض فوجبت عليها الصلاة والصيام ونحو
(15/4)
________________________________________
ذلك ولو كانت دون تسع سنين ولو رأت المرأة الكبيرة إذا بلغت ستين وسبعين رأت الدم على عادته كما هو حكمنا عليه بأنها حائض وكذلك الحامل كما سيأتي ولكن لا بد أن نمر على كلام المصنف لنعرف وجه ما ذكره، (لا حائض قبل تسع سنين) شرعاً أو حساً؟ شرعاً؛ لأن الحس قد يوجد يعني خروج الدم قد يوجد من بنت ست سنين سبع سنين ثمان سنين لكن لا يحكم عليه بأنه دم حيض بل هو دم فساد - حينئذٍ - متى ما حاضت لتمام تسع سنين أو نقول بتعبير أدق متى ما خرج الدم دون تمام تسع سنين فلا يسمى حيضاً في الشرع وإنما يسمى دم فساد وهذا الذي يعنون به أنه دم فساد (لا حيض) أي شرعاً لا حساً أما الحس فقد يوجد (قبل تسع سينين) يعني قبل تمام تسع سنين ليس تمام الثامنة فتدخل في التاسعة وإنما المراد أنها تدخل في التاسعة وتكمل التاسعة بمعنى أنها لو دخلت في التاسعة وبقي عليها يوم واحد لتتم التاسعة وتدخل في العاشرة وجاءها الدم على المذهب دم فساد ولا يسمى حيضاً؛ لماذا؟ لأن الحكم معلق هنا لتمام تسع سنين؛ وهل هذا تحديد أم تقريب؟ قالوا تحديد المذهب أنه تحديد فلو جاءها قبل أن تتم تسع سنين بيوم واحد قالوا هذا ليس بدم حيض بل هو دم فساد، (لا حيض قبل تسع سنين) يعني قبل تمام تسع سنين إذاً أقل سن تحيض له الأنثى أو يمكن أن تحيض هو تمام تسع سنين فإن رأت دم لدون ذلك فليس بحيض بل هو دم فساد؛ ما الدليل على أنه دم فساد وليس بدم حيض؟ قال لأنه لم يثبت في الوجود؛ ما معنى لم يثبت في الوجود؟ يعني الفقيه الذي حكم بهذا القول لم يره من أحد ممن حوله وإلا ما أدراه هو في العراق مثلاً ما أدراه عن بنات تسع سنين أو عشر أو دون ذلك وهنا في المغرب هذا في السابق وإلى الآن يعجز الإنسان أن يعرف مثل هذه الأحكام المتعلقة بمثل هذه التي في الغالب أنها خفية إذاً لأن لم يثبت في الوجود، ولقول عائشة رضي الله تعالى عنها ورد أنها قالت (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة) وروي مرفوعاً عن ابن عمر لكنه ضعيف لم يثبت وكذلك قول عائشة إن صح وكان مرادها تحديد أقل سن نقول هذا مبناه على الوجود لأن عائشة ما تدري إلا عمن حولها نحن نحكم بحكم شرعي على كل أنثى في الوجود يعني في الواقع - حينئذٍ - هذا لا يمكن أن يأخذ إلا من جهة الشارع إن لم يكن دليل نص لا بد من استقراء تام وهذا ممتنع سابقاً ولاحقاً وبعدها يعني بعد تمام تسع سنين قد يكون حيضاً ليس بمطلقاً وإنما قد يكون حيضاً؛ لماذا؟ لأنها مقيدة زمن الحيض بيوم وليلة فإذا تمت العاشرة ولم يظهر الدم ثم ظهر لتمام عشر ساعات على المذهب ليس بحيض مع أنها دخلت في السن الذي يمكن التحيض فيه ولذلك عبر الشارح هنا [وبعده - يعني بعد تمام تسع سنين - فحيض] لكن بشرط إن صلح؛ متى يصلح؟ أن يتجاوز يوم وليلة وأما إذا دخلت في السن التي يمكن أن تحيض فيه وجاءها الدم لدون أقل الحيض فليست بحائض يعني لم تبلغ بعد، قال الشافعي [رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة] جدة إحدى وعشرون سنة؛ كيف جاءت هذه؟ يعني بلغت لتمام تسع سنين ثم تزوجت وعلى العاشرة وضعت بنتها حاضت لتمام تسع سنين وتزوجت فتمت العاشرة وهي حائض ووضعت إذاً تمت واحد وعشرين سنة هذا الأثر رواه البيهقي في السنن
(15/5)
________________________________________
وفي سنده أحمد بن طاهر بن حرملة قال الدار القطني [كذاب] وقال ابن عدي [حدث عن جدة عن الشافعي بحكاية بواطيل يطول ذكرها] يعني لم يثبت عن الشافعي ولو ثبت لا يعارض القول الراجح لأننا نقول يمكن أن تحيض لسبع سنين ولثمان سنين متى ما رأت الدم - حينئذٍ - تكون حائضاً، إذاً أقل زمناً تحيض له الأنثى هو تسع سنين يعني تمام تسع سنين والصحيح ما ذكرناه سابقاً وأما أكثر سن تحيض فيه النساء فهو خمسون سنة ولذلك قال (ولا حيض) يعني شرعاً (ولا بعد خمسين) يعني بعد تمام الخمسين بأن تدخل في الستين - حينئذٍ - إذا وجدت الدم أو رأته ولو كان على صفته بعادته ووقته وزمنه فلا يسمى دم حيض بل هو دم فساد؛ لماذا؟ لكون السن الذي يقف عنده الحيض شرعاً قد وجد وهو خمسون سنة لقول عائشة (إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض) ذكره أحمد قال الألباني رحمه الله تعالى [لم أقف عليه ولا أدري في أي كتاب ذكره أحمد] يعني كأنه يشير إلى أنه لم يثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها ولو ثبت فدليله الوجود والوجود هنا استقراء ناقص فلا تثبت به الأحكام الشرعية لو ثبت نقول هذا استقراء ناقص لأن مداره على الوجود عائشة رضي الله تعالى عنها من حولها من أقربائها مثلاً كلهن قد انقطع الحيض لتمام خمسين سنة يلزم أنه في كل مكان من بلغت خمسين ينقطع عندها الدم الجواب لا ليس بلازم إذاً ثبت هذا الأثر أو لا، لا يعتبر مستنداً صحيحاً لثبوت الأحكام الشرعية، إذاً (ولا بعد خمسين) يعني بعد تمام خمسين والصحيح أنه متى ما رأت الدم ولو بلغت السبعين وهو كما هو على حاله فهو حيض، (ولا مع حمل) يعني الحامل لا تحيض وهذه مسألة وقع فيها نزاع كبير، هل الحامل تحيض أو لا؟ المذهب أن الحامل لا تحيض فمتى ما رأت الدم ولو كان بصفاته وزمنه فلا يكون حيضاً بل هو دم فساد، ولذلك قال [فإن رأت دماً فهو دم فساد] ما الدليل؟ الدليل قال أحمد (إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم) وهذه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن الحامل لا تحيض ولآن الأطباء يوافقون يكاد يجمعون على هذا، وعنه رواية أخرى أن الحامل تحيض وفاق لمالك والشافعي واختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى وصحاب الفائق قال في الفروع [وهو أظهر] وصوبه في الإنصاف وهو الصحيح أن الحامل متى ما رأت الدم بوصفه فهو دم حيض؛ لماذا؟ لأنه على الأصل فالأصل في الدم الذي يخرج من الرحم أنه دم حيض ثم النصوص العامة الدالة على أن كل أنثى تحيض كما جاء في النص (هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) (على بنات آدم) هذا لفظ عام يشمل الحامل وغير الحامل، (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) هذا السؤال عام يعني لم يكن ثَمَّ تفصيل بين الحامل وغيرها - حينئذٍ - حكم الله عز وجل بأن الخارج من المحيض مكان الحيض بأنه أذى فمتى ما وجد ذلك الأذى ترتب عليه الحكم الشرعي إذاً بقاء على الأصل نقول الحامل تحيض، وقال [وقد وجد في زماننا وغيره أنها تحيض مقدار حيضها قبل ذلك ويتكرر في كل شهر على صفة حيضها] وقال الحافظ [هو دم بصفات دم الحيض وفي زمان إمكانه فله حكم دم الحيض فمن ادعى خلافه فعليه البيان] إذاً الذي يقول بأنها لا تحيض هو الذي عليه البيان والأصل بقاء ما كان على
(15/6)
________________________________________
ما كان كما أنها تحيض قبل الحمل فإذا رأت الدم بصفاته وزمنه نقول هذا حيض، وأما الأطباء وإجماعهم فلا عبرة به لا عبرة به فلا يلتبس على بعض من ينظر في هذه المسألة يقول الأطباء قد حكوا الإجماع والاتفاق أن الحامل يستحيل أنها تحيض؛ نقول أولاً الشرع لم يأمرنا بالرجوع إلى الأطباء ثَمَّ مسائل قد يرجع فيها إلى الأطباء إذا لم يكن ثَمَّ دليل واضح بين في الشرع - حينئذٍ - نرجع إلى الأطباء هل هذا مضر أم لا؟ فإن أفتى الطبيب بفتواه العلمية بأنه مضر رتبنا عليه الحكم الشرعي ولذلك كمثال الآن مثلاً نقول العدسات التي تلبسها المرأة ولو للزينة ما حكمها؟ نقول ننظر فيها الأصل الإباحة ما لم يكن تشابهاً أو تشبهاً بالحيوانات ونحوها فالأصل الإباحة إلا إذا ثبتت المضرة ومن الذي يحكم بالمضرة الطبيب - حينئذٍ - نقول الذي له مجال في النظر في هذه المسألة هم الأطباء فإن أثبتوا الضرر فيها حكمنا بالتحريم وإن لم يثبت الضرر حكمنا بالإباحة على الأصل؛ لماذا نرجع للأطباء؟ لأنه لم يرد نص في الشرع بأن هذه العدسات محرمة وإذا لم يكن كذلك فالأصل هو الإباحة هذا الأصل فيها إذاً نرجع إلى الأطباء لعدم وجود النص وأما النصوص الدالة على العموم بأن كل أنثى تحيض فهذه أكثر من أن تحصى فهي عامة وإذا كانت عامة ودخلت فيها الحوامل - حينئذٍ - نقول نرتب الحكم العام أو الحكم المرتب على اللفظ العام على الحامل فنقول الشرع قد دل بأن الحامل تحيض ولو معنا حديث (هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) (شيء) ما هو؟ الحيض؛ (هذا) المشار إليه الحيض (شيء كتبه الله على بنات آدم) نقول هذا لفظ عام يشمل كل أنثى سواء كانت حامل أو لا، إذاً حكم الشارع بأن الحامل تحيض لأنه أحد أفراد بنات آدم إذاً وجد النص وإذا وجد النص - حينئذٍ - لا نلتفت إلى الأطباء بوجه من الوجوه، إذاً لا مع حمل يعني لا حيض مع حمل والمسألة خلافية والصحيح أن الحامل تحيض لعموم النصوص وأما المذهب هو ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، فإن رأت دم على القول بأنها لا تحيض فهو دم فساد يجب عليها أن تصلي ولا تترك له العبادة ألبته ولا يمنع يزوجها من وطئها، ثم قال (وأقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً) هذا كذلك التحديد لأقل ما يسمى حيضاً يعني عرفنا أن الحيض هو السيلان؛ هل كلما سال الدم حكمنا عليه بأنه حيض؟ على القول الراجح نعم متى ما سال الدم ولو ساعة واحدة حكمنا عليه بأنه حيض وهذا قد يوجد ولذلك عند الإمام مالك رحمه الله تعالى قدر أقل الحيض بدفعة واحدة دفعة واحدة يعني مرة واحدة بأن يدفع دفعاً يسيل مرة واحدة حكم بأنه حيض وهو كذلك لما ذكرناه سابقاً بأن المعنى اللغوي لا بد أن يكون موجوداً في المعنى الشرعي ولم يرد في النص تحديد أقل ما يسمى حيض ألبته - حينئذٍ - المرجع يكون إلى الوجود هكذا قال الفقهاء والصحيح أنه لا يرجع إلى الوجود وإنما ينظر إلى كل واحدة على حده وحكم شخص بما يكون على الشخص الآخر نحتاج إلى دليل واضح بين وليس عندنا، إذاً متى نحكم على سيلان الدم بأنه حيض ونثبت هذه بأنها عادة للمرأة؟ على المذهب أن أقل سيلان للدم لا بد أن يجري ويسيل يوماً وليلة ولا سال يوماً كاملاً يعني يوماً فقط دون
(15/7)
________________________________________
ليلة قال هذا ليس بحيض بل هو دم فساد يعني أربع وعشرين ساعة فلو جرى الدم ثلاث وعشرين ساعة ونصف قال هذا دم فساد يعني إذا انقطع هذا دم فساد؛ لماذا؟ لأنه لم يرد أو لم يصل إلى أقل زمن الحيض - حينئذٍ - قالوا هذا ليس بدم حيض (وأقله) أي أقل زمن يصلح أن يكون دمه حيضاً (يوم وليلة) هذا المذهب ومذهب الشافعية كذلك (يوم وليلة) يعني أربع وعشرين ساعة لقول علي رضي الله تعالى عنه الآتي وكذلك الوجود (وأكثره) يعني أكثر ما يصدق عليه أنه حيض (خمسة عشر يوماً) وهذا المذهب عندنا وعند المالكية [(خمسة عشر يوماً) بلياليها لقول عطاء (رأيت من تحيض خمسة عشر يوماً)] هو رأى الأمة كلها أو رأى من رآه؟ رأى من رآه إذاً لا يصدق هذا القول على غير من رآه عطاء رحمه الله تعالى، إذاً مثل هذه الأقوال هي مستند كثير من الفقهاء وإلى لا يوجد نص ألبته في تحديد الأقل أو الأكثر، إذاً أقله يوم وليله في قول علي الآتي (وأكثره خمسة عشر يوماً) لقول عطاء [رأيت من تحيض خمسة عشر يوماً] وبعضهم استدل بقول علي [ما زاد على خمسة عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليله] وهذا إن صح عنه كذلك نقول مبني على الوجود يعني وجود النساء اللاتي رآهن علي رضي الله تعالى عنه وهذا ليس بحكم لازم لكل الأمة لأننا نقرر حكم شرعياً عاماً على كل أنثى في كل أرض - حينئذٍ - لا شك أن المناخ ونوعية الأكل كما يقول بعض الفقهاء ونحو ذلك لها أثر في الحيض وهذا لا شك أنه يختلف من مكان إلى مكان فمن رآها علي رضي الله تعالى عنه ليست هي التي تكون في شرق الأرض أو غربها [ما زاد على خمسة عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليله] واستفاض عن كثير من السلف أنه وجدوه عياناً يعني ما قاله علي رضي الله تعالى عنه، وعنه [لا حد لأكثره كما أنه لا حد لأقله] لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة فإذا ذهب قدرها) ما حدد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أحالها إلى ما تعرفه هي من نفسها لا من جارتها وإنما من نفسها (فإذا ذهب قدرها فاغتسل وصلي) ولم يقيد ذلك بقدر بل وكله إلى ما تعرفه من عادتها هذا هو الصحيح في أقل ما يقال بأنه أقل الحيض أو أكثره، قال ابن تيمية [ما أطلقه الشارع عمل بمقتضى مسماه ووجوده ولم يجز تقديره وتحديده فلا حد لأقل الحيض ولا لأكثره ما لم تصل مستحاضة ولا لأقل سن ولا لأكثره واختاره كثير من الأصحاب وكثير من أهل العلم] وهو الصواب كما ذكرناه سابقاً، إذاً هذا المسائل كلها مرجوحة على ما سبق، (وغالبه ست أو سبع) غالب الحيض يعني ما يكون من زمن عرفنا أقله يوم وليله وأكثره خمسة عشر يوماً الغالب في النساء أن تكون عادتها إما ست أو سبعاً (وغالبه) أي غالب الحيض (ست) يعني ست ليالي بأيامها (أو) هذه للتنويع يعني قد تكون المرأة ست أو سبع في نفسها أو ست باعتبارها وسبع باعتبار غيرها الثاني؛ أو للتنويع هنا (أو سبع) ليالي بأيامها وفاقاً لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش (تحيض - أي اقعدي - أيام حيضتك ودع الصلاة في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسل وصلي أربع وعشرين - أربع وعشرين هذه قعدت كم؟ ستة - أو ثلاث وعشرين ليلة - صلي ثلاث وعشرين هذه قعدت سبعة أيام - وأيامها فإن ذلك
(15/8)
________________________________________
يجزئك) وقوله (ستة أو سبعة) للتنويع يعني من النساء من تكون غالب عادتها ستة ومنهن من تكون سبعة، (وأقل طهر بين حيضتين ثلاث عشرة يوماً) وهذا يكون بين خمسة عشر واليوم يعني إذا جاء الحيض للمرأة ثم رأت الطهر - حينئذٍ - بين حيضة وحيضة هذا يسمى طهراً أقله بحيث لو جاء الدم قبل تمامه لا يعد حيضاً كم مقداره قالوا ثلاث عشرة يوماً بمعنى لو جاءتها العادة ثم طهرت واغتسلت ثم مقدار خمسة أيام ورجع الدم ولو كان بصفاته قال هذا ليس بدم حيض؛ لماذا؟ لأنها طهرت خمسة أيام وأقل طهر إنما يكون ثلاثة عشر يوماً فلا بد أن يكون بين انقطاع الدم وبين وجود الدم الآخر الحيض الآخر لا بد أن تستوفي ثلاث عشر يوماً بمعنى أنه لا يكون أقل وقد يكون أكثر قد تطهر وتبقى شهرين أو ثلاثة لا تحيض وهذا موجود قد تبقى سنة ولا تحيض - حينئذٍ - أقل ما يصدق عليه أنه طهر؟ هو ثلاثة عشر يوماً، وهذا كذلك دليله الوجود والصحيح أنه لا أقل للطهر ولا لأكثره؛ لأكثره هذا يكاد يكون مجمع عليه لأنه وجود من النساء من لا تحيض أصلاً فهي طاهرة مطلقاً وأما أقل طهر بين حيضتين فهذا مبني على أقل وأكثر الحيض والصحيح إذا رجحنا بأنه قد تحيض يوم وليله ثم تطهر يومين أو ثلاث ثم قد ترى الدم بصفاته نقول هذا حيض كذلك؛ لماذا؟ لأنه لم يرد تحديد لأقل طهر بين حيضتين فمتى ما رأت الدم ثَمَّ حكم الله عزوجل - سواء طهر - ولذلك سيأتي التلفيق وهي أن ترى يوماً دماً ويوماً طهراً أو يوم دماً ويومين طهراً - حينئذٍ - لفقوا لها عادة من هذه الأيام التي يتخللها طهر فإذا كان كذلك - حينئذٍ - نقول قد يأتي الدم يوم وليله وتثبت عادتها على ذلك ثم طهر اليوم واليومين ثم يعاودها الدم فنحكم عليه بأنه دم حيض بناء على الأصل السابق أن الأصل الذي يخرج من رحم المرأة على ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أنه حيض ثم الحيض له صفات كما سيأتي فمتى ما وجدت هذه الصفات ترتب عليه الحكم، احتج أحمد بما [روي عن علي أن امرأة جاءته وقد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض - زعمت أنها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض - فقال علي لشريح قل فيها - يعني احكم - فقال شريح - هذا لأنه مخالف للعادة هذا وجوده قليل جداً فلما كان وجوده قليلاً جداً - حينئذٍ - احتجنا إلى بينة وإلا الأصل أنه قد يحصل هذا لما ذكرناه سابقاً تحيض يوماً وليلة ثم تطهر خمسة أيام ستة أيام ثم تحيض ثم تطهر إلى آخره انتهت عدتها في أسبوعين وهذا ممكن لكنه قليل لذلك قال - إن جاءت ببينة من بطانت أهلها - يعني خواصهم العارفين ببواطن أمورها - ممن يرضى دينه وأمانتها وشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة] بناء على الغالب كبف حاضت ثلاث مرات في الشهر؟ حاضت يوم وليله ثم طهرت اغتسلت ثم طهرت ثلاثة عشر يوماً ثم حاضت الحيضة الثانية اليوم الخامس عشر ليوم وليله ثم طهرت ثلاثة عشر يوماً هذه عشرين حاضت فيها حيضتين ثم حاضت ثم طهرت - حينئذٍ - وجدت الثلاث الحيض في شهر واحد؛ إذاً أقل حيض بين الأولى والثانية والثانية والثالثة هو ثلاثة عشر يوماً لأنه لا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بمثل هذا نقول هذا لا يفهم منه تعميم الحكم على ما ذكر وإن وجد في المرأة التي حكم فيها إلا أنه
(15/9)
________________________________________
ليس بحكم عام وهذا وجود والوجود استقراء ناقص فلا تترتب عليه الأحكام الشرعية، إذاً أقل طهر بين حيضتين ثلاثة عشر يوماً نقول هذا قول مرجوح بل قد يكون أقل من ذلك، قال [إن جاءت ببينة من بطانت أهلها ممن يرضى دينه وأمانته وشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة فقال علي قالون أي جيد - رومية -] (ولا حد لأكثره) أي أكثر الطهر بين الحيضتين لأنه قد وجد من لا تحيض أصلاً لكن غالبه بيقت الشهر وهذا أمر يكاد يكون متفق عليه أن الطهر لا حد لأكثره قد تطهر شهرين وثلاث بل والسنة، قال الشارح [والطهر زمن الحيض خلوص النقاء بأن لا تتغير معه قطنة احتشت بها] الطهر كما سيأتي يعني متى تحكم المرأة بأنها طهرت؟ إذا عرفنا أقل الطهر؟ إما القصة البيضاء وإما جفاف الموضع بأن تحتشي قطنة في الموضع فتخرج كما هي قالوا هذا يدل على أن الموضع قد نقا من الدم ولذلك قال [خلوص النقاء] أي الطهر في أثناء الحيض فراغ الدم [بأن لا تتغير معه قطنة احتشت بها]، ثم قال رحمه الله تعالى (وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة ولا يصحان منها بل يحرمان ويحرم وطؤها في الفرج فإن فعل) هذه أحكام مترتبت على الحيض يعني متى ما وجد الحيض ثَمَّ أحكام وهذا يجعل المرء يتأنى في ضبط هذه المسائل لأنه بترتب عليها فعل صلاة أو تركها فالعجلت مذمومة (وتقضي الحائض الصوم) إذا قيل (تقضي الصوم) معناه أنه وجب لأن القضاء لا يكون إلا لما تعلقت به الذمة وهو كذلك، إذاً الحيض يرد السؤال الحيض هل يمنع وجوب الصوم؟ لا يمنع وجوب الصوم - حينئذٍ - يتعلق الحكم الشرعي وهو الوجوب بذمتها وقام المانع وهو وجود الدم من فعل الصوم عندنا أمران وجوب الصوم فعل الصوم وجوب الصلاة فعل الصلاة؛ الحيض يمنع فعل الصوم لا وجوبه ما الدليل؟ قضاء الصوم بالإجماع قضاء الصوم دليل على أنه قد تعلقت به الذمة (لا الصلاة) دليل على أن الحيض يمنع وجوب الصلاة وفعل الصلاة إذ لو وجبت الصلاة لتعين القضاء فلما سقط القضاء دل على أنه لم تجب عليها الصلاة، إذاً عندنا أمران وجوب الصوم فعل الصوم وجوب الصلاة فعل الصلاة، وجوب الصلاة وفعل الصلاة يمنعها الحيض ولا إشكال فيه وأما الصوم ففيه تفصيل أما الوجوب فلا يمنعه الحيض بل هو واجب وأما الفعل فيمنعه ولذلك قال (وتقضي الحائض الصوم) لأن الحيض لا يمنع وجوبه فتقضيه إجماعاً ولذلك قالت عائشة رضي الله تعالى عنها (كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) إذاً التعليل هنا بجهة الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن هنا أخذ الأصوليون أنه لا قضاء إلا بأمر جديد بمعنى أن الأدلة الدالة على فعل العبادة لا تدل على القضاء بل لا بد من أمر جديد بمعنى وهذه مسألة مهمة جداً ينبني عليها مسائل عديدة قوله عزوجل (أقيموا الصلاة) هذا أمر بأداء الصلاة؛ هل أقيموا الصلاة أمر بصلاة مطلقاً أو في زمن معين؟ في زمن معين إذاً الصلاة المأمور بها إيقاعها في زمن معين له ابتداء وانتهى؛ إيقاع الصلاة لا في الزمن المعين هل هي مأمور بها أو لا؟ ليست مأمور بها فمن أوجب القضاء لمن أخرج الصلاة عن وقتها متعمداً أوجبه بلا دليل شرعي؛ لماذا؟ لأن الدليل المقتضي للفعل لا يلزم
(15/10)
________________________________________
منه القضاء
والأمر لا يستلزم القضاء ... بل هو بالأمر الجديد جاء
لأنه في زمن معين ... يجي لما عليه من نفع بني
وخالف الرازي - في ذلك -
- حينئذٍ - لا بد منه ولذلك عائشة رضي الله تعالى عنها فقهة هذه المسألة وقالت (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) هذه قاعدة أصولية مهمة (كنا نؤمر بقضاء الصوم) مع وجود قول الله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) إذاً (فليصمه) هذا أمر لمن استطاع أن يصوم في الشهر فإن أخرجه أخرج الصوم عن الشهر المحدد له ابتداء وانتهاء بلا عذر شرعي لا يؤمر بالقضاء لا يجب عليه أن يقضي وليس هذا تخفيفاً عليه بل هذا تشديد لأنه لو قيل له إيتي به بدلاً بعد شهر رمضان وهو قد فرط وأفطر بدون عذر شرعي - حينئذٍ - سهول عليه قال إما الأداء وإما القضاء نقول لا؛ لا يشرع لك القضاء؛ القضاء هذا بدعة ليس من الشرع في شيء؛ لماذا؟ لأن الشارع أمر بإيقاع الصوم في وقت محدد ولا شك أن له حكمة في تحدبد وقت العبادة ابتداء وانتهاء - حينئذٍ - إخراج العبادة عن وقتها يكون من باب القياس، في الذي يصلي مثلاً بعد خروج وقت العصر يصلي العصر بدون عذر شرعي سوَّا بين الزمن الثاني والزمن الأول يعني جعله ماذا؟ جعله وقت للصلاة والله عزوجل قد حدد انتهاء الصلاة - حينئذٍ - كونه يصلي في الوقت الثاني نقول هذا قياس قاس الزمن الثاني على الزمن الأول نقول ما هي العلة؟ ليس عندنا علة نعم ليس عندنا علة هذا كمن يقف يوم عرفة لا في عرفة قال لا بأس بالعزيزية نقف قال هذه السنة خلها بالعزيزية يجزئ أو لا؟ ما يجزئ قطعاً - مترددين ليش - ما يجزئ بالإجماع ما يجزئ؛ لماذا؟ لأنه إذا جوز الوقت في غير عرفة يكون من باب القياس يعني سوَّا بين الأرضين قاس هذه الأرض على هذه الأرض ثم سحب الحكم الشرعي حكم الأصل للفرع قال كما جاز في عرفة جاز هنا يكون قياس نقول هذا ليس من باب القياس لعدم وجود العلة لأنها تعبدية؛ لماذا حدد الله عزوجل هذه البقعة؟ الله أعلم بها؛ لماذا حدد ابتداء صلاة الظهر وانتهائها بالوقت المعين؟ الله أعلم - حينئذٍ - نقول من جوز فقط قاس، إذاً (وتقضي الحائض الصوم) وهذا محل وفاق (لا الصلاة) - وحينئذٍ - نقول الحيض يمنع فعل الصوم لا وجوب الصوم والحيض يمنع وجوب الصلاة وفعل الصلاة إذ لو وجبت لقضية وأما قول من يقول أمر بقضاء الصوم لأنه خفيف لا يتعدد والصلاة كثيرة وفيه مشقة هذا تعليل فاسد وإنما نقول بالقاعدة هذه التي ذكرناها أن الشارع لم يرد ذلك ابتداء فلا بد من نظر الأصل التي تبنى عليه الأحكام الشرعية، (ولا يصحان منها) يعني لو صامت أو صلت وقت الحيض لا يصح لأنها منهية عن الصوم وقت جريان الدم فإن صامت فالنهي يقتضي فساد المنهي عنه فالصوم باطل يعني لو أرادت أن تصوم قضاء يعني ليس رمضان قال مادام أنه لا يجوز لها الصوم فتصوم قضاء أو تصوم نذراً أو نحو ذلك - فحينئذٍ - نقول الصوم فاسد باطل، والصلاة لو تذكرت صلاة مقضية يعني احتاجت إلى قضائها فائته وأرادت أن تصليها وقت الحيض نقول الصلاة فاسدة لأنها منهية عن الصوم والصلاة وقت الحيض والنهي يقتضي فساد المنهي عنه فلا تصح، إذاً (ولا يصحان) أي الصوم والصلاة (منها) أي من الحائض لأن
(15/11)
________________________________________
خروج الدم يوجب الحدث فمنع استمراره صحت الطهارة كالبول (بل يحرمان) عليها يعني يحرم عليها فعل الصوم وفعل الصلاة كالطواف وقراءة القرآن الطواف هذا محل خلاف بين أهل العلم؛ هل يشترط الطهارة من الحديثين للطواف؟ فيه نزاع والصحيح أنه يشترط لا بد من الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى يعني الحائض لا يحل لها أن تطوف ألبته أن تطوف وهي حائض سواء كان الطواف واجباً كحج أو عمرة أو كان نفلاً وكذلك قراءة القرآن على المذهب وذكرنا فيما سبق أن قراءة القرآن الصحيح أنها تقرأ وهذا هو الصحيح وإنما مس المصحف هي التي تمنع منه الحائض وأما قراءة القرآن فلا بأس بها يعني لم يدل دليل على منع الحائض من قراءة القرآن كما أنه لم يدل دليل على منع الجنب من قراءة القرآن والصحيح أن الجنب يقرأ القرآن ولا حرج في ذلك وذكر البخاري تعليقاً عن عباس أنه كان يقرأ حزبه وهو جنب كذلك ورد عن عدد من السلف الصالح وعدم الدليل يدلنا على الرجوع إلى الأصل لأن الأصل هو الإباحة وإباحة قراءة القرآن مع الجنابة أو غيرها فكما جاز مع الحدث الأصغر جاز مع الأكبر والذي يفرق بين هذا وذاك يحتاج إلى دليل ولذلك منعوا الجنب وجوزوا المحدث حدثاً أصغر؛ لماذا؟ لأن لم يرد دليل على منعه فيجوز ولو لم يكن متوضأ أن يقراء القرآن عن غيب نقول كذلك الجنب إن منعوا إيتي بدليل والأحاديث الواردة كلها ضعيفة كلها هالكة كما ذكرناه سابقاً، ثم قال (ويحرم وطؤها في الفرج) (يحرم) هذا تحريم وهل المراد به التحريم هنا أنه من الكبائر أو من الصغائر؟ في الإقناع [ووطؤها في الفرج ليس بكبيرة] هو محرم لكن لا يستلزم أنه كبيرة ليس كل محرم كبيرة والعكس صحيح [ووطؤها في الفرج ليس بكبيرة وهكذا في الفروع والمبدع]، (ويحرم وطؤها) يعني جماعها (في الفرج) خاصة وهو مخرج الحيض علق الحكم على محل دل على أن ما سواه لا يحرم (يحرم وطؤها في الفرج) خصص (في الفرج) هذا متعلق بقوله (وطؤها) ووطؤها علق عليه الحكم وهو التحريم إذاً مفهومه أن غير الفرج لا يحرم ويستثنى من ذلك الدبر بالإجماع إذاً الفرج هو مخرج الحيض مفهومه - مفهوم مخالفة - أنه لا يحرم في غير المخرج مطلقاً ويستثنى الدبر فهو محرم مطلقاً والدليل قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) (في المحيض) أي في مكان الحيض هذا المراد وليس المراد به في زمن الحيض (المحيض) أصلاً مَفْعِل مَحْيِض مفعل وزنه الصرفي مفعل محيض ومفعل يأتي اسم زمان ويأتي اسم مكان - انظر اللغة هنا - يأتي اسم زمان ويأتي اسم مكان يعني تصور أنك لو حملته على اسم الزمان ماذا يكون المعنى (فاعتزلوا النساء في المحيض) أي في زمن الحيض؛ في الزمن أو في المكان؟ إن قلت في الزمن يعني امتنع كل شيء الوطؤ في الفرج وغيره وإذا قلت (فاعتزلوا النساء في المحيض) في المكان المخصوص مخرج الدم إذاً الذي ورد النهي عنه هو المخرج ما عداه يبقى على الأصل هو الإباحة والصحيح أن المراد بالمحيض هنا اسم المكان مكان، إذاً (ويحرم وطؤها في الفرج) قال تعالى (فاعتزلوا) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب (فاعتزلوا النساء) يعني الحُيَّض من إطلاق العام وإيرادة الخاص (في المحيض) أراد بالاعتزال
(15/12)
________________________________________
ترك الوطء لقوله صلى الله عليه وسلم (أصنعوا كل شيء إلا النكاح) (أصنعوا) لما سئل عما يأتي من الحائض قال (أصنعوا كل شيء إلا النكاح) ومعلوم أن الاستثناء معيار العموم إذاً النكاح المراد به الجماع يعني الإيلاج في الفرج ما عدا ذلك قال (أصنعوا كل شيء) وليس هنا الأمر للوجوب وإنما المراد به الإباحة لأنه جاء في جواب سؤال رواه الجماعة إلا البخاري وفي لفظ (إلا الجماع) تفسير للنكاح وهو ظاهر الدلالة [وقال الشيخ - ابن تيمية يعني ابن قاسم إذا قال قال الشيخ فالمراد به ابن تيمية - المراد اعتزال ما يراد منهن في الغالب وهو الوطء في الفرج لأنه قال (هو أذى فاعتزلوا) فذكر الحكم بعد الوصف بالفاء] (قل هو أذى فاعتزلوا) الفاء هذه تدل على العلية يعني لماذا أمر بالاعتزال؟ لأجل الأذى والأذى أين محله؟ في الفرج خاصة وليس في موضع آخر [فذكر الحكم - الذي هو الاعتزال - بعد الوصف - الذي هو الأذى - بالفاء فدل على أن الوصف هو العلة - يعني الأذى - لاسيما وهو مناسب للحكم فأمر بالاعتزال في الدم للضرر والنجس وهو مخصوص بالفرج فيختص الحكم بمحل سببه وقال ابن قتيبة المحيض الحيض نفسه] إذاً (فاعتزلوا النساء في المحيض) أي الفرج فإن خالف عصا قال الله عزوجل (فاعتزلوا) وهو لم يعتزل ماذا عليه؟ ماذا يترتب عليه؟ الصحيح أنه يترتب عليه أنه قد ارتكب محرماً - فحينئذٍ - الاستغفار والتوبة وإن واظب وداوم - حينئذٍ - صارت الصغيرة كبيرة يفسق وهل يترتب على فعله كفارة أما لا؟ من مفردات مذهب الحنابلة أنه يترتب عليه كفارة ولذلك قال (فإن فعل) بأن أولج قبل انقطاعه (فعليه دينار أو نصفه كفارةً - بالنصب -) (فإن فعل) بأن أولج قبل انقطاع الدم قال (فعليه) يعني فيلزمه على هنا ظاهرة في الوجوب إذاً الكفارة واجبة وليست الكفارة هنا وحدها وإنما المراد التوبة والاستغفار مع الكفارة فعليه وجوباً (دينار أو نصفه) عرفنا هذه من المفردات يعني نصف الدينار على التخيير (كفارةً) بالنصب لحديث ابن عباس (يتصدق بدينار أو نصفه كفارةً) هكذا الرواية الصحيحة هكذا قال الشارح ومداره على عبدالحميد بن عبدالرحمن بن الخطاب قيل لأحمد في نفسك منه شيء قال نعم لأنه من حديث فلان وقال لو صح كنا نرى عليه الكفارة قال الخطابي لا يصح متصلاً مرفوعاً وقال هو وابن كثير وغيرهما قال أكثر العلماء لا شيء عليه ويستغفر الله يعني لا شيء عليه من الكفارات وأما الاستغفار متعين عليه والذمم بريئة إلا أن تقول الحجة بشغلها والأثر قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه إذاً نرجع إلى الأصل؛ الأصل براءة الذمة فلا يلزمه كفارة إن أخرجها من باب الاستحباب فلا إشكال وأما أنه يلزمه ويجب عليه فلا، إذاً (فإن فعل فعليه دينار أو نصفه) نصف الدينار والدينار المراد به المثقال من الذهب يعني كيف يعرف يسأل المثقال من الذهب كم سعره ويخرجه وهو الدينار أو نصف المثقال يسأل كم سعره اليوم ويخرجه (كفارةً) قال (فإن فعل) بأن أولج قبل انقطاعه يعني قبل انقطاع الدم بعضهم يفرق بين الإيلاج قبل الانقطاع وبعد الانقطاع قبل الاغتسال هو لا شك أنه الجماع قبل انقطاع الدم أشد يعني من حيث التأثيم وأما بعد الانقطاع قبل الاغتسال فهو أخف
(15/13)
________________________________________
مع التحريم ولذلك بعضهم فسر قول ابن عباس عليه يتصدق بدينار قبل انقطاعه أو نصفه بعد انقطاعه قبل الاغتسال وكلاهما محرم وإن كان بعضها أشد تحريم من بعض، (ويتسمتع منها بما دونه) هذا تصريح بالمفهوم السابق لأنه قال (ويحرم وطؤها في الفرج) خاصة إذاً ما عداه يجوز ولذلك قال (ويستمتع منها) يعني له ويجوز أن يستمتع (منها) أي من الحائض (بما دونه) أي دون الفرج بما فوق الإزار وما دون الإزار مطلقاً من القبلة واللمس والوطء دون الفرج لأن المحيض اسم لمكان الحيض الوارد في الآية قال ابن عباس [فاعتزلوا نكاح فروجهن ويسن ستر فرجها عند مباشرة غيره] هذا من باب الاستنان، قال ابن القيم رحمه الله تعالى [حديث أنس ظاهر في أن التحريم إنما وقع على موضع الحيض خاصة وهو النكاح أصنعوا كل شيء إلا النكاح وأباحة ما دونه وأحاديث الإتزار لا تناقضه لأن ذلك أبلغ في اجتناب الأذى وهو أولى] يعني يستحب له أن يلقي شيء على موضع الأذى ثم له المباشرة بعد ذلك، (وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق) (إذا انقطع الدم) والمراد بالانقطاع هنا الانقطاع الذي التي تتعلق به الأحكام وهو الانقطاع الكثير وهذا مختلف في تحديده وأولى ما يمكن أن يقال بأنه انقطاع نصف اليوم من باب الاجتهاد من أجل أن تضبط المسائل بمعنى أنه هل كل انقطاع يكون طهراً؟ الجواب لا لأن المرأة قد تطهر أثناء الحيض لمدة ساعة يجف عندها الدم أو ساعتين أو ثلاث أو أربعة هل هذا يعتبر نقاء فتغتسل أم أنه انقطاع بين أثناء الحيض؟ الثاني وإنما يعتبر انقطاع كلياً إذا كان نصف كنهار كامل أو ليلة كاملة - حينئذٍ - إذا انقطع الدم بعد صلاة الفجر فلا تغتسل للظهر وتصلي إنما تنتظر حتى تغرب الشمس - حينئذٍ - يتعين عليها أن تحكم بأن هذا الانقطاع هو الطهر إلا إذا رأت القصة البيضاء - حينئذٍ - تغتسل وتصلي إذاً (إذا انقطع الدم) ليس كل انقطاع وإنما المراد به الانقطاع الكثير إما أن يقيد بأنه يوم نهار يعني كامل أو ليلة كاملة أو إن جعلناه لمرجع المرأة نفسها ما غلب على ظنها أنه انقطاع كثير كما قلنا في الدم ما ستفحش في النفس اليسير والكثير فإن قلنا الانقطاع اليسير لا يخرجها عن كونها حائضاً إذاً إذا قدرة بأن هذا الانقطاع يسير وبأن هذا الانقطاع كثير لها تعتبر ذلك وهذا قد يكون طرداً للأصول السابقة، إذاً الانقطاع التي تتعلق به الأحكام الانقطاع الكثير الذي يوجب عليها الغسل والصلاة فأما الانقطاع اليسير في أثناء الدم فلا حكم له لأن عادة المرأة أنه ينقطع تارة ثم يجري ينقطع الدم تارة ثم يجري (إذا انقطع الدم) أي دم الحيض (ولم تغتسل) بعد ما الذي يباح لها من المحرمات؟ قال (لم يبح غير الصيام والطلاق) أم الصلاة فلا يباح لها انقطع الدم، إذاً لا تصلي حتى تغتسل لو صلت قبل غسلها قلنا هذا حدث أكبر ولا تصح عندنا تعبير بلفظ طاهر المرأة طاهر هذا اللفظ يصدق على وصفين: انقطاع الدم قبل الاغتسال ولذلك المرأة تقول طهُرت ولم تغتسل هل يصح هذا الوصف؟ نقول نعم يصح؛ لكن المراد به نوع معين وهو انقطاع الدم - حينئذٍ - يصح أن يقال بأنها طاهر، وعندنا وصف آخر بأن يقال طاهر والمراد به الاغتسال يعني الانقطاع
(15/14)
________________________________________
وزيادة على ذلك أن تغتسل بعض الأحكام الشرعية المترتبة على وجود الدم كالتحريم الصلاة لا تحل الصلاة إلا بالانقطاع والاغتسال لكن الوجوب؛ بالانقطاع أو الاغتسال؟ وجوب الصلاة يعني انقطع الدم ثم أذن المغرب ولم تغتسل هل نقول الصلاة ليست واجبة؟ لا وجبت الصلاة لأنها طاهر وإنما بقي عليها ما هو بيدها الانقطاع الدم ليس بيدها - حينئذٍ - لا يمكن أن تجعل نفسها طاهرة وأما إذا انقطع الدم - حينئذٍ - صارت الطهارة بيدها كالوضوء لو قلنا بأنها لا تجب عليها الصلاة لكونها لم تغتسل مع انقطاع الدم قلنا لا تجب على من كان محدثاً حدثاً أصغر ولم يتوضأ وهذا فاسد، هنا قال (ولم تغتسل لم يبح غير الصيام) ولا يشترط الغسل فلو تطهرة على أذان الفجر - حينئذٍ - نقول يجوز لها أن تصبح وهي غير مغتسلة؛ لماذا؟ لأن الدم هو موجب عدم صحة الصوم فلما انقطع - حينئذٍ - نقول صح الصوم منها وأما الاغتسال فليس شرط في صحة الصوم بل هو شرط في صحة الصلاة (والطلاق) يعني يجوز الطلاق بعد انقطاع الدم لحديث (مؤره فليطلقها طاهراً أو حاملاً) والمرأة تطهر بانقطاع الدم قوله (فليطلقها طاهراً) هذا عام يعني يشمل المرأة الطاهر إذا لم تغتسل ويشمل المرأة الطاهر إذا اغتسلت - حينئذٍ - نقول النص يعتبر عاماً (وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق) وأما الصلاة وقراءة القرآن والطواف هذه لا بد من الاغتسال وأما قبل الاغتسال فيجوز للزوج أن يطلقها ولا يكون آثماً ولا يكون طلاقاً بدعياً وإنما يكون طلاقاً بدعياً إذا أوقع الطلاق وقت جريان الدم وهل يقع ألا لا هذه مسألة خلافية طويلة؟
ثم شرع المصنف في بيان المبتدأة والمستحاضة ونحو ذلك والكلام متصل بعضه ببعض
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
(15/15)
________________________________________
عناصر الدرس
* المبتدأة وأحكامها.
* المستخاضة وأحكامها.
* الصفرة والكدرة وأحكامها.
* النفاس مدته وأحكامه.
الحمد رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
سبق بعض الأحكام المتعلقة بالحيض وأن هذا الباب إنما هو من الدماء التي تخرج من رحم المرأة وعرفنا أنها ثلاثة على الصحيح: دم حيض ودم نفاس ودم استحاضة والدم الرابع مختلف فيه وهو دم الفساد والصحيح أن دم الفساد داخل في مفهوم دم الاستحاضة -حينئذٍ- يكون دم الاستحاضة هو المتصل بالحيض وكذلك قد يكون مستقلاً عنه ولا يصلح أن يكون حيضاً، وعرفنا تعريف الحيض وبعض الأحكام المتعلقة به، شرع المصنف في بيان متى يحكم على المرأة بأنها حائضاً يعني سبق أن أقل الحيض يوم وليله وسبق أن أقل سنٍ تحيض له المرأة؛ كم؟ تسع سنين على المذهب قلنا الصحيح أنه لا يقدر في الحالين بل قد تحيض قبل تسع سنين ولو لثمان أو سبع أو ست وقد تحيض لأقل من يوم وليله بشرط أن يكون سيلان بمعنى أنه النقطة والنقطتان لا يعتبر حيضاً متى ما سال الدم كما قال الإمام مالك ولو دفعتاً-دفعتاً-يعني مرة واحدة سال سيلاناً يعتبر -حينئذٍ- حيضاً وإذا انقطع -حينئذٍ- تطهر تغتسل وتصلي تكون قد بلغت إذاً الصحيح في الحالين في أقله من حيث السن وفي أقله من حيث الزمن أنه لا يتحدد ودليلهم الذي ذكروه قلنا هذا منتقض لوجود غير من ذكر يعني قيل بأنه لا تحيض قبل تسع سنين قلنا وجود من حاضت بل وحملت قبل تسع سنين هذا يدل على أنها حائض فالوجود في العدم ينفى بالوجود في الوجود فإذا قيل بأنه لم يوجد من حاضت قبل تسع سنين ننفيه بالوجود أليس كذلك؟ ننفيه بالوجود وكذلك إذا قيل بأن أقله يوم وليله طالبنا بالدليل وإذا لم يكن دليل -حينئذٍ- رجعنا إلى الأصل قال الله عزوجل (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) عبر عنه بأنه أذى وهذا الذي يخرج أقل من يوم وليله هو أذى -حينئذٍ- صدق عليه الوصف فيترتب عليه الحكم الشرعي، متى نحكم على الحيض بأنه حيض؟ إذا تقرر بأنه ليس كل دم يعتبر حيضاً إذاً لا بد من أحكام وكل ما سيذكروه المصنف هنا من المبتدأة وما يتعلق بها إنما هو اجتهاد والصحيح في المسألة لأن المسألة فيها شيء من الدقة وعويص المسائل، صارت المسألة متى ما رأت الدم بصفته وسال سيلان حكمنا عليه بأنه حيض ولو لساعة واحدة فإذا انقطع إما بالقصة البيضاء أو الجفوف -حينئذٍ- اغتسلت وصلت فنحكم عليها بأنها قد بلغت وأنها قد وجبت عليها الصلاة والصوم ونحو ذلك هذا هو الصحيح في المبتدأة لكن ما سيذكره المصنف إنما هو اجتهاد وليس عليه دليل واضح بين بل فهمه لعامة المسلمين فيه نوع مشقة طبعاً مشقة كبرى فلا يستطيع العامي أو المرأة التي لم تكن متعلمة أن تفهم هذه المسائل التي سيذكرها، قال رحمه الله تعالى (والمبتدأة) مَبتدأة بفتح الهمزة يعني التي ابتدأها الحيض وابتداء الشيء أول وقت ظهوره (والمبتدأة) يعني التي ابتدأها الحيض وهذا لا يمكن أن تكون مبتدأة بالحيض أو بالدم الذي يصلح أن يكون حيضاً إلا بعد تمام تسع سنين وأما قبل تمام تسع سنين فلا يقال بأنها مبتدأة لأن قررنا فيما سبق على كلام المصنف أنه يعتبر دم فساد ولا يعتبر دم حيضاً؛ لماذا؟ لأن الدليل عندهم قائم على أن أقل
(16/1)
________________________________________
زمن تحيض له المرأة هو تسع سنين تمام تسع سنين فإذا خرج منها الدم قبل تمام تسع سنين لا تكون مبتدأة لأننا نقطع بأنه دم فساد (والمبتدأة) أي في زمن يمكن أن يكون حيضاً وهي التي رأت الدم ولم تكن حاضت رأت الدم لأول مرة ولم تكن حاضت يعني من قبل فهو أول دم يطرقها قال الشارح [في زمن يمكن أن يكون حيضاً] هذا احتراز عن زمن لا يمكن أن يكون حيضاً وهو قبل تمام تسع سنين وهذا القيد هو ليس بوارد وإنما هو تصريح بما فمهم من السابق لأن قرر فيما سبق (لا حيض قبل تسع سنين) إذاً إذا رأت قبل تسع سنين نقول هذا الزمن ليس بصالح أن يكون حيضاً وعليه هذا القيد من باب التأكيد وليس الاحتراز لأنه لا يرد على المصنف أن المبتدأة يحتمل أنها ابتدأها الحيض قبل تسع سنين نقول لا أخرجها يعني قعد لنا قاعدة في أول الأمر بأن أقل زمن هو تسع سنين إذاً ما كان قبل تمام تسع سنين لا يسمى حيضاً، (والمبتدأة) أي في زمن يمكن أن يكون حيضاً وهي التي رأت الدم ولم تكن حاضت يعني قبل رأيت الدم أول ما يأتيها الدم قد تمت عندها تسع سنين ما حكمها؟ قال (تجلس أقله ثم تغتسل وتصلي) (تجلس) يعني تدع الصلاة والصوم لا تصلي ولا تصوم -حينئذٍ- كيف لا تصلي ولا تصوم؟ نقول هي قد تصلي وتصوم لأن من كان دون البلوغ إذا لم تحض لا تمنع من الصلاة بل يجوز لها أن تصلي بل يستحب لها أن تصلي ولو كانت دون البلوغ -حينئذٍ- إذا رأت الدم وشككنا فيه هل هو حيض أم لا؟ قال المصنف (تجلس) يقال لمن لم يفعل الشيء جلس عنه قالوا ما أجلسك عن الحج العام يعني في هذا العام؛ جلس عن العبادة يعني دعها تركها أي تدع الصلاة والصيام ونحوهما بمجرد رأيته يعني بمجرد رأيت الدم متى ما رأت الدم بعد تمام تسع سنين تركت الصلاة؛ ما نوع هذا الدم؟ على المذهب عند الحنابلة أنه يشمل أربعة أشياء: سواء كان الدم أسود أو كان الدم أحمر أو كان صفرة أو كان كدرة ولذلك قال [ولو حمرة أو صفرة أو كدرة] أما الدم الأسود فقولاً واحداً في المذهب عند الحنابلة أنها تجلس وأما الثلاث الأخرى فهذه الثلاث مختلف فيها والصحيح فيه أنها تجلس الدم بنوعيه أياً كان نوعه وأما الصفرة والكدرة هذه لا تجلسها لأنها هي ليست بحيض وإنما هي ملحقة بحيض كما سيأتي (الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض) وأما قبلها أو بعدها الحيض بعد الانقطاع هذه ليس من الحيض في شيء فدل ذلك على أن الصفرة والكدرة لذاتهما ليست بحيض وإنما الحيض هو الدم هذا هو الأصل بقطع النظر عن نوعه سواء كان رقيقاً ثخيناً سواء كان ذا رائحة كريهة أم لا كان أسود بني إلى أحمر رقراق ونحو ذلك كله الدم بأنواعه هذا الأصل أنه دم حيض ألحق به الصفرة والكدرة في زمن العادة فقط يعني إذا كان في أثناء عادتها انقطع الدم الأحمر ثم جاءت الصفرة والكدرة وهي لازالت في عادتها نقول الصفرة والكدرة في زمن الحيض حيض وأما قبله أو بعده ولم يتصل به فلا حكم له إذا تقرر ذلك إذا ابتدأها الدم ولم يخرج الدم وإنما خرجت الكدرة والصفرة -حينئذٍ- لا يعتبر حيضاً ألبته وهذا هو الصحيح في المسألة خلافاً لمذهب الحنابلة، قال (تجلس) أي تدع الصلاة والصيام بمجرد رأيته منذ أن ترى الدم تركت الصلاة والصوم (تجلس أقله)
(16/2)
________________________________________
يعني أقل الحيض يعني يوم وليله ثم تغتسل ولو لم ينقطع الدم، المبتدأة لها أربعة أحوال: التي أول ما-إذا أردنا العموم على كلام المصنف-يأتيها الدم لها أربعة أحوال: إما أن تراه أقل من يوم وليله هذه صورة وإما أن تراه يوم وليلة فينقطع هذه صورة وإما أن تراه يوم وليلة ويزيد لكنه دون خمسة عشر يوماً يعني دون أكثره هذه صورة ثالثة وإما الصورة الرابعة أن تراه ويزيد على أكثر الحيض يعني تجاوز خمسة عشر يوماً هذه أربع صور سينبني عليها الكلام إذا رأته دون يوم وليلة علمنا أنها ليست مبتدأة في الحيض؛ لماذا على كلام المصنف؟ لأنه أقل الحيض يوم وليلة وهذه رأته ثلاث وعشرين ساعة أو رأته يوماً فقط أو رأته ليلة فقط -حينئذٍ- لا يعتبر دم حيض هذه الصورة الأولى وهي خارجة من كلام المصنف أن ترى الدم دون أقل الحيض يعني دون يوم وليلة، الصورة الثانية أن تراه يوم وليلة ثم ينقطعاً هذا قطعاً حيض على القول الراجح وعلى المذهب لكنه جاء أربعاً وعشرين ساعة ثم انقطع -حينئذٍ- تغتسل قطعاً؛ لماذا؟ لأنها طاهر وإذا كانت طاهراً -حينئذٍ- وجب عليها الغسل (حتى يطهرن فإذا تطهرن) دل على أن الطهر نوعان طهر بانقطاع الدم ولو لم تغتسل وطهر بعد الاغتسال (حتى يطهرن) يعني بانقطاع الدم (فإذا تطهرن) دل على أن التطهر الثاني زائد على الطهارة الأول إذاً تغتسل وتصلي وتصوم، الصورة الثالثة أن يستمر معها يوم وليلة ويزيد لكن سبق معنا أن أكثر الحيض كم؟ خمسة عشر يوماً يزيد عن اليوم وليلة ثلاثة أيام أربعة أيام عشرة ثلاثة عشر خمسة عشر وينقطع هذا نقول فيه ماذا؟ زاد عن يوم وليلة وانقطع لدون أكثره، الصورة الرابعة أن يتجاوز الخمسة عشر يعني يبدأ معها الدم ويستمر عشرين يوم هذه صورة رابعة يسمونها المستحاضة، هنا قال (تجلس أقله ثم تغتسل) هذا دخل تحته صورتان انقطع لأقله هذا لا إشكال فيه؛ ماذا تصنع على المذهب هو لم ينص عليها لكنها معلومة؟ ماذا تصنع؟ نقول تجلس تدع الصلاة يوماً وليلة فإذا انقطع اغتسلت وصلت وصامت ثم في الشهر التالي تفعل ما فعلته في الشهر الأول ثم في الشهر الثالث تفعل ما فعلته في الشهر الأول يعني تترك الصلاة يوماً وليلة في الثلاثة الأشهر في الشهر الرابع نحكم عليها بأن عادتها يوم وليلة إذا كان متحد في الابتداء والانتهاء يعني اتفق الدم في زمنه يوم وليلة في الشهر الأول ولا نحكم عليه بأنه حيض على المذهب ثم في الشهر الثاني وكذلك لا يحكم عليه بأنه حيض ثم في الشهر الثالث فإذا اغتسلت قيل لها هذا حيض وعادتك هي يوم وليلة، إذا زاد عن يوم وليلة وانقطع لدون أكثر الحيض هذا الذي ذكره المصنف قال (ثم تغتسل) لأنه آخر حيضها حكماً يعني مراده ولو سال الدم لو جرا معها خمسة أيام قلنا أربع وعشرين ساعة تغتسلين؛ والدم؟ قال هذا نحكم بأن الدم إنما انقطع حكماً لا حساً عند انتهاء يوم وليلة؛ لماذا؟ لكون أقل الحيض يقيناً هو يوم وليلة وما زاد فيه فهو مشكوك فيه -حينئذٍ- اليقين لا يرفع بالشك وعليه تدع الصلاة يوم وليلة وتصلي وتصوم فيما زاد عن اليوم والليلة ولذلك قال (ثم تغتسل وتصلي) وتصوم كذلك يعني تغتسل بعد اليوم وليلة ونحكم على حيضها قد انقطع حكماً لا حساً وتصلي
(16/3)
________________________________________
وتصوم لكن قالوا تصلي الفرض فقط وتصوم الفرض فقط كما لو جاءها في شهر رمضان -حينئذٍ- حددوا لها نوعاً معين من العبادة التي هي فرض؛ لماذا؟ قالوا لأن العبادة في ذمتها بيقين وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فلا تترك الواجب بالشك أقل الحيض بيقين عندهم يوم وليلة -حينئذٍ- إذا انتهت اليوم وليلة قالوا وجب عليك الصوم والصلاة وهذا الدم الذي يجري؟! قالوا نحكم عليه بأنه ليس بحيض والأصل أنك مطالبة بالصلاة والصوم -حينئذٍ- تصومين وتصلين ولو جرا الدم ونحكم على هذا بأنه ليس بدم حيض لأنه مشكوك فيه واليقين أنك مطالبة بالعبادة وهي واجبة لكن قد بلغت باليوم والليلة وما زاد على ذلك فمشكوك فيه-فحينئذٍ-الواجب لا يسقط بالشك، إذاً (تجلس أقله ثم تغتسل) لأنه آخر حيضة يعني تغتسل بعد مضي الأقل وإن كان مع سيلان الدم فلا يضر (وتصلي) وتصوم يعني تصلي الفرض وتصوم الفرض قال في الحاشية [وإنما أمرناها بالعبادة احتياطاً لبراءة ذمتها لأن الظاهر أنه حيض] هذا المذهب هذا غريب [الظاهر أنه حيض] لأنه متصل باليوم والليلة لكن براءة لذمتها نأمرها بالصلاة والصوم، ثم قال (فإن انقطع لأكثره) يعني انقطع الدم لأكثر الحيض الذي هو خمسة عشر يوماً (فما دونُ) بضم النون لأنه حذف المضاف ونوي معناه فبني على الضم مثل أما بعدُ أما بعد هذه مثلها (فما دونُ) بضم النون لقطعه عن الإضافة يعني الصورة الثانية (فإن انقطع لأكثره فما دون) يعني أربعة عشر يوم خمسة عشر يوم إلى قبل ذلك؛ ماذا تصنع؟ اغتسلت مرة أخرى وحكمنا على الدم بأنه انقطع حساً وحكماً في المرة الأولى حكمنا على الدم بأنه انقطع حكماً لا حساً لأن الدم جاراً والمرة الثانية نحكم على الدم بأنه انقطع حساً وحكماً -حينئذٍ- وجب عليها الغسل (اغتسلت) مرة أخرى (عند انقطاعه) حساً أيضاً وجوباً لصلاحية أن يكون حيضاً فلا تكون طاهراً بيقين إلى بالاغتسال من هذا الدم -حينئذٍ- يباح وطؤها بخلاف الاغتسال الأول فإنه يجب عليها فعل الصوم والصلاة لكنها لا توطأ والصحيح أنها تعتبر حائضاً مطلقاً كما سيأتي إذاً (اغتسلت عند انقطاعه) وتفعل ذلك في الشهر الثاني والثالث لأن العادة لا تثبت عادة في المذهب إلا إذا تكرر الدم ثلاث مرات ثلاثة أشهر في المرة الرابعة نحكم عليه بأنه حيض، إذاً القصة أنها تحيض لأكثر من يوم وليلة ثم يستمر بها الدم إما إلى اليوم العاشر أو الثاني عشر أو الخامس عشر نوجب عليها غسلين الغسل الأول عند انتهاء اليوم والليلة ونوجب عليها الصلاة والصوم ولو مع جريان الدم ثم إذا انقطع لليوم الخامس عشر طهر الموضع أوجبنا عليها غسلاً آخر ووجبت عليها الصلاة إذاً أوجبنا عليها غسلين؛ ما الدليل على إيجاب غسلين؟ ليس إلا الاجتهاد أما الغسل الثاني فلا إشكال فيه لقوله تعالى (فإذا تطهرن) (حتى يطهرن) يعني انقطع الدم (فإذا تطهرن) قد أوجب عليها الغسل الثاني تفعل هذا الشيء الشهر الثاني والشهر الثالث، (فإن تكرر ثلاثاً فحيض) يعني نحكم على هذا الدم بأنه دم حيض وعادتك كذا -حينئذٍ- الأشهر الثالث إما أن تتفق وإما أن تختلف؛ كيف تتفق؟ يعني ينقطع الدم في الشهر الأول لليوم السابع ويأتي الشهر الثاني وينقطع الدم لليوم السابع
(16/4)
________________________________________
والشهر الثالث ينقطع اليوم السابع -حينئذٍ- نقول تكرر ثلاث مرات متفقة أو مختلفة؟ متفقة إذاً نقول في الشهر الرابع عادتك سبعة أيام ينبني عليه أنه لو زاد عن السابع في الشهر الرابع قلنا اغتسلي عند نهاية السبع لأن عادتك قد انتهت واضح هذا، هذا إن اتفقت، إن اختلفت رأته في الشهر الأول سبعة أيام والشهر الثاني عشرة أيام وفي الشهر الثالث خمسة عشر يوم إذاً في الثلاث الأشهر قد انقطع لدون أكثر الحيض؛ ما هي عادتها؟ قالوا هنا اتفقت واختلفت أشهر الأول سبعة والشهر الثاني عشرة والشهر الثالث خمسة عشر اتفقت واختلفت؛ اتفقت في ماذا؟ ما هو العدد المكرر في الثلاثة الأشهر؟ السبعة وما زاد عن السبعة-الثلاثة-عشرة أو ما زاد إلى الخامسة عشر نقول هذا يلغا ونحكم على أن العادة إنما هي سبع؛ هذا متى؟ عند عدم الاتفاق، إذاً (فإن تكرر) الدم (ثلاثاً) في ثلاثة أشهر ولم يختلف سبعة أيام في الشهر الأول سبعة أيام في الشهر الثاني وكذلك في الشهر الثالث (ف) هو (حيض) يعني كله حيض بشرط ولم يختلف فإن اختلف -حينئذٍ- ننظر إلى القدر المشترك ونجعله هو حيض أو العادة التي يجب الجلوس لها في الشهر الرابع فإن اختلفت على المثال المذكور إذا جاء الشهر الرابع -حينئذٍ- نقول لها عادتك سبعة أيام فإذا انقطع الدم لسبعة أيام فبها ونعمت فإن زاد عن سبعة أيام ولو زاد على أكثر الحيض نقول هذا يعتبر استحاضة فوجب الغسل عند نهاية اليوم السابع ثم تصوم وتصلي (فإن تكرر ثلاثاً) أي في ثلاثة أشهر ولم يختلف (تكرر) المذهب عندنا لا بد أن يكون ثلاثاً (ف) هو (حيض) وثبتت عادتها فتجلسه في الشهر الرابع هذا كله من أجل أن نكتشف عادة لها الشهر الأول لا تثبت فيه العادة والشهر الثاني لا تثبت فيه العادة والشهر الثالث لا تثبت فيه العادة وإنما الرابع بتمام الثلاثة الأشهر قالوا هذا يدل على أن العادة ثبتت قالوا لقوله عليه الصلاة والسلام (تدع الصلاة أيام أقرائك) وهي جمع وأقل الجمع ثلاثة فلا تثبت العادة بدونها لأن معتبر له التكرار اعتبر في الثلاث كالأقراء وهذا فيه نظر لأن المراد بالأقراء هنا أيام الحيض (تدع الصلاة أيام أقرائك) إذا كانت سبعة أيام اليوم الأول اليوم الثاني الثالث الرابع هذه كلها أيام حيض وهي أيام أقراء جمع قُرء أو قَرء المراد به الحيض على كل الظاهر أن العادة إنما تثبت بما تراه المرأة دماً -حينئذٍ- إن اتفقت فهي عادتها وإن لم تتفق نقول هذه ليست لها عادة منضبطة وما خرج يعتبر دماً وهذا أشبه ما يكون بمفردات المذهب ولذلك عند الحنفية والمالكية والشافعية أن الدم الذي تراه حيض مطلقاً فتترك له الصلاة والصيام مادام أنه لم يتجاوز أكثر الحيض يعني متى ما رأت المبتدأة الدم وانقطع لدون أكثر خمسة عشر يوم أو خمسة عشر فما دون كله يعتبر حيضاً وهذا أقرب من المذهب؛ لماذا؟ لأنه كما سبق أن الأصل في الدم الذي يخرج من الرحم إنما هو دم حيض فإذا كان كذلك خرج سبعة أيام وخرج في الشهر الثاني عشرة أيام وخرج في الشهر الثالث خمسة عشر يوماً مادام أنه دون أكثر الحيض -حينئذٍ- يعتبر كله حيض والمذاهب الثلاثة على هذا وهو أصح ولكن تحديده بخمسة عشر هذا الذي يكون فيه شيء من النظر لأن
(16/5)
________________________________________
الصحيح لا حد لأكثره وهذا أقرب من المذهب، قال (فهو حيض) يعني كله حيض اليوم وليلة وما زاد عليها (وتقضي ما وجب فيه) يعني إذا ثبت أن عادتها سبعة أيام وهذا إنما يتصور فيما زاد على اليوم وليلة أو لم تكن العادة متفقة قلنا تغتسل ليوم وليلة أليس كذلك؟ ثم تصوم وتصلي الصلاة لو صلت وهي حائض فلا إعادة لأن تبين أن الصلاة باطلة لو صامت فرضاً أو اعتكفت نذراً أو طافت في حج ونحوه وقد حكمنا عليه بأنه دماً مشكوك فيه إذا ثبت بعد ثلاثة أشهر أن ذاك الزائد على اليوم وليلة حيض قضت ذاك الصيام وذاك الطواف وذاك الاعتكاف؛ لماذا؟ لأنه تبين أنه فعل على جهة الفساد -حينئذٍ- لا يجزئها ولذلك قال (وتقضي ما وجب فيه) يعني عبادة واجبة (فيه) أي في المجاوز لأقل الحيض لأن قلنا تترك يوم وليلة لا تصوم ولا تصلي ثم تغتسل ولو سال الدم-طيب-بعد أربعة أشهر حكمنا على أن الدم الذي زاد عن يوم وليلة بأنه حيض اكتشفنا بعد أربعة أشهر أنه حيض والصوم الذي صامته في هذا تبين أنه باطل والاعتكاف تبين أنه باطل وكذلك الطواف تبين أنه باطل إذاً الذمة لم تبرأ ووجب عليها الإعادة ولذلك قال (وتقضي ما) أي عبادة (وجب فيه) أي في المجاوز لأقل الحيض أي ما صامت فيه من واجب وكذا ما طافته أو اعتكفته (فيه) -واضح هذا المسألة فيها إشكال؟ -على كل الصحيح أنه متى ما رأت الدم تركت الصلاة والصوم وإذا انقطع -حينئذٍ-اغتسلت وصلت وصامت هذا الصحيح، ثم قال هذه الصورة الثالثة (وإن عبر أكثره) يعني تجاوز الدم خمسة عشر يوماً المسألة السابقة فيما إذا انقطع لخمسة عشر فما دون لم يتجاوز أكثر الحيض نحن عندنا أقل الحيض وأكثر الحيض؛ أقل الحيض يوم وليلة وأكثر الحيض خمسة عشر يوماً -حينئذٍ- ما كان دون أقل الحيض ليس بدم، ما زاد عن خمسة عشر يوماً هذا يسمى استحاضة، (وإن عبر) يعني جاوز الدم (أكثره) أي أكثر الحيض (ف) هي (مستحاضة) وهذه التي تسمى المبتدأة المستحاضة يعني أول ما جاءها الدم استمر معها عشرين مباشرة بدء معها الدم في اليوم الأول من الشهر ولم ينقطع إلى اليوم العشرين إذاً ما نقطع إلى خمسة عشر يوماً هذا يعبر عنه بأنه بدأها الدم وجاوز خمسة عشر يوماً سواء انقطع للسادس عشر أو العشرين أو الثلاثين أو مضى معها السنة أو سنتين أو ثلاث هذه تسمى مستحاضة، والمستحاضة كما عرفها هنا مأخوذة من الاستحاضة وهو سيلان الدم في غير وقته من العرق العاذل، وعرفها بعضهم بأنها من جاوز دمها أكثر مدة الحيض، واستحاضة المرأة تستحاض فهي مستحاضة وفي الحديث (إني استحاض فلا أطهر أفدع الصلاة؟ فقال: لا إنما ذلك عرق) وجاء كذلك (إن بعض أزوج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفت وهي مستحاضة) وفي حديث (أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين) وهو متفق عليه، إذاً هو سيلان الدم في غير وقته وهنا قال من جاوز دمها أكثر مدة الحيض؛ هل بينهما فرق؟ سيلان الدم في غير وقته التعريف الآخر من جاوز دمها أكثر مدة الحيض؟ نعم بينهما فرق؛ التعريف الثاني يشترط في الاستحاضة أن تكون متصلة بالدم -حينئذٍ- إذا بدأها الدم ووصل إلى الخامس عشر ثم استمر الاستمرار هذا وعدم الانقطاع نحكم على الدم الثاني المتجاوز بأنه استحاضة وأما على تعريف صاحب
(16/6)
________________________________________
الروض سيلان الدم في غير وقته من العرق العاذل هذا لا يدل على الاتصال فلو جاءها الدم الحيض ثم انقطع طهرت ثم رجع معها يوماً وليلة على التعريف الثاني لا يسمى استحاضة الدم الذي رجع لا يسمى استحاضة؛ لماذا؟ لأنه انقطع عن دم الحيض لم يتصل به وعلى تعريف صاحب الروض يسمى استحاضة وعلى التعريف الأول يسمى دم فساد هذا الفرق بين دم الفساد وبين دم الاستحاضة الاستحاضة يكون متصل بدم الحيض والفساد أن يكون قبل الحيض وينقطع أو يكون بعد انقطاع الحيض ثم يأتي الدم هذا يسمى فساد والصحيح أن كلاً منهما استحاضة ولذلك قال النووي [المستحاضة من ترى الدم على أثر الحيض-يعني مباشرة -على صفة لا يكون حيضاً وذات الفساد هي من يبتدئها دم لا يكون حيضاً]-طيب- (إن عبر أكثره فهي مستحاضة) قال المصنف هنا [من العرق العاذل] وهذا مأخوذ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك عرق) فالحيض يخرج من عرق في قعر الرحم والاستحاضة من عرق في أعلى الرحم يعني أقرب إلى المخرج وأما الحيض فهو من القعر والحيض دم طبيعة والاستحاضة مرض ويسمى الآن نزيفاً الحيض له أوقات محدودة معلومة في الغالب وأما الاستحاضة فليس لها أوقات محدودة دم الحيض له صفات كما سيأتي ودم الاستحاضة ما لم يوجد فيه صفات دم الحيض إذاً (إن عبر أكثره) فهي مستحاضة؛ ماذا تصنع؟ المبتدأة المستحاضة لها حالان إما أن تكون مميزة أو لا؟ المبتدأة المستحاضة؛ من هي المبتدأة المستحاضة؟ التي بدأها الدم وعبر أكثره هذه المبتدأة المستحاضة، عندنا مستحاضة معتادة ومستحاضة مبتدأة، الحديث الآن في المستحاضة المبتدأة التي أول ما يطرقها الدم يتجاوز خمسة عشر يوماً هذه لها حالان: إما أن تكون مميزة أو لا؛ كيف مميزة؟ يعني الدم عندها ليس على صفة واحدة يتبدل يتغير -حينئذٍ- تسمى ماذا؟ مميزة لكن ليس كل تمييز يكون صالحاً كما سيأتي، إذاً المستحاضة المعتادة قال المصنف (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود ولم يعبر أكثره ولم ينقض عن أقله فهو حيضها) -اقرؤوا العبارة جيداً- (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود) يعني (فإن كان) لها تمييز كما قال الشارح [(فإن كان) لها تمييز] دم الحيض له علامات: أولاً: اللون فدم الحيض أسود والاستحاضة أحمر؛ دم الحيض أسود أو يكون بني مائل إلى أسواد، الثانية: الرقة فدم الحيض غليظ ثخين ودم الاستحاضة رقيق، الثالثة: الرائحة دم الحيض منتن كريهة له رائحة كريهة بخلاف الاستحاضة ليس له رائحة، الرابعة: التجمد دم الحيض إذا ظهر لا يجمد إذا خرج وسال لا يجمد بخلاف دم الاستحاضة فإن يجمد، الخامسة: الألم الذي يسمى المغص عند النساء، هذه كم علامة؟ ما هي؟ اللون والرائحة والرقة والتجمد والألم، يكفي في الحكم على الدم بأنه حيض بوجود واحدة علامة فقط يعني قد يوجد الألم ويكون أحمر؛ هنا وجدت علامة أو لا؟ وجدت علامة لا يشترط اجتماع العلامات الخمس وإلا ليس بحيض لو قيل بهذا ما وجدت حائض لأنه لا يجتمع الخمس العلامات في موضع واحد أو في حالة واحدة وإنما قد يوجد الألم ولا تكون له رائحة كريهة ولا يكون ثخيناً ولا يكون أسود، قد يكون أسود ولا يوجد معه ألم إذاً المراد وجود واحد، ولذلك مثل المصنف بعلامة واحدة
(16/7)
________________________________________
لأنه إذا وجد كذلك -حينئذٍ- نقول هذا الدم دم حيض، قال (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود) أي النوعين علامة للحيض؟ الأسود؛ لكن هل كل أسود يصلح أن يكون حيضاً؟ الجواب لا؛ بشرط أن يكون الأسود أن لا يقل جريانه وسيلانه عن يوم وليلة ولا يزيد عن خمسة عشر يعني ما وجدت فيه علامة الحيض نطبق فيه قاعدة أقل الحيض وأكثره فإن جرا الأسود أقل من يوم وليلة لا يصلح إذاً هذا دم أسود لكنه ليس بحيض إذاً تأخذ ليس كل دم أسود يصلح أن يكون حيضاً؛ لماذا؟ لأنه يشترط فيه أن يطبق عليه قاعدة أقل الحيض وأكثر الحيض؛ فإذا جرا الدم ستة عشر يوماً وهو أسود لا يصلح أن يكون حيضاً-أنتم معي أو لا-إذا جرا الدم الأسود أكثر من ستة عشر يوماً نقول يا بدر لا يصلح أن يكون حيضاً؛ لماذا؟ لأنه يشترط في هذه العلامة أن لا تجاوز أكثر الحيض يعني لا نعتبره علامة إلا إذا تجاوز جريانه وسيلانه يوم وليلة-خمس وعشرين ساعة-وأن لا يزيد عن خمسة عشر يوماً فما بين الزمنين فهو دم صالح إذاً الأسود قد يكون صالحاً لتمييز وقد لا يكون صالحاً، ولذلك قال المصنف (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود) لم يقل دمها الأسود حيض مباشرة-لا قال- (ولم يعبر) يعني الأسود الضمير يعود إلى الأسود (ولم يعبر) هو أي الأسود أن يجاوز (أكثره) أي أكثر الحيض (ولم ينقص عن أقله) لا بد من تقييده بأقل زمن للحيض وأكثره (فهو) أي الأسود (حيضها) إذاً عندنا شرطان عدميان: الشرط الأول (لم يعبر أكثره) يعني لم يتجاوز خمسة عشر يوماً؛ الشرط الثاني (لم ينقص عن أقله) عن يوم وليلة -حينئذٍ- نقول هذا الدم الأسود (هو حيضها) مثاله لو ابتدأها الدم في أول الشهر يعني واحد واستمر معها إلى يوم عشرين نقول هذه مبتدأة مستحاضة أولاً تحكم عليه بأنها مبتدأة مستحاضة؛ لماذا مبتدأة؟ لأن الدم أول مرة يطرقها؛ لماذا مستحاضة؟ لكون الدم قد جاوز أكثر الحيض؛ كيف نصنع؟ ننظر في الدم على المثال الذي ذكره المصنف (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود) وجدنا الأسود أنه استمر معها من اليوم الخامس إلى اليوم الخامس عشر وقبل ذلك وبعده هو دم أحمر يعني خرج معها الدم الأحمر خمسة أيام ثم انقلب فصار أسود إلى اليوم الخامس عشر ثم رجع إلى الأحمر نقول هذا دمها متميز وهذا الدم الأسود صالح لأن يجعل حيضاً؛ لماذا؟ لأن عشرة أيام عشرة أيام معناه ماذا؟ تجاوز أقل الحيض أربعاً وعشرين ساعة ولم يعبر أكثر الحيض لأنه عشرة أيام وأكثر الحيض خمسة عشر يوماً إذاً نقول عادتك عشرة أيام لأن الدم هذا دم صالح لأن يجعل حيض وما قبله وما بعده فهو دم أحمر لا يلتفت إليه بله دم استحاضة فلا يمنع من الصلاة والصوم،-طيب-جاءها الدم عشرين يوماً استمر معها خمسة أيام أحمر ثم إلى اليوم العشرين انقلب أسود؛ من اليوم الخامس إلى اليوم العشرين؛ كم يوم الأسود خمسة عشر يوماً؛ يصلح أن يكون حيضاً؟ يصلح أن يكون حيضاً إذاً نقول من اليوم الخامس إلى اليوم العشرين هذا يعتبر دم حيض فتترك الصلاة والصيام، جاءها الدم يوم واحد الأسود ثم قبله وبعده فإذا به دم أحمر؛ يوم واحد يعني نهار واحد نقول هذا الدم ليس صالح بأن يجعل حيضاً؛ لماذا؟ لأنه أقل من أربع وعشرين ساعة ولا يصلح الدم
(16/8)
________________________________________
أن يكون حيضاً إلا إذا تجاوز أربع وعشرين ساعة ولم يتجاوز خمسة عشر يوماً واضح، إذاً (فإن كان بعض دمها أحمر وبعضه أسود ولم يعبر أكثره-يعني أكثر الحيض-ولم ينقص عن أقله فهو حيضها) قال الشارح [وكذا إذا كان بعضه ثخيناً-يعني وبعضه رقيقاً-أو منتناً-وبعضه غير منتن-وصلح حيضاً فهو حيضها] يعني العلامة ليست خاصة بالدم الأسود؛ فإن بعض دمها ثخيناً ويعضه رقيقاً ننظر في الثخين لأنه من علامات دم الحيض إن زاد عن أقل الحيض ولم يعبر أكثره نقول هذا الثخين ولو لم يكن أسود هذا الثخين يعتبر دم حيض؛ لماذا؟ لكونه وجدت فيه علامة الحيض -حينئذٍ- تترك الصلاة والصيام، قال (تجلسه في الشهر الثاني والأحمر استحاضة) (تجلسه في الشهر الثاني) يعني مباشرة؛ متى ما عرفنا أن هذا الدم الذي وجدت فيه علامة الحيض وصلح أن يكون حيضاً لاعتبار الزمنين الأقل والأكثر تجلسه في الشهر الثاني ولا ننتظر الشهر الثالث والرابع لأن التكرار يشترط فيه ثلاث إذا أردنا تثبيت العادة وأما في المستحاضة ففي الشهر الثاني مباشرة تجلس ذلك الدم -حينئذٍ- إذا استمر بها خمسة عشر يوماً أو عشرة أيام نقول عادتك في الشهر القادم عشرة أيام لهذا الدم المتميز سواء تقدم الدم أو توسط أو تأخر يعني تدور مع هذه العلامة في التقدم والتوسط والتأخر، (تجلسه) يعني تجلس الأسود كله من كل شهر لأن التمييز أمارة من نفسه فلا تحتاج إلى ضم غيره إليه، ولذلك قال [ولو لم يتكرر أو يتوالى] [ولو لم يتكرر] يعني لا ننتظر التكرار ولو لم يتوالى يعني لا يشترط في العشرة الأيام التي يكون فيها الدم أسود أن تكون متصلة بل لو جاءها الدم الأسود يومين ثم صار أحمر رقراقاً ثم رجع الدم الأسود يومين ثم صار أحمر ثم رجع أسود نلفق بين هذه الأيام التي جاء فيها الدم الأسود وننظر هل هي أقل من الحيض أو كثر؟ فيكون الحكم تابعاً لها، يعني لا يشترط في الدم الأسود أو الدم الثخين أو الدم المنتن أن يكون متصلاً بل ننظر إلى عدد الأيام التي جاءها الدم أسود -حينئذٍ- نقول جاءها أربعة أيام خمسة أيام عشرة أيام ولو كانت متفرقة وهذا ليس بأكثر الحيض -حينئذٍ- يعتبر حيضاً لها والأحمر والرقيق وغير المنتن استحاضة تصوم فيه وتصلي هذه المستحاضة المميزة التي لها تمييز، فإن لم تكن مميزة هنا تأتي المشكلة إن لم تكن مميزة يعني دمها كله على صفة واحدة أنت الآن لا تتصور عشرين يوم كل المثال هذا من باب التيسير وإلا قد تستحيض المرأة سنة كاملة -حينئذٍ- نقول الدم هذا إن جرا على حالة واحدة أحمر ليس فيه أسود ألبته أو كله منتن من أوله إلى آخره هذا لا يصلح أن يكون حيضاً أو وجد فيه ما فيه علامة من علامات الحيض ولم يتوفر فيه الشرطان السابقان العدميان -حينئذٍ- نقول هذه مبتدأة مستحاضة غير مميزة؛ ماذا تصنع؟ (وإن لم يكن دمها متميزاً) بأن كان كله على صفة واحدة إما أسود شهر كامل كله أسود؛ نقول هذا أسود هل يصلح علامة للحيض؟ الجواب لا؛ أو كله أحمر هذا لا يصلح أن يكون علامة أو كله منتناً أو كان متميزاً ولم يصلح المتميز بأن يجعل علامة للحيض (جلست) يعني المبتدأة عن الصلاة ونحوها أقل الحيض من كل شهر رجعنا إلى الأول يعني (إن لم يكن دمها
(16/9)
________________________________________
متميزاً) منذ أن يطرقها الدم ابتدأ معها يوم السبت وحدة في الشهر تجلس يوم وليلة وتغتسل ثم تصلي الشهر كامل ثم يأتي الشهر الثاني في نفس الموعد تجلس يوم وليلة ثم تغتسل وتصلي ثم في الشهر الثالث كذلك تفعل يوم وليلة وتغتسل وتصلي في الشهر الرابع تجلس غالب الحيض يعني ستة أو سبعاً هنا لما لم يكن لها تمييز رددنها إلى عادة غالب النساء إما عموماً أو أقاربها كما سيأتي، قال (وإن لم يكن دمها متميزاً جلست غالب الحيض) ستة أو سبعاً بتحرٍ على الصحيح من المذهب يعني؛ هل تتخير بنفسها تتشهى أم تنظر فيمن حولها ستة أو سبعاً؟ هذا ينبني عليه ترك صلاة في اليوم السابع تنظر في أمها وأختها وأقاربها فما كان غالباً هو الذي تجلسه إن كان الغالب في عادة أمها وأخواتها الأكثر منهن تجلس سبعة جلست سبعة وإن كان الغالب فيهن أن تجلس ستة جلست ستة فتحري هنا ليس بنفسها بذاته بهواها-يعني تختار على كيفيها ستة أو سبع؛ لا-وإنما تنظر فيمن حولها، (غالب الحيض) ستة أو سبعاً بتحر (من كل شهر) يعني من أول وقت ابتدائها إن علمته إن علمت متى ابتدأها الدم عرفت أنه في اليوم العاشر من الشهر -حينئذٍ- نقول لها أول شهرك هو اليوم العاشر، المرأة يختلف شهرها عن التقاويم يعني لا يتحد مع الشهور الهلالية وإنما أول يوم في الشهر عندها هو أول يوم يأتيها الحيض الفقيه إذا قيل شهر المرأة كما يقول الفقهاء فالمراد به أول يوم أتاها الحيض -حينئذٍ- اجتمع لها شيئان حيض وطهر فإذا ابتدأها الدم في اليوم العاشر نقول أول يوم من شهرك هو العاشر في إذا جئت في الشهر الرابع تجلسين أغلب الحيض تبتدئين العد من العاشر الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ست أيام أو سبعة ثم تغتسل وتصلي وتبقى على هذا ولو سال الدم معها أشهراً؛ فإن نسيت ما تدري متى أول ما طرقها الحيض نسيت؛ ماذا تصنع؟ ترجع إلى الشهر الهلالي فالرجوع إلى الشهر الهلالي إنما يكون عند نسيان أول دم طرقها ولذلك قال الشارح [من كل شهر من أول وقت ابتدأها إن علمته] يعني إن علمت ابتدأها بالدم جلسته من أول ابتدأها من كل شهر يكون شهرها [والمراد شهر المرأة وهو ما يجتمع له فيها حيض وطهر صحيحان-لا الشهر الهلالي-وإن لا فمن أول كل هلالي] يعني الشهر-التقويم-فترجع إليه إن نسيت أول الشهر، إذاً المبتدأة إن كانت مستحاضة فلها حالان: إما أن تكون مميزة وإما أن تكون غير مميزة؛ إن كانت مميزة بأن صلح الدم بأن يجعل حيضاً -حينئذٍ- رجعت إلى التمييز من الشهر الثاني وجلسته؛ إن لم تكن مميزة جلست غالب الحيض ستة أو سبعاً من أول شهرها إن علمته ومن أول الشهر الهلالي إن نسيته، قال في الحاشية [الحاصل أن للمبتدأة ثلاثة أحوال] يعني مستحاضة وغيرها هذا تلخيص جيد ترى يلخص لك المسألة [إما أن لا يجاوز دمها أكثر الحيض] المسألة الأولى يعني المبتدأة كلها من أول القصة للسابق كله ملخص في هذه الأسطر الثلاث [إما أن لا يجاوز دمها أكثر الحيض أو يجاوز] إما أن يجاوز أو لا يجاوز إما أن يتعدى خمسة عشر يوماً أو لا [والثانية] التي يجاوز دمها أكثر الحيض [هي المستحاضة] وتسمى المبتدأة المستحاضة [وهي قسمان] المستحاضة؛ إذاً صار عندنا كم قسم المبتدأة؟ ثلاثة
(16/10)
________________________________________
أقسام مبتدأة لم يجاوز دمها أكثر الحيض مبتدأة جاوز وهي المستحاضة ولها تمييز مبتدأة جاوز دمها وهي غير مميزة هي ثلاثة أقسام إذاً المبتدأة كلها ثلاثة أنواع [والثانية هي المستحاضة] التي جاوز دمها أكثر الحيض [وهي قسمان: مميزة وغير مميزة] وعرفنا المراد بالتمييز وبغير التمييز [ففي الأولى والأخيرة تجلس الأقل-أقل الحيض-حتى يتكرر ثم تنتقل إلى المتكرر في الأولى والغالب في الآخرة] انتبه [ففي الأولى] ما هي؟ التي لم يجاوز دمها أكثر الحيض [والأخيرة] التي هي مستحاضة غير مميزة [تجلس الأقل] أقل الحيض [حتى يتكرر] ثلاثة أشهر [ثم] التي لم يجاوز دمها أكثر الحيض [تنتقل إلى] المتفق عليه أو الأقل عند الاختلاف [والغالب في الآخرة] واضح هذا [الأولى] التي هي مبتدأة ولم يجاوز دمها أكثر الحيض قلنا هذه تجلس أقله يوماً وليلة ثلاثة أشهر ثم في الرابع تجلس ما تكرر سواء اتفق أو لا؛ إذاً تجلس الأقل وتغتسل ثم ينقطع الدم وتغتسل ثلاثة أشهر في الشهر الرابع تجلس المتفق عليه سواء انقطع عنده أو تجاوز ويعتبر الأقل، المستحاضة غير المميزة قلنا هذه تجلس ثلاثة أشهر أقل الحيض كسابقه لكن ترد في الشهر الرابع إلى ماذا؟ إلى غالب الحيض ولذلك قال [وهي قسمان: مميزة وغير مميزة ففي الأولى] المراد بها التي لم يتجاوز دمها أكثر الحيض [والأخيرة] التي هي المستحاضة وغير مميزة [تجلس الأقل] أقل الحيض في النوعين [حتى يتكرر] يعني ثلاثة أشهر [ثم] يفترقان [تنتقل إلى المتكرر في الأولى] التي لم تجاوز دمها أكثر الحيض [والغالب] يعني غالب الحيض ستة أو سبعاً [في الآخرة] [وفي الوسطى] التي هي المستحاضة المميزة [تجلس المميزة التمييز الصالح من غير تكرار] هذا تلخيص جيد جداً لما سبق واضح، ثم قال (والمستحاضة المعتادة ولو مميزة تجلس عادتها) (والمستحاضة المعتادة) انتهينا من المبتدأة انتهى الحديث المبتدأة نوعان: مستحاضة وغير مستحاضة انتهى الكلام، الآن استقرت عادتها عرفنا أن هذه المرأة تكرر عندها الحيض ثم بعد سنين استحاضة جرا معها الدم سنة سنتين ثلاث هذا تسمى ماذا؟ مستحاضة معتادة، لما أنها الكلام على المستحاضة المبتدأة شرع في أقسام المستحاضة المعتادة وهي التي لها عادة قبل الاستحاضة؛ وسميت معتادة؟ لأنها تعرف أنها تحيض خمسة مثلاً يعني عادتها خمسة أيام وهي عادة مستقرة ثم بعد ذلك طرأ معها الحيض فواصل مع عادتها لأنها تعرف أنها تحيض خمسة مثلاً من ابتدائه وتطهر في باقية ويتكرر حيضها ثلاثة أشهر وإلا فلا تسمى معتادة يعني بعض النساء عادتها تكون ثابتة مستقرة يعني يأتيها الدم في أول الشهر يوم وحدة وينقطع يوم سبعة تجلس عشرات السنين بعضهن هكذا يأتيها في اليوم الأول وينقطع في اليوم السابع هذه يعبر عنها بأنه معتادة يعني لها عادة منضبطة ما لم يكن كذلك فلا تسمى معتادة يعني إذا كان يأتيها في الشهر في اليوم الأول وبعد شهرين يأتيها في اليوم الثالث وحياناً تنتظر ما يأتيها في الشهر والشهر الذي يليه هذه ما تسمى معتادة ليس لها عادة؛ لماذا؟ لأن التي لها عادة تكون ثابتة مستقرة وهذه ليست لها عادة ولذلك قال [وإن لا تسمى معتادة] هذه المستحاضة المعتادة قال المصنف هنا
(16/11)
________________________________________
(والمستحاضة المعتادة) أي هي التي تعرف شهرها ووقت حيضها وطهرها منه هذه تحتها قسمان؛ قال (ولو مميزة تجلس عادتها) (ولو مميزة) يعني لو كان لها دم صالح لأن يجعل حيضاً كأن يكون أسود ولم ينقص عن أقل الحيض ولم يتجاوز أكثر الحيض مع وجود علامة التمييز ولها عادة ثابتة مستقرة تعارض أمران -حينئذٍ- ماذا نصع؟ اختلف العلماء منهم من قدم التمييز على العادة ومنهم من قدم العادة على التمييز والمذهب وهو الصحيح أن العادة محكمة يعني هي التي تقدم على التمييز ولذلك قال (ولو كانت مميزة) يعني لها دم صالح لأن يجعل دم حيض ولكن لا نلتفت إلى هذا التمييز؛ لأننا التمييز نلجأ إليه عند الضرورة وهي عند عدم معرفة العادة وأما إذا عرفت العادة واستقرت -حينئذٍ- صارت محكمة وقاضية على التمييز، إذاً المستحاضة المعتادة أراحت نفسها وأراحت الفقهاء تجلس عادتها التي تعرفها وتغتسل عند نهايتها ثم ما بعده فهو استحاضة تصوم وتصلي، (والمستحاضة المعتادة ولو) قلنا هذه لو إشارة خلاف والصحيح أن المميزة ترجع إلى العادة وهو الصحيح الذي ذكره المصنف (ولو مميزة) يعني (ولو) كانت المستحاضة المعتادة (مميزة) بأن يكون لها دم صالح لأن يجعل حيضاً؛ ماذا تصنع؟ (تجلس عادتها) يعني تبقى الأيام التي تحفظها وتعرفها تترك الصلاة والصوم ثم إذا انتهت وانقضت اغتسلت وصامت وصلت لحديث (امكثي قدر ما تحبسك حيضتك) إذاً ردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى العادة (امكثي قدر) يعني عندها علم بعادة (قدر ما تحبسك حيضتك) وهل استفصل النبي صلى الله عليه وسلم هل أنت مميزة أم لا؟ الجواب لا؛ وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، ولذلك قلنا ولو مميزة ولم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم هل أنت مميزة أم لا؟ إنما ردها إلى العادة مباشرة (امكثي قدر ما تحبسك حيضتك) فرد إلى العادة ولم يستفصل مع قيام الاحتمال وهذا هو الصحيح والنص واضح بين، ثم تغتسل بعد عادتها وتصلي، (وإن نسيتها عملت بالتمييز الصالح) نسيت العادة ما تدري كم؛ المرأة تنسى ماذا طبخت أمس -حينئذٍ- إذا أصابتها غفلة ونسيت كم عادتها؟ والنسيان له أنواع كما سيأتي -حينئذٍ- نردها إلى التمييز (وإن نسيتها) أي نسيت عادتها (عملت بالتمييز) ليس مطلقاً وإنما التمييز (الصالح) لأن يجعل حيضاً كالأسود مثلاً بأن لم ينقص عن أقل الحيض ولم يتجاوز أكثره بأن لا ينقص الدم الأسود ونحوه عن يوم وليلة ولا يزيد عن خمسة عشر يوماً على الصحيح في المذهب، إذاً عملت بالتمييز الصالح إن كان لها تمييز، (فإن لم يكن لها تمييز) هذا نوع ثالث؛ إذاً مستحاضة معتادة عالمة بعادتها نردها إلى العادة ولو كان لها تمييز مستحاضة معتادة نسيت عادتها ولها تمييز صالح لأن يجعل حيضاً رددنها إلى التمييز؛ مستحاضة معتادة نسيت عادتها وليس لها تمييز هذه ثلاثة أنواع، (فإن لم يكن لها تمييز) يعني تمييز صالح ونسيت عدده ووقته العدد والوقت؛ هذه المستحاضة الناسية لها ثلاثة أحوال سيذكرها المصنف على التوالي؛ التي لها عادة ونسيت العادة ولا تمييز لها أو لها تمييز لكنه غير صالح؛ الحالة الأولى أن تنسى عدده وموضعه تنسى العدد يعني كم يوم؟ وموضعه هل هو في أول
(16/12)
________________________________________
الشهر أو في أوسطه أو في آخره نسيت الأمرين هذه يسمونها المتحيرة لأنها تحيرت في نفسها وحيرت الفقهاء أمرها مشكل؛ الثاني أن تنسى العدد دون الموضع ما تدري ستة سبعة عشرة ضيعت لكن تعرف أنه في أول الشهر أو تعلم أنه في أول العشر الوسطى أو تعلم أنه في أول النصف الثاني الخامس عشر تعلم الموضع ابتدأه لكن كم ما تدري هذه يسمونها ماذا؟ ناسية للعدد ذاكرة للموضع؛ الثالثة أن تنسى موضعه دون عدده تعلم أنها تحيض سبعة أيام لكن ضيعت ما تدري في أول الشهر أو في أوسطه أو في آخره؛ إذاً كم حالة العبرة هنا في العدد والموضع إما أن تنسى النوعين العدد والموضع أو تذكر أحدهما وتنسى الآخر، الحالة الأولى (فإن لم يكن لها تمييز) صالح ونسيت الوقت والعدد فالصحيح من المذهب كما قال المصنف هنا (فغالب الحيض) (فغالبَ) بالنصب يعني فتجلس غالب الحيض؛ كم؟ ستاً أو سبعاً؛ متى تجلسه؟ كم ذكرنا سابقاً إن علمت أوله يعني أول دم حاضت له رددناها إليه وإلا فمن أول كل شهر هلالي يعني وحدة من الشهر؛ تجلسه من أول مدة علم الحيض فيها وضاع موضعه وإلا فمن أول كل هلالي؛ إن علمت متى بدأها وطرقها الدم رددناها إليه وإن لم تعلم ونسيت كذلك -حينئذٍ- جعلناه من أول كل شهر، فأنا أفول لمن نسيت عادتها ولم يكن لها تمييز نسيت العدد والوقت إذا جاء أول يوم طرقك الحيض فجلس ستاً أو سبعاً باعتبار عادت نسائها يعني أقاربها فما كان هو الأكثر جلسته وإن نسيت أول موضع أول يوم حاضت فيه -حينئذٍ- نقول لها من أول يوم في الشهر فإذا جاء اليوم الأول وحدة في الشهر نقول لها أجلسي ستة أيام أو سبع ثم بعد ذلك عند نهاية الست أو السبع اغتسلي وصومي وصلي، (كالعالمة بموضعه الناسية لعدده) يعني ثَمَّ صورتان الحكم واحد إن نسيت الموضع العدد والوقت تجلس غالب الحيض إن علمت الموضع ونسيت العدد (كالعالمة بموضعه) يعني موضع الحيض (الناسية لعدده) نسيت العدد كم نردها إلى غالب الحيض إما ستاً أو سبعاً -حينئذٍ- ففي هاتين الصورتين الحكم واحد إن نسيت الموضع والعدد نقول هذه تجلس ستة أيام أو سبعاً إن نسيت العدد وتذكرت الموضع تجلس ستة أيام أو سبعاً ويختلفان في ماذا؟ في الموضع لأن الأولى نسيت موضعه والثانية عالمة بموضعه يعني تعلم أن عادتها تأتيها في أول يوم من العشر الأوسط يعني الحادي عشر لكن نسيت كم -حينئذٍ- نردها إلى غالب الحيض ستاً أو سبعاً؛ من أول الشهر؟ لا؛ من أول يوم تذكرته وهو اليوم الحادي عشر أو كان تقديرها بالعلم بموضعه في أول يوم من العشر الأخير من الشهر يعني اليوم الحادي والعشرين أو أول يوم من النصف الشهر الثاني -حينئذٍ- نردها إلى اليوم السادس عشر وهكذا، هنا علمت الموضع لكنها نسيت العدد والأولى نسيت الموضع والعدد يشتركان أن كل منهما تجلس غالب الحيض ستاً أو سبعاً ويختلفان في تحديد الموضع، (وإن علمت عدده ونسيت موضعه ولو في نصفه جلستها من أوله) هذه الحالة الثالثة من أحوال الناس؛ نسيت ماذا؟ الموضع وعلمت العدد تعلم أنها تحيض عشرة أيام لكنها نسيت الموضع -حينئذٍ- لها حالان: لها صورتان: إما أن تنسى مطلقاً لا تدري أول الشهر أو أوسطه أو آخره هذه رددناه لأول يوم علمته أو لأول كل شهر
(16/13)
________________________________________
هلالي أن تعلم أنه في النصف الأخير نقول لا ليس من أول الشهر وإنما في النصف الثاني على الرأي المصنف في الحالتين نردها إلى أول الشهر ولذلك قال (ولو في نصفه) يعني علمت أن عادتها ودورتها تأتيها في النصف الثاني من الشهر يعني في السادس عشر على القولين أو الصورتين المصنف يرى أنها تدر ترد إلى أول الشهر والصحيح التفريق بأنها من علمت أنها تحيض في النصف الثاني يجعل النصف الثاني هو أول الشهر لأنه أقرب وأما أول الشهر سواء كان أول يوم طرقها الدم أو أول كل شهر هلالي نقول هذا بعيد وردها إلى الأقرب أولى من ردها إلى البعيد فقوله (ولو في نصفه) نقول هذا محل نظر بل الصحيح أنها ترد إلى النصف فإذا تذكرت أو نسيت الموضع علمت العدد وقالت الموضع لعله في أول الشهر نصف الشهر -حينئذٍ- ترد إلى نصفه وأما وإذا لم يكن كذلك -حينئذٍ- حكمها كحكم سابقتها (وإن علمت) يعني المستحاضة (عدده) أي عدد أيام حيضها يعني علمت أنها تحيض خمسة أيام من الشهر مثلاً (ونسيت موضعه من الشهر) هل هو في أوله أو في أوسطه أو في آخره (ولو) هذه إشارة خلاف ولو كان موضعه من الشهر (في نصفه) قلنا الأصح أنها تجلس من أول النصف لأنه أقرب من أول الشهر قال (جلستها) أي جلست أيام عادتها (من أوله) أي أول الوقت الذي كان الحيض يأتيها فيه إن علمته وإن لم تعلم رددنها إلى أول كل شهر هلالي (كمن لا عادة لها ولا تمييز) (كمن) من هي التي لا عادة لها ولا تمييز؟ المبتدأة قلنا هذه ترد إلى ماذا؟ إلى أول الشهر لكن تجلس غالب الحيض وهنا تجلس العدد الذي علمته فالتشابه أو الحمل هنا على المبتدأة التي لا تمييز لها ولا عادة إنما المراد جزئية معينة وهي ردها إلى أول الشهر شهرها أو أول كل شهر هلالي وأما العدد الذي تجلسه هذه عالمة بعددها وتلك ليس لها عادة حتى ترد إليه (كمن) أي كمبتدأة (لا عادة لها ولا تمييز) فتجلس من أول ابتدائها من أول وقت ابتدائها على ما تقدم يعني ليس مطلقاً، إذاً الحاصل أن المستحاضة المعتادة كم حالة لها؟ إما أن تعلم المستحاضة المعتادة الضابطة لعادتها ترد إلى عادتها ولو كانت مميزة المستحاضة المعتادة العالمة بعادتها يعني بعدده وبوقته ولو كان لها تمييز ترد إلى العادة؛ النوع الثاني مستحاضة معتادة ناسية؛ ناسية لماذا؟ لها ثلاث صور: إما أن تنسى العدد والموضع وإما أن تنسى العدد لا الموضع وإما أن تنسى الموضع لا العدد؛ -حينئذٍ- إذا نسيت الموضع والعدد جلست غالب الحيض ستاً أو سبعاً؛ (كالعالمة بموضعه الناسية لعدده) الصورة الثانية علمت الموضع ونسيت العدد إذاً الناسية للعدد لها صورتان إما أن تنسى الموضع أو لا فتجلس غالب الحيض؛ الصورة الثالثة إن علمت العدد ونسيت الموضع -حينئذٍ- تجلس عادتها المعلومة سبعة أيام عشرة أيام خمسة عشر يوماً لكن تجلسه من أول شهرها إن علمته وإلا من أول كل شهر هلالي؛ ولو في نصفه؟ على المذهب نعم والصحيح أنها تجلس أول النصف، ثم قال المصنف بعض المسائل المتعلقة بما سبق إذا فهمت السابق اتضح باب الحيض (ومن زادت عادتها أو تقدمت أو تأخرت فما تكرر ثلاثاً حيض) هذا ما يسمى بالطوارئ على الحيض؛ المرأة إذا ثبتت عادتها سبعة أيام من كل شهر قد
(16/14)
________________________________________
يطرأ عليه بعض التغيرات إما أن تزيد وإما أن تنقص وإما أن تتغير يعني تكون في أول الشهر فتأتي في أوسطه أو تأتي في الأوسط وتأتي في آخره يتغير محلها على الصحيح متى ما زادت أو نقصت أو تأخرت أو تقدمت فما رأته من دم صالح بأن يكون حيضاً فهو حيض إذاً لا إشكال على القول الراجح لا إشكال تقدمت أو تأخرت زادت أو نقصت المذهب فيه تفصيل؛ إن زادت عادتها يعني عادتها سبعة أيام مستمرة على هذا جاءها شهر ثمانية أيام -حينئذٍ- اليوم الثامن هذا لا بد أن يتكرر ثلاثة أشهر من أجل أن نحكم عليه بأنه حيض أم لا؟ وقبل الثلاثة الأشهر فهو مشكوك فيه تصوم وتصلي إذاً تغتسل مرتين عند نهاية اليوم السابع تغتسل لأن هذه عادتها أصلاًَ واليوم الثامن تصلي وتصوم إذا انقطع اغتسلت مرة ثانية أوجبوا عليها غسلين والشهر الثاني والشهر الثالث الشهر الرابع إن ثبت استقرت عادتها ثمانية أيام يعني حصل عندها تغيير في العدد انتقلت عادتها من سبعة أيام إلى ثمانية أيام -حينئذٍ- ترجع وتقضي الصوم الذي صامته في ذلك اليوم الثامن في الشهر الأول والثاني والثالث وإن طافت لزمها إعادة الطواف إن كان واجباً وعلى الصحيح أنه لو كانت عادها سبعة أيام فزاد معها اليوم الثامن أو التاسع أو العاشر نقول الأيام هذه كلها تعتبر حيضاً تجلس ولا تغتسل عند نهاية السابع فإذا انقطع الدم -حينئذٍ- قال الله تعالى (حتى يطهرن) يعني بانقطاع الدم فجعل انقطاع الدم علامة على الطهر (حتى يطهرن فإذا تطهرن) -حينئذٍ- يأتي الاغتسال، كذلك إن نقصت يعني عادتها سبعة أيام ورأتها بعد ذلك خمسة أيام اليوم السادس والسابع الأصل أنه عادة -حينئذٍ- تترك الصلاة وتترك الصوم حتى يتكرر ثلاثة أشهر يعني تغتسل لنهاية الخامس فإن تكرر ثلاثة أشهر حكمنا على عادتها بأنها صارت خمسة أيام، إن تقدم أو تأخرت بأن جاءتها عادتها على ما هي عليه يعني من اليوم الأول إلى اليوم الخامس ثم في نهاية الشهر قبل عادتها المستقرة جاءها الدم بصفته -حينئذٍ- قالوا تجلس بشرط أن لا يكون أقل الطهر ثلاثة عشر يوماً تجلس وتترك الصلاة ثم تغتسل وتصلي ويتكرر ثلاثة أشهر ثم بعد ذلك نحكم على العادة بأنها تأخرت من أول الشهر إلى آخره والصحيح كما ذكرنا في المسائل كلها أن العبرة بخروج الدم فمتى ما رأته-فحينئذٍ-يكون حيضاً، (ومن زادت عادتها) مثل أن يكون حيضها خمسة من كل شهر فيصير ستة (أو تقدمت) مثل أن تكون عادتها من أول الشهر فتراه في آخره (أو تأخرت) فلا تلتفت إليه حتى يتكرر ثلاثاً في الصور الثلاث عكس التي قبلها (فما تكرر) من ذلك (ثلاثاً) فهو (حيض) ولا تلتفت إلى ما خرج عن العادة قبل تكرره؛ على كل هذا قول مرجوح والصحيح ما ذكرناه، (وما نقص عن العادة طهر وما عاد فيها جلسته) يعني من الأحكام المتعلقة بالعادة (ما نقص عن العادة طهر) يعني عادتها سبعة أيام نعم أنا ذكرت النقصان فيما سبق أخطأت من زادت أو تقدمت أو تأخرت النقصان ذكره في مسألة مستقلة (ما نقص عن عادتها) -حينئذٍ- انقطع الدم متى ما انقطع الدم تعلق به الغسل فوجب الغسل -حينئذٍ- نقول هذا الذي رأته من انقطاع الدم يعتبر طهراً (وما نقص عن العادة طهر) فإن كانت عادتها ستة فانقطع لخمس
(16/15)
________________________________________
اغتسلت عند الخامس وصامت وصلت لأنها تعتبر طاهرة (وما عاد فيها) أي في أيام عادتها كما لو كانت عشر فرأت الدم ستاً ثم انقطع يومين ثم عاد في التاسع والعاشر (جلسته) يعني إذا كان لها عادة محكمة عشرة أيام فجرا الدم معها خمسة أيام ثم انقطع يوماً وليلة أو انقطع يومين وجب عليها أن تغتسل عند نهاية الخامس وتصلي يومين وتصوم إن عاد قبل خروج أيامه نقول هذا الدم يعتبر ملحقاً بالدم الذي قبل الطهر فتجلسه قبل الطهر فتجلسه مرة أخرى هذا واضح بين ولا إشكال فيه (وما عاد فيها) أي في أيام عادتها ولم يجاوز خمسة عشر يوماً لأنه لو جاوز خمسة عشر يوماً عندهم يعتبر استحاضة كما لو كانت عشرة يعني عادتها عشرة أيام فرأت الدم ستاً ثم انقطع يومين ثم عاد في التاسع والعاشر جلسته فيهما لأنه صادف زمن العادة كما لو لم ينقطع، ثم قال رحمه الله تعالى (والصفرة والكدرة في زمن العادة حيض) فتجلسهما وهذا فيه فائدة في قوله في زمن العادة وهو أنه إذا لم تكن الصفرة والكدرة في زمن العادة فلا تجلسهما وهو كذلك (والصفرة) قالوا شيء كالصديد يعلوه صفرة يعني ماء أصفر كماء الجروح تعرفه النساء (والكدرة) كاللون الماء الوسخ الكدر ماء ممزوج بحمرة وليس على لون من ألوان الدماء فإذا رأتهما في زمن العادة فهو حيض تجلسهما يعني لو كانت لها محكمة ستة أيام وما جرا معها الدم وإنما جرا معها صفرة وكدرة ما الحكم؟ هي تقول ما رأيت الدم وإنما رأيت ماء أصفر نقول هذا حيض؛ لماذا؟ لأنه جاء في زمن الحيض فنحكم عليه بأنه حيض قد يلفق بينه وبين الحيض-بين الدم-فيأتيها دم يومين ثم ينقلب فيصير ماء أصفر ولازال في زمن العادة ثم يرجع الدم؛ هل نقول طهرت بين الدمين؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لأن الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض سواء خرج معها دم أو خرج قبلها أو بعدها أو لم يخرج دم فهي حيض مطلقاً يعني بدون تفصيل يعتبر حيضاً مطلقاً ولو لم تخرج إلا هي فنحكم عليها بأنها حيض وهذا مذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي وإسحاق وغيرهم، قال ابن رشد [لا خلاف أن الصفرة والكدرة حيض ما لم ترى ذلك عقيب طهرها] يعني إذا طهرت انقطع الدم ثم جاءها الماء الأصفر أو الماء الممزوج بالحمرة نقول هذا لا عبرة به لأن العبرة إنما هي بكونها تراه في زمن العادة فإن رأته قبل العادة ولم يتصل به دم فليس بدم حيض إذا انقطع الدم فاغتسل جف الموضع أو رأت القصة البيضاء ثم رجع إليه الصفرة والكدرة نقول هذا لا عبرة به إذاً فيه تفصيل ولذلك قال المصنف (والصفرة والكدرة في زمن العادة حيض) فتجلسهما لا بعد العادة ولو تكررتا لقول أم عطية (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيء) رواه أبو داود (كنا) يعني في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأقر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحكم فدل على أن الصفرة والكدرة تعتبر من الحيض لكن نستثني المبتدأة السابقة لأنها ليس لها حيض مجرد خروج الصفرة والكدرة لا نعتبره حيضاً؛ لماذا؟ لأنها ليست بحائض وإنما إذا استقر حيضها وكانت مميزة -حينئذٍ- ما تصل به فيحكم عليه بأنه حيض ولذلك مفهوم قولها أن الصفرة والكدرة قبل الطهر حيض وهو إجماع والطهر انقطاع الدم فالذي يأتي الحائض عقب انقطاع الحيض هو
(16/16)
________________________________________
الطهر الصحيح وما تراه الحائض من النشاف في أيام الحيض طهرٌ وإن لم ترى معه بياضاً فعليها أن تغتسل وتصلي، والطهر عند الفقهاء له علامتان؛ علامة مجمع عليها وهي القصة التي تسمى القصة البيضاء وهو أمر معلوم عند النساء قَصة بفتح القاف ماء أبيض يتبع الحيض يشبه ماء الجص النورة والجفوف وهي علامة مختلف فيها وهي علامة صحيحة على الصحيح أنها ثابتة وهي المراد بالجفوف أن تدخل الخرقة يعني في محل مخرج الدم فتخرجها جافة ليس عليها شيء من الدم ولا من الصفرة ولا من الكدرة وأما الرطوبات الأخرى فهذه قد تخرج لأن المرأة في الغالب أنها لا يجف الموضع عن الرطوبات، إذاً الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض فإن لم يكن في زمن العادة فلا عبرة بها، ثم قال المصنف-كلها أحكام هذه سهلة واضحة- (ومن رأت يوماً دماً ويوماً نقاء فالدم حيض) هذا ما يسمى بالتلفيق يعني يلفق لها عادة ترى يوم دم ويوم طهر اليوم الثالث ترى دم اليوم الرابع طهر وهكذا ننظر في الدماء أولاً ننظر إلى المجموع كله اليوم الذي يبتدأها الدم إلى آخر يوم انقطع انقطع معها الدم إن تجاوز خمسة عشر يوماً -حينئذٍ- هذه مستحاضة لها أحكام المستحاضة إن لم يتجاوز خمسة عشر يوماً بأن رأت سبعة أيام دم وسبعة أيام طهر مفرقة يوم ويوم وبالمجموع كله أربعة عشر يوماً سبعة وسبعة -حينئذٍ- نقول أيام الدم حيض وأيام الطهر طهر يعني ترى الدم فتغتسل وتصلي ثم تجلس يوماً كاملاً طاهرة ثم إذا رجعها الدم فهو حيض تترك الصلاة والصوم وتغتسل وتصلي ثم طهر يوماً كاملاً وهكذا فتجمع لها من هذه الأيام المتفرقة عادة فنقول عادتك كذا (ومن رأت يوماً) أو أقل أو أكثر (دماً ويوماً) أو أقل أو أكثر (نقاء فالدم حيض) وله أحكام الحيض من حيث إيجاب الصوم إن تعلق به لكن دون فعله والصلاة تسقط وغير ذلك من الأحكام السابقة وهذا ما يسمى بالعادة الملفقة حيث بلغ مجموعه أقل الحيض فأكثر، (والنقاء طهر) له أحكام الطهر تغتسل فيه وتصوم وتصلي ويكره وطؤها فيه والصحيح أنه لا يكره مادام أنها صلت حلت كما قال ابن عباس إذا صلت حلت يعني مادام أننا أوجبنا عليها الصلاة هي حلال لزوجها؛ أيهما أعظم؟ الصلاة؛ فإذا جاز لها أن تصلي -حينئذٍ- جاز لزوجها أن يطأها (ما لم يعبر أكثره) أي يجاوز مجموعهما الدم والطهر (أكثره) أي أكثر الحيض فيكون استحاضة يعني نجمع الأيام التي طهرت فيها والأيام التي جاءها فيها الدم إن كان المجموع كله الطهر والحيض لم يتجاوز خمسة عشر يوم فما كان دماً جلسته وما كان طهراً صلت فيه واغتسلت وإن جاوز أكثر الحيض رددناه إلى أحكام المستحاضة، ثم قال مبيناً أحكام المستحاضة (والمستحاضة ونحوها) ممن به سلس البول يعني ممن حدثه دائم ولذلك المسألة التي تذكر في السلس وغيره سلس الريح أو سلس المذي أو غيرهما إنما الأصل فيه هو ما جاء في المستحاضة يعني هو من باب القياس (والمستحاضة ونحوها) كيف تفعل؟ قال (تغسل فرجها وتعصبه وتتوضأ وقت كل صلاة وتصلي فروضاً ونوافل ولا توطأ إلا مع خوف العنت ويستحب غسلها لكل صلاة) أحكام واضحة وكلها صحيحة إلا واحدة (تغسل فرجها) يعني بالماء على الأصل لأن هذا الدم نجس سواء كان حيضاً أو غيره الأصل أنه نجس
(16/17)
________________________________________
لإزالة ما عليه من الخبث (وتعصبه) يعني تشده بعصابة ونحوها يعني بخرقة ويسمى تلجماً واستثفاراً يمنع الخارج حسب الإمكان يعني تجعل شيء إما قطناً في داخل الرحم أو ما يكون مما يحفظ الفرج من خروج شيء من الدم ونحوه وهذه ليس مسألة توقيفية وإنما تختلف من زمن إلى زمن ومن عصر إلى عصر (تغسل فرجها) بالماء (وتعصبه) يعني تشده بخرقة ويسمى تلجماً واستثفاراً عصباً يمنع الخارج حسب الإمكان ويكون ما تعصبه به شيئاً طاهراً كأن تجعل خرقة كالدبان تتلجم بها لقوله عليه الصلاة والسلام (أنعت لك الكرسف-يعني القطن-تحشين به المكان) يعني من أجل أن لا يخرج شيء من الدم (قالت: إنه أكثر من ذلك) يعني يدفع القطن القطن لا يكفي في كفه (قال تلجم) وقال لأسماء بنت عميس (اغتسلي واستثفري وأحرمي) استثفري يعني مثل التلجم تجعل خرقة تعصب بها أشبه ما يكون بالحزام يعني ويكون على الفرج تعصبه يعني تشده مثل الحزام هذا قديم والآن الناس تتطورت؛ فإن غلب الدم وقطر بعد ذلك لم تبطل طهارتها يعني إن كان الدم مستمراً معها أشهر وسنين -حينئذٍ- لو خرج شيء بعد عصابته لا يضر؛ هذا متى؟ إذا كان مستمراً وأما إذا لم يكن مستمراً فكل ما انقطع وجب التجديد ولذلك قال المصنف الشارح [ولا يلزم إعادتهما لكل صلاة ما لم يفرط فيه] يعني ما لم تتساهل [ولا يلزم إعادتهما] يعني الغسل غسل الفرج والعصب [لكل صلاة] وهذا متى؟ إذا كان مستمراً في الأشهر والسنين وأما إذا كان ينقطع -حينئذٍ- لا بد من استئنافه، إذاً تغسل الموضع تعصب (وتتوضأ لوقت كل صلاة) يعني لدخول وقت كل صلاة إن خرج شيء هي لا بد لأنها مستحاضة ولكن من باب التعليل فقط (وتصلي) ما شاءت مادام الوقت باقياً حتى الجمع بين الفريضتين سواء كانت ما تصليه (فروضاً أو نوافل) يعني مادام أننا حكمنا عليها بأنها طاهر -حينئذٍ- العبرة بخروج الدم فإذا توضأت وطهارتها طهارة ضرورة -حينئذٍ- صلت ما شاءت من الفروض والنوافل، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء على الصحيح من المذهب وإن اعتيدت انقطاعه زمناً يتسع للوضوء والصلاة تعين فعلهما فيه لأنه أمكن الإتيان بها كاملة وهذا يقال فيما يقال فيمن به سلس بول والحكم واحد يعني ينظر فيه إن كان هذا السلس له وقت انقطاع ووقت استمرار يعني يستمر معه في الساعة الأولى من وقت الصلاة -حينئذٍ- هذا لا يحل له أن يصلي في أول الوقت وإنما يتأخر حتى ينقطع فإذا انقطع -حينئذٍ- غسل الموضع وتوضأ وصلى إن كان مستمراً معه أربعاً وعشرين ساعة -حينئذٍ- يضع شيئاً على الموضع المخرج لأن لا يخرج البول ثم توضأ وصلي ما شاء إذا خرج الوقت ودخل الوقت الآخر نقول لا يلزمه إعادة الوضوء؛ لماذا؟ لأن الخارج هو عينه فلما لم يحدث انقطاع للوضوء الأول مع بقائه دل على أن الوضوء الثاني لا فائدة منه ألبته وإنما يبقى على ما هو عليه هذا متى؟ إن استمر به الخارج سواء كان استحاضة أو سلساً أو نحو ذلك واضح إذاً مسألة سلس البول هذا مما يسأل عنها الكثير وكذلك الشأن في الاستحاضة إن كان ينقطع -حينئذٍ- هذا الانقطاع إن بقي في آخر الوقت قدر والوضوء والصلاة تعين عليه التأخير ولا يجوز له أن يتوضأ ويصلي ولا تجب عليه الجماعة بل يصلي في بيته
(16/18)
________________________________________
وحده ولا إشكال فيه لأن الجماعة واجب لغيره والطهارة واجب للصلاة لذاتها فينتظر إلى آخر الوقت مثل يأذن العصر الثلاثة ونصف ينتظر إلى الثالثة فينقطع ثم بعد ذلك يتوضأ ويصلي ولو صلى وحده أما إن كان مستمر معه يدخل الوقت ويخرج والسلس معه -حينئذٍ- يتلجم ويتوضأ ويصلي إذا خرج وقت الظهر وجاء وقت العصر إن كان مستمراً لا يلزمه إعادة الوضوء ولا يلزمه أن يغسل الموضع بل يصلي على ما هو عليه لأن الوضوء السابق منسحب حكمه على الوقت اللاحق وهذا الشأن كذلك في المستحاضة إن كان يستمر معها الدم يوماً كاملاً ثم ينقطع نقول اليوم الذي استمر معها الحكم هكذا وأما إذا انقطع في الليل مثلاً فصلاة المغرب والعشاء لا بد من طهارة مستقلة، (ولا توطأ) يعني المستحاضة (إلا مع خوف العنت) يعني المشقة منه أو منها (ولا توطأ) يعني لا يأتيها زوجها لا تجامع إذا استمر معها شهراً أو سنة أو سنتين قالوا يمنع زوجها من اتيانها وهذا قول ليس عليه دليل مادام أنها صلت حلت كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه والصحيح أنه يجوز لزوجها الوطء وهو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية لقوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أن شئتم) (نساؤكم) عام يعني كل طاهرة جاء النص في الحيض (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) هذا ليس بحيض إذاً لا يحرم على الزوج أن يأتي زوجته المستحاضة (ولا توطأ) الصحيح أنه يجوز له وطؤها (إلا مع خوف العنت) يعني خشي الفجور أو المشقة أو الوقوع في الزنى والعنت أيضاً الوقوع في الأمر الشاق، ثم قال (ويستحب غسلها لكل صلاة) هذا المذهب أنه يستحب وذهب بعض الفقهاء إلى الوجوب وهو قول ضعيف (ويستحب غسلها) أي غسل المستحاضة (لكل صلاة) وليس بواجب وهو مذهب الأئمة الثلاثة أنه لا يجب الغسل عليها إلا عند إدبار الحيض وقيل يجب وهو قول ضعيف لأن النبي صلى الله عليه وسلم ماذا؟ لم يأمر أم حبيبة بأن تغتسل لأنه قالت له (استحيضت) يعني سألت النبي صلى الله عليه وسلم بأنها استحاضة فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل عند كل صلاة هذا من فهمها وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمرها عند إدبار الحيض يعني الغسل هذا للحيض فإذا أدبر الحيض سواء كان بالعدد أو التمييز على ما سبق وجب -حينئذٍ- الغسل وما بعد ذلك لا يجب بل يستحب (ويستحب غسلها لكل صلاة) يعني كل ما دخل وقت فرض اغتسلت وتوضأت وليس بواجب عند أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها أن تغتسل لك صلاة وإنما أمرها بالغسل مطلقاً فكانت هي تغتسل لك صلاة بل الواجب الوضوء لكل صلاة عند الجمهور لأمره صلى الله عليه وسلم المستحاضة الوضوء عند كل صلاة رواه البخاري والترمذي وغيرهما، ثم قال المصنف (وأكثر مدة النفاس أربعون يوماً) هذا النوع الثالث من أنواع الدماء سبق الحيض والاستحاضة وهذا دم النفاس دم النفاس بكسر النون هو دم ترخيه الرحم للولادة وبعدها يعني الدم الخارج بسبب الولادة ثم قد يخرج قبله بأمارة وقد يخرج معه مع الولد يعني وقد يخرج بعده فأحواله على المذهب ثلاثة؛ قد يخرج قبل الولد بيوم أو يومين لكن بشرط أن يكون معه الألم الذي يسمى بالطلق-وحينئذٍ-الدم
(16/19)
________________________________________
الخارج قبل خروج الولد بيوم أو يومين دم نفاس تترك له الصلاة والصوم ولا يحسب من الأربعين؛ ويخرج معه هذا واضح ويخرج بعده بعد خروج الولد واضح ومن خروج الولد يبدأ الحساب أربعون يوماً، (وأكثر مدة النفاس) النفاس دم ترخيه الرحم للولادة وبعدها وهو بقية الدم الذي احتبس في مدة الحمل لأجله وأصله لغة من التنفس وهو الخروج من الجوف أو من نفس الله كربته يعني فرجها المرأة تكون في كرب من الولد -حينئذٍ- نفس الله كربتها بذلك أكثر مدة النفاس أربعون يوماً هذا المذهب عندنا وعند الحنفية لحديث أم سلمة (كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً) يعني أكثر ما تجلس له أربعون يوماً وقولها (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا دليل على إقراره عليه الصلاة والسلام لهذه الأربعين وعليه ثبت التحديد من جهة الشرع -حينئذٍ- يكون القول الصحيح فهذه المسألة أن الأربعين هي أكثر مدة تجلسها النفساء قيل ستين وقيل سبعون وقيل لا حد لأكثره والصحيح أنه مادام أن السنة ثبتت بذلك في التحديد -حينئذٍ- نقول هذا أكثر مدة وإن وجد أكثر من أربعين ففيه تفصيل إن وافق عادتها -حينئذٍ- تجلس ما اتصل بالنفاس على أنه حيض فتغتسل عند نهايتها وإن لم يوافق عادتها -حينئذٍ- صار دم استحاضة فتغتسل تمام الأربعين ثم تصلي وتصوم (أربعون يوماً) وأول مدته من الوضع يعني من ابتداء خروج بعض الولد فلو خرج جزء منه وهذا قديم يذكره الفقهاء خرج جزء منه وبقي الجزء أربع وعشرين ساعة ثم كمل خروجه في اليوم التالي؛ متى تبدأ؟ من أول جزء يعني من أول جزء خرج الولد اعتبر حسابه من الأربعين وما بعد ذلك نقول هذا التمام هو إكمال لخروجه والعبرة في التحديد بالأربعين معلقة بأول جزء ومادام أنه موجود فالحكم معلق عليه وما رأته قبل الولادة بيومين أو ثلاثة بأمارة يعني ألم ما يسمى بالطلق فنفاس وعند جمهور أهل العلم أنه لا عبرة به الدم الذي يخرج قبل النفاس قبل خروج الولد ولو جزء منه لا عبرة به عند أهل العلم عند الجماهير والظاهر أنه لو وجدت معه أمارة نفاس يعني الألم والطلق ونحو ذلك فهو نفاس لأن هذا خرج بسبب الولد فهو مقدمة له، ولا حد لأقله لأنه لم يثبت في الشرع تحديده فيرجع فيه إلى الوجود لأنه لم يرد تحديده في الشرع (ومتى طهرت قبله تطهرت وصلت) (طهرت قبله) يعني قبل انقضاء أكثر النفاس المرأة قد تضع الولد ولم يخرج معه شيء -حينئذٍ- هي طاهر قبل الولد ومعه وبعده واضح هذه طاهر ليس عليها غسل ولا تترك الصلاة ولا الصوم -حينئذٍ- وجب عليها الصوم فلو ولدت في نهار رمضان ولم تكن مريضة مثلاً ولدت في نهار رمضان ولم يخرج قطرة من الدم صومها صحيح؛ لماذا؟ لأن المفسد هو الحيض والنفاس ولم يوجد نفاس -حينئذٍ- إذا لم يخرج قطرة دم أو صفرة أو كدرة هنا معتبرة كذلك الحكم في الحيض والنفاس واحد في الصفرة والكدرة إذا لم يخرج شيء ألبته وخرج الولد جافاً -حينئذٍ- نقول هذه طاهرة ولا يفسد صومها ولا يجب عليها الغسل إن مشى أو جرا معها الدم يوماً ثم انقطع -حينئذٍ- نقول نفاسها يوماً واحد انقطع ليومين انقطع لعشرة أيام -حينئذٍ- نقول متى ما انقطع قبل الأربعين وجب عليها الغسل هذه
(16/20)
________________________________________
من المسائل التي ينبغي بثوها بين الناس لأن كثير من النساء ترى تخطأ في مثل هذه المسألة تظن أنه لا بد من إتمام الأربعين قد تطهر عشرين يجري معها الدم عشرين وينقطع الدم ثم تطهر يجف الموضع وتنتظر حتى تكمل الأربعين هذا خطأ لا يجوز هذا فيجب التنبيه وتنبيه الناس على ذلك -حينئذٍ- نقول لو انقطع الدم ولو ليومين أو ثلاثة وجب الغسل ووجبت الصلاة ونحوها، (ومتى طهرت قبله) يعني قبل انقضاء أكثره (تطهرت) يعني اغتسلت وصلت فروضاً ونوافل وصامت كسائر الطاهرات حكاه الترمذي إجماعاً، (ويكره وطؤها قبل الأربعين بعد التطهير) يعني إذا طهرت قبل الأربعين وجب عليها الغسل والصلاة لكن زوجها لا يأتيها؛ لماذا؟ قالوا لأنه يحتمل؛ يحتمل أنه ماذا؟ أن الدم يرجع ويحتمل أن هذا الانقطاع مؤقت فإذا كان كذلك لهذا الاحتمال قالوا إذاً لا توطأ والصحيح أنه متى صلت حلت كما قال ابن عباس إذا صلت حلت مادام أنه وجب عليها الغسل ووجبت عليها الصلاة -حينئذٍ- حلت لزوجها اتيانها (ويكره) أي للزوج (وطؤها) أي جماعها (قبل الأربعين بعد) انقطاع الدم (والتطهير) أي الاغتسال؛ قال الإمام أحمد [ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص أنه أتت قبل الأربعين-يعني طهرت زوجته وأتته قبل الأربعين-فقال لا تقربيني] يعني ابتعدي هذا شيء خاص به فلا يجعل حكماً شرعياً ثم هذا ضعيف يعني لم يثبت ثم لو ثبت -حينئذٍ- نقول نرجع إلى الأصول وإذا كان كذلك -حينئذٍ- لا عبرة بقول الصحابي أو فعله إذا خالف أصلاً شرعياً فمادام الله عزوجل (قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) (فإذا تطهرن) (حتى يطهرن) يعني ينقطع الدم (فإذا تطهرن) وهذا صادق على الحيض وصادق على النفاس -حينئذٍ- نقول الأصل هو جوازه وهذا هو الصحيح أنه لا يكره بل هو حلال، (فإن عاودها الدم) قبل نهاية الأربعين طهرت لليوم الخامس قلنا وجب عليها الغسل والصلاة إن عاودها في اليوم الخامس والثلاثين دم؛ ما حكم هذا الدم؟ الصحيح أنه دم نفاس مادام أنه في وقته فهو دم نفاس كالحيض إذا انقطع الدم في العادة الأيام فبل انقضائها قلنا إذا رجع فهو حيض كذلك النفاس إذا انقطع الدم واغتسلت ثم عاودها الدم رجع إليها ولو يوم واحد قبل تمام الأربعين فهو نفاس يعني وجب عليها أن تجلس ثم إذا انتهى أو انقطع الدم وجب عليها الغسل هنا أوجبنا عليها غسلين؛ صحيح أو لا؟ هل عليها اعتراض؟ لا ليس عليها اعتراض؛ لماذا؟ لأن كل منهما ثبت بنص (حتى يطهرن) انقطع الدم (فإذا تطهرن) إذاً الأول صدق عليه ثم لما عاود الدم (قل هو أذى) إذاً الحكم معلل بعلة فمتى ما رجع الدم -حينئذٍ- مادام أنه في زمنه فالأصل فيه أنه دم نفاس -حينئذٍ- يترتب عليه الحكم الشرعي وهو وجوب ترك الصلاة والصوم فإذا انقطع -حينئذٍ- أوجبنا عليها الغسل لا بآرائنا واجتهادنا وإنما هو من جهة النص المذهب لا يعتبرونه دم نفاس وإنما يقولون هذا مشكوك فيه هذه زيادة دم نوع رابع دمها مشكوك فيه يحتمل؛ يحتمل ماذا؟ أنه دم النفاس ويحتمل أنه دم استحاضة واليقين أن الصلاة واجبة وهذا الدم مشكوك فيه في إسقاط الصلاة إذاً لا يسقط الواجب بشك فتصلي يجب عليها أن تصلي ولذلك قال (فإن عاودها) يعني رجع
(16/21)
________________________________________
إليها الدم في الأربعين بعد الطهر والاغتسال (فمشكوك فيه) هل هو دم نفاس أو دم فساد؟ (تصوم وتصلي) وجوباً يجب عليها أن تصوم وتصلي مع خروج الدم أي تتعبد لأنها واجبة في ذمتها بيقين وسقوطها بهذا الدم مشكوك فيه ثم إذا انتهت الأربعين (تقضي الواجب) فيه أما الصلاة فلا تقضيها وأما الصوم فتقضيه (وتقضي الواجب) من صوم ونحوه احتياطاً ولوجوبه يقيناً ولا تقضي الصلاة كما تقدم، إذاً أوجوب عليها فعل الصوم مرتين وهذا قول ضعيف والصحيح أنه دم نفاس وليس مشكوكاً فيه لأن اليقين أنه دم نفاس لأنه في زمنه ومشكوك فيه نقول هذا طارئ واليقين أنه دم نفاس فيعتبر فتترتب عليها الأحكام الشرعية، ثم قال رحمه الله تعالى (وهو كالحيض) يعني النفاس (فيما يحل ويحرم) سبق أنه يحرم إتيان الفرج إذاً النفساء يحرم إتيان الفرج سبق أنه يحل له كل شيء ما عدا الفرج فيحل له من النفساء ما عدا الفرج (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) وفي رواية (إلا الجماع) إذاً كل شيء ما عدا الجماع سواء كان مع حائض أو نفساء فهو مباح (وهو كالحيض فيما يحل) الاستمتاع بما دون الفرج وله أن يستمتع منها كما يستمتع من الحائض (ويحرم) أي فيما يحرم به كالوطء في الفرج والصوم والصلاة يعني يحرم عليها فعل الصوم وفعل الصلاة والطلاق بغير سؤالها على عوض (ويجب) يعني فيما يجب به كالغسل الغسل يجب بالانقطاع الحيض يعني بخروج الحيض وانقطاعه شرط في صحته كذلك دم النفاس يوجب الغسل من موجبات الغسل وخروجه هو الموجب وانقطاعه شرط في صحته والكفارة بالوطء فيه قياساً على الحيض والصحيح أنه لا يقاس على القول به يعني لو قيل بأن دم النفاس أتى زوجته في القبل يعني جامعها؛ هل يترتب عليه ما يترتب على من أتى حائضاً؟ الجواب لا لأن ذاك في الحيض وهذا في النفاس (ويسقط) يعني به كوجوب الصلاة فلا تقضيها وسقط وجوب الصلاة بالنفاس كما سقط بالحيض (غير العدة) لأن العدة في الحيض بالأقراء والعدة هنا بوضع الحمل ففترقا في العدة (غير العدة) لأن العدة تنقضي بوضع الحمل (والبلوغ) يعني لا يعتبر البلوغ بالنفاس؛ لماذا؟ لأنها بلغت لو لم تحض بلغت بماذا؟ بخروج المني لأنه ما حصل حمل إلا بإنزال مني فدل على أنها بلغت قبل ذلك-فحينئذٍ-بالنفاس ليس كالحيض بمجرد خروج الحيض حكمنا عليها بأنها بلغت وأما بمجرد خروج الدم دم النفاس مع الولد نقول لا؛ هي بلغت قبل ذلك بتسعة أشهر إذاً تسعة أشهر وجبت عليها الصلاة فيثبت البلوغ بالحيض دون النفاس لحصول البلوغ بالإنزال السابق للحمل (وإن ولدت توأمين) ولدين في بطن واحد (فأول النفاس وآخره) يعني حسابه تحسب الأربعين (من أولهما) يعني أولهما خروجاً لأنه في السابق-ما أردي لآن موجود أو لا-إذا حملت اثنين توأمين قد تضع في اليوم الأول الأول وقد تبقى يوم أو يومين أو أسبوع وتضع الثاني إذاً تعارضا؛ نحسب بالأول أو نحسب بالثاني؟ العبرة بالأول ولذلك قال (فأول النفاس وآخره من أولهما) لأنه كالحمل الواحد فإذا كان بينهما أربعون فأكثر فلا نفاس للثاني يعني لو وضعت الأول وبقية نفساء أربعين يوماً والحادي والأربعين وضعت الثاني الثاني لا نفاس له؛ لماذا؟ لأن السبب الأول الذي ترتب عليه خروج الدم هو عينه
(16/22)
________________________________________
الثاني كما سبق معنا في المني لو خرج منه مني ثم اغتسل ثم خرج منه بقية المني -حينئذٍ- هل الثاني يوجب الغسل؟ الجواب لا؛ هذا مثله واضح هذا
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(16/23)
________________________________________