الكتاب: الحجة للقراء السبعة
المؤلف: الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ الأصل، أبو علي (المتوفى: 377هـ)
المحقق: بدر الدين قهوجي - بشير جويجابي
راجعه ودققه: عبد العزيز رباح - أحمد يوسف الدقاق
الناشر: دار المأمون للتراث - دمشق / بيروت
الطبعة: الثانية، 1413 هـ - 1993م
عدد الأجزاء: 7
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
[الفرقان: 69، 68]
اختلفوا في قوله تعالى: يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد [الفرقان/ 69] فقرأ ابن كثير: (يضعّف- ويخلد فيه) جزما و (يضعّف) مشددة العين بغير ألف. وقرأ عاصم
في رواية أبي بكر وابن عامر بالرفع فيهما: يضاعف له العذاب. ويخلد غير أن ابن عامر قرأ بغير ألف وشدّد العين [وقرأ] «1» حفص عن عاصم: ويخلد جزما مثل أبي عمرو. وقرأ حفص عن عاصم: (فيهي مهانا) يصل الهاء بياء وكذلك ابن كثير. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي:
يضاعف له ويخلد [الفرقان/ 69] جزما، والياء من يخلد مفتوحة.
وروى حسين الجعفي عن أبي عمرو (ويخلد) بضم الياء وفتح اللام وهو غلط «2».
[قال أبو علي] «3»: من قال: يضاعف له ويخلد جعل قوله:
يضاعف، بدلا من الفعل الذي هو جزاء الشرط، وهو قوله: يلق أثاما [الفرقان/ 69] وذلك أن تضعيف العذاب لقي جزاء الآثام في المعنى، فلمّا كان إيّاه أبدله منه، كما أنّ البيعة لما كان ضربا من الأخذ أبدل الأخذ منها في قوله:
إنّ عليّ الله أن تبايعا ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعا
«4».
__________
(1) زيادة من السبعة.
(2) السبعة ص 467
(3) سقطت من ط.
(4) البيت في الكتاب 1/ 78 وهو من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها. وانظر المقتضب 2/ 63، والخزانة 2/ 373، والعيني 4/ 199، الأشموني 3/ 131.
(5/350)
________________________________________
ومثل ذلك في البدل من جزاء الشرط قوله:
إن يجبنوا أو يغدروا ... أو يبخلوا لا يحفلوا
«1»
يغدوا عليك مرجّلي ... ن كأنّهم لم يفعلوا
فغدوهم مرجّلين في المعنى، ترك للاحتفال، فهذا مثل إبدال يضاعف من يلق أثاما. وقد أبدل من الشرط كما أبدل من جزائه وذلك قوله:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا
«2» فأبدل تلمم من تأتنا، لأنّ الإلمام إتيان في المعنى. ومثل حذف جزاء الذي هو مضاف في المعنى في قوله: يلق أثاما أي جزاء أثام قوله تعالى: ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم [الشورى/ 22] المعنى: على جزاء ما كسبوا. وقال أبو عبيدة: يلق أثاما، أي: عقوبة، وأنشد لمسافع العبسي «3»:
__________
(1) البيتان في الكتاب 1/ 446، وهما لبعض بني أسد وانظر المحتسب 2/ 75 وعزاهما لشاعر جاهلي قديم وبعدهما:
كأبي براقش كلّ لو ... ن لونه يتحوّل
وذكر هذا البيت الأخير الأعلم في شرح شواهد سيبويه المسمى: «تحصيل عين الذهب، من معدن جوهر الأدب، في علم مجازات العرب» برواية يتخيّل بدل: يتحول.
(2) البيت في الكتاب 1/ 446 ولم ينسبه والإنصاف 2/ 583 والخزانة 3/ 660 وعزاه إلى عبد الله بن الحر.
وانظر الأشموني 3/ 131
(3) في ط: لمسافع الليثي. وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة نسبه لبلعاء بن قيس الكناني انظر 2/ 81
(5/351)
________________________________________
جزى الله ابن عروة حيث أمسى ... عقوقا والعقوق له أثام
«1» قال: وابن عروة: رجل من بني ليث كان دلّ عليهم ملكا من غسّان فأغار عليهم.
قال أبو علي: ويمكن أن يكون من هذا قول بشر:
فكان مقامنا ندعو عليهم ... بأبطح ذي المجاز له أثام
«2» وحكى عن أبي عمرو الشيباني: لقي أثام ذلك، أي: جزاءه.
ومن رفع فقال: (يضاعف ويخلد) لم يبدل ولكنّه قطعه ممّا قبله واستأنف. وأمّا يضاعف و (يضعّف) فهما في المعنى سواء كما قال سيبويه، ويقال: خلد في المكان يخلد إذا عطن «3» به أقام. وحكى أبو زيد: أخلد به، وما حكاه عن حسين الجعفي عن أبي عمرو:
(ويخلد) بضم الياء وفتح اللّام وأنّه غلط، فإنّه يشبه أن يكون غلطه «4» من طريق الرواية، وأمّا من جهة المعنى فلا يمتنع، فيكون المعنى خلد هو، وأخلده الله، ويكون يخلد مثل يكرم ويعطى في أنّه مبني من أفعل، ويكون قد عطف فعلا مبنيا للمفعول على مثله إلّا أنّ الرّواية إذا لم تكن صحيحة لم يجز أن تنسب إلى الذي تروى عنه.
[الفرقان: 74]
وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص وابن عامر: من أزواجنا وذرياتنا [الفرقان/ 74] جماعا وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وحمزة والكسائي (وذرّيتنا) واحدة «5».
__________
(1) البيت في اللسان (أثم) وعزاه لشافع الليثى.
(2) البيت في اللسان (أثم)
(3) في ط: قطن.
(4) كذا في ط. وفي م: غلطا.
(5) كذا في ط وسقطت من م
(5/352)
________________________________________
قال أبو علي: الذرية تكون واحدة وتكون جمعا فالدّليل على كونها للواحد قوله تعالى: قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة [آل عمران/ 38] فهذا كقوله: فهب لي من لدنك وليا يرثني [مريم/ 5] فأمّا جواز كونها للجمع فقوله: وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا [النساء/ 9] فمن أفرد فقال: (من أزواجنا وذريتنا) [الفرقان/ 74] فإنّه أراد به «1» الجمع فاستغنى عن جمعه لمّا كان جمعا، ومن جمع فكما تجمع هذه الأسماء التي تدلّ على الجمع نحو: قوم وأقوام، ونفر وأنفار، ورهط وأراهط. وقد جمعوا بالألف والتاء والواو والنون الجموع المكسرة كقولهم الجزرات والطّرقات والكلابات،
وجاء في الحديث: صواحبات يوسف
«2» وقال العجاج:
جذب الصّراريّين بالكرور «3» وإنّما الصراري جمع صرّاء. وهو مفرد نحو: حسّان، فكسّره ككلّاب وكلاليب، لأنّ الصفة تشبّه في التكسير بالأسماء. ويدلّ على أنّ الصرّاء واحد قول الفرزدق:
أشارب قهوة وخدين زير ... وصرّاء لفسوته بخار
«4»
__________
(1) السبعة ص 467.
(2) الحديث في صحيح البخاري انظر فتح الباري 6/ 417، 418 وانظر مسند أحمد 6/ 96
(3) انظر ديوانه 2/ 350 واللسان (صرر) والصراري: الملاح
(4) انظر اللسان (صرر) وقال في اللسان: ولا حجة لأبي علي في هذا البيت لأن الصراري الذي هو عنده جمع.
وانظر ديوانه 1/ 388 وفيه عصار بدل بخار. وقاله الفرزدق في الحكم ابن الجارود. كذا في الديوان.
(5/353)
________________________________________
[الفرقان: 75]
اختلفوا في قوله سبحانه: ويلقون فيها [الفرقان/ 75] في ضمّ الياء وفتح اللّام وتشديد القاف، وسكون اللّام، وتخفيف القاف. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ويلقون مضمومة الياء مفتوحة اللام مشددة القاف.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (ويلقون) مفتوحة الياء ساكنة اللّام خفيفة القاف.
وروى أبو بكر عن عاصم: (ويلقون) مثل حمزة. وقال حفص عنه: يلقون مشددة مثل أبي عمرو «1».
[قال أبو علي] «2»: حجّة من قال: ويلقون، قوله تعالى «3» ولقاهم نضرة وسرورا [الإنسان/ 11] فعلى «لقّاهم» «يلقّون».
وحجّة من خفّف قوله سبحانه «4»: فسوف يلقون غيا [مريم/ 59] ولقي: فعل متعدّ إلى مفعول واحد، فإذا نقل بتضعيف العين تعدى إلى مفعولين فقوله: (تحيّة) المفعول الثاني من قولك لقّيت زيدا تحيّة، فلمّا بنيت الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل، فبقي الفعل متعديا إلى مفعول واحد.
__________
(1) السبعة ص 468
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت من ط.
(5/354)
________________________________________
[بسم الله] «1»
ذكر اختلافهم في سورة الشعراء
[الشعراء: 1]
اختلفوا في إدغام النون من سين عند الميم وبيانها وكسر الطاء وفتحها. فقرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر: طسم بفتح الطاء وإدغام النون، وروى خارجة عن نافع:
(طسم) بكسر الطاء، وإدغام النون. وقال خلف عن إسحاق [المسيبي] عن نافع: الطاء غير مكسورة ولا مفتوحة هو إلى الفتح أقرب.
وقال الكسائي عن إسماعيل بن جعفر عن نافع يبين النون في (طسم) مثل حمزة. وقال محمد بن إسحاق عن أبيه عن نافع: الطاء مفتوحة وقال ورش وقالون عن نافع: الطاء مفتوحة وسطا من ذلك، وقال:
يعقوب عن نافع وأبو جعفر (طس م) يقطّعان كل حرف على حده، ويأتي اختلافهم في يس ونون في موضعه إن شاء الله. قال أحمد:
والذي قاله الكسائي عن إسماعيل عن نافع: يوجب «2» رواية يعقوب بن جعفر عن أبي جعفر ونافع بيان النون من (طسم). وروى حفص عن عاصم: (طسم) فتحا «3» ولم يظهر النون في (طسم) غير
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: ويوجبه.
(3) في ط: فتح.
(5/355)
________________________________________
حمزة وما روى الكسائي عن إسماعيل. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: (طسم) بالكسر «1».
قال أبو علي: تبيين النون من (طسم) على قراءة «2» حمزة، ورواية «3» الكسائي عن نافع هو الوجه، لأنّ حروف التهجي «4» في تقدير الانفصال والانقطاع ممّا بعدها، فإذا كان كذلك وجب تبيين النون، لأنّها إنّما تخفى إذا اتصلت «5» بحروف من حروف الفم، فإذا لم يتّصل بها لم يكن شيء يوجب إخفاءها. ووجه إخفائها مع هذه الحروف أنّ همزة الوصل قد وصلت، ولم تقطع، وهمزة الوصل إنّما تذهب في الدّرج، فكما سقطت همزة الوصل، وهي لا تسقط إلّا في الدرج مع هذه الحروف في (ألف لام ميم الله) كذلك لا تبيّن النون ويقدّر فيها الاتّصال مما «6» قبلها ولا يقدر فيها الانفصال.
[الشعراء: 18]
وكلهم قرأ: من عمرك [الشعراء/ 18] مثقّلة، وروى عبيد عن هارون والخفاف عن أبي عمرو، وعبيد عن أبي عمرو: (عمرك) خفيفة، قال هارون: وكان أبو عمرو لا يرى بالأخرى بأسا، يعني التثقيل. [وروى عبيد بن عقيل عنه مثقّلا] «7».
__________
(1) السبعة ص 470 - 471، وفي الكلام تقديم وتأخير عمّا هنا ولكن المؤدى واحد.
(2) في ط: على ما قرأه.
(3) في ط: ورواه.
(4) في ط: الهجاء.
(5) في ط: اتصل
(6) في ط: بما.
(7) السبعة ص 471 وما بين معقوفين زيادة منه
(5/356)
________________________________________
قال ابن مقبل «1»:
يا حرّ أمسيت شخصا قد وهى بصري ... والتاث ما دون يوم البعث من عمري
وأنشد أبو زيد:
إن يمض عنّا فقد ثوى عمرا «2»
[الشعراء: 45]
اختلفوا في (تلقف) [الشعراء/ 45] في تشديد التاء وتخفيفها.
فقرأ عاصم في رواية حفص: تلقف بتاء خفيفة. وروى البزي وابن فليح عن ابن كثير (فإذا هي تلقف) بتشديد التاء، وروى قنبل عن النبال: (فإذا هي تلقّف) خفيفة التاء وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (تلقّف) خفيفة التاء مشددة القاف «3».
قال أبو علي: قد ذكرنا هذا النحو فيما تقدّم، ورواية قنبل عن ابن كثير (فإذا هي تلقّف) هو الوجه. ومن شدد التاء من قوله «4» (تلقّف) وهو يريد تتلقّف لزمه إذا ابتدأ على هذه القراءة أن يجتلب همزة الوصل، وهمزة الوصل لا تدخل على الأفعال المضارعة كما لا تدخل على أسماء الفاعلين.
__________
(1) ديوانه ص 72، وبرواية: يوم الرعد .. وفي م: قصري بدل بصري
(2) لم نعثر عليه في نوادره
(3) السبعة ص 471 وفي النص تقديم وتأخير.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5/357)
________________________________________
قال أحمد: قد ذكرنا اختلافهم في قوله: (أامنتم) [الشعراء/ 49] في سورة الأعراف [123].
[الشعراء: 62]
قال: وروى حفص عن عاصم إن معي ربي [الشعراء/ 62] بنصب الياء من معي وكل ما في القرآن من قوله: معي فإنّ عاصما في رواية حفص يحرك الياء فيه. «1»
وروى حفص عن عاصم وورش عن نافع ومن معي من المؤمنين [الشعراء/ 118] بتحريك الياء ولم يحركها غيرهما «2».
[قال أبو علي] «3» [كلّ واحد من التحريك والإسكان حسن] «4».
[الشعراء: 56]
اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله [جل وعز] «5»:
(حذرون) [الشعراء/ 56] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (حذرون) بغير ألف. وقرأ الباقون: حاذرون بألف «6».
قال أبو عبيدة: رجل حذر وحاذر، قال ابن أحمر:
إني حواليّ وأنّي ... حذر هل ينسأن يومي إلى غيره
«7»
__________
(1) انظر السبعة ص 290 والحجة 4/ 69.
(2) السبعة ص 472
(3) سقطت من ط.
(4) وردت هذه الجملة في ط قبل سطرين. وقيل رواية حفص عن عاصم في الشعراء/ 118.
(5) في ط: تعالى
(6) السبعة ص 471
(7) البيت في اللسان (حول) وفيه: أو تنسأن بدل: هل ينسأن. وإني بدل: أني.
وعزاه إلى ابن أحمر أو المرّار بن منقذ العدوي. وليس في شعر ابن أحمر المطبوع.
(5/358)
________________________________________
قال: حواليّ ذو حيلة وأنشد العباس بن مرادس «1»
وإني حاذر أنمي سلاحي ... إلى أوصال ذيّال صنيع
قال أبو علي: يقال: حذر يحذر حذرا واسم الفاعل حذر. فأمّا حاذر فإنه يراد به أنّه يفعل الحذر فيما يستقبل كقولك: بعيرك صائد غدا، وكذلك قوله «2»:
وإني حاذر أنمي سلاحي كأنّه يريد متحذّر عند اللّقاء.
[الشعراء: 52]
قال: قرأ ابن كثير ونافع (أن اسر) [الشعراء/ 52] من سريت، وقرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: أن أسر من أسريت «3».
قال أبو علي «4»: حجّة القطع قوله: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] وحجّة الوصل قوله:
سرى بعد ما غار الثريّا وبعد ما ... كأنّ الثّريّا حلّة الغور منخل
«5»
__________
(1) البيت في اللسان (ذيل) وفيه: منيع بدل: صنيع. كما في المجاز.
(2) انظر مجاز القرآن 2/ 86
(3) السبعة ص 471
(4) سقطت من ط
(5) انظر ما سبق في 4/ 368. وانظر الكتاب 1/ 201 وفي (م): حلت بدل:
حلة الغور. قال الأعلم: الشاهد فيه نصب حلة الغور على الظرف ومعناها قصد الغور ومحله. والمعنى: وصف طارقا سرى في الليل بعد أن غارت الثريا أول الليل وذلك في استقبال زمن القيظ، وشبه الثريا في اجتماعها واستدارة نجومها بالمنخل
(5/359)
________________________________________
وهو كثير في الشعر.
[الشعراء: 61]
قال: قرأ حمزة: (فلما تراءى الجمعان) [الشعراء/ 61] بكسر الراء ويمدّ ثم يهمز، وكذلك روى هبيرة عن حفص عن عاصم.
وروى أبو بكر. عن عاصم مفتوحا ممدودا. أبو عمارة عن حفص عن عاصم (تراءى) مفتوحا مثل أبي بكر. وكان حمزة يقف (تراءى) يمدّ مدّة بعد الراء ويكسر الراء، وروى نصير عن الكسائي، (تراءى) مثل «1» تراعى إذا أراد أن يقف. الباقون «2»: (تراءى) يفتحون الراء وبعدها ألف وهمزة الألف مفتوحة «3» في وزن تراعى «4».
وقال بعض أصحاب أحمد بن موسى قوله: وهمزة الألف، يعني الهمزة التي بعدها الألف من تفاعل. وهو عين الفعل.
قال أبو علي: وجه إمالة الفتحة التي على الراء أن «5» قياسه: أن يكون في الوقف تراءى مثل تراعى فأمال فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة التي أميلت فتحتها، لتميل الألف نحو الياء كما قالوا: راء فأمالوا فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة. ومن قال: راء فلم يمل الفتحة كما لم يمل لإمالة الألف في رأيت عمادا لم يمل هذه الفتحة لإمالة فتحة الهمزة فيقول: (تراءى) قال «6»: ومن لم يمل البتة قال: (تراءى). قال أحمد:
وكان حمزة يقف ترآء يمد مدّة بعد الراء، ويكسر الراء فقوله: يمدّ مدّة
__________
(1) في ط: في وزن
(2) في ط، الباقون يقفون.
(3) وردت في ط زيادة وهي: والألف بعد الهمزة بوزن تراعى ..
(4) السبعة ص 472
(5) سقطت من م
(6) كذا في ط وسقطت من م.
(5/360)
________________________________________
بعد الراء يدلّ على أنّه يقول: تراءى فيثبت «1» بعد الراء مدة، وهذه المدة ينبغي أن تكون ألف تفاعل، والهمزة هي عين الفعل «2»، والألف المنقلبة عن اللّام على هذا محذوفة وحذفها لا يستقيم، وليس هذا في قول الباقين إنّما قولهم على الإمالة: (تراءى)، والإمالة من أجل الإمالة: (تراءى)، أو بغير إمالة البتة: (تراءى) «3»، ومن زعم أنّ إمالة فتحة الراء التي هي فاء تفاعل من رأيت لا يجوز، فقد غلط، لأنّ إمالته جائزة من الوجه الذي تقدّم ذكره. فإن قلت: فإذا وصل فقال: (تراءى الجمعان) هلّا لم تجز إمالة الفتحة التي على الرّاء لأنّه إذا كان إمالته لإمالة فتحة الهمزة [وما يوجب إمالة الهمزة] «4» فقد سقط وهو الألف المنقلبة عن «5» الياء التي سقطت لالتقاء الساكنين، فإذا سقطت لم يجز إمالة فتحة الهمزة، وإذا لم يجز إمالة فتحة الهمزة وجب أن لا يجوز إمالة فتحة الراء. قيل: إن إمالة فتحة الراء من «6» (تراءى) جائزة في الوصل مع سقوط الألف من تفاعل لالتقاء الساكنين، وهو عندهم في حكم الثبات، يدلك على ذلك قولهم «7»:
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) في (م) تكررت عبارة: «وبغير إمالة البتة تراءا»
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) في ط: من.
(6) في ط: في.
(7) عجز بيت لأبي الأسود وصدره:
فألفيته غير مستعتب والبيت من شواهد المغني في شرح أبياته 7/ 182، وسبق في 2/ 454 وقد استوفينا تخريجه هناك.
(5/361)
________________________________________
ولا ذاكر الله قليلا فنصب مع سقوط التنوين لالتقاء الساكنين [كما ينصب إذا ثبت وكذلك يميل فتحة الراء مع سقوط الألف لالتقاء الساكنين] «1»، كما كان يميلها إذا ثبتت، ولم تسقط، وقد حكى أبو الحسن ذلك، فزعم أنّه قد قرئ في القتلى، الحر [البقرة/ 178] فأمال فتحة اللام مع سقوط الألف كما يميلها مع ثباتها، فكذلك يميل فتحة «2» الهمزة من تراءا إذا أدرج فقال: (تراءى الجمعان) [الشعراء/ 61]. ونظير ذلك أيضا في كلامهم «3» قولهم:
شهد. ألا ترى أنّهم إنّما كسروا الفاء لكسرة العين التي هي الهاء. ثم حذفت الكسرة التي على العين، ولم تذهب كسرة الفاء من شهد «4».
ونظيره أيضا قولهم: صعقي. فهذا أشدّ لأنّه أقرّ الكسرة في الفاء مع فتحة العين، والأوّل كانت الكسرة المحذوفة منه في اللّفظ في تقدير الإثبات، كما كانت في تقديره «5» في: رضي، وعزي، ولقضو الرّجل.
وزعم بعض البغداذيّين في احتجاج الحذف لهذه الألف في (تراء)، في وقف حمزة، أنّه يجوز على لغة حكاها الكسائي والفرّاء، وهو «6» أنّهم حكوا: أنّ بعضهم قال: اسقني ما يا هذا.
[قال أبو الحسن] «7»: ولا يجوز تراء من حيث جاز: اسقني ما يا
__________
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من م.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: في شهد
(5) في ط: وهي.
(6) في ط: كما كان تقديره
(7) في ط: قال أبو علي.
(5/362)
________________________________________
هذا، وذلك أنّ الذي يقول هذا إنّما أبدل من الهمزة الألف للضرورة، كما أبدلها منها في قوله «1»:
لا هناك المرتع وكما أبدل الآخر منها ألفا في الباه فيما حدثنا محمّد بن السري عن بعض اليزيديين وأنشدنا عنه «2»:
على أنّ قيسا لم يطأ باه محرم فحذف الهمزة لما أسكنها، فانقلبت ألفا لالتقائها مع الألف الساكنة، وكذلك حذف الهمزة من ماء، لمّا قلبها ألفا لالتقاء الساكنين، فإذا وقف على ماء في قوله: اسقني شربة ما يا هذا، لزمه أن يقول: ما، فيبدل من التنوين الألف فيصير (ما) وكذلك لو حذف الهمزة من تراءا كما حذفها من شربة ما يا هذا، للزمه أن يقول:
(تراء) ولا يمدّ كما لا يمد (ما) إذا وقف عليه على هذه اللغة، وليس الرّواية عن حمزة (ترا) إنّما الرّواية عنه أنّه يمدّ مدة بعد الراء [من تراءا] «3»، فينبغي أن تكون المدة ألفا وهمزة، أمّا الألف فألف تفاعل، وأمّا ما «4» بعد الألف فهو الهمزة التي هي عين الفعل، إمّا بين بين، وإمّا مخفّفة، وعلى أيّ الأمرين كان وجب أن يسكن في الوقف، كما تسكن سائر الحروف الموقوف عليها، وعلى هذا جاء في
__________
(1) من بيت للفرزدق تمامه:
راحت بمسلمة البغال عشيّة ... فارعي فزارة لا هناك المرتع
وسبق البيت في 1/ 398 و 2/ 218
(2) سبق في 4/ 245 ولم نعثر على قائله. وقد ذكر في اللسان (بوه) أن الباه لغة في الباءة، وهو الجماع.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) سقطت من م.
(5/363)
________________________________________
الشعر «1»:
يستمسكون من حذار الإلقاء ... بتلعات كرءوس الصيصاء
فهذا على أنّ الضّرب مفعولان، ومنه «2» قول الآخر:
ردي ردي ورد قطاة صماء ... كدريّة أعجبها برد الماء
وأمّا ما رواه نصير عن الكسائي في الوقف تراءى مثل تراعي، فحسن، وذلك أنّ الوقف موضع [تبين فيه الحروف الموقوف عليها] «3».
وفي الألف خفاء شديد من حيث لم تعتمد في إخراجها على موضع، فصارت لذلك بمنزلة النفس من أنّه لا يعتمد له على موضع، فبيّنها بأن نحا بها نحو الياء وقرّبها منها.
ويدلّك على حسن هذا أن
__________
(1) هذه الأبيات منسوبة الى غيلان الربعي من أرجوزة طويلة عدد أبياتها واحد وخمسون بيتا من مشطور الرجز، ذكرها ابن جني في الخصائص 2/ 252 وذكر الشاهد في 1/ 280 قال في اللسان/ تلع/ في شرح البيتين الأولين:
يعني بالتلعات هنا: سكّانات السّفن، وقوله: من حذار الإلقاء، أراد من خشية أن يقعوا في البحر فيهلكوا، وقوله: كجذوع الصيصاء أي: أن قلوع هذه السفينة طويلة حتى كأنّها جذوع الصيصاء، وهو ضرب من التمر نخله طوال.
وذكر البيت في المنصف 1/ 181 برواية: كجذوع الصيصاء. ثم قال:
وأنشدناه أبو علي! ... كرءوس الصيصاء.
وفي اللسان/ صيص/ الصيصاء الحشف من التمر، وهو الذي تسميه العامة: الشّيص
(2) في ط: ومثله.
(3) في ط: يبين فيه الحرف الموقوف عليه
(5/364)
________________________________________
قوما يبدلون منها الياء المحضة في الوقف، فيقولون أفعي، وحبلي، وآخرون يبدلون منها الهمزة، فيقولون: هذه حبلأ، ورأيت رجلأ فكذلك نحا بالألف بإمالتها نحو الياء ليكون أبين لها، ولم يمل الرّاء من تراءا لأنّ الإمالة إنّما هي عنده من أجل الوقف، والوقف غير لازم، فلمّا لم يلزم لم ير أن يعتدّ به «1».
[الشعراء: 137]
اختلفوا في فتح الخاء وضمّها من قوله [جلّ وعزّ] «2»: (إلا خلق الأولين) [الشعراء/ 137] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي:
(خلق الأولين)، بفتح الخاء وتسكين اللام، وقرأ الباقون: بضم الخاء واللام «3».
[قال أبو علي] «4»: خلق الأولين: أي: عادتهم، وخلق الأولين يجوز أن يكون المراد اختلافهم وكذبهم، وفي التنزيل: (إن هذا إلا اختلاق) [ص/ 7]، وفيه وتخلقون إفكا [العنكبوت/ 17] أي تختلفونه، وقيل: إنّه يجوز أن يكون خلقنا كخلقكم «5»، نموت كما ماتوا، ولا نبعث، فخلق على هذا: مصدر، إن شئت قدّرته تقدير الفعل المبني للمفعول، أي: خلقنا كما خلقوا. ويجوز أن يكون المصدر مضافا إلى المفعول به، ولا يقدّر تقدير الفعل المبني للمفعول.
__________
(1) في ط: بها
(2) في ط: تعالى.
(3) السبعة ص 472
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: كخلقهم
(5/365)
________________________________________
[الشعراء: 149]
اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله [جلّ وعزّ] «1»:
فارهين [الشعراء/ 149]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو:
(فرهين) بغير ألف، وقرأ الباقون: فارهين بألف «2».
أبو عبيدة (فرهين) أي: مرحين، قال: ويقال في هذا المعنى:
(فارهين) وأنشد «3»،
لا أستكين إذا ما أزمة أزمت ... ولن تراني لخير فاره اللّبب
قال: وقوم يقولون: فارهين أي: حاذقين «4».
قال أبو عليّ: [ليس] «5» فارهين كحاذرين، في أن فارهين «6» يكون لما يأتي في الأمر العام، وليس للحال، لأنّهم قد قالوا: فاره وفرهة، فدلّ جمعهم له مثل صاحب وصحبة أنّ فاعل يستعمل للحال، والآتي، والماضي، وليس الحاذر كذلك، لأنّ الحاذر لما يأتي
__________
(1) في ط: تعالى.
(2) السبعة ص 472
(3) نسبه في اللسان إلى ابن وادع العوفي برواية (الطلب) بدلا من (اللبب) وفي (م): «اللبث» وانظر اللسان مادة: فره ونسب أبو عبيدة البيت إلى عديّ بن وداع العقوي من العقاة بن عمرو بن
مالك بن فهم من الأزد، وقال السجستاني في المعمّرين ص 48: وعاش عدي بن وداع بن العقى بن الحارث بن مالك بن قاسم بن غنم بن دوس بن عبد الله من الأزد، ثلاثمائة سنة فأدرك الإسلام وأسلم وغزا ..
(4) مجاز القرآن 2/ 88
(5) سقطت من م.
(6) في م حاذريه والصواب من ط.
(5/366)
________________________________________
بدلالة «1» أنّ الفعل حذر يحذر، وقد «2» قال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره [النور/ 63]، فإذا كان الفعل على هذا فاسم الفاعل حاذر «3»، وفاعل للمستقبل «4» كقولك: بعيرك صائد غدا.
[الشعراء: 176]
اختلفوا في قوله جلّ وعز «5»: أصحاب الأيكة [الشعراء/ 176] فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: (ليكة) هاهنا، وفي «صاد» [13]: بغير همز، والهاء مفتوحة بلا ألف.
وقرأ الباقون: أصحاب الأيكة بالهمز فيهما والألف «6».
قال أبو علي: قد قلنا في هذا الحرف فيما تقدّم من هذا الكتاب «7». ومن زعم أنّه يختار قراءة أهل المدينة، وأنّه اختار ذلك لموافقته الكتاب، وهي- زعموا- في هذه السورة، وسورة صاد بغير ألف فإنّ ما في المصحف من إسقاط ألف الوصل التي مع اللّام لا يدلّ على صحّة ما اختار من قولهم: (ليكة)، وذلك لأنّه يجوز أن يكون كتب في المصحف على تخفيف الهمزة، وقول من قال: لحمر، كما كتبوا الخبء على ذلك، فإذا جاز أن يكون إسقاط ألف الوصل لهذا، ثبت أن ما اختاره من (ليكة) لا يدلّ عليه خطّ المصحف، ولا يصحّ ذلك لأمر آخر، وهو أنّه يجوز أن تكون الكتابة في هذين الموضعين وقعت
__________
(1) في م: دلالة
(2) كذا في ط وسقطت من م
(3) في ط: على حذر
(4) في م: المستقبل.
(5) في ط: تعالى
(6) السبعة ص 473 وزاد: «وكسر الهاء».
(7) انظر ص 51 في سورة الحجر/ 78.
(5/367)
________________________________________
على الوصل، فكما أنّه لا ألف ثابتة في اللّفظ في قوله سبحانه «1»:
أصحاب الأيكة [فكذلك لم تكتب في خط] «2». ومثله في أنّه كتب مرة على اللّفظ، وأخرى على غيره كتابتهم: سندع الزبانية [العلق/ 18] بغير واو، لما لم تثبت في الخط «3»، وكتب في يدعو الإنسان بالشر [الإسراء/ 11] بالواو فإذا جاز هذا فيه، علمت أنّ الاختيار [مدخول ويدلّ على ضعف الاختيار] «4» أن سائر القرآن غير هذين الموضعين عليه. ويدلّ على فساد ذلك أيضا همز من همز فقال:
الأيكة، فإذا بينت «5» هذا، علمت أن (ليكة) على تخفيف الهمزة «6»، وأن فتح (ليكة) لا يصحّ في العربية، لأنّه فتح حرف الإعراب في موضع الجر مع لام المعرفة، فهو على قياس من قال:
مررت بالحمر، فاعلم.
[الشعراء: 193]
اختلفوا في قوله تعالى: نزل به الروح الأمين [الشعراء/ 193]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص: نزل به خفيف، الروح الأمين رفع. وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: (نزّل به) مشدّدة الزّاي، (الرّوح الأمين) نصبا «7».
__________
(1) سقطت من ط
(2) في م: [كذلك تثبت في الخط]! وهذا خلاف المراد
(3) في ط: في اللفظ.
(4) ما بين المعقوفتين ساقط من م.
(5) في ط: ثبت.
(6) في ط: الهمز.
(7) السبعة ص 473
(5/368)
________________________________________
قال أبو علي: حجّة من قال: (نزّل به الرّوح الأمين) قوله: فإنه نزله على قلبك بإذن الله [البقرة/ 97]، وقوله: (تنزل الملائكة بالروح) [النحل/ 2]، فتنزّل مطاوع نزّل، [فهو مثل مطاوع: نزّل الملائكة بالرّوح] «1» فدخلت التاء «2» للمطاوعة «3». فصار: (تنزّل الملائكة بالرّوح) والرّوح في التنزيل قد جاء يراد به القرآن، قال تعالى «4»:
وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا [الشورى/ 52] إلى قوله «5»: من عبادنا وقوله: قل نزله روح القدس من ربك ليثبت الذين آمنوا [النحل/ 102]. ومن أسند الفعل إلى الرّوح فقال: نزل به الروح فلأنّه ينزل بأمر الله جلّ وعزّ فمعناه معنى الثقيلة.
[الشعراء: 197]
وكلّهم قرأ: أولم يكن لهم آية [الشعراء/ 197] نصبا، غير ابن عامر فإنه قرأ: (تكن) بالتاء (آية) بالرفع «6».
قال أبو علي: وجه قول ابن عامر: (تكن لهم آية) أنّ (تكن) ليس للآية، ولكن تضمر في (تكن) القصّة أو الحديث، لأنّ ما يقع تفسيرا للقصّة والحديث من الجمل، إذا كان فيها اسم مؤنث، جاز تأنيث الضمير «7» على شريطة التفسير، كقوله سبحانه: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97]، وقوله: فإنها لا تعمى
__________
(1) ما بين المعقوفتين في (م): «وهو الملائكة بالروح» وما في (ط) أوجه.
(2) في ط: الياء. وهو تحريف.
(3) زادت (م) هنا بعد قوله للمطاوعة: «قبل المطاوع ونزل الملائكة».
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: قوله تعالى.
(6) في ط: رفعا. كما في السبعة ص 473
(7) في ط: المضمر.
(5/369)
________________________________________
الأبصار [الحج/ 46] فكذلك أن يعلمه علماء بني إسرائيل [الشعراء/ 197] لما كان فيه مؤنث، جاز أن يؤنّث (تكن) فآية مرتفعة بأنّها خبر الابتداء الذي هو (أن يعلمه) علماء بني إسرائيل لما كان فيه مؤنث جاز أن تؤنث (تكن) ولا يمتنع أن لا يضمر القصة ولكن يرتفع (أن يعلم) بقوله: (تكن) وإن كان في تكن «1» علامة تأنيث، لأنّ أن يعلمه في المعنى هو الآية، فيحمل الكلام على المعنى، كما حمل على المعنى في قوله سبحانه «2»: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160]، فأنّث لمّا كان المراد بالأمثال: الحسنات، وكذلك قراءة من قرأ: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا [الأنعام/ 23].
[الشعراء: 217]
قرأ نافع وابن عامر: فتوكل على العزيز الرحيم [الشعراء/ 217] بالفاء، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام.
وقرأ الباقون بالواو، وكذلك هي في سائر مصاحفهم «3».
قال أبو علي: الوجهان حسنان.
[الشعراء: 224]
وقرأ نافع وحده: والشعراء يتبعهم [الشعراء/ 224] ساكنة التاء، وقرأ الباقون: (يتّبعهم) مشدّدة التاء، مفتوحة مكسورة الباء «4».
[قال أبو علي] «5»: الوجهان حسنان تبعت القوم أتبعهم
__________
(1) في ط: في معنى.
(2) سقطت من ط.
(3) السبعة ص 473.
(4) السبعة ص 474
(5) سقطت من ط.
(5/370)
________________________________________
[واتّبعتهم اتّبعهم] «1»، وهو مثل: حفرته واحتفرته وشويته واشتويته، وقد تقدّم ذكر ذلك.
__________
(1) كذا في ط وسقطت من م.
(5/371)
________________________________________
[بسم الله] «1»
ذكر اختلافهم في سورة سليمان [صلى الله عليه] «2»
[النمل: 2]
اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله [جلّ وعزّ] «3»: بشهاب قبس [النمل/ 7].
فقرأ عاصم وحمزة والكسائي (بشهاب قبس) منونا غير مضاف.
وقرأ الباقون: (بشهاب قبس) مضاف «4» غير منون. «5».
أبو عبيدة: (بشهاب قبس): الشهاب: النار، والقبس ما اقتبست، وأنشد لأبي زبيد «6»:
في كفّه صعدة مثقّفة ... فيها سنان كشعلة القبس
«7»
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) السبعة 478.
(6) من قصيدة له يرثي بها ولده، ويذكر تعرضه للحرب وفي الأغاني 12/ 128 ورد كما يلي
تخال في كفه مثقفة ... تلمع فيها كشعلة القبس
(7) مجاز القرآن 2/ 92
(5/372)
________________________________________
غيره: كل أبيض ذي نور فهو شهاب، ولا أدري أقاله رواية أم «1» استدلالا ويجوز أن يكون القبس صفة، ويجوز أن يكون اسما غير صفة، فأمّا جواز كونه وصفا فلأنّهم يقولون: قبسته أقبسه قبسا، والقبس: الشيء المقبوس، وقالوا «2»: حلب يحلب حلبا، فيجوز في قولهم: حلبا، أن يكون مصدرا كقولهم: بدا له يبدو بدأ، «3» ويجوز أن يكون الحلب المحلوب، وفي التنزيل: شهاب ثاقب [الصافات/ 10]، فيجوز أن يكون الشهاب النار، لأنّ النار قد وصفت بالثقوب قال «4»:
أذاع به في النّاس حتى كأنّه ... بعلياء نار أوقدت بثقوب
فتقدير قوله: أوقدت بثقوب، أوقدت مثقبة، والجارّ والمجرور في موضع حال.
فأمّا قول الشاعر يروى للأفوه «5»:
كشهاب القذف يرميكم به ... فارس في كفّه للحرب نار
فإنّه يجوز أن يكون جعل المزراق الذي يرميه الفارس لتلألئه،
__________
(1) في ط: أو.
(2) في ط: وقال.
(3) في ط يبدوا له
(4) غير منسوب ذكره الأزهري في معجم تهذيب اللغة 3/ 148 واللسان مادة/ ذيع/ ومعنى أذاع به: أظهره ونادى به في الناس
(5) ديوان الأفوه الأودي/ 11 - الحماسة البصرية 1/ 49
(5/373)
________________________________________
وضيائه وبريقه نارا قال أوس «1»:
فانقضّ كالدّريء يتبعه ... لهب يثور تخاله طنبا
فاللهب هنا «2» كالشهاب في البيت الآخر، فإذا كان قوله: قبس صفة، فالأحسن أن يجري على الشّهاب كما جرى على الموصوف في قوله «3»:
كأنّه ضرم بالكفّ مقبوس فكان مقبوس صفة للضّرم، فكذلك يكون القبس في قوله: (بشهاب قبس)، [وإن كان مصدرا غير صفة حسنت فيه الإضافة بشهاب قبس] «4» ولا
يحسن ذلك في الصفة، ألا ترى أن الموصوف لا يضاف إلى صفته قال الشاعر:
في حيث خالطت الخزامى عرفجا ... يأتيك قابس أهله لم يقبس
«5»
__________
(1) في ديوانه (نقع) بدلا من (لهب) والدريء: الكوكب المنقض يدرأ على الشيطان. تخاله طنبا: تخاله فسطاطا مضروبا.
اللسان مادة/ درأ/ وديوانه/ 3.
(2) في ط: هاهنا.
(3) عجز بيت للمتلمس وصدره:
وقد ألاح سهيل بعد ما هجعوا والضرم: النار- والضرم أيضا: شدة العدو. اللسان مادة/ ضرم/
(4) ما بين المعقوفتين مثبت في ط، ساقط من م.
(5) العرفج: نبت واحدته عرفجة (اللسان عرفج) ولم نعثر للبيت على قائل
(5/374)
________________________________________
وقريب من هذا المعنى قول الطرمّاح «1»:
كظهر اللّأى لو تبتغي رية بها ... لعيّت نهارا في بطون الشّواجن
وقال «2»:
خلقت شكسا للأعادي مشكسا ... من شاء من شرّ الجحيم استقبسا
وقال أبو عثمان عن أبي زيد يقال: أقبسته العلم وقبسته النار، وقول الشاعر:
يأتيك قابس أهله يدلّ على ما حكاه أبو زيد من قبسته النار، واسم الفاعل للحال، [ولكنه نوى به] «3» الانفصال، وأحد المفعولين محذوف كأنّه أهل هذا المكان النار «4» فأمّا قوله «5»:
__________
(1) الرّية: بتخفيف الياء ما تثقب به بالنار، ورواية البيت عند الأزهري (وشقت) بدل (نهارا) ومعنى البيت: هذه الصحراء كظهر بقرة وحشية ليس فيها أكمة ولا وهدة. التهذيب للأزهري 15/ 306 واللسان (لأي وري). وفي (م):
«تبتغى رية» بالبناء للمفعول.
(2) ذكره اللسان في مادة/ شكس/ ولم ينسبه والمشكس: سيّئ الخلق
(3) في ط: والتقدير.
(4) في هامش (ط): في الأصل: كأنه أصل هذا المكان النار.
(5) صدر بيت للنابغة وعجزه:
أتاني ودوني راكس فالضواجع
وراكس: واد، الضواجع: ج ضاجعة وهي منحنى الوادي ومنعطفه، يقول: أتاني وعيده على غير ذنب أذنبته، فبت كالملدوغ خوفا منه، على أني ناء عنه، وبيني وبينهم راكس والضواجع. ديوانه/ 45.
(5/375)
________________________________________
وعيد أبي قابوس في غير كنهه وقوله «1»:
فملك أبي قابوس أضحى وقد نجز فليس قابوس فاعولا من القبس، كما أن جالوت وطالوت ليسا بفعلوت من الطّول والجول، ولو كان كذلك لانصرف، ألا ترى أنّ حاطوما «2» وجاروفا، ونحو ذلك ينصرف في المعرفة في امتناع ما ذكرنا من الصرف ما يعلم به أنّه أعجمي، فلمّا انضمّت العجمة إلى التعريف، لم ينصرف، وكذلك إبليس، ليس من أبلس، وإنّما هذه الأشياء اتفاق ألفاظ بين «3» اللغتين. وأما قوله «4»:
فإن يقدر عليك أبو قبيس فإنّما انصرف من حيث [حقّر تحقير الترخيم] «5» ولم ينصرف في
__________
(1) عجز بيت للنابغة وصدره:
وكنت ربيعا لليتامى وعصمة ديوانه/ 217
(2) في م «جالوتا» بدل «حاطوما»، وهذا لا ينسجم مع ما أراد من التمثيل على عدم الصرف
(3) في ط: في.
(4) صدر بيت للنابغة من قصيدة يهجو بها يزيد بن عمرو بن خويلد، وعجزه:
تحطّ بك المنيّة في رهان ويروى: المعيشة- وأبو قبيس: النعمان اشتقه من أبي قابوس اللسان مادة/ قبس/ ديوانه/ 149 (ت: شكري فيصل)
(5) في ط: رخم.
(5/376)
________________________________________
الشعر للضرورة من حيث انصرف نوح ولوط مكبّرين ومصغّرين «1»، يعني أنّه تحقير قبس، وقبس شيء ينصرف. وقال أبو الحسن:
(بشهاب قبس) الإضافة أكثر وأجوز في القراءة، كما تقول: دار آجرّ، وسوار ذهب، قال: ولو قلت: سوار ذهب، ودار آجر، كان عربيّا قال:
إلّا أنّ الأكثر في كلام العرب الإضافة. قال أبو علي: فأبو الحسن جعل القبس فيه غير وصف، ألا ترى أنّه جعله بمنزلة الآجرّ والذهب، وليس واحد منهما صفة.
[النمل: 10، 2]
هبيرة عن حفص عن عاصم هدى وبشرى [النمل/ 2] بكسر الراء، والمعروف عن حفص عن عاصم الفتح، وكسر أبو بكر راء رآها تهتز [النمل/ 10] والهمزة وفتحهما حفص عن عاصم، وفتح أبو عمرو الراء وكسر الهمزة في كل القرآن، والكسائي مثل عاصم في رواية أبي بكر يكسرها «2» وحمزة مثله، ابن عامر يفتح، وكذلك ابن كثير ونافع «3».
قال أبو علي: قد تقدم ذكر «4» وجه إمالة الفتحتين منهما «5» في غير موضع.
[النمل: 20]
اختلفوا في فتح الياء من قوله سبحانه «6»: (ما لي لا أرى الهدهد) [النمل/ 20] وما لي لا أعبد [يس/ 22]، وسكونهما.
__________
(1) في ط: أو مصغرين.
(2) سقطت من م وهي في ط وفي السبعة: يكسرهما.
(3) السبعة ص 478
(4) في ط: ذكر رأي.
(5) في ط: فيهما.
(6) في ط: تعالى.
(5/377)
________________________________________
فقرأ ابن كثير وعاصم والكسائي: ما لي لا أرى الهدهد وما لى لا أعبد الذي فطرني بفتح الياء فيهما، وقرأ نافع وأبو عمرو (ما لي لا أرى الهدهد) ساكنة الياء هاهنا، وقرأ وما لي لا أعبد بفتح الياء في يس «1»، وقرأ ابن عامر وحمزة الحرفين جميعا ساكنة ياؤهما «2».
قال أبو علي: كلا الوجهين من الإسكان والفتح حسن.
[النمل: 18]
عباس عن أبي عمرو على واد النمل [النمل/ 18] يميل الواو، والباقون: واد النمل مفخما «3».
قال أبو علي: الإمالة في (واد) حسنة من أجل الكسرة، والألف اللّازمة بعدها فهما يجلبان الإمالة، إذا كان كلّ واحد منهما منفردا، فإذا اجتمعا كان أجدر لهما. ومن لم يمل، فلأنّ ترك الإمالة شائع «4»، ولغة كثير من العرب. والوادي من ودى، إذا سال، واللام منه ياء، ولا يجوز أن يكون واوا، إلّا أنّه «5» اسم كالكاهل والغارب، وليس بوصف، وقالوا: أمنى يمني، وفي التنزيل: أفرأيتم ما تمنون [الواقعة/ 58]، وأمذى، وقالوا: كلّ فحل يمذي. وقالوا: ودى «6» الرجل، من الودي، ولم أعلم أودى في هذا المعنى، وأنشدنا محمد بن
__________
(1) كذا في ط وسقطت من م
(2) السبعة ص 479
(3) السبعة ص 478
(4) في ط: سائغ.
(5) في ط: لأنه.
(6) في (م): أودى. وليس بالوجه.
(5/378)
________________________________________
السري «1»:
كأنّ عرق أيره إذا ودى ... حبل عجوز ضفرت خمس قوى
وقالوا: في جمع واد أودية، وفي التنزيل: فسألت أودية بقدرها [الرعد/ 17] أي بقدر مياهها، فحذف المضاف، وقالوا: سال الوادي، وجرى النهر، إذا سال مياههما، ولم أعلم فاعلا جمع على أفعلة كهذا الحرف، ويشبه أن يكون لاشتراك فعيل وفاعل في كثير من المواضع، نحو عليم وعالم، وولي ووال، فكما جمع فعيل على أفعلة، شبه هذا الحرف بفاعل.
وممّا يقرّب ذلك قولهم: شريف وأشراف، ويتيم وأيتام، وأبيل «2» وآبال، كما قالوا: صاحب وأصحاب، وطائر وأطيار، فكأنّه لما اتفقا في البناء، ووقع كلّ واحد منهما موقع الآخر، اتفقا في الجمع، كما اتّفق فاعل وفعل الذي هو المصدر في الجمع. قال «3»:
فنوّاره ميل إلى الشمس زاهره
__________
(1) البيت للأغلب العجلي وقد سبق في 2/ 341
(2) الأبيل: رئيس النصارى وقيل: هو الراهب- والأبيل أيضا: العصا
(3) عجز بيت للحطيئة من قصيدة يهجو بها الزبرقان وصدره:
بمستأسد القريان حوّ تلاعه ويروى: حوّ نباته: أي: عاف نباته- يقال: استأسد النبت: إذا طال وأتمّ، والقريان: مجاري الماء الى الرياض، والحو: التي اشتدت خضرتها حتى طلعت، إلى السواد.
ومعناه: كلّ نور إذا طلعت عليه الشمس استقبلها ثم دار معها حيث تدور اللسان مادة/ ميل/ ديوانه/ 181
(5/379)
________________________________________
فالنّوار: جمع نور، وليس كحسّان وصرّاء، ألا ترى أنّه وصفه بالجمع في قوله: فنوّاره ميل، لمّا اتّفق فاعل وفعل في الصّفة نحو قوله تعالى «1»: أصبح ماؤكم غورا [الملك/ 30]، اتفقا في التكسير فجمع على فعّال، كما جمع فاعل عليه.
[النمل: 21]
قال: وقرأ ابن كثير وحده: (أو ليأتينني) [النمل/ 21] بنونين، وكذلك هي «2» في مصاحفهم، وقرأ الباقون على الإدغام، وكذلك في مصاحفهم «3».
قال بعض أصحاب أحمد بن موسى في «2» قوله: وقرأ الباقون على الإدغام، غلط في الترجمة، إنّما يريد أنّهم قرءوا «5» بنون واحدة مشدّدة، وحذفوا الثانية «6» التي قبل ياء المتكلم لاجتماع النونات وهو «7»: (ليأتينّني).
[النمل: 18]
قال عبيد عن أبي عمرو: (لا يحطمنكم) [النمل/ 18] ساكنة النون وهو غلط. قال: وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو لا يحطمنكم مشدّدة النون، وكذلك قرأ الباقون: لا يحطمنكم «3».
[قال أبو علي: قوله: وهو غلط] «9»، يريد أنه غلط من طريق
__________
(1) سقطت من ط.
(2) كذا في ط وسقطت من م
(3) السبعة ص 479
(5) في ط: قرءوه.
(6) في ط: الثالثة.
(7) سقطت من ط.
(9) ما بين المعقوفين ساقط من ط
(5/380)
________________________________________
الرواية، إلّا أنّه لا يتّجه في العربية، [ووجه النون الخفيفة والشّديدة هاهنا حسنان] «1»، ووجه الشديدة في لا يحطمنكم أن الفاعلين كثرة، فثقّلت العين للدّلالة على الكثرة.
[النمل: 22]
قال: قرأ عاصم وحده فمكث بفتح الكاف، وقرأ الباقون:
(فمكث) [النمل/ 22] بضم الكاف «2».
قال أبو علي «3»: وجه مكث أنّهم قالوا: مكث يمكث، كما قالوا:
قعد يقعد، ومكث كظرف.
[قال أبو علي] «4» وأظن سيبويه قد حكاهما، ومما يقوي:
مكث بالفتح قوله: قال إنكم ماكثون [الزخرف/ 77]، وفيه:
ماكثين فيه أبدا [الكهف/ 3]، فماكثين: يدلّ على مكث، ألا ترى أنّك لا تكاد تجد فاعلا من فعل، إنّما يكون مكان الفاعل فيه: فعيل نحو: ظريف وشريف وكريم.
فإن قلت: إنّ فاعلا من مكث في الآيتين، يراد بهما الآتي، فهو مثل: بعيرك صائد غدا، فهو قول. فإن قلت: إنّه حكاية الحال التي يصيرون إليها، فهو قول: ويؤكد ذلك قوله: إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون [يس/ 55]. ألا ترى أنّه جاء على أصله لمّا أريد حكاية الحال، ولم يجيء على حدّ: بعيرك صائد غدا. قال أبو حسن: مكث أكثرهما.
__________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ط.
(2) السبعة ص 480
(3) سقطت من ط.
(4) كذا في ط وسقطت من م
(5/381)
________________________________________
[النمل: 22]
اختلفوا في إجراء سبأ [النمل/ 22]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو (من سبأ) غير مجراة، هذه رواية البزي، وقرأت على قنبل عن النّبّال (من سبأ بنبإ يقين) ساكنة الهمزة، وكذلك [في قوله «1»]: (لسبأ في مساكنهم) [سبأ/ 15] وكذلك روى الحسن بن محمد بن عبد الله بن أبي يزيد عن شبل عن ابن كثير، وقال: هو وهم وأخبرني قنبل عن ابن أبي بزّة: (من سبأ) مفتوحة الهمزة مثل أبي عمرو، وهذا هو الصواب. وكذلك (لسبأ) وقرأ الباقون: من سبأ مجراه «2».
قال أبو علي: قال سيبويه: ثمود وسبأ، مرة للقبيلتين، ومرة للحيين، فكثرتهن سواء، يريد أن هذه الأسماء منها ما جاء على أنّه اسم للحيّ نحو: معدّ وقريش وثقيف، ومنه ما يغلب عليه أن يكون اسم قبيلة كقولهم: تغلب بنت وائل، وتميم بنت مرّ.
ومنه ما يستوي فيه الأمران جميعا، كثمود وسبأ، قال أبو الحسن في سبأ: إن شئت صرفته، فجعلته اسم أبيهم أو اسم الحي، وإن شئت لم تصرف، وجعلته اسم القبيلة، قال: والصرف أعجب إليّ، لأنّه قد عرفت أنّه اسم أبيهم، وإن كان اسم الأب يصير كالقبيلة إلّا أني أحمله على الأصل. انتهى كلام أبي الحسن. وقال غيره: هو اسم رجل، واليمانية «3» كلّها تنسب إليه، يقولون: سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان، وقال أبو إسحاق: من قال: إن سبأ اسم رجل فقد غلط «4»
__________
(1) زيادة من ط
(2) السبعة ص 480، وقوله: مجراة وغير مجراة يعني: مصروفة وغير مصروفة والصرف هنا التنوين.
(3) في (م): واليمامة بدل اليمانية. والمثبت من ط
(4) في ط: فغلط.
(5/382)
________________________________________
لأنّ سبأ مدينة بقرب مأرب من اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام كذلك قيل، انتهى كلامه.
[النمل: 25]
قال: كلّهم شدّد اللّام من قوله سبحانه: ألا يسجدوا [النمل/ 25] غير الكسائي فإنّه خفّفها، ولم يجعل فيها (أن) ووقف (ألايا) ثم ابتدأ (اسجدوا) «1».
قال أبو علي: من شدّد ألا يسجدوا فتقديرها: فصدّهم عن السّبيل لئلّا يسجدوا، ويجوز أن يعلق (أن) بزيّن، كأنّه زيّن لهم الشيطان أعمالهم «2»، لئلّا يسجدوا، واللّام في الوجهين داخلة على مفعول له، وهذا هو الوجه لتحري القصة على سننها، ولا يفصل بين بعضها وبعض بما ليس منها، وإن كان الفصل بهذا النحو غير ممتنع، لأنّه يجري مجرى الاعتراض، وما يسدّد القصّة، وكأنّه لما قيل: وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون [النمل/ 24]، فدلّ «3» هذا الكلام على أنّهم لا يسجدون لله تعالى، ولا يتدينون بدين، قال: «4» ألا يا قوم أو يا مسلمون اسجدوا لله الّذي [يخرج الخبء في] «5» السموات والأرض، خلافا عليهم، وحمدا لله، ومكان «6» ما هداهم لتوحيده، فلم يكونوا مثلهم في الطغيان والكفر. ووجه دخول حرف التنبيه على الأمر، أنّه موضع يحتاج فيه
__________
(1) السبعة ص 480
(2) سقطت من م.
(3) في (ط): «قد دل».
(4) في (م): لا يسجدون لله، ولا يدينون بدين كأنه قال ...
(5) في ط: الذي خلق.
(6) في ط «مكان» بدون واو العطف
(5/383)
________________________________________
إلى استعطاف المأمور لتأكيد ما يؤمر به عليه، كما أنّ النداء موضع يحتاج فيه إلى استعطاف المنادى له من إخبار أو أمر أو نهي، ونحو ذلك مما يخاطب به، وإذا كان كذلك فقد يجوز أن لا يريد منادى في نحو قوله: ألا يسجدوا [النمل/ 25] كما يريد المنادى في قوله «1».
يا لعنة الله والأقوام كلّهم ... والصّالحين على سمعان من جار
وكذلك ما حكي عن أبي عمرو من قوله: يا ويل له، ويؤكد ذلك قولهم: هلمّ، وبناؤهم ها التي للتنبيه مع لم، وجعلها مع الفعل كشيء واحد، وإجماع الناس على فتح آخر الكلمة في اللغتين، فكما لا يجوز أن يراد هاهنا مأمور لبناء الكلمة «2» على الفتح، وإن فكّ إحداهما من الأخرى، بل لا يسوغ إرادة «3» المنادى، لمكان بنائهما معا، وجعلهما بمنزلة شيء واحد، كذلك يجوز لك «4» أن لا تريد مأمورا في قوله:
(ألا يا سجدوا). ويجوز أن يراد بعد يا مأمورون، فحذفوا، كما حذفوا من قوله «1»:
يا لعنة الله والأقوام كلّهم فكما أن (يا) هنا لا تكون إلّا لغير اللّعنة، كذلك يجوز أن يكون
__________
(1) من شواهد سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها 1/ 320 وابن الشجري 1/ 325 و 2/ 154 والإنصاف/ 118 والمفصل 2/ 24 - 40 والمغني/ 373 والهمع 1/ 74، 2/ 70 والدرر 1/ 150، 2/ 86 وانظر شرح أبيات المغني 6/ 171
(2) في (م): الكلمتين.
(3) في (م): من الأخرى، لا يسوغ بإرادة المنادى.
(4) سقطت من ط
(5/384)
________________________________________
المأمورون مرادين فحذفوا من اللّفظ، وقد جاء هذا في مواضع من الشعر، فمن ذلك ما أنشده أبو زيد «1»:
وقالت ألا يا اسمع نعظك بخطّة ... فقلت سمعنا فانطقي وأصيبي
وممّا يؤكّد قول من قال: ألّا مثقلة، أنّها لو كانت مخفّفة ما كانت في يسجدوا ياء لأنّها اسجدوا، ففي ثبات الياء في يسجدوا في المصحف دلالة على التّشديد، وأنّ المعنى: أن لا يسجدوا، فانتصب الفعل بأن وثبتت ياء المضارعة في الفعل.
[النمل: 25]
اختلفوا في قوله جلّ وعز «2» ويعلم ما تخفون وما تعلنون في الياء والتاء [النمل/ 25].
فقرأ عاصم في رواية حفص والكسائي بالتاء فيهما «3».
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بالياء فيهما «4».
قال أبو علي: من قرأ بالياء، فلأنّ الكلام على الغيبة: فزيّن لهم الشّيطان ألا يسجدوا، وهو يعلم الغيب وما يخفون وما يعلنون. وقرأ الكسائي فيهما «5» بالتاء لأنّ الكلام قد دخله خطاب على قراءته:
اسجدوا لله الذي يعلم ما تسرّون وما تعلنون.
ومن قرأ: (أن لا يسجدوا)، فالكلام على الغيبة، ويجوز أن
__________
(1) نسبه في النوادر الى النمر بن تولب/ 22 وذكره الإنصاف/ 102 ولم ينسبه
(2) سقطت من ط.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) السبعة ص 481
(5) كذا في ط وسقطت من م.
(5/385)
________________________________________
يكون على الخطاب للمؤمنين والكافرين الذين جرى ذكرهم، على لفظ الغيبة، فأخبر الجميع بأنّه سبحانه يعلم ما يخفون وما يعلنون، ورواية أبي بكر عن عاصم [بالياء فيهما] «1» أشبه بقراءة ألا يسجدوا [بالياء فيهما] «2»، لأنّه غيبة مع غيبة.
[النمل: 28]
اختلفوا في وصل الهاء بياء في قوله جل وعز «3»: (فألقه إليهم) [النمل/ 28] وإسكانها.
فقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: (فألقهى إليهم) موصولة بياء في رواية الحلواني عن هشام بن عمار عن ابن عامر، وقال: ابن ذكوان بكسر الهاء، واختلف عن نافع فقال ابن جمّاز والمسيّبي والقاضي عن قالون: (فألقه إليهم) مكسورة الهاء من غير ياء.
وقال ورش: في الوصل ياء بعد الهاء، وكذلك قال إسماعيل بن جعفر وكذل قال «4» الحلواني عن قالون.
واختلف عن أبي عمرو، فروى عنه اليزيدي: فألقه ساكنة، وروى عنه عبد الوارث وشجاع، (فألقهي) موصولة بياء في الوصل.
وقال عباس: سألته فقرأ: فألقه جزما وقال: إن شئت: (فألقهي) [وكان اختياره فألقهي مشددة] «5»، وقرأ عاصم في الروايتين جميعا جزما وحمزة مثله «6».
__________
(1) كذا في ط وسقطت من م
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: تعالى.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) كذا في ط وسقطت من م. وفي السبعة: مشبعة، بدل مشددة
(6) السبعة ص 481
(5/386)
________________________________________
قال أبو علي: وصل الهاء بياء في (ألقه) ونحوه أقيس وأشبه، وترك وصله بالياء إنّما يجري في الشعر، كقوله «1»:
ما حجّ ربّه في الدّنيا ولا اعتمرا وكذلك رواية من روى عن أبي عمرو: (فألقهي إليهم) موصولة بياء، أقيس من رواية من روى: فألقه بسكون الهاء. وزعم أبو الحسن أن نحو: (ألقه) ونحو قوله «2»:
مشتاقان له أرقان لغة، ولم يحك ذلك سيبويه، وحمل قوله: «له أرقان» على الضرورة ولم يحك اللّغة التي حكاها أبو الحسن في موضع علمت.
[النمل: 36]
اختلفوا في قوله جلّ وعز «3»: (أتمدونني بمال) [النمل/ 36].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (أتمدّونني) بنونين وياء في الوصل. حدثنا ابن واصل قال: حدثنا ابن سعدان عن المسيبى عن
__________
(1) عجز بيت صدره:
أو معبر الظّهر ينبى عن وليّته وهو من شواهد سيبويه، وقد نسبه إلى رجل من باهلة، ولم يزد الأعلم في نسبته على ذلك- والشاعر يصف بعيرا لم يستعمله صاحبه في سفر لحجّ أو عمرة- ومعبر الظهر: ممتلئة باللحم مع كثرة وبره والوليّة: البرذعة، ومعنى: يبني عن وليّته: يجعلها تنبو عنه لسمنه.
انظر سيبويه 1/ 12 والإنصاف/ 516 والمقتضب 1/ 38
(2) سبق البيت في 1/ 124، 203، 205 و 5/ 328.
(3) في ط: تعالى.
(5/387)
________________________________________
نافع: (أتمدّوني) خفيفة النون وهي بنون واحدة وياء في الوصل والوقف «1».
وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائي: أتمدونن بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ حمزة: (أتمدّونّي بمال) بنون واحدة مشددة ووقف على الياء «2».
قال أبو علي [في: أتمدونني بمال] «3»: أبو زيد: أمددت الرجل بالمال والرجال «4» إمدادا.
قال [أبو علي] «5»: وفي التنزيل «6»: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/ 55]، وفي غير المال والبنين، مدّ على فعل، قال: ويمدهم في طغيانهم يعمهون [البقرة/ 15] ويمدونهم في الغي [الأعراف/ 202]، وقال: ونمد له من العذاب مدا [مريم/ 79] فأمّا قوله: (أتمدّونّي) هو: (أتمدّونني). فأدغم الأولى في الثانية، ومن لم يحذف الياء في الوصل، فلأنّه ليس بفاصلة ولا يشبه الفاصلة، لأنّه ليس بكلام تام، فالنون الأولى علامة الرفع، والثانية التي تصحب ضمير المتكلم المنصوب.
__________
(1) في السبعة ويحذف الياء في الوقف، وبعدها زيادة ما يأتي: وعن ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير: (أتمدّونني) بياء في الوصل والوقف.
(2) انظر السبعة ص 481 - 482.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) في ط: وبالرجال.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: موضع.
(5/388)
________________________________________
وقرأ «1» نافع: (أتمدّوني) خفيفة النون.
[قال أبو علي]: «2»: التشديد حسن «3»، ووجه التخفيف أنّه يحذف الثانية، ولا يحذف الأولى لأنّ حذف الأولى لحن، والثانية قد حذفت في مواضع من الكلام والشعر، نحو: قدي «4» وإني «5»، ومن بيّن فقال: (أيمدّونني) فجمع بين المثلين ولم يدغم، فلأنّ الثانية ليست بلازمة، ألا ترى أنّها «6» تجري في الكلام ولا يلزق بها الثانية «7» نحو: أتمدّون زيدا، وفي التنزيل:
ولو شاء الله ما اقتتلوا [البقرة/ 253].
[النمل: 36]
اختلفوا في قوله جلّ وعزّ «8»: فما آتاني الله [النمل/ 36] في فتح الياء، وإثباتها وجزمها.
فقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي:
(فما أتان الله) بكسر النون من غير ياء.
وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم في رواية حفص: فما آتاني الله
__________
(1) في ط: وقول.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: أحسن منه.
(4) يشير إلى رجز سبق في 3/ 334 وانظر زيادة على ما سبق في تخريجه «الإيضاح الشعري» للمصنف ص 177 وحاشيته التي استوفي فيها المحقق التعليق على البيت.
(5) انظر الكلام على الآية 80 من سورة الأنعام في 3/ 334.
(6) في ط: أنه.
(7) في ط: الثاني.
(8) في ط: تعالى.
(5/389)
________________________________________
بفتح الياء. وكلّهم فتح التاء غير الكسائي، فإنّه أمالها من: (آتاني).
[النمل: 39]
وأمال حمزة أنا آتيك به [النمل/ 39، 40]. أشمّ الهمزة شيئا من الكسر، ولم يملها غيره «1».
قال أبو علي: من قرأ: فما آتاني الله بسكون الياء لزمه إذا أدرج أن يحذفها لالتقاء الساكنين: الياء ولام المعرفة «2»، ومن فتحها على أصل ما يجب لهذه الياء من الفتحة [ثبتت له] «3» ولم يحذف، لأنّه لم يلتق ساكن مع ساكن فيلزم حذفها.
فأمّا إمالة الكسائي الألف من آتاني فحسن، لأنّ هذه الياء ثابتة في تصرف هذا الفعل، فبحسب لزومها تحسن الإمالة.
وأمّا إمالة حمزة أنا آتيك فإنّما هي من أجل لزوم الكسرة في:
(آتي) «4»، فإذا لزمت الكسرة جازت الإمالة، فأمال الفتحة التي على همزة المضارعة، لتميل الألف التي في آتى نحو الياء، وإمالة الكسائي فتحة التاء من (آتاني) «5» أحسن من إمالة حمزة، لأنّ (آتى) مثال ماض، والهمزة في (آتيك) همزة المضارعة، فإمالتها لا تحسن، ألا ترى أنّه لو كانت الياء التي للمضارعة في الفعل، لم تجز الإمالة، وإذا لم تجز الإمالة في حرف من حروف المضارعة، كان ما بقي من الحروف على «6» حكمه، ألا ترى أنّهم قالوا: يعد، فأتبعوا سائر
__________
(1) السبعة ص 482.
(2) في ط: التعريف.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) في (ط): آتاني.
(5) في ط: في آتي.
(6) في ط: في.
(5/390)
________________________________________
الحروف الياء، وكذلك أكرم ولم يميلوا الفتحة في (أيحسب) «1» كما أمالوها في قولهم في عمر «2»، ولأنّ الياء لو كانت من مكان التاء، لم تحسن إمالتها، فكذلك لا تحسن إمالة الهمزة من قوله: أنا آتيك به [النمل/ 39/ 40].
[النمل: 44]
قال: همز ابن كثير وحده: (وكشفت عن سأقيها) [النمل/ 44] في رواية أبي الإخريط، ولم يهمز غيره «3» (على سؤقه) [الفتح/ 29] و (بالسؤق) [ص/ 33].
قال أبو بكر: ولم يهمز يوم يكشف عن ساق [القلم/ 42] ولا وجه له «4». وقرأت على قنبل عن النبال بغير همز: حدثنا مضر بن محمد قال: حدثنا ابن أبي بزّه قال: كان وهب بن واضح «5» يهمز (عن سأقيها)، و (على سؤقه) و (بالسّوق) «6»، قال ابن أبي بزّة، أنا لا أهمز من هذا شيئا، وكذلك ابن فليح لا يهمز من هذا شيئا.
[وقرأ الباقون: ساقيها غير مهموز، ولم يهمز أحد: يوم يكشف عن ساق] «7».
قال أبو علي: أما الهمز في ساقيها «8»، (وساق)، فلا وجه
__________
(1) في (ط): يحسب.
(2) في (ط): في قولك في عمرو
(3) سقط من السبعة قوله: لم يهمز غيره واتصلت العبارة عنده.
(4) في (م) همز ساق لا وجه له، وما في (ط) موافق لما في السبعة.
(5) هو وهب بن واضح أبو الإخريط قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي انتهت إليه رئاسة الإقراء بمكة.
انظر طبقات القراء 2/ 361 وسبقت ترجمته.
(6) في (م): وبالسئوق.
(7) السبعة ص 483 وما بين معقوفين زيادة منه.
(8) سقطت من ط.
(5/391)
________________________________________
له، وأما (على سؤقه) و (بالسّوق) «1» فهمز ما كان من الواوات الساكنة إذا كان قبلها ضمة، قد جاء في كلامهم وإن لم يكن بالفاشي.
فأمّا رواية ذلك، فإنّ أبا عثمان زعم أنّ أبا الحسن خبّره «2» قال:
كان أبو حيّة النميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وينشد «3»:
لحب المؤقدين إليّ مؤسى ووجهه من القياس أنّه يقدّر الضّمّة، كأنّها على الواو، إذ لا حائل بينها وبين الواو، ونظير ذلك قولهم: امرأة مقلات، فيميلون الألف، كأنّه قدّر الكسرة، لمّا لم يكن بينها وبين القاف حاجز على القاف، فكما أنّه لو قال: قلات وقباب وضعاف، ونحو ذلك، لجازت الإمالة فيه، كذلك استجازوها في مقلات لما أعلمتك، وأن لا يؤخذ بذلك «4» في التلاوة أحسن.
وأمّا ما يروى عن ابن كثير من همز (سأقيها)، فوجه الشبه «5» فيه أن من قال: سؤق، في جمع ساق، فكان مثل: لابة ولوب، ودار ودور. وكان (سئوق) كحول وحؤول، وجاز الهمز في الجمع على القولين. فأما سؤق فعلى:
__________
(1) في م: بالسئوق.
(2) في ط: أخبره.
(3) صدر بيت لجرير عجزه:
وجعدة إذ أضاءهما الوقود وقد سبق في 1/ 239.
(4) في (م) ذلك.
(5) في ط: الشبهة.
(5/392)
________________________________________
لحبّ المؤقدين إليّ مؤسى و (سئوق) لتحركها بالضّمّ، وهذه الهمزة جرت مجرى ثائر، لأنّ بعضهم قال: أدؤر، ثم قلب، فقال: آدر، ولم يردّ الواو التي هي عين، ولكن جعلها كآخر وآدم، فلمّا استمر في الجمع «1» الهمز في هذين الوجهين، فقالوا: (أسؤق) أيضا «2»، فجاز همزها قال «3»:
لكلّ دهر قد لبست أثؤبا «4» استجاز ذلك أيضا في سأق، كما أنّ ادّكر ومدّكر لما استمر فيه بدل الذال، قالوا: الدّكر، وكذلك قولهم: اتقى وتقيّة، وكأنّه لما رأى الهمز في الجمع [في هذه المواضع] «5»، أجرى الواحد على قياس الجمع، وأكّد ذلك أن الهمزة في هذه المواضع من الجمع، جرت مجرى الهمزة من نفس الكلمة فيما ذكرت لك.
[النمل: 49]
اختلفوا في التاء والنون من قوله جلّ وعزّ «6»: لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه [النمل/ 49].
__________
(1) في ط: الجميع.
(2) سقطت «أيضا» من (م).
(3) في ط: كما جاء.
(4) من رجز لمعروف بن عبد الرحمن وبعده:
حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا أملح لا لذا ولا محبّبا وهو من شواهد سيبويه 2/ 185 والمنصف 1/ 384 و 3/ 47 واللسان مادة (ثوب).
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: تعالى.
(5/393)
________________________________________
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم بالنون جميعا، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء جميعا «1».
قال أبو علي: قوله: تقاسموا فعل لا يخلو من أن يراد به مثال الماضي، أو مثال الآتي الذي يراد به الأمر، ألا ترى أنّك تقول: تقاسموا أمس، إذا أردت الماضي، وتقاسموا غدا، إذا أردت به الأمر، فمن قال: تقاسموا بالله لنبيتنه فأراد الأمر وجعل لنبيتنه جوابا لتقاسموا، لأنّ هذه الألفاظ التي تكون من ألفاظ القسم تتلقى بما تتلقّى به «2» الأيمان كقوله سبحانه: «3» وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن [فاطر/ 42] وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى «4» [النحل/ 38]، فكذلك: تقاسموا بالله، فمن قال:
لنبيتنه تلقاه باللّام والنون الثقيلة، وأدخل المتكلمون أنفسهم مع المقسمين «5»، كما دخلوا في قوله تعالى: فقل تعالوا ندع أبناءنا [آل عمران/ 61]. ومن قال: (لتبيّتنّه) أراد ليقسم بعضكم لبعض «6» لتبيّتنّه، فتقاسموا على هذا: أمر، كما كان فيمن قال: لتبيّتنّه، أمرا.
ومن قال: (ليبيّتنّه) بالياء، فتقاسموا على هذا مثال ماض، ولا يجوز مع هذا إلّا بالياء، لأنّ مثال الماضي للغيبة، كما أن «7» (ليبيّتنّه) بالياء كذلك، ولا يجوز التاء ولا النون في قوله «8» لنبيتنه و (لتبيّتنّه) مع
__________
(1) السبعة 483.
(2) كذا في ط وسقطت من م.
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت من م.
(5) في (ط): المسلمين.
(6) في ط: كما كان.
(7) في م: أقسم بعضهم ببعض.
(8) كذا في ط وسقطت من م.
(5/394)
________________________________________
مثال الماضي. لأنّ الماضي للغيبة، و (لتبيّتنّه) للخطاب.
[النمل: 49]
قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: (مهلك أهله) [النمل/ 49] بفتح الميم واللام، وروى عنه حفص بفتح الميم وكسر اللام، وقرأ الباقون: (مهلك) بضمّ الميم وفتح اللام «1».
قال أبو علي: يقال: هلك يهلك، والمصدر منه مهلك، كما أنّ المصدر من ضرب يضرب مضربا، بفتح الراء، واسم المكان:
المهلك، بكسر اللّام، فقول عاصم في رواية أبي بكر: (مهلك) أي هلاك أهله، وقد حكي أنّه يقال: هلكني، بمعنى: أهلكني. وذلك لغة تميم، فيما زعموا، فيجوز «2» في المهلك على هذا أن يكون مصدرا مضافا إلى المفعول به، ويكون على قول من لم يجعل هلكه بمعنى «3» أهلكه، مصدرا «4» مضافا إلى الفاعل، كما تقول: هلاك أهله.
وأمّا رواية حفص عنه، فيحتمل ضربين: يجوز أن يكون:
مهلك اسم المكان، فيكون المعنى: ما شهدنا موضع هلاكهم ومكانه، فيكون المهلك: كالمجلس، في أنّه يراد به موضع الجلوس، ويجوز أن يريد بالمهلك، المصدر، لأنّه قد جاء المصدر من فعل يفعل، على مفعل، قال: إلي مرجعكم [العنكبوت/ 8]، وقال:
ويسألونك عن المحيض [البقرة/ 222]، والأوّل أكثر.
__________
(1) السبعة ص 483.
(2) في (م): فيكون.
(3) في ط: بمنزلة.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5/395)
________________________________________
فأمّا من قرأ: (مهلك) فيحتمل ضربين، يجوز أن يكون: إهلاك أهله: أي: لم يشهد إهلاك أهله، ويجوز أن يكون الموضع أي: لم يشهد موضع الإهلاك.
[النمل: 51]
اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله جلّ وعزّ «1»: (إنا دمرناهم وقومهم) [النمل/ 51].
فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: (أنّا) بفتح الألف، وقرأ الباقون: إنا بكسر الألف «2».
قال أبو علي: قال سبحانه «3»: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم [النمل/ 51]. من كسر (إنّا) جاز أن تكون (كان) المفتقرة إلى الخبر، وجاز (أن) تكون «4» التي بمعنى وقع، فإذا جعلته على وقع كان قوله «5»: (كيف) في موضع حال تقديره: على أي حال وقع عاقبة مكرهم. أي أحسنا وقع عاقبة مكرهم، أم سيّئا؟ ويكون في: كيف ضمير من ذي الحال، كما أنّك إذا قلت في الدار حدث الأمر، فجعلته في موضع الحال كان كذلك، وحكم «كيف» «6» أن يكون متعلقا بمحذوف، كما أنّك إذا قلت في الدار وقع زيد، تقديره: وقع زيد مستقرا في هذه الحال، فإن جعلته ظرفا للفعل تعلق بكان الذي بمعنى الحدوث.
__________
(1) في ط: تعالى.
(2) السبعة ص 483 - 484.
(3) سقطت من ط.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) كذا في م وسقطت من ط.
(6) في ط: على أن.
(5/396)
________________________________________
وقوله: (إنا دمرناهم) [النمل/ 51] فيمن كسر استئناف، وهو تفسير للعاقبة، كما أنّ قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم [المائدة/ 9] تفسير للوعد، فكذلك قوله: (إنّا دمّرناهم) تفسير.
ومن قرأ: أنا دمرناهم جاز أن يكون (كان) على ضربيها، فإذا حملتها على وقع كان (كيف) في موضع حال، وجاز في قوله: (إنّا دمّرناهم) أمران، أحدهما: أن يكون بدلا من قوله: عاقبة مكرهم، وجاز أن يكون محمولا على مبتدأ مضمر، كأنّه: هو أنا دمرناهم أو ذاك أنّا دمّرناهم، فإذا حملتها على المقتضية للخبر جاز في قوله: (إنّا دمّرناهم) أيضا أمران: أن «1» يكون بدلا من اسم (كان) الذي هو (العاقبة)، فإذا حملته على ذلك كان (كيف) في موضع خبر كان.
والآخر: أن يكون خبر (كان)، ويكون موضعه نصبا، بأنّه خبر كأنّه: كان عاقبة مكرهم تدميرهم، ويكون كيف في موضع حال، ويجوز أن يكون العامل في كيف أحد شيئين:
أحدهما: أن يكون (كان) لأنّه فعل كما كان العامل في الظرف في قوله سبحانه «2»: أكان للناس عجبا أن أوحينا [يونس/ 2] كان. ألا ترى أنّه لا يجوز أن يتصل قوله للناس بواحد من المصدرين، إلّا أن تجعله صفة لعجب، فتقدمه، فيصير في موضع حال، والعامل فيه على هذا أيضا كان. ويجوز أن يكون العامل فيه ما في الكلام من الدلالة على الفعل، لأنّ قوله: (إنّا دمّرناهم) بمنزلة تدميرنا، وتدميرنا يدلّ على دمرناهم فيصير العامل فيه هذا المعنى الذي دلّ عليه ما في
__________
(1) سقطت من م.
(2) سقطت من ط.
(5/397)
________________________________________
الكلام من معنى الفعل. وزعموا أن في حرف أبيّ: (أن دمرناهم وقومهم) [النمل/ 51] فهذا يقوي الفتح في أنا.
[النمل: 55]
ابن كثير: (أينكم لتأتون) [النمل/ 55] بهمزة واحدة غير ممدودة، وبعدها ياء ساكنة، وكذلك روى ورش عن نافع، وقد ذكرته في الأعراف وغيرها. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي:
أئنكم بهمزتين. وقرأ نافع وأبو عمرو [في غير قراءة ورش] (آينكم) بهمزة واحدة ممدودة «1».
قال أبو علي: أبو عمرو «2» يريد أإنكم ثم يلين الهمزة الأخيرة فتصير [بين بين] «3»، وقد ذكرنا ذلك «4» فيما تقدم.
[النمل: 57]
قال: وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (قدرناها) [النمل/ 57] خفيفة. وقرأ الباقون: قدرناها مشددة وكذلك روى حفص عن عاصم بالتشديد «5».
وقد ذكرنا فيما تقدّم أنّ قدرنا في معنى قدّرنا «6». ويدلّ على ذلك قوله «7»:
__________
(1) السبعة ص 484.
(2) كذا في ط وسقطت من م.
(3) في ط: بين الياء والهمزة.
(4) في ط: ما في هذا.
(5) السبعة ص 484.
(6) بل فيما سيأتي في سورة الواقعة/ 60.
(7) صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي، عجزه:
فخرت كما تتايع الرّيح بالقفل وهو من قصيدة في «شرح أشعار الهذليين» 1/ 93. قوله: المفرهة: التامّة التي تجيء بأولاد فواره. والعنس: الصلبة الشديدة، تتايع: تمضي وتتابع.
(5/398)
________________________________________
ومفرهة عنس قدرت لساقها [ومثله للأعشى:
يهماء طامسة رفعت لعرضها ... طرفي لأقدر بينها أميالها
«1» قالوا: معناه لأقدّر] «2».
[النمل: 62]
اختلفوا في الياء والتاء، من قوله جلّ وعزّ: قليلا ما تذكرون [النمل/ 62].
فقرأ أبو عمرو وحده: (قليلا ما يذكرون) [النمل/ 62] بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، وروى عبيد عن أبي عمرو بالتاء. وروى هشام بن عمار عن ابن عامر بالياء مثل أبي عمرو، وروى ابن ذكوان عن ابن عامر بالتاء، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان [عن ابن عامر] بالياء «3».
[قال أبو علي] «4»: (قليلا ما يذكرون) [النمل/ 62]، أي ما يذّكر هؤلاء المشركون الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى، أو إلها آخر، ووجه الخطاب والتاء، أنّ الخطاب مصروف إليهم دون المسلمين، كأنّه: قل لهم يا محمد: قليلا ما تذكرون [النمل/ 62].
[النمل: 66]
اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: بل أدارك علمهم [النمل/ 66]،
__________
قدرت: هيّأت، لرجلها، أي: ضربت رجلها بسيفي فخرّت لما عرقبتها، كما تطير الريح باليبيس من الشجر. والقفل: ما جف من ورق الشجر.
(1) انظر ديوانه/ 27 واليهماء: الصحراء ليس فيها علم يهتدي به السالك.
(2) ما بين المعقوفتين ورد في ط وسقط من م.
(3) السبعة ص 484 وما بين معقوفين زيادة منه.
(4) سقطت من ط.
(5/399)
________________________________________
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (بل أدرك) [خفيفة بغير ألف]، وقرأ الباقون: بل أدارك [بالألف ممدودة. روى] المفضل عن عاصم:
(بل أدرك) مثل أبي عمرو غير أحمد، وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم بل ادرك على افتعل «1».
قال أبو علي: يعلم قد «2» يصل بالجار كقوله: ألم يعلم بأن الله يرى [العلق/ 14] وقولهم: علمي بزيد يوم الجمعة، ويمكن أن يكون منه قول ابن مقبل «3»:
وعلمي بأسدام المياه ...
ومعنى أدرك: بلغ ولحق، تقول: فلان أدرك الجيش إذا لحق بهم «4» وقد تقول: هذا ما أدركه علمي أي: بلغه، فالمعنى: أنّهم لم يدركوا علم الآخرة، أي لم يعلموا حدوثها وكونها، ودلّ على ذلك قوله تعالى: بل هم في شك منها، بل هم منها عمون [النمل/ 66] أي:
بل هم من علمها، وإذا كان كذلك، كان معنى قوله سبحانه «5» في الآخرة معنى الباء، أي: لم يدركوا علمها، ولم ينظروا في حقيقتها، فيدركوها ولهذا قرأ من قرأ: (بل أدرك) كأنّه أراد لم يدركوه، كما تقول: أجئتني أمس أي: لم تجىء. والمعنى: لم يدرك علمهم
__________
(1) السبعة ص 485 وما بين معقوفين زيادة منه.
(2) في ط: فعل بدل قد.
(3) قطعة من بيت سبق بتمامه مع قرين له في 3/ 313. والأسدام: المياه المتغيرة لقلّة الوارد، واحدها: سدم، يريد: مياه الفلوات (طرة سيبويه 1/ 467).
(4) في ط: فلان أدرك الحسن إذا لحق أيّامه.
(5) سقطت من ط.
(5/400)
________________________________________
بحدوث الآخرة، بل هم في شكّ من حدوثها، بل هم عن علمها عمون.
والعمي عن علم الشيء أبعد منه من الشاكّ فيه، لأنّ الشّكّ قد يعرض عن ضرب من النظر، والعمي عن الشيء الذي لم يدرك منه شيئا.
أمّا من قال: ادارك فإنّه أراد: تدارك، فأدغم التاء في الدال لمقاربتها لها، وكونها من حيّزها، فلمّا سكنت التاء للإدغام اجتلبت لها همزة الوصل كما اجتلبت في نحو ادّان «1» وفي التنزيل: حتى إذا اداركوا فيها جميعا [الأعراف/ 38]، كأن معناه «2»: تلاحقوا قال «3»:
تداركتما الأحلاف قد ثلّ عرشها وما رواه الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: بل ادرك فمعناه افتعل من أدركت، وافتعل، وتفاعل: قد يجيئان بمعنى، يعنى بأحدهما ما يعنى بالآخر، ومن ثمّ صحّ قولهم: ازدوجوا، وإن كان حرف العلة على صورة يجب فيها الانقلاب، ولكنّه صحّ لما كان بمعنى تفاعلوا، وتفاعلوا يلزم تصحيح حرف العلة فيه لسكون الحرف الذي قبل حرف العلة، فصار تصحيح هذا كتصحيح: عور، وحول، لمّا كان في معنى تفاعل، وتفاعل قبل حرف العلة منه ساكن، وإذا كان كذلك
__________
(1) في ط: ادّارأ.
(2) في ط: معناها.
(3) صدر بيت لزهير وعجزه:
وذبيان قد زلّت بأقدامها النّعل ديوانه/ 109 وفي (ط): «تداركتم» بدل «تداركتما».
(5/401)
________________________________________
فادّرك وادّارك بمعنى، كما أن عور واعوار بمعنى، ولو قرئ: حتى إذا ادّاركوا فيها، وادّركوا لكان مثل ما في هذه الآية، وقول الشاعر:
ولولا دراك الشّدّ قاظت حليلتي «1» أي: لولا متابعتي للعدو والنجاء، لأسروني. فدراك مصدر لدارك، كما أنّ القتال مصدر لقاتل.
[النمل: 67]
قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (أيذا كنا ترابا وآباؤنا أينا) [النمل/ 67] بهمزة، غير أن ابن كثير لا يمدّ، وأبو عمرو يمدّ، وكان أبو عمرو يأتي بألف بعد الهمزة، ثمّ ياء، وكان ابن كثير لا يأتي بألف بعدها ياء، تقول: (أيذا، أينا، وقرأ عاصم وحمزة: أإذا بهمزتين، أإنا بهمزتين، وقرأ نافع: (إذا كنّا ترابا) مكسورة الألف، (آينا) ممدودة، وقرأ ابن عامر والكسائي: أإذا كنا ترابا بهمزتين، (إنّنا لمخرجون) بنونين وكسر الألف من غير استفهام.
[قال أبو علي] «2»: قد ذكرنا ألفاظ ذلك ومعانيه فيما تقدّم.
[النمل: 70]
قال: وقرأ ابن كثير: في (ضيق) بكسر الضاد. [النمل/ 70].
خلف عن المسيبي عن نافع مثله، وكذلك روى أبو عبيدة «3» عن إسماعيل عنه وهو غلط، وقرأ الباقون ضيق بفتح الضاد «4».
__________
(1) في (ط): «ادارك». والصواب ما أثبتناه من (م) وقاظت: أقامت زمن القيظ.
هذا ولم نعثر لصدر البيت على تتمة، ولم نقف له على قائل. وهو من الطويل.
(2) سقطت من ط.
(3) في السبعة: أبو عبيد.
(4) السبعة ص 485.
(5/402)
________________________________________
قال أبو علي: لا يكون الضيق مثل هين ولين، لأنّك إن حملته على ذلك، أقمت الصفة مقام الموصوف، فلا ينبغي أن تحمل على ذلك، ما أصبت عنه مندوحة، فيحمل ضيق وضيق على أنهما لغتان.
[النمل: 80]
قال: قرأ ابن كثير: (ولا يسمع الصم) [النمل/ 80] رفعا، وفي الروم [الآية/ 52] مثله، وقرأ الباقون: تسمع بالتاء، الصم نصبا في الموضعين.
عباس عن أبي عمرو: (ولا يسمع الصّمّ) مثل ابن كثير «1».
حجّة من قرأ: تسمع أنّه أشبه بما قبله، ألا ترى قوله سبحانه «2»: إنك لا تسمع الموتى [النمل/ 80] فأسند الفعل إلى المخاطبين، فكذلك يسند إليهم في قوله: ولا تسمع الصم ويؤكد ذلك قوله «3»: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا [الأنفال/ 23]، فيكون المعنى: إنّك لا تسمعهم كما لم يسمعهم الله.
والمعنى: أنّهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه من التوحيد والدين، كالميت الذي لا سبيل إلى إسماعه وإعلامه شيئا، وكالصّمّ الذين لا يسمعون ولا يسمعون. ومن قرأ: (لا يسمع الصّمّ) فالمعنى أنّهم لا ينقادون للحقّ لعنادهم، وفرط ذهابهم عنه، كما لا يسمع الأصم ما يقال له.
ومن قرأ «4»: لا تسمع فالمعنى: إنك إذا أسمعتهم لم يسمعوا، فالمعنى فيه يؤول إلى أن الصمّ لا تسمع.
__________
(1) السبعة ص 486.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: قوله تعالى.
(4) في ط: قال.
(5/403)
________________________________________
[النمل: 81]
قال: قرأ حمزة وحده: (تهدي) [النمل/ 81] بالتاء (العمي) نصبا، وفي الروم [53] مثله، وقرأ الباقون: بهادي العمي مضافا في السورتين. قال أبو بكر: وكتب: (تهدي العمي) «1» في هذه السورة بياء على الوقف، وكتب التي في الروم بغير ياء على الوصل، وقال خلف: كان الكسائي يقف عليهما جميعا بالياء.
حدثنا بذلك محمد بن يحيى الكسائي عن خلف، قال خلف:
سمعت الكسائي يقول: من قرأ: (تهدي العمي) بالتاء، وقف عليهما جميعا بالياء «2».
قال بعض أصحاب أحمد، يعني الكسائي: إن حمزة يقف:
(تهدي)، كما يصل بالياء.
[قال أبو علي] «3»: حجة حمزة قوله: أفأنت تهدي العمي [يونس/ 43] والمعنى على تقدير: إنّك لا تهديهم لشدة عنادهم، وفرط إعراضهم، وإذا كان كذلك كان المعنى: إنّك لا تهدي العمي.
فأمّا أنت من «4» قوله: (وما أنت تهدي العمي) فعلى قول أهل الحجاز، وهي لغة التنزيل يرتفع بما، وتهدي في موضع نصب بأنّه الخبر، وعلى قول بني «5» تميم: يرتفع بمضمر يفسره الظاهر الذي
__________
(1) في ط: بهادي العمي وكذلك هي في السبعة.
(2) السبعة ص 486.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: في.
(5) سقطت من ط.
(5/404)
________________________________________
هو: (تهدي) تقديره إذا أظهرت ذلك المضمر ما تهدي تهدي، لأنّك إذا أظهرت الفعل المضمر اتصل به الضمير، ولم ينفصل كما ينفصل إذا لم تظهر «1».
وكذلك لو أظهرت ما ارتفع عليه أنت: فانظر، اتصل الضمير فصار: انظر انظر.
ومن قرأ: بهادي العمي مضافا في السورتين، فاسم الفاعل للحال، أو للآتي وإذا كان كذلك. كانت الإضافة في نيّة الانفصال، فأمّا كتابة: بهادي العمي في هذه السورة بالياء، فإن في الوقف على هاد وواد، وواق، ونحوه لغتين:
إحداهما وهي الأكثر: أن يقف بغير ياء، فيقول: (بهاد) بالسكون «2»، وذلك أنّه كان في الوصل متحركا بالكسر، فإذا وقفت حذفت الحركة، كما تحذفها من سائر المتحركات في الوقف.
وقوم يقفون بالياء فيقولون: بهادي وواقي، وذلك أنّه كان حذف الياء من هادي لالتقائهما مع التنوين، وهما ساكنان، فلمّا وقف حذف التنوين في الوقف، فلمّا حذف التنوين عادت الياء التي كانت حذفت [لالتقائها ساكنة مع التنوين فيقول: هادي وواقي. ونحوه حكى سيبويه] «3» اللغتين، فعلى هذا حذف الياء في موضع وإثباتها في آخر، على أن تكون كتبت على اللغتين، أو يكون أريد (بهادي) الإضافة، فلم ينوّن، فإذا لم ينوّن لم يلزم أن يحذف الياء، كما يحذف
__________
(1) في (ط): لم يظهر، بالبناء للفاعل، والغائب.
(2) في ط: بسكون الدال.
(3) ما بين المعقوفين سقط من م.
(5/405)
________________________________________
إذا نوّن لسكونها، وسكون الياء «1»، أو يكون: أريد به تهدي تفعل، ولم يرد به اسم الفاعل، وإذا أريد: تفعل ثبتت الياء في الوصل والوقف، ولعل حمزة في قراءته (تهدي). اعتبر ذلك إن كان مكتوبا في الخط بغير ألف، وزعموا أن: (تهدي) قراءة الأعمش.
[النمل: 82]
اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله جل وعز: تكلمهم أن الناس [النمل/ 82] فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: أن الناس فتحا وقرأ الباقون: (إنّ النّاس) كسرا «2».
قال [أبو علي] «3»: وجه الفتح: تكلّمهم بأنّ النّاس. وفي قراءة أبيّ زعموا: (تنبّئهم) وروي عن قتادة: أنّه في بعض الحروف:
(تحدّثهم)، وهذا يدلّ على أنّ تكلمهم من الكلام الّذي هو نطق، وليس من الكلم الّذي هو الجراح «4».
ومن كسر فقال: (إنّ النّاس)، فالمعنى: تكلّمهم تقول لهم: إنّ الناس، وإضمار القول في الكلام كثير، وحسن هذا لأنّ الكلام قول، فكأنّ القول قد ظهر «5».
[النمل: 87]
قال: قرأ حمزة وحفص عن عاصم: وكل أتوه [النمل/ 87] مفتوحة التاء، وقرأ الباقون: (وكلّ آتوه) ممدودة مضمومة التاء، [أبو بكر عن عاصم مثله] «6».
__________
(1) في ط: التنوين.
(2) السبعة ص 486 - 487.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: الجراحة.
(5) في ط: أظهر.
(6) في ط: وكذلك أبو بكر عن عاصم مثل ما قرأ الباقون. وفي السبعة ص
(5/406)
________________________________________
[قال أبو علي] «1»: من قرأ: أتوه كان: فعلوا من الإتيان، وحجّته قوله «2» حتى إذا جاءنا قال يا ليت [الزخرف/ 38]، فكذلك:
(أتوه) «3» فعلوا من الإتيان، وحمل على معنى كلّ، دون لفظه، ولو حمل على لفظ كل «4» لكان حسنا، كما قال سبحانه «5»: إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا [مريم/ 93].
ومن قرأ: (وكلّ آتوه) فحجّته قوله: وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [مريم/ 95] فكما أنّ (آتيه) فاعله «6» حمل على لفظ (كلّ) كذلك آتوه: فاعلوه، فآتوه: محمول على معنى كلّ، وقوله: (آتيه):
(وإن كلّ إلّا آت الرحمن عبدا) محمول ذلك كلّه على لفظ كلّ دون معناه.
[النمل: 88]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعز: إنه خبير بما تفعلون [النمل/ 88].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (إنّه خبير بما يفعلون) بالياء.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: بالتاء.
وروى أبو عبيد عن أهل المدينة بالياء وهو غلط.
__________
487: ممدودة التاء على معنى جاءوه، وفي رواية أبي بكر عن عاصم كذلك مثل الباقين.
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) في (م): (آتوه)، والوجه ما في (ط) والآية التي قبلها: (وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) [الزخرف/ 37].
(4) في ط: على اللفظ لفظ كل.
(5) سقطت من ط.
(6) في م: فاعليه.
(5/407)
________________________________________
وحدثني عبيد الله بن علي [الهاشمي] «1» عن نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم بالياء «2».
قال أبو علي «3»: حجة «4» من قال: (يفعلون) بالياء: أنّ ذكر الغيبة قد تقدّم في قوله: (وكل آتوه داخرين) [النمل/ 87].
وحجّة التاء أنّه خطاب للكافّة «5»، وقد يدخل الغيب في الخطاب، ولا يدخل الخطاب في الغيبة.
[النمل: 89]
قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (وهم من فزع يومئذ) [النمل/ 89] مضافا، واختلف عن نافع في الميم، فروى ابن جمّاز وقالون وأبو بكر بن أبي أويس، والمسيبي، وورش عنه: (من فزع يومئذ) غير منون بفتح «6» الميم.
وروى عنه إسماعيل بن جعفر: (من فزع يومئذ) بكسر الميم.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: من فزع يومئذ بفتح الميم والتنوين، لا يجوز مع التنوين إلا فتح الميم، فإذا لم تنوّن فزعا جاز فيه الفتح والكسر «7».
__________
(1) زيادة من السبعة.
(2) السبعة ص 487.
(3) سقطت من ط
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) في (م): للكافر، وهو تحريف.
(6) في ط: ويفتح.
(7) السبعة ص 487
(5/408)
________________________________________
[قال أبو علي] «1»: يجوز فيمن نوّن قوله سبحانه «2»: من فزع في انتصاب يوم ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يكون منتصبا بالمصدر، كأنّه: وهم من «3» أن يفزعوا يومئذ.
والآخر: أن يكون صفة لفزع «4» لأن أسماء الأحداث توصف بأسماء الزمان، كما يخبر عنها بها، وفيه ذكر للموصوف وتقديره في هذا الوجه أن يتعلق بمحذوف: كأنّه من فزع يحدث يومئذ.
والثالث: أن يتعلق باسم الفاعل كأنّه: آمنون يومئذ من فزع.
ويجوز إذا نون فزعا أن يعني به: فزعا واحدا، ويجوز أن يعني به كثرة، لأنّه مصدر، والمصادر تدلّ على الكثرة، وإن كانت مفردة الألفاظ كقوله سبحانه «5»: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير [لقمان/ 19]، وكذلك إذا أضيف، فقيل «6»: (من فزع يومئذ)، أو يومئذ أن «7» يعنى به مفرد، ويجوز أن «8» يعنى به كثرة.
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) زيادة من ط.
(4) في م: ليوم، بدل: لفزع، والمعنى المشروح ينطبق على الفزع لأنّه هو المعبّر عنه بالحدث لا اليوم.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: أضاف فقال.
(7) في ط: يجوز أن.
(8) في ط: أن يكون.
(5/409)
________________________________________
فأمّا القول في إعراب يوم، وبنائه إذا أضيف إلى (إذ) فقد ذكر فيما تقدّم.
[النمل: 93]
قال: قرأ نافع وعاصم في رواية حفص وابن عامر: وما ربك بغافل عما تعملون بالتاء [النمل/ 93].
وفي كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن ذكوان: (وما ربّك بغافل عمّا يعملون) بالياء، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان، عن ابن عامر تعملون بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء «1».
[قال أبو علي] «2» حجّة الياء أنّه وعيد للمشركين، وحجّة التاء أنّه على: قل لهم: وما ربك بغافل عما تعملون.
__________
(1) السبعة ص 488 وهناك اختلاف يسير في ترتيب الرواة لا يغير في المؤدى
(2) سقطت من ط.
(5/410)
________________________________________
[بسم الله] «1»:
ذكر اختلافهم في سورة القصص
قال سبحانه «2»: طسم وقد ذكرت «3».
[القصص: 6]
اختلفوا في النون والياء من قوله جلّ وعز «4»: ونري فرعون وهامان وجنودهما [القصص/ 6] ورفع الأسماء ونصبها. فقرأ حمزة والكسائي: (ويرى فرعون) بالياء ورفع الأسماء بعده.
وقرأ الباقون بالنون: ونري ونصب الأسماء بعده «5».
[قال أبو علي] «6»: حجّة نري أنّ ما قبله للمتكلم، فينبغي أن يكون ما بعده أيضا كذلك، ليكون الكلام على «7» وجه واحد، لأنّ فرعون يرى ذلك.
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) السبعة ص 492 وانظر أول سورة الشعراء.
(4) في ط: تعالى.
(5) السبعة ص 492.
(6) سقطت من ط.
(7) في ط: من.
(5/411)
________________________________________
وحجّة (يرى) أنّ فرعون وحزبه يرون ذلك، ويعلم أنّهم يرونه إذا أروه. وهي فيما زعموا قراءة الأعمش.
[القصص: 8]
اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: وحزنا [القصص/ 8] في فتح الحاء وضمها.
فقرأ حمزة والكسائي: (وحزنا) بضم الحاء، وقرأ الباقون وحزنا بفتحتين «1».
[قال أبو علي] «2»: الحزن والحزن: لغتان مثل: العجم والعجم، والعرب والعرب، وهما مطّردان «3» في هذا النحو.
[القصص: 23]
اختلفوا في قوله جلّ وعزّ «4»: (حتى يصدر الرعاء) [القصص/ 23] في فتح الياء وضمّها.
فقرأ أبو عمرو وابن عامر: (حتّى يصدر) بنصب الياء ورفع الدال من صدرت. وقرأ الباقون: حتى يصدر برفع الياء وكسر الدال من أصدرت «5».
[قال أبو علي] «6»: (حتّى يصدر الرّعاء): حتّى يرجعوا من سقيهم، وفي التنزيل: يومئذ يصدر الناس أشتاتا [الزلزلة/ 6]، فمن قرأ «7»: (حتّى يصدر الرّعاء) أراد: حتّى يصدروا مواشيهم من
__________
(1) السبعة ص 492.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: يطردان.
(4) في ط: تعالى.
(5) السبعة ص 492.
(6) سقطت من ط.
(7) في ط: قال.
(5/412)
________________________________________
وردهم، فحذف المفعول، وحذف المفعول كثير في التنزيل وفي سائر الكلام، قال سبحانه «1»: لينذر بأسا شديدا [الكهف/ 2]، فحذف أحد المفعولين اللّذين ثبتا في قوله سبحانه «2»، فقل أنذرتكم صاعقة [فصلت/ 13] والمفعول المحذوف إنّما هو لتنذر الناس، أو المبعوث إليهم، وقال الشاعر:
لا يعدلنّ أتاويّون تضربهم ... نكباء صرّ
«3» بأصحاب المحلّات [أي أحدا] «4».
[القصص: 29]
اختلفوا في ضمّ الجيم وكسرها وفتحها «5» من قوله تعالى: (جذوة) [القصص/ 29].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: (أو جذوة) بكسر الجيم.
وقرأ عاصم وحده: جذوة بفتح الجيم، وقرأ حمزة بضمّ الجيم «6».
[قال أبو علي] «7»: هذه لغات في الكلمة، قال أبو عبيدة:
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) سبق في 1/ 37، ويرفع: صرّ، وجاء في م: صرّ بتنوين الجرّ، وهو سهو، فصرّ صفة للنكباء، وحقها الرفع.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) سقطت كلمة: «فتحها» من (م) وهي في (ط) والسبعة.
(6) السبعة ص 493.
(7) سقطت من (ط).
(5/413)
________________________________________
الجذوة مثل الجذمة وهي: القطعة الغليظة من الخشب ليس فيها لهب، قال ابن مقبل:
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها ... جزل الجذا غير خوّار ولا دعر
«1» وذكر أبو عبيدة المكسورة منها.
[القصص: 32]
اختلفوا في فتح الرّاء وضمّها من قوله عزّ وجلّ: الرهب [القصص/ 32].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (من الرّهب) بفتح الراء والهاء.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وابن عامر:
(الرّهب) مضمومة الراء ساكنة الهاء، وروى هبيرة عن حفص عن عاصم: (الرّهب) بفتح الراء والهاء، وهو غلط، وروى عمرو بن الصباح عن حفص عن عاصم: من الرهب مفتوحة الراء ساكنة الهاء وهو الصواب «2».
أبو عبيدة، جناحا الرجل يداه، والرّهب: الرّهبة، وهو الخوف «3».
__________
(1) الحواطب: النساء اللواتي يجمعن الحطب- والجزل: الحطب الغليظ القوي- والجذا: أصول الشجر العظام التي بلي أعلاها وبقي أسفلها واحدتها جذاة- والخوار: الحطب الضعيف السريع الاستيقاد- والدعر: الحطب البالي النخر- الكامل 2/ 153 المخصص 11/ 23 اللسان/ دعر- جذا/ ديوانه/ 91.
ومجاز القرآن 2/ 102 - 103.
(2) السبعة ص 493.
(3) انظر مجاز القرآن 2/ 104.
(5/414)
________________________________________
قال: (واضمم إليك جناحك من الرهب) [القصص/ 32] لمّا جاء فخرج منها خائفا يترقب [القصص/ 21]، ولا تخف نجوت من القوم الظالمين [القصص/ 25] وقال: إني أخاف أن يكذبون [الشعراء/ 12]، وقال: لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى [طه/ 46]. وقال: إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى طه/ 45]، وقال: فأوجس في نفسه خيفة موسى [طه/ 67] وقال: لا تخاف دركا ولا تخشى [طه/ 77]، فأضاف عليه السلام الخوف في هذه المواضع إلى نفسه، أو نزل منزلة من أضافه إلى نفسه، قيل له:
اضمم إليك جناحك من الرهب [القصص/ 32] فأمر بالعزم على ما أريد له ممّا أمر به وحضّ على الجدّ فيه، لئلّا يمنعه من ذلك الخوف والرهبة الذي قد تغشّاه «1» في بعض الأحوال، وأن لا يستشعر ذلك، فيكون مانعا له مما أمر بالمضاء فيه، وقال تعالى «2»: سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا [القصص/ 35]، فكما أنّ الشد هاهنا ليس بخلاف الحلّ، كذلك الضم في قوله: واضمم إليك جناحك ليس يراد به الضّمّ المزيل للفرجة، والخصاصة «3» بين الشيئين، وكذلك قول الشاعر «4»:
__________
(1) في (ط): يغشاه.
(2) سقطت من ط.
(3) في (م) الحصامة وهي تحريف، وما أثبتناه من (ط) وهو الصواب، والخصاصة كما في اللسان/ خصص/: وخصاص المنخل والباب والبرقع وغيره: خلله، واحدته خصاصة.
(4) ينسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. والحيزوم: الصدر- وقيل:
وسطه، انظر اللسان مادة/ حزم/ والبيت مع آخر في الكامل للمبرد ص 1121
(5/415)
________________________________________
أشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيك
ليس يريد به الشدّ الذي هو الرّبط والضّمّ، وإنّما يريد: تأهّب له، واستعدد «1» للّقاء به، حتّى لا تهاب لقاءه، ولا تجزع من وقوعه.
فتكون بحسن «2» الاستعداد له، كمن قيل «3» فيه: حبيب جاء على فاقة، كما يروى أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال للحسن: إنّ أباك لا يبالي أوقع على الموت، أو وقع الموت عليه وقالوا: في رأى فلان فسخ وفكّة «4»، فهذا خلاف الشّدّ والضّمّ.
ووصفوا الرأي والهمّة بالاجتماع، وألّا يكون منتشرا في نحو قوله «5»:
__________
لسيدنا علي رضي الله عنه، قال المبرد: والشعر إنّما يصح بأن تحذف «اشدد» ... ولكن الفصحاء من العرب يزيدون ما عليه المعنى، ولا يعتدون به في الوزن. اه- منه.
(1) في (ط) واستعدّ، وكلاهما صحيح.
(2) في (م): فيكون بحسب.
(3) في ط: قال وقوله: حبيب جاء على فاقة: مثل يضرب للأمر يغشاك، وبك إليه حاجة. انظر جمهرة الأمثال 1/ 365.
(4) في (م): فله، والصواب ما أثبتناه من (ط).
والفسخ: ضعف العقل والبدن. (اللسان فسخ) وفي الأساس (فكك): رجل فكاك بالكلام لا يلائم بين كلماته ومعانيه لحمقه، وفيه فكّة. وفي اللسان (فكك): في فلان فكّة، أي: استرخاء في رأيه.
(5) البيت لذي الرمة- ورواية الديوان ... تخطيت دونها بأصمع ... وفي الديوان:
وقوله حمى: يعني الحاجات لا تقرب، هي حمى- ويقال: همّ أصمع، وعزيمة صمعاء: أي: منجردة لا رجوع عنها. والمتالف: المهالك.
ديوانه 3/ 1632.
(5/416)
________________________________________
حمى ذات أهوال تخطّيت حوله ... بأصمع
«1» من همّي حياض المتالف وقد جاء ذكر اليدين في مواضع يراد بها: جملة ذي اليد. من ذلك قولهم: لبّيك وخير بين يديك، ومن ذلك قوله سبحانه «2»: ذلك بما قدمت يداك [الحج/ 10]، وقالوا: يداك أوكتا وفوك نفخ «3». فهذا يقال عند تفريع الجملة، قال «4»:
فزاريا أحذّ يد القميص فنسب الخيانة إلى اليد، وهي للجملة، وعلى هذا نسب الآخر الإغلال إلى الإصبع فجعلها بمنزلة اليد فقال:
... ولم يكن ... للغدر خائنة مغلّ الإصبع
«5»
__________
(1) في (م) بأجمع والرواية ما أثبته من (ط) والديوان.
(2) سقطت من (ط).
(3) من أمثال العرب يضرب لمن يجني على نفسه الحين.
انظر مجمع الأمثال 2/ 414 للميداني.
(4) عجز بيت للفرزدق وصدره:
أأطعمت العراق ورافديه أراد: أنه قصير اليدين عن نيل المعالي، كالبعير الأحذّ، وهو الذي لا شعر لذنبه. قال المبرد: العراقان: البصرة والكوفة، والرافدان: دجلة والفرات.
انظر: الحيوان 5/ 197، 6/ 150 الكامل 3/ 83. وديوان الفرزدق 2/ 487.
(5) تمام البيت:
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن ... للغدر خائنة مغلّ الإصبع
وهو رابع أبيات في الكامل 1/ 463 (ط. مؤسسة الرسالة).
وفي الجمهرة 1/ 286 أنه لسلمى الجهنية- وفي الكامل ورغبة الآمل 4/ 36
(5/417)
________________________________________
وقال أبو عبيدة: جناحا الرجل: يداه «1»، وقد ذكر أن غيره قال في قوله: واضمم إليك جناحك [القصص/ 32]: إنّه العضد.
وقول أبي عبيدة: أبين عندنا، ويدلّ على قول من قال: إنّه العضد، [أن العضد] «2» قد قام مقام الجملة في قوله تعالى «3»: سنشد عضدك بأخيك [القصص/ 35]، واليد في هذا المعنى أكثر وأوسع، وقد جاء الاسم المفرد يراد به التثنية، وأنشد أبو الحسن «4»:
يداك يد إحداهما الجود كلّه ... وراحتك الأخرى طعان تغايره
«5» المعنى: يداك يدان، بدلالة قوله: إحداهما، ولأنّك إن جعلت يدا مفردا [بقيت لا يتعلق بها شيء] «6».
ومن وقوع التثنية بلفظ الإفراد ما أنشده أبو الحسن «7»:
__________
أن قائله رجل كلابي يخاطب رجلا من اليمامة يقال له قرين كان قتل أخاه وكان الكلابي نزل في جوار أخي قرين وقبله:
أقرين إنّك لو رأيت فوارسي ... بعمايتين إلى جوانب ضلفع
وفلان مغلّ الإصبع: إذا كان خائنا. وإصبع: اسم جبل.
انظر تهذيب اللغة للأزهري 2/ 52.
(1) مجاز القرآن 2/ 104.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) البيت للفرزدق ورواية الديوان له:
يداك يد إحداهما النّيل والنّدى ... وراحتها الأخرى طعان تعاوره
انظر ديوانه 1/ 342.
(5) في ط: تقامره.
(6) في ط: بقي لا يتعلق به شيء.
(7) البيت لامرئ القيس:
(5/418)
________________________________________
وعين لها حدرة بدرة ... شقّت مآقيهما من أخر
فيجوز على على هذا القياس في قوله: واضمم إليك جناحك أن يراد بالإفراد التثنية، كما أريد بالتثنية الإفراد في قوله «1»:
فإن تزجراني يا بن عفّان أنزجر ...
ومن الناس من يحمل قوله [جلّ وعزّ]: «2» ألقيا في جهنم كل كفار عنيد [ق/ 24] عليه.
[القصص: 32]
اختلفوا في تشديد النون وتخفيفها من قوله جلّ وعزّ: فذانك [القصص/ 32].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو (فذانّك) مشدّدة النون.
عليّ بن نصر عن أبي عمرو: يخفف ويثقّل، وروى نصر بن علي عن أبيه عن شبل عن ابن كثير: (فذانيك) خفيفة النون بياء.
وقرأ الباقون: فذانك خفيفة «3».
__________
و «حدرة بدرة» يعني: مكتنزة صلبة ضخمة، بدرة: أي: تبدر بالنظر، وشقّت مآقيهما: أي تفتحت فكأنها انشقت، وقوله: من أخر: أي: من مآخير العين ديوانه/ 166 وانظر المنصف 1/ 68، وابن الشجري 1/ 122، و 123 و 251.
(1) صدر بيت لسويد بن كراع عجزه:
وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا
وهو من شواهد البغدادي في شرح أبيات المغنى 6/ 163، وفي شرح القصائد السبع ص 16 مع بيت آخر، وانظر السمط 943، وشرح شواهد الشافية ص 483، والشطر الشاهد في المخصص ج 1 الشطر الثاني ص 5.
(2) سقطت من ط.
(3) ف ط: خفيفا. وفي السبعة ص 493 كما هو مثبت.
(5/419)
________________________________________
[قال أبو علي] «1»: وجه ما روى من قوله تعالى «2»: (فذانيك) أنّه أبدل من النون الثانية الياء كراهية التضعيف، وحكى أحمد بن يحيى: لا وربيك ما أفعل، يريد: لا وربّك، وأنشد أبو زيد «3»:
فآليت لا أشريه حتى يملّني ... بشيء ولا أملاه حتّى يفارقا
يريد: لا أملّه، فأبدل من التضعيف الألف، كما أبدل منه الأوّل الياء، وقيل في قوله تعالى «4»: ثم ذهب إلى أهله يتمطى [القيامة/ 33]، أي يتمطط من المطيطياء ويجوز أن يكون: يتمطّى يتكفّى في مشيته، فيجري «5» فيها مطاه، وهو الظهر، فيكون يتفعّل:
من المطا ولا يكون على القلب، ووجه التثقيل، قد مرّ فيما تقدّم.
[القصص: 34]
قرأ نافع وحده: (ردا) [القصص/ 34] غير مهموز منون، وهمزه كلّهم غير نافع فإنّه لم يهمزه، وفتح الدال وأسكنها الباقون «6».
أبو عبيدة: الردء: المعين، يقال: أردأته بشيء على عدوّه، وعلى ضيعته أي: أعنته «7».
[قال أبو علي] «8»: أمّا قول نافع: فإنّه خفّف الهمزة، وكذلك
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) سبق انظر 1/ 208.
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: فيحرك.
(6) السبعة ص 494 وهناك اختلاف يسير.
(7) مجاز القرآن 2/ 104.
(8) سقطت من ط.
(5/420)
________________________________________
حكم الهمزة إذا خفّفت وكان قبلها ساكن أن تحذف، وتلقى حركتها على الساكن الذي قبلها، وهكذا قرأ أهل التخفيف «1»: (الذي يخرج الخب في السموات والأرض) [النمل/ 25]، فمن آثر منهم التخفيف قال كما قال نافع، وقد جاء في بعض القوافي في الردء: الرّدّ، ذلك على أنّه خفّف الهمزة، وألقى حركتها على ساكن «2» قبلها، ثم وقف بعد التخفيف على الحرف فثقّل كما يثقّل هذا فرجّ، وهذا خالد، فيضعف الحرف للوقف، ثم يطلق كما أطلق نحو «3»:
سبسبّا «4» ... والقصبّا «5».
وحكى أبو الحسن: (ردّا) وحمله على أنّه فعل من (رددت) أي يردّ عنّي.
[القصص: 34]
اختلفوا في ضمّ القاف وإسكانها من قوله جلّ وعزّ: يصدقني [القصص/ 34] فقرأ عاصم وحمزة يصدقني بضم القاف. وقرأ الباقون (يصدّقني)، ساكنة القاف «6».
قال أبو علي: وجه الرفع في يصدقني أنّه صفة للنّكرة، وتقديره: ردءا مصدقا، وسأل ربّه إرساله بهذا الوصف، ومن جزم كان على معنى الجزاء، إن أرسلته صدّقني، وهو جيّد في المعنى، لأنّه إذا أرسله معه صدّقه.
__________
(1) انظر فهارس سيبويه للأستاذ النفاخ ص 36.
(2) في ط: الساكن.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) من قول رؤبة سبق في 1/ 65 و 410.
(5) من قول رؤبة سبق في 2/ 363.
(6) السبعة ص 494.
(5/421)
________________________________________
[القصص: 37]
قال: قرأ ابن كثير وحده: (قال موسى) [القصص/ 37] بغير واو، وكذلك في مصاحف أهل مكة. وقرأ الباقون: وقال موسى بالواو، وكذلك في مصاحفهم «1».
[قال أبو علي] «2»: قد مضى القول في نحو هذا قبل.
[القصص: 37]
اختلفوا في الياء والتاء، من قوله جلّ وعزّ «3»:
ومن تكون له عاقبة الدار [القصص/ 37].
فقرأ حمزة والكسائي: (ومن يكون) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء «4».
الياء والتاء في هذا النحو حسنان [وقد مضى ذلك] «5».
[القصص: 39]
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: أنهم إلينا لا يرجعون [القصص/ 39] برفع الياء، وقرأ نافع وحمزة والكسائي:
(لا يرجعون) بفتح الياء «6».
[قال أبو علي] «7»: حجّة الفتح قوله: وإنا إليه راجعون [البقرة/ 156]، وحجّة الضّمّ: ولئن رددت إلى ربي [الكهف/ 36] وقوله: ثم ردوا إلى الله [الأنعام/ 62] [وقوله: فارجعنا نعمل صالحا [السجدة/ 12] «8».
__________
(1) السبعة 494.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: تعالى.
(4) السبعة ص 494.
(5) كذا في ط وسقطت من م.
(6) السبعة ص 494.
(7) سقطت من ط.
(8) ما بين المعقوفين سقط من م.
(5/422)
________________________________________
[القصص: 48]
اختلفوا في قوله تعالى: (قالوا ساحران تظاهرا) [القصص/ 48] في الألف وإسقاطها، فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: قالوا سحران ليس قبل الحاء ألف، وقرأ الباقون: (ساحران) بألف قبل الحاء «1».
[قال أبو علي] «2»: حجّة من قال: (ساحران) أنّه قال:
تظاهرا، والمظاهرة: المعاونة، وفي التنزيل: وإن تظاهرا عليه [التحريم/ 4]، والمعاونة إنّما تكون في الحقيقة للساحرين لا للساحرين.
ووجه من قال: سحران أنّه نسب المعاوية إلى السحرين على الاتساع، كأنّ المعنى: كلّ سحر منهما يقوّي الآخر. [لأنّهما تشابها واتفقا ونحو ذلك] «3».
وممّا يقوّي ذلك قوله سبحانه «4»: قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما [القصص/ 49] على الكتابين اللّذين قالوا فيهما سحران.
ومن قال: (ساحران) قال: المعنى هو أهدى من كتابيهما، فحذف المضاف، وزعموا أن سحران قراءة الأعمش.
[القصص: 57]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعزّ «5»: (تجبى إليه ثمرات) [القصص/ 57].
__________
(1) السبعة ص 495.
(2) سقطت من ط.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: تعالى.
(5/423)
________________________________________
فقرأ نافع وحده: (تجبى إليه) بالتاء، [وقرأ الباقون بالياء] «1».
قال أبو علي: تأنيث ثمرات تأنيث جمع، وليس بتأنيث حقيقي، فإذا كان كذلك كان بمنزلة الوعظ، والموعظة والصوت، والصيحة إذا ذكّرت كان حسنا، وكذلك إذا أنّثت.
[القصص: 60]
قرأ أبو عمرو وحده: (أفلا يعقلون) وتعقلون بالتاء والياء [القصص/ 60] وقرأ الباقون «2»: بالتاء.
[قال أبو علي] «3»: حجّة التاء قوله: وما أوتيتم من شيء أفلا تعقلون [القصص/ 60] ليكون الكلام وجها واحدا.
والياء: أفلا يعقلون يا محمّد.
[القصص: 82]
قال: وقرأ عاصم في رواية حفص: (لخسف بنا) نصبا [القصص/ 82] وكذلك روى علي بن نصر عن أبان عن عاصم مثله «4»، وقرأ الباقون، وأبو بكر عن عاصم (لخسف بنا) بضم الخاء «5».
قال أبو علي [من قال] «6»: لخسف بفتح الخاء فلتقدم [ذكر الله تعالى] «7»: لولا أن من الله علينا لخسف بنا [القصص/ 82]،
__________
(1) سقطت من ط. وهي في السبعة ص 495.
(2) في (م) الباقون. وسقطت العبارة من السبعة انظر ص 495.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: مثله نصبا.
(5) السبعة ص 495.
(6) كذا في ط وسقطت من م.
(7) في ط: ذكر اسم الله عز وجل.
(5/424)
________________________________________
ومن قال: (لخسف بنا) فبنى الفعل للمفعول، فإنّه يول إلى الخسف في المعنى.
[القصص: 71]
قال: قرأ ابن كثير: (بضئاء) «1» [القصص/ 71] بهمزتين، كذا «2» قرأت على قنبل، وهو غلط «3».
وروى ابن فليح والبزيّ عن ابن كثير بغير همز، وهو الصواب.
وقد ذكرنا القول [فيما تقدّم فيه] «4».
__________
(1) في الأصل (ضئاء) وهي من سورة يونس/ 10 المتقدمة، والتي أشار إليها المصنف، وقد أثبتنا ما في سورة القصص، وهو الوجه.
(2) في ط: هكذا.
(3) أي: في الرواية.
(4) في ط: في هذا فيما تقدم. وانظر السبعة ص 495.
(5/425)
________________________________________
[بسم الله] «1»
ذكر اختلافهم في سورة العنكبوت
[العنكبوت: 19]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: أولم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده [19].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالياء، وقرأ حمزة والكسائي (تروا) بالتاء، واختلف عن عاصم، فروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم بالتاء، ورويا في النحل [48] بالياء. وروى الكسائي والأعشى عن أبي بكر وحفص عن عاصم بالياء- حدثني موسى بن إسحاق عن هارون عن حسين عن أبي بكر عن عاصم مثله بالياء «2».
قال أبو علي: حجّة الياء أن الذي قبلها غيبة، وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم ... أولم يروا [العنكبوت/ 18، 19]، وحجّة التاء:
قل لهم: (أو لم تروا كيف).
__________
(1) سقطت من ط.
(2) انظر السبعة ص 498
(5/426)
________________________________________
ولا ينبه المسلمون على علم الابتداء والبعث والإعادة بعد الموت، لأنّهم قد علموا ذلك وتيقّنوه، ولا يدلّ قوله سبحانه: قل سيروا في الأرض [العنكبوت/ 20] على اختيار التاء، لأنّ ذكر الأمم التي كذبت وكفرت قد تقدّم، فحمل الكلام عليه، والخطاب جاء بعد ذلك.
[العنكبوت: 20]
اختلفوا في المدّ والقصر من قوله سبحانه: ثم الله ينشئ النشأة الآخرة [العنكبوت/ 20]، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (النّشاءة) ممدودة في كلّ القرآن، وقرأ الباقون بالقصر «1».
قال أبو زيد: نشأت أنشأ نشأ، ونشأت السّحابة [نشاء، ولم يذكر النشأة] «2» وهو في القياس كالرأفة والرآفة، والكأبة، والكآبة، وحكى أبو عبيدة النشأة ولم يذكر الممدود «3»، ونشأ هو الفعل الذي لا يتعدّى، وإذا عدّيته نقلته بالهمزة، كقوله تعالى «4»: كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين [الأنعام/ 133] وأنشأنا بعدها قوما آخرين «5» [الأنبياء/ 11] والقياس: أن يجوز النقل بتضعيف العين.
[العنكبوت: 25]
اختلفوا في الإضافة التنوين من قوله جلّ وعزّ «6»: (مودة بينكم) [العنكبوت/ 25] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي (مودّة بينكم) [بالرفع والإضافة، وروى أبو زيد عن أبي عمرو: (مودّة
__________
(1) السبعة ص 498.
(2) في ط: نشأة ولم يذكر النشاءة.
(3) في ط: الممدودة وانظر مجاز القرآن 2/ 115.
(4) سقطت من ط.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: تعالى.
(5/427)
________________________________________
بينكم)] «1» و (مودة بينكم) «2» جميعا، وروى علي بن نصر عن أبي عمرو (مودّة) مضافا، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: (مودّة بينكم)، المفضل عن عاصم: (مودّة بينكم) مثل أبي عمرو.
الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: (مودّة) رفع «3» منون (بينكم) نصبا.
وقرأ حمزة والكسائي «4» وعاصم في رواية حفص: مودة بينكم بنصب «5» مودة مع الإضافة «6».
قال أبو علي: يجوز فيمن قال: (مودّة بينكم) أن يجعل (ما) اسم (إن)، ويضمر له ذكرا يعود إلى (ما) كما جاء قوله: واتخذتموه وراءكم ظهريا [هود/ 92]. فيكون التقدير: إنّ الذين اتخذتموهم من دون الله أوثانا، مودة بينكم، فيصير (مودة بينكم) خبر إن وتجعل المودة: ما اتخذوا على الاتساع، أو تحذف المضاف تقديره: إنّ الّذين اتّخذتموهم أوثانا ذوو مودة بينكم، فيكون دخول (أنّ) على (ما) لأنّه بمنزلة الذي، كقوله سبحانه «7»: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/ 55] لعود الذكر، ويجوز أن يضمر هو،
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من ط.
(2) في (م): (مودّة بينكم).
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت م ط.
(5) في ط: نصب.
(6) السبعة ص 498 - 499 مع اختلاف يسير.
(7) سقطت من ط.
(5/428)
________________________________________
ويجعل (مودة بينكم) خبرا عنه، والجملة في موضع خبر إنّ.
ومن قرأ: (مودّة بينكم) ومودة بينكم «1» بالنصب، جعل (ما) مع (إنّ) كافّة، ولم يعد إليها ذكرا كما أعاد في الوجه الأول، ولكن جعل الأوثان منتصبة باتّخذتم، وعدّاه أبو عمرو إلى مفعول واحد، كقوله سبحانه: قل اتخذتم عند الله عهدا [البقرة/ 80]، والمعني: إنّما اتّخذتم من دون الله أوثانا آلهة، فحذف، كما أنّ قوله: إن الذين اتخذوا
العجل سينالهم
[الأعراف/ 152]، معناه: اتخذوا العجل إلها، فحذف. وانتصب (مودة بينكم) على أنه مفعول له، أي اتخذتم الأوثان للمودة و (بينكم) نصب على الظرف، والعامل فيه المودة.
ومن قال: (مودّة بينكم) أضاف المودة إلى البين، واتّسع في أن جعل الظرف اسما لمّا أضاف إليه، ومثل ذلك قراءة من قرأ: لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94] ومثله في الشعر «2»:
أتته بمجلوم كأنّ جبينه ... صلاءة ورس وسطها قد تفلقا
ومن قال: (مودّة بينكم) جاز في قوله: (بينكم) إذا نوّنت (مودّة) ضربان: أحدهما: أن يجعله ظرفا متعلقا بالمصدر، والآخر أن يجعله صفة له، فإذا جعلته ظرفا متعلقا بالمصدر، والآخر أن يجعله صفة له، فإذا جعلته ظرفا للمصدر لم يمتنع أن يكون قوله: في الحياة الدنيا أيضا متعلقا بالمصدر، لأنّ الظرفين أحدهما من المكان، والآخر من الزمان، وإنّما الذي يمتنع أن تعلق به ظرفين من المكان أو ظرفين من
__________
(1) سقطت (مودة بينكم) من (م).
(2) للفرزدق سبق في 1/ 39، 250، 252.
(5/429)
________________________________________
الزمان، فأمّا إذا اختلفا، فسائغ، [فقوله سبحانه] «1» في الحياة الدنيا [العنكبوت/ 25] ظرف زمان، لأنّ المعنى: في وقت الحياة الدنيا، ولا ذكر في واحد من الظرفين، كما أنّك إذا قلت: لقيت زيدا اليوم في السوق، كان كذلك، وإذا جعلت الظرف الأوّل صفة للنكرة كان متعلقا بمحذوف، وصار فيه ذكر يعود إلى الموصوف.
وإذا جعلته وصفا للمصدر جاز أن يكون قوله: في الحياة الدنيا في موضع حال، والعامل فيه الظرف الذي هو صفة للنكرة، وفيه ذكر يعود إلى ذي الحال، وذو الحال: هو الضمير الذي في الظرف يعود إلى الموصوف الذي هو (مودّة)، وهو هي في المعنى.
فإن قلت: هل يجوز أن يتعلق الظرف الذي قد جاز أن يكون حالا «2» في المودّة مع أنّه قد وصف بقوله بينكم.
قيل: لا يمتنع ذلك، لأنّك إذا وصفته فمعنى الفعل قائم فيه، والظّرف متعلق بمعنى الفعل، وإنّما الذي يمتنع أن يعمل فيه إذا وصف المفعول به، فأمّا الحال والظرف، فلا يمتنع أن يتعلق كل واحد منهما به، وإن كان قد وصف.
وقد جاء في الشعر ما لا يعمل عمل الفعل إذا وصف عاملا في المفعول به، فإذا جاز عمله في المفعول به فلا نظر في جواز عمله فيما ذكرنا من الظرف والحال، فمن ذلك قوله «3»:
__________
(1) في ط: فقولك.
(2) في الأصل م «ظرفا» بعد قوله: حالا وليس في «ط».
(3) ذكره اللسان في مادة/ فقد/ ولم ينسبه.
(5/430)
________________________________________
إذا فاقد خطباء فرخين رجّعت ... ذكرت سليمى في الخليط المباين
والتّحقير في ذلك بمنزلة الوصف، لو قلت: هذا ضويرب زيدا، لقبح كما يقبح ذلك في الصّفة، ولم يجيء ذلك في حال السّعة والاختيار.
[العنكبوت: 29، 28]
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم: ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة [العنكبوت/ 28]، (أينكم) [العنكبوت/ 29]. وكان ابن كثير يستفهم بغير مدّ، يلفظ بياء بعد الألف، [وروي عن نافع المدّ، وروي] «1» عنه مثل قراءة ابن كثير.
وكان ابن عامر يهمز همزتين في «2» أإنكم، وقال ابن ذكوان عنه بهمزتين والاستفهام، فكأنّ «3» قراءته: (أإنّكم) يمدّ «4» بين الهمزتين، وإنّما قلت ذلك، لأنّ أبا العباس أحمد بن محمد بن بكر أخبرني عن هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر: (أإذا) في وزن: عاعذا.
حفص عن عاصم في الأوّل «5» مثل نافع الثاني بهمزتين.
وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي
__________
وجاءت نسبته في المقرب لابن عصفور 1/ 124 إلى بشر بن أبي خازم وليس في ديوانه (ت: الدكتور عزّة حسن).
والفاقد من النساء: التي يموت زوجها أو ولدها.
(1) في ط: وكان نافع يروى عنه المدّ ويروى.
(2) كذا في ط بزيادة (في) وسقطت من م، وهي في السبعة.
(3) في م: واستفهام وكأن. والمثبت من ط والسبعة.
(4) في م: بمدّة والمثبت من ط والسبعة.
(5) في ط: الأولى.
(5/431)
________________________________________
بالاستفهام فيهما غير أنّ أبا عمرو لا يهمز همزتين، وهؤلاء يهمزون همزتين «1».
[قد تقدم ذكر القول في ذلك] «2».
[العنكبوت: 33، 32]
وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: لننجينه [العنكبوت/ 32] مشددة، و (إنا منجوك) [العنكبوت/ 33] ساكنة النون خفيفة.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم بتشديد الحرفين، وقرأ حمزة والكسائي بتخفيف الحرفين.
أبو زيد عن أبي عمرو: (لننجينّه) ساكنة النون الثانية «3».
[قال أبو علي] «4»: حجّة من قال: (إنّا منجوك) بالتخفيف:
قوله سبحانه «5»: فأنجاه الله من النار [العنكبوت/ 24].
وحجّة من ثقّل قوله «6»: ونجينا الذين آمنوا [فصّلت/ 18]، يقال: نجا زيد، قال:
نجا سالم والروح منه بشدقه «7»
__________
(1) السبعة ص 499 - 500.
(2) ما بين معقوفين ساقط من (م)
(3) السبعة ص 500.
(4) سقطت من ط.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: قوله تعالى.
(7) هذا صدر بيت لحذيفة بن أنس الهذلي عجزه:
ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا وقد سبق في 3/ 322 وروايته ثم، وهنا في ط: والنفس منه.
(5/432)
________________________________________
ونجّيته، وأنجيته مثل: فرّحته وأفرحته، ويقوّي التشديد قوله تعالى «1»: إلا آل لوط نجيناهم بسحر [القمر/ 34]، وفي قصة لوط في موضع آخر فنجيناه.
[العنكبوت: 34]
وقرأ ابن عامر وحده «2»: (إنا منزلون) [العنكبوت/ 34] بالتشديد «3»، وقرأ الباقون: إنا منزلون بإسكان النون.
الكسائي عن أبي بكر عن عاصم (إنا منزّلون) مشددا، وكذلك روى الأعشى عن أبي بكر «4».
قال [أبو علي: قال سبحانه] «5»: نزل به الروح الأمين [الشعراء/ 193] فإذا عدّيته نقلته بالهمزة أو بتضعيف العين، كما أنّ نجا زيد، كذلك، تقول: نجّيته، وأنجيته، قال: وأنزل لكم من الأنعام [الزمر/ 6] فأنزلنا على الذين ظلموا [البقرة/ 59]، وأكثر ما في القرآن من التنزيل دلالة على تقدم تضعيف العين.
[العنكبوت: 42]
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي: (إن الله يعلم ما تدعون) [العنكبوت/ 42] بالتاء.
وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية «6» يحيى عن أبي بكر يدعون بالياء.
الأعشى عن أبي بكر والكسائي وحسين الجعفي عن أبي بكر
__________
(1) سقطت من ط.
(2) كذا في ط وسقطت من م.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) السبعة 500.
(5) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.
(6) (يحيى عن) زيادة من ط موجودة في السبعة.
(5/433)
________________________________________
عن عاصم: (ما تدعون) بالتاء، حفص عن عاصم: ما يدعون بالياء «1».
[قال أبو علي] «2» حجّة الياء: أن الذي تقدمه غيبة مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ... لو كانوا يعلمون [العنكبوت/ 41]، إن الله يعلم ما يدعون [العنكبوت/ 42] والتاء على: قل لهم:
(إنّ الله يعلم ما تدعون)، لا يكون إلّا على هذا، لأنّ المسلمين لا يخاطبون بذلك، و (ما) استفهام موضعه نصب بتدعون، ولا يجوز أن تكون نصبا بيعلم، ولكن صار الجملة التي هي منها في موضع نصب بيعلم، والتقدير: إنّ الله يعلم: أوثنا تدعون من دونه أو غيره؟ أي: لا يخفى ذلك عليه، فيؤاخذكم على كفركم، ويعاقبكم عليه.
ولا يكون: يعلم بمعنى يعرف، كقوله تعالى «3»: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت [البقرة/ 65]، لأنّ ذلك لا يلغى، وما لا يلغى، لا يعلّق، ويبعد ذلك دخول من في الكلام، وهي إنّما تدخل في نحو قولك: هل من طعام؟ وهل من رجل؟ ولا تدخل في الإيجاب، وهذا قول الخليل، وكذلك قال «4»: فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار [الأنعام/ 135]، المعنى: فسوف يعلمون:
المسلم تكون له عاقبة الدار أم الكافر؟ وكلّ ما كان من هذا، فهكذا «5» القول فيه، وهو قياس قول الخليل.
__________
(1) السبعة ص 501 مع اختلاف يسير في العبارة.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: قوله.
(5) في م: فهذا.
(5/434)
________________________________________
[العنكبوت: 50]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى: (وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه) [العنكبوت/ 50].
فقرأ [نافع و] أبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم آيات من ربه جماعة.
علي بن نصر عن أبي عمرو: (آية) «1» واحدة.
وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي (آية) على التوحيد «2».
[قال أبو علي] «3»: حجّة الإفراد قوله: فليأتنا بآية كما أرسل الأولون [الأنبياء/ 5]، وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه، قل إن الله قادر على أن ينزل آية [الأنعام/ 37] وحجّة الجمع أن في حرف أبي زعموا: (لولا يأتينا بآيات من ربه) [طه/ 133] قل إنما الآيات [الأنعام/ 109]، وقد تقع (آية) على لفظ الواحد ويراد بها كثرة، كما جاء: وجعلنا ابن مريم وأمه آية [المؤمنون/ 50]، وليس في قوله:
قل إنما الآيات عند الله [الأنعام/ 109] دلالة على ترجيح من قرأ:
آيات من ربه [العنكبوت/ 50]، لأنّهم لمّا اقترحوا (آية) قيل لهم «4»: الآيات عند الله، والمعنى: الآية التي اقترحوها، وآيات أخر لم يقترحوها، فقد ثبت مما تلوناه «5» أنّهم اقترحوا آية.
__________
(1) ما بين معقوفين سقط من م وهو في ط والسبعة وفي النص تقديم وتأخير بين م وط والمؤدّى واحد.
(2) سقطت من ط.
(3) السبعة ص 501.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) في ط: تلونا.
(5/435)
________________________________________
[العنكبوت: 55]
اختلفوا في الياء والنون من قوله تعالى: ويقول ذوقوا [العنكبوت/ 55]. فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو وابن عامر (ونقول) بالنون، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: ويقول بالياء «1».
[قال أبو علي] «2»: يقول ذوقوا أي «3»: يقول المؤكّل بعذابهم:
ذوقوا، كقوله: والملائكة باسطوا أيديهم. أخرجوا أنفسكم [الأنعام/ 93]، أي: يقولون لهم: [أخرجوا أنفسكم] «4»، ومن قال:
(ونقول)، فلأنّ ذلك لمّا كان بأمره سبحانه، جاز أن ينسب إليه، وجوازه على هذا المعنى، لأنّ الله سبحانه: لا يكلمهم ومعنى:
ذوقوا ما كنتم تعملون أي: جزاءه، وقيل: ذوقوا لوصول ذلك إلى المعذّب كوصول «5» الذوق إلى الذائق.
قال:
دونك ما جنيته فاحس وذق «6» ويجوز في «7» ويقول ذوقوا، أن يكون القول للموكّلين بالعذاب دون المعذبين كقوله جلّ وعزّ «8»: ونقول ذوقوا عذاب الحريق [آل عمران/ 181] ونحو ذلك من الآي.
__________
(1) السبعة ص 501.
(2) سقط من ط.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) في ط: ذوقوا.
(5) في م: لوصول.
(6) لم نعثر عليه وفي م: جنيت بدل جنيته.
(7) سقطت من م.
(8) سقطت من ط.
(5/436)
________________________________________
[العنكبوت: 57]
اختلفوا في سكون «1» الياء وتحريكها من قوله سبحانه «2»: يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة [العنكبوت/ 56].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر: يا عبادي الذين، وفي الزّمر: يا عبادي الذين أسرفوا [53] بنصب الياء فيهما، وفي الزخرف: (يا عبادي لا خوف عليكم) [68]، ويأتي في موضعه إن شاء الله، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: (يا عبادي) بوقف الياء في الحرفين.
ابن عامر وحده: (أرضي واسعة) بفتح الياء وأسكنها الباقون «3».
[قال أبو علي] «4»: التحريك والإسكان [في هذه الياءات] «5» حسنان.
قرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم: (ثم إلينا يرجعون) [العنكبوت/ 57] بالياء، وقرأ «6» الباقون وحفص عن عاصم بالتاء «7».
قال أبو علي: أمّا (يرجعون)، فلأنّ الذي قبله على لفظ الغيبة،
__________
(1) في ط: جزم.
(2) في ط: تعالى.
(3) السبعة ص 501 - 502.
(4) سقطت في ط.
(5) ما بين المعقوفتين ساقط من م.
(6) سقطت من م.
(7) السبعة ص 502.
(5/437)
________________________________________
وهو قوله: (كل نفس ذائقة الموت، ثم إلينا يرجعون) [العنكبوت/ 57]، وجاء على لفظ الجمع لأنّ كلّا جمع في المعنى، وإن كان مفردا في اللّفظ.
وترجعون بالتاء على الرجوع من الغيبة إلى الخطاب كقوله:
إياك نعبد [الفاتحة/ 4] بعد قوله: الحمد لله [الفاتحة/ 1].
[العنكبوت: 58]
اختلفوا في قوله سبحانه: لنبوئنهم [العنكبوت/ 58] في الباء والثاء، فقرأ حمزة والكسائي: (لنثوينّهم) بالثاء، وقرأ الباقون:
لنبوئنهم بالباء «1».
قال أبو زيد: بوّأنا فلانا منزلا تبويئا، فما حكى أبو زيد. حجّة لمن قرأ لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، وقال: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، وقال: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت [الحج/ 26] فيجوز أن تكون اللّام زائدة كزيادتها في ردف لكم [النمل/ 72] ويجوز أن يكون (بوّأنا) لدعاء إبراهيم وهو قوله: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ...
فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم [إبراهيم/ 37]، ويكون المفعول محذوفا على هذا، كأنّه: وإذ بوّأ بالدّعاء إبراهيم ناسا مكان البيت، كقوله تعالى «2»: بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، وقال: نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74] فعلى هذا قوله سبحانه «3»: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، فأما من قرأ:
(لنثوينّهم) فقد قال: وما كنت ثاويا في أهل مدين [القصص/ 45]
__________
(1) السبعة ص 504.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(5/438)
________________________________________
ففسره أبو عبيدة: وما كنت مقيما نازلا فيهم، قال: والثويّ: الضيف، وأنشد للعجاج «1»:
فبات حيث يدخل الثويّ وقال الأعشى «2»:
أثوى وقصّر ليلة ليزوّدا «3» وقال حسّان «4»:
ثوى في قريش بضع عشرة حجة فكان «5» هذا كقوله: أقام فيهم ونزل فيهم، فإذا تعدّى بحرف جرّ، أو زيدت «6» عليه الهمزة وجب أن يتعدّى إلى المفعول الثاني، وليس في الآية حرف جرّ.
__________
(1) من أرجوزة للعجّاج وقبله:
وبيعة لسورها عليّ والبيعة: موضع تعبّد للنصارى، ديوانه 1/ 511.
(2) صدر بيت وعجزه:
فمضت وأخلف من قتيلة موعدا أثوى: بمعنى: أقام. ديوانه/ 227.
(3) انتهى نقله عن مجاز القرآن 2/ 107 لأبي عبيدة.
(4) في ديوانه: 1/ 94.
ثوى بمكة بضع عشرة حجّة يذكّر لو يلقى خليلا مؤاتيا من قصيدة يمدح بها الرسول عليه الصلاة والسلام. وما في الحجة أصح وزنا.
(5) في (م) وكأن.
(6) في ط: فزيدت.
(5/439)
________________________________________
قال أبو الحسن: قرأ الأعمش: (لنثوينّهم من الجنّة غرفا) قال: ولا يعجبني، لأنك لا تقول: أثويته الدّار.
قال أبو علي: هذا الذي رآه أبو الحسن يدلّ على أن ثوى ليس بمتعدّ، وكذلك تفسير أبي عبيدة: أنّه النازل فيهم، ووجهه أنّه كان في الأصل: لنثوينّهم من الجنّة في غرف، كما تقول: لننزلنّهم من الجنّة في غرف، وحذف الجار كما حذف من قوله «1»:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ويقول ذلك أن الغرف وإن كانت أماكن مختصة، فقد أجريت المختصّة من هذه الظروف مجرى غير المختصّة نحو قوله «2»:
كما عسل الطريق الثعلب ونحو: ذهبت الشام، عند سيبويه، ويقوّي الوجه الأوّل، قوله سبحانه «3»: نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74].
[العنكبوت: 66]
اختلفوا في كسر اللام وإسكانها من قوله تعالى: وليتمتعوا [العنكبوت/ 66]، فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: (ليتمتّعوا) بجزم
__________
(1) صدر بيت لعمرو بن معد يكرب وعجزه:
فقد تركتك ذا مال وذا نشب وهو الشاهد 523 من شرح أبيات المغني 5/ 299 وقد استوفي تخريجه هناك، والنشب: المال الثابت، وأراد به الإبل خاصة.
(2) عجز بيت لساعدة بن جؤية وصدره:
لدن بهزّ الكف يعسل متنه وفي رواية «لذّ» أي تلذ الكف بهزه- ويعسل: يضطرب- كما عسل الطريق. أي: في الطريق. وقد استوفي تخريجه في شرح أبيات المغني انظر 1/ 9 إلى 12.
(3) سقطت من ط.
(5/440)
________________________________________
اللام، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر بكسر اللام، وليتمتعوا أبو زيد عن أبي عمرو (وليتمتّعوا) ساكنة اللام.
واختلف عن نافع، فروى المسيبي، وقالون وإسماعيل بن أبي أويس، (وليتمتعوا) على الوعيد، وكذلك أبو بكر بن أبي أويس ساكنة اللام.
وقال ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر وورش عن نافع وليتمتعوا على معنى كي «1».
[قال أبو علي] «2»: من كسر اللّام وجعلها الجارّة، كانت متعلقة بالإشراك، كأنّ المعنى: يشركون ليكفروا، أي لا عائدة «3» لهم في الإشراك إلّا الكفر «4»، فليس يردّ عليهم الشرك نفعا، إلّا التمتّع «5» بما يستمتعون به في العاجلة من غير نصيب في الآخرة. ومن قرأ:
(وليتمتّعوا) أراد الأمر على معنى التهديد والوعيد، كقوله: واستفزز من استطعت [الإسراء/ 64]، واعملوا ما شئتم [فصّلت/ 40] ونحو ذلك من الأوامر التي في معناها «6»، ويدلّ على جواز الأمر هاهنا، قوله في الأخرى: ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون [النحل/ 55، الروم/ 34].
والإسكان في لام الأمر سائغ نحو: ثم ليقضوا تفثهم [الحج/ 29].
__________
(1) السبعة ص 503.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: لا فائدة.
(4) في ط: الكفر.
(5) في ط: إلّا الكفر والتمتع.
(6) كذا في ط وفي م معناه.
(5/441)
________________________________________
[بسم الله] «1»
ذكر اختلافهم في سورة الرّوم
[الروم: 10]
اختلفوا في قوله جلّ وعزّ «2»: (ثم كان عاقبة الذين) [الروم/ 10] في الرفع والنصب.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (ثمّ كان عاقبة الّذين) رفعا، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ثم كان عاقبة الذين نصبا، وروى الكسائي وحسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم (عاقبة) رفعا «3».
قال أبو علي: قوله سبحانه «4»: (ثم كان عاقبة الذين أسائوا السوأى أن كذبوا) [الروم/ 10] من نصب عاقبة جعله خبر كان ونصبه متقدما، كما قال: وكان حقا علينا نصر المؤمنين [الروم/ 47]، فأمّا اسمها على هذه القراءة، فيجوز أن يكون أحد شيئين: أحدهما:
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: تعالى.
(3) السبعة ص 506.
(4) سقطت من ط.
(5/442)
________________________________________
السوأى التقدير: ثم كان السّوأى عاقبة الذين أسائوا، ويكون في «1» قوله: أن كذبوا مفعولا له، تقديره: ثمّ كان السّوأى عاقبة الذين أسائوا لأن كذّبوا، ولا يجوز أن تكون أن كذبوا متعلقا بقوله:
أساؤوا على هذا، لأنك تفصل بين الصلة والموصول، ألا ترى أنّ:
أساؤوا في صلة الذين، والسوأى الخبر، فلو جعلت أن كذبوا في صلة أساؤوا لفصلت بين الصلة والموصول بخبر كان. والشيء الآخر الذي يجوز أن يكون اسم كان إذا نصبت العاقبة أن كذّبوا، المعنى: ثم كان التكذيب عاقبة الذين أسائوا، ويكون السوأى على هذا مصدرا لأساءوا، لأنّ فعلى من أبنية المصادر، كالرّجعى، والشورى، والبشرى، وكذلك تكون السوأى مصدرا.
وممّا يدلّ أنّ السوء والسوأى بمعنى ما أنشده أبو عمر «2»:
أنّى جزوا عامرا سوءا بفعلهم ... أم كيف يجزونني السّوأى من الحسن
ومن رفع العاقبة فقال: (ثم كان عاقبة الذين أسائوا) جاز أن يكون الخبر شيئين: السوأى وأن كذبوا، كما جاز فيمن نصب العاقبة أن يكون كلّ واحد منهما الاسم، ومعنى الذين أسائوا: الذين أشركوا. التقدير: ثم كان عاقبة المسيء التكذيب بآيات الله، أي لم يظفر من «3» شركه وكفره بشيء إلّا بالتّكذيب، بآيات الله، فإذا جعلت «أن كذّبوا» نفس الخبر، جعلت السوأى في موضع نصب، بأنّه
__________
(1) سقطت من م.
(2) من قصيدة لأفنون التغلبي. وهو الشاهد 56 من شواهد شرح أبيات المغني 1/ 240 وما بعدها. وقد استوفينا تخريجه هناك.
(3) في ط: في.
(5/443)
________________________________________
مصدر، وقد يجوز أن تكون السوأى صفة لموصوف محذوف كأنّه:
الخلّة السوأى، أو الخلال السّوأى.
حفص عن عاصم: لآيات للعالمين [الروم/ 22] مكسورة اللام جمع عالم، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بفتح «1» اللام.
[قال أبو علي] «2»: خصّ العالمين على رواية حفص، وإن كانت الآية لكافّة الناس عالمهم وجاهلهم، لأنّ العالم لمّا تدبّر، فاستدلّ بما شاهد على ما لم يستدل عليه غيره، صار كأنّه ليس بآية لغير العالم، لذهابه عنها وتركه الاعتبار بها. ومن قال: (للعالمين) فلأنّ ذلك في الحقيقة دلالة وموضع اعتبار، وإن ترك تاركون [لغفلتهم ولجهلهم] «3» التدبّر لها والاستدلال منها.
[الروم: 11]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعزّ: ثم إليه ترجعون فقرأ أبو عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر: (ثم إليه يرجعون) بالياء [الروم/ 11] وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي، وحفص عن عاصم ترجعون بالتاء.
عباس «4» عن أبي عمرو: ترجعون بالتاء «5».
[قال أبو علي] «6»: حجّة الياء أن المتقدّم ذكره غيبة يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه يرجعون [الروم/ 11]
__________
(1) في ط: بنصب وهي كذلك في السبعة.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: لموضع غفلتهم أو لجعلهم.
(4) في السبعة عياش.
(5) السبعة ص 506.
(6) سقطت من ط.
(5/444)
________________________________________
والخلق هم المخلوقون في المعنى، وجاء قوله يعيده على لفظ الخلق، وقوله: (يرجعون) على المعنى، ولم يرجع على لفظ الواحد كما كان يعيده كذلك. ووجه التاء أنّه صار الكلام من الغيبة إلى الخطاب، ونظيره: الحمد لله [الفاتحة/ 1]، إياك نعبد [الفاتحة/ 4].
[الروم: 19]
وقرأ حمزة والكسائي: (وكذلك تخرجون) [الروم/ 19] بفتح التاء وقرأ الباقون «1»: وكذلك تخرجون بضم التاء «2».
[قال أبو علي] «3» حجّة تخرجون: يخرجون من الأجداث [القمر/ 7، المعارج/ 43]. وقوله تعالى: إلى ربهم ينسلون [يس/ 51].
وحجّة تخرجون: من بعثنا من مرقدنا هذا [يس/ 51] وقوله:
كذلك نخرج الموتى [الأعراف/ 57] وقوله: وإليه تقلبون [العنكبوت/ 21].
[الروم: 28]
عباس عن أبي عمرو (كذلك يفصل الآيات) [الروم/ 28] بالياء، وقرأ الباقون بالنون «4».
[قال أبو علي] «5»: وجه الياء ما تقدّم من لفظ الغيبة من قوله:
ضرب لكم مثلا من أنفسكم [الروم/ 28]، ووجه النون ما تقدّم من
__________
(1) في ط: وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر، كما في السبعة.
(2) السبعة ص 506.
(3) سقطت من ط.
(4) السبعة ص 507.
(5) سقطت من ط.
(5/445)
________________________________________
قوله سبحانه «1»: فيما رزقناكم [الروم/ 38] كذلك نفصل الآيات.
وذكر بعض أصحاب أحمد أنّ المشهور من قراءة أبي عمرو كذلك نفصل وهو الوجه لأنّ قوله فيما رزقناكم متأخر عن قوله: ضرب لكم مثلا من أنفسكم [الروم/ 28].
[الروم: 39]
قال: كلّهم قرأ: وما آتيتم من ربا [الروم/ 39] ممدودا غير ابن كثير فإنه قرأ: (أتيتم) قصرا. ولم يختلفوا في مدّ وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] «2».
قال أبو عليّ: معنى وما آتيتم من ربا: ما آتيتم من هدية أهديتموها لتعوّضوا ما هو أكثر منها وتكافئوا أزيد منها فلا يربو عند الله، لأنكم قصدتم إلى زيادة العوض، ولم تبتغوا في ذلك وجه الله.
ومثل هذا في المعنى قوله سبحانه «3»: ولا تمنن تستكثر [المدّثر/ 6] فمن مدّ آتيتم، فلأن المعنى: أعطيتم من قوله: فآتاهم الله ثواب الدنيا [آل عمران/ 148] أي: أعطاهم. وأمّا قصر ابن كثير فإنّه يؤول في المعنى إلى قول من مدّ، إلّا أنّ (آتيتم) على لفظ: جئتم، كما تقول: جئت زيدا، فكأنّه ما جئتم من ربا، ومجيئهم لذلك إنّما هو على وجه الإعطاء له، كما تقول: أتيت الخطأ، وأتيت الصواب، وأتيت قبيحا، وقال الشاعر:
أتيت الّذي يأتي السّفيه لغرّتي ... إلى أن علا وخط من الشّيب مفرقي
«4»
__________
(1) سقطت من ط.
(2) السبعة ص 507.
(3) سقطت من ط.
(4) البيت في اللسان (وخط) وقد وخطه الشيب وخطأ ووخضه بمعنى واحد أي:
(5/446)
________________________________________
فإتيانه الّذي يأتي السفيه إنّما هو فعل منه له، قال: ولم يختلفوا في مدّ وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] فهذا كقوله: وإيتاء الزكاة [الأنبياء/ 73]، وإن كان لو قال: أتيت الزكاة لجاز أن يعني به فعلتها، ولكنّ الذي جاء منه في التنزيل. وسائر الكلام: الإيتاء.
[الروم: 39]
قال: وكلّهم قرأ: ليربوا في أموال الناس [الروم/ 39] غير نافع، فإنّه قرأ (لتربو) بالتاء، ساكنة الواو «1».
قال [أبو علي] «2»: فاعل ليربو، الربا المذكور في قوله: وما آتيتم من ربا وقدّر المضاف وحذف كأنّه اجتلاب «3» أموال الناس، واجتذابها ونحو ذلك، وكأنّه سمّي هذا المدفوع على وجه اجتلاب الزيادة ربا لما كان الغرض فيه الاستزادة على ما أعطى، فسمّي باسم الزيادة، والربا: هو الزيادة، وبذلك سمّي المحرّم المتوعّد عليه «4» فاعله ربا لزيادة ما يأخذ على ما أعطى، والمدفوع ليس في الحقيقة ربا، إنّما المحرّم الزيادة التي يأخذها زائدا على ما أعطى فسمّي الجميع ربا، وكذلك ما أعطاه الواهب والمهدي لاستجلاب الزيادة سمي ربا، لمكان الزيادة المقصودة في المكافأة، فوجه ليربو في أموال الناس ليربو ما آتيتم فلا يربو عند الله، لأنّه لم يقصد به وجه البرّ والقربة، إنّما قصد به اجتلاب الزيادة، ولو قصد به وجه الله لكان كقوله: وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون
__________
خالطه. ورواية (م): «إلى أن بدا» بدل «علا».
(1) السبعة ص 507.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: في اجتلاب.
(4) كذا في ط: وسقطت من م.
(5/447)
________________________________________
[الروم/ 39] أي صرتم ذوي أضعاف من الثواب على ما أتوا من الزكاة تعطون بالحسنة عشرة كما قال تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160] وقول نافع (لتربو) أي لتصيروا ذوي زيادة فيما أتيتم من أموال الناس، أي: تستدعونها وتجتلبونها، وكأنّه من أربى أي: صار ذا زيادة، مثل: أقطف، وأجرب.
[الروم: 48]
قال: كلّهم قرأ «1»: ويجعله كسفا [الروم/ 48] مفتوحة السين غير ابن عامر فإنه قرأ: (كسفا) ساكنة السين «2».
[قال أبو علي] «3»: الكسف القطع، الواحدة كسفة، مثل:
سدرة وسدر، ومن قرأ (كسفا) أمكن أن يجعله مثل سدرة وسدر، فيكون معنى القراءتين واحدا وقوله بعد: فترى الودق يخرج من خلاله [الروم/ 43] يجوز أن يعود الضمير إلى الكسف فذكّر، كما جاء من الشجر الأخضر [يس/ 80] ويجوز أن يعود إلى السحاب.
ومن قال: كسفا رجع الضمير إلى السحاب على قوله لا غير.
[الروم: 50]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى «4»: (فانظر إلى أثر رحمة الله) [الروم/ 50] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: (إلى أثر) على واحدة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: إلى آثار رحمة الله جماعة «5».
قال أبو علي: الإفراد في (أثر) لأنّه مضاف إلى مفرد، وجاز
__________
(1) في ط: يقرأ.
(2) السبعة ص 508.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: عزّ وجلّ.
(5) السبعة ص 508.
(5/448)
________________________________________
الجمع لأنّ رحمة الله، يجوز أن يراد به الكثرة كما قال سبحانه «1»:
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [النحل/ 18] فأمّا قوله: كيف يحيي الأرض [الروم/ 50] فيجوز أن يكون فاعله الأثر، ويجوز أن يكون فاعله: الضمير الذي يعود إلى اسم الله «2»، وأن يكون الفاعل: الذكر العائد إلى اسم الله تعالى «3» أولى، لقوله: أن الله يحيي الأرض بعد موتها [الحديد/ 17] ولنحيي به بلدة ميتا [الفرقان/ 49] ونحو هذا من الآي.
ومن ردّ الذكر الذي في يحيي إلى الأثر لزمه إذا قال: إلى آثار رحمة الله أن يقول: (تحيي) بالتاء، إذا جعل الفعل للآثار.
[الروم: 52]
قال: كلّهم قرأ: ولا تسمع الصم [الروم/ 52]، نصبا «4» غير ابن كثير فإنّه قرأ: (ولا يسمع الصمّ) رفعا، عباس عن أبي عمرو مثل ابن كثير «5».
قال أبو علي: هذا مثل ضربه الله للكافر، والمعنى: كما أنّك لا تسمع الميت لبعد «6» استماعه وامتناع ذلك منه، كذلك لا تسمع الكفّار، والمعنى: أنّه لا ينتفع بما يسمعه لأنّه لا يعيد، ولا يعمل به، ويبعد عنه، فإذا كان كذلك فمعنى: ولا تسمع ولا يسمع يتقاربان، لأنّ المعنى: إنّك لا تسمع الكافر ما تأتيه من حكمة وموعظة كما لا تسمع الأصمّ المدبر عنك، إلّا أنّ لا تسمع أحسن ليكون مشاكلا لما قبله في
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: اسم الله عزّ وجلّ.
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت من ط.
(5) السبعة ص 508.
(6) في ط: لتعذر.
(5/449)
________________________________________
إسناد الفعل إليك أيها المخاطب، وحكم المعطوف أن يكون مشاكلا [لما عطف عليه] «1».
[الروم: 54]
اختلفوا في ضمّ الضّاد وفتحها من قوله جلّ وعزّ «2»: (الله الذي خلقكم من ضعف) [الروم/ 54] فقرأ عاصم وحمزة من ضعف بفتح الضاد فيهنّ كلّهنّ. وقرأ الباقون: (من ضعف) في كلهنّ بضم الضاد، وقرأ حفص عن نفسه (ضعف) بضم الضاد «3».
قال [أبو علي] «4»: هما لغتان ومثله: الفقر والفقر،
وروي عن ابن عمر أنّه قال: قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «5»: من ضعف، فقال: (من ضعف).
والمعنى: خلقكم من ضعف أي من ماء ذي ضعف كما قال: ألم نخلقكم من ماء مهين [المرسلات/ 20].
[الروم: 57]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: فيومئذ لا ينفع [الروم/ 57]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (لا تنفع) بالتاء هاهنا، وفي المؤمن [52] أيضا. وقرأ نافع وابن عامر: هاهنا بالتاء وفي المؤمن بالياء.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالياء فيهما.
[قال أبو علي] «6»: التأنيث حسن لأنّ المعذرة اسم مؤنث. فأمّا التذكير فلأنّ التأنيث ليس بحقيقي، وقد وقع الفصل بين الفاعل
__________
(1) في ط: للمعطوف عليه.
(2) سقطت من ط.
(3) السبعة ص 508.
(4) سقطت من ط.
(5) سقطت «وسلم» من ط.
(6) سقطت من ط.
(5/450)
________________________________________
وفعله، والفصل يحسّن التذكير، وقد قال «1» فيما لم يقع فيه الفصل فمن جاءه موعظة من ربه [البقرة/ 275] فإذا انضمّ الفصل إلى أنّ التأنيث ليس بحقيقي قوي التذكير.
[الروم: 41]
قرأ «2» ابن كثير وحده: (لنذيقهم بعض الذي عملوا) [الروم/ 41] بالنون، وكذلك قرأت على قنبل ولم يتابعه أحد في هذه الرواية.
عبيد بن عقيل ومحمد بن صالح والبزّي عن شبل عن ابن كثير:
ليذيقهم بالياء. وكذلك قال الخزاعي عن ابن فليح ورأيته لا يعرف النون.
وقرأ الباقون: ليذيقهم بالياء «3».
قال أبو علي: الجار يتعلق بقوله: ظهر الفساد في البر والبحر [الروم/ 41] المعنى ظهر الجذب في البرّ والبحر، والبحر: الريف.
وقال بعض المفسّرين: هذا قبل أن يبعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
امتلأت الأرض ظلما وضلالة، فلمّا بعث الله النبيّ «4» صلّى الله عليه وآله وسلّم رجع راجعون «5»، والقحط يدلّ عليه قوله تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات [البقرة/ 155] وقوله: ليذيقهم، فيه ضمير اسم الله «6»، وهو في المعنى مثل (لنذيقهم).
__________
(1) في ط: جاء.
(2) سقطت من ط.
(3) السبعة 507.
(4) في ط: نبيّه.
(5) أي: رجع راجعون من الناس. انظر الطبري 21/ 49.
(6) في ط: الله عزّ وجلّ.
(5/451)
________________________________________
[بسم الله] «1»
ذكر اختلافهم في سورة لقمان
[لقمان: 3]
اختلفوا في النّصب والرفع من قوله تعالى «2»: هدى ورحمة للمحسنين [3].
[فقرأ حمزة وحده] «3»: (هدى ورحمة) رفعا، وقرأ الباقون:
هدى ورحمة نصبا «4».
[قال أبو علي] «5»: وجه النصب، أنّه انتصب عن الاسم المبهم، وهو من كلام واحد، والرّفع على إضمار المبتدأ وهو: هو هدى ورحمة.
[لقمان: 6]
اختلفوا في الرفع والنصب من قوله تعالى «6»: (ويتخذها هزوا)
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: عزّ وجلّ.
(3) في م حمزة والكسائي، والصواب من ط والسبعة.
(4) السبعة ص 512.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: عزّ وجلّ.
(5/452)
________________________________________
[لقمان/ 6] فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ويتخذها هزوا نصبا، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (ويتّخذها) رفعا «1».
[قال أبو علي] «2»: من رفع (يتخذها) جعله عطفا على الفعل الأوّل من: يشتري، ويتّخذ، ومن نصب عطفه على ليضل ويتخذها، فأمّا الضمير في قوله: ويتخذها فقيل: إنّه يجوز أن يكون للحديث، لأنّه بمعنى الأحاديث، وقيل: إنّه يجوز أن يكون للسّبيل، والسبيل يؤنث، قال [الله تعالى] «3»: قل هذه سبيلي [يوسف/ 108]، وقيل. إنّه يجوز أن يكون الضمير في قوله: (ويتّخذها) يعود إلى آيات الله. وقد جرى ذكرها في قوله تعالى «4»: تلك آيات الله [البقرة/ 252] والفعلان المرفوع والمنصوب جميعا في الصّلة.
حدّثنا أحمد بن محمد البصري، قال: حدّثنا المؤمّل قال:
حدّثنا إسماعيل عن ليث عن مجاهد ومن الناس من يشتري لهو الحديث [لقمان/ 6] قال: سماع الغناء.
[لقمان: 13]
وقرأ ابن كثير (يا بني لا تشرك بالله) [لقمان/ 13] بوقف الياء، و (يا بنيّ إنّها) مكسورة الياء، ويا بني أقم الصلاة [لقمان/ 17] بنصب «5» الياء هذه رواية ابن أبي بزّة. وأمّا قنبل فأقرأني الأولى والثالثة بوقف الياء وكسر الياء في الوسطى.
وروى حفص عن عاصم الثلاثة بفتح الياء فيهنّ. أبو بكر عن عاصم
__________
(1) السبعة ص 512.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: نصب.
(5/453)
________________________________________
بكسر الياء في الثالثة، وكذلك قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي. المفضّل عن عاصم: يا بني نصب في الثلاثة المواضع «1».
[قال أبو علي] «2»: من قال «3» (يا بنيّ) فأسكن في الوصل فإنّه يجوز أن يكون على قول من قال: يا غلام أقبل فلمّا وقف قال يا غلام، فأسكن الحرف للوقف، ويكون قد «4» أجرى الوصل مجرى الوقف، وهذا يجيء في الشعر كقول عمران:
قد كنت عندك حولا لا يروّعني ... فيه روائع من إنس ولا جان
«5» فإنّما خفّف جان للقافية ثم وصل بحرف الإطلاق، وأجرى الوصل مجرى الوقف وهذا لا نعلمه «6» جاء في الكلام، ومن قال: (يا بني إنها) [لقمان/ 16] فهو على قولك: يا غلام أقبل، وهذا حسن لأنّ المستحسن في هذه الياء أن تحذف من «7» المنادى لوقوعها موقع التنوين، وكونها بمنزلته، والتنوين يحذف في النداء فكذلك هذه الياء تحذف فيه.
ومن قال: يا بني ففتح الياء، فإنّه على قولك يا بنيّا فأبدل من ياء الإضافة ألفا، ومن الكسرة فتحة وعلى هذا حمل أبو عثمان قول من
__________
(1) السبعة ص 512 - 513.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: قرأ.
(4) سقطت من م.
(5) سبق في هود/ 42 ج 4/ 336.
(6) في ط: لا نعلم.
(7) في ط: في.
(5/454)
________________________________________
قال: (يا أبت لم تعبد) [مريم/ 42] ويرى إبدال الألف من الياء مطّردا [في هذه الياءات] «1» وقد تقدم ذكر ذلك فيما سلف من هذا الكتاب.
[لقمان: 18]
اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله عزّ وجلّ: ولا تصعر خدك للناس [لقمان/ 18] فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر:
ولا تصعر بغير ألف.
وقرأ الباقون: (تصاعر) بألف «2».
[قال أبو علي] «3»: يشبه أن يكون: (ولا تصعر)، (ولا تصاعر) بمعنى كما قال سيبويه في: ضعّف وضاعف. وقال أبو الحسن: لا تصاعر: لغة أهل الحجاز، ولا تصعّر: لغة بني تميم. والمعنى فيه: لا تتكبر على الناس ولا تعرض عنهم تكبرا عليهم. قال أبو عبيدة: وأصل هذا من الصّعر الذي يأخذ الإبل في رءوسها وأعناقها.
قال أبو علي: فكأنّه يقول لا تعرض عنهم، ولا تزور كازورار الذي به هذا الدّاء الذي [يكون منه في عنقه] «4»، ويعرض بوجهه، ومثل ذلك قوله «5»:
يهدي إليّ حياة ثاني الجيد
[لقمان: 16]
وقرأ نافع وحده: (إنها إن تك مثقال حبة) [لقمان/ 16] رفعا، ونصب الباقون اللام «6».
__________
(1) في ط: في هذا الباب.
(2) السبعة ص 513.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: يلوي منه عنقه.
(5) لم نظفر له على تتمة أو قائل.
(6) السبعة 513.
(5/455)
________________________________________
[قال أبو علي] «1»: من نصب فقال: إن تك مثقال حبة فاسم كان ينبغي أن تكون: المظلمة، المعنى: إن تك المظلمة أو السيئة مثقال حبة من خردل أتى الله بها، وأثاب عليها، أو عاقب، إن لم يكن قد كفر، أو أحبط. ومن قال: إنّها إن تك مثقال حبة، فألحق علامة التأنيث الفعل، والفاعل مثقال المذكّر، فلأنّ المثقال هو السيئة أو الحسنة «2» فأنّث على المعنى كما قال: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160] فأنث وإن كان الأمثال مذكّرا، لأنّه يراد به الحسنات، فحمل على المعنى، فكذلك المثقال. فإن قلت: فما وجه قوله سبحانه «3»: فتكن في صخرة [لقمان/ 16]؟
وإذا كانت في صخرة فلا يخلو من أن تكون في الأرض، وإذا حصل بكونه «4» في صخرة كائنة في الأرض أغنى: «أو في الأرض» عن قوله: «فتكن في صخرة». قيل: إنّ هذا النحو من التأكيد والتكرير لا ينكر، وعلى هذا قوله تعالى «5»: اقرأ باسم ربك الذي خلق [العلق/ 1] ثم قال: خلق الإنسان [العلق/ 2] فكذلك وصفت المظلمة بكونها في صخرة أخفى لها، وأغمض لمكانها ففيه تأكيد وتثبيت أن هذه المظالم لا تخفى عليه سبحانه، ولن يدع أن يثيب أو يعاقب عليها.
__________
(1) سقطت من ط.
(2) كذا في ط وفي م: والحسنة.
(3) سقطت في ط.
(4) في ط: حصلت بكونها.
(5) سقطت في ط.
(5/456)
________________________________________
[لقمان: 20]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى «1»: وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة [لقمان/ 20].
فقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم نعمه جماعة، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (نعمة) واحدة.
علي بن نصر وعبيد بن عقيل عن أبي عمرو: (نعمة) واحدة، [ونعمه جماعة] «2».
[قال أبو علي] «3»: النعم: جمع نعمة، مثل سدرة وسدر.
فالنعم الكثير، ونعم الله تعالى «4» كثيرة، والمفرد أيضا يدلّ على الكثرة قال [الله تعالى] «5»: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [النحل/ 18] فهذا يدلّ على أنّه يراد به الكثرة. فأمّا قوله: ظاهرة وباطنة، فلا ترجيح فيه لإحدى القراءتين على الأخرى، ألا ترى أن النعم توصف بالظاهرة والباطنة، كما توصف النعمة بذلك، وقد جاء في التنزيل:
(الكتاب، والكتب) يراد بالواحد الكثرة، كما يراد بالجمع.
[لقمان: 27]
اختلفوا في رفع الراء ونصبها من قوله جلّ وعزّ: والبحر يمده [لقمان/ 27].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي:
والبحر رفعا. وقرأ أبو عمرو وحده (والبحر) نصبا «6».
__________
(1) في ط: عزّ وجلّ.
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من ط. وهي في م والسبعة انظر السبعة ص 513.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: عزّ وجلّ.
(5) ما بين المعقوفتين سقط من ط.
(6) السبعة ص 513.
(5/457)
________________________________________
قال أبو زيد أمددت القوم بمال ورجال إمدادا، وأمددت القائد بجند، ونهر كذا يمدّ نهر كذا. قال تعالى «1»: والبحر يمده من بعده سبعة أبحر [لقمان/ 27]. وقلّ ماء ركيّتنا فمدّتها ركيّة أخرى تمدّها «2».
وقال أبو عبيدة: هذا مختصر سبيله كسبيل لو كتب كتاب الله بهذه الأقلام والبحر ما نفد كلام الله «3».
قال أبو عليّ: المراد بذلك والله أعلم: ما في المقدّر «4» دون ما خرج منه إلى الوجود، وقال قتادة: يقول: لو كان شجر الأرض أقلاما، ومع البحر سبعة أبحر، إذا لانكسرت الأقلام، ونفد ماء البحر قبل أن تنفد عجائب الله وحكمته وخلقه وعلمه. فأمّا انتصاب البحر من قوله سبحانه «5»: (والبحر يمده من بعده) فلأنّه معطوف على اسم إنّ وهو ما في الأرض ف (ما) اسم إن وأقلام خبرها التقدير: لو أن شجر الأرض أقلام، والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر، إذا عطفت البحر على اسم إنّ فنصبته كان خبره يمدّه، والراجع إلى البحر الضمير المنصوب [المتصل بيمدّه] «6». ومن رفع فقال: والبحر يمده استأنف كأنّه قال: والبحر هذه حاله فيما قال سيبويه «7»، وإذا نصبت البحر أو رفعته فالمعنى: فكتب ما في تقدير «8» الله لنفد ذلك قبل نفاد
__________
(1) سقطت من ط.
(2) مدّ بمعنى زاد، انظر اللسان/ مدد/.
(3) انظر مجاز القرآن 2/ 128.
(4) في ط: ما في المعدود.
(5) سقطت من ط.
(6) ما بين المعقوفتين في م: المنفصل من يمدّه.
(7) انظر الكتاب 1/ 285.
(8) في ط: مقدور.
(5/458)
________________________________________
المقدور، ونحو هذا من الجمل قد تحذف لدلالة الكلام عليها، كقوله تعالى «1»: وأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق [الشعراء/ 63] والمعنى: فضرب فانفلق، ومثله: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية [البقرة/ 196]، والمعنى: فحلق فعليه فدية، ومثله: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم [النمل/ 28].
قالت يا أيها الملأ [النمل/ 29] والمعنى: فذهب فألقى الكتاب فقرأته المرأة أو قرئ عليها فقالت: يا أيّها الملأ، ومثل ذلك فيما «2» يحذف لدلالة الفحوى عليه في غير موضع. وقال بعض أهل النظر:
ليس هذا على الكلام ولكنّ المراد أنّ وجه الحكمة وتأمّل عجيب الصّنعة وإتقانها لا ينفد، وليس المراد الكلام.
[لقمان: 29]
عبّاس عن أبي عمرو (كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما يعملون خبير) [لقمان/ 29] بالياء «3» لم يأت بها غيره «4».
[قال أبو علي] «5»: الأبين في هذا: التاء وأن الله بما تعملون خبير، فيجازي محسنكم بإحسانه، ومسيئكم بإساءاته.
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: مما.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) السبعة ص 514.
(5) سقطت من ط.
(5/459)
________________________________________
[بسم الله] «1»
ذكر اختلافهم في سورة السجدة
[السجدة: 7]
اختلفوا في تحريك اللّام وسكونها من قوله تعالى «2»: كل شيء خلقه [7] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (خلقه) ساكنة اللّام. وقرأ الباقون: (خلقه) بتحريك اللّام «3».
[قال أبو علي] «4»: (خلقه) «5» منتصب على أنّه مصدر دلّ عليه ما تقدّم من قوله سبحانه «5»: (أحسن كل شيء) [السجدة/ 7] فأمّا الضّمير الذي أضيف خلق إليه فلا يخلو من أن يكون ضمير اسم الله تعالى، أو يكون كناية عن المفعول، فالذي يدلّ عليه نظائره أنّ الضّمير
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: عزّ وجلّ.
(3) السبعة ص 516.
(4) سقطت من ط.
(5) ضبطت في الأصلين (خلقه) بفتح اللام هنا، وفي أكثر من موضع سترد فيه، وهو ضبط بخلاف المراد. وقد ضبطناها بما يتوافق مع المقصود من تسكين أو فتح.
(5/460)
________________________________________
لاسم الله «1»، لأنّه مصدر لم يسند الفعل المنتصب عنه إلى فاعل ظاهر. وما كان من هذا النحو أضيف المصدر فيه إلى الفاعل نحو صنع الله [النحل/ 88] ووعد الله [النساء/ 122] وكتاب الله عليكم [النساء/ 24] فكما أضيفت هذه المصادر إلى الفاعل، فكذلك يكون (خلقه) «2» مضافا إلى ضمير الفاعل لأنّ قوله: (أحسن كلّ شيء)، يدلّ على خلق كلّ شيء. فإن قلت: كيف يدلّ قوله: أحسن كلّ شيء على: خلق كلّ شيء، وقد تجعل «3» أشياء حسنة ممّا لم يخلقها؟ قيل: هذا كما قال: خالق كل شيء [الأنعام/ 102] فأطلق اللّفظ عامّا، فكما جاء هذا على لفظ العموم، كذلك يدلّ قوله:
أحسن كل شيء على: خلق كلّ شيء، وانتصب «4» (خلقه) عمّا في هذا اللّفظ من الدّلالة على خلق.
وروي أن عكرمة سئل عن قوله تعالى «5»: (الذي أحسن كل شيء خلقه) [السجدة/ 7] فقال: أما إنّ است الفرد ليست بحسنة، ولكنّه أبرم خلقها، أي: أتقن «6». وما تقدم ذكره من انتصاب (خلقه) على المصدر الذي دلّ فعل متقدّم مذهب سيبويه «7».
ويجوز في قوله: (أحسن كل شيء خلقه) [السجدة/ 7] أن
__________
(1) في ط: الله عزّ وجلّ.
(2) في م: خلقا.
(3) في ط: تجد أشياء.
(4) في م: فانتصب.
(5) سقطت من ط.
(6) انظر القرطبي 14/ 90. والطبري 21/ 94.
(7) انظر الكتاب 1/ 191.
(5/461)
________________________________________
يجعل (خلقه) بدلا من كلّ، فيصير التقدير: الذي أحسن خلق كلّ شيء.
ومن قال: (كلّ شيء خلقه) كان خلقه «1» وصفّا للنكرة المتقدمة، وموضع الجملة يحتمل وجهين: إن جعلت الجملة صفة لكلّ شيء كانت في موضع نصب، وإن جعلتها وصفا «2» لشيء كانت في موضع جرّ، ومثل وصف النكرة بالجملة هنا قوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) [الأنعام/ 92] فقوله: (أنزلناه) وصف لكتاب وموضع الجملة رفع، والدليل على ذلك رفع (مبارك) بعده فيعلم بارتفاع المفرد أن الجملة قبله في موضع رفع.
قال: قرأ ابن عامر (إذا ضللنا في الأرض) مكسورة الهمزة (أإنا) بهمزتين والاستفهام، وقد بيّن [قبل هذا] «3».
[السجدة: 10]
قال أبو علي: موضع «4» إذا نصب بما دلّ عليه قوله: (إنا لفي خلق جديد) [السجدة/ 10] وكأنّ «5» هذا الكلام يدلّ على: تعاد والتقدير: تعاد إذا ضللنا في الأرض، وقد تقدّم ذكر ذلك.
أبو عبيدة: ضللنا في الأرض: همدنا في الأرض «6»، وقال غيره: صرنا ترابا، فلم يتبين شيء من خلقنا.
__________
(1) خلقه: فعل ماض على هذه القراءة، وموضع الجملة هنا صفة لشيء فهي في محل جر، أو صفة لكل فهي في موضع نصب.
(2) في ط: صفة.
(3) في ط: هذا قبل. والمثبت موافق للسبعة أيضا. وانظر ما سبق 4/ 43، 45 وص 399 من هذا الجزء.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) في ط: وذاك أن.
(6) في مجاز القرآن 2/ 131: مجازه: همدنا فلم يوجد لنا لحم ولا عظم.
(5/462)
________________________________________
[السجدة: 17]
قرأ حمزة وحده: (ما أخفي لهم) [السجدة/ 17] ساكنة الياء، وقرأ الباقون: (أخفي لهم) نصبا «1».
قال أبو علي: الذي يقوّي بناء الفعل للمفعول به قوله تعالى «2»:
(فلهم جنات المأوى) [السجدة/ 19] فأبهم ذلك كما أبهم قوله:
(أخفي لهم) [السجدة/ 17]، ولم يسند إلى الفعل «3» بعينه، ولو كان (أخفي) كما قرأ حمزة وهي قراءة الأعمش لكان: أعطيهم جنات المأوى، فيوافق «4» أعطي أخفي في ذكر فاعل الفعل، ويقوّي ذلك أيضا، قوله تعالى: (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم) [السجدة/ 20] فكما أنّ الفعل في ذلك مبني للمفعول، ولم يسند إلى فاعل بعينه، فكذلك ينبغي أن يكون ما يعطف عليه من «5» قوله تعالى «6»: أخفي لهم. ويقوّي قراءة حمزة أخفي «7» أن أخفي إنّما هو مثل قوله: لآتينا كل نفس [السجدة/ 13] وقوله: حق القول مني [السجدة/ 13] ويتّصل بالحرف قوله: ومما رزقناهم ينفقون [السجدة/ 16] فهذا كلّه يقوّي أخفي لأنّ قوله: آتينا ورزقنا في المعنى مثل لفظ المفرد، فأمّا ما في قوله: ما أخفي لهم فالأبين فيه أن يكون استفهاما، وهو عندي قياس قول الخليل، فمن
__________
(1) السبعة ص 516.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: فاعل.
(4) في ط: ليوافق.
(5) في ط: في.
(6) سقطت من ط.
(7) كذا في ط وسقطت من م.
(5/463)
________________________________________
قال: أخفي لهم كان ما عنده مرتفعا بالابتداء، والذكر الذي في أخفي يعود عليه، والجملة التي هي ما أخفي لهم في موضع نصب. وتعلم هو الذي يتعدى إلى مفعولين، كما أن قوله: إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيء [العنكبوت/ 42] كذلك. ومن قال:
أخفي لهم، فإن (ما) في موضع نصب، بأخفي. والجملة في موضع نصب بتعلم، كما كان في القول الآخر كذلك، ومثل ذلك قوله:
(فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار) [الأنعام/ 135] وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه [هود/ 93] وما أشبه ذلك. يحمل فيه العلم على التعدى إلى مفعولين و (ما) «1» للاستفهام.
[السجدة: 24]
اختلفوا في فتح اللام وكسرها من قوله تعالى «2»: (لما صبروا) [السجدة/ 24] فقرأ حمزة والكسائى: (لما صبروا) مكسورة اللام خفيفة. وقرأ الباقون (لما) بفتح اللام وتشديد الميم «3».
قال أبو علي: أما من قرأ لما فإنه جعله كالمجازاة إلا أن الفعل المتقدم أغنى عن الجواب، كما أنك إذا قلت: أجيئك إن جئت، تقديره: إن جئت أجئك، فاستغنيت عن الجواب بالفعل المتقدم على الجزاء «4» فكذلك المعنى هاهنا: لما صبروا جعلناهم أئمة ومن قال:
لما صبروا، علق الجار بجعلنا، التقدير: جعلنا منهم أئمة لصبرهم.
__________
(1) في ط: وما ومن بعده.
(2) في ط: عز وجل.
(3) السبعة ص 516.
(4) في ط: الشرط.
(5/464)
________________________________________
[بسم الله] «1»
ذكر اختلافهم في سورة الأحزاب
[الاحزاب: 2]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «2»: (إن الله كان بما يعملون خبيرا) [2] فقرأ أبو عمرو وحده: (بما يعملون خبيرا) بالياء، وقرأ الباقون: (بما تعملون خبيرا) بالتاء «3».
(بما يعملون) على: (لا تطع الكافرين) [الأحزاب/ 1] إنّه بما يعملون. والتاء على الخطاب «4»، ويدخل فيه الغيب.
[الاحزاب: 4]
اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: (اللائي تظاهرون) [الأحزاب/ 4] فقرأ ابن كثير ونافع: (اللاء) ليس بعد الهمزة ياء كذلك، وقرأت على قنبل. وأخبرني إسحاق الخزاعي عن ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير: (اللاء) يكسر ولا يثبت ياء «5» مخففة بغير همز، ولا مدّ في كلّ القرآن، وكذلك أبو عمرو، وحدّثني محمد «6» بن مضر عن ابن أبي
__________
(1) سقطت من ط.
(2) في ط: عزّ وجلّ.
(3) السبعة ص 518.
(4) في ط: المخاطبة.
(5) في ط: الياء.
(6) في السبعة: مضر بن محمد.
(5/465)
________________________________________
بزّة عن أصحابه عن ابن كثير مثل أبي عمرو. قال ابن مخلد: عن ابن أبي بزّة [اللائي] «1» مشددة مكسورة وهو غلط. وقال في الطلاق:
(واللائي يئسن) [4] مثقلة، (واللائي لم يحضن) [الطلاق/ 4] مثلها.
وروى «2» ورش عن نافع مثل قراءة أبي عمرو. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: اللائي بياء بعد الهمزة، وكذلك اختلافهم في [اللائي] «3» قد سمع الله [المجادلة/ 2]، وفي الطلاق «4».
قال أبو علي: اللائي: وزنه فاعل مثل شائي فالقياس أن تثبت الياء فيه كما تثبت في الشائي، والنائي ونحوه. وقد حذفوا الياء من فاعل في حروف من ذلك قولهم: ما باليت
به بالة «5»، ومنه حانة، فكذلك إذا حذفت من اللائي يصير (اللاء) فإن خفّفت الهمزة فالقياس أن تجعل بين بين. وقد حكى سيبويه: حذف الياء من اللائى، فقال:
من قال في «6» (اللاء) قال «7» (لاء) لأنّه يصير بمنزلة باب، صار حرف الإعراب العين، يريد: عين الفعل التي هي همزة من اللائي. فأمّا قبل الحذف من اللائي فإنّ اللّائي واللّاتي قال فيهما: إنهما «7» بمنزلة شاري وضاري «9»، ومن ردّ الفاء في «يضع» اسم رجل إذا صغّر،
__________
(1) زيادة من السبعة.
(2) سقطت من ط.
(3) كذا في ط وسقطت من م. وهي في السبعة أيضا.
(4) السبعة ص 518 - 519.
(5) في اللسان (بلا): أصل بالة: بالية. مثل عافاه عافية، فحذفوا الياء تخفيفا.
انظر سيبويه 4/ 406.
(6) سقطت من ط.
(7) في (ط): قال إذا سمى.
(9) في ط: شائي وصاري.
(5/466)
________________________________________
فقال: «يويضع» ردّ اللّام هنا أيضا، فقال: لويىء، ومن لم يرد قال:
لويىء مثل: لويع، فإن خفّفت الهمزة قلت: لويّ، وزنه من الفعل:
فويع. ومن أمثلة التحقير: فعيل. وقال بعض أصحاب أحمد: يعني أنّ ابن كثير وأبا عمرو يقرءان: اللّاي يريد اللاء بهمزة ليس بعدها ياء «1» ثم يخفّف الهمزة فتصير ياء ساكنة، وزعم أنّه كذلك ضبط، قال: وهو تخفيف إبدال على غير قياس، قال أبو علي: ومثل هذا البدل من الهمز لا يقدم عليه إلا بسمع.
[الاحزاب: 4]
اختلفوا في قوله تعالى: (تظاهرون) [الأحزاب/ 4] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (تظّهّرون) بفتح التاء والتثقيل. وفي المجادلة [2] مثله غير أن تلك بالياء «2». وقرأ عاصم: (تظاهرون) بألف، مضمومة التاء خفيفة، وقرأ حمزة والكسائي: هاهنا (تظاهرون) خفيفة الظاء بفتح التاء وألف بعد الظاء، وفي المجادلة بياء مشددة [الظاء] «3» (يظاهرون)، وقرأهما ابن عامر بتشديد «4» الظاء مع الألف.
[قال أبو علي] «5»: (يظّهّرون) معناه: يتظهرون، فأدغم التاء في الظاء، وتقديره: يتفعّلون من الظهر «6»، وفي المجادلة مثله، غير أنّ تلك بالياء، والذين يظّهّرون تقديره: يتظهّرون، فأدغم التاء في الظّاء.
وقول عاصم: (تظاهرون) بألف مضمومة التاء. خفيفة فهذا من ظاهر من امرأته. ويقوي ذلك قولهم في مصدر ظاهر: اظّهار، ولا يمتنع أن
__________
(1) في (م): «اللائي بهمزة بعدها ياء» وما في (ط) هو الوجه.
(2) في م: بالتاء. المثبت من ط والسبعة.
(3) زيادة من السبعة.
(4) في ط: مشددة.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: الظهيرة.
(5/467)
________________________________________
يقال: ظاهر لقولهم: الظّهار في مصدره وإن كان الظّهار قد جاء في نحو قوله: وأنزل الذين ظاهروهم [الأحزاب/ 26] وفي قوله:
تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان [البقرة/ 85]، أي: تتعاونون، فلا يمتنع أن يستعمل في قولهم ظاهر من امرأته كالأشياء التي تتفق ألفاظها وتختلف معانيها، وكلّ ذلك من الظّهار «1». وقول حمزة والكسائي (تظاهرون) خفيفة الظّاء، معناها: تتظاهرون، فحذفا تاء تتفاعلون التي أدغمها غيرهما.
وقولهما في المجادلة: (تظاهرون) أدغما في المجادلة التاء الّتي حذفاها من تظاهرون، والمعنى واحد.
وقول ابن عامر بتشديد الظّاء مع الألف (تظّاهرون)، مثل قول «2» حمزة والكسائي في المجادلة، إنّما هو يتظاهرون.
[الاحزاب: 10]
اختلفوا في قوله تعالى «3»: (الظنونا) [الأحزاب/ 10]، و (الرسولا) [الأحزاب/ 66]، و (السبيلا) [الأحزاب/ 67].
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص والكسائي بألف إذا وقفوا عليهنّ وبطرحها في الوصل.
وقال هبيرة: عن حفص عن عاصم وصل أو وقف بألف. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع وابن عامر بألف «4» فيهنّ في الوصل والوقف. وقرأ أبو عمرو بغير ألف في الوصل والوقف هذه رواية
__________
(1) في ط: الظهرة.
(2) كذا في ط وسقطت من م.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: بالألف.
(5/468)
________________________________________
اليزيدي وعبد الوارث وروى عبّاس عن أبي عمرو بألف فيهنّ في الوصل والوقف. وروى علي بن نصر عن أبي عمرو: السبيلا يقف «1» عندها بألف. أبو زيد عن أبي عمرو: الظنونا، والرسولا. والسبيلا، يقف ولا يصل ووقفه بألف. عبيد عن هارون عن أبي عمرو يقف عندها الرسولا «2». وحدّثني الجمال «3» عن الحلواني عن روح عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو بألف فيهنّ وصل أو قطع «4».
قال أبو علي: وجه قول من أثبت في الوصل الألف «5» أنّها في المصحف كذلك، وهي رأس آية. ورءوس الآي تشبّه بالفواصل «6» من حيث كانت مقاطع، كما كانت القوافي مقاطع، فكما شبّه أكرمن [الفجر/ 15] وأهانن [الفجر/ 16] بالقوافي. في حذف الياء منهنّ نحو «7»:
من حذر الموت أن يأتين و: إذا ما انتسبت له أنكرن كذلك يشبّه هذا في إثبات الألف بالقوافي. فأمّا في الوصل، فلا
__________
(1) في م: لا يقف. والمثبت من ط والسبعة.
(2) في ط: السبيلا.
(3) هو الحسين بن حماد، وقيل: أبو علي الجمال الأزرق الرازي ثم القزويني المقرئ ثبت محقّق. قرأ على أحمد بن يزيد الحلواني.
انظر طبقات القرّاء 1/ 244.
(4) السبعة ص 520.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: بالقوافي.
(7) هذان عجزا بيتين للأعشى سبقا في 3/ 219.
(5/469)
________________________________________
ينون، ويحمل «1» على لغة من لم «2» ينوّن ذلك إذا وصل في الشعر لأنّ من لم «3» ينوّن أكثر. وقال أبو الحسن: وهي لغة أهل الحجاز، فكذلك، فأضلونا السبيلا [الأحزاب/ 67]، وأطعنا الرسولا [الأحزاب/ 66]. فأمّا من طرح الألف في الوصل كابن كثير والكسائي، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ ذلك في القوافي، وليس رءوس الآي بقواف، فتحذف في الوقف كما، تحذف في «4» غيرها، ممّا يثبت في الوقف نحو التشديد الذي يلحق الحرف الموقوف عليه، وهذا إذا ثبت في الخطّ فينبغي أن لا يحذف، كما لا تحذف هاء الوقف من حسابيه [الحاقة/ 20] وكتابيه [الحاقة/ 19] وأن يجري مجرى الموقوف عليه، ولا يوصل، وكذلك الهاء التي تلحق في الوقف، فهو وجه، فإذا ثبت ذلك في القوافي في الوصل فيما حكاه أبو الحسن، لأنّه «5» زعم أن هذه اللّغة أكثر، فثبات ذلك في الفواصل، كما يثبت «6» في القوافي حسن.
[الاحزاب: 9]
قال: قرأ أبو عمرو وحده (وكان الله بما يعملون بصيرا) [الأحزاب/ 9] بالياء. وقرأ الباقون بالتاء، أبو زيد عن أبي عمرو بالياء والتاء، وعبيد «7» عن أبي عمرو مثله «8».
__________
(1) كذا في ط، وفي من ولا يحمل.
(2) في ط: لا.
(3) في ط: لا.
(4) سقطت من ط.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: ثبت.
(7) في ط: وعتبة، وفي السبعة: وروى أبو زيد وهارون وعبيد.
(8) السبعة ص 519.
(5/470)
________________________________________
[قال أبو علي] «1»: حجّة التاء: فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها [الأحزاب/ 9] فالوجه فيما عطف عليه الخطاب، كما أنّ الذي عطف عليه كذلك، والياء على معنى فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا، وكان الله بما يعملون، أي يعمل الجنود، أو يعمل الأحزاب من تألبهم عليكم أيّها المسلمون.
[الاحزاب: 13]
حفص عن عاصم: لا مقام لكم [الأحزاب/ 13] مضمومة الميم. الباقون: (لا مقام لكم) مفتوحة الميم «2».
[قال أبو علي] «3»: المقام: يحتمل أمرين، يجوز: لا موضع إقامة لكم، وهذا أشبه، لأنّه في معنى من فتح فقال: (لا مقام لكم) أي: ليس لكم موضع تقومون فيه، ومن ذلك قول الشاعر:
فأيّي ما وأيّك كان شرّا ... فقيد إلى المقامة لا يراها
«4» ودخلتها التاء كما دخلت على المنزلة. والمقامة موضع ثواء ولبث. ويحتمل قول عاصم: لا مقام لكم لا إقامة لكم فأمّا المقام:
فاسم الموضع، قال: مقام إبراهيم [البقرة/ 125]: مصلّاه، وقيل للمجلس والمشهد: مقام ومقامة.
[الاحزاب: 14]
اختلفوا في قوله سبحانه «5»: ثم سئلوا الفتنة لأتوها
__________
(1) سقطت من ط.
(2) السبعة ص 520 وفيه: وكذلك أبو بكر عن عاصم.
(3) سقطت من ط.
(4) البيت للعباس بن مرداس، في الكتاب 1/ 399. وانظره في اللسان (أيا) وسقطت (ما) من نسخة (م) سهوا من الناسخ.
(5) في ط: عزّ وجلّ.
(5/471)
________________________________________
[الأحزاب/ 14] في المدّ والقصر، فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر لأتوها قصيرة، وروى ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير: (لآتوها) ممدودة، وكذلك قرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: (لآتوها) ممدودة «1».
[قال أبو علي] «2»: أمّا من قصر فلأنّك تقول: أتيت الشيء: إذا فعلته. تقول: أتيت الخير، وتركت الشر، أي: فعلت الخير، ومعنى:
ثم سئلوا الفتنة: سئلوا فعل الفتنة [لأتوها، أي: لفعلوها. ومن قرأ:
(لآتوها) بالمدّ فالمعنى: ثم سئلوا فعل الفتنة] «3» لأعطوها، أي: لم يمتنعوا منها، ومما يحسّن المدّ قوله سبحانه «4»: ثم سئلوا الفتنة، فالإعطاء مع السؤال حسن، والمعنى: لو قيل لهم: كونوا على المسلمين مع المشركين لفعلوا ذلك.
[الاحزاب: 21]
اختلفوا في ضمّ الألف وكسرها من قوله تعالى «5»: أسوة حسنة [الأحزاب/ 21] فقرأ عاصم: أسوة بضمّ الألف حيث وقعت، وقرأ الباقون: (إسوة) بكسر الألف حيث وقعت «6».
[قال أبو علي] «7»: أسوة وإسوة لغتان، ومعناهما قدوة.
[الاحزاب: 30]
اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: يضاعف لها العذاب ضعفين
__________
(1) السبعة ص 520 مع اختلاف يسير.
(2) سقطت من ط.
(3) ما بين المعقوفتين ساقط من م.
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: عزّ وجلّ.
(6) السبعة ص 520.
(7) سقطت من ط.
(5/472)
________________________________________
[الأحزاب/ 30] فقرأ ابن كثير وابن عامر: (نضعّف) بالنّون (العذاب) نصبا. وقرأ أبو عمرو: (يضعّف) بالياء (العذاب) رفعا. وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: يضاعف بألف لها العذاب رفعا، على ما لم يسمّ فاعله «1».
[قال أبو علي] «2»: ضاعف وضعّف، بمعنى فيما حكاه سيبويه «3».
وقال أبو الحسن: الخفيفة لغة أهل الحجاز، والثقيلة «4» لغة بني تميم، ومن قال: (نضعّف) «5» فالفعل مسند إلى ضمير اسم الله تعالى، ومن قال: يضاعف فلم يسمّ الفاعل أسند الفعل إلى العذاب، ومعنى يضاعف لها العذاب ضعفين أنّها لما تشاهد من الزّواجر، وما يردع عن مواقعة الذنوب ينبغي أن تمتنع أكثر مما يمتنع من لا يشاهد ذلك ولا يحضره، وقال: يضاعف لها العذاب فعاد الضمير على معنى (من) دون لفظ (من)، ولو عاد على لفظ (من) لذكر. ومثل يضاعف لها العذاب ضعفين، فزيد في العذاب ضعف كما زيد في الثواب ضعف في «6» قوله تعالى «7»: نؤتها أجرها مرتين [الأحزاب/ 31] فكما ضوعف الأجر كذلك [ضوعف العذاب] «8».
__________
(1) السبعة ص 521.
(2) سقطت من ط.
(3) انظر الكتاب 4/ 68 (ت. هارون).
(4) في ط: والمثقلة.
(5) في ط: نضاعف.
(6) سقطت من م.
(7) سقطت من ط.
(8) في ط: ضوعفت العقوبة والعذاب.
(5/473)
________________________________________
[الاحزاب: 31]
اختلفوا في قوله تعالى: ومن يقنت ... وتعمل صالحا نؤتها أجرها [الأحزاب/ 31].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر (يقنت) بالياء، وتعمل بالتاء، نؤتها بالنون. وقرأ حمزة والكسائي كل ذلك بالياء، ولم يختلف الناس في: يقنت أنه بالياء وكذلك من يأت بالياء «1».
[قال أبو علي] «2»: أمّا من قرأ: (يقنت) بالياء، فلأنّ الفعل مسند إلى ضمير (من) ولم يبيّن فاعل الفعل بعد، فلمّا ذكر ما دلّ على «3» أنّ الفعل لمؤنث حمل على المعنى فأنّث، وذلك كقوله: من آمن بالله [المائدة/ 69] ثمّ قال: فلا خوف عليهم [المائدة/ 69]، وقال: ومنهم من يستمع إليك [الأنعام/ 25]، وفي أخرى:
يستمعون إليك [يونس/ 42]، وأمّا من قرأ كلّ ذلك بالياء، فإنّه حمل على اللفظ دون المعنى، واللّفظ (من) وهو مذكر، وممّا يقوّي قول من حمل على المعنى فأنّث، اتفاق حمزة والكسائي معهم في قولهم: (نؤتها) فحملا على المعنى، فكذلك قوله: (وتعمل) كان ينبغي على هذا القياس أن يحملا على المعنى، وإنّما لم يختلف الناس في (يقنت) و (يأت)، لأنّه إنّما جرى ذكر (من)، ولم يجر ذكر ما يدلّ على التأنيث فيحمل الكلام على المعنى.
[الاحزاب: 33]
اختلفوا في فتح القاف وكسرها من قوله سبحانه «4»: وقرن في
__________
(1) السبعة ص 521.
(2) سقطت من ط.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) سقطت من ط.
(5/474)
________________________________________
بيوتكن [الأحزاب/ 33] فقرأ عاصم ونافع: وقرن في بيوتكن بالفتح، وقرأ الباقون: وقرن بالكسر «1».
قال أبو علي: من قال «2»: قرن بكسر القاف احتمل أمرين:
أحدهما أن يكون من التوقّر في بيوتكن «3»، وأن لا يخرجن منها. وقرن مثل عدن، وزن، ونحو ذلك، ممّا تحذف منه الفاء، وهي واو، فيبقى من الكلمة علن. ويحتمل أن
يكون من قرّ في مكانه يقرّ، فإذا أمر من هذا قال: اقرر فيبدل من العين الياء كراهية «4» التضعيف كما أبدل من قيراط ودينار، فيصير لها حركة الحرف المبدل منه، ثم لا تلقى الحركة على الفاء، فتسقط همزة الوصل لتحرّك ما بعدها فتقول: (قرن) لأنّ حركة الراء كانت كسرة في يقرّ، ألا ترى أنّ القاف متحركة بها؟ فأمّا من فتح قرن فإنّ من لم يجز قررت في المكان أقرّ، وإنّما يقول في المكان قررت أقرّ وقررت به عينا أقرّ، ولا يجوز قررت في المكان، أقرّ، فإنّ فتح الفاء عنده لا يجوز، وذلك لأنّه حرّك القاف بالفتحة من غير أن يلقي عليها الفتحة، ألا ترى أنّ الفتحة إذا لم تجز في قولهم:
أنا أقرّ في المكان، لم يثبت في الكلمة، وإذا لم يثبت فيها لم يجز أن يلقى على ما قبلها، ومن جاز عنده قررت في المكان جاز على قوله:
قرن كما جاز قرن، حيث لم يختلف في قررت في المكان أقرّ. وأبو عثمان يزعم أن قررت في المكان لا يجوز، وقد حكى ذلك بعض البغداذيين، فيجوز الفتح في القاف على هذه اللّغة إذا ثبتت، والوجه
__________
(1) السبعة ص 522.
(2) في ط: قرأ.
(3) في ط: بيوتهنّ.
(4) في ط: كراهة.
(5/475)
________________________________________
في القراءة الكسر (وقرن)، لأنّه يجوز من وجهين لا إشكال في جوازه منهما «1»، وهما من القرار، والوقار، وفتح القاف على ما ذكرت لك من الخلاف. قال أبو عثمان يقال: قررت به عينا [وأنا أقرّ به عينا] «2» قال: ولا يقال: قررت في هذا المعنى قال: ويقال: قررت في المكان فأنا أقرّ فيه، ويأمره فيقول: قرّ في مكانك. انتهت الحكاية عن أبي عثمان.
[الاحزاب: 36]
اختلفوا في التاء والياء من قوله تعالى «3»: (أن تكون لهم الخيرة) [الأحزاب/ 36] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (أن تكون) بالتاء. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي أن يكون بالياء «4».
[قال أبو علي] «5»: التأنيث والتذكير: حسنان، وقد مضى نحو ذلك وهذه الآية تدلّ على أنّ ما في قوله: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة [القصص/ 68] يقوّي قول من قال: أن يكون لهم بالياء. ألا ترى أنّه لم تثبت علامة التأنيث في كان؟
[الاحزاب: 40]
اختلفوا في فتح التاء وكسرها من قوله جلّ وعزّ «6»: وخاتم النبيين الأحزاب/ 40] فقرأ عاصم وحده: وخاتم بفتح التاء، وقرأ الباقون بالكسر «7».
__________
(1) كذا في ط وسقطت من م.
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من م.
(3) في ط: عزّ وجلّ.
(4) السبعة ص 522.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: تعالى.
(7) السبعة ص 522.
(5/476)
________________________________________
[قال أبو علي] «1»: من كسر قال: لأنّه ختمهم، فهو خاتمهم.
وزعموا أنّ الحسن قال: خاتم: هو الذي ختم به.
[الاحزاب: 49]
قال: قرأ حمزة والكسائي: (تماسوهن) [الأحزاب/ 49] بألف، وقرأ الباقون تمسوهن بغير ألف والتاء مفتوحة «2».
[قال أبو علي] «3»: وجه من قال: تمسوهن [بغير ألف] «4» ولم يمسسني بشر [مريم/ 20] وقال: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [الرحمن/ 74] (وما كان) «5» من هذا النحو جاء على فعل دون فاعل، وقد حكى أبو عبيدة أن اللّماس: الجماع، فيمكن أن يكون ذلك «6» مصدر فاعل وإذا جاء ذلك في اللّمس أمكن أن يكون المسّ مثله، وقد تقدّم القول في ذلك فيما سلف من الكتاب.
[الاحزاب: 49]
قال: وقرأ ابن أبي بزّة عن ابن كثير (تعتدونها) خفيفة الدال وروى القواس عنه تعتدونها مشددة. وقال لي قنبل: كان ابن أبي بزّة قد أوهم في (تعتدونها) فكان يخفّفها فقال لي القواس: صر إلى أبي الحسن فقل له ما هذه القراءة التي قرأتها لا نعرفها فصرت إليه فقال:
قد رجعت عنها. قال قد كان غلط أيضا «7» في ثلاثة مواضع هذا
__________
(1) سقطت من ط.
(2) السبعة ص 522.
(3) سقطت من ط.
(4) كذا في ط وسقطت من م.
(5) كذا في ط وسقطت من م.
(6) سقطت من ط.
(7) سقطت من م.
(5/477)
________________________________________
أحدها، وهو «1» قوله: (وما هو بميت) [إبراهيم/ 17] خفيفة (وإذا العشار عطلت) «2» [التكوير/ 4].
تعتدّونها: تفتعلون من العدّة ولا وجه للتخفيف في نحو تشتدّونها ترتدّونها من الشّدّ والرّدّ، وليس كلّ المضاعف يبدل من حروف التضعيف فيه، وإنّما يبدل فيما سمع، وإن شئت قلت: قد جاء في التنزيل في هذا النحو الأمران قال سبحانه «3»: فليملل وليه [البقرة/ 282] وقال: فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [الفرقان/ 5].
وأنشد أبو زيد:
ولا أملاه حتّى يفارقا «4» وإن شئت جعلته افتعل من عدوت الشيء إذا جاوزته، أي: ما لكم عليهنّ من وقت عدّة تلزمكم أن تجاوزوا عدده، فلا تنكحوا أختها ولا أربعا سواها حتى تنقضي العدّة.
[الاحزاب: 51]
وقال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وفي رواية أبي بكر (ترجئ) [الأحزاب/ 51] مهموزا، وقرأ عاصم في رواية حفص ونافع وحمزة والكسائي بغير همز «5».
[قال أبو علي] «6»: قد جاء في هذا الحرف الهمز وغيره،
__________
(1) سقطت من م.
(2) السبعة ص 523.
(3) سقطت من ط.
(4) هذا جزء من بيت نسبه أبو زيد في نوادره ص 232 للأسود بن يعفر النهشلي سبق في 1/ 208، وهو ثاني أبيات ثلاثة في النوادر. (ط- الفاتح).
(5) السبعة ص 523.
(6) سقطت من ط.
(5/478)
________________________________________
وكذلك (أرجئه) [الأعراف/ 11، الشعراء/ 36] وأرجه (وآخرون مرجئون) [التوبة/ 106] ومرجون.
فإذا جاء فيه الهمز وغير الهمز كانت القراءة بكلّ واحد من الأمرين حسنة.
[الاحزاب: 52]
قال: وكلّهم قرأ: لا يحل لك النساء [الأحزاب/ 52] بالياء، غير أبي عمرو فإنّه قرأ: (تحلّ) بالتاء. وروى القطعيّ عن محبوب عن أبي عمرو: لا يحل بالياء «1».
[قال أبو علي] «2»: التاء والياء جميعا حسنان، لأنّ النساء تأنيثه ليس بحقيقي، إنّما هو تأنيث الجمع، نحو الجمال والجذوع فالتذكير حسن، والتأنيث حسن «3».
[الاحزاب: 53]
قال: وكلّهم فتح النون من قوله سبحانه «4»: إناه [الأحزاب/ 53] غير حمزة والكسائي فإنّهما أمالا النون فيها «5».
[قال أبو علي] «6»: من لم يمل فلأنّ الكثير من الناس لا يميلون هذه الألفات، ومن أمال فلأنّ الألف منقلبة عن الياء. يدلّ على ذلك أنّهم قالوا في المصدر: إني، وإنا، مثل: حي وحسا، وإذا صحّ انقلاب الألف عن الياء، لم يكن في إمالته إشكال عند من أمال.
__________
(1) السبعة ص 523.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: كذلك.
(4) سقطت من ط.
(5) السبعة ص 523.
(6) سقطت من ط.
(5/479)
________________________________________
والأنى «1»: هو إدراك الشيء وبلوغه ما يراد أن يبلغه، ومنه: ألم يأن للذين آمنوا [الحديد/ 16] وقالوا للمتثبت في الأمور: متأنّ، ومن ذلك قولهم لما يرتفق به: إناء، وفي جمعه: آنية، مثل إزار وآزرة.
[الاحزاب: 67]
قال: كلّهم قرأ سادتنا [الأحزاب/ 67] على التوحيد غير ابن عامر فإنّه قرأ (ساداتنا) جماعة «2» [سادة.
قال أبو علي] «3»: سادة جمع سيّد وهو فعلة مثل كتبة وفجرة، أنشدنا عليّ بن سليمان «4»:
سليل قروم سادة ثم قادة ... يبذّون أهل الجمع يوم المحصّب
ووجه الجمع بالألف والتاء أنّهم قد قالوا الجرزات «5» والطّرقات والمعنات في معن جمع معين، فكذلك يجوز في هذا الجمع سادات وقال الأعشى:
جندك التالد الطّريف من ال ... سّادات أهل القباب والآكال
«6»
__________
(1) أنى الشيء يأني أنيا وإنى وهو أنّي: حان وأدرك. انظر اللسان (أني).
(2) السبعة ص 523.
(3) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.
(4) في معجم الشعراء ص 147: ابن الطريف السلمي اليمامي اسمه علي بن سليمان أحد شعراء العسكر. ا. هـ. ويوم المحصب: يوم منى والمحصب موضع رمي الجمار. انظر اللسان/ حصب/.
(5) في ط: الجزرات.
(6) انظر ديوانه/ 11 وفيه العتيق بدل الطريف.
(5/480)
________________________________________
قال أبو الحسن: لا يكادون يقولون: سادات. قال «1» وهي عربية، وزعموا أنّ الحسن قرأ (أطعنا ساداتنا).
[الاحزاب: 68]
اختلفوا في الباء والثاء من قوله جلّ وعزّ «2»: لعنا كبيرا [الأحزاب/ 68] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي:
(لعنا كثيرا) بالثاء، وقرأ عاصم وابن عامر: كبيرا بالباء كذا في كتابي عن أحمد بن يوسف التغلبي عن ابن ذكوان [عن ابن عامر] «3»، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان عن ابن عامر بالثاء، وقال هشام بن عمّار عن ابن عامر بالثاء «4».
قال أبو علي: الكبر مثل العظم، والكبر وصف للّعن بالكبر، كالعظم، والكثرة أشبه بالمعنى، لأنّهم يلعنون مرّة، وقد جاء:
يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون [البقرة/ 159] فالكثرة أشبه بالمرار المتكررة من الكبر.
__________
(1) سقطت من م.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط ومن السبعة.
(4) السبعة ص 524.
(5/481)
________________________________________
[بسم الله]
ذكر اختلافهم في سورة سبأ
[سباء: 3]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: عالم الغيب [3] كسرا، وقرأ نافع وابن عامر: عالم الغيب رفعا. وقال ابن ذكوان:
قال بعض أصحابنا عن يحيى بن الحارث عن ابن عامر عالم الغيب كسرا. وقرأ حمزة والكسائي: علّام الغيب بالكسر وبلام قبل الألف «1».
قال أبو علي: الجرّ في عالم على اتباعه المجرور الحمد لله [1] عالم الغيب. وأمّا الرفع، فيجوز أن يكون عالم خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو عالم الغيب ويجوز في من «2» رفع أن يكون ابتداء وخبره لا يعزب عنه، وعلّام الغيب في اتباعه ما قبله. مثل: عالم الغيب، وعلّام أبلغ وقد قال «3»: يقذف بالحق علام الغيوب [سبأ/ 48]، وقال إنك أنت علام الغيوب [المائدة/ 109 - 116].
__________
(1) السبعة ص 526.
(2) في ط: في عالم فيمن.
(3) في م: يقال.
(6/5)
________________________________________
وحجّة عالم الغيب قوله «1»: عالم الغيب والشهادة [التغابن/ 18] وعالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا [الجن/ 26].
[سباء: 3]
قال: قرأ الكسائي وحده لا يعزب عنه [سبأ/ 3] بكسر الزاي.
وقرأ الباقون: يعزب بضم الزاي «2».
قال أبو علي: يعزب ويعزب لغتان، ومثله يحشر ويحشر، ويعكف ويعكف، ويفسق ويفسق. وهو كثير.
[سباء: 5]
قال قرأ عاصم في رواية حفص من رجز أليم [سبأ/ 5] رفعا، وفي الجاثية [11] مثله.
وكذلك قرأ ابن كثير فيهما، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم:
رجز أليم كسرا فيهما «3».
قال أبو علي «4»: الرجز: العذاب، بدلالة قوله سبحانه «5»: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك [الأعراف/ 134] وقال: فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء [البقرة/ 59] وإذا كان الرجز العذاب، جاز أن يوصف بأليم، كما أنّ نفس العذاب قد جاز أن يوصف به في نحو قوله: ولهم عذاب أليم [آل عمران/ 177]، ومثل هذا في أنّ الصّفة تجري على المضاف مرّة، وعلى المضاف إليه
__________
(1) سقطت من ط.
(2) السبعة ص 526.
(3) سقطت من م ومن السبعة انظر ص 526.
(4) سقطت من ط.
(5) سقطت من ط.
(6/6)
________________________________________
أخرى، وقوله تعالى «1»: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ومحفوظ [البروج/ 21 - 22] فالجرّ على حمله على اللّوح، والرفع على حمله على القرآن، وإذا كان القرآن في لوح، وكان اللّوح محفوظا، فالقرآن محفوظ أيضا، وكذلك ثياب سندس خضر، وخضر [الإنسان/ 21]. فالرّفع على أن يتبع الثياب، والجرّ على أن يتبع السندس، وإذا كان الثياب سندسا والسندس خضر فالثياب كذلك، ولفظ سندس وإن كان مفردا فهو في المعنى جنس وكثرة، فلذلك جاز أن يوصف بخضر. فكذلك قوله سبحانه «2»: من رجز أليم [سبأ/ 5] والجرّ في أليم أبين، لأنّه إذا كان عذاب من عذاب أليم، كان العذاب الأوّل أليما، وإذا أجريت الأليم على العذاب كان المعنى عذاب أليم من عذاب فالأوّل أكثر فائدة.
[سباء: 9]
اختلفوا في الياء والنون من قوله سبحانه «3»: إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم [سبأ/ 9].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وأبو عمرو: نخسف، أو نسقط بالنون، وقرأ حمزة والكسائي: يخسف أو يسقط بالياء، وأدغم الكسائي وحده الفاء في الياء «4».
[قال أبو علي] «5»: حجّة النون قوله ولقد آتينا داود [سبأ/ 10] فالنون أشبه بآتينا، وحجّة الياء قوله: أفترى على الله [سبأ/ 8]
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: تعالى.
(4) السبعة ص 527 وفيه: «يشأ يخسف ... أو يسقط» بالياء ثلاثتهنّ ...
(5) سقطت من ط.
(6/7)
________________________________________
فالياء، على الحمل على اسم الله. فأمّا إدغام الكسائي «1» الفاء في الباء في نخسف بهم فإنّ إدغام الفاء في الباء لا يجوز، وإن جاز إدغام التاء في الفاء، وذلك أنّ الفاء من باطن الشفة السّفلى وأطراف الثّنايا العليا، وانحدر الصوت بها إلى الفحم حتّى اتّصلت بمخرج التاء، حتّى جاء مثل: الحدث، والحذف، والمغافير، والمغاثير فتعاقبا على الحرف للمقاربة الّتي بينهما، فلمّا اتّصلت بمخرج الثاء صارت بمنزلة حرف من تلك الحروف، فلم يجز إدغامها في الباء، لأنّه لما اتّصل بما ذكرنا صار بمنزلة حرف من ذلك الموضع، فكما أنّ ذلك الحرف الذي اتّصل الفاء به لا يدغم في الباء، كذلك الفاء لا تدغم في الباء. ومما يبيّن ذلك أنّ الضاد لمّا استطال مخرجها، فتجاوز صوتها مخرج اللّام، وانحدرت من «2» مخرج اللّام حتّى اتّصل الصوت بها بمخرج الطّاء والدّال والتّاء أدغم هذه الحروف في الضاد، وجعلت الضاد لمّا استطالت واتّصل صوتها بمواضع ما ذكرنا أدغم ما ذكرنا من الحروف فيها، فصارت لذلك بمنزلة ما هو من الموضع الّذي اتّصل صوتها به، فأدغمت هذه الحروف في الضّاد، كما يدغم فيما هو من مخرجها، فكذلك الفاء، لمّا «3» اتّصل صوتها بمخرج الثاء، جرت مجرى ما هو من ذلك الموضع، فكما كانت الضّاد كذلك فأدغمت فيها الطّاء والدّال والتاء، وذلك نحو: اضبط ضرمة [وانعت ضّرمة] «4»، وانقد ضّرمة، ولم يجز أن تدغم الضاد في هذه الحروف «5» لما فيها من زيادة
__________
(1) سقطت في م.
(2) في ط: عن.
(3) في ط: إذا.
(4) سقطت من م سهوا من الناسخ.
(5) سقطت من ط. كلمة الحروف.
(6/8)
________________________________________
الصوت، فكذلك لا يجوز أن تدغم الفاء في الباء لزيادة صوتها المتصل بحرف من حروف الفهم ومثل إدغامهم الطّاء والدّال والتّاء في الضّاد، إدغامهم الظاء والذال والتاء فيها أيضا، وهي أخرج من الفم، والحروف الأخر أدخل فيه، ومثل الضّاد في إدغامهم هذه الحروف فيها: الشين: أدغمت هذه الحروف الستة فيها، كما أدغمت في الضاد، فهذه الحروف أدغمت في الضّاد والشين، ولم تدغم الضّاد والشّين فيها، فكذلك الفاء لا تدغم في الباء، وإن كانت الباء قد أدغمت فيها في نحو: اذهب في ذلك.
وكذلك أدغمت الطّاء والدّال والتّاء والظّاء والذّال والثّاء في الصّاد والسّين والزّاي، ولم يدغم شيء منهنّ في الحروف الستة، لما فيهنّ من «1» زيادة الصفير الذي ليس في الحروف الستة، وكذلك لا تدغم الفاء في الباء لزيادة صوتها على صوت الباء. وكذلك الباء أدغمت في الميم نحو اصحب مطرا، ولم تدغم هي في الباء نحو:
اضمم بكرا، لما فيها من زيادة الغنّة التي ليست في الباء.
وكذلك الرّاء لم تدغم في اللام نحو: اختر ليلة، وإن كانت اللّام أدغمت في الراء نحو: اشغل رجبة، فما كان من الحروف يذهب الإدغام منه زيادة صوت فيه من نحو ما ذكرنا، لم يجز إدغامه في مقاربه العاري من تلك الزيادة، وكذلك الفاء مع الباء.
[سباء: 12]
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، والمفضل عن عاصم ولسليمان الرّيح [سبأ/ 12] رفعا، وفي رواية حفص الريح نصبا، وكذلك قرأ الباقون: الريح نصبا «2».
__________
(1) سقطت من ط.
(2) السبعة ص 527.
(6/9)
________________________________________
[قال أبو علي] «1»: وجه النصب أنّ الرّيح حملت على التّسخير في قوله تعالى «2»: فسخرنا له الريح تجري بأمره [ص/ 36] فكما حملت في هذا على التّسخير، كذلك ينبغي أن تحمل هنا عليه. وممّا يقوّي النّصب قوله: ولسليمان الريح عاصفة [سبأ/ 12] والنصب يحمل على سخّرنا، ووجه الرّفع: أنّ الرّيح إذا سخّرت لسليمان، جاز أن يقال: له الرّيح، على معنى: تسخير الريح، فالرفع على هذا يؤول إلى معنى النصب، لأنّ المصدر المقدّر في تقدير الإضافة إلى المفعول به.
[سباء: 13]
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: كالجوابي «3» [سبأ/ 13] بياء في الوصل ووقف ابن كثير بياء، أبو عمرو: بغير ياء. وقرأ الباقون:
بغير ياء في وصل ولا وقف «4».
[قال أبو علي] «5»: الجوابي: جمع جابية، وهو الحوض.
والقياس أن تثبت الياء مع الألف واللّام، ووقف ابن كثير بالياء حسن من حيث كان الأصل، والقياس وقف أبي عمرو بغير ياء لأنّها فاصلة أو مشبّهة بالفاصلة «6» من حيث تمّ الكلام، ومن حذف الياء في الوصل
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي: (كالجواب). وكذلك هي في السبعة.
(4) السبعة ص 527.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: لها.
(6/10)
________________________________________
والوقف، فلأنّ هذا النحو قد يحذف كثيرا «1»، ويقال: جبا الماء إذا اجتمع «2» وقال الشاعر:
نفى الذّمّ عن آل المحلّق جفنة كجابية الشّيخ العراقيّ تفهق «3»
[سباء: 14]
اختلفوا في همز منسأته [سبأ/ 14] وترك الهمز «4».
فقرأ نافع وأبو عمرو: منساته غير مهموز، وقرأ الباقون منسأته مهموزا «5» مفتوح الهمزة «6».
أبو عبيدة: هي العصا التي ينسأ بها الغنم، وأصلها من نسأت تنسأ بها «7» الغنم أي: تسوقها، وأنشد لطرفة:
وعنس كألواح الإران نسأتها على لاحب كأنّه ظهر برجد «8»
__________
(1) في م (كثير) والصواب من ط.
(2) في ط: إذا جمعه في الحوض.
(3) البيت للأعشى في ديوانه/ 255، وفي شرح أبيات المغني 2/ 278 ضمن قصيدة يمدح بها الأعشى المحلّق، واسمه عبد العزّى من بني عامر بن صعصعة، وقد استوفي تخريجه هناك، كما استوفى البغدادي شرح القصيدة رحمه الله. وأصل الفهق: الامتلاء.
(4) في ط: همزها.
(5) سقطت من ط.
(6) السبعة ص 527.
(7) سقطت من ط.
(8) البيت في ديوانه/ 12. ومعنى برجد: كساء من صوف أحمر، وقيل: كساء غليظ انظر اللسان (برجد). ومعنى الإران: الجنازة، وجمعه أرن. وقيل:
(6/11)
________________________________________
أي: سقتها، والقياس في همز منسأة إذا خفّفت [الهمزة منها] «1» أن تجعل بين بين، إلّا أنّهم خفّفوا همزتها على غير القياس، وكثر التخفيف فيها. وقال سيبويه: تقول: منيسئة في تحقير منسأة، لأنّها من نسأت، فلم يجعل البدل فيها لازما كياء عيد، حيث قالوا في تكسيره أعياد، ويدلّ على أنّه ليس ببدل لازم قولهم في تكسيرها: مناسئ، «2» فيما حكاه سيبويه «3».
[سباء: 15]
اختلفوا في قوله سبحانه: «4» مساكنهم [سبأ/ 15].
فقرأ الكسائي وحده: مسكنهم بغير ألف مكسورة الكاف.
وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة: مسكنهم مفتوحة الكاف. وقرأ الباقون «5»: مساكنهم بألف «6».
قال أبو عليّ: من قال مساكنهم أتى باللّفظ وفقا للمعنى، لأنّ لكلّ ساكن مسكنا فجمع، والمساكن: جمع مسكن، الذي هو اسم للموضع من سكن يسكن. ومن قال: مسكنهم فيشبه أن يكون جعل المسكن مصدرا، وحذف المضاف، والتقدير: في مواضع سكناهم،
__________
- تابوت الموتى وانظر اللّسان (أرن) و (نسأ) وفيه: أمون بدل: وعنس. وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 2/ 145.
(1) سقطت من م.
(2) كذا في ط، وفي م: مياسئ. وهو تصحيف.
(3) انظر الكتاب 3/ 459 (ت. هارون).
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وكذلك في السبعة، والمؤدّى واحد.
(6) السبعة ص 528.
(6/12)
________________________________________
فلمّا جعل المسكن كالسّكنى والسكون أفرد، كما تفرد المصادر، وهذا أشبه من أن تحمله على نحو:
كلوا في بعض بطنكم «1» و: ..... جلد الجواميس «2» وعلى هذا قوله سبحانه «3»: في مقعد صدق [القمر/ 55] أي:
مواضع قعود، ألا ترى أنّ لكلّ واحد من المتّقين موضع قعود، فهذا التأويل أشبه من أن تحمله على الوجه الآخر الذي لا يكاد يجيء إلّا في شعر. فأمّا قول الكسائي: في مسكنهم فالأشبه فيه الفتح، لأنّ اسم المكان من فعل يفعل على المفعل «4»، فإن لم ترد المكان. ولكن المصدر، فالمصدر أيضا في هذا الحد «5» على المفعل مثل المحشر ونحوه، وقد يشذّ عن القياس المطّرد نحو هذا، كما جاء المسجد وسيبويه يحمله على أنّه اسم البيت، وليس المكان من فعل يفعل، فإن
__________
(1) هذه قطعة من بيت لم يعرف قائله ونصه:
كلوا في بعض بطنكم تعفو فإنّ زمانكم زمن خميص انظر الكتاب لسيبويه 1/ 108، والخزانة 3/ 379 وفي (م) بطونكم وهو خطأ لانكسار الوزن، فالبيت من الوافر. سبق في 4/ 81 و 5/ 213
(2) قطعة من بيت لجرير وتمامه:
تدعوك تيم وتيم في قرى سبأ قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس سبق في 4/ 81
(3) سقط من ط.
(4) في (م): المفعول.
(5) في ط: يجيء
(6/13)
________________________________________
أراد ذاك فتح، وكذلك المطلع من طلع يطلع، والمطلع على القياس، إلّا أنّ أبا الحسن يقول: إنّ المسكن إذا كسرته لغة كثيرة، قال: وهي لغة النّاس اليوم. قال: وأمّا المسكن مفتوحة فهي لغة أهل الحجاز. قال «1» وهي اليوم قليلة.
[سباء: 16]
اختلفوا في إضافة أكل خمط [سبأ/ 16] والتنوين.
فقرأ أبو عمرو وحده: ذواتي أكل خمط مضافا. وثقّل الأكل ونون الباقون. عباس عن أبي عمرو ذواتي أكل خمط مضافا «2» خفيفا، وخفّف الكاف ابن كثير ونافع.
وثقّل الباقون إلا ما روى عباس عن أبي عمرو «3».
أبو عبيدة: الخمط: كل شجرة مرّة ذات شوك، والأكل: الجنا، كل ما اجتني «4» قال أبو علي: ما ذهب إليه أبو عمرو في قراءته بالإضافة على تفسير أبي عبيدة حسن، وذاك أن «5» الأكل: إذا كان الجنا فإنّ جنا كل شجرة منه، والدليل على أنّ الأكل: الجنا، كما قال أبو عبيدة، قوله سبحانه «6»: تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها [إبراهيم/ 25] وقد جاء الجنا مضافا إلى الشجرة في قوله:
__________
(1) سقطت من م.
(2) كذا في ط وسقطت من م.
(3) السبعة ص 528.
(4) إعجاز القرآن ص 147 والجملة الأخيرة ساقطة منه.
(5) في ط: لأن.
(6) سقطت من ط.
(6/14)
________________________________________
موشحة بالطرّتين دنا لها جنا أيكة يضفو عليها قصارها «1» فكما أضاف الجنا إلى الشجرة التي هي الأيكة كذلك أضاف أبو عمرو الأكل الذي هو الجنا إلى الخمط، وغير الإضافة على هذا ليس في حسن الإضافة، وذلك لأنّ الخمط إنما هو اسم شجرة، وليس بوصف، وإذا لم يكن وصفا. لم يجر على ما قبله، كما يجري الوصف على الموصوف. والبدل ليس بالسّهل أيضا، لأنّه ليس هو هو، ولا بعضه لأن الجنا من الشجرة، وليس الشجرة من الجنا، فيكون إجراؤه عليه على وجه عطف البيان، كأنّه بين أنّ الجنا لهذا الشجر، ومنه، وكأنّ الذي حسّن ذلك أنّهم قد استعملوا هذه الكلمة استعمال الصفة. قال الشاعر:
عقار كماء النّيء ليست بخمطة ولا خلّة يكوي الشّروب شهابها «2» قال أبو الحسن: الأحسن «3» في كلام العرب أن يضيفوا ما كان من نحو هذا مثل: دار آجرّ، وثوب خز. قال: وأكل خمط قراءة كثيرة وليست بالجيدة في العربية.
__________
(1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي انظر ديوان الهذليين 1/ 71 وانظر أساس البلاغة (وشح) وسبق البيت في ص 5/ 316، والمعنى: الطرتان: طريقتان في جنبيها.
الأيكة: الشجر الملتف. يضفو: يكثر ويسبغ عليها، أي يطول عليها قصارها، فقال: إذا سبغ عليها القصار من أغصان الشجرة فالطوال أحرى أن تكون أسبغ.
(2) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، انظر ديوان الهذليين/ 45.
(3) في ط: أحسن.
(6/15)
________________________________________
ابن عامر: حتى إذا فزّع عن قلوبهم [سبأ/ 23] مفتوحة الفاء والزاي، الباقون: فزع مضمومة [الفاء مكسورة الزاي] «1».
أبو عبيدة: فزّع عن قلوبهم: نفّس عنها «2». وقال أبو الحسن:
المعنى فيما ذكروا: جليّ «3». وقال غيره: الذين فزّع عن قلوبهم هنا:
الملائكة.
قال أبو علي: فزّع وفزّع: معناه أزيل الفزع عنها، وقد جاء مثل هذا في أفعل أيضا قالوا: أشكاه إذا أزال عنه ما يشكوه منه، وأنشد أبو زيد:
تمدّ بالأعناق أو تلويها وتشتكي لو أنّنا تشكيها غمر حوايا قلّ ما نجفيها «4» فكما أن أشكيت: أزلت الشكوى. كذلك فزّع وفزّع: أزال الفزع. وما روي من قراءة الحسن: فزع عن قلوبهم كالراجع إلى هذا المعنى، لأنّ التقدير كأنّه: فزّعت من الفزع، قال قتادة: فزّع عن قلوبهم: أي جلّي عن قلوبهم، قال: يوحي الله إلى جبريل فيعرّف الملائكة، ويفزع من أن يكون شيء من أمر الساعة، فإذا جلا عن قلوبهم وعملوا أنّ ذلك ليس من أمر الساعة قالوا: ماذا قال ربكم؟
__________
(1) السبعة ص 530 وما بين المعقوفتين ساقط من ط.
(2) مجاز القرآن 1/ 147.
(3) في ط: خلي عنها.
(4) هذا الرجز في اللسان (جفا) ولم ينسبه، وفيه الشطرة الأخيرة بهذا النصر مس حوايانا فلم نجفيها
(6/16)
________________________________________
قالوا: الحق [سبأ/ 23] [قال أبو علي: التقدير: قالوا: قال الحقّ] «1» فمن قرأ فزّع فالمعنى: أن الفعل المبني للفاعل فاعله ضمير عائد إلى اسم الله سبحانه «2»، ومن قرأ: فزع فبنى الفعل للمفعول به كان الجارّ والمجرور في موضع رفع، والفعل في المعنى لله تعالى «3».
[سباء: 17]
اختلفوا في قوله تعالى «4»: وهل نجازي إلا الكفور [سبأ/ 17] في الياء والنون، فقرأ حمزة والكسائي: وهل نجازي بالنون الكفور بالنصب. حفص عن عاصم مثل قراءة حمزة وأدغم الكسائي اللّام من هل في النون وحده «5» وقرأ الباقون وعاصم في رواية أبي بكر: يجازي بالياء الكفور رفع «6».
قال أبو علي: حجّة نجازي قوله سبحانه «7»: جزيناهم وهي قراءة الأعمش فيما زعموا، ومن قال: يجازى، فالمجازي: الله عزّ وجلّ «8» وإن بني الفعل للمفعول به وهذا مثل قوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم وفزّع عن قلوبهم. وأما قوله «9»:
وهل يجازى إلا الكفور، والكفور وغيره [يجري على هذا فعله] «10»
__________
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من م.
(2) سقطت من ط.
(3) في ط: سبحانه.
(4) في ط: عزّ وجلّ.
(5) في ط: وغيره لم يدغم. وفي السبعة: ولم يدغمها غيره.
(6) السبعة ص 529.
(7) سقطت من ط.
(8) سقطت من م.
(9) في ط: (نجازي إلّا الكفور) أو ...
(10) في ط: يجزى على فعله.
(6/17)
________________________________________
وإنّما خصّ الكفور بهذا، لأنّ المؤمن قد يكفّر عنه ذنوبه بطاعاته، فلا يجازى على ذنوبه التي تكفّر، والكافر عمله يحبط فلا يكفّر عن سيئاته، كما يكفّر عن سيئات المؤمن.
قال تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم [النساء/ 31] وقال: وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيآتهم وأصلح بالهم [محمد/ 2] وقال: إن الحسنات يذهبن السيآت [هود/ 114] وقال: ونتجاوز عن سيآتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون [الأحقاف/ 16] وقال في الكفّار: أضل أعمالهم [محمد/ 1] وقال: أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف [إبراهيم/ 18] والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة [النور/ 39] فالكافر يجازى بكلّ سوء يعمله، وليس كالمؤمن الذي يكفّر عن بعض سيئاته بأعماله الصالحة. وأمّا إدغام الكسائي اللّام في النون، فجائز. حكاه سيبويه وذلك «1»: هنّرى من هل نرى «2» فيدغم اللّام في النون، قال سيبويه: والبيان أحسن، قال: لأنّه قد امتنع أن يدغم في النّون ما أدغمت فيه سوى اللّام. قال:
فكأنّهم يستوحشون من الإدغام «3».
[سباء: 19]
اختلفوا في قوله سبحانه «4»: ربنا بعد [سبأ/ 19] فقرأ ابن
__________
(1) كذا في ط وسقطت من م.
(2) في الأصل: «هترى من هل ترى» والكلام يجري على النون. كما هو النص وسيبويه.
(3) الكتاب 2/ 416.
(4) في ط: عزّ وجلّ.
(6/18)
________________________________________
كثير وأبو عمرو: بعد* مشددة العين، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: باعد، [واختلف عن ابن عامر] «1» حدّثني أحمد بن محمد بن بكر قال: حدّثنا هشام بن عمّار قال: حدّثنا أيوب بن تميم وسويد بن عبد العزيز بإسناده عن ابن عامر بعد*. ابن ذكوان عنه باعد «2».
[قال أبو علي] «3»: ذكر سيبويه: فاعل وفعّل قد يجيئان لمعنى كقولهم: ضاعف وضعّف، فيجوز أن يكون باعد وبعّد من ذلك.
وكذلك خلافه قارب وقرّب، واللفظان جميعا على معنى الطّلب والدّعاء. والمعنى في الوجهين على أنّهم كرهوا ما كانوا فيه من السعة والخصب وكفاية الكدح في المعيشة، وهؤلاء ممّن دخل في جملة قوله سبحانه «4»: وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها [القصص/ 58] والبطر فيما قال بعض الناس: كراهة الشيء من غير أن يستحق أن يكره. وسؤالهم ما سألوا قريب من سؤال قوم موسى: ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض [البقرة/ 61].
[سباء: 20]
اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله سبحانه «5»: ولقد صدق عليهم [سبأ/ 20] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر:
__________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ط.
(2) السبعة ص 529 وليس فيه (اختلف عن ابن عامر) بل ذكره مع سند القراءة فقال: وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (باعد) ...
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: عزّ وجلّ.
(5) ي (ط) عز وجل.
(6/19)
________________________________________
صدق* خفيفة «1»، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: صدق، مشددة «2».
[قال أبو علي] «3»: معنى التخفيف: أنّه صدق ظنّه الذي ظنّه بهم من متابعتهم إيّاه إذا أغواهم، وذلك نحو قوله سبحانه «4»: قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم [الأعراف/ 16] ولأغوينهم أجمعين [الحجر/ 39] فهذا ظنّه الذي صدّقوه «5»، لأنّه لم يقل ذلك عن «6» تيقّن، فظنّه على هذا ينتصب انتصاب المفعول به، ويجوز أن ينتصب انتصاب الظرف، صدق عليهم إبليس في ظنه، ولا يكون متعديا بصدق إلى المفعول به، وقد يقال: أصاب الظنّ، وأخطأ الظنّ، ويدلّ على ذلك:
الألمعيّ الذي يظنّ لك الظّن من كأن قد رأى وقد سمعا «7» فهذا يدلّ على إضافة الظّنّ، وقال الشاعر في تعديته إيّاه إلى المفعول به: إن كان ظنّي صادقي «8»
__________
(1) في ط: خفيف.
(2) السبعة ص 527.
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: صدقه.
(6) في ط: على.
(7) البيت لأوس بن حجر، انظر ديوانه/ 53، وانظر اللسان (لمع).
(8) ورد الشاهد في م برواية: صادق. وهو صدر بيت من الطويل وقع فيه الخرم. وجاء بتمامه في تفسير مجمع البيان 8/ 388 برواية:
إن يك ظني صادقا وهو صادقي بشملة يحبسهم بها محبسا وعرا ونسبه محققه إلى مكبرة بنت بردأم شملة، تقول: إن يك ظني بشملة صادقا يحبسهم، أي: القوم الذين قتلوا أباه بتلك المعركة محبسا صعبا يدركه فيه ثأر أبيه.
(6/20)
________________________________________
ووجه من قال: صدق بالتّشديد أنّه نصب على أنّه مفعول به، وعدّى صدق إليه قال «1»:
فإن لم أصدّق ظنّكم بتيقّن فلا سقت الأوصال منّي الرّواعد
[سباء: 23]
اختلفوا في ضمّ الألف وفتحها من قوله سبحانه «2»: إلا لمن أذن له [سبأ/ 23] فقرأ ابن كثير ونافع [وابن عامر] «3»: أذن له [بفتح الألف] «4»، وقرأ عاصم في رواية الكسائي عن أبي بكر عنه، وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أذن له*، بضم «5» الألف. وروى يحيى وحسين وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم بالفتح وكذلك روى حفص عن عاصم بالفتح «6».
[قال أبو علي] «7»: حجّة من قال أذن فبنى الفعل للفاعل أنّه أسنده إلى ضمير اسم الله تعالى «8»، وقال: إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [النبأ/ 38] وقال: إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى [النجم/ 26]. ومن قال أذن* يبني «9» الفعل للمفعول به، فهو يريد: ذا المعنى، كما أنّ قوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم،
__________
(1) لم نعثر على قائله. الرواعد: السحب فيها رعد.
(2) في ط: عزّ وجلّ.
(3) سقطت من م. وهي في ط والسبعة.
(4) سقطت من م.
(5) في ط: برفع.
(6) السبعة ص 529 - 530.
(7) سقطت من ط.
(8) في ط: عزّ وجلّ.
(9) في ط: فبنى.
(6/21)
________________________________________
وفزع*، وهل يجازى إلا الكفور [سبأ/ 17] واحد في المعنى، وإن اختلفت الألفاظ.
[سباء: 37]
قال: قرأ حمزة وحده وهم في الغرفة [سبأ/ 37] واحدة، وقرأ الباقون: الغرفات جماعة «1».
[قال أبو علي] «2»: حجّة حمزة في إفراده الغرفة قوله سبحانه «3»: أولئك يجزون الغرفة بما صبروا [الفرقان/ 75] فكما أنّ الغرفة يراد بها الجمع والكثرة كذلك قوله: وهم في الغرفة آمنون [سبأ/ 37] يراد بها الكثرة واسم الجنس.
وحجّة الجمع قوله: لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية [الزمر/ 20] وقوله: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58] فكما أنّ غرفا جمع، كذلك الغرفات ينبغي أن يكون جمعا «4». فإن قلت: إن الغرفات قد تكون للقليل واسم الجنس للكثير واستغراق الجميع «5» فإن الجمع بالألف والتاء كقوله سبحانه:
إن المسلمين والمسلمات [الأحزاب/ 35] وقول حسّان:
لنا الجفنات الغرّ «6»
__________
(1) في ط: جماعا وكذلك في السبعة ص 530.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: تجمع، بدل: يكون جمعا.
(5) في ط: الجمع.
(6) هذه قطعة من بيت تمامه:
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما انظر ديوانه 1/ 35.
(6/22)
________________________________________
فهذا لا يريد إلّا الكثرة، لأنّ ما عداها لا يكون موضع افتخار.
[سباء: 52]
اختلفوا في همز التناوش [سبأ/ 52] وترك همزه.
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص:
التناوش غير مهموز، وكذلك روى حسين الجعفيّ والأعشى والكسائي عن أبي بكر عن عاصم بغير همز. المفضل عن عاصم:
مهموز، وقرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالهمز «1».
قال أبو علي: قوله تعالى «2»: وأنى لهم التناؤش من مكان بعيد كأنّهم آمنوا حين لم ينتفعوا بالإيمان، كما قال: لا ينفع نفسا إيمانها [الأنعام/ 158] فكأنّ المعنى: كيف يتناولونه من بعد وهم لم يتناولوه من قرب في حين الاختيار، والانتفاع بالإيمان؟
والتناوش: التناول من نشت تنوش، قال:
وهي تنوش الحوض نوشا من علا «3» وقال:
تنوش البرير حيث نال اهتصارها «4»
__________
(1) السبعة ص 530.
(2) سقطت من ط.
(3) هذا بيت من الرجز لغيلان بن حريث وبعده:
نوشا به تقطع أجواز الفلا كما في اللسان (نوش) والبيت من شواهد سيبويه 2/ 123 ولم ينسبه وانظر المنصف 1/ 124 وابن يعيش 4/ 73 - 89، والخزانة 4/ 125، 261، ومجاز القرآن 2/ 150.
(4) عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانهم ص 22 وانظر شرح السكّري 1/ 71 وصدره:
(6/23)
________________________________________
فمن لم يهمز جعله فاعلا من النوش الذي هو التناول، ومن همز احتمل أمرين: أحدهما أن يكون من تنوش، إلّا أنّه أبدل من الواو الهمزة لانضمامهما مثل أقتت، وأدؤر، ونحو ذلك، والآخر: أن يكون من النّأش وهو الطلب، والهمزة منه عين قال رؤبة:
أقحمني جار أبي الخاموش «1» إليك نأش القدر النّئوش فسّره أبو عبيدة بطلب القدر «2»، وحكى أبو الحسن أيضا عن يونس قال أبو الحسن: ولم أر العرب تعرفه.
[سباء: 40]
وقرأ حفص عن عاصم: ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول [سبأ/ 40] بالياء فيهما. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بالنون فيهما «2».
[قال أبو علي] «4»: حجّة الياء أنّ قبله: قل إن ربي يبسط [سبأ/ 39] ويوم يحشرهم [سبأ/ 40]. ووجه النون أنّه انتقال من لفظ الإفراد إلى الجمع، كما أنّ قوله سبحانه «5»: أن لا تتخذوا من
__________
فما أم خشف بالعلاية شادن والبيت من قصيدة طويلة عدتها/ 41/ بيتا يقع الشاهد السادس منها.
انظر اللسان (نوش) وفيه: طاب بدل: نال.
(1) ديوانه/ 77، 78. ووقعت في (م) الجاموس بدل الخاموش وهو سهو من الناسخ. والبيتان في مجاز القرآن 2/ 151، ورواية البيت الثاني: ناشى بدل نأش. وهو تحريف.
(2) ونص أبي عبيدة: وهو من بعد المطلب.
(4) السبعة ص 530.
(5) سقطت من ط.
(6/24)
________________________________________
دوني وكيلا [الإسراء/ 2] انتقال من الجمع إلى الإفراد، والجمع ما تقدّم من قوله سبحانه «1» وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى [الإسراء/ 2].
[سباء: 22]
عباس عن أبي عمرو: قل ادعوا [سبأ/ 22] بكسر اللام «2».
[قال أبو علي] «3»: قد مضى القول في ذلك فيما تقدّم. «4»
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) السبعة ص 529.
(4) سقطت من ط.
(6/25)
________________________________________
[بسم الله] «1»
ذكر اختلافهم في سورة الملائكة «2»
[فاطر: 3]
قال: قرأ حمزة والكسائي: هل من خالق غير الله خفضا [3].
وقرأ الباقون: هل من خالق غير الله رفعا «3».
[قال أبو علي] «4»: من قال غير* جعله صفة على اللّفظ، وذلك حسن لاتباعه الجرّ الجرّ، فأمّا الخبر على قولهما فيجوز أن يكون:
يرزقكم من السماء والأرض [فاطر/ 3] ويرزقكم في موضع رفع «5» على أنّه الخبر.
ومن قال: هل من خالق غير الله [فاطر/ 3] احتمل الرفع غير وجه، يجوز أن يكون خبر المبتدأ، وارتفاع غير بأنه خبر المبتدأ،
__________
(1) سقطت من ط.
(2) هي سورة فاطر.
(3) السبعة ص 534.
(4) سقطت من ط.
(5) سقطت من م.
(6/26)
________________________________________
ويجوز أن يكون صفة على الموضع، والخبر مضمر تقديره: هل من خالق غير الله في الوجود أو العالم؟ ويجوز أن يكون غير استثناء، والخبر مضمر كأنّه: هل من خالق إلّا الله. والخبر مضمر قبل، كقولك: ما خالق إلّا الله، وموضع الجارّ والمجرور رفع بالابتداء، وزيادة هذا الحرف في غير الإيجاب كثير نحو: هل من رجل؟ وما من إله إلا الله [آل عمران/ 62] فقوله: وما من إله إلا الله يدلّ على جواز الاستثناء في «غير» من قوله: سبحانه: هل من خالق غير الله [فاطر/ 3] والخبر مضمر كما كان مضمرا في قوله: وما من إله إلا الله [آل عمران/ 62].
[فاطر: 36]
اختلفوا في الياء والنون من قوله جلّ وعزّ: كذلك يجزى كل كفور [فاطر/ 36]، فقرأ أبو عمرو، وكذلك يجزى* بالياء كل كفور رفع.
وقرأ الباقون: نجزى بالنون كل كفور نصبا «1».
[قال أبو علي] «2»: وجه النون قوله سبحانه «3»: أولم نعمركم [فاطر/ 37] ويجزى* في المعنى مثل نجزي، ومثله: فزع عن قلوبهم وفزع*، وهل يجازى ونجازي، ومن حجة يجزى قوله:
ولا يخفف عنهم من عذابها [فاطر/ 36].
[فاطر: 33]
وقرأ أبو عمرو وحده جنات عدن يدخلونها* [فاطر/ 33] برفع الياء، وقرأ الباقون: يدخلونها بفتح الياء، وروى عباس عن مطرّف
__________
(1) السبعة ص 535.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(6/27)
________________________________________
الشّقريّ عن معروف بن مشكان «1» عن ابن كثير: يدخلونها* [فاطر/ 33] مثل أبي عمرو. وقرأت على قنبل: يدخلونها بفتح الياء «2».
[قال أبو علي] «3»: جنات عدن نكرة يدخلونها ويدخلونها* صفة لها، لأنّها جملة، والنكرات توصف بالجمل، فمن قال: زيدا ضربته، لم يفعل ذلك في الصّفة كما يفعله في الصلة. وأجاز أبو عثمان: أزيدا أنت رجل تضربه؟ ولم يجز ذلك على أنّ تضربه صفة لرجل ولو كان صفة لم يجز فيه النصب، ولكن على أن تجعل كلّ واحد من رجل وتضرب خبرا، مثل: حلو حامض، فإذا كان كذلك لم يكن صفة، وإذا لم يكن صفة لم يمتنع ذلك فيه كما يمتنع من «4» الصّفة، فأمّا ارتفاع جنات* فيجوز أن يكون تفسيرا للفضل «5»، كأنّه قيل: ما ذلك الفضل «6»؟ فقيل «7»: جنات، أي: جزاء جنات [أو دخول جنات] «8»، ويجوز أن تجعل الجنّات بدلا من الفضل «9» كأنّه:
ذلك هو جنات عدن، أي: دخول جنات عدن.
__________
(1) في م ابن مشكان. بدون معروف، وهي في السبعة أيضا.
(2) السبعة ص 534.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: في.
(5) في ط: للفوز، والذي في الآية التي قبلها: الفضل ... وقعت الجنّات تفسيرا له.
(6) في ط: الفوز.
(7) في ط: فقال هي.
(8) كذا في ط وسقطت من م.
(9) في ط: الفوز.
(6/28)
________________________________________
[فاطر: 33]
قرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع: ولؤلؤا [فاطر/ 33] نصبا، وكان عاصم في رواية أبي بكر يهمز الواو الثانية، ولا يهمز الأولى.
المعلى عن أبي بكر عن عاصم: يهمز الأولى ولا يهمز الثانية ضدّ رواية يحيى عن أبي بكر، حفص عن عاصم يهمزهما.
المفضل عن عاصم: ولؤلؤ خفض، ويهمزهما.
[وكلهم قرأ: ولؤلؤ بالجر] «1» غير نافع وعاصم في رواية أبي بكر «2».
قال أبو علي: من ذهب ولؤلؤا [فاطر/ 33] [نصب لؤلؤا] «3» على الموضع، لأنّه إذا قال: يحلون فيها من أساور [فاطر/ 33] كان بمنزلة يحلّون فيها أساور، وقيل: إنّ أكثر التفسير على الجرّ: أساور من ذهب ولؤلؤ، وقد قدمنا ذكر ذلك، وتخفيف الهمز وتحقيقه.
[فاطر: 40]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله سبحانه «4»: فهم على بينة منه [فاطر/ 40] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة على بينة واحدة، وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم والكسائي: بينات* جماعة، حفص عن عاصم بينة واحدة، المفضل عن عاصم على بينات جماعة «5».
__________
(1) ما بين المعقوفتين ورد في ط هكذا: وكلهم يخفض ويهمزهما.
(2) السبعة ص 534 - 535.
(3) كذا في ط وسقطت من م.
(4) في ط: عزّ وجلّ.
(5) في ط: جماعا. وكذلك في السبعة انظر ص 535 ففي النص اختلاف يسير والمؤدى واحد.
(6/29)
________________________________________
[قال أبو علي] «1» وجه الإفراد: أن يجعل ما في الكتاب، أو ما يأتي به النّبي [صلى اللَّه عليه وآله وسلم] «2» بيّنة على لفظ الإفراد، وإن كانت عدة اشياء، كما قال: أرأيتم إن كنت على بينة من ربي [هود/ 28 - 88] وقد جاءتكم بينة من ربكم [الأعراف/ 73 - 85].
فأمّا قوله سبحانه «3»: جاؤوا بالبينات والزبر فإنّما هو على قوله: فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر [آل عمران/ 184] فلأنّ مع كل [واحد من الأنبياء] «4» بيّنة، فإذا جمعوا جمعت البيّنة لجمعهم. وقال سبحانه «5»: حتى تأتيهم البينة رسول من الله [البينة/ 1 - 2] وزعموا أنّ في مصحف عبد اللَّه بالهاء، فهذا دليل على الإفراد، والجمع في البيّنات على أنّ في الكتاب ضروبا من البيّنة، فجمع كذلك «6».
[فاطر: 43]
قرأ حمزة وحده: ومكر السيئ ولا .. [فاطر/ 43] ساكنة «7» الهمزة، ولا يحيق المكر السييء إلا [فاطر/ 43] مرفوعة الهمزة.
وقرأ الباقون بالكسر في الهمزة الأولى وبالضم في الثانية «8».
قال أبو علي: التقدير في قوله عزّ وجلّ «9»: استكبارا في
__________
(1) سقطت من ط.
(2) سقطت من ط.
(3) سقطت من ط.
(4) كذا في ط وفي م: شيء.
(5) سقطت من ط.
(6) في ط: لذلك.
(7) في ط: وإسكانه.
(8) السبعة ص 535 - 536.
(9) سقطت من ط.
(6/30)
________________________________________
الأرض [فاطر/ 43] استكبروا استكبارا في الأرض ومكر السّيّئ.
أي: مكروا المكر السّيّئ، فأضيف المصدر إلى صفة المصدر، المعنى: ومكروا المكر السّيّئ، ألا ترى أنّه قد جاء بعد ولا يحيق المكر السييء إلا بأهله [فاطر/ 43] فكما أنّ السّيّئ صفة للمصدر، كذلك الّذي قبل. تقديره: ومكروا المكر السّيّئ. وكذلك قوله:
أفأمن الذين مكروا السيآت [النحل/ 45] تقديره: الّذين مكروا المكرات السيئات. إلّا أنّك إذا أضفت إلى السّيّئ قدّرت الصفة وصفا لشيء غير المكر، كما أنّ من قال: دار الآخرة، وجانب الغربي، قدّره كذلك، فحذف المصدر من قوله: المكرات السيئات، وأقام صفته مقامه، فوقعت الإضافة إليه، كما كانت تقع على موصوفه [الذي هو المصدر] «1». فأمّا قراءة حمزة: ومكر السيئ وإسكانه الهمزة في الإدراج، فإنّ ذلك يكون على إجرائها في الوصل مجراها في الوقف، فهو مثل:
سبسبا «2»، وعيهل «3»، والقصبا «4»، وجدببا «5».
وهو في الشعر كثير. وممّا يقوّي ذلك: أنّ قوما قالوا في الوقف:
أفعي وأفعو، فأبدلوا من الألف الواو والياء ثم أجروها في الوصل مجراها في الوقف، فقالوا: هذا أفعو يا هذا، فكذلك عمل حمزة بالهمزة في هذا الموضع لأنها كالألف في أنها حرف علة، كما أن الألف كذلك. ويقوّي مقاربتها الألف أن قوما يبدلون منها الهمزة في
__________
(1) كذا في ط وسقطت من م.
(2) سبق في 1/ 65.
(3) سبق في 1/ 151 و 2/ 362.
(4) سبق في 2/ 363.
(5) سبق في 1/ 65، (حاشية) وروايته ثم: جدبّا.
(6/31)
________________________________________
الوقف فيقولون: رأيت رجلا ورأيت حبلا. ويحتمل وجها آخر: وهو أن تجعل يىء ولا من قوله: ومكر السيئ ولا بمنزلة إبل، ثم أسكن الحرف الثاني كما أسكن «1» من إبل لتوالي الكسرتين إحداهما ياء قبلها ياء فخفّف بالإسكان لاجتماع الياءات والكسرات كما خفّفت العرب نحو ذلك بالحذف من «2» نحو: أسيديّ وبالقلب في نحو «3» رحويّ، ونزّل حركة الإعراب بمنزلة غير حركة الإعراب، كما فعلوا في قولهم:
فاليوم أشرب غير مستحقب «4» وقد بدا هنك من المئزر «5» ..... ولا تعرفكم العرب «6» وكما أن حركة غير الإعراب نزلت منزلة حركة الإعراب في نحو: ردّ وفرّ، وعضّ. فأدغم كما أدغم يعضّ، ويفرّ لمّا تعاقب حركات غير الإعراب على لامها، وهي حركة التقاء الساكنين، وحركة الهمزة المخفّفة، وحركة النونين فنزلت هذه الحركات منزلة حركة الإعراب حتّى أدغم فيما يتعاقب عليه فيها، كما أدغم المعرب، وكذلك نزلت حركة الإعراب منزلة غير حركة الإعراب، في أن استجيز
__________
(1) في ط: يسكن.
(2) في ط: في.
(3) سقطت من م.
(4) صدر بيت لامرئ القيس، سبق في 1/ 117، 410، 2/ 80، 3/ 233.
(5) عجز بيت للأقيشر الأسدي- وهو المغيرة بن عبد اللَّه- سبق في 2/ 80، وانظر المحتسب 1/ 110.
(6) قطعة من بيت لجرير في هجاء بني العم، سبق في 2/ 80. وانظر المحتسب 1/ 110.
(6/32)
________________________________________
فيها من التخفيف ما استجيز في غيرها، وليس يختلّ بذلك دلالة الإعراب، لأنّ الحكم بمواضعها معلوم، كما كان معلوما في المعتل، والإسكان للوقف. فإذا ساغ ما ذكرنا في هذه القراءة من التأويل لم يسغ لقائل أن يقول: إنّه لحن، ألا ترى أنّ العرب قد استعملت «1» ما في قياس ذلك؟ فلو جاز لقائل أن يقول: إنّه لحن للزمه «2» أن يقول:
إنّ قول من قال: إفعوا في الوصل لحن، فإذا كان ما قرأ به على قياس ما استعملوه في كلامهم المنثور، لم يكن لحنا، [وإذا لم يكن لحنا] «3» لم يكن لقادح بذلك قدح، وهذه القراءة وإن كان لها مخلص «4» من الطعن، فالوجه قراءة الحرف على ما عليه الجمهور في الدرج ويقال:
سيّئ مثل سيّد، ويخفّف كما يخفّف. قال أبو زيد: سؤته أسوؤه مساءة، وقال أبو عبيدة: يحيق المكر السيئ لا إلا بأهله «5».
__________
(1) في ط: استعملوا.
(2) في م: لزمه.
(3) ما بين المعقوفتين ساقط من ط.
(4) في ط: المخلص.
(5) مجاز القرآن ص 156.
(6/33)
________________________________________
[بسم اللَّه] «1»
ذكر اختلافهم في سورة يس
[يس: 2، 1]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم:
يس [1] ونون* [القلم/ 1] نونهما ظاهرة.
الحلواني عن هشام بن عمّار عن ابن عامر: لا يبيّن النون.
الأعشى عن أبي بكر [عن عاصم]: يبيّن النون. الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: لا يبيّن النون فيهما، وروى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم: يبيّن النون، والكسائي لا يبين النون.
وكان حمزة والكسائي: يميلان الياء في يس غير مفرطين.
وحمزة إلى الفتح أقرب من الكسائي في يس وقياس قول أبي بكر عن عاصم يس بالإمالة.
وكان ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص وأبو عمرو وابن عامر يقرءون يس مفتوحة الياء، نافع قراءته وسط من ذلك. وقال ورش، وقالون: الياء مفتوحة شيئا. وقال محمد بن إسحاق وابن
__________
(1) سقطت من ط.
(6/34)
________________________________________
جمّاز: الياء مفتوحة والنون مبيّنة في السّورتين جميعا. وقال يعقوب بن جعفر [عن نافع]: النون فيهما غير مبيّنة «1».
قال أبو علي: من بين النون في «2» يس فإنّما جاز ذلك، وإن كانت النون الساكنة تخفى مع حروف الفم ولا تبيّن، فإنّما بيّنه لأنّ هذه الحروف مبينة على الوقف، وممّا يدلّك على ذلك استجازتهم فيها الجمع بين ساكنين، كما يجتمعان في الكلم التي يوقف عليها، ولولا ذلك لم يجز فيها التبيين «3»، فكما جاز فيها الجمع بين الساكنين من حيث كان التقدير فيهما «4» الوقف، كذلك استجيز معها تبيين النون في الدّرج، لأنّ التقدير فيهما الوقف. فكما جاز التبيين في الوقف، كذلك جاز التبيين في هذه «5» الحروف من حيث كان في تقدير الوقف.
وأمّا قول من لم يبين فلأنّه، وإن كان في تقدير الوقف، لم يقطع فيه همزة الوصل، وذلك قولهم: الم الله [آل عمران/ 1]. ألا ترى أنّهم حذفوا همزة الوصل، ولم يثبتوها كما لم يثبتوها مع غيرها من الكلم التي توصل؟ فلا يكون التقدير فيها الوقف عليها. وكذلك قالوا «6» واحد اثنان، فحذفوا همزة الوصل، فكذلك لم يبين النون من لم يبين، لأنّها قد صارت في تقدير الوصل من حيث حذفت معها همزة الوصل، فإذا صار في تقدير الوصل، وجب أن لا تبين معها النون، كما
__________
(1) السبعة ص 538، وما بين المعقوفين زيادة منه.
(2) في ط: من.
(3) في ط: الجمع بينهما.
(4) في ط: فيها.
(5) سقطت من ط.
(6) كذا في ط وسقطت من م.
(6/35)
________________________________________
لم تبين مع سائر الكلم التي ليست بحروف هجاء، وأمّا القول في انتحاء فتحة الياء من يس نحو الكسرة فقد مضى القول فيه. وممّا يحسن إمالة الفتحة فيها نحو الكسرة أنّهم قالوا: يا زيد. في النداء، فأمالوا الفتحة نحو الكسرة، والألف نحو الياء، وإن كان قولهم يا* حرف على حرفين، والحروف التي على حرفين لا يمال منها شيء نحو لا، وما. فإذا كانوا قد أمالوا ما لا يمال من الحروف من أجل الياء، فأن يميلوا الاسم الذي هويا* من يس أجدر. ألا ترى أنّ هذه الحروف أسماء لما يلفظ به «1»؟. ومن لم يمل فلأنّ كثيرا من الناس لا يميلون.
[يس: 5]
اختلفوا في الرّفع والنصب من قوله تعالى «2»: تنزيل العزيز الرحيم [يس/ 5] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية يحيى [بن آدم] عن أبي بكر: تنزيل العزيز رفعا، حفص عن عاصم والكسائي عن أبي بكر عن عاصم وحمزة وابن عامر والكسائي:
تنزيل العزيز نصبا «3» [قال أبو علي] «4»: من رفع فعلى: هو تنزيل العزيز، أو على:
تنزيل العزيز الرحيم هذا، والنصب على نزّل تنزيل العزيز.
[يس: 9]
اختلفوا في ضمّ السّين وفتحها من قوله تعالى «5»: سدا
__________
(1) في ط: بها.
(2) في ط: عزّ وجلّ.
(3) السبعة 539 وما بين معقوفين منه. وفي النص اختلاف يسير.
(4) سقطت من ط.
(5) في ط: عزّ وجلّ.
(6/36)
________________________________________
[يس/ 9] فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: سدا ومن خلفهم سدا مفتوحة «1» السين.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: سدا* وسدا* مضمومتي السين «2».
[قال أبو علي] «3»: قال أبو الحسن الضّمّ «4» أكثر القراءتين واللّغتين، وحكي عن بعض المفسّرين ما كان من الخلق، فهو سد بالضّمّ، وما كان من البناء مفتوح، وقال غيره: السّدّ بالضّمّ في كل ما صنع الله والعباد، وهما سواء، وقال العجّاج:
سيل الجراد السدّ يرتاد الخضر «5» يريد: زعموا قطعة من الجراد سدّ بطيرانه الأفق.
قال أبو علي: فقوله: السّدّ، يجوز أن يجعله صفة كالحلو والمرّ، ويجوز أن يكون يريد: ذي السّدّ، أي: يسدّ الأفق كما يسدّ السّدّ، فحذف المضاف. وإن كان السّدّ مصدرا جاز أن تصفه به.
والمصدر فيما زعم بعض أهل اللّغة السّدّ سددته سدّا، وقال بعضهم:
السّدّ: فعل الإنسان وخلقه المسدود: السّدّ، وقيل في تفسيره قولان:
أحدهما: أنّ جماعة أرادوا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم سوءا، فحال اللَّه بينهم وبينه،
__________
(1) في السبعة مفتوحتي السين.
(2) السبعة 539.
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت من ط.
(5) وبعده: آواه ليل غرضا ثمّ ابتكر انظر ديوانه 1/ 81.
(6/37)
________________________________________
فجعلوا بمنزلة من هذه حاله، والآخر: أنّ اللَّه سبحانه «1» وصف ضلالتهم، فقال: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا [يس/ 8] فأمسكوا أيديهم عن الإنفاق، كما قيل «2» في اليهود: غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا [المائدة/ 64] ويقوّي هذا الوجه [قوله سبحانه] «3»: وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم [يس/ 10].
[يس: 14]
اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله جلّ وعزّ: فعززنا بثالث [يس/ 14].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر والمفضل [عن عاصم]:
فعززنا خفيفة.
وقرأ الباقون، وحفص عن عاصم: فعززنا مشدّدة الزاي.
[قال أبو علي] «4» قال بعضهم: عزّزنا: قوّينا وكثّرنا. وأمّا عززنا: فغلبنا من قوله: وعزني في الخطاب [ص/ 23] وقال جرير:
أعزّك بالحجاز وإن تسهّل بغور الأرض تنتهب انتهابا «5»
[يس: 19]
المفضل عن عاصم: أين ذكرتم [يس/ 19] بهمزة بعدها ياء والكاف مشددة، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر أئن
__________
(1) في ط: عزّ وجلّ.
(2) في ط: قال.
(3) سقطت من ط.
(4) سقطت من ط.
(5) ديوانه 2/ 825.
(6/38)
________________________________________
بهمزتين وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير بهمزة بعدها ياء، وكان أبو عمرو يمدّ، وابن كثير لا يمدّ. واختلف عن نافع وقد بيّن «1».
قال أبو الحسن: معناه حيث ذكّرتم، قال: وفي بعض الحروف:
ولا يفلح الساحر أين أتى [طه/ 69]. ومن قال: أإن ذكرتم فإنّما هي إن التي «2» للجزاء دخلت عليها ألف الاستفهام، والمعنى «3»: أإن تشاءمتم، لأن تطيرنا بكم معناه: تشاءمنا بكم، فكأنّهم قالوا: أئن ذكّرتم تشاءمتم! فحذف الجواب لتقدم ما يدلّ عليه، وأصل تطيّرنا:
تفعلنا، من الطائر عند العرب الذي به يتشاءمون، ويتيمّنون، وقد تقدّم ذكر ذلك. وقد قرأ من غير السبعة أأن ذكرتم بفتح أن، والمعنى:
ألأن ذكّرتم تشاءمتم، وأمّا الهمزة وتخفيفها وتحقيقها فقد مرّ ذكرها في مواضع.
[يس: 39]
اختلفوا في نصب الرّاء ورفعها من قوله سبحانه «4»: والقمر قدرناه [يس/ 39] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: والقمر* رفعا.
وقرأ الباقون: والقمر نصبا «5».
قال أبو علي: الرّفع على قوله وآية لهم القمر قدّرناه منازل، مثل قوله: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار [يس/ 37] وكأن التقدير:
وآية لهم اللّيل نسلخ منه النهار، وآية لهم القمر قدّرناه منازل، فهو
__________
(1) السبعة ص 540.
(2) كذا في ط وسقطت من م.
(3) سقطت من ط.
(4) في ط: عزّ وجلّ.
(5) السبعة ص 540.
(6/39)
________________________________________
على هذا أشبه بالجمل التي قبلها. والقول في آية* أنّها ترتفع بالابتداء، ولهم صفة للنكرة، والخبر مضمر تقديره: وآية لهم في المشاهد أو في الوجود، وقوله: الليل نسلخ منه النهار، والقمر قدرناه منازل: تفسير للآية، كما أنّ قوله: لهم مغفرة [المائدة/ 9] تفسير للوعد وللذكر مثل حظ الانثيين [النساء/ 11] تفسير للوصية، ومن نصب فقد حمله سيبويه على: زيدا ضربته، قال: وهو عربي، ويجوز في نصبه وجه آخر، وهو أن تحمله على نسلخ الذي هو خبر المبتدأ على ما أجازه سيبويه من قولهم: زيد ضربته وعمرو أكرمته [وعمرا أكرمته] «1» على أن تحمله مرة على الابتداء، ومرة على الخبر الذي هو جملة من فعل وفاعل، وهي «2» تجري من قوله سبحانه «3»:
والشمس تجري لمستقر لها [يس/ 38] والقمر قدرناه «4» [يس/ 39].
[يس: 35]
اختلفوا في إثبات الهاء وإسقاطها من قوله عزّ وجلّ: وما عملته أيديهم [يس/ 35].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وما عملت بغير هاء، وقرأ الباقون، وحفص عن عاصم: عملته بالهاء «5».
__________
(1) سقطت من م.
(2) في ط: هو.
(3) في ط: تعالى.
(4) جاء في نسخة (م) قوله:
«واللَّه سبحانه وتعالى أعلم، نجز الجزء السادس من كتاب الحجة للقرّاء، واللَّه الموفق».
والكلام في ط متصل ليس فيه هذا الفصل.
وبعد هذا توقفت المقابلة بين النسختين (ط) و (م) لعدم وجود (م) بين أيدينا، وأصبحت نسخة طاهر بن غلبون هي المعتمدة وحدها.
(5) السبعة ص 540.
(6/40)
________________________________________
القول أن أكثر ما جاء في التنزيل من هذا على حذف الهاء، كقوله: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] وسلام على عباده الذين اصطفى [النحل/ 59] وأين شركائي الذين كنتم تزعمون [الأنعام/ 22] ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم [هود/ 43] فكلّ على إرادة الهاء وحذفها.
وقد جاء الإثبات في قوله: إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان [البقرة/ 275] وكذلك قوله: وما عملته أيديهم [يس/ 35] وموضع ما* على هذا جرّ تقديره: ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم. ويجوز أن تقدّر ما* نافية فيكون المعنى: ليأكلوا من ثمره، ولم تفعله أيديهم، ويقوّي ذلك: أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون [الواقعة/ 63 - 64] ومن قدّر هذا التقدير لم يكن صلة، وإذا لم يكن صلة لم يقتض الهاء الراجعة إلى الموصول.
[يس: 49]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: يخصمون [يس/ 49].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يخصمون بفتح الياء والخاء غير أنّ أبا عمرو كان يختلس حركة الخاء قريبا من قول نافع. وقرأ عاصم والكسائي وابن عامر: يخصمون بفتح الياء وكسر الخاء، وهذه رواية خلف وغيره عن يحيى «1» عن أبي بكر، وقرأ نافع: يخصمون ساكنة الخاء مشددة الصاد، وورش يخصمون: بفتح الياء والخاء مشددة الصاد، وقرأ حمزة: يخصمون ساكنة الخاء خفيفة الصاد.
حدّثني أحمد بن محمد بن صدقة، قال: حدّثنا أحمد بن جبير، قال
__________
(1) هو ابن آدم كما في السبعة.
(6/41)
________________________________________
حدّثني أبو بكر عن عاصم أنه قرأ: يخصمون بكسر الياء والخاء ويهدي* [يونس/ 35] بكسر الياء والهاء «1».
من قرأ يخصمون حذف الحركة من الحرف المدغم، وألقاها على الساكن الذي قبلها، وهذا أحسن الوجوه بدلالة قولهم: ردّ، وفرّ، وعضّ، فألقوا حركة العين على الساكن.
ومن قال يخصمون حذف الحركة إلّا أنّه لم يلقها على الساكن كما ألقاها الأوّل، وجعله بمنزلة قولهم: لمسنا «2» السماء فوجدناها [الجن/ 8] حذف الكسرة من العين، ولم يلقها على الحرف الذي قبلها، فلمّا لم يلقها على ما قبلها التقى ساكنان، فحرّك الحرف الّذي قبل المدغم.
ومن قال: يخصمون جمع بين الساكنين الخاء والحرف المدغم.
ومن زعم أنّ ذلك ليس في طاقة اللّسان ادّعى ما يعلم فساده بغير استدلال، فأمّا من قرأ يخصمون فتقديره: يخصم بعضهم بعضا، فحذف المضاف، وحذف المفعول به كثير في التنزيل وغيره. ويجوز أن يكون المعنى: يخصمون مجادلهم عند أنفسهم، فحذف المفعول به، ومعنى يخصمون: يغلبون في الخصام خصومهم. فأمّا يخصمون فعلى قول من قال: أنت تخصم تريد: تختصم، فحذف الحركة وحرّك الخاء لالتقاء الساكنين، لأنّه لم يلق الحركة المفتوحة
__________
(1) السبعة ص 541 وفي النص اختلاف يسير، وأضاف: وكلّهم فتح الياء. إلّا ما ذكرت لك عن ابن جبير.
(2) في الأصل: مسنا.
(6/42)
________________________________________
على الفاء، وكسر الياء الّتي للمضارعة ليتبعها كسرة الخاء، كما قالوا:
أجوءك، وأنبؤك «1»، وهو منحدر من الجبل.
وقالوا في هذا الباب: مردفين [الأنفال/ 9]، فأتبعوا حركة الراء حركة الميم فضمّوها، وهذا ينبغي أن يكون على من قال: ردّ فحذف الحركة ولم يلقها على ما قبلها، وهذه اللّغة رواها سيبويه عن الخليل وهارون، فإن قلت: إنّ الهاء لا تكسر كما تكسر الحروف الأخر التي للمضارعة، ألا ترى أن من قال نعلم لم يقل يعلم، قيل: إن هذه الياء قد كسرت في مواضع: فمن ذلك أن سيبويه حكى هو يئبى فكسر الياء، وقالوا: هو ييجل. فصيروها من قولهم يوجل للياء فكذلك قولهم يخصمون وعلى هذا قوله:
تكتّبان في الطّريق لام الف «2» فهذا من الحركات التي للإتباع.
[يس: 56]
قال: قرأ حمزة والكسائي في ظلل [يس/ 56] وقرأ الباقون في ظلال بكسر الظاء «3».
أمّا الظّلل فجمع ظلّة، كغرفة وغرف، وقربه وقرب، وجورة وجور، وفي التنزيل: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام [البقرة/ 210].
__________
(1) انظر سيبويه 2/ 255 وقد سبق نحو هذا في 1/ 65.
(2) البيت من الرجز من شواهد سيبويه 2/ 34. وهو في الخزانة 1/ 48 وشرح شواهد الشافية ص 156 ونسبه لأبي النجم العجلي. وقد ضبطت عندنا تكتبان بكسر التاء، وفي المراجح بضمها، ورد الشاهد عندهم على نقل فتحة همزة ألف إلى ميم لام.
(3) السبعة ص 542.
(6/43)
________________________________________
وأمّا ظلال فيحتمل أمرين: يجوز أن يكون جمع ظلة، كعلبة وعلاب، وجفرة وجفار، وبرمة وبرام، فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا، ويجوز أن يكون ظلال جمع ظلل، وفي التنزيل: يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل [النحل/ 48] وقال:
تتبّع أفياء الظّلال عشيّة على طرق كأنّهنّ سبوب «1»
[يس: 61]
عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي «2»: وأن اعبدوني [يس/ 61] بكسر النون، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي:
وأن اعبدوني بضم النون. وكلهم قرأ بالياء وكذلك هي في كلّ المصاحف «3».
قال أبو علي: الضّم والكسر حسنان، وقد مضى القول في ذلك، وأمّا إثبات الياء، فإنّ الإثبات والحذف مذهبان، فإذا ثبت الياء في الخط أخذ به دون الآخر.
[يس: 62]
اختلفوا في التّخفيف والتّثقيل من قوله عزّ وجلّ: جبلا كثيرا [يس/ 62] فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: جبلا مضمومة الجيم، والباء، مخففة اللام، وقرأ أبو عمرو وابن عامر: جبلا بضم الجيم وتسكين الباء، وقرأ نافع وعاصم جبلا بكسر الجيم، والباء، مشدّدة اللّام «4».
__________
(1) البيت لعلقمة الفحل، سبق في 4/ 69. وهو البيت الرابع عشر من المفضلية رقم/ 119/ والسبوب: جمع السّب، والسّب: شقّة كتّان رقيقة. انظر اللسان/ سبب/.
(2) كلمة والكسائي ليست في السبعة.
(3) السبعة ص 542.
(4) السبعة ص 542.
(6/44)
________________________________________
قال أبو عبيدة: أضل منكم جبلا كثيرا مثقل وبعضهم لا يثقل، ويضمّ الحرف الأول، ويسكن الثاني، ومنهم من يضمّ الأول والثاني.
ولا يثقل، قال: ومعناهنّ: الخلق والجماعة «1». وقال التّوّزي: يقال جبلا وجبلا وجبلا وجبلا وجبلا. وحكى غير التوزي: جبلا، وقال هو جمع جبلّة.
[يس: 68]
اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله عزّ وجلّ: ننكسه في الخلق [يس/ 68] فقرأ حمزة: ننكسه مشدّدا، واختلف عن عاصم، فروى أبو بكر عنه مشدّدا، وكذلك روى عنه حفص أيضا وكذلك قال أبو الربيع الزهراني عن حفص، وأبو حفص عمرو «2» بن الصباح عن حفص عن عاصم: مشدّدا. وروى هبيرة عن حفص عن عاصم مخفّفة. علي بن نصر عن أبان عن عاصم: ننكسه خفيف.
قال قتادة: ننكسه في الخلق لكي لا يعلم بعد علم شيئا، يعني الهرم.
غيره، معناه: من أطلنا عمره نكّسنا خلقه، فصار بدل القوة ضعفا، وبدل الشباب هرما، قال أبو الحسن: ننكسه، وهو كلام العرب، قال: وقال الأعمش: ننكّسه في الخلق، قال أبو الحسن: ولا يكادون يقولون نكّسته إلّا لما يقلب فيجعل رأسه أسفل. قال غير أبي الحسن أنكر أبو عمرو ننكسه.
__________
(1) مجاز القرآن 2/ 164 وساقط منه قوله: «ومنهم من يضمّ الأوّل والثاني ولا يثقل».
(2) في الأصل: عمر، والتصويب من غاية النهاية 1/ 601 والسبعة، وعمرو هذا: ابن الصباح بن صبيح أبو حفص البغدادي الضرير مات سنة إحدى وعشرين ومائتين. كما في غاية النهاية.
(6/45)
________________________________________
[يس: 68]
قرأ نافع وأبو عمرو في رواية عباس بن الفضل عنه: أفلا تعقلون [يس/ 68] بالتاء وقرأ الباقون: بالياء أفلا يعقلون «1».
وجه الياء على: قل لهم: أفلا يعقلون. والتاء لقوله: ألم أعهد إليكم [يس/ 60] أفلا تعقلون.
[يس: 41]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله: أنا حملنا ذريتهم في الفلك [يس/ 41] فقرأ نافع وابن عامر: ذرياتهم* جماعا، وقرأ الباقون: ذريتهم واحدة «2».
الذّرّيّة: تكون جمعا وتكون واحدا، فالواحد قوله: هب لي من لدنك ذرية [آل عمران/ 38] فهذا بمنزلة هب لي من لدنك وليا يرثني [مريم/ 5 - 6]. والجماعة يدلّ عليها قوله: ذرية ضعافا [النساء/ 9] فمن جمع فكما جمع أسماء الجمع، ومن لم يجمع ما كان جمعا في المعنى فكما تفرد أسماء الجمع ولا تجمع.
[يس: 67]
وقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: لمسخناهم على مكاناتهم [يس/ 67] جمعا جماعة، وحدّثني موسى بن إسحاق قال حدّثنا هارون بن حاتم قال: حدّثنا عبيد اللَّه بن موسى عن شيبان عن عاصم مكانتهم واحدة، المفضل مثله. حفص عن عاصم واحدة أيضا، وكذلك قرأ الباقون على التوحيد أيضا مكانتهم «3».
من أفرد فلأنّه مصدر، والمصادر تفرد في موضع الجمع لأنّه يراد
__________
(1) السبعة ص 543.
(2) السبعة ص 540.
(3) السبعة ص 542 - 543.
(6/46)
________________________________________
به الكثرة، كما يراد ذلك في سائر أسماء الأجناس، ومن جمع فلأنّهم قد جمعوا من المصادر شيئا نحو: الحلوم، والألباب.
[يس: 70]
قرأ نافع: لتنذر من كان حيا [يس/ 70] بالتاء وقرأ الباقون:
لينذر بالياء «1».
وجه التاء أنّه خطاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم، ومن قال: ينذر*، أراد القرآن، ومعنى من كان حيّا: من المؤمنين، لأنّ الكفّار أموات، كما قال:
أموات غير أحياء [النحل/ 26]، وقال: أومن كان ميتا فأحييناه [الأنعام/ 122].
[يس: 82]
قرأ ابن عامر والكسائي: كن فيكون* [يس/ 82] نصبا، وقرأ الباقون: فيكون «2» رفعا.
أمّا الكسائي فإنّه يحمل نصب فيكون* على ما قبله من «أن» ولا ينصب «فيكون» إذا لم يكن قبله «أن» فيحمل عليها.
وأمّا ابن عامر، فإنّه ينصب «فيكون» كان قبلها «أن» أولم يكن وقد ذكرنا قوله فيما تقدّم.
__________
(1) السبعة ص 544.
(2) السبعة ص 544.
(6/47)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الصّافّات
[الصافات: 3، 2، 1]
قرأ أبو عمرو إذا أدغم، وحمزة على كلّ حال: والصافات صفا، فالزاجرات زجرا، فالتاليات ذكرا [1 - 2 - 3] والذاريات ذروا [الذاريات/ 1]، وقرأ أبو عمرو وحده: والعاديات ضبحا [العاديات/ 1] مدغما، والمغيرات صبحا [العاديات/ 2]، فالتاليات ذكرا [الصّافّات/ 3]، والسابحات سبحا، فالسابقات سبقا [النازعات/ 3 - 4]، مدغما.
عبّاس «1» عن أبي عمرو لا يدغم شيئا من ذلك، وفالملقيات ذكرا [الذاريات/ 5] والسابحات سبحا، فالسابقات سبقا [النازعات/ 3 - 4].
وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر والكسائي بإظهار التاء في ذلك كله «2».
__________
(1) سبقت ترجمته في 1/ 376 و 2/ 75.
(2) السبعة ص 546.
(6/48)
________________________________________
قتادة: الصّافّات صفّا: الملائكة صفوف في السماء، والزاجرات زجرا: ما زجر اللَّه عنه في آي القرآن، والتاليات ذكرا: ما يتلى من آي القرآن.
أبو عبيدة: كلّ شيء في السماء والأرض ممّا لم يضمّ قتريه فهو صافّ، والتالي: القارئ «1».
قال أبو علي: إدغام التاء في الصّاد حسن لمقاربة الحرفين، ألا ترى أنّهما من طرف اللسان، وأصول الثنايا، ويجتمعان في الهمس؟
والمدغم فيه يزيد على المدغم بخلّتين هما: الإطباق، والصّفير، وحسن أن يدغم الأنقص في الأزيد، ولا يجوز أن يدغم الأزيد صوتا في الأنقص، ألا ترى أن الطّاء والدّال، والتاء والظاء، والذال والثاء يدغمن في الصّاد والسّين والزّاي، ولا تدغم الصّاد وأختاها فيهنّ لزيادة الصّاد وأختيها عليهنّ في الصّفير؟ وكذلك يدغم اللّام في الرّاء، ولا تدغم الرّاء في اللّام لزيادة التكرير في الرّاء، فقد علمت- فيما ذكر- حسن إدغام التّاء في الصّاد، وإدغام التاء في الزّاي في قوله:
فالزاجرات زجرا حسن. لأنّ التاء مهموسة، والزّاي مجهورة، وفيها زيادة صفير، كما كان في الصّاد، وكذلك حسن إدغام التاء في الذال في قوله: والتاليات ذكرا، والذاريات ذروا، لاتفاقهما في أنّهما من طرف اللسان، وأصول الثنايا، فأمّا إدغام التاء في الضاد من قوله:
والعاديات ضبحا، فإنّ التاء أقرب إلى الذّال والزّاي منها إلى الضاد.
لأنّ الذّال والزّاي والصّاد من حروف طرف اللّسان، وأصول الثنايا، والضّاد أبعد منهنّ لأنها من وسط اللّسان.
__________
(1) مجاز القرآن 2/ 166 والقتر: الناحية والجانب، لغة في القطر وهي الأقتار والأقطار، اللسان/ قتر/.
(6/49)
________________________________________
ولكن حمل حسن الإدغام التاء فيها، لأنّ الصّاد تفشّى الصوت بها، واتّسع واستطال حتّى اتّصل صوتها بأصول الثنايا وطرف اللسان، فأدغم التاء فيها وسائر حروف طرف اللّسان، وأصول الثنايا إلّا حروف الصّفير، فإنّها لم تدغم في الصاد، ولم تدغم الصّاد في شيء من هذه الحروف لما فيها من زيادة الصوت فكره إدغامها فيما أدغم فيها من هذه الحروف، لما فيها من التّفشّي والاستطالة، حتى اتّصلت بأصول الثنايا مع أنّها من وسط اللّسان.
قال: وسمعناهم ينشدون:
ثار فضجّت ضجّة ركائبه «1» فأمّا الإدغام في السّابحات سبحا، والسّابقات سبقا، فحسن لمقاربة الحروف، وأمّا من قرأ بالإظهار في هذه، وترك إدغامها، فذلك لاختلاف المخارج، وإنّ المدغم فيه ليس بلازم، فلم يدغموا لتباين المخارج، وانتفاء الرفع، ألا ترى أنّهم بيّنوا نحو أفعل؟ وإن كان من كلمة واحدة، لما لم تلزم التاء- هذه- البناء، فما كان من كلمتين منفصلتين أجدر بالبيان.
[الصافات: 6]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: بزينة الكواكب [الصافات/ 6] فقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص: بزينة، خفض منوّنة الكواكب بكسر الباء.
وقرأ عاصم في رواية في أبي بكر بزينة خفض الكواكب* بفتح الباء.
__________
(1) قال سيبويه في الكتاب 2/ 420: «وسمعنا من يوثق بعربيته قال» وذكره. قال الأعلم: وصف رجلا ثار بسيفه في ركائبه ليعرقبها ثم ينحرها للأضياف فجعلت تضج.
(6/50)
________________________________________
وقرأ الباقون: بزينة الكواكب مضافا «1».
قال أبو علي: من قال: بزينة الكواكب جعل الكواكب بدلا من الزينة، لأنّها هي، كما تقول: مررت بأبي عبد اللَّه زيد.
ومن قال: بزينة الكواكب، أعمل الزينة في الكواكب، والمعنى: بأن زينا الكواكب فيها، ومثل ذلك قوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما [البلد/ 14، 15] ومثله: ولا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا [النحل/ 73] تقديره: ما لا يملك أن يرزق شيئا.
فأمّا قوله: قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا [الطلاق/ 10، 11] فيجوز أن يكون الرّسول بدلا من الذكر، كما كان الكواكب بدلا من الزينة، والمعنى ذا ذكر رسولا، ويجوز أن يكون كقوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما [البلد/ 14، 15] فأمّا قوله: ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا [المرسلات/ 25، 26] فإن كان الكفات مصدرا لكفت، كما أنّ الكتاب مصدر لكتب، فقد انتصب «أحياء» به، والمعنى: نكفت أحياء، كما أنّ قوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما تقديره: أو أن تطعم مسكينا، وقد قيل: إنّ الكفات جمع الكافتة، فأحياء على هذا منتصب بالجمع كقوله:
... أنّهم في قومهم غفر ذنبهم «2» ...
__________
(1) السبعة ص 546.
(2) من بيت لطرفة وتمامه:
ثم زادوا أنّهم في قومهم غفر ذنبهم غير فخر انظر ديوانه/ 64. والشاهد فيه نصب ذنبهم بغفر لأنه جمع غفور وغفور تكثير غافر وعامل عمله فجرى جمعه على العمل مجراه .. ومعناه:
(6/51)
________________________________________
ومن قال: بزينة الكواكب أضاف المصدر إلى المفعول به كقوله: من دعاء الخير [فصلت/ 49] وسؤال نعجتك [ص/ 24] ولو جاء إطعام يتيم في يوم ذي مسغبة جاز في القياس، والمعنى:
بأن زينّا الكواكب فيها.
[الصافات: 8]
اختلفوا في التّشديد والتّخفيف من قوله عزّ وجلّ: لا يسمعون* [الصافات/ 8].
فقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: لا يسمعون مشدّدة.
وقرأ الباقون وعاصم في رواية أبي بكر: لا يسمعون* خفيفة «1».
قال أبو علي: يسمعون إنّما هو: لا يتسمعون، فأدغم التاء في السّين، وقد تقدّم حسن إدغام التاء في السّين، وقد يتسمع، ولا يسمع، فإذا نفى التسمع عنهم فقد نفى سمعه من جهة التسمّع، ومن جهة غيره، فهو أبلغ. ويقال: سمعت الشيء واستمعته كما تقول:
حفرته واحتفرته، وشويته واشتويته. وقد قال: وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا [الأعراف/ 204] وقال: ومنهم من يسستمع إليك [الأنعام/ 25] فتعدّى الفعل مرّة بإلى، ومرّة باللّام، كقوله:
وهديناهم إلى صراط مستقيم [الأنعام/ 87] والحمد لله الذي هدانا لهذا [الأعراف/ 43] وقال: وأوحى ربك إلى النحل
__________
مدح قومه فيقول لهم فضل على الناس وزيادة عليهم بأنهم يغفرون ذنب المذنب إليهم ولا يفخرون بذلك سترا لمعروفهم. ويروى غير فجر. انظر الكتاب لسيبويه 1/ 58.
(1) السبعة ص 546.
(6/52)
________________________________________
[النحل/ 68] وقال: بأن ربك أوحى لها [الزلزلة/ 5] فتعدّى الفعل مرّة بإلى، ومرّة باللّام، ولا فصل بين فعلت وافتعلت في ذلك لاتفاقهما في التّعدّي.
ومن حجّة من قرأ يسمعون* قوله: إنهم عن السمع لمعزولون [الشعراء/ 212] والسّمع: مصدر يسمع.
[الصافات: 12]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: بل عجبت [الصافّات/ 12]، في ضمّ التاء وفتحها.
فقرأ حمزة والكسائي بل عجبت، بضم التاء.
وقرأ الباقون بل عجبت بنصب التاء «1».
قال أبو علي: من فتح فالمعنى: بل عجبت من إنكارهم البعث وهم يسخرون، أو عجبت من نزول الوحي عليك وهم يسخرون.
والضّمّ فيما زعموا قراءة عليّ، وعبد الله، وابن عباس، وروي عن شريح إنكاره له، وأنّه قال: إنّ الله لا يعجب، وقد احتجّ بعضهم للضّمّ بقوله: وإن تعجب فعجب قولهم
[الرعد/ 5]، وليس في هذا دلالة على أنّ الله سبحانه أضاف العجب إلى نفسه، ولكن المعنى: وإن تعجب فعجب قولهم عندكم.
والمعنى في الضّمّ أنّ إنكار البعث والنّشر مع ثبات القدرة على الابتداء والإنشاء، ويبيّن ذلك عند من استدل: عجب عندكم، ومما يقولون فيه هذا النحو من الكلام إذا ورد عليكم مثله «2».
__________
(1) السبعة ص 547.
(2) ورد على هامش الأصل: «كذا عنده». إشارة إلى أن اضطراب العبارة في الأصل.
(6/53)
________________________________________
كما أنّ قوله: أسمع بهم وأبصر [مريم/ 38] معناه: أنّ هؤلاء ممّن تقولون أنتم فيه هذا النحو، وكذلك قوله: فما أصبرهم على النار [البقرة/ 175] عند من لم يجعل اللّفظ على الاستفهام، وعلى هذا النحو قوله: ويل للمطففين [المطففين/ 1] وويل يومئذ للمكذبين [المرسلات/ 15] وقوله: لعله يتذكر أو يخشى [طه/ 44] ولا يجوز أن يكون الوصف بالعجب في وصف القديم سبحانه، كما يكون في وصف الإنسان، لأنّ العجب فينا إنّما يكون إذا شاهدنا ما لم نشاهد مثله، ولم نعرف سببه، وهذا منتف عن القديم سبحانه.
[الصافات: 47]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: ولا هم عنها ينزفون [الصافّات/ 47]. في فتح الزّاي وكسرها، فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ينزفون هاهنا بفتح الزاي، وفي الواقعة [19].
وقرأ عاصم هاهنا ينزفون بنصب الزاي، وفي الواقعة:
ينزفون* بكسر الزاي.
وقرأ حمزة والكسائي: ينزفون* بكسر الزاي في الموضعين «1».
يقال: أنزف الرجل على معنيين: أحدهما: أنّه يراد به: سكر.
وأنشد أبو عبيدة وغيره:
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم لبئس النّدامى كنتم آل أبجرا «2»
__________
(1) السبعة ص 547.
(2) البيت للأبيرد الرياحي اليربوعي، وأبجر: هو أبجر بن جابر العجلي. مجاز القرآن 2/ 169، وانظر المحتسب 2/ 308، واللسان (نزف).
(6/54)
________________________________________
فمقابلته له بصحوتم يدلّك على إرادة سكرتم. والآخر: أنزف:
إذا نفد شرابه، ومعنى أنزف صادر ذا إنفاد لشرابه، كما أنّ الأول معناه النفاد من عقله، فقول حمزة والكسائي ينزفون*، يجوز أن يراد به:
ولا يسكرون عن شربها، ويجوز أن يراد: لا ينفد ذلك عندهم كما ينفد شراب أهل الدنيا، فإذا كان معنى لا فيها غول [الصافّات/ 47] لا تغتال عقولهم، حمل قول حمزة والكسائي: لا ينزفون في الصافّات على: لا ينفد شرابهم، لأنّك إن حملته على أنّهم لا يسكرون صرت كأنّك كررت يسكرون مرتين، وإن حملت لا فيها غول على لا تغتال صحتهم ولا يصيبهم عنها العلل التي تحدث عن شربها كما ترى أنّ عاصما ذهب إليه، حملت ينزفون في والصافات على أنّهم لا يكسرون، ويقال للسكران منزوف. وفي الواقعة قال: ينزفون* أي:
لا ينفد شرابهم، لأنّه قد تقدّم أنّهم لا يصيبهم فيها الصداع، فقوله:
لا يصدعون عنها [الواقعة/ 19] كتأويل قوله في الصّافات: لا تغتال من صحّتهم، فيصرف لا ينزفون في الصافّات إلى أنّه لا ينفد شرابهم.
وأمّا من قرأ: ولا ينزفون في الموضعين، فإنّه أراد: لا يسكرون، وهو مثل لا يضربون وليس يفعلون من أفعل، ألا ترى أنّ أنزف الذي معناه سكر وأنزف الذي يراد به نفد شرابه لا يتعدى واحد منهما إلى المفعول به، وإذا لم يتعدّ إلى المفعول به لم يجز أن يبنى له، فإذا لم يجز ذلك علمت أن ينزفون من نزف وهو منزوف إذا سكر.
[الصافات: 55، 54]
قال: وكلّهم قرأ: مطلعون. فاطلع [الصافّات/ 54، 55] إلّا أنّ ابن حيّان أخبرنا عن أبي هشام عن حسين [الجعفي] «1» عن أبي
__________
(1) زيادة من السبعة.
(6/55)
________________________________________
عمرو أنّه قرأ هل أنتم مطلعون. فأطلع الألف مضمومة، والطاء ساكنة، واللّام مكسورة، والعين مفتوحة «1».
قال أبو علي: من قال: هل أنتم مطّلعون، فالمعنى: هل أنتم مشرفون لتنظروا، فاطّلع فرأى قرينة في سواء الجحيم. قال أبو الحسن: مطّلعون مثقلة أكثر في كلام العرب، وقال: واطّلعت- افتعلت- أكثر من أطلعت، قال: وهما عربيّتان.
قال أبو علي: المعنى في هل أنتم مطلعون: هل أنتم مطلعيّ فأطلع. تقديره: أفعل، تقول: طلع زيد، وأطلعه غيره.
[الصافات: 94]
اختلفوا في قوله: يزفون [الصافّات/ 94] فقرأ حمزة وحده يزفون، برفع الياء وكسر الزاي، المفضل عن عاصم مثله.
وقرأها الباقون: يزفون بفتح الياء «2».
قال أبو علي: يقال: زفّت الإبل تزفّ: إذا أسرعت، وقال الهذلي:
وزفّت الشّول من برد العشيّ كما زفت النّعام إلى حفّانة الرّوح «3»
__________
(1) السبعة ص 548.
(2) السبعة ص 548.
(3) المعنى: الشول: ج شامله وهي التي قد خفّ لبنها وأتى على نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية، وخصّها دون غيرها، لأنّه أراد أنّها خفيفة البطن، فلا تقوى على البرد، فتسرع هذه النياق إلى مكان تستدفئ فيه، كما يسرع النعام إلى فراخه. والبيت لأبي ذؤيب الهذلي، انظر ديوان الهذليين 1/ 107، وانظر المحتسب 2/ 221، والبيت من شواهد البغدادي في شرح أبيات المغني 2/ 35 مع أبيات من القصيدة.
(6/56)
________________________________________
الحفان: صغار النعام. والرّوح: جمع روحاء، وهي التي بين رجليها فرجة.
وقول حمزة: يزفون يحملون غيرهم على الزفيف، قال الأصمعي: أزففت الإبل: إذا حملتها على أن تزفّ، وهو سرعة الخطو، ومقاربة المشي، والمفعول محذوف على قراءته، كأنّهم حملوا ظهورهم على الإسراع والجدّ في المشي.
[الصافات: 102]
اختلفوا في ضمّ التاء وفتحها من قوله عزّ وجلّ: ماذا ترى [الصافّات/ 102].
فقرأ حمزة والكسائي: ماذا تري بضمّ التاء وكسر الراء.
وقرأ الباقون ماذا ترى بفتح التاء «1».
قال أبو علي: من فتح التاء فقال: ماذا ترى كان مفعول ترى أحد شيئين:
أحدهما أن يكون ما* مع ذا* بمنزلة اسم واحد فيكونان في موضع نصب بأنّه مفعول ترى.
والآخر: ذا* بمنزلة الذي* فيكون مفعول ترى، والهاء محذوفة من الصلة، وتكون ترى على هذا التي معناها: الرّأي، وليس إدراك الحاجة كما تقول: فلان يرى رأي أبي حنيفة، ومن هذا قوله عزّ وجلّ:
لتحكم بين الناس بما أراك الله [النساء/ 106] فلا يخلوا أراك من أن يكون نقلها بالهمزة من التي هي رأيت، تريد رؤية البصر، أو رأيت التي تتعدّى إلى مفعولين، أو رأيت التي بمعنى: الرأي الذي هو
__________
(1) السبعة ص 548.
(6/57)
________________________________________
الاعتقاد والمذهب. فلا يجوز أن يكون من الرؤية التي معناه: أبصرت يعني لأنّ الحكم في الحوادث بين الناس ليس مما يدور بالبصر، فلا يجوز أن يكون هذا القسم، ولا يجوز أن يكون من رأيت التي تتعدّى إلى مفعولين، لأنّه كان يلزم بالنقل بالهمزة أن يتعدّى إلى ثلاثة مفعولين، وفي تعدية إلى مفعولين، أحدهما الكاف التي للخطاب، والآخر المفعول المقدّر حذفه من الصلة تقديره: بما أراكه الله، ولا مفعول ثالثا في الكلام، دلالة على أنّه من رأيت الّتي معناها الاعتقاد والرأي، وهي تتعدّى إلى مفعول واحد، فإذا نقل بالهمزة تعدّى إلى مفعولين كما جاء في قوله: بما أراك الله [النساء/ 106] فإذا جعلت قوله: ذا* من قوله ماذا ترى بمنزلة الذي، صار تقديره: ما الذي تراه، فيصير ما* في موضع ابتداء، ابتداء، والذي* في موضع خبره، ويكون المعنى: ما الذي تذهب إليه فيما ألقيت إليك؟ هل تستسلم له وتتلقاه بالقبول، أو تأتي غير ذلك؟ فهذا وجه قول من قال: ماذا ترى بفتح التاء، وقوله يا أبت افعل ما تؤمر [الصافّات/ 102] دلالة على الاستسلام والانقياد لأمر الله عزّ وجلّ.
فأمّا قول حمزة والكسائي: ماذا ترى، فإنّه يجوز أن يكون ما* مع ذا* بمنزلة اسم واحد، فيكونان في موضع نصب، والمعنى:
أجلدا تري على ما تحمل عليه أم خورا؟ ويجوز أن تجعل ما* مبتدأ وذا* بمنزلة الذي ويعود إليه الذكر المحذوف من الصلة، والفعل منقول من رأى زيد الشيء وأريته الشيء إلّا أنّه من باب أعطيت فيجوز أن يقتصر على أحد المفعولين دون الآخر، كما أن أعطيت كذلك، ولو ذكرت المفعول كان أريت زيدا جلدا، ولو قرأ قارئ: ماذا ترى
لم يجز لأن ترى* يتعدّى إلى مفعولين، وليس هنا إلّا مفعول واحد،
(6/58)
________________________________________
والمفعول الواحد إمّا أن يكون ماذا بمجموعه، وإمّا أن يكون الهاء التي تقدرها محذوفة من الصلة إذا قدرت ذا* بمنزلة الذي*، فإذا قدرتها محذوفة كانت العائدة إلى الموصول، فإذا عاد إلى الموصول اقتضى المفعول الثاني فيكون ذلك كقوله: أين شركائي الذين كنتم تزعمون [القصص/ 62] ألا ترى أن التقدير: أين شركائي الذين كنتم تزعمونهم إيّاهم، أي: تزعمونهم شركائي، فحذف المفعول الثاني لاقتضاء المفعول الأوّل الذي في تقدير الإثبات في الصلة إيّاه فهو قول، ويكون مثل هذه الآية، وكذلك إن قدّرت ما* وذا* بمنزلة اسم واحد صار ماذا في موضع نصب بكونه مفعولا لترى، ويكون المفعول الثاني محذوفا، كأنّه: ماذا تري كائنا منك، أو واقعا منك، ونحو ذلك، وأري بمنزلة زعمت وظننت ونحوه، ألا ترى أنّه ذكره في هذا الباب؟ وذلك أنّه منقول من أريت زيدا عمرا خير الناس، فإذا بنيته للمفعول أقمت المفعول الأوّل مقام الفاعل، فبقي المفعولان اللّذان كانا مفعولي ظننت، وخلت ونحوهما.
[الصافات: 123]
قال: قرأ ابن عامر وحده: وإن الياس [الصافّات/ 123] بغير همزة.
وقرأ الباقون: بالهمز.
[الصافات: 130]
وقرأ نافع وابن عامر: سلام على آل ياسين [الصافات/ 130].
وقرأ الباقون: سلام على إلياسين مكسورة الألف ساكنة اللام «1».
__________
(1) السبعة ص 548 - 549.
(6/59)
________________________________________
قول ابن عامر يحتمل وجهين:
احدهما: أن يكون حذف الهمزة من الياس* حذفا كما حذفها ابن كثير من قوله: إنها لحدى الكبر [المدّثر/ 35]. ألا ترى أن ياء ليا* بمنزلة لإحدى والمنفصل قد ينزّل منزلة المتّصل في كثير من الأمر.
والآخر: أن تكون الهمزة التي تصحب اللّام للتعريف كقوله:
واليسع [الأنعام/ 86، ص/ 48].
وأمّا قول من أثبت الهمزة مكسورة فيقويه قول من قال: سلام على آل ياسين، فهذا يدلّ على أن الهمزة ثابتة في إلياس ثبوتها في قوله: وإن إدريس لمن المرسلين «1» [الصافّات/ 123] وفي بعض الحروف: سلام على إدراسين «2» [الصافّات/ 130] ويقوّي ثبات الهمزة في إلياس أنّ هذا ليس بموضع تحذف فيه الهمزة، إنّما هو موضع تجعل فيه بين بين في التخفيف، كما يخفّف: سئم، وبئس، وإذ قال إبراهيم [البقرة/ 260].
وأمّا قراءة نافع وابن عامر: سلام على آل ياسين فحجّتهما أنّهم زعموا أنّها في المصحف مفصولة من ياسين، ولو كانت الألف واللّام التي للتعريف لوصلت في الخط ولم تفصل، ففي فصل ذلك في الكتاب دلالة على آل* الذي تصغيره أهيل، وليس بلام التعريف التي تصحبها الهمزة الموصولة.
__________
(1) هذه قراءة ابن مسعود ويحيى والأعمش والمنهال بن عمرو والحكم بن عتيبة (وان ادريس). انظر البحر المحيط 7/ 372، وانظر المحتسب 2/ 224.
(2) قراءة أخرى في الآية (130) من سورة الصافّات، انظر المحتسب 2/ 224 - 225، والبحر المحيط 7/ 372.
(6/60)
________________________________________
وأمّا من قرأ سلام على إلياسين فهو جمع، معنى واحدة الإضافة بالياء. مثل: تميمي وبكري، والقول فيه أنّه لا يخلو من أن يراد بهذا الجمع الذي على حدّ: مسلم ومسلمون، وزيد وزيدون، أو الذي واحدة يراد به النسب، فمن البيّن أنّه لا يجوز أن يكون على حدّ: مسلم ومسلمون لأنّه ليس كلّ واحد منهم اسمه إلياس، وإنّما إلياس اسم نبيّهم، وإذا لم يكن على هذا علم أنّه على معنى إرادة النسب بالياء، إلّا أنّ الياءين حذفتا في جمع الاسم على التصحيح، كما حذف ياءً النسب والتكسير، وذلك نحو: المسامعة، والمهالبة، والمناذرة، فإنّما هذا على أن كلّ واحد منهم مسمعيّ ومهلّبي فحذف في التكسير الياءات كما حذف في التصحيح. ومما يدلّ على ذلك قولهم: فارسي وفرس، وليس الفرس جمع فارس، إنّما هو جمع فارسيّ، حذفت منه ياء النّسب ثم جمع الاسم بعد على حدّ: باذل، ولذلك جمع على حدّ الصّفة، وليس اسم الآحاد المجموعة فارس، ولكنّه فارسي، قال:
طافت به الفرس حتى بذّ ناهضها «1» ومما يدلّ على أنّ جمع التصحيح على تقدير إرادة النصب به في المعنى وإن حذف الحرف في اللفظ قولهم: الأعجمون. ألا ترى أنّه ليس يخلو من أن يكون المجموع: أعجم أو أعجمي؟ فلا يجوز أن يكون المجموع بالياء والنون الأعجم، لأنّ هذا الضرب من الآحاد التي هي صفات لا تجمع بالواو والنون، كما أنّ مؤنثه لا يجمع بالألف
__________
(1) هذا صدر بيت لابن مقبل عجزه:
عمّ لقحن لقاحا غير مبتسر
(6/61)
________________________________________
والتاء، لا يقال في الأحمر الأحمرون، فإذا لم يجز ذلك علم أنّه إنّما جمع على الأعجمي، وإذا قامت الدلالة من هذا على أنّ المجموع لا يكون الأعجم علمت أنّه الأعجمي، وعلى هذا قالوا: النميرون والهبيرات، إنّما هو الهبريّات، ويدلّ أيضا على أنّ المراد بجمع التصحيح هو ما فيه ياء الإضافة، فحذفتا منه قولهم: مقتوون. ألا ترى أنّه لولا إرادة الياء التي للنسب لم يجمع هذا الجمع؟ ولاعتلّت الواو التي هي لام من: القتوة، وانقلبت كما انقلبت في نحو هذا ممّا جاء على مفعل فثبات الواو في هذا دلالة على أنّ إرادة الياء التي للإضافة كما كان الجمع في الأعجمين دلالة على إرادة النسب، فمن ثمّ جاز:
الأعجمون، وجاز: مقتوون، والتكسير في هذا النحو كالتصحيح، وكذلك قوله: سلام على إلياسين [الصافّات/ 130] تقديره إرادة ياءي النسب، كما أنّ الأعجمون كذلك، والتقدير: إلياسيّين، فحذف كما حذف من سائر هذه الكلم التي يراد بها الصّفة، ومما يثبت ذلك قوله:
وإن إدريس لمن المرسلين [الصافّات/ 123] سلام على إدراسين [الصافّات/ 130]، فكما جاء إدراسين، والمراد به إدراسين «1» كذلك المراد بإلياسين، فإن قلت: فكيف قال: إدراسين، وإنّما الواحد إدريس، والمجموع إدريسين في المعنى ليس بإدراس ولا إدراسيّ؟
فإن ذلك يجوز أن يكون كإبراهيم، وإبراهام، اختلاف لغة في الاسم، ومثل ذلك قوله:
قدني من نصر الخبيبين قدي «2» وأراد عبد الله ومن كان على رأيه، وكذلك إدراسين من كان من
__________
(1) كذا الأصل والأظهر أن تكون: (إدراسيين).
(2) البيت لحميد الأرقط، سبق في 3/ 334، وانظر المحتسب 2/ 223.
(6/62)
________________________________________
شيعته وأهل دينه، والمعنى يدلّك على إرادة ياء النسب، وقال بعضهم: يجوز أن يكون إلياس وإلياسين كقوله: ميكال وميكائيل، وليس كذلك لأنّ ميكال وميكائيل لغتان في اسم واحد، وليس أحدهما مفردا والآخر جمعا كإدريس، وإدراسين وإلياسين، وزعموا أن إلياسين قراءة أهل البصرة والكوفة.
[الصافات: 126]
اختلفوا في النصب والرفع من قوله عزّ وجلّ: الله ربكم ورب آبائكم الأولين [الصافّات/ 126].
فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم الله ربكم ورب آبائكم نصبا.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: الله ربكم ورب آباؤكم رفعا «1».
حجّة من قرأ: الله بالنصب أن يكون الكلام فيه من وجه واحد وهو يدلّ على معنى الرفع، والمعنى: لم تعبدون ما لا ينفع ولا يضر، وتذرون عبادة أحسن الخالقين.
ومن رفع استأنف، وحسن الاستئناف لتمام الكلام الأوّل، والمعنى: الله ربكم وربّ آبائكم الأولين، أي: خالقكم ورازقكم فهو الذي تحقّ له العبادة دون من لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عن أحد شيئا.
[الصافات: 153، 152]
قال: كلّهم قرأ: لكاذبون. أصطفى [الصافّات/ 152، 153] مهموزا.
واختلف عن نافع فروى المسيبي وقالون وأبو بكر بن أبي
__________
(1) السبعة ص 549.
(6/63)
________________________________________
أويس: لكاذبون أصطفى مهموز، وروى ابن جماز وإسماعيل عن نافع وأبي جعفر وشيبة لكاذبون اصطفى غير مهموز ولا ممدود ورأيت من أصحاب ورش من يرويه: لكاذبون اصطفى غير مهموز ممدود مثل رواية إسماعيل. أخبرني بذلك محمد بن عبد الرحيم الأصفهاني عن أصحابه عن ورش فإذا ابتدأت في قراءة نافع في رواية إسماعيل وابن جماز فبالكسر «1».
الوجه الهمز على وجه التقريع لهم بذلك والتوبيخ، ويقوّي ذلك قوله: أم اتخذ مما يخلق بنات [الزخرف/ 16] وقوله: أم له البنات ولكم البنون [الطور/ 39] ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا [النجم/ 21، 22] فكما أنّ هذه المواضع كلّها استفهام كذلك قوله: أصطفى البنات وغير الاستفهام ليس باتجاه الاستفهام.
ووجه ما روي عن نافع أنّه على وجه الخبر، كأنّه: اصطفى البنات فيما يقولون، كقوله: ذق إنك أنت العزيز الكريم [الدخان/ 49] أي عند نفسك وفيما كنت تقوله، وتذهب إليه ومثله قوله: وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر [الحجر/ 6] أي فيما يقول هو ومن يتّبعه، ويجوز أن يكون المعنى: وإنّهم لكاذبون، قالوا اصطفى البنات، فحذف: قالوا، وقوله بعد: ما لكم كيف تحكمون [الصافّات/ 154] توبيخ لهم على قولهم الكذب. ويجوز أن يكون قوله: اصطفى البنات بدلا من قوله: ولد الله [الصافّات/ 152]، لأنّ
ولادة البنات واتخاذهنّ اصطفاء لهنّ، فيصير اصطفى بدلا من المثال الماضي، كما أنّ قوله: يضاعف له العذاب [الفرقان/ 69]
__________
(1) السبعة ص 549.
(6/64)
________________________________________
بدل من قوله: يلق أثاما [الفرقان/ 68]، ويجوز أن يكون اصطفى* في رواية من كسر الهمزة عن نافع: تفسيرا لكذبهم الذي نسب إليهم في قولهم، ولد الله وإنهم لكاذبون [الصافّات/ 152]، كما أن لهم مغفرة [المائدة/ 9] تفسير للوعد ويجوز أن يكون قوله: اصطفى متعلقا بالقول على أنه أريد حرف العطف فلم يذكر، واستغنى بما في الجملة الثانية من الاتصال بالأولى عن حرف العطف، كقوله:
سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم [الكهف/ 22] ونحو ذلك مما حذف حرف العطف فيه لالتباس الثانية بالأولى.
(6/65)
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر اختلافهم في سورة صاد
[ص: 15]
اختلفوا في ضمّ الفاء وفتحها من قوله عزّ وجلّ: من فواق [15].
فقرأ حمزة والكسائي من فواق بضم الفاء.
وقرأ الباقون من فواق بفتح الفاء «1».
أبو عبيدة: ما لها من فواق بفتح الفاء: ما لها من راحة ومن قال: فواق جعله فواق الناقة: ما بين الحلبتين، قال: وقال قوم: هما واحد وهو بمنزلة: جمام المكوك «2» وجمامه، وقصاص الشعر وقصاصه «3».
__________
(1) السبعة ص 552.
(2) كذا الأصل: المكوك بالكاف، وفي مجاز القرآن: المكّول باللام. والمكّوك كما في اللسان مكك: طاس يشرب فيه، أعلاه ضيق ووسطه واسع. وفي مادة/ مكل/: مكلت البئر: إذا اجتمع الماء في وسطها وكثر، وبئر مكول وجمّة مكول ... ومما تقدّم نعلم أن رواية المكول باللام هي الوجه.
(3) مجاز القرآن 2/ 179.
(6/66)
________________________________________
وذكر محمد بن السّري أن أحمد بن يحيى قال: الفواق:
الرجوع.
قال: يقال: استفق ناقتك، قال: ويقال: فوق فصيله إذا سقاه ساعة بعد ساعة، قال: ويقال: ظلّ يتفوّق المحض، وقال عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إلا صيحة واحدة ما لها من فواق قال:
من رجوع، وأفاقت الناقة: إذا رجع اللّبن في ضرعها، وأفاق الرجل من المرض، منه. انتهت الحكاية عن ثعلب.
قال أبو علي: ومن هذا الباب قول الأعشى:
حتّى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت «1» فالفيقة من الواو، وإنّما انقلبت ياء للكسر، وكالكينة، والحينة:
وهما من الكون والحون.
[ص: 29]
قرأ عاصم في رواية الكسائي وحسين عن أبي بكر لتدبروا [ص/ 29] بالتاء الخفيفة الدال، وروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم: ليدبروا بالياء مشدّدة، وكذلك قال حفص عن عاصم بالياء، وقال أبو هشام: وكذلك سمعت أبا يوسف الأعشى يقرأ على أبي بكر لتدبروا بالتاء وقرأ الباقون بالياء «2».
قال أبو علي: ما روي عن عاصم من قراءته لتدبروا أصله
__________
(1) صدر بيت للأعشى عجزه:
جاءت لترضع شقّ النّفس لو رضعا وهو يصف بقرة وحشية، انظر ديوانه/ 105، واللسان (فوق).
(2) السبعة ص 553.
(6/67)
________________________________________
تتدبروا تتفعلوا من التدبّر، والنظر، فحذف التاء الثانية التي هي تاء التفعّل والباقية تاء المضارعة، والمعنى: لتتدبر أنت أيّها النّبيّ والمسلمون، ومن قال: ليدبروا آياته، أراد: ليتدبّر المسلمون، فيتقرّر عندهم صحّتها، وتسكن نفوسهم إلى العلم بها.
[ص: 23]
حفص عن عاصم: ولي نعجة [ص/ 23] مفتوحة الياء، الباقون وأبو بكر عن عاصم: ولي نعجة الياء ساكنة «1».
قال أبو علي: إسكان الياء وتحريكها حسنان جميعا.
[ص: 33]
قال: قرأ ابن كثير وحده: بالسؤق والاعناق [ص/ 33]، بهمز الواو. وقال «2» البزّي بغير همز، قال البزي: وسمعت أبا الإخريط هنا يهمزها [ويهمز] سأقيها قال: وأنا لا أهمز شيئا من هذا، وقال علي بن نصر عن أبي عمرو: سمعت ابن كثير يقرأ: بالسئوق بواو بعد الهمزة، كذا قال لي عبيد الله بإسناده عن أبي عمرو، وكذا في أصله.
قال: ورواية أبي عمرو عن ابن كثير هذه هي الصواب من قبل أن الواو انضمت فهمزت لانضمامها والأولى لا وجه لها «3».
قال أبو علي: ساق وسوق مثل لابة ولوب وقارة وقور، وبدنة وبدن وخشبة وخشب، وأما الهمز في السوق فغيره أحسن وأكثر، وللهمز فيه وجه في القياس والسماع، فأمّا السّماع فإنّ أبا عثمان زعم أنّ أبا الحسن كان يقول: إنّ أبا حيّة النميري يهمز الواو التي قبلها
__________
(1) السبعة ص 553.
(2) السبعة: وقرأ.
(3) السبعة ص 554. وما بين معقوفين منه.
(6/68)
________________________________________
ضمة وينشد:
لحبّ المؤقدان إليّ مؤسى «1» وعلى هذا يجوز همز: سؤق.
فأمّا وجه القياس، فإنّ هذه الهمزة لمّا لم يكن بينها وبين الضمّة حاجز صارت كأنّها عليها، فهمزها كما يهمزها إذا تحركت بالضمّ، ومثل هذا قولهم:
... مقلات «2» ...
لمّا لم يكن بين الكسرة والقاف حاجز صارت الكسرة كأنّها على القاف فجازت إمالة الألف من مقلات، كما جازت إمالتها في صفاف وقصاف وغلاب، وخباث، وكذلك مقلات صارت القاف كأنّها متحركة بالكسر، فبذلك جازت الإمالة فيها، كما صارت الضمّة في السوق، كأنّها على العين، فلذلك جاز إبدالها همزة، فأمّا ساق فلا وجه لهمزها، ويشبه أن يكون وجه الإشكال فيه أنّ لها جمعين قد جاز في كل واحد منهما الهمز جوازا حسنا، وهو أسؤق وسئوق، وجاز في السؤق أيضا، فظنّ أنّ الهمز لما جاز في كل واحد من جمع الكلمة ظنّ أنّها من أصلها.
وأمّا ما رواه أبو عمرو عن ابن كثير: بالسئوق فجائز كثير، وذلك أنّ الواو إذا كانت عينا مضمومة جاز فيها الهمز، كما جاز في الفاء
__________
(1) البيت لجرير، سبق في 1/ 239.
(2) كلمة من بيت للعباس بن مرداس، وتمامه كما في الحماسة، شرح المرزوقي ص 1154:
بغاث الطير أكثرها فراخا وأمّ الصّقر مقلات نزور
(6/69)
________________________________________
نحو: أجوه، وأقّتت ومن تمكّن الهمز في ذلك أنّهم همزوا: أدؤر، ثم قلبوا فقالوا: أادر، فلم يعيدوا الواو التي هي عين، وجعلوه بمنزلة:
قائل، وقويئل.
قال: وقرأ أبو عمرو في رواية عليّ بن نصر والخفّاف عنه: أنما فتناه [ص/ 24] يعني الملكين، يريد: صمدا له «1».
وقرأ الباقون وجميع الرواة عن أبي عمرو: أنما فتناه مشدّدة النون «2».
[ص: 24]
روي عن أبي عمرو: وظن داود أنما فتناه يعني:
الملكين، أي: علم داود أنّهما امتحناه، وفسّر أبو عبيدة وغيره الظن هنا بالعلم «3».
[ص: 41]
أبو عمارة عن حفص عن عاصم: بنصب [ص/ 41] بضم النون والصاد.
هبيرة عن حفص بنصب مفتوحة. عاصم بضم النون، والمعروف عن حفص عن عاصم: بنصب مضمومة النون ساكنة الصاد.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بنصب بضم النون وتسكين الصاد «4».
__________
(1) صمدا له: أي: قصداه بالخطاب. وهذا ليس من كلام ابن مجاهد.
(2) السبعة ص 553.
(3) في مجاز القرآن 2/ 181: «وظنّ داود» أي: أيقن.
(4) السبعة ص 554.
(6/70)
________________________________________
أبو عبيدة: بنصب: أي بلاء وشر، وأنشد لبشر بن أبي خازم:
تعنّاك نصب من أميمة منصب «1» وقال النابغة:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب «2» قال: وتقول العرب: أنصبني: أي عذبني، وبرح بي، وبعضهم يقول: نصبني، قال: والنّصب: إذا فتح أولها وأسكن ثانيها واحد أنصاب الحرم، وكلّ شيء نصبته وجعلته علما، ولأنصبنّك نصب العود، ويقال: نصب بعيره ليلته نصبا، قال أبو الحسن: النّصب الإعياء، لا يمسّنا فيها نصب، ولا أذى «3»، قال: وأرى: نصب، ونصب لغتين، مثل: البخل والبخل، في معنى الوجع.
غيره: نصب ونصب واحد، وهو ما أصابه من مرض وإعياء، مثل: الحزن والحزن.
[ص: 46]
وقرأ نافع وحده: بخالصة ذكرى الدار [ص/ 46] مضافا.
__________
(1) هذا صدر بيت لبشر بن أبي خازم عجزه:
كذي الشوق لما يسله وسيذهب تعنّى: أتعب. النصب: الداء والبلاء. انظر ديوانه/ 7.
(2) صدر بيت للنابغة عجزه:
وليل أقاسيه بطيء الكواكب انظر ديوانه/ 54، والبيت من شواهد البغدادي في شرح أبيات المغني 1/ 268 و 3/ 19.
(3) مأخوذة من قوله تعالى: لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب [فاطر/ 35].
(6/71)
________________________________________
وقرأ الباقون بخالصة منونة «1».
قال أبو علي: من قال: بخالصة ذكرى الدار احتمل أمرين أحدهما: أن يكون بدلا من الخالصة تقديره: إنّا أخلصناهم بذكرى الدار، ويجوز أن يقدّر في قوله ذكرى* التنوين، فيكون الدار* في موضع نصب تقديره: بأن يذكروا الدار، أي يذكرون بالتأهب للآخرة، ويزهدون في الدنيا «2». ويجوز أن لا يقدر البدل، ولكن يكون:
الخالصة مصدرا، فيكون مثل من دعاء الخير [فصّلت/ 49] فيكون المعنى: بخالصة تذكير الدار. ويقوّي هذا الوجه ما روي من قراءة الأعمش: بخالصتهم ذكرى الدار، فهذا يقوّي النّصب، ويقوّي ذلك أنّ من نصب خالصة أعملها في الدار، كأنّه: بأن أخلصوا تذكير الدار، فإذا نوّنت خالصة احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون المعنى: بأن خلصت لهم ذكرى الدار، فيكون ذكرى الدار في موضع رفع بأنّه فاعل.
والآخر: أن يقدّر المصدر الذي هو خالصة: من الإخلاص، فحذفت الزيادة، كما حذفت من نحو:
دلو الدالي «3» ونحوه، فيكون المعنى: بإخلاص ذكرى فيكون ذكرى* في موضع نصب كانتصاب الاسم في عمرك الله، والدار يجوز أن يعنى بها الدنيا، ويجوز أن يعنى بها الآخرة، فالذي يدلّ على أنّه يجوز أن
__________
(1) السبعة ص 554.
(2) في الأصل كلمة مطموسة وما أثبته ينسجم مع السياق ويؤيده كتب التفسير.
(3) من رجز للعجّاج سبق في 2/ 254 و 3/ 150.
(6/72)
________________________________________
يراد بها الدنيا قوله عزّ وجل في الحكاية عن إبراهيم: واجعل لي لسان صدق في الآخرين [الشعراء/ 84] وقوله: وجعلنا لهم لسان صدق عليا [مريم/ 50] فاللّسان هو القول الحسن والثناء عليه، وليس اللّسان هنا الجارحة، يدلّ على ذلك ما أنشده أبو زيد:
ندمت على لسان كان مني فليت بأنه في جوف عكم «1» فالكلام لا يكون على العضو، إنّما يكون على كلام يقوله مرّة، ويمسك عنه أخرى، وكذلك قول الآخر:
إني أتاني لسان لا أسرّ به من علو لا كذب ولا سخر «2» وقوله: وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم [الصافّات/ 108، 109] وسلام على نوح في العالمين
[الصافّات/ 79] وسلام على إلياسين [الصافّات/ 130] وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] فالمعنى: أبقينا عليهم الثناء الجميل في الدنيا، فالدار في هذا التقدير ظرف، والقياس أن يتعدى الفعل والمصدر إليه بالحرف، ولكنّه على: ذهبت الشام عند سيبويه، و: كما عسل الطريق الثعلب «3» فأمّا جواز كون الدّار الآخرة في قوله: أخلصناهم بخالصة
__________
(1) البيت للحطيئة، سبق في 2/ 175.
(2) البيت لأعشى باهلة، انظر اللسان (لسن) وفيه أتتني بدل أتاني، وبها بدل به، ولا عجب بدل لا كذب.
(3) بعض بيت لساعدة بن جؤية، سبق في 5/ 440.
(6/73)
________________________________________
ذكرى الدار مفعولا بها فيكون ذلك بإخلاصهم ذكر الدار، ويكون ذكرهم لها وجل قلوبهم منها، من حسابها كما قال: وهم من الساعة مشفقون [الأنبياء/ 49] وإنما أنت منذر من يخشاها [النازعات/ 45] وقال: يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه [الزمر/ 9] فالدّار على هذا مفعول بها، وليست كالوجه الآخر المتقدّم.
فأما من أضاف فقال: بخالصة ذكر الدار فإنّ الخالصة تكون على ضروب: تكون للذكر، وغير الذكر، فإذا أضيف إلى ذكرى، اختصّت الخالصة بهذه الإضافة، فتكون الإضافة إلى المفعول به، كأنّه بإخلاصهم ذكرى الدار، أي: أخلصوا ذكرها، والخوف منها لله، ويكون على إضافة المصدر الذي هو الخالصة إلى الفاعل، تقديره:
بأن أخلصت لهم ذكرى الدار، والدار على هذا يحتمل الوجهين اللذين تقدّما من كونها الآخرة والدنيا، فأمّا قوله: وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا [الأنعام/ 139] فيجوز في خالصة وجهان: أحدهما: أن يكون مصدرا كالعافية والعاقبة، والآخر: أن يكون وصفا، وكلا الوجهين يحتمل الآية، ويجوز أن يكون ما في بطون هذه الأنعام ذات خلوص، ويجوز أن يكون الصفة، وأنث على المعنى، لأنّه كثرة. والمراد به: الأجنّة، والمضامين، فيكون التأنيث على هذا.
[ص: 48]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: واليسع [الصافّات/ 48] فقرأ حمزة والكسائي: والليسع بلامين، وقرأ الباقون: واليسع بلام واحدة «1».
__________
(1) السبعة ص 554 - 555.
(6/74)
________________________________________
قال أبو علي: نرى أن الكسائي إنّما قال الليسع ليجعله اسما على صورة الصفات، فيحسن لذلك دخول لام المعرفة عليه. فيكون كالحارث والعباس والقاسم ونحو ذلك، ألا ترى أن فيعلا مثل ضيغم، وحيدر كثير في الصفات، وليس في الأسماء المنقولة التي في أوائلها زيادة المضارعة ما يدخل فيها الألف واللام مثل: يشكر، وتغلب، ويزيد، وتدمر، فكذلك ما أعرب من الأعجمي، لأنّه لا يدخله لام المعرفة، وليس يخرج بذلك على أن يكون حمل ما لا نظير له، ألا ترى أنّه ليس في الأسماء الأعجمية الأعلام مثل: الحارث والعباس؟
ووجه قراءة من قرأ: اليسع أن الألف واللام قد تدخلان الكلمة على وجه الزيادة، كما حكى أبو الحسن: الخمسة العشر درهما، وقد قال بعضهم: في إلياس* أنّه اسم علم. وقرأ ابن عامر: وإن إلياس لمن المرسلين [الصافّات/ 123]، فعلى هذا أيضا يكون اليسع، وقد أنشد أبو عثمان عن الأصمعي:
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر «1» وأنشدوا أيضا:
يا ليت أمّ العمر كانت صاحبي مكان من أنشا على الركائب «2» وأنشد أبو عثمان:
__________
(1) البيت غير منسوب لقائل، سبق في 3/ 348.
(2) البيت غير منسوب لقائل، سبق في 3/ 348.
(6/75)
________________________________________
باعد أمّ العمر من أسيرها «1» وبنات أوبر: ضرب من الكمأة معرفة ينتصب الخبر عنه، كما أنّ ابن قترة، وابن بريح «2» كذلك، فأدخل في الاسم المعرفة الألف واللام، وهذا إنّما ينصرف إلى الزيادة، وعليها يتجه فكذلك تكون التي في اليسع، ولو قال قائل: إنّ هذا أوجه مما ترى أن الكسائي قصده من جعله إيّاه كالضيغم والحيدر، وليس هو كذلك، إنّما هو اسم علم أعجمي، كإدريس وإسماعيل ونحوهما، من الأعلام، ويشبه أن يكون الألف واللّام إنّما هو لخفّة في التعريب، ألا ترى أنّه ليس في هذه الأسماء العجميّة التي هي أعلام ما فيه الألف واللّام التي تكون للتعريف في الأسماء العربية، وقد قدّمنا القول في ذلك.
وقرأ ابن كثير وحده: واذكر عبدنا إبراهيم [ص/ 45]، واحدا. وقرأ الباقون: عبادنا جماعة «3».
وجه إفراده قوله: عبدنا* أنّه اختصّه بالإضافة على وجه التكرمة له، والاختصاص بالمنزلة الرفيعة، كما قيل في مكّة بيت الله، وكما اختصّ بالخلّة في قوله: واتخذ الله إبراهيم خليلا [النساء/ 125].
ومن قرأ: عبادنا فلأنّ غير إبراهيم من الأنبياء قد أجري عليه
__________
(1) صدر بيت لأبي النجم العجلي وعجزه:
حراس أبواب على قصورها سبق في 3/ 347.
(2) ابن قترة: ضرب من الحيّات خبيث. انظر اللسان (قتر) وابن بريح وأم بريح:
اسم للغراب معرفة. سمّي بذلك لصوته. انظر اللسان (برح).
(3) السبعة 554.
(6/76)
________________________________________
هذا الوصف فجاء في عيسى إن هو إلا عبد أنعمنا عليه [الزخرف/ 59] وفي أيوب: نعم العبد [ص/ 44]، وفي نوح: إنه كان عبدا شكورا [الإسراء/ 3].
ومن قال: عبادنا، جعل ما بعده بدلا من العباد، ومن قال:
عبدنا، جعل إبراهيم بدلا، وما بعده معطوفا على المفعول المذكور.
[ص: 53]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: ما توعدون [ص/ 53] في الياء والتاء.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: هذا ما يوعدون بالياء هاهنا، وافترقا في سورة قاف [32].
فقرأ ابن كثير: بالياء، وقرأ أبو عمرو: بالتاء.
وقرأ الباقون بالتاء في السورتين «1».
التاء على: قل للمتّقين هذا ما توعدون، والياء وإن للمتقين لحسن مآب [ص/ 49]، هذا ما يوعدون [ص/ 53]، والتاء أعمّ لأنّه يصلح أن يدخل فيه الغيب من الأنبياء إذا اختلط الخطاب.
فأمّا ما في سورة قاف، فنحو هذا: وأزلفت الجنة للمتقين [ق/ 31] هذا ما توعدون [ق/ 32] أيّها المتّقون على الرّجوع من الغيبة إلى الخطاب أو على: قل لهم هذا ما توعدون، والياء على إخبار النبيّ بما وعدوا، كأنّه هذا ما يوعدون أيّها النبيء.
[ص: 57]
اختلفوا في قوله: وغساق [ص/ 57] فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: وغساق مشددا.
__________
(1) السبعة ص 555.
(6/77)
________________________________________
وفي عمّ يتساءلون مثله «1».
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: وغساق بالتخفيف في الموضعين «2».
أمّا الغسّاق: فلا يخلو من أن يكون اسما، أو وصفا، فيبعد أن يكون اسما، لأنّ الأسماء لم تجىء على هذا الوزن إلّا قليلا، وذلك الكلاء، والقذّاف، والجبّان. وقد ذكر في الكلّاء التأنيث، ولم نعلمهم حكوا ذلك فيما جاء من هذا الوزن من الأسماء، فإذا لم يكن اسما كان صفة، وإذا كان صفة فقد أقيم مقام الموصوف، وأن لا تقام الصفة مقام الموصوف أحسن. إلّا أن يكون صفة قد غلب نحو: العبد، والأبطح، والأبرق.
والقراءة بالتخفيف أحسن من حيث كان فيه الخروج من الأمرين اللّذين وصفناهما في غسّاق بالتثقيل، وهما قلّة البناء، وإقامة الصفة مقام الموصوف.
[ص: 58]
قال: قرأ أبو عمرو وحده: وأخر من شكله أزواج [ص/ 58] جماعة. وقرأ الباقون وآخر واحدا، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا مؤمّل قال: حدّثنا حمّال بن سلمة، قال:
سمعت ابن كثير يقرأ وأخر* مضمومة الألف.
وحدّثنا ابن حيّان عن أبي هاشم عن سويد بن عمرو عن حماد بن سلمة عن ابن كثير: وأخر بالضمّ «3».
__________
(1) أي قوله تعالى: إلا حميما وغساقا [النبأ/ 25].
(2) السبعة ص 555.
(3) السبعة ص 555.
(6/78)
________________________________________
قال أبو علي: قوله: وآخر من شكله أزواج، روي عن ابن مسعود وقتادة أنّهما قالا: الزمهرير، فتفسيرهما يقوّي قراءة من قرأ:
وآخر بالتوحيد، كأنّه: ويعذب به آخر، لأنّ الزّمهرير واحد، ويجوز على تفسيرهما الجمع، وأخر على أن يجعل أجناسا يزيد برد بعضه على بعض على حسب استحقاق المعذبين، ورتبهم في العذاب، فيكون ذلك كقولهم: جمالان، وتمران، ونحو ذلك من الجموع التي تجمع وتثنّى إذا اختلفت، وإن لم تختلف عندي. ويجوز الجمع على وجه آخر، وهو أن يجعل كلّ جزء منه وإن اختلف زمهريرا، فيجمع كما جمعوا في قولهم: شابت مفارقه، وبعير ذو عثانين «1»، ومغيربانات «2». ونحو ذلك، ويجوز أن يجعل أخر على الجمع لما تقدّم من قوله: حميم، وغساق، وزمهريرا الذي هو نهاية البرد بإزاء الجميع، فيجوز الجمع لما في الكلام من الدّلالة على جواز الجمع، فمن قرأ: وأخر* على الجمع كان أخر* مبتدأ وقوله: من شكله في موضع وصفه، ومعنى من شكله: قال أبو عبيدة: من ضربه، قال:
ويقال: ما أنت من شكلي أي من ضربي «3».
وأزواج خبر المبتدأ، لأنه جمع كالمبتدإ، وقد وصفت النكرة فحسن الابتداء بها. فإن قلت: فهلّا كان من شكلها لترجع إلى الآخر، وهلّا دلّ ذلك على أنّ آخر أجود من أخر قيل: يجوز أن يكون الضمير
__________
(1) العثنون: شعيرات طوال تحت حنك البعير، يقال: بعير ذو عثانين، انظر اللسان (عثن).
(2) المغيربانات: وقت غروب الشمس يقال: لقيته مغرب الشمس ومغيرباناتها، انظر اللسان (غرب).
(3) مجاز القرآن 2/ 185.
(6/79)
________________________________________
المفرد تجعله راجعا إلى ما ذكر من المفرد صفة فتفرد، فيكون المعنى من شكل ما ذكرنا، ويجوز أن يعود إلى قوله: حميم فأفرد بذلك، والذكر الراجع إلى المبتدأ من وصفه الذكر المرفوع الذي في الظرف، ومن أفرد فقال: وآخر من شكله أزواج، فآخر يرتفع بالابتداء في قول سيبويه، وفيه ذكر مرفوع عنده، وبالظرف في قول أبي الحسن، ولا ذكر في الظرف لارتفاع الظاهر به، وإن لم تجعل آخر مبتدأ في هذا الوجه خاصة، وقلت لأنّه يكون ابتداء بالنكرة فلا أحمل على ذلك، ولكن لمّا قال: هذا فليذوقوه حميم وغساق [ص/ 57] دلّ هذا الكلام على أنّ لهم حميما وغسّاقا، فحمل المعطوف على المعنى، فجعل لهم المدلول عليه خبرا آخر، فهو قول، وكأنّ التقدير: لهم عذاب آخر من شكله أزواج، فيكون من شكله في موضع الصفة، ويكون ارتفاع أزواج به، وقول سيبويه وأبي الحسن: ولا يجوز أن يجعل قوله: من شكله أزواج في قول من قرأ وأخر على الجمع وصفا، وتضمر الخبر كما فعلت ذلك في قول من وحّد، لأنّ الصفة لا يرجع منها ذكر إلى الموصوف، ألا ترى أنّ أزواج إذا ارتفع بالظرف لم يجز أن يكون فيه ذكر مرفوع، والهاء التي للإفراد لا ترجع إلى الجمع في الوجه البين فتجعل الصفة بلا ذكر يعود منها إلى الموصوف، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون صفة.
ومعنى أزواج: أشياء مقترنات، يبين ذلك قوله: يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم [الشورى/ 49، 50] أي يهب الإناث مفردة من الذكور، والذكور مفردة من الإناث، أو يقرن بين الإناث والذكور، للموهوبة له الأولاد، فيجمع له الذكر والأنثى في الهبة، وكذلك قوله: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا
(6/80)
________________________________________
يعبدون من دون الله [الصافّات/ 22] وقال: وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا [الفرقان/ 3].
وقيل: في قول من قرأ حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين [الزخرف/ 38] إنّه الكافر، وقرينه، ومنه: وإذا النفوس زوجت [التكوير/ 7] أي جمع بينها وبين أشكالها، وقربت في الجنّة أو النار، فكذلك: وآخر من شكله أزواج أي قرن للمعذبين، وجمع لهم بين الحميم والغسّاق والزمهرير، وقرن بعض ذلك إلى بعض، وأمّا امتناع أخر من الصّرف في النكرة فللعدل والوصف، فمعنى ذلك العدل فيه، أن هذا النحو لا يوصف به إلّا بالألف واللّام نحو: الأصغر والأكبر، والصغرى والصّغر، والأصاغر، لا يستعمل شيء من ذلك إلّا بالألف واللّام، واستعملت آخر* بلا ألف ولام، فصار بذلك معدولة عن الألف واللازم، فإن قلت: فإذا كانت معدولة عن الألف واللام، فهلّا لم يجز أن يوصف بها النكرة؟
لأنّ المعدول عن الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللّام! ألا ترى أن سحر «1» لمّا كان معدولا عن الألف واللام كان بمنزلة ما ثبت فيه، وكذلك أمس*- في قول من لم يصرف، ولم يبن الاسم- معدول عن الألف واللام فصار بذلك بمنزلة ما ثبت فيه الألف واللّام، فالقول أن ما ذكرته في العدل في سحر وأمس كما ذكرت، وهكذا كان القياس في أخر أن لا يوصف بها النكرة، ولكنّ ذلك إنّما جاز لأنّك قد تجد العدل عمّا هو مقدّر في التقرير، وإن لم يخرج إلى اللّفظ، ألا ترى أنّهم
__________
(1) هذا من قولهم «أتيتك سحر» تمنعه من الصرف لأنه بمنزلة المحلّى بالألف واللام، كأنك قلت: أتيتك في السحر.
(6/81)
________________________________________
عدلوا جمع وكتع عن جمع غير مستعمل في اللّفظ، ولم يمنعهم أن لم يستعمل ذلك في اللّفظ من أن يوقعوا العدل عنه، فكذلك أخر* يقدّر فيه أنّه قد عدل عن الألف واللّام
في المعنى والتقدير حملا على أخواتها، وإن لم يكن في اللّفظ ألف ولام عدل ذلك عنه، كما كان ذلك في جمع، فلمّا لم يكن ذلك خارجا إلى اللّفظ لم يمتنع أن يوصف به النكرة في نحو: فعدة من أيام أخر [البقرة/ 184، 185] ولم يجب، وإن لم يعتدّ بذلك في التعريف، ووصف النكرة بها أن لا يعتدّ به في العدل، لأنّ العدل قد صحّ عمّا لم يخرج إلى اللّفظ، فأمّا الاعتداد به في التعريف، فلم يجز من حيث جاز الاعتداد به في العدل، لأنك لا تجد الألف واللّام تعرّف في موضع مقدرة غير خارجة إلى اللّفظ، بل ذلك لا يعرّف، ألا تراهم قالوا في نحو قولهم: قد أمرّ بالرجل مثلك، أنّه في تقدير الألف واللّام وكذلك: في خير منك، ونحوه، ولم يتعرّف مع ذلك عند العرب كما وجدت العدل معتدّا به فيما لم يخرج إلى اللفظ، فصارت الألف واللام في أخر* في أنّه معتد به من وجه، وغير معتدّ به من آخر أعني أنّه معتدّ به في العدل ولم يعتدّ به في التعريف بمنزلة اللّام في: لا أبا لك، فإنّها معتد بها من وجه وغير معتد بها من وجه آخر.
[ص: 63، 62]
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: من الأشرار اتخذناهم [ص/ 62، 63] موصولة.
وقرأ الباقون: من الأشرار أتخذناهم بقطع الألف «1».
قال أبو علي في إلحاق همزة الاستفهام: قوله: أتخذناهم
__________
(1) السبعة ص 556.
(6/82)
________________________________________
سخريا [ص/ 63] بعض البعد، لأنّهم قد علموا أنّهم اتخذوهم سخريا، فكيف يستقيم أن يستفهم عن اتخاذهم سخريا وهم قد علموا ذلك؟ يدلّ على علمهم به أنّه أخبر عنهم بذلك. في قوله:
فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري [المؤمنون/ 110] فالجملة التي هي اتخذناهم صفة للنكرة. فأمّا قوله: حتى أنسوكم ذكري.
فليس في أن هؤلاء الصالحين من عباد الله أنسوهم في الحقيقة ذكر الله سبحانه، ولكنّهم لمّا اتخذوهم سخريا فاشتغلوا بذلك عن الصّلاح والإخبات أسند الإنساء إلى صالحي عباد الله المظلومين، كما أسند الإضلال إلى الأصنام لمّا اشتغلوا بعبادتهنّ عن عبادة الله.
فأمّا وجه قول من فتح الهمزة فقال: أتخذناهم سخريا فإنّه يكون على التقرير وعودلت بأم لأنّها على لفظ الاستفهام، كما عودلت الهمزة بأم في نحو قوله: سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم [المنافقون/ 6]، وإن لم يكن استفهاما في المعنى، وكذلك قولهم: ما أبالي أزيد قام أم عمرو، فلمّا جرى على حرف الاستفهام جعل بمنزلته، كما جعل بمنزلته في قولهم: ما أبالي أزيدا ضربت أم عمرا، فإن قلت: فما الجملة المعادلة لقوله: أم زاغت عنهم الأبصار في قول من كسر الهمزة في قوله من اتخذناهم سخريا، فالقول فيه أنّ الجملة المعادلة لأم محذوفة، المعنى: أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار، وكذلك قوله: أم كان من الغائبين [النمل/ 20] لأنّ معنى:
ما لي لا أرى الهدهد [النمل/ 20] أخبروني عن الهدهد، أحاضر هو أم كان من الغائبين، وهذا قول أبي الحسن، ويجوز عندي في قوله:
قل تمتع بكفرك قليلا أنك من أصحاب النار أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما [الزمر/ 8، 9] أن تكون المعادلة لأم قد حذفت
(6/83)
________________________________________
تقديرها: أفأصحاب النار خير أم من هو قانت؟ ومن كان على هذه الصفة والصفات الأخر التي تتبع هذه، فهو من أصحاب الجنّة، فصار المعنى: أصحاب النار خير أم أصحاب الجنّة؟ وعلى هذا التبكيت، ومثل هذا في المعنى قوله: أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة [فصلت/ 40] ومن قرأ: أمن هو قانت [الزمر/ 9] بالتخفيف فيشبه أن يكون فعل ذلك لمّا لم يجد ما يعادل أم، ولم يحمل على الحذف كالآي الأول التي حملت على حذف الجملة المعادلة، والتقدير: أمن هو قانت، وكان بصفة كيت وكيت، كمن لا يفعل ذلك؟ ومثل ذلك في الحذف قوله: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون [آل عمران/ 113] والمعنى: وأمة على خلاف ذلك، ودلّ على المحذوف قوله: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر/ 9] فكما حذفت الجملة الأولى التي دخلت عليها الهمزة في الآي التي تقدّم ذكرها، كذلك حذفت الجملة الأولى التي دخلت عليها أم* وذلك قوله: أم من خلق السموات والأرض [النمل/ 60] خير أم ما تشركون [النمل/ 59].
قال: وأمال الراء أبو عمرو وابن عامر والكسائي من الأشرار، وقرأ نافع بإشمام الراء الأولى: الإضجاع، وكذلك حمزة يشمّ، وفتحها ابن كثير وعاصم «1».
قال أبو علي: إمالة الراء التي قبل الألف من الأشرار حسنة في نحو من قرار [إبراهيم/ 26] ومن الأشرار [ص/ 62] ودار القرار [غافر/ 39] وذلك أنّ الرّاء المكسورة لما غلبت المستعلي في نحو
__________
(1) السبعة ص 556.
(6/84)
________________________________________
طارد وغارم وصادر فجازت الإمالة مع المستعلي كان أن تكون في الراء أجدر، لأنّ الراء لا استعلاء فيها، وإنّما هي بمنزلة الياء واللّام، ومن ثمّ كان الألثغ بالرّاء ربّما
جعلها ياء، وممّا غلبت فيه الرّاء المكسورة المستعلي قوله:
عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر بمنهمر جون الرّباب سكوب «1» وأمّا من فتح فلم يمل فلأنّ الكثير لا يميل الألف مع الراء المكسورة، ولا مع غيرها.
[ص: 63]
قال: قرأ ابن عامر وأبو عمرو وابن كثير وعاصم: سخريا [ص/ 63] كسرا. المفضل عن عاصم: سخريا* بالضم.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: سخريا* ضم.
حكي عن أبي عمرو قال: ما كان من قبل العبوديّة فسخريّ مضموم، وما كان من قبل السّخر فسخري مكسور السين، وقد تقدّم ذكر هذا الحرف قبل.
[ص: 75]
قال: حدّثني الصوفي عن روح عن محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير وأهل مكّة: بيدي استكبرت [ص/ 75] موصولة على الواجب «2»، حدّثني الخزاز عن محمد بن يحيى عن عبيد عن شبل عن ابن كثير وأهل مكّة بيدي استكبرت، كأنّها موصولة، وهي على الاستفهام [يعني بقوله: وهي على الاستفهام أن] الهمزة مخفّفة بين
__________
(1) البيت لهدبة بن خشرم، سبق في 1/ 404.
(2) أي: على الخبر لا على الاستفهام.
(6/85)
________________________________________
بين، قال غير أحمد: المعروف عن ابن كثير أستكبرت بقطع الألف على التقرير «1».
وجه قول من وصل الهمزة، وقال: بيدي استكبرت، أنّه لم يجعل أم المعادلة للهمزة، ولكن جاء باستكبرت على وجه الإخبار عنه بالاستكبار، وجاء بأم منقطعة كقوله: أم يقولون افتراه [الأحقاف/ 8] على وجه التقرير لذلك منهم، والتوبيخ لهم.
ومن حجّة من وصل أنّه لو عادل أم بالهمزة لكان المعنى كأنّه يكون استكبرت: أم استكبرت، ألا ترى أنّ قوله: أم كنت من العالين [ص/ 75] استكبارا يدلّك على ذلك قوله: إن فرعون علا في الأرض [القصص/ 4] وفي موضع آخر: واستكبر هو وجنوده في الأرض [القصص/ 39].
ووجه قول من قطع الهمزة أن الاستكبار كأنّه أذهب في باب الطغيان من قوله: علا* فجاز معادلة أم، بالهمزة. وقال الشاعر:
أنصب للمنيّة تعتريهم رجالي أم هم درج السّيول «2» فمن كان درجا للسيول كان نصبا للمنيّة، وقد عادلها بقوله:
نصب للمنيّة.
__________
(1) السبعة ص 556 - 557، وما بين معقوفين تفسير من كلام أبي على.
(2) البيت لإبراهيم بن هرمة، والمعنى: يقول باكيا على قومه لكثرة من فقد منهم: أهم نصب للمنيّة تدور عليهم لا تتخطاهم أم هم درج السيول تذهب بهم وتجرفهم السيول، والنصب: ما نصب للعبادة ونحوها ممّا يلتزم ويدار حوله. ومعنى تعتريهم تتردّد عليهم وتغشاهم.
انظر الكتاب 1/ 206 - 207، والخزانة 1/ 203، واللسان (درج).
(6/86)
________________________________________
[ص: 84]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: فالحق والحق أقول [ص/ 84].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو، ونافع وابن عامر والكسائي: فالحق والحق أقول بالفتح فيهما.
وقرأ عاصم وحمزة: فالحق والحق بالفتح. المفضل عن عاصم: فالحق والحق، مثل أبي عمرو «1».
قال أبو علي: من نصب الحق الأوّل كان منصوبا بفعل مضمر يدلّ انتصاب الحقّ عليه، وذلك الفعل هو ما ظهر في قوله: ويحق الله الحق بكلماته [يونس/ 82] وقوله: ليحق الحق ويبطل الباطل [الأنفال/ 8] وهذا هو الوجه.
ويجوز أن ينصب على التشبيه بالقسم فيكون الناصب للحقّ ما ينصب القسم من نحو قوله: آلله لأفعلنّ، فيكون التقدير: آلحق لأملأن، فإن قلت: فقد اعترض بين القسم وجوابه قوله: والحق، أقول فإنّ اعتراض هذه الجملة التي هي: والحق أقول لا يمتنع أن يفصل بها بين القسم والمقسم عليه، لأنّ ذلك ممّا يؤكّد القصّة ويشدّدها، قال الشاعر:
أراني ولا كفران لله أيّة لنفسي لقد طالبت غير منيل «2»
__________
(1) السبعة ص 557.
(2) انظر الدرر 1/ 127، والخصائص 1/ 337، وشرح المفضليات/ 806، وشرح أبيات المغني 6/ 225 واللسان (أوى) ولم ينسب لقائل.
وفي البيت اعتراضان: أحدهما: «ولا كفران لله» والآخر «أيّة» أي أويت لنفسي أيّة، معناه رحمتها ورققت لها (انظر الخصائص 1/ 337)، وقال في الخصائص أيضا في الهامش: ذكر ابن هشام في المغني
في مبحث
(6/87)
________________________________________
فاعترض بما ترى بين المفعول الأول والثاني. وقد يجوز أن يكون الحقّ الثاني الأول وكرّر على وجه التوكيد، فإذا حملته على هذا كان: لأملأن على إرادة القسم.
قال سيبويه: سألته يعني الخليل عن: لأفعلنّ، إذا جاءت مبتدأة؟ فقال: هو على إرادة قسم، أو نيّة قسم.
ومن رفع فقال: الحق والحق أقول كان الحقّ محتملا لوجهين:
أحدهما: أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: أنا الحقّ، ويدلّ على ذلك قوله: ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق [الأنعام/ 62] فكما جاز وصفه سبحانه بالحقّ كذلك يجوز أن يكون خبرا في قوله: أنا الحقّ.
والوجه الآخر: أن يكون الحقّ مبتدأ وخبره محذوف، وتقدير الخبر: منّي، فكأنّه قال: الحقّ منّي، كما قال: الحق من ربك فلا تكونن من الممترين [البقرة/ 147].
[ص: 8]
قال: وقرأ ابن كثير: أءنزل عليه [ص/ 8] بلا مد «1».
قوله بلا مدّ: يعني أنّه لا يدخل بين الهمزتين ألفا، ولكن يحقّق الأولى ويجعل الثانية بين بين، مثل: لؤم.
وكذلك أبو عمرو في رواية أصحاب اليزيدي عنه غير مهموز «2»: أو نزل أو لقي، وقال ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي
__________
الجملة الاعتراضية أن أبا علي لا يجيز الاعتراض بأكثر من جملة وأوّل هذا البيت، وابن جنّي على خلافه (الخصائص 1/ 337). وانظر مغني اللبيب ص 515 (ط. دار الفكر).
(1) السبعة ص 552.
(2) في السبعة: غير ممدود.
(6/88)
________________________________________
عمرو: او نزل آولقي، بهمزة مطوّلة.
قوله: بهمزة مطوّلة يعني: أنّه يدخل بين همزة الاستفهام وبين الهمزة الأخرى المضمومة ألفا ثم يلين همزة آونزل ليمدّ الألف التي بينهما.
وروى أبو قرّة عن نافع وخلف وابن سعدان عن المسيبي عن نافع آأنزل ممدود الألف وآألقي [القمر/ 25] «1» قال أبو علي: هذه الأقوال قد مضى ذكرها فيما تقدّم.
[ص: 69]
حفص عن عاصم: ما كان لي من علم [ص/ 69] منصوبة الياء «2».
__________
(1) السبعة ص 552، وفي بعض النص اختلاف عمّا هنا وزيادة قوله: وروى عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: (آونزل) بهمزة مطوّلة. وذلك بعد قول اليزيدي.
وزاد بعد قوله المسيبي عن نافع: وقال محمد بن إسحاق عن أبيه، والقاضي عن قالون عن نافع: استفهام بنبرة واحدة. وقرأ الباقون: (أو نزل) و (أؤلقي) بهمزتين.
(2) السبعة ص 556.
(6/89)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الزمر
[الزمر: 7]
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: يرضهو لكم [7] موصولة بواو.
وقرأ ابن عامر: يرضه لكم، من غير إشباع.
وقرأ نافع مثله في رواية ورش ومحمد بن إسحاق عن أبيه عن نافع وقالون في رواية أحمد بن صالح وابن أبي مهران أخبرني عن الحلواني عن قالون. وكذلك قال يعقوب بن جعفر عن نافع.
وقرأ نافع في رواية الكسائي عن إسماعيل وابن جمّاز روى أيضا عن نافع: يرضهو لكم، وكذلك قال خلف عن المسيبي، وقال ابن سعدان عن إسحاق عن نافع مشبع أيضا. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: يرضه لكم بإسكان الهاء.
وقال خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: يرضه لكم يشمّ الضّمّ، وكذلك روى ابن اليتيم عن حفص عن عاصم يشمّ الضّمّ.
وقال أبو عمارة عن حفص عن عاصم: يرضه لكم يشمّها الرفع مثل حمزة.
(6/90)
________________________________________
وقال حمزة عن الأعمش: يرضه لكم ساكنة الهاء وفي رواية سليم عنه مثل نافع: يضمّ من غير إشباع أيضا.
وقرأ أبو عمرو في رواية عبد الرحمن بن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو يشبع يرضهو لكم.
وفي رواية أبي شعيب السّوسي وأبي عمر الدوري عن اليزيدي: يرضه لكم جزم الهاء مثل: يؤده* [آل عمران/ 75]، ونصله [النساء/ 115].
وقال أبو عبيدة «1» عن شجاع عن أبي عمرو يرضه لكم يشمّها الضّمّ، ولا يشبع، وكذلك قرأ أصحاب شجاع «2».
قد ذكرنا وجه هذه الحروف فيما تقدّم «3».
ووجه قول من قال: يرضهو لكم، فألحق الواو أنّ ما قبل الهاء متحرك، فصار للحركة بمنزلة ضربه، وهذا له، فكما أنّ هذا مشبع عند الجميع، كذلك يكون قوله: يرضهو لكم.
ووجه قول من قال: يرضه فحرك الهاء ولم يلحق الواو أنّ الألف المحذوفة للجزم ليس يلزم حذفها، فإذا لم يلزم حذفها لأنّ الكلمة إذا نصبت أو رفعت عادت الألف فصارت الألف في حكم الثبات، وإذا ثبت الألف كان الأحسن أن لا تلحق الواو، كقوله:
فألقى موسى عصاه [الشعراء/ 45] خذوه فغلوه [الحاقة/ 30] وذلك أنّ الهاء خفية، فلو ألحقتها الواو وقبلها ألف أشبه الجمع بين الساكنين. وأمّا من أسكن وقال: يرضه لكم فإنّ أبا الحسن يزعم أن
__________
(1) في السبعة: أبو عبيد.
(2) السبعة ص 560 - 561.
(3) انظر مثلا 5/ 386، 387 والإحالات فيها.
(6/91)
________________________________________
ذلك لغة، وعلى هذا قوله:
ومطواي مشتاقان له أرقان «1» فعلى هذه اللغة يحمل، ولا يحملها على إجراء الوصل مجرى الوقف.
[الزمر: 9]
قال: قرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر والكسائي أمن هو قانت [الزمر/ 9] مشددة الميم.
وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة أمن هو قانت خفيفة الميم.
من قال: أم من هو قانت احتمل قراءته ضربين: أحدهما أن تكون الجملة التي عادلت أم قد حذفت، المعنى: أالجاحد الكافر بربه خير أم من هو قانت، ومن* موصولة، وليست باستفهام، المعنى: أالجاحد الكافر خير أم الذي هو قانت، ودلّ على الجملة المحذوفة المعادلة لأم ما جاء بعده من قوله: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر/ 9] ودلّ عليها أيضا ما قبل من قوله:
قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار [الزمر/ 8] ومثل حذف هذه الجملة المعادلة لأم للدلالة عليها من الفحوى قوله: وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار؟ [ص/ 62، 63] فالمعنى: أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار، ومثله قوله: فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين [النحل/ 20] وقد تقدّم ذكر ذلك، فأمّا من خفّف وقال: أمن هو
__________
(1) هذا عجز بيت ليعلى الأحول صدره:
فظلت لدى البيت العتيق أخيله سبق في 1/ 134 و 203 و 205 و 2/ 278، 334، و 5/ 29.
(6/92)
________________________________________
قانت فالمعنى: أمن هو قانت كمن هو بخلاف هذا الوصف؟ ولا وجه للنداء هاهنا، لأنّ هذا موضع معادلة فليس النداء مما يقع في هذا الموضع، إنما يقع في نحو هذا الموضع الجمل التي تكون إخبارا، وليس النداء كذلك، ويدلّ على المحذوف هنا قوله: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر/ 9] لأنّ التسوية لا تكون بين شيئين وفي جملتين في الخبر، فالمعنى: أمن هو قانت كمن جعل لله أندادا ليضلّ عن سبيله.
وقال أبو الحسن في قراءة من قرأ: أمن هو قانت بالتخفيف، ذا ضعيف، لأنّ الاستفهام إنّما يبتدأ ما بعده ولا يحمل على ما قبل الاستفهام. وذا الكلام ليس قبله شيء يحمل عليه إلّا في المعنى.
[الزمر: 18، 17]
قال: قرأ أبو عمرو وحده: فبشر عبادي. الذين [الزمر/ 17، 18] بنصب الياء في رواية أبي عبد الرحمن بن اليزيدي عن أبيه، وقال عباس سألت أبا عمرو فقرأ: فبشر عبادي. الذين بنصب الياء، وقال عبيد عن أبي عمرو إن كانت رأس آية وقفت، وإن لم تكن رأس آية قلت: عبادي. الذين*، فقراءته القطع.
القطعي عن عبيد عن شبل عن ابن كثير وأهل مكّة: فبشر عبادي. الذين بنصب الياء.
وقرأت على قنبل عن النّبال عن أصحابه عن ابن كثير: عباد. الذين بكسر الدال من غير ياء.
وقرأ الباقون: عباد. الذين بغير ياء «1».
__________
(1) السبعة ص 561.
(6/93)
________________________________________
التسكين في الياء حسن، والتحريك فيها أيضا حسن.
[الزمر: 29]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: ورجلا سالما لرجل [الزمر/ 29] بألف.
وقرأ الباقون: سلما، وروى أبان عن عاصم: سالما مثل أبي عمرو «1».
قال أبو علي: حدثت عن الحسيني: قال: حدّثنا أحمد بن المفضل، قال: حدّثنا أسباط عن السّدي في قوله: ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون [الزمر/ 29] قال: هذا مثل لأوثانهم.
وقال قتادة: ضرب الله مثلا ورجلا فيه شركاء متشاكسون، قال:
هذا المشرك تنازعته الشياطين فقرنه بعضهم ببعض، ورجلا سلما لرجل، قال: هو المؤمن، أخلص الدعوة لله والعبادة، وقال أبو عبيدة: متشاكسون: مجازها من الرجل الشكس، وسالما وسلما لرجل أي: صلح «2».
وزعموا أن أبا عمرو فسّر سالما: خالصا له، وأنشد غير أبي عبيدة:
أكوي الأسرّين وأحسم النّسا خلقت شكسا للأعادي مشكسا من شاء من حرّ الجحيم استقبسا «3»
__________
(1) السبعة ص 562.
(2) مجاز القرآن 2/ 189.
(3) سبق في 5/ 375 وجاءت روايته ثم: «شر» بدل «حر».
(6/94)
________________________________________
قوله: رجلا فيه شركاء، تقديره: في أتباعه أو في شيعته، ويقوي قراءة من قرأ: سالما لرجل قوله: فيه شركاء متشاكسون، فكما أنّ الشريك عبارة عن العين، وليس باسم حدث، كذلك الذي بإزائه ينبغي أن يكون فاعلا، ولا يكون اسم حدث، ومن قال: سلما لرجل أو سلما* فهما مصدران وليسا بوصفين: كحسن، وبطل ونقض «1»، ونضو، ولكنه مصدر لسلم سلما، وسلما، ونظيره في أنه على فعل وفعل: الشّبه والشبه، وقالوا: ربح ربحا وربحا، وكذلك سلم سلما وسلما وسلامة، حكى السلامة أحمد بن يحيى، والمعنى فيمن قال سلما ذا سلم، فيكون التقدير: ضرب الله مثلا رجلا له شركاء ورجلا ذا سلم، قال أبو الحسن: سلم من الاستسلام، وقال غيره: السّلم خلاف المحارب.
قال أبو علي: ويدلّ على أنّ سلم وسلم مصدران قول الشاعر:
أنائل إنّني سلم لأهلك فاقبلي سلمي «2» فهذا يدلّ على أنّه حدث مثل: اقبلي عذري، واقبلي قولي، ونحو ذلك ممّا يكون عبارة عن حدث.
[الزمر: 36]
قال: قرأ حمزة والكسائي: بكاف عباده [الزمر/ 36] جماعا.
وقرأ الباقون بكاف عبده واحد «3».
__________
(1) النقض: البعير الذي أنضاه السفر (اللسان نقض).
(2) البيت لمسعدة بن البختري سبق في 4/ 159.
(3) السبعة ص 562.
(6/95)
________________________________________
حجّة من قال عبده فأفرد قوله: ويخوفونك بالذين من دونه [الزمر/ 36]، فكأنّ المعنى: أليس الله بكافيك وهم يخوّفونك، ويقوّي الإفراد قوله: إنا كفيناك المستهزئين [الحجر/ 95]. ومن قال:
بكاف عباده فالمعنى: أليس بكاف عباده الأنبياء قبل، كما كفى إبراهيم النّار، ونوحا الغرق، ويونس ما دفع إليه، وهو سبحانه كافيك كما كفى هؤلاء الرسل قبلك.
[الزمر: 38]
قال: وقرأ أبو عمرو وحده: كاشفات ضرة [الزمر/ 38] وممسكات رحمته [الزمر/ 38] منوّنا. وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم مثل أبي عمرو.
والباقون: كاشفات ضره وممسكات رحمته مضاف «1» وجه النصب أنّه ممّا لم يقع، وما لم يقع من أسماء الفاعلين أو كان في الحال، فالوجه فيه النصب قال:
يا عين بكي حنيفا رأس حيّهم الكاسرين القنا في عورة الدّبر «2» ووجه الجرّ أنّه لما حذف التنوين، وإن كان المعنى على إثباته عاقبت الإضافة التنوين، والمعنى على التنوين، وعلى هذا قوله عزّ وجلّ: غير محلي الصيد [المائدة/ 1] وقوله: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم [الأحقاف/ 24] وقوله: عارض ممطرنا [الأحقاف/ 24] فأمّا قوله:
وكلبهم باسط ذراعيه
[الكهف/ 18]
__________
(1) السبعة ص 562.
(2) البيت لابن مقبل. انظر ديوانه/ 82، والكتاب 1/ 94، واللسان (دبر).
(6/96)
________________________________________
فأعمل ونصب به وإن كان ذلك فيما مضى، وأنت لا تقول: هذا ضارب زيدا أمس، فلأن المعنى على حكاية الحال الماضية، كما أنّ قوله: وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة [النحل/ 124] على تقرير حكاية الحال الآتية.
[الزمر: 42]
قال: قرأ حمزة والكسائي: قضي عليها الموت [الزمر/ 42] بضم القاف والياء مفتوحة والموت رفع.
وقرأ الباقون:
قضى بفتح القاف، الموت نصبا «1» حجّة بناء الفعل للفاعل قوله: ويرسل الأخرى [الزمر/ 42] فكما أنّ هذا الفعل مبني للفاعل، كذلك حكم الذي عطف عليه، ومن بنى الفعل للمفعول به فهو في المعنى مثل بقاء الفعل للفاعل، والأول أبين.
[الزمر: 61]
قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي:
بمفازاتهم [الزمر/ 61] جماعة.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: بمفازتهم واحد «2».
حجّة الإفراد أن المفازة والفوز واحد، وإفراد المفازة كإفراد الفوز، ووجه الجمع أنّ المصادر قد تجمع إذا اختلفت أجناسها، ومثله في الجمع والإفراد: على مكانتكم [الأنعام/ 135] ومكاناتكم.
[الزمر: 64]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: تأمروني أعبد [الزمر/ 64] فقرأ نافع وابن عامر: تأمروني أعبد خفيفة، غير أنّ نافعا فتح الياء ولم
__________
(1) السبعة ص 562.
(2) السبعة ص 563.
(6/97)
________________________________________
يفتحها ابن عامر. قال أبو عمرو عبد اللَّه بن أحمد بن ذكوان: وكذلك وجدتها في كتابي عن أيوب وفي حفظي تأمرونني بنونين، وقال هشام عن ابن عامر بنونين.
غير أحمد: الصحيح عن ابن عامر تأمروني بنون واحدة خفيفة مثل نافع.
وقرأ ابن كثير: تأمروني مشددة النون مفتوحة الياء، وقرأ الباقون: تأمروني أعبد ساكنة الياء «1».
قال أبو علي: قوله: أفغير الله تأمروني أعبد غير فيه ينتصب على وجهين: أحدهما: أعبد غير اللَّه فيما تأمرونّي.
والوجه الآخر أن ينتصب بتأمروني، والمعنى: أتأمروني بعبادة غير اللَّه، فلمّا حذف أن ارتفع أعبد فصار أن وصلتها في موضع نصب، ولا يجوز انتصاب غير بأعبد على هذا، لأنّه في تقدير الصلة، فلا يعمل فيما تقدّم عليه، والمعنى: أتأمروني بعبادة غير اللَّه؟! فموضع أعبد وأن المضمرة نصب على تقدير البدل من غير كأنّه: أبعبادة غير اللَّه تأمروني!؟ إلّا أنّ الجار حذف كما حذف من قوله:
أمرتك الخير «2» وصار التقدير بعد الحذف: أغير اللَّه تأمروني عبادته، فأضمر المفعول الثاني للأمر، والمفعول الأول علامة المتكلم، وأن أعبد*
__________
(1) السبعة ص 563.
(2) سبق في 2/ 331، و 5/ 440.
(6/98)
________________________________________
بدل من غير*، ومثل هذا في البدل قوله: وما أنسانية إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] أي ما أنساني ذكره إلّا الشيطان. ومثله في حذف حرف الجر منه افعل ما تؤمر [الصافّات/ 102] التقدير: ما تؤمر به فحذف الجار، فوصل الفعل إلى الضمير، فصار تؤمره، ثم حذفت الهاء من الصلة كما حذفت من قوله: وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] أي اصطفاهم، والدّليل على أنّ المحذوفة من اللّفظ مرادة في المعنى: أنّ أبا عمر حكى عن ابن قطرب عن أبيه أنّه سمع من ينشد:
ألا أيّها ذا الزّاجري أحضر الوغى «1» بالنصب. فأمّا تأمروني، فالقياس: تأمرونني، وتدغم فيصير:
تأمرونّي، فجاز الإدغام، وإسكان النون المدغمة لأنّ قلبها حرف لين، وهو الواو في تأمرونّي، فمن خفّف النون وقال تأمروني فإنّه ينبغي أن يكون حذف النون الثانية المصاحبة لعلامة المنصوب المتكلّم، لأنّها قد حذفت في مواضع، نحو: فليتني وإنّي، وكأنّي، وقدي، في نحو قوله:
قدني من نصر الخبيبين قدي «2» وإنما قدر من المحذوف الثانية لأن التكرير والتثقيل به وقع،
__________
(1) صدر بيت لطرفة بن العبد عجزه:
وأن أشهد اللذّات هل أنت مخلدي؟
انظر ديوانه/ 31، والبيت من شواهد أبيات المغني 6/ 181 فانظره هناك.
(2) سبق في 3/ 334.
(6/99)
________________________________________
ولأن حذف الأولى لحن لأنها دلالة الرفع، وعلى ذلك يحمل قول الشاعر:
لا أباك تخوّفيني «1» ولو فتح فاتح النون لكان قد حذف المفعول الأوّل وهو يريده، فإذا كسر فقال تأمروني حذف النون المصاحبة للضمير. وفتح الياء من تأمروني وإسكانها جميعا سائغ حسن.
[الزمر: 73، 71]
وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير وأبو عمرو: فتحت* [الزمر/ 71] وفتحت* [الزمر/ 73] مشدّدتين. وعاصم وحمزة والكسائي: يخفّفون «2».
حجّة التشديد: قوله: جنات عدن مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50] والاتفاق عليه وهذا التشديد يختصّ بالكثرة، ووجه التّخفيف: أنّ التخفيف يصلح للقليل والكثير.
__________
(1) قطعة من بيت تمامه:
أبا لموت الذي لا بدّ أنّي ملاق لا أباك تخوّفيني سبق في 3/ 334.
(2) السبعة ص 564.
(6/100)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة المؤمن
[غافر: 1]
اختلفوا في الحاء من حاميم [1]. فقرأ ابن كثير، بفتح الحاء.
واختلف عن أبي عمرو فأخبرني أحمد بن زهير عن القصبيّ عن عبد الوارث عن أبي عمرو أنه قرأ حم* جزما مفتوحة الحاء قليلا، وكذلك أخبرني ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو حم الحاء بين الكسر والفتح، وأخبرني الجمال عن أحمد بن يزيد عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أبي عمرو مثله، وأخبرني الخزاز عن محمد بن يحيى عن عبيد عن أبي عمرو حم* بكسر الحاء، وقال عباس بن الفضل، وهارون الأعور عن أبي عمرو: حم* جزم لم يذكرا غير ذلك. وأخبرني محمد بن يحيى عن محمد عن اليزيدي عن أبي عمرو حم* بكسر الحاء. وقال ابن رومي عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو حم* بكسر الحاء. حدّثنا إبراهيم بن علي العمري قال:
حدّثنا عبد الغفّار عن عباس عن أبي عمرو حم* بكسر الحاء شكلا لا ترجمة.
واختلف عن نافع فأخبرني محمد بن الفرج عن محمد بن
(6/101)
________________________________________
إسحاق [المسيبي] عن أبيه عن نافع: حم بفتح الحاء. وكذلك قال محمد بن سعدان عن إسحاق عن نافع.
وأخبرني الأشناني «1» عن أحمد بن صالح عن ورش وقالون عن نافع حم لا مفتوحة ولا مكسورة وسطا بين ذلك. وقال خارجة ومصعب عن نافع حم بفتح غير مشبع، ذكره عن خارجة محمد بن أبان البلخي.
واختلف عن عاصم أيضا، فقال الكسائي عن أبي بكر عن عاصم أنّه لم يكسر من الهجاء شيئا إلّا طه* [طه/ 1] وحدها. وكان يفتح حم ويفخمها، وقال محمد بن المنذر عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنّه كان يكسر الحاء من حاميم، وأخبرنا النرسي وأبو بكر قال:
حدّثنا خلاد عن حسين عن أبي بكر عن عاصم أنّه كان يكسر الحاء من حم* وقال حفص عن عاصم أنّه قرأ حم مفخّمة.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي حم* بكسر الحاء «2».
قال أبو علي: قد بيّنا وجوه هذه الأقوال فيما تقدّم.
[غافر: 20]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: والذين يدعون من دونه [المؤمن/ 20] فقرأ نافع وابن عامر والذين تدعون* بالتاء.
وقرأ الباقون: يدعون بالياء وكلّهم فتح الياء.
__________
(1) الأشناني هو الحسن بن علي بن مالك روى القراءة عن أحمد بن صالح وسمع منه كتابه في قراءة نافع، توفي سنة 278 هـ. انظر طبقات القراء 1/ 225.
(2) السبعة ص 566 - 567.
(6/102)
________________________________________
ووجه الياء من قوله: والذين يدعون أي يدعو الكفّار من آلهتهم من دون اللَّه تعالى.
والتاء على: قل لهم: والذين تدعون.
قال: وكلّهم فتح الياء، أي لم يضمّها أحد منهم، فيقولوا، والذين يدعون من دونه، ولو قرئ ذلك لكان المعنى في يدعون: يسمّون، وذلك كقولهم: ما تدعون كذا فيكم؟ أي ما تسمّون؟ فكأنّ المعنى:
والذين يسمّون آلهة لا يقضون بشيء. قال:
أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا «1» أدعو: أي كنت أسمّي.
[غافر: 15]
قال: واختلفوا في إثبات الياء وحذفها من قوله: يوم التلاق [المؤمن/ 15] والتنادي [المؤمن/ 32]. فقال أحمد بن صالح عن ورش وقالون وأبي بكر بن أبي أويس عن نافع: التلاقي يثبت الياء في الوصل وكذلك قال ورش وقالون: يوم التنادي بياء، وقال عن أبي بكر بن أبي أويس بغير ياء في وصل ولا وقف التناد، وقال إبراهيم القورسي عن أبي بكر بن أبي أويس عن نافع: بغير ياء التلاق، وقال أبو قرة عن نافع: التنادي بمدّ الياء.
__________
(1) البيت لابن أحمر في شعره ص 49، وانظر اللسان (هوى) والخصائص 2/ 148، وفيه: مشقص بدل مشقصا. والمعنى: أهوى: هوى وانقض عليها وسقط، المشقص: السهم العريض، والحشر: اللطيف الدقيق، وشبرقها:
مزقها، يريد: أن عينه أصابها سهم ففقأها، وكان من قبل مشفقا عليها حريصا على ألّا ينالها شيء حتى إن الإثمد القرد كان يراه قذى لها، والقرد: المتلبّد الذي يلزم بعضه بعضا.
(6/103)
________________________________________
ابن كثير: يوم التنادي، والتلاقي، يثبت الياء وصل أو وقف، وكذلك: من واق [الرعد/ 34] ومن هاد [الرعد/ 33] يصلون بالتنوين، ويقفون بالياء.
وقال ابن جماز وإسماعيل والمسيبي وأبو خليد بغير ياء في وصل ولا وقف، التلاق، والتناد.
وقرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: التلاق والتناد بغير ياء. وعباس عن أبي عمرو: ويوم التنادي يثبت الياء «1».
قال أبو علي: المعنى أي: أخاف عليكم عذاب يوم التلاقي، وعذاب يوم التنادي، فإذا كان كذلك كان انتصاب يوم انتصاب المفعول به لا انتصاب الظرف لأنّ إعرابه إعراب المضاف المحذوف، وقيل في يوم التناد أنّه يوم ينادي أهل الجنّة أهل النار، وأهل النّار أهل الجنّة، فينادي أهل الجنّة أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا [الأعراف/ 44] وينادي أهل النّار أهل الجنّة: أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله [الأعراف/ 50] وقد قرئ يوم التناد بالتشديد من ندّ البعير إذا فرّ هاربا على وجهه، ويدلّ على هذا قوله: يوم يفر المرء من أخيه [عبس/ 34] وقد يجوز إذا أراد هذا المعنى في الشعر أن يخفّف ويطلق كقول عمران:
قد كنت جارك حولا لا تروّعني فيه روائع من إنس ولا جان «2» وقد تكون الفواصل كالقوافي في أشياء، وقد قيل في يوم
__________
(1) السبعة ص 568.
(2) البيت لعمران بن حطّان. سبق انظر 4/ 336 و 5/ 454
(6/104)
________________________________________
التلاقي، أنّه يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض، ويوم يلتقي فيه الظالم والمظلوم، فأمّا إثبات الياء وحذفها، فإنّه إذا كان فاصلة حسن الحذف كما حسن في القافية من نحو:
وبعض القوم يخلق، ثمّ لا يفر «1» في الوصل والوقف. وما كان كلاما تامّا، ولم يكن فاصلة، فإنّه يشبّه بها، وكذلك إذا كان ما قبلها كسرة، والآخر ياء، والإثبات حسن كما كان الحذف كذلك، وكذلك هو في القوافي.
فأمّا اسم الفاعل إذا لم يكن فيه ألف ولام نحو: من هاد [الرعد/ 33] ومن واق [الرعد/ 34] فإذا وقفت على شيء من هذا منه أسكنته، والوقوف فيه على الياء لغة حكاها سيبويه، وقد ذكرناها وذكرنا وجهها فيما تقدّم.
[غافر: 6]
قال قرأ نافع وابن عامر: حقت كلمات ربك [غافر/ 6] جماعة.
وقرأ الباقون: كلمة واحدة «2».
قال أبو علي: الكلمة تقع مفردة على الكثرة، فإذا كان كذلك استغني فيها عن الجمع كما تقول: غمّني قيامكم وقعودكم، وقال: لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا [الفرقان/ 14] وقال: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير [لقمان/ 19] وأفرد الصوت، مع الإضافة إلى الكثرة، وكذلك الكلمة.
وقد قالوا: قسّ في كلمته، يريدون في خطبته، ومن جمع فلأنّ
__________
(1) من بيت لزهير تقدم ذكره في 1/ 405 و 2/ 83.
(2) السبعة ص 567.
(6/105)
________________________________________
هذه الأشياء، وإن كانت تدلّ على الكثرة قد تجمع إذا اختلفت أجناسه، قال: وصدقت بكلمات ربها [التحريم/ 12] وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [البقرة/ 124] فالكلمات في قوله:
وصدقت بكلمات ربها واللَّه أعلم، يراد بها: شرائعه، لأنّ كتبه قد ذكرت.
[غافر: 21]
وقرأ ابن عامر وحده: كانوا هم أشد منكم قوة [غافر/ 21] بالكاف وكذلك في مصاحفهم.
وقرأ الباقون: أشد منهم، وكذلك في مصاحفهم «1».
من قرأ: أشد منهم قوة فأتى بلفظ الغيبة فلأنّ ما قبله من قوله:
أولم يسيروا فى الارض فينظروا [غافر/ 21] من قبلهم، على لفظ الغيبة، فكذلك يكون قوله: كانوا هم أشد منهم قوة على الغيبة، ليكون موافقا لما قبله من ألفاظ الغيبة. فهذا البين.
وأمّا من قال: كانوا هم أشد منكم بعد ما ذكرناه من ألفاظ الغيبة فعلى الانصراف من الغيبة إلى الخطاب، كقولك: إياك نعبد [الفاتحة/ 4] بعد قوله: الحمد لله [الفاتحة/ 1] وحسن الخطاب هنا، لأنّه خطاب فيما أرى لأهل مكّة، فحسن الخطاب بحضورهم، فجعل الخطاب على لفظ الحاضر المخاطب، وهذه الآية في المعنى مثل قوله: مكناهم في الأرض ما لم نمكن [الأنعام/ 6] ومثل قوله:
أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها [الروم/ 9].
__________
(1) السبعة ص 569.
(6/106)
________________________________________
وهذه كلّها على لفظ الغيبة ففيها ترجيح لمن قرأ هذه التي في المؤمن «1» على لفظ الغيبة دون الخطاب.
وعباس عن أبي عمرو: أمري إلى الله [غافر/ 44] ساكنة الياء، وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو بفتح الياء «2».
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وأن يظهر [غافر/ 26] بغير ألف.
[غافر: 26]
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: أو أن [غافر/ 26] بألف قبل الواو «3».
قوله بألف يريد به: الهمزة التي في أو.
قال أبو علي: من قرأ أو أن يظهر، فالمعنى: أخاف هذا الضرب منه، كما تقول: كل خبزا أو تمرا، أي: هذا الضرب، ومن قال: وأن يظهر فالمعنى: إنّي أخاف هذين الأمرين منه «4» ومن قال:
أو أن يظهر في الأرض، فالأمران يخافان منه، كما أنّه إذا قال:
أكلت خبزا أو تمرا، أو أكلت خبزا وتمرا جاز أن يكون قد أكلهما جميعا، كأنّه قال في أو: أكلت هذا الضرب من الطعام.
[غافر: 26]
اختلفوا في قوله عزّ وجل: يظهر [غافر/ 26] وفي رفع الفساد [غافر/ 26] ونصبه.
فقرأ نافع وأبو عمرو: ويظهر بضم الياء في الأرض الفساد نصبا.
__________
(1) هي سورة غافر.
(2) السبعة ص 571.
(3) السبعة ص 569.
(4) في هذه الفقرة اضطراب من قوله: ومن قال: ... إلى نهايتها، وحذفها لا يخل بالكلام
(6/107)
________________________________________
وقرأ ابن كثير وابن عامر: يظهر* منصوبة الياء في الأرض الفساد رفعا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: أو أن يظهر في الأرض الفساد رفعا.
حفص عن عاصم أو أن يظهر برفع الياء في الأرض الفساد نصبا «1».
حجّة من قال يظهر أنّه أشبه بما قبله، لأنّ قبله: يبدل [غافر/ 26] فأسند الفعل إلى موسى، وهم كانوا في ذكره، فكذلك وأن يظهر في الأرض الفساد ليكون مثل يبدل، فيكون الكلام من وجه واحد، ومن قال: وأن يظهر فإنّه أراد أنّه إذا بدّل الدين ظهر الفساد بالتبديل، أو يكون أراد: أو يظهر في الأرض الفساد بمكان.
قال: حدّثني الخزاز قال حدّثنا محمد بن يحيى القطعي عن عبيد
[غافر: 28]
عن أبي عمرو: وقال رجل مؤمن [غافر/ 28] ساكنة الجيم.
وقرأ الباقون: رجل «2».
رجل ورجل وسبع وسبع، وعضد التحقيق على هذا النحو مستمر كثير.
[غافر: 27]
اختلفوا في إدغام الذّال من عذت [غافر/ 27] فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر عذت مبيّنة الذال، وفي الدخان [آية/ 20] مثله.
__________
(1) السبعة ص 569.
(2) السبعة ص 570.
(6/108)
________________________________________
قال محمد بن إسحاق عن أبيه، وقال القاضي عن قالون، وأبو بكر بن أبي أويس وورش عن نافع كذلك: عذت غير مدغمة.
وقال ابن جمّاز وإسماعيل عن نافع عذت مدغمة.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي مدغما «1».
الإدغام حسن لتقارب هذه الحروف، وأنّها كلّها من اللّسان وأصول الثنايا، والبيان حسن لاختلاف حيز هذه الحروف، ألا ترى أنّ الذّال ليست من حيز التاء، وإنّما الذال والتاء والظاء من [حيز] «2» والدال والطاء من حيز؟ فحسن البيان لذلك. قال سيبويه: حدّثنا من نثق به أنّه سمع من يقول: أخذت فيبين.
[غافر: 35]
قال: قرأ أبو عمرو وحده: على كل قلب متكبر [غافر/ 35] ينوّن قلب. وقرأ الباقون: على كل قلب متكبر مضاف «3».
وجه قول أبي عمرو أنّه جعل التكبّر صفة للقلب، وإذا وصف القلب بالتكبّر كان صاحبه في المعنى متكبّرا، وكأنّه أضاف التكبّر إلى القلب كما أضاف الصّعر إلى الخدّ، في قوله: ولا تصعر خدك للناس [لقمان/ 18] فكما يكون بتصعّر الخدّ متكبرا، كذلك يكون التكبّر في القلب متكبر الجملة. وممّا يقوّي ذلك أنّ الكبر قد أضيف إلى القلب في قوله: إن في صدورهم إلا كبر [غافر/ 56] فالكبر في
__________
(1) السبعة ص 570.
(2) هنا فراغ في الأصل والأرجح أن تكون كلمة حيز كما أثبتناها.
(3) السبعة ص 570.
(6/109)
________________________________________
القلب، كالصغر في الخدّ، والثني في الجيد في قوله:
« .. ثاني الجيد «1»».
وكذلك كإضافة الخضوع إلى أعناق فيمن جعل الأعناق جمع عنق الذي هو العضو. فكما أنّ هذه الأمور إذا أضيفت إلى هذه الأعضاء، ووصفت بها، كان الوصف شاملا لجملة
الشخص، كذلك التكبّر إذا أضيف إلى القلب يكون صاحبه به متكبّرا. وكذلك إضافة الكتابة إلى اليد في قوله: فويل لهم مما كتبت أيديهم [البقرة/ 79] فأمّا من أضاف فقال: على كل قلب متكبر، فلا يخلو من أن يقدّر الكلام على ظاهره، أو يقدّر فيه حذفا، فإن تركه على ظاهره كان المعنى: يطبع على كلّ قلب متكبّر، أي: يطبع على جملة القلب من المتكبّر، وليس المراد أنّه يطبع على كلّ قلبه فيعمّ الجميع بالطبع، إنّما المعنى أنّه يطبع على القلوب إذا كانت قلبا قلبا، والطبع علامة في جملة القلب، كالختم عليه، فإذا كان الحمل على الظاهر غير مستقيم علمت أنّ الكلام ليس على ظاهره، وأنّه قد حذف منه شيء، وذلك المحذوف إذا أظهرته كذلك، يطبع اللَّه على كلّ قلب، كلّ متكبّر، فيكون المعنى: يطبع على القلوب إذا كانت قلبا قلبا، من كلّ متكبّر، ويختم عليه، ويؤكّد ذلك أنّ في حرف ابن مسعود فيما زعموا: على قلب كل متكبر، وإظهار كل* في حرفه يدلّ على أنّه في حرف العامّة أيضا مراد وحسن كل* لتقدّم ذكرها، كما جاء ذلك في قوله:
__________
(1) قطعة من بيت للشماخ، وتمامه:
نبّئت أن ربيعا أن رعى إبلا يهدي إلي خناه ثاني الجيد ديوانه 115 والكامل (ت. الدالي) ص 16، والاقتضاب 418، ومجاز القرآن 2/ 46
(6/110)
________________________________________
أكلّ امرئ تحسبين امرأ ونار توقّد بالليل نارا «1» وفي قولهم: ما كلّ سوداء تمرة، ولا بيضاء شحمة «2». فحذف كل* لتقدّم ذكرها وكذلك في الآية.
[غافر: 37]
قال: قرأ عاصم في رواية حفص: فأطلع [غافر/ 37] نصبا.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم فأطلع* رفعا «3».
من رفع فقال: لعلّي أبلغ فأطلع كان المعنى: لعلّي أبلغ ولعلّي أطلع، ومثل هذه القراءة قوله: لعله يزكى أو يذكر [عبس/ 3، 4] أي لعلّه يتزكّى، ولعلّه يتذكّر. وليس بجواب، ولكن المعنى أبلغ فأطلع. ومن نصب جعله جوابا بالفاء لكلام غير موجب، كالأمر، والنهي، ونحوهما ممّا لا يكون إيجابا، والمعنى: إنّني إذا بلغت اطّلعت، ومثله: ألا تقع الماء فتسبح، أي ألّا تقع، وألا تسبح، وإذا نصب كان المعنى: إنّك إذا وقعت سبحت.
[غافر: 37]
قرأ عاصم وحمزة والكسائي: وصد عن السبيل [غافر/ 37] بضمّ الصاد.
وقرأ الباقون: وصد* بفتح الصاد «4».
من قرأ: وصد عن السبيل بضمّ الصّاد فلأنّ ما قبله فعل مبني
__________
(1) البيت لأبي داود، انظر ديوانه/ 353، والكتاب 1/ 33، وشرح أبيات المغني للبغدادي 5/ 190، والمحتسب 1/ 281.
(2) انظر مجمع الأمثال للميداني 2/ 282. والمعنى: يعني وإن أشبه الولد أباه خلقا لم يشبهه خلقا.
(3) السبعة ص 571.
(4) السبعة ص 570.
(6/111)
________________________________________
للمفعول، فجعل ما عطف عليه مثله، والذي قبله: وكذلك زين لفرعون سوء عمله [غافر/ 37].
ومن قال: وصدّ فبنى الفعل للفاعل، فلأنّ فرعون قد تقدّم ذكره، وهو الصاد عن السبيل، ومن صدّه عن السبيل المستقيم والإيمان، وعيده من آمن على إيمانهم في قوله: لأقطعن أيديكم وأرجلكم [الأعراف/ 124، الشعراء/ 49] ونحو ذلك ممّا أوعدهموه لإيمانهم، والمزيّن له سوء عمله، والصادّ له هم طغاة أصحابه والشيطان. كما بيّن ذلك في الآية الأخرى في قوله: وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم [النمل/ 24] وممّا يقوّي بناء الفعل للفاعل: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله [محمد/ 1] وإن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله [الحج/ 25] هم الذين كفروا وصدوكم [الفتح/ 25] وكذلك وصد عن السبيل ينبغي أن يكون الفعل مبنيا منه للفاعل مثل الآي الأخر.
قال: وصدّ عن السبيل، وصدّ عن الدين وقال: رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا [النساء/ 61] فيجوز أن يكون يصدّون هم عنك ويجوز أن يكون يصدّون المسلمين عن متابعتك والإيمان بك فصدّ وصددته، مثل رجع ورجعته، ونحوه.
[غافر: 46]
قال: وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو الساعة ادخلوا [غافر/ 46] موصولة. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: أدخلوا بفتح الألف وكسر الخاء «1».
__________
(1) السبعة ص 572.
(6/112)
________________________________________
قال أبو علي: القول: مراد في الوجهين جميعا، كأنّه يقال:
أدخلوهم «1» ويقال: ادخلوا، فمن قال: أدخلوا كان آل فرعون مفعولا بهم، وأشد العذاب مفعول ثان، والتقدير إرادة حرف الجر ثم حذف، كما أنّك إذا قلت دخل زيد الدار كان معناه: في الدار.
كما أن خلافه الذي هو خرج كذلك في التعدّي. وكذلك قوله:
لتدخلن المسجد الحرام [الفتح/ 27].
ومن قال: ادخلوا آل فرعون [غافر/ 46] كان انتصاب آل فرعون على النداء، ومعنى أشد العذاب، أنّه في موضع: مفعول به، وهو في الاختصاص مثل المسجد الحرام، وحذف الجار فانتصب انتصاب المفعول به، وحجّة من قال: ادخلوا* قوله: ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون [الزخرف/ 70] وادخلوها بسلام آمنين [الحجر/ 46] ادخلوا أبواب جهنم [غافر/ 76] وهذا النحو كثير.
وحجّة من قال: أدخلوا أنّهم أمر بهم فأدخلوا.
[غافر: 40]
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها [غافر/ 40] بضم الياء. وقرأ عاصم في رواية أبي هشام عن يحيى وابن عطارد عن أبي بكر عن عاصم: يدخلون* بضمّ الياء، وفي رواية خلف وأحمد بن عمر الوكيعي عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: يدخلون بفتح الياء. حفص عن عاصم يفتح الياء:
يدخلون وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي: يدخلون بفتح الياء.
__________
(1) في الأصل كتب الناسخ تحت كلمة (أدخلوهم) كلمة «قطع» مشيرا إلى أن همزتها همزة قطع.
(6/113)
________________________________________
من حجّة من ضمّ الياء قوله: أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم [الأعراف/ 43] فإذا أورثوها أدخلوها.
وحجّة من قرأ يدخلون ادخلي في عبادي وادخلي جنتي «1» [الفجر/ 29] فعلى هذا يدخلون.
[غافر: 60]
اختلفوا في فتح الياء من قوله عزّ وجلّ: سيدخلون جهنم داخرين [غافر/ 60] وضمّها.
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر، وأبو عمرو في رواية عباس بن الفضل: سيدخلون جهنم مرتفعة الياء.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم وأبو عمرو في غير رواية عباس: سيدخلون بفتح الياء «2».
يدلّ على سيدخلون قوله: ادخلوها بسلام آمنين [الحجر/ 46] فادخلوا أبواب جهنم [النحل/ 29] فعلى هذا يكون:
سيدخلون.
فأمّا من قال، سيدخلون فهو من ادخلوا، ألا ترى أنّ الفعل مبني للمفعول، وقد تعدّى إلى مفعول واحد، فهذا يدلّ على أنّه إذا بني للفاعل تعدّى إلى مفعولين، فهذا على أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [غافر/ 46].
__________
(1) في الأصل زاد كلمة الجنّة بين ادخلي وجنّتي.
(2) السبعة ص 572.
(6/114)
________________________________________
[غافر: 52]
ابن كثير وأبو عمرو «1»: يوم لا تنفع [غافر/ 52] بالتاء.
وقرأ الباقون ينفع بالياء «2».
الوجهان حسنان لأنّ المعذرة والاعتذار بمعنى، كما أنّ الوعظ والموعظة كذلك.
[غافر: 58]
قرأ عاصم وحمزة والكسائي: قليلا ما تتذكرون [غافر/ 58] بتاءين، والباقون بالياء «3».
التاء على: قل لهم قليلا ما تتذكرون، والياء على: أنّ الكفّار قليلا ما يتذكرون، أي: يقلّ نظرهم فيما ينبغي أن ينظروا فيه ممّا دعوا إليه.
__________
(1) في السبعة بعد أبو عمرو: وابن عامر.
(2) السبعة ص 572.
(3) السبعة ص 572.
(6/115)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة السّجدة «1»
[فصلت: 16]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: في أيام نحسات [16] الحاء موقوفة. والباقون: نحسات مكسورة الحاء «2».
قال أبو علي: النّحس كلمة تكون على ضربين: أحدهما: أن يكون اسما، والآخر: أن يكون وصفا، فممّا جاء فيه اسما مصدرا قوله: في يوم نحس مستمر [القمر/ 19] فالإضافة إليه تدلّ على أنّه اسم، وليس بوصف، لو كان وصفا لم يضف إليه لأنّ الصفة لا يضاف إليها الموصوف.
وقال المفسّرون في نحسات قولين، أحدهما: الشديد البرد، والآخر: أنّها المشئومة عليهم، فتقدير قوله: في يوم نحس مستمر: في يوم شؤم، وقالوا: يوم نحس ويوم نحس، فمن أضاف كان مثل ما في التنزيل من قوله: يوم نحس، ومن أجراه على الأول: احتمل أمرين: يجوز أن يكون جعله مثل فسل ورذل، ويجوز أن يكون وصف بالمصدر مثل رجل عدل. والنّحس: البرد، أنشد
__________
(1) هي سورة فصّلت.
(2) السبعة ص 576.
(6/116)
________________________________________
عن الأصمعي:
كأنّ سلافة عرضت لنحس يحيل شفيفها الماء الزلالا «1» أي: البرد.
فمن قال: في أيام نحسات فأسكن العين، أسكنها لأنّه صفة مثل غيلان، وصعبات، وخدلات «2». ويجوز أن يكون جمع المصدر، وتركه على الحكاية في الجمع، كما قالوا: دورة، وعدلة، قال أبو الحسن: لم أسمع في النّحس إلّا الإسكان، وإذا كان الواحد من نحو ذا مسكنا أسكن في الجمع، لأنّها صفة.
وقال أبو عبيدة: نحسات: ذوات نحوس «3».
فيمكن أن يكون من كسر العين جعله صفة من باب فرق ونزق، وجمع على ذلك إلّا أنّا لم نعلم منه فعلا كما علمنا من فرق، ولكن جعلوه صفة كما أنّ من أسكن فقال: نحسات أمكن أن يكون جعله كصعبات.
فلما كان ذلك صفة، كذلك يكون نحسات فيمن كسر العين، وفعل من أبنية الصفات إلّا إذا لم تعلم منه فعلا، وإن استدللت بخلافه الذي هو سعد، فقلت كما أن سعد على فعل، وجاء في التنزيل: وأما الذين سعدوا [هود/ 108] فكذلك النحس في القياس، وإن لم يسمع
__________
(1) البيت من قصيدة لابن أحمر في شعره ص 126، وانظر اللسان والتاج (نحس).
(2) الخدلة: العلة، الممتلئة.
(3) مجاز القرآن 2/ 197.
(6/117)
________________________________________
منه نحس ينحس، كما سمع سعد يسعد، فكأنّه استعمل على تقدير ذلك، كما أنّ فقيرا وشديدا استعملا على تقدير فعل وإن لم يستعمل فقر ولا شدد، فاستغني عنه بافتقر واشتدّ، وكذلك يكون نحس في قول من قال نحسات.
[فصلت: 19]
نافع وحده: ويوم نحشر [فصّلت/ 19] مع النون أعداء الله* بفتح الألف مع المدّ.
وقرأ الباقون: ويوم يحشر أعداء رفع «1».
حجة من قال نحشر: أنّه معطوف على قوله: ونجينا الذين آمنوا [فصّلت/ 18] وكذلك المعطوف عليه، يحسن أن يكون وفقه في لفظ الجميع. ويقوّيه قوله: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا [مريم/ 85] وحشرنا عليهم كل شيء قبلا [الأنعام/ 111].
وحجّة من قال: يحشر أنّ قوله: ونجينا الذين آمنوا كلام قد تمّ، فلمّا تمّ الكلام استأنفوا، ولم يحملوا على نجينا، وقد قال: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم [الصافّات/ 22] فقالوا: يحشر، واختاروه على النّون في نحشر* لأنّ الحاشرين لهم هم المأمورون بقوله: احشروا، فلذلك لم يجعلوه وفق قوله: ونجينا الذين آمنوا وكلا الأمرين حسن،
ويقوّي قول من قال: يحشر فبنى الفعل للمفعول به، أنّه قد عطف عليه وهو قوله: فهم يوزعون [النمل/ 17].
[فصلت: 47]
وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: من ثمرات من أكمامها [فصّلت/ 47] جماعة.
__________
(1) السبعة ص 576.
(6/118)
________________________________________
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: ثمرة* واحدة «1».
قوله: من ثمرة* إذا أفرد يدلّ على الكثرة، فإذا كان كذلك استغني به عن الجمع، ويقوّي الإفراد قوله: وما تحمل من أنثى [فاطر/ 11] فكما أفراد أنثى كذلك ينبغي أن يكون من ثمرة* مفردة.
وحجّة من جمع أنّ الجمع صحيح، والمعنى عليه، ألا ترى أنّه ليس يراد بها ثمرة دون ثمرة؟ إنّما يراد جميع الثمرات، وإذا كان كذلك، كان الجميع حسنا، وإن كان الإفراد قد يدلّ عليه، وليس الثمرة بواحد، كما أنّ قوله: وما تحمل من أنثى ليس بواحد، إنما هو أجناس الإناث، فكذلك يكون المراد أجناس الثمار.
وزعموا أنّ في حرف عبد اللَّه: وما تخرج من ثمرة من أكمامها وفي حرف أبيّ: من ثمرات من أكمامها.
وقوله: من ثمرات من أكمامها مثل قوله: فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها [فاطر/ 37] ولو كان من أكمامها: من أكمامهنّ، ومختلفا ألوانهنّ كان حسنا.
[فصلت: 44]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم:
أأعجمي [فصّلت/ 44]: ممدود.
عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي أأعجمي:
بهمزتين «2».
قال أبو علي: الأعجم الذي لا يفصح، من العرب كان أو من
__________
(1) السبعة ص 577.
(2) السبعة ص 576.
(6/119)
________________________________________
العجم، ألا ترى أنّهم قالوا: زياد الأعجم، لأنّه كانت في لسانه، وكان عربيا، وقالوا:
«صلاة النهار عجماء»
«1»، أي تخفى فيها القراءة ولا تبيّن،
«والعجماء جبار»
«2» لأنّها لا تبيّن عن أنفسها، كما يبيّن ذوو التعبير.
قال أبو يوسف: هي المنفلتة، لاجتماع الناس على تضمين السائق والقائد، ويجمع الأعجم على عجم، أنشد أبو زيد:
يقول الخنا وأبغض العجم ناطقا إلى ربنا صوت الحمار اليجدّع «3» فالعجم جمع أعجم والمعنى: وأبغض صوت العجم صوت الحمار، لأنّ المضاف في أفعل بعض المضاف إليه، وصوت الحمار ليس بالعجم. فإذا لم يسغ حمل هذا الكلام على ظاهره علمت أن التقدير فيه ما وصفنا، وتسمي العرب من لم يبيّن كلامه من أي صنف كان من الناس أعجم، ومن ثمّ قال أبو الأحذر:
سلّوم لو أصبحت وسط الأعجم بالرّوم أو بالترك أو بالدّيلم «4»
__________
(1) رواه الحسن كما في النهاية لابن الأثير 3/ 187.
(2) هذه فقرة من حديث، نصّه:
«البئر جبار والمعدن جبار والعجماء جبار وفي الركاز الخمس»
، انظر مسند أحمد 2/ 228.
(3) البيت لذي الخرق الطهوي، سبق في 1/ 101 و 3/ 93، واللسان (عجم).
(4) البيت في اللسان (عجم). وفيه: أو فارس بدل أو بالترك. وبعده:
إذا لزرناك ولو بسلم
(6/120)
________________________________________
فقال: لو كنت وسط الأعجم، ولم يقل: العجم لأنّه جعل كلّ من لم يبيّن كلامه أعجم، وكأنّه قال: لو كنت وسط القبيل الأعجم.
والعجم خلاف العرب، ويقال: العجم والعجم كما يقال: العرب والعرب، والعجمي خلاف العربي، وهو منسوب إلى العجم كما أنّ العربي منسوب إلى العرب، وإنّما قوبل الأعجمي في الآية بالعربي، وخلاف العربي العجمي، لأنّ الأعجمي في أنّه لا يبين مثل العجمي عندهم، فمن حيث اجتمعا في أنّهما لا يبيّنان قوبل به العربي في قوله: أعجمي وعربي وينبغي أن يكون الأعجمي الياء فيه للنسب، تنسب إلى الأعجم الذي لا يفصح، وهو في المعنى كالعجمي، وإن كانا يختلفان في النسبة، فيكون الأعجمي عربيا، ويجوز أن يقال: رجل أعجميّ فيراد به ما يراد بالأعجم بغير ياء النسب، كما يقال: أحمر وأحمري، ودوّار. و: دوّاريّ «1» وقوله: ولو نزلناه على بعض الأعجمين [الشعراء/ 198] مما جمع على إرادة ياء النسب فيه، مثل النميرون والهبيرات، ولولا ذلك لم يجز جمعه بالواو والنون، ألا ترى أنّك لا تقول في الأحمر إذا كان صفة أحمرون؟ فإنّما جاز الأعجمون لما ذكرنا.
فأمّا الأعاجم فينبغي أن يكون تكسير أعجمي، كما كان المسامعة تكسير مسمعي، وقد استعمل هذا الوصف استعمال الأسماء، من ذلك قوله:
__________
(1) كلمة من رجز للعجّاج وتتمة البيت:
والدّهر بالإنسان دوّاريّ انظر ديوانه 1/ 480، والبيت مشهور في كتب النحو، انظر تخريجه في معجم شواهد العربية ص 561.
(6/121)
________________________________________
لأعجم طمطم «1» وقوله: وسط الأعجم «2» فيجوز لذلك أن يكون من باب الأجازع، والأباطح، وهذه الآية في المعنى كقوله: ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين [الشعراء/ 198 - 199]، فقوله: ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته [فصّلت/ 44] كأنّهم كانوا يقولون: لم تفصّل آياته، ولم تبيّن لأنّه أعجمي، فأمّا قوله: أعجمي وعربي، فالمعنى: المنزّل عليه أعجمي وعربي يرتفع كلّ واحد منهما بأنّه خبر مبتدأ محذوف، وقوله: أعجمي وعربي على وجه الإنكار منهم لذلك، كقوله في الأخرى: ما كانوا به مؤمنين [الشعراء/ 199].
ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر أعجمي على تخفيف الهمزة الثانية، وجعلها بين بين.
وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: أأعجمي بهمزتين «3».
وهذا على أصلهم في الهمزتين إذا التقتا، وتخفيفهم لهما.
__________
(1) قطعة من بيت لعنترة ونصّه:
تأوي له حزق النّعام كما أوت حزق يمانية لأعجم طمطم وهو من معلّقته المشهورة. انظر ديوانه/ 200، وانظر شرح المفصل لابن يعيش 9/ 49، واللسان (طمم)، ومعنى الطمطم: الذي لا يفصح شيئا. وحزق النعام: جماعاتها، واحدتها حزقة.
(2) سبق قريبا.
(3) السبعة ص 576.
(6/122)
________________________________________
[فصلت: 29]
وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: أرنا اللذين [فصّلت/ 29] ساكنة الراء.
حفص عن عاصم أرنا مثقّل، وقال هشام بن عمّار عن ابن عامر: أرنا اللذين خطأ، إنّما هو أرنا بكسر الراء.
وقرأ أبو عمرو بإشمام الراء الكسر.
أبو الربيع عن عبد الوارث عن أبي عمرو أرنا* ساكنة الراء.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي أرنا مثقل «1».
روي عن بعض المفسّرين في قوله: أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس [فصّلت/ 29] قال: إبليس، وابن آدم الذي قتل أخاه، فمن قرأ أرنا حذف الياء التي هي لام الفعل للوقف، وتحركت الرّاء لحركة الهمزة المحذوفة التي ألقيت على الرّاء.
ووجه أرنا* أنّه على لفظ كتف، وضحك، فخفّف الحركة، كما يخفّف كتف، فيقال كتف. ومثل ذلك قولهم:
أراك منتفخا «2» وأرنا فهو أفعلنا من رأيت التي يراد بها رؤية العين، يدلّ على ذلك أنّه قد تعدّى إلى مفعولين، فأحد المفعولين هو الذي كان يتعدّى رأيت إليه، وزاد الآخر للنقل بالهمزة، ولو كان النقل من المتعدّي إلى مفعولين لتعدّى إلى ثلاثة مفعولين، ولم يجز الاقتصار على مفعولين.
[فصلت: 51]
ابن عامر: وناء بجانبه [فصّلت/ 51] مفتوحة النون
__________
(1) السبعة ص 576.
(2) هذا من رجز للعجّاج. سبق في 21/ 66، 408.
(6/123)
________________________________________
ممدودة، والهمزة بعد الألف، هذه رواية ابن ذكوان. وقال الحلواني عن هشام بن عمّار ونأى مثل أبي عمرو.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ونأى* في وزن نعا.
وقرأ حمزة والكسائي في رواية خلف عن سليم: ونأي مكسورة النون والهمزة وفي رواية أبي عمرو وغيره: نأي* بفتح النون، وإمالة الهمزة، وقرأ الكسائي بإمالة الهمزة والنون.
وروى اليزيدي ونأى* وزن نعا وعبد الوارث عن أبي عمرو ونأى بفتح النون وإمالة الهمزة.
عباس عن أبي عمرو ونأى* في وزن نعا «1».
قراءة ابن عامر: وناء مقلوب من نأى، لأنّه من نأيت، فقدّم اللّام إلى موضع العين، فصار وزنه فلع، ونأى على غير القلب. قال الشاعر:
أقول وقد ناءت بها غربة النّوى نوى خيتعور لا تشطّ ديارك «2» وقد جاء القلب في هذا النحو قال:
وكلّ خليل راءني فهو قائل من أجلك هذا هامة اليوم أو غد «3»
__________
(1) السبعة ص 576.
(2) البيت في اللسان (نيأ) (ختعر) أنشده يعقوب، الخيتعور: السراب الخادع، ونوى خيتعور: التي لا تستقيم.
(3) البيت لكثير. انظر اللسان (رأي).
(6/124)
________________________________________
وقال آخر:
تقرّب يخبو ضوؤه وشعاعه ومصّح حتى يستراء فلا يرى «1» وهو يستفعل من رأيت، قال:
وقد شاءنا القوم السراع فأوعبوا «2» وأما قول حمزة في رواية خلف عن سليم: ونأى* بكسر النون والهمزة فهذا على أنّه كسر الهمزة، لأنّ الهمزة عين، كما يقال رأي* مثل شهد أو يكون أمال فتحة الراء، وأتبعها بإمالة الهمزة، وهذا الوجه أشبه بكسر النون والهمزة، إنّما أميل فتحها، فكذلك تكون الرّاء، وفي رواية أبي عمر الدوري نأى* بفتح النون وإمالة الهمزة.
وأمّا قراءة الكسائي بإمالة الهمزة والنون، فهو على أنّه أمال فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة، وروى اليزيدي: نأى* في وزن نعا، ورواية عبد الوارث عن أبي عمرو نأي* بفتح النون وإمالة الألف، فهذا جعله بمنزلة نعا ورئي فيمن أمال.
__________
(1) البيت في اللسان (رأي).
(2) اللسان (شأي) بغير تتمة أو نسبة، قالوا: شاءني الشيء يشوؤني ويشيئني:
شاقني، مقلوب من شآني حكاه يعقوب، وأنشد ... البيت.
(6/125)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الشورى
[الشورى: 3]
اختلفوا في فتح الحاء وكسرها من قوله عزّ وجلّ: كذلك يوحي إليك [3] فقرأ ابن كثير وحده: كذلك يوحى إليك مفتوحة الحاء.
وقرأ الباقون: كذلك يوحي إليك بكسر الحاء «1».
من قال: يوحي إليك* فبنى الفعل للمفعول به احتمل أمرين:
زعموا أنّ في التفسير أن هذه السورة قد أوحي إلى الأنبياء قبل، فعلى هذا يجوز أن يكون يوحى إليك السورة كما أوحي إلى الذين من قبلك، ويجوز أن يكون الجار والمجرور يقومان مقام الفاعل ويجوز في قوله:
الله العزيز الحكيم [الشورى/ 3] أن يكون تبيينا للفاعل كقوله:
يسبح له فيها بالغدو والآصال [النور/ 36] ثم قال: رجال [النور/ 37] كأنّه قيل: من يسبّح؟ فقال: يسبّح رجال، ومثله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة «2»
__________
(1) السبعة ص 580.
(2) صدر بيت وعجزه:
(6/126)
________________________________________
وممّا يقوّي بناء الفعل للمفعول به: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك [الزمر/ 65] وقوله وأوحي إلى نوح [هود/ 36] وفي أخرى: فأوحينا إليه أن اصنع الفلك [المؤمنون/ 27]. وأمّا من قرأ: يوحي إليك [الشوري/ 3] على بناء الفعل للفاعل، فإنّ اسم اللَّه يرتفع بفعله، وما بعده يرتفع بالوصف.
[الشورى: 5]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: تكاد السموات يتفطرن من فوقهن [الشورى/ 5].
فقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي: تكاد السموات بالتاء يتفطرن بياء وتاء، وكذلك حفص عن عاصم إلا هبيرة، فإنّه روى عنه ينفطرن بالنون مثل أبي عمرو.
وقرأ نافع والكسائي يكاد* بالياء، يتفطرن بياء وتاء.
وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر تكاد بالتاء، ينفطرن بالنون «1».
يقال: فطرته فانفطر، وانفطر مطاوع فطر. وفي التنزيل: الذي فطرهن [الأنبياء/ 56]، وأمّا يتفطرن فمطاوع فطّرته فتفطّر، ويقوّي ذلك ويوم تشقق السماء بالغمام [الفرقان/ 25]، فتشقق مثل:
تفطّر، والمعنى والله أعلم: استعظام ما افتروه من ادّعاء الولد، ودليل
__________
ومختبط مما تطيح الطوائح وقد استوفي تخرجه في شرح أبيات المغني 7/ 295.
قال البغدادي فيها: البيت من أبيات لنهشل بن حريّ رثى بها يزيد بن نهشل ... ثم قال: ونسبت هذه الأبيات لغيره، واختلفوا فيه أيضا.
(1) السبعة ص 580.
(6/127)
________________________________________
ذلك قوله في الأخرى: أن دعوا للرحمن ولدا [مريم/ 91]، وقال قتادة: يتفطرن من عظمة اللَّه وجلاله، فهذا يكون كقوله: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله [الحشر/ 21] وبنحو هذا ممّا يراد به تعظيم الأمر.
فأمّا قوله: إذا السماء انفطرت [الانفطار/ 1] وإذا السماء انشقت [الانشقاق/ 1] فليس كهذا المعنى، ولكن علم من أعلام الساعة، وكلّ واحد من القراءة يكاد وتكاد حسن.
[الشورى: 25]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجل: ويعلم ما تفعلون [الشورى/ 25].
فقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي بالتاء.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: يفعلون* بالياء «1».
حجّة الياء: قبله: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده [الشورى/ 25]، ويعلم ما يفعلون، أي: ما يفعل عباده.
وحجة التاء: أنّ التاء تعمّ المخاطبين والغيب فتفعلون تقع على الجميع، فهو في العموم مثل عباده.
[الشورى: 30]
وقرأ نافع وابن عامر: من مصيبة بما كسبت أيديكم [الشورى/ 30] بغير فاء، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام.
وقرأ الباقون: فبما «2»
__________
(1) السبعة في 580.
(2) السبعة في 581.
(6/128)
________________________________________
القول في ذلك أنّ ما أصاب من قوله: ما أصاب من مصيبة يحتمل أمرين: يجوز أن يكون صلة ما*، يجوز أن يكون شرطا في موضع جزم، فمن قدّره شرطا لم يجز حذف
الفاء فيه على قول سيبويه، وقد تأول أبو الحسن، بعض الآي على حذف الفاء في جواب الشرط، وقال بعض البغداديين: حذف الفاء من الجواب جائز، واستدلّ على ذلك بقوله: وإن أطعتموهم إنكم لمشركون [الأنعام/ 121]. وإذا كان صلة فالإثبات والحذف جائزان على معنيين مختلفين، أمّا إذا أثبت الفاء ففي إثباتها دليل على أنّ الأمر الثاني وجب بالأوّل، وذلك نحو قوله: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار [البقرة/ 274] ثمّ قال: فلهم أجرهم عند ربهم [البقرة/ 274] فثبات الفاء يدلّ على أنّ وجوب الأجر إنّما هو من أجل الإنفاق، ومثل ذلك قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] فإذا لم يذكر الفاء جاز أن يكون الثاني وجب للأوّل، وجاز أن يكون لغيره، والأولى إذا كان جزاء غير جازم أن تثبت الفاء كقوله: ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك [النساء/ 79]، وهذا قريب في المعنى من قوله: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا [الروم/ 41] أي جزاء بعض ذلك، وليس ما للحسنة والسيّئة المذكورتين هنا المكتسبتين، وإنّما يراد بهما الشّدّة والرّخاء، كما قال: فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه [الأعراف/ 131] وكقوله: إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا [التوبة/ 50] فهذا كما حكي عنهم من قولهم: وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء [الأعراف/ 95].
(6/129)
________________________________________
[الشورى: 32]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ومن آياته الجواري [الشورى/ 32] بياء في الوصل، ووقف ابن كثير: بياء، ونافع وأبو عمرو: بغير ياء.
وقرأ الباقون: بغير ياء في وصل ولا وقف «1».
القياس: الجواري في الوصل والوقف كما ذهب إليه ابن كثير، ومن حذف فلأنّ حذف هذه الياءات وإن كانت لاما، قد كثر في كلامهم، فصار كالقياس المستمرّ، وقد مضى القول فيه.
[الشورى: 35]
اختلفوا في رفع الميم ونصبها من قوله: ويعلم الذين يجادلون في آياتنا [الشورى/ 35].
فقرأ نافع وابن عامر: ويعلم الذين* برفع الميم.
وقرأ الباقون: ويعلم الذين نصبا «2».
ومن قرأ ويعلم الذين يجادلون بالرفع، استأنف لأنّه موضع استئناف من حيث جاء من بعد الجزاء، وإن شئت جعلته خبر مبتدأ محذوف، وأمّا من نصب: فلأنّ قبله شرطا وجزاء، وكلّ واحد منهما غير واجب، تقول في الشرط: إن تأتني وتعطيني أكرمك. فتنصب تعطيني، وتقديره: إن يكن منك إتيان وإعطاء أكرمك، فالنصب بعد الشرط إذا عطفت عليه بالفاء أمثل من النصب بالفاء بعد جواب الشرط فأمّا قوله:
__________
(1) السبعة ص 581.
(2) السبعة ص 581.
(6/130)
________________________________________
ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة فيثبتها في مستوى الأرض يزلق «1» والنصب فيه حسن لمكان النفي. فأمّا العطف على الشرط نحو:
إن تأتني وتكرمني فأكرمك، فالذي يختار سيبويه في العطف على جزاء الشرط الجزم فيختار ويعلم الذين يجادلون إذا لم يقطعه من الأوّل فيرفعه، ويزعم أن المعطوف على جزاء الشرط شبيه بقول القائل:
وألحق بالحجاز فأستريحا «2» قال: إلّا أن ما ينصب في العطف على جزاء الشرط أمثل من ذلك، لأنّه ليس يوقع فعلا إلّا بأن يكون من غيره فعل فصار بمنزلة الهواجس، وزعم سيبويه أن بعضهم قرأ: يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء [البقرة/ 284] وأنشد للأعشى في نصب ما عطف بالفاء على الجزاء «3»:
ومن يغترب عن أهله لا يزل يرى مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا
__________
(1) البيت لكعب بن زهير.
انظر الكتاب 1/ 447، المقتضب 2/ 23، 67.
(2) عجز بيت للمغيرة بن حبناء صدره:
سأترك منزلي لبني تميم وهو من شواهد النحو. وقد استوفي تخريجه في شرح أبيات المغني 4/ 114 - 116.
(3) البيتان للأعشى وقد ورد البيت الأول في ديوانه ملفقا من بيتين، فانظره فيه/ 113 وهما في الكتاب 1/ 449 والمقتضب 2/ 22، واللسان/ كبكب/ وقال: كبكب: اسم جبل بمكّة، وأنشد بيتي الأعشى كما هنا.
(6/131)
________________________________________
وتدفن منه الصّالحات وإن يسئ يكن ما أساء النار في رأس كبكبا فهذا حجّة لمن قرأ: ويعلم الذين يجادلون في آياتنا بالنصب.
[الشورى: 37]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله عزّ وجلّ: كبائر الإثم [الشورى/ 37].
فقرأ حمزة والكسائي: كبير الإثم واحد بغير ألف، وفي النجم مثله.
وقرأ الباقون: كبائر بالألف فيهما «1».
حجّة الجمع قوله: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر [النساء/ 31] فهذه يراد بها تلك الكبائر المجموعة التي تكفّر باجتنابها السيئات التي هي الصغائر.
ويقوّي الجمع أن المراد هنا اجتناب تلك الكبائر المجموعة في قوله: كبائر ما تنهون عنه، وإذا أفرد جاز أن يكون المراد واحدا، وليس المعنى على الإفراد، وإنّما المعنى على الجمع والكثرة، ومن قال: كبير* فأفرد، فإنّه يجوز أن يريد بها الجمع، وإن جاز أن يكون واحدا في اللّفظ، وقد جاءت الآحاد في الإضافة، يراد بها الجمع كقوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34] وفي الحديث: «منعت العراق درهما وقفيزها» «2».
__________
(1) السبعة ص 581.
(2) قطعة من حديث رواه مسلم في الفتن رقم 2896 وأبو داود في الإمارة رقم 3035 وأحمد 2/ 262. والقفيز: مكيال لأهل العراق يعادل 12 صاعا.
(6/132)
________________________________________
[الشورى: 51]
اختلفوا في رفع اللّام وإسكان الياء من قوله عزّ وجلّ: أو يرسل رسولا فيوحي [الشورى/ 51].
فقرأ نافع وابن عامر: أو يرسل* برفع اللّام فيوحي ساكنة الياء.
وقال ابن ذكوان في حفظي عن أيوب: أو يرسل رسولا فيوحي نصب جميعا.
وقرأ الباقون: أو يرسل رسولا فيوحي نصب جميعا «1».
قال أبو علي: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل [الشورى/ 51] لا يخلو قوله يرسل فيمن نصب من أن يكون محمولا على أن* في قوله: أن يكلمه الله إلا وحيا، أو على غيره، فلا يجوز أن يكون محمولا على أن*، لأنّك إن حملتها عليها كان المعنى: ما كان لبشر أن يكلّمه، أو أن يرسل رسولا، ولم يخل قوله أو يرسل رسولا من أن يكون المراد فيه: أو يرسله رسولا، أو يكون: أو يرسل إليه رسولا، ولا يصحّ واحد من التقديرين، ألا ترى أنّك إن قدّرت العطف على أن* هذه المظهرة في قوله: أن يكلّمه الله، كان المعنى: ما كان لبشر أن يرسله رسولا، أو يرسل إليه رسولا، والتقديران جميعا فاسدان، ألا ترى أن كثيرا من البشر قد أرسل رسولا، وكثيرا منهم قد أرسل إليهم الرسل، فإذا لم يخل من هذين التقديرين، ولم يصحّ واحد منهما، علمت أنّ المعنى ليس عليه، والتّقدير على غيره، فالذي عليه المعنى، والتّقدير الصّحيح: ما ذهب إليه الخليل من أن يحمل يرسل فيمن نصب على أن* أخرى
__________
(1) السبعة ص 582.
(6/133)
________________________________________
غير هذه، وهي التي دلّ عليه قوله: وحيا لأنّ أن يوحي والوحي قد يكونان بمعنى، فلمّا كان كذلك حملت يرسل من قوله أو يرسل رسولا على أن* هذه التي دلّ الوحي عليها، فصار التقدير: ما كان لبشر أن يكلّمه الله إلّا أن يوحي وحيا، أو يرسل رسولا فيوحي، ويجوز في قوله: إلا وحيا أمران: أحدهما: أن يكون استثناء منقطعا، والآخر أن يكون حالا، فإن قدّرته استثناء منقطعا لم يكن في الكلام شيء يوصل بمن، لأنّ ما قبل الاستثناء لا يعمل فيما بعده، ولذلك حملوا قول الأعشى:
ولا قائلا إلّا وهو المتعيّبا «1» على فعل آخر، وإنما لم يستجيزوا ذلك، لأنّ حرف الاستثناء في معنى حرف النفي، ألا ترى أنّك إذا قلت: قام القوم إلّا زيدا، فالمعنى قام القوم لا زيد؟ فكما لا يعمل ما في قبل حرف النفي فيما بعده، كذلك لم يعمل ما قبل الاستثناء إذا كان كلاما تامّا فيما بعده، إذ كان بمعنى النفي، وكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد إلّا فيما قبلها نحو: ما أنا الخبز إلّا آكل، كما لم يعمل ما بعد حرف النفي فيما قبله، فإذا كان كذلك لم يتصل الجارّ بما قبل إلّا، ويمنع أن يتصل به الجار من وجه آخر، وهو أن قوله: أو من وراء حجاب [الشورى/ 51] في صلة وحي الذي هو بمعنى أن يوحي فإذا كان كذلك لم يجز أن يحمل الجارّ الذي هو من في قوله: أو من وراء حجاب على أن يرسل، لأنّه يفصل بين الصّلة والموصول بما ليس منها، ألا ترى أنّ
__________
(1) عجز بيت للأعشى صدره:
وليس مجيرا إن أتى الحيّ خائف انظر ديوانه/ 113.
(6/134)
________________________________________
المعطوف على الصلة في الصلة؟ فإذا حملت العطف على ما ليس في الصلة، فصلت بين الصّلة والموصول بالأجنبي الذي ليس منهما، فإذا لم يجز حمله على يكلّم في قوله: ما كان لبشر أن يكلمه الله [الشورى/ 51] ولم يكن بدّ من أن يعلّق الجارّ بشيء، ولم يكن في اللّفظ شيء تحمله عليه، أضمرت يكلم وجعلت الجار في قوله: أو من وراء حجاب متعلقا بفعل مراد في الصّلة محذوف منها للدلالة عليه، وقد تحذف من الصّلة أشياء للدّلالة عليها، ويكون في المعنى معطوفا على الفعل المقدّر صلة لأن الموصولة بيوحي، فيكون التقدير:
ما كان لبشر أن يكلّمه إلّا أن يوحي إليه، أو يكلّمه من وراء حجاب، فحذف يكلّم من الصّلة لأنّ ذكره قد جرى، وإن كان خارجا عن الصّلة فحسّن ذلك حذفه من الصّلة وسوّغه، ألا ترى أنّ ما قبل حرف الاستفهام مثل ما قبل الصّلة في أنّه لا يعمل في الصلة كما لا يعمل ما قبل الاستفهام فيما كان في حيّز الاستفهام؟ وقد جاء الان، وقد عصيت [يونس/ 91] والمعنى: آلآن آمنت وقد عصيت قبل، فلما كان ذكر الفعل قد جرى في الكلام أضمر، وقال: آلآن، وقد كنتم به تستعجلون [يونس/ 51] المعنى: الآن آمنتم به فلمّا جرى ذكر آمنتم به قبل استغني بجري ذكره قبل عن ذكره في حيّز الاستفهام، وصار كالمذكور في اللّفظ، ألا ترى أنّ الاسم الواحد لا يستقل به الاستفهام؟ ولا يجوز أن يقدّر عطف أو من وراء حجاب على الفعل الخارج من الصّلة فيفصل بين الصّلة والموصول بالأجنبي منهما، كما فصل ذلك في قوله: إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس [الأنعام/ 145] ثم قال: أو فسقا أهل لغير الله به [الأنعام/ 145] فعطف بأو على ما في الصّلة بعد ما فصل بين الصّلة
(6/135)
________________________________________
والموصول بقوله: فإنه رجس لأنّ قوله: فإنه رجس من الاعتراض الذي يسدّد ما في الصّلة، ويوضّحه، فصار لذلك بمنزلة الصّفة لما في الصّلة من التبيين والتخصيص، ومثل هذا في الفصل في الصّلة قوله والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم [يونس/ 27] ففصل بقوله: جزاء سيئة بمثلها وعطف قوله: وترهقهم ذلة على الصّلة مع هذا الفصل من حيث كان قوله: جزاء سيئة بمثلها يسدّد ما في الصّلة. وأمّا من رفع فقال: أو يرسل رسولا فجعل يرسل حالا، فإنّ الجارّ في قوله: أو من وراء حجاب متعلق بمحذوف، ويكون في الظرف ذكر من ذي الحال، ويكون قوله: إلا وحيا على هذا التّقدير: مصدرا وقع موقع الحال، كقولك: جئتك ركضا، وأتيتك «1» عدوا، ويكون في أنّه مع ما انجرّ به في موضع الحال كقوله: ومن الصالحين [آل عمران/ 46] بعد قوله: ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين فكما أن «من» هنا في موضع الحال كذلك في قوله: أو من وراء حجاب [الشورى/ 51] ومعنى: أو من وراء حجاب فيمن قدّر الكلام استثناء منقطعا أو حالا: يكلّمهم غير مجاهر لهم بكلامه، يريد أنّ كلامه يسمع ويحدث من حيث لا يرى، كما يرى سائر المتكلمين، إذ ليس ثمّ حجاب يفصل موضعا من موضع فيدلّ ذلك على تحديد المحجوب. ومن رفع يرسل*، كان يرسل في موضع نصب على الحال، والمعنى: هذا كلامه إيّاهم، كما تقول: تحيتك الضرب، وعتابك السيف، فإن قلت: فهل يجوز في قول من نصب فقال: أو يرسل أن يكون في موضع حال، وقد انتصب الفعل بأن
__________
(1) كتب في (ط) فوق جئتك: جئت وفوق أتيتك: أتيت. كأنه إشارة إلى نسخة أخرى.
(6/136)
________________________________________
المضمرة وأن لا تكون حالا، قيل: قد كان على هذا يجوز أن يكون حالا، وذلك على أن تقرر الجار، وتريده وإن كان محذوفا من اللّفظ، ألا ترى أنّ أبا الحسن قد قال في قوله: وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله [البقرة/ 246] وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه [الأنعام/ 119] أنّ المعنى: وما لكم في أن لا تأكلوا، وأنّه في موضع حال، كما أنّ قوله: فما لهم عن التذكرة معرضين [المدّثر/ 49] حال فكذلك فقد كان يجوز في قول من نصب أو يرسل أن يكون في موضع الحال، ويكون التقدير: بأن يرسل، فحذف الجارّ مع أن.
(6/137)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الزخرف
[الزخرف: 5]
اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله عزّ وجلّ: صفحا أن كنتم [الزخرف/ 5] فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
صفحا أن كنتم نصبا.
وقرأ حمزة ونافع والكسائي: إن كنتم* كسرا «1».
من قال: أن كنتم فالمعنى: لأن كنتم، فأمّا صفحا فانتصابه من باب: صنع الله [النمل/ 88] لأنّ قوله: أفنضرب عنكم الذكر [الزخرف/ 5] يدلّ على: أنصفح عنكم صفحا؟ وكأن قولهم:
صفحت عنه أي: أعرضت، وولّيته صفحة العنق، والمعنى: أفنضرب عنكم ذكر الانتقام منكم والعقوبة لكم، لأن كنتم قوما مسرفين؟ وهذا يقرب من قوله: أيحسب الإنسان أن يترك سدى [القيامة/ 36] والكسر على أنه جزاء استغني عن جوابه بما تقدّمه مثل: أنت ظالم إن فعلت، كأنّه: إن كنتم قوما مسرفين نضرب.
__________
(1) السبعة ص 584.
(6/138)
________________________________________
[الزخرف: 18]
اختلفوا في ضمّ الياء والتّشديد وفتحها والتخفيف من قوله عزّ وجلّ: أومن ينشأ في الحلية [الزخرف/ 18].
فقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: ينشأ برفع الياء والتشديد.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: ينشأ بفتح الياء والتخفيف «1».
يقال: نشأت السّحابة، ونشأ الغلام، فإذا نقل بالهمزة هذا الفعل تعدّى إلى مفعول، وعامّته بالهمزة، كقوله: وينشىء السحاب الثقال [الرعد/ 12] ثم أنشأنا خلقا آخر [المؤمنون/ 14] وأنشأنا بعدها قوما «2» [الأنبياء/ 11] وهو الذي أنشأ جنات معروشات [الأنعام/ 141] والأكثر في هذه الأفعال التي تتعدّى إذا أريد تعديته أن ينقل بالهمزة، وبتضعيف العين نحو: فرح، وفرحته، وأفرحته، وغرم وغرّمته وأغرمته، وقد جاء منه شيء بتضعيف العين دون الهمزة، وذلك قولك: لقيت خيرا، ولقانيه زيد، ولا تقول: ألقانيه زيد، إنّما تقول:
لقّانيه، وعلى هذا قوله: ويلقون فيها تحية وسلاما [الفرقان/ 75] ولقاهم نضرة وسرورا [الإنسان/ 11] ولم نعلم من هذا المعنى:
ألقيته عمرا، إنّما يقال: لقيته عمرا، فأمّا قولهم: ألقيت متاعك بعضه على بعض، فليس بمنقول من لقي بعض متاعك على بعضه، ولو كان منه وجب أن يزيد النقل مفعولا، وفي النقل بالهمزة لم يزد مفعولا،
__________
(1) السبعة ص 584.
(2) هذه الآية من سورة الأنبياء/ 11، وقد اشتبهت على المؤلف فأثبتها قرنا بدل قوما.
(6/139)
________________________________________
إنّما تعدى إلى المفعول الثاني بالحرف في قولك: ألقيت متاعك بعضه على بعض، فألقيت بمنزلة أسقطت، وليس بمنقول من لقي بالدّلالة التي ذكرنا، فيجوز أن يكون نشأ من ذلك، لأنّا لم نعلم منشّئ، كما جاء: بلغ وأبلغ، ونجّى وأنجى، فإذا كان كذلك، فالأوجه إنّما هو:
أو من ينشأ في الحلية فيكون أفعل من أفعلت.
ومن قال، ينشأ فهو في القياس مثل فرّح وأفرح، وغرّم وأغرم، وإن عزّ وجود ذلك في الاستعمال وموضع «من» نصب على تقدير:
اتخذوا له من ينشأ في الحلية، على وجه التقريع لهم بما افتروه كما قال: أم له البنات ولكم البنون [الطور/ 39] فنسبوا إلى القديم سبحانه ما يكرهونه، ومن لا يكاد يقوم بحجّته أو يستوفيها.
[الزخرف: 19]
اختلفوا في الباء والنون من قوله عزّ وجلّ: عباد الرحمن [الزخرف/ 19]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: عند الرحمن* بالنون.
وقرأ الباقون: عباد الرحمن بالباء «1».
حجّة من قال: عند الرحمن*، قوله: ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته [الأنبياء/ 19] وقوله: إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته [الأعراف/ 206] وحجّة من قال عباد قوله: بل عباد مكرمون [الأنبياء/ 26] فقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا، وفي قوله:
عند الرحمن* دلالة على رفع المنزلة والتقريب، كما قال: ولا الملائكة المقربون [النساء/ 172] وهذا من القرب في المنزلة والرفعة
__________
(1) السبعة ص 585.
(6/140)
________________________________________
في الدرجة، وليس من قرب المسافة وفي قوله: عباد الرحمن دلالة على تكذيبهم في أنّهم بنات، كما قال: أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون [الصافّات/ 150]
[الزخرف: 19]
وقرأ نافع وحده: أاشهدوا «1» [الزخرف/ 19] بضمّ الألف مع فتحة الهمزة من أشهدوا. المفضل عن عاصم مثل نافع، وروى خلف وابن سعدان عن المسيبي عن نافع آشهدوا ممدودة من أشهدت.
والباقون لا يمدّون أشهدوا من شهدت «2» قوله: بضمّ الألف مع فتحة الهمزة يعني أنّ الفعل أشهدوا* على أفعلوا بضمّ الهمزة وسكون الشين، وقبلها همزة الاستفهام مفتوحة ثم يخفّف الهمزة الثانية من غير أن يدخل بينهما ألفا كما يفعله أبو عمرو، والذي رواه المسيبي مثل ذلك، إلّا أنّه يدخل بينهما ألفا «3».
قال أبو علي: إنّ قولهم شهدت فعل استعمل على ضربين:
أحدهما يراد به: حضرت، والآخر: العلم، فالذي معناه الحضور يتعدّى إلى مفعول، يدلّ على ذلك قوله:
لو شهد عادا في زمان عاد «4»
__________
(1) جاء رسمها في السبعة وفق قراءتها: (أو شهدوا).
(2) السبعة ص 585.
(3) أي يقرؤها: (أو شهدوا).
(4) صدر بيت من الرجز عجزه:
لابتزّها ... مبارك الجلاد
والمعنى: لو شهد هذا الممدوح في الحرب عادا على قوتها لظهر:
(6/141)
________________________________________
وقوله:
ويوم شهدناه سليما وعامرا «1» فتقدير هذا شهدنا فيه سليما، ومن ذلك قوله:
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة يد الدّهر إلّا جبرئيل أمامها «2» فهذا محذوف المفعول، التقدير فيه: شهدنا المعركة، أو شهدنا من تجمّع لقتالنا. ومنه قوله:
فقد شهدت قيس فما كان نصرها قتيبة إلّا عضّها بالأباهم «3» فهذا الضرب المتعدّي إلى مفعول واحد، إذا نقل بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، تقول: شهد زيد المعركة وأشهدته إياها، ومن ذلك: ما أشهدتهم خلق السموات [الكهف/ 51] فلما نقل شهد بالهمز صار الفاعل مفعولا أولا، والتّقدير: ما أشهدتهم فعلي، والفعل في أنّه مفعول ثان، وإن كان غير عين، مثل زيد ونحوه من أسماء الأعيان
__________
عليها وفاز بمعظم الحرب دونها. ومعنى ابتزها: سلبها. انظر الكتاب لسيبويه 2/ 27 وهذا البيت من الخمسين بيتا التي لم يعرف قائلها.
(1) صدر بيت لم يعرف قائله، عجزه:
قليلا سوى الطعن النهال نوافله وهو من شواهد المغنى انظر شرحه وتخريجه في شرح أبيات المغني للبغدادي 7/ 84.
(2) البيت لحسان بن ثابت في ملحقات ديوانه 1/ 522 وينسب البيت لكعب بن مالك انظر الخزانة 1/ 199، واللسان والتاج/ جبر/.
(3) البيت للفرزدق، انظر ديوانه 2/ 855، المقتضب 4/ 90.
(6/142)
________________________________________
المختصّة. وقالوا: امرأة مشهد، إذا كان زوجها شاهدا لم يخرج في بعث من غزو وغيره، وامرأة مغيب: إذا لم يشهد زوجها.
فكأنّ المعنى: ذات غيبة لوليّها، وذات شهادة، والشّهادة خلاف الغيبة قال: عالم الغيب والشهادة [الأنعام/ 73] فهذا في المعنى مثل قوله: ويعلم ما تخفون وما تعلنون [النمل/ 25] ويعلم سركم وجهركم [الأنعام/ 3]. وأمّا شهدت الذي بمعنى علمت فيستعمل على ضربين: أحدهما: أن يكون قسما، والآخر: أن يكون غير قسم، فاستعمالهم له قسما، كاستعمالهم: علم الله ويعلم الله، قسمين فتقول: علم الله لأفعلنّ، فتتلقاه بما تتلقّى به الأقسام، وأنشد سيبويه:
ولقد علمت لتاتينّ منيّتي إنّ المنايا لا تطيش سهامها «1» وحدّثنا أبو الحسن عبيد الله بن الحسن أنّ محمدا قال: إنّ زفر كان يذهب إلى أنّه إذا قال: أشهد بالله كان يمينا، فإن قال: أشهد، ولم يقل بالله لم يره قسما. أبو الحسن وقال محمد: أشهد غير موصولة بقوله بالله مثل أشهد موصولة بقولك بالله في أنّه يمين، قال: واستشهد محمد على ذلك بقوله قالوا نشهد إنك لرسول الله [المنافقون/ 1] ثم قال: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة [المنافقون/ 1، 2] فجعله يمينا، ولم يوصل بقوله بالله. وأمّا شهدت الذي يراد به علمت ولا يراد به العلم «2» فهو ضرب من العلم مخصوص
__________
(1) نسبه سيبويه للبيد 1/ 456، ورواية الديوان ص 171 كما يلي:
صادفن منها غرّة فأصبنها إنّ المنايا لا تطيش سهامها
(2) كذا الأصل والأظهر أن تكون القسم.
(6/143)
________________________________________
فكلّ شهادة علم وليس كلّ علم شهادة، وممّا يدلّ على اختصاصه بالعلم بأنّه لو قال عند الحاكم: أعلم أنّ لزيد على عمرو عشرة، لم يحكم به حتى يقول: أشهد، فالشهادة مثل التيقّن في أنّه ضرب من العلم مخصوص، فليس كلّ علم تيقّنا، وإن كان كلّ تيقّن علما، وكأنّ التيقّن هو العلم الذي قد عرض لعالمه إشكال فيه. يبيّن ذلك قوله في قصّة إبراهيم: وليكون من الموقنين [الأنعام/ 75] ويبيّن ذلك قول رؤبة:
يا دار عفراء ودار البخدن أما جزاء العالم المستيقن عندك إلّا حاجة التّفكّن «1» فوصف العالم بالمستيقن.
وقالوا: فلو لم تكن في المستيقن زيادة معنى لم يكن في الوصف الأوّل، ولم يحسن هذا الكلام، وكان غير مفيد. وهذا كقول زهير:
فلأيا عرفت الدّار بعد توهّم «2» ثمّ قال:
فلمّا عرفت الدّار قلت لربعها أي: عرفتها بعد إشكال امرها، والتباسها عليّ، وعلى هذا قول
__________
(1) سبق في 1/ 258، 259.
(2) عجز بيت لزهير في معلقته صدره:
وقفت بها من بعد عشرين حجّة وقد سبق في 1/ 257.
(6/144)
________________________________________
الآخر «1»:
حيّوا الدّيار وحيّوا ساكن الدّار ما كدت أعرف إلّا بعد إنكار وكأنّ معنى: أشهد أيّها الحاكم على كذا وكذا، أي أعلمه علما يحضرني. وقد تذلّل لي، فلا أتوقف عنه ولا أتثبت فيه لوضوحه عندي، وتبيّنه، وليس كذلك سبيل المعلومات كلّها، ألا ترى أنّ منها ما يحتاج إلى توقف فيه، واستدلال عليه، وتنزيل له، ويدلّ على أنّ هذه الشهادة يراد بها المعنى الزائد على العلم أنّه لا يخلو من أن يكون العلم مجردا ممّا ذكرنا، أو مقترنا بما وصفنا من المعاني، فالّذي يدلّ على أنّه المقترن بالمعاني التي ذكرنا قوله: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون [الزخرف/ 86]، وقوله: وما شهدنا إلا بما علمنا [يوسف/ 81].
فلو كان معنى «شهد» العلم خاليا من هذه المعاني لكان المعنى:
وما علمنا إلّا بما علمنا، وإلّا من علم بالحقّ وهم يعلمون، فإذا لم يتّجه حمله على هذا علم أنّ معناه ما ذكرنا. وشهد في هذا الوجه يتعدّى بحرف جرّ، فتارة يكون الباء وأخرى يكون على*، فمما يتعدّى بعلى قوله: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا [فصّلت/ 21] وقوله: شهد عليهم سمعهم وأبصارهم [فصّلت/ 20] ويوم تشهد عليهم ألسنتهم [النور/ 24] شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم [الأنعام/ 130] ومن التعدّي بالباء قوله: وما شهدنا إلا بما علمنا [يوسف/ 81] وإلا من شهد بالحق
__________
(1) لم نقف عليه.
(6/145)
________________________________________
[الزخرف/ 86] وقوله: أربع شهادات بالله [النور/ 6] فإذا نقل بالهمزة زاد بالهمزة مفعول كسائر الأفعال المتعدية إذا نقلت بالهمزة، قال: وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا [الأعراف/ 172] فأمّا قوله: أشهدوا خلقهم [الزخرف/ 19] فمن الشهادة التي هي الحضور، كأنّهم بّخلوا على أن قالوا ما لم يحضروا ممّا حكمه أن يعلم بالمشاهدة. ومن قال: أأشهدوا خلقهم فالمعنى:
أأحضروا ذلك، وكان الفعل يتعدّى إلى مفعولين قبل النقل فلمّا بني للمفعول به نقص فتعدّى الفعل إلى مفعول واحد، ويقوّي هذه القراءة قوله: ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم [الكهف/ 51] فتعدّى إلى مفعولين لمّا بني الفعل للفاعل. فأمّا قوله:
إني أشهد الله واشهدوا أني بريء [هود/ 54] فعلى إعمال الثاني، كما أنّ قوله: آتوني أفرغ عليه قطرا [الكهف/ 96] كذلك، والتقدير: إنّي أشهد الله إنّي بريء. واشهدوا أنّي بريء، فحذف المفعول الأوّل على: ضربت وضربني زيد، وهذا منقول من شهد بكذا، إلّا أن حرف الجر يحذف مع أنّ وأن، فأمّا الباء في قوله:
أشهد بالله فهي متعلقة بهذا الظاهر، كما أنّ قوله: أحلف بالله، وأقسم بالله، يتعلق الجارّ فيه بهذا الظاهر. فإن قلت: فلم لا يكون الجار فيه معلقا بمحذوف كأنّه قال: أشهد بقوة الله، فيكون الجارّ فيه كالّذي في قوله: حضرت بسلاحي، وشهدت بقوتي، فإنّ ما تقدّم أولى من هذا، ألا ترى أنّك تقول: أشهد وأشهد بالله كما تقول: أحلف وأحلف بالله، وأقسم وأقسم بالله؟ فكما أنّك في هذا تعلق الجارّ بالظّاهر كذلك في أشهد تعلقه به. وقال: ونزعنا من كل أمة شهيدا [القصص/ 75] فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء [النساء/ 41]
(6/146)
________________________________________
وقال: لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [البقرة/ 143] فشهداء جمع شهيد، كفقيه وفقهاء، وظريف وظرفاء، فأمّا قوله: ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم [هود/ 18] فيجوز أن يكون الأشهاد جمع شاهد مثل: صاحب وأصحاب. وطائر وأطيار، وأظنّه قول سيبويه، ويجوز أن يكون أشهاد جمع شهيد، كيتيم وأيتام، وشريف وأشراف وأبيل «1» وآبال، وهذا كأنّه أرجح، لأنّ ما جاء من ذلك في التنزيل جاء على فعيل.
وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر: تخرجون* [الزخرف/ 11] بضمّ الرّاء وفتح التاء.
الباقون: تخرجون بضمّ التاء وفتح الرّاء «2».
حجّة تخرجون* قوله: إذا أنتم بشر تنتشرون [الروم/ 20] فتنتشرون مثل تخرجون، ألا ترى أنّ انتشر مطاوع نشرته، كما أنّ خرج مطاوع أخرجته؟. وحجّة تخرجون
قوله: ومنها نخرجكم تارة أخرى [طه/ 55] وقوله: من بعثنا من مرقدنا هذا [يس/ 52].
[الزخرف: 24]
قال: قرأ ابن عامر: قال أولو جئتكم [الزخرف/ 24] بألف وكذلك روى حفص عن عاصم.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: قل* بغير ألف «3».
__________
(1) الأبيل: رئيس النصارى، وهو الراهب (اللسان أبل).
(2) السبعة ص 584.
(3) السبعة ص 585.
(6/147)
________________________________________
قال أبو علي: فاعل قال: النذير، المعنى: وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلّا قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أمّة، فقال لهم النذير: أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم؟ ويجوز فيمن قال: قل، أن يكون حكاية ما أوحي إلى النذير، كأنّه: أوحينا إليه فقلنا له قل لهم: أو لو جئتكم بأهدى من ذلك.
[الزخرف: 33]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله عزّ وجلّ: سقفا* [الزخرف/ 33] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: سقفا*، على التوحيد.
وقرأ الباقون سقفا بضمّ السين والقاف على الجميع «1».
السّقف: جمع سقف قال: وجعلنا السماء سقفا محفوظا [الأنبياء/ 32]، والجمع سقف، مثل: رهن ورهن، ويخفّف فيقال:
رهن، ومثله في الصّفة: فرس ورد، وخيل ورد، كذلك كث وكثّ، وسهم حشر، وسهام حشر، وفعل في الجمع يخفّف نحو أسد وأسد. قال:
كأنّ محرّبا من أسد ترج ينازله لنابيه قبيب «2» وسقف واحد يدلّ على الجمع، ألا ترى أنّه قد علم بقوله:
لبيوتهم أنّ لكل بيت سقفا. وروي عن مجاهد أنّه قال: كلّ شيء من السّماء فهو سقف، وكلّ شيء من البيوت فهو سقف بضمتين،
__________
(1) السبعة ص 585.
(2) البيت لأبي ذؤيب في شرح ديوان الهذليين 1/ 110 وفيه: ينازلهم بدل ينازله. واللسان (قبب).
(6/148)
________________________________________
ويشبه أن يكون اعتبر في السّقف قوله: وجعلنا السماء سقفا محفوظا [الأنبياء/ 32].
[الزخرف: 35]
قال: وقرأ عاصم وحمزة: لما متاع [الزخرف/ 35] مشددة.
وقرأ الباقون: لما* خفيف «1».
من شدّد كانت إن* عنده بمعنى ما* النافية كالتي في قوله: إن الكافرون إلا في غرور [الملك/ 20]، فكذلك المعنى في الآية: ما كلّ ذلك إلّا متاع الحياة الدنيا، ولما* في معنى إلا*، وقد حكى سيبويه: نشدتك الله لمّا فعلت، وحمله على إلّا، وهذه الآية تدلّ على فساد قول من قال: إنّ قوله: وإن كل لما جميع لدينا محضرون [يس/ 32] أنّ المعنى: إن هو إلّا جميع لدينا محضرون. وزعموا أنّ في حرف أبيّ: وما ذلك إلا متاع الحياة، فهذا يدلّ على أنّ لما* بمعنى إلا* وأن إن* بمعنى ما*، وحكي عن الكسائي أنّه قال: لا أعرف وجه التثقيل، وقال أبو الحسن: قال بعضهم: لمّا مثقلة، وجعلها في معنى إلّا، وذهب إلى أنّ التخفيف الوجه، قال: لأنّ لمّا في معنى إلّا لا يكاد يعرف ولا يكاد يتكلّم بها. وأمّا من قال لما* بالتخفيف، فإن إن* في قوله المخفّفة من الثقيلة، واللّام فيها التي تدخل لتفصل بين النفي والإيجاب في قوله:
هبلتك أمك إن قتلت لفارسا «2»
__________
(1) السبعة ص 586 وفيها تفصيل لما أجمله الفارسي في قوله: وقرأ الباقون ..
(2) صدر بيت من شواهد المغني ص 37 برواية:
شلّت يمينك إن قتلت لمسلما حلّت عليك عقوبة المتعمّد
(6/149)
________________________________________
وكقوله: وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين [الأعراف/ 102]، ومن نصب بها مخففة فقال: إن زيدا لمنطلق، استغنى عن هذه اللّام، لأنّ النافية لا ينتصب بعدها الاسم، فإذا لم يقع بعدها انتصاب اسم لم يقع اللّبس، وما* فيه زائدة، المعنى: وإن كلّ ذلك لمتاع الحياة الدنيا، ولم تعمل إن* عمل الفعل لمّا خففتها لزوال شبهها بالفعل من أجل التخفيف، ولو نصبت بها لجاز في القياس، وحكى سيبويه النصب بها مخففة، والقياس أن لا تعمل إذا خفّفت يدلّك على ذلك دخلوها على الفعل في نحو: وإن كنا عن دراستهم لغافلين
[الأنعام/ 156] وو إن وجدنا أكثرهم لفاسقين [الأعراف/ 102].
[الزخرف: 38]
اختلفوا في التوحيد والتثنية من قوله تعالى: حتى إذا جاءنا قال [الزخرف/ 38].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر حتى إذا جاءانا لاثنين.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: جاءنا واحد «1».
حجّة الإفراد: قوله: قال: يا ليت بيني وبينك [الزخرف/ 38]
__________
وقد استوفي تخريجه في شرح أبيات المغني للبغدادي 1/ 89، 92 وقد ذكر البغدادي أثناء الشرح رواية: هبلتك أمك.
والبيت من أبيات لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وهي من الصحابيات المهاجرات المبايعات، ترثي فيها زوجها الزبير بن العوّام الذي قتله عمرو بن جرموز منصرفه من وقعة الجمل.
(1) السبعة ص 586.
(6/150)
________________________________________
فهو واحد، وحجّة التثنية قوله: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين [الزخرف/ 36] فقوله: جاءانا على التثنية هو الكافر وقرينه هذا.
وهكذا روي عن عكرمة قال: الكافر وقرينه، وليس يدلّ قوله:
يا ليت بيني وبينك أنّ قرينه ليس معه، بل يجوز أن يقول له هذا وهو معه.
[الزخرف: 53]
قال وكلّهم قرأ: أساورة [الزخرف/ 53] إلّا عاصما في رواية حفص، فإنّه قرأ: أسورة.
قال أبو زيد: قالوا: رجل إسوار من قوم أساورة، وهو إسوار المرأة، وسوار المرأة وأسورة لجماعتها، قال: وهما قلبان «1» يكونان في يديها.
قال أبو علي: فرواية حفص: أسورة هو جمع سوار، جمعه على أسورة، مثل: سقاء وأسقية. وإزار وآزرة، وخوان وأخونة.
ومن قرأ أساورة جعله جمع إسوار الذي ذكره أبو زيد، وقال في الجمع: أساورة، فألحق الهاء في الجمع على أن الهاء عوض من الياء التي ينبغي أن تلحق في جمع إسوار على حدّ: إعصار وأعاصير فإن شئت قلت: أساورة، وإن شئت قلت: أساوير. ويجوز في أساورة أن يكون جمع أسورة مثل أسقية وأساق، ولحقت علامة التأنيث كما لحقت في قشعم وقشاعمة، فأمّا أساورة في جمع إسوار، فالهاء فيه على حدّ ما يلحق المعربات نحو: طيالسة، وزنادقة، وقد لحقت هذه
__________
(1) القلب من الفضة يسمى سوارا. انظر اللسان/ سور/.
(6/151)
________________________________________
الهاء المعرّبة نحو: صياقلة وقشعم وقشاعمة، والإسوار معرب «1» وهو الفارس.
[الزخرف: 56]
اختلفوا في ضمّ السّين واللّام من قوله عزّ وجلّ: سلفا [الزخرف/ 56] وفتحهما.
فقرأ حمزة والكسائي: سلفا بضمّ السّين واللّام.
وقرأ الباقون: سلفا بفتحهما «2».
قال أبو علي: من قال: سلفا بضمّ السّين واللّام جاز أن يجعله جمعا لسلف، فيكون مثل أسد وأسد، ووثن وقالوا: أثن، وممّا لحقته تاء التأنيث من هذا: خشبة وخشب، وبدنة وبدن. ومن قال:
سلفا بفتح السّين واللّام، فلأنّ فعلا قد جاء في حروف يراد بها الكثرة، وكأنّه اسم من أسماء الجمع، كقولهم: خادم وخدم، وطالب وطلب، وحارس وحرس، وحكى أحمد بن يحيى: رائح وروح، فلذلك جاء في موضع الجمع في قوله: فجعلناهم سلفا [الزخرف/ 56] وكذلك المثل واحد يراد به الجمع، فمن ثمّ عطف على سلف في قوله: فجعلناهم سلفا ومثلا. ويدلّك على وقوعه على أكثر من واحد قوله: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ... ومن رزقناه «3» [النحل/ 75] فأوقع لفظ الإفراد على التثنية، وكذلك جاز وقوعه على الجمع، وقد جمع المثل في قوله:
__________
(1) الإسوار الواحد من أساورة فارس وهو الفارس من فرسانهم المقاتل. انظر اللسان/ سور/.
(2) السبعة ص 587.
(3) وتمام الآية: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منّا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرّا وجهرا)
(6/152)
________________________________________
وتلك الأمثال نضربها للناس [العنكبوت/ 43، الحشر/ 21] فمثل في هذا كالمثل في أنّه جمع مرة وأفرد أخرى، في قوله: إنكم إذا مثلهم [النساء/ 140] وجمع في قوله: ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد/ 38] وكذلك أفرد في موضع التثنية فيما أنشده سيبويه:
وساقيين مثل زيد وجعل «1» ويثنى أيضا في قوله:
والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان «2» وإذا كانت الجموع الصّحيحة قد كسّرت في نحو: حمال «3» وحمائل، وأسقية وأساق، فأن يجوز تكسير نحو سلف على سلف أجدر.
[الزخرف: 57]
اختلفوا في ضمّ الصّاد وكسرها من قوله عزّ وجلّ: يصدون* [الزخرف/ 57].
__________
(1) صدر بيت عجزه:
سقبان ممشوقان مكنوزا العضل انظر الكتاب 1/ 226.
(2) عجز بيت لحسان بن ثابت صدره:
من يفعل الحسنات الله يشكرها انظر ديوانه 1/ 516، وانظر الكتاب 1/ 435، النوادر/ 31، والمحتسب 1/ 193، والمقتضب 2/ 72، والبيت من شواهد المغني انظره في شرح أبيات المغني 1/ 371، وانظر فهارسه 8/ 293 فقد ورد البيت في عدة مواطن.
(3) الحمال: جمع حمل وهو ما يحمل في البطن من الأولاد في جميع الحيوان (اللسان).
(6/153)
________________________________________
فقرأ نافع وابن عامر والكسائي: يصدون* بضمّ الصّاد وقرأ الباقون يصدون بكسر الصاد «1» أبو عبيدة: إذا قومك منه يصدون يضجّون، ومن ضمّها:
فمجازها يعدلون «2».
وقال غيره يصدّون ويصدّون والكسر أكثر، قال: ومعناهما جميعا: يضجّون، وقال أبو الحسن: يصدّون ويصدّون، مثل: يحشر ويحشر، وقال بعض المفسّرين: يضحكون.
قال أبو علي: المعنى: أنّه لمّا نزل: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم [الأنبياء/ 98] قال المشركون: أآلهتنا خير أم هو [الزخرف/ 58]، أي: إن كانت آلهتنا حصب جهنّم لأنّها اتّخذت آلهة وعبدت فعيسى في حكمهم كذلك، فقال: ولما ضرب ابن مريم مثلا [الزخرف/ 57] في هذا الذي قالوه إذا قومك منه يصدون [الزخرف/ 57] أي: يضجّون لما أتوا به عندهم في تسويتهم بين عيسى عليه السلام، وبين آلهتهم، وما ضربوه إلّا إرادة المجادلة، لأنهم قد علموا أنّ المراد بحصب جهنّم ما اتخذوه من الموات، ويقال: صدّ عن كذا فيوصل بعن، كما قال:
صدّت كما صدّ عمّا لا يحلّ له «3»
__________
(1) السبعة ص 587.
(2) مجاز القرآن 2/ 205.
(3) صدر بيت سبق في 5/ 18 وانظر تفسير القرطبي 1/ 433، والبيت من أبيات في شرح أبيات المغني 3/ 281، 285، وينسب لأبي دؤاد الإيادي، وللنمر بن تولب.
(6/154)
________________________________________
وصددت الكأس عنّا أمّ عمرو «1» ويصدون عنك [النساء/ 61]، وصد عن السبيل «2» [غافر/ 37]، فمن ذهب في يصدّون إلى معنى يعدلون كان المعنى إذا قومك منه أي: من أجل المثل يصدّون، ولم يوصل يصدّ بعن ومن قال في يصدّون يضجّون جعل من* متصلة بيضج، كما تقول:
ضجّ من كذا.
[الزخرف: 49]
قال: قرأ ابن عامر وحده: يا أية الساحر [الزخرف/ 49] بضمّ الهاء.
وقرأ الباقون: يا أيها بفتح الهاء، وكان أبو عمرو والكسائي يقفان بالألف «3» ولم يحفظ عن غيرهما وقف «4».
قد تقدّم القول في ذلك، وفي ذكر شبهة ابن عامر.
قال: قرأ ابن عامر وحده: ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم إنكم [الزخرف/ 39] بكسر الألف.
وقرأ الباقون: أنكم بفتح الألف «5».
قال أبو علي: قراءة ابن عامر: ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون [الزخرف/ 39] فاعل ينفعكم فيه الاشتراك كما أنّه في قول من فتح أنّ كذلك، المعنى:
ولن ينفعكم اليوم اشتراككم
__________
(1) هذا صدر بيت لعمرو بن كلثوم سبق في 4/ 147 و 5/ 18
(2) الآية كما أثبتنا نصّها وقد وردت في المخطوط سهوا (وصدّ عن سبيل الله).
(3) زاد في السبعة بين معقوفين: هاهنا وفي النور 31 وفي الرحمن 31.
(4) السبعة ص 586، 587.
(5) السبعة 587.
(6/155)
________________________________________
وفي هذا حرمان التأسّي، وهي نعمة يسلبها الله من أهل النّار ليكون أشدّ لعذابهم، ألا ترى أنّ التأسّي قد يخفّف عن المتأسّي كثيرا من حزن كما جاء:
... ولكن أعزّي النفس عنه بالتأسّي «1» ولكنّه أضمر الفاعل هنا لما يقع عليه من الدّلالة بعد، وجاز له إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه، كقولهم: إذا كان غدا فائتني، فأضمر الفاعل، فكذلك أضمره لدلالة في قوله: لن ينفعكم اليوم، وحال التلاوة دالّة عليه ومبينة له، ويجوز فيه وجه آخر، وهو: أن يكون فاعل ينفع التبرّؤ كأنّه: ولن ينفعكم اليوم تبّرؤ بعضكم من بعض، وأظنّ أنّ بعض المفسّرين قد قاله، ودلّ على التبرؤ ما في الكلام من الدّلالة عليه، وذلك أنّ قوله: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين [الزخرف/ 38]، يدلّ على التبرؤ، فصار إضمار الفاعل هنا كإضماره في قوله: فزادهم إيمانا [آل عمران/ 173] ونحوه في أن ما تقدّم من الكلام يدلّ عليه، ومن فتح أن* على هذا القول وجب أن يكون في موضع نصب، لأنّ الفعل إذ اشتغل بما تحمّله من الضمير الذي هو الذّكر، في المعنى، وجب أن يكون أنكم في موضع نصب، فأمّا اليوم في قوله ولن ينفعكم اليوم فمتعلق بالنفع، ولا يجوز إذا تعلّق به ظرف من الزّمان أن يتعلّق به آخر منه، ولا يصحّ بدل إذ* من اليوم*، ولكن الظرف الذي هو إذ* يتعلّق بالمعنى كأنّه: لن ينفعكم
__________
(1) هذا من بيت للخنساء صدره:
وما يبكون مثل أخي ولكن انظر ديوانها/ 90 والبيت استشهد به البغدادي في شرح أبيات المغني 7/ 289. وانظر الكشاف 4/ 199
(6/156)
________________________________________
اليوم اشتراككم أمس، ولا يتعلّق بالاشتراك، لأنّ الموصول لا تتقدّم عليه صلته، ولكنّه نحو قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ 22]. ألا ترى أنّ ما بعد لا* هذه لا يعمل فيما قبلها، كما أنّ ما بعد أن* لا يعمل فيما قبلها؟ وكذلك المصدر، ولكنّ المعنى: ولن ينفعكم اجتماعكم إذ ظلمتم، فإذا* في كلتا القراءتين يتعلّق بهذا المعنى، ولا يتعلق بالنفع.
[الزخرف: 68]
اختلفوا في إثبات الياء وحذفها من قوله تعالى: يا عبادي لا خوف عليكم [الزخرف/ 68].
فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: يا عباد بغير ياء.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: يا عبادي* بإثبات الياء. وكلهم أسكنها غير عاصم في رواية أبي بكر، فإنّه نصبها يا عبادي لا خوف [الزخرف/ 68].
وقال ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو أنّه وقف يا عبادي* بياء، وقال ابن رومي عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو: الوقف بغير ياء «1».
قال أبو علي: حذف الياء في يا عبادي* أحسن، لأنّه في موضع تنوين، ألا ترى أنّها قد عاقبته؟ فكما يحذف التنوين في الاسم المنادى المفرد كذلك تحذف الياء لكونه على حرف، كما أنّ التنوين كذلك، ولأنّه لا ينفصل من المضاف، كما لا ينفصل التنوين من المنون، فصار
__________
(1) السبعة ص 588.
(6/157)
________________________________________
في المعاقبة كالتنوين وحرف الندبة، وكعلامة الضمير والنّون في نحو: هم الضّاربوه، والآخذوه.
ووجه من أثبت الياء في المنادى، أنّه علامة ضمير كالهاء في غلامه، والكاف في غلامك، فكما لا تحذف هاتان العلامتان كذلك لا تحذف الياء، والأوّل أكثر في استعمالهم.
[الزخرف: 71]
قال: قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: تشتهيه الأنفس [الزخرف/ 71] بإثبات هاء بعد الياء.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: تشتهي بغير هاء «1».
قال أبو علي: حذف الهاء من الصّلة في الحسن كإثباتها، إلا أنّ الحذف يرجح على الإثبات بأنّ عامّة هذا النحو في التنزيل جاء على الحذف، فمن ذلك قوله: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم [هود/ 43] ويقوّي الحذف من جهة القياس أنّه اسم قد طال،
والأسماء إذا طالت فقد يحذف منها، كما حذفوا من اشهيباب، واحميرار، وكما حذفوا من كينونة، وصيرورة، فكما ألزموا الحذف لهذا ولباب احميرار في أكثر الأمر، كذلك يحسن أن تحذف الهاء من الصلة، وقد جاءت مثبتة في قوله: إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس [البقرة/ 275].
[الزخرف: 85]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: وإليه يرجعون [الزخرف/ 85] في الياء والتاء.
__________
(1) السبعة ص 589.
(6/158)
________________________________________
فقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم «1»: وإليه ترجعون بالتاء مضمومة. وقرأ الباقون بالياء مضمومة «2» حجّة الياء أنّ قبله غيبة، وهو قوله: فذرهم يخوضوا ويلعبوا [الزخرف/ 83، المعارج/ 42].
ووجه التاء على: قل لهم: وإليه ترجعون، أو أريد به مع الغيبة مخاطبون، فجعلت الخطاب على الغيبة، فيكون الغيب مرادين مع غيرهم.
[الزخرف: 88]
اختلفوا في قوله: وقيله [الزخرف/ 88] في فتح اللّام وكسرها.
فقرأ عاصم وحمزة: وقيله يا رب [الزخرف/ 88] بكسر اللّام. المفضل عن عاصم: وقيله منصوبة اللّام.
الباقون: قيله «3».
قال أبو علي: وجه الجرّ في قوله: وقيله، على قوله: وعنده علم الساعة «4» [الزخرف/ 85]، أي: يعلم الساعة، ويصدّق بها، ويعلم قيله، ومعنى يعلم قيله، أي: يعلم أنّ الدعاء مندوب إليه بنحو قوله:
ادعوني استجب لكم [غافر/ 60] وادعوا ربكم تضرعا وخفية [الأعراف/ 55].
__________
(1) في السبعة: وابن عامر وعاصم.
(2) السبعة ص 589.
(3) السبعة ص 589.
(4) يريد أنه على لفظ الساعة، أي وعنده علم الساعة وعلم قيله: يا ربّ.
(6/159)
________________________________________
فأمّا نصب قيله فعلى الحمل على موضع: وعنده علم الساعة لأنّ الساعة مفعول بها، وليست بظرف، فالمصدر مضاف إلى المفعول به، ومثل ذلك قوله:
قد كنت داينت بها حسّانا مخافة الإفلاس واللّيانا يحسن بيع الأصل والقيانا «1» فكما أن القيان واللّيان محمولان على ما أضيف إليه المصدر من المفعول به، كذلك قوله: وعنده علم الساعة لما كان معناه: يعلم الساعة، حملت قيله على ذلك. ويجوز أن تحمله على: يقول قيله، فيدلّ انتصاب المصدر على فعله، وكذلك قول كعب:
يسعى الوشاة حنانيها وقيلهم إنّك يا ابن أبي سلمى لمقتول «2» ووجه ثالث: أن يحمل على قوله: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم [الزخرف/ 80] وقيله [الزخرف/ 88].
وقرأ ناس من غير السبعة: وقيله يا رب بالرفع، ويحتمل ضربين: أحدهما: أن تجعل الخبر: وقيله قيل يا ربّ، فيحذف، والآخر: أن تجعل الخبر قيله يا ربّ مسموع ومتقبّل، فيا ربّ منصوب
__________
(1) هذا من رجز رؤبة بن العجّاج انظر ديوانه/ 187، والكتاب 1/ 98، وابن الشجري 1/ 228، 2/ 31، وشرح أبيات المغني للبغدادي 7/ 46، 47
(2) البيت لكعب بن زهير في ديوانه ص 19، من قصيدته المشهورة بالبردة.
(6/160)
________________________________________
الموضع بقيله المذكور، وعلى القول الآخر بقيله المضمر، وهو من صلته، ولا يمتنع ذلك من حيث امتنع أن يحذف بعض الموصول، ويبقى بعضه، لأنّ حذف القول قد أضمر حتى صار بمنزلة المذكور.
وقد يحتمل بيت كعب الرفع على الوجهين اللّذين ذكرناهما فيمن رفع قيله في الآية.
[الزخرف: 89]
قال قرأ نافع وحده وقل سلام فسوف تعلمون [الزخرف/ 89] بالتاء، وقال ابن ذكوان عن ابن عامر بالياء، وقال هشام «1» بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء وقال الخفّاف: عن أبي عمرو: الياء والتاء عندي سواء «2» وجه الياء أن يحمل على الغيبة التي هي: فاصفح عنهم ...
فسوف يعلمون [الزخرف/ 89].
ووجه التاء على الخطاب على قل المظهر في الكلام: قل لهم سوف تعلمون، وكلاهما قريب المتناول كما خبّر أبو عمرو فيه.
[الزخرف: 58]
قال: وقرأ أبو عمرو وابن كثير «3»: وقالوا أآلهتنا خير [الزخرف/ 58] ممدودة- استفهام «4» - في تقدير ثلاث ألفات، وقال عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أأالهتنا بهمزتين بعد الثانية ألف.
__________
(1) في السبعة هشام بن عمّار.
(2) السبعة ص 589.
(3) في السبعة: وقرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر وابن كثير.
(4) سقطت من السبعة.
(6/161)
________________________________________
وقال أحمد ابن صالح عن قالون عن نافع: ء آلهتنا «1» بهمزة واحدة بعدها مدّة في تقدير همزة بعدها ألفان.
وكذلك قرأت على ابن عبدوس عن أبي عمرو «2» عن إسماعيل عن نافع.
وقال أحمد بن صالح: وأراني سمعت أبا بكر بن أبي أويس يقول كما قال قالون، وقال أحمد بن صالح: بلغني عن ورش أنّه كان يقرؤها بغير استفهام على مثال الخبر «3».
قال أبو علي: قوله استفهام في تقدير ثلاث ألفات ترجمة فيها تجوّز، وتحقيقها أن الهمزة المبدوء بها همزة الاستفهام، والهمزة الثانية التي هي همزة أفعلة من أالهة بين بين، وبعد هذه الهمزة التي هي همزة أفعلة الألف المنقلبة عن الفاء التي هي همزة من إله قلبت ألفا لاجتماع الهمزتين اللّتين الأولى منهما مفتوحة، فهي مثل أادم، والكوفيون وابن عامر خفّفوا الهمزتين جميعا على ما يرونه من تحقيق الهمزتين. وما ذكره أحمد بن صالح عن قالون عن نافع بهمزة واحدة وبعدها مدة، فالهمزة الأولى للاستفهام، والثانية همزة أفعلة يجعلها بين بين، وبعدها الألف المنقلبة عن الهمزة.
وقوله في تقدير همزة بعدها ألفان، معناه أن همزة الاستفهام التي في قوله: أالهتنا جعل الهمزة التي بعدها بين بين، فصار كالألف للتخفيف الذي دخلها، وكونها بين الألف والهمزة، والألف
__________
(1) من السبعة.
(2) في السبعة: عن أبي عمر.
(3) السبعة ص 587 - 588.
(6/162)
________________________________________
الثانية هي ألف في الحقيقة، فأمّا التي قبلها فهمزة بين بين.
وما ذكره عن ورش أنّه كان يقرؤها بغير استفهام، فإنّ المعنى على الاستفهام، ألا ترى أنّ المعنى: أيّهما خير؟ ولعلّه حذف الهمزة لاجتماع المثلين ودلالة أم عليها، كما حذفها عمران في قوله:
وأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر أتوني فقالوا من ربيعة أو مضر أم الحيّ قحطان «1» ..
فهذا أكثر ما يجيء في الشعر، وقد قيل في قوله: وتلك نعمة تمنها علي [الشعراء/ 22] أن المراد به الاستفهام، والوجه إثبات الهمزة وترك حذفها ومما تكون همزة الاستفهام فيه محذوفة قول الكميت:
ولا لعبا منّي وذو الشّيب يلعب «2» معناه على: أو ذو الشيب يلعب؟ على وجه التقرير، أن ذلك لا ينبغي.
__________
(1) البيتان لعمران بن حطّان وتمام البيت الثاني:
أم الحيّ قحطان؟ فتلكم سفاهة كما قال لي روح وصاحبه زفر وهما من قصيدة له في الكامل ص 1088. وسبق البيت الأول في 4/ 66.
(2) هذا عجز بيت للكميت صدره:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب انظر الخصائص 2/ 281، والعيني 3/ 111، والمحتسب 1/ 50، وابن الشجري 1/ 267، وشرح أبيات المغني 1/ 29.
(6/163)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الدخان
[الدخان: 7، 6]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر هاهنا رب السموات [7] برفع الباء.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي هاهنا: رب السموات بكسر الباء.
وفي المزّمّل: رب المشرق* [9] بكسر الباء.
وفي عمّ يتساءلون: رب السموات [37] كسرا، ووافقهم ابن عامر على هذين الحرفين في المزّمّل، وفي عمّ يتساءلون.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ذلك كلّه بالرفع.
وقرأ عاصم في رواية حفص في المزّمّل: رب المشرق والمغرب رفعا، وفي الدّخان، وعمّ يتساءلون: بالخفض «1».
رفع الباء من رب السماوات على القطع من الأوّل، لأنّ ما بعده قد تمّ فانقطع الكلام بقوله: إنه هو السميع العليم [الدخان/ 6].
__________
(1) السبعة ص 592.
(6/164)
________________________________________
والرفع فيه على أحد أمرين: إمّا أن يكون خبر مبتدأ محذوف لما قال: رحمة من ربك إنه هو السميع العليم [الدخان/ 6] قال: هو رب السماوات فحذف المبتدأ، أو يكون: رب السماوات مبتدأ وخبره الجملة التي عاد الذّكر منها إليه، وهو قوله: لا إله إلا هو ويقوّي هذا قوله: رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو، ومن قرأ:
رب السموات والأرض جعله بدلا من ربك المتقدّم ذكره.
قال أبو الحسن: الرفع أجود وبه نقرأ.
وما في المزّمّل: واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق [المزّمّل/ 8، 9] فقد تمّ الكلام بقوله: وتبتل إليه تبتيلا، وانقطع، فالاستئناف فيه أحسن كما كان في قوله: رب السموات والأرض في الدّخان، ومن لم يستأنف أبدله من ربك من قوله: واذكر اسم ربك- رب المشرق كما أبدل في الدّخان، فإذا قطعه من قوله:
واذكر اسم ربك فرفع رب المشرق والمغرب كان على الوجهين اللّذين ذكرناهما في الآية التي في الدّخان، وما في عمّ يتساءلون، فقوله: جزاء من ربك عطاء حسابا [النبأ/ 36] فمن استأنف أيضا جاز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، وجاز أن يكون: رب السموات مبتدأ وخبره الرحمن*، ومن أبدل فقال: رب السموات والأرض كان الرحمن على قوله مبتدأ وما بعده خبره.
[الدخان: 47]
اختلفوا في كسر التاء وضمها من قوله عزّ وجلّ: فاعتلوه [الدخان/ 47] فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: خذوه فاعتلوه بضمّ التاء. عبيد عن أبي عمرو: فاعتلوه وفاعتلوه بالكسر والضمّ جميعا، لم يذكر عبيد الباقين بشيء. وعن عبيد عن هارون عن أبي عمرو:
فاعتلوه كسرا.
(6/165)
________________________________________
وقرأ الباقون: فاعتلوه بالكسر «1».
قيل في قوله: فاعتلوه: قودوه بعنف، ويعتل ويعتل مثل يعكف ويعكف ويحشر ويحشر، ويفسق ويفسق، ونحو ذلك من الكلم التي يجيء فيه يفعل ويفعل جميعا.
[الدخان: 45]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: يغلي [الدخان/ 45].
فقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية حفص: يغلي بالياء. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: تغلي بالتاء «2».
من قال: تغلي بالتاء حمله على الشجرة، كأنّ الشجرة تغلي في البطون، ومن قال: يغلي، جعله على الطّعام لأنّ الطّعام هو الشجرة في المعنى. ألا ترى أنّه خبر الشجرة؟ والخبر في المعنى إذا كان مفردا هو الابتداء، ولا يجعل على المهل، إنّما ذكر للتشبيه في الذّوب.
فأمّا قوله: ألم يك نطفة من مني تمنى [القيامة/ 37] فالتاء فيه كالياء، لأنّ كلّ واحد منهما هو الآخر، قال: إنا خلقنا الإنسان من نطفة [الإنسان/ 2].
[الدخان: 49]
قال: قرأ الكسائي وحده: ذق أنك أنت العزيز الكريم [الدخان/ 49].
وقرأ الباقون: إنك بكسر الألف «3».
__________
(1) السبعة ص 592 - 593.
(2) السبعة ص 592.
(3) السبعة ص 593.
(6/166)
________________________________________
من كسر أن* فعلى ما كان يقوله، فالمعنى: إنّك أنت العزيز الكريم في زعمك، وفيما تقوله، فأجري ذلك على حسب ما كان يذكره أو يذكر به، ومثل هذا قوله: أين شركائي الذين كنتم تزعمون [القصص/ 62] أي شركائي فيما يفترون ويدّعون، وأخبرنا بعض الرواة أن زهرة اليمن قال في جرير:
أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها أني الأغرّ وأنّي زهرة اليمن «1» وأجابه جرير:
ألم تكن في وسوم قد وسمت بها من حال موعظة يا زهرة اليمن «2» أي: زهرة اليمن فيما تقول، وكذلك أبو جهل كان يقول: أنا أعزّ الوادي وأمنعهم، فعلى ما يقول جاء التنزيل بتكذيبه، فأمّا قول الكسائي: ذق أنك بفتح الهمزة فالمعنى: ذق بأنك، والناس على الأوّل.
[الدخان: 51]
قرأ نافع وابن عامر في مقام أمين [الدخان/ 51] بضمّ الميم.
__________
(1) سبق في 2/ 183 والبيت في المسائل الحلبيات ص 82 مع بيت جرير الآتي دونما فاصل وهو خطأ واضح.
(2) سبق في 2/ 183 وهو في المسائل الحلبيات ص 82 مع بيت زهرة اليمن دونما فاصل ونسبهما فيها لجرير، وأظن أن هذا من خطأ النساخ لأن أبا علي ذكر الشعر في أكثر من مكان في الحجة دونما مزج بين البيتين، ودونما خطأ في نسبة كل بيت منهما لصاحبه.
(6/167)
________________________________________
وقرأ الباقون: في مقام بفتح الميم «1».
من فتح الميم من مقام أراد به المجلس والمشهد، كما قال:
في مقعد صدق [القمر/ 55] ووصفه بالأمن، يقوّي أنّه يراد به المكان، ووصف بالأمن كما يوصف بالخوف.
وأمّا من ضمّ فإنّه يحتمل أن يريد به المكان من أقام فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا، ويجوز أن يجعله مصدرا ويقدّر المضاف محذوفا في موضع إقامة أمين.
__________
(1) السبعة 593.
(6/168)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الجاثية
[الجاثية: 5، 4]
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: وما يبث من دابة آيات [4] رفعا، وتصريف الرياح آيات [5] رفعا.
وقرأ حمزة والكسائي: كسرا فيهما «1».
من قال: وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات جاز الرفع في قوله: آيات من وجهين: أحدهما: العطف على موضع إن* وما عملت فيه، لأنّ موضعها رفع بالابتداء، فيحمل الرفع فيه على الموضع، والآخر: أن يكون مستأنفا، ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة، فيكون قوله: آيات على هذا مرتفعا بالظرف في قول من رأى الرفع بالظرف، أو بالابتداء في قول من لم ير الرفع بالظرف، فهذا وجه قول من رفع آيات في الموضعين.
قال أبو الحسن: من دابة آيات قراءة الناس الرفع، وهو أجود، وبها نقرأ، لأنّه قد صار على كلام آخر. نحو: إنّ في الدّار زيدا وفي
__________
(1) السبعة ص 594.
(6/169)
________________________________________
البيت غيره، لأنّك إنّما تعطف الكلام كلّه على الكلام كلّه.
قال: وقد قرئ بالنصب وهو عربيّ، انتهت الحكاية عنه.
فأمّا قوله: واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون [الجاثية/ 5] فإنّك إن تركت الكلام على ظاهره، فإنّ فيه عطفا على عاملين: أحد العاملين: الجارّ بالذي هو في* من قوله: وفي خلقكم وما يبث من دابة [الجاثية/ 4] والعامل الآخر: إن نصبت إنّ، وإن رفعت، فالعامل المعطوف عليه مع في: الابتداء أو الظرف.
ووجه قراءة حمزة والكسائي: وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات [الجاثية/ 4] وتصريف الرياح آيات [الجاثية/ 5] فعلى أنّه لم يحمل على موضع إنّ كما حمله من رفع آيات في الموضعين أو قطعه واستأنف، ولكن حمل على لفظ إنّ دون موضعها فحمل آيات في الموضعين على نصب إن في قوله: إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين [الجاثية/ 3] فإن قلت إنّه يعرض في هذه القراءة العطف على عاملين، وذلك في قوله: واختلاف الليل والنهار آيات [الجاثية/ 5] وسيبويه وكثير من النحويين لا يجيزونه،
قيل يجوز أن يقدر في قوله: واختلاف الليل والنهار آيات، وإن كانت محذوفة من اللّفظ في حكم المثبت فيه، وذلك أن ذكره قد تقدّم في قوله: إن في السموات وفي خلقكم فيجوز أن يكون حذفها لأنّ حرف الجرّ قد تقدّم ذكره في قوله: إن في السموات وقوله: وفي خلقكم فلمّا تقدّم ذكر الجارّ في هذين قدّر فيه الإثبات في اللّفظ، وإن كان محذوفا منه كما قدّر سيبويه في قوله:
(6/170)
________________________________________
أكلّ امرئ تحسبين امرأ ونار توقّد باللّيل نارا «1» إن كل* في حكم الملفوظ به، واستغني عن إظهاره بتقدّم ذكره، وكذلك فعلت العرب في الجارّ، ألا ترى أنّهم لم يجيزوا: من تضرب أمرّ، ولو قلت: بمن تمرّ أمرّ، كان جائزا؟ وعلى أنّهم قالوا:
على من تنزل أنزل عليه، فحذفوا الجارّ، وحسن ذلك لتقدّم ذكر الجارّ، وعلى هذا قول الشاعر:
إنّ الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوما على من يتّكل «2» لمّا ذكر على* وإن كانت زائدة في قول سيبويه حسن حذف الجارّ من الصلة، ولو لم يذكره لم يجز، وكذلك ما حكاه يونس، من قولهم: مررت برجل صالح إلّا صالح، فطالح، لمّا تقدّم ذكر الجارّ حسن ذلك، ولو لم يذكر الجارّ لم يكن هذا، وممّا يؤكّد قول حمزة والكسائي، وأن آيات* محمولة على إنّ ما ذكر من أنّه في قراءة «3» ثلاث لامات. وفي خلقكم وما يبث من دابة لآيات وكذلك الموضعان الآخران. فدخول اللّامات يدلّ على أنّ
__________
(1) سبق البيت ص 47 من هذا الجزء.
(2) البيت لبعض الأعراب استشهد به الفارسي في المسائل العسكرية ص 190.
انظر سيبويه في الكتاب 1/ 443، والخصائص 2/ 305، والمحتسب 1/ 281، والخزانة 4/ 252، والبيت من شواهد المغني وشرحه للبغدادي 3/ 241، 304.
(3) في الهامش: في أخرى: في قراءة أبي.
(6/171)
________________________________________
الكلام محمول على إن*، وإذا كان محمولا عليها حسن النصب على ما قرأ حمزة والكسائي، وصار كلّ موضع من ذلك كأن إن* مذكورة فيه، بدلالة دخول اللّام، لأنّ هذه اللّام إنّما تدخل على خبر إنّ، أو على اسمها، وممّا يجوز أن يتأوّل على ما ذكرنا في قوله: واختلاف الليل والنهار آيات قول الفرزدق:
وباشر راعيها الصّلا بلبانه وجنبيه حرّ النّار ما يتحرّف «1» فهذا إن حملت الكلام على ظاهره كان عطفا على عاملين على الفعل والباء، وإن قدّرت أن الياء ملفوظ بها لتقدّم ذكرها، صارت في حكم الثبات في اللّفظ، وإذا كان كذلك كان العطف على عامل واحد. وهو الفعل دون الجارّ، وكذلك قول الآخر:
أوصيت من برّة قلبا حرا بالكلب خيرا والحماة شرّا «2» إن قدّرت الجارّ في حكم المذكور بها بدلالة المتقدّم عليه لم يكن عطفا على عاملين كما لم يكن قوله: واختلاف الليل والنهار آيات كذلك وقد يخرج قوله: واختلاف الليل والنهار آيات وآيات من أن يكون عطفا على عاملين من وجه آخر، وهو أن تقدّر قوله: واختلاف الليل والنهار معطوفا على في* المتقدّم ذكرها،
__________
(1) انظر ديوانه 2/ 559، وفيه: وكفّيه بدل وجنبيه والبيت في المسائل العسكريات ص 163.
(2) البيت من رجز لأبي النجم في شرح أبيات المغني للبغدادي 3/ 372، والمسائل العسكريات ص 163.
(6/172)
________________________________________
ويجعل آيات متكررة كرّرتها لما تراخى الكلام وطال، قال بعض شيوخنا في قوله: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له [التوبة/ 63] إنّ أن له هي الأولى كررت، وكما جاء فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به [البقرة/ 89] لما تراخى عن قوله: ولما جاءهم كتاب من عند الله [البقرة/ 89] وهذا النحو من كلامهم ضيّق.
[الجاثية: 6]
اختلفوا في التاء والياء من قوله عزّ وجلّ: وآياته يؤمنون [الجاثية/ 6].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص والأعشى عن أبي بكر «1» وأبو عمرو يؤمنون بالياء.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: تؤمنون* بالتاء، وكذلك يحيى عن أبي بكر عن عاصم بالتاء أيضا «2».
حجّة من قرأ بالياء أنّ قبله غيبة، وهو قوله: لقوم يوقنون [الجاثية/ 4]، ومن حجّته أنّه قال: تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق [الجاثية/ 6] مخاطبة للنّبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يكون في خطابه: فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون [الجاثية/ 6] فإن قلت: إنّ في أوّل الكلام خطابا، وهو قوله: وفي خلقكم وما يبث من دابة [الجاثية/ 4] قيل: والغيبة التي ذكرنا أقرب إلى الحرف المختلف فيه، والأقرب إليه أولى أن يحمل عليه، والتّاء على: نتلوها عليك بالحق فقل لهم: بأي حديث بعد ذلك تؤمنون.
__________
(1) في السبعة زيادة عن عاصم، ولا حاجة لذكر عاصم لأنّه تقدّم ذكر رواية حفص عنه كما ترى في النص.
(2) السبعة ص 594.
(6/173)
________________________________________
[الجاثية: 14]
قال، قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: لنجزي قوما بالنون [الجاثية/ 14].
وقرأ الباقون بالياء «1».
حجّة الياء: أنّ ذكر الله عزّ وجلّ قد تقدّم في قوله: لا يرجون أيام الله [الجاثية/ 14] فيكون فاعل يجزي، ومن قرأه بالنون، فالنون في معنى الياء، وإن كانت الياء أشدّ مطابقة لما في اللّفظ.
[الجاثية: 11]
ابن كثير وعاصم في رواية حفص: من رجز أليم [الجاثية/ 11] رفع.
الباقون وأبو بكر عن عاصم: أليم* خفض «2».
قال أبو علي: الرجز: العذاب، بدلالة قوله: فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء [البقرة/ 59] وقوله: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك [الأعراف/ 134] وقال: فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه [الأعراف/ 135] وفي موضع آخر: فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم [الزخرف/ 50] فمعنى قول من جرّ فقال: لهم عذاب من رجز أليم*: لهم عذاب من عذاب أليم، فإذا كان عذابهم من عذاب أليم. كان عذابهم أيضا أليما وقوله: من رجز على صفة العذاب، لأنّه نكرة فيكون فيه ذكر منه، ومن قال: لهم عذاب من رجز أليم فرفع أليما، كان المعنى: لهم عذاب أليم من عذاب، وليس فائدته كذلك فالقول في ذلك أمران:
أحدهما: أنّ الصفة قد تجيء على وجه التأكيد، كما أنّ الحال قد
__________
(1) السبعة ص 594.
(2) السبعة ص 594.
(6/174)
________________________________________
تجيء كذلك، وذلك نحو ما روي من أنّه في بعض الحروف: نعجة أنثى، وقوله: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة [الحاقة/ 13] وقوله:
ومناة الثالثة الأخرى [النجم/ 20] وقولهم: أمس الدّابر، وأمس المدبر، قال:
وأبي الّذي ترك الملوك وجمعهم بصهاب هامدة كأمس الدّابر «1» والآخر: أن يحمل على الذي بمعنى الرّجس الذي هو النجاسة على البدل للمقاربة، ومعنى النجاسة فيه قوله: ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه [إبراهيم/ 16، 17] فكأنّ المعنى: لهم عذاب من تجرّع رجس، أو شرب رجس، فيكون من* تبيينا للعذاب ممّ هو.
[الجاثية: 21]
اختلفوا في الرفع والنصب من قوله: سواء محياهم ومماتهم [الجاثية/ 21] فقرأ الكسائي وحمزة وحفص عن عاصم: سواء نصبا. الباقون وأبو بكر عن عاصم سواء محياهم رفع «2».
قال أبو علي: ليس الوجه في الآية نصب سواء إذا نصبه على أن يجريه على ما قبله على حدّ قوله: مررت برجل هارب أبوه، وبرجل خارجا أخوه، لأنّه ليس باسم فاعل، ولا بما شبّه به من حسن وشديد ونحو ذلك، إنّما هو مصدر فلا ينبغي أن يجرى على ما قبله، كما
__________
(1) البيت أنشده الأصمعي ولم ينسبه، صهاب: اسم موضع. انظر الخصائص 2/ 267، واللسان (صهب) وقال فيه: وبين البصرة والبحرين عين تعرف بعين الأصهب.
(2) السبعة ص 595.
(6/175)
________________________________________
يجرى اسم الفاعل وما شبّه به، لتعرّيه من المعاني التي أعمل لها فاعل وما شبّه به عمل الفعل، ومن قال: مررت برجل خير منه أبوه، وبسرج خزّ صفته «1»، وبرجل مائة إبله، استجاز أن يجري سواء أيضا على ما قبله، كما أجرى الضرب الأوّل، فأمّا من قال: أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء [الجاثية/ 21] فنصب، فإنّ انتصابه يحتمل ثلاثة أضرب:
أحدهما: أن تجعل المحيا والممات بدلا من الضمير المنصوب في نجعلهم، فيصير التّقدير: أن نجعل محياهم ومماتهم سواء، فينتصب سواء على أنّه مفعول ثان لنجعل، ويكون انتصاب سواء على هذا القول حسنا، لأنّه لم يرفع مظهرا، ويجوز أيضا أن تجعل محياهم ومماتهم ظرفين من الزمان، فيكون كذلك أيضا. ويجوز أن يعمل في الظرف أحد شيئين أحدهما: ما في سواء من معنى الفعل، كأنّه يستوي في المحيا والممات، والآخر: أن يكون العامل الفعل، ولم نعلم الكوفيّين الذين نصبوا سواء نصبوا الممات، فإذا لم ينصبوه كان النصب في سواء على غير هذا الوجه، وغير هذا الوجه لا يخلو من أن ينتصب على أنّه حال، أو على أنّه المفعول الثاني لنجعل، وعلى أيّ الوجهين
حملته، فقد أعملته عمل الفعل، فرفعت به المظهر، فإن جعلته حالا أمكن أن تكون الحال من الضمير في تجعلهم ويكون المفعول الثاني قوله كالذين آمنوا فإذا جعلت قوله: الذين آمنوا المفعول الثاني أمكن أن يكون سواء منتصبا على الحال ممّا في قوله: كالذين آمنوا من معنى الفعل، ويكون ذو الحال الضمير
__________
(1) صفّة الرحل والسرج: التي تضم العرقوتين والبدادين من أعلاهما وأسفلهما (اللسان صفف).
(6/176)
________________________________________
المرفوع في قوله: كالذين آمنوا، وهذا الضمير يعود إلى الضمير المنصوب في نجعلهم، فانتصابه على الحال من هذين الوجهين، ويجوز أن لا تجعل قوله: كالذين آمنوا المفعول الثاني، ولكن تجعل المفعول الثاني قوله: سواء محياهم ومماتهم، فيكون جملة في موضع نصب بكونها في موضع المفعول الثاني لنجعل، ويجوز فيمن قال: مررت برجل مائة إبله، فأعمل المائة عمل الفعل أن ينصب سواء على هذا الوجه أيضا ويرتفع به المحيا، كما جاز أن يرتفع إذا قدّرت الجملة في موضع الحال، والحال في الجملة التي هي «1» سواء محياهم ومماتهم تكون من تجعل* وتكون ممّا في قوله:
كالذين آمنوا من معنى الفعل، وقد قيل في الضمير في قوله:
محياهم ومماتهم قولان:
أحدهما: أنّه ضمير الكفّار دون الذين آمنوا، وقيل: إنّه ضمير للقبيلين المؤمن والكافر، فمن جعل الضمير للكفّار دون المؤمنين كان سواء* على هذا القول مرتفعا بأنّه خبر ابتداء مقدّم تقديره: محياهم ومماتهم سواء، أي: محياهم محيا سوء، ومماتهم كذلك، ولا يكون النصب على هذا في سواء، لأنّه إثبات في الإخبار بأنّ محياهم ومماتهم يستويان في الذّم والبعد من رحمة الله.
والقول الآخر: أنّ الضمير في محياهم ومماتهم للقبيلين، فإذا كان كذلك جاز أن ينتصب سواء على المفعول الثاني من تجعل* فيمن استجاز أن يعمله في الظاهر، لأنّه ملتبس بالقبيلين جميعا، وليس في الوجه الأوّل كذلك، لأنّه للكفّار دون المؤمنين، فلا يلتبس بالمؤمنين من حيث كان للكفّار دونهم، ولا يجوز أن ينتصب سواء وإن
__________
(1) في الأصل بياض والأرجح أن تكون الكلمة كما أثبتناها.
(6/177)
________________________________________
كان الضمير في نجعلهم للكفّار خاصة، وفي محياهم ومماتهم كذلك، لأنّه يلزم أن يكون داخلا في الحسبان وليس المعنى كذلك إنما المعنى على القطع والثبات باستواء محيا الكفّار ومماتهم، فإن قلت: كيف يدخل في الحسبان وهو في صلة أن نجعلهم؟ قيل: إنّه يدخل في الحسبان، وإن كان في صلة أن نجعل كما دخل في النفي قوله: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم [البقرة/ 105] فكما دخل أن ينزل في النفي بدلالة دخول من في قوله: من خير من ربكم وإن كان النفي لا حقا ليودّ، كذلك يدخل سواء إذا نصبت في الحسبان، لأنّه في صلة أنّ الذي وقع عليه الحسبان، كما دخل قوله: من خير من ربكم في النفي، لأنّه مفعول النفي، فكذلك سواء مفعول نجعل الذي وقع عليه الحسبان، وليس المراد إدخاله في الحسبان إنّما المراد الإثبات والإعلام باستواء محياهم ومماتهم في السوء، والذّم، وإذا كان كذلك لم يكن فيه إلا الرفع، ويكون على هذا الوجه قوله: كالذين آمنوا وعملوا الصالحات في موضع المفعول الثاني، وسواء محياهم استئناف ولا يكون في موضع حال من قوله: كالذين آمنوا، لأنّه لا يلتبس بهم، ألا ترى أن الضمير على هذا القول للكفّار خاصة دون المؤمنين؟ قال سيبويه: وما كان من النكرة رفعا غير صفة فهو في المعرفة كذلك، وتلا الآية، يريد أنه إذا لم يعمل عمل الفعل إذا جرى على النكرة نحو مررت برجل سواء أبوه وأمه، فهو في المعرفة كذلك في أنّه لا يعمل عمل الفعل في الظاهر، وهذا يدلّ على أنّه جعل قوله: سواء محياهم ومماتهم، ملتبسا لما قبله إلّا أنّه لم يجره عليه من حيث لم يشبه اسم الفاعل ولا ما شبّه به
(6/178)
________________________________________
[الجاثية: 23]
وقرأ حمزة والكسائي غشوة [الجاثية/ 23] بغير ألف وقرأ الباقون: غشاوة بألف «1».
وغشوة قراءة الأعمش فيما زعموا، وحكي فيها: غشوة، وغشوة، وغشوة، وحكى أبو الحسن: غشاوة* بضمّ الغين.
وقراءة الجمهور: غشاوة بكسر الغين.
[الجاثية: 35]
وقرأ حمزة والكسائي: فاليوم لا يخرجون [الجاثية/ 35] بفتح الياء وضمّ الراء.
وقرأ الباقون: لا يخرجون بضمّ الياء وفتح الراء «2».
حجّة من فتح قوله: يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها [المائدة/ 37] وفي أخرى: وما هم بخارجين من النار [البقرة/ 167]. وحجّة من ضمّ الياء: ربنا أخرجنا منها [المؤمنون/ 197] ويقويه قوله: ولا هم يستعتبون [الجاثية/ 35] فكما أنّ الفعل فيه مبني للمفعول، فكذلك المعطوف عليه ليكون وجها واحدا.
[الجاثية: 32]
قرأ حمزة وحده: والساعة لا ريب فيها [الجاثية/ 32] نصبا.
وقرأ الباقون: والساعة لا ريب فيها «3».
قال أبو علي: الرفع الذي هو قراءة الجمهور في الساعة من وجهين:
__________
(1) السبعة ص 595.
(2) السبعة ص 595.
(3) السبعة ص 595.
(6/179)
________________________________________
أحدهما: أن تقطعه من الأوّل، فتعطف جملة.
والآخر: أن يكون المعطوف محمولا على موضع إنّ وما عملت فيه، وموضعهما رفع.
ويحتمل وجها ثالثا وهو أن تعطفه على الضمير في المصدر إلّا أنّ هذا يحسن إذا أكّد نحو: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم [الأعراف/ 27] فإذا لم يؤكّد لم تحمل عليه القراءة.
وأمّا قوله: ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى [النجم/ 6، 7]، فإنّ قوله: وهو بالافق الأعلى يرتفع هو فيه بالابتداء وليس هو من باب: استوى زيد وعمرو، إذا أردت استويا، ولو كان منه لكان استوى هو وهو، وكان قوله: بالأفق ظرفا للاستواء، وليس كذلك، ولكنّه استوى الذي يقتصر فيه على فاعل واحد كقوله: ولما بلغ أشده واستوى [القصص/ 14]، والرحمن على العرش استوى [طه/ 5] فقوله: بالأفق تأويلنا في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ، وفيه ضمير للمبتدإ، فقد تبيّنت أنّه لا دلالة لمن احتجّ بهذه الآية على جواز عطف الظّاهر المرفوع على المضمر المرفوع من غير أن يؤكّد، ولكن يجيء في الشعر كقوله:
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى كنعاج الملا تعسّفن رملا «1»
__________
(1) البيت لعمر بن أبي ربيعة قاله في جارية له تسمى حمدة.
الزهر: جمع زهراء وهي البيضاء المشرقة، والتهادي: المشي الرويد الساكن، والنعاج: بقر الوحش، شبّه النساء بها في سكون المشي فيه، ومعنى تعسفن: ركبن، وإذا مشت في الرمل كان أسكن لمشيها لصعوبة
(6/180)
________________________________________
ومن نصب فقال: والساعة* حمله على لفظ إن* مثل: إنّ زيدا منطلق وعمرا قائم، وموضع قوله: لا ريب فيها رفع بأنّه في موضع خبر إنّ، وقد عاد الذكر إلى الاسم فكأنّه قال: والساعة حق لأنّ قوله:
لا ريب فيها في معنى حقّ.
قال أبو الحسن: الرفع أجود في المعنى، وفي كلام العرب، وأكثر إذا جاء بعد خبر إنّ اسم معطوف، أو صفة أن يرفع، قال: وقد قرئت نصبا وهي عربية، ويقوّي ما ذهب إليه أبو الحسن قوله: إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين [الأعراف/ 128] والعاقبة لم تقرأ فيما علمت إلّا مرفوعة.
__________
المشي فيه، والملا: الفلاة الواسعة، ديوانه ص 498، وانظر الكتاب 1/ 390، والخصائص 2/ 386.
(6/181)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الأحقاف
[الاحقاف: 15]
اختلفوا في قوله: بوالديه إحسانا وحسنا* [15] فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: إحسانا بألف.
وقرأ الباقون: حسنا* بغير ألف «1».
قال أبو علي: الباء في قوله: بوالديه يجوز أن يتعلق بوصينا، بدلالة قوله: ذلكم وصاكم به [الأنعام/ 151] ويجوز أن تتعلق بالإحسان، يدلّ على ذلك قوله: وقد أحسن بي إذا أخرجني من السجن [يوسف/ 100] ولا يجوز أن تتعلق الباء في الآية بالإحسان لتقدّمها على الموصول، ولكن يجوز أن تعلقها بمضمر يفسره الإحسان، كما جاز ذلك في الفعل في نحو: وكانوا فيه من الزاهدين [يوسف/ 20] ومثل ذلك:
كان جزائي بالعصا أن أجلدا «2»
__________
(1) السبعة ص 596.
(2) هذا رجز للعجّاج، سبق في 4/ 343 وهو في شرح الأبيات المشكلة الإعراب (المسمى بإيضاح الشعر) للمؤلف ص 119 و 396 و 438.
(6/182)
________________________________________
في قول من لم يعلّقه بالجزاء، ألا ترى أن الجزاء يتعلق بالباء في نحو قوله: إني جزيتهم اليوم بما صبروا [المؤمنون/ 111] ولكن في قول من علّقه بمضمر يبيّنه: أن أجلدا: والإحسان خلاف الإساءة، والحسن خلاف القبح، فمن قال: إحسانا كان انتصابه على المصدر، وذلك أنّ معنى قوله: ووصينا الإنسان بوالديه: أمرناه بالإحسان، أي: ليأتي الإحسان إليهما دون الإساءة، ولا يجوز أن يكون انتصابه بوصّينا، لأنّ وصّينا قد استوفى مفعوليه اللّذين أحدهما منصوب، والآخر المتعلق بالياء وحجّته قوله في الأنعام: وبالوالدين إحسانا [151].
ومن قال: بوالديه حسنا فمعناه: ليأت في أمرهما أمرا ذا حسن، أي: ليأت الحسن في أمرهما دون القبح، وحجّته ما في العنكبوت: ووصينا الإنسان بوالدين حسنا [8].
[الاحقاف: 12]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله: لينذر الذين ظلموا [الأحقاف/ 12].
فقرأ ابن كثير فيما قرأت على قنبل، وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: لينذر بالياء.
وقرأ نافع وابن عامر: لتنذر* بالتاء. وأخبرني إسحاق بن أحمد الخزاعي عن ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير: لتنذر* بالتاء «1».
حجّة التاء: إنما أنت منذر من يخشاها [النازعات/ 45] وإنما أنت منذر ولكل قوم هاد [الرعد/ 7] وإنما أنذركم بالوحي [الأنبياء/ 45] ولتنذر به وذكرى [الأعراف/ 2].
__________
(1) السبعة ص 596.
(6/183)
________________________________________
وحجّة الياء قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] وقد تقدّم ذكر الكتاب، فأسند الإنذار إلى الكتاب، كما أسنده إلى الرّسول عليه السلام.
[الاحقاف: 15]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: كرها* وكرها* [الأحقاف/ 15] نصبا.
وقرأ الباقون: كرها بضمّ الكاف في الحرفين «1».
الكره: كأنه المصدر، والكره: الاسم، كأنّه الشيء المكروه، وقال: كتب عليكم القتال وهو كره لكم [البقرة/ 216] فهذا بالضّمّ، وقال: أن ترثوا النساء كرها [النساء/ 19] فهذا في موضع حال، ولم يقرأ- زعموا- بغير الفتح، فعلى هذا ما كان مصدرا أو في موضع حال الفتح فيه أحسن، وما كان اسما نحو: ذهب به على كره، كان الضّمّ فيه أحسن، وقد قيل: إنّهما لغتان، فمن ذهب إلى ذلك جعلهما مثل الشّرب والشّرب، والضّعف والضّعف، والفقر والفقر، ومن غير المصادر: الدفّ والدفّ، والشّهد والشّهد.
[الاحقاف: 16]
اختلفوا في الياء والنون من قوله: أولئك الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم [الأحقاف/ 16] فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر، وأبو عمرو وابن عامر: يتقبل عنهم، ويتجاوز بالياء جميعا.
وقرأ حمزة والكسائي: نتقبل ونتجاوز بالنون جميعا، حفص عن عاصم بالنون مثل حمزة فيهما «2».
__________
(1) السبعة ص 596.
(2) السبعة ص 597.
(6/184)
________________________________________
حجة من قال: يتقبل عنهم: أنّ الفعل وإن كان مبنيا للمفعول، فمعلوم أنّه لله عزّ وجلّ، كما جاء في الأخرى: إنما يتقبل الله من المتقين [المائدة/ 27] وتقبل دعائي [إبراهيم/ 40]، ونحو هذا الفعل الذي هو لله سبحانه، ولم يكن لغيره، كان بناؤه للمفعول في العلم بالفاعل كبنائه للفاعل، كقوله: إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الأنفال/ 38] والفعل معلوم أنّه لله سبحانه وإن بني للمفعول، ألا ترى أنّه قد جاء في الأخرى: ومن يغفر الذنوب إلا الله [آل عمران/ 135] فيغفر ويغفر في هذا يفهم من كلّ واحد منهما ما يفهم من الآخر، وعلى هذا جاء: فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر [المائدة/ 27] ثم جاء إنما يتقبل الله من المتقين [المائدة/ 27] وكذلك: يتقبل عنهم [الأحقاف/ 16].
وحجّة من قال: نتقبل ونتجاوز بالنون أنّه قد تقدّم الكلام:
ووصينا الإنسان [الأحقاف/ 15] وكلاهما حسن، ألا ترى أنّه قد قال: فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال إنما يتقبل الله من المتقين.
[الاحقاف: 17]
وقرأ نافع وحفص عن عاصم: أف لكما [الأحقاف/ 17] خفض منوّن.
ابن كثير وابن عامر أف لكما نصب [غير منون].
أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: أف لكما خفض غير منوّن «1».
قال أبو علي: من نوّن فقال: أف جعله نكرة مثل: غاق
__________
(1) السبعة ص 597.
(6/185)
________________________________________
وصه، ونحو ذلك من الأصوات، وهذا التنوين في الصوت دليل التنكير، ومن لم ينون جعله معرفة، كأنّه في المعنى: الصوت الذي يعرف، وكلّ واحد من الكسر والفتح، إنّما هو لالتقاء الساكنين، فأمّا التنوين فدليل التنكير، وحذفه دليل التعريف، وقد تقدّم ذكر ذلك.
[الاحقاف: 19]
اختلفوا في النّون والياء من قوله عزّ وجلّ: ولنوفيهم أعمالهم [الأحقاف/ 19] فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو: وليوفيهم بالياء.
وقرأ الباقون: ولنوفيهم بالنون «1».
حجّة الياء أنّه قد تقدّم: وهما يستغيثان الله [الأحقاف/ 17] والنون في معنى في الياء، ومثله قوله: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] ثمّ جاء: لنريه من آياتنا [الإسراء/ 1].
[الاحقاف: 25]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله: فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم [الأحقاف/ 25] ورفع النون من قوله: مساكنهم ونصبها.
فقرأ حمزة وعاصم: لا يرى إلا مساكنهم برفع النون والياء.
وقرأ الباقون: لا ترى بالتاء إلا مساكنهم بنصب النون «2».
قال أبو علي: تذكير الفعل في قراءة عاصم وحمزة: لا يرى إلا مساكنهم حسن، وهو أحسن من إلحاق علامة التأنيث الفعل، من أجل جمع المساكن، وذلك أنّهم جعلوا الكلام في هذا الباب على المعنى فقالوا، ما قام إلّا هند، ولم يقولوا: ما قامت، لمّا كان المعنى
__________
(1) السبعة ص 597 - 598.
(2) السبعة ص 598.
(6/186)
________________________________________
ما قام أحد حملوا على هذا المعنى، فإن كان المؤنث يرتفع بهذا الفعل، فالتأنيث فيه لم يجيء إلّا في شذوذ وضرورة فيما حكاه الأخفش، فمن ذلك قوله:
برى النّحز والأجرال ما في غروضها فما بقيت إلّا الضلوع الجراشع «1» وقال:
كأنّه جمل وهم فما بقيت إلّا النّحيزة والألواح والعصب «2» فيما حكاه أبو الحسن، والحمل على المعنى كثير، من ذلك قوله: أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر [الأحقاف/ 33] فأدخل الباء لمّا كان في معنى: أو ليس الذي خلق السّماوات والأرض بقادر، ومثل ذلك في الحمل على المعنى:
بادت وغيّر آيهنّ مع البلى إلّا رواكد جمرهنّ هباء «3» ثمّ قال:
ومشجج أمّا سواء قذاله «3»
__________
(1) البيت لذي الرّمّة، سبق في 4/ 370.
(2) البيت لذي الرّمة، سبق في 4/ 370.
(3) سبق البيتان في 5/ 313 و 314 منسوبين لذي الرمة أو للشماخ في ملحقات ديوانهما.
(6/187)
________________________________________
لمّا كان: «غيّر آيهنّ مع البلى/ إلّا رواكد» معناه: بها رواكد، حمل مشجج على ذلك، وكذلك قوله عزّ وجلّ: يطاف عليهم بكأس من معين [الصافات/ 45] «1» ثم قال: وحور عين [الواقعة/ 22] لمّا كان يطاف عليهم بكذا معناه لهم فيها كذا، وقالوا: إنّ أحدا لا يقول ذاك إلّا زيد، فأدخل أحدا في الواجب لمّا كان معنى الكلام النفي، ومثله قبل دخول إن قوله:
إذن أحد لم تنطق الشفتان «2» فإنما دخل إنّ على أحد ودخولها يدلّ على أنّه رفعه بالابتداء دون الفعل الذي يفسّره «لم تنطق» وهذا الضرب كثير، وإنّما ينكره من لا بصر له بهذا اللّسان.
ومن قرأ: لا ترى إلا مساكنهم كان الفعل لك أيها المخاطب، والمساكن مفعول بها، وترى في القراءتين جميعا من رؤية العين، المعنى: لا تشاهد شيئا إلّا مساكنهم كأنها قد زالت عمّا كانت عليه من كثرة الناس بها، وما يتبعهم ممّا يقتنونه.
[الاحقاف: 20]
قال: وقرأ ابن كثير: أاذهبتم [الأحقاف/ 20] بهمزة مطوّلة.
وقرأ ابن عامر: أأذهبتم بهمزتين.
__________
(1) الظاهر أنه التبس على المصنف هنا آية الصافات هذه بآية الواقعة وهي: (يطوف عليهم ولدان مخلدون .. ) الآية 17، وهي التي يأتي بعدها (وحور عين) كما أورد.
(2) البيت من قصيدة للفرزدق أبياتها سبعة وأربعون بيتا، يصف فيها الشاعر صنيعه ليلا بالذئب، وقراه له، ورواية البيت في الديوان:
ولو سألت عني النوار وقومها إذا لم توار الناجذ الشّفتان انظر ديوانه 2/ 330 والمسائل البصريات ص 561
(6/188)
________________________________________
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أذهبتم على الخبر «1».
قول أحمد: بهمزة مطوّلة، المعنى بهمزتين: الأولى محقّقة، والثانية مخففة بين بين.
وجه الاستفهام أنّه قد جاء هذا النحو بالاستفهام نحو: أليس هذا بالحق [الأحقاف/ 34] وقال: فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم [آل عمران/ 106] وحجّة الخبر أنّ الاستفهام تقرير فهو مثل الخبر، ألا ترى أنّ التقرير لا يجاب بالفاء، كما يجاب بها إذا لم يكن تقريرا؟ فكأنّهم يوبّخون بهذا الذي يخيّرون به، ويبكّتون. والمعنى في القراءتين: يقال لهم هذا فحذف القول كما حذف في نحو قوله: فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم [آل عمران/ 106]
__________
(1) السبعة ص 598.
(6/189)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم
[محمد: 4]
قال: قرأ أبو عمرو وحده «1»: والذين قتلوا في سبيل الله [4] بضمّ القاف وكسر التاء وكذلك روى حفص عن عاصم.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: والذين قاتلوا بالألف «2».
قال أبو علي: الذين قاتلوا أعمّ من قتلوا ألا ترى أنّ الذي قاتل ولم يقتل لم يضلّ عمله، كما أنّ الذي قتل كذلك؟ فإذا كان قاتلوا* يشتمل القبيلين، وقد حصل للمقاتل الثواب في قتاله، كما حصل للمقتول كان لعمومه أولى، ومن قال: قتلوا حصر ذلك على المقتولين، فله أن يقول إنّ المقتول لا يقتل حتى يكون منه مقاتلة في أكثر الأمر، وإن كان كذلك فقد جعل في قتلوا ما في قاتلوا*.
[محمد: 15]
قال: قرأ ابن كثير وحده: من ماء غير أسن [محمد/ 15] مقصور على وزن فعل، وفي كتابهم مفتوحة الألف لم يذكروا مدّا ولا غيره «3».
__________
(1) في السبعة: قرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم.
(2) السبعة ص 600.
(3) السبعة ص 600.
(6/190)
________________________________________
قال أبو زيد: يقال: أسن الماء يأسن أسنا إذا تغير، وأسن الرجل يأسن أسنا، إذا غشي عليه من ريح خبيثة، وربّما مات منها. وأنشد:
التارك القرن مصفرّا أنامله يميل في الرمح ميل المائح الأسن «1» وقال أبو عبيدة: الأسن: المتغيّر الريح «2».
حجّة ابن كثير في قراءته: أسن على فعل أنّ اسم الفاعل من فعل يفعل على فعل وقد ثبت ذلك مع كثرته وفشوّه ممّا حكاه أبو زيد.
ومن حجّته: أنّهم زعموا أنّه كما كان في المصحف أو بعض المصاحف من ماء غير يسن بالياء. وهذا إنّما هو على تخفيف الهمزة، وهو في المنفصل نظير: مير، وذيب في المتصل.
وقال أبو الحسن: أسن لغة، وفعل إنّما هي للحال التي يكون عليها.
فأمّا من قال: غير أاسن على فاعل، فإنّما يريد أن ذلك لا يصير إليه فيما يستقبل، فهو من باب: بعيرك صائد غدا.
__________
(1) البيت لزهير بن أبي سلمى. انظر ديوانه/ 121، وفيه: «يغادر» بدل «التارك» مصفرا أنامله: دنا موته فاصفرّت أنامله. الأسن: الذي يغشى عليه من ريح البئر المنتنة. المائح: الذي ينزل إلى أسفل البئر يملأ الدلو إذا قلّ الماء.
يميل في الرمح: أي يميل والرمح فيه. والبيت أنشده أبو زيد في كتاب الهمز ص 30 برواية الفارسي كما هنا وهو من شواهد البغدادي في شرح أبيات المغني 4/ 109 وصدر البيت من شواهد النحو، وقد
تعاوره عدد من الشعراء. تناولها البغدادي عند شرحه للشاهد: قد أترك القرن مصفرا أنامله ... 4/ 103 إلى 110 وهو ممتع، وقد استوفي تخريجه هناك.
(2) مجاز القرآن 20/ 215.
(6/191)
________________________________________
[محمد: 16]
قال: قرأ ابن كثير وحده: ماذا قال أنفا [محمد/ 16] قصرا فيما أخبرني به مضر بن محمد عن البزّي. وقرأت على قنبل أيضا ممدود.
وكذلك قرأ الباقون: آنفا ممدودة أيضا «1».
قال أبو زيد: ائتنفت الكلام ائتنافا وابتدأته ابتداء وهما واحد.
وأنشد أبو زيد:
وجدنا آل مرّة حين خفنا جريرتنا هم الأنف الكراما «2» ويسرح جارهم من حيث أمسى كأن عليه مؤتنفا حراما قال السكري: الأنف الذين يأنفون من احتمال الضّيم، فقال أبو علي: فإذا كان كذا فقد جمع فعلا على فعل، لأنّ واحد أنف أنف، بدلالة قول الشاعر:
وحمّال المئين إذا ألمّت بنا الحدثان والأنف النّصور «3»
__________
(1) السبعة ص 600.
(2) البيتان لرجل من بكر بن وائل جاهلي ومتوجه بثالث في شرح أبيات المغني 5/ 15 عن أبي زيد في أول نوادره ص 153 وهي ثلاثة في النوادر والبيت الأول:
فلا تشلل يد فتكت بعمرو فإنّك لن تذلّ ولن تضاما وهذا البيت من شواهد المغني، وقد استوفى شرحها البغدادي. رحمه الله.
(3) والبيت قبله آخر وهو:
(6/192)
________________________________________
فشبّه الصّفة بالاسم، فكسّرها تكسيره، وقد قالوا في جمع نمر:
نمر، أنشد سيبويه:
فيه عياييل أسود ونمر «1» وليس الأنف والأنف في البيتين ممّا في الآية في شيء لأنّ ما في الشعر: من الأنفة. وما في الآية: من الابتداء ولم يسمع أنف في معنى ابتداء، وإن كان القياس يوجبه، وقد يجيء اسم الفاعل على ما لم يستعمل من الفعل نحو: فقير جاء على فقر، والمستعمل: افتقر، وكذلك شديد المستعمل: اشتد، فكذلك قوله: آنفا، المستعمل ائتنف، فأمّا قوله:
كأنّ عليه مؤتنفا حراما «2» فالمعنى: كأنّ عليه حرمة شهر مؤتنف حرام، فحذف وأقام الصّفة مقام الموصوف، فالتّقدير: إنّ جارهم لعزّهم ومنعتهم لا يهاج ولا يضام، فهو كأنّه في حرمة شهر حرام، وكانوا لا يهيجون أحدا في الشهر الحرام، ومن ثم سمّي رجب: منصل الأسنّة، والشهر الأصمّ،
__________
ألا هلك الشهاب المستنير ومدرهنا الهمام إذا نغير والبيتان أنشدهما الفارسي في كتابه شرح الأبيات المشكلة الإعراب ص 570، وهما في معاني القرآن للفرّاء 1/ 129، ومجالس ثعلب ص 421، والإنصاف ص 766 والبيت في اللسان (حدث) عن الفارسي، والأمالي الشجرية 1/ 106، وقد تحرّفت في شرح الأبيات المشكلة: الأنف إلى الألف.
(1) رجز لم يعرف قائله انظر الكتاب 2/ 179 وعياييل: جمع عيال، وهو الذي يتمايل في مشيته لعبا.
(2) سبق قريبا.
(6/193)
________________________________________
أي: لا يسمع فيه قعقعة السّلاح، فأمّا قوله:
ويأكل جارهم أنف القصاع «1» فإنّه يريد: أنّهم يؤثرون ضيفهم بأفضل الطعام وجيّده، فيطعمونه أوله لا البقايا، وما أتي على نقاوته «2»، فهذا جمع على أنف، مثل بازل وبزل وقاتل وقتل، فإذا كان كذلك قوّى قراءة من قرأ:
ماذا قال آنفا.
وأمّا ما روي عن ابن كثير من قوله آنفا، فيجوز أن يكون توهّمه مثل حاذر وحذر، وفاكه وفكه والوجه الرواية الأخرى آنفا بالمدّ كما قرأه عامّتهم.
[محمد: 25]
قال: وقرأ أبو عمرو: وأملي لهم* [محمد/ 25] بضمّ الألف، وكسر اللّام وفتح الياء.
والباقون: وأملى بفتح الألف واللّام «3».
قال أبو علي: انتظرته مليا من الدّهر، أي: متّسعا منه، فهو صفة استعمل استعمال الأسماء، وقالوا: تمليت حبيبا، أي: عشت معه ملاوة وملاوة من الدّهر، قال التّوّزيّ: ملاوة وملاوة وملاوة، والملا:
المتّسع من الأرض قال:
__________
(1) عجز بيت للحطيئة صدره:
ويحرم سرّ جارتهم عليهم انظر ديوانه/ 62، واللسان (أنف).
(2) النقاوة من الشيء: خياره وخلاصته. وعكسه النقاية- بالياء- (الوسيط).
(3) السبعة ص 600.
(6/194)
________________________________________
ألا غنّياني وارفعا الصّوت بالملا «1» وقال آخر:
وأنضو الملا بالشّاحب المتشلشل «2» وقالوا: الملوان: يريدون بها تكرّر اللّيل والنّهار، وكثرة تردّدهما، وطول مدتهما، قال:
نهار وليل دائم ملواهما على كلّ حال المرء يختلفان «3» فلو كان اللّيل والنّهار لم يضافا إلى ضميرهما من حيث لا يضاف الشيء إلى نفسه، ولكن كأنّه يراد تكرّر الدّهر والساعة بهما.
والملاءة، الهمزة فيها منقلبة عن حرف لين بدلالة سقوطها في التّحقير، روينا في تحقيرها مليّتين، ولو كانت الهمزة لاما لم تسقط، ويشبه أن تكون لزيادة عرضها على عرض الشّفة، والضمير في أملي لاسم الله عزّ وجلّ، كما قال في أخرى: وأملي لهم إن كيدي متين [الأعراف/ 183] وأنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] وإنما نملي لهم ليزدادوا إثما [آل عمران/ 178].
__________
(1) صدر بيت وعجزه:
فإنّ الملا عندي يزيد المدى بعدا اللسان (ملا) ولم يعزه.
(2) عجز بيت لتأبط شرّا صدره:
ولكنني أروي من الخمر هامتي انظر اللسان (ملا) و (شلل) والمتشلشل: الرجل الخفيف المتخدّد القليل اللحم.
(3) البيت في اللسان (ملا) ولم يعزه.
(6/195)
________________________________________
فأمّا قراءة أبي عمرو: وأملي لهم*، فبناء الفعل للمفعول به حسن في هذا الموضع للعلم بأنّه لا يؤخر أحد مدة أحد، ولا يوسع له فيها إلّا الله سبحانه.
قال أبو الحسن: هي حسنة في المعنى، وليس ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
فآليت لا أشريه حتّى يملّني بشيء ولا أملاه حتّى يفارقا «1» من هذا الباب، ولكن لا أملاه: لا أمله، فأبدل من التضعيف حرف العلّة كما أبدل في قوله: وقد خاب من دساها [الشمس/ 10] ونحو ذلك، ممّا يكثر، وكذلك قوله: فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [الفرقان/ 5] هو بدل من التضعيف، وفي موضع آخر: أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل [البقرة/ 282].
وليس من هذا الباب قولهم: رجل ملي، إنّما هو على تخفيف الهمزة، والهمزة الأصل، قالوا: ملؤ الرجل ملاءة إذا أيسر، ومن هذا اللّفظ: ملأت الإناء مل ءا، ومنه أيضا: رجل مملوء: للمزكوم، وبه ملاءة.
[محمد: 26]
اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله: والله يعلم أسرارهم [محمد/ 26] فقرأ حمزة والكسائي وحفص: إسرارهم بكسر الألف.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: أسرارهم، بفتح الألف «2»
__________
(1) سبق في 208.
(2) السبعة ص 601.
(6/196)
________________________________________
حجة من قال: إسرارهم أنّه لمّا كان مصدرا أفرده، ولم يجمع، ويقوّي الإفراد قوله: ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم [التوبة/ 78] فكما أفرد السّر ولم يجمع، كذلك قال: إسرارهم، والدليل على الإسرار قوله: يعلم ما يسرون وما يعلنون [النحل/ 23] ويعلم ما يخفون وما يعلنون [النمل/ 25].
ومن قال: أسرارهم بفتح الهمزة، جعله جمع سرّ كقولهم:
عدل وأعدال، وكأنّه جمع لاختلاف ضروب السرّ، وجميع الأجناس يحسن جمعها مع الاختلاف، وجاء سرّهم في قوله: يعلم سرهم [التوبة/ 78] على ما عليه معظم المصادر، وأنّه يتناول جميع ضروبه، فأفرد مرة وجمع أخرى، وقد جمع في غير هذا وأفرد كقوله: الذين يؤمنون بالغيب [البقرة/ 3] والغيب الذي يؤمنون به ضروب: كالبعث
والنشور، وإتيان الساعة، فأوقع الغيب على هذه الأشياء وغيرها، وجمع أيضا في قوله: إن الله علام الغيوب [التوبة/ 78]، فكذلك السرّ أفرد في موضع، وجمع في آخر.
[محمد: 31]
قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: وليبلونكم حتى يعلم المجاهدين ... ويبلو [محمد/ 31] ثلاثتهنّ بالياء.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم ثلاثتهنّ بالنون «1».
وجه قراءة عاصم أنّ قبله: والله يعلم أعمالكم [محمد/ 30] واسم الغيبة أقرب إليه من لفظ الجمع، فحمل على الأقرب، ووجه النّون في ولنبلونكم حتى نعلم [محمد/ 31] أنّ قبله: ولو نشاء
__________
(1) السبعة ص 601.
(6/197)
________________________________________
لأريناكهم [محمد/ 30] فإمّا أن يكون جعل قوله عزّ وجلّ: والله يعلم أعمالكم كالاعتراض وحمل الكلام على ولو نشاء أو يكون عاد إلى لفظ الجمع بعد لفظ الإفراد فيكون كقوله: وآتينا موسى الكتاب [الإسراء/ 2] بعد قوله: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1].
[محمد: 35]
قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم: وتدعوا إلى السلم [محمد/ 35] مفتوحة السين.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة بكسر السين السلم «1».
السّلم والاستسلام والسّلم: من أسلم، كالعطاء من أعطى، والثبات من أثبت. قال: ادخلوا في السلم كافة [البقرة/ 208] ويجوز أن يكون السّلم في الإسلام يراد به الصلح على أن يكون معنى أسلم: صار ذا سلم وخرج من أن يكون حربا للمسلمين، وفيه لغتان:
السّلم والسّلم، وقال أبو إسحاق: والسّلم أيضا والسّلم الذي هو الصلح يذكّر ويؤنث، فمن التأنيث قوله: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها [الأنفال/ 61]. وقال الشاعر «2»:
فإنّ السّلم زائدة نوالا وإنّ نوى المحارب لا تئوب وقالوا: سالمته مسالمة، ولم نعلم الفعل جاء منه على مثال فعل. قال:
__________
(1) السبعة ص 601.
(2) لم نعثر على قائله.
(6/198)
________________________________________
تبين صلاة الحرب منّا ومنهم إذا ما التقينا والمسالم بادن «1» المعنى: لا تدعوا إلى السلم، لا توادعوهم ولا تتركوا قتالهم حتى يسلموا لأنّكم الأعلون، فلا ضعف بكم فتدعوا إلى الموادعة.
[محمد: 38]
عليّ بن نصر عن أبي عمرو: ها أنتم [محمد/ 38] مقطوعة ممدودة، وقد ذكر ذلك في آل عمران [66]، وهذا خلاف قراءة أبي عمرو «2».
وقد ذكرنا ذلك في سورة آل عمران «3».
__________
(1) سبق في 2/ 294.
(2) السبعة ص 602.
(3) انظر 3/ 46.
(6/199)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الفتح
[الفتح: 9]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروه ويوقروه ويسبحوه [9] أربعتهنّ بالياء «1».
حجّة الياء أنّه لا يقال: لتؤمنوا بالله ورسوله. وهو الرسول فإذا لم يسهل ذلك كانت القراءة بالياء ليؤمنوا*.
ومن قرأ بالتاء فعلى قوله: قل لهم: إنا أرسلناك شاهدا [الفتح/ 8] ... لتؤمنوا بالله [الفتح/ 9].
[الفتح: 6]
قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: دائرة السوء* [6] بضمّ السّين.
الباقون: السوء «2».
قال أبو علي: من قال: عليهم دائرة السوء ففتح، فالمعنى عليهم دائرة السّوء، كما ظنّوا ظنّ السّوء، وفي أخرى: وظننتم ظن السوء [الفتح/ 12] وظنّهم ظنّ السّوء هو ظنّهم: أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا [الفتح/ 12] فالتّقدير: عليهم
__________
(1) السبعة ص 603.
(2) السبعة ص 603.
(6/200)
________________________________________
دائرة السوء كما ظنّوا ظنّ السّوء. ومن قال: دائرة السوء* فلأنّهم ظنّوا ظنّ السّوء بالمسلمين، وأرادوه بهم، فقيل عليهم دائرة السّوء الذي أرادوه بالمسلمين، وتمنّوه لهم، وكان الفتح أشدّ مطابقة في اللّفظ وإن كان المعنيان متقاربين. قال: وقال أبو زيد: سوّأت عليه ما صنع تسويئا إذا عبت عليه رأيه وعمله، فهذا يمكن أن يتأوّل من كلّ واحدة من الكلمتين وقد تقدّم ذكر ذلك.
[الفتح: 10]
اختلفوا في الياء والنّون من قوله عزّ وجلّ: فسيؤتيه أجرا [الفتح/ 10] فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: فسنؤتيه بالنون وروى أبان عن عاصم بالنون.
عبيد عن هارون عن أبي عمرو بالنون، وعبيد عن أبي عمرو بالياء.
[الفتح: 10]
وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء «1».
حجّة الياء تقدّم قوله: ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه [الفتح/ 10] على تقدّم ذكر الغيبة.
وزعموا أنّ في حرف عبد الله: فسوف يؤتيه الله فهذا يقوّي الياء فيكون الكلام بالياء من وجه واحد، والنون على الانصراف من الأفراد إلى لفظ الكثرة، وذلك كثير.
حفص عن عاصم: عليه الله [الفتح/ 10] بضمّ الهاء.
الباقون: عليه الله، قال أحمد: وهو قياس رواية أبي بكر عن عاصم «2».
__________
(1) السبعة ص 603.
(2) السبعة ص 603.
(6/201)
________________________________________
قد تقدّم القول في ذلك «1».
[الفتح: 11]
قال: قرأ حمزة والكسائي: ضرا* [الفتح/ 11] بضمّ الضّاد.
وقرأ الباقون: ضرا نصبا «2».
قال أبو علي: الضرّ بالفتح خلاف النّفع، وفي التنزيل: ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا [المائدة/ 76]، والضرّ: سوء الحال، وفي التنزيل: فكشفنا ما به من ضر [الأنبياء/ 84] هذا الأبين في هذا الحرف. ويجوز أن يكونا لغتين معنى: كالفقر والفقر، والضّعف والضّعف.
[الفتح: 15]
قال قرأ حمزة والكسائي: كلم الله* [الفتح/ 15] بكسر اللّام.
وقرأ الباقون: كلام الله «3».
قال أبو علي: وجه من قرأ: كلام الله أنّهم قيل لهم: لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا [التوبة/ 83] والأخص بالمفيد، وبما كان حديثا، الكلام، فقال: كلام الله، لذلك فالمعنى:
أنّ هؤلاء المنافقين يريدون بقولهم: ذرونا نتبعكم، فصدّهم تبديل كلام الله الذي ذكرنا.
ومن قرأ: كلم الله* فإنّ الكلم قد يقع على ما يقع عليه الكلام، وعلى غيره، وإن كان الكلام بما ذكرنا أخصّ، ألا ترى أنّه قال: وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل [الأعراف/ 137]، وإنّما هو والله أعلم: ونريد أن نمن على الذين
__________
(1) انظر 1/ 177
(2) السبعة ص 604.
(3) السبعة ص 604.
(6/202)
________________________________________
استضعفوا في الأرض [القصص/ 5]، وما بعده ممّا يتصل بهذه القصّة.
[الفتح: 17]
وقرأ نافع وابن عامر: ندخله جنات [الفتح/ 17] ونعذبه بالنون جميعا.
وقرأ الباقون بالياء «1».
وجه الياء: تقدّم الاسم المظهر، والنون في المعنى كالياء.
[الفتح: 26]
قرأ أبو عمرو وحده: وكان الله بما يعملون بصيرا [الفتح/ 24] بالياء.
والباقون: بالتاء «2».
وجه قول أبي عمرو: وكان الله بما عمل الكفّار من كفرهم وصدّهم عن المسجد الحرام، ومنعهم لكم من دخوله بصيرا فيجازي عليه.
ووجه التاء: أنّ الخطاب قد جرى للقبيلين في قوله: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم [الفتح/ 24] فالخطاب لتقدّم هذا الخطاب.
[الفتح: 29]
قال: قرأ ابن كثير وابن عامر: شطأه [الفتح/ 29] مفتوحة الطاء والهمزة.
وقرأ الباقون: شطأه ساكنة الطاء، وكلّهم يقرأ: بهمزة مفتوحة «3».
__________
(1) السبعة ص 604.
(2) السبعة ص 604.
(3) السبعة ص 604.
(6/203)
________________________________________
وقال أبو زيد: أشطأت الشجرة بغصونها إذا أخرجت غصونها.
أبو عبيدة: أخرج شطأه: فراخه «1».
ويقال: أشطأ الزرع فهو مشطئ مفرخ «2»، قول ابن كثير وابن عامر: شطأه، بفتح الطاء، يشبه أن يكون لغة في الشطء. كالشّمع والشّمع، والنّهر والنّهر، ومن حذف الهمزة في شطأه حذفها وألقى حركتها على الطاء. ومن قال: الكماة والمراة قال: شطاه.
[الفتح: 29]
قال: قرأ ابن عامر: فأزره [الفتح/ 29] على فعله مقصور بالهمزة.
الباقون: فآزره على فاعله «3»، أبو عبيدة: فأزره، ساواه، صار مثل الأمّ «4».
قال أبو علي: وفاعل آزر: الشّطء، أي: آزر الشّطء الزرع، فصار في طوله قال:
بمحنيّة قد آزر الضّال نبتها مضمّ رجال غانمين وخيّب «5»
__________
(1) مجاز القرآن 2/ 218.
(2) الشطء: فرخ النخل والزرع. وفي التنزيل: كزرع أخرج شطأه: أي طرفه وجمعه شطوء. انظر اللسان (شطأ).
(3) السبعة ص 605.
(4) مجاز القرآن 2/ 218.
(5) البيت لامرئ القيس. في ديوانه/ 51 وفيه: مجرّ جيوش بدل مضم رجال وفي شرح الأبيات المشكلة ص 332. والضالّ: السدر البري واحدته ضالة. اللسان (ضيل).
(6/204)
________________________________________
أي: ساوى نبته الضّال فصار في قامته، لأنّه لا يرعاه أحد.
ويجوز أن يكون فاعل آزر: الزرع، أي: آزر الزرع شطأه، ومن الناس من يفسّر آزره: أعانه وقوّاه، فعلى هذا يكون: آزر الزرع الشطأ، قال أبو الحسن: آزره: أفعله وأفعل فيه هو الأشبه ليكون قول ابن عامر أزره: فعله، فيكون فيه لغتان: فعل وأفعل، لأنّهما كثيرا ما يتعاقبان على الكلمة، كما قالوا: ألته وآلته يولته «1»، فيما حكاه
التوّزي، وكذلك: آزره وأزره.
[الفتح: 29]
قال قرأ ابن كثير: على سؤقه [الفتح/ 29] مهموز.
الباقون: بلا همزة.
أبو عبيدة: الساق: حاملة الشجرة «2».
وهمز سؤقه يجوز على حدّ قول من قال:
لحبّ المؤقدان إلي مؤسى «3» وإذا كان الساق حامل الشجرة فاستعماله في الزّرع اتساع واستعارة كقوله:
على البكر يمريه بساق وحافر «4»
__________
(1) الألت: الحلف. وألته بيمين ألتا: شدّد عليه. انظر اللسان (ألت).
(2) مجاز القرآن 2/ 218.
(3) سبق في 1/ 239 (وعدة مواطن أخرى من الكتاب).
(4) عجز بيت صدره:
فما رقد الولدان حتى رأيته وعزاه في اللسان إلى جبيهاء الأسدي. وقبله بيت آخر يصف فيهما ضعيفا طارقا أسرع إليه:
(6/205)
________________________________________
وقال:
لا حملت منك كراع حافرا والكراع: لذي الظلف دون ذي الحافر.
__________
فأبصر ناري وهي شقراء أو قدت بليل فلاحت للعيون النواظر ومعنى يمريه: يستخرج ما عنده من الجري. اللسان/ حفر/.
(6/206)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الحجرات
[الحجرات: 10]
قرأ ابن عامر وحده: وأصلحوا بين إخوتكم [الحجرات/ 10] بالتاء جماعة، كذا في كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن ذكوان عن أيوب بن تميم عن يحيى بن الحارث عن عبد الله بن عامر. وروى هشام بن عمّار عن سويد بن عبد العزيز وأيوب بن تميم عن يحيى بن الحارث عن عبد الله بن عامر أنّه قرأ:
أخويكم مثل النّاس.
وقرأ الباقون بين أخويكم على اثنين «1».
الأخ من النّسب، والأخ الصّديق. قال:
أخاك أخاك إنّ من لا أخا له كساع إلى الهيجا غير سلاح «2» وقالوا لمن عانى شيئا: هو أخوه، قال:
__________
(1) السبعة ص 606.
(2) البيت لإبراهيم بن هرمة في الكتاب 1/ 129، والخصائص 2/ 480 والخزانة 1/ 465.
(6/207)
________________________________________
أخا الحرب لبّاسا لديها جلالها «1» وقال:
كأنّه أخو فجرة عالى به الجذع صالبه «2» وأنشد أبو زيد:
أخو الذّئب يعوي والغراب ومن يكن شريكيه تطمع نفسه كلّ مطمع «3» وأكثر الاستعمال في جمع الأخ من النّسب إخوة وآخاء، وفي التنزيل: فإن كان له إخوة [النساء/ 11]، وقال الشاعر:
وجدتم أخاكم دوننا إذ نسبتم وأيّ بني الآخاء تنبو مناسبه «4»
__________
(1) صدر بيت للقلاخ بن حزن المنقري، وعجزه:
وليس بولّاج الخوالف أعقلا انظر الكتاب 1/ 57، والفارسي في المسائل الحلبيات ص 18، والمقتضب 2/ 113، والعيني 3/ 535، والأشموني 2/ 296.
(2) من بيت لذي الرّمة تمامه كما في ديوانه ص 846، والمسائل الحلبيات ص 18 ويشبح بالكفّين شبحا ... ، والبيت يصف فيه الحرباء من قصيدة طويلة.
(3) البيت الغضوب وهي امرأة من رهط ربيعة بن مالك أخي حنظلة تهجو سبيعا من أبيات ثلاثة في النوادر ص 371، وأنشده في شرح الأبيات المشكلة ص 349، وانظر الخصائص 2/ 423، والمحتسب 2/ 180، وابن الشجري 1/ 309.
(4) البيت في اللسان (أخا) وفيه: بنيكم بدل أخاكم وأنشده عن أبي علي.
(6/208)
________________________________________
وقال في الذي ليس من النسب إخوانا على سرر متقابلين [الحجر/ 47] وقال: فإخوانكم في الدين ومواليكم [الأحزاب/ 5]، وإذا كان هذا فقول الجمهور: أخويكم أبين من قول ابن عامر، لأنّ المراد النسب، وإن كان لا ينكر استعمال بعض ذا في موضع بعض، ألا ترى أنّ قوله: إنما المؤمنون إخوة لا يراد به النسب؟ إنما هو أخوّة الدّين، فإن قلت: فلم لا يكون قول ابن عامر: فأصلحوا بين إخوتكم أرجح من قول من قال: أخويكم، لأنّ المراد هنا الجمع وليس التثنية، وقد يوضع الجمع القليل موضع الجمع الكثير، نحو:
الأقدام، والأرسان، والتثنية ليست كالجمع في هذا؟
قيل: إنّ التثنية قد تقع موقع الكثرة في نحو ما حكاه من قولهم:
«لا يدين بها لك» «1»، ليس يريد نفي قوّتين اثنتين، إنّما يريد الكثرة، كذلك قولهم: لبّيك، وقولهم: نعم الرجلان زيد، وكذلك قوله: بل يداه مبسوطتان [المائدة/ 64] يريد: بل نعمتاه، وليس هذه النعم بنعمتين اثنتين، إنما يراد نعم الدّنيا، ونعم الآخرة، فكذلك يكون قوله: فأصلحوا بين أخويكم يراد به الطائفتان، والفريقان ونحوهما، ممّا يكون كثرة، وإن كان اللّفظ لفظ التثنية، كما أنّ لفظ ما ذكرنا لفظ التثنية، والمراد به الكثرة والعموم. وقال:
فاعمد لما تعلو فما لك بالّذي لا تستطيع من الأمور يدان «2»
__________
(1) أورد سيبويه 2/ 279 (ت. هارون) هذا المثال مستشهدا به لغير ما جاء به المصنف هنا.
(2) البيت لكعب بن سعد الغنوي في اللسان/ يدي/ والبيت مع آخر قبله في المسائل الحلبيات للفارسي ص 28 وشرح الأبيات المشكلة ص 151 ونسبهما لعلي بن الغدير الغنويّ، والبيت السابق عندهما هو
(6/209)
________________________________________
وروي أنّ الحسن قرأ: بين إخوتكم وبين أخويكم، وبين إخوانكم، وقد جاء الإخوان في جمع الأخ من النسب وهو قوله: أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم [النور/ 61].
[الحجرات: 14]
قال: قرأ أبو عمرو وحده لا يالتكم مهموز، وقرأ الباقون:
لا يلتكم «1» [الحجرات/ 14].
قال أبو زيد: ألته السلطان حقّه يألته ألتا مثل: ضربه يضربه ضربا: إذا نقصه، قال: وقوم يقولون: لات يليت ليتا، وقال: لتّ الرجل أليته ليتا، إذا عمّيت عليه الخبر فأخبرته بغير ما سألت عنه «2».
وقال أبو عبيدة: لا يألتكم من أعمالكم شيئا: لا ينقصكم، من ألت يألت، وقوم يقولون: لات يليت. قال رؤبة:
وليلة ذات هوى سريت ولم يلتني عن هواها ليت «3» قال: وقوم يقولون: ألاتني عن حقّي، وألاتني عن حاجتي، إذا صرفه عنها «4».
__________
وإذا رأيت المرء يشعب أمره شعب العصا، ويلجّ في العصيان وهو رابع أبيات ستة في أمالي القالي 2/ 314 لكعب وفي الأضداد للأصمعي ص 7 والسجستاني ص 108، وابن السكّيت ص 166: البيتان لعلي بن الغدير الغنوي.
(1) النوادر لأبي زيد ص 516.
(2) السبعة ص 606.
(3) والبيت كما قال لرؤبة وليس في ديوانه وهو في الطبري 15/ 2 و 26/ 143، والقرطبي 16/ 349. واللسان (ليت) مع اختلاف في الرواية.
(4) مجاز القرآن ص 221.
(6/210)
________________________________________
وقال التّوزيّ: بعضهم يقول في النقصان: آلت يولت إيلاتا.
حجّة أبي عمرو في قراءته: لا يألتكم*: وما ألتناهم، فألتناهم مضارعه يألتكم.
ومن قرأ: لا يلتكم جعله من لات يليت، وقد حكاه أبو عبيدة وأبو زيد جميعا.
وحجّة من قال: لا يلتكم أنّهم زعموا أنّه ليس في الكتاب ألف ولو كانت منه. كتبت بالألف كما يكتب في: يأمر، ويأبق، ونحوه في المعنى، وإنما توفون أجوركم يوم
القيامة
[آل عمران/ 185] وقوله:
فلا تظلم نفس شيئا [الأنبياء/ 47].
[الحجرات: 18]
قال: قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبان والله بصير بما يعملون* [الحجر/ 18] بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء «1».
وجه التاء أنّ قبله خطابا، وهو قوله: لا تمنوا علي إسلامكم [الحجرات/ 17] فالتاء لهذا الخطاب.
ووجه الياء أنّ قبله غيبة، وهو قوله: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله [الحجرات/ 15] ... والله بصير بما يعلمون [الحجرات/ 18] بالياء.
[الحجرات: 12]
قال: شدّد نافع وحده: لحم أخيه ميتا.
وخفّفها الباقون «2».
__________
(1) السبعة ص 606.
(2) السبعة ص 606.
(6/211)
________________________________________
فالميت والميّت بمعنى، كما أن سيدا وسيّدا، وطيبا وطيّبا كذلك، وكما أنّ هارا وهائرا بمعنى، كذلك التشديد في ميت في المعنى كالتخفيف، وممّا يدلّ على ذلك قول الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميّت الأحياء «1» فأوقع المخففة والمشددة على شيء واحد، وكذلك قوله:
ومنهل فيه الغراب ميت «2» لو شدّد لجاز.
فأمّا الفاء في قوله: فكرهتموه [الحجرات/ 12] فعطف على المعنى، كأنّه لمّا قيل لهم: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا قالوا: لا، فقيل لهم لما قالوا لا: فكرهتموه، أي: كرهتم أكل لحمه ميتا، فكما كرهتم أكل لحمه ميتا فكذلك فاكرهوا غيبته.
وقوله: واتقوا الله [الحجرات/ 12] معطوف على هذا الفعل المقدّر، ولا يكون قوله: فكرهتموه بمعنى فاكرهوه واتقوا الله: لأنّ لفظ الخبر لا يوضع للدعاء في كلّ موضع، ولأنّ قوله: فكرهتموه محمول على المعنى الذي ذكرناه، فمعنى الخبر فيه صحيح.
__________
(1) البيت لعدي بن رعلاء الغسّاني. من أصمعية ص 152، وهو من شواهد البغدادي في شرح أبيات المغني 3/ 197 و 7/ 16، وأمالي ابن الشجري 1/ 152، عن الفارسي في الحجّة.
(2) انظر ابن الشجري 1/ 152 ونقله عن أبي علي في الحجّة.
(6/212)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة ق*
[ق: 30]
قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: يوم يقول لجهنم [ق/ 30] بالياء.
وقرأ الباقون: بالنون [وكذلك روى حفص عن عاصم بالنون] «1».
حجّة يوم نقول بالنون، قوله: وقد قدمت إليكم بالوعيد [ق/ 28]، وقوله: وما أنا بظلام للعبيد [ق/ 29]، والنون في المعنى مثل: أقول فهو أشبه بما قبله، والياء على: يوم يقول الله.
[ق: 40]
اختلفوا في قوله: وأدبار السجود [ق/ 40] في فتح الألف وكسرها.
فقرأ ابن كثير ونافع وحمزة: وإدبار السجود بكسر الألف.
وقرأ الباقون: وأدبار بفتح الألف «2».
قال أبو علي: إدبار مصدر، والمصادر تجعل ظروفا على إرادة إضافة أسماء الزمان إليها وحذفها: كقولهم: جئتك مقدم الحاجّ،
__________
(1) السبعة ص 607 وما بين معقوفين ساقط منها.
(2) السبعة ص 607.
(6/213)
________________________________________
وخفوق النجم، وخلافة فلان، تريد في ذلك كلّه وقت كذا، فحذفت، وكذلك يقدّر في قوله: وقت إدبار السجود، إلّا أنّ المضاف المحذوف في هذا الباب لا يكاد يظهر ولا يستعمل، فهذا أدخل في باب الظروف من قول من فتح، وكأنّه أمر بالتسبيح بعد الفراغ من الصلاة، وقد قيل: إنّه يراد به الركعتان اللّتان بعد المغرب، ومن قال:
وأدبار السجود جعله جمع دبر أو دبر، مثل: قفل وأقفال، وطنب وأطناب، وقد استعمل ذلك ظرفا نحو: جئتك في دبر الصلاة، وفي أدبار الصلوات، وعلى دبر الشهر الحرام، وقال أوس بن حجر:
على دبر الشّهر الحرام بأرضنا وما حولها جدب سنون تلمّع «1»
[ق: 41]
قرأ بن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: ينادي المنادي [ق/ 41] بياء في الوصل، ووقف ابن كثير بياء، ووقف نافع وأبو عمرو بغير ياء.
ووقف الباقون بغير ياء وكذلك وصلوا «2».
أمّا إثبات الياء في الوصل، فلأنّ هذه الياءات أكثر الأمر، إنّما تحذف من الفواصل، وما شبّه بها من الكلام التّام، ومن وقف بالياء فلأنّه كلام غير تام، وإنّما الحذف في أكثر الأمر من الكلام التام تشبيها بالفواصل، ووقف نافع وأبو عمرو بغير ياء لأنّ الوقف موضع تغيير، ألا ترى أنّه يبدل من التاء فيه الهاء في نحو: تمرة، ويبدل من التنوين الألف، ويضعّف فيه الحرف نحو: هذا فرجّ، ويحذف فيه الحرف في
__________
(1) سبق في 2/ 370.
(2) السبعة ص 607.
(6/214)
________________________________________
القوافي فغيّراه بالحذف، كما غيّرت بهذه الأشياء.
وأمّا من حذف في الوصل والوقف فقد ذكرنا القول في الحذف في الوقف، فأمّا من حذف في الوصل فقد قيل: إنّه في الكتاب لا ياء فيه.
[ق: 44]
وقال ابن كثير ونافع وابن عامر: يوم تشقق* [ق/ 44] مشددة الشين.
وقرأ الباقون: تشقق خفيفة «1».
من قال: تشقق* أدغم التاء في الشين، ومن قال: تشقق مخفّفا حذف التاء التي أدغمها من ثقل.
[ق: 36]
القطعي عن عبيد عن أبي عمرو: فنقبوا في البلاد [ق/ 36] خفيفة القاف.
وروى غيره عن أبي عمرو: فنقبوا في البلاد مشددة وكذلك قرأ الباقون «2».
قال أبو عبيدة: نقّبوا في البلاد، طافوا وتباعدوا وأنشد لامرئ القيس:
وقد نقّبت في الآفاق حتّى رضيت من الغنيمة بالإياب «3» والتّشديد في نقّبوا يختصّ بالكثرة، والتخفيف يصلح للقليل والكثير.
__________
(1) السبعة ص 607 - 608.
(2) السبعة ص 607.
(3) مجاز القرآن 2/ 224، وديوانه/ 99 وفيه: طوّفت بدل نقبت. وانظر اللسان (نقب) وفيه السلام بدل الغنيمة.
(6/215)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الذاريات
[الذاريات: 23]
قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: لحق مثل ما [23] برفع اللّام. وقرأ الباقون: لحق مثل ما بنصب اللّام، وكذلك حفص بنصب اللّام أيضا «1».
قال أبو علي: من رفع مثلا في قوله: لحق مثل ما أنكم تنطقون جعل مثلا وصفا لحقّ، وجاز أن يكون مثل وإن كان مضافا إلى معرفة صفة للنكرة، لأنّ مثلا لا يختصّ بالإضافة لكثرة الأشياء التي يقع التماثل بها بين المتماثلين، فلمّا لم تخصّه الإضافة ولم يزل عنه الإبهام والشياع الذي كان فيه قبل الإضافة بقي على تنكيره.
وقالوا: مررت برجل مثلك، وكذلك في الآية لم يتعرّف بالإضافة إلى أنكم تنطقون وإن كان قوله: أنكم تنطقون بمنزلة نطقكم، وما* في قوله: مثل ما أنكم تنطقون زائدة، فإن قلت: فلم لا تكون الّتي بمنزلة أن كالتي في قوله: وما كانوا بآياتنا يجحدون [الأعراف/ 51] فإنّ الّتي في قوله: مثل ما* لا تكون إلّا زائدة ألا ترى أنّه لا فعل معها
فتكون مع الفعل بمنزلة المصدر مثل أن مع الفعل، وقوله: وما كانوا
__________
(1) السبعة ص 609.
(6/216)
________________________________________
بآياتنا يجحدون موصولة بالفعل الذي هو كانوا، وموضعها جرّ بالعطف على ما جرّه الكاف، التقدير: كنسيان لقاء يومهم، أي: ننساه نسيانا كنسيان يومهم هذا، وككونهم جاحدين بآياتنا، ومثل زيادة ما* هاهنا زيادتها في قوله، مما خطيئاتهم [نوح/ 25] ونحو قوله: فبما رحمة [آل عمران/ 159] وعما قليل ليصبحن نادمين [المؤمنون/ 40] ونحو ذلك.
وأمّا من نصب فقال: مثل ما أنكم فتحتمل ثلاثة أضرب:
أحدهما: أنّه لمّا أضاف مثل إلى مبنيّ، وهو قوله: أنكم بناه كما بني يومئذ في قوله: من خزي يومئذ [هود/ 66] ومن عذاب يومئذ [المعارج/ 11] وقوله:
على حين عاتبت المشيب على الصّبا «1» وقوله:
لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت «2» فغير في موضع رفع بأنّه فاعل يمنع، وإنما بنيت هذه الأشياء المبهمة نحو: مثل، ويوم، وحين، وغير إذا أضيفت إلى المبنيّ لأنّها تكتسي منه البناء، لأنّ المضاف يكتسي من المضاف إليه ما فيه من
__________
(1) هذا صدر بيت للنابغة عجزه:
وقلت ألمّا أصح والشّيب وازع وقد سبق في 4/ 348.
(2) هذا صدر بيت لأبي قيس بن الأسلت عجزه:
حمامة في غصون ذات أو قال وقد سبق في 4/ 348.
(6/217)
________________________________________
التعريف والتنكير، والجزاء والاستفهام، تقول: هذا غلام زيد، وصاحب القاضي، فيتعرف الاسم بالإضافة إلى المعرفة، وتقول:
غلام من تضرب؟ فيكون استفهاما كما تقول: صاحب من تضرب أضرب، فيكون جزاء، فمن بنى هذه المبهمة إذا أضافها إلى مبني جعل البناء أحد ما يكتسبه من المضاف إليه، ولا يجوز على هذا:
جاءني صاحب خمسة عشر، ولا غلام هذا، لأنّ هذين من الأسماء غير المبهمة، والمبهمة في إبهامها وبعدها من الاختصاص كالحروف التي تدلّ على أمور مبهمة، فلمّا أضيفت إلى المبنيّة، جاز ذلك فيها، والبناء على الفتح في مثل قول سيبويه.
والقول الثاني أن تجعل ما* مع مثل بمنزلة شيء واحد، وتبنيه على الفتح وإن كانت ما* زائدة وهذا قول أبي عثمان، وأنشد أبو عثمان في ذلك قول الشاعر:
وتداعى منخراه بدم مثل ما أثمر حمّاض الجبل «1» فذهب إلى أنّ مثل* مع ما* جعلا بمنزلة شيء واحد، وينبغي أن يكون أثمر صفة لمثل ما، لأنّه لا يخلو من أن يكون صفة له، أو يكون مثل ما مضافا إلى الفعل، فلا يجوز فيه الإضافة، لأنّا لم نعلم مثلا أضيف إلى الفعل في موضع، فكذلك لا يضيفه في هذا الموضع إلى الفعل، فإذا لم يجز الإضافة كان وصفا، وإذا كان وصفا وجب أن يعود منه إلى الموصوف ذكر، فيقدّر ذلك المحذوف بما يتصل بالفعل، فيحذف كما يحذف الذكر العائد من الصّفة إلى الموصوف، وقد يجوز
__________
(1) سبق في 4/ 351
(6/218)
________________________________________
أن لا يقدّر مثل* مع ما* كشيء واحد لكن تجعله مضافا إلى ما مع أثمر، ويكون التّقدير: مثل شيء أثمره حمّاض الجبل، فيبنى مثل على الفتح لإضافتها إلى ما* وهي غير متمكن، ولا يكون لأبي عثمان حينئذ في البيت حجّة على كون مثل* مع ما* بمنزلة شيء واحد، ويجوز أن لا تكون له فيه حجّة من وجه آخر، وهو أن يجعل ما* والفعل بمنزلة المصدر، فيكون: مثل إثمار الحماض، فيكون في ذلك كقوله: وما كانوا بآياتنا يجحدون [الأعراف/ 51] وقوله: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [البقرة/ 10] وبقول ابن مقبل:
سل الدار من جنبي حبرّ فواهب إلى ما رأى هضب القليب المضيّح «1» كأنّه قال: إلى رؤية هضب القليب، أو إلى موضع رؤيته.
ولكن يدلّ على جواز بناء مثل مع ما* وكونه مع ما* بمنزلة شيء واحد قول حميد بن ثور:
ألا هيّما ممّا لقيت وهيّما وويحا لمن لم يدر ما هنّ ويحما «2» وأسماء ما أسماء ليلة أدلجت إليّ واصحابي بأيّ وأينما وقوله: ويحما في موضع نصب بأنّه مصدر، فلولا أنّه بني مع
__________
(1) انظر ديوانه/ 22، والمسائل الحلبيات ص 62، ومجالس العلماء ص 28.
وحبر وواهب: جبلان في ديار بني سليم. هضب القليب: موضع لبني قنفذ من بني سليم. القليب في الأصل: البئر. المضيح: ماء لبني البكاء.
(2) ديوانه ص 7، واللسان (ويح).
(6/219)
________________________________________
ما* لم يكن يمتنع النصب الذي يجب بكونه مصدرا، ويلحقه التنوين فلمّا لم ينصب علمت أنّ الرفع إنّما حصل فيه للبناء مع ما*، وممّا يدلّ على ذلك ما أنشدناه عن أحمد بن يحيى:
أثور ما أصيدكم أم ثورين أم تيكم الجمّاء ذات القرنين «1» فلولا أنّ ثور مع ما* جعلا شيئا واحدا، وبني ثور على الفتح معه لذلك لم يمتنع التنوين من لحاقه، ومثل ما أنشده أحمد بن يحيى:
تسمع للجنّ به زيزيز ما «2» فزيزيز: فعليل مثل: شمليل وكرديد «3» وإنّما بني مع ما* على الفتح فلم يلحقه التنوين، فأمّا قول أحمد بن يحيى:
وأصحابي بأيّ وأينما «4» فإنّه أخرج أين* من أن تكون استفهاما، كما أخرجوه عن ذلك بقولهم: مررت برجل أيّما رجل. وكقوله:
__________
(1) انظر اللسان (قرن) وفيه: «أهم هذه» بدل «أم تيكم».
(2) في اللسان (زيز): زيزيز: حكاية صوت الجن وأنشد البيت برواية: زي زي زيا.
(3) ناقة شملّة بالتشديد، وشمال وشملال وشمليل: خفيفة سريعة مشمرة.
اللسان (شمل).
والكرديد: ما يبقى في أسفل الجلّة من جانبيها من التمر. اللسان (كرد).
(4) سبق قريبا.
(6/220)
________________________________________
والدّهر أيّتما حال دهارير «1» كأنّه قال: والدّهر دهارير كلّ حال، فأعمل الفعل في الظرف، وإن كان متقدّما عليه، كقولهم: أكلّ يوم لك ثوب، وجعل أيّ كناية عن بلدة أو بقعة، مثل فلان في الكناية عن الأناسيّ، فلم يصرف للتأنيث والتعريف.
فأمّا قوله: وأينما فالقول فيه: إنّه أخرجه من الاستفهام أيضا كما أخرج منه في المواضع التي أريتك، وبناه مع ما* على الفتح، وموضعه جرّ بالعطف على الجرّ الذي في موضع قوله: بأيّ.
وأمّا القول الثالث في قوله: مثل ما أنكم تنطقون فهو أن ينتصب على الحال من النكرة وهو قول أبي عمر الجرمي، وذو الحال الذكر المرفوع في قوله: لحق، والعامل في الحال هو الحق*، لأنّه من المصادر التي وصف بها، ويجوز أن تكون الحال عن النكرة الذي هو حق* في قوله: إنه لحق، وإلى هذا ذهب أبو عمرو ولم نعلم عنه أنّه جعله حالا من الذكر الذي في حقّ، وهذا لا اختلاف في جوازه، وقد حمل أبو الحسن قوله: فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا
__________
(1) هذا عجز بيت لرجل من أهل نجد قيل: هو عثير بن لبيد العذري، وقيل: هو حريث بن جبلة العذري. وصدره:
حتّى كأن لم يكن إلّا تذكّره قال الغندجاني في فرحة الأديب ص 86: خلّط ابن السيرافي في هذا الاسم، إنّما هو جبلة بن الحويرث العذري، وقد أورد ابن السيرافي تمام الأبيات في شرح أبيات سيبويه 1/ 361، وعددها سبعة آخرها البيت. وانظر اللسان (دهر).
(6/221)
________________________________________
[الدخان/ 4، 5] على الحال، وذو الحال: قوله: كل أمر حكيم وهو نكرة.
فهذه وجوه الانتصاب في مثل ما، والخلاف فيه.
[الذاريات: 44]
قال: قرأ الكسائي وحده: فأخذتهم الصعقة [الذاريات/ 44] بغير ألف.
الباقون: الصاعقة بألف «1».
روى محمد بن السّريّ، عن أحمد بن يحيى عن أبي زيد:
الصاعقة: التي تقع من السماء، والصّاقعة التي تصقع الرءوس. قال أحمد: وقال الأصمعي: الصاعقة والصاقعة سواء، قال: وأنشد الأصمعي:
يحكون بالمصقولة القواطع تشقّق البرق عن الصّواقع «2» وأمّا قول الكسائي: الصعقة، فقد روي عن عمر وعثمان فيما زعموا، وقيل إن الصّعقة مثل الزّجرة، هو الصوت الذي يكون عن الصاعقة وقال بعض الرجاز:
لاح سحاب فرأينا برقه ثمّ تدانى فسمعنا صعقه «3»
__________
(1) السبعة ص 609.
(2) انظر اللسان (صقع).
(3) انظر اللسان (صعق) وفيه: ثمّ تدلّى بدل ثمّ تدانى.
(6/222)
________________________________________
[الذاريات: 46]
اختلفوا في كسر الميم وفتحها من قوله عزّ وجلّ: وقوم نوح من قبل [الذاريات/ 46].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وقوم نوح فتحا.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: وقوم نوح* كسرا «1».
قال أبو علي: من جرّ فقال: وقوم نوح* حمله على قوله:
وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون [الذاريات/ 38] وفي قوم نوح وقوله: وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون عطف على أحد شيئين: إمّا أن يكون على قوله: وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب [الذاريات/ 37] وفي موسى، أو على قوله: وفي الأرض آيات للموقنين [الذاريات/ 20] وفي موسى، أي: في إرسال موسى آيات بيّنة وحجج واضحة، وفي قوم نوح آية.
ومن نصب، فقال: وقوم نوح، جاز في نصبه أيضا أمران، كلاهما على حمل على المعنى.
فأحدهما من الحمل على المعنى أنّ قوله: فأخذتهم الصاعقة يدلّ على: أهلكناهم*، فكأنّه قال: أهلكناهم وأهلكنا قوم نوح.
والآخر: أن قوله: فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم [الذاريات/ 40] ألا ترى أنّ هذا الكلام يدلّ على أغرقناهم، فكأنّه قال:
فغرقناهم، وأغرقنا قوم نوح.
__________
(1) السبعة ص 609.
(6/223)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الطور
[الطور: 21]
قرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي: واتبعتهم [21] بالتاء ذريتهم واحدة بهم ذريتهم واحدة أيضا.
وقرأ نافع واتبعتهم ذريتهم واحدة، بهم ذرياتهم جماع.
خارجة عن نافع فيهما مثل حمزة.
وقرأ ابن عامر: واتبعتهم بالتاء ذرياتهم* برفع التاء جماعة ألحقنا بهم ذرياتهم جماعة أيضا.
وقرأ أبو عمرو: وأتبعناهم ذرياتهم جماعة بهم ذرياتهم جماعة أيضا «1».
الذّرّيّة: اسم يقع على الصغير والكبير، فممّا أريد به الصغير قوله: قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة [آل عمران/ 38] فنادته الملائكة ... الله يبشرك بيحيى [آل عمران/ 39].
وأمّا وقوعه على الكبار البالغين، فقوله: ومن ذريته داود
__________
(1) السبعة ص 612.
(6/224)
________________________________________
وسليمان وأيوب ويوسف [الأنعام/ 84] فإن حملت الذّرّيّة في الآية على الصّغار كان قوله: بإيمان في موضع نصب على الحال من المفعولين، أي: اتّبعتهم بإيمان من الآباء ذرّيّتهم، ألحقنا الذّرّيّة بهم في أحكام الإسلام، فجعلناهم في حكمهم في أنّهم يرثون ويورثون، ويدفن موتاهم في مقابر المسلمين، وحكمهم حكم الآباء في أحكامهم إلّا فيما كان موضوعا عن الصغير لصغره. وإن جعلت الذّرّيّة للكبار كان قوله بإيمان حالا من الفاعلين الذين هم ذريتهم، أي: ألحقنا بهم ذريّتهم في أحكام الدّنيا والثواب في الآخرة، وما ألتناهم من عملهم أي: من جزاء عملهم من شيء كما قال: فلا تظلم نفس شيئا [الأنبياء/ 47]، وكما قال: وإنما توفون أجوركم يوم القيامة [آل عمران/ 185] ومن يعمل من الصالحات فلا يخاف ظلما ولا هضما [طه/ 112] فمن قرأ: ذريتهم* وأفرد، فلأنّ الذّرّيّة تقع على الكثرة، فاستغنى بذلك عن جمعه، وكذلك القول في قوله: بهم
ذريتهم
في أنّه أفرده وألحق التاء في واتبعتهم لتأنيث الاسم.
وقول نافع: وجهه أنّه جمع وأفرد، لأنّ كلّ واحد منهما جائز، ألا ترى أنّ الذّرّيّة قد تكون جمعا؟ فإذا جمعه فلأنّ الجموع قد تجمع نحو: أقوام وطرقات.
وقول ابن عامر: واتبعتهم ذرياتهم ... ألحقنا بهم ذرياتهم أنّه جمع الموضعين، لأنّ الجموع تجمع نحو: الطرقات والجزرات
وفي الحديث: «صواحبات يوسف» «1».
وقول أبي عمرو: أتبعناهم ذرياتهم جماعة، بهم ذرياتهم
__________
(1) انظر مسند أحمد بن حنبل 6/ 159، 210، 224
(6/225)
________________________________________
جماعة، الفعل فيه للمتكلمين، وتبعت يتعدّى إلى مفعول، فإذا ثقّل بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، فالمفعول الأوّل الهاء والميم، والمفعول الثاني: ذريّاتهم وكذلك ذرّيّاتهم مفعول ألحقنا.
[الطور: 21]
قرأ ابن كثير: وما ألتناهم [الطور/ 21] بكسر اللّام غير ممدودة الألف.
وقرأ الباقون: ألتناهم مفتوحة الألف واللّام غير ممدودة أيضا «1».
وقد تقدّم حكاية اللّغات في هذا الحرف. ويشبه أن يكون فعلنا لغة، وقد قالوا: نقم ينقم، ونقم ينقم، فيشبه أن يكون: ألت مثله، ومثل نحوه من حروف جاءت على فعل وفعل، وقد حكي ذلك عن يحيى ومكانه مكانه.
[الطور: 23]
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا لغو فيها ولا تأثيم [الطور/ 23] نصبا.
وقرأ الباقون بالرفع والتنوين «2».
قوله فيها* من قوله: لا لغو فيها ولا تأثيم على قول أبي الحسن في موضع رفع من حيث كان خبر إنّ في موضع رفع، وفي قول سيبويه في موضع رفع بأنّه خبر مبتدأ، فهو على قول سيبويه بمنزلة:
زيد منطلق وعمرو، استغنيت عن ذكر خبر الثاني لدلالة الأوّل، ومن رفع فقال: لا لغو فيها ولا تأثيم ألا ترى أنّه لا يخلو من أن يكون
__________
(1) السبعة ص 612.
(2) السبعة ص 612.
(6/226)
________________________________________
لا* كليس أو يكون لغو مرتفعا بالابتداء، فيكون فيها* في كلّ واحد من التقديرين يصحّ أن يكون خبرا عن الاسمين، فأمّا قول الشاعر:
فلا لغو ولا تأثيم فيها «1» فلا يكون فيها خبرا عنهما، لأن العامل في الخبر هو العامل في المخبر عنه، وعاملا الاسمين مختلفان، فلا يكونان مع اختلافهما عاملين في الخبر، ومعنى ذلك: لا لغو: أنّهم لا تزول عقولهم، فإذا لم تزل عقولهم لم يلغوا، ولم يكن منهم ما يؤثم، كما يكون في الدنيا.
[الطور: 28]
قال: قرأ نافع والكسائي: ندعوه أنه [الطور/ 28] بفتح الألف.
وقرأ الباقون: ندعوه إنه بكسر الألف، وقال ابن جمّاز عن نافع: ندعوه إنّه كسرا «2» من قرأ: ندعوه أنه فالمعنى لأنّه هو البر الرّحيم، أي:
فلرحمته يجيب من دعاه، فلذلك ندعوه.
ومن كسر الهمزة قطع الكلام ممّا قبله، واستأنفه.
[الطور: 45]
قال: قرأ عاصم وابن عامر يصعقون [الطور/ 45] مرفوعة الياء.
__________
(1) صدر بيت لأمية بن أبي الصلت عجزه:
وما فاهوا به لهم مقيم سبق في 1/ 192 و 2/ 358، وهو من شواهد النحو في شذور الذهب ص 88، والخزانة 2/ 283، والعيني 2/ 346، والتصريح 1/ 241، والأشموني 2/ 11.
(2) السبعة ص 613.
(6/227)
________________________________________
وقرأ الباقون يصعقون بفتح الياء «1».
يقال: صعق الرجل يصعق، وفي التنزيل: فصعق من في السموات [الزمر/ 68]. ومضارع صعق يصعقون.
وحجّة من فتح الياء في يصعقون قوله: فصعق من في السموات فأمّا من قرأ يصعقون فإنّه على نقل الفعل بالهمزة صعقوا هم، وأصعقهم غيرهم، فيصعقون من باب يكرمون لمكان النقل بالهمزة، وليس مثل يضربون.
وحكى أبو الحسن صعق، فعلى هذا يجوز: مصعوق، ويجوز أن يكون يصعقون، مثل يضربون، وقال غيره: هو مثل سعد وسعد.
قال: قرأ ابن عامر في رواية الحلواني عن هشام بن عمّار
[الطور: 37]
وابن كثير والكسائي في رواية الفرّاء: المسيطرون [الطور/ 37] قال هشام: كتابها بالصاد ونقرؤها بالسين «2».
أبو عبيدة: أم هم المسيطرون: الأرباب، قال: يقال: تسيطرت عليّ: اتّخذتني خولا «3».
وقد جاء على هذا المثال فيما رواه محمد بن السّري عن أبي عبيدة: مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر، قال: والبيقرة مشية فيها تقارب.
قال أبو علي: ليس هذا البناء بناء تحقير، ولكنّ الياء فيه مثل الواو في حوقل، فكما تقول: محوقل كذلك تقول: مبيطر لإلحاقهما جميعا بمدحرج ومسرهف.
__________
(1) السبعة ص 613.
(2) السبعة ص 613.
(3) مجاز القرآن 2/ 233.
(6/228)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة والنجم
[النجم: 11]
قرأ ابن كثير، وعاصم وابن عامر هذه السورة كلّها بفتح أواخر آيها. عاصم في رواية أبي بكر [يميل] مثل: رآه [13] ورأى [11].
حفص عن عاصم يفتح ذلك كلّه وقرأ أبو عمرو ونافع: بين الفتح والكسر.
وقرأ حمزة والكسائي ذلك كلّه بالإمالة. القطعيّ عن عبيد عن أبي عمرو بالأفق الأعلى [النجم/ 7] ممالة، ثم دنا فتدلى [8] ممالة ولعلا بعضهم [المؤمنون/ 91] مفتوحة، كذلك يقرؤها «1».
أمّا ترك الإمالة والتفخيم للألف فهو قول كثير من الناس، والإمالة أيضا قول كثير منهم، فمن ترك كان مصيبا، ومن أخذ بها كان كذلك. وقول نافع وأبي عمرو: الإمالة، إلّا أنّهم لا يجنحون الألف إجناحا شديدا، وذلك حسن.
__________
(1) السبعة ص 614. وما بين معقوفين منه.
(6/229)
________________________________________
[النجم: 12]
قال: قرأ حمزة والكسائي: أفتمرونه [النجم/ 12] مفتوحة التاء بغير ألف.
وقرأ الباقون: أفتمارونه بألف «1».
من قرأ: أفتمارونه فمعناه: أتجادلونه، أي: أتجادلونه جدالا ترومون به دفعه عمّا علمه وشاهده من الآيات الكبرى، ويقوّي هذا الوجه قوله: يجادلونك في الحق بعد ما تبين [الأنفال/ 6].
ومن قرأ: أفتمرونه كان المعنى: أتجحدونه.
وقال الشاعر:
ما خلف منك يا أسماء فاعترفي معنّة البيت تمري نعمة البعل «2» أي: تجحدها، وزعموا أنّ: أفتمرونه قراءة مسروق وإبراهيم والأعمش، والمجادلة كأنّه أشبه بهذا، لأنّ الجحود كان منهم في هذا وفي غيره، وقد جادله المشركون، عليه السلام، في الإسراء به، فكان ممّا قالوا له: صف لنا عيرنا في طريق الشام، ونحو هذا.
قال: قرأ ابن عامر في رواية ابن ذكوان: ما كذب الفؤاد [النجم/ 11] خفيفة وفي رواية هشام كذب* مشددة.
وخفّف الباقون الذال «3».
__________
(1) السبعة ص 614.
(2) اللسان (مرا) عن ابن بريّ. وامرأة معنة: تعتن وتعترض في كل شيء.
(3) السبعة ص 614.
(6/230)
________________________________________
والحسن البصري في قوله: ما كذب الفؤاد ما راي: أي: ما كذّب فؤاده ما رأت عيناه ليلة أسري به، بل صدّقه الفؤاد.
قال أبو علي: كذب فعل يتعدى إلى مفعول بدلالة قوله:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط «1» ومعنى كذبتك أي: أرتك ما لا حقيقة له، كما أنّي إذا قلت:
كذبتني عيني، معناه: أرتني ما لا حقيقة له، وعلى هذا قال:
أري عينيّ ما لم ترأياه «2» فمعنى ما كذب الفؤاد ما رأى: لم يكذب فؤاده ما أدركه بصره، أي: كانت رؤية صحيحة غير كاذبة، وإدراكا على الحقيقة، ويشبه أن يكون الذي شدّد فقال: كذب* شدّد هذا المعنى، وأكّده:
أفتمارونه على ما يرى: أترومون إزالته عن حقيقة ما ادركه وعلمه بمجادلتكم؟ أو: أتجحدونه ما قد علمه، ولم يتعرض عليه شك فيه؟
[النجم: 20]
قال قرأ ابن كثير وحده: ومناءة الثالثة [النجم/ 20] مهموزة ممدودة.
__________
(1) صدر بيت للأخطل عجزه:
غلس الظلام من الرباب خيالا انظر الكتاب 1/ 484، وانظر شرح أبيات المغني للبغدادي 1/ 25.
(2) صدر بيت لسراقة البارقي عجزه:
كلانا عالم بالتّرّهات انظر النوادر/ 185، المحتسب 1/ 128، الخصائص 3/ 153، وابن الشجري 2/ 20، 200، وابن يعيش 9/ 110، واللسان (رأى) وانظر شرح أبيات المغني للبغدادي 2/ 179، 5/ 133. والمسائل الحلبيات ص 84.
(6/231)
________________________________________
وقرأ الباقون: ومناة «1».
قال أبو عبيدة: اللّات والعزّى: أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة «2»، ومناة أيضا صنم حجارة، ولعل مناءة بالمدّ لغة، ولم أسمع بها عن أحد من رواة اللّغة، وقد سمّوا، زيد مناة، وعبد مناة، ولم أسمعه بالمدّ، وقال جرير:
أزيد مناة توعد يا بن تيم تبيّن أين تاه بك الوعيد «3»
[النجم: 22]
قال: وقرأ ابن كثير: ضئزى [النجم/ 22] مهموزة.
وقرأ الباقون ضيزى بغير همز «4».
أبو عبيدة: قسمة ضيزى: ناقصة، يقال: ضزته حقّه، وضزته، أي: نقصته، ومنعته «5».
قال أبو علي: قوله: تلك إذا قسمة ضيزى. أي: ما نسبتموه إلى الله سبحانه من اتخاذ البنات قسمة جائرة.
فأمّا قولهم: قسمة ضيزى، ومشية حبلى، فإن النحويين يحملونه على أنّه في الأصل، فعلى، وإن كان اللّفظ على فعلى كما أن البيوت والعصيّ في الأصل فعول، وإن كانت الفاء مكسورة، وإنّما حملوها على أنّها فعلى دون ما عليه اللّفظ، لأنّهم لم يجدوا في الصّفات شيئا على
__________
(1) السبعة ص 615.
(2) مجاز القرآن 2/ 236.
(3) انظر ديوانه 1/ 332.
(4) السبعة ص 615.
(5) السبعة ص 237.
(6/232)
________________________________________
فعلى، كما وجدوا الفعلى نحو: الحبلى، والفعلى نحو: السّكرى، فلمّا لم يجدوا ذلك حكموا عليه بأنّ الفاء في الأصل مضمومة. ومن جعل العين فيه واوا على ما حكاه أبو عبيدة من قولهم: ضزته، فينبغي أن يقول: ضوزى، وقد حكي ذلك، فأمّا من جعله من قولك: ضزته فكان القياس أن يقول أيضا: ضوزى، ولا يحفل بانقلاب الياء إلى الواو، لأنّ ذلك
إنّما كره في بيض، وعين، جمع بيضاء، وعيناء لقربه من الظرف، وقد بعد من الظرف بحرف التأنيث، وليست هذه العلامة في تقدير الانفصال كالتاء، فكان القياس أن لا يحفل بانقلابها إلى الواو كما لم يبال ذلك في حولل، وعوطط، وكأنّهم آثروا الكسرة والياء على الضّمّة والواو من حيث كانت الكسرة والياء أخفّ، ولم يخافوا التباسا حيث لم يكن في الصفة شيء على فعلى*، وإنّما هو فعلى*، ولولا ذلك لكان حكمه حكم: كولل وكولل في الاسم والفعل، وحكم عوطط، وحولل، ألا ترى أنّه قال: سمعناهم يقولون:
تعيّطت الناقة؟ ثم قال:
مظاهرة نيّا عتيقا وعوططا «1»
__________
(1) هذا صدر بيت عجزه:
فقد أحكما خلقا لها متباينا انظر اللسان (عوط) والعائط من الإبل: البكرة التي أدرك إنا رحمها فلم تلقح.
وهو من شواهد سيبويه المجهولة القائل، قال الأعلم: وصف ناقة مطارقة الشحم وافرة القوة والحجم لاعتياط رحمها وعقرها، وأصل المظاهرة: لبس ثوب على آخر، فالظاهر منها ظهارة والباطن بطانة، والنيّ: الشحم.
والعتيق: الحولي القديم، والمتباين: المتفاوت المتباعد، يعني أنها كاملة
(6/233)
________________________________________
فإن قلت: فكيف قال: إنّ فعلى لا تكون في أبنية الصفات، وقد حكى أحمد بن يحيى: رجل كيصى: إذا كان يأكل وحده، وقد كاص طعامه، إذا أكله وحده؟ قيل: إنّ سيبويه إنّما قال: لم يحك فعلى صفة، والذي حكاه أحمد بن يحيى بالتنوين، فليس هو ما قاله سيبويه، ولا يمتنع أن تجيء الألف آخرا للإلحاق بهجرع ونحوه.
وأمّا قول ابن كثير: ضئزى بالهمز فإنّ التوزيّ قد حكى الهمز في هذه الكلمة فقال: ضأزه يضازه: إذا ظلمه، وأنشد:
إذا ضأزانا حقّنا في غنيمة «1» ولا ينبغي أن يكون ابن كثير أراد بضيزى فعلى، لأنّه لو أراد ذلك لكان ضوزى، ولم يرد به أيضا فعلى صفة لأنّ هذا البناء لم يجيء صفة، ولكن ينبغي أن يكون أراد به المصدر مثل الذكرى، فكأنّه قال:
قسمة ذات ظلم، فعلى هذا يكون وجه قراءته.
[النجم: 32]
حمزة والكسائي: يجتنبون كبير الإثم [النجم/ 32].
__________
الخلق متباعدة ما بين الأعضاء وقد أحكم خلقها مع تفاوته والعوطط: من عاطت الناقة تعيط عياطا وعوططا: إذا لم تحمل. والحولل مثلها: من حالت الناقة حيالا وحوللا. الكتاب 2/ 377 وانظر المصنف 4/ 12، 42 واللسان (عوط).
(1) هذا صدر بيت عجزه:
تقنّع جارانا فلم يترمرما وروايته في اللسان (ضيز): «إذا ضاز عنا حقنا في غنيمة» ولا شاهد فيها لأنها غير مهموزة. وفي مطلع البيت طمس في الأصل اجتهدنا في قراءته على نحو ما أثبتنا.
(6/234)
________________________________________
الباقون: كبائر الإثم «1».
ممّا يدلّ على حسن إفراد الكبير في قوله: كبير الإثم أنّ فعيلا قد جاء يعنى به الكثير، كما أنّ فعولا قد جاء كذلك في قوله: فإن كان من قوم عدو لكم [النساء/ 92] وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس [الأنعام/ 112] فإن كان من قوم عدو لكم «2» فكذلك فعيل قد يراد به الكثرة كما أريده بفعول. قال:
فما لنا من شافعين ولا صديق حميم [الشعراء/ 100، 101] وقال:
وحسن أولئك رفيقا [النساء/ 69]، وعلى هذا حمل قوله: عن اليمين وعن الشمال قعيد [ق/ 17] وقال:
وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل «3» وقال رؤبة:
دعها فما النّحويّ من صديقها «4» وقال:
فقال فريق القوم لمّا نشدتهم نعم وفريق ليمن الله ما ندري «5»
__________
(1) السبعة ص 615.
(2) كذا الأصل، وهي تكرار في الاستشهاد كما هو ملاحظ للآية 92 من النساء.
(3) البيت للسموأل من قصيدة تبلغ عشرة أبيات، قال أبو علي القالي: قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر للسموأل بن عادياء اليهودي وأنشد القصيدة. انظر الآمالي 1/ 269، وانظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1/ 112.
(4) هذا رجز لرؤبة سبق في 1/ 226 و 2/ 131.
(5) البيت من شواهد المغني وهو الإنشاد الثامن والثلاثون بعد المائة من شرح
(6/235)
________________________________________
ومن ثمّ لم يؤنّث في قولهم: ريح خريق، وملحفة جديدة، وناقة سديس، وكتيبة خصيف، كما لم يؤنّث فعول في نحو:
خذول تراعي ربربا «1» فمن ثمّ حيث كان على لفظ الإفراد، والمراد به الكثرة في هذه المواضع وغيرها، كذلك أفردا فعيلا في قوله: كبير الإثم، وإن كان المراد به الكبائر، ويحسن الإفراد من وجه آخر، وهو أنّ المصدر المضاف، فعيل إليه واحد في معنى الكثرة. ألا ترى أنّه ليس يراد به إثم بعينه؟ إنّما يراد به الآثام، فكذلك يكون المراد بالمضاف الكثرة إذ ليس الكبير كبيرا بعينه، إنّما هو ضروب ما كبر من الآثام، فإذا كان كذلك فالإفراد فيه يفيد ما يفيد الجمع، وقد وصف الإثم في الآية بالكبر، كما وصف بالعظم في قوله: افترى إثما عظيما [النساء/ 48] وهذا ممّا يقوّي قراءة من قرأ: قل فيهما إثم كبير [البقرة/ 219]. ألا ترى أنّ الكبر زيادة في أجزاء الشيء الكبير، كما أن العظم كذلك؟
فإن قيل: فهلّا جمعا ذلك ليكون أبين كما جمع ذلك سائرهم؟ قيل: إذا أتيا به على قياس ما جاء في التنزيل في غير هذا الموضع لم يكن لقائل مقال، ألا ترى أنّه قد جاء: فإن كان من قوم عدو لكم
__________
أبيات المغني 2/ 268، وهو ضمن قصيدة طويلة لنصيب شرحها البغدادي رحمه الله، وقد خرج هناك بما فيه الكفاية، ونضيف هنا أن الأبيات في فرحة الأديب ص 146.
(1) قطعة من بيت لطرفة، تمامه:
خذول تراعي ربربا بخميلة تناول أطراف البرير وترتدي وهو البيت السابع من معلقته في الديوان ص 9.
(6/236)
________________________________________
[النساء/ 92]،
[النجم: 50]
وقال: وهم لكم عدو [الكهف 50] فأفرد؟ وجمع في قوله: يوم نحشر أعداء الله إلى النار [فصّلت/ 19] وإن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء [الممتحنة/ 2]، وأنشد أبو زيد:
وقالوا ربّك انصره فإنّ ال أعادي فيهم بأس شديد «1» فلم يمنع من إفراد ذلك جمعه في المواضع التي جمع، فكذلك: كبير الإثم على قولهما، ومن جمع فقال: كبائر الإثم فلأنّه في المعنى جمع، والإثم يراد به الكثرة إلّا أنّه أفرد كما تفرد المصادر وغيرها من الأسماء التي يراد بها الكثرة إلّا أنّه أفرد كما تفرد المصادر وغيرها من الأسماء التي يراد بها الأجناس الكثيرة.
قال: قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: عادا الأولى [النجم/ 50] منوّنة.
وقرأ نافع وأبو عمرو: وعادا لولى موصولة مدغمة.
واختلف عن نافع في الهمز فروى لنا إسماعيل القاضي عن قالون وأحمد بن صالح عن أبي بكر بن أبي أويس، وقالون وإبراهيم القورسي عن أبي بكر بن أبي أويس عن نافع: عادا لؤلى. وقال ابن جماز وإسماعيل بن جعفر، ومحمد بن إسحاق عن أبيه، وورش عن نافع: عادا لولى مثل أبي عمرو «2».
قال أبو عثمان: أساء عندي أبو عمرو في قراءته: وأنه أهلك عادا لولى لأنّه أدغم النون في لام المعرفة، واللّام إنّما تحركت
__________
(1) البيت لشعبة بن قمير من جملة أبيات في النوادر ص 369.
(2) السبعة ص 615 مع اختلاف يسير.
(6/237)
________________________________________
بحركة الهمزة، وليست بحركة لازمة، والدّليل على ذلك أنّك تقول:
الحمر، فإذا طرحت حركة الهمزة على اللّام لم تحذف ألف الوصل، لأنّها ليست بحركة لازمة.
وقال أبو عثمان: ولكن كان أبو الحسن روى عن بعض العرب أنّه يقول: هذا الحمر قد جاء، فيحذف ألف الوصل لحركة اللّام.
قال أبو علي: القول في عادا الأولى أنّ من حقق الهمزة من الأولى، سكنت لام المعرفة، فإذا سكنت لام المعرفة والتنوين من قولك: عادا المنصوب ساكن التقى ساكنان: النون التي في عادا ولام المعرفة، فحرّكت التنوين بالكسر لالتقاء الساكنين، فهذا وجه قول من لم يدغم، وقياس من قال: أحد الله [الإخلاص/ 1، 2] فحذف التنوين لالتقاء الساكنين أن يحذفه هنا أيضا، كما حذفه من أحد الله، وكما حذفه من قوله:
ولا ذاكر الله إلّا قليلا «1» إلّا أن ذا لا يدخل في القراءة، وإن كان قياسا، وجاء في الشعر كثيرا، وجاء في بعض القراءة، ويجوز في قول من خفّف الهمزة من الأولى على قول من قال: الحمر، فلم يحذف الهمزة التي للوصل أن يحرّك التنوين فيقول: عادن لولى كما يقول ذلك إذا حقّق الهمزة، لأنّ اللّام على هذا في تقدير السكون، فكما يكسر التنوين لالتقاء الساكنين، كذلك يكسرها في هذا القول، لأنّ التنوين في تقدير الالتقاء مع
__________
(1) عجز بيت لأبي الأسود الدؤلي، سبق في 2/ 454 وصدره:
فألفيته غير مستعتب
(6/238)
________________________________________
ساكن، ومن حرّك لام المعرفة، وحذف همزة الوصل، فقياسه أن يسكن النون من عادن فيقول: عادن لولى لأنّ اللّام ليس في تقدير سكون كما كان في الوجه الأوّل كذلك، ألا ترى أنه حذف همزة الوصل؟ فإذا كان كذلك ترك النون على سكونها، كما تركه في نحو:
عاد ذاهب. ولو أدخلت الخفيفة في فعل الواحد وأوقعته على نحو الاثنين والابنين لقلت: اضرب اثنين، وأكرم ابنين، فحذفت الخفيفة من هذا، كما تحذفها في نحو: اضرب البوم، لأنّ اللّام من الاثنين والابنين في تقدير السكون، فتحذف الخفيفة مع لام المعرفة إذا تحركت بهذه الحركة، كما تحذفها إذا لقيت ساكنا، ولم يكن ذلك كقولك: اضربا لحمر، في قول من حذف معه همزة الوصل.
فأمّا قول أبي عمرو: عادا لولي فإنه لما خفّف الهمزة التي هي منقلبة عن الفاء لاجتماع الواوين أوّلا ألقى حركتها على اللّام الساكنة، فإذا ألقى حركتها على اللّام الساكنة، تحرّكت وقبلها نون ساكنة، فأدغمها في اللّام كما يدغمها في الرّاء في نحو: من راشد، وذلك بعد أن يقلبها لاما أو راء، فإذا أدغمها فيها صار عاد لولي، وخرج من الإساءة التي نسبها إليه أبو عثمان من وجهين: أحدهما أن يكون تخفيف الهمزة من قوله: الأولى على قول من قال: لحمر كأنه يقول في التخفيف للهمز قبل الإدغام لولى فيحذف همزة الوصل كما يقول:
لحمر فيحذفها، فإذا كان على هذا القول كانت اللّام في حكم التّحرّك، وخرجت من حكم السكون بدلالة حذف همزة الوصل معه، وإذا خرجت من حكم السكون حسن الإدغام معه كما حسن في: من لك ومن لوه، فهذا كأنّ الإدغام كان في حرف متحرك غير ساكن كما أنّ عامّة ما يدغم فيه من الحروف تكون متحركة. والوجه الآخر: أن
(6/239)
________________________________________
يكون أدغم على قول من قال: الولى* الحمر فلم يحذف الهمزة التي للوصل مع إلقاء الحركة على لام المعرفة، لأنّه في تقدير السكون فلا يمتنع أن يدغم فيه وإن كان في حكم السكون كما لم يمتنع أن يدغم.
في نحو: ردّ وفرّ وعضّ، وإن كانت لاماتهنّ سواكن، ويحرّكها للإدغام، كما يحرك السواكن التي ذكرنا للإدغام. فإذا لم يخل الإدغام في عادا لولى من أن يكون الولى* على قول من قال: الحمر أو قول من قال: لحمر وجاز في الوجهين جميعا ثبت صحته.
فأمّا ما روي عن نافع من أنّه همز فقال: عادا لؤلى فإنّه كما روي عن ابن كثير في قوله: سؤقه [الفتح/ 29]. ووجهه أنّ الضّمّة لقربها من الواو وأنّه لم يحجز بينهما شيء، صارت كأنّها عليها، فهمزها كما يهمز الواوات إذا كانت مضمومة نحو: أدؤر والغئور، والسؤوق، وما أشبه ذلك، وهذه لغة قد حكيت ورويت، وإن لم تكن بتلك الفاشية.
وقوله: إنا إذا لمن الاثمين [المائدة/ 106] في قياس عادا لولى يجوز فيه ما جاز فيه، قال أبو عثمان: ومن قرأ عادا لولى فأظهر النون فقد أخطأ، لأنّ النون لا تظهر على اللسان الّا مع حروف الحلق.
(6/240)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة القمر
[القمر: 8، 6]
قرأ ابن كثير ونافع يوم يدع الداع [القمر/ 6] بغير ياء، ومهطعين إلى الداعي [القمر/ 8] بياء في الوصل، وروى إسماعيل بن جعفر وابن جمّاز وورش عن نافع يوم يدع الداعي بياء في الوصل، وروى عنه قالون ومحمد بن إسحاق عن أبيه وإبراهيم القورسيّ عن أبي بكر بن أبي أويس وإسماعيل بن أبي أويس مثل ابن كثير: يوم يدع الداع بغير ياء ومهطعين إلى الداعي بياء في الوصل.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يوم يدع الداع [القمر/ 6] وإلى الداع بغير ياء في وصل ولا وقف «1».
قد تقدّم القول في هذا النحو في غير موضع.
[القمر: 6]
وقرأ ابن كثير وحده: إلى شيء نكر [القمر/ 6] خفيفة.
__________
(1) السبعة ص 617.
... وقد رسمت (يدعو) في الأصل تارة بواو وتارة بحذفها، وقد آثرنا حذفها.
وكذلك (الداع) أثبتنا الياء في مواطن إثباتها في القراءة، وحذفناها في مواطن الحذف.
(6/241)
________________________________________
وقرأ الباقون: نكر مثقل «1».
قال أبو علي: نكر: أحد الحروف التي جاءت على فعل، وهو صفة، وعلى ذلك حمله سيبويه، واستشهد بالآية «2»، ومثل ذلك: ناقة أجد، ومشية سجح قال:
دعوا التّخاجؤ وامشوا مشية سجحا إنّ الرّجال ذوو عصب وتذكير «3» ورجل شلل: الخفيف في الحاجة، فقول من قال: نكر، إنّما هو على التخفيف مثل: رسل وكتب وسبع، والضمة في تقدير الثبات كما كان كذلك في: لقضوا الرجل، ولذلك رفضوا أن يجمعوا كساء على فعل في قول من قال: رسل.
[القمر: 7]
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: خاشعا [القمر/ 7]، بألف.
وقرأ الباقون: خشعا بغير ألف «4».
قال أبو علي: وجه من قال: خاشعا أنّه فعل متقدّم، فكما لم يلحق علامة التأنيث لم يجمع، وحسن أن لا يؤنث، لأنّ التأنيث ليس بحقيقيّ، ومن قال: خشّعا فقد أثبت ما يدلّ على الجمع، وهو على لفظ الإفراد، ودلّ الجمع على ما يدلّ عليه التأنيث الذي ثبت في نحو قوله في الأخرى: خاشعة أبصارهم [القلم/ 43] وخشعت الأصوات للرحمن [طه/ 108]، فلذلك يرجّح: مررت برجل حسان
__________
(1) السبعة ص 617.
(2) الكتاب 2/ 315.
(3) البيت لحسان، وقد سبق في 3/ 158.
(4) السبعة ص 617 - 618.
(6/242)
________________________________________
قومه، على قولهم: مررت برجل حسن قومه، لأنّ حسانا قد حمل فيه ما يدلّ على الجمع والجمع كالتأنيث في باب أنه يدلّ عليه.
[القمر: 11]
قال وكلهم قرأ: ففتحنا أبواب السماء [القمر/ 11] خفيفة غير ابن عامر فإنه قرأ ففتحنا مشددة «1».
قال أبو علي: وجه التخفيف أنّ فعلنا بالتخفيف يدلّ على القليل والكثير، ووجه التثقيل أنه يخصّ الكثير، ويقوّي ذلك قوله: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50].
[القمر: 26]
قال: قرأ ابن عامر وحمزة وهبيرة عن حفص وعاصم: ستعلمون غدا [القمر/ 26] بالتاء، وقال غير هبيرة عن حفص عن عاصم بالياء، وكذلك قرأ الباقون، وأبو بكر عن عاصم بالياء «2» حجّة الياء: أن قبله غيبة وهو قوله: فقالوا: أبشرا منا [القمر/ 24] سيعلمون غدا [القمر/ 26] ووجه التاء: أنه على: قيل لهم: ستعلمون غدا.
[القمر: 30]
قال: وروى ورش عن نافع ونذري [القمر/ 30] بياء وروى غيره عنه: بغير ياء، وقرأ الباقون: بغير ياء «3».
حذف الياء لأنه فاصلة فيجري مجرى القافية في حذف الياء منها، كما قال «3»:
من حذر الموت أن يأتين
__________
(1) السبعة 618.
(2) لم يرد بهذا التفصيل في السبعة، وانظر الحاشية فيه.
(3) البيت للأعشى وقد سبق في 3/ 219 و 4/ 115 وغيرها.
(6/243)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الرحمن
[الرحمن: 12]
قرأ ابن عامر وحده والحب ذا العصف والريحان [12] بالنصب.
الباقون: الحب ذو العصف رفع «1».
قال أبو عبيدة:
العصف: الذي يعصف فيؤكل من الزرع، وهو العصيفة، قال:
علقمة ابن عبدة:
يسقي مذانب قد مالت عصيفتها حدورها من أتيّ الماء مطموم «2» طمّها الماء: ملأها، قال: والريحان: الحبّ الذي يؤكل، تقول: سبحانك وريحانك، أي: رزقك، وأنشد للنّمر بن تولب:
سلام الإله وريحانه ورحمته وسماء درر «3»
__________
(1) السبعة 619.
(2) اللسان (عصف) والطبري 27/ 65، والقرطبي 17/ 157.
(3) مجاز القرآن 2/ 242، 243، وتفسير الطبري 27/ 65، والقرطبي
(6/244)
________________________________________
وروي عن ابن عباس: العصف: الورق، قتادة: العصف:
النّبق، وقيل: العصف والعصيفة: أعالي ورق الزرع، قول ابن عامر:
والحب ذا العصف حمله على أنّ قوله: والأرض وضعها للأنام [الرحمن/ 10] مثل: خلقها للأنام وخلق الحبّ ذا العصف، وخلق الريحان، وهو الرزق، ويقوّي ذلك قوله: فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى [طه/ 53].
قال: واختلفوا في رفع النون وخفضها من قوله: والريحان [الرحمن/ 12] فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو والريحان رفع. وقرأ حمزة والكسائي: والريحان خفض «1».
قال أبو علي: من رفع فقال: الريحان حمل ذلك على الرفع الذي قبله: فيها فاكهة، والنخل، والحبّ، وهذا أيضا يدلّ على معنى الخلق، إلا أنه إذا تبع ما قبله كان أحسن، ليكون الكلام من وجه واحد، وفيه الدّلالة على معنى الخلق. والريحان من قول من رفع محمول على: فيها، والمعنى: فيها هذه الأشياء التي عدّت، أى:
فيها فاكهة والريحان والحبّ ذو العصف.
ومن جرّ فقال: ذو العصف والريحان حمله على: ذو، كأنّه:
والحبّ ذو العصف وذو الريحان، أي من الحب: الرزق، فإن قلت:
العصف والعصيفة رزق أيضا، فكأنّه قال: ذو الرزق، وذو الرزق،
__________
17/ 157 والمنصف 2/ 11، واللسان (روح) (درر) ومعه بيت آخر هو:
غمام ينزّل رزق العباد فأحيا البلاد وطاب الشجر
(1) السبعة 619.
(6/245)
________________________________________
قيل: هذا لا يمتنع، لأن العصيفة رزق غير الذي أوقع الريحان عليه، وكأن الريحان أريد به الحبّ إذا خلص من لفائفه فأوقع عليه الرزق لعموم المنفعة، وأنه رزق للناس ولغيرهم. ويبعد أن يكون الريحان المشموم في هذا الموضع إنما هو قوت للناس والأنعام، كما قال:
فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم [طه/ 53] أي: ارعوها إياها، وقال: متاعا لكم ولأنعامكم [عبس/ 32] فكذلك: العصيفة يختصّ بأنه رزق الأنعام، والريحان يعمّ الأناسي وغيرهم، فإن قلت: كيف يكون الريحان مصدرا وهو في الأصل فيعلان والعين محذوفة، وليس في أبنية المصادر شيء على هذا الوزن، قيل: يجوز في ذلك وجهان، أحدهما: أن تجعله اسما وضع موضع المصدر كما وضع تربا وجندلا، ونحو ذلك موضع المصادر.
والآخر: أن يكون هذا مصدرا اختصّ به المعتلّ كما اختصّ بكينونة ونحوه، وليس ذلك في الصحيح. ويحتمل وجها آخر: وهو أن تجعله على فعلان، مثل: الليان، وتجعل الياء بدلا من الواو، كما جعلت الواو بدلا من الياء في أشاوى، وكذلك جعلت الياء بدلا من الواو في ريحان، فانتصب انتصاب المصادر فيما حكاه سيبويه من قولهم:
سبحان الله وريحانه «1»، كأنه قال: واسترزاقا، وليس ذلك كما لزمه الانتصاب من المصادر نحو: معاذ الله وسبحان الله، ألا ترى أنه قد جاء مرفوعا في بيت النمر «2»، ومجرورا في قراءة من جرّ الريحان.
[الرحمن: 22]
قال: قرأ نافع وأبو عمرو: يخرج منهما بضمّ الياء اللؤلؤ والمرجان [الرحمن/ 22] رفع.
__________
(1) انظر الكتاب 1/ 322 (ت. هارون).
(2) سبق قريبا.
(6/246)
________________________________________
وروى حسين عن أبي عمرو يخرج* برفع الياء وكسر الراء، اللؤلؤ والمرجان نصبا.
وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يخرج منهما منصوبة الياء، واللؤلؤ والمرجان رفع «1».
أبو عبيدة: المرجان: صغار اللؤلؤ واحدها مرجانة «2»، قال ذو الرّمّة:
كأنّ عرا المرجان منها تعلّقت على أمّ خشف من ظباء المشافر «3» من قال: يخرج منهما اللؤلؤ كان قوله بيّنا، لأن ذلك إنما يخرج لا يخرج بنفسه، وكذلك من قال: يخرج* أي: يخرجه الله، فنسب الإخراج إلى الله تعالى، لأنه بقوّته وتمكينه، ومن قال: يخرج جعل الفعل للؤلؤ والمرجان، وهو اتّساع، لأنه إذا أخرج ذلك خرج.
وقال: يخرج منهما وإنما يخرج من أحدهما، على حذف المضاف، كما قال: على رجل من القريتين عظيم [الزخرف/ 31] على ذلك. وقال أبو الحسن: وعند قوم أنه يخرج من العذب أيضا.
[الرحمن: 24]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي:
المنشآت [الرحمن/ 24] فتحا «4».
__________
(1) السبعة 119.
(2) مجاز القرآن 2/ 244.
(3) عرى المرجان: الأطواق، وأم خشف: الظبية. والمشافر: ج مشفر وهو العقد من الرمل المطمئن. انظر ديوانه 3/ 1671.
(4) في السبعة: بفتح العين.
(6/247)
________________________________________
وقرأ حمزة: المنشئات كسرا.
وروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم: المنشآت والمنشئات فتحا وكسرا. وروى عنه حفص: المنشآت فتحا.
وروى حرميّ عن حماد بن سلمة عن عاصم: المنشآت فتحا «1».
أبو عبيدة: المنشآت: المجريات، المرفوعات «2».
وجه من قال: المنشآت أنها أنشئت وأجريت، ولم تفعل ذلك أنفسها، أي: فعل بها الإنشاء، وهذا بيّن لا إشكال فيه.
ومن قال: المنشئات نسب الفعل إليها على الاتّساع. كما يقال: مات زيد، ومرض عمرو، وغير ذلك مما يضاف الفعل إليه إذا وجد فيه، وهو في الحقيقة لغيره، فكان المعنى: المنشئات السير، فحذف المفعول للعلم به، وإضافة السير إليها أيضا اتّساع، لأن سيرها إنما يكون في الحقيقة لهبوب الريح، أو رفع الصواري.
[الرحمن: 31]
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: سنفرغ [الرحمن/ 31] بالنون، وروى حسين الجعفي عن أبي عمرو سيفرغ بفتح الياء والراء.
وقرأ حمزة والكسائي: سيفرغ بفتح الياء وضمّ الراء «3».
وجه الياء في سيفرغ أن الغيبة قد تقدم في قوله: وله الجواري [الرحمن/ 24] وقوله: ... وجه ربك [الرحمن/ 27]
__________
(1) السبعة 620 مع اختلاف يسير في العرض.
(2) مجاز القرآن 2/ 244.
(3) السبعة 620.
(6/248)
________________________________________
سيفرغ، ويقال: فرغ يفرغ وفرغ يفرغ، وقال أبو الحسن: بنو تميم يقولون: فرغ يفرغ مثل: علم يعلم، وروي أن في حرف أبيّ:
سنفرغ إليكم، وليس الفراغ هنا فراغا من شغل، ولكن تأويله القصد، كما قال جرير «1»:
ألان فقد فرغت إلى نمير فهذا حين صرت لهم عذابا
[الرحمن: 31]
قال: قرأ ابن عامر: أيه الثقلان [الرحمن/ 31] بضمّ الهاء، ويقف بالهاء، قال: فمن قرأ بهذه القراءة وقف على الهاء، وكان أبو عمرو يقف أيها بألف.
قال: أخبرني محمد بن يحيى قال: حدّثنا أبو جعفر الضرير، يعني محمدا، قال: كان الكسائي يقف: أيها بالألف «2».
لا وجه لقول ابن عامر أيه الثقلان وقد ذكرنا فيما قبل وجه الشّبهة فيها.
[الرحمن: 35]
قال: قرأ ابن كثير وحده: شواظ من نار بكسر الشين [الرحمن/ 35].
وقرأ الباقون: شواظ برفع الشين.
الشّواظ والشّواظ لغتان. زعموا. قال أبو الحسن: أهل مكّة يكسرون الشواظ.
[الرحمن: 35]
قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: ونحاس كسرا،
__________
(1) سبق، انظر 4/ 256.
(2) السبعة 620.
(6/249)
________________________________________
[الرحمن/ 35]، وقرأ الباقون: ونحاس رفعا «1».
أبو عبيدة: شواظ من نار: اللهب لا دخان له، وقال رؤبة:
إنّ لهم من وقعنا أقياظا ونار حرب تسعر الشّواظا «2» قال: والنحاس: الدخان. قال الجعدي «3»:
يضيء كضوء سراج السلى ط لم يجعل الله فيه نحاسا قال: السليط: الحلّ «4». وروي عن ابن عباس أيضا: الشواظ:
لهب لا دخان فيه، وعنه أيضا: النحاس: الدخان.
قال أبو علي: إذا كان الشواظ اللهب لا دخان فيه، ضعف قراءة من قرأ: شواظ من نار ونحاس ولا يكون على تفسير أبي عبيدة إلا الرفع، ونحاس على: يرسل عليكما شواظ من نار، ويرسل نحاس، أي: يرسل هذا مرة وهذا أخرى. فإن قلت: فهل يجوز الجرّ في نحاس على تفسير ابن عباس وأبي عبيدة، فإنه يجوز من وجه وهو
__________
(1) السبعة 621.
(2) أنشدهما ابن دريد للعجّاج في الجمهرة 3/ 122 ... أقياظا: ج قيظ وهو صميم الصيف، وقاظ يومنا: اشتد حرّه والبيتان في ملحقات ديوان العجّاج 2/ 349، وفي اللسان مادة/ شوظ/.
(3) السليط: الزيت الجيد أو دهن السمسم، والنحاس: بضمّ النون وكسرها:
الدخان قال أبو حنيفة: هو الذي يعلو وتضعف حرارته ويخلص من اللهب.
انظر شعر النابغة الجعدي ص 81، ومجاز القرآن 2/ 244، 254. والطبري 27/ 73، والاقتضاب ص 407، واللسان/ سلط/.
(4) الحل: الشيرج، ودهن السمسم (اللسان حلل).
(6/250)
________________________________________
على أن تقدّره: يرسل عليكما شواظ من نار وشيء من نحاس، فتحذف الموصوف وتقيم الصفة مقامه كقوله: ومن آياته يريكم البرق [الروم/ 24] ومن الذين هادوا يحرفون الكلم [النساء/ 46] وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به [النساء/ 159] ومن أهل المدينة مردوا على النفاق [التوبة/ 101]، فحذف الموصوف من ذلك كلّه، وكذلك في الآية فإن قلت: فإن هذا فاعل، والفاعل لا يحذف فقد جاء «1»:
وما راعني إلّا يسير بشرطة وعهدي به قينا يفشّ بكير على أن هذا الحذف قد جاء في المبتدأ في الآية التي تلوتها أو بعضها، وقد قالوا: تسمع بالمعيديّ لا أن تراه «2».
فإذا حذف الموصوف بقي بعده قوله: من نار الذي هو صفة لشيء المحذوف، وحذف من، لأن ذكره قد تقدّم في قوله من نار فحسّن ذلك حذفه، كما حسّن حذف الجار من قوله: على من تنزل أنزل، وكما أنشده أبو زيد من قول الشاعر «3»:
أصبح من أسماء قيس كقابض على الماء لا يدري بما هو قابض أي: بما هو قابض عليه، فحذف لدلالة الجار على المتقدّم
__________
(1) البيت لمعاوية الأسدي سبق ذكره 4/ 155.
(2) من أمثال العرب يضرب للشيء الذي لم تره ويعظم في نفسك بالسماع، فإذا رأيته اقتحمته عينك وله رواية: أخرى: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
الوسيط في الأمثال 1/ 83، وكتاب الأمثال لابن سلام/ 97.
(3) لقيس بن جروة تقدم ذكره في ج 1/ 260.
(6/251)
________________________________________
عليه، وكما حذف الجار عند الخليل من قوله:
إن لم يجد يوما على من يتّكل «1» يريد عنده: على من يتّكل عليه، فحذف الجارّ لجري ذكره، فكذلك سهل حذف من في الآية بعض السهولة لجري ذكره قبل، فيكون انجرار نحاس على هذا بمن المضمرة، لا بالإشراك بمن التي جرّت في قوله: من نار، وإذا انجرّت بمن هذه لم يكن الشواظ الذي هو: اللهب، قسطا من الدخان.
وحكي عن أبي عمرو أنه قال: لا يكون الشواظ إلا من نار، وشيء، يعني من شيئين. وقال أبو الحسن: قال بعضهم: لا يكون الشواظ إلا من النار والدخان جميعا، قال: وكل حسن، إلا أنّا نختار الرفع، يعني الرفع في قوله: ونحاس. قال أبو علي: فإذا كان الأمر على هذا فالجرّ متّجه، وليس بممتنع كما امتنع من تفسير أبي عبيدة، إلا من حيث ذكر.
[الرحمن: 74، 56]
قال: قرأ الكسائي وحده: لم يطمثهن* بضمّ الميم في الحرف الأول [56] وبكسرها في الثاني [74]، وكذلك أخبرني الكسائيّ عن أبي الحارث عنه، وقال أبو عبيدة: كان الكسائي يرى الضمّ فيها والكسر، وربّما كسر إحداهما، وضمّ الأخرى. وأخبرنا أحمد بن يحيى ثعلب، عن مسلمة عن أبي الحارث عن الكسائي: لم
__________
(1) عجز بيت لأحد الأعراب وصدره:
إن الكريم وأبيك يعتمل انظر الكتاب لسيبويه 1/ 443، وانظر شرح أبيات المغني للبغدادي 3/ 242، 304، واللسان (عمل).
(6/252)
________________________________________
يطمثهن يقرؤها بالضمّ والكسر جميعا، لا يبالي كيف قرأها.
والباقون بكسر الميم فيهما «1».
يطمث ويطمث لغتان، مثل: يحشر ويحشر، ويعكف ويعكف.
قال أبو عبيدة: لم يطمثهن: لم يمسسهنّ، قال يقال: ما طمث هذا البعير حبل قطّ، أي: ما مسّه حبل قط «2»، قال رؤبة «3».
كالبيض لم يطمث بهنّ طامث
[الرحمن: 78]
قال: قرأ ابن عامر وحده: تبارك اسم ربك ذو الجلال [الرحمن/ 78] بالواو وكذلك في مصاحف أهل الحجاز والشام.
وكلّهم قرأ: ذي الجلال والإكرام بالياء، وكذلك في مصاحف أهل الحجاز والعراق «4».
من قال: ذي فجرّ جعله صفة لربّك، وزعموا أن في حرف ابن مسعود: ويبقى وجه ربك ذي الجلال بالياء في كلتيهما.
وقال الأصمعي: لا يقال الجلال إلا في الله عزّ وجلّ، فهذا يقوّي الجرّ، إلا أن الجلال قد جاء في غير الله سبحانه، قال «5»:
__________
(1) السبعة 621.
(2) مجاز القرآن 2/ 245، 246.
(3) وبعده:
ازمان رأسي قصب جثاجث من أرجوزة يمدح فيها الحارث بن سليم الهجيمي. ديوانه/ 29.
(4) السبعة 621.
(5) لبيت لهدية بن خشرم العذري: يصف المنايا وعمومها للخلق فيقول:
(6/253)
________________________________________
فلا ذا جلال هبنه لجلاله ولا ذا ضياع هنّ يتركن للفقر فالجرّ الوجه في ذي، ومن رفع أجراه على الاسم
__________
لا يتركن الجليل هيبة لجلاله، ولا الضائع الفقير إشفاقا لضياعه وفقره.
وهو من شواهد سيبويه 1/ 72، وابن الشجري 1/ 334، والمفصل 2/ 37.
(6/254)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الواقعة
[الواقعة: 22]
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: وحور عين [22] بالرفع، المفضل عن عاصم وحمزة والكسائي: وحور عين خفض «1».
قال أبو علي: وجه الرفع، على أنه لمّا قال: يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق [الواقعة/ 17، 18] دلّ هذا الكلام على ما ذكر بعد على: لهم فيها كذا، ولهم حور عين، وكذلك من نصب من غير السبعة، حمل على المعنى، لأن الكلام دلّ على يمنحون وعلى يملّكون. وهذا مذهب سيبويه، ومثل ذلك «2»:
__________
(1) السبعة 622.
(2) البيتان لكعب بن زهير. تجافى: عن الأرض- وذاك أكرم لها- أي: لم ترم بنفسها- والزور والكلكل: بعضه قريب من بعض- والنبيل: ضخم الجسم، وسمر: يعنى: البعر- وظماء: يابسة لأنها لم تشرب الماء أياما- واترتهنّ:
تابعتهنّ- وذبّل: يبّس.
يصف في هذين البيتين منزلا رحل عنه فطرقه ذئبان أو ذئب وغراب فلم يجدا به إلا موضع إناخة مطيته وبعر السمر الظماء.
وهما من شواهد سيبويه 1/ 88. ديوانه/ 53 - 54.
(6/255)
________________________________________
فلم يجدا إلّا مناخ مطيّة تجافى بها زور نبيل وكلكل وسمر ظماء واترتهنّ بعد ما مضت هجعة من آخر الليل ذبّل لأن معنى لم يجدا إلا مناخ مطيّة: ثمّ مناخ مطيّة، فحمل سمر على ذلك، كما أن معنى: يطوف عليهم ولدان ... بأكواب: لهم أكواب، فحمل الرفع على المعنى، وكذلك قوله «1»:
بادت وغيّر آيهنّ مع البلى إلّا رواكد ... لما كان معنى الحديث: بها رواكد، حمل قوله:
ومشجّج أمّا سواء قذاله فبدا ... «1»
__________
(1) البيتان ينسبان إلى ذي الرمة وهما في ملحقات ديوانه 3/ 1840، كما ينسبان إلى المشاخ وهما في ملحقات ديوانه 427/ 428 وتمامهما:
بادت وغيّر ايهنّ مع البلى إلا رواكد جمرهن هباء ومشجّح أمّا سواء قذاله فبدا وغيّر ساره المعزاء وأراد بالرواكد: الأثافي، ووصف الجمر بالهباء لقدمه، والهباء:
الغبار وما يبدو من شعاع الشمس إذا دخلت من كوّة، وأراد بالمشجّج وتدا من أوتاد الخباء، وتشجيجه: ضرب رأسه ليثبت، وسواء قذاله: وسطه، واراد بالقذال أعلاه. وقوله: غيّر ساره: أراد سائره والمعزاء: أرض صلبة ذات حصى.
والبيتان من شواهد سيبويه ولم ينسبهما. الكتاب 1/ 88.
(6/256)
________________________________________
على: بها رواكد، ومشجّج.
ويجوز أن يحمل الرفع على قوله: على سرر موضونة [الواقعة/ 15] يريد: وعلى سرر موضونة حور عين، أو: وحور عين على سرر موضونة، لأن الوصف قد جرى عليهنّ فاختصصن، فجاز أن يرفع بالابتداء، ولم يكن كالنكرة إذا لم توصف نحو فيها عين [الغاشية/ 12] وقوله: على سرر موضونة [الواقعة/ 15] خبر لقوله:
ثلة من الأولين وقليل من الآخرين [الواقعة/ 13، 14]، فكذلك يجوز أن يكون خبرا عنهنّ، ويجوز في ارتفاع، وحور عين أن يكون عطفا على الضمير في: متكئين، ولم يؤكّد لكون طول الكلام بدلا من التأكيد. ويجوز أيضا أن تعطفه على الضمير في متقابلين، ولم يؤكد لطول الكلام أيضا. وقد جاء: ما أشركنا ولا آباؤنا [الأنعام/ 148] فهذا أجدر.
ووجه الجرّ: أن تحمله على قوله: أولئك المقربون في جنات النعيم [الواقعة/ 12]، التقدير: أولئك المقرّبون في جنّات النعيم، وفي حور عين، أي: في مقارنة حور عين ومعاشرة حور عين، فحذفت المضاف، فإن قلت: فلم لا تحمله على الجار في قوله: يطوف عليهم ولدان بكذا، وبحور عين، فإن هذا يمكن أن يقال: إلا أن أبا الحسن قال: في هذا بعض الوحشة.
قال أبو عبيد: الحوراء: الشديدة بياض العين الشديدة سوادها.
[الواقعة: 37]
قال: قرأ ابن عامر وابن كثير والكسائي: عربا [الواقعة/ 37]
__________
وقد نسب البيتان إلى الشماخ في شواهد الإنصاف/ 6، وذكر البيت الثاني اللسان في مادة/ شجج/ ولم ينسبه.
سبق البيتان في 5/ 313.
(6/257)
________________________________________
مثل. وقرأ حمزة: عربا خفيف. واختلف عن نافع وأبي عمرو وعاصم، فروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم عربا خفيف، وروى حفص عن عاصم: عربا مثقّل، وروى ابن جماز والقاضي عن قالون، وورش وإسحاق عن نافع عربا مثقل. وروى إسماعيل بن جعفر: عربا خفيف، وروى عبد الوارث واليزيدي عن أبي عمرو عربا مثقّل.
وروى أبو زيد وشجاع ابن أبي نصر عن أبي عمرو عربا خفيف، وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: عربا مثقّل، قال:
وسألته عن عربا فقال: تميم تقولها ساكنة الراء «1».
قال أبو عبيدة: العروب: الحسنة التبعّل، قال لبيد «2»:
وفي الحدوج عروب غير فاحشة ريّا الرّوادف يعشى دونها البصر «3» قال أبو علي: الفعول: تجمع على فعل وفعل، فمن التثقيل قوله «4»:
فاصبري إنّك من قوم صبر وقال «5»:
__________
(1) السبعة 622.
(2) ديوانه/ 56، الحدوج: مراكب النساء- العروب: المتحببة لزوجها- ريا الروادف: ضخمة العجيزة- يعشى: يكلّ ويضعف.
(3) مجاز القرآن 2/ 251.
(4) لم نعثر على قائله.
(5) لم نعثر على قائله.
(6/258)
________________________________________
أنّهم غفر ذنبهم ....
والتخفيف في ذلك سائغ مطّرد، وليس في هذا ما في قول الآخر «1»:
وما بدّلت من أمّ عمران سلفع من السّواد ورهاء العنان عروب ومما جاء مسكّنا في جميع عروب قول رؤبة «2»:
العرب في عرابة وإعراب وذكر عن ابن عباس: العرابة والإعرابة: التعريض بالنكاح.
[الواقعة: 47]
قال: وقال ابن عامر: أإذا متنا وكنا ترابا بهمزتين، أإنا لمبعوثون [الواقعة/ 47] بهمزتين أيضا، خلاف ما في سائر القرآن، ولم يقرأ ابن عامر بالجمع «3» بين الاستفهامين في سائر القرآن، إلا في هذا الموضع «4».
__________
(1) ذكره صاحب التهذيب 2/ 364، واللسان (عرب) ولم ينسباه وعندهما: «وما خلف» بدل «وما بدلت». والعروب: المرأة الحسناء المتحبّبة لزوجها، والعروب أيضا: العاصية لزوجها الخائنة بفرجها الفاسدة في نفسها. وأنشدا البيت عن ثعلب. قال ابن منظور: وعندي أن عروب في هذا البيت الضحاكة، وهم يعيبون النساء بالضحك الكثير. السلفع: السليطة الجريئة.
(اللسان).
(2) في ديوانه:
والعرب في عفافة وإعراب وقبله: وقد أرى زير الغواني الأتراب انظر ديوانه/ 5.
(3) في الأصل: بالجميع، وما أثبتناه من السبعة.
(4) السبعة 623.
(6/259)
________________________________________
قال أبو علي: إن ألحق حرف الاستفهام في قوله: أئنا أولم يلحق، كان إذا متعلّقا بشيء دل عليه: أئنا لمبعوثون وكذلك لو لم يلحق فقال: إنا لمبعوثون*. ألا ترى أن إذا: ظرف من الزمان فلا بدّ له من فعل، أو معنى فعل يتعلّق به، ولا يجوز أن يتعلّق بقوله: متنا، لأن إذا* مضاف إليه، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف، وليس الفعل في موضع جزم، كما يكون في موضع جزم في الشعر، فإذا لم يجز حمله على هذا الفعل، ولا على ما بعد إنّ، من حيث لم يعمل ما بعد إنّ فيما قبلها، كما لم يعمل ما بعد لا، فكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله، علمت أنه متعلق بشيء دلّ عليه قوله: إنا لمبعوثون* أو: أإنا لمبعوثون، وذلك: نحشر، أو نبعث، ونحو هذا مما يدلّ عليه الكلام.
[الواقعة: 55]
وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو والكسائي: شرب* [الواقعة/ 55] بفتح الشين.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة: شرب بضمّ الشين «1».
شرب شربا وشربا جميعا، فالشّرب: كالأكل والضّرب، والشّرب: كالشّغل والذكر، فأما الشّرب: فالمشروب، كما أن الطّحن: المطحون، وقال: لها شرب ولكم شرب يوم معلوم [الشعراء/ 155]، إنما هو ما كانت شربة من الماء، وقد يكون الشّرب جمع شارب، مثل: راكب وركب، وراجل ورجل، وتاجر وتجر، فأما قول الشاعر «2»:
__________
(1) البيت لأبي دؤاد- والشّرب: جماعة الشاربين. انظر شعره/ 290 ضمن دراسات في الأدب العربي لغرانباوم، وفيه «الموكب» بدل «المركب».
(2) السبعة 623.
(6/260)
________________________________________
وعنس قد براها لذة المركب والشّرب فيمكن أن يعني بالشّرب المصدر، ويمكن أن يعني به جمع شارب، والمصدر أشبه ليكون معطوفا على مثله، ويقوّي المصدر أيضا قول الآخر «1»:
كشراب قيل عن مطيّته ولكلّ أمر واقع قدر فإن جعلت في البيت الشّرب مصدرا فالمعنى إدمان الشّرب، وإن جعلته جمعا فالمعنى استعمال الشرب.
[الواقعة: 60]
قال: وكلّهم قرأ: نحن قدرنا [الواقعة/ 60] بالتشديد، غير ابن كثير فإنه قرأ: قدرنا* خفيفة «2».
قال أبو علي: قد قالوا: قدرنا* في معنى قدرنا، وقد تقدّم ذكر ذلك، ويدلّ عليه قوله «3»:
ومفرهة عنس قدرت لساقها فخرّت كما تتايع الريح بالقفل
__________
(1) البيت لعمرو بن أحمر يذكر شبابه ونعمته. وهو من قصيدة في شعره ص 91، وانظر المعاني الكبير 1/ 463.
وقيل: هو قيل بن عتر من عاد، وهو أحد أفراد وفد عاد الذين وفدوا على معاوية بن بكر أحد العماليق وسيد مكّة. القدر: القدر والقضاء. يريد أنه لها في شبابه كما لها قيل عن مطيته حين سحرته الجرادتان بغنائهما.
(2) السبعة 623.
(3) لأبي ذؤيب، وقد سبق في 5/ 49
(6/261)
________________________________________
المعنى: قدرت ضربتي لساقها فضربتها، ومثله في المعنى «1»:
فإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها على الضيف يجرح في عراقيبها نصلي ومثله قول لبيد «2»:
مدمنا يمسح في شحم الذّرى دنس الأسؤق من عضب أفلّ
[الواقعة: 66]
قال عاصم في رواية أبي بكر: أإنا لمغرمون [الواقعة/ 66] استفهام بهمزتين.
حفص عن عاصم، والباقون: إنا على لفظ الخبر «3».
قال أبو علي: قد تقدم القول في ذلك.
قال: قرأ حمزة والكسائي: بموقع النجوم [الواقعة/ 75] واحدا، وقرأ الباقون: بمواقع النجوم جماعة «4».
[الواقعة: 75]
أبو عبيدة: فلا أقسم بمواقع النجوم أي: فأقسم، قال:
__________
(1) لذي الرّمة سبق ذكره في 5/ 49
(2) رواية الديوان للبيت:
مدمن يجلو بأطراف الذرى دنس الأسؤق بالعضب الأفلّ والعضب: القاطع. الأفل. الكثير الفلول لكثرة ما ضرب به. والمعنى: يعرقب الإبل لينحرها ثم يمسح ذرى أسنمتها بسيفه ليجلو ما عليه من دماء سيقانها ديوانه/ 149.
(3) السبعة 624.
(4) السبعة 624.
(6/262)
________________________________________
ومواقعها: مساقطها حيث تغيب، هذا قول أبي عبيدة «1» وقيل: إنه مواقع القرآن حين نزل على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم نجوما، ويحتمل قوله: والنجم إذا هوى [النجم/ 1] هذين الوجهين، فأمّا الجمع في ذلك، وإن كان مصدرا فلاختلافه، وذلك أن المصادر وسائر أسماء الأجناس إذا اختلفت، جاز جمعها، وعلى هذا قالوا: نمور ونمران، وقال: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير [لقمان/ 19] فجمع للاختلاف وقال:
لصوت الحمير، فأفرد لما كان الجميع ضربا واحدا.
فمن قال: بموقع فأفرد، فلأنه اسم جنس، ومن جمع، فلاختلاف ذلك. فأما قوله «2»:
كأنّ متنيّ من النقيّ مواقع الطّير على الصّفيّ فليس اسم المصدر إنما هو موضع، فجمع، لأن المعنى على الجمع، وإنما شبّه مواضع بمواضع.
[الواقعة: 56]
قال عباس سألت أبا عمرو فقرأ: هذا نزلهم [الواقعة/ 56] ساكنة الزاي.
وقرأ الباقون واليزيدي عن أبي عمرو: نزلهم مثقّل «3».
والنّزل والنزل بمعنى، مثل: الشّغل والشّغل، والعنق والعنق، والطنب والطنب، فأما قوله: ولكم فيها ما تدعون، نزلا من غفور رحيم [فصّلت/ 31، 32] فنزل: يحتمل ضربين يجوز أن يكون
__________
(1) مجاز القرآن 2/ 252.
(2) للأخيل الطائي سبق ذكره في الحجّة 4/ 308.
(3) السبعة 623.
(6/263)
________________________________________
جمع نازل كقوله:
أو تنزلون فإنّا معشر نزل «1» والحال من الضمير في يدعون أي: ما يدّعون من غفور رحيم نازلين، ويجوز أن يكون، نزلا يراد به القوت الذي يقام للنازل أو الضيف.
ويكون حالا من قوله: ما يدعون والعامل في الحال معنى الفعل في لهم وذو الحال ما يدعون أي: لهم ما يدّعون نزلا، ومن غفور رحيم صفة نزل، وفيه ضمير يعود إليه، وقوله: كانت لهم جنات الفردوس نزلا [الكهف/ 107]، ويجوز أن يكون المعنى:
لهم ثمر جنّات الفردوس نزلا، فيكون النزل: القوت، ويجوز أن يكون النزل: جمع نازل، ويدلّ على الوجه الأول: كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا [البقرة/ 25].
[الواقعة: 82]
قال: روى المفضل عن عاصم: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون خفيفة منصوبة التاء [الواقعة/ 82].
وروى غيره عن عاصم: تكذبون مشدّدة، وكذلك الباقون.
وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون: أي تجعلون رزقكم الذي رزقكموه اللَّه فيما قاله: وأنزلنا من السماء ماء مباركا إلى قوله: رزقا للعباد [ق/ 11]، وقوله: وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات
__________
(1) عجز بيت للأعشى وصدره في ديوانه ص 63:
قالوا الركوب! فقلنا تلك عادتنا أي: تنزلون عن خيولكم فنجالدكم بالسيوف بدل المطاعنة بالرماح، والبيت من شواهد سيبويه 1/ 429، وشرح أبيات المغني 8/ 103.
(6/264)
________________________________________
رزقا لكم [البقرة/ 22]، أي: تكذبون في أن تنسبوا هذا الرزق إلى غير اللَّه، فتقولون: مطرنا بنوء كذا، فهذا وجه التخفيف.
ومن قال: تكذبون فالمعنى: إنكم تكذبون بالقرآن، لأن اللَّه عزّ وجلّ هو الذي رزقكم ذلك، على ما جاء في قوله: رزقا للعباد [ق/ 11] فتنسبونه أنتم إلى غيره، فهذا تكذيبهم لما جاء التنزيل به، وروي عن ابن عباس أنه قرأ: وتجعلون شكركم أنكم تكذبون «1» [الواقعة/ 82]، أي تجعلون مكان الشكر الذي يجب عليكم التكذيب. وقد يكون المعنى: تجعلون شكر رزقكم التكذيب، فحذف المضاف.
__________
(1) هذه قراءة علي وابن عباس ورويت عن النبي صلى اللَّه عليه وآله سلم. انظر المحتسب 2/ 310.
(6/265)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الحديد
[الحديد: 8]
قرأ أبو عمرو وحده: وقد أخذ ميثاقكم [الحديد/ 8]، رفع «1»، وقرأ الباقون: أخذ ميثاقكم «1».
حجة من قال: أخذ أنه قد تقدّم: وما لكم لا تؤمنون بالله [الحديد/ 8]، الضمير يعود إلى اسم اللَّه عزّ وجلّ. وأمّا أخذ* فإنه يدلّ على هذا المعنى، وقد عرف آخذ الميثاق وأن آخذه اللَّه عزّ وجل.
[الحديد: 10]
قال: كلهم قرأ: وكلا وعد الله الحسنى [الحديد/ 10] بالنصب، غير ابن عامر فإنه قرأ: وكل وعد الله الحسنى بالرفع «3».
حجّة النصب بيّن لأنه بمنزلة زيدا وعدت خيرا، فهو مفعول وعدت، وحجّة ابن عامر أن الفعل إذا تقدّم عليه مفعوله لم يقو عمله فيه قوّته إذا تأخّر، ألا ترى أنهم قد قالوا في الشعر: زيد ضربت، ولو تأخر المفعول فوقع بعد الفاعل لم يجز ذلك فيه. ومما جاء من ذلك
__________
(1) في السبعة: بضمّ الألف وكسر الخاء وضم القاف.
(3) السبعة 625.
(6/266)
________________________________________
قول الشاعر «1».
قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي عليّ ذنبا كلّه لم أصنع فرووه بالرفع لتقدّمه على الفعل، وإن لم يكن شيء يمنع من تسلّط الفعل عليه، فكذلك قوله: وكل وعد الله الحسنى يكون على إرادة الهاء وحذفها، كما تحذف في الصّلات والصّفات، فالصّلات نحو: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] والصفات: واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا [البقرة/ 48] أي: لا تجزيه، ومثل ذلك قول جرير «2»:
وما شيء حميت بمستباح أي: حميته.
[الحديد: 11]
قرأ ابن كثير وابن عامر: فيضعفه [الحديد/ 11] مشدّدة بغير ألف. ابن كثير يضمّ الفاء وابن عامر يفتح الفاء.
قال: وعاصم يقرأ: فيضاعفه بألف وفتح الفاء. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي: فيضاعفه* بالألف وضمّ الفاء.
قال أبو علي: يضاعفه، ويضعفه بمعنى، فأما الرفع في:
__________
(1) البيت لأبي النجم، وهو من شواهد سيبويه 1/ 44 - 69 - 73، وشرح أبيات المغني 4/ 240، والخزانة 1/ 173 - 445، والخصائص 1/ 292 و 3/ 61. وأم الخيار: زوجة أبي النجم.
(2) صدر البيت:
أبحت حمى تهامة بعد نجد وقد سبق ذكره في 2/ 44.
(6/267)
________________________________________
فيضاعف فهو الوجه، لأنه محمول على: يقرض، أو على الانقطاع من الأول، كأنه: فهو يضاعف، ولا يكون النصب في هذا كما كان في قولك: أتقوم فأحدّثك؟ لأن القيام غير متيقّن فالمعنى: أيكون منك قيام فحديث منّي؟، وليس ما في الآية كذلك، ألا ترى أنه من قال:
من ذا الذي يقرض الله [الحديد/ 11] فالقرض ليس مسئولا عنه، وإنما المسئول عنه الفاعل، وعلى هذا أجازوا: أيّهم سار حتى يدخلها، ولم يجز سيبويه النصب في يدخل، لأن السير متيقن غير مسئول عنه، وإنما السؤال عن الفاعل، فكذلك في قوله: من ذا الذي يقرض فيضاعف له. لا يكون في يضاعف إلا الرفع، كما لم يكن في يدخل بعد حتى إلا الرفع. ومن نصب فقال: فيضاعفه لم يكن الوجه، وإنما هو مما يجوز في الشعر في نحو قوله «1»:
وألحق بالحجاز فأستريحا ألا ترى أن المعطوف عليه موجب في موضع تيقّن، ولكن يحمل قول الذي نصب، فقال: يضاعفه على المعنى، لأنه إذا قال أحد: من ذا الذي يقرض، فكأنه قد قال: أيقرض اللَّه أحد قرضا فيضاعفه له؟ وإن لم يحمله على ما ذكرنا من المعنى لم يستقم، فالوجه في قراءة: فيضاعفه ما عليه الأكثر من الرفع في:
فيضاعفه*.
__________
(1) عجز بيت للمغيرة بن حبناء وصدره:
سأترك منزلي لبني تميم واستشهد به سيبويه 1/ 423 - 448، وهو الشاهد رقم 319 من شواهد المغني، وفي الخزانة 3/ 600، والمحتسب 1/ 197، والمفصل 1/ 279.
(6/268)
________________________________________
[الحديد: 13]
قال: قرأ حمزة وحده: للذين آمنوا أنظرونا [الحديد/ 13] مكسورة الظاء.
وقرأ الباقون: للذين آمنوا انظرونا موصولة «1».
ليس النظر الرؤية التي هي إدراك البصر، إنما هو تقليب العين نحو الجهة التي فيها المرئيّ المراد رؤيته، ممّا يدلّ على ذلك قوله «2»:
فيا ميّ هل يجزى بكائي بمثله مرارا وأنفاسي إليك الزوافر وأنّي متى أشرف من الجانب الذي به أنت من بين الجوانب ناظر فلو كان النظر الرؤية لم يطلب عليه الجزاء، لأن المحبّ لا يستثيب من النظر إلى محبوبه شيئا بل يريد ذلك ويتمنّاه، ويدلّ على ذلك قول الآخر «3»:
ونظرة ذي شجن وامق إذا ما الركائب جاوزن ميلا فهذا على التوجّه إلى الناحية التي المحبوب فيها، وتقليب البصر نحوها لما يعالج من التلفّت والتقلّب. كقول الآخر «4»:
__________
(1) السبعة 626 وفيه: (انظرونا) موصولة الألف مضمومة الظاء.
(2) البيتان لذي الرّمّة- ومعناهما: يامي هل تبكين مثلما أبكي مرارا، وإنني صابر على ذلك فهل تجزينني على هذه المحبة؟
والبيت الثاني من شواهد سيبويه 1/ 437، والمقتضب 4/ 71، والخزانة 3/ 645، انظر ديوانه 2/ 1014.
(3) لم نعثر على قائله.
(4) لم نعثر على قائله.
(6/269)
________________________________________
ما سرت ميلا ولا جاوزت مرحلة إلا وذكرك يلوي كابيا عنقي وما يبيّن أن النّظرة ليست الرؤية أن الركاب إذا حاذت هذه المسافة أو جاوزتها لم تقع الرؤية على من صار من الرائي بهذه المسافة. فأما قوله: ولا ينظر إليهم يوم القيامة [آل عمران/ 77]، فالمعنى: أنه سبحانه لا ينيلهم رحمته، وقد تقول: أنا أنظر إلى فلان، إذا كنت تنيله شيئا، ويقول القائل: انظر إليّ نظر اللَّه إليك، يريد:
أنلني خيرا أنالك اللَّه.
ونظرت بعد يستعمل وما تصرف منه على ضروب، أحدها: أن تريد به: نظرت إلى الشيء فيحذف الجار، ويوصل الفعل، من ذلك ما أنشد أبو الحسن «1»:
ظاهرات الجمال والحسن ينظر ن كما ينظر الأراك الظباء المعنى: ينظرن إلى الأراك، فحذف الجار الذي في نحو قوله «2»:
نظرن إلى أظعان ميّ كأنها
__________
(1) البيت في الأساس (نظر) برواية:
ظاهرات الجمال ينظرن هونا ولم ينسبه.
(2) صدر بيت لذي الرّمة وعجزة:
مولية ميس يميل ذوائبه والميس: شجر تعمل منه الرحال- تميل ذوائبه: أغصانه وأعاليه ورواية الديوان: «نظرت»، ديوانه 2/ 825.
(6/270)
________________________________________
والآخر: أن يريد به تأمّلت وتدبرت، فهو فعل غير متعدّ، فمن ذلك قولهم: اذهب فانظر زيدا أبو من هو؟ فهذا يراد به التأمّل، من ذلك قوله عزّ وجلّ: انظر كيف ضربوا لك الأمثال [الإسراء/ 48]، انظر كيف يفترون على الله الكذب [النساء/ 50]، انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض [الإسراء/ 21].
وقد يتعدّى هذا بالجار كقوله: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت [الغاشية/ 17]، فهذا أحضّ على التأمّل، وتبين وجه الحكمة فيه، وقد يتعدّى بفي، وذلك نحو قوله: أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض [الأعراف/ 185]، فهذا كقوله: أولم يتفكروا في أنفسهم [الروم/ 8].
فأما قوله «1»:
ولما بدا حوران والآل دونه نظرت فلم تنظر بعينيك منظرا ويجوز أن يكون نظرت فلم تنظر، أي: نظرت فلم تر بعينيك منظرا لغرقه في الآل كقوله «2»:
ترى قورها يغرقن في الآل مرّة وآونة يخرجن من غامر ضحل وقد يجوز أن يعنى بالنظر الرؤية على الاتّساع، لأن تقليب
__________
(1) البيت لامرئ القيس من قصيدة قالها يوم توجه إلى بلاد الروم، وفي الديوان:
فلما بدت حوران والآل دونها وحوران: جنوب دمشق- والآل: السراب. ديوانه/ 87.
(2) البيت لذي الرمّة سبق ذكره في 4/ 223.
(6/271)
________________________________________
البصر نحو المبصر تتبعه الرؤية، وقد يجري على الشيء لفظ ما يتبعه، ويقترن به كقولهم للمرأة: راوية، وكقولهم للفناء: عذرة، وكقولهم لذي بطن الإنسان: غائط وإنما الغائط: المطمئن من الأرض المستقل، وقد يكون: نظرت فلم تنظر، مثل: تكلّمت فلم تكلّم، أي: لم تأت بكلام على حسب ما يراد، أي: لم يقع الموقع الذي أريد، فكذلك: نظرت فلم تنظر منظرا كما تريد، أو: لم تر منظرا يروق.
وضرب آخر من نظرت: أن يريد به انتظرته، من ذلك قوله:
إلى طعام غير ناظرين إناه [الأحزاب/ 53]، أي: غير منتظرين إدراكه وبلوغه، ومن ذلك قول الشاعر «1»:
ما زلت مذ أشهر السّفّار أنظرهم مثل انتظار المضحي راعي الإبل يدلّك على ذلك قوله: مثل انتظار المضحّي، المعنى: انتظرتهم انتظارا مثل انتظار المضحي، فقد تبينت أنه أراد بنظرت: انتظرت، وقد يجيء فعلت وافتعلت بمعنى كثيرا، كقولهم: شويت واشتويت، وحضرت واحتضرت، ومن ذلك قول الفرزدق «2»:
نظرت كما انتظرت اللَّه حتى كفاك الماحلين لك المحالا
__________
(1) ذكره اللسان (شهر) ولم ينسبه وروايته فيه «راعي الغنم» بدل «الإبل» أشهر السفّار: مضى عليهم شهر.
(2) انظر ديوانه 2/ 655، وفيه:
نظرتك ما انتظرت اللَّه حتى كفاك الماحلين بك المحالا
(6/272)
________________________________________
يريد: انتظرت كما انتظرت، وقد يكون: انظرت في معنى انتظرت، تطلب بقولك أنظرني التنفيس الذي يطلب بالانتظار، من ذلك قوله «1»:
أبا هند فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبّرك اليقينا ومن ذلك قوله: قال أنظرني إلى يوم يبعثون [الأعراف/ 14] إنما هو طلب الإمهال والتسويف، فالمطلوب بقوله: وأنظرنا نخبّرك اليقينا: تنفيس، وفي قوله: أنظرني إلى يوم يبعثون تسويف وتأخير، وكذلك قوله: انظرونا نقتبس من نوركم [الحديد/ 13] نفّسونا نقتبس، وانتظروا علينا، وكذلك ما جاء في الحديث من إنظار المعسر «2»، فهذا وإن كان التأخير يشملها فهو على تأخير دون تأخير، وليس تسرّع من تسرع إلى تخطئة من قال: انظرونا بشيء، وليس ينبغي أن يقال فيما لطف إنه خطأ، وهو زعموا قراءة يحيى بن وثّاب والأعمش.
[الحديد: 16]
قال: قرأ نافع وحفص والمفضل عن عاصم: وما نزل من الحق [الحديد/ 16] خفيفة نصب.
وقرأ الباقون، وأبو بكر عن عاصم: وما نزل مشدّدة، وروى
__________
(1) لعمرو بن كلثوم من معلقته المشهورة «شرح المعلقات السبع للزوزني/ 122.
(2)
أخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده ومسلم وابن ماجة عن أبي اليسر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: «من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله اللَّه في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه» انظر الدر المنثور للسيوطي 1/ 368 وانظر مسند أحمد 1/ 327.
(6/273)
________________________________________
عباس عن أبي عمرو: وما نزل من الحق مرتفعة النون مكسورة الزاي «1». قال أبو علي: من خفّف وما نزل من الحق فعلى نزل ذكر مرفوع بأنه الفاعل، ويعود إلى الموصول، ويقوّي التخفيف قوله:
وبالحق نزل [الإسراء/ 105].
ومن قال: وما نزل فشدّدها على الفعل الضمير العائد إلى اسم اللَّه عزّ وجلّ، والعائد إلى الموصول الضمير المحذوف من الصلة كالذي في قوله: وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] أي:
اصطفاهم. وحجة ذلك كثرة ما في القرآن من ذكر التنزيل.
ومن قرأ: وما نزل فالعائد إلى الموصول: الذكر المرفوع في نزل* وذلك الذكر مرفوع بالفعل المبني للمفعول، وما* الذي هو الموصول في كل ذلك في موضع جرّ بالعطف على الجار في قوله:
أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل [الحديد/ 16].
[الحديد: 18]
قال: قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: إن المصدقين والمصدقات [الحديد/ 18] خفيف.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم، مشدّدة الصاد فيهما «2».
قال أبو علي: من خفّف فقال: إن المصدقين فمعناه: إن المؤمنين والمؤمنات، وأما قوله: وأقرضوا الله قرضا حسنا [الحديد/ 18] فهو في المعنى كقوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات [الكهف/ 107] لأن إقراض اللَّه من الأعمال الصالحة.
__________
(1) السبعة 626.
(2) السبعة 626.
(6/274)
________________________________________
ومن حجّة من قال: المصدقين* فخفّف، أنه أعمّ من المصدقين، ألا ترى أن المصدقين مقصور على الصدقة، والمصدقين* تعمّ التصديق والصادقة، لأن الصدقة من الإيمان فهو أذهب في باب المدح.
ومن حجة من ثقّل فقال: المصدقين والمصدقات أنهم زعموا أن في حرف قراءة أبيّ: إن المتصدقين والمصدقات ومن حجتهم أن قوله: وأقرضوا الله قرضا حسنا [الحديد/ 18] اعتراض بين الخبر والمخبر عنه، والاعتراض بمنزلة الصفة، فهو للصدقة أشدّ ملاءمة منه للتصديق، وليس التخفيف كذلك، لأن الإيمان ليس الإقراض فقط، بل هو أشياء أخر، والإقراض منه.
ومن حجة من خفّف فقال: المصدقين* أن يقول، لا نحمل قوله: وأقرضوا على الاعتراض، ولكنّا نعطفه على المعنى، ألا ترى أن المصدّقين والمصدّقات معناه إن الذين صدّقوا، فكأنّه في المعنى:
إن المصدّقين وأقرضوا، فحمل وأقرضوا على المعنى لما كان معنى المصدّقين الذين صدّقوا، فكأنه قال: إن الذين صدّقوا وأقرضوا.
[الحديد: 23]
قال: قرأ أبو عمرو وحده: بما أتاكم [الحديد/ 23] قصرا، وقرأ الباقون: بما آتاكم ممدودة «1».
من حجّة من قصر فقال: أتاكم* أنه معادل ب فاتكم*. فكما أن الفعل للغائب في قوله: فاتكم* كذلك يكون الفعل الذي في قوله: بما أتاكم والعائد إلى الموصول من الكلمتين الذكر المرفوع بأنه فاعلي، وأنشد أبو زيد «2»:
__________
(1) السبعة 626.
(2) النوادر/ 150 (ط الفاتح) وهو لمرداس بن الحصين. وقد سبق في طرّة الجزء
(6/275)
________________________________________
ولا فرح بخير إن أتاه ولا جزع من الحدثان لاع ومن حجّة من مدّ أن الخير الذي يأتيهم هو مما يعطيه اللَّه فإذا مدّ كان ذلك منسوبا إلى اللَّه سبحانه، وهو تعالى المعطي لذلك، ويكون فاعلي القول في أتاكم* ضميرا عائدا إلى اسم اللَّه، والهاء محذوفة من الصلة تقديره: بما أتاكموه.
[الحديد: 24]
قال: قرأ نافع وابن عامر: فإن الله الغني الحميد [الحديد/ 24] ليس فيها هو، وكذلك في مصاحف أهل المدينة والشام.
وقرأ الباقون: هو الغني الحميد «1».
قال أبو علي: ينبغي أن يكون هو* في قول من قال: هو الغني الحميد فصلا، ولا يكون مبتدأ لأن الفصل حذفه أسهل، ألا ترى أنه لا موضع للفصل من الإعراب وقد يحذف، فلا يخلّ بالمعنى كقوله: إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا [الكهف/ 39].
[الحديد: 15]
ابن عامر في رواية هشام: فاليوم لا تؤخذ [الحديد/ 15]، ابن ذكوان: بالياء، وكذلك الباقون: بالياء «2».
التاء حسن لتأنيث الفاعل، والياء حسن للفصل الواقع بين الفعل والفاعل، وأن التأنيث ليس بحقيقي.
__________
الأول ص 306 من هذا الكتاب.
(1) السبعة 627.
(2) السبعة 627.
(6/276)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة المجادلة
[المجادلة: 2]
قرأ عاصم في رواية المفضل عن «1»: ما هن أمهاتهم [2] رفع، ولم يختلف في ذلك أنه نصب على لفظ حفص «2».
وجه الرفع أنه لغة تميم، قال سيبويه: وهو أقيس الوجهين، وذلك أنّ النفي كالاستفهام، كما لا يغيّر الاستفهام الكلام عمّا كان عليه في الواجب، وكذلك ينبغي أن لا يغيّر في النفي عمّا كان عليه في الواجب، ووجه النصب: أنه لغة أهل الحجاز، والأخذ في التنزيل بلغتهم أولى، وعليها جاء قوله: ما هذا بشرا [يوسف/ 31]، ووجهه من القياس، أن يدخل على الابتداء والخبر كما أنّ ليس تدخل عليهما، وهي تنفي ما في الحال، كما أن ليس تنفي ما في الحال، وقد رأيت الشبهين إذا قاما في شيء من شيء، جذباه إلى حكم ما فيه الشبهان منه، فمن ذلك جميع ما لا ينصرف مع كثرته واختلاف فنونه، لمّا حصل الشّبهان من الفعل صار بمنزلته في امتناع الجرّ والتنوين منه، فكذلك ما* لما حصل فيه الشبهان من ليس وجب
__________
(1) «عن»: ساقطة من السبعة.
(2) السبعة 628. وذكر الآية: (ما هنّ أمهاتهم).
(6/277)
________________________________________
على هذا أن يكون في حكمها، ويعمل عملها، كما أن جميع ما لا ينصرف صار بمنزلة الفعل فيما ذكرنا، وغير ذلك يبعد فيه كما يبعد صرف ما لا ينصرف.
[المجادلة: 2]
قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: والذين يظهرون [المجادلة/ 2] بغير ألف.
وقرأ عاصم: والذين يظاهرون خفيف بألف وضم الياء.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: يظاهرون* بفتح الياء بألف مشدّدة الظاء «1».
قال أبو علي: ظاهر من امرأته، وظهّر، مثل ضاعف وضعّف، وتدخل التاء على كل واحد منهما فيصير: تظاهر وتظهّر، ويدخل حرف المضارعة فيصير: يتظهّر، ويتظاهر، ثم تدغم التاء في الظاء لمقاربتها لها، فيصير: يظّاهر ويظّهّر، ويفتح التاء التي للمضارعة لأنها للمطاوعة كما يفتحها في يتدحرج الذي هو مطاوع دحرجته فتدحرج، وإنما فتحت الياء في يظّاهر، ويظّهّر، لأنه للمطاوع، كما أن يتدحرج كذلك، ولأنه على وزنهما، وإن لم يكونا للإلحاق.
فأما قول عاصم: يظاهرون فقال أبو الحسن هو كثير في القراءة، وفي كلام العرب. قال أبو علي: وقولهم: الظهار، وكثرة ذلك على الألسنة، يدلّ على ما قال أبو الحسن.
[المجادلة: 8]
قال: قرأ حمزة وحده: وينتجون [المجادلة/ 8] بغير ألف.
والباقون: يتناجون بألف «2».
قال أبو علي: ينتجون يفتعلون من النّجوى، والنّجوى:
__________
(1) السبعة 628.
(2) السبعة 628.
(6/278)
________________________________________
مصدر كالدّعوى والعدوى، ومثل ذلك في أنه على فعلى: التّقوى إلا أن الواو فيها مبدلة وليست بلام، ولما كان مصدرا وقع على الجميع على لفظ الواحد في قوله: إذ يستمعون إليك، وإذ هم نجوى [الإسراء/ 47] أي: ذوو نجوى، ومما يدلّ على ذلك قوله: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة [النساء/ 114] أي: إلا في نجوى من أمر بصدقة، فأفرد ذلك، وإن كان مضافا إلى جماعة لما كان مصدرا، كقوله: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [لقمان/ 28] ونحو ذلك، وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا [المجادلة/ 7].
وقوله: ثلاثة يحتمل جرّه أمرين، أحدهما: أن يكون مجرورا بإضافة نجوى إليه، كأنه: ما يكون من سرار ثلاثة إلا هو رابعهم، أي: لا يخفى عليه ذلك، كما قال: ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم [التوبة/ 78] وكقوله: فإنه يعلم السر وأخفى [طه/ 7]، ويجوز أن يكون ثلاثة جرّا على الصفة على قياس قوله: وإذ هم نجوى [الإسراء/ 47]، فأما النّجيّ فصفة تقع على الكثرة كالصّديق والرفيق والحميم، ومثله الغزي، قال جرير «1» فجمع:
تريح نقادها جشم بن بكر وما نطقوا بأنجية الخصوم وأنشد أبو زيد «2»:
__________
(1) ديوانه/ 495 برواية: (الحكوم). والنقّاد: صغار الضأن- والأنجية: القوم يتشاورون في الأمر جمع نجيّ.
(2) نسب اللسان هذا البيت في مادة/ نجا/ إلى سحيم بن وثيل اليربوعي بينما لم ينسبه أبو زيد في النوادر إلى أحد، انظر النوادر/ 159 (ط. الفاتح).
(6/279)
________________________________________
إني إذا ما القوم كانوا أنجيه واختلف القول اختلاف الأرشية وفي التنزيل: خلصوا نجيا [يوسف/ 80]، فأما قول حمزة:
ينتجون وقول سائرهم: يتناجون فإنّ يفتعلون، ويتفاعلون يجريان مجرى واحدا، ومن ثمّ قالوا: ازدوجوا واعتوروا، فصحّحوا الواو، وإن كانت على صورة يجب فيها الاعتلال لما كان بمعنى تعوروا وتزاوجوا، كما صحّ: عور وحول وصيد، لما كان ذلك على معنى افعال، ومن ثمّ جاء: حتى إذا اداركوا فيها جميعا [الأعراف/ 38] فادّاركوا: افتعلوا، وادّاركوا: تفاعلوا، فكذلك في المعنى في: ينتجون، ويتناجون واحد.
ومن حجّة من قرأ: يتناجون [المجادلة/ 8] قوله: إذا ناجيتم الرسول [المجادلة/ 12] وتناجوا بالبر والتقوى [المجادلة/ 9]، فهذا مطاوع: ناجيتم* وليس في هذا ردّ لقراءة حمزة ينتجون لأن هذا في مساغه وجوازه مثل: ناجيت. وينتجون، قراءة الأعمش فيما زعموا.
[المجادلة: 11]
قال: قرأ عاصم وحده: تفسحوا في المجالس [المجادلة/ 11] بألف، وقرأ الباقون: في المجلس بغير ألف «1».
قال أبو علي: زعموا أنه مجلس النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم، فإذا كان كذلك فالوجه الإفراد، ويجوز أن يجمع على هذا على أن تجعل لكلّ جالس مجلسا، أي: موضع جلوس، ويكون المجلس على إرادة العموم مثل قولهم: كثر الدينار والدرهم، فيشهد على هذا جميع المجالس، ومثله في التنزيل: إن الإنسان لفي خسر [العصر/ 2].
__________
(1) السبعة 629.
(6/280)
________________________________________
وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم والأعشى عن أبي بكر عن عاصم وهارون بن حاتم عن أبي بكر: وإذا قيل انشزوا فانشزوا [المجادلة/ 11]، برفع الشين [فيهما] وأمّا يحيى فروى عن أبي بكر، أنه لم يحفظ كيف قرأ عاصم زعم ذلك خلف وأبو هشام والوكيعي «1» عن يحيى، وقال ابن سعدان عن محمد بن المنذر عن يحيى عن أبي
[المجادلة: 11]
بكر عن عاصم: وإذا قيل انشزوا فانشزوا بكسر الشين، وقال غيره عن يحيى عن أبي بكر، لم أحفظها عن عاصم، فسألت عنها الأعمش فقال: انشزوا فانشزوا بكسر الشين فيهما. وقال عبد الجبار بن محمد العطاردي «2» سألت عروة بن محمد: كيف ينبغي أن تكون قراءة عاصم؟ فقرأها برفع الشين وقال: هو مثل: يعكفون [الأعراف/ 138].
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: وإذا قيل انشزوا فانشزوا بكسر الشين فيهما «3».
قال أبو علي: انشزوا هو من النشز: المرتفع من الأرض، وقال الشاعر «4»:
ترى الثعلب الحوليّ فيها كأنه إذا ما علا نشزا حصان مجلّل
__________
(1) في الأصل الوكيعي، بإسقاط الواو، والتصويب من السبعة. وانظر ترجمة الوكيعي في طبقات القرّاء 1/ 7، ترجمة رقم 12.
(2) انظر طبقات القرّاء 1/ 358.
(3) السبعة 629 وما بين معقوفين منه.
(4) البيت غير منسوب وقد ذكره القرطبي في تفسيره 3/ 295
(6/281)
________________________________________
ومن هذا نشوز المرأة عن زوجها، وينشز وينشز: مثل يحشر ويحشر، ويعكف ويعكف.
[المجادلة: 22]
قال: روى المفضل عن عاصم: أولئك كتب في قلوبهم الإيمان [المجادلة/ 22] برفع الكاف من كتب*، ورفع النون من الإيمان، وقرأ الباقون: أولئك كتب في قلوبهم الإيمان «1».
قال أبو علي: معنى كتب في قلوبهم الإيمان، كتب في قلوبهم علامته، فحذف المضاف، ومعنى كتابة الإيمان في قلوبهم:
أنها سمة لمن يشاهدهم من الملائكة أنهم مؤمنون، كما أن قوله في الكفّار: وطبع الله على قلوبهم [التوبة/ 93] علامة يعلم من شاهدها من الملائكة أنه المطبوع على قلبه، وعلى هذا قوله: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا [الكهف/ 28] أي: جعلها غفلا من العلامة التي تكون في قلوب الذاكرين.
ومن أسند الفعل إلى الفاعل فلتقدّم ذكر الاسم، ويقوّي ذلك أن المعطوف عليه مثله وهو قوله: وأيدهم بروح منه [المجادلة/ 22] ومن قال: كتب* فلأنه يعلم أنه من فعل اللَّه عزّ وجلّ.
[المجادلة: 21]
نافع وابن عامر: ورسلي إن الله [المجادلة/ 21] بفتح الياء.
والباقون لا يحرّكون «2».
قال أبو علي: التحريك والإسكان جميعا حسنان.
__________
(1) السبعة 630.
(2) السبعة 629.
(6/282)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الحشر
[الحشر: 2]
قرأ أبو عمرو وحده: يخربون [2] شديدة، وقرأ الباقون:
يخربون خفيفة «1».
خرب الموضع وأخربته وخرّبته مثل فرح وفرّحته وأفرحته، وغرم وغرمته وأغرمته، قال الشاعر:
وأخربت من أرض قوم ديارا «2» وحكي عن أبي عمرو: الإخراب: أن يترك الموضع خربا، والتخريب: الهدم.
[الحشر: 14]
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: من وراء جدار [14] بألف.
والباقون: جدر.
__________
(1) السبعة 632.
(2) عجز بيت للأعشى وصدره:
فأقللت قوما وأعمرتهم والمعنى: أقلّ الشيء حمله ورفعه، وأعمره الدار أو الإبل: أعطاه إيّاها: انظر ديوانه/ 49
(6/283)
________________________________________
قال أبو علي: المعنى في الجمع أنهم لا يصحرون «1» معكم للقتال، ولا يبرزون لكم، ولا يقاتلونكم حتى يكون بينكم وبينهم حاجز من حصن أو سور، فإذا كان كذلك، فالمعنى على الجمع، إذ ليس المعنى أنهم يقاتلونكم من وراء جدار واحد، ولكن من وراء جدر، كما لا يقاتلونكم إلا في قرى محصّنة. فكما أن القرى جماعة، كذلك الجدر ينبغي أن تكون جمعا، وكأنّ المراد في الإفراد الجمع، لأنه يعلم أنهم لا يقاتلونهم من وراء جدار واحد.
[الحشر: 16]
قال: نصب ابن كثير ونافع وأبو عمرو: إني أخاف الله* [الحشر/ 16]، وأسكنها الباقون «2».
قال أبو علي: التحريك والإسكان حسنان.
__________
(1) أصحر القوم: إذا برزوا إلى فضاء لا يواريهم شيء. انظر اللسان/ صحر/
(2) السبعة 632.
(6/284)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الممتحنة
[الممتحنة: 3]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: يفصل* [3] برفع الياء وتسكين الفاء ونصب الصاد، وقرأ عاصم بفتح الياء وكسر الصاد.
وقرأ ابن عامر: يفصل* برفع الياء وتشديد الصاد. وفتحها.
وقرأ حمزة والكسائي يفصل* برفع الياء والتشديد وكسر الصاد «1».
قال أبو علي: يذهب أبو الحسن في هذا النحو إلى أن الظرف أقيم مقام الفاعل، وترك على الفتح الذي كان يجري عليه في الكلام لجريه في آخر الكلام منصوبا، وكذلك يقول في قوله: وإنا منا الصالحون ومنا دون ذلك [الجن/ 11]، وكذلك يجيء على قياس قوله: لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94]، فاللفظ على قوله مفتوح، والموضع رفع، كما كان اللفظ في قوله: كفى بالله [العنكبوت/ 52] وما جاءني من رجل، مجرورا، والموضع موضع رفع.
والقول في قراءة ابن عامر: يفصل* مثل القول في: يعمل،
__________
(1) السبعة 633.
(6/285)
________________________________________
وقول عاصم: يفصل، حسن والضمير يرجع إلى اسم اللَّه عزّ وجلّ، ودلّ عليه قوله: وأنا أعلم بما أخفيتم [الممتحنة/ 1] وكذلك قول حمزة والكسائي: يفصل* مثل ما قرأ عاصم في إسناد الفعل إلى الضمير الذي دلّ عليه قوله: وأنا أعلم بما أخفيتم.
[الممتحنة: 10]
قال قرأ أبو عمرو وحده: ولا تمسكوا [الممتحنة/ 10] بالتشديد، وقرأ الباقون: ولا تمسكوا خفيفة «1».
حجّة من قال، تمسكوا قوله: فإمساك بمعروف [البقرة/ 229]، ولا تمسكوهن ضرارا [البقرة/ 231]، وفأمسكوهن في البيوت [النساء/ 15]، وأمسك عليك زوجك [الأحزاب/ 37].
وقال أبو الحسن: تمسكوا لأنها من مسّكت بالشيء، قال: وهو كثير، أو أكثر. قال: ومن حجّته: والذين يمسكون بالكتاب [الأعراف/ 170].
[الممتحنة: 4]
قال: قرأ عاصم: أسوة [الممتحنة/ 4، 6] برفع الألف.
وقرأ الباقون: إسوة* كسرا «1».
أسوة وإسوة لغتان.
[الممتحنة: 4]
قال: حدّثني الحسن بن العباس الجمال «3» قال: حدّثني الحلواني عن شباب «4» عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو: برءاء [الممتحنة/ 4] يمدّ ويهمز ولا ينوّن مثل: برعاع، قال: ولا اختلاف
__________
(1) السبعة 633.
(3) ترجمته في طبقات القراء 1/ 216.
(4) هو خليفة بن خياط أبو عمرو العصفري الحافظ شباب صاحب التاريخ توفي سنة 240 هـ، انظر ترجمته في الطبقات 1/ 275.
(6/286)
________________________________________
في ذلك بين أحد من القرّاء أنها بهذا اللفظ «1».
بريء وبرءاء: مثل فقيه وفقهاء، وظريف وظرفاء، الهمزة الأولى في فعلاء لام الفعل، والثانية المنقلبة عن ألف التأنيث، والألف التي قبل الهمزة زيادة لحقت مع علامة
التأنيث. ويدلّك على أن الهمزة منقلبة عن ألف التأنيث لوقوعها طرفا بعد ألف، أنه إذا زالت هذه الصورة، زالت الهمزة وعاد حرف اللين، وذلك قولك: صحراء وصحارى، ويدلّك على أن علامة التّأنيث الألف المنقلبة عنها الهمزة أنّ العلامتين الأخريين، كلّ واحدة منهما على حرف مفرد، وكذلك في هذا النحو من فعلاء ونحوها مما لا يكون للإلحاق، والدليل على أن الألف التي قبلها زيادة، أنها لا تخلو من أن تكون زائدة، أو للتأنيث، فلا تكون التي للتأنيث، لأن علامته إنما تكون آخرا، ولا تكون وسطا، وقد جاء في غير القراءة ألفاظ في جمع بريء، قالوا: بريء وبراء، كما قالوا: ظريف وظراف، وقالوا: براء، كما قالوا: توأم وتؤام، وجاء لفظ المصدر أيضا في موضع الجمع، قالوا: نحن البراء «2»
__________
(1) السبعة 633، 634.
(2) في اللسان (برأ) عن الأزهري: العرب تقول: نحن منك البراء والخلاء، والواحد والاثنان والجمع من المذكر والمؤنث يقال: براء لأنه مصدر.
(6/287)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الصفّ
[الصف: 6]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر:
بعدي اسمه أحمد [6] بفتح الياء.
وقرأ عاصم في رواية حفص وابن عامر وحمزة والكسائي: من بعدي اسمه أحمد لا يحرّكون الياء «1».
قال أبو علي: إن حرّكت الياء قلت: من بعدي اسمه فحذفت همزة الوصل للإدراج، وإن أسكنتها قلت: من بعد اسمه فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، أحد الساكنين الياء من بعدي والآخر: السين من اسمه لأن همزة الوصل تسقط في الإدراج، فإذا سقطت التقى الساكنان، وإذا التقيا حذفت الأوّل منهما، كما تحرّك الأوّل في نحو:
اذهب اذهب.
فأما قوله: اسمه أحمد فجعله في موضع جرّ لكونها وصفا لرسول، فكما أن قوله: يأتي من قوله: يأتي من بعدي [الصفّ/ 6] في موضع جرّ، كذلك ما عطف عليه من الجملة الثانية،
__________
(1) السبعة 635.
(6/288)
________________________________________
ويدلك على ذلك ارتفاع المفرد الذي هو مبارك من قوله: وهذا كتاب أنزلناه مبارك [الأنعام/ 92، 155]، فأما قوله اسمه أحمد فأحمد عبارة عن الشخص، والاسم قول والقول لا يكون الشخص، وخبر المبتدأ ينبغي أن يكون المبتدأ في المعنى، فذلك على إضمار تقديره:
اسمه قول أحمد، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كما تقول: الليلة الهلال، وأنت تريد: الليلة ليلة الهلال، فتحذف الليلة، وكذلك قوله: يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة [الأعراف/ 157]، والمعنى: يجدون ذكره مكتوبا، ألا ترى أن الشخص لا يكتب، وهذا مذهب سيبويه. قال: تقول إذا نظرت في الكتاب: هذا زيد، تريد هذا ذكر زيد، واسم زيد، فلما لم يكن الشخص المشار إليه، وإنّما المشار إليه كتابه، حمله على هذا الذي ذكره بكتابه.
[الصف: 8]
قال: قرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي:
متم نوره [الصفّ/ 8] مضاف.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وابن عامر:
متم نوره رفع منوّن «1».
قال أبو علي: الإضافة فيه يكون بها الانفصال، كما يقدر في قوله: عارضا مستقبل أوديتهم [الأحقاف/ 24]، ومثل ذلك: ذائقة الموت [آل عمران/ 185] وإنا مرسلو الناقة [القمر/ 27].
والنصب في: متم نوره على أنه في حال الفعل، وفيما يأتي، ومثل ذلك: هل هن كاشفات ضره [الزمر/ 38] وكاشفات ضره.
[الصف: 10]
وقرأ ابن عامر وحده: تنجيكم من عذاب أليم [الصف/ 10]
__________
(1) السبعة 635.
(6/289)
________________________________________
بالتشديد. وقرأ الباقون: تنجيكم خفيف «1».
حجّة تنجيكم: بالتشديد قوله: ونجينا الذين آمنوا [فصّلت/ 18]. وحجة تنجيكم: فأنجاه الله من النار [العنكبوت/ 24].
[الصف: 14]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: كونوا أنصارا الله [الصف/ 14] منوّنة.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: أنصار الله مضاف «1».
قال أبو علي: زعموا أن في حرف عبد اللَّه أنتم أنصار الله، وإذا كان كذلك فليس موضع ترجية إنما هو إخبار عنهم بأنهم أنصار اللَّه، ويكون قوله: كونوا أمرا بإدامة النصر والثبات عليه كقوله:
يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله [النساء/ 136]، وموضع الكاف نصب على الحمل على المعنى ممّا في أنصار اللَّه، من معنى الفعل، كأن: نصرتم اللَّه مثل نصرة الحواريّين لدين اللَّه عزّ وجلّ، ولا يدلّ قوله: قال الحواريون نحن أنصار الله [الصفّ/ 14] على اختيار الإضافة من قوله كونوا أنصار الله، لأن أولئك قد كان منهم ذلك، فأخبروا عن أمر كان وقع منهم، ويجوز أن يكون غيرهم، في ترجية إلى ذلك في قول من نوّن أنصارا للَّه.
[الصف: 14]
قال: حرّك نافع في هذه السورة: من أنصاري إلى الله* [الصفّ/ 14]، وأسكنها الباقون «3».
وكلا الأمرين حسن.
__________
(1) السبعة 635.
(3) السبعة 635.
(6/290)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الجمعة
قال أبو بكر أحمد بن موسى: لم يختلفوا في سورة الجمعة «1».
ذكر اختلافهم في سورة المنافقين
[المنافقون: 4]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: خشب [4] ممّا قرأت على قنبل خفيفة.
وقال أبو ربيعة «2»: خشب مثقّلة، وروى عبيد عن أبي عمرو خشب مثقّلة، وكذلك روى عبّاس أيضا، وقال الخفّاف وأبو زيد مثقّل، وقال اليزيدي وعبد الوارث: خشب خفيفة.
__________
(1) السبعة 636.
(2) هو محمد بن إسحاق بن وهب أبو ربيعة الربعي المكّي المؤدب، مؤذّن المسجد الحرام مقرئ جليل ضابط توفي سنة 294 هـ. انظر ترجمته في الطبقات 2/ 99.
(6/291)
________________________________________
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة: خشب مثقلة، والمفضل عن عاصم: خشب خفيفة «1».
قال أبو علي: من خفف فقال: خشب جعله مثل: بدنة وبدن، وقال: والبدن جعلناها لكم [الحج/ 36]، ومثل ذلك في المذكر: أسد وأسد، ووثن ووثن، وزعم سيبويه أنه قراءة، يعني قوله:
إن تدعون من دونه إلا أثنا [النساء/ 117] «2» والتثقيل: أن فعل قد جاء في مذكره، قالوا: أسد كما قالوا في جمع نمر: نمر، وجاء بيت «3»:
تقدم إقداما عليكم كالأسد قال أبو الحسن: التحريك في خشب لغة أهل الحجاز.
[المنافقون: 5]
وقرأ نافع: لووا* [المنافقون/ 5] خفيفة، وكذلك المفضل عن عاصم مثل نافع.
وقرأ الباقون لووا مشددة «1».
__________
(1) السبعة 636.
(2) ذكر سيبويه 3/ 571 (ت هارون) أنك تكسر (فعلا) على (فعل)، قال:
وذلك قليل، وذلك نحو: أسد وأسد، ووثن ووثن، بلغنا أنها قراءة. ولم يشر إلى الحرف الذي قرئ فيه ذلك.
وذكر صاحب اللسان (وثن): أن جمع الوثن أوثان ووثن ووثن وأثن، على إبدال الهمزة من الواو، وقد قرئ: (إن يدعون من دونه إلا أثنا). حكاه سيبويه. قال الفراء: وهو جمع الوثن، فضم الواو وهمزها، كما قال: (وإذا الرسل أقتت) قلت: وهذه القراءة ليست من القراءات الأربع عشرة.
(3) لم نظفر بقائله أو تتمته، وقد نقل الطبرسي كلام أبي علي في مجمع البيان بمجمله.
(6/292)
________________________________________
التخفيف يصلح للقليل والكثير، والتثقيل يختصّ بالكثرة، وحجّة التخفيف: ليا بألسنتهم [النساء/ 46]، واللي: مصدر لوى، مثل: طوى طيّا، فالتخفيف أشبه بقوله: ليا والتثقيل، لأن الفعل للجماعة، فهو كقوله: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50] وقد جاء:
تلوية الخاتن زبّ المعذر «1» أنشده أبو زيد.
[المنافقون: 10]
قال: قرأ أبو عمرو وحده: وأكون [المنافقين/ 10] بواو.
وقرأ الباقون: وأكن بغير واو «2».
من قال: فأصدق وأكن عطف على موضع قوله: فأصدق، لأن فأصدق في موضع فعل مجزوم، ألا ترى أنك إذا قلت: أخّرني أصدّق، كان جزما بأنه جواب الجزاء، وقد أغنى السؤال عن ذكر الشرط، والتقدير: أخّرني، فإن تؤخرني أصدّق، فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء في موضع فعل مجزوم، بأنه جزاء الشرط، حمل قوله: وأكن عليه، ومثل ذلك قراءة من قرأ: من يضلل الله فلا هادي له، ويذرهم [الأعراف/ 186]، لما كان لا هادي في موضع فعل مجزوم حمل يذرهم عليه، ومثل ذلك قول الشاعر «3»:
فأبلوني بليّتكم لعلّي أصالحكم وأستدرج نويّا حمل: وأستدرج على موضع الفاء المحذوفة، وما بعدها من
__________
(1) هذا من الرجز، ذكره اللسان/ عذر/ وفيه: «المعذور» بدل «المعذر».
(2) السبعة 637.
(3) وهو أبو دواد سبق في 2/ 401 و 4/ 110.
(6/293)
________________________________________
لعلّي، وكذلك قوله:
أيّا سلكت فإنني لك كاشح وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد «1» حمل وأزدد على موضع الفاء وما بعدها، وأما قول أبي عمرو:
وأكون فإنه حمله على اللفظ دون الموضع، وكان الحمل على اللفظ أولا لظهوره في اللفظ وقربه ولأن ما لا يظهر إلى اللفظ لانتفاء ظهوره قد يكون في بعض المواضع بمنزلة ما لا حكم له، وزعموا أن في بعض حرف أبي فأتصدق وأكون.
[المنافقون: 11]
قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: والله خبير بما يعملون بالياء [المنافقون/ 11].
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء «2».
قال أبو علي: يجوز أن تكون الياء على قوله: ولن يؤخر الله نفسا [المنافقون/ 11] لأن النفس، وإن كان واحدا في اللفظ، فالمراد به الكثرة، فحمل على المعنى، ومن قرأ بالتاء كان خطابا شائعا.
__________
(1) سبق انظر 4/ 110.
(2) السبعة 637.
(6/294)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة التغابن
[التغابن: 9]
قرأ نافع وابن عامر: نكفر عنه سيئاته وندخله [9] بالنون جميعا، وكذلك روى المفضل عن عاصم بالنون أيضا.
وقرأ الباقون: يدخله بالياء «1».
حجة الياء: أن الاسم الظاهر قد تقدّم: ومن يطع الله ورسوله يدخله [النساء/ 13، الفتح/ 17] ووجه النون أنه كقولك: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] ثم قال: وآتينا موسى الكتاب [الإسراء/ 2].
[التغابن: 17]
وقرأ ابن كثير وابن عامر: يضعفه لكم ويغفر لكم [التغابن/ 17] بغير ألف. وقرأ الباقون: يضاعفه لكم بألف «1».
ضاعف وضعّف بمعنى، قال سيبويه: والجزم في يضعّف لأنه جواب الشرط.
[التغابن: 9]
قال: وقرأ أبو عمرو: يوم يجمعكم ليوم الجمع [التغابن/ 9] يشمّها شيئا من الضمّ، روى ذلك عبيد وعلي بن نصر،
__________
(1) السبعة 638.
(6/295)
________________________________________
وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: يجمعكم* ساكنة العين، الباقون يضمّون العين «1».
إشمام الضمّ هو أن يخفّف الحركة فلا يمطّطها ولا يشبعها، وأما الإسكان في يجمعكم* فعلى ما يجيز به سيبويه من إسكان الحركة إذا كانت للإعراب، كما يسكنها إذا كانت لغيره، ومثيل ذلك من الشعر قول جرير:
سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب وقد ذكرنا ذلك «2»، والحجّة فيما تقدم.
__________
(1) السبعة 638.
(2) سبق انظر 2/ 6.
(6/296)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الطلاق
[الطلاق: 11]
قرأ ابن عامر ونافع: صالحا ندخله [11] بالنون. المفضل عن عاصم مثله بالنون، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو علي: الوجه الياء، لتقدّم الاسم الذي على لفظ الغيبة، والنون معناها معنى الياء وقد تقدم ذكر هذا النحو.
[الطلاق: 8]
ابن كثير: وكائن* [الطلاق/ 8] ممدود مهموز، عبيد عن أبي عمرو مثله، وقرأ الباقون: وكأين مهموز مشدّد «1».
قولهم: كأين إنما هو: أي دخلت عليها الكاف الجارّة، كما دخلت على ذا من قولهم: كذا وكذا درهما، ولا موقع للكاف في كأيّ، كما أنه لا موضع للتي في كذا، فموضع كأي رفع بالابتداء، كما أن موضع كذا كذلك، ومثل هذا في أنه دخل على المبتدأ حرف الجر، فصار مع المجرور في موضع رفع قولهم: بحسبك أن تفعل كذا، يريدون: حسبك فعل كذا، فالجار مع المجرور في موضع رفع،
__________
(1) السبعة 639.
(6/297)
________________________________________
أنشد أبو زيد «1»:
بحسبك في القوم أن يعلموا بأنّك فيهم غنيّ مضرّ وأكثر العرب يستعملها مع من، وكذلك ما جاء منه في التنزيل نحو قوله: وكأي من قرية عتت [الطلاق/ 8]، وكأين من دابة لا تحمل رزقها [العنكبوت/ 60]، وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير [آل عمران/ 146]، وكذلك ما جاء في الشعر منه كقول جرير «2»:
وكائن بالأباطح من صديق يراني لو أصبت هو المصابا وقول الآخر «3»:
وكائن إليكم قاد من رأس فتنة جنودا وأمثال الجبال كتائبه فأما قوله: وكائن*، وقراءة من قرأ بذلك، فالأصل: كأيّ، كما أن الأصل في كذا أنه كاف دخلت على الاسم، إلا أنه لما لزم الاسم، وكثر الكلام به، صارت الكلمات بمنزلة كلمة واحدة، كما أن لعمرى، لما لزمت فيه الاسم اللام، وصارت معه كالكلمة الواحدة، استجازوا فيها القلب، فقالوا: لعمري ورعملي، فقلبت كما قلب قسيّ ونحوه
__________
(1) البيت لأشعر الرّقبان الأسدي الجاهلي، وهو في النوادر مع أبيات ص 73 (ط. الفاتح) وانظر تخريجه فيه. وقوله: غني مضر أي: صاحب ضرائر.
(2) انظر ديوانه/ 17.
(3) البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 101 من قصيدة يمدح فيها هشام بن عبد الملك.
(6/298)
________________________________________
من المفرد، قلب على هذا الحد أيضا كأي، فقالوا: كائن، والأصل كيّاء فقدّمت الياءان على الهمزة من أيّ فصار كيّاء بعد القلب، مثل كيّنونة في أنه وقعت بعد الكاف ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى، فحذفت الثانية المدغم فيها، كما حذفت الثانية من كيّنونة، فبقيت كينونة خفيفة الياء، كذلك بقيت كياء فأبدلت من الياء الساكنة الألف كما أبدلت
من طيّئ في الإضافة، فقالوا: طائيّ، وكذلك حاحيت وعاعيت، فصار كائن. ومثل ذلك في أن الكلمتين لما لزمت إحداهما الأخرى، صارتا بمنزلة شيء واحد، قولهم في جواب هلمّ: لا أهلمّ مثل: لا أهريق، وقولهم: بأبأ الصبي أباه، وقولهم: هلّل ودعدع، ونحو ذلك من الكلم المركبة التي أجريت مجرى المفردة في الاشتقاق منها على حدّ الاشتقاق في المفردة، وقد جاء كائن في الشعر كما جاء في القراءة قال:
وكائن رددنا عنكم من مدجّج يجيء أمام الألف يردي مقنّعا «1» فكائن تجري مجرى كم في الخبر، وإرادة الكثرة فيكون: مبتدأ كقوله: وكأين من قرية عتت عن أمر ربها [الطلاق/ 8]، فهذا مبتدأ في اللفظ، وفاعل في المعنى كما أن: كم رجل قام، كذلك، ويكون مفعوله كقوله: كأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة [الحج/ 45] فهذه مفعول بها في المعنى ومبتدأ في اللفظ، ومن قال: زيدا ضربته،
__________
(1) البيت لعمرو بن شأس وهو من شواهد سيبويه- ومعنى البيت: كم رددنا عن عشيرتنا في الحرب من مدجّج بارز لهم- ويردي: يمشي الرديان وهو ضرب من المشي في تبختر- والمقنع: الذي تقنع بالسلاح .. انظر الكتاب لسيبويه 1/ 297.
(6/299)
________________________________________
كان كأيّن عنده في موضع نصب، وأتت على المعنى، كما حمل على المعنى في قوله: كم من قرية أهلكناها [الأعراف/ 4] ولو حمل الكلام على لفظ كم كان حسنا، ومثله في الحمل على المعنى: وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا [النجم/ 26]، وقال:
وكل آتوه داخرين [النمل/ 87]، وقال: إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا [مريم/ 93].
[الطلاق: 3]
قال: وكلّهم قرأ: بالغ أمره [الطلاق/ 3] منوّن، وروى حفص والمفضل عن عاصم: بالغ أمره مضاف «1».
قال أبو علي: بالغ أمره على: سيبلغ أمره فيما يريده فيكم، فهذا هو الأصل وهذا حكاية حال، ومن أضاف حذف التنوين استخفافا، والمعنى معنى ثبات النون مثل: عارض ممطرنا [الأحقاف/ 24] وإنا مرسلو الناقة [القمر/ 27] ومستقبل أوديتهم [الأحقاف/ 24].
[الطلاق: 8]
هشام بن عمّار عن ابن عامر: نكرا [الطلاق/ 8] خفيف، ابن ذكوان: نكرا* مثقل «2».
قد مضى القول في ذلك «3».
__________
(1) السبعة 639.
(2) السبعة 639.
(3) انظر ص 291.
(6/300)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة التحريم
[التحريم: 3]
قرأ الكسائي وحده: عرف بعضه [3] خفيفة.
الباقون: عرف مشدّدة «1».
وجه التخفيف لقول الكسائي عرف بعضه أنه جازى عليه، لا يكون إلا كذلك، ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون عرف الذي معناه علم، أو الذي ذكرنا، فلا يجوز أن يكون من باب العلم، لأن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم، إذا أظهره اللَّه على ما أسرّة إليها علم جميع ذلك، ولم يجز أن يعلم من ذلك مع إظهار اللَّه إياه عليه بعضه، ولكن يعلم جميعه، فإذا لم يجز حمله على هذا الوجه، علمت أنه من المعنى الآخر، وهذا كما تقول لمن يسيء أو يحسن: أنا أعرف لأهل الإحسان، وأعرف لأهل الإساءة، أي: لا يخفى عليّ ذلك، ولا مقابلته بما يكون وفقا له.
وقد قرأ بالتخفيف غير الكسائي منهم فيما زعموا الحسن وأبو عبد الرحمن، وكأنّ معنى عرف بعضه جارى على بعض ذلك، وأغضى عن بعض. ومثل عرف بعضه فيمن خفّف قوله: وما تفعلوا
__________
(1) السبعة 640.
(6/301)
________________________________________
من خير يعلمه الله [البقرة/ 197]، ومثله، أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم [النساء/ 63]، ومثله: ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره [الزلزلة/ 7]، فقوله يره من رؤية العين، أي:
يرى جزاءه، فحذف المضاف كما حذفه من قوله: وهو واقع بهم [الشورى/ 22] أي:
جزاؤه واقع بهم، وكان مما جازى عليه تطليقه حفصة واحدة.
وأما عرف بالتشديد فالمعنى: عرّف بعضه وأعرض عن بعض، فلم يعرّفه إياها على وجه التكرّم والإغضاء.
[التحريم: 4]
قال: قرأ ابن كثير: وجبريل* [التحريم/ 4] بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز، وقرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم: وجبريل وكذلك المفضل، وقرأ عاصم في رواية يحيى:
وجبرئل* مفتوح الراء والجيم مقصورة «1»، وقرأ حمزة والكسائي:
جبرئيل وكذلك الكسائي عن أبي بكر عن عاصم، وحسين عن أبي بكر ومحمد بن المنذر عن يحيى عن أبي بكر وأبان عن عاصم «2».
قال أبو علي: ليس هذا الاسم بعربي، وأشبه هذه الوجوه بالتعريب ما كان موافقا لبناء من الأبنية العربية، فالخارج عن الأبنية جبريل*، ألا ترى أنه ليس في أبنيتهم مثل: قنديل، فأمّا جبريل فعلى وزن قنديل وجبرئل* على وزن جحمرش وصهصلق، وجبرئيل على وزن عندليب. فأما قول ابن كثير: جبريل فهو متجه، وإن لم يجيء في أبنيتهم، ألا ترى أنه قد جاء فيما كان نكرة من الأسماء الأعجمية ما ليس على أبنيتهم نحو: الآجرّ والإبريسم، فإذا جاء في
__________
(1) في السبعة: على وزن جبرعل.
(2) السبعة 640.
(6/302)
________________________________________
النكرات التي هي أشبه بالأسماء المقرّبة، واحتمل ذلك فيها واستجيز، فأن يستجاز في الأسماء المعرفة والمنقولة في حال تعريفها أولى.
[التحريم: 5]
عباس عن أبي عمرو: إن طلقكن [التحريم/ 5] مدغمة، الباقون يظهرون: إن طلقكن أن يبدله خفيفة.
اليزيدي عن أبي عمرو: إن طلقكن مثقّلة، أن يبدله مشدّدة.
إدغام القاف في الكاف حسن لأنها من حروف الفم، وأصل الإدغام أن تكون فيها دون حروف الطرفين: الحلق والشفة.
وإن ترك الإدغام فيهما لأنهما من أول مخارج الفم فإذا كان من أول مخارجه أشبه حروف الحلق لقربها منها، كما أن الخاء والغين لمّا كانتا آخر مخارج الحلق وأقربها إلى الفم، أجريا مجرى حروف الفم في أن لم تبيّن النون معهما في نحو: منغل ومنخل، وكذلك القاف والكاف يكونان لقربهما من الحلق في حكم حروفه، والإدغام في حروف الحلق ليس بالكثير فكذلك فيما أشبههنّ.
فأما يبدله، ويبدله فقد تقدّم القول فيه.
[التحريم: 8]
أبو بكر عن عاصم، وخارجة عن نافع: توبة نصوحا [التحريم/ 8] بضم النون. حفص عن عاصم توبة نصوحا بفتح النون، وكذلك قرأ الباقون «1».
قال أبو الحسن: الفتح كلام العرب وقراءة الناس، قال: ولا
__________
(1) السبعة 641.
(6/303)
________________________________________
أعرف الضمّ، قال أبو علي: يشبه أن يكون مصدرا، وذلك أن ذا الرمة قال:
أحبّك حبّا خالطته نصاحة «1» فالنّصاحة على فعالة، وما كان على فعال من المصادر، فقد يكون فيه المفعول نحو: الذهاب والذهوب، والمضاء، والمضيّ، فيكون أن يكون النّصوح مع النّصاحة كالمضاء والمضيّ، فيكون قد وصف بالمصدر نحو: عدل ورضى. وقال أبو الحسن: نصحته في معنى صدقته، وقال: توبة نصوحا صادقة.
[التحريم: 12]
قرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم، وخارجة عن نافع: وكتبه [التحريم/ 12] جماعة.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: وكتابه واحدا «2».
حجّة من قال: وكتبه* فجمع، أنه موضع جمع، ألا ترى أنها قد صدّقت بجميع كتب اللَّه، فمعنى الجمع لائق بالموضع حسن.
ومن قال: كتابه* أراد الكثرة والشياع، وقد يجيء ذلك في الأسماء المضافة كما جاء في المفردة التي بالألف واللام. قال: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34]، فكما أن المراد بنعمة اللَّه الكثرة، كذلك في قوله: وكتابه.
__________
(1) عجز البيت:
وإن كنت إحدى اللاويات المواعك واللاويات: اللواتي يمطلن- والمواعك: معكته أي: مطلته، انظر ملحقات ديوانه 3/ 1745.
(2) السبعة 641.
(6/304)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الملك
[الملك: 3]
قرأ حمزة والكسائي: من تفوت [3] بغير ألف.
وقرأ الباقون: تفاوت بألف «1».
قال أبو زيد: سمعت من يقول: تفاوت الأمر تفاوتا، وتفاوتا، وليس ذا على القياس، يعني تفاوتا.
قال أبو الحسن: تفاوت أجود، لأنهم يقولون: تفاوت الأمر، ولا يكادون يقولون: تفوّت الأمر، قال: وهي أظن لغة.
قال سيبويه: قد يكون فاعل وفعّل بمعنى، نحو: ضاعف وضعّف، وتفاعل مطاوع فاعل، كما أن تفعل مطاوع فعل. فعلى هذا القياس يكون: تفاوت وتفوّت بمعنى، وقد يجب في القياس ما لا يجيء به السمع، وتفوت زعموا قراءة عبد اللَّه والأعمش.
[الملك: 16، 15]
قال: قرأ ابن كثير: وإليه النشور. وامنتم «1» [15 - 16] قال أبو علي: أصله: النشور. أأمنتم إذا حقّق الهمزتين، فإذا خفّفت الهمزة الأولى قلبها واوا لانضمام ما قبلها، وهذا في المنفصل
__________
(1) السبعة 644. وزاد بعدها: «بترك همزة الألف التي للاستفهام فتصير في لفظ واو بضم الراء» [في الوصل]
(6/305)
________________________________________
نظير قولهم في المتّصل: التّودة إذا خفّف التؤدة، وجون إذا خفّف جؤن التي هي جمع جؤنة، مثل: ظلمة وظلم. فأمّا الهمزة التي هي فاء من قوله: أأمنتم بعد تخفيف الأولى بقلبها واوا، فإنه يجوز فيه التحقيق والتخفيف. فإن حقّق كان لفظه: النشور وأمنتم يحقّقها، وإن خفّفها كان قياسها أن يجعلها بين الألف والهمزة لتحرّكها بالفتحة، فيكون في اللفظ: وإليه النشور وآمنتم. ومن قال «1»:
... لا هناك المرتع فقلبها ألفا فقياسه أن يقول هنا: النشور وامنتم فلا يجعلها بين بين ولكن يقلبها ألفا محضة، وسيبويه يجيز هذا القلب في الشعر وغير حال السعة.
وقال غير أحمد: يجعل الهمزة من أأمنتم بعد تخفيف الأولى بقلبها واوا ألفا، فيصير: النشور وامنتم.
قال أحمد: قرأ نافع وأبو عمرو: النشور. آمنتم بهمزة ممدودة «2».
قوله بهمزة ممدودة: يريد أنه يحقّق الأولى ويخفّف الثانية، وتخفيفها أن تجعل بين بين ولفظها: النشور أامنتم، وكان قياس قول أبي عمرو على ما حكاه عنه سيبويه من أنه إذا اجتمع همزتان خفّف الأولى منهما دون الثانية، أن يقلب الأولى منهما واوا كما فعله ابن كثير.
فأما الثانية فإن شاء خفّفها وإن شاء حقّقها، وتخفيفها أن يجعلها
__________
(1) قطعة من بيت للفرزدق- سبق في 1/ 398 و 2/ 218.
(2) السبعة 644، وفيه: بهمزة بعدها ألف ممدودة.
(6/306)
________________________________________
بين الألف والهمزة، ولعلّ أبا عمرو ترك هذا القول في هذا الموضع وأخذ فيه بالوجه الآخر، وهو تخفيف الثانية منهما إذا التقيا دون الأولى.
قال: وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أأمنتم بهمزتين «1».
هذا على ما يذهبون إليه من الجمع بين الهمزتين، وليس ذلك الوجه.
[الملك: 11]
قال: قرأ الكسائي: فسحقا وفسحقا [الملك/ 11] خفيفا وثقيلا، وقرأ الباقون: فسحقا «2».
قال أبو علي: سحقا منتصب على المصدر، المعنى: أسحقه اللَّه سحقا، وكان القياس: أسحق إسحاقا، فجاء المصدر على الحذف كقولهم: عمرك اللَّه وقال «3»:
وإن يهلك فذلك كان قدري يمكن أن يكون: تقديري، ومن ذلك قوله: في مكان سحيق [الحج/ 31] أي: بعيد. وسحق وسحق كالعنق والعنق، والطنب والطنب، وما أشبه ذلك، وكلّه حسن.
[الملك: 29]
وقرأ الكسائي وحده: فسيعلمون من هو [الملك/ 29] بالياء، وقرأ الباقون: بالتاء «4».
__________
(1) السبعة 644.
(2) السبعة 644.
(3) عجز بيت ليزيد بن سنان، سبق في 2/ 129، 253 - 3/ 184.
(4) السبعة 644.
(6/307)
________________________________________
حجّة الياء: أن ذكر الغيبة قد تقدّم في قوله: فمن يجير الكافرين من عذاب أليم [الملك/ 28]. والتاء: على قوله: قل لهم ستعلمون.
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص عن عاصم:
إن أهلكني الله ومن معي أو [الملك/ 28] بنصب الياءين، وحفص عن عاصم بفتح ياء معي في كلّ القرآن. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر والكسائي: إن أهلكني الله محرّكة الياء. وأسكنا جميعا الياء في معي*.
خلف عن المسيّبي عن نافع: إن أهلكني الله ساكنة الياء.
وقرأ حمزة: بإسكان الياءين «1».
قال أبو علي: التحريك في الياء حسن وهو الأصل، والإسكان لكراهة الحركة في حروف اللين لتجانس ذلك واجتماع الأمثال أو المتقاربة.
وقرأ نافع في رواية ورش: نذيري ونكيري [الملك/ 18] بياء في الوصل، ولم يأت بذلك عن نافع غيره. والباقون بكسر الرّاء من غير ياء في وصل ولا وقف «2».
حذف الياء في الوصل والوقف لأنه فاصلة، والفاصلة كالقافية في استحسان الحذف منها.
__________
(1) السبعة 645.
(2) السبعة 645.
(6/308)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة نون [القلم]
[القلم: 1]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة: نون والقلم [1] النون في آخر الهجاء من نون ظاهرة عند الواو.
وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم أنه كان لا يبين النون في يس ونون* وطسم. وروى حفص عن عاصم وحسين عن أبي بكر أنه كان يبين النون في نون*. وروى يعقوب عن نافع أنه أخفاها، وكان الكسائي لا يبين النون في نون*، وقال يحيى عن أبي بكر عن عاصم: نون* جزم على هذا، وهذا يدلّ على أنه يبين.
الحلواني عن قالون عن نافع: يس مخفاة النون، ونون* ظاهرة «1».
قال أبو علي: وجه إظهار هذه النونات أنها من حروف ينوى بها الوقف، وإذا كانت موقوفة بدلالة اجتماع الساكنين فيها نحو: ميم لام صاد كانت في تقدير الانفصال ممّا قبلها، وإذا انفصل ممّا قبلها وجب
__________
(1) السبعة 646.
(6/309)
________________________________________
التبيين، لأنها إنما تخفى مع حروف الفم، فإذا انفصلت عنها بالوقف عليها ولم تتصل بما قبلها فليس هناك أمر لا يبين له.
ووجه الإخفاء أن الهمزة الوصل معها لم يقطع في نحو: ألف لام ميم الله [آل عمران/ 1، 2] وقولهم في العدد: واحد اثنان، فمن ثمّ حيث لم تقطع الهمزة معها علمت أنه في تقدير الوصل، وإذا وصلتها أخفيت النون معها، وقد بيّن ذلك فيما تقدّم.
[القلم: 14]
قال أحمد: قال ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وحفص عن عاصم، والكسائي عن أبي بكر عن عاصم: أن كان ذا مال [القلم/ 14] بغير استفهام.
وقرأ حمزة: أأن كان بهمزتين، وكذلك روى يحيى عن أبي بكر عن عاصم، وروى أبو عبيد عن حمزة أنه كان يقرأ: أان كان ذا مال بهمزة ممدودة، وهو غلط.
وقرأ ابن عامر: أان كان* ممدودة بهمزة واحدة «1».
قوله: أن كان ذا مال وبنين لا يخلو من أن يكون العامل فيه:
تتلى من قوله: إذا تتلى عليه آياتنا [القلم/ 15]، أو قال من قوله:
قال أساطير الأولين [القلم/ 15]، أو شيء ثالث، فلا يجوز أن يعمل واحد منهما فيه، ألا ترى أن: تتلى عليه آياتنا قد أضيف إذا* إليه، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبله، ألا ترى
أنك لا تقول: القتال زيدا حين تأتي، فتريد حين تأتي زيدا، ولا يجوز أن يعمل فيه قال* أيضا، لأن قال* جواب إذا* وحكم الجواب أن يكون بعد ما هو جواب له،
__________
(1) السبعة 646، 647.
(6/310)
________________________________________
ولا يتقدم كلّه عليه، فكما لم يعمل فيه الفعل الأول، كذلك لم يعمل فيه الفعل الثاني، وإذا لم يجز أن يعمل في آن واحد من هذين الفعلين، وليس في الكلام غيرهما علمت أنه محمول على شيء آخر مما يدلّ ما في الكلام عليه، والذي يدلّ عليه هذا الكلام في المعنى هو: يجحد، أو يكفر أو يستكبر عن قبول الحق ونحو ذلك، وإنما جاز أن يعمل المعنى فيه وإن كان متقدما عليه، لشبهه بالظرف، والظرف قد تعمل فيه المعاني وإن تقدم عليها، ويدلّك على مشابهته للظرف تقدير اللام معه، وأن من النحويين من يقول: إنه في موضع جر، كما أنه لو كانت اللام ظاهرة معه كان كذلك، فإذا صار كالظرف من حيث قلنا لم يمتنع المعنى من أن يعمل فيه، كما لم يمتنع في نحو قوله: ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق، إنكم لفي خلق جديد [سبأ/ 7] لمّا كان ظرفا، والعامل فيه بعثتم، الدالّ عليه قوله: إنكم لفي خلق جديد، فكذلك: أن كان ذا مال وبنين [القلم/ 14]، كأنه: جحد بآياتنا، لأن كان ذا مال وبنين، أو: كفر بآياتنا، لأن كان ذا مال وبنين، وعلى هذا المعنى يكون محمولا فيمن استفهم فقال: أأن كان ذا مال وبنين لأنه توبيخ وتقرير، فهو بمنزلة الخبر، ومثل ذلك قولك:
ألأن أنعمت عليك جحدت نعمتي، إذا وبّخته بذلك، فعلى هذا تقدير الآية.
وأمّا قول أحمد فيما رواه أبو عبيد عن حمزة من قوله: أان كان ذا مال بهمزة ممدودة أنه غلط، فإنما هو تغليط فيما أظن من طريق الرواية، وليس من طريق العربية، لأن ذلك لا يمتنع، ويريد بالهمزة الممدودة همزة بعدها همزة مخفّفة، وليس هذا من مذهب حمزة لأنه يحقّق الهمزتين، فلعلّه غلّطه من هذا الوجه.
(6/311)
________________________________________
ويمكن أن يكون حمزة في الرواية التي رواها عنه أبو عبيد أحمد هو من من يخفّف الثانية من الهمزتين، ألا ترى أن قول حمزة في الجمع بين الهمزتين، كقول ابن عامر في جمعه بينهما وتخفيفه إياهما، فكما أن ابن عامر قال: أان كان ممدودة بهمزة واحدة، وقوله في غير هذا الموضع الجمع بين همزتين، كذلك يجوز أن يكون حمزة أخذ به، وقول أحمد عن ابن عامر بهمزة واحدة ممدودة، لا يكون إلا على أنه أن يخفّف الثانية، ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون قرأ بذلك على غير الاستفهام، أو على الاستفهام، فإن كان قرأ على غير الاستفهام، فليس إلا همزة واحدة، وهي همزة أن، فإذا مدّ علمت أن المدّة إنما هو همزة أن، حقّقها بعد همزة الاستفهام إذ لا مصرف لها إلى غير ذلك.
[القلم: 51]
قال: قرأ نافع وحده: ليزلقونك [القلم/ 51] [بفتح الياء] من زلق، وقرأ الباقون: ليزلقونك [بضم الياء] من أزلقت «1».
يقال: زلق يزلق، زلقا. فمن قال، ليزلقونك جعله من زلق هو، وزلقته أنا مثل: شترت عينه «2»، وشترتها أنا، وحزن وحزنته أنا.
والخليل يذهب في ذلك إلى أن المعنى: جعلت فيه شترا، وجعلت فيه حزنا، كما أنك إذا قلت: كحلته، ودهنته، أردت جعلت فيه ذلك، ومن قال: أزلقته ثقّل الفعل بالهمزة وهذا الباب أكثر من الأول وأوسع.
ومعنى: يزلقونك بأبصارهم أنهم ينظرون إليك نظر البغضاء كما ينظر
__________
(1) السبعة 647 وما بين معقوفين منه.
(2) شترت عينه: الشّتر هو استرخاء الجفن الأسفل أو انقلاب جفن العين من أعلى وأسفل أو تشنجه، انظر اللسان/ شتر/.
(6/312)
________________________________________
الأعداء المنابذون، ومثل ذلك قول الشاعر «1»:
يتقارضون إذا التقوا في مجلس نظرا يزيل مواطئ الأقدام
__________
(1) ذكره اللسان في مادة (قرض وزلق) ولم ينسبه وكذا ذكره البحر المحيط في تفسير سورة القلم 8/ 317، والقرطبي 18/ 256.
(6/313)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الحاقة
[الحاقة: 9]
قرأ عاصم في رواية أبان وأبو عمرو والكسائي: ومن قبله* [9] بفتح الباء «1».
وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة: قبله قال سيبويه: قبل: لما ولي الشيء، تقول: اذهب قبل السوق [أي: نحو السوق]، ولي قبلك حقّ، أي: فيما يليك، واتّسع حتى صار بمنزلة لي عليك «2» حجّة من قرأ: ومن قبله* أنهم زعموا أن في قراءة أبيّ: وجاء فرعون ومن معه، فهذا يقوّي من قبله*، لأن قبل لما ولي الشيء مما لم يتخلّف عنه فهو يتبعه ويحفّ به.
وحجة من قال: ومن قبله من قبله من الأمم التي كفرت كما كفر. فإن قلت: إن قوله: ومن قبله لفظ عام يقع على المؤمن
__________
(1) في السبعة بكسر القاف وفتح الباء.
(2) سيبويه 4/ 232 (ت. هارون) وما بين معقوفين منه.
(6/314)
________________________________________
والكافر، فكيف جاز أن يذكروا بأنهم جاءوا بالخاطئة؟ قيل: قد يجوز أن يخصّ من* في قوله: من قبله كأنه عنى به الكفّار دون المؤمنين، ويقوّي ذلك قوله: فعصوا رسول ربهم [الحاقة/ 10]، ويجوز أن يكون ذكر من قبله من الكفّار كما ذكر من بعده بقوله: كذبت قبلهم قوم نوح وفرعون وثمود [الحج/ 42].
قرأ حمزة والكسائي: لا يخفى* [5] بالياء، وقرأ الباقون: لا تخفى بالتاء «1».
كلا الأمرين حسن.
[الحاقة: 42، 41]
وقرأ ابن كثير وحده: قليلا من يؤمنون [41] وقليلا ما يذكرون [42] بالياء فيهما جميعا.
ابن عامر في رواية هشام مثل ابن كثير بالياء فيهما، وفي رواية ابن ذكوان بالتاء فيهما، وروى القطعي عن عبيد عن هارون عن أبي عمرو قليلا ما يؤمنون وقليلا ما يذكرون بالياء جميعا، ولم يروه غيره، حدّثنيه الخزاز عن محمد بن يحيى عن عبيد عن هارون عن أبي عمرو، وقرأ الباقون بالتاء فيهما «2» قال أبو علي: حجّة الياء أنه خطاب للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم، كأنه قليلا ما يؤمنون يا محمد، وحجّة التاء: كأنه: قل لهم: قليلا ما تؤمنون.
[الحاقة: 12]
روى الحلواني بإسناده عن ابن كثير: وتعيها [الحاقة/ 12] ساكنة العين، وكذلك قال أبو ربيعة عن قنبل، وقرأت أنا على قنبل:
__________
(1) السبعة 648.
(2) السبعة 648، 649.
(6/315)
________________________________________
وتعيها بكسر العين وفتح الياء مثل حمزة. وكذلك الباقون على وزن تليها «1».
وجه قوله: وتعيها أنه جعل حرف المضارعة مع ما بعد بمنزلة فخذ، فأسكن كما يسكن كتف ونحوه، وهذا يشبه ما من نفس الكلمة نحو الكاف من كتف، لأن حرف المضارعة لا ينفصل من الفعل، فصار كقول من قال: وهو وهي، ومثل ذلك قوله: ويتقه [النور/ 52] جعل تقه من يتقه بمنزلة كتف، فأسكن، وقد يكون هذا على ما ما أنشده أبو زيد من قوله «2»:
قالت سليمى اشتر لنا سويقا جعل نزل بمنزلة كتف فخفّف، وقد يجوز أن يكون أجرى الوصل مجرى الوقف مثل: سبسبّا «3».
__________
(1) السبعة 648.
(2) سبق انظر 1/ 67، 410، و 2/ 79، 278.
(3) سبق انظر 1/ 65.
(6/316)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة سأل سائل «1»
[المعارج: 1]
قرأ نافع وابن عامر: سال [1] غير مهموز، وقرأ الباقون:
سأل مهموز «2».
قال أبو علي: من قال: سال جعل الألف منقلبة عن الواو التي هي عين مثل: قال، وخاف. وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع:
هما يتساولان، فمن قال: سال كان على هذه اللغة، ومن قال:
سأل فعلى قول من قال: سأل، فجعل الهمزة عين الفعل، فإن حقّق قال: سأل مثل سعل، وإن خفّف جعلها بين الألف والهمزة، فأما قول الشاعر «3»:
سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلّت هذيل بما قالت ولم تصب فيمكن أن يكون من قول: من قال: يتساولان، ويمكن أن يكون
__________
(1) وتسمى الواقع والمعارج.
(2) السبعة 650.
(3) البيت لحسّان- سبق انظر 2/ 218.
(6/317)
________________________________________
من قول من جعل الهمزة عينا، فقلب في الشعر كما قال «1»:
لا هناك المرتع إلا أن سيبويه زعم أن هذا الشاعر ليست لغته سلت «2»، فإذا كان كذلك حمل على: لا هنأك. وقد قيل: إن ذلك واد في جهنم «3»، فتكون الألف في سال مثل التي في باع.
قال: كلهم همز: سائل [المعارج/ 1] لا خلاف بينهم في ذلك «4».
لا يكون غير الهمز في اسم الفاعل لأنه لا يخلو من أن يكون الفاعل من يتساولان، أو من اللغة الأخرى، فإن كان من قوله:
يتساولان لم يكن فيه إلا الهمز، كما لا يكون في: قائل وخائف، إلا ذلك لأنها إذا اعتلّت في الفعل اعتلت في اسم الفاعل، وإعلالها لا يكون بالحذف للإلباس، فإذا لم يكن بالحذف كان بالقلب إلى الهمزة، وإن كانت من لغة من همز لم يكن فيه إلا الهمز، كما لا يكون في ثائر وشاء «5» في فاعل من شأوت إلا التحقيق للهمزة، إلا أنك إن شئت خفّفت الهمزة فجعلتها بين بين، وكذلك في الوجه الآخر.
[المعارج: 4]
قال: قرأ الكسائي وحده: يعرج الملائكة والروح [المعارج/ 4] بالياء.
__________
(1) سبق ذكره في 1/ 398، 2/ 218، 6/ 41.
(2) انظر الكتاب 2/ 170 حيث ورد الشاهد.
(3) أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: (سال سائل) قال:
سال: واد في جهنم. انظر الدرّ المنثور للسيوطي 6/ 264.
(4) السبعة 650.
(5) رسمت في الأصل شايء، وآثرنا الرسم الإملائي المناسب.
(6/318)
________________________________________
وقرأ الباقون: تعرج بالتاء «1».
قال أبو علي: الوجهان حسنان.
[المعارج: 16]
قال: روى حفص عن عاصم: نزاعة للشوى [المعارج/ 16] نصبا، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: نزاعة رفعا «2».
من قال: إنها لظى. نزاعة للشوى فرفع نزاعة، جاز في رفعه ما جاز في قولك: هذا زيد منطلق، وهذا بعلي شيخ «3» [هود/ 72].
ومن نصب فقال: نزاعة للشوى فالذي يجوز أن يكون هذا النصب عليه ضربان: أحدهما: أن يكون حالا، والآخر أن يحمل على فعل، فحمله على الحال يبعد، وذلك أنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال، فإن قلت: فإن في قوله، لظى معنى التلظّي والتلهّب، فإن ذلك لا يستقيم، لأن لظى معرفة لا تنتصب عنها الأحوال، ألا ترى أن ما استعمل استعمال الأسماء من اسم فاعل أو مصدر لم يعمل عمل الفعل نحو: صاحب، ودر في قوله: لله درّك، فإن لم يعمل هذا النحو الذي هو اسم فاعل أو مصدر عمل الفعل من حيث جرى مجرى الأسماء، فأن لا يعمل الاسم المعرفة عمله أولى.
ويدلّ على تعريف هذا الاسم وكونه علما، أن التنوين والألف واللام لم تلحقه، فإذا كان كذلك لم تنتصب الحال عنه، فإن جعلتها مع تعريفها قد صارت معروفة بشدّة التلظّي، جاز أن تنصبه بهذا المعنى الحادث في العلم، وعلى هذا قوله: وهو الله في السموات
__________
(1) السبعة 650.
(2) السبعة 650.
(3) بالرفع وهي قراءة الأعمش. انظر المحتسب 1/ 324.
(6/319)
________________________________________
وفي الأرض [الأنعام/ 3]، علّقت الظرف بما دلّ عليه الاسم من التدبير والإلطاف. فإن علّقت الحال بالمعنى الحادث في العلم، كما علّقت الظرف بما دلّ عليه الاسم من التدبير لم يمتنع، لأن الحال كالظرف في تعلّقها بالمعنى، كتعلّق الظرف به، وكان وجها.
وإن علّقت نزاعة بفعل مضمر نحو: أعنيها نزّاعة للشّوى، لم يمتنع أيضا.
[المعارج: 10]
قال: وقرأ ابن كثير فيما أخبرني به مضمر عن البزيّ، ولا يسأل [المعارج/ 10] برفع الياء وفتح الهمزة. وقرأ على قنبل عن النبال عن أصحابه عن ابن كثير: ولا يسأل بنصب الياء، وروى أبو عبيد عن إسماعيل بن جعفر عن أبي جعفر وشيبة: ولا يسأل برفع الياء وهو غلط. وكلّهم قرأ: ولا يسأل بفتح الياء «1».
قال أبو علي: من ضمّ فقال: لا يسأل حميم حميما فالمعنى، والله أعلم: لا يسأل حميم عن حميمه ليعرف شأنه من جهته، كما قد يتعرّف خبر الصديق من جهة صديقه، والقريب من قريبه، فإذا كان كذلك، فالكلام إذا بنيت الفعل للفاعل: سألت زيدا عن حميمه.
وإذا بنيت الفعل للمفعول قلت: سئل زيد عن حميمه، وقد يحذف الجار فيصل الفعل إلى الاسم الذي كان مجرورا قبل حذف الجار، فينتصب بأنه مفعول الاسم الذي أسند إليه الفعل المبني للمفعول به، فعلى هذا انتصاب قوله: حميم حميما، ويدلّ على هذا المعنى قوله: يبصرونهم [المعارج/ 11]، أي: يبصّر الحميم
__________
(1) السبعة 650.
(6/320)
________________________________________
الحميم، والفعل قبل تضعيف العين منه: بصرت به، كما جاء:
بصرت بما لم يبصروا به [طه/ 96] فإذا ضعّفت عين الفعل صار الفاعل مفعولا تقول: بصّرني زيد بكذا، فإذا حذفت الجار قلت:
بصّرني زيد كذا، فإذا بنيت الفعل للمفعول به وقد حذفت الجار قلت:
بصّرت زيد، فعلى هذا يبصرونهم فإذا بصّروا هم لم يحتج إلى تعريف شأن الحميم من حميمه، وإنما جمع فعل يبصرونهم لأن الحميم وإن كان مفردا في اللفظ، فالمراد به الكثرة والجمع، يدلّك على ذلك قوله: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم [الشعراء/ 100].
ومن قرأ: ولا يسأل حميم حميما، فالمعنى لا يسأل الحميم عن حميمه في ذلك اليوم لأنه يذهل عن ذلك، ويشتغل عنه بشأنه، ألا ترى قوله: يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت [الحج/ 2]، وقوله: يوم يفر المرء من أخيه [عبس/ 34] وقوله: لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس/ 37]، فقوله: لا يسأل حميم حميما من قولك: سألت زيدا، أي سألته عن شأنه وأمره، ويجوز أن يكون المعنى: لا يسأل عن حميمه، فيحذف الجارّ ويوصل الفعل.
[المعارج: 32]
قال: قرأ ابن كثير وحده: لأمانتهم [المعارج/ 32] واحدة وقرأ الباقون: لأماناتهم جماعة «1».
قال أبو علي: من قال: لأمانتهم فأفرد وإن كان مضافا إلى جماعة، ولكل واحد منهم أمانة، فلأنه مصدر، فأفرد كما يفرد نحو قوله: لصوت الحمير [لقمان/ 19] وهو يقع على جميع الجنس
__________
(1) السبعة 651.
(6/321)
________________________________________
ويتناوله. ومن جمع فلاختلاف الأمانات وكثرة ضروبها، فحسن الجمع من أجل الاختلاف ومشابهته بذلك الأسماء التي ليست للجنس.
[المعارج: 33]
قال: قرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وحمزة والكسائي: بشهادتهم [المعارج/ 33] واحدة.
وروى عباس عن أبي عمرو والحلواني عن أبي معمر، وعبد الوارث عن أبي عمرو: بشهاداتهم جماعة. وكذلك روى حفص عن عاصم جماعة «1».
القول في الشهادة والشهادات، كما تقدم من القول في الأمانة والأمانات.
[المعارج: 38]
قال: روى المفضل عن عاصم: أن يدخل جنة نعيم [المعارج/ 38] مفتوحة الياء، وروى يحيى عن أبي بكر وحفص عن عاصم أن يدخل مضمومة الياء. وكلهم قرأ: أن يدخل مضمومة الياء «2».
قال أبو علي: حجّة من ضمّ الياء أن غيره يدخله، كما قال:
فأولئك يدخلون الجنة [النساء/ 124]، وقال: سيدخلون جهنم داخرين [غافر/ 60]، فهذا يدلّ على أن غيرهم يدخلهم.
ومن فتح الياء فلأنهم إذا أدخلوا دخلوا، وممّا يقوّي الفتح قول:
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة [البقرة/ 214]، وفتح التاء فيه.
[المعارج: 43]
قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: إلى نصب [المعارج/ 43]
__________
(1) السبعة 651.
(2) السبعة 651.
(6/322)
________________________________________
بضمتين، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: إلى نصب «1».
أبو عبيدة: كأنهم إلى نصب يوفضون إلى علم يسرعون.
قال رؤبة «2»:
تمشي بنا الجدّ على أوفاض أي: على عجلة وسرعة «3». وفسّر أبو الحسن أيضا نصب:
علم، وروي أيضا عن مجاهد: نصب غاية. وروي عن أبي العالية أنه فسّر إلى نصب بأنه إلى غاية يستبقون.
قال أبو علي: فهذا يجوز أن يكون نصب جمع نصب مثل سقف وسقف، وورد وورد. ومن ثقّل فقال: نصب كان بمنزلة: أسد، ويمكن أن يكون النّصب والنّصب لغتين كالضّعف والضّعف وما أشبه ذلك، ويكون التثقيل كشغل وشغل، وطنب وطنب.
__________
(1) السبعة 651 وزاد بعد: بفتح النون وسكون الصاد.
(2) في الديوان:
يمسي بنا الجدّ على أوفاض وبعده: يقطع أجواز الفلا انقضاضي ديوان رؤبة/ 81.
(3) مجاز القرآن 2/ 270.
(6/323)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة نوح
[نوح: 3]
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وعلي بن نصر عن أبي عمرو: أن اعبدوا الله* [3] بضم النون.
وقرأ عاصم وحمزة واليزيدي عن أبي عمرو: أن اعبدوا الله بكسر النون «1».
قال أبو علي: وجه من ضمّ النون أنه كره الكسرة قبل الضمّة وإن حجز بينهما حرف، ألا ترى أنهم قالوا: اشرب واضرب، وقالوا:
اقتل فضمّوا الهمزة في اقتل، وكسروها في المثالين الآخرين، فكذلك ضمّ النون في: أن اعبدوا*.
فإن قلت: فهلّا لم يستجيزوا غير الضمّ في نحو: اقتل اعبد، قيل: استجيز الكسر في: أن اعبدوا ونحوه، وإن لم يستجيزوا:
اعبدوا* لأن الكسرة في أن اقتلوا وأن اعبدوا غير لازمة، ألا ترى أن الكلمة قد تستعمل، ولا تلزم بها هذه الكسرة فصارت الكسرة قبل الضمة بمنزلة الرفعة بعد الكسرة في قولهم
__________
(1) السبعة 652.
(6/324)
________________________________________
في الرفع: كتف وضحك، فكما احتملت الرفعة بعد الكسر، لما كانت للإعراب فلم تلزم، كذلك احتملت الكسرة في أن اعبدوا لمّا لم تلزم، ولم تكن لذلك بمنزلة اقتل.
[نوح: 6]
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو: دعائي إلا [نوح/ 6] بالهمزة وفتح الياء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: دعاي ساكنة الياء، وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: دعائي إلا يرسل الياء.
حدّثني محمد بن الجهم عن خلف، والهيثم عن عبيد عن شبل عن ابن كثير دعاي إلا بنصب الياء، ولا يهمز مثل هداي [البقرة/ 38] «1».
قال أبو علي: إسكان الياء في دعاي وتحريكها حسن، فأمّا القصر في الدعاء فلم أسمعه، ولعلّ ذلك لغة لم تبلغنا.
[نوح: 21]
قال: وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: ماله وولده [نوح/ 21] ساكنة اللام.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر: ماله وولده بفتح اللام، خارجة عن نافع: وولده مثل أبي عمرو «2».
قال أبو علي: الولد والولد، يجوز أن يكونا لغتين كالحزن والحزن والبخل والبخل، ويدلّك على أن الولد يكون واحدا ما أنشده من قول الشاعر «3»:
__________
(1) السبعة 652.
(2) السبعة 652، 653.
(3) عجز بيت صدره:
(6/325)
________________________________________
وليت فلانا كان ولد حمار فهذا يكون واحدا، ويجوز مع وقوعه على الواحد أن يكون جمعا يجمع عليه فعل أو فعل، وذاك أن كلّ واحد من فعل وفعل يجري مجرى الآخر، وقد جمعوا فعل على فعل نحو: أسد وأسد، وكذلك يجوز أن يكون جمع ولد على ولد، ويجوز أن يكون: ولد جمع على ولد، كما جمع الفلك على الفلك بدلالة قوله: الفلك المشحون [يس/ 41]، فهذا واحدا والجمع قوله: الفلك التي تجري في البحر [البقرة/ 164] فجمع الفلك على الفلك، ألا ترى أنّا لا نعلم الفلك مستعملا في الفلك، فإذا لم يجيء ذلك فيه كان جمعا للفلك، فالضمّة التي في اللفظة التي يراد بها الجمع غير التي كانت في الواحد، كما أن الضمّة في: منص، في ترخيم منصور على من قال: يا حار، غير الضمة التي كانت فيه في قول من قال: يا حار، وكما أن الكسرة في دلاص وهجان إذا أردت بهما الجمع غير اللتين كانا في الواحد ألا ترى أنّ التي في الجمع مثل التي في ظراف، والتي كانت في الواحد مثل التي كانت في دلاث «1» وكناز، ويدلّ على أن الولد يكون جمعا قول حسان «2»:
يا بكر آمنة المبارك بكرها من ولد محصنة بسعد الأسعد
__________
فليت فلانا كان في بطن أمّه وقد ذكره المحتسب 1/ 365 ولم ينسبه، وكذا اللسان في مادة (ولد).
(1) الدلاث ككتاب: السريعة والسريع من النوق وغيرها.
(2) في الديوان برواية: «المبارك ذكره ... ولدتك ... » ديوانه 1/ 131.
(6/326)
________________________________________
فأما التي في قوله: من لم يزده ماله وولده [نوح/ 21] فيكون جمعا، وإن كان مضافا إلى الواحد لأنه ضمير من، وهو مفرد في اللفظ، والمراد به الجمع فأفرد على معنى من، وإضافة لفظ الجميع إلى المفرد في هذا، كما حكي من قولهم: ليت هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسه، فجمع الأنفس، وإن أضاف إلى لفظ المفرد فكذلك يكون الولد في قوله: وولده، وكذلك: ليستووا على ظهوره [الزخرف/ 13]. ويجوز أن يكون مفردا كما كان المال في قوله:
ماله مفردا، الوجهان جميعا يجوزان.
[نوح: 23]
قال: قرأ نافع وحده: ولا تذرن ودا [نوح/ 23] بضمّ الواو.
وقرأ الباقون: ودا بفتح الواو، وروى أبو الربيع عن بريد «1» بن عبد الواحد عن أبي بكر عن عاصم: ودا* مضمومة الواو مثل نافع، ولم يروه عن عاصم غيره وهو غلط، ويحيى عن أبي بكر عن عاصم، والكسائي عن أبي بكر، وحفص عن عاصم، أنه قرأ: ودا مثل أبي عمرو، وحدّثني المروذيّ عن ابن سعدان عن محمد بن المنذر عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ: ودا* بضمّ الواو مثل نافع وهو غلط «2».
قال أبو عبيدة: هذه أصنام كانت في الجاهلية تعبد «3»، وزعموا أن ودّا كان لهذا الحيّ من كلب، وحكاه بالفتح، وسمعت قول
__________
(1) في الأصل «يزيد» والتصويب من السبعة. وانظر ترجمة بريد بن عبد الواحد في الطبقات 1/ 176.
(2) السبعة 653.
(3) انظر مجاز القرآن 2/ 270.
(6/327)
________________________________________
الشاعر «1»:
فحيّاك ودّ من هداك لفتية وخوص بأعلى ذي نضالة هجّد وقال أبو الحسن: ضمّ أهل المدينة الواو وعسى أن يكون لغة في اسم الصنم، قال «2»: وسمعت هذا البيت:
حيّاك ودّا فإنّا لا يحلّ لنا فضل النساء وإنّ الدّين قد عزما الواو مضمومة. قال: وسمعت من يقول: إن الواو مفتوحة.
[نوح: 25]
قال: قرأ أبو عمرو وحده: مما خطاياهم [نوح/ 25] مثل:
قضاياهم. الباقون: خطيئاتهم «3».
قال أبو علي: خطاياهم على التكسير، وحجّته: نغفر لكم خطاياكم [البقرة/ 58] وخطيئات «4»: جمع التصحيح، وما* زائدة، كالتي في قوله: فبما رحمة من الله لنت لهم [آل عمران/ 159]، وقوله: فبما نقضهم ميثاقهم [النساء/ 155].
__________
(1) البيت للحطيئة وفي ديوانه (ما هداك ... ذي طوالة) ...
والودّ: اسم صنم كان لقوم نوح ثم صار لكلب وكان بدومة الجندل- وخوص: إبل غائرة العيون وذي نضالة: اسم مكان- وهجد: نيام، ديوانه/ 152، تهذيب اللغة للأزهري 6/ 36.
(2) البيت للنابغة الذبياني- ومعنى عزم: اشتدّ، ويروى: حيّاك ربّي ...
(3) السبعة 603.
(4) رسمت في الأصل خطأت.
(6/328)
________________________________________
[نوح: 28]
حفص عن عاصم: دخل بيتي مؤمنا [نوح/ 28] بفتح الياء، وكذلك أبو قرّة عن نافع.
الباقون لا يحرّكون الياء في بيتي* «1».
قال أبو علي: كلا الأمرين حسن.
__________
(1) السبعة 654.
(6/329)
________________________________________
ذكر اختلافهم في سورة الجنّ
[الجن: 1]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: قل أوحي إلي أنه [1]، وأن لو استقاموا [16] وأن المساجد لله [18]، وأنه لما قام عبد الله [19] أربعة أحرف بالفتح.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر كما قرأ «1» إلّا قوله: وإنه لما قام عبد الله فإنهما كسراه. المفضل عن عاصم مثل أبي بكر.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي كلّ ذلك بالفتح إلا ما جاء بعد قول، أو بعد فاء جزاء «2». حفص عن عاصم مثل حمزة.
أما قوله: وأن لو استقاموا فإنّه يجوز فيه أمران: أحدهما: أن تكون المخفّفة من الثقيلة، فيكون محمولا على الوحي، كأنه: أوحي إليّ أن لو استقاموا، وفصل لو بينهما وبين الفعل كفصل السين، ولا في قوله: أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] وعلم أن سيكون منكم مرضى [المزمّل/ 20].
__________
(2) السبعة 656 وسقط ما بعده.
(1) زاد في السبعة من نسخة: «أبو عمرو» بعد قوله: قرأ.
(6/330)
________________________________________