عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية AshganMohamed
AshganMohamed
:: منتسب جديد ::
تاريخ التسجيل: Oct 2019
رقم العضوية : 154
المشاركات: 1,917
:
:
:  - :
قديم 10-21-2019, 09:54 AM
# : 1
AshganMohamed
  • معدل تقييم المستوى : 10
  • الإعجاب:
    افتراضي جريمة في وادي النيلأغاثا كريستي
    جريمة في وادي النيلأغاثا كريستي
    جريمة في وادي النيل
    أغاثا كريستي
    شخصيات الرواية :

    هركيول بوارو : مخبر سري فرنسي متقدم في السن نادر الذكاء قصير بدين له شارب ضخم
    الكولونيل ريسي : ضابط مخابرات بريطاني مكلف بتعقب عصابة دولية من الأشقياء والمتآمرين
    لينيت ريدجواي : شابة مليونيرة رائعة الجمال.
    لورد ويندلشام : شاب أمريكي من الطبقة الإرستقراطية يريد الزواج من لينيت ريدجواي
    جاكلين دي بلفور : حسناء صديقة لينيت ومن زميلاتها في المدرسة أصابها الفقر بعد غنى
    سيمون دويل : شاب فقير وسيم خطيب جاكلين
    جوانا ساوثورد : صديقة لينيت ومن المنتسبات للطبقة الراقية الإنجليزية
    تيم آلرثون : ابن خالة جوانا شاب راق مستور الحال
    السيدة آلرثون : أم تيم ..أرملة ساحرة الشخصية
    أندرو بننجتون : الوصي الأمريكي على تركة جد لينيت
    جيمس فانثورب : ابن شقيق محامي لينيت الإنجليزي الشيخ بانجلترا كلفه عمه بمراقبة لينيت في مصر.
    كورنيليا : فتاة أمريكية راجحة العقل مرافقة في السفر لخالتها
    العانس فان شويلر : خالة كورنيليا ...مليونيرة عجوز متعجرفة
    السيدة أوثر بورن : أرملة كثيرة الثرثرة دأبت على تأليف روايات حافلة بالمسائل الجنسية
    روزالي أوثربورن : ابنتها الحسناء المتحفظة
    فرجيسون : شاب زري الهيئة متطرف يجاهر بآرائه
    لويز بورجيه : وصيفة لينيت الفرنسية
    الدكتور بسنر : طبيب نمسوي قارب الخمسين من عمره
    ريشتي : عالم في الأثار لإيطالي الجنسية.




    -المليونيرة الحسناء-



    في قرية مولتون أندر تلك القرية الجميلة من قرى الريف الإنجليزي الساحر وقف صاحب حانة التيجان الثلاثة مع زبائن حانته يتهامسون في اهتمام بالغ وقد اتسعت حدقات عيونهم وانفرجت شفاههم في دهشة حينما رأو سيارة الرولز رويس الحمراء تقف أمام مكتب البريد وتقفز منها فتاة عارية الرأس ترتدي ثوبا لا يبدو بسيطا إلا في الظاهر وكانت الفتاة جميلة المنظر جدابة الطلعة من طراز يندر مشاهدته في تلك القرية.
    وقال صاحب التيجان الثلاثة لرفاقه ومواطنيه :

    - إنها هي صاحبة الملايين العديدة لقد اشترت من السير جورج قصره وضيعته وستنفق في تجديده وإعداده آلافا مؤلفة فعما قريب ستكون للقصر حمامات سباحة وحدائق إيطالية وقاعة رقص أنها ستهدم نصف القصر أيها الفتيان لتعيد بناءه من جديد

    -ولمذا باع السير جورج قصره ؟
    -خيول السباق أيها الصديق
    -وكم دفعت فيه ؟
    -ستين ألفا ذهبا فيما سمعت ...
    فتعالى صفير السامعين فهو رقم خيالي في نظر أولئك الريفين فقال محدثهم ليزدهم ذهولا :
    - وستنفق أكثر من ستين ألفا أخرى على التأثيث والإعداد..
    - إنه لظلم ولا شك أن هذه الفتاة تتمتع بكل هذه الثروة الواسعة والصحة والشباب والجمال الرائع...
    - هذا شيء عظيم
    وأمسك صاحب الحانة باحدى الصحف وراح يقلب صفحاتها ثم قال :
    اليكم مانشره محرر باب الإجتماعيات في صحيفتنا المسائية عن هذه الفتاة الحسناء :
    ( رأيت بين من تناولوا عشاءهم في مطعم "عند عمتي" الفخر المليونيرة الشابة الحسناء لينيت ريدجواي وفي صحبتها صديقتها جوانا ساوثورد واللورد ويندلشام .....والمليونيرة كما هو معروف ابنة ملويش ريدجواي الذي تزوج من الأمريكية أنا هارتس وقد أوصى جدها لأمها بملايينه الكثيرة لهذه الفتاة الشابة واختار لها وصيا أمريكيا يدعى أندرو بننجتون يقوم بادارة ممتلكاتها حتى تتزوج أو تبلغ سن الحادية والعشرين وهي اليوم موضع اهتمام لجمالها وثرائها وتتنافل الأفواه اشاعة قرب اعلانها خطبتها من اللورد ويندلشام المفتون بها ).

    وخرجت الفتاة من مكتب البريد واستقلت سيارتها وتوجهت على الفور إلى قصر وود الذي اشترته من السير جورج وهناك كانت تنتظرها صديقتها جوانا ساوثورد ودار الحديث بين الصديقتين حول مشروعات
    تجديد القصر التي كان معظمها قد تم فعلا ولم تبقى إلا الدقائق النهائية ولذلك لم تكتم جوانا اعجابها فقالت :
    - ما أبرعك يا لينيت لقد أتممت الكثير في أقصر وقت.
    - لقد استخدمت ثلاثة من المهندسين المعماريين في وقت واحد
    - انك يا عزيزتي فتاة أعمال من الطراز النادر.

    وتناولت جوانا عقدا رائعا من اللؤلؤ من فوق مائدة الزينة وقالت :
    - أظنها لآلىء حقيقية يالينيت ؟
    - طبعا ..أنا أره التقليد في كل شيء.
    - آه..أظنه يساوي مبلغا طائلا ؟
    - حوالي خمسين ألفا
    - يالها من ثروة ألا تخافين أن يسرق ؟
    - كلا..
    - لماذا ؟
    -لأنني أولا ألبسه دائما ..ولأنه ثانيا مؤمن عليه
    -دعيني ألبسه حتى وقت العشاء فانه يلذ لي كثيرا أشعر بهذه اللآلىء الثمينة النادرة فوق صدري.
    فضحكت لينيت وقالت :
    لك هذا طبعا..
    - أتعلمين يا لينيت انني أحسدك حقيقة ؟ انك تتنتعين بكل شيء فأنت سيدة نفسك في العشرين من عمرك ربة ثروة هائلة وجمال فتان وصحة تامة ولك فوق هذا عقل راجح وذهن مرتب متى تبلغين الحادية والعشرين ؟
    - في شهر يونيو المقبل..واعتزم أن أقيم لهذه المناسبة حفلة استقبال رائعة في لندن.
    - وعندئد ستتزوجين اللورد ويندلشام ؟
    فهزت كتفيها ثم قالت :
    - لا أدري ..فالواقع ان اختياري لم يستقر على شخص معين.



    -جاكلين دي بلفور-



    وفي هذه اللحظة رن جرس التليفون فرفعت لينيت المسماع فاذا بكبير الخدم يعلن اليها أن جاكلين دي بلفور ( على الخط) فأمرته بتوصيلها بها :
    - لينيت أيتها العزيزة
    - أيتها العزيزة جاكلين ...لقد افتقدتك منذ أجيال..
    - أعلم هذا ..ولذلك أريد أن أراك بأسرع وقت.
    - ألا تستطيعين الحضور يا عزيزتي ؟ انني هنا في قصري الريفي الجديد ويشوقني كثيرا أن تشاهذيه .
    - أتمنى هذا من كل قلبي
    - اذن اقفزي في أول قطار أو سيارة وتعالي حالا ..
    - وهو كذلك.عندي سيارة ذات مقعدين من عهد نوح اشتريتها بخمسة عشر جنيها وهي صاحبة مزاج وعسى أن يهديها الله اليوم فأصل اليك يا عزيزتي قبل موعد الشاي ..إلى اللقاء أيتها العزيزة.
    وبعد أن وضعت لينيت المسماع التفتت إلى جوانا وقالت :
    - هذه جاكلين دي بلفور وكانت زميلتي في مدرسة الدير بباريس وهي أقدم صديقاتي وكان والدها كونتا فرنسيا أما أمها فهي مثل أمي أمريكية من أهل الجنوب وقد هرب والدها مع امرأة أخرى ثم فقدت أمها ثروتها عن آخرها في مضاربات البورصة وبدلك أصبحت جاكلين خالية الوفاض تماما ولست أدري كيف تمكنت من الحياة في السنتين الأخيرتين
    - هي اذن من النوع المزعج
    - ولماذا ؟
    - أنا شخصيا أيتها العزيزة اذا حل بأي شخص من أصدقائي بلاء الإفلاس قاطعته على الفور وهذا يبدو ضربا من القسوة ولكنه يوفر متاعب كثيرة فيما بعد فهذا النوع يطلب دائما قرضا لاترد أو يرفض على المعارف و الأصدقاء شراء أزياء وروائح من أرد أ الأنواع بأسعار خرافية
    - اذن لو فقدت ثروتي اليوم..
    - أقاطعك منذ الغد فأنا لاأحب يا عزيزتي الا الموفقين الناجحين والواقع أن معظم الناس مثلي ولكن أكثرهم لايعترفون بذلك صراحة
    - ما أفظعك يا جوانا ولكنك على كل حال أخطأت الظن بجاكلين ..فقد عرضت عليها مرارا أن أساعدها ماديا ولكنها كانت ترفض فان لها كبرياء مثل كبرياء الشيطان
    - فيم اذن لهفتها على رؤيتك ؟ أراهنك أنها تريد منك شيئا
    - يبدو لي من لهفتها أنها فعلا متلهفة متحمسة لشيء ..ولكنني أعرف أن جاكلين تتحمس بسهولة وقد رأيتها مرة وهي مدفوعة بحماستها تغرس مدية في ذراع غلام.
    - ما أروع هذا انها شخصية مثيرة خطرة
    - كان هذا الغلام يعاكس كلبا صغيرا ونهته جاكلين فلم يرتدع..فحاولت ارغامه بقوة يديها ولكنه كان أقوى منها فاستلت المدية وغرستها في ذراعه
    وفي هذه اللحظة دخلت الخادمة الغرفة فتناولت ثوبا وخرجت لتكويه فلاحظت جوانا احمرار عينيها فسألت لينيت عن ذلك فقالت :
    - يا لها من مسكينة لقد كانت راغبة في الزواج من شاب انجلزي موظف في مصر وكانت تجهل عنه كل شيء فرأيت من المناسب أن استفسر عنه كي أطمئن على مستقبلها فتبين لي أنه متزوج من مصرية وله ثلاثة أطفال فأخبرتها بذلك فقطعت علاقتها به ولكنها تكثر من البكاء ....معذورة..

    وفي ذلك الوقت كان اللورد ويندلشام جالسا في ظل شجرة من أشجار حديقة القصر وقد انصرف بصره إلى الواجهة الرشيقة التي صار يتمتع بها في فصر وود الريفي فاستراح إلى ذلك المنظر الذي يشيع في النفس الغبطة والهدوء والأمن وتذكر لهذه المناسبة قصرا ريفيا آخر هو قصر أسرته التاريخي المتوارث المعروف باسم قصر شارلتو بيوري وتخيل على عتبته فتاةرشيقة حسناء ذهبية الشعر هي لينيت فتنهد لهفة على أن يراها وقد أصبحت سيدة ذلك القصر العتيد أيضا
    انه مازال يأمل أن تقبل الزواج منه مع أنها كررت رفضها أكثر من مرة لأن ذلك الرفض لم يكن قاطعا بل
    هو أشبه ما يكون بالإرجاء والتأجيل.


    -سيمون دويل-

    وفي نحو الساعة الرابعة وصلت السيارة الصغيرة وخرجت منها فتاة دقيقة التكوين سوداء الشعر لم تلبث أن وقعت على صدر لينيت وكانت هذه الفتاة هي جاكلين دي بلفور وقدمتها لينيت إلى اللورد ويندلشام الذي لم يلبث أن تركهما معا فراحت الصديقتان تتبادلان الذكريات والأخبار إلى أن قالت جاكلين أنها مخطوبة لشاب وسيم فارغ القوام يدعى سيمون دويل وانهما متحابان إلى درجة الهوس ولكنه فقير وان كان ينحدر من أسرة عريقة وانه ضاق العمل في لندن لكراهيته حياة المدن ولهذا فهو يبحث عن وظيفة في الريف ناظرا لضيعة كبيرة أو ما شابه وعقبت على ذلك بقولها :
    - انني لايمكن أن أتزوجه طبعا ما لم يجد عملا ولكنني أيضا سأموت حتما اذا لم أتزوجه
    - تكوني حمقاء يا جاكلين
    - قلت لك سأموت حتما أنا مجنونة به وهو مجنون بي ولا حيلة لنا في الحياة بغير زواج ولهذا أريد منك مادمت قد اشتريت هذا البيت والضيعة أن تساعدينا فلا بد لك من ناظر زراعة فليتك تجعلين سيمون هذا
    الناظر .
    واندفعت جاكلين تؤيد هذه الفكرة وتزكي خطيبها بحماسة إلى أن قالت لينيت أخيرا :
    - أحضريه لأراه و أتحدث معه في الموضوع.
    فهجمت عليها جاكلين وراحت تقبلها بهوس ثم أسرعت منصرفة كي تبشره وأبت أن تنتظر حتى تتناول الشاي.


    -المخبر السري بوارو-


    نحن الآن في المطعم الفاخر المعروف باسم (عند عمتي ) وصاحب المطعم لايتحرك للإحتفاء بزبائنه البارزين الوجهاء إلا في حالات نادرة جدا وهو في هذه الليلة قد تحرك لإستقبال رجل قصير القامة مكتنز الجسم مضحك الشكل له شاربان كثيفان وكان المطعم مكتظا بحيث ظل السقاة في نصف الساعة الأخير يعتذرون للزبائن عن عدم وجود موائد خالية ولكن سرعان ما أحضروا لهذا الرجل القصير المضحك مائدة وضعوها في أنسب مكان وتولى المسيو بلوندان صاحب المطعم إجلاسه اليها بنفسه وهو يبالغ
    في تحيته واكرامه ثم انتخب بنفسه أصناف الأنبدة والأطباق وراح يجادبه أطراف الحديث إلى أن يحضرها الخدم :
    - ألديك قضايا هامة في هذه الأيام يا مسيو بوارو ؟
    - اني الآن وأسفاه في حالة تقاعد بعد أن توافرت عندي الوسائل المادية للبطالة السعيدة
    - اني أحسدك
    - أنت مخطىء ..فقد بدأت أسأم الفراغ فما أصدق الذي قال : ان الإنسان اضطر لإختراع العمل ليهرب من أفكاره
    - ولماذا لا تتسلى بالأسفار
    - هذا ما عزمت عليه وقد أعددت العدة لزيارة مصر في هذا الشتاء فاطقس هناك رائع فيما يقولون ويمكنني أن أسافر من لندن الى القاهرة بالقطار عبر أوربا وتركيا والشام كي أتجنب السفر بالبحر
    - ألا يناسبك سفر البحر ؟
    فارتعدت فرائس بوارو بعض الشيء لمجرد دكر البحر وفي هذه اللحظة بدأت الموسيقى تصدح وبدأ الخدم يتوافدون بالأطباق والنبيد فجعل بوارو يستمتع بالطعام والشراب والموسيقى ولفت نظره من بين
    الراقصين شاب وفتاة في ميعة الشباب وبهاء الجمال ثم انتهت الرقصة فجلسا بالقرب منه فشعر باشعاع من سعادتهما يغمره ويرده إلى الشباب وكانت الفتاة شديدة الحماسة مبالغة في اهتمامها بصاحبها فراح بوارو يرقبها باهتمام أبوي وسمع مصر يتردد على لسانهما فاذا بالشاب يقول :
    - لابد من تمضية شهر العسل يا عزيزتي جاكلين في مصر مهما يكلفنا الأمر لقد كنت أحلم دائما بمشاهدة الأهرام والنيل و الصحراء المترامية.
    - حقق الله الأحلام يا سيمون.

    وفي الصباح التالي وصلت جاكلين الى قصر وود ومعها خطيبها سيمون دويل فرأت فيه لينيت شابا طويل
    القامة عريض الكتفين له عينان شديدتان الزرقة وشعر كستنائي متموج وذقن بارز وابتسامة صافية
    جدابة كابتسامات الأطفال فمدت له يدها فتناولها في قبضة يده القويه الدافئة وأعجبها منه تلك النظرة التي تفيض بالإعجاب الساذج فشعرت بما يشبه التخدير الخفيف يسري في عروقها وأعلنت على
    الفور انها اختارته للمنصب الذي طلبته له جاكلين .
    وفي أعماق نفسها كانت تهتف بصراحة وجلاء :
    - ما أحسن حظك يا جاكلين.



    -تيم آلرتون ووالدته-

    وبعد بضعة أيام كان تيم آلرتون منطرحا فوق مقعد من مقاعد الشواطىء على ساحل جزيرة ملدوكا يتثاءب ويحملق في البحر ويلقى بنظرات جانبية نحو والدته مسز آلرتون وهي سيدة بيضاء الشعر جميلة الصورة في الخمسين من عمرها وكانت تجتهد دائما في اخفاء حنانها على ابنها الوحيد ولكن ذلك لم يكن يجدي لأن ذلك الحنان كان شديدا بالإصابة بالسل فكانت تقضي وقتها في العناية به وقد أغنته بمالها القليل عن العمل وسألته لأمه أخيرا عما يشغل ذهنه فقال :
    - كنت أفكر في مصر بلاد الدفء والرمال الجميلة في أحضان النيل الحالم ..فكم أتمنى أن أركب ظهر النيل هذا الشتاء
    - وأنا كذلك ..ولكن ذلك يتطلب نفقات طائلة لايقدر عليها أمثالنا ممن يحرصون على أن يخفو رقة حالهم
    ويحفظو ا على أنفسهم المظهر اللائق
    - سأتكفل أنا بهذا ..فقد حدث أخيرا انتعاش في سوق الأسهم أفدت منه وقد بلغني هذا اليوم.
    - اليوم ؟ لم يصلك إلا خطاب واحد عرفت من خط المظروف أنه مرسل من جوانا.
    - هذا صحيح ولكني أعني خطاب السمسار وصلني أمس مساء
    - ما أخبار جوانا ابنة خالتك وصديقتها لينيت ؟
    - لقد رحل ويندلشام إلى كندا كسير الفؤاد بعد أن خدلته لينيت ريدجواي وقررت أن تتزوج قريبا جدا من ناظر ضيعتها .
    - عجبا انه صعلوك ولا شك
    - كلا انه من آل دويل من أشراف مقاطعة ديفونشاير ولكنه معدم لأنه الإبن الأصغر فلم يرث شيئا وقد كان خاطبا جاكلين دي بلفور أصدق صديقات لينيت ..ويقال انها كانت متيمة في هواه
    - هذا فظيع وما هي أخبار جوانا الشخصية ؟
    - تشكو الأزمة حتى انها تفكر في حل محل للأزياء
    - انها تزعم الإفلاس وهي ترتدي دائما أفخم الملابس
    - وماذا في ذلك يا أماه مادامت لاتدفع ثمنها ؟
    - ماذا تعني ؟
    - لست أعني ما تقصدين..وانما قصدت انها تماطل دائما في تسديد الفواتير.
    - دعنا من هذا الحديث قل متى تسافر إلى مصر ؟
    - في شهر يناير وهو أحسن الشهور في مصر ؟
    - عظيم ولكن لاتنسى انني وعدت السيدة ليدج ان تذهب معها إلى مركز البوليس فهي تجهل اللغة الإسبانية وعليك أن تترجم لها.
    - من أجل خاتمها ؟ ذلك الخاتم ذي الياقوتة القرمزية ؟ لقد رأيتها تنزل إلى البحر وهو في اصبعها ثم تخرج من غيره فلا شك انه وقع منها وهي تسبح
    - ولكنها تؤكد انها تركته على مائدة الزينة وعادت فلم تجده
    - انها واهمة أو كاذبة ..لقد رأيتها بعيني رأسي.







    -الوصي بننجتون-

    وبينما كان يدور هذا الحديث كان المستر أندرو بننجتون الوصي الأمريكي على تركة لينيت ريدجواي يفض البريد الوارد اليه في مكتبه بنييويورك واذا بوجهه يكفهر ويدعو شريكه المستر روكفورد على عجل فيقول له بعد ان اختليا معا :

    - خبر صاعق لينيت تزوجت
    - كيف ؟ ومتى ؟ ولماذا لم تخبرنا ؟
    - هذا الخطاب يقول انها ستتزوج في اليوم الرابع من هذا الشهر أي اليوم
    - ومن الرجل الذي ستتزوجه ؟
    - اسمه سيمون دويل
    - وأي رجل هو في الرجال ؟
    - انها لاتدكر عنه الكثير وماذا نصنع الآن ؟
    - ان الباخرة نورماندي ستبحر اليوم فيجب أن تسافر عليها لتحاول انقاذ ما يمكن انقاذه
    - ان لينيت تقول انها راحلة لتمضية شهر عسل في مصر
    - اذن اذهب إلى هناك وتصنع أنك في رحلة للنزهة وأنك التقيت بها هناك صدفة والباقي متروك لفطنتك.
    وبعد تفكير قليل استقر الرأي على ذلك خصوصا أن لينيت تثق كثيرا بالعم أندرو بننجتون الأمر الذي يسهل عليه توقيع ما يلزم من الأوراق منها كي يسوي الحسابات المختلفة فقد كان زواجها يعني انتهاء وصايته على تركتها.



    -جيمس فانثورب-

    ومضت مدة لسيت بالطويلة وصلت بعدها من لينيت رسالة إلى محام انجليزي شيخ كان يتولى بعض أمورها في اجلترا فاستدعي المحامي ابن أخته الشاب الذي يتمرن في مكتبه ليطلعه على الخطاب الذي ذكرت فيه انها أمضت مع عريسها أسبوعا في فندق ميناهاوس ثم قامت برحلة إلى بركة قارون في الفيوم وانها ستركب الباخرة النيلية الكرنك بعد يومين لزيارة أسوان والأقصر ثم التوجه الى وادي حلفا ويستطرد الخطاب بعد ذلك قائلا :
    ( ولما ذهبنا اليوم لحجز التذاكر في مكتب شركة كوك اذا بي افاجأ بالوصي الأمريكي على ثروة جدي
    وهو المستر أندرو بننجتون ولم أكن أعرف انه في مصر كما كان يجهل هو وجودي بها وانني تزوجت فقد
    وصل خطابي بعد قيامه من نيويورك بيوم واحد وهو ذاهب على نفس الباخرة النيلية في تلك الرحلة البديعة فانظر الى أعاجيب المصادفات )
    وقد أظهر المحامي الإنجليزي الشيخ ريبته في ان تكون المسألة مصادفة وخشي ان يكون هناك تلاعب من جانب الوصي الأمريكي فأمر ابن شقيقه الشاب جيمس فانثورب بالسفر في ذلك اليوم نفسه الى القاهرة بالطيارة وركوب الباخرة النيلية كي يرقب الحالة عن كثب دون ان يظهر شخصيته للآنسة لينيت ريدجواي التي صارت السيدة لينيت دويل وأوصاه ان يستعمل ذكاءه وان يكون حذرا وألا يذخر وسعا في احباط أي مؤامرة أو مكيدة.



    -روزالي ووالدتها-


    وفي مدينة القدس في أحد أبهاء فندق الملك داود كانت السيدة أوثر بورن احدى الروائيات تثبث على
    رأسها عمامة ضخمة وتقول لأبنتها الجميلة روزالي :
    - لماذا لانذهب الى مصر فقد سئمت القدس
    - كما تشائين يا أماه...
    - لقد عاملني أصحاب الفندق معاملة غير لائقة معاملة شائنة ففي وجود مؤلفة مثلي بالفندق دعاية له ولاشك فلما طلبت منهم تلميحا ان يراعوا ذلك فيمنحوني تخفيضا خاصا رفضوا بكل قحة.
    - لاعليك يا أماه ..
    - لقد أخدت بثأري فصارحتهم برأيي فيهم وهذا الصباح جاءني المدير وقال لي بكل صفاقة ان جميع الحجرات محجوزة مقدما وانه يرجوني اخلاء حجرتنا في خلال يومين.
    - إذن يجب ان نرحل الى مكان آخر
    - كلا فاني مستعدة للدفاع عن حقوقي
    - ولماذا نضايق أنفسنا بالبقاء ؟ لماذا لانذهب الى مصر كما تريدين ؟
    - لامانع وان كنت لست متلهفة على ذلك فليست هذه الرحلة الى مصر أمرا ضروريا تتوقف عليه الحياة.



    -فان شويلر وكورنيليا-


    واتفق أيضا في هذا الوقت ان سيدة أمريكية تدعى روبنسون كانت تشكر أختها العجوز العانس فان شويلر لأنها قررت اصطحاب ابنتها الشابة اللطيفة كورنيليا في رحلتها الى مصر
    وحينما خرجت السيدة روبنسون من الحجرة التقت بالآنسة بويرز الممرضة الملازمة للعانس فدار بينهما الحوار التالي :
    - انك ستلازمين طبعا سيدتك في مصر
    - لاشك يا سيدتي ..كما لازمتها في العام الماضي في باريس
    فرمقتها السيدة روبنسون بنظرة ذات معنى وقالت :
    - أرجو ألا تحدث متاعب
    - أرجو هذا ..فسأكون منتبهة دائما وعلى حذر ولن يقع شيء مكدر.


    الفصل الثاني

    -مفاجأة-
    كانت مسز الرتون جالسة مع ابنها تيم في بعض تلك المقاعد القرمزية المصنوعة من القش في حديقة فندق كتراكت بمدينة اسوان وكانا يراقبان شخصين أحدهما رجل قصير القامة يرتدي بدلة من الحرير الأبيض والآخر فتاة طويلة القامة نحيفة وقالت السيدة الرتون لإبنها :
    - هذا الرجل هو هركيول بوارو المخبر السري المشهور
    فاعتدل تيم في جلسته منتبها وقال بدهشة عظيمة :
    - أهو هذا الرجل القصير المضحك ؟
    - هو بعينه
    - وماذا يصنع هنا ؟
    - ولكن لماذا ننزعج هكذا ؟ لست أظنه على كل حال هنا لغير النزهة فقد جمع ثروة كبيرة من مهنته
    - وأراه لايبخل على نفسه بصحبة أجمل فتاة في الفندق
    والواقع أن الفتاة كانت أطول من بوارو بثلاث بوصات وكانت مشيتها رشيقة وملامحها جميلة ولكن تبدو
    عليها آيات الضيق والتجهم وكانت هذه الفتاة هي روزالي اوثربون وكانت تتحدث الى بوارو عن تلك الرحلة النبيلة الى وادي حلفا وهما في طريقهما للتجول في شوارع المدينة وتفقد محال الأثار وفي طريق عودتهما وجدا زحاما على الشاطىء بسبب وصول باخرة نيلية تقل الركاب من القاهرة فوقف بوارو
    وروزالي يشاهدان النزلاء الجدد الذين سيحلون معهما في الفندق فانتهز تيم الرتون الفرصة وانضم اليهما ليتمتع بقرب الفتاة الذي أعجب بها منذ رآها واذا به يصيح بعد قليل :
    - على اللعنة اذا لم تكن هذه لينيت ريدجواي
    ولئن كان بوارو لم يكثرث لهذه العبارة الا أن روزالي تحركت لها وتخلت عن وجومها المألوف لتتأمل المليونيرة التي شغلت الأوساط الرقية في بريطانيا تلك السنة في حين استطرد تيم الرتون
    - انها هذه المتشحة بالبياض وهذا الرجل المديد القامة الذي يقف بجانبها هو زوجها سيمون دويل.
    - لقد كانت صورتها في جميع الصحف انها أغنى امرأة في انجلترا
    - وهي الى هذا حسناء
    - نعم السماء تحابي بعض الناس فتمنحهم كل شيء

    وكانت لينيت تعلم ان جميع الأنظار موجهة اليها فكانت تهبط سلم الباخرة في رشاقة وثقة بالنفس
    أشبه بثقة الممثلة القديرة وهي تخطر على المسرح عند ارتفاع الستار في غير مبالاة بتلك الأنظار
    لأنها أصبحت شيئا مألوفا في حياتها وكان زوجها يتحدث اليها بصوت خفيض يفيض رقة وعيناه تنطقان بالرعاية والهيام فلما مرا بجوار بوارو ورفيقيه طرقت مسمعه نبرات صوت سيمون فقطب حاجبيه وحدق في الشاب النظر أما تيم الرتون فقال :
    - ياله من حظ عظيم لقد ظفر بالمال والجمال
    فقالت روزالي بلهجة لاتخلو من حسد :
    - انهما يبدوان في غاية السعادة ..والله ان هذا لكثير
    ولكنها قالت العبارة الأخيرة بصوت منخفض حتى لايسمعها تيم ولكن بوارو سمعها فقال لها بعد أن غادرها تيم ليلحق بوالدته :
    - من يدريك انهما سعيدان ؟ لماذا لاتكون ضحية لثرائها ؟
    - ألم تر كيف يهيم بها ؟
    - رأيت ولكنني رأيت شيئا آخر أيضا رأيت خطوطا سوداء تحت عيني العروس ورأيت يدها تقبض على مظلتها بقوة عصبية حتى ابيضت مفاصل أصابعها ان لها سرا ثم انني أعرف شيئا آخر أعرف ذلك الصوت لأنني سمعته من قبل أعني صوت السيد سيمون دويل وان كنت لاأدكر أين سمعته على وجه التحديد
    - ربما ربما ولكنني مع هذا أشعر نحوها بكراهية شديدة فهي ظاهرة الثقة بنفسها كأنها ملكة تستطيع
    ان تحصل على كل شيء تشتهيه في حين أنني ..عفوك أظن انه ينبغي ان ألحق الآن بوالدتي فانها متوعكة
    وكانا قد وصلا الى البهو المعتم فتركته مسرعة وقد خجلت مما بدر منها من عواطف الغيرة والحسد ..فاتجه المسيو بوارو الى شرفة الفندق المطلة على النيل حيث كانت قد بسطت موائد الشاي ولكن الوقت لم يكن قد حان فوقف يتأمل النهر المتدفق لحظة ثم اتجه الى الحديقة فوجد فريقا من النزلاء يلعبون التنس في الشمس الحامية فوقف يرقبهم قليلا ثم شرع يمشي في الممرات بين
    الأشجار وهناك على مقعد من تلك المقاعد الخشبية المواجهة للنيل وجد الفتاة التي رآها تلك الليلة
    وهو يتعشى في مطعم (عند عمتي) فعرفها على الفور ولكن تعبير وجهها هذه المرة كان يختلف كل الإختلاف عن تعبيره ليلة المطعم فهي التوم شاحبة وهي ليلتئد كانت تمثالا حيا للبهجة والحيوية
    وتراجع بوارو قليلا ولم تكن الفتاة قد رأته فراح يرقبها عن كثب على غرة منها فرآها تدق الأرض بقدمها الصغيرة في صبر نافذ ورأى في الشرر الذي يندلع من عينيها ما يدل على العذاب والإصرار واكتملت
    الصورة في ذهنه فان وجهها قد دكرة بصوت الشاب ..لقد كان سيمون دويل زوج المليونيرة الحسناء
    لينيت هو ذلك الشاب الذي كان بصحبة هذه الفتاة الوحيدة المعذبة جاكلين ليلة المطعم حيث لفت نظره
    تدلهها في حبه وفي هذه اللحظة ترامت الى سمعه أصوات تقترب فاذا الفتاة الجالسة فوقالمقعد تنهض واقفة على قدميها ثم ثم اذا لينيت دويل وزوجها ينحدران الى ذلك الموضع من الممشى وكان صوت لينيت ينبىء عن السعادة والثقة فلما اقتربت رأى بوارو ان ذلك التوتر قد فارق عضلات وجهها وان السعادة كانت تفيض من كل جارحة فيها وتقدمت الفتاة التي كانت جالسة نحوهما خطوتين فاذا العروسان يجمدان في مكانهما مأخودين
    وهتفت جاكلين دي بلفور :
    - أهذه أنت يا لينيت ؟ يخيل الي اننا لن ننتهي من ذلك الإلتقاء على غير اتفاق وعلى غير ميعاد
    وبايماءة من رأسها ودعتها وابتعدت بين ظلال الأشجار فاتجه بوارو بخفة الى الناحية المقابلة ولكن بعد ان سمع لينيت يقول ؟
    - بربك يا سيمون ماذا نصنع ؟




    -بعد العشاء-

    انتهى العشاء وكانت شرفة الفندق تسبح في ضوء ضعيف لطيف هادىء وقد جلس معظم النزلاء على الموائد الصغيرة يستمتعون بأنسام المساء الدافىء وأقبلت لينيت دويل وزوجها ومعهما رجل طويل القامة وجيه المنظر أبيض الشعر حليق الدقن ينطق كل شيء فيه بالنمط الأمريكي لرجال الأعمال
    ووقف الثلاثة بباب الشرفة مترددين فخف اليهم تيم الرتون وقال للينيت ببشاشة :
    - لعلك لاتذكرينني أنا ابن خالة جوانا ساوثورد
    - نعم نعم ..ما أغباني أنت تيم الرتون ..هذا زوجي وهذا الوصي الأمريكي على أملاكي المستر بننجتون
    - تشرفنا ..وأعتقد انك يجب ان تتعرفي بوالدتي
    وبعد دقائق كان الجميع يجلسون على مائدة واحدة مع السيدة الرتون وتحرك الباب المزدوج فالتفتت
    لينيت نحوه باهتمام واذا برجل قصير القامة يدخل ويخترق الشرفة فابتسمت السيدة الرتون وقالت :
    - انك لست الشخصية الوحيدة المشهورة يا عزيزتي فهذا الرجل القصير المضحك هو هركيول بوارو
    وكانت السيدة الرتون تقول لها الكلام على سبيل الدردشة التي تتصيد النساء مناسباتها من هنا وهناك لقطع الوقت ولكن يبدو ان لينيت فوجئت بهذا النبأ واهتمت له اهتماما خاصا :
    - هركيول بوارو ؟ لقد سمعت به طبعا
    وشرد بصرها بعد ذلك حتى لقد وجد تيم وبننجتون صعوبة في مجادبتها أطراف الحديث برهة غير قصيرة
    وكان بوارو قد اخترق الشرفة حتى وصل الى الحاجز واذا بصوت نسائي يسترعي انتباهه قائلا :
    - اجلس يا مسيو بوارو انه لمساء جميل
    فصدع بالأمر قاءلا بالفرنسية التي كان يمزجها بالإنجليزية :
    - أجل يا سيدتي انها ليلة جميلة حقا وابتسم تأدبا لسيدة اوثربون مؤلفة الروايات التي كانت ترتدي تلك العمامة السخيفة الملفتة للنظر فوق ثوب أسود أسخف منها أيضا فاستطردت
    - أرى المكان قد أصبح حافلا بالشخصايات البارزة وأتوقع أن نرى نبذة عن ذلك في الصحف عما قريب
    فهناك حسان المجتمع والمؤلفون والمشهورون والمؤلفات أيضا.
    وتوقفت لحظة ضحكة تواضع مصطنع فشعر بوارو ان ابنتها التي كانت تجلس في مواجهته قطبت جبينها استنكارا ولكنه تعمد ألا يرفع عينيه اليها حتى لايحرجها ويزيدها خجلا وقال للأم :
    - هل تنتظرين رواية عما قريب يا سيدتي ؟
    وكأنه كان يسأل هل تنتظرين مولودا جديدا ولكن المؤلفة لم تنتبه الى ذلك التهكم الخفي وانطلقت تقول :
    - الواقع انني أصبحت أستمتع بالكسل في المدة الأخيرة مع انني يجب ان أسرع وأجد في العمل
    فجمهوري قد نفد صبره وناشري المسكين يستعجلني في كل بريد وبالبرقيات أحيانا
    وشعر بوارو ان الفتاة قد تجهمت مرة أخرى أما الأم فمضت تقول :
    - لست أكتمك يا مسيو بوارو اني هنا في الوقت الحاضر كي استوحي معاني جديدة ستظهر في روايتي الجديدة ان عنوانها ثلج على وجه الصحراء وهو عنوان قوي يا مسيو بوارو ومثير ثلج ..يا مسيو بوارو على وجه الصحراء يا مسو بوارو..يذوب عندما تهب عليه أول نسمة لافحة من نسمات العاطفة المتأججة.
    وعندما نهضت روزالي وغمغمت كلمات غير مفهومة على سبيل الإعتذار ثم انطلقت حتى اختفت في الحديقة المظلمة أما الأم فراحت تسوي طيات العمامة المتكررة بيديها وهي تقول :
    - القوة لابد منها ..لحم قوي هذه هي كتبي أجساد قوية تفيض بالقوة والحيوية صحيح ان المكتبات
    العامة والمدرسية تقاطعها لأنها روايات حافلة بالمسائل الجنسية ولكن لابأس انني أقول الحق
    الجنس يا مسيو بوارو هو عمود الحياة فلماذا يتنكر له الناس ويخشون مواجهته ؟ هل قرأت كتبي
    يا مسيو بوارو ؟
    - واأسفاه يا سيدتي ان عملي كما تعلمين لايدع لي وقتا
    - لابد اذن ان أعطيك نسخة من روايتي تحت شجرة التين واني واثقة كل الثقة انك ستجدها ذات مغزى
    عظيم ..انها واقعية.
    - هذا تلطف عظيم منك يا سيدتي ..وسأقرؤها بكل لذة
    - أظن انه يجب ان أذهب الآن وأحضر لك النسخة
    - لاتجشمي نفسك هذا العناء ..فيما بعد
    - لاعناء على الإطلاق اني متلهفة ان أريك...
    - الى أين يا أماه ؟
    وكانت روزالي قد عادت في هذه اللحظة فوجدت أمها تهم بالنهوض
    -لاشيء يا عزيزتي كنت ذاهبة لإحضار نسخة للمسيو بوارو
    - من شجرة التين ؟ سأحضرها أنا
    - انك لاتعرفين مكانها ياعزيزتي ..سأذهب أنا
    - بل أعرف
    وبسرعة فائقة انطلقت الفتاة الى ذاخل الفندقوأشار بوارو الى أحد السقاة ثم سأل مسز اوثربون:
    - ألك في كأس من الشراب يا سيدتي ؟
    فهزت رأسها بحدة وقالت :
    كلا كلا اني من أنصار تحريم الخمور ولعلك لاحظت اني لا أتناول شيئا من المائدة سوى الماء أو عصير الليمون .
    أما بوارو فطلب لنفسه كأسا من النبيد وأقبلت عنذئذ روزالي وفي يدها الكتاب فكتبت عليه السيدة اوثربون اهداء ثم أعطته اياه فاذا على الغلاف الملون صورة سيدة معقوصة الشعر على آخر طراز قرمزية الأظافر جالسة على جلد نمر وليس عليها من الثياب الا ورقة توت ومن فوقها شجرة أوراق البلوط وثمار
    التفاح ومكتوب بخط كبير تحت شجرة التين وتحت صورة المرأة مكتوب بخط واضح(بقلم سالومي اوثربون)
    فانحنى بوارو وقال :
    - انه لشرف عظيم لي يا سيدتي
    وفيما يرفع رأسه على اثر الإنحناء التقت عيناه بعيني ابنتها ..فقرأ فيهما الكثير من الألم الحبيس المتأجج
    وأحضر الساقي الشراب وساد الصمت بين الثلاثة لحظة طويلة وهم يحدقون في الصخور السوداء البارزة في مجرى النيل.

    وفجأة تحرك الباب الكبير فاتجهت اليه الأنظار واذا بفتاة سمراء في ثوب سهرة بلون النبيذ تظهر منه وقد
    وقفت تتأمل الناس برهة ..ثم مشت بأناة الى مائدة خالية فقالت مسز اوثربون بحنق :
    - يبدو ان هذه الفتاة تظن نفسها شيئا ذا بال
    ولم يجب بوارو لأنه كان مشغولا بمراقبة الفتاة التي كانت تحملق باصرار في لينيت دويل واذا بها تقوم فتجلس في الناحية الأخرى من المائدة فغيرت الفتاة مقعدها كذلك كي تظل في مواجهة لينيت .وهز بوارو رأسه مرارا وبعد ربع ساعة نهضت لينيت دويل فجأة وذخلت الفندق فتبعها زوجها على الفور
    أما جاكلين دي بلفور فابتسمت وأدارت مقعدها لتستقبل صفحة النيل ثم أشعلت سيجارة واستغرقت في تأمل مياه النهر الصغير وهي تتدفق في بهجة ولطف .




    -مع المخبر السري-


    انصرف الجميع تلك الليلة الى مخدعهم أما بوارو فبقي وحده في الشرفة يستمتع بجمال اليل وفيما
    هو منصرف بخواطره وأحلامه الى الصخور الناعمة التي تبرز من مجرى النهر طرق سمعه صوت يقول مسيو بوارو ..فانتبه وقفز واقفا على قدميه ..وكان الصوت الذي ناداه يدل على تربية حسنة وثقة بالنفس وشيء من الكبرياء مع نعومة فيه وعذوبة والتقت عيناه بعيني لينيت دويل وكانت ترتدي شالا من
    القطيفة الثمينة الحمراء فوق ثوبها الحريري الناصع البياض فبدت له عن قرب أجمل مما تصورها من قبل وقالت :
    - أأنت المسيو هركيول بوارو ؟
    - في خدمتك يا سيدتي
    - لعلك تعرف من أنا ؟
    - نعم يا سيدتي ..قد سمعت اسمك وأعرف من أنت
    - ألك يا مسيو بوارو في التوجه معي الى قاعة اللعب فانني شديدة اللهفة على ان اتحدث اليك
    - في خدمتك ياسيدتي
    فاقتادته الى حجرة خالية من حجرات اللعب وحرصت على اغلاق الباب عليهما ثم جلسا الى احدى الموائد الصغيرة وطرقت الموضوع في غير لف وبغير مقدمات
    - لقد سمعت عنك الكثير يا مسيو بوارو وأعلم أنك رجل عظيم البراعة فائق القدرة واتفق في الوقت الحاضر ان أكون بحاجة ماسة الى شخص يسدي الي يدالعون وأعتقد أنك بلا ريب ذلك الشخص
    - هذه رقة بالغة منك يا سيدتي ولكنك ترين انني في اجازة وحينما أكون في اجازة لاأرتبط بعمل مطلقا
    - هذه مسألة يمكن تدبيرها فالواقع يا مسيو بوارو انني فريسة مطاردة لاتفتر ولابد من وضع حد لها بأي ثمن وقد كان رأيي ان ألجأ الى البوليس ولكن زوجي يعتقد ان البولسي لا سلطان له في هذا الموضوع
    - ربما كان على صواب
    - سأشرح لك الموضوع باجمال حتى تحكم بنفسك فقد كان زوجي قبل ان ألتقي به خاطبا للآنسة جاكلين دي بلفور من أقدم صديقاتي ثم فسخ خطبته لها فانهما لم يكونا متلائمين وقد حز هذا في نفسها للأسف الشديد واني آسفة لما حدث لها كثيرا ولكن هذه الأمور لايد للإنسان فيها وقد عمدت الى التهديد ولكني لم أكثرت لتهديداتها والحقيقة انها تحاول وضع تلك التهديدات موضع التنفيد بيد انها اتخدت خطة غريبة جدا هي ملاحقتنا أنا وزوجي أينما ذهبنا أو أقمنا
    فرفع بوارو حاجبيه دهشة وقال :
    - الواقع انه انتقام من نوع غير مألوف
    - غير مألوف وسخيف ولكنه أيضا مزعج
    - لقد قدرت ذلك فأنتما فيما أعتقد في شهر عسل ؟
    - نعم وقد حدثت المطاردة الأولى ونحن في البندقية فالتقينا هناك في مطعم دانييلي واعتقدت ان المسألة محض مصادفة وان كانت مصادفة محرجة ثم اذا بنا نجدها معنا على ظهر السفينة عند ابحارنا من ميناء برنديزي وقد اعتقدنا اها ذاهبة الى فلسطين فنزلنا في الإسكندرية على اعتقاد اننا تركناها في السفينة واذا بنا حين وصلنا الى فندق مينا هاوس بالباخرة النيلية والواقع انني كنت أتوقع ان أكتشفوجودها على تلك الباخرة فلما لم أجدها ظننت انها قد أقلعت عن هذه الصبيانيات ولكن ما ان وصلنا حتى وجدناها تكمن في هذه الفندق في انتظار وصولنا اليه
    - وأنت تخشين أن تستمر هذه اللحظة
    - نعم والمسألة كلها فارغة من المعنى فان جاكلين تزري بنفسها ويدهشني ان يعوزها الإحترام والشعور بالكرامة الى هذ الحد.
    - هناك أوقات يا سيدتي تتوارى فيها مشاعر الإحترام والكرامة والوقار لتخلي السبيل لعواطف أقوى وأشد
    - ربما ..ولكن بحق السماء ماذا تأمل أن تكسب من وراء هذا كله
    - ليست المسألة في جميع الأحوال مسألة مكسب وخسارة يا سيدتي
    - الحق معك ومناقشة الدوافع خارجة عن نطاق بحثنا الآن فالمقصود هو كيف نضع حدا لهذا الموقف ؟
    - وكيف تظنين ان ذلك مستطاع ؟
    - لاريب اني لاأطيق أنا وزوجي أن نظل فريستين لهذه المضايقة المستمرة فلا بد أن هناك نوعا من الإجراء المشروع ضد ذلك المسلك
    - هل هددتك بكلمات صريحة علنا ؟ هل سبتك ؟ هل حالت الإعتداء عليك اعتداء جسمانيا ؟
    -كلا
    - اذن لا أرى مخرجا يا سيدتي فاذا كان يلذ لسيدة شابة أن تسافر بوسائل معينة وتقيم في أمكنة معينة وهي الوسائل والأمكنة التي يروق لك ولزوجك اختيارها فلا جناح عليها فالهواء مشاع لجميع الناس
    وهي لا تتطفل على خلوتك وانما كل التمائها بك في الأماكن العامة
    - أتعني انه لافائدة من محاولة منعها من مطاردتنا ؟
    - لافائدة على الإطلاق فيما أرى فالآنسة جاكلين دي بلفور تسلك في حدود حقها المشروع
    - ولكن هذا شيء لايطاق
    - في استطاعتك ان تغادري المكان الذي لاتستريحين فيه
    - ولكنها ستتبعنا الى المكان الجديد
    - من المحتمل جدا فليس هناك ما يمنعها من ذلك
    ولكن لماذا نهرب نحن منها ؟
    - هذا بالضبظ يا سيدتي هو جوهر الموضوع لماذا تهربين ؟ وماذا يضايقك من وجودها ؟
    - لماذا ؟ لقد أخبرتك بالقصة
    فتراجع بوارو في مقعده وعقد ذراعيه فوق صدره وقال بهدوء :
    - أعيريني سمعك يا سيدتي فسأقص عليك قصة صغيرة فمنذ شهر أو شهرين كنت أتعشى ذات يوم
    في مطعم بمدينة لندن وكان الى المائدة المجاورة رجل وفتاة وكانا سعيدين جدا ومتحابين وكانا يتحدثان بثقة تامة عن المستقبل ولم أر وجه الرجل لأن ظهره كان الى جهتي ولكنني كنت أرى وجه الفتاة وكان وجهها ناطقا بأنها عاشقة بكل قلبها وروحها وجسدها فلم تكن الفتاة من اللواتي يحببن حبا يسيرا يبدلنه
    كلما غسلن وجوههن حين يستيقظن من النوم بل كان واضحا لعيني أن الحب عندها هو الحياة أو هو
    الموت وكانا مخطوبين وكانا حديثهما عن شهر العسل وكيف يقضيانه في ربوع مصر
    وانقضى الشهران لم أر فيهما وجه الفتاة ولكنني لن أنسى ما حييت هذا الوجه ولايمكن الا أن أتذكره
    ان رأيته يوما ما وأتذكر أيضا صوت الرجل فأين تظنين أني رأيت وجه الفتاة وسمعت صوت الرجل بعد ذلك ؟ هنا يا سيدتي في مصر وكان الرجل في شهر عسل أجل ولكنه عسل يشترك فيه مع امرأة أخرى..
    - وماذا في ذلك ؟ لقد دكرت لك الوقائع بنفسي
    - الوقائع ..نعم
    - وبعد
    - كانت الفتاة ليلة المطعم قد أشارت الى صديقة لها وكانت تؤكد لخطيبها ان صديقتها تلك لن تخدلها وكانت الصديقة فيما أظن يا سيدتي هي أنت
    - نعم فقد دكرت لك بنفسي أننا كنا صديقتين
    - وكانت لها فيك ثقة ؟
    - نعم
    وظهر على لينيت التردد لأول مرة منذ بدء الحديث ثم قالت :
    - لقد حالفها وحالف الموضوع كله سوء الطالع ولكن هذه الأمور تقع كثيرا في الحياة يا مسيو بوارو
    - انها تقع يا سيدتي ..فلا بد قد سمعت وأنت في دور العبادة فصولا من التوراة يتلوها القسيس أو الشماسوربما سمعت من بين تلك الفصول قصة داودالملك والإشارة الى الرجل الغني صاحب القطعان التي لايحصيها العدد والرجل الفقير الذي لم يكن يملك الا نعجة واحدة وكيف ان الغني اشتهى لنفسه نعجة الفقير ومد يده اليها هذه أشياء تقع حقيقة يا سيدتي
    فاعتدلت لينيت في جلستها واتقدت عيناها وهي تقول :
    -انك تعتقد انني سرقت خطيب صديقتي وتنظر الى المسألة من وجهة نظر عاطفية شأن أبناء زمنك
    ولكن الحقيقة المجردة خلاف ذلك على خط مستقيم فلست أنكر ان جاكلين كانت متيمة بحب سيمون
    ولكن لاأظنك قدرت انه لم يكن متعلقا بها تعلقها به فلما التقى بي سيمون أدرك انه يحبني أنا لاجاكلين
    فماذا يصنع ؟ هل كان يصطنع البطولة ويتزوج امرأة لايحبها فيحطم ثلاثة قلوب ؟ ولو انه كان متزوجا بها فعلا حين التقى بي لكنت وافقتك على ان واجبه ان يتمسك بها وان كانت المسألة مع ذلك فيها نظر فان شقاء أحد الزوجين يشفي الزوج الآخر فما بالك والخطبة ليست كالزواج ؟ وليس للخطبة معنى الا أنها فرصة يراجع فيها الطرفان نفسيهما حتى اذا تبين لهما خطئهما أصلحاه قبل أن يفت الأوانف فيندما حيث
    لاينفع الندم وأعترف ان زواجنا وقع على جاكلين وقعا أليما واني آسفة كل الأسف ولكن لاحيلة لي فقد كان الذي حدث أمرا مقضيا لامناص منه.
    - عجبا أيما عجب ان ما تقولينه معقول ومنطقي جدا ولكنه لايفسر لي مسلكك أنت يا سيدتي فان مطاردتها تضايقك أوتثير في نفسك الرثاء لهذه المسكينة التي أفقدتها الضربة اتزانها ولكنك لم تشعري بالحرج ولابالرثاء بل ثرت وشعرت ان الموقف لايطاق فلماذا ؟ ليس لذلك الا تعليل واحد هو الشعور بأنك
    مذنبة حقا
    - كيف تجسر على ذلك ؟
    - بل أجسر يا سيدتي ثم أجسر وسأتحدث اليك في صراحة تامة ان الحقيقة التي تعلمينها ولايمكن ان تخدعي نفسك عنها هي انك اختلست خطيب صديقتك اختلاسا مدبرا متعمدا وأعتقد انك شعرت نحوه
    بانجداب قوي أول وهلة وانك تردت ثم اخترت طريقك بمحض ارادتك وكان الإختيار بيدك أكثر مما كان
    بيد المسيو دويل ..فأنت جميلة وغنية وذكية وقد استخدمت سحرك حيث كان في استطاعتك ان لاتستخدميه فعمدت الى أسره بفتنتك عمدا ومع سبق الإصرار وكانت الدنيا أمامك واسعة تملكين الإختيار من بين مئات الشبان أما صديقتك فلم يكن لها الا ذلك الرجل وكنت تعلمين هذا وكان في استطاعتك ان تقبضي يدك ولكنك مددتها كما مد الرجل الغني يده الى نعجة جاره الفقير.
    وساد الصمت لحظة ووجدت لينيت صعوبة في التغلب على انفعالها الى ان قالت بصوت فاتر :
    - كل هذه خارج عن الموضوع
    - كلا بل هذا هو لباب الموضوع فهو تفسير انزعاجك الشديد كلما فوجئت بجاكلين دي بلفور فأنت مقتنعة في أعماق سريرتك انها على حق ولا تؤاخديني على هذه الصراحة فان علم النفس لايأبه كثيرا
    الا للوقائع المجردة.
    - وبفرض ان ما تقوله صحيح وان كنت لاأعترف بذلك فما العمل يا مسيو بوارو ؟
    - ان عقلك المرتب يفتيك بأن مافات مات وان ما كتب قد كتب الا التجلد والصبر
    - ألا تتكرم بالتحدث الى جاكلين لعلك تقنعها بالإقلاع عن هذه الخطة ؟
    - ربما فعلت ذلك ..ولكن لاتنتظري له ثمرة ترضيك فان جاكلين فر يسة فيما أعتقد لفكرة لن تتحول عنها
    - أتعتقد اذن انه لافائدة ؟
    - في استطاعتك ان تعودي مع زوجك الى انجلترا فتقيما في قصركما الريفي قصر وود
    - أظنها تتبعنا الى هناك وتقيم في القرية بحيث أراها كلما خرجت من أسوار الحديقة ثم انني لا أظن
    سيمون يوافق على الهروب والتراجع.
    - وما هو موقفه ؟
    - انه غاضب الى حد الثورة
    فهز بوارو رأسه شأن من يفكر وقالت لينيت برجاء :
    - هل ستخاطبها في الأمر ؟
    - نعم سأخاطبها وان كنت ضعيف الأمل في النجاح وهل لي ان أعرف شيئا عن التهديدات التي هددتك بها ؟
    - لقد هددت بقتلنا نحن الإثنين أنا وسيمون
    فظهر الإهتمام على وجه بوارو وهز رأسه مليا فقالت له لينيت بلهجة لا تخلو من الضراعة
    - هل تعمل لحسابي يا مسيو بوارو ؟
    فقال لها بلهجة حازمة :
    - كلا يا سيدتي ..أنا لا أقبل العمل لحسابك وان كنت سأفعل ما في وسعي بدافع من الشعور الإنساني
    وسأبدل كل ما في جهدي لفض النزاع ولكنني لست شديد التفاءل ولا وطيد الأمل في النجاح....




    الفصل الثالث

    -محاولة-
    جد هركيول بوارو جاكلين دي بلفور جالسة فوق الصخور المطلة على مجرى النيل وكان واثقا أنها لم تأو الى فراشها بعد في تلك الليلة وقد صدقت فراسته فاقترب منها وألفاها تعتمد بدقنها على راحتي يديها وهي تحدق في المياه الجارية ولم ترفع رأسها لتنظر من القادم فوقف الى جوارها وقال
    - أتسمح الآنسة دي بلفور ان أتحدث اليها لحظة ؟
    فرفعت اليه بصرها وبدت على شفتيها ظلال ابتسامة باهثة ثم قالت :
    - لاريب ..فأنت المسيو هركيول بوارو فيما أعتقد وهل تسمح لي بالتخمين في أمر صغير قبل ان تبدأ في الحديث ؟
    - نعم
    - انك تعمل لحساب مسز دويل التي وعدتك بمكافأة ضخمة ان أنت نجحت في مهمتك التي كلفتك بها.
    فجلس بوارو الى جوارها وقال باسما :
    - ان تخمينك صائب في جزء منه فانني قادم الآن من اجتماع عقد بيني وبين لينيت ولكنني لم أقبل منها أي أتعاب لأنني رفضت ان أعمل لحسابها وهل سبق لك ان رأيتني يا آنسة ؟
    - كلا لا أظن ذلك
    - أما أنا فسبق لي ان رأيتك فقد كنت أجلس الى المائدة المجاورة لمائدتك في مطعم (عند عمتي ) وكنت أنت ليلتئذ في صحبة سيمون دويل
    فبدا على وجهها تغير وقالت بصوت أجش
    - نعم أذكر تلك الليلة
    - ومنذ تلك اليلة حدثت أمور كثيرة يا آنسة ولنني أتحدث اليك الآن حديث صديق اذ أقول لك
    (ادفني الماضي فان ما فات مات )
    - هذا حل يوافق لينيت ويريحها
    - لست أفكر فيها الآن بل فيك أنت فقد تعدبت كثيرا واني ادرك هذا وأقدره تمام التقدير ولكن خطتك الحاضرة من شأنها أن تزيد عليك المتاعب
    - انت واهم فانني أستمتع بانتقامي
    - ان عقلك جدير ان يدلك على الخير وانت في مقتبل العمر والحياة فسيحة امامك
    - انك لاتعرف الحقيقة ...سيمون هو حياتي كلها فلا سبيل الى التخلي عنه وقد كنت أحب لينيت وأثق بها ولكنها خانتني في قلبي وتركت حياتي فارغة . ولمذا أسمح لها بأن تستولي عليه ؟
    لاتصدق انه تزوجها طمعا في مالها كلا.....ما كان ليفعل هذا وانما هو فتى يعشق الترف والوجاهة ويحب الظهور والمال هو الوسيلة الى هذا كله والجو الذي يحيط بلينيت جو ساحر لأنه يشبه الجو الذي يحيط بالملكات المتوجات وفد أزاغ بصره ان يرى المرأة التي تترامى بريطانيا تحت قدميها تعزف عن كل شيء لتختاره هو وقد كنت أنا القمر ولكنها كانت الشمس فلما أشرقت الشمس لم يعد للقمر أثر
    وبحركة سريعة دست يدها في حقيبة حريرية صغيرة وأخرجت مسدسا صغيرا مرصعا باللآلىء وقالت:
    - انه يبدو شيئا جميلا لطيفا ولكن ثق ان رصاصة واحدة من رصاصاته الصغيرة تكفي لقتل رجل
    أو قتل امرأة وأنا بهذه المناسبة بارعة في اصابة الهدف فعندما كنت طفلة أمرح في كنف والدتي في ولاية كارولينا الجنوبية كان جدي لوالدتي يعلمني الرماية لأنه كان من رجال المدرسة القديمة الذين يؤمنون بلغة الرصاص في غسل الإهانات وكذلك كان أبي فقد اشترك في مبارزات كثيرة وهو شاب وكان من أبرع اللاعبين بالسيف .
    وركزت عينيها في عينيه ثم استطردت :
    - ها أنت ذا يا مسيو بوارو ترى ان الدماء الحارة تجري في شراييني وقد اشتريت هذا المسدس عندما اكتشفت الحقيقة فقد كان في نيتي قتل لأحدهما وكان المانع الوحيد انني كنت مترددة أيهما أقتل وكنت أعتقد أن لينيت ستفزع من التهديد ولكنها تتمتع في الحقيقة بشجاعة كبيرة
    ثم خطر لي أن أطيل عذابها بملاحقتها أينما ذهبت فانها على شجاعتها المادية لاتملك الشجاعة الأدبية وظهوري لها كلما اختليا في مكان سحيق كان لإفساد صفو السعادة عليها وقد نجحت هذه اللحظة وبدأت ألتذ بطعم ذلك الإنتقام فهي لاتستطيع أن تأخد علي شيئا لأنني اثيرها دائما بفرط أدبي ولياقتي ومجاملتي إنه السم في العسل.
    فقبض بوارو على ذراعيها وقال لها بحدة :
    - أرجو منك يا آنسة ألا تسترسلي في هذه اللحظة وألا تفتحي قلبك للشر فانك ان فعلت لبى الشر دعوتك ودخل قلبك واذا دخل الشر قلبا فانه لايفارقه بعد ذلك أبدا اوقفي نفسك فلا أحد حتى ولا أنا يستطيع أن يوقفك
    - لن تستطيع أن توقفني ولو كنت مقدمة على قتلها
    - نعم ما دمت على استعداد لأداء الثمن
    - ها ها لست أخشى الموت فماذا هناك حتى أعيش له ؟ أم تراك من الذين يؤمنون بخطأ القتل انتقاما من شخص سلبك كل ما لك في الحياة الدنيا ؟
    - نعم يا آنسة أعتقد أن القتل جريمة لاتغتفر
    فضحكت جاكلين وقالت :
    - اذن ينبغي ان تقر وسيلتي الحالية في الإنتقام فانني لاألجأ الى المسدس ما دامت هذه الوسيلة تؤتي ثمارها ..ولكني لا أكتمك انني أخاف من نفسي أحيانا حين تثور الدماء في عروقي وتطغى علي جبارة في ايدائها فأضع هذا المسدس بل أغرسه غرسا في رأسها ثم اضغط باصبعي على الزناد وينتهي كل شيء
    وفجأة تغير صوتها وصاحت كالمدعورة :
    - أوه
    - ماذا يا آنسة ؟
    وكانت قد أدارت رأسها وراحت تحدق في الظلام
    - شخص كان يقف هناك في الظلام بين الأشجار وقد انصرف الآن وتلفت بوارو فلم تأخد عيناه شيئا


    -الشمس والقمر-


    وفي الصباح التالي فيما كان بوارو خارجا من الفندق ليتمشى في المدينة لحق به سيمون دويل واستأذنه في ان يمشي معه فلما دخلا الحديقة الظليلة اخرج سيمون غليونه من فمه وقال مفتتحا الحديث :
    - لقد علمت يا مسيو بوارو ان زوجتي كان لها معك بالأمس حديث وقد سرني انك بينت لها ان لاحيلة لنا في تغيير الوضع القائم ..فهذه وجهة نظري
    - ليس هناك اجراء قانوني ناجع
    - بالضبط ويبدو ان لينيت لم تكن تدرك هذه الحقيقة فقد نشأت على ان كل شيء في الحياة يجب ان يسير وفق هواها وان كل شيء يجب ان يتلاشى بمجرد تبليغ البوليس ولكن العجيب ان يظن الناس بلينيت الظنون في مسألة زواجنا فان كان هناك ذنب فهو ذنبي واذا فسر الناس موقفي بأنه نذالة فهم ورأيهم
    وطأطأ بوارو رأسه ولم ينطق فاستطرد سيمون :
    - هل تحدثت الى الآنسة بلفور ؟
    نعم
    - وهل وصلت الى شيء ؟
    - أحسب انني لم أستطع
    - ألم تتبين انها تسيء الى نفسها وتحط من قدرها بذلك المسلك الذي ينافي الآداب والكرامة واحترام الذات
    - انه الإنتقام
    - الواقع انها أتلفت أعصاب لينيت وكم أتمنى ان أدق عنقها
    - هل تبخر اذن كل ما كان لها لديك من حب ؟
    - يا عزيزي بوارو لست أجد تشبيها يصور لك الموقف سوى تشبيه القمر والشمس فانك عندما تطلع الشمس لايمكن أن تشعر بوجود القمر وكذلك بمجرد ان التقيت بلينيت تلاشت جاكلين من
    الوجود بالنسبة لي على الأقل
    - تشبيهك يثير اهتمامي أيها السيد
    - وقد يجمل بي ان أقول لك ولكنها الحقيقة ان جاكلين كانت تحبني أكثر مما يجب كانت تشعر انها تمتلكني امتلاكا تاما والحقيقة يا مسيو بوارو انه ما من رجل يحب ان يشعر انه مملوك أو يستريح الى ذلك ولهذا أردت أن أتحرر..........
    وخانه صوته فتوقف عن الكلام وكانت أصابعه ترتعد وهو يشعل غليونه فسأله بوارو :
    - أتدري أنها تحمل مسدسا ؟
    - لا أعتقد انها ستستخدمه ..فلو كانت تنوي ذلك لأقدمت على استخدامه من قبل اعني قبل ان يتم الزواج واعتقادي الآن انها تريد مجرد ازعاجنا وتسميم سعادتنا
    - ربما كنت على حق
    - ان كل خوفي على أعصاب لينيت لا على حياتها واليك الخطة التي فكرت فيها فربما كان لديها مشورة أوتعديلات ادخلها عليها قبل ان اضعها موضع التنفيذ وقد اعلنت بصوت مسموع اننا ننوي البقاء هنا عشرة ايام أخرى ولكن الواقع ان الباخرة الكرنك ستقوم غدا من الشلال ووجهتها وادي حلفا وقد اعتزمت ان احجز لنا مكانين باسم مستعار وفي الصباح الغد سأذهب مع لينيت الى جزيرة فبلة وفي هذه الأثناء ستمضي وصيفة لينيت بحقائبنا الى الباخرة ثم نلحق نحن بالباخرة في الشلال فعندما تتبين جاكلين اننا لم نعد في الجزيرة ستكون الباخرة الكرنك قد اقلعت وفي
    نيتنا ان نتوجه من هناك الى الخرطوم وبعد ذلك الى بلاد أخرى لاتهتدي اليها لأننا سنسافر باسم مستعار ..فلن يفيدها شيئا الرجوع الى مكاتب السياحة وسجلاتها
    - لاتنس يا مسيو دويل ان مقدرتها المالية محدودة واني لأعجب كيف استطاعت ان تلاحقكما حتى الآن
    فبدا التردد على وجه سيمون وقال :
    - أعتقد انها تملك ريعا سنويا يقرب مائتي جنيه ويخيل الي انها باعت ذلك الريع بمبلغ متجمد كي تنفق على هذه الرحلات الباهضة التكاليف ولذلك لايبعد ان تنفد مواردها بعد حين فتكف مرغمة على ملاحقتنا
    - ان خطتك تبدو محكمة ولكن تذكر ان جاكلين ذكية وليس من السهل مراوغتها وأنا شخصيا مشترك في رحلة الكرنك الى وادي حلفا
    - ما أبدع هذا
    - ومن الشخص الطويل ذلك الأمريكي الوجيه ؟
    - أتعني مستر بننجتون ؟ انه الوصي على تركة لينيت واها لمصادفة مزعجة ان يكون معنا في رحلة شهر العسل ولكنها مجرد مصادفة
    - أحقا ؟ أتسمح لي بسؤال ؟ هل بلغت زوجتك سن الرشد ؟
    - انها لم تبلغه بعد وقد كان زواجها مفاجأة تامة للمستر بننجتون فقد غادر نيويورك بيومين ولهذا كان خالي الذهن تماما عندما التقى بنا
    - يا لها حقا من مصادفة
    - وقد تجلدنا عندما وجدناه مشتركا في الرحلة النيلية الى أسوان ثم الى وادي حلفا ولكن صحبته لم تخل من فائدة فأعصاب لينيت كانت متوترة لتوقعها ان ترى جاكلين في أي لحظة وفي خلوتنا معا كانت جاكلين موضوع حديثنا الوحيد أما وهناك طرف ثالث هو بننجتون فالموضوعيظل بعيدا عن ذهننا
    - أتسمح لي بسؤال آخر ؟ أكانت رحلة شهر عسل في مصر من اقتراحك أنت ؟
    فاحمر وجه سيمون وقال :
    الحقيقة انني كنت أفضل التوجه الى أي مكان آخر ولكن لينيت أصرت وازاء ذلك
    ثم لم يتم جملته وظهر عليه الإرتباك فهز بوارو رأسه لأنه أدرك أن لينيت دزيل هي صاحبة الكلمة
    العليا وما دامت تريد شيئا فلا بد لزوجها من الإذعان
    وقال هركيول بوارو في نفسه :
    - لقد سمعت الآن ثلاث روايات متفرقة عن الموضوع : الرواية الأولى بلسان لينيت دويل والثانية بلسان جاكلين دي بلفور والثالثة بلسان سيمون دويل فأي الروايات أصدق ؟



    -مضايقة بارعة -


    وفي الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم التالي ركب سيمون ولينيت القارب الشراعي الجميل من مرسى فندق كتراكت الى جزيرة الفيلة لزيارة معبد بطليموس المشهور وكانت جاكلين دي بلفور جاسة في شرفة الفندق ترقب اقلاعهما ولكن الذي لم يتيسر لها رؤيته هو قيام السيارة من الباب الأمامي للفندق محملة بحقائب العروسين ومع الحقائب الخادمة الفرنسية لويز بورجيه وصيفة لينيت الخاصة وقد اتجهت السيارة الى اليمين ميممة شطر الشلال
    وكان هركيول بوارو قد اعتزم ان يمضي الساعتين الباقيتين قبل قيام الباخرة الكرنك في تفقد الجزيرة المواجهة للفندق فركب قاربا من قوارب الفندق البيضاء فوجد فيه الرجلين أحدهما شاب
    وصل في اليوم السابق بالقطار وهو طويل القامة أسود الشعر بارز الدقن نحيل الوجه يرتدي بنطلونا من الفانلة الرمادي من أقدر ما رأته العين وقميصا ممزقا أما الرجل الآخر فكان كهلا أنيقا لم يضع الوقت سدى في القارب بل شرع يتحدث مع بوراو بانجليزيو ركيكة في حين انصرف الشاب عنهما
    واهتم بمراقبة النوتي فلما رسا القارب أمام الجزيرة اتجه بوارو وصاحبهما الى متحفهما مباشرة وأبرز الرجل الكهل بطاقة قدمها الى بوارو مكتوب فوقها ( السينيور جويدو ريتشي أثري) فقدم اليه بوارو بطاقته وبذلك تم التعارف وانتقل الحديث من الإنجليزية الى الفرنسية وكان الإيطالي شديد الإهتمام بالأطلال والتحف أما الشاب فلم يعد يطق البقاء داخل المتحف فخرج الى الهواء الطلق
    وأما بوارو فلمح بعد قليل مكانا ظليلا بجانب صخرة فاتجه اليه فوجد مسز الرتون جالسة هناك
    وبين يديها كراسة رسم وكان يستلطفها كثيرا فجلس يجادبها أطراف الحديث وعرف منها انها مشتركة وولدها تيم في الرحلة النيلية ودعته الى مشاركتهما مائدة الطعام أثناء الرحلة فقبل مسرورا وبعد قليل نهضا الى القارب ليعودا الى الفندق فاذا بالشاب القذر الثياب مشتبكا مع الإيطالي في مناقشة حامية حول قيمة الآثار المصرية وغير المصرية أيضا وقد ظهر من ذلك الحديث بوضوح ان الفتى يدعى فيرجيسون يساري متطرف لا يؤمن بالتاريخ ولا بالماضي ولابالفنون ...
    وانما كل همه ان تمتلىء البطون وعلى الدنيا بعد ذلك العفاء
    وقد استمرت تلك المناقشة الى ان وصل القارب الى الفندق وفي البهو التقى بوارو بجاكلين دي بلفور وكانت مرتدية ملابس الركوب فانحنت له في شيء من السخرية انحناءة يسيرة وقالت :
    - اني ذاهبة لركوب الحمير فهل تشير علي بزيارة القرى المجاورة يا مسيو بوارو ؟
    - ولم لا انها ذات مناظر جميلة
    وأسرعت خارجة ..أما هو فاتجه الى حجرته حيث أتم حزم حقائبه ثم هبط الى قاعة الطعام حيث
    تناول وجبة الغداء وبعد ذلك تولت سيارة الفندق نقل المشتركين في رحلة وادي حلفا الى محطة السكة الحديدية كي يلحقوا بقطار الساعة الثانية القادمة من القاهرة ليقلهم الى محطة الشلال
    وهي مسافة يقطعها القطار السريع في عشر دقائق
    أما مسز اوثربون وابنتها والعانس الأمريكية فان شويلر وهي عجوز مغضنة الوجه متحلية بقنطار من الجواهر الثمينة وترتدي ثياب القرن الماضي ذات الياقة العالمية المنشاة وكانت تنظر من قمة هذه
    الياقة الصلبة الى الناس كافة نظرات الإمتعاض والإستعلاء وكانت أمامها امرأة دون الثلاثين ممتلئة
    عسلية العينين تنظر اليها كما ينظر الكلب الوديع الذكي الحسن النشأة ...وكانت العجوز قد حملت مجلة أمريكية تخفي بها وجهها ولكنها كانت تطل من ورائها بين دقبقة وأخرى لتلقي الى مرافقتها أمرا لالزوم له في الواقع وكانت تناديها باسم كورنيليا .
    وبعد عشر دقائق وصل القطار الى مرسى الباخرة النيلية الكرنك وكانت مسز اوثربون وابنتها موجودتين على ظهرها فركب سائر المسافرين ودلهم الخدم على أماكنهم وقمراتهم وكانت مقدمة السطح العلوي للباخرة عبارة عن صالون للمراقبة جدرانه كلها من الزجاج يستطسع الركاب الجالسون فيه ان يشاهدوا انسياب النهر أمام أعينهم وفي السطح السفلي كانت توجد حجرة
    التدخين وقاعة صغيرة للإستقبال والجلوس وأسفلها قاعة المائدة . فلما رتب بوارو حقائبه في
    قمرته صعد الى السطح العلوي ليشاهد اقلاع الباخرة ووقف الى جوار روزالي اوثربون التي كانت متئكة على الحاجز الحديدي وكان الضيق الشديد ضاهرا على وجهها وفجأة لمعت عيناها وقالت :
    - عجبا هذه مسز لينيت دويل وزوجها لم يخطر لي مطلقا انهما قادمان في هذه الرحلة فقد صرحا انهما باقيان في أسوان
    وكانت لينيت قد برزت في هذه اللحظة من باطن السفينة ومن ورائها زوجها وكان يفيض بالبشر والسعادة وكان سيمون أيضا يضحك ملء شدقيه كأنه تلميذ أبله أفلت من سور المدرسة
    ووقف الزوجان ينظران الى مراسي الباخرة وهي ترفع ثم الى زبد الماء الذي أثارته محركاتها وقد بدأت في الدوران وهمس سيمون في أذن زوجته :
    - ها نحن أخيرا قد ابتعدنا يا لينيت ........
    وارتفع من خلفهما صوت ضحكة فضية ناعمة النغمات فالتفتت لينيت بسرعة لترى نفسها وجها لوجه أمام جاكلين دي بلفور التي بادرتها بقولها :
    - هالو لينيت لم أكن أقدر أن أجدك هنا فقد خيل الي انني سمعتك تقولين انك باقية في أسوان عشرة أيام أخرى فيا لها حقا من مفاجأة
    - وأنا أيضا لم أكن أتوقع أن أراك
    - أحفا ؟
    ثم ابتعدت جاكلين الى الجانب الآخر من الباخرة في حين تعلقت لينيت بذراع زوجها في عصبية ظاهرة أما هو فوقف محملقا وقد تقلصت أصابعه كمن يبذل جهدا عنيفا في مغالبة غضبه.
    بعد بضع ساعات كان بوارو في صالون المراقبة يتأمل مناظر بلاد النوبة حين دخلت لينيت دويل فوقفت بجواره وهي تثني اصابعها وتبسطها في اضطراب شديد ثم قالت بلهجة الطفل الضال المشدوه :
    - يا مسيو بوارو اني خائفة خائفة من كا شيء لم أشعر بمثل هذا الشعور ابدا من قبل وهذه الصخور القاحلة من حولنا تزيد نفسي انقباضا ووحشة الى اين نحن مساقون ؟ اني خائفة كل انسان هنا يكرهني الجميع يكرهونني ماعدا سيمون ما أفظع هذا
    - ماذا حدث يا سيدتي ؟
    - عفوك أظنه انهيار عصبي فاني أشعر ان كل من حولي مخيف ترى ما نهاية كل هذا ؟ نحن هنا في فخ ولا مخرج لنا اني لم أعد أعرف اين أنا والى اين أنا ذاهبة
    وارتمت فوق مقعد وظل مسيو بوارو واقفا ينظر اليها نظرة لاتخلو من رثاء واشفاق فلما اتقطت أنفاسها قالت :
    - ترى كيف عرفت اننا مسافران بهذه السفينة ؟ كيف أمكنها ان
    - ان لها عقلا ذكيا كما تعلمين
    - احس انني لن أفلت من يدها
    - كان هناك حل لست أدري لماذا لم يخطر ببالك فان المال ليس هو العقبة التي تقف في طريقك يا سيدتي
    - ماذا تعني ؟
    - لماذا لم تستأجري ذهبية خاصة لإستعمالكما الشخصي ؟
    - انك لاتعلم كل ظروفي يامسيو بوارو ..فان سيمون مرهف الحس شديد التمسك بالتقاليد ولذلك كان مصمما على ان يتحمل نفقات شهر العسل وقد كان مجرد الإشارة الى الذهبية الخاصة كافيا لإثارة أعصابه من هذه الناحية الحساسة فاضطررت الى ملاينته ريثما يتسنى لي تكييفه تدريجيا
    وساد الصمت لحظة وكأنها شعرت بالخجل من اندفاعها في ساعة ضعف فاستأذنت في الإنصراف لتبديل ملابسها.

    جلس بوارو الى مائدة العشاء مع مسز الرتون ذات الشخصية الآسرة ونجلها تيم ولم يخف على بوارو ان الشاب لم يكن مستريحا لوجوده معهما وجاء الساقي بزجاجة النبيذ الفرنسي شراب بوارو المعتاد أما مسز الرتون فشربت ماء معدنيا في حين تناول تيم كأسا من الويسكي بالصودا
    وأدرك بوارو من الحديث ان هذه الأسرة تدين بالمذهب الكاثوليكي وانها من تلك الأسر النبيلو العريقة التي ابت ان تساير الإنقلاب الديني في عهد هنري الثامن
    وفي تلك الليلة أحس بوارو برغبة شديدة في النعاس فانصرف الى قمرته مبكرا وفيما هو على وشك الإغفاء ترامى الى سمعه صوت سيمون دويل في الممر يقول لمن يحدثها ؟
    - لابد من المضي في الطريق الى النهاية
    وفي الصباح الباكر وصلت الباخرة الى مرحاتها الأولى فكانت كورنيليا روبسون اول من نزل الى الشاطىء مبتهجة الوجه وفوق رأسها قبعتها العريضة فلما ابصرت بوارو في بدلته الحريرية البيضاء
    وقميصه الأحمر وربطة عنقه السوداء على طريقة الفنانين حيته ببشاشة ومشت معه قاصدين زيارة المعبد فوجدا امامهما في الطريق روزالي اوثربون تسير منفردة عابسة ثم التقى الثلاثة بعد ذلك بالدكتور بسنر النمسوي وقد أمسك في يده نسخة المانية من دليل السياحة ليستل منه على
    آثار المنطقة وعن كثب كانت مسز الرتون تتحدث الى جيمس فانثورب اما بننجتون الوصي الأمريكي فكان يتأبط ذراع لينيت دويل والجميع يصغون بانتباه شديد للشروح التي يلقيها عليهم الترجمان عن تمثال رمسيس الضخم . وعادت السفينة بعد جولة قصيرة فاستأنفت مسيرها وقد تبدلت
    الصخور المقفرة على الشاطئين وحلت محلها أشجار النخيل والزراعة المتناثرة فساعد ذلك على اختفاء الوجوم من وجوه كانت منقبضة ولا سيما وجهي روزالي ولينيت
    وانتهز بننجتون الفرصة فقال للينيت :
    - ربما كان مما ينافي الذوق ان يتحدث المرء في شؤون الأعمال الى سيدة في شهر العسل
    ولكن هناك بعض مسائل
    - لاعليك يا عمي اندرو ..فان زواجي المفاجىء ترتب عليه بطبيعة الحال أمور عاجلة تستدعي البت
    - هذا هو فعلا وربما احتجت في وقت ما الى توقيعك على بضع أوراق لأن توقيعي لم تعد له قيمة
    - ولماذا لايكون هذا الوقت الآن
    فتلفت بننجتون ليجد ان ركن صالون المراقبة الذي يجلسان فيه خال لوجود معظم الركاب على ظهر السفينة ولم يكن في الصالون في ذلك الوقت الا اليساري المتطرف فيرجيسون وكان جالسا الى مائدة منعزلة وقد وضع ساقيه على مقعد آخر يشرب قدحا من البيرة ويصفر وكان هناك ايضا بوارو ينظر من خلال الزجاج الأمامي ينظر الى المنظر المترامي الآفاق والعنس فان شويلر التي كانت جالسة في الركن تقرأ كتابا عن مصر ..فوجد بننجتون ان المكان مناسب فتركها ومضى ليحضر الأوراق من قمرته ثم عاد بعد لحظات وفي يده ملف من الأوراق المكتظة بالكتابة الدقيقة فصاحت
    لينيت عندما رأتها :
    - رباه هل سأوقع على جميع هذه الأوراق ؟
    - هذا مزعج طبعا ولكن احب ان تكون اعمالك مستوفاة فهذا أولا عقد ايجار عمارة الشارع الخامس
    في نيويورك وهذه عقود الأراضي الغربية ...
    وطفق يرتب الأوراق حسب أنواعها فأخد سيمون يتثاءب وعندئذ دخل الصالون المستر فانثورب
    فتلفت حوله ثم اختار الوقوف الو جوار بوارو لمشاهدة المياه الزرقاء الباهتة ورمال الشاطى الصفراء وأشار بننجتون الى موضع خال في الأوراق وقال :
    - وقعي بامضائك هنا
    فتناولت لينيت الوثيقة وراحت تجري عليها بعينهيها بين سطورها ثم قبلتها وراحت تقرأ من اول الصفحة الأولى ثم بعد ذلك تناولت القلم ووقعت بامضائها فتناول بننجتون الوثيقة وقدم لها غيرها
    وعندئد اتجه جيمس فانثورب نحوهم ويبدو ان الشاطىء كان الى جهتهم كانت رماله ذات سحر خاص استرعى التفاته
    وقال بننجتون
    - هذا مجرد عقد ايجار لالزوم لقراءة جميع تفاصيله. ولكن لينيت القت عليه نظرة وراحت تقرأ بعناية فقال :
    - هذا حشو من المصطلحات القانونية لا تتعبي رأسك يا ابنتي في قراءته والا استغرق ذلك وقتك حتى موعد الغداء
    - انني دائما أقرأ كل شيء بعناية ...فقد علمني ابي ذلك وكان يقول انه من المستحيل ان يكون هناك خطأ كتابي ..أليس هذا جائزا ؟
    فضحك بننجتون ضحكة مغتصبة وقال سيمون :
    - أنا لاصبر لي على قراءة شيء فأنا أثق بطبعي بجميع الناس ومن عادتي ان أوقع دائما حيث
    يشيرون. فرمقه بننجتون بنظرة فاحصة في كثير من التأمل وقال :
    - هكذا خلقت ولم يحدث أبدا ان غرر بي أحد
    وفي هذه اللحظة حدث ما أدهش الجميع فقد استدار جيمس فانثورب على عقبيه ووجه الخطاب الى لينيت التي لم يعرفه بها أحد :
    - أرجو ألا أكون متطفلا ولكن اسمحي لي ان أطري كفائتك في ادارة الأعمال فانني قد صادفت في عملي وأنا محام سيدات لايقدرن مسؤوليات الأعمال وخيرا تصنعين ألا توقعي وثيقة الا بعد قراءتها قراءة دقيقة ثم انحنى لها واحمر وجهه خجلا فقاومت لينيت الضحك ثم قالت له :
    - شكرا لك
    أما بننجتون فتضايق في حين ابتسم سيمون وقالت لينيت وهي تبتسم لبننجتون :
    - الوثيقة التالية من فضلك
    - يحسن ان ترجئي الباقي الى وقت آخر فقد اقتربت ساعة الغداء وبقية الأوراق ليست عاجلة
    - ليكن ..والآن هيا بنا الى السطح فالحر هنا شديد
    وخرج الثلاثة فحدق بوارو في ظهر فانثورب ولفت نظره شدة احمرار أذنيه بسبب اندفاع دماء الخجل اليهما ثم حول نظره الى العانس فان شويلر فوجدها تكاد تلتهم فيرجيسون بنظراتها المفترسة لأنه كان يصفر كما يفعل السوقة وفي هذه اللحظة دخلت كورنيليا فاذا بخالتها توبخها توبيخا شائنا لأنها غابت عن عينيها وراحت تدكرها بأنها اصطحبتها على حسابها فيجب على الأقل أن تحظى منها
    بالعناية والإعتبار ثم طلبت وضع كرسي لها على السطح كي تستنشق الهواء فآثر بوارو ان يخرج هو أيضا الى الهواء الطلق وراح يتمشى عند مؤخرة السفينة واذا به يكاد يصطدم بشابة سمراء لاتينية الملامح كانت واقفة تتحدث الى شخص يرتدي زي المهندسين البحريين فلما أبصراه ظهر عليهما الإرتباك بدرجة لفتت انتباه بوارو.
    وفي صباح يوم الإثنين رست الكرنك أمام معبد منحوت في الصخر في وجه الجبل ..وقد نحتت حوله في صخور الشاطىء الجبلي أربعة تماثيل ضخمة وكانت البشاشة تعلو جميع الوجوه في ذلك اليوم وقد نزلو جميعا لزيارة ذلك الهيكل العظيم وهو معروف باسم معبد ابي سنبل وراح بوارو يجادب بننجتون أطراف الحديث فعرف منه مبلغ صلته بجد لينيت وكيف صار من الأوصياء على تركتها فلما وصلا الى باب الهيكل افترقا في الزحام وكان الترجمان يشرح بصوت جهوري ما تقع عليه العين من ثماثيل ولوحات وبعد قليل صاح سيمون :
    - لقد ضقت بهذا الظلام فهيا بنا نخرج الى ضوء النهار
    فضحكت لينيت ولكنها أذعنت وخرجا الى الرمال الدافئة ولما كانا غير راغبين في العودة مباشرة الى السفينة أسندا ظهريهما الى الجدار الصخري المرتفع الذي شادته يد الطبيعة وحفرت فيه يد الإنسان المعبد العتيق وراحا يستمتعان بدفء الشمس والرمال ولم تلبث لينيت ان قالت :
    - كم أشعر بالسعادة هنا وبالأمن
    وأغمضت عينيها كأنها نصف نائمة ..أما سيمون فكان مفتوح العينين فأبصر عددا كبيرا من المسافرين يسرعون نحوهما وهم يلوحون بأيديهم في الهواء فجعل يحملق في مبدأ الأمر في عباء وبلاهة ثم أدرك بعد قليل ما يهدفون اليه من اشاراتهم فقفز واقفا على قدميه وجذب زوجته منذراعها وفي اللحظة التالية سقطت في المكان الذي كانت جالسة فيه كتلة ضخمة من الصخر
    انحدرت من فوق قمة الجبل فلو ان لينيت ظلت في مكانها لسحقتها سحقا وتعانقا الزوجان وقد ابيض وجهاهما في حين أسرع نحوهما بوارو وتيم الرتون يهنئانهما ثم نظر الأربعة نحو القمة فلم يبصرا شيئا ولكن هناك طريقا متعرجا يؤدي الى القمة من أمام مرسى الباخرة
    ولم تنطق لينيت أما سيمون فكان وجهه ينطق بالغضب الشديد وهتف من بين أسنانه في غيظ
    - عليها اللعنة
    ثم رمق تيم الرتون بنظرة سريعة وقاوم عضبه حتى لايفتضح السر لهذا الشاب الغريب اما تيم فراح يبدي دهشته وحيرته هل سقطت الصخرة بفعل فاعل أم شقطت وحدها مصادفة ؟
    فتدخل بوارو إنقاذا للموقف قائلا :
    - يحسن ان تسرعي بالعودة الآن الى السفينة كي تتناولي شيئا يرد اليك قواك
    فأسرع الأربعة عائدين ..فلما أشرفوا على موضع الباخرة وقف سيمون مبهوتا فقد كانت جاكلين دي بلفور تهبط السلم الى الشاطىء مرتدية ثوبا كحلي اللون وعلى وجهها آيات البراءة والطفولة
    ولم يلبث ان صاح هامسا :
    - يا الهي لقد كانت اذن قضاءا وقدرا
    وتلاشى الغضب من وجهه...وبدا عليه الإرتياح . وفي هذه اللحظة التفت بوارو الى الوراء ليرى
    ماذا حدث لبقية الجماعة فأبصر فان شويلر عائدة معتمدة على ذراع ممرضتها مس بويرز ومن خلفها السيدة الرتون والسيدة اوثربون وأما الباقون فلم يشهد لهم أثرا فهز رأسه وصعد الى سطح
    الباخرة.


    -ضابط المخابرات البريطاني-

    وصلت الباخرة الى وادي حلفا ليلا حتى اذا أشرق الصبح خرج الركاب لمشاهدة الشلال الثاني على ظهور الجمال ولكن بوارو ومسز الرتون آثرا السير على الأقدام وبذلك توافرت لهما فرصة حديث
    الكهول ذوي الذكاء والحكمة ودار الحديث حول حادث اليوم السابق قرب معبد أبي سنبل فقالت مسز الرتون :
    - لقد نجت بأعجوبة ولا أستبعد ان يكون بعض الأطفال النوبيين قد فعلها على سبيل العبث الصبياني البريء
    - ربما كان ذلك يا سيدتي
    ثم غير موضوع الحديث فسألها عن جزيرة ماجور الإسبانية بحجة رغبته في قضاء بعض الوقت هناك
    وفي هذه الأثناء كان تيم الرتون منصرفا الى مجادبة روزالي اوثربون أطراف الحديث فقد كان معجبا بالفتاة المتحفظة الى أقصى حدود الإعجاب وقد جعل في حديثه يصور نفسه على أسأ صورة ويبين لها كيف تأبى عليه صحته الخائرة ان يعمل عملا يدر عليه المال وكيف ان ثروته الموروتة من القلة بحيث لاتسمح له بحياة فراغ وبطالة خالية من السأم فقالت روزالي :
    - ولكن الأقدار منحتك نعمة يتمناها الكثيرون وأعني بذلك تلك الأم الفاضلة العطوف
    - صدقت في هذا في نسيج وحدها
    وتمنى تيم لو استطاع ان يرد تحيتها بالمثل فيطري أمها كما طرت أمه ولكن الكلام وقف في حلقه
    وأما فن شويلر فانها بقيت في السفينة لأن الرحلة مرهقة وحبست معها ممرضتها بويرز لأن كورنيليا كانت قد أسرعت في الخروج الى الشلال في صحبة الدكتور بسنر الكهل وكانت في مبدأ الأمر تعترض على مجادبتها ذلك الطبيب أطراف الحديث الى ان علمت ان له عيادة ناجحة في فيينا
    وان له شهرة تعم بلاد أوربا في الأمراض العصبية فكفت عن الإعتراض والزمجرة وصارت تهش له
    ولما عاد الرفاق الى السفينة أطلقت لينيت صيحة دهشة :
    - أبرقية لي ؟ وأسرعت تفضها ثم صاحت :
    - لست أفهم حرفا واحدا بطاطس وبنجر ؟ ما معنى هذا يا سيمون بربك ؟
    وهم سيمون أن يسرع اليها لوى السينيور ريتشي الأثري الإيطالي اختطف من يدها البرقية وهو يقول
    - هذه البرقية لي أنا
    فأسرعت لينيت تعتذر اليه قائلة :
    - لقد كان اسمي حتى تزوجت منذ مدة قريبة مس ريدجواي وهو يشبه في الكتابة السريعة ريتشي فلا تؤاخذني لهذا الخطأ فانني لم أقصد طبعا ان أطلع على برقيتك
    ولكن ريتشي أجابها بفظاظة :
    - ان الأسماء يجب أن تقرأ دائما بعناية والخطأ الناتج عن التسرع في هذه الأحوال لايغتفر
    فوجدت نفسها في موقف حرج وتأبط سيمون ذراعها ونزلا الى الشاطىء وفي هذه اللحظة ظهر على ظهر السفينة رجل طويل القامة نحاسي اللون كأن الأرض قد انشقت عنه فاستقبله بوارو
    بالترحيب القلبي فقد كان هذا الرجل هو الكولونيل ريس صديقه القديم وكان بوارو يعلم ان الكولونيل ملحق بقلم المخابرات البريطانية وانه يظهر دائما في أطراف الإمبراطورية في أوقات الأزمات وعلى غير انتظار وقال الكولونيل :
    - سأركب معكم الكرنك عائدا الى أسوان
    - عجبا يا كولونيل ألم يكن الأوفق ان تركب باخرة الحكومة فهي أسرع وأوفر راحة ؟ ان باخرتنا تسير نهارا وتقف ليلا في تسير باخرة الحكومة ليلا ونهارا
    - الواقع انني مهتم بمراقبة أحد ركاب هذه الباخرة في رحلتها
    - اني أعرفهم جميعا فمن هو ؟
    - اني للأسف لا أعرفه حتى الآن ..انه متآمر دولي ومرتكب جملة جرائم قتل وهو واسع الحيلة في التنكر وكل ما أعرفه عنه انه من ركاب الكرنك
    - يسرني كثيرا ان تصحبني ولعلنا نصل معا الى اكتشاف ذلك القاتل الغمض الشخصية وبهذه المناسبة أذكر لك ان الكرنك غير خالية من جو الجريمة والمغامرة
    ثم شرع يقص على الكولونيل ملخصا مجملا لمشكلة لينيت وزوجها وصديقتها القديمة ووصيها الأمريكي ثم ختم ذلك كله بحادثة الصخرة وعقب على ذلك بقوله :
    - أضرع الى الله ان نصل الى أسوان دون أن يحدث أمر جلل.



    -رصاصة في الساق-
    في طريق العودة رست الباخرة مرة أخرى بالقرب من معبد أبي سنبل وكان الوقت ليلا ....فدبرت ادارة الباخرة زيارة للمعبد في ضوء صناعي وبذلك اختلف الجو عن الزيارة الأولى التي كان الظلام فيها يقبض الصدور وكان الذي يصاحب كورنيليا في هذه المرة هو الفوضوي فيرجيسون ومن عجب ان ذلك الفتى قد فتن بهذه الفتاة الطيبة البسيطة فلما قالت له انها كانت تود لو كان الدكتور بسنر بجوارها ليشرح لها تلك المشاهد الجميلة استاء وقال لها :
    - لست أدري كيف تطيقين صحبة هذا الشيخ الممل
    - انه من أطيب خلق الله وأرقهم قلبا وأكثرهم ثقافة
    - ثقافة ؟ هذه الكلمة تقززني وأظن أيضا ان خالتك لاتحب ان تتحدث معي فانها أرستقراطية متعجرفة لاتراني ندا لها
    - كم أود لو أقلعت عن هذه النوبات الثورية
    - وكيف لا أثور لتلك الفروق الخرافية بين البشر
    - بل أعتقد ان هناك آفة في معدتك تجعلك ثائر الأعصاب حاد الميزاج سأعطيك قليلا من دواء البيسين الذي تتعاطاه خالتي فان شويلر وعسى أن يهدىء هذا من ثورة أعصابك
    - اسمعي أنت أحسن مخلوق بين ركاب هذه السفينة هذه هي الحقيقة فاذكريها دائما ولا تسمحي لخالتك أو لغير خالتك ان تنظر اليك باستعلاء
    وأسرعت الفتاة بعد ذلك الى السفينة لتلحق بخالتها فاذا بها تتحدث في صالون المراقبة الى الدكتور بسنر وتسأله عن مرضاه من الأمراء والكبراء فلما وقع بصر خالتها عليها صاحت بها :
    - أين شالي القطيفة ؟ انني بحثت عنه فلم أجده
    وأسرعت كورنيليا تبحث عن الشال الثمين فلم تعثر له على أثر فقامت فان شويلر ممتعضة لتأوي مبكرا الى مخدعها بسبب حرارة الجو وظل سيمون ولينيت يلعبان البريدج مع بننجتون والكولونيل
    ريسي على مائدة صغيرة قرب الباب بينما كما فانثورب جالسا يطالع في كتاب وفيما عدا هؤلاء كان الصالون خاليا
    ونهض بوارو فخرج الى سطح السفينة واذا به يكاد يصطدم بجاكلين دي بلفور التي كانت مقبلة من الجهة الأخرى على عجل فتبادلا التحية ثم استأنف سيره الى قمرته لينام ودخلت جاكلين الصالون
    وكانت كورنيليا قد فرغت من مصاحبة خالتها الى مخدعها فعادت حاملة أشغال الإبرة الى الصالون
    لأنها لم تكن قد شعرت بعد بالرغبة في النوم وما ان استقرت في مجلسها حتى دخلت جاكلين
    فوقفت عند عتبة الباب وقفة التحدي ثم ضغطت بيدها الجرس وجلست في مواجهة كورنيليا
    فسألتها :
    - هل زرت المعبد الليلة ؟
    - نعم فالليلة مقمرة والمنظر رائع..
    - نعم هي ليلة جميلة حقا ليلة شهر العسل بمعنى الكلمة
    واتجهت نظراتها نحو مائدة البريدج فاستقرت على لينيت وفي هذه اللحظة جاء الخادم تلبية للجرس فأمرته جاكلين ان يحضر لها كأسا كبيرة من شراب الويسكي القوي ..فرمقها سيمون بنظرة سريعة وظهر على وجهه شيء من القلق ثم بدأ يشرد عن اللعب الأمر الذي كان يضطر زوجته الى تنبيهه من حين لآخر كي يلعب عند حلول دوره.
    وأحضر الساقي الكأس فشربتها جاكلين جرعة واحدة وهي تقول بصوت معربد :
    - في صحة الجريمة
    ثم طلب من الساقي كأسا أخرى وراحت تغني بصوت مرتفع الأغنية التي مطلعها ( لقد كان رجلها
    ولكنه خان عهدها )
    فنهضت لينيت واقفة وقالت :
    - أشعر بالنعاس سأذهب الى فراشي
    وكذلك نهض الى مخدعه كل من الكولونيل ريسي ومسز بننجتون أما سيمون فأعلن انه سيبقى قليلا حتى يتناول كأسا من الشراب فانصرفت لينيت وحدها ومن وراءها ريسي وبننجتون وشرعت كورنيليا تجمع أشغال الإبرة كي تنصرف ولكن جاكلين توسلت اليها ان تبقى ولاتتركها وحيدة فأذعنت الفتاة الطيبة لرجائها وحضرت الكأس الثانية فشربتها مرة واحدة أيضا ثم أخدت تغني أغنيتها من جديد فتحركت كورنيليا لتقوم محتجة ان الوقت تأخر فتشبتت بها جاكلين قائلة :
    - محال ان أدعك تذهبين ...اجلسي وحدثيني عن نفسك
    - ليس هناك ما يستحق الذكر فاني لم أفارق دارنا قبل هذه المرة ولهذا استمتع بكل لحظة من لحظات الرحلة
    - كلا كلا...حدثيني عن نفسك بالتفصيل
    فاضطرت الفتاة الخجول ان تبدأ في سرد تفاصيل لالون لها ولا طعم وكلما همت ان تكف عن الكلام
    استحثتها جاكلين على الكلام وهي لاتفلاغ من احتساء كأس حتى تطلب كأسا سواها وكانت الفتاة تعجب في نفسها لذلك السلوك ويحدثها قلبها بأن شيئا غير عادي لابد ان يحدث.
    ولم يكدبها شعورها فان جاكلين التفتت فجأة الى سيمون دويل الذي كان غارقا بين دفتي مجلته وقالت له ببساطة :
    - اضغط الجرس يا سيمون فاني أريد كأسا أخرى
    - لقد شربت بما فيه الكفاية يا جاكلين
    واذا بجاكلين تنفجر في وجهه صائحة :
    - وما شأنك أنت ؟
    فهز كتفيه وقال بهدوء :
    - لاشيء
    فجعلت تحدجه بنظراتها دقيقة أو دقيقتين ثم قالت :
    - ماذا دهاك يا سيمون ؟ أخائف أنت ؟
    فلم يجبها وراح يقلب صفحات المجلة بامعان وتململت كورنيليا في مقعدها تهم بالإنصراف
    فقالت جاكلين :
    - لاتنصرفي فاني بحاجة الى وجود امرأة اخرى معي هنا لتشد أزري ثم ابتدأت تضحك بحالة
    عصبية وقالت :
    اتعلمين ماذا يخشى سيمون ؟ انه يخشى بعد ان قصصت أنت قصة حياتك ان أري لك أنا قصة حياتي لماذا لأنني كنت مخطوبة له يوما ما
    - أحقا ؟
    - انها قصة محزنة جدا ..لقد عاملني أسوأ معاملة أليس كذلك يا سيمون ؟
    فقال لها سيمون حينئد بخشونة :
    - اذهبي الى فراشك يا جاكلين فانت سكرانة
    - اذا كنت محرجا يا عزيزي سيمون من سماع ماضيك فأنت مخير في مغادرة الحجرة
    - بل سأبقى .....
    وعندئذ أقفل تانثوب الكتاب الذي كان مستغرقا في قراءته ثم تثاءب ونظر في ساعته ثم غادر الصالون أما جاكلين فقد اعتدلت في مقعدها وحملقت في وجه سيمون ثم صاحت بصوت غليظ :
    - أتظن أيها الأحمق انك قادر على أن تصنع بي ما صنعت ثم تمضي ناجيا آمنا ؟ لقد قلت لك يوما
    انني سأقتلك ولا أتركك لإمرأة أخرى وقد حسبتني أهذي ولا أعني ما أقول والحقيقة كنت أنتظر وأتربص فأنت رجلي أسامع أنت ؟ أنت ملك يميني .
    وظل سيمون دويل لائذا بالصمت واذا بيد جاكلين تعبث لحظة في حجرها ثم اذا بها تبسطها أمامها وتطلق عليه الرصاص فاذا به يصرخ صرخة مكتومة وهو يتلوى ثم يسقط على المقعد وصرخت كورنيليا ثم أسرعت نحو الباب تنادي فانثورب الذي كان واقفا بالقرب منه منحنيا فوق سياج السفينة و أسرع فانثورب في حين وقفت جاكلين كامصعوقة فاغرة الفم ثم أخدت ترتعد رعدة عنيفة
    تشملها من قمة الرأس الى أخمص القدم وقد تسمرت عيناها على البقعة القرمزية التي كانت قد انتشرت عند ساق سيمون وخضبت رجل بنطلونه في أسفل الركبة مباشرة كما خضبت المنديل الذي كان قد ضغط به على موضع الجرح وسقط المسدس من يدها على الأرض فركلته بقدمها فاندفع الى أسفل مقعد من مقاعد الصالون في حين جعل سيمون يصيح بصوت متحشرج :
    - أستحلفك يا فانثورب بحق السماء أن تكتم الخبر اني أسمع وقع أقدام ..قل انها ضجة مزاج أو أي
    شيء .تكتم الفضيحة..
    فطمأنه فانثورب واتجه نحو الباب الذي أطل منه الخادم النوبي وهو يفرك عينيه من أثر النعاس
    وأخبره ان المسألة لاتعدو مزاحا من مزاح السكارى فافتر تثغر الخادم النوبي عن أسنانه اللؤلؤية ثم
    انصرف راجعا فقال فانثورب :
    - لاأظن أحدا آخر قد سمع فالصوت ضعيف وهو أشبه ما يكون بفرقعة سدادة زجاجة وعلينا الآن
    وفي هذه اللحظة انطلقت جاكلين تنشج ببكاء هستيري وهي تقول :
    - آه يا ربي...ليتني مت قبل هذا سأقتل نفسي خير لي أن أموت ماذا فعلت ؟
    فأسرعت كورنيليا نحوها تحاول تهدئتها لكي لاتفوح رائحة الفضيحة وأما سيمون الذي كان يتلوى
    من الألم فجعل يقول :
    - أخرجاها أرجوكما فورا ..اذهبا بها الى مخدعها أرجو منك يا كورنيليا ان تكلف ممرضة خالتك بملازمتها واعطاءها عقارا مهدئا ثم بعد ذلك استدعي الدكتور بسنر ليحاول تضميد الجرح وسأدبر
    قصة أظلل بها الأمر على زوجتي فانها يجب ان لاتعلم الحقيقة بأي ثمن
    ووافق فانثورب وكورنيليا على ان ستر الحقيقة واجب .....وتعاونا معا في اخراج جاكلين التي كانت تقاوم وتبكي وتريد ان ترتمي على الأرض تارة وان تفلت لتلقي بنفسها في النيل تارة أخرى وهي
    تصيح بصوت مختنق :
    - آه يا حبيبي سيمون لا أريد أن أعيش
    فقال فانثورب لكورنيليا :
    اذهبي انت فأيقظي الآنسة بويرز لتحضر معها حقنة مورفين أو ما شابه وسألازم أنا الآنسة دي بلفور ريثما تأتين بها الى مخدعها
    وانصرفت كورنيليا لتفعل ما أشار به فانثورب أما جاكلين فأجهدت فانثورب بكثرة محاولاتها الإفلات الى سطح السفينة لتغرق نفسها في النيل فظل يقاومها بكل قوته حتى كاد يصيبه الأعياء .
    وحمد الله حين انفرجت الستائر عن الآنستين بويرز وكورنيليا ثم حقنتها الآنسة بويرز بحقنة
    المورفين وعندئذ توجه فانثورب الى مخدع الدكتور بسنر فطرق الباب ثم دخل دون ان ينتظر اذنه بالدخول وليوقد النور ويفضي للطبيب الذي يفرك عينيه من إثر النوم بما وقع فأسرع الرجل بارتداء الروب على عجل ثم تناول حقيبة أدواته التي تستخدم في الإسعاف الأولي وصحبة فانثورب الى
    الصالون وكان سيمون قد تمكن في أثناء ذلك من فتح النفدة المجاورة لمقعده وانكفأ فوقها يملأ
    صدره من الهواء حتى لايغمى عليه وكان وجهه شاجبا كوجوه الموتى وقد تلطخ البساط ببقعة الدم
    وتلطخ كذلك منديل كبير فشرع الطبيب في فحص الساق بدقة وعناية ثم قال :
    - ان النزف غزير فيجب ان تساعدني يا فانثورب كي نحمله الى قمرتي فهو لايستطيع السير
    وفيما هما يحملانه ظهرت كورنيلنا فلما رآها الطبيب انفرجت أساريره وقال لها :
    - أهذا أنت ؟ تعالى معنا فانني بحاجة الى من يساعدني في العملية وأنت أصلح لهذه المهمة من صديقنا هذا الذي بدأ لونه يكفهر منذ الآن فابتسم فانثورب بابتسامة كالحة وقال :
    - هل أدعو الآنسة بويرز ؟
    فالتفت الدكتور بسنر الى كورنيليا وقال لها ؟
    - هل تستطعين مساعدتي دون ان يغمى عليك أو يحدث لك شيء سخيف من هذا القبيل ؟
    - انني أستطيع أن أفعل كل ما تطلبه مني
    وبذلك تحرك الموكب الرباعي مخترقا سطح السفينة واستغرقت الدقائق العشر التالية جهودا جراحية أظهر سيمون خلالها تجلدا أثار اعجاب الدكتور النمساوي ثم حقنه بالمورفين لينام بعد
    ان طمأنه الى انه سيكتم السر ويزعم ان الإصابة حدثت نتيجة لانزلاق سيمون وانه سوف لايزعج زوجته من نومها
    - ورجاء آخر يا دكتور ...أرجو ان تعني أشد العناية بجاكلين فانها معذورة وأنا الذي اخطأت في
    حقها خطأ فاحشا وقد كانت المسكينة في غير وعيها
    - لاتقلق واستسلم للنوم فان الآنسة بويرز ستلازمها طول الليل
    - نعم يا سيمون ؟
    - المسدس من فضلك ..يجب ألا تتركه ملقى هناك حتى لايعثر عليه الخدم في الصباح وهم يقومون بالتنظيف
    - اطمئن ...سأذهب الآن وأخفيه
    وانطلق فانثورب فالتقى عند باب قمرة جاكلين بالآنسة بويرز التي قالت له :
    - لقد هدأت الآن وسأبقى معها الى الصباح لأن المورفين يسبب مضاعفات لنفر من الناس
    واستأنف فانثورب مسيره الى الصالون ....وبعد ثلاث دقائق كان يطرق باب الدكتور بسنر فلما
    خرج الطبيب انتحى به جانبا فوق ظهر السفينة وهمس في أذنه :
    - لم أعثر على المسدس
    - ماذا تقول ؟
    - المسدس ..لقد وقع من يد الفتاة فركلته تحت مقعد أمام عيني وهي في ثورة غيظها ولم
    أجده هناك .......وتبادل الرجلان نظرات الحيرة :
    - ومن عساه يكون قد أخذه ؟
    - لاأدري وان هذا لعجيب
    وافترق الرجلان على توجس وقلق وحيرة.



    -مقتل لينيت-


    كان بوارو يمسح الصابون عن وجهه بعد ان حلق ذقنه في صباح اليوم التالي عندما دخل عليه
    الكولونيل ريسي من دون أن ينتظر الإذن وأقفل الباب من ورائه ليقول له :
    - قتلت لينيت دويل اخترق الرصاص رأسها الليلة الماضية ...
    ووجم بوارو لحظة فقد تدكر ان جاكلين قالت له في حديقة أسوان :
    ( كم أتمنى ان أغرس مسدسي الصغير هذا في رأسها ثم اضغط على الزناد وينتهي كل شيء )
    واستطرد ريسي يقول :
    - وقد عهد الي بالتحقيق..ان الباخرة ستقلع بعد نصف ساعة ومع هذا فانها لن تقلع حتى أصدر الأمر بذلك شخصيا فهناك احتمال كبير ان يكون القاتل قد تسلل من الشاطىء واني على كل حال افوض اليك الأمر فأنت فارس هذا المضمار وقد تركت الدكتور بسنر يفحص الجثة
    وقبل بوارو المهمة الخطيرة بغير تردد. وكانت في الباخرة اربع قمرات ملحق بكل منها حمام وكان
    يحتل القمرتين اللتين في جهة المرسى الدكتور بسنر ومستر بننجتون ومن الجهة الأخرى قمرة العانس فان شويلر ثم قمرة لينيت دويل وتليها حجرة ملابس زوجها
    وتوجه بوارو والكولونيل الى مخدع القتيل حيث كان الدكتور بسنر يفحص الجثة وقد قال لهما بعد
    ان فرغ من فحص الجثة :
    - لقد أطلق الرصاص من مسافة قريبة جدا فوق الأذن مباشرة والرصاصة صغيرة الحجم بعيار 22
    وقد اخترق الجلد حول موضع الإصابة لأن فوهة المسدس كانت ملاصقة له وكانت القتيل نائمة فلم تحدث مقاومة.
    وشرع بوارو يفحص الجثة بنفسه ...فلاحظ فوق بياض الجدار الناصع حرف ج وقد كتب بمادة حمراء
    اللون فانحنى فوق القتيل وتناول يدها اليمنى فوجد اصبعا من أصابعها مخضبا بالدم والمفروض ان
    هذه الأصبع هي التي كتبت ذلك الحرف على الجدار فصاح بسنر عندما لاحظ ذلك :
    - هذا مستحيل هذا تظليل ...فان المسكينة قد ماتت في الحال فلا يمكن ان تكون قد فعلت ذلك
    - هذه حيلة طبعا المقصود بها الإبهام بأن القتيل قد تعرفت على شخصية القاتل فكتبت الحرف الأول
    من اسمه بعد ان خضبت اصبعها بالدم النازف منها
    فقال الكولونيل ريسي :
    - ومن الذي يبدأ اسمه بحرف الجيم ؟
    - جاكلين دي بلفور خطيبة دويل السابقة وكانت قد أطلعتني في أسوان على مسدس صغير
    زعمت انها تريد ان تضعه لصق رأس لينيت دويل ثم تضغط على زناده
    - أليس هذا ما حدث فعلا ؟
    - قد يكون ولكن خبرني يا دكتور بسنر متى تقدر أن الوفاة قد حدثت ؟
    - الساعة الآن الثامنة صباحا وقد حدثت الجريمة منذ ثماني ساعات أو ست ساعات على أقل تقدير
    - أي بين نصف الليل والثانية صباحا
    - أجل..
    - وأين زوجها...؟ أظنه ينام في القمرة المجاورة ؟
    فتولى الدكتور بسنر الجواب قائلا :
    - انه في هذه اللحظة نائم في قمرتي أنا
    ولما رأى دهشة الرجلين لم يجد بدا من ان يقص عليهما ما حدث بالأمس من اطلاق جاكلين الرصاص على ساق سيمون وأصابته بكسر في العظام يحتاج الى الكشف بالأشعة بمجرد العودة الى أسوان كما ذكر لهما ان جاكلين ظلت تحت حراسة الآنسة بويرز طول الليل
    وانتقل الرجال الثلاثة بعد ذلك الى قاعة التذخين حيث أمر الكولونيل ريسي ربان الباخرة بأن
    يخصصها للتحقيق الذي سيقوم به المسيو بوارو
    وسأل بوارو عن الشخص الذي اكتشف الجريمة فعلم انها الخادمة الفرنسية الخاصة بلينيت
    واسمها لويز بورجيه فقد دخلت لتوقظها كما هي العادة كل صباح فوجدتها على تلك الصورة
    فأسرعت باخطار الربان فقرر بوارو بعد ذلك أن يبدأ بتحقيق حادث اطلاق الرصاص على سيمون
    وان يستجوب كورنيليا أولا فدكرت الحوادث بترتيبها واجتهد بوارو ان يعرف أزمنة الحوادث على وجه
    الدقة ..فتبين ان لينيت دخلت قمرتها في الحادية عشرة والثلث وان بننجتون قد انصرف الى
    مخدعه بعد ذلك بثلاث دقائق أو أربع أما وقت اطلاق الرصاص على سيمون فقد حدده فانثورب
    اذا كان قد نظر في ساعته قبيل ذلك عندما غادر الصالون بأنه كان بعد منتصف الليل بربع الساعة وكان واضحا ان أحدا من الأشخاص الأربعة الذين كانوا في الصالون لم يغادره منذ أوت لينيت الى الفراش وتأكد بوارو أيضا انه بعد اطلاق الرصاص لم تترك جاكلين وحدها لحظة واحدة وهذا يخرجها من
    جريمة القتل وكان بوارو حريصا على معرفة جميع التفاصيل ولاسيما طريقة اطلاق الرصاص ثم سقوط المسدس والإتجاه الذي رفسته اليه الفتاة في ثورة أعصابها
    وبذل عناية كبيرة في معرفة المدة التي انقضت بين خرزج فانثورب وكورنيليا للمضي بجاكلين الى مخدعها وبين عودة فانثورب مصطحبا الدكتور بسنر للعناية بسيمون فثبتان تلك المدة تصل الى عشر دقائق .
    ثم ثبت ان المدة التى انقضت بين نقل سيمون الى قمرة الطبيب وعودة فانثورب للبحث عن المسدس تزيد عن خمس دقائق وفي هذه الدقائق أخد شخص مجهول المسدس من تحت المقعد
    وكان من المستحيل ان يكون ذلك الشخص جاكلين لأنها كانت محقونة بالمورفين في مخدعها تحت ملاحظة الآنسة بويرز فمن هو ذلك الشخص ؟
    ان لهذا السؤال أهميته الكبرى فمن المحتمل ان يكون ذلك الشخص هو قالتل لينيت دويل لأن هذا الوقت يتفق مع الوقت الذي قدره الطبيب لوقوع الجريمة كما انه من المرجح ان ذلك الشخص شهد بطريقة ما الذي حدث في الصالون قبل ذلك بحيث كان يعلم مكان المسدس لأن المسدس لم يكن ظاهرا بل تحت المقعد ..فلم يكن من الممكن ان يعثر عليه بمحض المصادفة ولكن فانثورب أكد لم ير أحدا حول الصالون وان الأبواب كلها كانت مقفلة
    وبعد ذلك استجوب بوارو فانثورب عن تصرفاته بعد عجزه عن العثور على المسدس فقرر انه توجه
    الى قمرته في الساعة الثانية عشرة والنصف وهي القمرة رقم22 في الجانب البعيد عن المرسى وهي أقرب القمرات الى الصالون كما قرر انه لم يسمع شيئا وهو في قمرته سوى صوت أشبه ما يكون بوقوع شيء في الماء ولكنه لايستطيع الجزم بذلك لأنه كان قد بدأ يستسلم للنعاس وقد حدد الوقت على وجه التقريب بالساعة الواحدة
    أما كورنيليا فقررت انها توجهت بعد المساعدة في تضميد جراح سيمون الى قمرتها الخاصة رقم 43
    من جهة المرسى وهي قمرة الملاصقة لقمرة جاكلين دي بلفور وقررت انها لم تسمع شيئا بعد ان ذهبت الى مخدعها
    وأما الآنسة بويرز فقد طابقت أقوالها كورنيليا وفانثورب ونفت ان جاكلين تفوهت في نوبتها بأي
    بتهديد للينيت وأكدت لها انها لم تفارق حجرة جاكليبن طول الليل
    ولما انصرفت الممرضة ..تبادل بوارو والكولونيل ريسي نظرات الحيرة فقد انتفت كل شبهة عن عدوة القتيلة اللذوذ جاكلين اذن فمن الذي قتل لينيت دويل ؟



    -من القاتل -


    أفاقت جاكلين من تأثير المخدر وتوجه بوارو الى حجرتها فوجدها قد عادت الى هستيريتها وقد زادت
    من وقع الصدمة تلك الجريمة التي تمت على الصورة التي كانت تحلم هي بأن تقترفها وراحت
    تصيح و هي تبكي :
    - أتدكر تلك الليلة يا مسيو بوارو في حديقة فندق كتراكي ؟ ألم أكن على صواب حين ظننت انه
    كان في الظلام بين الأشجار من يصغي الى كلامي وانا أصف لك كيف اريد ان أطلق الرصاص على رأسها ؟
    - لقد تدكرت هذا حقا وكنت أشك في انك ما زلت تدكرينه
    - ذلك الرجل الذي كان يصغي الينا ...من هو ؟
    - وهل انت واثقة انه رجل يا آنسة ؟
    - لست أدري لقد كان هناك شخص ما
    وفي هذه اللحظة طرق الباب الدكتولر بسنر ليبلغ بوارو ان سيمون على استعداد لإستقباله فتوجه بوارو الى هناك ليجد سيمون مضعضعا من صدمته المضاعفة ولكنه كان مهتما جدا بابعاد الشبهة عن جاكلين فأكد له بوارو ان الشبهة بعيدة عنها كل البعد ولكنه سأله هل يشك في أحد فلم
    يستطع سيمون ان يحضر الشبهة في أحد كما قرر انه لايدري شيئا عن ظروف زوجته المالية ووجود ضغائن لهذا السبب
    وقرربوارو بعد ذلك استدعاء الخادم فحضرت لويز وقررت انها التحقت بخدمة سيدتها منذ شهرين وكانت هي نفس الفتاة التي صادفها بوارو يوما ما تتحدث مع مهندس الباخرة بحالة تبعث على الريبة وسألها بوارو :
    - متى رأيت لينيت دويل حية لآخر مرة ؟
    - أمس يا سيدي بعد ان ألبستها ثياب النوم وكان ذلك بعد الحادية عشر
    - وكم من الوقت استغرقت عملية الباسها ثياب النوم الى ان تركتها ؟
    - عشر دقائق فقد كانت سيدتي متعبة وأمرتني باطفاء النور قبل خروجي
    - وماذا فعلت بعدها ؟
    - توجهت الى قمرتي في الطابق الأسفل
    - وها سمعت أو رأيت شيئا قد يساعدنا في التحقيق ؟
    - وكيف يمكنني أن أرى أو أسمع ؟
    -هذا ما عليك ان تحدديه
    - الواقع انني لم اكن قريبة من مكان الحادث فكيف يمكن ان أسمع أو أرى ؟ وبطبيعة الحال لو انني أرقت وصعدت السلالم ربما كنت أرى القاتل ذلك المجرم المتوحش وهو يتسلل خارجا من قمرة سيدتي ولكن.....
    ومدت يدها بحركة استنجاد نحو سيمون وقالت له :
    - بربك يا سيدي ماذا أستطيع ان أقول ؟
    - لاتكوني حمقاء يا فتاتي فلا أحد يظن انك سمعت أو رأيت شيئا ولايتهمك احد بشيء فاطمئني وسأعتني بك
    فشكرته على استحياء فقال بوارو :
    - اذن انت لم تري ولم تسمعي شيئا ؟
    - هو ذلك يا سيدي
    - وانت لاتعرفين احدا حاقدا على سيدتك ؟
    - بل أعرف
    - أتعنين الآنسة جاكلين دي بلفور ؟
    - هي طبعا حاقدة على سيدتي ولكن ليست هي التي أعني ..فهناك في السفينة شخص يكره سيدتي لأنها أصابته بضرر جسيم
    فصاح سيمون :
    - يا الهي من هذا ؟
    - انه الخطيب الذي كان يطمع في الزواج من الخادمة ماري واسمه فليتوود وقد اكتشفت سيدتي انه متزوج بالفعل في مصر وله ثلاثة أطفال وأطلعت ماري على السر فقطعت علاقتها به ولما علم فليتوود ان سيدتي بين ركاب هذه الباخرة فكر في قتلها كما قال لي ذلك مرارا لأنها تسببت في تحطيم قلبه.
    - وهل أخبرت سيدتك بذلك ؟
    - كلا يا سيدي طبعا
    - وهل تعرفين شيئا عن الآلىء سيدتك ؟
    فتسعت حدقتاها وصاحت :
    - اللآلىء ؟ انها كانت ترتديها الليلة الماضية
    - وهل رأيتها حين ذهبت الى فراشها ؟
    - نعم يا سيدي
    - وأين وضعتها ؟
    - على المائدة التي بجوار فراشها كالمعتاد
    - وهناك رأيتها لآخر مرة ؟
    - نعم يا سيدي
    - وهل رأيتها هناك هذا الصباح ؟
    فظهرت الدهشة على وجه الفتاة وقالت :
    - انني لم انظر اليها لأن منظر سيدتي قد الهاني عن كل شيء فصرخت واندفعت خارجة
    - ولكنني انا هركيول بوار لم يفتني ان انظر ولم يكن فوق المائدة التي بجوار الفراش أي أثر للآلىء هذا الصباح.
    كلف بوارو الخادم بالبحث والتنقيب بين أشياء سيدتها ولكن لم يعثر للآلىء على أثر فقال المولونيل لبوارو :
    - عندما قال فانثورب امس انه سمع سقوط شيء في الماء تبادر الى ذهني ان يكون القاتل قد القى المسدس فيه
    - هذا فرض أعتقد انه بعيد الإحتمال وأفضل في الوقت الحاضر ان نبعث في طلب فليتوود
    فاذا به رجل ضخم الجثة شرس المنظر عرف فيه بوارو على الفور ذلك المهندس الذي كانت تتحدث اليه لويز خلسة وقد واجههة بوارو بالمعلومات التي أفضت بها لويز في حقه فأقر بأن الوقائع الأولى
    صحيحة ولكنه انكر اقدمه على تلك الجريمة وراح العرق يتصبب على وجهه فسأله بوارو :
    - أين كنت في الليلة الماضية فيما بين نصف الليل والساعة الثانية صباحا
    - في فراشي نائما وشريكي في القمرة يشهد بذلك
    وصرفه الكولونيل بعد ذلك ثم تبادل مع بوارو نظرات التساؤل فهز بوارو كتفيه ثم قال :
    - انه رجل شرس وعصبي المزاج بالفعل ولكن لايذهب الى حد القتل ومع ذلك فانني سأتحقق من صحة أقواله وان كانت شهادة شريكة في القمرة لاتقطع بشيء فقد يكون ذلك الشريك غارقا في النوم
    - يجب التحقيق على كل حال
    - وأعتقد اننا يجب ان نعني بعدئذ بالتحري كي نعرف هل سمع أحد الركاب شيئا فيما بين نصف الليل والثانية صباحا مما يمكن ان يهدينا الى شيء يكن ذلك الصوت الضعيف بحيث يظن انه غير خطر
    - أنا شخصيا لم أسمع شيئا
    - وأنا نمت هذه الليلة نوما عميقا جدا فلم أسمع شيئا
    - يجب ان نسمع أقوال آل الرتون فان القمرتين قريبتان جدا من مكان الجريمة
    وحضرت السيدة الرتون في ثوب من الحرير وكان الأسف باديا على وجهها وكان اول ما دكرته :
    - لقد سرني كثيرا ان تكون الآنسة جاكلين دي بلفور المسكينة بعيدة عن الشبهة
    - انا أفهم عواطفك ..والآن هل لك ان تدكري لنا في أي وقت أويت الى فراشك يا سيدتي ليلة امس
    - بعد العشرة والنصف مباشرة
    - وهل استغرقت في النوم في الحال ؟
    - نعم ..فقد كنت أشعر بالنعس
    - وهل سمعت أي شيء أثناء الليل ؟
    فقطبت حاجبيها قليلا ثم قالت :
    - نعم ..أظن انني سمعت صوت سقوط شيء في الماء ثم صوت انسان يجري أو ما شابه وربما كان صوت الجري سابقا على صوت سقوط الشيء في الماء فقد كان الناعس مستوليا على مشاعري وخيل الي ان احدا سقط في الماء فصحوت من ذلك الحلم المزعج وأصغيت مدة طويلة ولكن السكون كان شاملا
    - أتدرين في أي ساعة كان ذلك ؟
    - كلا أخشى ألا أستطيع التحديد ولكن يخيل الي ان ذلك قد وقع بعد ان نمت بمدة طويلة ومن المحتمل ان يكون ذلك في نحو الساعة الأولى صباحا
    - واخسارتاه ...ليتك تستطيعين التحديد
    - كلا للأسف ولست أرى فائدة في التخمين
    - وهل سبق لك ان قابلت لينيت دويل قبل هذه الرحلة ؟
    - كلا بل تيم ابني هو الذي التقى بها قبل ذلك وقد سمعت عنها الكثير من قريبتنا جوانا ساوثورد
    - سؤال أخير يا سيدتي هل نزلت بأسرتك متاعب مالية بسبب مضاربات والد لينيت ؟
    - أنا مدركة طبعا ما وراء هذا السؤال فان والد لينيت وجدها كانا سببا في افلاس الكثيرين عن طريق المضاربات ولكن الواقع ان ذلك لم يحدث لنا
    - شكرا لك يا سيدتي وأرجو ان تبعثي لنا بنجلك
    وانصرفت السيدة الرتون فوجدت ابنها في انتظارها متلهفا غلى معرفة الأسئلة التي وجهت اليها فلخصت له السئلة واندفع بعد ذلك الى غرفة التحقيق واجاب على كل اسئلة بوارو بأنه أوى الى الفراش مبكرا في العشرة والنصف وقضى بعض الوقت في القراءة ثم أطفا نور قمريه في الحادية عشرة تماما
    - وهل سمعت شيئا ؟
    - سمعت صوت رجل يلقي تحية المساء وكان الصوت آتيا من بعيد
    - فقال الكولونيل ريسي :
    - لقد كان هذا صوتي وانا القي التحية على القتيل
    - نعم وبعد ذلك استغرقت في النوم ثم سمعت ضجة أعقبها صوت امرأة تنادي فانثورب فيما أظن
    - تلك كانت كورنيليا روبسون حين استنجدت بفانثورب بعد اصابة سيمون
    - أظن هذا ثم سمعت بعد ذلك جملة أصوات وصوت شخص يجري فوق السفينة ثم صوت سقوط شيء في الماء وعلى اثر ذلك سمعت الدكتور بسنر يلقي أوامر مقتضبة من قبيل احدر خد بالك لاتسرع
    - وهل انت متأكد من ان ما سمعته كان صوت سقوط شيء في الماء وليس طلقة مسدس ؟
    - ربما لقد سمعت بالفعل صوتا كصوت خروج سدادة من فوهة زجاجة فرقعة خفيفة ربما كانت طلقة مسدس وقد تبادر الى ذهني ان الفرقعة صوت فتح زجاجة وان سقوط الجسم هو صوت انصباب الشراب في الكؤوس فان الذي خطر لي ان فريقا من الركاب يحيي حفلة ماجنة وسخطت عليهم وتمنيت لو ذهبوا مضاجعهم ليناموا
    - ألم تسمع شيئا آخر ؟
    - كلا فيما عدا تقلب فانثورب في فراشه في القمرة الملاصقة لقمرتي حتى حسبت انه لن ينام
    - وبعد ذلك ؟
    - وبعد ذلك استغرقت في النوم ولم أسمع شيئا .




    -اللغز يزداد تعقيدا-
    أخد الكولونيل ريسي يخطط رسما للباخرة الكرنك يبين فيه مواضع القمرات وقال :
    - فانثورب ثم تيم الرتون ثم قمرة فارغة لم ينم فيها صاحبها تلك الليلة وهو سيمون دويل فمن صاحب القمرة المجاورة من الناحية الأخرى لقمرة لينيت القتيل ؟ انها الآنسة فان شويلر الأمريكية العجوز فاذا كان أحد قد سمع صوتا صادرا عن قمرة القتيل تلك الليلة فهو هذه الآنسة العجوز واذا كانت قد استيقضت الآن فيحسن ان نبعث اليها ونسمع أقوالها
    وبعد قليل دخلت فان شويلر متجهمة تفيض عيناها سخطا وعضبا فعمد بوارو الى تهدئتها حتى عرف منها انها أوت الى الفراش في الساعة العاشرة كما هي عادتها ولكنها لم تنم فورا لأن كورنيليا تركتها مدة طويلة فظلت ساهرة في انتظارها وفي تلك الأثناء سمعت صوت لويز وصيفة لينيت تلقي على سيدتها تحية المساء وبعد ذلك أغفت فليلا الى ان تنبهت على صوت حسبته داخل قمرتها ولكنها تحققت انه في القمرة المجاورة وهي قمرة لينيت وبعد ذلك سمعت صوتا في الخارج على سطح السفينة أمام الباب ثم صوت سقوط جسم في الماء وقدرت الوقت عندئذ بأنه بعد ساعة الواحدة بعشر دقائق
    ولكنها قررت انها لم تسمع صوت الطلق الناري وان كانت لاتجزم ان الصوت الذي أيقضها كان هو الطلق الناري ولكنها لم تنتبه اليه لأنها كانت نائمة
    فلما سألها الكولونيل ريسي من تظن انه أسقط هذا الجسم الذي أحدث صوتا باصطدامه بالماء فقالت :
    - لست أظن بل أنا أعرفه جيدا فانني ارتبت في ذلك الصوت وقمت ففتحت باب قمرتي فرأيت الآنسة روزالي اوثربون منحنية فوق السياج بعد ان أسقطت شيئا كان في يدها في الماء
    - وهل أنت واثقة انها الآنسة روزالي اوثربون ؟
    لقد رأيت وجهها بوضوح
    - وهل رأتك هي ؟
    - لا أظن انها رأتني
    وعندئذ قام بوارو الى الأمام وتولى هو سؤالها :
    - وكيف بدا لك وجهها في تلك اللحظة ؟
    - كانت نهبا لإنفعال عنيف ثم أدارت لي ظهرها واتجهت نحو مؤخرة السفينة وعدت أنا الى فراشي
    وفي هذه اللحظة دخل ربان السفينة فسلم الكولونيل ريسي لفافة مبتلة الحرير القرمزي فراح الكولونيل يبسط طياتها الكثيرة حتى سقطت منها لفافة أخرى هي منديل من النوع الرخيص به آثار طلاء أحمر باهت وقد طوي على مسدس صغير مرصعة قبضته باللآلىء فظهر الفرح على وجه الكولونيل ريسي وتناول بوارو المسدس بعناية في يده ثم قال :
    - نعم انه هو المسدس الذي رأيته في حديقة كتراكت وهذا هما حرفا ج ك والعيار22 وقد أطلقت منه رصاصتان وعندئد تنحنحت فان شويلر ثم قالت :
    - وشالي ؟ ان الذي بيدك هو شالي الحريري وقد بحثت عنه أمس طويلا فلم أعثر عليه وسالت عنه كل انسان دون جدوى
    - شالك ؟ ومتى كان آخر عهدك به ؟
    - مساء أمس في الصالون فلما هممت بالتوجه الى مخدعي لم أجده ولست أدري لماذا وكيف استخدم هذا الإستخدام القبيح
    وفحص الكولونيل الشال الثمين فاتضح انه استخدم لكتم صوت المسدس بأن أطلقت الرصاصة من خلال طياته.
    وانتهت أقوال الآنسة فان شويلر بعد ان قررت وأكدت انها لم تتعرف الى القتيل او اسرتها قبل هذه الرحلة فلما انفرد الكولونيل بالمسيو بوارو استغرق الأخير في التفكير لحظة ثم ضرب المنضدة بقبضته وقال :
    - المسألة الآن أشد تعقيدا فهناك شخص كان يضمر نية قتل لينيت وهذا الشخص شاهد مشاجرة جاكلين وسيمون في الصالون ورأى سقوط المسدس من يدها واستقراره بركلة من قدمها تحت مقعد وهذا الشخص حصل بعد ذلك على هذا المسدس وقتل به لينيت ثم كتب حرف الجيم فوق الحائط حتى يظلل المحقق ثم نرى عجبا فهذا القتل الذي يدبر كل شيء كي تشير القرائن الى انحصلر الشبهة في جاكلين دي بلفور لايترك مسدسها الذي اقترف به الجريمة كي نعثر عليه فتزداد الشبهة قوة بل هو يلقيه في قاع النهر وذلك تخبط وتناقض غير مفهومين فهناك ولا شك حلقة ناقصة او خطأ في التسلسل
    - ربما وأظن انه من المناسب الآن ان نسمع أقوال روزالي اوثربون
    - نعم نعم فقد يوضح لنا ذلك بعض ما يكتنفنا من غموض
    وبعد قليل كانت الفتاة تقرر انها أوت مع والدتها الى فراشها قبل الساعة الحادية عشر ةانهما لم تسمعا شيئا غير عادي فيما عدا بعض الضجة من جهة قمرة الدكتور بسنر ولكنهما لم تعرفا سببها قبل الصباح وسألها كل من الكولونيل ريسي ومسيو بوارو :
    - أولم تسمعا طلقا ناريا ؟
    - كلا
    - ألم تغادري قمرتك ليلة أمس ؟
    - كلا
    - أواثقة أنت من ذلك ؟
    - ماذا تعني ؟ كل الثقة
    - ألم تتجولي حول مؤخر السفينة من الجهة المقابلة للمرسى وتقذفي الى الماء بشيء كان في يدك ؟
    فاحتقن وجهها وقالت :
    - هل يحضر القانون القاء أشياء في الماء ؟
    - كلا طبعا فهل فعلت ؟
    - كلا لقد قلت لك انني لم أغادرقمرتي
    - واذا شهد أحد انه رآك العانس فان شويلر مثلا ؟
    - هل قررت ذلك فان شويلر ؟
    - نعم لقد رأتك أمام باب قمرتها تلقين شيئا في الماء وكان ذلك بعد الساعة الواحدة بعشر دقائق
    - وهل رأت شيئا عدا ذلك ؟ ماذا كان بيدي ؟
    - لم تر شيئا ولكنها سمعت سقوط الشيء في الماء فهل ما زلت مصرة على الإنكار ؟
    - ولماذا بحق السماء القي شيئا في الماء في جوف الليل ؟
    - ربما كان هناك سبب أعني سببا بريئا وان كان قد ثبت لنا الآن ان شخصا قد القي في الماء امس
    ليلا شيئا غير بريئ انظري
    ووضع أمام عينيها المسدس فاضطربت وقالت ؟
    - وهل تظن بأنني القاتلة ؟ هذا مضحك وسخيف فاني لم أكن اعرفها حق المعرفة السطحية
    - ولكن تذكري ان فان شويلر مستعدة لحلف اليمين على انها رأت وجهك بوضوح في ضوء القمر
    - انها عجوز حمقاء ضعيفة البصر فلم تكن أنا التي رأتها
    وأصرت على تلك الأقوال ثم انصرفت وتلتها بعد ذلك والدتها فلم تدل بأقوال تفيد التحقيق ولكنها راحت تثرثر بتخمينات عن اسباب الجريمة وانها تتصل كاها بالإضطرابات الجنسية شأن تفكيرها في جميع رواياتها . ولما تمكن بوارو من صرفها بسلام دعي السنيور ريتشي وكان منزعجا لما حدث فقرر انه أوى الى فراشه مبكرا جدا بعد العشاء مباشرة فقضى بعض الوقت في قراءة كتاب ظهر حديثا عن الآثار الخزفية في الأناضول ثم أطفأ النور قبل الحادية عشر ولم يسمع صوت طلق النار ولا صوتا يشبه فتح زجاجة مستعصية ولنه سمعفي جوف الليل صوت سقوط جسم ثقيل في الماء
    بالقرب من قمرته المطلة على الماء وقمرته في الطابق السفلي من جهة مؤخر السفينة في الجانب المقابل للمرسى وقد قدر الوقت بأنه بعد مرور ساعتين او ثلاث على نعاسه وربما كان ذلك بعد الساعة الواحدة بقليل
    ولنتهت أقوال ريتشي فتبعه على الأثر فيرجيسون وكان كعادته وقحا متباهبا بالوقاحة فقد قال
    حينما علم بمقتل لينيت وسئل عن معلوملته عن الحادث
    - في داهية فان العالم يشكو التخمة من التافهات الطفيليات ومن مثيلاتها الرأسماليات المغرورات وقد كنت ليلة امس في صحبة الآنسة كورنيليا عندما زرنا المعبد فلما عدنا الى السفينة فارقتها وتجولت وحدي برهة الى ان عدت حول نصف الليل فأويت الى قمرتي وهي في الطابق السفلي
    الى الجهة المقابلة للمرسى لأنني لا أسكن الطابق العلوي مع النبلاء المتعفنين
    - ألم تسمع طلقا ناريا او صوتا أشبه بخروج سدادة مستعصية من زجاجة شراب
    - أظن انني سمعت صوتا كالذي تصفه ولكن لاأدكر متى بالضبط فقد كان عدد من الركاب لايزالون يقظينوسمعت جلبة وصوت جري في الطابق الذي يعلوني
    - ربما كان ذلك صوت طلق ناري الذي أصاب سيمون دويل ولكن ألم تسمع صوتا آخر يشبهه؟
    ولا صوت سقوط شيء في الماء ؟
    - صوت سقوط شيء في الماء ؟ أظن انني سمعت صوتا من هذا القبيل ولكن كانت هناك ضوضاء
    كثيرة ولهذا لست متأكدا
    - وهل غادرت قمرتك أثناء الليل ؟
    - كلا ولهذا لم اشترك للأسف في تلك العملية الموقفة
    وانصرف فيرجيسون بعد ذلك فنظر بوارو الى الكولونيل وقال :
    - ألا تظن انه الرجل الذي تنشده ؟
    - استبعد هذا فالطراز الخطر من المتآمرين لايبوحون بآرائهم وعواطفهم ولكنني واثق من ان ضالتي فوق سطح السفينة فقد كانت التعليمات قاطعة ومحددة والآن حل دور بننجتون وكيل لينيت ووصيها فلنسمع ما لديه ودخل اندرو بننجتون وقد بدت على وجهه مظاهر الألم والحزن المفروضة في وصي كان بمنزلة الوالد ولكن المظاهر لم تنطل على فراسة بوارو وقد قرر انه لم يسمع شيئا فان قمرته هي التالية لقمرة الدكتور بسنر فكل ما سمعه أثناء نومه هو ضجة حول تلك القمرة مصحوبة بعبارات غامضة عرف فيها صوت جاره الطبيب ولكنه ليس متأكدا من الوقت بالضبط
    - ألم تسمع صوت طلقات مسدس ؟
    - لم أسمع شيئا من هذا القبيل على الإطلاق
    - ومتى أويت الى فراشك ؟
    - بعد الساعة الحادية عشرة بقليل
    - لقد كنت صديقا جميما للقتيل وأنت أعرف الناس في الغلب بظروف حياتها ولاشك انك أدرى بها من زوجها لأنه لم يتعرف بها إلا منذ أشهر قليلة فهل تعرف أحدا يكن لها حقدا خاصا بحيث يدفعه ذلك الى الرغبة في قتلها ؟
    فبلل شفتيه الجافتين بطرف لسانه ثم قال :
    - أؤكد لك ليست لدي أي فكرة مطلقا عن شيء من ذلك القبيل وقد نشأت لينيت في اوربا فلا أعرف شيئا عن ظروفها الشخصية وأما الظروف المالية فهي التي تحت يدي
    - ومع ذلك يا مستر بننجتون فان بين ركاب هذه السفينة اشخاصا او شخصا واحدا على الأقل يضمر لها السوء وانت تدكر ولا شك حادث الصخرة التي كادت تفتك بها على الشاطىء عينه ونحن في رحلة الذهاب ...ولم تنج إلا بأعجوبة
    - انني لم أرى ذلك الحادث لأنني كنت داخل المعبد ولكني سمعت عنه بعد ذلك وظننت اها مصادفة
    - أما وقد حدث ما حدث فالأمر أكثر من مصادفة
    فتصبب جبينه عرقا مسحه بمنديله الحريري وقال :
    - هو ذلك فعلا
    وبذلك انتهت أقواله الى غير نتيجة فلما انصرف أشعل الكولونيل سيجارة وقال بلهجة ذات مغزى :
    - أرى يا عزيزي بوارو ان المستر بننجتون لم يكن عاديا أثناء الإستجواب
    - أجل ولكن هناك أكثر من هذا لقد ذهب به الحرج والإضطراب الى حد التورط في كذبة فاضحة لقد زعم انه كان في المعبد عندما وقع الحادث وهذا كذب صريح فقد كنت انا الذي اكلمك الآن موجودا واستطيع ان أؤكد لك لم يكن في تلك اللحظة داخل المعبد لأنني كنت خارجا من المعبد في الوقت نفسه
    - يا لها من أكذوبة كبيرة
    وفي تلك اللحظة اهتزت الأرض تحت قدميهما ...فقد كان المولونيل قد أصدر أمره بعد العثور على المسدس في جوف النهر ان تقلع السفينة الكرنك عائدة الى أسوان وعندئذ قال بوارو :
    والآن حان ان ننظر في مسألة اللآلىء المختفية ولما كان الغداء سيبدأ بعد نصف ساعة فانني أرى ان أعلن قرب نهايته ان مجوهرات القتيل قد سرقت ثم أطلب من الجميع عدم مغادرة القاعة الى
    ان تنتهي عملية التفتيش للقمرات ويجري في نفس الوقت تفتيش الركاب
    - فكرة صائبة فان الذي سرق الجواهر لايزال محتفظا بها وعدم انذار السارق من قبل يحول دون القائه المسروقات في جوف النيل
    - والآن أحب ان نسجل ترتيب الحوادث قبل الإستمرار في البحث
    - لقد أعددت يا عزيزي بوارو مذكرة بالموقف أرجو ان تلقي عليها نظرة.



    -المذكرة-
    تناول بوارو المذكرة فوجدها على النحو التالي :
    كانت الخادم لويز بورجيه آخر من رأى القتيل حية في الساعة الحادية عشرة والنصف مساءا
    فيما بين الحادية عشرة والنصف والثانية عشرة والنصف كان كل من كورنيليا روبسون وجيمس فانثورب وسيمون دويل وجاكلين دي بلفورمجتمعين معا فهم دون غيرهم يملكون اثباتات تبعدهم عن الشبهة في تلك المدة ولكن الجريمة حدثت في الغلب بعد ذلك الوقت لأنه من الثابت انها اقترفت بمسدس جاكلين بعد ان اعتدت به على سيمون.
    من المرجح ان القاتل شهد بعينه المشادة التي انتهت باطلاق الرصاص على سيمون في صالون المراقبة وعندما أخلي الصالون بعد ذلك حصل ذلك المجهول على مسدس جاكلين من تحت المقعد لأن خطته مبنية على القاء الشبهة على جاكلين بما انها غريمة لينيت التي لطالما هددت بقتلها
    بناء على ما تقدم تبعد الشبهة عن كورنيليا روبسون لأنه لم تسنح لها الفرصة للإستلاء على المسدس قبل عودة فانثورب للبحث عنه ..فقد كانت مشغولة بمعاونة الطبيب في تضميد الجرح
    نفس الظروف تنطبق على الآنسة بويرز الممرضة
    وتنطبق أيضا على الدكتور بسنر
    ويجب ملاحظة ان فانثورب ليس بعيدا عن الشبهة بشكل قاطع لأنه يحتمل ان يكون قد عثر على المسدس ووضعه في جيبه وزعم انه لم يجده
    ويجب ايضا افتراض ان أي شخص كان يمكنه ان يعثر على المسدس في مدة الدقائق العشر التي كان الصالون فيه خاليا.


    -دوافع محتملة للجريمة-


    ربما كان اندرو بننجتون الوصي الأمريكي قد عبث بامانة التركة المعهودة اليه ...ويؤيد هذا الفرض محاولته الحصول على توقيعها فضلا عن شبهات أخرى ولكنها غير كافية ولو انه ثبت انه مرتكب حادثة الصخرة لثبت أيضا انه من ذلك الطراز الذي لايتورع عن اغتنام الفرصة العرضة دون تدبير سابق ولاشك ان اطلاق جاكلين الرصاص على سيمون كان فرصة عارضة لم يدبرها أحد.
    يضعف الإفتراض السابق ان المسدس القي في النيل فلو انه هو الفاعل فلماذا يلقي أداة الجريمة التي اختارها لإلقاء الشبهة على جاكلين ولم يترك المسدس كي نعثر عليه ؟
    وهناك أيضا مهندس الباخرة فليتوود ودافعه الإنتقام فهو شخص شرس ولعله شهد من الجدران الزجاجية جانبا من المشادة التي انتهت باطلاق الرصاص على سيمون وربما يكون قد استعمل مسدس ولما لم تكن نيته منصرفة الى حصر الشبهة في جاكلين صاحبة المسدس فقد القاه بعد ذلك في النيل وهذا فرض يفسر نقطة القاء المسدس
    ولكن يضعف هذه النظرية انه اذا لم يكن قصده القاء الشبهة على جاكلين فلماذا حرص على الكتابة حرف الجيم بالدم على الجدران ؟
    ويجب ملاحظة ان المنديل الرخيص الذي كان المسدس ملفوفا به ربما كان يخص فليتوود فهو أشبه
    به من بين سائر الركاب
    واذا أخدنا بشهادة فان شويلر نجد ان هناك شبهة تحوم حول روزالي اوثربون ولكن هل نصدق العجوز ام نصدق روزالي ؟ ان هناك شيئا قد القي تلك الليلة في النيل فعلا وقد انتشل المسدس من قاع النيل ملفوفا في شال العنس فان شويلر بالذات.
    يجب البحث عما اذا كان هناك دافع لدى روزالي اوثربون يمكن ان يدفعها الى قتل لينيت ربما كانت تحسدها ولكن ذلك لايكفي سببا مباشرا للقتل وليس هناك ما يدل على معرفة سابقة بينهما
    قررت فان شويلر ان شالها الذي عثر عليه ملفوفا حول المسدس قد ضاع منها تلك الليلة وكان آخر عهدها به في صالون المراقبة وقد لفتت الأنظار الى ضياعه لفتا ظاهرا في ذلك المساء بسؤال جميع الناس فكيف حصل القاتل المجهول على ذلك الشال ؟ ولماذا حصل عليه في أول السهرة
    ولم يكن هناك ما يمكن ان ينبىء بحدوث ما حدث بين جاكلين وسيمون ؟ واذا كان القاتل المجهول
    قد وجد الشال وهو يستولي على المسدس من تحت المقعد فمعنى ذلك ان الشال كان في الصالون مع انه من الثابت ان الجميع قد فتشوا عنه هناك بعناية
    واذا كان الشال لم يفقد من الآنسة شويلر بل كان في حوزتها طول الوقت فادعاؤها في هذه الحالة بفقدانه يلقي عليها الشبهة انها هي التي قتلت لينيت وفي هذه الحالة تكون شهادتها ضد روزالي
    اوثربون اكذوبة مقصودة فهل هو حقد عانس عجوز على الشابات دفعها الى قتل شابة والقاء الشبهة على شابة أخرى ؟
    من المحتمل ان تكون السرقة هي هدف الجريمة مادامت اللآلىء قد اختفت ومادام من الثابت ان لينيت كانت تتزين بها في تلك الليلة
    غير مستبعد ان يكون هناك ثأر قديم لأسباب مالية في الغالب بين اسرة القتيل وطرف آخر
    لدينا معلومات موثوق بها عن وجود ذلك المتآمر الدزلي المشهور وهو قاتل محترف مطلوب القبض
    عليه من السلطات المختصة لإرتكابه ست حوادث قتل فهل يمكن ان تكون له صلة مباشرة بهذه الجريمة ؟ يجب ان نعرف أولا اذا كانت لدى لينيت قبل مصرعها معلومات خطيرة تتهدد سلامة ذلك الشخص وفي هذه الحالة يكون معقولا ان يقدم على التخلص منها لتأمين حياته
    وعلى ذلك يمكن تقسيم الركاب الى فريقين الفريق الأول منهما هو الذي أمكن افتراض شبهات حول افراده أما الفريق الثاني فافراده حتى الآن بعيدون عن الشبهة
    فريق المشتبه في أمرهم : أندرو بننجتون فليتوود روزالي اوثربون الآنسة فان شويلر لويز بورجيه
    (بقصد السرقة) فيرجيسون ( بدافع سياسي)
    فريق البعيدين عن الشبهة : مسز الرتون تيم الرتون كورنيليا روبسون الآنسة بويرز الدكتور بسنر
    سينيور ريتشي مسز اوثربون جيمس فانثورب.

    فلما فرغ بوارو من قراءة المذكرة قال للكولونيل :
    - لقد كنت مثالا للدقة فيما سجلت
    - أموافق أنت على هذه الملاحظات ؟
    - نعم ولكن السؤال الرئيسي الذي أعتقد انه مفتاح القضية هو : لماذا القي المسدس في النيل ؟
    فلو اننا عرفنا الجواب الصحيح على هذا السؤال لتبدد كل غموض يحيط بالجريمة
    ثم تناول بوارو الشال القرمزي وراح يقلبه بين يديه ثم فحص الخروق الناجمة عن انطلاق الرصاص
    وما يحيطها من حروق ثم قال للكولونيل ريسي انك يا عزيزي الكولونيل أدرى مني بكل ما يتعلق بالأسلحة النارية هل تعتقد ان لف المسدس الصغير في هذا الشال واطلاق النار من داخله يكتم
    صوت الطلقة كل الكتمان ؟
    - كلا
    - وهل تعتقد ان الرجل الذي تعود استعمال الأسلحة النارية يمكن ان يجهل هذه الحقيقة ؟
    - انه يعرفها ولا شك ؟
    - أما المرأة التي لم تتعود ذلك فمن المحتمل ان تجهل هذه الحقيقة وتظن ان الشال سيكتم الصوت
    ثم ان هذا المسدس الدقيق الحجم لايحدث صوتا كبيرا فاذا أطلق في الوقت الذي تكون هناك فيه أصوات أخرى لم ينتبه الى اطلاقه أحد في الغالب
    - من الجائز جدا ان يكون الأمر كذلك
    ثم تناةل بوارو المنديل الذي به آثار الطلاء الأحمر الباهت وراح يقلبه بين يديه قائلا :
    - ولكن ليس هذا منديل امرأة بل منديل رجل وهو بغير شك ليس رجلا راقيا انه أشبه بمناديل الخدم فهو لايساوي أكثر من قرش أو قرشين من النوع الذي يستخدمه رجل مثل فليتوود أما بننجتون فيستخدم مناديل حريرية فاخرة فقد رأيته يخرج احداها لتجفيف عرقه المتصبب
    - فيرجيسون اذن ؟
    - ربما وربما أيضا القاتل قد تعمد استعمال هذا النوع بمثابة قفاز حتى لاتترك بصمات يده أثرا .



    - مفاجأة-

    وفي اللحظة دخل احد الخدم ليخبر بوارو ان سيمون دويل يطلب مقابلته فأسرع اليه حيث كان
    لايزال راقدا في قمرة الدكتور بسنر وكان وجهه محتقنا بتأثير الحمى وقد معتمدا الى رومة من الوسائد وارتسمت على وجهه امارات الحيرة والإرتباك وقد شكر بوارو على تفضله بالحضور ثم قال :
    - هناك مسألة أحب ان أتحدث اليك بشأنها
    - وماهي ؟
    - انها بخصوص جاكلين فانني باختصار أريد ان أراها فهل لديك مانع ؟ وهل تعتقد انها تمانع في
    الحضور اذا طلبت اليها ذلك ؟ قد قضيت هذه المدة راقدا أفكر في الصدمة التي وقعت لهذه المسكينة فهي طفلة وحيدة ليس لها سند أي معين كما تعلم والحقيقة انني أسأت اليها كثيرا حتى حطمت أعصابها وأفقدتها التوازن
    وسكت سيمون لايدري ماذا يقول وقد زادت وطأةارتباكه فحدق بوارو في وجهه مليا ثم قال :
    - أتريد ان ترى الآنسة جاكلين وهو كذلك سأحضرها اليك
    - انه لكرم عظيم منك .....
    وذهب بوارو يبحث عن جاكلين دي بلفور فوجدها جالسة وحدها في احد أركان صالون المراقبة
    وفوق ركبتيها كتاب مفتوح ولكنها لم تكن تنظر فيه فقال لها بوارو :
    - ان المسيو سيمون دويل يريد ان يراك ..فهل تأتين معي اليه ؟
    وكان صوت بوارو رقيقا جدا فياضا بالحنان فالتمعت عيناها واحمر وجهها ثم اصفر وظهرت عليها الحيرة وهي تقول :
    - سيمون يريد ان يراني أنا
    - نعم..فهل تأتين معي ؟
    - طبعا طبعا بكل تأكيد
    زمضتمعه في اذعان الأطفال ولكن أيضا في ارتباكهم وحيرتهم فلما وصلا دخل بوارو أولا معلنا قدومها فدخلت ووقفت في مكانها كالمترنحة وقد تسمرت عيناها في وجه سيمون وكان سيمون لايقل عنها ارتباكا ولكنه عثر على لسانه قبلها فقال متلعثما :
    - مرحبا بك يا جاكلين انه لكرم منك ان تأتي فانني أريد ان أقول ..ان ما أقصده...
    وعندئذ أخرجته من ارتباكه وقد أخدت الكلمات تتدفق من فمها وهي تلهث :
    - سيمون انني لم أقتل لينيت انت تعرف انني لم أقتلها لقد كنت كالمجنونة أمس آه هل تغفر لي؟
    - طبعا طبعا انت معذورة كل ما هنالك انك أفرطت في الشراب بعض الشيء
    - ماذا تقول ؟ ..كان من الممكن ان تصيبك هذه الرصاصة في مقتل
    - ما هذا الهراء ؟...لاتقولي ذلك
    - ولكن ساقك ؟ ربما تضاعفت اصابتها في المستقبل
    - كفى هراء يا جاكلين فعند وصولنا الى أسوان سيجرون عليها كشفا بالأشعة ويتولى أخصائي عملية التجبير بعد ان يخرج الرصاصة وسرعان ما تلتئم وتشفى
    وترنحت جاكلين قليلا ثم اندفعت نحوه وركعت الى جوار الفراش ودفنت وجهها في صدره وأخدت تنتحب فجعل سيمون يربت عليها والتقت عيناه بعيني بوارو فتنهد بوارو وتسلل خارجا وهو يسمع
    الهمسات المتقطعة :
    - آه يا سيمون يا حبيبي كيف أمكن ان أفعل هذا بك ؟
    ووجد بوارو الآنسة كورنيليا منحنية فوق السياج أمام الباب فالتفتت نحوه قائلة :
    - ما أعجب المفارقات تصور ان تكون في هذه الحالة في يوم بديع كهذا اليوم انظر الى السماء
    والى الشمس...
    فتطلع بوارو الى الشمس ثم قال لها كمن ينشد أغنية محفوظة ( عندما تبزغ الشمس لايستطيع
    الإنسان ان يرى القمر ولكن عندما تغيب الشمس يبصر الإنسان القمر )
    - ماذا تقول ؟ هذا طبعا شيء بديهي معروف
    - وانا رجل عجوز أحمق يهذي بالبديهيات
    واستأنف سيره فطرقت سمعه أصوات متقطعة من القمرة المجاورة وهي قمرة آل اوثربون :
    - يالك من ناكرة للجميل ..أبعد كل ما فعلت من أجلك ؟ ألا تدركين مبلغ عذابي ؟ ألا تراعين مزاج
    أمك ؟
    فزم عندئذ بوارو شفتيه وطرق الباب فاذا صوت السيدة اوثربون يسأل من الطارق ؟ فقال :
    - هل الآنسة روزالي موجودة ؟
    فبرزت اليه روزالي ولاحظ تحت عينيها حلقات سوداء وتقرحا في اجفانهاوبادرته بالسؤال في جفوة
    عما يريد
    - حبذا لو تكرمت يا آنسة ببضع دقائق من الحديث على انفراد
    فظهر عليها التجهم والتردد ولكنه كررالتوسل فمشت معه الى سطح السفينة متجهين اللى مؤخرتها لأن المكان هناك كان خاليا ووقف بوارو وظهره الى السياج اما روزالي فوقفت امامه منتصبة القامة كما يقف الجنود وقفة الإنتباه وشرع يتكلم ببطء وهدوء وهو ينتقي الكلمات انتقاء :
    - لقد تعودت يا آنسة ان تحملي عبء همومك وحدك ولكن ذلك العبء قد طال بك احتماله حتى أرهقك وبدأت تظهر عليك بوادر التعب والإعياء
    - لست أدري عما تتكلم
    - انني اتكلم بلسان الواقع يا آنسة والواقع أحيانا كريه لانحب ان نواجهه ولكني رجل أحب ان أسمي الأشياء بأسمائها وقد تبينت من خبرتي الطويلة ان ذلك أهون على النفس ان والدتك باختصار تدمن الشراب.
    فسكتت روزالي ولم تجب وفغرت فمها ثم أغلقته ثانية وهي لاتدري ماذا تقول فاستطرد بوارو
    عندئذ قائلا :
    - لاحاجة بك الى الكلام يا آنسة فسأتولى أنا عنك ذلك وقد اهتممت منذ كنا في أسوان بدراسة العلاقة بينك وبين والدتك وأدركت انك تكنين نحوها عاطفة قوية صادقة ثم قابلت والدتك بعد ذلك ذات صباح باكر وكانت في حالة سكر واضح ثم لما جلست معكما الى المائدة رأيتها تكرر على مسمعي انها لا تذوقالخمور فأدركت انك انت التي تمنعينها من ذلك وانها تشرب في حجرتها على مخبأ
    للخمر السري فحملت صندوق زجاجات الخمر والقيت به في النيل اليس هذا هو ما حدث يا آنسة ؟
    - نعم هذا ماحدث ....وكان خطأ مني ألا أصارحك بالحقيقة بعد ان شهدت الآنسة فان شويلر انها رأتني ..ولكنني يا مسيو بوارو شديدة الخجل من سلوك والدتي وان كنت أعذرها وأشفق عليها
    - هدئي من روعك فالسر عندي مصون
    - لاشك عندي في هذا يا مسيو بوارو ولكن أرجو منك ان تغفر لي خشونتي
    - لاحرج عليك والآن أخبريني هل كان القاؤك صندوق زجاجات الخمر بعد الساعة الواحدة بعشر دقائق
    - ربما فقد كان الوقت نحو ذلك فعلا
    - وهل رأيت الإنسان فان شويلر كما رأتك ؟
    - كلا
    - وهل لم تر أحدا آخر حينما كنت واقفة فوق سطح السفينة ؟
    فسكتت لحظة وقد قطبت حاجبيها كمن يفكر تفكيرا عميقا ثم هزت رأسها ونفت ذلك بلهجة قاطعة
    فهز بوارو رأسه ولكن عينيه كانتا تلمعان ببريق خاص.



    -مشكلة جديدة-
    قبل الناس على قاعة الطعام جماعات وأفرادا ولكن في تراخ كأنهم يشعرون أن في الإقبال على الطعام بعد تلك الجريمة التي ذهبت ضحيتها لينيت دويل بواسطة ذلك العقد شيئا غير مستحب وقد دخل تيم الرتون القاعة بعد ان أخدت أمه مكانها وكان بادي الوجوم والسخط حتى لقد بدأ الحديث بقوله :
    - ليتني لم أشترك في هذه الرحلة المنكودة
    فهزت امه رأسها في حزن موافقة فاستطرد قائلا :
    - وقد جد في الأمر جديد فقد اتضح فقدان اللآلىء أيضا
    - لآلىء لينيت ؟
    - نعم ...يبدو ان بعضها استولى عليها
    - ربما كان هذا هو الدافع الى الجريمة
    - ومن يدريك ؟ انك تخلطين يا أماه بين مسألتين منفصلتين تمام الإنفصال
    - ومن الذي انبأك ان اللآلىء قد سرقت ؟
    - فيرجيسون ..وقد علم ذلك عن طريق صديقه مهندس الآلات المدعو فليتوود وفليتوود علم بذلك من الخادمة
    - لقد كانت لآلىء فاخرة
    وفي هذه اللحظة دخل القاعة السيو بوارو فجلس الى جانب السيدة الرتون كعادته بعد ان حياها باحناء رأسه في ظرفه المعهود مع السيدات ثم اعتذر عن تأخيره بسبب انشغاله وطلب زجاجة من النبيد بدل زجاجته التي كان الخادم قد وضعها وفيها بقية من اليوم السابق وقد علقت السيدة الرتون على ذلك بقولها :
    - اننا كاثوليكيون بمعنى الكلمة أما انت فلا تقلع عن احتساء النبيذ مع كل وجبة في حين يصر ابني
    على قدح من الويسكي بالصودا أما انا فتكفيني كأس من المياه المعدنية
    فحملق بوارو في زجهها قليلا وقد لمعت عيناه ثم هز كتفيه كأنه يصرف عن ذهنه خاطرا طرأ عليه
    ثم شرع يتحدث في موضوعات خفيفة مما يتلهى به الناس وهم جلوس الى مائدة الطعام وبعد طبق أو طبقين سأل بوارو تيم الرتون :
    - خبرني هل تشبه الآنسة جوانا ساوثود صديقتك ابنة خالتها المرحومة لينيت دويل
    - لاشبه بينهما مطلقا فان جوانا صديقة لينيت وابنة خالتي أنا لاالعكس كما فهمت
    - لقد اختلط علي الأمر فان خالتك شخصية معروفة يرد اسمها كثيرا في أخبار المجتمعات الراقية وقد استحوذت على اهتمامي منذ وقت غير قصير
    فسأله تيم الرتون بشيء من الحدة :
    - لماذا ؟
    ونهض بوارو نصف نهوض لينحني باحترام لجاكلين دي بلفور التي مرت بمائدتهم في هذه اللحظة
    في طريقها الى مائدتها وكانت وجناتاها متةهجتين وعيناها لامعتين وأنفاسها لاهثة في غير انتظام ولما استقر في مجلسه بعد لحظة كان يبدو عليه انه نسي سؤال تيم الرتون وراح يهمس
    كالمتحير :
    - هل كل من لديها جواهر ثمينة تهمل شأنها كما كانت تفعل لينيت دويل
    وعندئذ وجدت السيدة الرتون الفرصة سانحة فسأليه :
    - أصحيح اذن ان جواهرها سرقت ؟
    - ومن أنبأك يا سيدتي ؟
    فتولى تيم ابنها الإجابة عنها فقال :
    - ان فيرجيسون هو الذي أنبأها وعندئذ أمن بوارو على صدق الرواية وعقبت السيدة الرتون على ذلك قائلة في عصبية ظاهرة :
    - أعتقد انه ستترتب على ذلك نتائج سيئة ومضايقات تعمنا جميعا كما تنبأ تيم
    - لعلك يا مسيو تيم قد سبقت لك تجربة ؟ هل سبق ان كنت مدعوا في بيت عندما حدثت به سرقت جواهر ؟
    - كلا لم يسبق لي ذلك
    فقالت امه عندئذ بدهشة :
    - بل كنت يا عزيزي في قصر آل بورتر ليننجتون عندما سرقت ماسات سيدة القصر
    - أنت دائما يا أماه تخلطين الأمور بين الأشياء خلطا لانظير له بل كنت هناك يا أماه عندما اتضح ان الماسات التي تحيط عنقها ماسات مزيفة أما عملية ابدال الماسات الصحيحة بالمزيفة فربما كانت تمت قبل تلك الليلة بشهور طويلة بل الواقع ان عددا كبيرا من الحاضرين اعتقدوا انها هي نفسها التي قامت بذلك الإبدال لتسرق زوجها
    - لعل جوانا هي صاحبة هذا الرأي يا بني
    ان جوانل لم تكن هناك
    - ولكنها تعرف هذه المجموعة جيدا ...وأنا أعرفها وأعرف أنها تظن مثل هذه الظنون الخبيثة
    - الواقع يا أماه انني لا أدري سببا لتحاملك على جوانا
    وأسرع بوارو عندئذ في تغيير موضوع الحديث فتكلم عن أثواب من الحرير القرمزي رآها في بعض الحوانيت في أسوان قبل ركوب الكرنك وكيف انه حينما تعود الباخرة الى اسوان يريد ان يشتريها
    ويكلف المحل بارسالها باسمه الى لندن عن طريق البريد وعقب على ذلك بقوله
    - وقد قيل لي انهم يستطيعون تصديرها نظير رسوم غير باهضة فهل تعتقد ان البضاعة ستصل سالمة الى لندن
    فقالت السيدة الرتون انها سمعت من كثيرين انهم سبق ان ارسلو الى لندن عن طريق هذه المحلات مباشرة اشياء كثيرة وانها وصلتهم كاملة سالمة
    - عظيم اذن سألجأ الى هذه الطريقة والواقع ان مايزعج الإنسان ويتعبه حقا حين يكون في الخارج
    هو وصول طرود مصدرة اليه من انجلترا فهل سبقت لكم تجربة في هذا الباب ألم تصلكم من انجلترا طرود منذ غادرتموها ؟
    فقالت السيدة الرتون لا أظن ..هل وصلنا شيء يا من ذلك يا تيم ؟ انك تحصل على كتب من انجلترا في بعض الأحيان ولكن الكتب تختلف تماما عن غيرها
    فقال بوارو :
    - طبعا يا سيدتي الكتب لها حالة خاصة فان الطرد يكون مفتوحا من أعلى وأسفل ولا تكون هناك
    حاجة للفتح والتفتيش لإقتضاء الرسوم كما يحدث هذا في الطرود العادية
    وفي هذه الساعة قدمت الحلوى في ختام الطعام ونهض الكولونيل ريسي فشرح ظروف الجريمة باقتضاب وأزاح الستار عن سرقة اللآلىء وأعلن بعد ذلك ان السفينة يجب ان تفتش على ان يبقى الركاب في القاعة الى ان تتم عملية التفتيش في جميع القمرات والحجرات وبعد ذلك يتولى السقاة تفتيش الركاب شخصيا فارتفعت على أثر ذلك همهمة ولغط فأسرع بوارو وهمس في أذنه
    بكلمة ثم خرجا معا فاستدعى الكولونيل ساقيل معينا والقى اليه أمرا موجزا ثم خرج الإثنان الى
    سطح السفينة وأغلقا الباب وراءهما ولم يلبث الساقي ان عاد وقال للكولونيل :
    - ان هناك يا سيدي سيدة أعربت عن رغبتها في التحدث اليك فورا وهي الآنسة بويرز الممرضة
    - أحضرها فورا ولاتدع احدا يغادر القاعة
    ولم تلبث بويرز ان لحقت بالرجلين في صالون التدخين وفتحت حقيبة يدها وأخرجت منها عقد الآلىء فوضعته أمام الرجلين فوق المائدة الصغيرة ...فعرتهما الدهشة طاغية وقال ريسي :
    - ماهي الحقيقة بالضبط ؟ هل أخدت هذا العقد من حجرة لينيت دويل ؟ أريد الحقيقة
    - كلا بالطبع يا كولونيل ريسي فالتي أخدته من هناك هي.....فان شويلر
    - فان شويلر ؟..........المليونيرة المتزمة العجوز ؟
    - نعم وقد فعلت ذلك بغير ارادتها فهي مريضة بداء السرقة وهذا هو سبب ملازمتي لها ليل نهار في الداخل والخارج فهي في الواقع ليست مريضة بأي داء يحوجها الى اشراف ممرضة باستمرار بل ان مهمتي الأساسية في الواقع هي الحيلولة بينها وبين هذه السرقات المريضية ولحسن الحظ انه
    لم تحدث فضيحة واحدة منذ تعهدت بها لأنها لاتحوجني في الواقع الى تعب كثير اذ هي تخفي ما
    كل تسرق في مكان واحد لايتغير هو جورب قديم وفي كل صباح أفتش في ذلك الجورب كما أنني أبيت دائما في الحجرة المجاورة لها وأنام نوما خفيفا وكثيرا ما أستيقظ قبل ان تتحرك للسرقة ليلا
    واذا بتنا ليلتنا في فندق أحرص على ان يكون بين حجرتي وحجرتها باب مفتوح وهي مغرمة باللآلىء غراما خاصا
    - وكيف اكتشفت هذه السرقة ؟
    - وجدتها في الجورب هذا الصباح زكنت أعرف أنها لآلىء لينيت دويل لأنها لفتت نظرنا جميعا وهي ترتديها فهممت ان أتوجه الى مخدعها لأضعها حيث هي قبل ان تستيقظ لينيت وتتبين فقدانها واذا بي أجد خادما واقفا بالباب يفضي الي نبأ مصرعها فاسقط في يدي ولكني عللت النفس بالتمكن من التسلل الى القمرة خلسة ولكنني لم أستطع وكل رجائي ان لاتصل الفضيحة الى الصحف
    أو الى احد من الركاب لأن أسرة فان شويلر محافظة جدا فهل أطمع منكما في تحقيق هذا الرجاء ؟
    - هذا يتوقف على الظروف ...ولكني أعدك ان نبدل وسعنا وماذا ستقول فان شويلر اذا سألناها ؟
    - انها تنكر دائما..ولهذا حين أتعقبها ليلا وهي تتسلل من مخدعها لا يبدو عليها الإضطراب او الخجل ولا تقاومني بل تزعم انها كانت خارجة للتطلع الى ضوء القمر ثم تعود معي مستسلمة في وداعة الحملان
    - وهل تعلم كورنيليا روبسون هذا عن خالتها ؟
    - كلا ولكن والدتها تعلم وقد أخفت الحقيقة عن ابنتها لأنها رأت في تنبهي وحرصي الكفاية
    وعندئذ شكرها الرجلان فانصرفت ولكن بوارو عاد فاستوقفها عند الباب وسألها
    - هل فان شويلر مصابة بمرض القتل اللاإرادي أيضا ؟
    - كلا انها لاتؤدي ذبابة وأقسم على هذا
    وهل هي مصابة بشيء من الصمم ؟
    - نعم....ولكنك لاتلاحظ ذلك وانت تحدثها عن قرب ولكن يحدث في كثير من الأحيان ألا تسمع صوتك
    و أنت داخل من الباب ولاتحس بدخولك
    - أتعتقدين انها يمكن ان تسمع من يتحرك في قمرة لينيت دويل المجاورة لقمرتها ؟
    -كلا ...لاأعتقد مطلقا انها يمكن ان تسمعه وبخاصة ان مائدة الزينة في الحائط المقابل للحائط
    الفاصل بين القمرتين
    - شكرا لك ...وأرجو الآن ان تذهبي مباشرة الى قاعة الطعام حيث تمكثين مع الآخرين
    فلما همت بالإنصراف قام معها الكولونيل ريسي حتى أوصلها الى باب قاعة الطعام وعد ليجد بوارو منهمكا في تقليب العقد بين يديه وعندئذ قال له بوارو :
    - ان فان شويلر كانت صادقة في جزء واحد من أقوالها هو رؤيتها روزالي اوثربون فقد فتحت قمرتها لتتسلل الى قمرة لينيت دويل كي تسرق العقد فرأت روزالي اوثربون
    - أتعتقد اذن ان روزالي كانت هناك وكانت تلقي المسدس في النيل أي انها هي القاتلة ؟
    - ان روزالي كانت تلقي فعلا شيئا في النيل وهذا الشيء هو صندوق زجاجات الخمر التي ضبطتها وكانت امها المدمنة قد خبأته في القمرة
    وباختصار أفهم بوارو الكولونيل سر روزالي فعقب الكولونيل على ذلك بابداء أسفه ثم قال :
    - اني لمسرور اذ برئت هذه الشابة المهذبة ولكن ألم تر أحدا أو تسمع شيئا وهي في ذلك الموقف
    - لقد سألتها في ذلك فصمتت نحو عشرين ثانية ...ثم قالت انها لم تر احدا ولم تسمع شيئا
    - عجبا فانه اذا صح ان لينيت دويل قد قتلت بالرصاص حولي ذلك الوقت لكان من العجب ألا يسمع الطلقة احد لأنه في نحو ذلك الوقت كانت جميع الأصوات في السفينة قد هدأت فمهما كان صوت
    الطلقة ضعيفا فلا بد ان يفطن اليه احد ولما كانت فان شويلر تشكو صمما نسبيا فطبيعي انها لم تسمع والقمرة المجاورة لها من الناحية الأخرى ينام فيها بننجتون الموصي الأمريكي
    - نعم يا عزيزي الكولونيل ...اننا لانفتأ نعود الى بننجتون بين الحين والحين ولكن دعنا الآن من هذا ولنقم بتفتيش القمرات قبل ان يضج الركاب من الإنتظار
    - ولماذا نفتش القمرات يا مسيو بوارو ؟ ألم نعثر على العقد ؟
    - أتعني هذه اللآلىء ؟
    ثم تناول العقد وذاق بعض حباته بلسانه ثم عضها بأسنانه والكولونيل يحملق في وجهه مأخوذا
    ثم هز كتفيه ورمى بالعقد فوق المائدة وهو يقول :
    - هاك تعقيدات أخرى في القضية يا عزيزي الكولونيل ان هذا العقد تقليد متقن للعقد الثمين الذي لايزال مختفيا في مكان مجهول .....
    وغضب الكولونيل ريسي لذلك فراح بوارو يهدئه ثم قال له :
    - ان هذا الإكتشاف يؤدي بنا الى احتمالين : الإحتمال الأول ان تكون فان شويلر قد سرقت العقد المزيف بعد ان سطا اللص على العقد الأصلي و الإحتمال الثاني ان تكون قصة مرض السرقة من نسج خيال الآنسة بويرز وان تكون هي السارقة وكانت من سرعة الخاطر بحيث سلمتنا العقد المزيف

    وبدأ التفتيش على الأثر بقمرات الطابق السفلي فكانت القمرة الأولىهي قمرة السينيور ريتشي
    وقد عثر على مؤلفات في الآثار بلغات مختلفة ومجموعة مختلفة من الملابس وزيزت للشعر ذات رائحة نفادة وخطابين خاصين احدهما من بعثة للتنقيب عن الآثار في سوريا والآخر من شقيقة
    له في روما وكانت مناديله جميعا من الحرير الملون
    وانتقلا الى قمرة فيرجيسون فاذا بمجموعة من الكتب الشيوعية وصور فوتوغرافية كثيرة وملابس
    خارجية ممزقة قذرة وملابس ذاخلية من أجود الأنواع وأغلاها ومناديله من أفخر أنواع الكتان ولم يعثرا على أوراق أو خطابات من أي نوع..ولكن بوارو عثر على خاتم به فص منقوش راح يتأمله بامعان قبل ان يضعه مكانه
    وبعد ذلك اتجها الى قمرة لويز بورجيه خادم لينيت وهناك وجدا خادما أبلغهما انه لم يوفق في العثور على لويز في أي مكان بالباخرة فألقى ريسي نظرة على القمرة فوجدها خالية فانتقل مع بوارو
    الى قمرات الطابق العلوي وبدأ بقمرة جيمس فانثورب من نوع جيد وليست هناك خطابات.....
    وكانت القمرة التالية قمرة تيم الرتون وهي تدل للوهلة الأولى على ان ساكنها كاثوليكي صميم
    فهناك صليب على الحائط ومسبحة كبيرة حباتها من الخشب المنقوش نقشا دقيقا غريب الشكل
    ومجموعة طيبة من الكتب الإنجليزية التي صدرت حديثا في بريطانيا وكمية كبيرة من الخطابات المتناثرة هنا وهناك فألقى بوارو عليها نظرة ولاحظ من بينها خطابين من جوانا ثم تناول أنبوبة من
    السيكوتين قلبها بين أنامله دقيقة أو أكثر قليلا ثم أعادها الى مكانها وانصرفا الى قمرة السيدة الرتون فاذا كل شيء نظيف طيب الرائحة مرتب ولم يجدا شيئا يستحق الذكر من خطابات أو غير ذلك فانتقلا الى قمرة سيمون دويل وكانت ملابسه الخاصة وأدوات زينته قد نقلت الى قمرة الدكتور بسنر ولم يسفر التفتيش الدقيق عن العثور على شيء مطلقا له صلة بالجريمة أو بالسرقة
    فانتقلا بعد ذلك الى قمرة القتيل وكانت الجثة قد نقلت الى غرفة التبريد ولكن كل شيء فيما عدا
    ذلك كان حاله بغير تغيير فبدا بوارو ينقب ويفحص بكل اهتمام فجثا على ركبتيه وراح يفحص الأرض فحصا دقيقا ثم فحص الفراش والملابس الداخلية والخارجية ثم توجه بعنايته الى حوض المغسل فاذا معاجين مختلفة وعطور وزيزت ولكن الشيء الذي استأثر بانتباهه دون سواه كان زجاجتين طلاء الأظافر تناولها فاذا احداهما تحمل بطاقة اللون الوردي وكانت خالية الا من نقطة او نقطتين من سائل أحمر أدكن واما الزجاجة الأخرى التي تماثلها حجما فكانت تحمل بطاقة اللون القرمزي وكانت
    ملآنة ختى فوهتها تقريبا
    وفتح بوارو الزجاجة الأولى الفارغة ثم الزجاجة الثانية الملآنة وشمهما من التعاقب ثم أعرب عن رغبته في الرجوع الى الخادم لويز شخصيا كي يستفسرها عن نقطة غامضة وبعد ذلك غادر
    الرجلان مقصورة القتيل الى قمرة فان شويلر فاذا مظاهر الترف والغنى بادية واذا بها عدد من الأوراق الخاصة والخطابات وعني بترتيبها وليس هناك فيما عدا ذلك شيء يدكر
    وكانت المقصورة التالية هي مقصورة بوارو نفسه ومن ورائها مقصورة الكولو نيل ريسي فأعرب الكولونيل عن شكه في ان يخفي اللص العقد في احداهما فقال بوارو :
    - ولم لا ؟...لقد كنت ذات مرة راكبا قطارا اكسبريس الشرق ووقعت جريمة سرقة وكان المسروق شيئا تافها عبارة عن ايشارب من الحرير الأحمر وقمت انا بتحقيق هذه السرقة فأين تحسبني وجدته ؟ في حقيبتي المقفلة يا صديقي
    - اذن هيا نرى هل أخفى احدهم المسروقات عندي او عندك
    ولكن اتضح ان اللص لم يكن جسورا الى هذا الحد...فانصرف الرجلان بعد ذلك الى البحث في حجرة الآنسة بويرز ولكنهما لم يجدا شيئا يثير الريبة وكانت كناديلها من الكتان العدي وتحمل الحرف الأول
    من اسمها . وكانت القمرة التالية هي التي تقيم فيها السيدة اوثربون وابنتها روزالي وقد فحصها بوارو فحصا دقيق ولكن بغير طائل
    وانتقل الرجلان بعد ذلك الى قمرة الدكتور بسنر وكان سيمون دويل راقدا فيها وامامه صينية من الطعام لم تمسسه يده فطلب رفع الطعام وكان يبدو أسوأ حالا عما كان عليه من قبل وقد أظهر سيمون دهشة شديدة عندما أنبأه بوارو ان اللآلىء قد سرقت من زوجته المرحومة ثم ان الآنسة بويرز ردتها بعد ذلك ولكن اتضح انها تقليد متقن وقد أكد تأكيدا قاطعا ان زوجته لم تكن تملك صورة
    مقلدة لعقدها الثمين وقال :
    - ان لينيت كانت تحب هذه اللآلىء حبا جما وكانت تلبسها في كل مكان وكانت قد أمنت عليها وهذا ما جعلها قليلة الإكثرات لصانتها من الضياع
    - اذن يجب ان نستمر في البحث
    ثم هجم كل من الرجلين على جانب من جوانب الحجرة احدهما على دولاب والآخر على الحقيبة فصاح سيمون محملقا
    - اسمعا لاأظنكما على كل حال ترتابان في ان يكون بسنر هو الذي اختلس العقد ؟
    - وماذا نعلم نحن عن بسنر الا ما يدكره هو عن نفسه ؟ ان كل شيء في نظر المحقق الجنائي جائز
    - ولكنه ما كان ليخفي شيئا هنا دون ان أراه
    - تماما ما كان ليخفي هنا شيئا اليوم دون ان تراه ولكننا لانعلم متى تم ابدال العقد الصحيح بالمزيف فمن يدرينا ان ذلك الإبدال لم يقع منذ بضعة أيام ؟
    ومع ذلك فان البحث لم يسفر عن شيء
    وكانت القمرة التالية قمرة بننجتون وقد قضى الرجلان في تفتيشها وقتا غير قصير وفحصا بعناية حقيبة مليئة بالوثائق والمستندات التي كانت كل ورقة فيها تنتظر توقيع لينيت ولكنهما اقتنعا اخيرا بان الرجل ليس من الغفلة بحيث يترك اي وثيقة تدينه او تثبت عليه اي تلاعب بعد علمه بمقتل لينيت
    وقد عثرا على مسدس ضخم في احد الأدراج فحصه بوارو ثم اعاده الى مكانه اذ كان واضحا ان الجريمة لم تقترف نت ذلك النوع ولم يجدا بعد ذلك شيئا يلفت النظر فخرجا
    واقترح بوارو ان يمضي الكولونيل في تفتيش بقية القمرات وهي التي تشغلها جاكلين وكورنيليا
    وقمرتين خاليتين في حين بذهب هو الى قمرة الدكتور بسنر ليتحدث في نقطة تشغل باله الى
    سيمون دويل وقد تم الإتفاق على ذلك.
    وما ان دخل بوارو على سيمون حتى بادره الشاب قائلا
    - لقد فكرت جيدا ..واني متأكد تمام التأكيد من ان هذه اللآلىء كانت على ما يرام حتى امس
    - وما الذي يدعوك الى ذلك اليقين يا مسيو دويل ؟
    - لأن لينيت كانت تتأملها بهيام قبل العشاء مباشرة وهي تحدثني عنها وأعتقد انها وهي الخبيرة في اللآلىء كانت حرية ان تكتشف الحقيقة لو ان ما بين يديها كان هو العقد المزيف
    - ربما...ولكن خبرني هل كان من عادة لينيت دويل ان تترك هذه اللآلىء بعيدة عن نظرها طويلا كأن
    تقرضها لصديقة ترتديها في حفل أو ما أشبه ؟
    - الواقع يا مسيو بوارو انه يصعب علي ان أقطع في هذه المسألة بقول فانني كما تعلم لم أعرف
    لينيت إلا منذ مدة قصيرة ولكن يخيل الي ان لينيت كانت سخية بما في يدها غاية السخاء ولهذا يغلب على ظني انها ربما فعلت ذلك
    وعندئذ ازداد صوت بوارو نعومة وهو يسأله
    - ألم تقرض العقد مثلا لصديقة تعرفها مثل الآنسة جاكلين دي بلفور قبل ان تتعرف انت على مدام لينيت ؟
    - ماذا تعني ؟ هل تقصد ان جاكلين سرقت اللآلىء ؟ انها لم تسرقها يا سيدي وأقسم على ذلك فجاكلين مستقيمة كالسيف صريحة وان مجرد تصورها انها تتسلس وتسرقه ينطوي على تناقض سخيف
    - ويحي لقد هيجت بهذه الإشارة عش الزنابير ..لاعليك
    ورنت في اذن بوارو عندئذ كلمة جاكلين ليلة الإلتقاء بها في حديقة فندق كتراكت بأسوان :
    - أنا أحب سيمون وسيمون أيضا يحبني ......
    وفي هذه اللحظة انفتح الباب ودخل الكولونيل ريسي فقال :
    - لم أجد شيئا ..وها هم السقاة قادمون بنتائج تفتيش الركاب فقد قام بذلك كبير السقاة من الرجال وكبيرة الخدم قامت أيضا بتفتيش النساء وتقدم كبير السقاة أولا فقال :
    - لم نجد شيئا يا سيدي
    - ألم يحاول أحد مقاومة التفتيش أو الزوغان ؟
    - لقد حاول ذلك يا سيدي الرجل الإيطالي ...وقد ثار وزمجر واعتبر التفتيش إهانة وكان يحمل مسدسا ضخما من طراز موزر
    وبعد ذلك تقدمت كبيرة الخدم هي امرأة كبيرة الحجم ولكنها وسيمة مهذبة فقالت :
    - لم أجد شيئا يا سيدي مع السيدات وقد أتعبني كثيرا بالإحتجاجات ما عدا السيدة الرثون ولم أجد لللآلىء أثرا ولكن عثرت مع الآنسة روزالي اوثربون على مسدس في حقيبة يدها
    - من أي طراز ؟
    - انه شيء صغير جدا يا سيدي كلعب الأطفال ومقبضة مرصع باللآلىء وعندئذ زمجر الكولونيل ريسي قائلا :
    - فلتختطف الأبالسة هذه القضية اللعينة لقد حسبتها برئت من الريبة وسرني ذلك ولكن أترى كل امرأة في هذه السفينة تحمل مسدسا مرصع القبضة باللآلىء أما بوارو فلم يتأثر لما سمع وسأل كبيرة الخدم بهدوء :
    - هل أظهرت شيئا من الإضطراب عندما اكتشفت المسدس في حقيبتها ؟
    - كلا يا سيدي ...بل اني لا أظنها عرفت انني رأيته فقد كان ظهري الى جهتها وأنا أفتح الحقيبة
    - والخدمة لويز بورجيه ؟ ما خبرها ؟
    - لقد بحثنا عنها يا سيدي في كل مكان فلم نعثر عليها
    وعندئذ تدخل سيمون دويل في المناقشة وسأل :
    - ما هذا ؟..ماذا جرى للويز ؟
    - ان خادمة زوجتك قد اختفت
    فصاح بشيء من الحدة
    - أتقول اختفت ؟
    فقال له الكولونيل ريسي :
    - ربما كانت هي التي سرقت الجواهر ..فالفرصة متاحة لها أكثر من غيرها لصنع ذلك التقليد المتقن ثم للقيام بعملية البدل
    - وهل تظنها عندما وجدت ان التفتيش سيضيق عليها الخناق القت بنفسها في النيل ؟
    - مستحيل ان يحدث هذا طبعا في سفسنة كهذه وفي رائعة النهار لابد انها في مكان ما
    واتجه بعد ذلك الى كبيرة الخادمات فسألها :
    - متى شاهدت لويز بورجيه آخر مرة ؟
    - قبل جرس الغداء بنصف ساعة يا سيدي
    - إذن نلقي نظرة أخرى فاحصة على حجرتها فقد يهدينا ذلك الى شيء
    ومضى الرجلان الى الطابق الأسفل فاذا بالوصيفة التي مهمتها ترتيب شئون سيدتها آية في الفوضى وسؤ النظام فأقبل بوارو على فحص الأدراج في حين انهمك ريسي في فحص الحقيبة
    وكانت احدية لويز مصفوفة امام السرير ويبدو ان زوجا منها اسود لامعا كان مستقرا في وضع غريب بعض الشيء فقد كان البوز الى أسفل والكعب الى أعلى والحذاء غير مستقر في وقفته تلك على شيء ظاهر فلفت ذلك الحذاء البهلواني نظر ريسي فأقفل الحقيبة وانحنى فوق هذه الأحدية
    وعندئذ انطلقت من فمه صيحة دهشة شديدة فاستدار نحوه بوارو وسأله بالفرنسية :
    - ماذا هناك ؟
    فقال ريسي متجهما :
    - انها لم تختف فهي هنا تحت السرير


    - جثة امرأة أخرى-

    وتحت السرير كانت جثة امرأة ميتة عرفت وهي على قيد الحياة باسم لويز بورجيه وانحنى الرجلان فوقها ثم كان ريسي أسبقهما الى النهوض قائلا :
    - لقد ماتت منذ وقت لايزيد على الساعة إلا قليلا فيما اعتقد وسأدعو الآن الدكتور بسنر لفحصها وان كان ظاهرا انها أصيبت بطعنة في القلب فماتت لتوها فهذا وجهها متقلصا يبعث الرعدة في الجسم
    وتناول بوارو يدها اليمنى بلطف فظهر بين أصابعها شيء استخلصه وقدمه الى ريسي فاذا قصاصة
    من الورق الملون عبارة عن جزء من ورقة نقد من ذات الألف فرنك وعندئذ قال ريسي :
    - وضح الآن انها كانت تعرف شيئا عن القاتل وكتمته ثم حاولت ابتزاز المال منه بالتهديد وأظنك يا بوارو تذكر اننا لاحظنا عليها الإلتواء وهي تدلي بأقوالها
    - يا لنا من مغفلين ألا تذكر انها قالت ماذا كان يمكن ان أرى وانا في الطابق السفلي ؟
    أما لو انني صعدت السلم اذن لكان من الجائز ان أرى القاتل داخلا او خارجا من قمرة سيدتي هذا
    ما قالته يا عزيزي بحدافيره وهذا ما حدث فقد جفاها النوم فصعدت الى السطح كي تستنشق الهواء فرأت ...وأعراها الطمع فكتمت ما رأت فانتهى بها الطمع الى هذه العملية
    - ولكن هذا لايهدينا الى القاتل..قاتلها وقاتل سيدتها من قبل
    - بل نحن نعرف الآن الكثير نعرف كل شيء تقريبا يا كولونيل ولكنني لا أكاد أصدق ومع هذا لست أرى مناصا ان يكون الأمر كذلك فالتهديد هو الدافع لها على كتمان الحقيقة
    - ولكن لماذا دفع لها القاتل ما طلبته بالعملة الفرنسية
    - ربما فاجأت للقاتل بالتهديد فاضطر ان يدفع لها كل ما معه من انواع العملة المختلفة ومن بينها العملة الفرنسية
    - ولكن لماذا قتلها بعد ان أعطاها النقود ؟
    - لقد أدرك ان التهديد لن ينتهي وانه سيكون دائما يحت رحمة هذه الشيطانة فانتهز فرصة انشغالها في عد المبلغ للتأكد من مقداره وطعنها الطعنة النجلاء ثم راح يجمع نقوده ولم ينس تلك الورقة التي بقي طرفها بين أصابع القتيل ولاذ بالفرار بعد ذلك
    - إذن سيسهل علينا التعرف عليه عن طريق هذه الورقة المقطوعة
    -
    - لا أظن ذلك يسيرا يا عزيزي الكولونيل ..فمن كان في مثل ذكائه الذي عهدنا حتى الآن يراجع تلك
    الأوراق ويعدم هذا الدليل الذي يقود الى المشنقة
    وسرعان ما حضر الدكتور بسنر مأخوذا بتلك الجريمة الجديدة ففحص الجثة على عجل وأيد ما ذهب اليه الكولونيل ريسي من ان الوفاة حدثت منذ اقل من ساعة فسأله بوارو :
    - هاهو نوع الأداة التي تمت بها الجريمة ؟
    فقال :
    - هذا فعلا شيء غريب ..انها آلة دقيقة حادة رفيعة النصل واظن اني أستطيع ان أريك شيئا من قبيلها
    وخرج الدكتور بسنر فتوجه الى قمرته وأبرز مشرطا طويلا من مشارط الجراحة وقال :
    - بمثل هذه يا سيدي تمت الجريمة لابمدية عادية أو سكسن من سكاكين المائدة أو المطبخ
    - أليست هناك أداوتك الجراحية ناقصة ؟
    - ماذا تريد ان تقول ؟ ..هل تعتقد انني انا انا كارل بسنر المعروف في جميع انحاء النمسا انا بعياداتي والطبقة العريقة النسب من زبائني زمرضاي اقتل وصيفة مسكينة ؟ هذا شيء مضحك وسخيف ثم اعلم انه ليست هناك أية آلة من الآتي الجراحية ناقصة فهي هنا جميعا سليمة كاملة في مواضعها المعهودة وفي مقدورك ان تتحقق من هذا بنفسك ولن انسى ما حييت هذه الإهانة التي لحقت بمهنتي الشريفة.
    ثم أقفل حقيبة الأدوات الجراحية والقى بها بعيدا فوق سطح السفينة واستطرد صائحا :
    - والآن هل تتكرمان باخلاء قمرتي فانني يجب ان انصرف الآن الى عمل الغيار لساق مريضي
    فتسلل الرجلان خارجين وزمجر ريسي بكلام غير مفهوم ثم انصرف أما بوارو فاتجه الى اليسار وطرق سمعه وهو سائر طرف من حديث نسوي وضحكة ناعمة فقد كانت جاكلين مع روزالي في حجرة الأخيرة وكان الباب مفتوحا والفتاتان واقفتان بقربه ..فلما وقع عليهما ظله التفتا نحوه فحيته روزالي بابتسامة حيية فقال لهما :
    - هل تغتابان أحدا ؟
    فقالت روزالي :
    - كلا الواقع اننا نعقد مقارنة بين أقلام أحمر الشفاه
    ولمحت جاكلين ابتسامةه...فلم يخف عليها انها ستار زائف لهم دفين فتركت قلم الروج الذي كان في يدها واتجهت نحوه وتقول :
    - هل حدث شيء ؟...هل جد جديد ؟
    - الأمر كما تقولين فعلا يا آنسة ..فقد جد يد
    وعندئذ خرجت اليه روزالي متسائلة :
    - ماذا جرى ؟
    - جريمة قتل أخرى
    فشهقت روزالي شهقة شديدة وبدا في عينيها شيء يشبه الذعر ولكنه لم يعبأ بذلك وأردف :
    - لقد قتلت وصيفة لينيت دويل
    فصاحت جاكلين :
    - قتلت ؟ أتقول قتلت ..؟ أتعني انها ماتت ؟
    - نعم لقد قتلت ...ويظهر ان هذه الفتاة كانت قد رأت شيئا لم يكن ينبغي لها تراه ولذلك أخرس القاتل لسانها حتى لاتبوح بمعلةماتها الخطيرة
    فسألته جاكلين :
    - ماذا رأت ؟
    - رأت شخصا يدخل قمرة لينيت دويل او يخرج منها في تلك الليلة المشؤومة وقد ماتت للأسف دون ان تدلي باسم من رأت
    وفي هذه اللحظة سمعت فوق ظهر السفينة خطوات ظهرت على أثرها كورنيليا روبسون وقد اتسعت حدقتاها وفاضا رعبا ثم صاحت :
    - أواه جاكلين لقد حدث شيء هائل جريمة أخرى
    فالتفتت نحوها جاكلين ثم سارت معها فسار بوارو وروزالي في الإتجاه المضاد فلما ابتعدا قليلا
    سألته روزالي :
    - لقد لاحظت وانت تتحدث انك كنت تنظر في وجهي بامعان طول الوقت مع ان التي كانت تسألك
    هي جاكلين فلماذا كنت نتظر الي ؟ وماذا كان يدور في ذهنك ؟
    -هذان يا آنسة سؤالان وسوف أجيبك على سؤال واحد منهما ولكن جوابي سيكون سؤالا ثالثا :
    لماذا لاتقولين لي الحقيقة يا آنسة ؟
    - لست أدري ماذا تعني لقد قلت لك كل شيء هذا الصباح
    - كلا ..بل هناك أشياء كتمتها عني فلم تذكري لي مثلا انك تحملين في حقيبة يدك مسدسا صغير الحجم مقبضة مرصع باللؤلؤ ولم تخبرني أيضا من الذي رأيته في تلك الليلة الماضية وانت على ظهر السفينة فما جوابك ؟
    -ليس صحيحا انني أحمل مسدسا
    ثم اندفعت الى قمرتها واحضرت حقيبة يدها فوضعتها بين يديه قائلة :
    - هذه هي حقيبتي فتحقق بنفسك
    ففتح بوارو الحقيبة ولم يجد بداخلها مسدسا فأقفل الحقيبة وأعادها اليها باسما وهو ينظر في عينيها فتناولتها ثم قالت :
    - ها انت ذا ترى يا مسيو بوارو انك لست معصوما من الخطأ على شدة ذكائك وقوة فراستك وكما ان هذه النقطة غير صحيحة فالمسألة الأخرى التي أشرت اليها غير صحيحة مثلها
    - كلا لا أظن ذلك
    فدقت الأرض بقدمها غاضبة وقالت :
    - انك تدفعني الى الجنون فما ان تضع في رأسك فكرة حتى تتمسك بها مهما كانت سخيفة
    - لأنني أريد ان أظفر بالحقيقة
    - وما هي الحقيقة ؟..انك لتتصرف كما لو كنت تعرفها أكثر مني فلماذا تسألني بربك يا مسيو بوارو
    - أتريدني حقا على ان اقول لك ماذا أبصرت في تلك الليلة ؟
    - نعم
    - أعتقد انك حين درت حول مؤخرة السفينة وقفت دون قصد منك لأنك رأيت رجلا يخرج من قمرة في
    منتصف الصف وهي قمرة لينيت دويل كما تبين لك في اليوم التالي وقد رأيته يخرج متسلل ويقفل الباب وراءه ثم يبتعد عن موضعك الى الناحية الأخرى بابا او بابين ثم يدخل قمرة من القمرتين الأخيرتين في الصف فهل أصبت يا آنسة ؟
    فلم تجبه بشيء فأردف قائلا :
    - لعلك تعتقدين انه من الخير لك ان لا تتكلمي ولعلك أيضا تخشين اذا تكلمت ان تقتلي كما قتلت المسكينة لويز بورجيه
    وخيل اليه ان معركة قد نشبت في أعماق نفسها وراء شفتيها المطبقتين ثم انفرجت هاتان الشفتان واختلجتا لحظة ثم قالت
    - لم أبصر أحدا.




    -قتيلة ثالثة-
    انتهت عملية الغيار على ساق سيمون دويل فخرجت الممرضة بويرز من قمرة الدكتور بسنر وهي كميها بيديها ..فتركت جاكلين صحبة كورنيليا وأسرعت اليها تسألها عن حالة سيمون ووصل بوارو في تلك اللحظة ليسمع جواب الممرضة ان الحالة ليست منذرة بالخطر فصرخت جاكلين قائلة :
    - أتعنين انها سيئة ؟
    - الحقيقة اننا سنشعر بارتياح كبير حين نصل الى اسوان ونضعه بين يدي أخصائي يفحصه ثم يسلمه الى جراح العظام وللأسف لن نصل الى أسوان قبل صباح الغد وكنا نتمنى لو وصلنا قبل ذلك ولو اننا نبدل كل ما في وسعنا
    - هل سيموت ؟
    - كلا يا آنسة جاكلين او هذا على الأقل ما نتمناه فالجرح في حد ذاته ليس خطيرا ولكن العقاقير
    هنا غير متوفرة ولايمكن جبر العظام قبل الفحص بالأشعة ...يضاف الى هذا ان الحمى بدأت تنتابه
    للصدمات العصبية التي لاتلائم الجرحى وارتفاع درجة الحرارة علامة غير مستحبة في هذه الأحوال
    وانصرفت الممرضة على الأثر والدموع تفيض من عيني جاكلين حتى أصبحت لاتبصر طريقها الى قمرتها فجعلت تترنح واذا بيد تسند ذراعها فرفعت رأسها لترى بوارو الى جوارها فساعدها على الوصول الى باب قمرتها فارتمت فوق السرير والدموع تزيد انهمارا ثم أخد جسدها كله يهتز اهتزازا عنيفا بزفيرها وشهقتها
    - انه سيموت ...سيموت سيموت وانا التي قتلته بيدي
    فهز بوارو كتفيه وحاول ان يذكرها بأنه لافائدة من التحسر على ما فات وان ما كتب قد كتب ولا داعي للتشاؤم
    - ولكنني أحبه كثيرا كثيرا جدا
    فتنهد بوارو وقال
    - أكثر مما يجب ...ولكن ينبغي ألا تؤخذي بما سمعته من الآنسة بويرز فان ممرضات المستشفيات يملن دائما الى تكديس البلايا على رؤوس الناس وهن دائما متشائمات فممرضة الليل تبدي دهشتها حين ترى المريض لايزال حيا عند بداية نوبتها وممرضة النهار تبدي دهشتها حين تجده
    قد عاش حتى الصباح فأدمغتهن محشوة باحتمالات والنكسات وذلك أشبه بمن يقود سيارة والى جانبه شخص من هؤلاء الأذكياء الفطناء يقول له بين دقيقة وأخرة ( أفرض ان عربة أعترضتك من
    المنعطف الأيمن او أفرض ان سيارة النقل التي أمامك غيرت رأيها وأخدت في الممشى بظهرها فجأة او ان كلبا نهش ذراعك وانت تخرجه من السيارة للإشارة او ان العجلتين الأماميتين انفرجتا وأخيرا أفرض ان الموتور جن جنونه فانفجر او ان صاعقة نزلت من السماء فهذه كلها احتمالات تنجم
    عنها الوفاة ) ولكن الذي يحدث في الغالب ان شيئا من كل هذه الإحتمالات لايقع وان الرحلة تتم
    بسلام . فابتسمت جاكلين كم خلال دموعها وقالت :
    - أتراك تحاول تعزيتي يا مسيو بوارو
    - كلا ولكنني أؤكد لك ان المحنة قد أوشكت على الإنتهاء وانه بمجرد وصول سيمون الى مستشفى اسوان سينال العناية الواجبة ويصبح كل شيء على ما يرام
    - أحقا ؟ هل سيشفى سريعا ؟
    - نعم نعم ...سيكون كل شيء في النهاية على ما يرام وستعيشان كما في الحكايات وتنجبان البنين والبنات أليس كذلك
    فتضرج وجهها وقالت :
    - أؤكد لك يا مسيو بوارو انني لم أقصد أبدا
    فهز رأسه هزة العارف وتركها وقد اطمأن الى هدوء نوبتها ..فلما صار على سطح السفينة ابتدره الكولونيل ريسي وقد كان يتمشى هناك قائلا :
    - أين انت يا بوارو ؟ عندي فكرة يا رجل
    - عجبا ما هي ؟
    - انها كلمة سمعتها عفوا عن برقية فضتها لينيت خطأ وهي تحسبها لها مع انها بعنوان ريتشي
    - هذا صحيح
    - ربما لم يقدنا هذا الخيط الى شيء ولكن من يدري ؟ فلماذا لانذهب الآن ونستوضح سيمون دويل
    عن ملابسات تلك البرقية فقد كان شاهد عيان ؟ هذا اذا أذن لنا صديقنا اللدود الدكتور بسنر
    ولكن اتضح ان الطبيب كان لايزال ساخطا..فحينما طرقا باب قمرته قال عابسا
    - ماذا تريدان الآن ؟ أتريدان رؤية مريضي مرة أخرى ؟ ولكني قلت لكما ان هذا ليس من الحكمة في شيء فهو محموم وقد عانى من الإضطراب اليوم ما فيه الكفاية بسبب موت زوجته أولا ثم موت خادمته ثانيا
    وبعد توسل ووعد بعدم الإطالة غادر الدكتور بسنر القمرة منذرا بالعودة بعد ثلاث دقائق لاتزيد ثانية واحدة فتولى الكولونيل ريسي شرح الموضوع لسيمون فقال على الفور :
    - نعم أذكر ظروف تلك البرقية جيدا فقد حدث ذلك ونحن في وادي حلفا وقد عدنا فورا من مشاهدة
    الشلال الثاني وخيل الى لينيت انها رأت برقية باسمها معلقة على لوحة الرسائل فقد نسيت لقرب عهدها بالزواج ان اسمها قد تغير من ريدجواي الى دويل وبالخط السريع الذي كتب به البرقيات يسهل ان يخلط الإنسان بين ريتشي وريدجواي ففضت البرقية ولكنها لم تفهم منها شيئا ولم
    تميز لها على حد تعبيرها رأسا من ذنب وكانت تبدي لي عجبا وحيرتها حين أقبل من الشاطىء ريتشي فانتزع البرقية من يدها وهو يتميز غضبا فخجلت لينيت وجعلت تعتذر اليه ولكنه كان فظا جدا في رده عليها حتى انها كادت تبكي
    فزفر الكولونيل ريسي زفرة عميقة وقال :
    - وهل تذكر يا مستر دويل شيئا من الكلمات الغريبة التي وردت في تلك البرقية ؟
    - نعم فقد قرأت لينيت جانبا منها علي بصوت عال وقد جاء فيها على ما أذكر
    وتوقف قليلا كأنما يلتفظ أنفاسه واذا بجلبة في الخارج وصوت مرتفع يقترب من الباب وهو يصيح :
    - أين المسيو بوارو والكولونيل ريسي ؟ يجب ان أراهما فورا الأمر غاية في الأهمية لدي معلومات خطيرة هل هما لدى مستر دويل
    ولم يكن الدكتور بسنر قد اغلق الباب فليس ما يحجب القمرة إلا ستارة أزاحتها الآنسة أوثربون
    جانبا ودخلت كالقنبلة وقد احتقن وجهها وتشعت شعرها وتداخلت الكلمات على لسانها :
    - آه يا مستر دويل لقد عرفت من الذي قتل زوجتك
    فصاح سيمون بصوت عال جدا :
    - ماذا تقولين ؟ أتعرفين حقا من قتل زوجتي ؟
    فنظرت السيدة أوثربون الى الرجال الثلاثة نظرة ذات مغزى ثم جلست أمامهم وقالت
    - لعلك يا كولونيل توافقني على ان اليد التي قتلت الخادم لويز بورجيه هي التي قتلت لينيت دويل
    فقال سيمون بلهفة شديدة :
    - نعم نعم هذا بديهي وبعد ؟
    - اذن فكلامي صحيح وانا اذن أعرف من الذي قتل لينيت دويل لأنني رأيت بعيني قاتل لويز بورجيه
    - رأيته بعينيك ؟
    - نعم بعيني هاتين رأيت الشخص الذي قتل لويز بورجيه
    فاذا المريض المحموم يصيح بأعلى صوته :
    - بربك كفى تمهيدات وابدئي القصة من بدايتها لامن خاتمتها
    - اطمئن اطمئن سأحكي لكم الآن ما حدث بالضبط وبالتفصيل. ثم أخدت طويلا وفتحت فمها وقالت :
    - حدث ذلك وأنا هابطة الى قاعة الطعام لتناول الغداء
    والواقع انني كنت زاهدة في الأكل وذلك طبيعي بالنسبة للظروف الدامية التي أحاطت بنا هذا
    النهار ولا أطيل عليكم ..ففيما انا في طريقي تذكرت انني نسيت شيئا في حجرتي فطلبت الى روزالي ان تسبقني الى قاعة الطعام ثم عدت أدراجي الى قمرتي
    وعندئذ لمعت عينا بوارو بضحكة مكتومة لأنه أدرك انها عادت الى القمرة كي تختلس جرعة من الكونياك قبل الغداء. وفي هذه اللحظة أيضا أزيح جانب من ستارة الباب كأن النسيم هو الذي حركها فلم يلتفت أحد من الموجودين في القمرة الى ذلك واستطردت السيدة متلعثمة :
    - والحقيقة انني كنت اتفقت مع بعض خدم الباخرة كي يحضروا الي شيئا لإستعمالي الشخصي
    بدون علم ابنتي فانها حساسة ومثيرة للضجر في بعض الأحيان ولذلك
    وتحركت الستارة مرة أخرى وبرز فيما بينها وبين الجدار قضيب من الفولاذ الأشهب اللامع أما السيدة اوثربون فاستطردت :
    - وكان الإتفاق ان ادور حول مؤخرة السفينة في الطابق الأسفل حيث التقى بالرجل الذي ينتظرني هناك وفيما أنا ساءرة انفتح باب احدى القمرات وأطل منه شخص وكان هذا الشخص هو تلك الفتاة القتيل لويز بورجيه وكان يبدو عليها انها في انتظار حضور أحد فلما سمعت وقع اقدامي حسبتني هو ولما تبينت خطاها ظهرت عليها إمارات الخيبة واختفت داخل قمرتهاعلى الفور ولم أعلق على المسألة أهمية لأنني أولتها التأويل الطبيعي بالنسبة لفتاة مثلها فلما فرغت من مهمتي وعدت شهدت وانا عند المنعطف أحدا يطرق باب الفتاة..
    وقاطعها المولونيل ريسي عندئذ قائلا :
    وكان هذا الشخص..
    ودوت القمرة فجأة بانفجار وامتلأت برائحة الدخان وترنحت السيدة اورثربون ثم خرت على الأرض لاحراك بها وقد أخد الدم يتدفق من ثقب وراء أذنها مباشرة
    وتلت ذلك لحظة صمت رهيبة تسمر فيها كل انسان في موضعه وبعدها قفز ريسي وبوارو واقفين فانحنى ريسي فوقها في حين جري بوارو خارجا ولكنه وجد سطح السفينة خاليا وعلى الأرض
    عثر على مسدس ضخم وحملق فيه بوارو ثم تلفت في السطح الخالي وأسرع الى مؤخرة السفينة فاذا به يطظدم عند المنعطف بالشاب تيم الرتون الذي كان قادما بأقصى سرعة من الناحية الأخرى وصاح تيم وهويلهث :
    - ماهذا بحق الشيطان ؟
    - ألم تقابل أحدا وانت قادم ؟
    - كلا
    - اذن تعال معي
    وجدبه بوارو من ذراعه وعاد ادراجه ليجد جمعا مكونا من الآنسات روزالي وجاكلين وكورنيليا وقد خرجن مدعورات من قمراتهن ومن الناحية الأخرى حيث الصالون أقبل فيرجيسون وفانثورب والسيدة الرتون وقال بوارو لتيم الرتون :
    - هل معك قفاز حتى أمسك به هذا المسدس ؟ فتش في جيبك عن قفاز
    -نعم هاهو
    فتناول بوارو القفاز من يده فلبسه وانحنى فوق المسدس يفحصه ثم فحصه الكولونيل ريسي والجميع من حولهما وكأن على رؤوسهم الطير وقال ريسي بعد ان فرغ من فحصه :
    - ان القاتل لم يهرب الى جهة الصالون فن فنثورب وفيرجيسون كانا في تلك الجهة فكان لابد ان يبصراه في هذه الحالة يا عزيزي بوارو
    - ومستر تيم الرتون كان يراه لو انه جرى الى الجهة المقابلة
    - أظن يا عزيزي بوارو اننا راينا هذا المسدس من قبل ولكن يجب ان نتأكد من ظنوننا أولا
    وطرق ريسي باب قمرة بننجتون فلم يجبه أحد وكانت القمرة خالية فاتجه ريسي نحو الدولاب ففتح ادراجه ولكنه لم يعثر للمسدس على أثر فالتفتت الى بوارو وقال :
    - هذا هو الدليل القاطع والآن أين بننجتون نفسه ؟
    وخرجا الى السطح وكانت السيدة الرتون قد انضمت الى المجموعة فاتجه بوارو نحوها بسرعة وقال لها :
    - سيتي خدي الآنسة اوثربون الى قمرتك واشمليها برعليتك فان والدتها ..قتلت
    وقال ريسي :
    - أين بننجتون بحق الشيطان ؟ ابحثوا عنه ألا توجد بصمات على هذا المسدس يا بوارو ؟
    - كلا مطلقا

    وبعد قليل عثروا على بننجتون في الطابق السفلي جالس في حجرة الجلوس الصغيرة منصرفا الى كتابة خطابات فرفع رأسه الجميل التقاطيع وقال :
    - ماذا من جديد :
    - ألم تسمع الطلقة ؟
    - أما وقد ذكرتني الآن فاعتقد انني سمعت صوتا يشبه ذلك ولكن لم يخطر ببالي مطلقا ان تكون هناك جريمة جديدة ومن القتيل هذه المرة يا مسيو بوارو ؟
    - السيدة اوثربون
    فظهر الذهول على وجه الرجل وقال :
    - السيدة اوثربون ؟ انك تذهلني ..انني لاأتصور هذا مطلقا وفي ظني ان هنك شخصا مجنونا مصابا بداء القتل فوق هذه السفينة يقتل النساء خاصة وبدون أسباب
    - وكم لك من الوقت في هذه الغرفة ؟
    - حوالي عشرين دقيقة
    - ألم تغدرها في تلك الأثناء ؟
    - كلا ولكن لماذا هذا السؤال ؟
    فحدق ريسي في وجهه ثم قال له بصرامة :
    - لأن السيدة اوثربون قتلت بمسدسك
    فكاد بننجتون يصعق وبدا عليه انه لايصدق اذنيه فقال :
    - الحق ان هذه مسألة خطيرة جدا
    - خطيرة جدا بالنسبة لك يا مستر بننجتون
    - بالنسبة لي أنا ؟..لقد كنت جالسا هنا منصرفا الى الكتابة حينما انطلقت تلك الرصاصة الآثمة
    ثم هز رأسه كمن يريد ان ينفض عنه حلما مزعجا وقال :
    - ولكن كيف بالله يمكن ان أصعد الى السطح العوي وأقتل هذه المرأة المسكينة ثم لماذا اقتلها وبعد ذلك أهبط الى هنا دون ان يراني أحد والممرات والأسطح زاخرة بالركاب في هذا الوقت من النهار ؟
    هذا مستحيل
    - وكيف تعلل وقوع الجريمة بمسدسك ؟
    - الواقع ان الذنب في هذا ذنبي واللوم يقع على عاتقي وحدي فقد حدثت مناقشة في أول ليلة من ليالي رحلتنا عن الأسلحة النارية ..واذكر اني صرحت اثناءها امام الجالسين في الصالون بأنني احمل دائما في أسفاري مسدسا
    - ومن كان اولئك الحاضرون ؟
    - لاأستطيع ان احدد بالضبط ..ولكن كان هناك جمع مبير على كل حال فالذنب ذنبي كما ترى
    ثم هز رأسه في حزن ودهشة وقال :
    - أولا لينيت ثم خادمة لينيت والآن السيدة اوثربون الواقع انه لم يكن هناك داع ابدا لتلك الجريمة
    - بل هناك داع يا مستر بننجتون
    - أكان هناك داع حقا ؟
    - نعم قفد رأت السيدة اوثربون في تلك اللحظة على وشك الإفضاء الينا بأنها رأت شخصا معينا يدخل قمرة لويز بورجيه خادمة لينيت وفيما هي تهم بذكر اسم ذلك الشخص اطلقت عليها الرصاصة القاضية
    فتصبب العرق من جبين بننجتون وراح يمسح بمنديله الحريري وهو يتمتم :
    - ان هذا لفظيع
    وعندئذ قال بوارو :
    - يا مسيو بننجتون ..ان لدي رغبة تساورني منذ الصباح في ان أتناقش معك في بعض مسائل
    تتعلق بهذه القضية ولاسيما انك صديق قديم حميم لمدام لينيت دويل فهل تتكرم بالحضور الى قمرتي بعد نصف ساعة ؟
    - بكل سرور...
    ولكن شيئا من السرور لم يكن باديا على وجه بننجتون..فتبادل ريسي وبوارو النظرات وغادرا الحجرة الى سطح السفينة
    ولما وصل بوارو والكولونيل ريسي الى سطح السفينة خرجت السيدة الرتون من قمرتها واتجهت
    الى بوارو قائلة :
    - أليست هناك قمرة مزدوجة أقيم فيها مع الفتاة المسكينة ؟ فانها لا ينبغي ان تعود الى القمرة التي كانت تشارك فيها أمها وقمرتي كما تعلم ليس لها سوى سرير واحد
    - أعتقد ان هذا أمر ممكن ترتيبه يا سيدتي
    - شكرا ..فانني أعطف على هذه الفتاة فضلا عما تفرضه ظروفها علينا من رعايتها والعناية بها
    - وهل لاتزال حزينة متأثرة ؟
    - الى أقصى حد اذ يبدو انها كانت شديدة التعلق بأمها ويعتقد تيم ان تلك السيدة كانت تدمن الشراب فهل هذا صحيح ؟
    - نعم للأسف ..
    - اذن ليس لنا ان ندينها ولكن لاشك ان الفتاة قد لقيت في العيش معها متاعب كثيرة
    - نعم هذا صحيح فيما أعلم ..فالفتاة شديدة الإعتزاز بنفسها ولكنها أيضا مخلصة وفية لأمها
    - لاريب ان الوفاء هو الصفة الغالبة على هذه الفتاة وقد أعجبني من هذه الفتاة ان وراء ظاهرها المتحفظ باطنا يزخر بالطيبة والحنان والعطف
    - أمد الله يا سيدتي على انني وضعت هذه المسكينة بين أيد أمينة
    - لك أن تطمئن فاني معنية بها ..وهي تتعلق بي تعلقا شديدا يبعثني على مزيد العناية بها
    وعادت السيدة الرتون بعد ذلك الى قمرتها فواصل بوارو السير الى المسرح الفاجعة فاذا بكورنيليا لاتزال واقفة مع جاكلين على سطح السفينة وقد اتسعت حدقتاها فبادرته قائلة :
    - لاأزال عاجزة يا مسيو بوارو عن فهم هذه المسألة اذ كيف تسنى للشخص الذي أطلق عليها
    الرصاص ان يهرب دون ان نراه ؟
    وقالت جاكلين :
    - نعم كيف حدث ذلك ؟
    - هناك ثلاثة اتجاهات يمكن ان يكون القاتل قد سلك احدها فليس الأمر غريبا كما تتوهمان
    فظهرت الدهشة والحيرة على جاكلين وقالت :
    - ثلاثة اتجاهات ؟
    أما كورنيليا فقالت :
    - كان امامه ان يتجه الى اليمين أو الى اليسار ولا أرى لهذين الإتجاهين ثالثا
    ولكن جاكلين أجابتها وقد انفرجت أساريرها :
    - فهمت ما قصد اليه مسيو بوارو فهو يعني ان القاتل كان يستطيع القفز من فوق السياج الى السطح السفلي
    - لم يخطر لي ذلك ..ولكن حتى لو كان خاطف الحرطة..فهل ينفسح امامه الوقت للقيام بهذه
    المغمرة دون ان نراه ؟
    وعندئذ قال تيم الرتون :
    - نعم فهناك دائما دقيقة على الأقل من الشلل تنتاب الناس بعد سماع طلقة نارية
    - هل هذا ما شعرت به شخصيا ؟
    - نعم فقد وقفت كالثمثال برهة قبل ان أتحرك لأرى ما حدث وفي هذه اللحظة خرج ريسي من قمرة الدكتور بسنر فقال للواقفين :
    - أرجو منكم التفرق فاننا نريد ان نخرج الجثة وتفرق الواقفون اما بوارو فمضى معهم فقالت كورنيليا له :
    - لن أنسى ما حييت هذه الرحلة ثلاث قتلى لكأني أعيش في كابوس مزعج لاخلاص منه
    وسمعها فيرجيسون فقال لها بلهجة هجومية
    - ذلك انك مفرطة في التحضر وكان ينبغي ان تنظري الى الموت كما ينظر اليه أهل الشرق فالموت حادث عادي لايكاد يستلفت النظر
    - انك تنفر الناس منك بالهذيان بعيوب الحضارة ..ثم ان الموت شيء كريه وموت كل جميل على
    الخصوص كارثة وخسارة للبشرية
    - انك امرأة صعبة المراس والآن اسمعي يا كورنيليا روبسون انك الأنثى الوحيدة التي حازت اعجابي فهل تتزوجيني ؟
    - أنت أحمق
    - هذه خطبة حقيقية ولو انها تتم بالطريق التقليدي ولكن لدينا شاهد هو المسيو بوارو فاشهد
    يا مسيو بوارو انني طلبت يد هذه الأنثى رسميا على الرغم من جميع مبادئي الخاصة لأني لا
    أومن بالإتصال الشرعي بين الجنسين ولكنني لاأعتقد ان هذه الأنثى يمكن ان ترضى باتصال عن غير الطريق الشرعي ولهذا قبلت الوضع الذي تحتمه الظروف والآن يا كورنيليا قولي قبلت
    - اني أعتقد انك مخبول
    - اماذا بالله لاتريدين ان تتزوجيني ؟
    - لأنك لست جادا
    - أتعنين لست جادا في طاب يدك او انني لست جادا في طباعي وأخلاقي ؟
    - أعني الإثنين ولكني أعني على الخصوص طبعك وخلقك فأنت تسخر من كل ما هو جدي في
    الحياة من التربية الى الثقافة الى الموت فانت انسان لايعتمد عليه
    واحمر وجهها ثم أسرعت لائذة بقمرتها فجعل فيرجيسون يتتبعها بنظراته ثم قال :
    - عليها اللعنة فاني أحسبها تريدني فعلا على ان أكون رجلا يعتمد عليه هذا فعلا شيء مزعج وما رأيك انت يا مسو بوارو في هذه الفتاة ؟
    - انها فتاة على جانب عظيم من متانة الخلق
    - أصبت فهي ذكية ويبدو على ظاهرها الوداعة والليونة ولكنها ليست رخوة فان شخصيتها صلبة لاتعرف اللين واني أريدها بأي ثمن ..ولذلك لست أرى غضاضة في التفاهم مع خاتها العجوز فان
    شويلر فان هذا هو الطريق السليم
    - أتطمع ان تكسب ود الآنسة العنس فان شويلر حقا ؟
    - أوه كلا انا لم افكر في كسب ودها فذلك جهد لافائدة منه ....وإنما طمعت ان أثيرها ضدي فذلك
    خليق ان يرقق قلب الفتاة علي.

    دار فرجيسون على عقبيه وانطلق نحو الصالون المراقبة حيث كانت فان شويلر جالسة في ركنا المألوف وكانت حصتها من العجرفة في هذا اليوم أكبر قليلا من المعتاد وكانت تحيك الصوف بابرتين
    حينما اتجه فيرجيسون نحوها وفي أعقابه هركيول بوارو الذي احتل مكانا متواريا على بعد منها وتظاهر بالإستغراق في قراءة مجلة مصورة وبدأ بين الطرفين الحوار التالي :
    - طاب صباحك يا آنسة فان شويلر
    فرفعت فان شويلر عينيها عن الصوف لحظة واحدة لم تزدها ثم تحولت ببصرها الى ابرتها مرة أخرى وتمتمت بفتور
    - طاب صباحك
    - اسمعي اني أريد ان اتحدث اليك في أمر على جانب عظيم من الأهمية فالمسألة بالضبط انني
    راغب في الزواج من ابنة اختك
    فانتفضت كرة الصوف التي في حجر فان شويلر وانطلقت تقفز كالمجنونة الى آخر الصالون اما فان
    شويلر نفسها فقالت بلهجة تقطر سما ناقعا :
    - لابد انك فقدت صوابك ايها الشاب
    - كلا على الإطلاق فأنا مصمم على الزواج منها وقد طلبت يدها شخصيا منذ برهة وجيزة
    فقالت ببرود :
    - أحقا ؟ وأخالها صرفتك الى حال سبيلك ؟
    - لقد رفضتني ..ولكني لن انصرف عن طلب يدها ولا ابرح عنها حتى تقبل
    - أؤكد لك انني سأتخد الإجراءات اللازمة لوقاية ابنة أختي الشابة من مثل هذا التهجم
    - وماذا يحنقك علي ؟ ماذا لديك ضدي ؟
    فرفعت فان شويلر حاجبيها وجذبت الخيط جذبة قوية تريد ان تسترجع بها الكرة ولم تنبس بكلمة فاستطرد :
    - هيا خبريني ما الذي يحنقك ضدي ؟
    - أظن ان المسألة غاية في الوضوح يا ..فأنا لاأعرف اسمك
    - فيرجيسون..
    فقالت فان شويلر بكل استياء وتأفف :
    - آه يا مستر فيرجيسون ان الموضوع الذي تشير اليه خارج عن نطاق البحث ولايمكن ان يكون موضع نظر
    - أتعنين انني لست كفؤا لها ؟
    - كنت أعتقد ان المسألة غاية في الوضوح حتى بالنسبة لك
    - ولماذا ترين اني لست كفؤا لها ؟ ان لي ساقين وذراعين وصحة من فولاذ وذهنا مرتبا قادرا على التفكير فما عيب هذه المؤهلات ؟
    - هناك شيء اسمه المركز الإجتماعي يا مستر فيرجيسون
    - المركز الإجتماعي خرافة قديمة متعفنة
    وفي هذه اللحظة فتح الباب ودخلت كورنيليا فوقفت كالمصعوقة عندما وجدت خالتها المرهوبة الجانب تتحدث مع خاطبها المتهجم اما فيرجيسون فالتفت نحوها وضحك ملىء شدقيه ثم ناداها :
    - اقبلي يا كورنيليا وابشري...فاني اطلب يدك للزواج كما ترين على اعتق الطرق التقليدية
    فقالت فان شويلر وبصوت رهيب حقا :
    - كورنيليا هل شجعت هذا الشاب ؟
    - انا..كلا...بالطبع لا...على الأقل...ليس بالضبط.
    - ماذا تعنين ؟
    فأسرع فيرجيسون يقول كي يخرجها من المأزق :
    - انها لم تشجعني على الإطلاق وكل ما هنالك انها لم تقف في وجهي وان لها قلبا رقيقا حقا وخالتك يا كورنيليا تقول اني أدنى منك اجتماعيا بكثير فهل هذا رأيك ؟
    فقالت فان شويلر
    - هذا فيما أظن بديهي جدا لدى كورنيليا
    فاحمر وجه كورنيليا وقالت :
    - كلا يا مستر فيرجيسون ليس هذا رأيي فلو انني احببتك لتزوجتك بلا نظر الى أي اعتبار
    - ولكنك لا تحبينني ؟
    - اني اعتقد انك مزعج ومثير للسخط فان آراءك وأفكارك من أفظع وأقبح وأشأم ما سمعت وان لك
    لزهوا لايعدله زهو في تبجج سخيف وطفرت الدموع الى عينيها فاندفعت خارجة اما فيرجيسون فقال لآنسة فان شويلر وهو يضطجع في مقعده وينظر الى سقف الغرفة ويصفر :
    - هذه على العموم بداية لا بأس بها وسأستمر في مناداتك بخالتي العزيزة
    فأخدت فرائص فان شويلر ترتعد غضبا وصاحت :
    - اخرج من هنا على الفور و إلا ناديت الخادم
    - لقد دفعت ثمن تدكرتي ولاتستطيعون اخراجي من قاعة عامة ومع ذلك فاني سأطيب خاطرك يا خالتي العزيزة
    ووقف ثم راح ينبخر خارجا وهو يصفر وظلت فان شويلر بعد ذلك ترتعد وتحاول الوقوف كي تحضر كرة الصوف ولكنها لم تستطع لفرط اضطرابها فخرج بوارو من عزلته واسرع اليها بالكرة فقالت له
    - شكرا لك يا مسيو بوارو و أرجو ان تتكرم بارسال الآنسة بويرز فاني أشعر باضطراب مما سببه لي هذا الشاب الوقح
    - انه ملحوس قليلا فيما اعتقد ومعظم اعضاء هذه الأسرة على شاكلته انه التدليل المفسد للطباع والتربية وأظنك عرفت شخصيته
    - عرفت شخصيته ؟
    - انه يسمي نفسه فيرجيسون لأنه لا يريد استخدام وحمل لقبه العتيد رعاية لمبادئه المتطرفة
    فوضعت فان شويلر يديها بالصوف في حجرتها وحملقت في وجهه قائلة :
    - لقبه العتيد ؟
    - طبعا انه اللورد داوليش الشاب وقد ورث ملايين الجنيهات ولكنه اعتنق الشيوعية في أكسفورد
    واذا بصفحة وجه فان شويلر تتحول الى حلبة معركة تصطرع فيها شتى الإنفعالات المتعارضة فلما استجمعت انفاسها وبلعت ريقها قالت :
    - ومنذ متى تعرف هذه الحقيقة يا مسيو بوارو ؟
    - لقد رأيت له صورة في بعض الصحف وفطنت الى الشبه ثم عصرت اثناء تفتيش قمرته على خاتم له منقوش على فصه شعار أسرته والمسألة لا تحتمل الشك
    - انا مدينة لك بالشكر على هذه المعلومات الثمينة
    ثم واتتها عندئذ القوة فنهضت خارجة وقد طفح وجهها المتعجرف بالبشر واشرق بنور السعادة
    وهز مسيو بوارو رأسه مرارا ثم استغرق في التفكير
    وبعد حين دخل عليه ريسي فوجده ما يزال جالسا في موضعه فقال له :
    - والآن يا بوارو لم تبق إلا عشر دقائق ويحضر بننجتون لمقابلتك كما طلبت اليه وسأتركه لك
    فنهض بوارو واقفا وقال :
    - ولكن أرجو ان تحضر أولا فانثورب الى قمرتي
    واسرع ريسي ليبحث عن فانثورب بعد دقيقة او دقيقتين فأشار بوارو الى مقعد احتله الشاب وقدم اليه سيجارة وقال :
    - والآن يا مسيو فانثورب لندخل في الموضوع لقد لاحظت انك تلبس رباط عنق من النوع الذي لا يلبسه في بريطانيا كل انسان بل السادة المهذبون ذوو المكانة والتربية الحسنة وهناك فيما أعلم تقاليدبين تلك الأوساط تقضي بفعل أشياء والإمتناع عن أشياء أخرى ومن يلبسون هذا النوع من
    أربطة الرقبة لايمكن ان يقحم الواحد منهم نفسه في حديث خاص مع أشخاص لم يعرفهم وبغير سؤال يوجه اليه
    فدهش فانثورب واردف بوارو
    لا..ولكنني منذ ايام رأيتك بنفسي تقدم على هذه الهفوة وقد كان جماعة من الركاب جالسين في الصالون يتحدثون حديثا خاصا جدا في مسائلهم المالية واذا بك تتسلل حتى تقف بالقرب منهم بقصد استراق السمع ثم اذا بك تتجاوز ذلك الى توجيه اطراء صريح الى سيدة هي مدام لينيت دويل لما تتمتع به من فطنة في ادارة الأعمال
    فامتقع وجه فانثورب ثم احتقن ولكن بوارو لم يأبه له بل استطرد
    - والآن يا مسيو فانثورب لم يكن هذا التصرف مما يتفق مع ربطة العنق التي يرتديها صديقي السير هاستنغز لأنه رجل مهذب لبق رقيق يموت وجلا وخزيا ولا يقدم على مثل هذا التصرف الذي اقدمت
    عليه هذه واحدة..وواحدة أخرى انك شاب حديث العهد بالمحاماة فلم تؤسس لنفسك فيها مركزا يسمح لك بقضاء مثل هذه الإجازة الباهضة التكاليف ..ومتى ؟ في ابان الموسم القضائي في فصل الشتاء
    يضاف الى ذلك انك ملحق بمكتب محاماة في الريف فلا يحتمل ان تكون اتعبك او مرتبك كافيا لهذه المظهر ولايبدو عليك اثر مرض حديث العهد حتى نقول انك اتيت الى هنا للنقاهة عملا بمشورة الأطباء وقد تساءلت وها أنذا أسألك لماذا ولأي غرض قمت بهذه الرحلة النيلية الى وادي حلفا ؟
    فطرح جيم فانثورب رأسه الى الوراء في تحد وقال :
    - اني أرفض امدادك بأي معلومات يا مسيو بوارو وأعتقد انك لابد في الواقع ان تكون مجنونا
    - انني لست مجنونا بل اني عاقل جدا والآن أساعدك قليلا على توضيح موقفك فأقول اين يقع المكتب الذي تنتسب اليه ؟ انه يقع في نورثامبتون وهو مكان غير بعيد من قصر وودهول وماهو موضوع الحديث الذي اجتهدت في استراق السمع اليه ؟ انه وثائق تمليك وما الى ذلك وما هي
    الملاحظة التي أطريتها ؟ ولايفوتني ان أقول انك كنت مرتبكا جدا وانت تفعل ذلك لشعورك بالحرج
    انها ملاحظة من شأنها منع لينيت دويل من توقيع أي وثيقة بدون قراءة وفوق هذه السفينة وقعت جرمة قتل تلتها جرمتان في سرعة فائقة فاذا أضيف الى ذلك ان السلاح الذي قتلت به مدام اوثربون
    هو المسدس الخاص بالمسيو بننجتون فلعلك ترى من واجبك الآن ان تطلعني على مالديك من معلومات مساعدة للعدالة
    - الواقع ان لك طريقة غريبة يا مسيو بوارو في تناول الأمور واني مقدر لدقة المسائل التي اشرت اليها ولكن ليس لدي مزيد من المعلومات الأكيدة أضيفه الى مالديك
    - اتعني ان مالديك محض ظنون وشبهات ؟
    - ذلك ما أعنيه فعلا
    - ولهذا تعتقد انه من غير المناسب ان تفصح عنها ؟ ان ذلك قد يكون صحيحا في ساحات المحاكم يا سيدي المحامي اما هنا ونحن نقوم للكشف عن سر الجريمة فكل شعاع من الضوء ولو صغير يجب ان ينال حظه من التقدير حتى نصل الى اليقين
    - أظنك على صواب ..فما الذي تريد معرفته يا مسيو بوارو ؟
    - ما الدافع لك بالقيام بهذه الرحلة ؟
    - ان خالي مستر كار مايكل هو المحامي الإنجليزي الذي يتولى قضايا لينيت دويل في بريطانيا وهو الذي ارسلني في هذه الرحلة لأنه لاحظ في هذه المدة الأخيرة اشياء بعثته على الإرتياب في الوصي الأمريكي المستر بننجتون فلما تزوجت لينيت من المستر سيمون دويل فجأة وبدأت على الفور رحلة شهر العسل في طريقها الى مصر اطمأن خالي الى انه بمجرد عودتها الى انجلترا ستستلم اموالها من يد أوصياءها وفي ذلك قضاء على ما كان يساوره من شكوك ولكنه تسلم خطابا من لينيت دويل بعثته اليه من القاهرة وردت فيه عرضا اشرة الى انها التقت مصادفة هناك
    بوصيها الأمريكي مستر بننجتون فثارت شكوك خالي من جديد ورسخ في ذهنه ان بننجتون ربما أقدم على هذه الرحلة المريبة مدفوعا باليأس الذي أوقعه فيه زواج السيدة المفاجىء وخشي بل
    ايقن ان تلاعبه وسوء ادارته للتركة سينكشف ومن شأن اليائس ان يقدم على عمل جنوني فلا يتورع عن شيء واحب خالي ان يتبين الحقيقة ولم يشأ ان يرسل في هذه الرحلة شخصا تعرفه السيدة فوجد من الأصوب ان يرسلني في هذه الرحلة انا بالطائرة واعطاني تعليمات مشددة بوجوب الحذر والحيطة وعمل كل ما في الوسع للحيلولة بين بننجوتن والحصول على توقعات من لينيت دويل على وثائق بغير فحص كاف هذا كان سبب حضوري وهو ايضا سبب هذا المسلك الذي اشرت اليه والواقع اني اضطررت الى ذلك وانا في اشد حالات الإرتباك والحرج ولكني غير نادم لأنني ظفرت بالثمرة التي كنت ارجوها
    - أتعني انك وفقت الى تحذير لينيت ؟
    ليس هذا بالضبط فلم تكن في الواقع بحاجة الى مزيد من التحذير او الحيطة ولكني بملاحظتي نبهت بننجتون الى ان هناك من يقف له بالمرصاد وبذلك غير خطته وعدل عن الحصول على توقيعاتها وكنت اعتزم في الواقع القيام بتحذير واضح ولكن تبين لي ان بننجتون له منزلة خاصة تشبه الأبوة لدى لينيت دويل فقام بذهني ان اتصل لهذا الغرض بسيمون دويل لأنه أسهل تناولا من زوجته
    - والآن هل لك ان تجيبني عن سؤال شخصي بحسب رأيك وتقديرك ؟ إذا أراد نصاب ان يفوت شيئا على آل دويل فمن الذي يختاره فريسة سهلة ؟ أهو مستر سيمون دويل ؟ أم زوجته ؟
    - مستر دويل طبعا فقد كانت لينيت دويل حصيفة حريصة اما زوجها فهو ساذج يجهل أصول ادارة
    الأعمال ولايمتنع عن التوقيع حيث يطلب منه دون مناقشة او تمحيص
    - هذا رأي صائب ..وذلك فيما أظن دافع حسن للقتل
    - ربما ولكن ليس لديك دليل
    بل يمكننا الحصول على دليل
    ممن ؟ وكيف ؟
    - من بننجتون نفسه
    - اني أشك في هذا كثيرا
    - اننا ننتظر قدومه الآن على كل حال يا مستر فانثورب
    فأدرك فانثورب مغزى الإشارة واستأذن منصرفا وبعد دقيقتين ظهر مستر اندرو بننجتون والإبتسامة تملأ صفحة وجهه ولكنها كانت ابتسامة متكلفة وبعد ان حيا جلس ثم تطلع الى بوارو والكولونيل ريسي متسائلا فقال بوارو :
    - لقد طلبنا اليك الحضور يا مستر بننجتون لأنه من الواضح ان لك مصلحة كبيرة في هذه القضية
    فانت تعرف لينيت دويل فيما أعتقد منذ الطفولة
    الحقيقة اني عرفتها كما قلت من قبل منذ نعومة أظافرها
    - وهل كنت صديقا حميما لوالدها ؟
    بلا ريب كنا على اتصال وثيق وصداقة متينة
    - الى درجة انك عينت في وصيته وصيا على لبنته وعلى ثروتها الطائلة ؟
    - هذه كله صحيح اجمالا ولكني لم اكن الوصي الوحيد طبعا بل كان معي في تلك المهمة شركاء
    - ماتوا جميعا بعد ذلك وبقيت انت وحدك
    - مات اثنان منهم وبقي على قيد الحياة المستر روكفورد
    - شريكك في المكتب وفي التجارة ؟
    -نعم
    - واعتقد ايضا ان الآنسة لينيت ريدجواي قد بلغت سن الرشد حين تزوجت فجأة ؟
    - انها لم تكن تبلغ بعد الحادية والعشرين إلا في يوليو المقبل
    - ولو سارت الأمور على ماهي عليه..لما حق لها ان تتسلم ثروتها قبل ذلك التاريخ ؟
    - نعم
    - ولكن زواجهما المفاجىء غير مجرى الأمور وقلب الأوضاع
    - بربكما ماهذا الذي تهدفان اليه من كل هذه الأسئلة ؟
    - انك رجل ذكي يا مستر بننجتون فهناك فهناك مسألة الدافع الى الجريمة ولايمكن اغفال الإعتبارات المالية عند معالجتها
    - ان وصية ريدجواي تنص على ان تتسلم لينيت ثروتها عند بلوغها الحادية والعشرين او بمجرد زواجها اذا تزوجت قبل ذلك التاريخ بلا قيد ولاشرط
    - وثروتها تقدر بملايين فيما اعتقد ؟
    - نعم تقدر بالملايين
    واعتقد يا بننجتون ان مسؤولياتك انت وشريكك كانت ثقيلة جدا في هذه السنوات
    - نحن متعودان على المسؤولية في عملنا فلا يركبنا بسببها القلق
    - اني لأعجب مما تقول
    - ماذا تعني بحق الشيطان
    - ان عجبي راجع الى تقديري ان ذلك الزواج المفاجىء لابد قد احدث ارتباكا في خطط مكتبك
    - ان اعمال المكتب على أكمل وجه
    - ألم يتملكك الإنزعاج عندما وصلت اليك انباء زواج لينيت ريدجواي حتى انك أقلعت بأول باخرة الى مصر حيث تصنعت الإلتقاء بها على وجه المصادفة
    - ان ما تقوله لهو الهذيان بعينه يا مسيو بوارو فانني لم اكن أعلم بزواج لينيت قبل وصولي الى القاهرة ولذلك ذهشت دهشة تامة ولابد ان خطاب لينيت وصل الى نيويورك بعد سفري وقد حول الي فتسلمته بعد اسبوع في القاهرة
    - تقول انك حضرت على ظهر الباخرة كارمانك ؟
    هذا صحيح
    - وان الخطاب وصلك الى نيويورك بعد اقلاعها منها ؟
    - لقد كررت هذا مرارا من قبل
    - ان هذا لمن أعجب العجب فان حقائبك لاتحمل أي بطاقة من بطاقات كارمانك بل بطاقات الباخرة
    نورماندي التي ابحرت من نيويورك بعد ابحار كارمانك بيومين
    فظهرت الحيرة على وجه بننجتون وبدأ يترنح...فاستطرد بوارو قائلا :
    لاجدوى من الإنكار انت اذن قد تسلمت خطاب لينيت ريدجواي في نيويورك
    - يبدو انه ليس أمامي الآن إلا التسليم فقد غلبني ذكاؤكما على أمري ولكن الواقع انه كانت لدي دوافع كافية لسلوك هذا المسلك ايها السادة
    - ونحن على أشد ما يكون من اللهفة لمعرفة هذه الدوافع
    - يسوؤني في الواقع ان أقول انني لاحظت في المدة الأخيرة شيئا من الإضطراب المريب في أعمال
    لينيت التي يتولاها محاميها في انجلترا و عللت النفس بقرب بلوغها سن الرشد ولكنني بذلك الزواج المباغث من رجل انجليزي مجهول فعولت على اكتشاف الحقيقة بنفسي بغير ازعاج للينيت
    ولم أجد من اللائق ان اقحم عجوزا مثلي على شهر العسل لشابين لأسباب مالية بعيدة كل البعد عن ذلك الجو العاطفي ولم يهدني تفكيري الى خير من هذه الطريقة في اصطناع الصدفة فدوافعي
    نزيهة بعكس ما ذهبتما اليه
    - الحقيقة يا مسيو بننجتون اننا لانصدق حرفا واحدا من كلامك
    - تصدقان او لاتصدقان سيان
    - اننا نعتقد ان زواج لينيت المفاجىء أطاش صوابك لأضطراب ادارتك المالية لتركتها فقررت الحضور على عجل للبحث عن مخرج لك بأي شكل وفكرت في الحصول على توقيعها على وثائق اعددتها
    لهذا الغرض معتمدا على ان انشغالها بشهر العسل سوف يمنعها من التدقيق في الإطلاع على الوثائق قبل التوقيع فلما خاب أملك افتعلت سقوط الصخرة ونحن على الشاطىء امام معبد أبي سنبل كي تسحقها ولكنها نجت بأعجوبة
    - انت مخبول
    - وقد سمحت لك ظروف أخرى بالقضاء على لينيت دويل في أثناء العودة من وادي حلفا بحيث تلقى الشبهة على شخص آخر وقد ثبت لنا يقينا ان مسدسك هو الذي انطلقت منه الرصاصة التي قتلت السيدة اوثربون وهي على وشك الإفضاء باسم قاتل لينيت ثم لويز
    وعندئذ ثارت ثائرة بننجتون وصاح :
    - ما هذا الهذيان ؟ وأي سبب يدعوني لقتل لينيت ؟ انني لاأطمع في ان أرثها حتى أقتلها بل يرثها
    زوجها فلماذا لا تأخدان بخناقه ؟
    - ان سيمون دويل لم يغادر الصالون طول السهرة التي قتلت خلالها زوجته ثم بعد ذلك رقد سائر
    الليل مكسور الساق محقونا بالمورفين في قمرة الدكتور بسنر ولهذه الإعتبارات جميعا يستحيل
    ان يكون هو قاتل زوجته
    وانت اذا استخدمت ذكاؤك وكنت في مكاني يا مستر بننجتون وجدت ان الزوج الوارث الطيب القلب الذي يوقع الأوراق دون تمحيص أسلس قيادا من الزوجة الذكية الحصيفة ...فمن من مصلحة الوصي
    المتلاعب المختلس المبدد ان تموت الزوجة ويرث الزوج مالها ليوقع الأوراق التي ما كانت لتوقعها هي وبذلك يحصل الوصي على تسوية لحساباته تنقذه من السجن والإفلاس وان كانت نتيجها خسارة قد تصل الى مئات الألوف تتحملها تركة ريدجواي ويضاف الى ذلك ان سيمون دويل يجهل كل شيء عن اعمال زوجته المتشعبة زممتلكاتها فهو خليق ان يطلق يدك في ادارة التركة كما كنت
    وعندئذ هز بننجتون كتفيه ثم قال :
    - اقسم انني تعثرت فاذا الحجر يسقط بالمصادفة وليس هناك أي اثبات ضدي
    - ربما..
    فنهض وقد عاوده شيء من التجلد ثم خرج.



    -طرف الخيط-
    ما ان انصرف بننجتون حتى تطلع الكولونيل ريسي الى وجه بوارو وقال له :
    - ألديك فكرة عما يجب ان نعمله بعد ذلك ؟
    - نعم ..فلدينا أولا ما حدث في حديقة اسوان ثم شهادة تيم الرتون ثم زجاجتا طلاء الأظافر ثم زجاجة النبيذي انا ثم الشال القطيفة ثم المنديل الرخيص الذي به أثر الطلاء الأحمر ثم المسدس الذي ترك في مكان الجريمة ثم وفاة مدام اوثربون
    - وبناء عليه ؟
    - بناء عليه لم يقترف بننجتون أي جريمة يا ريسي
    - ماذا تقول ؟
    - أقول ان بننجتون لم يقترف الجريمة أجل كان لديه دافع قوي وكانت لديه رغبة قوية وصلت به الى حد المحاولة امام معبد ابي سنبل ولكن الى هنا وينتهي دوره فان اقتراف هذه الجريمة كان يلزم له شيءلايتوافر لدى بننجتون
    - وما هو ؟
    - تحتاج هذه الجريمة الى جسارة ووقت وسرعة ودقة في التنفيذ وحيطة وشجاعة وعدم مبالاة بالخطر واحكام للخطة وصاحبنا بننجتون ليست لديه هذه الصفات فاذا قدرنا ان الجريمة لم تكن مأمونة العاقبة بل محفوفة بالمخاطر مهددة بالإفتضاح في أي لحظة ولأي سبب خارج عن ارادة مرتكبها عرفنا مبلغ حاجة مدبر الجريمة لإتصافه بالشجاعة وليس بننجتون بالرجل الشجاع المقدام
    - يخيل الي يا بوارو ان القضية كلها أصبحت واضحة مرتبة في ذهنك اليس كذلك ؟
    - أظن ذلك فيما عدا بعض ثغرات
    - ماهي ؟
    - أعني تلك البرقية التي قرأتها لينيت دويل
    - أي والله لقد نسينا ان نسأل سيمون بل انه كان على وشك ان يخبرنا بمضمونها حينما اقتحمت علينا الغرفة السيدة اوثربون المسكينة فيجب ان نعيد سؤاله
    - ولكن يجب اولا ان أتحدث الى تيم الرتون فورا
    وماهي إلا لحظات حتى كان الكولونيل قد عثر على تيم الرتون وجاء به فقال له بوارو :
    - ان كل ما أريده منك الآن ان تصغي الي ما أقول
    - اذن فقد وجدت من تريد فاني أحسن خلق الله إصغاء
    - عظيم والآن لنبدأ ...حينما التقيت بك وبوالدتك في اسوان راقتني صحبتكما كثيرا لأنني أولا وجدت
    في والدتك شخصية من ألطف الشخصيات التي التقيت بها في حياتي ولكن كان هناك سبب آخر لمداومة الجلوس اليكما هو ان اشارتك الى احدى السيدات في تلك المقابلة الأولى قد أثار اهتمامي وأعني بها الآنسة جوانا ساوثورد ولعلك تتساءل لماذا أهتم بها ؟ الحقيقة هي انني في السنوات الثلاث الأخيرة عرفت ان حوادث سرقة الجواهر الثمينة في مجتمعات لندن وقامت ادارة
    سكوتلانديار وقعدت واتضح ان هذه السرقات تقوم بها عصابة وبوسيلة لاتتغير قوامها إبدال الجواهر الثمينة بشبيهة بها متقنة التقليد وتدل جميع الظروف على ان من يقومون بهذه العمليات أشخاص
    ممن يحتلون مراكز إجتماعية طيبة ثم اتجهت ظنون صديقي كبير المفتشين الجنائيين الى الأنسة جوانا ساوثوورد فقد كان جميع ضحايا هذه السرقات إما من أصدقائها أو معارفها.
    واتضح في جميع الأحوال ان الآنسة اما ان تكون قد تناولت الجواهر المسروقة قبل ذلك بيدها لمشاهدتها أو تكون قد استعارتها بعض الوقت وتبين أيضا ان مستوى معيشتها ونفقاتها يتجاوز
    طاقة دخلها الخاص بكثير ولكن كان واضحا أيضا ان عملية الإبدال نفسها لاتتم بيدها شخصيا ففي بعض الأحوال يتفق غيابها عن انجلترا في المدة التي لابد ان تكون عملية الإبدال قد تمت فيها وشيئا فشيئا تكزنت صورة تامة لهذه العمليات في ذهن صديقي كبير المفتشين وبمقتضى هذه الصور تكون الآنسة جوانا عضوا في جماعة تعاونية لسرقة الجواهر عن طريق الإبدال فهي التي تتيح للشركاء تقليد الجواهر ذلك التقليد المتقن ..اما عملية الإبدال نفسها فيقوم بها عضو آخر من
    أعضاء العصابة يكون من الثابت المقطوع به انه لم يمسس الجواهر الأصلية ولكن صديقي كبير المفتشين لم تكن لديه أي معلومات محددة لشخصية ذلك الشريك المجهول
    وقد لفت نظري في حديثك سقطات منها الخاتم الذي فقدته تلك السيدة في جزيرة ماجوركان
    وانك كنت حاضرا في الحفلة التي اكتشفت فيها حقيقة جواهر احدى السيدات وكيف انها جواهر مزيفة فاذا أضيف ذلك الى صلتك الوثيقة بالآنسة جوانا رغم نفور والدتك الظاهر منها وانك تضيق
    بصحبتي وكثيرا ما ضغطت على والدتك كي تصدني فقد حاولت ان أستشف ما وراء ذلك واذا بنا
    نعلم بعد مقتل لينيت دويل ان لآلئها الثمينة قد سرقت وحل محلها تقليد متقن لها فاتجه ذهني
    اليك وعلمت انك انت الذي قمت بهذه العملية بعد ان زودتك الآنسة جوانا بالعقد المزيف
    وتريث بوارو برهة وهو يحدق في تيم فاذا بالشاب وقد اكفهر وجهه حتى حاكى وجوه الموتى ولكنه تحامل على نفسه وسأله :
    - ةاذا كان ذلك صحيحا ..فماذا صنعت بالعقد الصحيح ؟
    - لست أجهل ماذا صنعت به هناك مكان واحد تستطيع ان تخفيه فيه وقد هداني تفكيري اليه فهذه الآلىء يا مسيو الرتون مخبأة داخل حبات المسبحة ذات الحبات الخشبية الكبيرة المجوفة المنقوشة المعلقة في قمرتك وقد استعنت بأنبوب السيكوتين الموجود ليك كي تتم تلك العملية وقد حرصت وانا أفتش الحجرة على ان أبحث عن الوسيلة التي أرسلت اليك بواسطتها الآنسة جوانا ساوثوورد العقد المزيف فعثرت بكتاب ضخم وصل اليك بالبريد الأخير من لندن وقد نقبت صفحاته نقبا كبيرا من وسطها فصارت كالصندوق المحكم وقد تأكدت من الحديث معك ومع والدتك ان الكتب تصلك بالبريد دون ان تفتحها الجمارك لأنها تكون مفتوحة من أعلى وأسفل عند الشحن
    وساد الصمت لحظة ثم بلع تيم ريقه وقال بصوت متحشرج :
    - لقد كانت الخطة محكمة وكانت تؤتي ثمارا طيبة باستمرار ولكنك هتكت أستارها أخيرا ولم يبق أمامي إلا ان أتجرع دوائي
    - ولكن هل تدري انك شوهدت تلك الليلة ؟
    - ماذا تقول ؟ من الذي شاهدني ؟
    - شهدك انسان وانت خارج من قمرة لينيت دويل تلك الليلة بعد الساعة الواحدة صباحا
    فقفز تيم مرتعدا وهو يقول :
    - لاأظنك تتهمني بقتلها ؟ أقسم لك لنني لم أقتلها لقد كنت في أشد حالات العذاب منذ علمت بمصرعها وكنت أسب سوء طالعي الذي جعلني أختار تلك الليلة من دون الليالي جميعا لإتمام العملية يا إلهي كم قاسيت
    - أصدقائك ..لكن أريد منك ان تساعدنا ما دامت الحقيقة قد عرفت فهل كانت مدام ديل حية أم ميتة
    حين كنت في قمرتها ؟
    - لست أدري وأقسم بالله أنني لاأدري..فقد تسللت الى موضع الجواهر بغاية الخفة فاختلستها ووضعت العقد الآخر في مكانها وانا أظن طبعا انها نائمة
    - وهل سمعت تنفسها ؟ ..انت طبعا حولت ان تتسمعه فهل سمعته ؟
    فجعل تيم يفكر قليلا ثم قال :
    - كان الصمت سائدا الى أقصى حد كلا لا أدكر انني سمعت تنفسها وانا هناك
    - هل كانت هناك رائحة كرائحة الدخان في جو الحجرة ؟
    - لاأظن..لاأدكر
    - اذن نحن للأسف لم نتقدم في بحثنا
    - ولكن من الذي رآني تلك الليلة خارجا من هناك ؟
    - روزالي اوثربون ..فقد كانت على سطح السفينة من تلك الجهة حين رأتك تخرج من هناك وتتسلل الى قمرتك
    - اذن هي التي وشت بي
    - كلا انها لم تتعرف عليك
    اذن كيف عرفت ؟
    - لأنني هركيول بوارو فلا حاجة بي الى ان يخبرني احد وعندما واجهتها بما عرفت أصرت على الإنكار
    - ولكن لماذا ؟
    - ربما لأنها ظنت ان الذي رأته هو القاتل وهي معذورة في ذلك الظن
    - وهذا سبب ادعى لأن تخبرك عني
    - يظهر ان هذا ليس رأيها في المسألة
    فهز تيم الرتون كتفيه ثم قال :
    - لقد أوقعتني في الفخ وستجد الآلىء حيث دكرت ولكني لاأعترف على الآنسة ساوثوورد بأي شيء وليس لديكم أي دليل ضدها أما كيف حصلت على العقد المزيف فذلك شأني وحدي
    - تصرف سليم كريم ولكن انتظر لحظة حتى أبعث في طلب الآنسة روزالي اوثربون نعم لامناص من هذا
    وبعد لحظة كانت روزالي قد حضرت وقد تورمت عيناها من كثرة البكاء فلما أبصرت تيم الرتون هناك اتسعت حدقتاها بعض الشيء ثم جلست تنقل بصرها بين بوارو وريسي ثم قال بوارو :
    - اضطررنا الى ازعاجك للأسف الشديد كي نستوضح بعض النقط فعندما سألتك هل رأيت أحدا في تلك الليلة أجبت بالنفي ولكنني تمكنت لحسن الحظ من الوصوال الى الحقيقة عن غير طريقتك وقد اعترف المسيو الرتون بأنه كان في قمرة لينيت دويل في تلك الليلة اليس كذلك يا مسيو الرتون؟ وعندئذ صاحت روزالي مأخوذة
    - ولكنك ..لم..
    - نعم لم أقتلها انا لص ولكني لست قاتلا وسيفتضح كل شيء بعد قليل فلا ضير في ان تعرفي انت أيضا لقد كنت أسرق الجواهر هذه هو تخصصي
    وعندئذ قال بوارو :
    - ان رواية مسيو الرتون تقوم على انه تسلل تلك الليلة الى مخدع مدام دويل فأخذ العقد النفيس ووضع مكانه عقدا مزيفا يشبهه كل الشبه وتتفق هذه الرواية مع شهادتك وشهادة الآنسة فان شويلر من حيث التوقيت اتفاقا جزئيا فالإتفاق خاص بوجوده في ذلك الوقت هناك ولكن ليس هناك دليل على غرضه من تلك الزيارة المريبة فمن يدرينا انه لم يقتل مدام دويل في سبيل الحصول على جواهرها وربما فعل ذلك مضطرا لأنها تنبهت لوجوده فهناك فرض لابأس به نظريا خلاصته انه ربما شهد خلسة منظر المشاجرة بين جاكلين دي بلفور وسيمون دويل في الصالون فلما سنحت الفرصة التقط مسدسها من تحت المقعد واقترف به الجريمة
    فشحب وجه تيم وكاد يغشى عليه فأردف بوارو موجها الحديث اليه :
    - ولكن فتاة رأتك فتاة أخرى غير الآنسة اوثربون هي الخادمة لويز وفي الصباح ذهبت اليك وهددتك بالفضيحة اذا لم تدفع اليها مبلغا كبيرا فتظاهرت بالقبول ووعدتها بزيارتها في قمرتها عندما يدق جرس الغداء وذهبت اليها بالمبلغ وفيما هي تحصيه طعنتها في قلبها فقتلتها بيد ان سوء الحظ لازمك فقد رأتك امرأة أخرى وانت خارج من قمرة الخادمة هي السيدة اوثربون
    وتحتم عليك مرة أخرى المبادرة بالعمل قبل ان تبلغ هذه السيدة عنك وكنت قد سمعت من بننجتون انه يحمل معه في جميع أسفاره مسدسا ضخما فأسرعت الى قمرته واستوليت على المسدس ووقفت تتسمع عند باب قمرة الدكتور بسنر وفي اللحظة المناسبة صرعت مدام اوثربون
    برصاصة صائبة
    فصرخت روزالي اوثربون :
    - كلا كلا انه لم يقتلها ليس هو القاتل
    - ثم أقدمت بعد ذلك على المسلك الوحيد الذي كان أمامك ان تسلكه : فقد درت حول مؤخرة السفينة فلما جريت انا في ذلك الإتجاه درت على عقبيك وتصنعت انك قادم من الجهة الأخرى وكنت قد أطلقت المسدس بقفاز كان في جيبك في ذلك الوقت فأخرجته عندما طلبته منك
    - أقسم بالله العظيم انه ليس فيما قلت حرف واحد صحيح
    وعندئذ تفطنت روزالي الى الحقيقة فهدأت روع تيم قائلة :
    - هذا طبعا غير صحيح والمسيو بوارو يعرف هذا ولكنه يقول ذلك الكلام لغرض في نفسه
    - الحق ان الآنسة شديدة الذكاء فأنا أعلم فعلا ان هذا غير صحيح ولكن اليس هذا الفرض معقولا وكفيلا بالإطباق على عنقك يا تيم الرتون ؟ والآن سأقول لك شيئا لم تسمعه من قبل اني لم أفحص مسبحتك حتى الآن وربما اذا تركتك الآن ربع ساعة او نحو ذلك وذهبت لأفحصها لم اجد بداخلها شيئا ولما كانت الآنسة روزالي لاتزال مصممة على انها لم تر احدا تلك الليلة فقد انهدمت جميع الأدلة التي تدينك وسيقال ان الشخص الذي سرق الآلىء سيدة عجوز مصابة بداء السرقة وان الجواهر قد أعيدت بسلام الى هذا الصندوق الذي يروقك ان تأخده معك انت والآنسة كي تفحصا العقد الذي بذاخله معا في الربع الساعة القادمة خارج هذه القاعة
    فوثب تيم الرتون وصاح :
    - شكرا لك لقد منحتني فرصة الحياة
    وبسرعة البرق جذب روزالي من ذراعها وحمل الصندوق الصغير ثم خرجا من القاعة فلما صارا وحدهما قال تيم لروزالي
    - ان الرجل طيب القلب جدا وعندما نعيد هذا الصندوق اليه سيكون بداخله العقد الصحيح بدلا من
    هذا العقد المزيف
    - ولكن لماذا فعلت ذلك
    - الفراغ والسأم
    - ولكنك لن تقدم على ذلك مرة أخرى
    - طبعا ولكن لماذا أبيت ان تذكري انك رأيتني ؟
    - لأنهم قد يظنونك القاتل
    - أولم تظني انني القاتل ؟
    - كلا..ما ظننت لحظة انك تقتل احدا
    - صدقت ..فلست قاتلا ضاربا بل سارق جبانا
    فوضعت يدها فوق فمه وقالت :
    - لاتقل ذلك
    فقبل تلك اليد وقال :
    - أنت تعرفين من انا فأنت وحدك المطلعة على السر فهل تقبلين انت تعرفين ماذا أعني ؟ أم
    تراك ستحتقرينني ؟
    - ولماذا أحتقرك ؟ ان كلا منا يحمل عيوبه فوق جبينه ومن منا لاذنب له ولاصمة ؟ ولكن هذه المذعوة جوانا ؟
    - انك كوالدتي في هذا الأمر فهي تظن ان بيننا شيئا مع ان كل ما بيننا صلة عمل انقطعت منذ الآن
    - لالزوم لأن تعرف والدتك عنك شيئا
    - لست أدري..إذ يخيل الي إنني يجب ان أكاشفها بالحقيقة وهي خير من يحتمل الصدمات بشجاعة وسيسرها انني قطعت علاقتي بجوانا وسيسرها أكثر من ذلك ان تتأكد انها كانت علاقات عمل ليس إلا
    وفي ربع ساعة التالي كانت روزالي قد أفضت الى السيدة الرتون بخطبتها الى تيم فراحت السيدة العجوز تقبلها بسرور لأنها كانت قد تعلقت بها كثيرا أما تيم فكان معتكفا في حجرته منكبا على استخراج حبات العقد النفيس واعادتها الى مكانها من الصندوق.


    -هذا هو القاتل-


    أخذ بوارو يقنع الكولونيل ريسي بعد ان تركهما وحدهما تيم الرتون ورزالي بالإغضاء عن ذلك التساهل الذي تورط فيه مدفوعا بعطفه على روزالي التي أصبحت ولا معين لها في الحياة ولا سند
    وكان يعلم انها تحب ذلك الشاب حبا تكتمه عن جميع الناس
    فقال له ريسي :
    - دعك من هذا..انني أعتقد انك تعرف من هو القاتل..ولكنك تمتحن صبري امتحانا عسيرا أو لست تعرفه بربك ؟
    - بل أعرفه ..ولكني أريد ان استوثق أولا بشكل قاطع
    - هيا بنا نستعرض النتائج ..فلدينا أولا من الدلائل ما يؤكد بأن بننجتون ليس هو القاتل وهوكذلك
    ليس الرتون وهو ليس فليتوود فمن هو اذن ؟
    وفيما كان بوارو يفتح فمه ليجيبه دوى طرق قوي على باب الحجرة ثم دخل الدكتور بسنر ومعه كورنيليا التي صاحت :
    - لقد عرفت الآن فقط من الآنسة بويرز بمأساة خالتي وأصابتها بما يسمونه داء السرقة فعظم ذلك
    على نفسي وقد دفعها الى مصارحتي انها لم تعد تستطيع احتيال المسؤولية وحدها ولم أصدقها في مبدأ الأمر ولكن الدكتور تفضل لي بشرح الموضوع شرحا علميا مبينا صلة هذا المرض
    باختلال الأعصاب ولكني مشفقة ان تذاع هذه الوصمة فلا يستطيع أهلي رفع رؤوسهم بعد ذلك أمام الناس
    فقال ريسي وهو ينظر بنظرة جانبية الى بوارو :
    - لقد قر رأينا على تكتم هذا الموضوع فاطمئني ولن يذاع على الناس إلا ما يتصل بجرائم القتل
    وعندئذ قال الدكتور بسنر بلطف لم يعهد فيه :
    - ان لها قلبا رقيا جدا
    - أوه يا دكتور ليس لي قلبا رقيق ولكن حسب ظنك وجميل رأيك
    وتضرج وجهها حياء فنظر بوارو اليها بخبث وقال :
    - ألم تري فيرجيسون في الساعات الماضية ؟
    - كلا...ولكن خالتي ماري حدثتني كثيرا في الساعة الماضية عن مزاياه فهي تقول انه عريق المنبت
    - وما رأيك انت ؟
    - رأيي انه انسان مخبول
    فاتجه بوارو الى بسنر وسأله عن حال مريضه سيمون دويل فقال له :
    - ان حرارته قد ارتفعت شيئا ما ولكن بنيته القوية ستساعده ولاشك على المقاومة وان كانت جاكلين دي بلفور شديدة القلق عليه لغير داع وقد طمأنتها واني لأعجب في نفسي من هذه الفتاة التي تطلق الرصاص على رجل في لحظة ثم يجن جنونها قلقا عليه في اللحظة التالية
    - مادامت حالته مطنئنة فليس هناك ما يمنع اذن من توجهنا اليه لإستكمال الأسئلة التي فاجأتنا السيدة اوثربون قبل ان نتمها حين كنا معه في آخر مرة ..فقد كان بصدد اطلاعنا على مضمون تلك البرقية
    - لامانع عندي طبيا وهي فعلا برقية مضحكة كان يحدثني عنها منذ قليل تتضمن هذيانا مضحكا من بطاطس وخرشوف وبنجر
    فقفز ريسي واقفا وصرخ :
    - يا الهي ان رشتي هو ضالتي هو المتآمر الدولي فهذه الشفرة الدولية الجديدة لتلك العصابة
    الخطيرة فالبطاطس كناية عن الديناميت والخرشوف كناية عن الرصاص والبنجر كناية عن المسدسات ولاشك انه مصمم على قتل لينيت دويل لأنها فضت تلك البرقية خطأ وقرأت محتوياتها لأنه أيقن ان حياته في خطر إذا باحت بها وهي برقية تلفت النظر وتستحق الرواية ولو على سبيل التندر فما قولك في هذه النظرية يا بوارو ؟ أليس هو رجلنا ؟
    - انه رجلك انت..وقد كنت دائما أرتاب في هذا الشخص لأنه كان لايتحدث إلا عن الحفريات وذلك يوحي بأنه يمثل دور عالم الآثار في اصرار شديد غير طبيعي في العلماء الحقيقيين ولكن ريتشي هو الذي قتل لينيت دويل فاني أعرف القاتل ولكن لاأمل عندي في اثبات التهمة عليه ما لم أستدرجه الى الإعتراف
    فقال الدكتور بسنر :
    - ولكن الإعتراف يكاد يكون معجزة مستحيلة الوقوع
    - لاشيء يستحيل على هركيول بوارو
    فمن هو القاتل ؟
    - انني ايها السادة ممثل لايقدم روائعه إلا أمام جمهور والحقيقة يا جمهوري العزيز انني كنت غبيا فقد سمحت لذلك المسدس الصغير المرصع ان يحيرني ويضللني وكان سبب حيرتي ان المسدس قذف به في النيل ولم يتركه القاتل في مكان الجريمة مادامت خطته قائمة على القاء الشبهة على جاكلين صاحبة ذلك المسدس وقد افترضت شتى الحلول لهذه المعضلة ما عدا الحل الصحيح الوحيد الذي كان آية في البساطة فالقاتل لم يترك المسدس بل أخذه معه بعد القتل مباشرة لأنه لابد له من ذلك وهذه هي الحقيقة التي ستظهر فيما بعد.
    ومال بوارو فوق صديقه الكولونيل ثم قال :
    - لقد بدأنا البحث يا صديقي وفي ذهننا فرض معين وهو وجود شخص ثالث عدا جاكلين وسيمون من مصلحته القضاء على لينيت مع إلصاق التهمة بجاكلين ولكن تلك النظرية كانت خطأ محضا
    لماذا ؟ لأنه اذا صح ذلك لوجب القول بأن القاتل لم يدبر الجريمة من قبل اذ ان استخدام مسدس جاكلين ما كان ليتيسر لولا إطلاقها الرصاص على سيمون وذلك شيء من المستحيل التنبؤ به قبل وقوعه
    وظروف هذه القضية توحي بأنها مدبرة تدبيرا محكما وليست من ارتجال الساعة حتى لقد احتاج تدبيرها الى تخدير هركيول بوارو فقد نمت في هذه الليلة نوما عميقا ليس من عادتي وكان تخديري امرا سهلا لأنني اجلس الى مائدة آل الرتون وهما لايشؤبان النبيذ في حين احتسي انا النبيذ باستمرار ويضاف الى ذلك ان القاء المسدس في النيل قد خلق لنا مشكلة كبيرة لم يلبث ان حلها العثور عليه
    فكلنا نذكر ان جثة لينيت دويل كانت بها حروق حول ثقب الرصاصة بأن فوهة المسدس كانت لصق جلدها وان الفوهة لم تكن مغطاة بشيء ولما عثرنا على المسدس وجدناه ملفوفا في شال الآنسة فان شويلر وبالشال ثقوب حولها حروق تدل على ان المسدس قد أطلق من داخل طيات
    الشال وقد عللنا ذلك بالرغبة في كتم الصوت
    اذن فالرصاصة التي اطلقت من داخل طيات الشال واحدثت به الحروق ليست هي التي اطلقت على لينيت دويل واحدثت برأسها الحروق وهذه الرصاصة أيضا ليست هي التي اطلقتها جاكلين
    على ساق سيمون دويل فقد كان هناك شاهدان للحادث لم يقررا ان المسدس الذي اطلقته داكلين كان ملفوفا بشال اذن فهناك رصاصة ثالثة اطلقت من ذلك المسدس فلماذا وعلى من أطلقت ؟ وهناك نقطة أخرى ..فقد وجدت في مخدع لينيت دويل زجاجتين من طلاء الأظافر من لونين مختلفين جدا ففحصت الزجاجة التي تكاد تكون خالية وهي من لون مخالف للون الذي تصبغ به لينيت أظافرها فاذا بالنقطتين اللتين فيها عبارة عن قليل من حبر الكتابة الأحمر
    ولم يكن هناك داع لأن تخفي لينيت دويل الحبر الأحمر في زجاجة طلاء الأظافر وفي وسعها ان
    تشتري زجاجة حبر بغير حاجة الى تستر فاذا ربطنا بين الحبر الأحمر وبين بقية الطلاء الأحمر الذي كان عالقا بالمنديل الرخيص الذي وجد المسدس في قاع النيل ملفوفا به من داخل الشال استنتجنا ان ما كان يصبغ المنديل هو ذلك الحبر الأحمر لأن الحبر الأحمر إذا أصاب نسيجا لم يفارقه مهما تقع في الماء بل يبقى له أثر
    وننقل بعد ذلك الى مقتل لويز بورجيه فنجدها قد قتلت ولا شك على أثر محاولتها ابتزاز المال بتهديد القاتل واني أذكر جيدا انها تفوهت وهي تلقي بشهادتها بألفاظ ملتوية وكان ذلك على مسمع من مخدومها سيمون دويل في قمرة الدكتور بسنر قالت لي ( كيف كنت أرى القاتل ؟ ما كان ذلك ليحدث اللهم إلا اذا أرقت وصعدت السلم في تلك اللحظة فرأيته داخلا او خارجا )
    وإذا بسيمون يهدىء أعصابها ويفهمها ان أحدا لا يتهمها بأنها رأت شيئا ولاشك انها بذلك الأسلوب
    الملتوي كانت تريد ان تلمح للقاتل او لمن له به صلة انها رأته وانها ستتكلم إذا لم تقبض الثمن
    ولم يكن احد حاضرا فيما عداي انا والكولونيل والدكتور بسنر إلا مخدزمها سيمون فأينا المقصود
    بذلك التلميح ؟
    فصاح بسنر حانقا :
    - ماهذا ؟ أمحاولة أخرى لإهانتي ؟
    فجعلت كورنيليا تربت على ذراعه وتؤكد له انه ليس المقصود وأردف بوارو بسرعة
    - وقد وردت طويلا بين سيمون دويل والدكتور بسنر ولكن ما مصلحة الدكتور بسنر في قتل لينيت دويل ولكن يقابل ذاك ان هناك أكثر من شاهد اجمعوا على ان سيمون دويل لم يغادر الصالون الى ان اطلقت جاكلين الرصاص وعلى انه حمل الى قمرة الدكتور بسنر بعد ذلك حيث استقر مهيض
    الساق فلا بد اذن ان الدكتور بسنر هو القاتل ولاسيما انه من الثابت ان لويز قتلت بطعنة من مشترط من مشارط الجراحة . ولكن ردني هذا الإتهام ان الخادم لويز كانت تستطيع ان تختلي بالدكتور بسنر في أي وقت فهو كثير الدخول والخروج ولم تكن بها حاجة الى التلميح بهذا الأسلوب
    الملتوي في تلك اللحظة بالذات فلا بد اذن ان هذه كانت فرصتها الوحيدة لماذا ؟ لابد ان الشخص
    المقصود لا يمكنه مبارحة الغرفة ولاسبيل الى اختلائها به خلسة للمساومة..أي انه سيمون دويل على وجه التحديد ولذلك بادر سيمون بتطمينها اشعارا لها بأنه فهم الإشارة ومستعد للتفاهم
    فصرخ بسنر :
    - هذا هذيان فاذا كنت أغضب لإتهامك اياي مدفوعا بالحرص على كرامتي فاني أغضب أيضا لإتهامك
    سيمون دويل مدفوعا بالحرص على عقلي ومنطقي ومعلوماتي الطبية اذ كيف تريد من رجل بعظام ساقه كسر مضاعف ان يذهب فيقتل ثم يعود دون ان يراه احد ؟ لقد كان مستحيلا ان يغادر
    فراشه تلك الليلة
    - أعلم هذا ولكن هذا هو الواقع وسترى فعلى ضوء مقتل لويز بورجيه رحت اراجع الجريمة منذ
    البداية فتذكرت سيمون دويل بقي وحده في الصالون عشر دقائق كاملة هي الوقت الذي انصرف فيه فانثورب وكورنيليا الى توصيل جاكلين الى قمرتها وتهدئتها ومحاولة منعها من القاء نفسها في النيل فهل كان من الممكن ان يقترف سيمون جريمته في تلك الفترة ؟ ويؤيد هذا الفرض انه كان يعرف موضع المسدس وليس هناك ما يمنع من ان يكون قد اتفق مع جاكلين فرفست المسدس عمدا واطلاقا الرصاص قرينة نافعة لإبعاد الشبهة عن سيمون لأنه ما من عاقل يتصور قدرته على الجري وهو مكسور الساق وقد رأى الشاهدان انطلاق الرصاصة كما رأو المنديل الملوث بالدم ولكن اذا اكملنا الحلقة فان اطلاق الرصاص لم يكن عملا طائشا من جاكلين التي تجيد الرماية باعترافها
    بل كان الهدف هو ساق مائدة من موائد الصالون لاساق سيمون وكان سيمون قد أعد الحبر الأحمر
    في زجاجة طلاء الأظافر فسكبه في جيبه على المنديل ثم اخرج المنديل بسرعة فوضعه فوق ساقه وراح يتظاهر بالصراخ ويتلوى وفي الوقت نفسه بدأت جاكلين نوبتها العصبية وأخذت سيمون النخوة فاستنجد بكورنيليا وفانثورب ان يكتما الفضيحة وان يعنيا بجاكلين أولا كي يطمئنا على حمايتها من التهور بوضعها تحت رعاية الممرضة الآنسة بويرز كي يتوافر لجاكلين بذلك دليل بعدها عن الجريمة المدبرة . وتلك الترتيبات تتيح لدويل عشر دقائق يسرع فيها بالمسدس المرفوس الى قمرة زوجته
    فيقتلها وقد فعل ذلك حافي القدمين ثم أخرج زجاجة طلاء الأظافر الخالية فوضعها حيث وجدناها لأنه
    أدرك ان تضميد جرحه ستصحبه عملية ابدال الملابس ولايبتغي ان يعثر الطبيب على تلك الزجاجة
    في جيبه وكان عليه ان يتخلص من المنديل وهو في الوقت نفسه كان قد اختلس شال الآنسة فان شويلر فعاد بسرعة الى الصالون وادخل المسدس بين طيات الشال ثم أطلقه على ساقه كي يكتم الشال الصوت ثم فتح النافذة التي وراء ظهره وتحامل على نفسه وقد كتم الألم حتى وصل الى النافذة والقى بالمسدس ملفوفا في الشال والمنديل الى النيل وقد وجده الدكتور بسنر مستندا الى النافذة بحجة استنشاق الهواء حتى لايغمى عليه وبذلك امتنع عليه ان يترك المسدس في مخدع زوجته
    والحقيقة ان احكام الجريمة على هذه الصورة يرجع الى ذكاء جاكلين النادر وكنت قد ادركت منذ البداية انها لاتتورع عن أي شيء في سبيل الظفر بحبيبها وكنت أيضا أرى من معاملة سيمون لزوجته انه يبالغ في اظهار عواطفه المزعومة نحوها امام الناس وذلك غير مألوف في الرجل الإنجليزي وفي ليلة الحديقة باسوان عندما كانت جاكلين تقول انها تتمنى ان تقتل لينيت بمسدس تغرسه في لحم رأسها وكان المسدس في يدها زعمت انها رأت شبحا يسترق السمع وقد تأكدت من انه لم يكن احد يسترق السمع إذن هي قد زعمت ذلك لتضللني فيما بعد عندما تقع الجريمة فينصرف ذهني الى ان القاتل كان هو ذلك المتلصص وقد فحصت حجرة الصالون فوجدت الرصاصة الصغيرة مستقرة في ساق احدى الموائد
    - ولكن من قتل لويز ؟
    قتلتها جاكلين فان سيمون حين سمع التهديد من لويز طمأنها ثم طلب مني ان أدعو جاكلين لمقابلته كي يطمئن عليها وتركتهما معا فأفضى اليها بتهديد لويز وكلفها بالإتصال بها وقامت جاكلين بالمهمة على أكمل وجه مزودة بمشرط من مشارط بسنر التي كان سيمون يعرف مكانها جيدا بطبيعة الحال ثم غسلت المشرط وأعادته الى مكانه وشاء سوء طالعها ان تراها السيدة اوثربون خارجة من قمرة لويز وكانت جاكلين تتوقع خلو الطريق ساعة الغداء فلما أسرعت السيدة
    اوثربون الى قمرة الدكتور بسنر لتبلغنا معلوماتها المثيرة مزهوة بها راح سيمون يسألها بصوت عال جدا كي يصل صوته الى جاكلين التي كان يعلم انها في القمرة المجاورة مع الآنسة روزالي
    فتنبهت وتحيرت ماذا تصنع وفي هذه اللحظة تذكرت ان بننجتون كان قد صرح أمام الجميع بأنه يحمل مسدسا ضخما فبادرت الى قمرته وعادت بالمسدس ووقفت تنصت وراء الستار وفي اللحظة المناسبة ضربت ضربتها وقد قلت انا عن الطريق التي سلكها القاتل انها غامضة والواقع ان قمرة جاكلين كانت تبعد عن قمرة الدكتور بسنر كثيرا فلم يكن أمامها سوى ان تقفز فوق الحاجز الى السطح
    - ولكن مسدس جاكلين لم تنطلق منه إلا رصاصتان فقط
    - لقد فكرت في كل شيء بالتفصيل وأحضرت معها رصاصة اضافية وضعها سيمون في المسدس قبل ان يطلقها على نفسه
    والآن عليك يا سيدي الدكتور ان تعد مريضك القاتل لمواجهة الموقف لقد كان بوارو مصيبا في كشف هذه الحقيقة والوصول الى معرفة القاتل فان سيمون قد تآمر مع حبيبته جاكلين على سلب أموال
    لينيت بطريقة غير شرعية فتظاهر بحبها وتزوجها وهويعلم ان ماتت وقتلت آلت ثروتها اليه فينعم بها مع عشيقته جاكلين التي دبرت معه هذه المؤامرة الغريبة



    الخاتمة
    -جريمة حب-



    وصلت الباخرة الكرنك الى مرساها ببلدة الشلال جنوبي اسوان مع بواكير أشعة الفجر وكان بوارو
    يتأمل منظر الصخور البارزة من مياه النهر عندما وافاه ريسي قائلا :
    - لقد أعددت لكل شيء عدته ...وسيكون ريشتي اول من ينزل الى الشاطىء وفي يديه الأغلال
    الحديدية واني لسعيد بالقبض على ذلك المتآمر الدولي الخطر والسفاح الأثيم
    - لاتنس انه حسب أول الأمر ان جاكلين هي التي اعترفت لنا فلم يجد بدا من الإعتراف
    - انه يستحق الشنق..فهو نذل خسيس ولكني آسف لمصير الفتاة ؟
    - انها امرأة خطرة لاتبالي بالعواقب
    وعندئذ اقبلت عليهما كورنيليا روبسون فقالت :
    - لقد كنت معها أعني مع جاكلين ..فانني أشفقت عليها من ذلك الحبس الذي لاتفارقها فيه كبيرة
    الخدم. وفي هذه اللحظة اقبلت فان شويلر فصاحت بابنة اختها في غضب :
    - لقد اخطأت خطأ شائنا بالجلوس مع هذه المرأة ولهذا سأبعث بك فورا الى الوطن
    - ولكنني لست عائدة الى الوطن يا خالتي بكل أسف لأنني سأتزوج
    - اذن فقد أصغيت لصوت العقل أخيرا ؟
    - لقد اسأت فهمي يا خالتي فليس فيرجيسون هو الذي سأتزوج بل الدكتور بسنر الذي طلب يدي
    وفي هذه اللحظة القت الباخرة مراسيها وضرب حول الركاب نطاق ثم طلب اليهم ان يتريثوا فلا ينزلوا
    وسيق ريتشي وهو شاحب الوجه الى الشاطىء ..وبعد برهة وجيزة جيء بنقالة فحملوا عليها
    سيمون دويل وكان يبدو كالموتى وقد ارتسم الفزع على كيانه وفارقته ملاحته المشهورة كأن لم يكن لها وجود وتبعته جاكلين دي بلفور
    وتراجعت قليلا فحمل الحمالون المحفة وانحنت جاكلين كي تربط حذاءها ثم ارتفعت يدها الى قمة جوربها وانتصبت في يدها شيء ما وكان هذا الشيء مسدسا واختلج سيمون اختلاجة قوية واحدة ثم سكن فالقت اليه بابتسامة غائمة ثم وجهت المسدس الى قلبها وضغطت الزناد فسقطت
    حيث كانت واقفة ولا حراك بها
    وصاح ريسي مستنكرا اما بوارو فلم يتحرك وأحس بيد توضع فوق ذراعه فالتفت ليرى السيدة الرتون تقول :
    - لقد كنت تعلم سلفا ..اليس كذلك ؟
    - بلى ..فقد كنت أعرف ان لديها اثنين من ذلك النوع
    - وهل كنت تريدها على ان تختار هذا الطريق ؟
    - نعم فهذه ميتة تليق بها
    - ولكن الوغد حظي بميتة أسهل مما يستحق والآن آمنت ان الحب العميق قد يكون وبالا عظيما..
    - نعم ..و لأمر ما كانت جميع قصص الحب الكبرى من نوع المأساة ووقع نظر مدام الرتون على ابنها متأبطا ذراع روزالي فقالت بحماس :
    - ولكني احمد الله على ان في الدنيا أيضا حبا يؤدي الى السعادة
    - أحمدي الله يا سيدتي على ذلك فبالشكر تدوم النعم
    وبدأ الركاب يغادرون الكرنك ليتفرقوا بعد ذلك فمضى كل منهم الى وجهته بعد ان جمع بينهم القدر لأمر كان منذ الأزل مقدرا مسطورا .