عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية gogo
gogo
:: منتسب جديد ::
تاريخ التسجيل: Oct 2019
رقم العضوية : 184
المشاركات: 170
:
:
:  - :
قديم 10-22-2019, 12:23 PM
# : 1
gogo
  • معدل تقييم المستوى : 10
  • الإعجاب:
    افتراضي الشرح الصوتي لزاد المستقنع - جزء الثاني والثلاثون
    http://www.shamela.ws
    تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة



    الكتاب: الشرح الصوتي لزاد المستقنع
    المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
    عدد الأجزاء: 2
    هذا الكتاب: تفريغ مكتوب لشرحين صوتيين للعلامة ابن عثيمين - رحمه الله - على زاد المستقنع
    1 - الشرح الأول/ الكتاب كاملا [299 ملفاً]
    2 - الشرح الثاني/ ثلث الكتاب [132 ملفاً] أبواب/ صفة الصلاة، والمناسك، والبيع، والوقف والوصايا، والنكاح، والطلاق، والإيلاء والظهار واللعان والعِدَد والرضاع، والنفقات، والجنايات والديات، والحدود، والأطعمة، وجزء من الأيمان والقضاء، وجزء من الشهادات
    مميزات ليست في (الشرح الممتع) المطبوع:
    1 - إضافة مسائل كثيرة تعرّض لها الشيخ في الشرح , خلا منها الشرح المطبوع.
    2 - إيراد مناقشة الشيخ رحمه الله للطلاب في الدورس , والتي تكون عادة قبل بداية الدرس , إضافة لأسئلة الطلاب للشيخ أثناء الشرح , وأسئلتهم بعد كل درسٍ , وإجابته عليها رحمه الله
    3 - إضافة شرح ثانٍ جديدٍ. (لثلث زاد المستقنع).
    4 - أنّ الرجوع للتفريغ فيه حل لبعض المواضع المُشْكِلة في الشرح المطبوع.
    5 - أنّ الشيخ ربما زاد في شرحه للكتاب ما ليس منه إما لإتمام الفائدة، أو لحاجة الطلاب، أو لأسباب أخرى، ومن ذلك:
    • زياداته في الشرح من كتب أخرى كزياداته في بعض الأبواب من كتاب (الروض المربع) وغيره، بل إنه أحيانًا: يزيد فصولًا بالكامل، ومثال ذلك شرحه لفصل في الأمان والهدنة، في كتاب الجهاد.
    • شرحه لمؤلفات خاصة به كشرحه لرسالته في زكاة الحلي، وذلك في كتاب الزكاة.
    • شرحه خلال الشرح الثاني "لمذكرة الجامعة" وذلك للأبواب التالية: (النفقات، والجنايات، والديات، والحدود، والأطعمة، والأيمان والقضاء، وجزءًا من الشهادات).
    • شرحه لفصول لا تعلق لها بالكتاب لحاجة الطلبة، كشرحه لفصل في فضل العلم وآداب طالبه في كتاب الفرائض.
    أعده للشاملة: ملتقى أهل الحديث
    [مصدر النص تطبيق مجاني للأجهزة الذكية برعاية مؤسسة وقف فهد بن عبد العزيز السعيد وإخوانه , وكرسي الشيخ ابن عثيمين للدراسات الشرعية، وقد التزموا فيه بالتفريغ الحرفي لكامل الشرح]
    والثانية: إذا كان في البلد والٍ ظالم، وإذا علم أن فلانًا دخل عليه هذا الثمن صار يجعل عليه الضرائب، وربما يجبره على تسليمه وما أشبه ذلك.
    إذا اشترى الوكيل شيئًا معيبًا وهو لا يدري؟
    طالب: إذا شرى معيبًا؟
    الشيخ: وهو لا يدري أن به عيبًا، فهل له أن يرده أو لا؟
    الطالب: مُخيَّر؛ إن شاء أخذه، وإن شاء رده.
    الشيخ: مُخيَّر؟ ! كيف مخير وهو وكيل؟
    الطالب: إذا رضي الموكل.
    الشيخ: لا، الموكل ما هو عنده.
    الطالب: إذن لا يحق له.
    الشيخ: ويش ما يحق؟
    الطالب: لأن الموكل وكَّله أن يشتري له صالحًا غير معيب.
    الشيخ: إذن يجب أن يرده، من أين تأخذه من كلام المؤلف؟
    الطالب: أن لا يكون معيبًا.
    الشيخ: من أين تأخذه من كلام المؤلف؟
    طالب: من قول المؤلف: (وإن اشترى ما يعلم عيبه .. ).
    الشيخ: اصبر، نحن نقول: ما يدري عن العيب.
    الطالب: منطوق كلام المؤلف: إذا كان يعلم بالعيب، فله مفهوم، مفهومه: إذا كان ( ... ).
    الشيخ: لا.
    طالب: (فإن جهل رده).
    الشيخ: نعم، من قوله: (فإن جهل رده)، ما قال: له الخيار، (إن جهل رده)؛ لأنه ما يملك الخيار.
    إذا اشترى ما يعلم عيبه؟
    طالب: يلزمه البيع، إن رضي به الموكل فهو له، وإن لم يرض فهو لوكيله.
    الشيخ: يعني؟ يلزم مَن؟
    الطالب: يلزم الوكيل البيع.
    الشيخ: يلزم الوكيل معيبًا؛ لأنه دخل على بصيرة، ثم إن رضيه الموكل؟
    الطالب: فهو له.
    الشيخ: فهو له، وإن لم يرضَه؟
    الطالب: يكون للوكيل.
    الشيخ: فهو على الوكيل، تمام.
    ثم قال المؤلف في درس الليلة: (ووكيلُ البيعِ يُسَلِّمه) أي: يُسَلِّم المبيعَ، (وكيل البيع) يعني: الذي وُكِّل في بيع يُسَلِّم المبيع؛ لأن هذا من مقتضى العقد.
    (2/1669)
    ________________________________________
    مثاله: أعطيت رجلًا يبيع لك ساعة فباعها؛ يسلمها إلى المشتري مع أنك أنت لم تقل: بعها وسَلِّمْها. مع أن الموكِّل لم يقل: بعها وسلِّمها. إنما أمرك بالبيع، فنقول: التسليم من مقتضى العقد؛ لأنه إذا تم البيع مَلَكَ المشتري السلعةَ، ووجب أن تُسَلِّمها له.
    وهل يقبض الثمن؟ لا، لا يقبض الثمن؛ لأنه إنما وُكِّل في البيع، فيبيع ويقول: خلاص، يا موكلي بعت على فلان، روح خذ الثمن منه. لا يقبض الثمن، وجه ذلك أمران:
    الأمر الأول: أنه وُكِّل في البيع دون قبْضِ الثمن، وقَبْضُ الثمن ليس من مقتضى البيع.
    الثاني: أنه قد يرضى مَن يبيع له، ولا يرضى أن يقبض الثمن؛ لأنه غير أمين عليه عند الموكل، فلهذا قالوا: إنه يملك تسليم المبيع، ولا يملك تسلُّم الثمن؛ لهذين الوجهين.
    لكن المؤلف يقول: (بغير قرينة) يعني: فإن وُجد قرينة فإنه يقبض الثمن وجوبًا.
    القرينة: مثل أن يبيعه على رجل لا يُعرف، رجل في البلد غريب باع عليه السلعة، إذا لم يقبض الثمن منه فإنه سوف أيش؟ سوف يضيع، فهنا القرينة تدل على أنه يقبضه.
    وكذلك أيضًا: لو باعه على من عُرِف بالمماطلة، فهنا يقبض الثمن أو لا يقبض؟
    طالب: يقبضه.
    الشيخ: يقبضه؛ لأنه من مصلحة الموكل.
    فإن قال قائل: لماذا لا تمنعونه -من الأصل- أن يبيع على غريب، أو على مماطل؟
    قلنا: لأنه قد تقتضي المصلحة أو زيادة الثمن أن يبيع على أيش؟ الغريب والمماطل، وإذا كان سيُسلَّم له الثمن فلا ضرر.
    وإذا أَذِن له، أي: أذن الموكلُ للوكيل أن يقبض الثمن، فهل يقبضه؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: أي معلوم من باب أولى.
    وإذا قال: لا تقبض الثمن. فهل يقبضه ولو وُجِد قرينة؟ لا؛ لأنه نهاه قال: لا تقبض الثمن.
    لكن إذا قال قائل: إذا نهاه أن يقبض الثمن، فمن المعلوم أن الموكِّل ليس غبيًّا، بحيث لا يأذن له إذا دلت القرينة على أنه يقبضه.
    (2/1670)
    ________________________________________
    فيقال: إذا كنا نعلم هذا من حال الموكل، أنه لو باعه على من يُخشى ألا يُسَلِّم الثمن، فحينئذ نقول: هذه قرينة، فليقبضه.
    يقول: (ويُسَلِّم وكيلُ المشتري الثمنَ) (وكيل المشتري): إذا كان الموكلُ قد أعطاه الثمن وقال: خذ هذه -أربعون درهمًا- اشترِ لي بها ساعة. اشترى الساعة، يجب أن يُسَلِّم الثمنَ فورًا.
    بقي لنا فيما سبق: قلنا: لا يقبض الثمن بغير قرينة وذكرنا للقرينة كم؟
    طالب: صورتين.
    الشيخ: صورتين، فيه أيضًا صورة ثالثة القرينة الشرعية، وهي: ما إذا كان البيع يشترَط فيه التقابض، فإنه لا بد أن يقبض الثمن.
    مثاله: أعطاه حُلِيًّا من الذهب وقال: بعه. فهنا لا يمكن أن يبيع الذهب بدراهم دون قبض؛ بل لا بد من القبض، وحينئذ نقول: هذه قرينة، نصفها بأنها قرينة شرعية. والصورتان السابقتان قرينة عُرْفِية.
    قال: (ويسلم وكيل المشتري الثمن): إذا أعطاه دراهم، قال: اشترِ لي بها سلعة. اشترى السلعة، نقول: يجب أن يسلم الثمن، حتى وإن لم يقل له: سلِّمْه للبائع؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: نعم وإن لم يقل: سلِّمْه؛ لأن هذا من مقتضى العقد، كما أن وكيل البيع يُسَلِّم المبيع، فوكيل الشراء يُسَلِّم الثمن، هذا مقتضى العقد، كيف يشتري له بلا ثمن؟ !
    ولكن يقول: (فلو أخَّره بلا عُذرٍ وتلف ضمنه) (لو أخره) أي: الوكيل، أي: أخَّر تسليم الثمن (بلا عذر) (ضمنه) إذا تلف.
    مثاله: أعطيته أربعين درهمًا يشتري فيها سلعة، واشترى السلعة في أول النهار، وقال للبائع: آتي لك بالثمن في آخر النهار، أو سكت ولم يأت به إلا في آخر النهار، لكنه فيما بين الشراء وآخر النهار تلف الثمن، فإن المشتري يضمنه، لماذا؟ لأنه مُفَرِّط؛ إذ إن الواجب عليه أن يُسَلِّم الثمن مباشرة، هذا ما ذهب إليه المؤلف.
    ولكن الصواب أن يقال: الحكم يدور مع علته، والناس إذا اشترى منهم الإنسان السلعة في أول النهار وأتى بالثمن في آخره، لا يعدُّونه مفرطًا؛ لأن هذا مما جرت به العادة.
    (2/1671)
    ________________________________________
    فالصواب أن يقال: إن أخر تسليم الثمن تأخيرًا يُعَدُّ به مفرِّطًا فهو ضامن، وإلا فلا.
    وتعليل الفقهاء رحمهم الله تعليلهم يدل على هذا، وليس يكون من المتيسر أن الدراهم في جيبه، بل ربما يمر بالشارع ويجد السلعة التي وُكِّل بشرائها ويشتريها، ثم إذا صار في آخر النهار أتى بالثمن، وهذا أمر شائع ومعروف.
    قال: (ويسلِّم وكيل المشتري الثمن، فلو أخَّره بلا عذر وتلِف ضمِنه): لو أخره بإذن البائع وتلف، هل يكون من ضمان البائع، أو من ضمان الموكل؟
    طالب: الأول.
    طالب آخر: الثاني.
    الشيخ: من ضمان البائع؛ لأن الموكل بمجرد الشراء صار الثمن مستحقًّا لمن؟
    طالب: للموكِّل.
    طلبة آخرون: للبائع.
    الشيخ: الموكل بمجرد الشراء، بشراء الوكيل، لما اشترى الوكيل صار الثمن مستحقًّا لمن؟
    طلبة: للبائع.
    الشيخ: للبائع، البائع قال للوكيل: ما يخالف، تبقى الدراهم عندك اليوم أو بكرة أو بعد بكرة، ما فيه مانع. في هذه الأثناء تلِف الثمن بدون تعدٍّ ولا تفريط من الوكيل، فضمانه على مَن؟
    طلبة: على البائع.
    الشيخ: على البائع؛ لأن الوكيل إنما أبقاه بإذن مستحقه، وهو البائع.
    (فلو أخَّره بلا عُذرٍ وتَلِف ضَمِنه. وإن وكَّله في بيع فاسد فباع صحيحًا، أو وكله في كل قليل وكثير، أو شراء ما شاء، أو عينًا بما شاء ولم يُعَيِّنْ: لم يصح).
    هذه أربع مسائل:
    المسألة الأولى: إذا (وكَّله في بيع فاسد فباع صحيحًا):
    مثل أن يوكله في بيع جمل شارد، هذا البيع فاسد، أو يوكله في بيع خمر فباع صحيحًا، أو يوكله في بيع مجهول فباعه صحيحًا.
    مثاله: أخذنا الآن، وكَّله في بيع جمل شارد، الجمل حضر، هل يملك بيْعَه بعد حضوره؟ لا، لماذا؟ لأن أصل الوكالة فاسد؛ إذ إن الموكل لا يملك بيع الجمل الشارد حتى يحضر، وهو قد وكَّل على بيعه في حال شروده، فإن قال الموكل للوكيل: إذا وجدْتَ الجمل فأنت وكيل في بيعه. يصح ولَّا لا؟
    طلبة: يصح.
    الشيخ: يصح؛ لأن الوكالة تصح معلقة.
    (2/1672)
    ________________________________________
    المثال الثاني: خمر، كان عنده جَرَّة خمر، وإن شئت قل: كان عنده قُلَّة خمر، فقال له: بِعْها. بيع الخمر فاسد، لكن الخمرة تخلَّلت بنفسها، وإذا تخللت بنفسها صارت حلالًا، فهل يملك الوكيل بعد أن تخللت بنفسها يملك أن يبيعها؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: لماذا؟
    طالب: لأنها غير صحيحة.
    الشيخ: لأن أصل الوكالة غير صحيح، فلا يبيعها بعد ذلك.
    المثال الثالث: مجهول، باع شيئًا مجهولًا، بأن قال: وكلتك في بيع ما في بيتي من المتاع. وهو مجهول، حتى الموكل لا يعلمه، لكن الوكيل باعه قبل أن يعلم، فالوكالة تكون غير صحيحة، والبيع غير صحيح، لكن لو ذهب ورآه، فهذا سيأتي -إن شاء الله- الكلام عليه في كلام المؤلف إذا وكله في شيء مجهول.
    (أو وكله في كل قليل وكثير): هذا أيضًا لا يصح، إذا وكله في كل قليل وكثير، على أنه يشمل جميع الأجناس، وجميع الأنواع، وجميع الأفراد، فهذا لا يصح.
    قال: رُوح للسوق أنت وكيلي في كل شيء، في كل قليل وكثير. وجد سيارات اشترى له سيارات، وجد إبلًا اشترى إبلًا، وجد بقرًا اشترى بقرًا، وجد حميرًا اشترى حميرًا، كل شيء، يصح هذا ولَّا ما يصح؟
    طلبة: ما يصح.
    الشيخ: معلوم ما يصح؛ لأن هذا يعظم الضرر، وفيه جهالة عظيمة فلا يصح، العلة كما قلت لكم: لأن هذا الموكِّل لو أن الوكيل أخذ بهذا اللفظ العام الشامل وأتى بكل ما في الدنيا من شيء، ما موقف الموكل؟ ما صار في خيالي ولا دار في فكري أنك بتجيب لي الدنيا كلها.
    إذن نقول: الوكالة غير صحيحة، حتى نستريح من المشاكل؛ لأن إذا قلنا: الوكالة غير صحيحة، قلنا للوكيل: لا تتصرف، وَقِّفْ لا تتصرف؛ لأن هذه وكالة غير صحيحة.
    (2/1673)
    ________________________________________
    أما لو قال؛ عيَّن نوعًا وقال: اشتر لي -مثلًا- أرزًا قليلًا أو كثيرًا، لو تأتي لي كل اللي بالسوق ما عندي مانع. فهنا الخطر قليل، وسيأتينا إن شاء الله في كلام المؤلف. فهذا الصحيح أنه جائز؛ لأن الموكل أراد أن يشتري جميع ما في السوق؛ ربما من أجل أن يفرقه على الفقراء في وقت الحاجة، والمثال في الأرز أو ما أشبه ذلك.
    (أو وكله) (شراء ما شاء) قال: اشتر ما شئت، أنت وكيل عني اشتر ما شئت. سبحان الله! هل يصح هذا؟ ! لأنه لو أتى له بقلم بخمسة ريالات قال: أنت وكلتني أن اشتري ما شئت، وأنا شئت أن اشتريلك قلمًا بخمسة ريالات. وهذا الرجل ممن يقتني الأقلام التي بمتين ريال. اشترِ ما شئت. راح واشترى له سيارة شبح كم قيمتها؟ مليون أو نصف مليون، المهم هو قال: اشترِ ما شئت. قال: هذا اللي شئت. خطر ولَّا غير خطر؟ هذا خطر، ما يصح.
    أما لو عيَّن النوع وقال له -مثلًًا-: أنا وكلتك تشتري شاة -مثلًا- لوليمة، قال: وِش صغيرة كبيرة، سمينة هزيلة؟ قال: ما شئت. هذا الخطر فيه قليل، يعني يتسامح فيه؛ لأنه مما جرت به العادة، لكن اشتر ما شئت، بدون أن يذكر نوعًا، هذا خطرُه عظيم فلا تصح الوكالة فيه.
    (أو عينًا بما شاء): هذه الصورة الرابعة، وكلام المؤلف فيه نظر.
    (عينًا بما شاء) قال: اشتر لي الساعة الفلانية موديل كذا رقم كذا صفتها كذا وكذا. قال: بكم؟ قال: باللي تبغي. يقول: هذا لا يصح؛ لأنها ربما لا تساوي إلا عشرة. ويقول للبائع: أخذتها بخمسين. فإذا جاء بها إلى الموكل قال: خذ هذه الساعة بخمسين. قال: هذه ما تساوي إلا عشرة. قال: أنت قلت لي: اشتر بما شئت، وأنا شئت أن أشتريها بخمسين.
    المؤلف يقول: لا يصح، لكن نحن نعلم علم اليقين أن الموكل لما قال للوكيل: بما شئت. فإنما وَكَلَهُ إلى أمانته، أليس كذلك؟ وليس من الأمانة أن يشتري ما يساوي عشرة بخمسين.
    لو عيَّن له عينًا، وقال: اشترها. قال: بكم؟ قال: بما ترى أنه مناسب. يصح أو لا يصح؟
    (2/1674)
    ________________________________________
    طالب: يصح.
    الشيخ: نعم هذا يصح، وقد يقال: إنها داخلة في كلام المؤلف، وأنها لا تصح. وقد يقال: إنها غير داخلة؛ لأن هنا لم يقيده بالمشيئة المطلقة، وإنما قيده بما يراه مناسبًا، وهذا نوع من التخصيص، فلا يكون كالمشيئة المطلقة.
    إذا عيَّن له شيئًا، عيَّن له عينًا قال: اشترِ للوفد الذين سيحضرون إليَّ أو الضيوف، اشترِ -مثلًا- لهم شاة. قال: بكم؟ قال: بما شئت، أو: بما تراه أنه مناسب. يجوز؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: يجوز؛ لأن هذا وإن كان فيه شيء من الجهالة وربما يشتريها بثمن لم يخطر على بال الموكل، لكن مثل هذا يكون قليلًا، ومما يتسامح الناس فيه عادة، وحقيقة الأمر أن هذه مسائل فردية لكن ينبغي أن نعرف لها ضابطًا.
    الضابط في ذلك: أنه كل ما دل عليه العُرف أو القرينة مما يحتمله كلام الموكل، وليس فيه محظور شرعي فإنه صحيح، إذا كان يدل عليه العرف أو القرينة ويحتمله كلام الموكل وليس فيه مانع شرعي فإنه صحيح؛ وذلك لأن الأصل في المعاملات الحل، فإذا لم تخالف الشرع، ولم تخالف العُرف، ولم تخالف لفظ المتعامِلَيْنِ فإن الأصل فيها الصحة.
    طالب: شيخ، هل يفهم الضابط -بارك الله فيك- الضابط الأخير هذا اللي ذكرناه، يعني ألا يتمشى مع ما نعرفه عن الناس اليوم الذي تكثُر أموالُه مثلًا وتجارتُه يوكل مثلًا إنسانًا في كل قليل وكثير، لا يمكن أن يرجع إليه وكلاؤه في كل شيء في ..
    الشيخ: القاعدة اللي ذكرناها أو الضابط هي التي ينبغي أن يتمشَّى عليه، وما ذكره الفقهاء رحمهم الله لا ينافي ذلك؛ لأنهم يعللون كل مسألة بما يقتضيه هذا الضابط.
    طالب: شيخ بارك الله فيكم، إذا نهى الموكلُ الوكيلَ عن قبض الثمن، ولم يجد إلا ذلك المماطل أو الغريب مشتريًا فلم يقبض هل يضمن؟
    الشيخ: مجمل اللفظ لا يضمن، مقتضى اللفظ أنه لا يضمن، لكن من النصيحة بلا شك أنه إذا لم يجد إلا المماطل أو المعسر فإنه يجب عليه أن يتوقف ..
    (2/1675)
    ________________________________________
    ولم يُعَيِّنْ لم يَصِحَّ، والوكيلُ في الْخُصومةِ لا يَقْبِضُ والعكسُ بالعكسِ، واقْبِضْ حَقِّي من زَيْدٍ لا يَقْبِضُ من وَرَثَتِه , إلا أن يَقولَ الذي قِبَلَه , ولا يَضْمَنُ وكيلٌ الإيداعَ إذا لم يُشْهَدْ.
    (فصلٌ)
    والوَكيلُ أَمينٌ لا يَضْمَنُ ما تَلِفَ بيدِه بلا تَفريطٍ، ويُقْبَلُ قولُه في نفيِه والهلاكِ مع يَمِينِه، ومَن ادَّعَى وَكالةَ زيدٍ في قَبْضِ حَقِّه مِن عمرٍو لم يَلْزَمْه دَفْعُه إن صَدَّقَه ولا اليمينُ إن كَذَّبَه، فإن دَفَعَه فأَنْكَرَ زيدٌ الوَكالةَ حَلَفَ وضَمِنَه عمرٌو، وإن كان المدفوعُ وَديعةً أَخَذَها، فإن تَلِفَتْ ضَمِنَ أيَّهما شاءَ.
    (باب الشركة)
    وهي أنواعٌ:
    فشَركةُ (عَنانٍ) أن يَشترِكَ بَدَنَانِ بِمَالَيْهِما
    طالب: بارك الله فيك، الضابط الأخير هذا اللي ذكرناه، ألَّا يتمشى مع ما نعرفه عن الناس اليوم الذي تكثر أمواله -مثلًا- وتجارته، يوكل إنسانًا في كل قليل وكثير، لا يمكن أن يرجع إليه في البلاء وفي كل شيء؟
    الشيخ: هو القاعدة اللي ذكرناها أو الضابط هي التي ينبغي أن يتمشى عليها، وما ذكره الفقهاء رحمهم الله لا ينافي ذلك؛ لأنهم يعللون كل مسألة بما يقتضيه هذا الضابط.
    طالب: شيخ -بارك الله فيك- إذا نهى الموكِّل الوكيل عن قبض الثمن، ولم يجد إلا ذلك المماطل أو الغريب مشتريًا فلم يقبض، هل يضمن؟
    الشيخ: موجب اللفظ لا يضمن، مقتضى اللفظ أنه لا يضمن، لكن من النصيحة بلا شك أنه إذا لم يجد إلا المماطل أو المعسر فإنه يجب عليه أن يتوقف ويرجع إلى الموكل؛ إما أن يقول: امضِ في ذلك، أو يمنعه.
    طالب: (ولا يقبض الثمن) هل النهي موجه للمشتري أو لوكيل البائع؟
    الشيخ: كيف؟
    طالب: هل نقول للمشتري .. ؟
    الشيخ: الوكيل في البيع لا يقبض الثمن، إذا وكله في بيع ما يقبض الثمن؛ لأنه قد يرضى في البيع من لا يرضاه لقبض الثمن.
    الطالب: ولكن النهي عن قبض الثمن هل نوجهه للمشتري؟
    (2/1676)
    ________________________________________
    الشيخ: لا، لو كان للمشتري قلنا: ولا يسلم الثمن، هذا موجه للوكيل، الوكيل في البيع لا يقبض الثمن.
    الطالب: وإذا قبضه؟
    الشيخ: إذا قبضه فهو ضامن، أما المشتري فلا يضمن؛ لأن المشتري ما يدري.
    طالب: ما هو الدليل على هذه المسألة أن الوكيل في البيع لا يقبض الثمن ما دام أن الموكل ناب عنه ذلك، فلماذا لا يقبض؟ لأنه مادام وكله إذن فإنه واثق منه؟
    الشيخ: مثلما قلت قالوا: لأنه إنما وكله في البيع وليس قبض الثمن من مقتضاه تعليل؛ ولهذا المؤلف رحمه الله قال: (إلا بقرينة) مع أنه خالف المذهب؛ مؤلف زاد المستقنع في هذا خالف المذهب، المذهب: لا يقبضه إلا بإذنه، حتى في القرينة ما يقبض، والصواب: أنه يقبضه بالقرينة، وذكرنا لكم أن القرينة عرفية وشرعية.
    طالب: بارك الله فيكم، سبق بأنه إن وكَّله أن يشتري هذا القلم، وهذا القلم سعره معروف؛ أنه سعره مئة ريال، فذهب الوكيل واشتراه بأقل، قلنا: إن الزيادة من حق الموكل، وهذه مسألة يكثر جدًّا السؤال عنها ومنتشرة كثيرًا، فيقول الوكيل: إنما أنا أتيت بأقل باجتهادي ومعرفتي بالسوق، فهذا حقي، وإنما هو وكلني بمئة ريال، فزيادته عن السعر دليل على إسقاطه ما قل منه، فكيف الجواب؟
    الشيخ: معلوم أن التسعين -مثلًا- لو اشتراه بتسعين، ما يقبض من الموكل إلا تسعين.
    الطالب: هو أعطاه مئة.
    الشيخ: يرد عشرة.
    الطالب: نعم، هذا ما دار، لكن أنا أسأل: الدليل؟
    الشيخ: الدليل: لأني وكلته يشتري قلمًا، وكنت أظن أنه يساوي مئة وصار يساوي تسعين، أما لو قلت: اشتره بمئة، فإن نقص عن ذلك فالزائد لك، هذا واضح.
    طالب: بعضهم يقول بأن تحديد الثمن من الموكل دليل على إسقاطه لهذه الزيادة، فهل هذا سائغ؟
    الشيخ: ما هو بصحيح أبدًا، الغالب أن تحديده للثمن الجهل، الغالب أنه ما حدد الثمن إلا جاهلًا به.
    طالب: فإن انتفى الجهل ويقدم انتفاء الجهل؟
    (2/1677)
    ________________________________________
    الشيخ: على كل حال المسألة ما هي مشكلة، إذا اشتراه بتسعين قال: واللهِ، أنا اشتريته بتسعين، وأنت أعطيتني مئة، هذه عشرة، فإذا قال الموكل: هي لك، ما هي بإشكال.
    طالب: الذين يرون أن الخمرة نجسة، هل يرون أن النجاسة تذهب إذا تخللت من جنسها؟
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: كيف -يا شيخ- وهي في الأول نجسة؟
    الشيخ: وهل هي في الأول طاهرة أيضًا؟ هي قبل النجاسة طاهرة لما كانت خلًّا، الحكم يدور مع علته.
    طالب: بالنسبة إذا كان وكَّل في المجلس لشراء، وكله شخص في البيع ووصف له شيئًا بصفة معينة، ووكله الآخر بشراء شيء بصفة معينة، فهل تكفي نيته؟ نويت ..
    الشيخ: إي نعم، هذا يسمى تولي طرفي العقد.
    الطالب: ( ... ) بمجرد بالنية؟
    الشيخ: إي نعم، ينتقل الملك من هذا إلى هذا بمجرد النية، ولكن في مثل هذا ينبغي أن يشهد؛ لأنه لا يدري، ربما يفجؤه الموت أو يحصل له حادث ولا يدري، فمثل هذا يُشْهِد؛ اشهدوا بأني بعت ملك فلان على فلان، إذا كان زوج المرأة وليها وأراد يعقد النكاح لنفسه، يجوز؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: يزوج نفسه؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: عندكم معارضة ولَّا موافقة؟ خلاص موافقة، السكوت يكفي، هو وليها وأراد أن يتزوجها فهل يجوز؟
    طالب: نعم.
    طالب آخر: يتولى هو يا شيخ.
    الشيخ: إي، هو.
    طالب: وليها.
    الشيخ: إي نعم.
    طالب: الرسول.
    الشيخ: ابن عمها أقرب الناس إليها، يجوز، لكن كيف يكون يجيب اثنين ويشهدوا يقول: أشهدكم أني تزوجت فلانة؟ وهنا صار الإيجاب هو القبول، إي نعم.

    ***
    الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال رحمه الله تعالى في باب الوكالة: والوكيل في الخصومة لا يقبض، والعكس بالعكس، واقبض حقي من زيدٍ لا يقبض من ورثته، إلا أن يقول: الذي قبله، ولا يضمن وكيل الإيداع إذا لم يُشْهِد.
    (2/1678)
    ________________________________________
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    رجل وكل شخصًا أن يبيع جملًا شاردًا؟
    طالب: الوكالة هنا فاسدة.
    الشيخ: فهل تصح الوكالة؟
    طالب: لا.
    الشيخ: حضر الجمل هل يبيعه بالوكالة الأولى أو لا؟
    طالب: لا يبيعه بالوكالة الأولى.
    الشيخ: لا يبيعه بالوكالة الأولى، لماذا؟
    الطالب: لأنه كان نقص الثمن.
    الشيخ: لو قال: إذا حضر جملي الشارد فبعه؟
    طالب: يصح؛ لأن الوكالة تصح معلقة.
    الشيخ: يصح؛ لأن الوكالة تصح معلقة.
    إذا وكله أن يشتري عينًا بما شاء؟
    طالب: لا يجوز.
    الشيخ: لا يجوز، لماذا؟
    طالب: لأن فيه مفسدة، فيها جهالة عظيمة.
    الشيخ: فيها جهالة عظيمة؛ قد يشتري ما يساوي عشرة بألف، لو علمنا أن مراده بقوله: بما شئت؛ أي: بما تراه صالحًا ولو زاد الثمن؟
    طالب: نعم، يصح.
    الشيخ: نعم، يصح.
    طالب: لأن الوكالة تنصرف إلى العرف أو لفظ الموكل.
    الشيخ: إذا كان هذا قصده؛ معناها إن ما أحدد لك الثمن، وليس مراد الموكل (بما شئت) يعني: بكل ثمن قليل أو كثير، هذا ما أحد يقوله، لكن معنى (بما شئت) أي: بما تراه صالحًا فلا بأس به.
    قال المؤلف رحمه الله: (والوكيل في الخصومة لا يقبض، والعكس بالعكس) أفادنا المؤلف أولًا: أنه يجوز التوكيل في الخصومة؛ يعني: يجوز أن توكل شخصًا يخاصم عنك، وحينئذٍ نسأل هل يجوز قبول هذه الوكالة أو لا؟ في ذلك تفصيل؛ لأنه لا يخلو من إحدى أحوال ثلاث: إما أن تعلم أنه محق، أو تعلم أنه مبطل، أو تتردد، فإن علمت أن الموكل محق لكن خصمه خصم جدل فهنا يجوز لك أن تقبل الوكالة في الخصومة، بل قد نقول: إنه يشرع أو يجب؛ لأن في هذا استنقاذًا لحق أخيك ونصرة له، وللظالم أيضًا؛ أما نصرته فواضح؛ لأنك سبب لوصول الحق إليه، وأما نصرة الظالم فلمنعه من الظلم، هذا متى؟ إذا علمنا أن الموكل محق في خصومته.
    (2/1679)
    ________________________________________
    إذا علمنا أنه مبطل لكنه اختار هذا الوكيل؛ لأنه وكيل جدلي يستطيع أن يقلب الباطل حقًّا والحق باطلًا، فهل يجوز أن تُقْبَل هذه الوكالة؟ لا يجوز؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
    إذا ترددت فالإمام أحمد رحمه الله لا يعدل بالسلامة شيئًا، لا سيما في أوقاتنا هذه عند تغير الزمان واختلاف الذمم، فإذا ترددت هل الذي أراد أن يوكلك تخاصم عنه محق أو غير محق فالسلامة أولى؛ أي: ألَّا تقبل الوكالة.
    من هذا الآن هؤلاء الذين يتوكلون ويسمونهم أيش؟
    طلبة: المحامون.
    الشيخ: المحامون، يسمونهم المحامين، فالمحامي إذا قال: هل يجوز أن أشتغل بالمحاماة؟ نقول: في هذا تفصيل؛ إن كنت تحامي عن شخص عاجز عن دفع الظلم عن نفسه فهذا خير وصحيح، وهو دائر بين الوجوب أو الاستحباب وإن كنت تحامي لأجل أن تحصل على فلوس سواء كان صاحبك محقًّا أو مبطلًا فهذا لا يجوز، وإن علمت أنه مبطل صار ذلك أشد تحريمًا.
    نرجع الآن ونقول: هل يجوز أن يوكل من يخاصم عنه؟
    الجواب: نعم، يجوز.
    فإذا قيل: ما الدليل؟
    قلنا: لا حاجة لطلب الدليل، لماذا؟ لأن الأصل في المعاملات الحل، فأي واحد يطالبك بدليل أي معاملة فقل: الدليل عليك أنت، هاتِ الدليل على التحريم، وعلى العين والرأس.
    وكَّله بالخصومة هل يملك القبض أو لا يملك؟
    يقول المؤلف: إنه لا يملك القبض، فإذا وكَّل زيدٌ عمرًا أن يخاصم عنه خصمه فخاصمه وحكم القاضي للموكل، فهل للوكيل أن يقبض ما حصلت فيه الخصومة؟ يقول المؤلف: لا، لماذا؟ لأنه ربما يرضى في وكالة الخصومة من لا يرضاه في وكالة القبض، قد يكون؛ لأنه ربما يكون هذا الرجل قويًّا في الخصومة، لكنه غير أمين، ربما لو يقبض مالي ذهب يفسده، أو يدعي التلف، أو يؤذيني في تخليصه منه، فقد أوكل في الخصومة من لا أرضاه في القبض.
    (2/1680)
    ________________________________________
    وقال بعض أهل العلم: ينظر في ذلك إلى القرائن؛ قرائن الأحوال، فإذا كان الوكيل بالخصومة في بلد غير الموكل فهنا القرينة تقتضي أن يقبض؛ لأن الموكل ليس حاضرًا حتى يقال: إن الموكل هو الذي يقبض، وقد جرت العادة أن مثل هذا؛ يعني: أن الوكيل في الخصومة يقبض إلا إذا نهاه قال: أنت وكيلي في الخصومة، ولكن لا تقبض شيئًا، فهنا لا يقبضه على كل حال.
    وحينئذٍ نقول على القول الراجح: لا تخلو المسألة أيضًا من ثلاث حالات؛ إما أن يقول: أنت وكيلي في الخصومة والقبض، فالأمر واضح؛ يعني: يملك الخصومة والقبض، وإما أن يقول: أنت وكيلي في الخصومة لا في القبض، فهذا أيضًا واضح، يكون وكيلًا في الخصومة ولا يقبض، وإما أن يسكت، فالمؤلف يرى أنه لا يقبض، والراجح أنه يرجع في ذلك إلى القرائن؛ إلى قرائن الأحوال، فإن دلت القرينة على أنه يقبض قبض، وإلا فلا. وإذا قلنا بهذا القول ولم يقبض صار مفرطًا، فيكون عليه الضمان.
    (العكس بالعكس) الوكيل في القبض له أن يخاصم؛ يعني: لو قلت: يا فلان، أنت وكيلي، اقبض حقي من زيدٍ، له أن يخاصم إذا طلب الحق من زيد، وقال زيد: ليس عندي له شيء؛ أنكر، هنا نحتاج إلى الخصومة.
    هل يملك الوكيل في القبض أن يخاصم؟
    يقول المؤلف: نعم، التعليل: لأنه قد لا يتأتى القبض إلا بخصومة، فالخصومة قد تكون أحيانًا هي التي يتمكن بها من القبض؛ فلهذا إذا وكله في القبض فله أن يخاصم، هكذا قال المؤلف رحمه الله وأطلق.
    ولكن في الإطلاق نظر؛ لأني قد أثق به في القبض، لكنني لا أعتمد عليه في الخصومة؛ لكونه رجلًا ضعيفًا لا يعرف أن يحاج ولا يعرف أن يخاصم، وصاحبي الذي أنا أطلب منه رجل قوي في الخصومة، فيقول له: اذهب، ما عندي لك شيء، ولا عندي لموكلك شيء، وإذا خاصمه غلبه؛ إذا خاصم وكيلي في القبض يغلبه، فهذا الذي قال المؤلف فيه نظر، بل نقول: إذا وكله في القبض فإنه لا يملك الخصومة، إلا إذا قال: وإن احتجت إلى خصومة فخاصم.
    (2/1681)
    ________________________________________
    ماذا يصنع إذا وكله في القبض، ثم ذهب إلى الغريم وقال: ليس عندي شيء؟
    يرجع إلى الموكل يقول: الرجل أنكر، فهل توكلني أن أخاصم، أو وكل غيري؛ يعني: الإنسان ما هو ملزم إذا وُكِّل في شيء أن يتمه، الوكالة -كما عرفتم- عقد جائز، فإذا طلب الحق وقال المحقوق: ليس عندي لموكلك شيء، يجب أن يتوقف ولا يخاصم؛ لأنه قد يخاصم، فيغلب والحق معه، يغلب؛ لأن صاحبه ألد خصم، وهو ضعيف، فنقول: الوكيل في القبض لا يملك الخصومة إلا بإذن خاص.
    (والعكس بالعكس، واقبض حقي من زيد لا يقبض من ورثته إلا أن يقول: الذي قبله) إذا وكَّله في قبض حقه من زيد قال: يا فلان، لي عند زيدٍ عشرة آلاف ريال، أنت وكيلي في قبضها، ذهب الوكيل إلى زيد ووجده قد توفي، إلى من ينتقل المال؟
    طلبة: إلى ورثته.
    الشيخ: ينتقل إلى ورثته، هل يقبض من الورثة؟ يقول المؤلف: لا يقبض من الورثة؛ لأن الوكالة تتقيد بما قيدها به الموكل، والموكل -يا جماعة- قال: اقبض حقي من زيد، هذا الوكيل وصل إلى زيد فوجده قد توفي، نقول: لا تقبض من الورثة، حتى لو قال الورثة: يا فلان، أنت وكيل فلان؟ قال: نعم، قال: عند أبينا لك كذا وكذا، اتفضل خذ، لا يستلمه؛ لأن الموكل قال: اقبض حقي من زيد، وقد تتغير حال الموكل إذا علم أن غريمه قد توفي ويكون قد ترك صغارًا وأيتامًا وعجائز، فيريد أن يهبه، أو أن يبرئهم منه.
    وعلى هذا فماذا يصنع إذا كان لا يقبض من ورثته؟ يخبر الموكل يقول: إني وجدته قد توفي، فهل توكلني في أن أقبض من ورثته أو لا؟ هو عاد بالخيار، إلا إذا قال: اقبض حقي الذي عند زيد، أو اقبض حقي الذي قِبَل زيد -انتبه للفرق بين العبارات، كن فقيهًا- اقبض حقي من زيد؛ هذا لا يقبض من الورثة، اقبض حقي الذي عند زيد؛ يقبض من الورثة؛ لأنه وكله في قبض حقه دون تعيين من يقبضه منه.
    اقبض حقي الذي عند زيد، اقبض حقي الذي قِبَل زيد؛ أي: من جهة زيد، يقبض من الورثة؟
    طلبة: نعم.
    (2/1682)
    ________________________________________
    الشيخ: يقبض من الورثة، واضح. اقبض حقي من زيد؟
    طلبة: لا يقبض.
    الشيخ: هي المسألة الأولى، ففرق بين العبارات، مع أن أكثر الناس لا يميز الفرق بين: اقبض حقي من زيد، واقبض حقي الذي عند زيد، واقبض حقي الذي من قِبَل زيد، وما أشبه ذلك، لكن الواقع أن بينهما فرقًا واضحًا؛ لأن (اقبض حقي من زيد) عيَّن المقبوض منه، و (اقبض حقي الذي عند زيد) ما عين المقبوض منه، اقبض الحق، لكن عين الجهة صحيح، لكن (الذي عند زيد) هذا تعيين جهة، ليس تعيين من يقبض منه، لكن هذه المسائل الدقيقة أتظنون أن العوام يفرقون بينها؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: في ظني -والله أعلم- أن العامي إذا قال: اقبض حقي من زيد فهو بمنزلة قوله: اقبض حقي الذي عند زيد، فإذا علمنا -يقينًا- أن هذا هو المراد فإن الوكيل يقبض منين؟
    طلبة: من الورثة.
    الشيخ: من الورثة، وإذا شككنا فالسلامة، انتبهوا لهذا، متى شككنا في ملك الشيء فخذوه بالسلامة، كان الإمام أحمد رحمه الله لا يعدل بالسلامة شيئًا، وأنت الآن إذا قبضت من الورثة وأنت شاك فقد أخذت ما ترددت فيه، لكن إذا لم تقبض فليس عليك لوم، فأنت سالم، وعليه فمتى -هذه خذوها قاعدة- متى تردد الإنسان في الإمضاء أو التوقف فما السلامة؟
    طلبة: التوقف.
    الشيخ: التوقف.
    ثم قال رحمه الله: (ولا يضمن وكيل الإيداع إذا لم يُشْهِد) (وكيل الإيداع) معناه: وكلتك أن تودع شيئًا عند شخص، قلت: يا فلان، هذه -مثلًا- عشرة آلاف ريال، اذهب بها إلى فلان وديعة عنده، ويش معنى وديعة؟
    طالب: أمانة.
    (2/1683)
    ________________________________________
    الشيخ: يعني ويش معنى أمانة؟ وديعة؛ معناه: أستودعها عنده، ويكون حافظا لها، خذ عشرة آلاف أعطها فلانًا وديعة، أخذها الوكيل وذهب بها إلى فلان وأعطاها إياه بدون شهود، يقول المؤلف: إنه لا يضمن الوكيل، لماذا لا يضمن؟ لو فُرِضَ أن المودع أنكر قال: ما أعطيتني وديعة، قال: يا رجل، أعطيتك، جئت إليك في البيت وأعطيتك عشرة آلاف ريال وقلت: هذه وديعة من فلان، احفظها له حتى يرجع من سفره -مثلًا- قال: أبدًا، أنكر، فهل يضمن الوكيل بالإيداع الذي وكَّلته أن يودعها عند زيد؟ يقول المؤلف: لا يضمن؛ لأن المودع يقبل قوله في نفي الوديعة.
    لو أن إنسانًا ادَّعى أنه أودع شخصًا مالًا وأنكر المودع، هل يلزمه شيء؟ أجيبوا يا جماعة.
    طلبة: لا.
    الشيخ: جواب بارد هذا، لا!
    طالب: لا يلزمه.
    الشيخ: لا، نعم، لا يلزمه؛ لأنه الأصل براءة ذمته، يقولون: إن هذا الوكيل لما لم يشهد لم يكن مفرطًا؛ إذ لو قُدِّرَ أنه أشهد وثبتت الوديعة عند المودع، ثم ادعى ردها؛ ثبتت الوديعة عند المودَع -بفتح الدال- ثم ادعى ردها قال: صحيح، أنت أودعتني لفلان عشرة آلاف ريال، لكنني رددتها عليك، يُقْبَل قوله أو لا؟
    طلبة: يُقْبَل.
    الشيخ: يُقْبَل قوله، فيكون إذن الإشهاد لا فائدة منه، حتى لو أشهد أو لم يُشْهِد فإن المودع يُقْبَل قوله في رد الوديعة، هكذا قال المؤلف رحمه الله، ولكن في كلامه نظر، والصواب: أنه يضمن إذا لم يشهد، إلا فيما جرت العادة بأنه لا يشهد فيه؛ لقلته وحقارته، أو لكون المودع ممن جرت العادة ألَّا يُشْهَدَ عليه؛ من أجل أنه مبرز في العدالة.
    أقول: إذا قلت لفلان: خذ، أنت وكيلي، أودع هذه عشرة آلاف ريال عند شخص، فأودعها بدون إشهاد، ثم إن المودع أنكر هل يضمن؟ لا يضمن، ليش؟ على كلام المؤلف لا يضمن؛ لأن المودع لو ثبتت الوديعة عليه وادعى أنه ردها قُبِلَ قوله، إذن لا فائدة من الإشهاد، هذا كلام المؤلف رحمه الله، ولكن نقول: الصحيح أنه يضمن إلا في حالين:
    (2/1684)
    ________________________________________
    الحال الأولى: إذا كان المُودَعُ شيئًا زهيدًا لم تجر العادة بالإشهاد عليه، هذه واحدة.
    والثانية: إذا كان المُودَعُ رجلًا مبرِّزًا في العدالة، جرت العادة ألَّا يُشْهَدَ عليه إذا أودع؛ لأنه مؤتمن، أمين عند الناس كلهم، فهنا نقول: إن المودِع الذي وُكِّل في الإيداع لا يضمن؛ لأن الناس كلهم لا يقولون: هذا مفرط.
    رجل أعطى شخصًا عشرة ريالات، قال: واللهِ، أنا بسافر، وهذه عشرة ريالات حطها عند فلان أمانة، أعطاها إياه قال: هذه أمانة لفلان، هل يضمن إذا لم يُشْهِد؟
    طلبة: لا يضمن.
    الشيخ: ليش يا جماعة؟ زهيدة، لو أن هذا الوكيل راح يجيب اثنين يشهدون، قال: اشهدوا أني أعطيت هذا عشرة ريالات وديعة لفلان، ويش يقولون الناس؟ يستخفون بي لا شك، ولا يعدون هذا مناسبًا.
    مثال آخر: رجل أعطى شخصًا دراهم قال: حطها أمانة عند شخص يحفظها لي، فذهب الرجل إلى رجل مبرز في العدالة؛ أمين عالم عابد حافظ، ما هو كثير النسيان حتى نقول: هرف ونسي، ثم أودعها، هل جرت العادة أن يُشْهَد على مثل هذا؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: لا، ما جرت. فالصواب إذن أن يقال: إن الموكل في الإيداع إذا لم يُشْهِد؛ إن عُدَّ مفرطًا فهو ضامن، وإلا فلا.
    ولكن كيف يُعَد مفرطًا؟ نقول: هو مفرط إذا لم يشهد مطلقًا، إلا في حالين: إما لزهادة الوديعة، وإما لاعتبار المودَع.
    الفائدة من الإشهاد، إذا قال قائل: ما الفائدة من الإشهاد إذا كان قول المُودَع مقبولًا في الرد؟
    الفائدة هو أنه قد لا يدعي الرد، قد يكون عنده من الإيمان ما يمنعه أن يدعي الرد، وهو لم يرد، لكن ينسى فينكر الوديعة، يقول: ما ودعتني، حينئذٍ إذا لم يكن شهود تضيع أو لا تضيع؟ تضيع الوديعة، وإذا كان شهود لا تضيع؛ لأن الشهود سيثبتونها، وحينئذٍ فيكون عدم الإشهاد تفريطًا من الوكيل، فيضمن.
    (2/1685)
    ________________________________________
    قال: (ولا يضمن وكيل الإيداع إذا لم يُشْهِد) ما هو تعليل كلام المؤلف؟ أن الوديعة يُقْبَل فيها قول المودَع إذا ادَّعى الرد، فلا فائدة من الإشهاد، حتى لو أقر قال: نعم، أنت أودعتني، ولكن رددتها، هذا هو التعليل.
    فنقول: هذا التعليل صحيح من جهة، لكنه عليل من جهة أخرى، نحن نقول: يُشْهِد خوفًا من النسيان؛ يعني: إذا قدَّرنا أن المودع رجل ثقة لا يمكن أن يدعي الرد، لكن قد ينسى وينكر، فيكون الإشهاد فيه فائدة.
    ***
    ثم قال: (فصل: والوكيل أمينٌ لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريطٍ) (الوكيل أمين) أفادنا المؤلف رحمه الله أن الناس الذين بأيديهم أموال الناس منهم أمناء ومنهم غير أمناء، فما هو الضابط للأمين من غير الأمين؟ لما قال: (الوكيل أمين) علمنا أن هناك طرفًا آخر ليس بأمين، فما هو الضابط؟
    نقول الضابط: كل من كان المال بيده بإذن من الشارع أو بإذن من المالك فهو أمين، هذا الضابط، ومن كان في يده بغير إذن من الشارع أو من المالك فليس بأمين، فلننظر: ولي اليتيم من أذن له؟
    طلبة: الشرع.
    الشيخ: الشرع، هذا أمين من قبل الشرع.
    ناظر الوقف؟
    طلبة: أمين.
    الشيخ: من أذنَ له؟ الواقف. الوصي -يعني المُوصَى إليه- أمين، من أذن له؟
    طلبة: الموصي.
    الشيخ: الموصِي. المستأجر تحتَ يده العين المؤجرة أمين ولَّا غير أمين؟ من أذن له؟ المُؤجر، وهلم جَرًّا.
    إذن الضابط للأمين: كل من كانت العين بيده بإذن من الشارع أو إذن من المالك فهو أمين.
    نأتي للوكيل؛ الوكيل أمين؛ لأن العين حصلت بيده بإذن من الموكِّل، متى ترتفع الأمانة؟ ترتفع الأمانة إذا تعدَّى أو فرَّط ارتفعت الأمانة وصارت يده غير أمينة.
    مثال ذلك: المودع؛ أودعت شخصًا عشرة آلاف ريال في ربطتها وجعلها أمام عينه في الصندوق، بقيت في الصندوق لم يتصرف فيها، هو الآن أيش؟
    طلبة: أمين.
    (2/1686)
    ________________________________________
    الشيخ: أمين؛ لأن الدراهم تحت يده بإذن من المالك، الرجل احتاج يومًا من الأيام واستقرض هذه الدراهم، واشترى بها حاجة، ثم ردها في يومها إلى الصندوق، هل تزول أمانته؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: نعم، تزول أمانته، الآن صارت يده غير أمينة، لماذا؟ لأنه تصرف في المال بغير إذن مالكه، وهذا تعدٍّ.
    إذا قال قائل: هو أخذ عشرة آلاف ورد عشرة آلاف بيومه وفي الصندوق نفسه؟
    نقول: لكن ليس له حق أن يتصرف في عين مال الغير إلا بإذنه، وهذا لم يُؤْذَن له.
    لو فُرِضَ أن هذا الصندوق احترق وتلفت الأموال اللي فيه ومن جملتها عشرة الآلاف هذه، يضمن؟
    طلبة: لا يضمن.
    طالب: بلى.
    الشيخ: بعد أن تصرف فيها وردها؟
    طلبة: نعم، يضمن.
    الشيخ: تمام، يضمنها؛ لأنه صار غير أمين بتصرفه فيها، أما لو أبقاها ولم يتصرف فيها ثم احترق الصندوق فليس عليه ضمان، لماذا؟ لأنه أمين، انتبهوا للقواعد هذه؛ لأنها مفيدة جدًّا.
    (الوكيل أمين) ثم بيَّن الحكم الذي يترتب على كونه أمينًا فقال: (لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط) لا يضمن ما تلف بيده من المال الذي اؤتمن عليه، (بلا تفريط) يعني: شرط عدم الضمان ألَّا يفرط، ونحن نزيد شرطًا آخر من باب أولى: وألَّا يتعدى؛ يعني: بلا تفريط ولا تعدٍّ.
    وهنا نسأل ما الفرق بين التفريط وبين التعدي؟ الفرق؛ التعدي: أن يفعل ما لا يجوز، والتفريط: أن يترك ما يجب، فما طُلِبَ فعلُه فتركه يُسَمَّى تفريطًا، وما طُلِبَ الامتناع منه ففعله يُسَمَّى تعديًا.
    في المثال اللي ذكرنا من قبل في مسألة الوديعة: إذا أخذ الدراهم التي أودعَها وتصرف فيها، هذا تعدٍّ، إذا وضع الدراهم فوق سطح الصندوق وغفل، ثم سُرِقَت، فهذا تفريط؛ لأنه ترك ما يجب؛ إذ إن الواجب عليه أن يحفظها فورًا بما تحفظ به عادةً.
    (2/1687)
    ________________________________________
    الوكيل الآن وكَّله في شراء حاجة من الحوائج، ولنقل: إنه وكَّله في شراء ساعة، اشترى الساعة، ثم وضعها في بيته على رفٍّ يتناوله الصبيان، فأتت الصبيان فأخذت الساعة وخرَّبتها، ما تقول؟
    طالب: يضمن يا شيخ.
    الشيخ: لماذا يضمن؟
    طالب: لأنه فرَّط.
    الشيخ: لأنه فرَّط، صحيح كلامه؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: يضمن؛ لأنه فرَّط.
    مثال آخر: وكلته أن يشتري لي ساعة فاشتراها، اشترى ساعة، ثم إنه نسي ساعته في البيت، فوضع الساعة التي اشتراها لي في يده -يعني استعملها- فجاءها شيء وكسرها، يضمن أو لا؟
    طلبة: يضمن.
    الشيخ: ليش؟
    طلبة: للتعدي.
    الشيخ: لأن هذا تعدٍّ.
    الصورة الثالثة نشوف ما فيها من تعدٍّ ولا تفريط؛ اشترى الساعة ووضعها في رف رفيع لا يتناوله الصبيان، ولكن أحد الصبيان كان بذيًّا، أتى بسلم من الجيران وصعد على الرف وأخذ الساعة وكسرها؟
    طلبة: لا يضمن.
    الشيخ: لا يضمن؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: ليش؟
    طلبة: لأنه بدون تعدٍّ ولا تفريط.
    الشيخ: لأن هذا ليس تعديًا ولا تفريطًا؛ إذ إنه جرت العادة أن الناس يحفظون مثل الساعة وشبهها في الرفوف العالية عن الصبيان، وهذا الصبي خرج عن العادة، من يُقَدِّر أن صبيًّا يذهب ليأتي بسلم ويصعد عليه ليجد هذه الساعة؟
    فعلى كل حال القاعدة عرفناها؛ إذا تلف الشيء تحت يده بتعدٍّ أو تفريط فهو ضامن، وبلا تعدٍّ ولا تفريط فهو غير ضامن.
    طالب: إذا كان لي عند زيد -مثلًا- مبلغ من المال، فوكلت أحدًا أن يُحْضِر لي هذا المال؟
    الشيخ: يحفظه؟
    طالب: يحضره، ولكن زيد مماطل، فقال لي الوكيل: أنا أعطيك نصف المبلغ، واتركني أنا أتصرف مع زيد؟
    (2/1688)
    ________________________________________
    الشيخ: إي، سمعتم السؤال؟ يقول: إن شخصًا وكَّل آخر أن يقبض حقه من زيد، ولنجعله عشرة آلاف ريال، فقال الوكيل: إن زيدًا رجل مماطل، ولكن أنا أعطيك الآن ثمانية آلاف ريال، وآخذ من هذا المماطل عشرة آلاف ريال، نقول: هذا حرام ولا يجوز؛ لسببين: السبب الأول: أنه ربًا، والسبب الثاني: أنه باع دينًا في ذمة الغير على غير من هو عليه، وبيع الدين على غير من هو عليه لا يجوز؛ لأنه لم يقبض، وإذا كان مماطلًا ففيه بعد علة أخرى؛ أنه قد يكون غير مقدور على تسليمه. المهم أن هذه حرام.
    طالب: يا شيخ، بالنسبة لما ذكرنا الآن التصرف في الأموال؛ الأوراق النقدية جرت العادة أن الإنسان إذا أودع شيئًا فإنه يتصرف؛ يمكن له أن يتصرف فيها ويردها، كما لو كان في سفر فأخذ مالًا يوصله إلى آخر في بلد آخر عشرة آلاف، وجرت العادة أنه يمكن أن يتصرف فيها، ثم يرد؟
    الشيخ: واللهِ، ما تعرف العادة هذه، ما عرفت العادة.
    الطالب: ليست عينية.
    الشيخ: إي، دراهم.
    الطالب: ليس المراد إيصالها بعينها؟
    الشيخ: هو الواجب إيصالها بعينها وألَّا يتصرف فيها.
    طالب: ذكرنا من قبل أن الدراهم ليست كالـ ..
    الشيخ: لا، الدراهم بالتعيين، هذا شيء ثانٍ، هذا في البيع والشراء، لكن مسألة الأمانة تتعين، ما يمكن يتصرف فيها أي تصرف إلا بإذن، لو قال له -مثلًا-: خذ هذه أعطها أهلي في البلد الفلاني، قال: تأذن لي أني أستقرضها، إذا أذن له لا بأس.
    طالب: ما شأن المحامين الذين يدافعون عمن له حق، لكنهم يستخدمون وسائل غير شرعية؟
    الشيخ: مثل؟
    الطالب: يستخدمون قوانين ( ... ).
    (2/1689)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه مسألة في الحقيقة مهمة جدًّا؛ يعني -مثلًا- هل يجوز أن نتحاكم إلى من يحكمون بالقانون إذا كنا محقين، أو نضيع حقوقنا؟ ذكر ابن القيم رحمه الله في أول كتاب الطرق الحكمية أن من الفقهاء من قال: لا تتحاكم إليهم، وليضيع كل حقك، وقال: هذا لا يمكن أن تصلح به أحوال الناس، لا سيما مع كثرة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، لك أن تحاكم، ولكن إذا حكم لك بغير ما أنزل الله فردها، أما أن تضيع حقوق الناس، ربما تكون أملاك وفيها وراث كثيرون، نضيعها لأن هذا يحكم بالقانون؟ ! أنت تحاكم إليه، وإذا حكم بالحق فالحق مقبول من أي إنسان.
    طالب: شخص إذا كان محامي نفسه؟
    الشيخ: نفس المحامي، الوكيل قائم مقام الموكل، فإذا كان الموكل محقًّا فلا بأس أن يتوكل عنه.
    طالب: أحسن الله إليك، قولنا: وكل يُقْبَل قوله ( ... ) هل هو على إطلاقه فيمن قبض؟
    الشيخ: لا، كل يُقْبَل في الأمور المالية، لكن فيه أشياء ما يحتاج إلى الحلف.
    طالب: في الأمور المالية هل مرتبطة بحظ نفسه أم بغيره؟
    الشيخ: كل الدعاوي هذا الضابط فيها.
    طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، إذا كان فيها مانع؛ مثل عشرة آلاف ريال جت ضرورة لي ولَّا لأحد من الناس، ضرورة لازمة، ونويت أتصرف فيها ..
    الشيخ: وتستأذن صاحبها؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: إي.
    الطالب: أو لا استأذن صاحبها، ( ... ) الحقيقة هذه تيجي فجأة.
    الشيخ: إي، إذا كان ضرورة بمعنى الموت إن لم تفعل؟
    الطالب: لا، يا شيخ، هم غالبًا ما يسجنون الإنسان.
    الشيخ: هذا ( ... ) معناه: أن ما عندك فلوس توفيه.
    الطالب: بيسجن الإنسان، ولًّا بيسجني أنا، ولَّا بيسجنك، وأنا نويت أني آخدها أتصرف فيها وأخبره بعد ..
    (2/1690)
    ________________________________________
    الشيخ: ما يكفي النية، لا بد أن تستأذن من صاحبها، نعم لو فُرِضَ أن الذي أعطاك إياها رجل من أقاربك وتعلم علم اليقين أن من أحلى ما يكون على قلبه أن تزيل ضرورتك باستعمالها فلا بأس، أو إنسان صديق لك صداقة تعلم أن من أحلى ما يكون على قلبه أن تتصرف بدراهمه تفك حاجتك فلا بأس، وهذا يُسَمَّى عند العلماء تصرف الفضولي.
    طالب: بارك الله فيك، المحامون الذين يدافعون عن حقوق الناس بالحق، ولكن يتحاكمون بحكم بغير ما أنزل الله، فهل يجوز له أن يزوِّر؛ لأن بعض الناس يجي بأوراق مزورة لكي يصل لما فيه من حق، فهل يجوز له تزوير أوراق؟
    الشيخ: أبدًا، ما يجوز، التزوير هذا حرام.
    الطالب: يقول: لو لم أفعل ذلك ما جاب حقًّا؟
    الشيخ: لا يجيب حقًّا، التزوير محرم.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليك- قلنا: تجوز الخصومة، هل يجوز التوكيل في الخصومة بدون رضا الخصم؟
    الشيخ: إي، أسمعتم ما قال؟ يقول: هل يجوز أن أوكل شخصًا يخاصم عني بدون رضا خصمي؟ الجواب: نعم؛ لأن الإنسان له أن يأخذ الحق بنفسه أو بوكيله.
    الطالب: حتى لو قال الوكيل: أنا لا ..
    الشيخ: لو قال الخصم: أنا ما أبغي هذا، ليش توكل هذا؟ هذا رجل لدود، هذا رجل خصوم، أنا ودي أنت؛ رجل طيب القلب، حبيب؛ علشان أركبك!
    طالب: وكَّل الموكل الوكيل على أن يبيع له سلعة بعشر، قال له: والزائد على العشرة لك إجارة؟
    الشيخ: ما فيه بأس، إذا قال: بعْ هذا بعشرة وما زاد فهو لك فلا بأس به.
    طالب: أحسن الله إليك، إذا كان -مثلًا- الوكيل في بلاد ليس للموكل أن يأتي إليها وغريمه هناك، ولا يجد من يوكله إلا ذاك الوكيل، فهل يجوز للوكيل أن يقول: أنا لا أسعى لك في قضيتك إلا بأخذ مالي، أم نظرًا لضرورة ذلك يقال: إنه لا يجوز له ذلك؟
    (2/1691)
    ________________________________________
    الشيخ: لا، له أن يأخذ المال، لكن بقدر العادة؛ لا يزيد ويتغلب عليه عشان هو مضطر، سمعتم كلامه؟ يقول: إذا كان الإنسان في مكان آخر وله خصم في بلد آخر، ووكل شخصًا لقبض حقه، وقال الوكيل: أنا لا أقبضه إلا بكذا وكذا؛ إما بدراهم مقطوعة؛ كألف ريال مثلًا، أو بالعشر، لي عشر ما قبضت أو ما أشبه ذلك، نقول: لا بأس، لكن بشرط ألَّا يستغل ضرورته فيطلب عليه أكثر من العادة.
    طالب: قلنا في تعريف الأمين: كل من أخذ المال بإذن الشارع وبإذن ..
    الشيخ: كل من كان المال في يده بإذن من الشارع أو إذن من المالك.
    الطالب: يدخل في هذا التعريف المستعير يا شيخ؟
    الشيخ: نعم، هو أمين.
    طالب: ماذا تقولون في ( ... )؟
    الشيخ: هذه مسألة غير الأمانة، القول الراجح أنه ما يضمن ( ... )، هذا القول الراجح، لكن المذهب يقولون: لأنه قبضه لحظ نفسه المحض؛ فلذلك ضمَّناه على كل حال، وهو أمين.
    طالب: شيخ -بارك الله فيكم- من المعلوم أن الجهل والنسيان عذر، فهل يكون عذرًا للوكيل بأن جهل بأنه -مثلًا- لو وضع الساعة تحت الشمس خربت؟
    الشيخ: بأنه أيش؟
    الطالب: فهل يكون العذر والجهل بالنسبة للوكيل أيضًا مخرجًا له من التفريط أو التعدي؛ بأن يجهل بأنه -على مثال الساعة- أن يجهل بأنه لو وضع الساعة تحت الشمس أنها تتلف، أو ينسى فيضعها في مكان يناله الأولاد، أو -أيضًا صورة ثالثة- ممكن أن تدخل هنا ألَّا يقصد أن يتلفها؛ بأن يضعها في جيبه فيجلس عليها فتنكسر، هذه الصور الثلاثة هل يخرج منها شبهة التعدي أو التفريط؟
    الشيخ: أما الأخيرة فلا ضمان عليه؛ لأنه جرت العادة أن الساعة وأشباهها توضع في الجيب فليس عليه شيء، وأما الأولى والثانية فعليه.
    واعلم أن الجهل والنسيان بالنسبة لحقوق الإنسان لا يسقط بهما الضمان، يسقط بهما الإثم فقط، أما الضمان فلا بد منه.
    طالب: إذا قال الموكل للوكيل: بعِ السيارة واقبض الثمن، فوجد الوكيل سيارة بخمسين ألفًا؟
    الشيخ: هو قال: بع السيارة؟
    (2/1692)
    ________________________________________
    الطالب: هو قال: بع السيارة واقبض الثمن، فوجد الوكيل سيارة بخمسين ألفًا.
    الشيخ: وجد السيارة؟ هو ما وكله بالشراء!
    الطالب: نعم، هو يريد أن يشتري له، والوكيل يريد أن يشتري لنفسه، ذهب إلى ..
    الشيخ: يعني باع السيارة؟
    الطالب: ما باعها، يريد أن يبيع السيارة، فوجد السيارة بخمسين ألفًا، فقال لصاحب السيارة: أعطيك هذه السيارة -سيارة موكلي- بثلاثين، وهي تسوى ثلاثين، وأزيدك عليها عشرين ألفًا، فوافق صاحب السيارة، فأعطاه السيارة، وأعطاه عشرين ألفًا ورجع إلى الموكل ( ... )؟
    الشيخ: كيف؟ يعني رجع بثلاثين ألفًا والسيارة؟
    الطالب: الموكل قال: بع سيارتي هذه.
    الشيخ: بثلاثين ألفًا.
    الطالب: بثلاثين ألفًا.
    الشيخ: فوجد سيارة بخمسين ألفًا.
    الطالب: فوجد سيارة بخمسين ألفًا.
    الشيخ: وقال لصاحبها: خذ هذه السيارة بثلاثين ألفًا.
    الطالب: وعليها عشرين ألفًا.
    الشيخ: وأعطيك عشرين ألفًا.
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: طيب، فعل.
    الطالب: فعل، ثم أخذ السيارة التي قيمتها خمسون ألفًا له، ورجع إلى الموكل وأعطاه ثلاثين ألفًا من جيبه.
    الشيخ: إذن هو في الواقع باعها، لكن يبقى النظر على ما سبق أن الوكيل في البيع لا يبيع على نفسه.
    الطالب: هل هذا بيع على نفسه؟
    الشيخ: شبيه بالبيع على نفسه؛ لأنه ربما .. ، لكن ذكرنا فيما سبق أنه إذا عيَّن الثمن فلا بأس أن يشتري من نفسه وأن يبيع من نفسه.
    الطالب: لم يعين في هذه الصورة؟
    الشيخ: هنا عيَّن قال: بعْها بثلاثين، هذا الكلام تقول: عيَّن.
    الطالب: إذا لم يعين.
    الشيخ: إذا لم يعين ما يجوز ( ... ).
    ***
    الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، قال رحمه الله تعالى في باب الوكالة:
    فصل
    (2/1693)
    ________________________________________
    والوكيل أمين لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط، ويُقْبَل قولُه في نفيه والهلاك مع يمينه، ومن ادَّعى وكالة زيدٍ في قبض حقه من عمرٍو لم يلزمه دفعه إن صدَّقه، ولا اليمين إن كذَّبه، فإن دفعه فأنكر زيد الوكالة حَلِفَ وضمنه عمرو، وإن كان المدفوع وديعة أخذها، فإن تلفت ضمن أيهما شاء.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    سبق لنا في كلام المؤلف ما يُفْهَم منه جواز التوكيل في الخصومة.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لا ما يُفْهَم من كلام المؤلف، ما يُفْهَم منه جواز التوكيل في الخصومة، من أين تؤخذ من كلامه؟
    طالب: من قوله: (والوكيل في الخصومة لا يقبض).
    الشيخ: من قوله: (والوكيل في الخصومة لا يقبض)، هل هذا على إطلاقه؛ أي: أنه يجوز أن يتوكل شخص في الخصومة أو لا؟
    طالب: هذا به ثلاثة أحوال.
    الشيخ: لا، سؤالي هل هذا على إطلاقه أو لا؟
    طالب: على المشاع؛ يعني نعتبره على إطلاقه.
    الشيخ: معناه: يجوز أن أتوكل لشخص في الخصومة الباطلة.
    طالب: ثلاثة أحوال في قبول الخصومة.
    الشيخ: أحوال ولَّا أقوال؟
    الطالب: ثلاث حالات؛ إما أن يعلم أن هذا على باطل، وإما أن يعلم أنه محق، وإما أن يتردد، فإن علم أنه على باطل فلا يجوز له قبول الخصومة، وإن علم أنه محق فهذا من التعاون على البر والتقوى، وإن تردد فالسلامة هي أولى وألَّا يقبل.
    الشيخ: أحسنت، إذن له ثلاث حالات؛ إن علم أنه محق جاز، بل قد يسن أو يجب، وإذا علم أنه مبطل حرم، وإذا تردد فالسلامة أولى، لو علم أنه مبطل، ولكن يوكل له في الخصومة من أجل أن يمنعه؟
    طالب: يجوز.
    الشيخ: يجوز، الدليل؟
    طالب: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
    الشيخ: ما تعاون.
    طالب: من أجل أن يمنعه من الظلم.
    الشيخ: ائتنا بالدليل؟
    طالب: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» (1).
    (2/1694)
    ________________________________________
    الشيخ: أحسنت، «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، تمام، الوكيل في القبض هل يملك الخصومة أو لا؟ الوكيل في القبض؛ وكلتك تقبض حقي من زيد، فهل إذا أنكر زيد يمكنك أن تخاصمه أو لا؟
    طالب: إذا وكله في خصومة ..
    الشيخ: لا، وكله في القبض قال: فلان عنده لي عشرة آلاف روح جيبها منه.
    طالب: إذا وكله في القبض فإنه لا يملك الخصومة.
    الشيخ: لا يملك الخصومة، وإن وكله في الخصومة؟
    طالب: وإن وكله في الخصومة فيجوز له أن يخاصم.
    الشيخ: يملك القبض، إذن إذا وكله في الخصومة ملك القبض، وإن وكله في القبض لم يملك الخصومة.
    طالب: إن وكله في القبض فلا يملك الخصومة.
    الشيخ: فلا يملك الخصومة، صح، وإن وكله في الخصومة؟
    الطالب: وإن وكله في الخصومة لا يملك القبض.
    الشيخ: لا يملك القبض، إي.
    طالب: قول المصنف: إذا وكله في القبض ملك الخصومة.
    الشيخ: ملك الخصومة، وإن وكله في الخصومة؟
    الطالب: لا يملك القبض.
    الشيخ: أحسنت، هذا هو، أسمعت، انتبه، لماذا لا يملك القبض إذا وكله في الخصومة؟
    طالب: لأنه قد يرتضيه في الخصومة، ولا يرتضيه في الأمور المالية أو في القبض.
    الشيخ: في القبض، صحيح قد لا يأتمنه على المال، لكن يرتضيه في الخصومة؛ لأنه جيد إذا وكله في القبض، يقول المؤلف: إنه يملك الخصومة؛ لأنه قد لا يتوصل إلى القبض إلا بالخصومة، هل هناك رأي آخر؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: ما هو؟
    طالب: قال الشيخ: لا يملك الخصومة.
    الشيخ: الرأي الثاني: أنه لا يملك الخصومة، لماذا؟
    طالب: لأنه يوهته.
    الشيخ: يوهته، ويش معنى يوهته؟ يعني يسقيه ماء؟
    الطالب: لا، يماطل يا شيخ.
    الشيخ: لا، إذا خاصمه على طول؛ لأنه قد يرضى للقبض من لا يرضاه للخصومة، قد يكون على درجة ضعيفة والخصم قويًّا لسنًا فيغلبه، اقبض حقي الذي عند زيد، ومات زيد، فهل يقبض من ورثته أو لا؟
    طالب: يقبض من ورثته.
    الشيخ: يقبض من ورثته. واقبض حقي من زيد؟
    طالب: إذا قال: اقبض حقي من زيد، لا.
    (2/1695)
    ________________________________________
    الشيخ: فجاء فوجده ميتًا؟
    طالب: يقبض من ورثته.
    الشيخ: يقبض من ورثته، واقبض حقي الذي قِبَل زيد؟
    طالب: من زيد؟
    الشيخ: اقبض حقي من زيد، فجاء فوجده ميتًا، هل يقبض من ورثته أو لا؟
    طالب: لا يقبض منهم.
    الشيخ: لا يقبض، هذه واحدة. اقبض حقي الذي عند زيد، فجاء فوجده ميتًا؟ لك السؤال.
    طالب: يقبض.
    الشيخ: اقبض حقي الذي قِبَل زيد؟
    طالب: يقبض.
    الشيخ: يقبض، تمام.
    اقبض حقي من زيد غدًا هل يملكه بعد غد؟
    طالب: لا.
    الشيخ: يملكه؟
    طالب: إن قصد فيما بعد، ما تحدد اليوم.
    الشيخ: إي، قال: اقبض حقي من زيد غدًا يوم الثلاثاء، هل يقبضه يوم الأربعاء؟
    طالب: ينظر إلى قصد الموكل؛ إن قصد -مثلًا- بغد هو ما بعد اليوم فإنه يقبضه، أما إن قصد يوم معينًا ..
    الشيخ: وإن قصد به يوم القيامة؟
    طالب: لأنه قد يكون المقصود بهذا، قد يكون هذا تاجر يشتري -مثلًا- يكون يربح يوم الثلاثاء ويشتري الأربعاء، فإن قبض الثلاثاء لم يكن ( ... ).
    الشيخ: إذا قلنا: يأخذ بظاهر اللفظ؟
    طالب: فإنه يقبض غدًا فقط.
    الشيخ: ولا يقبضه يوم الأربعاء.
    إذا قال: اقبض يوم الأربعاء هل يملك يوم الثلاثاء؟
    طالب: لا.
    الشيخ: ما يملك. علل؟
    طالب: لأنه يكون القصد ..
    الشيخ: اترك المقصود، علل بشيء؛ لفظ واضح، التصرف في مال الغير مقيد بما أذن فيه الغير، فهو قال: اقبض يوم الأربعاء، ما أقبض يوم الثلاثاء ولا يوم الخميس، اقبض يوم الثلاثاء، ما أقبضه يوم الأربعاء، كذا ولَّا لا؟ لكن إذا علمنا أنه قال: اقبض حقي من زيد غدًا أنه يريد المبادرة في القبض، ما أراد تعيين اليوم، هل يقبضه بعد غد؟
    طالب: يقبض.
    الشيخ: يقبض، زين، المهم -يا إخواني- هل الأصل أن نعتمد على مجرد اللفظ ولَّا نقول: لعله أراد كذا، لعله أراد كذا؟
    طلبة: مجرد اللفظ.
    (2/1696)
    ________________________________________
    الشيخ: الأول؛ نعتمد على مجرد اللفظ، إلا إذا علمنا المراد هذا شيء آخر؛ ولهذا الصحابة الذين علموا مراد الرسول بقوله: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» (2) صلوا قبل بني قريظة.
    يقول المؤلف: إن الإنسان إذا وكَّل شخصًا أن يودع له دراهم عند آخر ولم يشهد الوكيل فإنه لا ضمان عليه، علل؟
    طالب: لأنه لا فائدة من الإشهاد؛ لأنه يقبل قول المودع في الرد.
    الشيخ: في الرد؛ يعني حتى لو ثبت أنه أودعه وقال: رددت؟
    طالب: يُقْبَل قوله.
    الشيخ: هل هناك قول آخر؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: ما هو؟
    الطالب: أنه إذا لم يشهد فإنه يضمن، إلا إذا كان الأمر مما جرت العادة أنه لا يشهد عليه؛ إما لحقارته، أو لكون المودع مبرزًا في العدالة.
    الشيخ: أحسنت، الصحيح أنه يضمن إذا أودع ولم يشهد؛ لأننا نستفيد من الإشهاد أنه ربما ينكر نسيانًا، فإذا أشهد حفظنا الحق، إلا إذا كان الشيء مما جرت العادة ألَّا يشهد عليه؛ إما لكونه حقيرًا يسيرًا، وإما لكون المودع مبرزًا في العدالة، لو أنك طلبت أحدًا يشهد عليه لعد الناس ذلك سوء أدب منك مثلًا.
    ما ضابط الأمين في قول المؤلف: (الوكيل أمين) الضابط؟
    طالب: الأمين: هو كل من كان المال في يده بإذن من الشارع أو بإذن من المالك.
    الشيخ: أحسنت، حكم الأمين يقول المؤلف: لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط؛ يعني: وبلا تعد أيضًا، والفرق بين التفريط والتعدي أن التفريط: ترك ما يجب، والتعدي: فعل ما لا يجوز.
    رجل أمين على جمعية تحفيظ قرآن، جمعية خيرية وما أشبه ذلك، احتاج يومًا من الدهر مئة ألف ريال، واستقرض من دراهم الجمعية التي هو أمين عليها، هل يكون أمينًا أو لا؟ أجب.
    طالب: لا، أخذه هذا بدون إذن منه، لا يُعْتَبر أمينًا.
    الشيخ: يعني: فيما أخذ فقط ولَّا في الكل؟
    طالب: لا يعتبر أمينًا في الكل.
    الشيخ: في الكل؟
    طالب: أو فيما أخذ.
    الشيخ: فيما أخذ؟
    طالب: إي نعم.
    الشيخ: والباقي يكون أمينًا؟
    (2/1697)
    ________________________________________
    طالب: نعم، الأصل الأمانة.
    الشيخ: هل تعدى أو لم يتعد؟
    طالب: تعدى يا شيخ.
    الشيخ: تعدى، كل أمين يتعدى تبطل أمانته، خذ هذا قاعدة، كل أمين يتعدى فإن أمانته تبطل، وعلى هذا فيكون ضامنًا ( ... ) بيده بلا إذن، فيكون ضامنًا، وهذه مسألة يتساهل فيها بعض الناس إذا أودع وديعة أو كان ناظرًا على الوقف أو كان وصيًّا في وصية واحتاج ذهبًا يستقرض، هذا لا يجوز، ولا سيما في المسألة الكبيرة.
    طالب: يا شيخ، أمانته فيما أخذ ولَّا في الجميع الآن؟
    الشيخ: في كلها؛ يعني: يجب عليه الآن أن يرفع يده ويذهب إلى القاضي أو إلى الجهة المسؤولة ويقول: واللهِ، أنا أطلب العفو عن هذا.
    ***
    ثم قال المؤلف: (ويُقبَل قوله في نفيه والهلاك مع يمينه) (يقبل قوله) أي: الوكيل، (في نفيه) أي: نفي التفريط، ويُقْبَل قوله في الهلاك؛ أي: التلف، لكن مع يمينه، (يُقْبَل قوله في نفيه) يعني: لو قال الموكل: إنك قد فرَّطت، فقال: لم أفرط، فالقول قول الوكيل؛ لوجهين:
    الوجه الأول: أن الأصل عدم التفريط.
    والوجه الثاني: أن الموكل قد ائتمنه على ذلك، وإذا ائتمنه فإنه لا يصح أن يعود فيُخَوِّنه بدون سبب أو بدون ثبوت شرعي.
    وكذلك أيضًا يُقْبَل قوله في الهلاك؛ أي: تلف المال؛ مثل أن يقول: واللهِ، أنا أخذت منك هذه السلعة لأبيعها لك، لكن تلفت؛ يُقْبَل قوله.
    وهل يقبل قول الموكل في طلب التفصيل؛ بمعنى أن يقول الموكل: بأي شيء تلفت؟
    الجواب: لا؛ يعني: لا يلزم الوكيل أن يبين بماذا تلفت، يقول: تلفت، وإذا قال: تلفت فهو أمين، لكن لا بد من اليمين، كما سيأتي.
    لكن لو ادعى هو -أعني: الوكيل- ادعى الهلاك بسبب ظاهر؛ مثل أن يقول: واللهِ، المال تلف؛ لأن دكاني احترق، السبب الآن؟
    طلبة: ظاهر.
    الشيخ: ظاهر، يقال: هاتِ بينة على أنه احترق، لا بد، فإذا أتى ببينة قُبِلَ قوله؛ أن المال الذي وُكِّلَ فيه مع المال الذي تلف.
    (2/1698)
    ________________________________________
    كذلك أيضًا لو قال: إنه انهدم عليه الدكان، نقول: هاتِ بينة؛ لأن انهدام الدكان سبب ظاهر، فإذا أتى ببينة وقال: إن المال مع المال الذي تلف بانهدام الدكان؛ يُقْبَل قوله.
    الخلاصة الآن يُقْبَل قوله في التلف؛ وهو الهلاك الذي ذكر المؤلف بلفظ الهلاك ولا يُلزم بالتفصيل؛ يعني: لا يلزم بأن يُقَال له: بماذا تلف؟ وكيف تلف؟ ومتى تلف؟ لا يلزمه، لكن لو أنه ادعاه بسبب ظاهر قال: واللهِ، الدكان احترق أو الأمطار هطلت وهدمت البناء، أو ما أشبه ذلك، فماذا نصنع؟ نقول: أقم بينة أنه حصل الحريق، أقم بينة أنه حصل الهدم.
    فإذا ادعى الموكِّل أن المال لم يكن مع ما احترق، فالقول قول من؟ الوكيل؛ لأنه مؤتمن.
    ***
    ثم قال: (ومن ادَّعى وكالة زيدٍ في قبض حقه من عمروٍ لم يلزمه دفعُه إن صدَّقه، ولا اليمينُ إن كذَّبه).
    انتبه لهذه المسألة، مسألة تبدو غريبة، ادَّعى وكالة زيدٍ في قبض حقه من عمرٍو، (وكالة زيدٍ) هنا (وكالة) مصدر مضاف إلى الفاعل أو إلى المفعول؟
    طالب: الفاعل.
    طالب آخر: المفعول.
    الشيخ: يا أيها النحاة، هل هو مضاف إلى الفاعل أو إلى المفعول؟
    طلبة: الفاعل.
    طالب: إلى المفعول.
    الشيخ: متفق عليه، فيه خلاف، الآن فيه قولان، لكن هو مضاف إلى الفاعل؛ يعني: ادَّعى أن زيدًا وكَّله في قبض حقه؛ أي: حق زيدٍ من عمرٍو، فصورة المسألة: شخص اسمه عبد الله أتى إلى عمرٍو وقال: إن زيدًا وكَّلني في قبض حقه منك، واضحة الصورة الآن؟ أركانها كم؟
    طلبة: ثلاثة.
    الشيخ: ثلاث؛ زيد طالب، عمرو مطلوب، عبد الله وكيل، جاء عبد الله إلى عمرٍو وقال: إن زيدًا وكَّلني في قبض حقه منك، قال: واللهِ، أنت رجل صدوق، رجل دين، رجل ورع، ولكن ما أنا معطيك، له الحق؟
    طالب: نعم.
    (2/1699)
    ________________________________________
    الشيخ: يقول المؤلف: (لم يلزمه دفعه إن صدَّقه) لم يلزم من؟ لم يلزم عمرًا، (دفعه) أي: الحق، (إن صدَّقَه) أي: إن صدَّق مدعي الوكالة، والذي سميناه في هذا المجلس عبد الله، فعمرٌو قال لعبدِ الله: أنا لا أقول لك: إنك كاذب، أنت رجل صدوق، وكأني أسمعه وهو يوكلك من أمانتك عندي وصدقك، لكن ما أنا معطيك، لن أسلمك، نقول: ما يلزمه.
    كيف ما يلزمه وهو مصدِّقه؟ لاحتمال أن زيدًا ينكر التوكيل، ما فيه احتمال هذا؟ نعم، ربما يقول زيدٌ: أنا ما وكلته، حتى لو كان صادقًا أنه موكله، فزيدٌ قد يكون ظالمًا، ويقول: أبدًا، ما وكلته، إذا قال: ما وكلته؛ يضيع حق عمرو، يؤخذ الحق من عمرو مرتين؛ لأن زيدًا الذي هو صاحب الحق سيقول لعمرو: حقي ما وصلني؛ لأني ما وكلت عبد الله، له الحق ولَّا لا؟ له الحق.
    قدَّرنا أن زيدًا أخذ الحق من عمرٍو، أين يكون حق عمرٍو في الذي قبضه عبد الله؟ يرجع إلى عبد الله، يرجع للذي ادعى الوكالة؛ لأنه أخذه منه.
    لو ادعى قبض حقه من عمرٍو وأتى ببينة؛ جاب شهودًا أو وثيقة من المحكمة، يلزمه الدفع؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: يلزمه الدفع؛ لأن زيدًا صاحب الحق له أن يقبضه بنفسه وبوكيله، فإذا أتى ببينة قلنا: يلزمك أن تدفع.
    (ولا اليمين إن كذَّبه) يعني: ولا يلزم عَمْرًا اليمينُ، (إن كذَّبه) أي: كذب مدعي الوكالة؛ لما جاء عبد الله إلى عمرو وقال: إن زيدًا وكَّلني في قبض حقه منك، قال: أبدًا، أنت كذاب، فإنه لا يلزمه أن يحلف على كذب مدعي الوكالة، قال: احلف أنه ما وكَّلك، قال: ما أحلف، لكن أنت كاذب ولا مسلمك، لماذا؟ لأنه لو نكل لم يُقْضَ عليه بالنكول، لو أن عَمْرًا نكل وقال: ما أحلف، فإن القاضي لا يقول له: إذن يلزمك الحق؛ لأنه سبق لنا أنه لا يلزمه التسليم ولو صدَّقه.
    إذن لدينا مسألتان الآن:
    المسألة الأولى: ادَّعى عبد الله أن زيدًا وَكَّلَه في قبض حقه من عمرو، فقال عمرو: صدقت، ولكن لا أسلمك، يصح ولَّا ما يصح؟
    (2/1700)
    ________________________________________
    طلبة: يصح.
    الشيخ: يصح.
    ادَّعى عبد الله أن زيدًا وَكَّلَه في قبض حقه من عمرو، فقال عمرو: كذبت، أبدًا، ولا أصدقك، هاتِ بينة، وإلا غير صادق، يلزمه أن يسلم الحق أو لا يلزمه؟
    طلبة: لا يلزمه.
    الشيخ: هل يلزمه اليمين إذا قال عبد الله: احلف أنه ما وكلني؟ لا يلزمه، لماذا؟ لأنه لا يُقْضَى عليه بالنكول، حتى لو صدقه؛ لو قال: إنه صادق فإنه لا يُلْزَم بالدفع على ما سبق.
    ثم قال (فإن دفعه) أي: الحق، الفاعل من؟
    طلبة: عمرو.
    الشيخ: عمرو، والمدفوع إليه؟
    طلبة: عبد الله.
    الشيخ: عبد الله.
    (إن دفعه) أي: عمرو إلى عبد الله، (فأنكر زيد الوكالة) قال: ما وكَّلته، فهنا نقول لزيد: احلف؛ ولهذا قال: (حلف وضمنه عمرو) حلف من؟ زيد الذي له الحق، إذا قال: ما وكَّلت عبد الله، نقول: احلف، إذا حلف فإن عَمْرًا يضمنه لزيد، وماذا عن الحق الذي دفعه يرجع به على من؟ على عبد الله الذي ادعى الوكالة بلا بينة؛ ولهذا قال: (ضمنه عمرو) يعني: ويرجع عمرو على مدعي الوكالة بما أقبضه إياه.
    وإن لم يحلف زيد، إذا قال: ما أحلف، احلف أنك ما وكلته، قال: ما أحلف؛ يُقْضَى عليه بالنكول، ويقال: حقك وصل إلى وكيلك ولا شيء لك.
    فإذا قال: واللهِ، ما أنا بحالف أخشى من الإثم، ماذا نقول؟ نقول: إن كنت صادقًا فلا إثم عليك، وإن كنت كاذبًا فالإثم عليك؛ تتحمل.
    يقول: (وإن كان المدفوع وديعة) يعني: ليس حقًّا ثابتًا في ذمة الآخر، (أخذها) من يأخذها؟
    طلبة: الوكيل.
    الشيخ: يا إخوانا.
    طالب: صاحبها.
    الشيخ: صاحبها الذي هو زيد، زيد قال لعبد الله: إن عند عمرو لي وديعة، اذهب وائت بها إليَّ، فذهب إلى عمرو وصدَّقه، قال: أعطني الوديعة التي عندك لفلان، قد وكَّلني في قبضها، قال: اتفضل، ثم إن زيدًا أنكر الوكالة، نقول: الحمد لله، إذا أنكرت الوكالة، فالوديعة موجودة الآن، خذها ممن؟ ممن يا إخوان؟
    طلبة: من عبد الله.
    (2/1701)
    ________________________________________
    الشيخ: من عبد الله اللي هو مدعي الوكالة، مالك الآن موجود، تفضل، فإن تلفت يقول: (إن تلفت ضَمَّنَ أيهما شاء) (ضَمَّنَ) الفاعل من؟
    طلبة: زيد.
    الشيخ: زيد، (أيهما) أي: عمرو، أو عبد الله مدعي الوكالة، (أيهما شاء) إذا تلفت نقول الآن: أنت ضَمِّن من شئت، لننظر كيف يضمن مدعي الوكالة؟ نقول: يضمنه؛ لأنه أنكر الوكالة، فيكون مدعي الوكالة أخذ المال بغير حق، فيضمنه.
    كيف يضمن المودَع الذي كان محسنًا؟ من هو؟ عمرو.
    نقول: لأنه فرَّط؛ حيث دفعها إلى هذا بدون بينة، فصار الآن يخير؛ إن شاء ضمَّن هذا، وإن شاء ضمَّن هذا.
    (إن تلفت ضمن أيهما شاء) والمسألة الأولى إذن ما هي في الوديعة المسألة الأولى دين، زيد له حق على عمرو، فادعى عبد الله أنه موكل في قبضها، أما هذه فهي وديعة، إن تلفت ضمن أيهما شاء.
    وهذه المسائل في الحقيقة تنبني على ضابط سبق ودلت عليه السنة؛ أن الأصل في أموال المحترمين العصمة، وأنك لا تتصرف فيها إلا حسب ما أُذِنَ لك فيها، «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» (3). هذه هي القاعدة الأساسية، ثم التفريعات هذه تكون على حسب القواعد، وقد يصح التفريع، وقد لا يصح.
    ***
    قال: (باب الشركة) الشَّرِكَة، ويقال: الشِّرْكَة، ويقال: الشَّرَكَة. الشِّرِكَة، والثاني الشِّرْكة، والثالث الشَّرَكة، كلها جائزة، وهي في الأصل: الاختلاط، الاختلاط يُسَمَّى شركة.
    لكنها في تعريف الفقهاء يقول: (اجتماع في استحقاق أو تصرف)، هذه الشركة.
    الاجتماع في الاستحقاق؛ كورثة ورثوا عقارًا من أبيهم، هؤلاء اجتمعوا في أيش؟ في استحقاق، ما بينهم عقد، كذلك أيضًا اشتراك المجاهدين في الغنيمة، هذا اجتماع في استحقاق.
    (2/1702)
    ________________________________________
    (أو تصرف) وتُسَمَّى شركة العقود، وهذه هي التي تحتاج إلى عقد بين المتشاركين، فصار التعريف للشركة هي: اجتماع في استحقاق أو تصرف. والثانية تسمى شركة العقود؛ وهي التي لا تثبت إلا باتفاق بين الشريكين. الأولى تثبت بدون أن يكون اتفاق بين الشريكين؛ لأنها من الأصل ثابتة، وأما العقود فلا بد من اتفاق.
    وهنا نسأل هل الأولى المشاركة أو الأولى الانفراد؟ يعني هل الأولى أن الإنسان يتصرف في ماله بنفسه ولا يجعل معه شريكًا أو الأولى أن يشارك؟ الواقع أنه ما تستطيع تقول: هذا أولى، وهذا أولى، لكن إذا تردد الإنسان فالانفراد أولى؛ لأن الإنسان يكون حرًّا في ماله لا أحد يحاسبه، وهو إن شاء تبرع، وإن شاء منع، وإن شاء تصدق، وإن شاء جمع.
    المهم أنه إذا كان منفردًا صار أكثر حرية من المشاركة، وأسلم أيضًا، أسلم في الغالب، لكن قد يكون الإنسان لا يستطيع أن يتصرف في ماله بنفسه، فيحتاج إلى المشاركة.
    وعلى هذا فتجويز المشاركة من نعمة الله عز وجل ومن رحمته بالخلق، وإلا لو قيل: لا أحد يتصرف إلا في ماله الخاص صار في هذا تضييق؛ قد يكون الإنسان عنده مال كثير، لكن ما يحسن التصرف؛ إما لعجزه في بدنه، أو لعجزه في فكره، أو لانشغاله في علمه، أو ما أشبه ذلك، لكن المال كثير فهنا لا بد من المشاركة؛ يعطيه إنسان حاذق في البيع والشراء يقول: خذ، بعْ واشتر بهذا المال ولك نصف الربح أو ربع الربح، أو ما أشبه ذلك، ولَّا لا؟ الناس في حاجة لهذا؛ لذلك كان من نعمة الله عز وجل جواز الشركة.
    قال: (وهي أنواع؛ الأول: شركة عنان) وهو من باب إضافة الشيء إلى نوعه؛ لأن الشركات أجناس، وأفرادها أنواع.
    شركة العنان مشتقة من: عنان الفرس، وتعرفون عنان الفرس، ما هو اللجام المقود؛ لأن هذين المشتركين كأنهما فرسا رهان.
    (2/1703)
    ________________________________________
    قال: وهي (أن يشترك بدنان بماليهما) هذه شركة عنان، أنا -مثلًا- عندي عشرة آلاف ريال، وأنت عندك عشرة آلاف ريال، اتفقنا على أننا نجمعهما -أي: العشرة والعشرة- ونبيع ونشتري فيهم، هذه تُسَمَّى شركة عنان؛ لأن كل واحد منا قد أطلق فرسه للتجارة، ولكن لا بد من شروط سنذكرها فيما بعد، إن شاء الله.
    طالب: أحسن الله إليك، إذا أقام عبد الله البينة وأخذ المال من عمرو، ثم تبين أنه قد جاء ببينة باطلة؛ بورقة مزورة، ماذا على عمرو؟
    الشيخ: فلا ضمان عليه، إذا أتى ببينة ودفع عمرو ذلك فلا ضمان عليه.
    طالب: بارك الله فيك، لو وكله بأن يشتري له شيئًا، فذهب إلى المتجر واشترى هذا الشيء، لكن صاحب المتجر حتى يعود هذا الوكيل أن يأتيه دائمًا أعطاه منة وقال: هذه لك، وباعه بسعر المثل، وما نقص له شيئًا، فما حكم المال الذي يأخذه هذا من المتجر؟
    الشيخ: لا بأس به؛ يعني: لا بأس أن الإنسان -مثلًا- إذا جاءه الزبون أن يعطيه، لكن بشرط ألَّا يكون ذلك سببًا في قصد هذا التاجر مع كون بضاعته رديئة أو مع كونه يزيد الثمن، فإن كان لذلك فلا يجوز.
    طالب: نعم، إن كان لقصده، لكن ليس من ذلك في شيء.
    الشيخ: أيش؟
    طالب: إن كان قصده أن يقصده ذلك الوكيل، ولكن هو كسعر غيره وبضاعته جيدة؟
    الشيخ: لا بأس، ما فيه مانع.
    طالب: إذا وكَّله في حفظ مال معين لكي يشتري له به، ثم وضعه الوكيل فيما يوضع فيه عادة في الخزنة، ثم قال الوكيل: إنه سرق المال، وسرق مال دون ماله، أخذت ألفك من المال الذي له، فهل يُقْبَل قوله؟
    الشيخ: يقول: إذا أعطاه مالًا يشتري به سلعة، ووضعه الوكيل في خزانة المال، ثم إنه ادَّعى أنه سُرِقَ من بين ماله، فيُقْبَل قوله؟ إي نعم؛ لأن هذا أمر ممكن.
    طالب: أحسن الله إليك، الوكيل بدفع الديون ذهب ليدفع بعض الديون وأعطاه لصاحب الحق، فلما أعطاه أرجع له شيئًا منها، فهل يعطيه عشرة آلاف ليدفع، فلما أعطاه أرجع له مئتين أو ثلاث مئة ريال؟
    (2/1704)
    ________________________________________
    الشيخ: أو ألف ريال.
    الطالب: إي، ماذا يصنع لمن تكون؟
    الشيخ: إذا كان الدافع الذي -مثلًا- يطلب زيدًا عشرة آلاف ريال، ثم جاء وكيله بالعشرة وأسقط ألفين، إذا كان قصده الإسقاط من أصل الدين فهو للموكل، وإذا كان قصده مكافأة هذا الآتي فهو له، ويتبين ذلك بكثرة الذي أسقط، إذا كان -مثلًا- ألفين علمنا أن قصده بذلك مصلحة من؟ مصلحة الموكل، أما إذا كان عشرة ريالات فمعروف أن قصده مكافأة هذا.
    طالب: شيخ سؤال الأخ فيما إذا كان ..
    الشيخ: أي الأخ؟ ما هو السؤال حتى نعرف؟
    الطالب: فيما إذا كانت البينة مزورة قلنا: إنه ..
    الشيخ: لا ضمان على عمرو.
    الطالب: نعم، فهل يضيع حق الموكل؟
    الشيخ: لا، حق الموكل يضمنه مدعي الوكالة، ما يضيع.
    الطالب: ما وجد يا شيخ؟
    الشيخ: كيف ما وجد؟ هرب هذا كثيرًا من الأموال تضيع على الإنسان.
    طالب: بارك الله فيك، إذا وكل الإنسان شخصًا آخر لا يعرفه بناء على تزكية شخص آخر له، فأتلف المال، وكان معروفًا بالتفريط، فهل يضمن المزكي ولَّا لا؟
    الشيخ: إي نعم، يضمن المزكي؛ يعني: لو زُكِّي هذا الرجل، زكاه فلان، وهذا أعطاه بناء على تزكيته فإنه يضمن.
    طالب: لو أُعْطِي مالًا أمانة وخلطها مع ماله، فهل يجوز له؟
    الشيخ: ما يجوز. يقول: إنسان أُعْطِي مالًا وديعة، فخلطه مع ماله، هذا لا يجوز، إلا إذا استأذن من صاحبه، وحينئذٍ يكون قرضًا.
    طالب: يضع ( ... )؟
    الشيخ: لا بد أن يستأذن من صاحبه.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليكم- قلنا: إن عمرًا إذا قبل قول الوكيل في ادعائه؟
    الشيخ: مدعي الوكالة؟
    الطالب: في مدعي الوكالة قُبِلَ قوله وأعطاه المال في الدين، فإن الموكل يضمن الوكيل.
    الشيخ: لو أنكر؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: لو أنكر الموكل؟
    الطالب: فإنه حينئذٍ المدين يضمن هو وحده يضمن.
    الشيخ: لكن المدين يضمن لزيد؛ يعني: يضمن للدائن، ثم يرجع على مدعي الوكالة.
    الطالب: وفي الوديعة قلنا بأنه يضمن أيهما شاء.
    الشيخ: نعم.
    (2/1705)
    ________________________________________
    الطالب: ما وجه ذلك؟
    الشيخ: وجه ذلك لأن الدين ثابت على عمرو.
    وهي اجتماعٌ في استحقاقٍ وتَصَرُّفٍ، وهي أنواعٌ:
    فشَركةُ (عَنانٍ) أن يَشترِكَ بَدَنَانِ بِمَالَيْهِما
    أن يَشترِكَ بَدَنَانِ بِمَالَيْهِما المعلومِ ولو مُتَفَاوِتًا ليَعْمَلَا فيه ببَدَنَيْهِما، فيَنْفُذُ تَصَرُّفُ كلٍّ منهما فيهما بحُكْمِ الْمِلْكِ في نصيبِه , وبالوكالةِ في نَصيبِ شَرِيكِه، ويُشْتَرَطُ أن يكونَ رأسُ المالِ من النقدينِ الْمَضروبينِ ولو مَغشوشينِ يَسيرًا، وأن يَشْتَرِطَا لكلٍّ منهما جُزءًا من الرِّبْحِ مَشاعًا مَعلومًا، فإن لم يَذْكُرَا الرِّبْحَ أو شَرَطَا لأَحَدِهما جُزءًا مَجهولًا أو دَراهِمَ معلومةً أو رِبحَ أَحَدِ الثوبينِ لم تَصِحَّ , وكذا مُساقاةٌ ومُزارعةٌ ومُضاربةٌ، والوَضِيعَةُ على قَدْرِ المالِ. ولا يُشْتَرَطُ خَلْطُ المالَيْنِ ولا كونُهما من جِنْسٍ واحدٍ.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، قلنا: إن عَمْرًا إذا قَبِلَ قول الوكيل في ادعائه ..
    الشيخ: مُدَّعِي الوكالة.
    الطالب: إي نعم، في مُدَّعِي الوكالة قَبِل قوله وأعطاه المال في الدَّيْن، فإن الْمُوَكِّل يُضَمِّن الوكيل ..
    الشيخ: لو أنكر الموكِّل.
    الطالب: فإنه حينئذ الْمَدِين هو وحده يُضَمَّن.
    الشيخ: لكن الْمَدِين يضمن لزيد، يعني يضمن للدائن، ثم يرجع على مُدَّعِي الوكالة.
    الطالب: وفي الوديعة قلنا: إنه يُضَمِّن أيهما شاء.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: ما وجه ذلك؟
    الشيخ: وجه ذلك لأن الدَّيْن ثابت على عمرو، والوديعة هي عين قائمة بنفسها نقول: خذها الآن.
    الطالب: لكنه يُضَمِّن أيهما شاء.
    الشيخ: نعم، يُضَمِّن أيهما شاء؛ لأن كُلًّا منهما مُفَرِّط، هذا معتدٍ مُدَّعِي الوكالة، وده مُفَرِّط حيث أعطاها بدون بينة.
    الطالب: وفي الدَّيْن أيضًا كذلك.
    الشيخ: الدَّيْن أصلًا ثابت على عمرو من الأصل؛ لأن عمرًا في الوديعة لا يضمن إلا بتعدٍّ أو تفريط.
    (2/1706)
    ________________________________________
    طالب: حفظكم الله، قلتم في جواب سؤال سابق ..
    الشيخ: متى؟
    الطالب: في باب الوكالة.
    الشيخ: متى؟ الليلة ولَّا البارحة؟
    الطالب: لا، قبل البارحة.
    الشيخ: أَجِّل، خليه معنا لقول البارحة.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، إذا استلف شخصًا سيارة.
    الشيخ: إذا استلف شخصًا سيارة! !
    الطالب: يعني استلفها من أحد الإخوة.
    الشيخ: المهم إذا استلف شخصًا سيارة! !
    الطالب: نعم.
    الشيخ: هكذا نقول اللفظ؟
    الطالب: المعنى هذا أو ذاك.
    الشيخ: يا إما أن تتكلم باللغة العربية وتجيدها، ولا خَلِّها بالعامية وكل شيء يُقْبَل منك.
    الطالب: إذن هذه عامية يا شيخ.
    الشيخ: عامية يلَّا.
    الطالب: فخربت عليه، وكان مُؤْتَمَنًا عند مَن أسلفه إياها، ثم قال له: قد تلفت ولم أُفَرِّط، هل يُعْمَل كذلك ..
    الشيخ: لكن هو استقرضها منه، استقرض منه السيارة.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: خلاص دخلت ملكه، دخلت ملك المستقرِض، إذا تلفت فهي عليه، سواء بِتَعَدٍّ أو تفريط؛ لأن الْمُقْرِض ثبت له في ذمته سيارة.
    الطالب: غير الوكالة هذه؟
    الشيخ: الاستقراض يدخل ملك المستقرِض، ما فيه ضمان.
    الطالب: أحسن الله إليك، أحيانًا يكون هذا العطل الذي في السيارة يكون من قديم، ما يخرب يعني لأجل هذه الإعارة فقط.
    الشيخ: سؤالك مبني على أيش؟
    الطالب: على إلزام هذا الرجل بإصلاح السيارة، أنه ضامن هذا الخراب يا شيخ.
    الشيخ: سؤالك على الأخ مُفَرَّع عليه؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: لا، أصل الضمان على المستقرِض على كل حال؛ لأن السيارة ملكه.
    الطالب: ( ... ) يا شيخ ( ... ).
    الشيخ: الآن إذا استقرض السيارة صارت ملكه، يبيعها ويستطيع يفعل بها ما شاء. ( ... )
    طالب: لماذا ينكر زيد الوكالة؟
    الشيخ: لأنه أنكرها، يعني تقول: السبب يعني؟
    الطالب: إي نعم.
    (2/1707)
    ________________________________________
    الشيخ: السبب ضعف الإيمان، إذا كان مُوَكّل حقيقةً وأنكر ضعف الإيمان، وربما يكون أنكرها؛ لأن وكيله أتلفها، ولو راح يطالب الوكيل، فيقول: ينكر علشان يكون حيلة، كما قال بعض أهل العلم: إذا أرادت امرأة أن تفسخ نكاحها من زوجها فإنها تزني بأبيه، ليش؟ لتكون موطوءة أبيه، وموطوءة الأب تَحْرُم على الابن، هذا موجود في كتب الحِيَل، وهذا -سبحان الله العظيم! ! - تتحيل على هذا بفعلها الزنا؟ ! لكن نقول: إذا زنت بأبيه وهي ثَيِّب الرجم، يفوتها هذا وهذا، لكن قصدي إن هذا من الحِيَل، ولهذا في كتاب يسمى كتاب الْحِيَل، لكن ما رأيناه، كان الإمام أحمد –رحمه الله- يُنْكِرُه إنكارًا شديدًا ويغضب منه إذا ذُكِرَ عنده، فهذا الذي أنكره الأخ أنكره علشان الأخ أتلف المال. ( ... )
    هل هي جائزة باعتبار الحكم التكليفي؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: جائزة.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: الدليل؟
    الطالب: الدليل أن فيها مصلحة ..
    الشيخ: لا، هذا تعليل.
    الطالب: الدليل قول الله تبارك وتعالى في قصة أصحاب الكهف: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: 19].
    وأما السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم وَكَّل في العبادات وفي المعاملات، ففي العبادات وَكَّلَ عَلِيًّا أن ينحر باقي البُدْن في الحج، وأن يقطعها ويوزعها على المحتاجين (1)، ووكَّل الجعد بن عروة في أن يشتري له شاة بدينار، فاشترى شاتين، باع إحداهما بدينار ورجع بدينار. (2)
    الشيخ: وَكَّل في الحدود.
    الطالب: ووَكَّل في إقامة الحدود واستيفائها.
    الشيخ: إثباتها واستيفائها.
    الطالب: نعم، فأرسل إلى المرأة صاحبة العَسِيف أرسل إليها فقال له: «إِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا». (3)
    الشيخ: وهو أُنَيْس.
    الطالب: ذهب إلى ( ... ) «إِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا».
    (2/1708)
    ________________________________________
    الشيخ: بارك الله فيك، جيد، هل الوكالة عقد جائز أو لازم من حيث الحكم الوضعي؟
    طالب: عقد جائز بين الطرفين.
    الشيخ: جائز بين الطرفين.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: بالمناسبة تنقسم العقود من حيث الحكم الوضعي إلى كم؟
    الطالب: إلى ثلاثة أقسام.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: عقد لازم للطرفين وهو البيع.
    الشيخ: لا تُمَثِّل.
    الطالب: وعقد جائز من طرف ولازم من طرف آخر، وعقد جائز من الطرفين، هذه ثلاثة.
    الشيخ: أحسنت، العقد اللازم من الطرفين مثل؟
    طالب: مثل البائع إذا قام عن مجلس البيع.
    الشيخ: إذا انتهت مدة الخيار.
    الطالب: مدة الخيار.
    الشيخ: أحسنت، الجائز من طرف دون آخر؟
    الطالب: الجائز من طرف دون آخر مثل الوكالة إذا كان فيها ضرر على الْمُوَكِّل، إذا كان فيها فسخ.
    الشيخ: إذا كان في فسخها ضرر ..
    الطالب: على الموكِّل.
    الشيخ: صارت جائزة في حق الموكِّل المتضرر.
    الطالب: وغير جائزة في حق الوكيل.
    الشيخ: لكن هذا في الحقيقة شيء طارئ على العقد، لكن نريد اللي من أصل العقد وجائز من طرف لازم من طرف آخر مثل؟
    طالب: الرهن يا شيخ.
    الشيخ: الرهن.
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: الرهن جائز من أي طرف؟
    الطالب: جائز من طرف الْمُرْهِن.
    الشيخ: نعم، ولازم من طرف؟
    الطالب: الراهن.
    الشيخ: من طرف الراهن، تمام، الجائز من الطرفين؟
    طالب: الوكالة.
    الشيخ: مثل الوكالة، تمام.
    ما هو الحق التي تجوز فيه الوكالة من حقوق الله عز وجل؟
    الطالب: إذا كان كبيرًا في السن وكان يتضرر بالصيام، إذا كان الحج ..
    الشيخ: إذا كان كبيرًا في السن ويتضرر يقول لواحد: يا فلان صُمْ عني رمضان! !
    الطالب: لا.
    الشيخ: هذا كلامك.
    الطالب: إذا -مثلًا- مات قبل الصوم.
    الشيخ: إذا مات ما صار وكالة.
    الطالب: إذا كان صيام نذر.
    الشيخ: ولو كان صيام نذر، نذر أو واجب نفس الشيء ما يصير وكالة بعد الموت.
    طالب: الحج.
    الشيخ: الحج.
    الطالب: إذا مرض مرضًا لا يُرْجَى برؤه يجوز أن يُوَكِّل.
    الشيخ: أو كان كبيرًا.
    (2/1709)
    ________________________________________
    الطالب: أو كان كبيرًا في السن لا يستطيع أن يحج.
    الشيخ: فله أن يُوَكِّل، دليله؟
    الطالب: المرأة اللي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فريضة الحج أدركت أبي كبيرًا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ (4)
    الشيخ: قال: «نعم».
    الطالب: قال: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْهُ».
    الشيخ: بارك الله فيك، ذكرنا قاعدة أن الأصل في العبادات منع التوكيل فيها، فما هو التعليل؟
    طالب: التعليل: لأن القصد منها هو التعبد، وهو لا يحصل بالتوكيل.
    الشيخ: نعم، المقصود من العبادات هو التعبد لله والتذلل له، ولا يحصل بالتوكيل، لكن ما ورد به الشرع فليس لنا منه بُدّ، لا بد أن نقول به، فهمتم يا جماعة؟ الأصل في العبادات أنها حق لله على العبد لا يجوز التوكيل فيها، إلا ما ورد به النص، فما ورد به النص فليس لنا منه بُدّ.
    متى يجوز للوكيل أن يوكِّل فيما وُكِّل فيه؟
    طالب: في ثلاث حالات.
    الشيخ: في ثلاث حالات، نعم.
    الطالب: الحال الأولى: إذا كان مثله لا يُوَكِّل فيه.
    الشيخ: لا، إذا كان مثله لا يتولاه.
    الطالب: أو كان يعجز عن القيام به.
    الشيخ: نعم، الثالث؟
    طالب: إذا دُعِيَ إليها.
    الشيخ: يعني إذا أَذِنَ له الْمُوَكِّل، حقيقة الأمر أن ما لا يتولاه بنفسه وما يعجز عنه حقيقة الأمر أن فيه إذنًا، لكنه إِذْن عرفي، ولكن من أجل إيضاح المسألة نقول: ثلاث حالات.
    ما هو التعليل لمنع التوكيل فيما وُكِّل فيه إلا أن يُجْعَل إليه، ما هو التعليل لكون الوكيل لا يُوَكِّل فيما وُكِّل فيه إلا أن يُجْعَل إليه.
    الطالب: أن يكون الْمُوَكِّل لا يَقْبَل به، مثلًا أن يكون غير عادل أو ..
    الشيخ: لا، نبغي قاعدة عامة أحسن عشان القواعد أنا أَحُثُّكم عليها دائمًا، عليكم بالقواعد.
    طالب: لأن الْمُوَكِّل استأمن هذا الوكيل ولا يستأمن غيره.
    الشيخ: نبغي بعد زيادة.
    طالب: لأن الوكيل لا يصح له أن يتصرف إلا بتصرف أجاز له الْمُوَكِّل ..
    (2/1710)
    ________________________________________
    الشيخ: الأصل مَنْع التصرف في مال الغير، هذا الأصل، وهذا اللي أُرِيد، القاعدة العامة، الأصل منع تصرف الإنسان في ملك غيره إلا بإذن من الشارع، أو إذن من المالك، خذ ها القاعدة وامشِ على كل ما قلنا: يجوز للوكيل أن يفعل أو لا يفعل.
    الأصل أيش؟ منع أو تحريم تصرُّف الإنسان في ملك غيره إلا بِإِذْن من الشارع، أو إِذْن من المالك، وعلى هذا نقول: ليس للوكيل أن يُوَكِّل فيما وُكِّل فيه لأنه لم يُؤْذَن له.
    وَكَّل إنسان شخصًا أن يشتري له سلعة، فعرض ابنُه هذه السلعة في السوق.
    طالب: ابن الْمُوَكِّل؟
    الشيخ: ابن الوكيل.
    الطالب: عرضها؟
    الشيخ: في السوق.
    الطالب: لا ينبغي له ذلك.
    الشيخ: لا ينبغي له ذلك، ويجوز؟
    الطالب: ولا يجوز.
    الشيخ: ولا يجوز، إذن ليش تجيب لا ينبغي؟
    الطالب: تخفيف؛ لأني ما أني متأكد منها.
    الشيخ: إي، لا، ما أحسن أن تقول: لا أعلم.
    وَكَّلَ رجل شخصًا قال: اشْتَرِ لي سيارة وصِفَتُها كذا وكذا، فعرضها ابن الوكيل على أبيه.
    الطالب: لا يجوز له.
    الشيخ: لا يجوز؟
    الطالب: نعم، إلا في حالة ..
    الشيخ: لا يجوز.
    الطالب: لا يجوز للابن أن يشتري ما ..
    الشيخ: لا، ما هو ابن هذا، الذي عرضها الابن، والوكيل هو الأب.
    الطالب: كذلك كل مَن ..
    الشيخ: اترك كله، بس أجبني عن هذا السؤال.
    الطالب: لا يجوز.
    الشيخ: لا يجوز، لماذا؟
    الطالب: لأنه مَظِنَّة التهمة.
    الشيخ: إي، صحيح، نقول: لا يجوز؛ لأنه مظنة التهمة، إذا قلنا: هذه هي العلة، فهل يمكن أن نعلم زوال هذه العلة؟
    طالب: نعلم مبتدأ العلة.
    الشيخ: بماذا؟
    طالب: مثل أن ينتهي إليه الثمن في المزايدة.
    الشيخ: نعم، مثل أن ينتهي ..
    الطالب: إليه الثمن في المزايدة.
    الشيخ: هذه واحدة.
    الطالب: الثانية: أن يُحَدِّد الْمُوَكِّل سعر هذه السلعة.
    الشيخ: أن يحدد الْمُوَكِّل السعر ويعرضها الابن بهذا السعر، ما فيه شيء؟
    الطالب: أن يأذن له.
    (2/1711)
    ________________________________________
    الشيخ: أن يأذن له، إذا أَذِنَ وقال لَمَّا عرضها ابنه ذهب إلى الْمُوَكِّل قال: السيارة وجدتها عند ابني، قال: ما يخالف اشترها.
    يقول المؤلف: إنه -أي الوكيل- لا يبيع بغير نقد البلد، فإذا وُكِّل في السعودية أن يبيع بيتًا، وباعه بدولارات نقد أمريكي، أيجوز؟
    طالب: لا يجوز؛ لأن المعروف هو عملة البلد.
    الشيخ: لكن هذا دولار عملة صعبة عالمية.
    الطالب: ولو دولار؛ لأن العرف الجاري ..
    الشيخ: ولو كان عملة صعبة عالمية؟
    الطالب: إلا إذا فَوَّضَ إليه الأمر ..
    الشيخ: لا، تصريح مُطْلَق قال: بِعْ هذه السيارة هذا الشيء.
    الطالب: لا بد من نقد البلد.
    الشيخ: ما يجوز غير نقد البلد؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: افرض إنه باعها بغير نقد البلد، باعها على رجل بدولارات وأخذ الدولارات، نُمْضِيها ولَّا نقول للمشتري: أعطنا دراهم سعودية؟
    الطالب: بعدما يبيع يُخَيَّر الْمُوَكِّل، إذا رَضِيَ يقبل وإذا لم يَرْضَ ..
    الشيخ: إذا رضي هل يجوز؟
    الطالب: لا يجوز.
    الشيخ: لا يجوز، إذن ماذا نصنع؟
    الطالب: يضمن.
    الشيخ: أنتم فاهمون السؤال الآن؟
    الطالب: يضمن نقد البلد.
    الشيخ: من اللي يضمن؟
    الطالب: الوكيل.
    الشيخ: إي، لكن بس الآن البيع هل هو صحيح ولَّا غير صحيح؟
    الطالب: غير صحيح.
    الشيخ: إذن يجب أن تُسْتَرَدّ السلعة، ويُعْطَى المشتري دولاراته، ثم نبيع.
    أما قولك: إذا رضي الْمُوَكِّل، فهذا ينبني على جواز تصرف الفضولي، وجواز تصرف الفضولي هو الصحيح، بمعنى أن مَن له الحق إذا أَذِن ولو بعد إمضاء العقد فإنه يصح، ويمضي العقد، أفهمت؟ الرسول وَكَّلَ عروة بن الجعد أن يشتري له شاة بدينار، اشترى شاتين وباع واحدة، هذا تصرف فضولي.
    إذن نقول: إذا باع بغير نقد البلد فالبيع غير صحيح، ويجب رد البيع، إلا على القول الراجح إذا قلنا بجواز تصرف الفضولي، فهذا لا بأس به.
    قال له: بِع هذا بمئة مؤجَّلة، فباعه بمئة حالَّة؟
    طالب: يصح.
    (2/1712)
    ________________________________________
    الشيخ: كيف يصح؟ أنا قلت: بِعْهَا مؤجَّلة، يصح؟
    الطالب: نعم يصح.
    الشيخ: لماذا؟
    الطالب: لأن في الحالّ قد يكون له فائدة أكثر من المؤجَّل.
    الشيخ: يعني زاده خيرًا.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: ولا يُسْتَثْنَى شيء.
    الطالب: يُسْتَثْنَى، إلا إذا كان فيه ضرر.
    الشيخ: إلا إذا كان فيه ضرر، تمام.
    لو عَيَّن مَن يبيع عليه، قال: بِع هذا على فلان بثمن مؤجَّل، بِع هذا على فلان إلى رمضان؛ لأني أعرف أن هذا الرجل فقير، وأنه في رمضان تكثر الزَّكَوَات، فباعه حالًّا؟
    طالب: لا يصح.
    الشيخ: لماذا؟
    الطالب: لأن له غرضًا صحيحًا في التأجيل.
    الشيخ: لأن له غرضًا صحيحًا، وهو التيسير على المشتري الذي عَيَّنَه، واضح؟ فيكون هذا تَصَرَّف في مال غيره بغير إذنه، فينبني على القاعدة اللي ذكرناها قبل قليل.
    قال له: اشْتَرِ لي سيارة نقدًا بخمسين ألف ريال، فاشترى له سيارة مؤجَّلَة بخمسين ألف ريال، أيصح هذا أو لا؟
    طالب: يصح يا شيخ البيع، ولكن إذا كان في ضرر على الموكِّل ..
    الشيخ: يصح ما لم يكن فيه ضرر، كيف يتصور الضرر منه؟
    الطالب: بأن -مثلًا- إذا رجع عليه بالمال قال الموكِّل: فإني -مثلًا- رجل مسافر، ولا أستطيع -مثلًا- أن أحفظ المال حال السفر، وأخشى من قُطَّاع الطرق، إذا خاف على المال يعني.
    الشيخ: صحيح، يعني يمكن أن يكون المؤجَّل خيرًا للموكِّل في مثل هذه الصورة، أو يقول: أنا رجل يدي ما تمسك، لو أعطيتني إياه الآن أخلصه بشهر.
    ***
    [مدخل]

    (باب الشركة)
    الشركة لفظها بوزن عَرَفَة، ونَمِرَة، وحِكْمَة، إذا كان بوزن عَرَفَة نقول؟
    طلبة: شَرَكَةَ.
    الشيخ: شَرَكَة، بوزن نَمِرَة؟
    طلبة: شَرِكَة.
    الشيخ: شَرِكَة، بوزن حِكْمَة شِرْكَة.
    تعريفها يقول المؤلف: (هي اجتماع في استحقاق أو تَصَرُّف)
    (اجتماع في استحقاق) بمعنى أن يكون شيء بين شخصين فأكثر اشتركَا فيه باستحقاق، وهذه تسمى شركة الأملاك.
    (2/1713)
    ________________________________________
    دليلها: قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]، هذا اجتماع في استحقاق، والاجتماع في الاستحقاق يسمى شركة أملاك.
    (أو تَصَرُّف) ويسمى شركة عقود، بمعنى أن يتعاقد شخصان في شيء يشتركان فيه، هذه تسمى شركة عقود، هذا تعريفها.
    أما حكمها فإنها جائزة ليست حرامًا، وهنا نسأل: هل نحتاج إلى دليل على الجواز أو لا؟ لا نحتاج إلى دليل على الجواز.
    لو قال لنا قائل: ما دليلكم على جواز الشركة؟ قلنا: لا حاجة لنا؛ لأن الأصل في المعاملات الحِلّ، فنقول: دليلنا عدم الدليل، عدم الدليل على أيش؟ على المنع، ما هو على الجواز؛ لأن الأصل في المعاملات هو الحِلّ، وقد قال الله تعالى: {ابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ} [الكهف: 19]، فأضاف الوَرِق إليهم جميعًا، وهذا لا شك أنه اشتراك في تصرُّف؛ لأن الظاهر أنهم ليسوا ورثة ورثوا هذه الدراهم.
    إذن هي اجتماع في استحقاق أو تَصَرُّف، وهي جائزة حكمًا تكليفيًّا، الدليل؟ ذكرنا أولًا قلنا: الدليل عدم الدليل.
    ثم لنا دليل من الشرع، أما شركة الاستحقاق فقوله تعالى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]،
    وأما شركة العقود فكما ذكرنا في قصة أصحاب الكهف، وأيضًا قال الله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [الروم: 28]، ما لكم شركاء، فدَلَّ هذا على أن الشركة ممكنة.
    أما حكمها من حيث الحكم الوضعي فإنها جائزة، يعني من العقود الجائزة، وليست من العقود اللازمة، بمعنى أنه يجوز لكل واحد من المشترِكَيْنِ أن يفسخ الشركة، فهي من العقود الجائزة.
    [شركة العنان]
    (2/1714)
    ________________________________________
    أما أنواعها فذكر الفقهاء رحمهم الله أنها أنواع، وكأن الدليل على هذا التنويع هو التتبع والاستقراء، والتتبع والاستقراء طريق من طرق الأدلة، على أنه ربما تحدث أنواع من الشركات يصعب تنزيلها على ما قال الفقهاء، فهل إذا وجدنا نوعًا من الشركات حدث كما يحدث الآن في المعاملات الأخيرة، هل نقول: إنه حرام؛ لأنه خارج عما قال الفقهاء؟
    طالب: لا.
    الشيخ: لا؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: ليش؟
    الطالب: الأصل الحِلّ.
    الشيخ: لأن الأصل الحِلّ، نقول: هي أنواع؛ الأولى شركة عنَان، قيل: إنها مشتقة من أَعِنَّة الخيل، كأن المشتَرِكَيْنِ فَرَسَا رِهَان يتباريان ويتجاريان، وقيل: إنها مشتقة من عَنَّ له، إذا طرأ عليه، كأن كل واحد منهما طرأ عليه أن يشارك الآخر، لكن الاشتقاق الثاني لا يمنع دخولَ بقية الأنواع؛ لأن بقية الأنواع كلها إنما تحدث بأيش؟ بما عَنَّ لكل واحد، أي: بما طرأ، فاشتقاقها من المعنى الأول أقرب إلى الصواب، فما هي شركة العنان؟
    يقول: (أن يشترك بدنان -يعني شخصين- بمالَيْهِما المعلوم ولو متفاوتًا لِيَعْمَلَا فيه ببدنيهما)، إذن فيه مال وفيه بدن.
    شخصان ومالان، زيد وعمرو، أرادَا أن يشتركَا في المال والتصرف، كل واحد جاء بماله وقالَا: نحن شركاء، هذه نسميها شركة عنان؛ لأنها جامعة بين أيش؟ بين المال والبدن، وفائدتها إذا قال قائل: ما الفائدة؟
    فائدتها أن كلًّا من الشريكين يُنَشِّط الآخر، هذه من جهة، من جهة أخرى ربما يكون مال كل واحد منهما ليس بالمال الكثير الذي يمكنهما أن يستوردَا البضائع الكثيرة التي فيها الفائدة الكثيرة، وهذا واقع ولَّا غير واقع؟ واقع، يعني –مثلًا- واحد عنده مليون والثاني عنده مليون، لكن مليون ما يستطيعون أن يأتوا ببضائع كبيرة فائدتها كثيرة، فيجتمعان ويشتريان البضائع، هذه هي فائدتها.
    (2/1715)
    ________________________________________
    إذن العنان جامعة بين أيش؟ بين المال والبدن، فائدتها تنشيط بعضهما بعضًا، والثاني: أنه قد لا يتمكن كل واحد منهما أن يتجر بماله، فيحتاج إلى ضمِّ مالٍ آخر إليه حتى تتسع التجارة، لكن اشترط شروطًا، أولًا: بمالَيْهِمَا، وهذا يدل على أنه لا بد أن يكون مملوكًا لهما، ولكن هل هذا شرط؟ أو نقول: بمالَيْهِمَا أو مال مَن لهما حق التصرف فيه، الأول ولَّا الثاني؟
    طلبة: الثاني.
    الشيخ: الثاني، يعني إما أن يكون مالًا لهما، أو يكون مال هما فيه وكلاء، أو فيه أولياء، أو ما أشبه ذلك، لكن تعلمون أن الوكلاء لا بد فيه من الإذن.
    اشترط (المعلوم) ضده المجهول، وذلك لأنه لا بد أن نرجع عند فسخ الشركة إلى المال، كل واحد منا بماله، فإذا كان لا بد من الرجوع إلى المال فإنه لا يمكن الرجوع إلا إذا كان كل منهما معلومًا حتى يُعْرَف عند تنضيد المال مال كل واحد منهما.
    قال: (ولو متفاوتًا)، متفاوتًا يعني بعضه أكثر من بعض، مثلًا إنسان شارك بمليون والثاني بخمس مئة ما فيه مانع، يجوز، يعني ليس بشرط أن يكون المالان سواء، بل يجوز أن يتفاوَتَا، ويأتي إن شاء الله عن كيفية توزيع الربح.
    قال: (لِيَعْمَلَا فيه ببدنيهما)، أي: بأبدانهما، أو بأبدان مَن يُنِيبَانِه، كما لو كان أحدهما عنده عَبْد، عنده خادم، وما أشبه ذلك، يتصرف في ماله، فهذا كأنه هو الذي يتصرف.
    فقوله: (ببدنيهما) بناء على الغالب، وإلَّا يجوز أن يكون أحدهما يشترك في المال، وفي بدن خادمه، أو بدن عمه، أو بدن ابن عمه، أو ما أشبه ذلك، ما الذي يتفرَّع؟
    قال: (فينْفُذُ تصرُّف كلٍّ منهما فيهما بحكم الملك في نصيبه، وبالوكالة في نصيب شريكه).
    الآن لما اشتركنا كل واحد منا ينفذ تصرُّفه في المالَيْنِ جميعًا، بالنسبة لملكه يتصرف بالأصالة بحكم الملك، بالنسبة لشريكه يتصرف بالوكالة؛ لأنه فرع عنه.
    مثال ذلك: اشترك اثنان شركة عنان أحدهما يبيع أقمشة، والآخر يبيع أطعمة، يجوز أو لا؟
    (2/1716)
    ________________________________________
    طلبة: يجوز.
    الشيخ: يجوز؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: يجوز لبائع الأطعمة أن يبيع شيئًا من الأقمشة ولو كانت عند صاحبه، ويجوز لصاحب الأقمشة أن يبيع شيئًا من الأطعمة ولو كانت عند صاحبه، كيف يبيع شيئًا ليس في دكانه، ولكنه في الدكان الآخر، أو قد يكون في بلد آخر أيضًا؟
    نقول: لأن الشركة تقتضي هكذا، تقتضي أن كل واحد يتصرف بالمال كله مجموعًا؛ لأنه لما عقدنا الشركة صار نصف مالك لي، ونصف مالي لك، إذا تصرفتَ فيه يكون بالملك لنصيبك وبالوكالة في نصيب شريكك، وإن لم يُخْلَط المالان نقول: وإن لم يُخْلَطَا كما سيأتي إن شاء الله الكلام في المتن.
    يقول: (بحكم الملك في نصيبه، وبالوكالة في نصيب شريكه)، إذا تصرَّف في نصيب شريكه، وتبيَّن أن شريكه قد باعه مثلًا، فما الحكم؟
    نقول: هذا كما ذكرنا فيما سبق في الوكالة أنه ينعزل الوكيل في مثل هذه الحال؛ لأن الْمُوَكِّل تصرف تصرفًا يمنع الوكيل من أن ينفذ تصرفه فيه.
    مثاله: إنسان شارك آخر، لأحدهما معرض سيارات وللآخر أطعمة، صاحب الأطعمة باع سيارة من المعرض عند صاحبه، ثم تبين أن صاحبه قد باع السيارة، فما الحكم؟
    الحكم يبطل بيع الأخير؛ لأن بَيْع أخيه للسيارة صحيح ولَّا غير صحيح؟
    طلبة: صحيح.
    الشيخ: صحيح، فإن قلتم: ألست تقول: إنهم شركاء في ماليهما؟
    أقول: بلى، لكن لما باع صاحب المعرض السيارة باع السيارة بحكم ملكه في نصيبه، كمِّلوا، وبالوكالة في نصيب شريكه، انتهى البيع، تم العقد، لما جاء الشريك الآخر وباعها بعد بيع الأول لم يصح البيع؛ لأنه وكيل في بيعها، لكن تصرف فيها الشريك قبل أن يبيع هذا، هذا معنى قوله: (بِحُكْم الملك في نصيبه، وبالوكالة في نصيب شريكه).
    يقول: (ويُشْتَرَط) يشترط يعني مع الشروط السابقة، وهي أن يكونَا مالِكَيْنِ، أو لهما حق التصرف، أن يكون المال معلومًا.
    (2/1717)
    ________________________________________
    يقول: (ويُشْتَرَط -بالإضافة إلى ذلك- أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين)، أن يكون رأس المال اللي به الشركة من النقدين، وهما الذهب والفضة، (المضروبين) وهما الدراهم والدنانير.
    المضروب ما معناه يا جماعة؟ معناه المضروب اللي يضرب باليد؟ أيش معناه؟
    طلبة: المصكوك؟
    الشيخ: الذي جُعِلَ نقدًا، جُعِل دراهم وجُعِل دنانير، لو أن كل واحد منهما أتى بصُرَّة من ذهب واشتركَا، يصح؟
    طلبة: لا يصح؟
    الشيخ: لا يصح، لماذا؟ لأنه غير مضروب، كل واحد أتى بمئة ربطة فئة عشرة، أوراق، يصح أو لا يصح؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح، لماذا؟
    طلبة: ليسَا نَقْدَيْن.
    الشيخ: لأنهما لَيْسَا نَقْدَيْن، كل واحد أتى بعشرين سيارة، يعني هما أصحاب معرض، كل واحد أتى بعشرين سيارة، يصح أو لا يصح؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: رأس المال أربعون سيارة الآن؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: ليش؟ لأن ذلك ليس من النقدين.
    وقول المؤلف: (من النقدين) يشمل ما إذا كان أحدهما أتى بدنانير والآخر أتى بدراهم، فمثلًا واحد أتى بعشرة دنانير، والثاني أتى بمئة درهم، يصح.
    لكن هذا فيما سبق في زمان العلماء السابقين، الدراهم والدنانير ما تتغير، يعني عشرة دراهم بدينار ما تتغير، في وقتنا الآن هل تتفاوت أو لا؟ تتفاوت، أحيانًا يزيد الذهب وأحيانًا ينقص، وبناءً على ذلك نقول: لا بد أن يكون النقد واحدًا من جنس واحد، إما ذهب وإما فضة.
    هذا هو الذي مشى عليه المؤلف رحمه الله أنه لا بد أن يكون رأس المال من النقدين، كمِّل.
    طلبة: المضرُوبَيْنِ.
    الشيخ: المضرُوبَيْنِ.
    وقيل: يصح أن يكون رأس المال عَرَضًا، أي: من عروض التجارة.
    (2/1718)
    ________________________________________
    فأحدهما يأتي بأطعمة، والثاني يأتي بأقمشة، ويختلطان، كيف نعمل الآن؟ عند فسخ الشركة نقول لأحدهما: اشترِ طعامًا لأخيك، ونقول للثاني: اشترِ أقمشة لأخيك؟ ! ! هذه مشكلة، قد ترتفع الأقمشة، وقد ترتفع الأطعمة، نقول: هنا نعرف كيف نتخلص، عند عقد الشركة نقول: ماذا تساوي الأطعمة، وماذا تساوي الأقمشة؟ فإذا قالوا: الأطعمة عشرة آلاف، والأقمشة عشرة آلاف، عند الفسخ نرجع إلى الأصل، إلى القيمة، نعطي كل واحد عشرة آلاف، والربح يُقْسَم حسب الشرع.
    أقول مرة ثانية: القول الثاني في المسألة أنه يصح أن يكون رأس المال من غير النقدين المضروبين، ولكن تُقَدَّر قيمته بالنقدين عند عقد الشركة ليَرْجِعَ كل واحد منهما إلى قيمة ملكه عند فسخ الشركة، وهذا القول هو الراجح، وعليه العمل.
    طالب: لو أن صاحب الأطعمة يا شيخ باع سيارة عند صاحب معرض السيارات.
    الشيخ: اشترك صاحب طعام وصاحب سيارات.
    الطالب: فباع صاحب الأطعمة سيارة من المعرض، ثم بعد ذلك صاحب السيارات باع نفس السيارة.
    الشيخ: الأول منهما هو الذي ينفذ، سواء صاحب المعرض أو صاحب الطعام.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، هل يُشْتَرَط أن يكون المال حاضرًا؟
    الشيخ: لا بد أن يكون حاضرًا، إلا إذا كان في ذمة أحدهما، يعني –مثلًا- واحد عنده عشرة آلاف أحضرها، وفي ذمته للآخر عشرة آلاف، فهذا كالحاضر.
    الطالب: شيخ، أحسن الله إليك، في الوكالة هل تختلف الوكالة على نفس الشركة؟ لأنه إذا باع الوكيل السيارة ( ... ) وقد باعها الْمُوَكِّل قلنا: إن عقد الْمُوَكِّل هو الذي ينفذ لأنه تصرف في ملكه، فعقده أقوى من عقد البيوع، ولَّا ماذا يا شيخ؟
    الشيخ: أبدًا، إذا وَكَّلَ شخصًا في بيع شيء، ثم باعه الوكيل نفذ، وإذا ورد عقد الْمُوَكِّل بعد بيع الوكيل فإنه لا أَثَر له.
    (2/1719)
    ________________________________________
    طالب: بارك الله فيك، إذا اشتركَا في تجارتين، فمثلًا اشتركَا في المال وفتحَا دكانين، وكان كل واحد منهما يحسن نوعًا من التجارة، فتصرف الآخر فيما لا يحسنه، فهل ينفذ تصرفه؟
    الشيخ: إذا تصرَّف فيما لا يحسنه فلا ينفذ تصرفه؛ لأن لا بد –إن شاء الله يأتينا أنه لا بد يتصرف لمصلحة الشركة.
    طالب: الدخول بشركة الأعيان هل صحيح أن بعضهم حكى الإجماع على عدم جواز هذا الشيء؟
    الشيخ: أيش؟
    الطالب: هل صحيح أن بعض أهل العلم حكى الإجماع على أنه لا يجوز الشركة في الأعيان أو في العروض؟
    الشيخ: يعني في غير النقدين يعني؟
    الطالب: نعم، في العروض، هل يدخل مثل هذا في عقد شيء وهذا .. ؟
    الشيخ: لا، ليس فيه إجماع.
    طالب: إذا اشترك صاحب أطعمة وصاحب سيارات، وصاحب الأطعمة باع سيارة، وتَبَيَّن أن صاحب السيارات باعها.
    الشيخ: قبلَه ولَّا بعده؟
    الطالب: قبله، ولكنهم ما زالوا في وقت الخيار، فهل ينفذ الأول أو الثاني؟
    الشيخ: لا، ينفذ الأول.
    الطالب: إلى متى؟ إلى أن ينتهي وقت الخيار؟
    الشيخ: إذا انتهى وقت الخيار فهو يجدد العقد.
    طالب: أحسن الله إليك، ما سبب قول هؤلاء العلماء أنه لا يجوز شراء بغير النقدين المضروبين.
    الشيخ: لا، هم يقولون: أحضروا النقدين، أحضروا الدراهم وبعدين بيعوا واشتروا، ما هو معناه: ( ... ) الدراهم، ويش الفائدة من الدراهم؟ علشان أيش يا جماعة؟ علشان عند فسخ الشركة نرجع إلى الدراهم.
    طالب: إذا اشترك شريكان كان أحدهما يبيع ملابس، والآخر يبيع طعامًا، وحُدِّدَت القيمة بعشرين ألفًا، وأصبحت القيمة مشاعة بينهما، فعند الانفصال هل يُلْزَم صاحب الطعام إذا تبقى طعام بأخذ طعامه، وأخذ الملابس بأخذ ملابسه؟
    الشيخ: يُقَوَّم عليه بدراهم، وكل واحد يرجع إلى دراهمه، والربح يكون بينهما على ما شرطاه.
    طالب: يبذلان الآن جميع المال المشترَك فيه ويعمل فيه واحد فقط، هل يصح؟
    (2/1720)
    ________________________________________
    الشيخ: يصح، لكن بشرط أن يُجْعَل له من الربح أكثر من ربح ماله، مثلًا إذا جاء واحد بألف واحد بألف، ولَّا إذا ما واحد يعمل نقول: الربح يكون بينكما أثلاثًا، لئلا يعمل الثاني بدون عِوَض.
    طالب: إذا تلف الطعام بعدما تعاقدوا هل يُمْضَى العقد أو يُفْسَخ؟
    الشيخ: يقول: إذا تلف الطعام بعد أن تعاقدوا، هل بتفريط، أو بتعدٍّ، أو بدون تَعَدٍّ ولا تفريط؟
    الطالب: بلا تفريط.
    الشيخ: يعني –مثلًا- أمر جاءه مثلًا مطر ولَّا غيره، أو حريق؟
    الطالب: على كل تقدير.
    الشيخ: لا ما هو على كل .. إذا كان متعديًا أو تفريطًا فالضمان عليه هو، وليس على شريكه شيء، وإذا كان بغير تَعَدٍّ ولا تفريط فهو من ضمان الجميع، يعني يكون المال السالم بينهما جميعًا. ( ... )
    وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، يقول المؤلف: إنه لا يقبض الثمن إلا بقرينة، فمثل القرينة ده أيش؟ ما مثالها؟
    طالب: القرينة تنقسم إلى قسمين: قرينة شرعية، وقرينة عُرفية؛ أما القرينة الشرعية فهي التي يُشْتَرَط التقابض فيها، كالذهب، والعرفية إذا باع على رجل مماطل أو على رجل غريب له ..
    الشيخ: قرينة شرعية وقرينة عرفية، القرينة الشرعية أن يُوَكِّلَه في بيع ذهب بفضة، فهنا لا بد أن يقبض؛ لأن مقتضى التوكيل هذا أن يقبض، والعرفية أن يبيعها على شخص مجهول يخشى ألَّا يُعْرَف فيما بعد، أو على شخص مماطل، فهنا قَبْض الثمن مأذون فيه عرفًا.
    إذا قال: اشْتَرِ لي ما شئت بما شئت؟
    طالب: لا يجوز.
    الشيخ: لا يجوز، لماذا؟
    الطالب: لأنه ممكن يشتري له شيئًا وهو يريد شيئًا آخر، أو ممكن يشتري له أشياء هو لا يريدها.
    الشيخ: نعم؟
    الطالب: ممكن يتصرف في المال يشتري له كل شيء.
    الشيخ: كل شيء.
    الطالب: فإذا اشترى له كل شيء ..
    الشيخ: بأي ثمن.
    الطالب: بأي ثمن.
    الشيخ: لأنه قال: بما شئت.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: إي، فلا بد من التعيين حتى لا يحصل النزاع والخصومة.
    إذا قَيَّدَ ذلك بالأصلح؟
    (2/1721)
    ________________________________________
    الطالب: يصح يا شيخ.
    الشيخ: يصح، مثل أن يقول؟
    الطالب: اشتر لي بما تراه مناسبًا مثلًا.
    الشيخ: اشتر ما تراه مناسبًا، مثل: وردت بضائع ووَكَّلَه أن يشتري منها، وقال: اشترِ ما تراه مناسبًا بأي ثمن تراه.
    اقبض حقي من زيد، هل يقبض من ورثته؟
    طالب: لا يقبض من ورثته.
    الشيخ: لماذا؟
    الطالب: لأنه هنا عَيَّنَ الجهة التي يقبض منها، وهي زيد، أما إذا قال: اقبض حقي الذي عند زيد فإنه لا يقبض ..
    الشيخ: أنا أسألك: اقبض حقي من زيد.
    الطالب: لا يقبض.
    الشيخ: فوجده ميتًا.
    الطالب: لا يقبض؛ لأنه عَيَّن الجهة التي يقبض منها.
    الشيخ: نعم، وهو قوله: من زيد.
    إذا قال: اقبض حقي الذي عند زيد فوجده ميتًا.
    طالب: يقبض من ورثته.
    الشيخ: يقبض من ورثته.
    الطالب: نعم؛ لأنه عَيَّن الجهة.
    الشيخ: لأنه لم يُعَيِّن المقبوض منه، وإنما عَيَّن؟
    الطالب: الجهة.
    طالب: المقبوض.
    الشيخ: الجهة أو المقبوض.
    ادَّعَى شخص أن زيدًا وَكَّلَه في قَبْض حقه من عمرو؟ جاءك رجل قال لك: إن فلانًا وَكَّلَنِي أن أقبض الدَّيْن الذي له عليك، فأعطني إياه، فهل يلزمك الدفع؟
    طالب: ما يلزمني.
    الشيخ: لا يلزمك، حتى لو صَدَّقته؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: حتى لو صدقته، إذا كَذَّبْتَه واضح، إذا قلت: أبدًا ما وَكَّلك، واضح إنه لا يلزمك، لكن إذا صَدَّقْتَه لماذا لا يلزمك؟
    الطالب: لأنه قد يكون الْمُوَكِّل ينكر على ..
    الشيخ: وكالته، تمام؛ لأنه قد يُنْكِر الْمُوَكِّل فيقول: أنا ما وَكَّلْتُه، لكن لو صَدَّقَه فدفع إليه، ثم أنكر الْمُوَكِّل الوكالة؟
    طالب: يُضَمِّن الْمُوَكِّل أيهما شاء.
    الشيخ: لا.
    الطالب: إذا أنكر.
    الشيخ: ما هي وديعة هذه، دَيْن.
    الطالب: الدَّيْن؟
    الشيخ: نعم.
    الطالب: يُضَمَّن الذي عنده الدَّيْن.
    الشيخ: أحسنت، يضمن الذي عليه الدَّيْن للمُوَكِّل، واضح؟ ثم يرجع على الذي ادَّعَى الوكالة.
    (2/1722)
    ________________________________________
    المؤلف يقول: إذا كان المدفوع وديعة أخذها، فإن تلفت ضمن أيهما شاء، ما معنى العبارة؟
    طالب: كأن يقول مثلًا للوكيل مُدَّعِي الوكالة هذا إذا أخذ الوديعة ..
    الشيخ: يعني نفرض إنها كتاب عند خالد.
    الطالب: أخذها لي من اللي ادَّعَى توكيلي إذا أخذها منه هذه الوديعة فأنا لي الحق أن أطلبه من مُدَّعِي الوكيل، أو من المستودَع الكتاب؛ لأنها وديعة وأخذها بدون وكالة.
    الشيخ: فمن هذا أو هذا؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: يعني لك أن تُضَمِّن خالدًا.
    الطالب: أُضَمِّن خالدًا أو زيدًا.
    الشيخ: كذا؟
    طالب: له ذلك يا شيخ.
    الشيخ: له ذلك؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: يعني على الوديعة التي عندك.
    الطالب: على سبيل الفرض.
    الشيخ: على سبيل الفرض؟ صحيح، إذا كانت الوديعة، لأن الوكيل الآن ما هو راح يتصرف فيها، سيحملها لصاحبها الذي هي له، فإذا تلفت بيد مُدَّعِي الوكالة ضَمَّن أيهما شاء، إلا إذا صَدَّقَه، قال: نعم، أنا وَكَّلْتُه يأخذه، فهو لا يرجع على أحد إذا تلفت بغير تَعَدٍّ ولا تفريط.
    يقول المؤلف في باب شركة العنان، أولًا: شركة العنان ما معناها؟
    طالب: إذا اشترك اثنان فأكثر بمالهما ويعملَان فيه ببدنهما.
    الشيخ: إذا اشترك اثنان فأكثر بماليهما وبدنيهما.
    إذا اشتركَا هل يكون المال الذي كان لزيد، والمال الذي كان لعمرو، هل يكون بينهما؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: يكون بينهما.
    الطالب: إذا اتفقا أن يكون مشاعًا فهو مشاع.
    الشيخ: كيف مشاع؟ اشتركَا شركة عنان؟
    الطالب: لا يكون معهما.
    الشيخ: لا يكون لهما؟
    الطالب: لا يكون لهما.
    الشيخ: كل واحد له ماله؟
    الطالب: كل واحد له ماله.
    طالب: يكون المال بينهما يا شيخ.
    الشيخ: يكون المال بينهما، كذا؟ ما تقولون؟
    طلبة: صحيح.
    الشيخ: صحيح؟ نعم صحيح، ويكون المال بينهما، هل ينفذ تصرُّف كل واحد منهما؟
    طالب: ( ... ) في نصيبه.
    الشيخ: ينفد تصرُّف كل واحد منهما بحكم الملك في نصيبه، وبحكم الوكالة في نصيب شريكه.
    (2/1723)
    ________________________________________
    لو تلف مال أحدهما فقط هل هو من بين الجميع ولَّا على صاحبه.
    طالب: نعم، إلا إذا لم يكن بتعَدٍّ أو تفريط.
    الشيخ: بلا تَعَدٍّ ولا تفريط، جاءه أمطار وأفسدته ولَّا حرق.
    الطالب: الضمان عليهما.
    الشيخ: يعني أن المال يتلف عليهما جميعًا؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: كيف مالك عندك أنت الآن دكانك؟
    الطالب: نعم، لكن الآن صار مشاركة.
    الشيخ: ماذا تقولون؟
    طلبة: صحيح.
    الشيخ: صحيح؟ يعني لو تلف مال أحدهما صار المال الباقي لهما جميعًا.
    ( ... ) أنصافًا إذا كان المالان متساويين، أو أثلاثًا حسب المال، فإذا كان هذا الإنسان ماله ألفان، وهذا ماله ألف، ثم تلف المال الذي لصاحب الألفين، يرجِع على المال الذي هو لصاحب الألف بماذا؟ بثُلُثَيِ الألف؛ لأن المال المشترك على حسب الملك.
    شركة المال لها شروط، هل يُشْتَرَط فيها أن يكون المالان متساوِيَيْنِ؟
    طالب: لا يُشْتَرَط.
    الشيخ: لا يُشْتَرَط، يعني: يجوز واحد يجيب عشرة آلاف، وواحد مئة ألف؟
    الطالب: يجوز.
    الشيخ: يجوز؟ كيف عشرة آلاف مع مئة ألف؟
    الطالب: يجوز.
    الشيخ: يجوز؟
    الطالب: إي، بس يُشْتَرَط أن يكون من النقدين.
    الشيخ: لا، ما بعد وصلنا لهذه، المهم هل يُشْتَرَط التساوي أو لا؟
    الطالب: لا، لا يُشْتَرَط.
    الشيخ: لا يُشْتَرَط، توافقونه على ذلك؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: نعم، لا يُشْتَرَط.
    يُشْتَرَط أن يكون المال معلومًا أو لا يُشْتَرَط؟
    طالب: يا شيخ يشترط أن المال معلوم، لازم معلوم.
    الشيخ: نعم، يُشْتَرَط أن يكون معلومًا، وذلك لأنهما عند فسخ الشركة سوف يرجع كل واحد منهما إلى ماله، فإذا لم يكن معلومًا حصل النزاع والعداء والبغضاء والخصومة.
    يُشْتَرَط أن يكون من النقدين المضروبين، فما هما؟
    طالب: الدراهم والدنانير.
    الشيخ: الدراهم والدنانير، ما معنى قوله: (المضروبين) احترازًا من أيش؟
    طالب: الذهب والفضة.
    الشيخ: كيف؟
    طالب: غير النقدين، غير الذهب.
    (2/1724)
    ________________________________________
    الشيخ: لا، نقدين لكن يقول: مضروبين، معناه: يشترط شرطين؛ نقدين ومضروبين، مضروبين احترازًا من أيش؟ ما حضرت؟
    طالب: حضرت.
    الشيخ: إذا حضرت فنحن شرحناها شرحًا جيدًا، ما حضرت؟
    طالب: حضرت.
    الشيخ: حضرت؟ سبحان الله إذا سُئِلْتَ لم تحضر وإذا أجبت حضرت؟ !
    طالب: المضروبين احترازًا مما ليس مضروبًا كالذهب المستعمل في ( ... ) وغيره ( ... ).
    الشيخ: صحيح، المضروبين يعني اللَّذَيْنِ جُعِلَا نقدًا، سكة دراهم ودنانير، احترازًا مما لو كان قطعة من الذهب قطعة من الفضة، لا يجوز.
    هل يجوز أن يكون مال أحدهما ذهبًا والآخر فضة؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: يجوز؟ من أين يُؤْخَذ من كلام المؤلف؟
    طالب: من قوله: (ولو متفاوتًا).
    الشيخ: لا، متفاوتًا بالكمية.
    الطالب: (ولو يسيرًا).
    الشيخ: ويش اللي هو اليسير؟
    طالب: (ولو مغشوشَيْنِ يَسِيرًا).
    الشيخ: لا.
    طالب: قوله: (من النقدين).
    الشيخ: قوله: (من النقدين)، الآن إذا أتى أحدهما بذهب والآخر بفضة فالمال من النقدين.
    يُشْتَرَط أن يكون رأس المال من النقدين، وظاهر كلام المؤلف: ولو كان أحدهما ذهبًا والآخر فضة، وهذا مَبْنِيٌّ على أن سعر الفضة بالنسبة للذهب لا يتغير، كما في الزمن السابق، فإن في الزمن السابق الدينار اثنا عشر درهمًا، ثلاثة دراهم رُبُع دينار؛ ولهذا جاء في السرقة: (لا تُقْطَع اليد إلَّا في رُبُع دينار فصاعدًا)، وقطع النبي صلى الله عليه وسلم في سرقة مِجَنٍّ قيمته ثلاثة دراهم، فدل هذا على أن الدينار في ذلك الوقت قيمته من الفضة كم؟
    طلبة: اثنا عشر درهمًا.
    الشيخ: اثنا عشر درهمًا.
    (2/1725)
    ________________________________________
    كذلك أيضًا في الدية ألف دينار واثنا عشر ألف درهم، متقارب يعني، فدلَّ ذلك على أيش؟ على أنه إذا تفاوَتَ فكان أحدهما ذهبًا والثاني فضة فلا بأس، لكن في الوقت الحاضر وقبل هذا الوقت أيضًا لا يستقيم هذا؛ لأن الذهب والفضة لَيْسَا مُسْتَقِرَّيْن، قد ترتفع قيمة الذهب، وقد ترتفع قيمة الفضة، وعلى هذا فلا يصح أن يأتي أحدهما بذهب والآخر بفضة، إلا على القول بأنه لا بأس أن يأتي أحدهما بعروض وتُقَدَّر قيمتها عند انعقاد الشركة، فإنه لا بأس.
    يقول: (من النقدين المضروبين)، لو كان المال من غير النقدين، يعني: سيارات، إنسان عنده معرض سيارات، وإنسان عنده معرض أطعمة، واشتركَا شركة عنان، أيجوز؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: لا، لا يجوز يا إخوان، سبحان الله! (من النقدين المضروبين)، الآن رأس المال من العروض، أحدهما سيارات، والثاني أيش؟ أطعمة، إذن لا تصح الشركة، حتى لو عَمِلَ فرِبْحُ مالِ كلِّ واحد له، والثاني لا حق له فيه؛ لأن الشركة غير صحيحة، وهذا هو المذهب، والقول الثاني أنه يصح أن يكون رأس المال عروضًا، ولكن لا بد أن تُقَدَّر القيمة بالنقدين، فيقال مثلًا: كم قيمة السيارات؟ قال: قيمة السيارات مئة ألف، كم قيمة الأطعمة؟ مئة ألف، صار المال الآن أنصافًا، صار المال مئتي ألف، كل واحد منهما أتى بمئة ألف، قالوا -مثلًا-: السيارت تساوي مليونًا، والأطعمة خمس مئة ألف، صار المال الآن أيش؟ أثلاثًا؛ لصاحب السيارت الثلثان، وللثاني الثلث، وهذا القول هو الراجح، هو الصحيح، أنه يجوز أن يكون رأس المال من غير النقدين، لكن يجب أن يُقَوَّم عند عقد الشركة بالنقدين، وذلك من أجل الرجوع إليهما عند انفساخ الشركة.
    (2/1726)
    ________________________________________
    وقوله: (ولو مغشوشين)، هذه إشارة خلاف، لكن المؤلف يقول: (مغشوشين يسيرًا)، كانت الدنانير والدراهم فيما سبق يُتلاعب بها، وكل إنسان يستطيع أن يصنع دينارًا أو أن يصنع درهمًا، فيأتي بعض الناس ويغش، يَخْلِط مع الذهب معدنًا آخر، أو مع الفضة معدنًا آخر.
    يقول العلماء: إن كان هذا الخليط شيئًا يسيرًا من أجل تصليب الذهب وتصليب الفضة، فهذا لا يضر؛ لأنه كالإنفحة مع اللبن من أجل أن تُجَبِّنَه، وهذا لمصلحة النقدين، ولا يضر، أما إذا كان الغش كثيرًا يُراد به الترويج فإنه لا يصح أن يكون نقدًا يُتعامل به؛ لأنه صار في الحقيقة كعروض التجارة، ولا يصح أن يكون رأس مال شركة؛ لأنه صار كعروض التجارة.
    والخلاصة: الغش بالنقدين ينقسم إلى قسمين:
    1 - قسم يسير من أجل تصليب النقدين؛ لأن الذهب لو لم يُصَلَّب صار ليِّنًا، وكذلك الفضة، هذا لا بأس منه؛ لأنه لمصلحته.
    2 - قسم آخر: يُرَاد به الغش والخداع، هذا لا يجوز التعامل به، ويجب على وَلِيّ الأمر أن يمنع التعامل به؛ لأنه غش، ولا يصح أن يكون رأس مال شركة، وهذا هو مُحْتَرَز قوله: (ولو مَغْشُوشَيْنِ يسيرًا).
    على ما قلنا قبل قليل نقول: لا يُشْتَرَط أن يكون رأس المال من النقدين، لكن يجب أن يُقَوَّم مال كل واحد منهما عند عقد الشركة بالنقدين، لكن بأيهما؟ لا شك أن تقدير القيمة بالأكثر رواجًا، وعند الناس الآن الأكثر رواجًا هو؟
    طلبة: الذهب.
    الشيخ: لا يا إخوان، الفضة؛ لأن النقود هذه كلها عِوَض عن الفضة، وهذا العمل بالنقدين المعدنيين أيضا راح، أكثر الدول الظاهر -إن لم أقل: كل الدول- تتعامل بأيش؟ بالأوراق النقدية، هذا شرط.
    الشرط الثاني: (وأن يَشْتَرِطَا لكل منهما جزءًا من الربح مشاعًا معلومًا)، لا بد أن يَشْتَرِطَا لكل واحد جزءًا من الربح مشاعًا معلومًا.
    مثال ذلك: قال: نحن اشتركنا في المال، ولكل واحد منا من الربح النصف، يصح.
    (2/1727)
    ________________________________________
    اشتركنا في المال، ولك يا زيد من الربح ألف، والباقي لي.
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: ليش؟ لأنه غير مشاع، وغير المشاع ربما لا يكون الربح إلا مقدار ما شُرِطَ لأحدهما، ويبقى الثاني لا ربح له.
    اشترطَا الربح، قال: لك بعضه ولي بعضه؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: ما يصح، لماذا؟ لأن البعض مجهول، فلا يصح شرطه، لا بد أن يكون معلومًا، والثاني مشاعًا، (جزءًا من الربح مشاعًا معلومًا).
    (فإن لم يَذْكُرَا الربح، أو شرطَا لأحدهما جزءًا مجهولًا، أو دراهم معلومة، أو ربح أحد الثوبين، لم تصح)؛ لأن كل هذه مخالفة للشرط.
    (إن لم يذكرَا الربح)، بل قال: نحن شركاء شركة عنان، ولم يتعرضَا للربح، هل هما أنصاف؟ أو أرباع؟ أو ما أشبه ذلك؟ فالشركة لا تصح، ويكون لكل واحد منهما رِبْحُ ماله، ولا يرجع على الثاني بشيء، حتى لو تلف أحد المالين في هذه الصورة لم يرجع على صاحبه؛ لأن العقد فاسد، والعقد الفاسد لا يترتب عليه أثره، هذه واحدة.
    الثاني: (شَرَطَا لأحدهما جزءًا مجهولًا)، قال: نحن الآن شركاء، سنعمل في المال ولك بعض الربح ولي بعضه، أو لك بعضه ولي باقيه، يصح؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح؛ لأنه مجهول.
    (أو دراهم معلومة)، قال: سنشترك شركة عنان، والربح يكون لك منه عشرة آلاف، والباقي لي، يصح؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح، لماذا؟ لأنه ربما لا يربح إلا العشرة آلاف، ويبقى الثاني لا رِبْح له، والشركة مبنية على أصل، وهو اشتراك الشريكين في الْمَغْنَم والْمَغْرَم، لا بد من هذا، هذا شيء يجب أن نلاحظه في كل الشركات؛ أن يشترك الطرفان في الْمَغْنَم والْمَغْرَم.
    (أو ربح أحد الثوبين)، اشتركَا فقال أحدهما للآخر: لك ربح السيارات، ولي ربح الطعام، يصح؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح، لماذا؟
    طالب: ربما لا يربح.
    الشيخ: لأنه ربما يربح في السيارات ولا يربح في الأطعمة، أو بالعكس، والشركة مبنية على التساوي.
    (2/1728)
    ________________________________________
    قال: لك ربح النصف الأول من السنة، ولي ربح النصف الثاني؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: ليش؟ أنصاف يا جماعة؟
    لا يصح، لماذا؟ لأنه ربما يربح في أول السنة كثيرًا، وفي آخر السنة لا يربح إلا قليلًا، أو لا يربح أصلًا.
    قال: لك ربح السفر إلى مكة، ولي ربح السفر إلى المدينة؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح، لأنه قد يربح في هذا ولا يربح في هذا، والأصل في الشركة أن يشترك الاثنان في الْمَغْنَم والْمَغْرَم.
    (وكذا مساقاة ومزارعة ومضاربة)، كلها لم تَأْتِ بعد، لكن استطرد المؤلف لذِكْرِها.
    المساقاة هي أن يدفع الإنسان أرضه ونخله لشخص يقوم عليها بجزء من الثمرة، هذه المساقاة.
    إنسان -مثلًا- عنده أرض وعليها أشجار من نخيل وأعناب ورمان وغيرها، فأعطاها شخصًا يُنَمِّيهَا بجزء من الثمرة، يجوز هذا أو لا؟
    طلبة: يجوز.
    الشيخ: يجوز، وسيأتي دليله إن شاء الله، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم عامَلَ أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع. (5)
    المزارعة كذلك، إنسان عنده أرض بيضاء ما فيها زرع، فأعطاها فلاحًا يزرعها وله نصف الزرع –مثلًا- يجوز أو لا؟ يجوز، هذا منه العمل وهذا منه الأرض، وكذلك في الشجر، هذا منه الأرض والشجر، وهذا منه العمل.
    مضاربة؛ المضاربة أن يدفع ماله لشخص يتجر فيه وله جزء من الربح، أعطى رجلًا مئة ألف ريال، قال: خذ، اتجر، ولك نصف الربح، نسمي هذا مضاربة.
    كل هذه الثلاث لا بد أن يُشْتَرَط لأحدهما جزء مشاع معلوم.
    نأتي للمساقاة، لو قال: خُذْ هذا الشجر اعمل فيه ولك بعضه؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح، لماذا؟ لأنه غير معلوم، خذ هذا الشجر اعمل فيه ولك ثمر السُّكَّرِي والباقي لي؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح، ليش؟ لأنه ربما تُثْمِر هذه ولا تثمر هذه.
    خذ هذه الأرض وشَجَرَها، ولك ثمرتها عام ستة عشر، ولي ثمرتها عام سبعة عشر؟
    طلبة: لا يصح.
    (2/1729)
    ________________________________________
    الشيخ: لا يصح؛ لأنه مجهول، قد تثمر في هذه السنة ولا تثمر في السنة الأخرى، خُذْ هذه الأرض مساقاةً بشجرها، ولك ثمرة الجزء الغربي منها، ولي ثمرة الجزء الشرقي منها، لا يصح، خُذْ هذه الأرض مساقاة ولك من ثمرها مئة صاع والباقي لي، لا يصح؛ لأنه غير مشاع.
    كذلك نقول في المزارعة، إذا قال: خُذْ هذه الأرض، أرض بيضاء، ازرعها هذا العام ولك من الزرع شرقيه ولي غربيه، لا يصح، لك بعضه ولي بعضه، لا يصح، لك ما تزرعه من شعير ولي ما تزرعه من بُرّ، لا يصح، لك زرع هذا العام ولي الزرع العام الثاني، لا يصح، لا بد أن يكون جزءًا مشاعًا معلومًا.
    المضاربة كذلك، أعطيتُ هذا الرجل مالًا يتجر به، وقلت له: لك بعض الربح ولي بعضه.
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح، لك ربح هذا الشهر، ولي ربح الشهر الثاني؟
    الطلبة: لا يصح.
    الشيخ: لك ربح ما تجلبه في مكة، ولي ربح ما تجلبه المدينة.
    الطلبة: لا يصح.
    الشيخ: لك ربح السيارات، ولي ربح الأطعمة؟
    الطلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح، لأن هذا يخالف القاعدة الأصيلة الأصلية في المشاركة، وهي تَسَاوِي الشريكين في الْمَغْنَم والْمَغْرَم.
    ثم قال: (والوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ المَالِ).
    الوضيعة يعني: ما يُوضَع من القيمة، أي: الخسارة، الخسارة على قَدْر المال لا على قدر الشرط، فلو جاء أحدهما بعشرة آلاف، وجاء الثاني بعشرين ألفًا، فالمال الآن أثلاثًا، فقالوا: إذا خَسِر فالخسارة أنصافًا، لا يصح هنا؛ لأن الخسارة يجب أن تكون على قدر المال، إذا خَسِرَت الشركة فعلى صاحب -كم قلنا؟ عشرة آلاف وعشرين- على صاحب العشرة ثلث الخسارة، وعلى صاحب العشرين الثلثان، ولا يصح أن تكون الخسارة على خلاف ذلك، ولهذا قال: (الوضيعة على قدر المال).
    الربح؟
    طلبة: ثلاث.
    الشيخ: لا، الربح على ما شَرَطَاه، يعني: لو أن أحدهما جاء بعشرين ألفًا، والثاني بعشرة، وقالَا: الربح بيننا نصفين، فهنا صار الربح على قدر المال أو يختلف؟
    طلبة: يختلف.
    (2/1730)
    ________________________________________
    الشيخ: يختلف؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: يصح؟
    طلبة: يصح.
    الشيخ: يصح، إذا قال: كيف يصح؟ هذا يُعْطَى أكثر من ربح ماله؟
    قلنا: نعم؛ لأنه ربما يجعل للثاني أكثر؛ لأنه أَخْبَرُ منه بالبيع والشراء، فأعطاه أكثر من ربح ماله؛ لأنه أخبرُ منه، أما الوضيعة فلا يمكن أن نُحَمِّل أحدهما أكثر من خسارة ماله، فصار الربح كما قال المؤلف فيما سبق الربح على أيش؟ على ما شَرَطَاه، وأما الوضيعة فعلى قدر المال، انتبهوا لهذه النقطة.
    مثال الربح، الربح على ما شرطاه؟
    طالب: أن يكون في نصف الربح يأخذ نصفًا.
    الشيخ: كيف يعني؟
    الطالب: يشترك.
    الشيخ: يعني يشتركان في المال، ويقول: الربح لك نصفه ولي نصفه، لو كان لأحدهما عشرون ألفًا وللثاني عشرة آلاف، وجعلوا الربح أنصافًا يصح؟
    طلبة: يصح.
    الشيخ: كيف يصح ويُعْطَى هذا أكثر من ربح ماله.
    طالب: لأنه قد يكون صاحب العشرة آلاف عنده خبرة.
    الشيخ: إي، تمام، أما الوضيعة فهي على قدر المال.
    قال: (ولا يُشْتَرَط خَلْط المالين)، يعني: لا يُشْتَرَط أن يَخلط المالين، بل لو عمل كل واحد منهما بماله فلا بأس.
    وهذا المؤلف نفاه، واعلموا أن لدى العلماء قاعدة أنهم لا ينفون شيئًا إلا لوجود خلاف فيه؛ لأن السكوت يُغْنِي عن النفي، إذا لم يكن خلاف فالسكوت عن ذِكْرِه يُغْنِي عن نَفْيِه، لكن إذا كان هناك خلاف يذكرون النفي دفعًا لهذا الخلاف، فقوله: (لا يُشْتَرَط خَلْط المالين) إشارة إلى نفي القول باشتراطهما، والقول باشتراط الخلط نوعان:
    1 - بعضهم يقول: لا بد أن يُؤْتَى بالمالين ويُجْعَلَا في متجر واحد، ولو كان كل واحد منهما ماله متميزًا.
    مثاله: واحد ماله أقمشة، والثاني ماله أطعمة، يقول: لا بد أن يؤتَى بالأطعمة إلى مكان الأقمشة، أو بالعكس، ويكون محله واحدًا، وإن كان هذا يعمل بماله وهذا يعمل بماله.
    (2/1731)
    ________________________________________
    2 - وبعضهم يقول-النوع الثاني من الخلط- يقول: لا بد أن يختلط المالان جميعًا، ويتصرف كل واحد منهما بهما جميعًا، يعني كأنه صاحب متجر وخادم عنده، بمعنى أن المالين صارَا خَلِيطَيْنِ كالمال الواحد، يعني كأنه متجر لشخص واحد، وكل منهما يعمل به.
    الثالث الذي مشى عليه المؤلف يقول: ما هو شرط، هذا يعمل في مكة، وهذا يعمل في المدينة، وهما شركاء. عرفتم؟
    الآن نجيب صورًا، الاختلاط نوعان: اختلاط تام، واختلاط في المكان.
    الاختلاط التام أن يؤتى بالمالين جميعًا، ويأتي الرجلان جميعًا، ويتصرف كل واحد منهما فيهما جميعًا، يقف الزبون عند الباب يقول: أريد الثوب الفلاني، يجيبه أي واحد منهما، أريد الكيس الفلاني من الأطعمة، أي واحد يجيبه، هذا خلط تام، وهذا هو مذهب الشافعي، لا بد أن يُخْلَطَ المالان خلطًا تامًّا، هذا واحد.
    الثاني لمالك، الإمام مالك يرحمه الله يقول: يجب أن يُخْلَطَا في المكان، وإن تميَّز مال كل واحد عن الآخر، فمثلًا يكون متجر كبير الجانب منه هذا أطعمة، والجانب هذا أقمشة، وصاحب الأقمشة يتصرف في أقمشته، وصاحب الأطعمة يتصرف في أطعمته.
    القول الثالث: يقول: ما هو شرط، كل واحد منهم يعمل بماله في مكانه، حتى لو كان أحدهما في مكة، والآخر في المدينة واشتركَا شركة عنان فلا بأس، الذين قالوا بالاشتراط قالوا: أين الشركة إذا كان كل واحد يعمل من مكان وفي ماله الخاص فأين الشركة؟ أجابوا عنه، قالوا: الشركة هو أنهما إذا اختلطَا صار المال الذي في البلد هناك بينه وبين شريكه نصفين، والمال الذي في بلده بينه وبين شريكه نصفين، كما لو كانَا شريكَيْنِ شركة أملاك فإنهما يكونان هكذا.
    (2/1732)
    ________________________________________
    فعلى كل حال القول الراجح أنه لا يُشْتَرَط خَلْط المالين كما قال المؤلف؛ لأن الشركة حاصلة بدون الخلط. قال: (ولا كونهما من جنس واحد)، يعني –مثلًا-: لو أتى أحدهما بذهب والثاني بفضة فلا بأس، ولكن قلت لكم قبل قليل: هذا مَبْنِيّ على أيش؟ على أن سعر الذهب والفضة لا يتفاوت.
    أما إذا كان يتفاوت كما هو العرف فلا بد أن يكون المالان من جنس واحد، أو يُقَوَّم أحدهما بالآخر، فمثلًا يقال: أنت أتيت بذهب والآخر أتى بفضة، لازم يُقَوّم الذهب حتى يساوي الفضة.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، ما عرفت الفرق بين الاشتراك التام والمكان؟
    الشيخ: أيش؟
    الطالب: الآن ذكرت قولًا للشافعية وقولًا للمالكية.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: أنا ما عرفت الفرق بينهما.
    الشيخ: المالكي يقول: لا بد يكون المالان في مكان واحد، وكل واحد يشتغل بملكه بماله، الشافعي يقول: لا بد يكون في مكان واحد ويشتغل الطرفان في نفس المال كله، عرفت؟
    طالب: أحسن الله إليك، إذا كان في عرف الناس –مثلًا- أنه لا يُشْتَرَط أن يقولَا: نشترك في المال ولنا النصف، هو معلوم؟
    الشيخ: أيش؟
    الطالب: إذا كان من المعلوم ألَّا يقولَا: نشترك في المال ولنا النصف، مثلًا زيد يأتي بمال وعمرو يأتي بمال، ومعلوم أن الربح يكون نصفًا بينهما، فهل هذا .. ؟
    الشيخ: يكون نصفين؟
    الطالب: الربح يكون بينهما نصفين.
    الشيخ: لكن نصفين على حسب مالهما.
    طالب: نصفين، فهل يشترط أن يقولَا أن .. ؟
    الشيخ: إذا كان هذا عرفًا مُطَّرِدًا فإنا نقول قاعدة مهمة: العرف الْمُطَّرِد كالشرط المشتَرَط، بشرط أن يكون مُطَّرِدًا ما فيه خلاف يعني.
    طالب: بارك الله فيك، إذا كان النقدان مغشوشين كبيرًا، قلنا: وفي هذا الوقت الآن يمكن تُخْرَج القيمة ولو كان مغشوشًا؛ لأن هناك أجهزة تُعَيِّن الغش؟
    الشيخ: أصلًا المغشوش يُرْمَى، عندنا الآن المغشوش يُرْمَى ما له قيمة إطلاقًا، لكن فيما سبق المغشوش له قيمة.
    (2/1733)
    ________________________________________
    طالب: المغشوش الآن ذهب، إذا كان مصكوك هذا موجود جنيه، وإذا كان مغشوشًا ( ... ) أقل من الصرف.
    الشيخ: هذا ينبني على العروض، المذهب ما يجيز العروض.
    طالب: هذا اللي رَجَّحْنا.
    الشيخ: لا، اللي رجحنا يُقَوَّم مال كل واحد منهما حتى يتفقَا فيه.
    طالب: إذا كان لك في السنة ربح عشر في المئة، والخسارة يتحملها هذا؟
    الشيخ: ما يجوز، حرام.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، في بعض شركات السيارات تكون هذه السيارة –مثلًا- لعامل يشترك معهم، اذهب وسُقْ هذه السيارة، وما تحصل عليه من أجرة فإن لي منها مئة ريال مثلًا، وما زاد ..
    الشيخ: هذا سيأتي في المضاربة إن شاء الله.
    طالب: شيخ، بارك الله فيك، إذا اشترَطَا أنه يكون عائد الربح على النصف بينهما، والخسارة اختلف القدر يا شيخ.
    الشيخ: والخسارة أيش؟
    طالب: أخلف القدر التحمل بينهما على الثلث والثلثين في الخسارة، وعلى الربح ..
    الشيخ: أصلًا الخسارة ما يمكن أن تكون إلا على رأس المال، ما يُحَمَّل أحد أكثر من خسارة ماله.
    طالب: شيخ، ( ... ) استحقاق ( ... ).
    الشيخ: اجتماع.
    الطالب: ( ... ) أو بمالهما.
    الشيخ: هذه شركة عقود.
    الطالب: تسمى شركة يا شيخ؟
    الشيخ: إي، كيف؟
    الطالب: كيف يا شيخ تسمى شركة، ما اشتركنا.
    الشيخ: إلا، اشتركنا، لَمَّا شاركتك أنا وصار مالك الآن لي نصفه، أو ثلثه إذا كان المال اللي أنا ساهمت فيه الثلث.
    طالب: ينفرد بماله يا شيخ.
    الشيخ: لا ما ينفرد إلا بالتصرف فقط.
    طالب: شرط يا شيخ أن يكون في مدينة أخرى بماله ..
    الشيخ: إي نعم.
    طالب: والآخر يكون ..
    الشيخ: والآخر يكون في بلد آخر، واشتركا، الآن الربح الذي يكون حسب ما اشترطَا، لكن لا مانع أن أحدهما يشتغل بماله، والثاني يشتغل بماله، يكونوا شركاء.
    (2/1734)
    ________________________________________
    طالب: أحسن الله إليك، ذكرنا أن الشركة إذا اشترك اثنان في أمر ما أن يَتَّفِقَا في الْمَغْرَم والْمَغْنَم، لكن يا شيخ إذا تصرَّف أحد الشريكين في شراء أمر من الذي يُبَاع يا شيخ بإذنه بدون استئذان شريكه، هل نقول: هذا يضمن بماله؟
    الشيخ: إذا كان من مصلحة الشركة فهو على الجميع، وإذا لم يكن من مصلحتها فهو على المشتري، حسب الحال.
    طالب: شيخ، بارك الله فيك، إذا كانت الشركة على ذهب مَصُوغ، فكيف يكون تقسيم الربح والخسارة؟
    الشيخ: يُقَدَّر قيمته، هذا الذهب الْمَصُوغ كم قيمته مثلًا؟ قال: عشرة آلاف؟ يكون رأس مال هذا الرجل عشرة آلاف.
    طالب: وحتى لو كان ( ... ) هذا خمسة كيلو ذهب، وهذا خمسة كيلو ذهب، لكن القيمة قد تكون مختلفة؟
    الشيخ: نفس الشيء، يُقَوَّم، ما دام إنه حلي فهو يُقَوَّم، لا بد من التقويم.
    طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، الدراهم في عصرنا تختلف في كل بلد وبلد آخر، ولو اجتمع اثنان يا شيخ من بلدين مختلفين، وأرادَا الاجتماع في بلد أحدهما، فيأتي هذا بماله وهذا بماله، أو يجتمعان على مال واحد؟
    الشيخ: لا بد إذا أتى هذا بماله وهذا بماله لا بد أن يُقَوَّم أحدهما بقيمة الآخر، مثل هذا أتى بدولارات وهذا أتى بدراهم سعودية، لازم عند العقد نقول: كم يسوى الدولار؟ أربعة ريالات مثلًا، يكون هذا الذي جاء بالدولارات إذا أتى –مثلًا- بأربعين دولارًا يكون مئة وستين وهلم جَرَّا. ( ... )
    ***
    (لِمُتَّجِر به).
    طالب: لِمُتَّجِر به ببعض ربحه, فإن قال: والربح بيننا فنصفان, وإن قال: ولي أو لك ثلاثة أرباعه أو ثلثه، صحّ، والباقي للآخر, وإن اختلفا لِمَن المشروط فلعامل، وكذا مساقاة ومزارعة.
    ولا يضارِب بمالٍ لآخر إن أضرّ الأول ولم يَرْضَ، فإن فعل رَدّ حصته في الشركة، ولا يُقْسَم مع بقاء العقد إلا باتفاقهما.
    وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد التصرف، أو خسر جُبِرَ من الربح قبل قسمته أو تنضيضه.
    (2/1735)
    ________________________________________
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    في شركة العنان إذا قال أحدهما: لي بعض الربح ولك الباقي؟
    طالب: ما يصح.
    الشيخ: لماذا؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: لأنه مجهول، علي أي شيء من النصوص تطبقه؟
    الطالب: لأنه من بيع الغَرَر.
    الشيخ: نعم، إن الرسول نهى عن بيع الغَرَر. (6)
    هل يُشْتَرَط خلط المالين في الشركة؟
    طالب: على المذهب لا يُشْتَرط.
    الشيخ: إي، لا يُشْتَرَط، يعني: فيجوز أن يكون أحدهما يشتغل في دكانه على ما هو عليه، والثاني في دكانه على ما هو عليه، كذا؟ متأكد؟
    هل يُشْتَرَط أن يكون من جنس واحد؟
    طالب: لا.
    الشيخ: لا يُشْتَرَط.
    الطالب: لا يُشْتَرَط، لا يجوز أن يكون هذا ( ... ).
    الشيخ: عندما يتم فسخ الشركة، كيف يرجعان؟
    الطالب: يرجعان بالقيمة عند ابتداء الأخذ.
    الشيخ: يعني معناه إن الآن المؤلف كلامك اختلف عن كلام المؤلف، المؤلف يقول: لا يُشْتَرَط كونهما من جنس واحد، فيأتي أحدهما بدنانير، والثاني بدراهم، لكن عندما تنفسخ الشركة إذا قال صاحب الدنانير: أنا أريد دنانيري كاملة، وقال صاحب الدراهم: أنا أريد دراهمي كاملة؟
    الطالب: نعم، هذا يا شيخ مبني على أنهما لم يَخْلِطَا المالين، فكل منهما يأخذ دنانير كاملة، ثم الربح الباقي يقتسمانه على ما شَرَطَاه.
    الشيخ: لا.
    (فصلٌ)
    (2/1736)
    ________________________________________
    الثاني: (الْمُضارَبَةُ) لِمُتَّجِرٍ به ببعضِ رِبْحِه، فإن قالَ: والرِّبْحُ بينَنا. فنِصفانِ، وإن قالَ: ولِي أو لك ثلاثةُ أرباعِه أو ثُلُثُه. صَحَّ , والباقِي للآخَرِ، وإن اخْتَلَفا لِمَن الشروطُ فلعامِلٍ، وكذا مُساقاةٌ ومُزارعةٌ، ولا يُضارِبُ بمالٍ لآخَرَ إنْ أَضَرَّ الأوَّلَ ولم يَرْضَ، فإن فَعَلَ رَدَّ حِصَّتَه في الشَّرِكَةِ، ولا يُقْسَمُ مع بقاءِ العَقْدِ إلا باتِّفَاقِهما، وإن تَلِفَ رأسُ المالِ أو بعضُه بعدَ التصرُّفِ , أو خَسِرَ جُبِرَ من الربْحِ قبلَ قِسمتِه أو تَنْضِيضِه.
    (فصلٌ)
    الثالثُ (شَرِكَةُ الوُجوهِ) أن يَشْتَرِيا في ذِمَّتَيْهِما بجاهيهما, فما رَبِحا فبينَهما، وكلُّ واحدٍ منهما وَكيلُ صاحبِه وكَفيلٌ عنه بالثَّمَنِ، والْمِلكُ بينَهما على ما شَرَطَاهُ، والوَضيعةُ على قَدْرِ مِلْكَيْهِما، والربحُ على ما شَرَطاه.
    الرابعُ (شَرِكَةُ الأبدانِ) أن يَشْتَرِكا فيما يَكتسبانِ بأَبْدَانِهما، فما تَقَبَّلَه أحدُهما من عَمَلٍ يَلْزَمُهما فِعْلُه، وتَصِحُّ في الاحتشاشِ والاحتطابِ وسائرِ الْمُباحاتِ، وإن مَرِضَ أحدُهما فالكَسْبُ بينَهما، وإن طالبَه الصحيحُ أن يُقيمَ مُقامَه لَزِمَه.
    طيب عندما يتم فسخ الشركة كيف يرجع؟
    طالب: يرجع إلى ( ... ).
    الشيخ: يعني معناه الآن المؤلف، كلامك اختلف عن كلام المؤلف، المؤلف يقول: لا يُشترط كونهما من جنس واحد، فيأتي أحدهما بدنانير والثاني بدراهم، لكن عندما تنفذ الشركة إذا قال صاحب الدنانير: أنا أريد دنانيري كاملة، وقال صاحب الدراهم: أنا أريد دراهمي كاملة.
    طالب: نعم، شيخ، هذا مبني على أنه لم يخلطا المالين، فكل منهم يأخذ دنانير كاملة وفضة كاملة، ثم الربح الباقي يقتسما على ما شرطا.
    الشيخ: إي، لا.
    طالب: مبني على أن سعر النقدين ثابت.
    الشيخ: مبني على أن قيمة النقدين ثابتة؛ اثنا عشر درهم يقابله دينار لا يزيد ولا ينقص.
    (2/1737)
    ________________________________________
    وهل ينسحب هذا النفي كونهما من جنس واحد على وقتنا الحاضر؟
    طالب: لا ينسحب على وقتنا الحاضر؛ لأن قيمة النقود تختلف الآن من وقت لآخر، فيصح أن تنعقد الشركة بنقود مختلفة، ولكن تُقوَّم وقت العقد بأحد النقدين.
    الشيخ: إي، سمعتم؟ يقول: في وقتنا الحاضر الدنانير -يعني الذهب والفضة- تختلف أسعارهما من حين لآخر، فعلى هذا يجب عند العقد أن يُقوَّم أحدهما بالثاني؛ لأجل عند الفسخ نرجع إلى القيمة.
    وذكرنا أن المؤلف لماذا قال: (لا يُشترط) (ولا كونهما)؟
    طالب: أراد بالنفي أن يبين أنه اشترط الآخرون ( ... ).
    الشيخ: أقول: لماذا نفاه والأصل أن سكوته يدل على أنه ليس بشرط؟
    طالب: يريد أن يدفع الرأي الآخر.
    الشيخ: أحسنت، يريد أن يدفع الرأي الآخر، وهكذا العلماء إذا كان هناك خلاف مشهور تجده -مثلًا- ينفي الخلاف، وإن كان لو سكت لعُلم أنه منفي.

    ***
    [شركة المضاربة]
    (فصلٌ) النوع (الثاني المضاربة) المضاربة: مأخوذ من الضرب في الأرض؛ وهو السير فيها، قال الله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20].
    ومعلوم أن كل تجارة فهي مضاربة يضرب الإنسان في الأرض، لكن خُصَّت بهذا النوع من المعاملة اصطلاحًا لا لغةً، كما قيل: مزدلفة تسمى جمعًا، مع أن الحجاج يجتمعون في عرفة، لكن هكذا اصطلح أهل اللغة على أن المزدلفة تسمى جمعًا، وأيضًا مزدلفة ومنى أقرب منها إلى الحرم فهي أقرب، لكن هذا اصطُلِح، وقد يقال للمزدلفة باعتبار أنها مشعر، وعرفة مشعر أيضًا، وهي أقرب المشعرين إلى مكة.
    إذن المضاربة مأخوذة منين؟ من الضرب في الأرض؛ وهو السير فيها، كقوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ}.
    (2/1738)
    ________________________________________
    وقوله: (لمتجر به) (اللام) حرف جر، والمعروف أن كل مجرور لا بد له من عامل يتعلق به، وهذا العامل إما مذكور وإما محذوف؛ فإن كان مذكورًا فالأمر واضح، وإن كان محذوفًا فلا بد أن يُقدَّر ما يناسب السياق، فهنا نقدر: المضاربةُ دفعُ مالٍ لمتجر به، وعلى هذا فتكون متعلقة بمحذوف هو المصدر؛ أي: دفع مال لمتجر به.
    وقوله: (لمتجر به) أي: لمن يتجر به، (ببعض ربحه) المؤلف قال: (بعض) ولم يبين هذا البعض، هل يجوز أن تقول: خذ هذا المال مضاربة ببعض ربحه؟ لا، لكن المؤلف اعتمد على قوله في الفصل قبله: (وكذا مساقاة ومزارعة ومضاربة)، فكما يُشترط في شركة العِنان أن يكون؟ السهم المشروط لأحدهما ماذا يشترط فيه؟
    طالب: أن يكون معلومًا يا شيخ.
    الشيخ: يكفي معلومًا؟
    الطالب: معلوم مشاع.
    الشيخ: مشاعًا، أن يكون جزءًا معلومًا مشاعًا.
    إذن قوله: (ببعض ربحه) هذا مبهم، لكن يُفسَّر يقال: بالربع، بالثمن، بالخمس، حسب ما يتفقان عليه.
    مثال ذلك: أعطى رجل آخر مئة ألف ريال وقال: خذ هذه اتجر بها ولك نصف الربح، يصح. خذ هذه اتجر بها ولك ربع الربح، أيضًا يصح. خذ هذه ولك ثلاثة أرباعه، يصح.
    المهم لا بد أن يكون مشاعًا؛ ولهذا قال: (فإن قال: والربح بيننا فنصفان) إن قال من؟ الدافع ولَّا المضارَب؟
    طلبة: الدافع.
    الشيخ: الدافع وهو المضارِب، والعامل يسمى مضارَب، بفتح الراء.
    إن قال المضارِب -وهو رب المال-: (الربح بيننا فنصفان) أي: فهو نصفان؛ نصف للعامل، ونصف للمضارب؛ لأن هذا مقتضى البينية، مقتضى البينية هو التساوي، ولهذا لو أعطيت جماعة دراهم وقلت: هذه بينكم فكيف يملكونها؟
    طلبة: بالتساوي.
    الشيخ: بالتساوي، إذا كانت عشرة دراهم وهم عشرةٌ لكل واحد درهم.
    (وإن قال: ولي أو ولك ثلاثة أرباعه أو ثلثه صح، والباقي للآخر) إذا قال: لي ربعه يصح؟
    طلبة: نعم، يصح.
    الشيخ: إذا لم يقل: لك ثلاثة أرباعه؟ قال: لي ربع، ولم يقل: ثلاثة أرباعه لك؟
    طالب: يصح.
    (2/1739)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا يصح؛ لأنه إذا أُخذ الربع فالباقي للآخر.
    كذلك لو قال: لي ثلاثة أرباعه وسكت عن الربع الرابع يصح، ويكون الربع الرابع للعامل؛ أي: للمضارَب؛ ولهذا قال: (صح والباقي للآخر).
    (وإن اختلفا لمن المشروط فلعامل) يعني: اتفقا على أنه قيل: ثلاثة أرباعه لك والباقي لي، ثم اختلفوا؛ أحدهما يقول: ثلاثة أرباع مشروطة لي، والثاني يقول: مشروطة لي، فمن القول قوله؟
    قالوا: إن القول قول العامل؛ لأن الربح إنما حصل بفعله، فكان هو أولى به؛ فلذلك نقول: القول قول العامل.
    صَوِّرِ المسألة؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: أعطاه مئة ريال أم مئة ألف ريال؟ مضاربة وقال: ثلاثة أرباعه لك، وثلاثة أرباعه لي، وما فيه مكتب بينهم، عند قسم الربح قال العامل: المشروط لي، كم المشروط؟ ثلاثة أرباع، وقال صاحب المال المضارِب: المشروط لي، فمن القول قوله؟ يقول المؤلف: القول قول العامل؛ فإذا اختلفا لمن المشروط فالقول قول العامل.
    وإن اختلفا في قدر المشروط، ما هو من يستحقه، اختلفا في قدره، فالقول قول رب المال؛ بأن قال العامل: شرطنا لك الثلث؛ ثلث الربح وقال صاحب المال: بل نصف الربح، هما الآن متفقان أن المشروط لمن؟
    طلبة: للعامل.
    الشيخ: لا، العامل يقول: إننا شرطنا لك أنت يا صاحب المال الثلث، وصاحب المال يقول: شرطت النصف، الآن قد اتفقا على أن المشروط له هو.
    طالب: صاحب المال.
    الشيخ: رب المال يا إخواني، لكن اختلفوا في القدر؛ صاحب المال يقول: النصف، والعامل يقول: الثلث، إذا قدرنا أنه الثلث، كم يكون للعامل؟
    طلبة: ثلثان.
    الشيخ: ثلثان، إذا قدرنا أنه النصف، ليس له إلا النصف، يكون هنا القول قول رب المال؛ لأن الربح تبع للأصل، ما دام الآن ما اختلفوا في: لمن المشروط له؟ لكن اختلفوا في قدره، فالربح تابع للأصل، وإذا ادعى العامل أن له النصف قلنا: اتفقتما على الثلث، وأنت أيها العامل ادعيت الزائد؛ وهو السدس، والبينة على مَن؟ على المدعي، واضحة المسألة؟
    (2/1740)
    ________________________________________
    طلبة: لا يا شيخ.
    الشيخ: ما هي بواضحة، طيب اختلفا لمن المشروط؛ في تعيين من الذي شرط له السهم، فالقول قول؟
    طلبة: العامل.
    الشيخ: اختلفا في قدره مع اتفاقهما على المشروط له، القول قول رب المال، واضح ذا ولَّا ما هو بواضح؟
    طلبة: واضح.
    الشيخ: طيب صورة المسألة الأولى هو المشروط الآن ثلاثة أرباع، قال العامل: إنه أنا المشروط له ثلاثة أرباع، وقال رب المال: بل أنا المشروط له ثلاثة أرباع، من القول قوله؟
    طلبة: العامل.
    الشيخ: قول العامل؛ لأن أصلا الربح من أين جاء؟
    طلبة: من العامل.
    الشيخ: إلا من العامل فالقول قوله.
    المسألة الثانية صورتها: اتفقا على أن المشروط له هو رب المال، قال: نعم صحيح، الشرط لرب المال، لكن قال رب المال: إنك قد شرطت لي النصف، وقال العامل: لم نشترط إلا الثلث لك أنت يا صاحب المال، مَن القول قوله؟
    طلبة: قول صاحب المال.
    الشيخ: القول قول صاحب المال؛ لأنه ما فيه اختلاف بيننا لمن المشروط، الاختلاف بيننا الآن في قدر المشروط، وجاء بالبينة الفرق بين الصورتين. صوِّر الأولى ثم صوِّر الثانية؟
    طالب: الصورة الأولى أن اختلفوا في الشرط لمن المشروط ( ... ) للعامل ولا رب المال، فقال رب المال: الشرط لي ..
    الشيخ: صَوِّر، مثال؟
    طالب: زيد وعمرو؛ زيد العامل، وعمرو رب المال، قال زيد: المشروط لي، وقال عمرو: لا، المشروط لي فهنا ..
    الشيخ: ويش المشروط الآن؟ كم ألف ولَّا ألفان؟
    الطالب: ثلاثة أرباع.
    الشيخ: ثلاثة أرباع.
    الطالب: فالقول هنا قول زيد.
    الشيخ: من هو زيد؟
    الطالب: العامل.
    الشيخ: العامل طيب، يعني العامل يقول: إنا شرطنا لك النصف، ودا يقول: شرطنا لك ثلاثة أرباع، فالقول قول العامل، كم نعطي رب المال؟
    طالب: ربع المال يا شيخ؛ لأن العامل قال: إن مشروطه ثلاثة أرباع المال.
    الشيخ: زين.
    طالب: وزيد، يكون له ربع.
    الشيخ: رب المال يقول: ليه، مشروط لي أنا ثلاثة أرباع؟
    (2/1741)
    ________________________________________
    طالب: نقول: القول هنا قول زيد؛ لأنه هو العامل.
    الشيخ: العامل فيأخذ ثلاثة أرباع ( ... ) إلا الربع.
    طالب: نعم.
    الشيخ: طيب الصورة الثانية؟
    الطالب: الصورة الثانية: أن يختلفوا في القدر، واتفقوا أن الشرط لزيد، وهو رب المال.
    الشيخ: لرب المال.
    الطالب: فإن القدر قال زيد: لك النصف، لك الثلث، وقال ..
    الشيخ: قال رب المال: اترك زيدًا وعبيدًا ما علينا منهم ( ... ).
    الطالب: ( ... ) نصف، نصف المال، والعامل قال: لا، بل لك ربع.
    الشيخ: إي نعم.
    طالب: فالقول قول ..
    الشيخ: يعني الآن متفقان على أن المشروط له هو رب المال، لكن رب المال يدعي النصف، وذاك يقول: ما لك إلا الربع، مَن القول قوله؟
    طالب: القول قول رب المال.
    الشيخ: قول رب المال، تمام. إذن إذا اختلفوا في تعيين المشروط له؟
    طلبة: القول قول العامل.
    طلبة آخرون: القول قول رب المال.
    الشيخ: القول قول العامل، وإن اختلفوا في قدر المشروط مع اتفاقهم على المشروط له فالقول قول رب المال. هذا الحكم.
    وكذا (مساقاة ومزارعة) يعني: لو اختلف المساقي والمزارع، أولًا عرفنا فيما سبق الفرق بين المساقاة والمزارعة، يلا؟
    طالب: المزارعة يا شيخ هو ..
    الشيخ: المساقاة أول شيء.
    الطالب: المساقاة هو أن يكون رجل له مزرعة ويبحث؛ يعني: رب مزارع يبحث عمن يسقي له مزرعته، يعني ( ... ) اتفق مع رجل على أنه يدفع له مبلغ على أنه يسقي له مزرعته.
    الشيخ: النخل مثلًا؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: يسقي النخل؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: يعني: دفع له مبلغًا على أن يسقي النخل.
    الطالب: نعم، أما المزارع فهو يتفق مع ..
    الشيخ: ( ... ).
    الطالب: الله المستعان.
    الشيخ: الله المستعان!
    الطالب: لا يا شيخ، أن يعطيه حصة للمزارع؛ يعني نسبة.
    الشيخ: يعني يقول: خذ هذا البستان، فيه أشجار نخيل ورمان وعنب وغيره، قال: خذ اعمل به، على أن لك؟
    الطالب: حصة؛ عشرة في المئة، خمسة عشر في المئة.
    الشيخ: هذه مساقاة، المزارعة؟
    (2/1742)
    ________________________________________
    الطالب: المزارعة هو أن يتفق رجل مع آخر على أنه يزرع له النخل و ..
    الشيخ: يزرع النخل؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: النخيل ( ... ) فرق بين النخل والزرع؟
    الطالب: شيخ ( ... ).
    الشيخ: غلط.
    طالب: ( ... ) شيء معلوم من ..
    الشيخ: من الزرع، تمام، إذن الفرق بين المساقاة والمزارعة: المساقاة على أشجار، والمزارعة على أرض تزرع، هذا هو الفرق.
    المساقاة والمزارعة إذا اختلفا لمن المشروط فلمن؟
    طالب: للعامل.
    الشيخ: فللعامل، إن اختلفا لمن المشروط فللعامل، وإن اختلف في قدره فالقول قول صاحب الأرض أو صاحب النخل؛ صاحب الأرض في المزارعة، وصاحب النخل في المساقاة.
    مثال ذلك: أعطيت فلاحًا يفلح هذا البستان نخيل وعنب ورمان، وقلت: لك ثلثه؛ ثلث ما يخرج منه؛ يعني: ولي الثلثان، هذه نسميها أيش؟
    طلبة: مساقاة.
    الشيخ: مساقاة، عندي أرض بور ما فيها شيء، أعطيتها شخصًا يزرعها زرعًا؛ شعيرًا أو برًّا أو رزًّا أو ما أشبه ذلك، بالنصف، بالربع، بالثلث، هذه نسميها مزارعة، فالمساقي يقول في الصورة الأولى: خذ هذا النخل والأشجار، خذها ولك الثلث؛ يعني: والباقي لصاحب البستان.
    طيب عند جَذِّ النخيل وصرم العنب وما أشبه ذلك اختلفوا؛ فقال العامل: المشروط لي، اتفقوا على أن المشروط ثلثان، فقال العامل: هو مشروط لي، وقال صاحب النخل: هو مشروط لي، مَن القول قوله؟
    طلبة: العامل.
    الشيخ: قول العامل.
    طيب اختلفا في قدر المشروط؛ قال العامل: إنك قد شرط لي ثلاثة أرباع، وقال صاحب الأصل: قد شرط لك النصف، هم الآن متفقان على أن المشروط له هو؟
    طالب: العامل.
    الشيخ: العامل، لكن اختلفوا في قدر المشروط فالقول قول؟
    طلبة: صاحب الأرض.
    (2/1743)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم، صاحب الأرض، واضح، وكذلك يقال في المزارعة، فهنا فرق بين الاختلاف في تعيين المشروط له وبين الاختلاف في تعيين المشروط؛ إن كان الاختلاف في تعيين المشروط له فالقول قول العامل، وإن كان في تعيين المشروط مع الاتفاق على تعيين المشروط له فالقول قول رب المال.
    والتعليل -كما عرفتم- أن العامل استحق السهم في عمله بالعمل فكان القول قوله، وأما الاختلاف في القدر فالأصل أن الربح في المضاربة والنماء في المساقاة والمزارعة أنه تابع لأصله، فيكون القول قول رب المال.
    قال المؤلف: (ولا يضارب بمال لآخر إن أضر الأول ولم يرض) لا يضارِب الفاعل المضارَب، المضارَب لا يضارب بمال لآخر؛ يعني مثلًا: أنا أعطيت هذا الرجل مالًا يتجر به المضاربة فذهب إلى آخر وقال: أعطني مالًا مضاربة، يقول المؤلف: هذا لا يجوز، لكن متى لا يجوز؟ إن أضر الأول ولم يرضَ، فإن رضي جاز، وإن لم يضر به جاز، أفهمتم الآن؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: طيب أعطيت هذا الرجل عشرة آلاف، قلت: هذه مضاربة اشترِ بها رزًّا، قال: طيب، أخذ الآن العشرة ليشتري رزًّا ويأتي بالأسواق يبيعه بربح، نقول: لا يجوز للمضارَب اللي أخذ عشرة آلاف ريال أن يأخذ من شخص آخر عشرة آلاف مضاربة، لا يجوز. لماذا؟
    يقول: بشرط إن أضر الأول ولم يرض، إضرار الأول يحصل بأحد أمرين؛ إما أن ينشغل المضارَب بالمضاربة الثانية عن المضاربة الأولى مع اختلاف المال، وإما أن يشتري مالًا من جنس ما ضاربه الأول عليه حتى تضخم الأسواق من هذا النوع من المال فيرخص، كل هذا ضرر، أنتم فاهمون معي ولَّا لا؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: فاهمون المسألة الآن؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: طيب أعيد المثال مرة ثانية: أعطيت رجلًا عشرة آلاف ريال، قلت: خذ هذه مضاربة في الرز؛ لأني عرفت أن الرز عليه طلب، فقال: أهلًا وسهلًا، أخذها ثم ذهب إلى آخر وأخذ منه عشرة آلاف ريال مضاربة في الرز، يضر الأول ولَّا ما يضره؟
    طلبة: يضره.
    (2/1744)
    ________________________________________
    الشيخ: كيف يضره؟ الرزق على الله؟
    طلبة: السوق يرخص.
    الشيخ: نعم؛ لأن السوق إذا امتلأ من الرز سوف يرخص، فهو يضره.
    طيب أخذ عشرة آلاف ريال مضاربة من شخص آخر، لكن يريد أن يشتري بها سيارات، السيارات لا تؤثر على الرز ولَّا لا؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: لكن ربما ينشغل هذا المضارب بالاتجار بالسيارات، لا سيما إذا فهم أن ربحها أكثر، ويركن المضارب الأول يركنه إلى رزه ولََّا لا؟ يقول: السيارة أكسب، هذا يضره أو لا يضر؟
    طلبة: يضره.
    الشيخ: يضره، إذن الضرر يكون لواحد من أمرين؛ إما أن يأتي بسلعة من جنس السلعة التي عينها المضارِب الأول، هذه واحدة، وإما أن ينشغل بالسلعة الثانية عن السلعة الأولى، وهذا ضرر.
    الشرط الثاني قال: (ولم يرض) فإن رضي فلا بأس؛ لأن الحق له.
    طالب: أحسن الله إليك، قلنا: إذا اختلف لمن المشروط فالقول قول العامل، لكن هنا يقول الشيخ -أحسن الله إليه-: (فلعامل) كأن بين العبارتين فرقًا يا شيخ؟
    الشيخ: كيف (وإن اختلفا لمن المشروط فلعامل)؟
    الطالب: ونحن قلنا: فالقول قول العامل، كأن العبارتين بينهم فرق يا شيخ.
    الشيخ: أي العبارتين؟ إذا قال: (فلعامل) يعني معناه: القول قوله.
    الطالب: لكن -مثلًا- اشترط الربع، واتفق على أن الشرط الربع، لكن اختلفا لمن المشروط، وقال العامل بأن المشروط لرب المال، فعلى القول بأن القول قوله.
    الشيخ: السؤال الآن ما هو ( ... ) شايف فيه ضرر عليه، العامل لن يدعي إلا القسم الأكبر، العامل ما هو مُدَّعٍ إلا القسم الأكبر؛ يعني: ما يمكن بيقول رب المال: الربع، ويقول: لا، الثمن لي، هذا لا يمكن، اللهم إلا بيجي إنسان ورع جدًّا ويخاف الله يمكن، فالعامل لن يدعي إلا الأكثر.
    طالب: بارك الله فيكم، عللنا بأنه إذا اختلف لمن المشروط، قلنا: للعامل؛ لأنه هو حصل بعمله، وقلنا: إنه إذا اختلف قدر الشرط، قلنا: لرب المال؛ لأن المال له ( ... ) شيخ ما يكون التعليلان واحد؟
    (2/1745)
    ________________________________________
    الشيخ: لا، بينهما فرق؛ لأن الربح الآن أصل العامل يستحقه بالشرط، الأصل أن العامل يستحق الربح بالشرط ورب المال يستحق الربح بالتبعية؛ فلهذا فرقوا بينهم قالوا: إذا اختلفا في قدر المشروط واتفقا أنه لأحدهما فالقول قول رب المال، وأما إذا اختلفا لمن المشروط هل هو لهذا أو لهذا؟ فالقول قول العامل.
    ***
    الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى:
    ولا يضارب بمال لآخر إن أضر الأول ولم يرض؛ فإن فعل رد حصته في الشركة، ولا يقسم مع بقاء العقد إلا باتفاقهما، وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد التصرف أو خسر جبر من الربح قبل قسمته أو تنضيضه.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق لنا أن المضاربة تعريفها هو .. ، ما هي المضاربة؟
    طالب: أن يعطي الإنسان شخصًا مالًا له ليتجر به.
    الشيخ: دفع مالًا لآخر ليتجر به بأيش؟
    الطالب: ليتجر بالمال.
    الشيخ: بماله، لكن بأيش؛ ببلاش ولَّا؟
    الطالب: بجزء من الربح.
    الشيخ: بجزء من ربحه، هذا الجزء، يشترط الأخ؟
    طالب: أن يكون مشاعًا معلومًا.
    الشيخ: أن يكون مشاعًا معلومًا. ما ضد المشاع؟
    طالب: ضد المشاع اللي غير مشاع.
    الشيخ: إي، أحسنت، هذا الجواب، تمام، إي نعم، لكن نريد حدده؟
    طالب: يعني: يكون غير مشاع بينهما ( ... ) مختص لإنسان؛ مختص لأحدهما.
    الشيخ: لا.
    طالب: المجهول يا شيخ.
    الشيخ: المجهول، كيف؟ لا إحنا نقول: المشاع، المجهول ضد معلوم.
    الطالب: ضد المشاع يا شيخ.
    الشيخ: إي، ما ضد المشاع؟
    طالب: ضد المشاع المجهول.
    الشيخ: لا، خطأ.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، غلط.
    طالب: معين.
    الشيخ: إي، كيف معين؟ محدد يعني؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: مثل أن يقول؟
    طالب: ( ... ).
    (2/1746)
    ________________________________________
    الشيخ: صح، المحدد، المشاع معناه الشائع، اللي بحيث يكون كل حبة منهما من ربح مشتركة، ضدها المحدد؛ مثل أن يقول: لك مئة، ولي الباقي، أو مثل أن يقول: لك ربح الثياب، ولي ربح الأواني، أو لك ربح هذه السَّفرة، ولي ربح السفرة الأخرى، أو لك ربح المال الذي في مكة، ولي ربح المال الذي في المدينة، المشاع معناه أنه مشترك يكون المضارِب -أعني رب المال- والمضارَب -وهو العامل- يكونين شريكين في كل حبة وذرة، واضح؟ أجيبوا يا جماعة.
    طلبة: واضح.
    الشيخ: خلاص، طيب، معلومًا ضد المعلوم، مثل؟
    طالب: مثل أن يضارب في بيع -مثلًا- سلع ..
    الشيخ: قال: خذ عشرة آلاف ريال مضاربة، والربح؟
    الطالب: والربح بيننا.
    الشيخ: لا، بيننا ما هو، معلوم هذا.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: لك من الربح؟
    طالب: ( ... ).
    طالب آخر: مثل أن يقول: لك من الربح بعضه.
    الشيخ: صح، لك من الربح بعضه، هذا مجهول.
    إذن لا تصح المضاربة بهذا ( ... )، لك من الربح بعضه لا تصح، لك من الربح مئة، لك من الربح ربح الأقمشة، لك من الربح ربح المال الذي في المدينة، هذا لا يصح.
    لك من الربح ما شئت؟
    طالب: أيضًا.
    الشيخ: لا يصح. لماذا؟
    الطالب: لأنه غير معلوم.
    الشيخ: غير معلوم، يمكن يقول: أنا أريد ثلاثة أرباع أو أريد ربعًا، إذن هو مجهول.
    إذا لم تصح المضاربة -انتبهوا- إذا لم تصح المضاربة فالقاعدة هذه ما علمتكم بها لكن الآن نعلمكم، إذا لم تصح المضاربة فالربح كله لرب المال وللعامل أجرة المثل، فمثلًا إذا كان مثل هذا العامل شهريته ألف ريال، له على رب المال ألف ريال، حتى لو أحاطت بالربح كله أو كانت جزءًا من ألف جزءٍ من الربح له أجرة المثل، هذا هو المشهور من المذهب، يقول: لأن هذه المضاربة فاسدة، فيستحق العامل أجر عمله.
    (2/1747)
    ________________________________________
    والصحيح في هذه المسألة أن للعامل سهم المثل، هذا الصحيح. لماذا؟ لأن العامل إنما عمل على أنه شريك لا على أنه أجير، ولأنه لو قلنا: يعطى الأجرة، فربما تحيط الأجرة بالربح كله، وحينئذٍ يخسر رب المال، ورب المال لم يعطه على أنه أجير.
    إذن إذا فسدت المضاربة فما الضابط أيش؟ له -على المذهب- أجرة المثل، والصواب أن له سهم المثل، فيقال: لو اتجر الإنسان بهذا المال كم يُعطى في العادة؟ قال: يُعطى نصف الربح، إذن له نصف الربح، يُعطى ثلاثة أرباع الربح، له ثلاثة أرباع الربح، يُعطى ربع الربح، له ربع الربح. إذن إذا فسدت فللعامل -على القول الراجح- سهم مثله.
    طيب إذا اختلف هذه من المشروط؟
    طالب: القول قول العامل يا شيخ.
    الشيخ: نعم، القول قول العامل. مثاله؟
    طالب: مثاله ( ... ) أن يقول: لي ثلاثة أرباع، ولك الربع.
    الشيخ: يعني اتفقوا على أن المشروط ثلاثة أرباع؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: ولكن العامل قال: هو لي، ورب المال قال: هو لي، فلمن؟
    طالب: القول قول العامل؛ لأن الربح إنما حصل بعد جهده هو.
    الشيخ: طيب، القول قول العامل.
    هذه أيضًا لم أنبهكم في الدرس الماضي على أنه ما لم يَدَّعِ ما يخالف العادة، إن ادعى ما يخالف العادة فإنه لا يُقبل، إذا قال: واللهِ العادة أن ثلاثة الأرباع في مثل هذه التجارة تكون لرب المال، فالقول قول من؟
    طالب: قول رب المال.
    الشيخ: قول رب المال؛ لأنكم تعرفون البضائع تختلف، فمثلًا بضاعة الصيرفة سهلة ولَّا متعبة؟
    طالب: سهلة.
    الشيخ: الصيرفة سهلة ما تتعب، بضاعة الأطعمة متعبة ولَّا لا؟ متعبة؛ لأن الطعام يحتاج إلى تحميل وتنزيل وعمال وسيارات تنقله، فهي متعبة.
    على كل حال المشهور من المذهب أنهما إذا اختلفا لمن المشروط فهو؟
    طلبة: للعامل.
    الشيخ: للعامل؛ قلَّ أو كثر، والصحيح أنه للعامل ما لم يَدَّعِ ما يخالف العادة، فإن ادعى ما يخالف العادة وأن العادة أن مثل هذا يكون لرب المال فالقول قول رب المال.
    (2/1748)
    ________________________________________
    طيب كل من قلنا القول قوله فلا بد من يمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (1)، فإذا اختلفا قال: المشروط ثلاثة أرباع؛ العامل يقول: لي، ورب المال يقول: لي، وجرت العادة أن مثل هذا القدر لا يُعطى العامل وإنما يكون لرب المال، قلنا: على القول الراجح يكون لرب المال، لكن لا بد أن يحلف؛ لأن العامل مُدَّعٍ، ورب المال في هذه الحال منكرٌ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»، فنقول: احلف أن هذا المشروط لك، فإذا حلف فهو له.
    إذا اختلفا في قدر المشروط لا لمن المشروط؟
    طالب: لصاحب المال.
    الشيخ: إذا اختلفا في قدر المشروط فالقول قول من؟
    طالب: صاحب المال.
    الشيخ: قول صاحب المال، مثاله؟
    طالب: إذا اتفقا لمن المشروط، اتفقا -مثلًا- أن الربح للعامل، ولكن اختلفا في القدر؛ فقال صاحب المال: لك الثلث؛ يعني للعامل، وقال: لي النصف، فالقول قول صاحب المال؛ لأنه هو الأصل.
    الشيخ: طيب، اتفقا قال: نعم، نحن شرطنا هذا القدر للعامل، رب المال يقول: لا، أنكر، والعامل يقول كذلك، لكن قال العامل: إن لي الثلثين، وقال رب المال: إن لك النصف، فالقول قول رب المال، فلهذا نفرق بين أن يختلفا في تعيين من شُرط له وبين أن يختلفا في قدر المشروط؛ إذا اختلفا في تعيين من شُرِط له فالقول قول العامل، وإذا اختلفا في قدر المشروط فالقول قول رب المال. إي نعم.
    يقول المؤلف: (كذا مساقاة ومزارعة) وأريد أن أعرف الفرق بين المساقاة والمزارعة؟
    طالب: الفرق بينهم أن المساقاة هو سقي الأشجار.
    الشيخ: أن المساقاة معاملة على الأشجار.
    الطالب: نعم، معاملة على الأشجار.
    الشيخ: والمزارعة؟
    الطالب: معاملة على الأرض.
    الشيخ: إي، على الزرع في الواقع، على الزرع الذي يُزرَع في الأرض.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: صورة المسألة؟
    الطالب: مثلًا ..
    الشيخ: المساقاة.
    الطالب: المساقاة أن يتفق معه على مثلًا ..
    (2/1749)
    ________________________________________
    الشيخ: إنسان عنده ..
    الطالب: عنده مزرعة فيها نخل مثلًا.
    الشيخ: نعم، بستان كله نخيل وأشجار.
    الطالب: اتفق معه على أن يسقي هذا الزرع ..
    الشيخ: قال: خذ هذا البستان لك، نعم.
    الطالب: ويسقيه -مثلًا- بربع المحصول.
    الشيخ: قم عليه كله؛ سقي وتصريف الماء وكل شيء.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: ولك؟
    الطالب: الربع.
    الشيخ: ربع أيش؟
    الطالب: ربع الخراج؛ الناتج.
    الشيخ: ربع الثمرة، طيب.
    الطالب: والمزارعة أن يعطيه أرضًا.
    الشيخ: المزارعة أن يعطيه أرضًا.
    الطالب: نعم، ويقول: ازرع هذه الأرض، ومثلًا شجر يعطيه فيها عنب مثلًا ..
    الشيخ: لا يا أخي، عنب، شجر.
    الطالب: إي، شجر، مزارعة.
    الشيخ: المزارعة زرع، ما هو شجر.
    الطالب: يعطيه أرضًا مثلًا ..
    الشيخ: قال: هذه الأرض خذها، ازرعها بُرًّا، شعيرًا، ذرة، دخنًا، رزًّا.
    الطالب: ولك -مثلًا- الربع أو النصف على ما ( ... ).
    الشيخ: تمام، صح، هذه المزارعة.
    إذا اختلفا ( ... ) المشروط؟
    طلبة: العامل.
    الشيخ: العامل طيب؛ يعني الذي أخذها مزارعة.
    وإذا اختلفا في قدر المشروط؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: فرب المال، بارك الله فيكم.
    قال المؤلف: (ولا يضارب).
    طالب: إذا اختلفا في قدر المشروط ( ... ).
    الشيخ: لا، من عنده، قال: (ولا يضارب بمال لآخر) قرأنا هذه.
    طلبة: نعم.
    الشيخ: الضمير في قوله: (ولا يضارب) لمن؟
    طالب: لا يضارب العامل.
    الشيخ: السؤال لك خاصة، لمن؟
    الطالب: للعامل.
    الشيخ: مثل؟
    الطالب: كأن يطلب صاحب المال ..
    الشيخ: مثاله، أعطاك محمد الشرافي.
    الطالب: أعطاني مالًا ..
    الشيخ: كم؟
    الطالب: أعطاني عشرة آلاف.
    الشيخ: عشرة آلاف؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: مضاربة، هكذا؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: طيب، اشهدوا عليه أنه أقر أنه أعطاه عشرة آلاف.
    (2/1750)
    ________________________________________
    الطالب: مضاربة في الأطعمة مثلًا، فلا يجوز ( ... ) أن أذهب إلى شخص آخر وآخذ منه مالًا أضارب به -مثلًا- في السيارات إلا بشرطين؛ إن لم يضر ذلك بالأول، وإن رضي، فإن رضي ولم يضر به ذلك فإنه يجوز.
    الشيخ: ما فهمت، تداخلت الأحوال، أعطاك محمد شرافي عشرة آلاف تعمل بها في الأطعمة، وأعطاك سامي العقيلي عشرة آلاف.
    الطالب: لا يجوز أن أضارب بمال سامي إذا أضر ذلك.
    الشيخ: بأطعمة؟
    الطالب: بغيرها يا شيخ.
    الشيخ: لا بأطعمة، (بمال لآخر) ما هي بمال آخر، بمال لشخص آخر.
    الطالب: إي نعم، لا يجوز أن أضارب بها إن أضر ذلك بالمضارَب الأول ولم يرض، فإن رضي ولم يضر ذلك به جازت المضاربة.
    الشيخ: إن رضي ولو أضر به ما علينا منه، إذا رضي؟
    الطالب: ( ... ) جازت المضاربة.
    الشيخ: وإذا لم يضر به ولم يرض؟
    الطالب: لم تجز المضاربة؛ لأنه اشترط رضاه.
    الشيخ: توافقون على هذا؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: هو فيه شرطين؛ الشرط الأول أن يضره، والشرط الثاني ألَّا يضره، إذا أضره ولم يرض قلنا: لا تضارب، فإن رضي جاز حتى لو أضره؛ لأن هو اللي رضي عن نفسه بالضرر، طيب وإن لم يضر به؟
    طلبة: جاز.
    الشيخ: جاز؛ أذن أم لم يأذن.
    قول المؤلف رحمه الله: (ولا يضارب) المؤلف لم يفصح تمامًا بالحكم، فهل هو مكروه أو حرام؟ هذه العبارة إذا جاءت في كلام العلماء (لا يفعل كذا) فهي محتملة للكراهة وللتحريم، كما لو قالوا في الصلاة مثلًا: ولا يفعل كذا في الصلاة، فهي محتملة للكراهة وللتحريم، لكن الفقهاء صرحوا بأن ذلك حرام؛ يحرم أن يضارب بمال لآخر بالشرطين المذكورين: أن يضره، وألَّا يرضى؛ فإن لم يضره فلا بأس، وإن رضي فلا بأس.
    (2/1751)
    ________________________________________
    طيب، فإن فعل؛ يعني هذا المضارَب، ولعلنا نغير المضارَب والمضارِب لأجل ( ... )، إن أقدم العامل وضارب بمالٍ لآخر مع الضرر، قال المؤلف: (فإن فعل رد حصته في الشركة) (إن فعل) أي: العامل؛ بأن ضارب بمالٍ لآخر وحصل له ربح في المضاربة الثانية فإنه يرد حصته من هذا الربح في الشركة الأولى، فكأنه ربح من المال الأول.
    مثال ذلك: رجل أعطى شخصًا عشرة آلاف ريال مضاربة على النصف، ثم إن هذا العامل أخذ مضاربة من شخص آخر عشرة آلاف ريال، الأولى ربحت ألف ريال، العشرة ربحت ألف ريال، كم نصيب العامل؟
    طلبة: خمس مئة.
    الشيخ: خمس مئة، الثانية ربحت عشرة آلاف ريال، كم نصيب العامل؟
    طلبة: خمسة آلاف.
    الشيخ: خمسة آلاف، نضيف الخمسة آلاف إلى الألف؛ لأن نصيب العامل خمسة آلاف من المضاربة الثانية، نضيف الخمسة آلاف إلى الألف، فكأن المضاربة الأولى ربحت؟
    طلبة: ستة آلاف.
    الشيخ: ستة آلاف؛ ولهذا قال: (فإن فعل رد حصته في الشركة) هذا معنى كلام المؤلف، إذن إذا ضارب العامل بمال لشخص آخر وربح فإن هذا الربح يضاف إلى ربح المضاربة الأولى، ويكون المضارب الأول شريكًا، كأن هذا الربح من المضاربة الثانية كأنها ربح ماله، هذا ما ذهب إليه المؤلف.
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إنه لا يستحق من ربح المضاربة الثانية شيئًا؛ لأنها ليست من ماله، وإنما هي من كسب العامل، والعامل أخطأ في كونه يضارب بمال للآخر مع الإضرار بالأول، لكن ما الذي يُحل هذا الربح لصاحب المال الأول، وهو في الواقع لا يحل؛ ولهذا كان هذا القول هو الراجح؛ أنه لا يضيف ربحه من المضاربة الثانية إلى ربح المضاربة الأولى، بل هو له، لكنه آثم.
    (2/1752)
    ________________________________________
    فإن قال قائل: لو فُرض أنه فَوَّت على المضارِب الأول -أي: على رب المال- فَوَّت عليه أرباحًا، فهنا ربما نضمنه، وقد لا نضمنه أيضًا، لكن الكلام على أن الربح من المضاربة الثانية لا يُرد في ربح المضاربة الأولى، على القول الراجح، أما المذهب -فكما سمعتم- قال: (رد حصته في الشركة).
    قال: (ولا يقسم) الضمير على الربح، (ولا يقسم) أي: الربح، هذا كلام جديد، (ولا يقسم) يعني: الربح؛ يعني: العامل اتجر بالمال وربح، والعقد باقٍ لم يفسخ حتى الآن، يقول: (لا يقسم) الضمير يعود على الربح وليس على كل المال؛ لأن العامل ليس له حق في رأس المال، إنما حقه في الربح.
    فيقول: (لا يقسم مع بقاء العقد إلا باتفاقهما) أما إن فسخ العقد فيقسم الربح؛ لأنه انتهى، لكن مع بقاء العقد لا يقسم إلا باتفاقهما، لماذا؟ لأن الربح وقاية لرأس المال، فربما يقول العامل: اقسم الآن يخشى أنه يتجر به مرة ثانية، فيخسر، فيطالب العامل بأيش؟
    طلبة: بالقسمة.
    الشيخ: بأي شيء؟
    طلبة: بالنصاب.
    طلبة آخرون: بقسمة الربح.
    الشيخ: إي، يطالب بالقسمة لئلا يخسر، يقول مثلًا: الآن ربح عشرة في المئة، اقسم، أنا أخشى أن يتجر مرة ثانية يخسر ما يربح، فيكون عمل العامل هباء لا فائدة منه، أما رب المال قال: لا، ما نقسم، أنت الآن إذا اشتريت بعشرة آلاف أقل مما لو اشتريت بأحد عشر، والربح الآن مستمر، فإذا اشتريت بأحد عشر صار الربح أكثر مما لو اشتريت بعشرة؛ يعني: أن رب المال ينازع يقول: أبدًا، ما نقسم ما دامت الشركة باقية فلا نقسم، فهل يُجبر العامل رب المال على القسمة أو لا؟ أجيبوا.
    طلبة: لا.
    الشيخ: لا؛ لأن العقد باقٍ، ولو كان بالعكس؛ رب المال هو الذي طلب القسمة الربح علشان يأخذ الربح ماله، وذاك يأخذ ربح عمله، وقال العامل: لا نقسم الربح، الآن مضمون، وإذا ربحنا من أحد عشر صار أكثر مما لو ربحنا من؟
    طلبة: من عشرة.
    الشيخ: من عشرة، فأنا لا أريد القسمة، يقول من؟
    طلبة: العامل.
    (2/1753)
    ________________________________________
    الشيخ: العامل يقول: نعم، لا يقسم مع بقاء العقد.
    والخلاصة أنه ما دام العقد باقيًا فإنه إذا طلب أحدهما قسمة الربح فإنه لا يقسم إلا باتفاقه، وهذا واضح؛ لأن الحق لهما.
    يقول: (وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد التصرف أو خسر جُبِر من الربح قبل قسمته أو تنضيضه).
    هذه عدة مسائل:
    أولًا: إذا تلف رأس المال جُبِر من الربح؛ يعني مثلًا: إنسان عامل مضارَب اتجر وأودع؛ يعني: جعل الدراهم في الصندوق، وكانت عشرة آلاف وصارت بالربح عشرين ألف، سُرقت عشرة آلاف، يقول المؤلف: إنه يجبر من الربح، في هذا المثال اللي مثلنا هل يبقى للعامل شيء؟
    طلبة: لا ( ... ).
    الشيخ: كيف خالف؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: هو عشرة، هذا أصل رأس المال، ربح عشرة أخرى وضعها في الصندوق؛ صندوق محرز فسُرق منها عشرة، ما الذي سُرِقَ؟ الربح؛ كل الربح الآن سُرِق، يقول المؤلف: إن ما تلف قبل القسمة أو التَنْضِيض يكون من الربح، وحينئذٍ تبقى العشرة الباقية لمن؟ تبقى لرب المال.
    نبقى في المثال: سُرِق من العشرين خمسة، كم يكون الربح؟
    الطلبة: خمسة آلاف.
    الشيخ: خمسة آلاف، وعشرة تبقى؛ لأنه يكون من الربح، هذا إذا تلف أو بعضه.
    (أو خسر) إذا خسر أيضًا يُجبر من الربح، مثال ذلك: كان من عادة هؤلاء العامل ورب المال إذا جاء الربح أودعوه في المصرف، ثم اتجر برأس المال، وهذا يودع في المصرف لكنه لا يقسم، ثم إن رأس المال خسر.
    ونضرب مثلًا ليتضح: عشرة آلاف ريال رأس المال اتجر بها، فصارت خمسة عشر، أخذ الخمسة -وهي الربح- ووضعها في المصرف، ثم اتجر بالعشرة، فخسرت وصارت ثمانية، الآلفان هذه نأخذها من الربح ولَّا نقول: الربح خمسة باقٍ لأصله؟
    طلبة: الأول؛ نأخذها من الربح.
    الشيخ: الأول؛ نأخذها من الربح، ويكون الربح على هذا كم؟
    طلبة: ثلاثة.
    الشيخ: ثلاثة؛ ولهذا قال: (أو خسر جبر من الربح).
    (2/1754)
    ________________________________________
    لكن يقول: (قبل قسمته) فإن قُسم فكل واحد منهما أخذ نصيبه؛ يعني مثلًا: قدرنا أن رأس المال عشرة آلاف، ربح ألفين، واتفق رب المال والعامل على أن يقسم الربح، أخذ العامل ألف ريال الذي هو نصيبه من الربح؛ لأن الربح كان بينهما أنصافًا بقي عندنا كم؟ ألف من الربح، وعشرة رأس المال، طيب نقول لرب المال: الآن الألف هذه؛ إن شئت اجعلها رأس مال، وإن شئت فخذها، لكن العامل أخذ نصيبه ألف ريال خسر المال، بعد أن أخذ العامل نصيبه خسر المال، هل نقول للعامل: هات الربح اللي أخذت؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: لماذا؟ لأنه لما قسمه صار ملكه وخاصًّا به خارجًا من الشركة.
    قال: (أو تنضيضه) تنضيضه؛ يعني: تحويله إلى نقد، التنضيض؛ يعني: التصفية، فلو خسر بعد التصفية فليس الضمان على رأس المال؛ لأنه نضَّ، وعرف العامل نصيبه وصفيت الشركة، لكن ما دام لم ينضض فإن الخسارة تكون على الربح، وأما بعد التَنْضِيض فلا، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.
    والصحيح أنه إن كان التنضيض يعني فسخ الشركة أو يعني المطالبة بالقسمة فنعم، كما قال المؤلف، وأما إذا كان التنضيض اللي يصفي دراهم لأجل يشتري بضاعة أخرى؛ لأنه أحيانًا يكون العامل يرى أن هذه البضاعة ثقيلة ما تمشي، فيبيعها ويصفي المال؛ علشان يشتري به إيه؟
    طالب: بضاعة.
    الشيخ: بضاعة أخرى تمشي، فهنا لا نقول: إن التنضيض يعتبر كالقسمة؛ لأن العامل ورب المال كلاهما يعتقد أن هذا ليس فسخًا ولا قسمًا.
    مثال ذلك: المضارَب الآن -العامل- هو اشترى عقارات وصار يؤجرها؛ يبتغي بها الربح، لكن رأى أن العقارات ضعفت الإجارة، ما فيها مكسب، فباعها جميعها بمئة ألف ريال، صار اللي بيده الآن مئة ألف ريال، لكن يريد أن يشتري بها نوعًا آخر من المال يرى أنه أفيد، فهنا نقول: هذا التنضيض ليس تنضيض قسمة ولا تنضيض فسخ، إنما هو تنضيض لمصلحة أيش؟
    طلبة: الشركة.
    الشيخ: فلو قُدِّر أنه خسر بعد ذلك فالخسارة على الربح.
    (2/1755)
    ________________________________________
    وخلاصة الموضوع أن أي خسران يكون قبل القسمة أو فسخ الشركة فهو على الربح، فإن خسر كل شيء فمعلوم على الربح ورأس المال.
    ثم قال المؤلف رحمه الله: (الثالث: شركة الوجوه) الثالث من أيهم؟
    طلبة: شركة ( ... ).
    [شركة الوجوه]
    الشيخ: الثالث من أنواع شركة العقود؛ لأنه قال المؤلف في الأول: (وهي أنواع).
    (شركة الوجوه أن يشتريا في ذمتيهما بجاههما، فما ربحا فبينهما) هذان رجلان عملا لكن ليس عندهما قرش واحد، كلاهما فقير، ذهبا إلى رجل غني كبير وقالا له: نريد أن نشتري منك هذا المعرض، قال: طيب، سلموا فلوسًا، قال: ما عندنا شيء، لكن نشتري بالذمة، هو الآن يساوي -مثلًا- مئة ألف، نشتري منك بمئة وعشرة في ذممنا، وهما ليس عندهما أي قرش، هذه تسمى شركة الوجوه؛ لأنهما اكتسبا المال بجاههما وثقة الناس بهما، فقال رب المعرض: بعت عليك، فصارا أيش؟ شريكين في هذا المعرض بدون أن يُسلما دراهم؛ لا منهما، ولا من أحدهما؛ لأنهما لو سلم دراهم منهما صارت شركة؟
    طلبة: عنان.
    الشيخ: عنان، ولو سلم أحدهما فمضاربة هذان لم يسلما مالًا؛ لأنهما اشتريا في ذمتيهما بجاههما.
    رجلان آخران جاءا إلى صاحب معرض وهما أصحاب حيلة وأصحاب مكر، وقالا: بعْ علينا المعرض، قال: هات فلوسًا، قالا: ما عندنا، لكن لك وجيهنا، لكنهما معروفان بالحيل والمكر والخداع والمماطلة، أيعطيهما؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: ليش؟ الاثنان الأولان أعطاهما؛ لأن لهما جاهًا ووجاهة وذمة، فتبين الآن أن شركة الوجوه معناها أن الشريكين ليس لهما مال؛ لا منهما ولا من أحدهما، وإنما لهما الذمة والجاه والاعتبار عند الناس، فيشتريان المال ويشتركان فيه، وهما تحت الله عز وجل.
    (2/1756)
    ________________________________________
    هذه من يحتاج إليها؟ يحتاج إليها الفقراء الأقوياء على التكسب، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة: «لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» (2)، والناس قد يكون ليس عندهم مال فيذهبون إلى التجار ويقولون: أعطونا أموالكم نتجر بها ولكم، واكتبوها في ذمتنا الملك، ملك مَن؟ ملك التاجر اللي باع عليهما ولا ملكهما هما؟
    طلبة: ملكهما.
    الشيخ: ملكهما هما، الملك ملكهما، التاجر ما له إلا ثمن ثابت في الذمة.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليك- إذا كانت المضاربة ثم العامل بعد الربح ولم يقتسم المال، تصرف في المال بدون أذن صاحب المال؛ رب المال ..
    الشيخ: بعد الفسخ؟
    الطالب: قبل الفسخ؛ قبل أن يقسم المال زاد تجارة أخرى بدون أذن صاحب المال فخسر فيها؟
    الشيخ: مضاربة لآخر؟
    الطالب: لا.
    الشيخ: في نفس الشركة؟
    الطالب: في نفس الشركة، فخسر بدون أذن رب المال.
    الشيخ: ما يخالف.
    الطالب: فهل يضمن ولَّا؟
    الشيخ: لا، يكون من الربح، ما دامت لم تُقسم فهو من الربح.
    طالب: شيخ -بارك الله فيكم- لو قلنا بقول شيخ الإسلام ابن تيمية فإن في بعض الأحيان -يا شيخ- يرق دين الناس وأمانتهم، فنجد من إذا وجد مضاربة أخرى فيها مكسب أضرب عن المضاربة الأولى وذهب للمضاربة الثانية حيث يضر بالمضارِب الأول ويقول: الإثم أستغفر الله، لكن لو قلنا بقول المذهب فإنه فيه باب سد الذرائع.
    الشيخ: لا، إذا أردنا أن نجعل المسألة من باب العقوبة نأخذ الربح من هذا المضارِب اللي هو العامل ونجعله في بيت المال.
    طالب: إن قلنا: شيخ الإسلام ابن تيمية يقول ..
    الشيخ: شيخ الإسلام يقول: ما يمكن يتأخر على رب المال الأول بأي طريق.
    الطالب: إن فاته ربح كان يمكن أن يقول: لو .. ؟
    (2/1757)
    ________________________________________
    الشيخ: ذكرنا في نفس البحث قلنا: لو فرضنا أنه أضر بالأول؛ يعني مثلًا صار يتكاسل ما يعمل بها فهذا ربما يُضمَّن، لكن إذا قدرنا أن الإنسان قائم بالعمل تمامًا، لكنه أخذ مضاربة في نفس المال الذي ضارب به الأول، ولكن السوق قوي يمشي.
    الطالب: لكن الكلام في الإضرار -يا شيخ- لو أضر بالأول وقع الضرر على الأول.
    الشيخ: حتى لو أضر بالأول ما يمكن يعطي الأول ربح المال؛ يعني: إن قلنا: إنه أضر بالأول فننظر هل تفويت الربح موجب للضمان؟ لأنه ربما يشغل الإنسان على أنه بيربح ولا يربح؛ فلذلك لو قلنا بأن كلام شيخ الإسلام هو الصحيح؛ لأن المسألة رد المال في الشركة الأول من مفردات مذهب أحمد، كل المذاهب الثلاثة يقول: لا، ما له حق، لكن لو أردنا أن نعزر -كما قلت- قلنا: هات ربحك وفي بيت المال.
    الطالب: بيت المال؛ مال المسلمين؟
    الشيخ: إي، بيت مال المسلمين، فهذا لا يُعطى شيء المضارِب الأول؛ لأنه ما ربح ما له شيء، وهذا ( ... ) في هذا الحال ( ... ) على ما قلت.
    طالب: شيخ، بالنسبة إذا قال: لك واحد في المئة من المبيعات؛ يعني يكون المحل كبيرًا جدًّا، ويكون واحد في المئة ( ... )؟
    الشيخ: ما يجوز، هذا من جنس: لك -مثلًا- ربح الأقمشة ولي ربح الأواني.
    الطالب: يكون تحفيزًا له ( ... )؟
    الشيخ: لا، يزود السهم شوية ويشتغل زين.
    طالب: بارك الله فيك يا شيخ، إذا تلف رأس المال أو بعضه قبل القسمة هل تنفسخ المضاربة مثل ( ... )؟
    الشيخ: لا، ما تنفسخ، إذا شاء ما انفسخت.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: إي نعم، لكن لو تلف بالمرة انفسخت المضاربة فيما تلف، أو تلف النصف انفسخت المضاربة في النصف، المهم الذي يتلف انفسخت المضاربة فيه.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليك- هل مصطلح المضارَب والمضارِب هل هو اللي .. ، يعني أن المضارَب هو العامل والمضارِب هو رب المال وقد ينعكس .. ؟
    الشيخ: لا، هذا هو المضارِب رب المال.
    الطالب: ( ... ) بآخر ( ... ) المضارب الأول فأضر برأس المال؟
    (2/1758)
    ________________________________________
    الشيخ: ما يمكن، كيف يضر برأس المال؟
    الطالب: يأتي -مثلاً- خسارة على رأس المال.
    الشيخ: لكن كيف يكون الضرر برأس المال الأول؟
    الطالب: ( ... ) السلعة -مثلًا- يخسر فيها.
    الشيخ: طيب هل خسارته هذه من أجل المضاربة ( ... ) عمل الآن أنه فرط؟
    الطالب: هل يضمن في هذه الحالة إذا فرط؟
    الشيخ: لا، ما يُضَمَّن، إلا إذا قلنا: إن الرجل حقيقة أنه رَكَن مال الأول وتركه ولم يعمل به دون أن يشعره بذلك، ربما يُضَمَّن حسب ما يرى القاضي.
    طالب: شيخ -بارك الله فيكم- لو أن العامل جازف في التجارة ثم خسر؛ يعني نيته ( ... ) توقع -مثلًا- شيئًا بعيدًا صورة بعيدة، ثم جازف في شراء بضاعة، ثم حدث ( ... )، ثم خسر خسارة، فيعتبر مفرِّطًا؟
    الشيخ: ( ... ) ربح، له شيء من الربح، لا ( ... ) أنه بيخاطر ( ... ).
    طالب: شيخ، ( ... )؟
    الشيخ: ( ... ) يعني لكن لو اجتهد، لو اجتهد -مثلًا- وشرى بمال كثير، لكن بدون أن يستقرض بقدر المال اللي بيده، ثم إن الأمور نزلت هذه قد تقع، خصوصًا في الذهب، في الفضة، في العقار، هذه ربما تضفر مرة واحدة بسرعة تكون ربحًا عظيمًا أو بالعكس.
    الطالب: العامل هنا ما يضمن ولا إيه؟
    الشيخ: لا، ما يضمن.
    الطالب: مجتهد؟
    الشيخ: إي، مجتهد.
    ***
    الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال رحمه الله تعالى:
    فصل

    الثالث: شركة الوجوه أن يشتريا في ذمتيهما بجاهيهما، فما ربحا فبينهما، وكل واحد منهما وكيل صاحبه وكفيل عنه بالثمن، والملك بينهما على ما شرطاه والوضيعة على قدر ملكيهما، والربح على ما شرطاه.
    الرابع: شركة الأبدان أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما، فما تقبله أحدهما من عمل يلزمهما فعله، وتصح في الاحتشاش والاحتطاب وسائر المباحات، وإن مرض أحدهما فالكسب بينهما، وإن طالبه الصحيح أن يقيم مقامه لزمه.
    (2/1759)
    ________________________________________
    الخامس: شركة المفاوضة أن يفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف مالي أو بدني من أنواع الشركة، والربح على ما شرطاه، والوضيعة بقدر المال، فان أدخلا فيها كسبًا أو غرامة نادرين أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو نحوه فسدت.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبق لنا الكلام على شركة الوجوه وشرحناها.
    طالب: المقدمة فقط.
    الشيخ: بس، شركة الوجوه يقول: (هي أن يشتركا في زمتيهما بجاهيهما، فما ربحا فبينهما) يعني: أنه ليس معهما مال، لكن معهما ثقة الناس بهما فيشتركان فيما يشتراياه في ذمتيهما.
    فمثلًا: يذهبان إلى تاجر كبير ويقولان له: نريد أن تبيع علينا كذا وكذا من السلع، ونحن شركاء، فإذا قال: أدو لي الثمن، قالوا: ليس عندنا ثمن، ولكنك واثق بجاهنا، فيعطيهما على هذا الأساس، هذه ليس فيها مال، وإنما فيها الثقة والاعتبار بين الناس، فيشتركان في ذلك، وهذه يحتاج إليها الجماعة الذين ليس عندهم مال، ولكنهم موثقون عند الناس فيشتركون، ويشترون من التجار ما يكونون فيه شركاء، وهذا يدل على سعة المعاملات وأنه ليس فيها تضييق، كل معاملة ليس فيها ظلم ولا غرر ولا ربًا فإنها جائزة.
    يقول: (فما ربحا فبينهما) (فبينهما) يعني: على حسب ما شرطا؛ قد يكون أحدهما أحذق من الآخر، فيشترط له من الربح أكثر والثاني أقل، وقد يتساويان فيجعلان الربح بينهما نصفين.
    (فما ربحا فبينهما، وكل واحد منهما وكيل صاحبه) حتى وإن لم يصرح بالتوكيل؛ فإن مقتضى هذه الشركة أن يكون كل واحد منهما وكيلًا لصاحبه.
    (2/1760)
    ________________________________________
    وأيضًا: (كفيل عنه بالثمن) (كفيل عنه) كفيل بمعنى: ضامن؛ أي: كفيل غرام -كما يقولون- بالثمن، فما دام البائع باع عليهم بوجوههما فإنه يضمر أو يعتقد هذا البائع أن كل واحد منهما غارم عن صاحبه، فكل واحد غارم، فلو أن أحدهما هرب بعد عقد الشركة وبقي واحد منهما، فللبائع عليهما أن يُضمِّن هذا الذي لم يهرب، فإذا قال: أنت تعلم أننا شركاء وأن لصاحبي الذي هرب النصف، قال: لكن كل واحد منكما كفيل عن صاحبه.
    (والملك بينهما على ما شرطاه، والوضيعة على قدر ملكيهما) (الملك بينهما على ما شرطاه) فمثلًا إذا قال: ثلث لزيد وثلثان لعمرو؛ فلا حرج، ربع لزيد وثلاثة أرباع لعمرو؛ لا حرج، نصف لزيد ونصف لعمرو؛ لا حرج.
    (والوضيعة) يعني: الخسارة، (على قدر ملكيهما، والربح على ما شرطاه)، (الوضيعةُ) يعني: الخسران، (على قدر ملكيهما) فإذا اتفقا على أن يكون لزيد الثلث ولعمرو الثلثان وخسر المال، فكم على عمرو؟
    طالب: الثلثان.
    الشيخ: الثلثان من الخسارة، وعلى زيد الثلث؛ لأن الوضيعة على قدر المال في جميع الشركات.
    (والربح على ما شرطاه) يعني: الربح كيف يوزعانه؟ هل هو على قدر الملك؟ الجواب: لا، على ما شرطاه؛ لأنه ربما يشترطان لأحدهما أكثر من ربح ماله؛ لكونه حاذقًا في البيع والشراء، فهنا أمور:
    أولًا: تصرفهما بأي طريق؟ بالأصالة؛ كل واحد يتصرف بالأصالة عن نفسه، والوكالة عن صاحبه. هذه واحدة.
    كيف يضمنان المال؟ نقول: كل واحد يضمن عن نفسه ويضمن عن صاحبه.
    ثالثًا: كيف يملكان هذا المال المشترك؟ على ما شرطاه؛ قد يجعلان لأحدهما الثلثين والآخر الثلث، أو يجعلانها أنصافًا.
    رابعًا: الخسارة -وهي الوضيعة- على ما شرطاه.
    طلبة: على قدر المال.
    الشيخ: ما هو على ما شرطاه؟ على قدر المال.
    خامسًا: الربح على ما شرطاه. هذه خمسة أمور كلها بينها المؤلف رحمه الله.
    لو قُدِّر أن المال تلف بغير تعدٍّ ولا تفريط، هل يضمنان لمن أعطاهما بوجوههما أو لا؟
    طالب: نعم.
    (2/1761)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم، يضمنان؛ لأنهما أخذا هذا المال على أنه ملك لهما؛ عليهما غرمه، ولهما غنمه، وليس هذا من باب المضاربة أو من باب الأمانة وما أشبه ذلك هذا بيع وشراء، تم البيع والشراء على هذين الشريكين، فكانت الغرامة عليهما كما أن الغنيمة لهما.
    [شركة الأبدان]
    الرابع: (شركة الأبدان) هذه أيضًا ليس فيها مال، وقد يكون عند كل واحد منهما مال لكنهم لم يشتركا في المال، شركة الأبدان شركة في العمل؛ بأن يشتركا اثنان فيما يكتسبان بأبدانهما، وهذه لها عدة صور؛ منها ما قاله المؤلف: (الاحتشاش والاحتطاب وسائر المباحات).
    هذه الاحتشاش خرج الرجلان إلى البر ليأتي بالحشيش ويبيعانه في السوق، فقال أحدهما للآخر: نحن شركاء فيما نكتسب لا بأس، يشتركان ويذهبان، كل واحد في وادٍ، كل واحد أتى بوقر بدنه من الحشيش هما يشتركان؛ الملك على ما شرطاه والربح على ما شرطاه، والوضيعة على قدر المال. هذه واحدة.
    إذن هذه ليس فيها مال وإنما هو عمل، والفرق بينها وبين شركة الوجوه أن شركة الوجوه يأخذان المال من ثالث ويعملان بأبدانهم هذه، لا يأخذان من أحد مالًا، ولا يأتي أحدهما بمال، وإنما يشتركان في العمل الاحتشاش.
    (الاحتطاب) مثله؛ اشتركا في الحطب خرجا إلى البر ليأتي بحطب يبيعونه، فقالا: نحن شركاء، لا بأس يشتركان على حسب ما يتفقان عليه، تصح مؤجلة ومطلقة؛ يعني: يجوز أن يكون نحن اليوم شركاء، أو نحن هذا الشهر شركاء، أو نحن هذا الأسبوع شركاء، أو تطلق، ومتى شاءا فسخا.
    (والاحتطاب وسائر المباحات) من المباحات التقاط السمك، والجوهر، وما أشبه ذلك من البحر، هذه جائزة، وهي شركة أبدان، ومنها الاشتراك في جمع الكمأة، تعرفون الكمأة؟ الفقع، هذه أيضًا تنبت في البر، ويذهب الناس ويأخذونها ويبيعونها، يشتركان فيها.
    اشتراك أيضًا في الصيد؛ يعني: ذهبا إلى مكان يكثر فيه الصيد واشتركا، هذه أيضًا شركة أبدان، كل واحد منهما يصيد ما شاء الله. هذه واحدة.
    (2/1762)
    ________________________________________
    من الصور أيضًا الاشتراك في العمل؛ بمعنى أنهما كلاهما نجار مثلًا، أو أن أحدهما نجار، والثاني حداد، والثالث بنَّاء، فيشتركان، هذا أيضًا جائز، وتسمى شركة أبدان.
    وهذه تقع أحيانا مع اتفاق الصنائع؛ كأن يشتركا نجاران في ورشة لهما يعملان فيها، هذا جائز، وكذلك أن يشترك حدادان في ورشة حدادة ميكانيكيان في ورشة مكاين، وهلم جرًّا، هذا اشتراك في عمل صناعة، المادة ليست لهما، المادة لغيرهما، لكنهما يصنعانها يحولانها إلى شيء معين يصلحانها، وما أشبه ذلك، هذه أيضًا من شركة الأبدان.
    من شركة الأبدان أيضًا شركة الدلاليين؛ بأن يكون -مثلًا- هذا السوق فيه دلالون مشهورون بالحذق، فيشترك هؤلاء الدلالون في الدلالة، لا بأس أحدهما -مثلًا- يبيع الثياب، والثاني يبيع الأواني، والثالث يبيع الفرش، والرابع يبيع سلعًا أخرى؛ لا بأس، تسمى شركة الدلالين؛ لأنهم يشتركون في عمل بدني ليس عندهم مال، والمال ليس لهما أيضًا، وإنما هو لغيرهما ويأخذان عليه أجرة بالدلالة.
    الخلاصة أن شركة الأبدان شركة في عمل، ولها أنواع، قد تكون هذه الأنواع التي ذكرنا أو غيرها.
    (وإن مرض أحدهما فالكسب بينهما) هذه يقع فيها هذا العذر، إذا مرض أحدهما يقول المؤلف: (فالكسب بينهما) على أيش؟ على ما شرطاه؛ إذا كان النصف أو الربع أو الثلث، حسب ما شرطاه، مع أن هذا المريض لم يعمل، لكنه ترك العمل لعذر، هل لصاحبه في هذا الحال أن يفسخ الشركة؟ نعم، له ذلك؛ له أن يفسخ الشركة، وله أن يطالبه بمن يقوم مقامه، يقول: أنت الآن تركت العمل، خلي واحدًا يأتي بدلك.
    ولنفرض أنهما نجاران؛ مرض أحدهما ولم يأتِِ إلى العمل، فلصاحبه أن يقول له: ائتِ ببدلك يقوم بالعمل؛ لأن هذه شركة بدن، لا بد يشتركان الشريكان في العمل.
    (2/1763)
    ________________________________________
    وعُلِم من قوله: (إن مرض أحدهما فالكسب بينهما) أنه لو ترك العمل لغير عذر؛ لو تركه لغير عذر، إنسان ما يهتم بالأمور -كما يقول العوام عندنا تنبلي؛ تنبلي يعني: ما يهتم بالأمر- ولا يعمل تارة عليه يوم من الأيام في الصباح أفطر على أنه بيروح يشتغل مع صاحبه، قال: واللهِ اليوم فيه نوم، بدون عذر، يقول المؤلف: (الكسب بينهما)، ولكن هذا فيه نظر، فالصواب أن ما كسبه صاحبه في ذلك اليوم له يختص به صاحبه؛ لأن هذا ترك العمل بغير عذر.
    فإذا قال قائل: أليس يلزمه أن يطالبه بأن يقيم مقامه من يكون بدله؟
    قلنا: بلى، لكن ربما يستحي الإنسان؛ ربما يظن أنه ترك العمل لعذر فيخجل أن يذهب إليه، يقول: تعال؛ فلذلك القول الراجح في هذه المسألة أنه إذا ترك العمل لغير عذر فإنه لا يستحق كسب ذلك الزمن الذي ترك فيه العمل بلا عذر.
    إذن إذا مرض أحدهما، وإن شئت فقل: إذا ترك العمل لعذر، سواء كان العذر مرضًا أو خوفًا أو أمطارًا غزيرةً لم يستطع معها الحضور، أو غير ذلك من الأشياء؛ فإنه إذا تركه لعذر فالكسب بينهما، حتى في اليوم الذي لم يعمل فيه، أما لغير عذر فالصواب ما دلَّ عليه كلام المؤلف أنه ليس له شيء من كسب اليوم الذي تخلف فيه.
    والمذهب أنه له الكسب؛ أنه يشارك صاحبه وإن تخلف لغير عذر، وعللوا ذلك بأنه يمكن الشريك أن يطالبه بأن يقيم مقامه، وما دام يقيم ليش ما طالب؟
    لكن هذا فيه نظر، والصواب أنه إذا كان لغير عذر فالكسب لصاحبه؛ لأنه انفرد به.
    قال: (وإن طالبه الصحيح) يعني: الذي لم يمرض، (أَنْ يُقِيمَ مَقامه) أو مُقامَهُ؟
    طلبة: مقامه.
    الشيخ: إذا كانت رباعية فهي بضم أوله، وإن كانت ثلاثية فهي بالفتح، هذه القاعدة، فتقول: قام مَقامه، قام مَقام ولَّا قام مُقام؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: إي نعم؛ لأنه ثلاثي، أقام مُقامه زيدًا.
    طالب: أقام مُقامه.
    الشيخ: أقام مُقامه؛ لأنه رباعي.
    طالب: ( ... )؟
    (2/1764)
    ________________________________________
    الشيخ: قلنا: إذا رباعيًّا فضُمَّ أوله، وإذا كان ثلاثيًّا فافتحْ أوله، فتقول: قام الرجل مَقام صاحبه، صح؟
    طلبة: نعم.
    طلبة آخرون: لا.
    الشيخ: فكروا يا جماعة، قام الرجل مَقام صاحبه، طيب إذا كان رباعيًّا ضم أوله، تقول: أقام الرجل غيره؟
    طلبة: مُقامه.
    الشيخ: مُقامه، ما تقول: مَقامه، طيب إذن المعنى (وإن طالبه الصحيح أن يقيم) أيش؟
    طلبة: مُقامه.
    الشيخ: (مقامه لزمه).
    تركنا جملة في شركة الأبدان يقول: (الشركة فيما يكتسبان بأبدانهما فما تقبله أحدهما من عمل يلزمهما فعله) (فما تقبله أحدهما) (ما) هذه شرطية، و (تقبل) فعل الشرط، و (يلزم) جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه يجوز أن يكونا مضارعيين، أو يكونا ماضيين، أو يكونا مختلفين؛ إن قام زيد قام عمرو، إن يقم زيد يقم عمرو، طيب إن قام زيد يقم عمرو؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: إن يقم زيد قام عمرو، مختلفان المعنى، مختلفان أو لا؟
    (فما تقبله أحدهما من عمل يلزمْهما فعله) مختلفان؛ (تقبل) فعل الشرط، (يلزمهما) جواب الشرط؛ ولهذا قلنا: إنه مجزوم وليس مرفوعًا؛ لأنك لو رفعته قلت: يلزمُهما، اختلف المعنى؛ إذ تكون الجملة صفة لـ (عمل)، ويختلف المعنى، معنى العبارة أن أي عمل يتقبله أحدهما فإنه يلزم الجميع، ومعنى يتقبل؛ أي: يلتزم به؛ يعني: فما التزم به أحدهما من عمل لزم الجميع، وهذا مع اتفاق الصنائع واضح؛ يعني -مثلًا- اشترك اثنان في النجارة فجاء شخص وقال لأحدهما: اصنع لي بابًا، قال: لا بأس، أصنع الباب، هنا لو أن الذي اتفق معه لم يصنع الباب أيش العمل؟
    طلبة: يلزم الثاني.
    الشيخ: يلزم الثاني، اصنع الباب؛ لأنكما شريكان متضامنان، فما تقبله أحدكما لزم الآخر.
    طيب مع اختلاف الصنائع؛ مثل أحدهما خشاب والثاني حداد، التزم الخشاب أن يصنع بابًا من خشب، هل يلزم الحداد؟
    طلبة: لا يلزم.
    الشيخ: يا جماعة، كلام المؤلف، لا تجيبوني على ما جاء أفهامكم، على كلام المؤلف.
    طلبة: يلزم.
    (2/1765)
    ________________________________________
    الشيخ: يلزم؛ لأنهما شركاء، فيقال للحداد: اصنع باب الخشب لنا، يقول: واللهِ أنا ما خشاب، ما أعرف أستأجر من يصنعه؛ لأنك ملتزم بما التزم به شريكه، فيلزمه.
    وكذلك بالعكس؛ لو جاء إنسان إلى الحداد قال: اصنع لي خشبًا، فالتزم، يلزم صاحبه، فعلى كل حال ما تقبله أحدهما من عمل لزم الآخر؛ لأنهما شريكان، كل واحد ملتزم بما التزم به الآخر.
    الخامس: شركة المفاوضة، المفاوضة في الحقيقة شركة عامة لجميع أنواع الشركات السابقة، الشركات السابقة كم هي؟
    طلبة: أربعة.
    الشيخ: أربعة، العِنان، المضاربة، الوجوه، الأبدان.
    شركة المفاوضة أن يشتركا في جميع أنواع الشركات، يفوض كل واحد منهما للآخر كل نوع من أنواع الشركة؛ مضاربة، عنان، أبدان، وجوه، عامة، وهذه عليها عمل كثير من الناس اليوم، أكثر الشركات اليوم على هذا؛ تجد الشركاء -مثلًا- كل واحد منهم يبيع بمؤجل، ويضارب، ويسافر بالمال، ويقرض المال؛ يعني: كل شيء، هذه اختلف فيها العلماء؛ الفقهاء رحمهم الله؛ فمنهم من أجازها، ومنهم من منعها ..
    الخامسُ (شَرِكَةُ المفاوَضَةِ) أن يُفَوِّضَ كلٌّ منهما إلى صاحبِه كلَّ تَصَرُّفٍ ماليٍّ وبَدَنِيٍّ من أنواعِ الشَّرِكَةِ، والربحُ على ما شَرَطَاه، والوَضيعةُ بقَدْرِ المالِ، فإن أَدْخَلَا فيها كَسْبًا أو غَرامةً نادِرَيْنِ أو ما يَلْزَمُ أحدَهما من ضَمانِ غَصْبٍ أو نحوِه فَسَدَتْ.
    (باب المساقاة)
    (2/1766)
    ________________________________________
    تَصِحُّ على شَجَرٍ له ثَمَرٌ يُؤْكَلُ، وعلى ثَمَرَةٍ موجودةٍ، وعلى شَجَرٍ يَغْرِسُه ويعملُ عليه حتى يُثْمِرَ بجُزْءٍ من الثمرةِ، وهو عَقْدٌ جائزٌ، فإن فَسَخَ المالِكُ قبلَ ظُهورِ الثمرةِ فللعاملِ الأُجْرَةُ، وإن فَسَخَها فلا شيءَ له، ويَلزَمُ العاملَ كلُّ ما فيه صلاحُ الثمرةِ من حَرْثٍ وسَقْيٍ وزبارٍ وتَلقيحٍ وتشميسٍ وإصلاحِ مَوضِعِه وطُرُقِ الماءِ وحَصادٍ ونحوِه، وعلى ربِّ المالِ ما يُصْلِحُه كسَدِّ حائطٍ وإجراءِ الأنهارِ والدُّولَابِ ونحوِه.
    الأبدان.
    [شركة المفاوضة]
    شركة المفاوضة أن يشتركَا في جميع أنواع الشركة، يُفَوِّض كل واحد منهما للآخر كلَّ نوع من أنواع الشركة؛ مضاربة، عِنان، أبدان، وجوه، عامة.
    وهذه عليها عمل كثير من الناس اليوم، أكثر الشركات اليوم على هذا، تجد الشركاء مثلًا كل واحد منهم يبيع بمؤجَّل، ويضارب ويسافر بالمال، ويُقْرِض المال، يعني كل شيء.
    هذه اختلف فيها الفقهاء -رحمهم الله-، فمنهم مَن أجازها، ومنهم من منعها؛ أما مَن منعها فقال: إننا لو أَجَزْنَا هذه الشركة، هذه الشركة واسعة لا يمكن الإحاطة بها، فهي مفاوَضة قد تؤدي إلى الفوضى؛ لأن فيها كل شيء، يعني أحدهما ضارَب، والثاني شارَك في بدن، والثالث شارَك في وجوه، والرابع شارَك في عِنان.
    يقول: ما فيه مانع، كل أنواع الشركة تدخل في هذا العقد عقد مفاوضة.
    ولكن القول الراجح أنها جائزة؛ لأنها لم تَعْدُ أن تجمع بين متفرِّق، أصل المضاربة وحدها؟ أجيبوا يا جماعة.
    طلبة: جائزة.
    الشيخ: والعِنان وحده؟
    الطلبة: جائزة.
    الشيخ: والوجوه؟
    الطلبة: جائزة.
    الشيخ: والأبدان؟
    الطلبة: جائزة.
    (2/1767)
    ________________________________________
    الشيخ: إذن هذه لم تَعْدُ إلا أنها جمعت بين هذا، وما جاز أفرادًا جاز جمعًا، فالصواب هو ما ذهب إليه الحنابلة -رحمهم الله- أنها جائزة، والحاجة تدعو إليها، وعمل الناس اليوم على هذا، كثير من الشركاء، التجار الكِبَار شركتهم مفاوضة، تجد أحدهم مثلًا في المدينة، والثاني في مكة، هذا يعطي مضارَبة، ويعطي قرضًا، وربما أيضًا يتبرع أحيانًا بالشيء الذي ليس بكبير، وأخوه يُجِيزُه، فالصواب أنها جائزة.
    ولذلك يقول المؤلف: (أن يفوِّض كل منهما إلى صاحبه كلَّ تصرف مالي أو بدني من أنواع الشركة)، إذن أنواع الشركة ما هي؟ كم؟
    الطلبة: أربعة.
    الشيخ: أربعة، الخامس: المفاوضة جامعة تجمع الأنواع الأربعة.
    يقول: أنت مفوض، نحن شركاء؛ إن شئت شارِك غيرك شركة عِنان، وأنا على طريقك، إن شئت شارِك شركة مضاربة، إن شئت شارِك شركة وجوه، إن شئت شارِك شركة أبدان، لكن المفاوضة بيننا، وكذلك صاحبه يعمل مثل عمله.
    فالمهم أن شركة المفاوضة يا إخوان جامعة لجميع أنواع الشركة، والعلماء مختلفون فيها؛ فمنهم مَن منعها لكثرة الغَرَر والفوضى فيها، ومنهم مَن أجازها وقال: إنها لا تَعْدُو أن تكون جمعًا لأفراد، ما دام يجوز كل فرد فليكن الجميع جائزًا أيضًا.
    قوله: (من أنواع الشركة)، ما هي أنواع الشركة؟
    طالب: الأربعة السابقة.
    الشيخ: الأربعة السابقة.
    (والربح على ما شَرَطَاه)، يعني: إذا قال أحدهما للآخر: لك الربع ولي ثلاثة أرباع، وقَبِلَ، جائز؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: ثلثان وثلث؟
    الطلبة: جائز.
    الشيخ: نصف؟
    الطلبة: جائز.
    (2/1768)
    ________________________________________
    الشيخ: إذا قال قائل: كيف تجعلون الربح على ما شَرَطَاه والمال قد يختلف؟ قلنا: لأن الربح مبناه على أيش؟ على العمل والحذق، وقد يكون أحدهما أحذق من الآخر، وأقوى عملًا، بل ربما يكون عند الناس أيضًا أوثق؛ لذلك تجد مثلًا إنسانًا يجيء يعرض عليك سلعة يقول قيمتها بعشرة، تتردد هل قيمته عشرة أو لا؟ تتردد، يجيئك إنسان تعرف أنه دلّال حاذق عارف بالأسعار، يقول: قيمته اثنا عشر، تتردد أو لا؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: ليش؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لأنك تعرف أن هذا حاذق ويعرف الأسعار، وذاك ليس حاذقًا ولا يعرف الأسعار، تخشى أنه قال: بعشرة، وهي لا تساوي إلا ثمانية.
    فالمهم أن العلماء رحمهم الله جعلوا الربح على ما شَرَطَاه؛ لأنه يختلف باختلاف العامل حِذقًا وعلمًا ونشاطًا وما أشبه ذلك، الوضيعة بأيش؟
    طالب: بقدر المال.
    الشيخ: بقدر المال، وهذه قاعدة اعرفوها؛ الوضيعة بقدر المال في جميع أنواع الشركة؛ لأنه لا يمكن أن نُلْزِم أحدهما غُرْمَ صاحبه؛ لأنك لو قلت: إن الوضيعة على ما شَرَطَاه، وكان المال مختلفًا، لزم من ذلك أن نلزم أحدهما بأيش؟ بغُرْم، على مَن؟ على صاحبه، أما الغُنْم فالإنسان كاسب على كل حال، حتى لو نقص غُنْمه عن غُنْم ماله فلا بأس، كلام عربي ولَّا عجمي؟
    طالب: عربي.
    الشيخ: الربح قلنا: على ما شَرَطَاه، يجوز كل واحد منهم يبذل عشرة آلاف ويكون الربح ثلاثة أرباع، يجوز ولَّا لا؟
    طالب: يجوز.
    الشيخ: الوضيعة إذا كان كل واحد أتى بعشرة آلاف لا يمكن أن تكون الخسارة على هذا ثلثين وعلى الآخر ثلثًا، لماذا؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: كما قلت لكم؛ لأنَّا حمَّلنا غُرْم أحدهما على مال الآخر، وهذا لا يجوز، هذا حَيْف وجَوْر، (فالوضيعة على قدر المال، فإن أدخل فيها كسبًا أو غرامة نادِرَيْن أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو نحوه فسدت)، إن أدخل فيها كَسْبًا نادرًا كالرِّكَاز مثلًا، الرِّكَاز كَسْب ولَّا لا؟
    طالب: كَسْب.
    الشيخ: لكنه؟
    (2/1769)
    ________________________________________
    طالب: نادر.
    الشيخ: نادر، متى يجد الإنسان رِكَازًا؟ نادر، لُقَطَة؟
    طالب: نادر.
    الشيخ: نعم نادر، ولَّا غير نادر؟ هذا من النوادر، متى تجد لقطة؟ ! ثم إذا وجدتها متى تعدم صاحبها! ربما تنشد عليها ثم أيش؟ ثم يأتي صاحبها فلا تكسب، هذه من المكاسب النادرة إذا أدخل في هذه الشركة المفاوضة، قال: حتى ما نجده من لقطة وما نطلع عليه من رِكَاز فهو بيننا.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: نعم، غير صحيح رِكَاز أو لُقَطَة فهو داخل في الشركة، يقول المؤلف: الشركة لا تصح، ليش؟
    طالب: لأننا ( ... ).
    الشيخ: لأنهما أدخلَا فيها كسبًا نادرًا، كذلك أيضًا كسبًا نادرًا، أو غرامة نادِرَيْن، الغرامة النادرة كالجناية، الجناية إنسان جنى على شخص خطأ، ولزمته دية ما جنى، هذا أيش؟ حكمه على مَن؟
    طالب: على الجاني.
    الشيخ: على الجاني، لكن لو أدخلَاها ضمن الشركة لم يصح؛ لأن هذا شيء نادر، أما خسارة المال أو ربح المال فهو ضمن الشركة؛ لأنه ليس بنادر، لو أدخلَا فيها ميراثًا، أحدهما مات قريبه وكسب من ورائه ألف مليون ريال، وقال: ندخله بالشركة، يدخل أو لا يدخل؟
    طلبة: لا يدخل.
    الشيخ: ليش؟
    طلبة: لأنه نادر.
    الشيخ: هذا من النادر، ولا علاقة له أيضًا بعمل الشريك، الهبة؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: الهبة؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: ترى ما يوهب لك ترى داخل في الشركة، هذا نادر، يقولون: ما يصح، يُفْسِد الشركة، لكن لو قال قائل: النوادر قسمان: قسم لا أثر للإنسان فيه، فهذا نعم لا يدخل في الشركة؛ كالميراث، قسم آخر من عمل الإنسان كالهبة مثلًا، الهبة لو شاء الإنسان لم يقبلها، فإذا قبلها صار هذا نوعًا من الكسب، وكونه نادرًا لا يمنع أن يدخل في الشركة.
    إذا كان يقول: أنا راضٍ أنه إذا وُهِبَت لي هبة أن أُدْخِلها في الشركة، أنا راضٍ بهذا، يقولون –الفقهاء-: لا؛ لأن هذا فيه نوع جهالة وغَرَر؛ إذ إنه ليس شيئًا مطَّردًا معروفًا، هذا شيء أيش؟ نادر، كيف يدخل في الشركة!
    (2/1770)
    ________________________________________
    ولكني أقول: إذا قال الكاسب الذي كسب النادر سواءً بفعله أو بغير فعله، إذا قال: أنا أدخله في الشركة وأجعله تبرُّعًا مني لصاحبي، نقول: يجوز، لكن هذا متى يجوز؟ في عقد الشركة يجوز إذا وقع، إذا وقع لا بأس، لا نردك أن تتبرع لأخيك، لكن تجعله في ضمن العقد لا، فإذا قال: أنا راضٍ في ضمن العقد أجعله، قلنا: ربما ترضى اليوم، ولكن إذا جاءت الدريهمات ما رضيت فتندم.
    لهذا نقول: الشركة تكون فاسدة إذا أدخل فيها كسبًا نادرًا، أو غرامة نادِرَيْن؛ كالدية مثلًا.
    (أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب) -والله مُشْكِل هذا- قال: شوف، نحن شركاء؛ شركاء مفاوضة، لكن ما لزم أحدنا من ضمان غصب فهو على الشريك، قال: ما فيه مانع، اتفق على هذا.
    يقول المؤلف: الشركة تكون فاسدة، وصدق رحمه الله ما فيه شك؛ لأن الشركة تكون فاسدة؛ لأنه ربما يكون هذا الشريك يغير على الناس، ويغصب مالهم، يقول: الحمد لله، كما يقول بعض السفهاء: أنا أسير سيرًا جنونيًّا، والدية موجودة في التابلوه، فيه بعض السفهاء يقول كذا، يقول: الحمد لله الدية موجودة، فإذا قال هذا، إذا أدخل في الشركة أن ما يلزم أحدهما من ضمان الغصب والإتلافات وما أشبهها فهو على الشركة تكون الشركة فاسدة، لماذا؟ لأنه يترتب على ذلك أن يتعدى أحدهما على حقوق الناس بالغصب والسرقة والتكسير والإحراق وغير ذلك، ويقول أيش؟ على الشركة، وهذا لا شك أنه ضرر عظيم.
    إذن شركة المفاوضة ما كان من ربح المال أو من عملهما فهو داخل في الشركة معلوم، والخسارة ما كان من تصرف أحدهما في المال بغير عدوان منه ولكن لمصلحة المال، ثم تبين أن الصواب في خلاف العمل هذا، فهو على الشركة؛ لأن ذلك لمصلحتها، وليس كل إنسان يجتهد يكون مصيبًا، وبهذا انتهى باب الشركة.
    طالب: ما فهمت شركة المفاوضة، يعني أولًا قلنا: إنها تدخل في جميع الشركات، كيف ذلك؟
    (2/1771)
    ________________________________________
    الشيخ: أنا أقول مثلًا: أنا عندي مال، وأنا مثلًا نجّار أعمل بمالي وأحصّل ولَّا لا؟ وأنت كذلك عندك مال، وحدَّاد تعمل بمالك وتحصِّل، فباعتبار مَالَيْنَا شركة أيش؟
    طالب: أموال.
    الشيخ: إي، لكن شركة أيش؟ عِنان، وباعتبار عملنا؟
    طالب: أبدان.
    الشيخ: شركة أبدان، باعتبار ما نأخذه من الناس بدون تسليم قيمة؟
    طالب: وجوه.
    الشيخ: وجوه، ويش بقي علينا؟ مضاربة باعتبار أني أنا مثلًا أستطيع أن أعطي مالي لشخص يعمل فيه مضاربة في جزء من الربح، هذه مضاربة، أنت كذلك تستطيع أن تفعل هذا، فهي جمعت الآن؟
    الطالب: جميع أنواع الشركة.
    الشيخ: جميع أنواع الشركات، قد يقول قائل منكم -وله أن يقول-: ما هو الدليل على هذا التقسيم من حيث التنويع، وما هو الدليل على هذا التقسيم من حيث التصحيح والفساد؟
    هذا سؤال وارد، نقول: أما من حيث التقسيم والتنويع فلا مشاحة في الاصطلاح، ما دمنا لم نخرج عن حدود الشرع لا مشاحة، أنا أستطيع أقسم هذا الشيء إلى أربعة أقسام وإلى خمسة أقسام ما دام أنه في إطار الشرع، أما مسألة التصحيح والتفسيد أو الصحة والفساد فما هو الأصل في المعاملات؟
    طلبة: الحِلّ.
    الشيخ: الحِلّ والصحة، فنحن أخذنا بذلك وقلنا: كل هذه الأنواع جائزة بناء على الأصل؛ أن الأصل في المعاملات الحِلّ، وهذه قاعدة اعرفوها، أي واحد يقول لك: هذه المعاملة حرام مما حدث أخيرًا في المعاملات، ومما يحدث ومما سبق ومما حضر، قل له: هات الدليل على المنع.
    والمنع في المعاملات ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- في القواعد النورانية أنه يعود إلى ثلاثة أشياء: الظلم والربا والغَرَر، كل ما فسد من البيوع والإجارات وغيرها تجده لا يخرج عن هذه الثلاث؛ إما ظلم، وإما غَرَر، وإما ربا، هذا الجواب.
    (2/1772)
    ________________________________________
    أما مثلًا أن بعضه صحيح وبعضه فاسد فهذا يرجع إلى تطبيق هذا الحكم على قواعد الشريعة، ما خالف قواعد الشريعة فهو فاسد، وما لم يخالفه فهو صحيح، أو نقول: ما وافقه، التعبير أيّ أدق؟ ما خالف قواعد الشريعة فهو باطل، وما وافقه فهو صحيح، أو نقول: وما لم يخالفه فهو صحيح؟
    طلبة: ( ... ).
    طالب آخر: ما لم يخالفها فهو صحيح.
    الشيخ: يلّا أيها الفرسان؟ ثلاث عبارات: ما خالف القواعد الشرعية فهو باطل، ما وافق القواعد الشرعية فهو صحيح، ما لم يوافق فهو فاسد، ما خالف فهو فاسد، ماذا نقول؟
    طالب: ما وافق يا شيخ.
    الشيخ: نقول: ما لم يخالف فهو صحيح، فالصحيح من المعاملات هو ما لم يخالف الشريعة، هذا الصحيح.
    طالب: شيخ، إذا أدخل فيها كسبًا ( ... ) لماذا لا نقول هنا: إنه يبطل الشرط فقط، لا سيما وإن كان مضى على ( ... ) سنة.
    الشيخ: نعم لا شك، وهذا غَرَرَ وجهالة عظيمة، فيكون فيها جَوْر وحَيْف، إن كان كسبًا نادرًا فهي على الكاسب حَيْف وضرر، وإن كانت الغرامة النادرة فهي على الثاني.
    طالب: قسمة المال إذا كان مضت على الشركة سنة؟
    الشيخ: ما يصح، أصل الشركة ما صحت، يقال: كل واحد منكما له كسب ماله، وله إن كان قد عمل بمال صاحبه له أجرة.
    طالب: بارك الله فيكم، ما الفرق بين ( ... ) والوضيعة على قدر المال، وفي شركة المفاوضة، والوضيعة بقدر المال.
    الشيخ: لا فرق.
    طالب: قلنا: إن القاعدة أن الوضيعة تكون بقدر المال إذا رضي الثاني أن تكون الخسارة عليه لسبب من الأسباب، كأن يكون مثلًا شريكه لا يقبل أن ..
    (2/1773)
    ________________________________________
    الشيخ: قلنا: الذي لا يصح اشتراطه في العقد لا بأس أن يتبرع به فيما بعد ما فيه مانع، ما ذكرنا هذا يا جماعة؟ ذكرناه بارك الله فيكم، قلنا: هذا لا يدخل في الشروط، وإذا حصلت خسارة فليتبرع بما شاء، كذلك قلنا: الكسب النادر لا يدخل في الشروط، لكن إذا كسب أحدهما كسبًا نادرًا، وقال: أنا بدي أدخله في الشركة، وأنا سامح، فلا بأس، يعني: فرق بين أن يكون شرطًا في العقد، وبين أن يتبرع به الإنسان بعد وقوعه.
    طالب: شيخ، قلنا: ما قَبِلَه أحدهما يلزم الثاني.
    الشيخ: نعم، يلزم صاحبه فعله.
    الطالب: إي نعم، النجّار والحدّاد مثلًا، إذا لم يقم مثلًا النجار بعمله الحداد لا يستطيع أن يعمل مثل ما يعمله النجار.
    الشيخ: ما قلنا ها المسألة دي؟ ذكرناها، إذن هذا الجواب، إذن أنت مقلِّد الآن، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون} [النحل: 43]، الإخوان ذاكرون ماذا قلنا؟
    طلبة: يستأجر.
    الشيخ: يستأجر الحداد مَن ينجر الباب الذي اتفق الرجل مع صاحبه.
    الطالب: إذا لم يكن له ( ... )؟
    الشيخ: عنده ورشة، كيف ما عنده مال؟
    طالب: مراجعة.
    الشيخ: مراجعة الآن في الشركة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، الشركة تنقسم إلى قسمين؟
    طالب: شركة الاستحقاق وشركة عقود.
    الشيخ: اجتماع في استحقاق أو تصرف، بماذا تسمى الأولى؟
    طالب: أملاك.
    الشيخ: شركة أملاك، والثانية؟ شركة عقود، المؤلف -رحمه الله- تكلم على أي القسمين؟
    طالب: القسم الثاني: شركة التصرف، التصرف لا شك ..
    الشيخ: الاجتماع يعني شركة العقود، وهي الاجتماع في التصرف، هل في القرآن والسنة ما يدل على ثبوت أصل الشركة، أصل المشاركة يعني؟ مَن يعرف؟
    طالب: قوله تعالى ( ... ).
    الشيخ: هذه شركة استحقاق، إي نعم.
    طالب: قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19].
    (2/1774)
    ________________________________________
    الشيخ: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ}.
    طالب: ( ... ) العقود.
    الشيخ: ويش وجهه؟
    طالب: قوله تعالى: {بِوَرِقِكُمْ}.
    الشيخ: {بِوَرِقِكُمْ}، ظاهره أنهم مشتركون فيها، ألا يمكن أن يكون شركة استحقاق بأن يكونوا وارثين لميت قريب لهم؟
    طالب: ما يمكن يا شيخ.
    الشيخ: عجيب! يمكن، أليسوا سبعة وثامنهم كلبهم؟ ما يمكن يكون واحد مات عنده سبعة أولاد؟
    طالب: لا؛ لأن القرآن قص القصة كاملة ما ( ... ).
    الشيخ: يا جماعة، نراه إنه يمكن.
    طالب: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24] ولم ينكر مسألة المخالطة.
    الشيخ: ألا يمكن أن يكون الخلطاء في الملك؟
    الطالب: بلى.
    الشيخ: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [الروم: 28]، وهذا إثبات لأصل شركة العقود؛ لأن الرقيق لا يمكن أن يشارك سيده في استحقاق، هل للشركة أصل بالسُّنّة؟
    طالب: عن السائب بن أبي السائب كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة. (1)
    الشيخ: نعم، وغيره.
    طالب: حديث ابن مسعود قال: اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر، قال: فجاء سعد بأَسِيرَيْنِ ولم أَجِئْ أنا وعمار بشيء. (2)
    الشيخ: قال الله تعالى ..
    طالب: قول الله في الحديث القدسي: «أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ».
    الشيخ: قوله تعالى: «أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ». (3)
    إذن ثبتت الشركة أصلًا في الكتاب والسنة، هل أيضًا تثبت بالنظر الصحيح؟
    طالب: نعم تثبت بالنظر الصحيح.
    الشيخ: قل كيف ذلك؟
    الطالب: لما فيها من المصلحة.
    (2/1775)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم؛ لأن الإنسان قد يكون عنده مال ولا يستطيع العمل، فيحتاج للمضاربة، وقد يكون ماله قليلًا فيحتاج إلى مَن يشاركه شركة عِنان؛ يُجْمَع المالان جميعًا ثم يُشْتَرَى بهم سلعة كبيرة.
    ما الفرق بين شركة الوجوه وشركة الأبدان؟
    طالب: شركة الأبدان أن يعملَا ببدنيهما.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: وشركة الوجوه أن يشترِيَا بجاهَيْهِمَا، أي أن يتاجرَا بجاهَيْهِمَا، والفرق بين الأبدان أنه ليس فيه مال.
    الشيخ: نعم.
    طالب: أما في الوجوه ففيه مال.
    الشيخ: تمام، شركة الوجوه فيها مال، لكن يأخذان من غيرهما، شركة الأبدان عمل يكتسبان به، هل تصح شركة الأبدان مع اختلاف الصنعة؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: مثل؟
    الطالب: مثل أن يكون أحدهما نجارًا والثاني حدادًا.
    الشيخ: مثل أن يكون أحدهما نجارًا والثاني حدادًا، المؤلف يقول: (ما تَقَبَّلَه أحدهما من عمل يلزمهما فعله)، فإذا تَقَبَّل صاحب الحدادة عملًا خشبيًّا يلزم أن يفعله؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: ويقول: أنا حداد.
    طالب: يلزمه.
    الشيخ: يلزمه، أيش بتشير، يعني التأشير هنا للمخالفة ولَّا الموافقة؟
    طالب: لا، موافقة يا شيخ.
    الشيخ: إذا قال الحداد: أنا لا أعرف؟
    طالب: يستأجر أحدًا يعرف في الصناعة ..
    الشيخ: إي، يستأجر أحدًا، اشترك رجلان في الاحتشاش؛ خرجَا إلى البَرّ يحُشَّان، أحدهما أتى بخمسين كيلو، والثاني أتى بمئة كيلو.
    طالب: يصح.
    الشيخ: يصح؟ وكذا يكونَان شريكين؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: واحد جاب مئة كيلو وواحد خمسين.
    الطالب: ولو يا شيخ؛ لأن عقد الشركة يقتضي ذلك.
    الشيخ: إي نعم، المساواة.
    الطالب: على حسب ما اتفقَا به.
    الشيخ: حسب ما اتفقَا عليه، قال: بيننا ما حصل فهو بيننا نصفين.
    الطالب: يكون بالنصف.
    الشيخ: يجوز؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: توافقونه؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: نعم، أعطى رجلًا آخر مالًا مضاربة، وقال: الربح بيننا نصفين، والخسارة بيننا نصفين.
    طالب: لا يصح إذا كان المالان غير متساوِيَيْنِ.
    (2/1776)
    ________________________________________
    الشيخ: بارك الله فيك، مضاربة، أنا قلت: مضاربة ولَّا لا؟
    الطلبة: نعم.
    طالب آخر: لا، ما يصح.
    الشيخ: مضاربة، هو فيه مالان في المضاربة، مال واحد ولَّا لا؟ رجل أعطى شخصًا مئة ألف ريال يتَّجر بها، وقال: الربح بيننا أنصافًا والخسارة بيننا أنصافًا.
    طالب: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح، لماذا؟
    الطالب: لأن الوضيعة على قدر المال.
    الشيخ: على قدر المال! ما فيه قدر المال! إذا قلنا: قدر المال، معناه أن كل واحد جاب شيئًا.
    الطالب: الوضيعة تكون على الربح كله حتى إذا استُنفِذ من بعد حينئذ تذهب ..
    الشيخ: الوضيعة، إذا قيل: وضيعة لا بد يكون فيها نقص عن أصل المال.
    الطالب: إذا ذهب الربح كله واستُوْفِي أو استُغْرِق في الوضيعة أُخِذ من رأس المال، وإلا فإن رأس المال محفوف بالربا.
    الشيخ: أنت عرضت شيئًا لكن ما عرفت تعبر عنه.
    طالب: الوضيعة على قدر الملك، والربح على قدر الشرط.
    الشيخ: إي، ما يخالف، صح، لكن هنا ما عندنا إلا ملك واحد.
    الطالب: فإن الوضيعة على المال.
    الشيخ: صاحب المال، هذا الذي تريد؟ على صاحب المال.
    الطالب: على صاحب المال إن لم يكن ( ... ) الربح.
    الشيخ: إذا قلنا: خسارة، معناه ما فيه ربح، تكون على صاحب المال.
    الطالب: إي نعم، هذا الذي أريد.
    الشيخ: هكذا، توافقون على ذلك؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: لأنه لا يمكن أن تكون الوضيعة على العامل، فيخسر خسارة مالية وخسارة عملية، لكن على رب المال ما خسر عمليًّا، نقول: هذا العامل يكفي أنه خسر خسارة عملية.
    اشترك اثنان شركة مفاوضة، واشترطَا أن ما لزم أحدهما من غصب فعليه.
    طالب: لا يصح.
    الشيخ: ليش؟
    الطالب: أفسد الشركة؛ لأنه غَرَر.
    الشيخ: لأن الغَرَر فيه ..
    طالب: كثير.
    الشيخ: كثير، فلا تصح الشركة، لو حصل الغصب وشارَكَه شريكه في تحمُّله بدون شرط؟
    طالب: يجوز.
    الشيخ: يجوز بدون شرط، توافقون على هذا؟
    طالب: إذا تبرَّع معه.
    الشيخ: بدون شرط، توافقون على هذا؟
    طلبة: نعم.
    (2/1777)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم، إذن نقول: إذا تحمَّل أحدهما ضمان الغصب فإن كان مشروطًا في العقد فسد العقد، وإن لم يكن مشروطًا ولكن صاحبه تحمَّله بعدُ نعم فلا بأس؛ لأن هناك فرقًا بين الشرط وبين ما يقع بعد ذلك، الظاهر إن شاء الله أن المهم من هذا أخذناه.

    ***

    [باب المساقاة]
    نقرأ درسًا جديدًا.
    (باب المساقاة) المساقاة: أصلها مساقْيَة، لكن تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقُلِبَت ألفًا، إذا تحركت الياء وانفتح ما قبلها تُقْلَب ألفًا، فهذه مساقَيَة، فيقال: مساقَاة، فهي مفاعَلة، والمفاعَلة لا تكون غالبًا إلا من طرفَيْن.
    وقولنا: لا تكون غالبًا، من غير الغالب: سافَر يسافر أيش؟ مسافَرة، هل معه أحد في الغالب في السفر؟ لا، لكن الغالب أن المفاعَلة لا تكون إلا بين اثنين.
    إذن المساقاة أنها عقد بين طرفين، وهي أن يدفع شجرًا لمن يقوم عليه بجزء من ثمره، وهي جائزة بالسنة، وجائزة بالنظر الصحيح.
    أما السنة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما فتح خيبر طلب منه أهلها أن يعاملهم، وقالوا: نحن نكفيكم المؤونة ولنا شطر الثمرة؛ لأنهم -أي: أهل خيبر- كانوا عالِمِين بالفِلَاحة، والصحابة رضي الله عنهم كانوا مشتغلين بالجهاد عن العمل في هذه المزارع، فعامَلَهُم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع (4)، بشطر يعني: نصف.
    إذن السُّنَّة دلَّت على جوازها، النظر الصحيح كذلك يدل على الجواز؛ لأنها من المصلحة، قد يكون الإنسان مالكًا لبساتين كثيرة لا يستطيع القيام بها، ويكون هناك أُناس عاطلون عن العمل يحتاجون إلى عمل، فإذا انضم كثرة البساتين عند هذا وحاجة العمال إلى العمل صار من المصلحة أن نجوِّز أيش؟ المساقاة، ونقول: ادفعها لهؤلاء العمال بجزء من الثمرة، فصارت المساقاة الآن على شجر ما هي على أرض، ولا على زرع، على شجر له ثمر.
    فهل هي من العقد الجائز -وأقول: جائز، من ناحية الحكم التكليفي- أو من المحرَّم؟
    طلبة: الأول.
    (2/1778)
    ________________________________________
    الشيخ: جائز، نعم، من العقود الجائزة، الدليل؟ إن شئنا قلنا: الدليل عدم الدليل؛ لأنها معاملة، والأصل في المعاملات الحِل، فإذا لم يكن دليل على التحريم فهي حلال، وإن شئنا قلنا: الدليل هو انتفاء الدليل المحرِّم، وثبوت الدليل المجوِّز، وذلك في معاملة أهل خيبر هذا من حيث الدليل الشرعي، وأن المصلحة تقتضيها، وهذا من حيث الدليل النظري.
    قال المؤلف: (تصح على شجر له ثمر يؤكَل)، (تصح) الفاعل: المساقاة.
    (على شجر)، أي: أن يعقد على شجر.
    (له ثمر يؤكَل)، فاشترط المؤلف في الشجر أن يكون له ثمر، واشترط في الثمر أن يكون مأكولًا.
    مثاله: النخل؛ النخل شجر له ثمر يؤكَل، أو لا يؤكل؟ يؤكل، العنب، برتقال، تفاح، برسيم؟
    الطلبة: لا.
    الشيخ: ليش؟
    طالب: ليس له ثمرة.
    الشيخ: لا، ليس شجرة، الشجر ما له ساق، هذه ما لها ساق، يعني ليس لها ساق، مع أن كلام الفقهاء في أن الشجر ما له ساق، فيه نظر؛ لأن الله أثبت الساق للزرع في قوله تعالى: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: 29]، المهم أن الزرع لا يدخل في هذا؛ لأنه ليس شجرًا.
    وقولنا: (له ثمر) احترازًا مما لا ثمر له، كشجر أيش؟
    طالب: الحنظل.
    الشيخ: الحنظل، السِّدْر؟
    الطلبة: له ثمر.
    الشيخ: له ثمر، السَّرْو؟ لا، ليس له ثمر.
    طالب: ما السَّرْو؟
    الشيخ: السَّرْو شجر كبير يرتفع، وهو قوي أيضًا تُتَّخَذ منه الأبواب، لكن ليس له ثمر.
    فِي شَجَرِ السَّرْوِ مِنْهُمُ مَثَلٌ
    لَهُ رُوَاءٌ وَمَا لَهُ ثَمَرُ

    لا يصح؛ لأنه لا ثمر له، الأَثْل؟
    طالب: ليس له ثمر.
    الشيخ: الأَثْل، له ثمر؟
    طالب: لا يا شيخ.
    الشيخ: لا إله إلا الله، يعني نحتاج نطلع للبَرّ نشوف، الأثل له ثمر، نعم له ثمر ما فيه إشكال، لكنه لا يؤكَل، والمؤلف يقول: (له ثمر يؤكَل)، فالأثل له ثمر لكن لا يؤكَل.
    طالب: ( ... ).
    (2/1779)
    ________________________________________
    الشيخ: أراه، انتهينا من السِّدْر، السِّدْر له ورق، على كل حال المثال يكفي بواحد؛ لأنا لسنا أهل بوادي، ولا نعرف الأشجار.
    إذن الأَثْل لا يصح، لا تصح المساقاة فيه، لماذا؟ لأن ثمره لا يؤكَل، هذه واحدة، ولأنه قليل الثمر أيضًا، هو يثمر لكن قليل جدًّا، فالتعب عليه ما يعطي ربحًا، هذا ظاهر كلام المؤلف.
    وقال بعض العلماء: إنه يجوز على شجر لا ثمر له إذا كانت أغصانه يُنْتَفَع بها، مثل أن تكون أغصانه تُقْطَع وتُجْعَل أبوابًا صغارًا مثلًا، أو ما أشبه ذلك، أو سِدْر يمكن أن يُنْتَفَع بأوراقه.
    وهذا القول هو الصحيح؛ لأن فيه فائدة للطرفَيْن، فما الفرق بين أن نقول: أغصان تُقْطَع وتُبَاع ويُنْتَفَع بها، أو نقول: ثمر يُجَذّ ويُؤكَل؟
    إذن الشروط على كلام المؤلف؛ أولًا: موضوع المساقاة هو الشجر، ويُشْتَرَط أن يكون له ثمر، وأن يكون ثمره يؤكَل.
    قال: (وعلى ثمرة موجودة) مثاله: رجل عنده نخل، أثمرت النخل، ولكنه تعب من سقيها وملاحظتها، فساقَى عليها شخصًا، قال: أنا أُساقيك على هذه الثمرة إلى أن تُجَذّ، لا بأس بذلك، فإن قال إنسان: هذا يعني بيع الثمرة قبل بُدُوّ صلاحها، نقول: هذا ليس ببيع، لكنه كالمؤاجَرة على سَقْيها وإصلاحها، والبيع يتخلى عنه البائع مرة نهائيًّا وينتقل ملكه إلى مَن؟ إلى المشتري، أما هذا لا ينتقل، وإنما هو كالأجير يقوم على هذه الثمرة حتى تنضج.
    (وعلى شجر يغرسه) يعني: وتصلح المساقاة على شجر لم يُغرَس بعد، يغرسه العامل، والشجر من رب الأرض، وهذه أيضًا الصورة الثالثة.
    الصورة الأولى: شجر قائم يساقِي عليه.
    الصورة الثانية: ثمر على شجر يساقِي عليه.
    (2/1780)
    ________________________________________
    الصورة الثالثة: شجر لم يُغْرَس بعد؛ إنما أتى رب المال بالأشجار وجمعها، وقال للفلاح العامل: ساقَيْتُك على هذه الأشجار تغرسها بجزء من ثمرتها، يجوز؛ لأن الأصل في المعاملات الجواز؛ ولأن هذا هو ظاهر فعل الرسول عليه الصلاة والسلام مع أهل خيبر (4)، فصارت الصور كم؟
    طالب: ثلاثة.
    الشيخ: ثلاثة.
    قال: (ويعمل عليه)، الضمير يعود على كل ما سبق، (حتى يثمر بجزء من الثمرة)، (يعمل عليه)، الفاعل مَن؟
    طالب: العامل.
    الشيخ: العامل، الفلاح، (حتى يثمر بجزء من الثمرة)، وسيأتي إن شاء الله ما الذي يلزمه، وما الذي يلزم رب الأصل.
    (بجزء من الثمرة)، ويُشْتَرَط أن يكون الجزء معلومًا مشاعًا، وهذه مَرَّ علينا في أي مكان؟ في الشركة، لا بد أن يكون جزءًا مشاعًا معلومًا، مثل: رُبع، نصف، ثُلُث، ثُمُن، عُشْر، حسب ما يتفقان عليه، فإن كان غير معلوم بأن قال: ساقَيْتُك على هذا الشجر ببعض ثمره، يجوز؟
    الطلبة: لا يجوز.
    الشيخ: لا يجوز، لماذا؟
    الطلبة: غير معلوم.
    الشيخ: مجهول، إلى أي شيء يرجعان؟ فهو مجهول، قال: ساقيتك على هذا الشجر بمئة كيلو منه.
    الطلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح، ليش؟
    الطلبة: لأنه ليس مشاعًا.
    الشيخ: لأنه غير مشاع، ساقيتك على هذا الشجر لك مِقطران ولي مِقطران، تعرفون الْمَقاطر؟ الصّفّ؛ صّفَّان من النخل، وصّفَّان من النخل، يجوز؟
    طلبة: لا يجوز.
    الشيخ: لا؛ لأنه ليس مشاعًا، ساقيتك على هذا النخل على أن ثمرة العام لك، وثمرة الثاني لي؟
    الطلبة: لا يجوز.
    الشيخ: لا يجوز، لماذا؟ لأنه غَرَر وجهالة، ويؤدي إلى النزاع.
    يقول رافع بن خديج رضي الله عنه: كان الناس يؤاجِرون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على الماذِيَانَات وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع -يعني غير مشاع- فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فلذلك زجر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به. (5) يريد الشيء المعلوم: المضمون، ما هو؟
    (2/1781)
    ________________________________________
    طلبة: المشاع.
    الشيخ: المشاع المعلوم.
    طالب: شجر السنط هل تجوز المساقاة؟
    الشيخ: السندر؟ السنت؟
    الطالب: السنط؛ بالطاء.
    الشيخ: بالطاء ما أعرفه.
    الطالب: هذا عندنا يا شيخ يثمر القَرَظ والسنط.
    الشيخ: يثمر أيش؟
    الطالب: القَرَظ.
    الشيخ: قَرَظ للدباغ يعني.
    الطالب: والسنط.
    الشيخ: على كلام المؤلف ما يصح؛ لأنه لا يؤكَل.
    الطالب: لكن له فائدة يا شيخ.
    الشيخ: أقول: لا يؤكَل على كلام المؤلف، لا بد أن يؤكَل، على القول الثاني: لا بأس أن يساقيه عليه بجزء من ثمره من الصمغ أو من القَرَظ.
    طالب: شيخ، إذا قلنا: إن الأثل لا يُؤْكَل ثمره، كيف نقول في قوله تعالى: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 17].
    الشيخ: ويؤكَل؟
    طالب: {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ}.
    الشيخ: {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ} هل يُنَصّ على أن الأَثْل فيه ما يُؤْكَل؟ ثم لو قُدِّر أنه دل على هذا وقلنا بالعموم فإنه لا يلزم إذا أكله أولئك من الجوع أن يأكله غيرهم.
    طالب: شيخ، بارك الله فيك، ( ... ) إذا خسرت فإن الوضيعة تكون على رب المال، شيخ، ألسنا قرَّرْنَا أنه إذا خسرت الشركة فإنه يؤخَذ من الربح قبل قسمته ( ... ) فإن الربح واقٍ لرأس المال.
    الشيخ: الآن لو فرضنا أعطيته عشرة آلاف مضارَبة، ثم خسر؛ اشترى سلعة ولم يَبِعْها إلا بسبعة آلاف.
    طالب: هذا على رأس المال؛ لأنه ما فيه ربح أصلًا.
    الشيخ: على رأس المال.
    الطالب: لكن لو كان ربح يا شيخ.
    الشيخ: أصل المال، اشترى بها بضاعة بعشرة آلاف ثم باعها بخمسة عشر ألفًا، ثم اشترى سلعة أخرى بخمسة عشر ألفًا ولم يبعها إلا بثمانية، أيش نقول؟
    طالب: على رأس المال.
    الشيخ: لو قلنا: إنها على رأس المال وعلى العامل، قلنا: العامل ثمانية، عليك ألف ونصف، وعلى رب المال ألف ونصف، والخمسة راحت.
    طالب: شيخ أحسن الله إليك، إذا ساقَى إنسان عاملًا على شجر على الربع.
    الشيخ: أيش؟
    (2/1782)
    ________________________________________
    الطالب: على الربع مثلًا، وفي آخر العام ما أثمر شيئًا هذا الشجر، فهل يثبت للعامل أجرة أو نصيب المثل أو لا يثبت له شيء.
    الشيخ: لا يثبت له شيء.
    الطالب: خسر العمل كله.
    الشيخ: نعم، مثل المضارَبة تمامًا.
    طالب: بارك الله فيكم، إذا ساقى العامل على جزء معلوم من الفيء قال له: أساقيك على هذا الشجر بمئة كيلو، إذا فسدت المساقاة ما يصح إجارة؟
    الشيخ: أيش؟
    طالب: إذا فسدت هذه المساقاة ما تصح على أنها إجارة؟
    الشيخ: ما مر عليّ هذا، كل شركة فسدت فللعامل أجرة المثل، هذه قاعدة المذهب، والصحيح أن كل مشاركة فسدت فللعامل سهم المثل.
    طالب: شيخ، بارك الله فيك، مثلًا شركة الأبدان، قلنا: إنها شركة على العمل، وتكون في سائر المباحات، ألا يكون فيها نوع من الغَرَر والجهالة بين الشريك وشريكه، كأن يشتركَان في الصيد؛ يأتي أحدهما ويأتي مثلًا بثلاثة صيود أو أربعة، والثاني لا يأتي بشيء؟
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: والذي لم يأتِ بشيء يريد أن يقاسم الآخر؟
    الشيخ: نعم يقاسم.
    الطالب: قد شاركه على أن يأتي مثلًا بمثله ..
    الشيخ: راضٍ، أليس سعد أتى بأَسِيرَيْنِ وعمار وعبد الله بن مسعود ما أَتَيَا بشيء؟ وشاركهم الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر قبل تسوية الغنائم (6)، يعني قبل أن تشرع قسمة الغنائم، كان مَن غنم شيئًا فهو له، أفهمت؟ يقول أحدهم: أنا بشاركك الآن، أنت تأتي الآن بغزالين، وأنا ما آتي بشيء، لي واحد ولك واحد، المرة الثانية يمكن آجي بأربعة غزلان، وأنت ما تجيب شيئًا.
    طالب: يتراخى أحدهما ويقول: الذي يأتي به الآخر فيه كفاية، ويقتسمان فيه؟
    الشيخ: لا، ما يصير.
    طالب: شيخ، بالنسبة لقول الفقهاء: المعاطاة لها ثلاث صور، هل هذا يكون تجوُّزًا؟ الصيغة الفعلية للبيع، يقولون: المعاطاة إما أن تكون من الطرفين أو من طرف واحد، هل نقول: إن هذا تَجَوُّز، أم المعاطاة لا بد أن يكون فيها إعطاء من الطرفين؟
    (2/1783)
    ________________________________________
    الشيخ: ما هو بلازم الإعطاء من الطرفين، إذا كان فيها صيغة معاطاة ولو من طرف واحد فهي معاطاة.
    طالب: حفظك الله، المساقاة هل تكون على ثمرة صالحة فقط؛ لأن هناك بعض الثمر ( ... ) وغيره كالباقي من البلح ..
    الشيخ: أما على المذهب ما يصح إلا الثمر اللي يؤكَل، والذي لا يؤكَل لا تصح المساقاة عليه، والصحيح أنه تصح على كل ثمر يؤكَل أو لا يؤكَل، بل حتى الورق وحتى الأغصان اللي يُنْتَفَع بها تقوم مقام الثمر.
    طالب: شيخ، لو ساقى على هذا التمر، فالتمر الناضج الطيب هذا بَيِّن، لكن يبقى بعد ذلك الباقي وهو ما يسمى بالرجيع، هل نعتبره داخلًا؟
    الشيخ: إي، يدخل، حتى العذق يدخل في هذا.
    طالب: ما الفرق بين أجرة المثل وسهم المثل؟
    الشيخ: إي نعم، مضاربة فسدت والرجل هذا عمل فيها خمسة أشهر، وأجرة هذا الرجل في الشهر ألفان، كم يستحق؟
    طلبة: عشرة.
    الشيخ: عشرة آلاف، سهم المثل لو قَدَّرْنَاه ما يساوي ألفًا، ليس له إلا ألف، أو ربما يساوي خمسة آلاف، نعطيه خمسة آلاف، يعني قد يزيد على الأجرة وقد ينقص، والصحيح أن له سهم المثل؛ لأنه لم يدخل إلا على المشاركة في الغُنْم والغُرْم.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: أيش؟ النصف مثلًا، إن دخل مثلًا على أن له النصف.
    طالب: شيخ بارك الله فيك، مَرَّت معنا الشروط التي إن تخلَّفت كان العقد فاسدًا أو باطلًا، فلو أن المساقاة تمت على شرط غير صحيح، كما لو شرط شيئًا مجهولًا، وتمت المساقاة ومضى حتى طلعت الثمرة، فهنا في هذه الحالة كيف نحكم بينهما؟
    الشيخ: ذكرنا القاعدة يا رجل، ما سمعت القاعدة؟ ماذا تقولون؟
    طلبة: على المذهب أجرة المثل.
    الشيخ: على المذهب أجرة المثل، يقال: قَدِّر إنسانًا يعمل على هذا النخل كم أجرته في الشهر، ويُعطى، والقول الثاني: سهم المثل.
    طالب: شيخ، بارك الله فيك، أنا كنت ناسيًا هذا الموضوع، لكن هنا ثمر، يعني هنا طلع مئة كيلو مثلًا أو عشرة ..
    (2/1784)
    ________________________________________
    الشيخ: مئة كيلو، يقال مثلًا: هذا الرجل لو أن هذا أعطيه عاملًا قالوا: يقوم عليه بالْخُمس، نعطيه عشرين في المئة.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، في شركة المضاربة يقول المؤلف: (ولا يُقْسَم مع بقاء العقد إلا باتفاقهما).
    الشيخ: نعم.
    الطالب: فالطالب للقسمة إذا مُنِع، يعني قد يتضرر، فكيف يُلْزَم مع اتفاقهما معًا؟
    الشيخ: الثاني أيضًا سيتضرر.
    الطالب: على أي وجه يُقْسَم ليُسَدِّد حاجته الطالب.
    الشيخ: إذا كان بيضمن الضرر لصاحبه لا بأس.
    طالب: بالنسبة للزرع الذي يزرعه العامل في هذا الشجر، مثل الخضروات والبرسيم والأشياء هذا الذي .. هل لصاحب الشجر له فيها ولا .. ؟
    الشيخ: لا، ليس له فيه شيء، هذه تكون مزارعة، ست-أتينا إن شاء الله.
    ***
    طالب: قال رحمه الله تعالى في باب المساقاة: وهو عقد جائز، فإن فسخ المالك قبل ظهور الثمر ..
    الشيخ: عندي (وهي عقد).
    الطالب: وهي عقد جائز، فإن فسخ المالك قبل ظهور الثمرة فللعامل الأجرة، وإن فسخ هو فلا شيء له، ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة؛ من حرث، وسَقْي، وزِبَار، وتلقيح، وتشميس، وإصلاح موضعه، وطرق الماء، وحصاد، ونحوه، وعلى رب المال ما يصلحه؛ كسَدِّ حائط، وإجراء الأنهار، والدولاب ونحوه.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    للمساقاة صفتان؟
    طالب: أن يُدْفَع لهم شجر له ثمر، هذه الصفة الأولى؛ على جزء من الثمر.
    الشيخ: والثانية؟
    الطالب: يُدْفَع له أرضًا وشجرًا.
    الشيخ: ويساقيه عليه بجزء من الثمر، صح، بارك الله فيك.
    هل لها دليل من الشرع أو لا؟
    طالب: الدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم فتح خيبر وصالَح أهل خيبر على المساقاة. (4)
    الشيخ: عامَلَهم؟
    الطالب: وعامَلَهُم على النصف.
    الشيخ: على النصف، أحسنت، هل يؤيد الأثرَ النظرُ؟ كيف؟
    طالب: لأن المصلحة تقتضي ذلك.
    الشيخ: كيف ذلك؟
    (2/1785)
    ________________________________________
    الطالب: لأن الإنسان قد يكون عنده بساتين، ولكن ليس له وقت يساقي عليه.
    الشيخ: قد يكون عند إنسان بساتين، ولكن ليس في وسعه أن يقوم عليه، وقد يكون عمال عاطلون فيسلِّمه لهم، فينتفع هؤلاء وهؤلاء، إذن يعتبر هذا من محاسن الشريعة، هل تصح المساقاة في الأثل بجزء منه؟ يعني ما هو من أصله مما يُقْطَع منه.
    طالب: ما يصح يا شيخ، فإنه لا .. ، مما يقطع منه إن كان يُنْتَفَع به مثل الأغصان فإنها تصح.
    الشيخ: ( ... ).
    الطالب: يصح، وإن كان ثمره ما يؤكَل لأنه اشترط ..
    الشيخ: هذا الشجر ما فيه ثمر إطلاقًا، لكن الناس يقطعونه، يضعونه لأشياء خاصة؛ إما لسقوف البيوت، أو لغير ذلك.
    طالب: على المذهب لا يصح، الواضح أنه لا يصح.
    الشيخ: أحسنت، المذهب لا يصح، والراجح أنه يصح؛ لأن أغصانه هذه بمنزلة الثمر؛ لأنه يُنْتَفَع بها مع بقاء أصله، رجل ساقَى شخصًا على شجر متنوع، يعني مثلًا: نخل، بَرني، عجوة، جَنيب، جَمع، سكري، شُقْر، وهكذا، وقال: لك البرحي ولي الباقي.
    طالب: لا يصح.
    الشيخ: ليش؟
    الطالب: لأنه يُشْتَرَط بجزء من الثمر أن يكون مشاعًا.
    الشيخ: لأنه يشترط أن يكون بجزء مشاع، وهذا بشيء معين، العلة؟ العلة أولًا من الدليل، أنا أقول بالحقيقة قبل: ما هو الدليل على أن هذا لا يصح؟
    الطالب: نَهْي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغَرَر.
    الشيخ: لأن وجوده في المساقاة يفسد.
    الطالب: حديث خيبر أن النبي عامل (4) ..
    الشيخ: لا.
    الطالب: نعم يا شيخ حديث رافع بن خديج.
    الشيخ: رافع بن خديج.
    الطالب: كان الناس يؤاجِرون على الماذيانات، وأقبال الجداول، فيهلك هذا، ويسلم هذا، فزجر عنه صلى الله عليه وسلم، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس. (5)
    الشيخ: بارك الله فيك، تمام، هذا من الأثر دليل أنه لا يصح، النظر؟
    الطالب: ( ... ) ليس مشاعًا.
    الشيخ: التعيين بالحكم لا يفيد، إذا قلت: لماذا كان جائزًا؟ قلت: والله لأنه جائز، يصلح التعليل؟
    الطالب: لا يصح.
    الشيخ: ما يصح.
    (2/1786)
    ________________________________________
    الطالب: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ لأنه ليس فيه مصلحة، ويؤدي ذلك إلى التنازع.
    الشيخ: جواب ركيك.
    طالب: لأن فيه غَرَرًا وجهالة.
    الشيخ: فيه غَرَر وجهالة، كيف؟
    الطالب: لأنه إذا كان غير مشاع يقود هذا إلى النزاع بينهما.
    الشيخ: إي، لكن أنت قلت: غَرَر وجهالة، ما بِدِّي أنه فيه نزاع.
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: كيف الغَرَر؟
    الطالب: لأنه إذا قال مثلًا: أعطيك مثلًا البَرْحِي من بين الأصناف الأخرى، فهذه الأشجار لا تأتي بثمر.
    الشيخ: إلا البَرْحِي، وقد تأتي بالتمر إلا البَرْحِي، أو لا؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: فيصير هذا خاسرًا، وذلك رابح، تمام، بارك الله فيك.
    نحن ذكرنا قبل في أول الشركة أن الشركة مبناها على التساوي أيش؟
    الطلبة: في الْمَغْنَم والْمَغْرَم.
    الشيخ: تساوي الشريكين في الْمَغْنَم والْمَغْرَم، هذا الأصل الذي لا بد منه.
    ***
    قال المؤلف: (وهي عقد جائز)، جائز باعتبار الحكم التكليفي أو باعتبار الحكم الوضعي؟ الثاني، باعتبار الحكم الوضعي؛ لأن الحكم التكليفي ما يترتب عليه الثواب والعقاب، والحكم الوضعي ما يترتب عليه الصحة والفساد.
    فقولنا: (جائز) بالحكم الوضعي يعني أنها من العقود التي يملك كل واحد من المتعاقدين فسخها بدون دِرَى الآخر، هذا معنى قولنا: جائز، عكسه اللازم الذي لا يملك أحد المتعاقدين فسخه إلا بسبب شرعي، انتبه! هذا حكم أيش، وضعي ولَّا تكليفي؟
    طالب: وضعي.
    الشيخ: هذا حكم وضعي، التكليفي أن أقول: جائز، أي: لا إثم فيه، وضده المحرَّم، الجائز ضده اللازم.
    على كل حال هي عقد جائز، أي: من العقود التي يملك فيها أحد المتعاقدين الفسخ بدون رضا أيش؟ الآخر، ولهذا قال: (وهي عقد جائز)، فمالك الشجر لا يُلزِم الفلاح، والفلاح لا يُلزِم مالك الشجر.
    (2/1787)
    ________________________________________
    لكن المشكِل إذا كان هذا الفلاح قبض النخل في شهر المحرَّم، وتعب فيه وسقاه، وعمل فيه كل ما يكون سببًا لنموه وظهور ثمره، ثم قال المالك: أنا فسخت، مشكِل، هل يضيع حق العامل؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: إن قلت: نعم، مشكِل، وإن قلت: لا، أيضًا مشكِل، فهل نقول: الآن صار العقد لازمًا؟ بيَّن المؤلف الحكم فقال: (فإن فسخ المالك قبل ظهور الثمرة فللعامل الأجرة)، إذن لا يضيع حقه إذا فسخ المالك قبل ظهور الثمرة.
    ولاحظوا أن الثمرة في المساقاة هي المعقود عليه، أعطاه النخل مثل وقتنا الآن، وقتنا الآن الثمر قد جُذّ والنخيل ليس فيها ثمر، بعد مُضِيّ شهرين رأى المالك أن هذا العامل يضيع النخيل، ولا يقوم باللازم، ففسخ، قال: أنا فسخت المساقاة، نقول: لا بأس، لكن العامل تعب في ملكك بإذنك ولَّا لا؟ إذن له الحق، فما الذي يفرض له؟
    يقول المؤلف: (للعامل أجرة المثل)، كم يُعْطَى الرجل لو عمل على هذا البستان لمدة شهرين؟ قالوا: يُعْطَى في الشهر الواحد عشرة آلاف، يكون له عشرون ألفًا، قالوا: يعطى كل شهر مئة، كم له؟
    طالب: مئتان.
    الشيخ: مئتان.
    ولو قال قائل: إنه يُعْطَى بالقسط من سهم المثل، لكان له وجه؛ لأن العامل لم يعمل على أنه أجير، بل عمل على أنه شريك، فيقال مثلًا: لو أن العامل أكمل نصيبه فمعروف أنه جُعِلَ له سهم، الآن مضى من المدة مثلًا شهران من ثمانية كم يستحق؟ ربع السهم، الذي اتفق مع صاحب الملك عليه، قد يكون أكثر من الأجرة، وقد يكون أقل، فعلى كل حال لو قيل بأنه يعطى بالقسط من السهم الذي شُرِط له، لكان قولًا له وجه.
    (وإن فسخها) الضمير يعود على مَن؟
    طالب: على العامل.
    (2/1788)
    ________________________________________
    الشيخ: على العامل، فلا شيء له، هذا متى؟ قبل ظهور الثمرة، (إن فسخ) أي: فَسَخَ المساقاةَ العاملُ فلا شيء له، لكن صاحب النخل، نقول لصاحب النخل: ليس لك شيء؛ لأن هذا الرجل عمل على إصلاح ملكك مجانًا، أليس كذلك؟ هو عمل على إصلاح ملكك لمدة شهرين –على المثال الأول- عمل على إصلاح ملكه لمدة شهرين، فإذن خدمك بدون شيء، ليس على العامل شيء، العامل ليس له وليس عليه.
    لو قال قائل: هذا قد يكون ضررًا على المالك، مثل أن يكون من عادة الناس أنه في وقت الجَذاذ يكون إقبال العمال على أَخْذ البساتين مساقاة، والآن ما فيه نشاط، الآن كل عامل أخذ فلاحه ومشى، ما فيه نشاط، ألا يُلزَم العامل بما يعود من النقص على صاحب الأصل؟
    طالب: بلى.
    طالب آخر: نعم.
    الشيخ: نعم ولَّا بلى؟
    الطالب: بلى.
    الشيخ: نعم، قد نقول: إنه يُلْزَم بذلك، وحينئذ على هذا التقدير نقول: إذا كان فسخه لعذر -أي: العامل- مثل أن ينفد ما بيده من المال، أو يكون عنده خادم فيموت أو يهرب، ولا يستطيع أن يكمل العمل بنفسه، فهنا نقول: إنه معذور فلا يضمن شيئًا.
    أما إذا كان غير معذور، وفات غرض صاحب الأصل، فينبغي أن يُضَمَّن، وإلا يُلزَم بإتمام العمل، معي ولَّا لا؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: إذا كان الفسخ بعد ظهور الثمرة، إحنا كلامنا هذا كله على ما قبل الثمرة، بعد ظهور الثمرة لا يملك مالك الأصل أن يفسخ، ما يمكن، لا بد أن يكمل، والعامل أيضًا يُلْزَم بإتمام العمل، يعني تكون لازمة بعد ظهور الثمرة؛ لأن العامل أصبح الآن أيش؟ أصبح شريكًا في الثمرة، ولا يمكن لرب الأصل أن يطرده، وصاحب الأصل أيضًا لا يمكِّن العامل من الفسخ، إلا إذا رضي أن يفسخ مجانًا فلا بأس.
    يعني لو قال العامل: والله أنا تعبت، صحيح أنّ الآن الثمرة بدت، لكن أنا تعبت، ما أستطيع، فله ذلك بشرط أيش؟ بشرط أن يتنازل عن حقه، ويقول: أنا لا أريد شيئًا، فصار قبل ظهور الثمرة كما عرفتم، إن فسخ المالك لزمه .. أتموا.
    (2/1789)
    ________________________________________
    طالب: أجرة المثل.
    الشيخ: على كلام المؤلف.
    طلبة: لزمه أجرة المثل.
    الشيخ: لزمه أجرة المثل، وعلى قولنا يلزمه قسط السهم الذي عمل عليه، المالك إذا فسخ قبل ظهور الثمرة ..
    طالب: العامل!
    الشيخ: نعم، قصدي العامل إذا فسخ قبل ظهور الثمرة فلا شيء له؛ لأنه هو الذي رضي لنفسه، وإذا فسخ المالك فقد عرفتم ما يجب عليه، ولكن هل يضمن للمالك؟ ذكرنا أنه إن فسخ لعذر فلا شيء عليه، وإن فسخ مضارَّة فينبغي أن يُضَمَّن، بعد ظهور الثمرة المالك لا يملك أن يفسخ، العامل يملك أن يفسخ بشرط أيش؟
    طالب: أن يتنازل عن حقه.
    الشيخ: أن يتنازل عن حقه؛ لأنه في هذه الحال لم يُزِد صاحب الأصل إلا خيرًا.
    ثم بدأ المؤلف يبين ما يلزم العامل وما يلزم المالك، قال: (ويلزم العامل) حَرِّك (العامل).
    طالب: العاملَ.
    الشيخ: العاملَ، العامل فاعل.
    طالب: لا، مفعول.
    الشيخ: مفعول به؟ نعم مفعول مُقَدَّم.
    (ويلزم العاملَ كلُّ ما فيه صلاح الثمرة من حرث، وسقي، وزِِبَار، وتلقيح، وتشميس، وإصلاح موضعه، وطرق الماء، وحصاد، ونحوه).
    (يلزم العامل): يلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة، أما ما فيه بقاء الأصل فعلى المالك كما سيأتي.
    (من حرث) حرث أيش؟
    طلبة: الأرض.
    الشيخ: حرث الأرض.
    (وسقي): سقي الشجر.
    (وزِبَار) الزِّبَار هو قطع الأغصان الرديئة، تعلمون أن الشجر يعني غير النخل، النخيل معروف، وربما يكون في النخيل أيضًا عُسبان رديئة يابسة، هذه على مَن؟ على العامل.
    ماذا يسمى في اصطلاح الفلاحين عندنا الآن قطع الأغصان الرديئة؟
    طالب: تقليم.
    الشيخ: تقليم؟
    الطالب: تقليم الشجرة.
    طالب آخر: عندنا شَذْب.
    الشيخ: عندكم تشديد؟
    الطالب: شَذْب.
    الشيخ: لا الشَّذْب في عُسْبَان النخل.
    طالب: تكريب.
    الشيخ: التكريب أيضًا كرب النخل يا شيخ، على كل حال عندي شرح كلام المؤلف، (الزِّبار): قطع الأغصان الرديئة.
    (وتلقيح) لثمر النخل.
    (2/1790)
    ________________________________________
    (وتشميس) للثمر بعد أن يُجَذّ يحتاج إلى أن يوضع في الشمس حتى ييبس، على مَن؟
    طلبة: العامل.
    الشيخ: على العامل.
    (وإصلاح موضعه وطرق الماء)، إصلاح موضع التشميس، فيما سبق من الزمن يجعلون موضعًا للتشميس، يعني أرضًا واسعة يضربونها مثلًا بحصى يصفُّونه، ويجعلون فيه الجص لأجل أن يكون نقيًّا فييبس عليها الثمر.
    (وطرق الماء)، إصلاح طرق الماء، يعني: السواقي، وتعرفون أن الفلاحين يجعلونها حِيَاضًا.
    (وحصاد ونحوه) أيضًا الحصاد على العامل.
    (الْجَذَاذ) يرون أن الْجَذاذ على كل واحد منهما بقدر حصته، وإن شُرِط على العامل فلا بأس، جذاذ أيش؟ جَذاذ النخل يرونه عليهما بقدر حصتيهما، إذا كانوا أثلاثًا فعلى صاحب الثلث الثلث، وعلى صاحب الثلثين الثلثان، وإذا كانوا أنصافًا فعلى كل واحد منهما نصف، إلا إذا شُرِط على العامل فيصح.
    والصواب أنه يُتْبَع في ذلك العرف، إذا جرت العادة أن الجَذاذ يكون على العامل فهو على العامل، وإذا جرت العادة أن يكون على صاحب المال فهو على صاحب المال.
    والعادة عندنا أنه إذا نضجت الثمار قسموها على رؤوس النخل، وقيل لك: أنت أيها الفلاح هذا الجانب، وللثاني الجانب الآخر، وكل واحد منهما يجُذّ نخله، فعندنا –عُرْفُنا، ما أدري أعراف الآخرين- أنه يقسم النخل أولًا، فيقسم الثمر على رؤوس النخل، ويقال للعامل: جُذّ نخلك، ولصاحب المال: جُذّ نخلك.
    (وعلى رب المال ما يصلحه) أي: ما يصلح المال، يعني: ما يعود بصلاح النخل على رب المال، وما يعود بتصريفه على العامل.
    مثاله: نقول: كسَدّ حائط، انثلم الحائط مثلًا، سور البستان انثلم يسده مَن؟ يسده صاحب البستان ما هو العامل؛ لأن هذا يبقى للبستان، تابع لإصلاح البستان فيكون على رب المال.
    (2/1791)
    ________________________________________
    (إجراء الأنهار) أيضًا على رب المال، والأنهار ما عندنا أنهار الآن هنا، لكن في بلاد أخرى فيه أنهار، أنهار تقاد منها المياه، عندنا الآن مقابل إجراء الأنهار إخراج الماء، وإخراج الماء عندنا استخراجه بالمكايل ونحوها على العامل عندنا الآن، لكن حفر البئر على رب المال، هذا العُرف.
    واعلموا أن العُرف الْمُطَّرِد كالشرط اللفظي، يعني الاطِّراد العُرْفي كالشرط اللفظي، فما دام الناس اطَّرَد عندهم هذا أنّ حَفْر الآبار على رب المال، وأن استخراج الماء على الفلاح الذي هو العامل، فإننا نمشي على ما كان الناس عليه.
    (والدولاب ونحوه) الدولاب يعني: دولاب الكتب؟
    طالب: دولاب الماء.
    الشيخ: أيش الدولاب؟ يمكن يكون فيه مكتبة في البستان، ما يمكن؟
    طالب: لا.
    الشيخ: ما يمكن يكون فيه مكتبة؟ يمكن يا أخي، إذا صار الفلاح طالب علم يحتاج إلى مكتبة، ما يصير فيه دولاب؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: على كل حال (الدولاب) يعني: شيء يُسْتَخْرَج به الماء، فمن رآه منكم ليصفه لإخوانه، صفه لنا.
    طالب: الدولاب هذا يا شيخ مثل الساقية، عبارة عن ترس معلَّق في ترس آخر، إذا لف الحمار -أعزكم الله- أو البهيمة عندما تلف هكذا تلف الترس، وهو يلف العجلة التي تأخذ الماء من البئر فتصبه خارج البئر، الترس عكس الثاني، إذا لف الترس الأول يلف الترس الثاني بدَوَار الساقية التي بها تأخذ الماء من البئر تصبه في خارج البئر.
    الشيخ: والساقية سلسلة من صفحات يعني؟
    الطالب: الدولاب هذا يا شيخ ما هو الساقية.
    الشيخ: أقول بارك الله فيك، أنا أسالك عن الدولاب الآن.
    الطالب: الدولاب عندنا يا شيخ كلمة دولاب هذه الذي يُدَرّس به القمح.
    الشيخ: نحن الآن نتكلم عن الدولاب الذي يُسْتَخْرَج به الماء.
    الطالب: هو الساقية.
    (2/1792)
    ________________________________________
    الشيخ: إي، ويش لون، لكن ما الفائدة الآن، فهمنا، عجلتان فيهما أتراس، واحدة هكذا عَرْضًا، وواحدة هكذا طولًا، وترس هذه داخل في ترس هذه، وإذا استدارت هذه استدارت الثانية هكذا.
    الطالب: الترس هذا معلَّق في خشبة هكذا معلَّقة في الترس، إذا لفّت هكذا تعلّق هكذا، والبهيمة تعلّق في ..
    الشيخ: البهيمة على الأرض، ما هي معلقة يا شيخ.
    الطالب: يعلق الحمار، تعلق البهيمة يا شيخ.
    الشيخ: دعنا من الحديث، نشوف اللي يدور بعدين.
    الطالب: ثم بعد ذلك الترس الثاني يعني مربوط في ساقية أو شيء مغلَق تسمى طبعًا في القديم الدولاب، ولكن الآن يطلق ..
    الشيخ: هذا كله كنا نتكلم عن الدولاب اللي في القديم على زمان المؤلف.
    الطالب: نعم، القديم هذا يكون .. الساقية كانت في القديم خشبًا، وتسمى دولابًا، فكانت تنزل في البئر تأخذ من الماء مثل الجاروف، أي: ضد حركة الجاروف يأخذ من الماء.
    الشيخ: الجاروف أشد خفاء من الدولاب، على كل حال هو قارَب حقيقة، أنا رأيت الدولاب بعيني وُجِدَ عندنا في عُنَيْزَة مرة، ورأيته بعيني، لكن هو قارَب الوصف في الوقت، يعني قارَب الوصف، ما بقى لي إلا ما الذي يحمل الماء، إلى الآن ما أعطانا فكرة عن الذي يحمل الماء.
    طالب: هذا الحبل ينزل في الساقية، هذا الحبل مزدوج ويعلَّق فيها أواني أخرى تسمى قواديس، فهذه الأواني تنزل مَكْفِِيَّة، يعني تنزل على رؤوسها هكذا، وهي خارجة تنزل تغرف من الماء وتطلع، فإذا طلعت تصب في الحوض، والحوض يخرج على الجدول، والجدول يودِّي على الساقي.
    (2/1793)
    ________________________________________
    الشيخ: هو هكذا، إذن فهمتم الآن؟ واحدة مثل الرحى تدور هكذا وفيها أتراس، وواحدة مستقيمة هكذا فيها أتراس داخلة فيها أتراس هذه، هذا إذا دارت اللي فوق دارت الأخرى، الأخرى فيها جنزير، تعرفون الجنزير؟ حق ( ... )، فيها جنزير، يدور هذا الجنزير معلَّقًا فيه مثلما قال الأخ: معلَّق فيه شيء مثل الكنك مكفي ينزل على بطنه، ثم إذا وصل الماء غرف من الماء ثم صعد، وهكذا، فيكون دائمًا يصب الماء، يصب الماء طبعًا في حوض، والحوض تتفرع منه السواقي، هذا هو الدولاب، نعم يستعمل بدله الرحى، يعني بعض الناس يضع رحى بدل الدولاب، الدولاب في الآبار، والرحى في الأنهار، مرت علينا الرحى، في أي مكان؟ مرت في باب الخيار؛ خيار التدليس، حيث قال المؤلف: (جمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها)، الرحى على الأنهار التي تمشي يضعون -مثل ما قال الأخ- يضعون عجلة كبيرة فيها أتراس، وهذه الأتراس تخرج الماء من النهر؛ لأن فيها رِيَشًا تدور كلما دارت أخرجت ماء، بعضهم إذا أراد أن يبيع يحجز الماء، ثم عند إرادة البيع يطلقه، فيكون اندفاعه قويًّا جدًّا، وإذا قَوِيَ اندفاعه قَوِيَ دوران الرحى فقَوِيَ خروج الماء، هذا من التدليس، كتَصْرِيَة اللبن في ظهر بهيمة الأنعام، على كل حال إذن الدولاب على مَن؟
    طلبة: على صاحب الأصل.
    الشيخ: على صاحب الأصل، في المساقاة على صاحب الأصل. إدارة الدولاب وتحريك الدولاب على العامل.
    وقوله: (ونحوه) يعني: مما يحتاجه الأصل، إذن لو قال لنا قائل: أين في كتاب الله أو سنة رسوله أن هذا عليه كذا أو عليه كذا؟
    نقول: المرجع في ذلك إلى العُرف، على القاعدة المعروفة:
    وَكُلُّ مَا أَتَى وَلَمْ يُحَدَّدِ
    بِالشَّرْعِ كَالْحِرْزِ فَبِالْعُرْفِ احْدُدِ
    (2/1794)
    ________________________________________
    فإذا كان العُرف مطَّرِدًا فبها ونعمت، وهذا المطلوب، ونمشي على ما جرى عليه العرف، وإذا لم يكن مطَّرِدًا وجب على كل منهما أن يبيِّن للآخر ما عليه وما له حتى لا يقع نزاع؛ لأنكم تعرفون أن المتعاقِدَيْن عند أول الدخول في العقد يكون كل واحد منهما مشفقًا، وربما ينسى أو يتناسى بعض الشروط، ويقول: هيِّن، سهَّلَه الله.
    لكن نقول: هذا لا يجوز، لا بد أن يكون الشيء أيش؟ واضحًا بَيِّنًا؛ لأنه ربما يحدث نزاع، ثم لا نستطيع أن نؤلِّف بين الطرفين.
    انتهى الباب.
    طالب: الفرق بين الجذاذ والحصاد؟
    الشيخ: إي، الفرق بين الحصاد والجذاذ؛ الحصاد للزرع، والجذاذ للشجر، فهمت؟ النخل؟
    الطالب: جذاذ.
    الشيخ: والذُّرَة.
    الطالب: حصاد.
    الشيخ: نعم.
    طالب: بارك الله فيكم، قلنا بأن المالك إذا فسخ قبل ظهور الثمرة فإن للعامل نصيبه من سهم المثل.
    الشيخ: لا، ما هو سهم المثل، قسطه من السهم الذي شُرِط له.
    الطالب: من السهم الذي شُرِطَ له، الآن وفي المسألة الثانية رَاعَيْنَا حق المالك؛ لأنه لا يمكن له أن يفسخ إن تضرر المالك.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: بهذه الصورة الأولى قد يتضرر العامل أيضًا بفوات موسم؛ لأنه إن فسخ المالك قد لا يجد العامل مَن يساقيه.
    الشيخ: هذه ربما نحملها على ما ذكرنا؛ أنه إذا لم يكن عذر للمالك يُضَمَّن.
    طالب: بارك الله فيكم، إذا فسخ العامل المساقاة لعذر ولم يكن على المالك ضرر، فهل له أن يأخذ أجرة المثل أو ثمن المثل؟
    الشيخ: إي نعم.
    طالب: شيخ، الحين في المكاين بالعُرْف أنها على مالك من المزرعة المكاين التي تطلّع الماء من البئر.
    الشيخ: على صاحب المزرعة؟
    الطالب: على صاحب المزرعة، على العامل ولَّا المزارع؟
    الشيخ: على المزارع.
    الطالب: على صاحب المزرعة.
    الشيخ: إي نعم، على المزارع.
    الطالب: على العامل.
    الشيخ: إي نعم، على العامل.
    الطالب: إي، جزاك الله خيرًا.
    (2/1795)
    ________________________________________
    طالب: عفا الله عنك يا شيخ، قلنا بأن الجذاذ يُتْبَع في ذلك العُرْف، هل يكون على رب المال أم يكون .. ؟
    الشيخ: المذهب أنه عليهما بقدر حصتيهما.
    طالب: لكن يا شيخ هنا في الحاشية -أثابكم الله- يقول في الجذاذ: جزم به في الوجيز وغيره، ونصره الموفق وغيره، ما شرح ليش، لأنه ما ذكر شيئًا بالنسبة للجذاذ.
    الشيخ: يمكن ها الحاشية على غيرها الروض، ما قبله شيء ولا بعده شيء؟
    الطالب: (وإصلاح طرق وحصاد ونحوه) هذا يكون كله على العامل، الحاشي يقول: كجذاذ، جزم به في الوجيز وغيره، ونصره الموفق وغيره.
    الشيخ: أحسنت، يعني الموفق ومن تابعه نصروا أن الجذاذ على العامل في الحصاد، المذهب عليهما بقدر حصتيهما، والصحيح أنه يُتْبَع في ذلك العرف.
    طالب: العقد الجائز والعقد اللازم والفرق بينهما؟
    الشيخ: العقد الجائز هو الذي يجوز لكل واحد من المتعاقِدَيْنِ فسخه، واللازم هو الذي لا يجوز فسخه، البيع عقد لازم، الإجارة عقد لازم، الرهن عقد لازم من الراهن، جائز من المرتهن.
    طالب: حكم المغارَسة.
    الشيخ: ما ذكرها المؤلف.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: أقول: ما ذكرها المؤلف.
    الطالب: ولكن ( ... ).
    طالب آخر: إذا كان العامل لا يستطيع أن يقوم بالعمل لوحده، واستأجر أجرة هل يدفع الأجرة هو أو يدفع عنه؟
    الشيخ: لا، يدفع هو، إذا استأجر للعمل الذي يلزمه فالأجرة عليه.
    طالب: لماذا لا يقال مثلًا: إذا عجز العامل عن إتمام العمل بعد بلوغ الثمرة لعُذْر أن يُلْزَم بإقامة غيره حتى لا يتضرر المالك؛ لأن في هذا الوقت غالبًا يتضرر.
    الشيخ: نعم؛ لأنه عقد جائز فلا يُلْزَم لعُذْرِه.
    طالب: بارك الله فيكم، قلنا: إذا فسخ المالك قبل ظهور الثمرة إحنا رَجَّحْنَا أن للعامل القسط، كم يُحْسَب هذا القسط؟
    (2/1796)
    ________________________________________
    الشيخ: بقدر العمل، إن كان مثلًا الآن مضى شهران من ثمانية أشهر، هل الشهران من ثمانية أشهر تقابل البقية؟ قد يكون مثلًا عمله في آخر المدة أشد وأشق، فنقول: لا تقابل الرُّبع، يعطى أقل من الرُّبع، وقد يقال: إن في أول الأمر أشد من آخر الأمر، فيضاف إليه زيادة، وإذا كان تساوَى هذا وهذا يُعْطَى الرُّبع.
    طالب: ما يكون مثل العامل ( ... ).
    الشيخ: إي، لكن بارك الله فيك، لكن قد يكون هذا العامل أخذه بشيء قليل؛ لأنه في ذلك الوقت متعطِّل، وأخذه بسهم ضعيف، ولو جعلنا له أَجْر المثل لكان يمكن النصف وهو أخذه بالربع، ما فهمت، فهمت ولَّا لا؟
    الطالب: هو ليس ذكرناه.
    الشيخ: قدَّرنا أن العامل أخذه بالربع، على أن له الربع، ولرب الشجر ثلاثة أرباع، لكن لو حسبنا أجرة المثل لكانت تستوعب النصف أو أكثر، ولَّا لا؟ مع أن العامل راضٍ بالدون، وقد يكون العكس.
    الطالب: نقول: له أجرة المثل، فلو قلنا مثلًا: في أول العقد ما فيه عمل كثير، فيعطي مثلًا قليلًا، لكن لو ..
    الشيخ: ما يخالف، هي لا شك تختلف، حتى أجرة المثل تختلف فيما إذا اشتد الحر واحتاج المكان إلى سقي كثير وعمل كثير، ما هي مثل الأول، لكن مع ذلك الأقرب للعدل أن يقال: هذا الرجل رَضِيَ بهذا السهم المعين من إلى، فإذا فسخ في الأثناء يعطى القسط، هذا أقرب للعدل.
    ***

    [باب المزارعة]
    طالب: قال رحمه الله تعالى: فصل. وتصح المزارعة بجزء معلوم النسبة مما يخرج من الأرض لربها أو للعامل، والباقي للآخر، ولا يُشْتَرَط كون البذر والغِرَاس من رب الأرض، وعليه عمل الناس.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    سبق لنا بيان ما يلزم العامل وصاحب الأرض من المؤونة والنفقة في باب المساقاة.
    (2/1797)
    ________________________________________
    ثم قال: (باب المزارعة)، والمزارعة هي أن يدفع أرضًا لمن يزرعها بشيء من إنتاجه، والفرق بينها وبين المساقاة؛ المساقاة على الشجر، والمزارعة على الزرع، والفرق بين الشجر والزرع ظاهر، ما له ثمر وساق وأغصان هذا يسمى شجرًا، وما ليس كذلك فإنه يسمَّى زرعًا.
    مثال الزرع: قمح، وغيره؟
    طالب: والذرة.
    الشيخ: ذرة.
    الطالب: شعير.
    الشيخ: أرز، فول.
    طالب: حمص.
    الشيخ: حمص، وهكذا، كثير هذا زرع، يعطي الإنسان أرضه لمن يزرعها بجزء معلوم -كما سيأتي إن شاء الله- وإباحتها من حكمة الشرع وتيسير الإسلام.
    (باب المزارعة)
    (فصلٌ)
    وتَصِحُّ الْمُزارَعَةُ بجُزْءٍ معلومِ النسبةِ مِمَّا يَخْرُجُ من الأرضِ لرَبِّها، أو للعاملِ , والباقي للآخَرِ، ولا يُشْتَرَطُ كونُ البَذْرِ والغِراسِ من ربِّ الأرضِ، وعليه عَمَلُ الناسِ.
    (باب الإجارة)
    تَصِحُّ بثلاثةِ شُروطٍ: مَعرفةُ الْمَنفعةِ كسُكْنَى دارٍ وخِدمةِ آدَمِيٍّ وتعليمِ عِلْمٍ.
    الثاني: مَعرِفةُ الأُجرةِ وتَصِحُّ في الأَجِيرِ والظِّئْرِ بطعامِهما وكِسْوَتِهما، وإن دَخَلَ حَمَّامًا أو سفينةً أو أَعْطَى ثوبَه قَصَّارًا أو خَيَّاطًا بلا عَقْدٍ صَحَّ بأُجرةِ العادةِ.
    الثالثُ: الإباحةُ في العينِ , فلا تَصِحُّ على نَفْعٍ مُحَرَّمٍ , كالزنا والزَّمْرِ والغناءِ , وجَعْلِ دارِه كنيسةً أو لبَيعِ الخمرِ، وتَصِحُّ إجارةُ حائطٍ لوَضعِ أطرافِ خَشبِهِ عليه، ولا تُؤَجِّرُ المرأةُ نفسَها بغيرِ إذنِ زَوْجِها.
    طالب:
    فصل
    وتصح المزارعة بجزء معلوم النسبة مما يخرج من الأرض لربها أو للعامل والباقي للآخر، ولا يُشْتَرط كون البذر والغراس من رب الأرض، وعليه عمل الناس.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    سبق لنا بيان ما يلزم العامل وصاحب الأرض من المؤونة والنفقة في باب المساقاة.
    (2/1798)
    ________________________________________
    ثم قال: (باب المزارعة) والمزارعة هي أن يدفع أرضًا لمن يزرعها بشيء من إنتاجها.
    والفرق بينها وبين المساقاة: المساقاة على الشجر، والمزارعة على الزرع، والفرق بين الشجر والزرع ظاهر؛ ما له ثمر وساق وأغصان هذا يسمى شجرًا، وما ليس كذلك فإنه يسمى زرعًا. مثال الزرع: قمح، وغير؟
    طالب: ذرة.
    الشيخ: ذرة، شعير، أرز، فول، حمص، وهكذا، كثير. هذا زرع، يعطي الإنسان أرضه لمن يزرعها بجزء معلوم، كما سيأتي إن شاء الله.
    وإباحتها من حكمة الشرع وتيسير الإسلام؛ قد يكون عند الإنسان أرض بيضاء لا يستطيع زرعها، وفي مقابل ذلك عمال ليس لهم ما يكتسبون، فيأخذون هذه الأرض ويزرعونها، فيكون في ذلك مصلحة لمن؟ مصلحة لصاحب الأرض وللعامل، وهذه لا شك أنها من محاسن الإسلام.
    يقول: (تصح المزارعة بجزء معلوم) واعلم أن كل صحيح جائز؛ يعني إذا قيل: يصح فالمعنى أنها جائزة؛ لأن الصحة فرع عن الجواز؛ ، أي: عن الجواز الحكم الشرعي لا الوضعي. وهل كل محرم غير صحيح؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: لا، يُنْظَر؛ إذا عاد التحريم إلى ذات الشيء فهو غير صحيح، وإن عاد إلى أمر خارج فهو صحيح، فتلقي الركبان -مثلًا- محرم، والشراء من الركبان حرام، لكن البيع صحيح؛ لأنه لا يعود إلى جهالة المبيع ولا إلى الربا، وإنما يعود إلى خوف تغرير البائع الذي لم يقدم البلد ولم يدر عن الأسعار؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ» (1).
    (تصح المزارعة) والمزارعة: دفع أرض لمن يزرعها ويقوم على زرعها بجزء من الزرع، لكن المؤلف اشترط قال: (بجزء معلوم)، فقولنا: (بجزء) خرج به ما لو دفع الأرض لمن يزرعها مجانًا، فهذه لا تسمى مزارعة؛ لأن الزرع كله للعامل.
    (2/1799)
    ________________________________________
    مثال ذلك: رجل عنده أرض، وله صديق عاطل فقال له: يا فلان، خذ أرضي الفلانية وازرعها واسترزق الله بها، بدون أي سهم لصاحب الأرض، هذه لا تسمى مزارعة، وإنما هي منحة منحها صاحب الأرض لمن يعمل بها.
    وقوله: (بجزء معلوم) خرج به المجهول، فلو قال: خذ هذه الأرض مزارعة ببعض الزرع فهذا لا يجوز، لماذا؟ لأن البعض مجهول، ما ندري كم؟ نصف، ربع، ثلث، أكثر، لا بد أن يحدد.
    وأيضًا العلم؛ يكون معلوم النسبة؛ يعني أن علمه نسبي وليس بالتعيين، النسبة أن يقول؟
    طلبة: ربع، ثلث.
    الشيخ: ربع، ثلث، عشر، وما أشبه ذلك، احترازًا من المعلوم بالتعيين، المعلوم بالتعيين لا تصح معه المزارعة؛ مثل أن يقول: لك الجانب الشرقي من الأرض ولي الجانب الغربي، هذا لا يجوز، لماذا؟ لأنه قد يسلم هذا ويهلك هذا، أو بالعكس، والقاعدة في المشاركة أن يتساوى الشريكان في أيش؟
    طلبة: في المغنم والمغرم.
    الشيخ: في المغنم والمغرم، لو قال: لك الزرع هذا العام ولي الزرع العام القادم؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح أيضًا؛ لتعيين الزمن لأحدهما دون الآخر، والمثال الذي قبله تعيين المكان لأحدهما دون الآخر.
    قال: لك ما تزرعه من شعير ولي ما تزرعه من بر؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح؛ لأنهما لم يشتركا في النوع.
    لو قال: إن زرعتها شعيرًا فلك النصف، وإن زرعتها برًّا فلك الربع؟
    طلبة: يصح.
    الشيخ: يصح، نعم؛ لأن الآن ما فيه إشكال، إن زرعها برًّا له سهم معلوم؛ الربع، إن زرعها شعيرًا فله سهم معلوم؛ وهو النصف. ما فيه إشكال هذا.
    قال: (مما يخرج من الأرض) مما يخرج من الأرض من الزرع، فإن أعطاه إياها بجزء أو بشيء معلوم مما لا يخرج من الأرض فليست مزارعة، بل هي إجارة؛ مثل أن يقول: خذ هذه الأرض ازرعها بمئة صاع من البر، يصح؟
    طلبة: ( ... ).
    (2/1800)
    ________________________________________
    الشيخ: يصح، لكن يكون إجارة؛ لأنني لم أقل: بمئة صاع مما يخرج منها، بل بمئة صاع من البر، فالعوض الآن ثابت في الذمة ليس ناتجًا من عمل هذا المزارع، ثابت بذمته حتى لو إن لم يزرعها يلزمه مئة صاع، وهذه تسمى أيش؟
    طالب: إجارة.
    الشيخ: تسمى إجارة، وهي عقد لازم كما سيأتي.
    المهم قوله: (مما يخرج من الأرض) خرج به ما لو أعطاه إياها بشيء معلوم من غير الخارج، فهذه تسمى إجارة.
    يقول: (لربها أو للعامل) يعني: الجزء معين؛ تارة يعين لربها، وتارة يعين للعامل.
    فإذا قال: خذ الأرض ازرعها ولك الربع، فهنا عَيَّن لمن؟
    طالب: للعامل.
    الشيخ: للعامل.
    خذ ازرعها ولي الربع؟ لرب الأرض، إذا عين لأحدهما السهم فيقول المؤلف: (الباقي للآخر).
    قال: (ولا يُشْتَرط كون البذر والغراس من رب الأرض وعليه عمل الناس) لا يُشْتَرط كون البذر في المزارعة من رب الأرض وعليه عمل الناس.
    قد يقول قائل: ليش ينفي الشرط؟
    نقول: لدينا قاعدة سبقت وهي أن العلماء -المؤلفين- إذا نفوا شيئًا فهو لدفع قول قيل، وإلا كان سكوته عن اشتراطه يدل على أنه ليس بشرط، لكن إذا نفاه فكأنه يشير إلى قول بإثباته، هذه اعرفوها قاعدة في المؤلفات، إذا قال: لا يشترط بكذا، ماذا نقول؟
    طالب: ( ... ).
    (2/1801)
    ________________________________________
    الشيخ: إشارة إلى قول بخلاف ذلك؛ أي: دفعًا لهذا القول، ووجه ذلك أنه إذا كان غير شرط لا يُشْتَرط أن يقول: لا يُشْتَرط؛ لأن سكوته عن اشتراطه يدل على أنه ليس بشرط، لكن إذا نص عليه فهو إشارة إلى أن هناك خلافًا، والأمر كذلك؛ من العلماء من قال: يُشْتَرط في المزارعة أن يكون البذر من رب الأرض، فإذا أعطيت شخصًا أرضًا يزرعها فأعطه البذر، إذا كان البذر منه لا يصح، لماذا؟ قالوا: لأن المزارعة صنو المضاربة؛ لأنها دفع أصل لمن يعمل به بجزء من ربحه، والمضاربة: ترك مال لمن يعمل به بجزء من ربحه، فإذا كانت المضاربة لا بد أن يكون المال من المضارب، فكذلك يجب أن يكون البذر من المزارِع لا المزارَع؛ يعني: من رب الأرض لا من العامل.
    إذا قال: لماذا نفى المؤلف الاشتراط؟
    نقول: إشارة إلى وجود خلاف في ذلك، وأن من العلماء من قال بالاشتراط.
    فما حجة من قالوا بالاشتراط؟
    نقول: حجتهم أنهم قالوا: المزارعة كالمضاربة، ورأس المال في المضاربة من رب المال، إذن البذر الذي سينمو بعمل العامل لا بد أن يكون من رب الأرض، لكن المؤلف يقول: (ليس بشرط) وهذه الرواية ( ... ).
    عقد ثالث غير المساقاة والمزارعة يسمى المغارسة ويسمى المناصبة؛ وهي أن يدفع الإنسان الأرض لشخص يغرسها ويعمل على الغرس بجزء من الغرس، ما هو بجزء من الثمرة بجزء من الغرس، والثمرة تتبع الأصل، هذه هي المغارسة.
    والفرق بينها وبين المساقاة -يا إخوانا- الفرق: المساقاة بجزء من الثمرة والأصل الشجر لرب الأرض، وهذه بجزء مِن؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: من نفس الأصل؛ من الغرس، وهي جائزة؛ المغارسة جائزة، وإذا تمت كان للعامل نصف الشجر أو ربعه حسب الشرط، والمساقاة إذا تمت كان للعامل؟
    طلبة: ( ... ).
    (2/1802)
    ________________________________________
    الشيخ: نصف الثمرة أو ربعه حسب الشرط. إذن بينهما فرق؛ المغارسة الجزء المشروط للعامل من الأصل؛ من الشجر نفسه، فهل يُشْتَرط إذا أعطيت شخصًا أرضًا مغارسة أن يكون الفسيل -يعني الفرخ الصغير- أن يكون من رب الأرض، أو يجوز أن يكون من العامل؟
    المذهب: لا بد أن يكون من رب الأرض، كالمزارعة تمامًا، لكن ما مشى عليه المؤلف أنه ليس بشرط، فيجوز أن تقول: يا فلان، هذه أرض بيضاء تتحمل ألف نخلة، خذها مغارسة بالنصف، من يشتري الغراس؟
    طالب: العامل.
    الشيخ: على كلام المؤلف يجوز أن يشتريها العامل، ثم إذا انتهت مدة المغارسة يقسم النخل، على كلام الآخرين يقول: لا بد أن الذي يدفع ثمن الغرس هو رب الأرض، ولكن الصحيح ما مشى عليه المؤلف أنه ليس بشرط، وعلى هذا فتكون المشاركات في الزروع والنخيل والأشجار ثلاثة أنواع: مغارسة، مساقاة، مزارعة، وقد تبين حكم كل واحد منها، والحمد لله.
    بقي قول المؤلف: (وعليه عمل الناس) هل عمل الناس حجة أو لا؟ نحن نعرف أن الأدلة أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وعمل الناس ما سمعنا به، ولو كان عمل الناس حجة لكان الناس إذا عملوا أشياء محرمة وطال عليهم الزمن وصاروا لا يرون إلا أنها مباحة نقول: إنها مباحة؛ لأن عمل الناس عليه، ولكن هذا لا يقوله أحد، فيقال: المراد بعمل الناس أي عمل المساقين والمزارعين من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن أصل المسألة هي أيش؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: معاملة أهل خيبر، هذا الأصل، وبقيت المعاملة هذه في حياة الرسول صلوات الله وسلامه عليه وفي عهد أبي بكر وعمر حتى أجلاهم عمر؛ لأنهم فعلوا ما يقتضي إجلاءهم فأجلاهم، لكن يُسْتَأنس بعمل الناس؛ إذا كان يعيش بينهم علماء أقوياء في الله لو كان الأمر منكرًا لأنكروه، وأما إذا كان لا يعيش بينهم إلا علماء أمة فهؤلاء لا حجة بعملهم.
    ولتعلم أن العلماء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: علماء دولة، وعلماء أمة، وعلماء ملة.
    (2/1803)
    ________________________________________
    علماء الدولة: الذين ينظرون ماذا تريد الدولة فيلتمسون له أدلة متشابهة، يتبعون ما تشابه من الأدلة إرضاء للدولة، هؤلاء علماء دولة.
    ولهم أمثلة كثيرة في غابر الزمان، وحديثًا ظهرت الاشتراكية في الدول العربية، الاشتراكية وتأميم أموال الناس الخاصة وظلم الناس، فحاول علماء الدولة أن يجدوا دليلًا ليرضوا العامة؛ لأن العامة لا يرضون أن تؤخذ أموالهم ويقال: أمموها، فصاروا يأتون بمتشابهات يعسفون النصوص ويلوون أعناقها من أجل أن توافق رأي الدولة، واستدلوا بآيات على وجه عجب، قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ» (2)، فأثبت المشاركة؛ يعني الاشتراكية، كذا!
    وقالوا أيضًا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «مَنْ كَانَ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ يُزْرِعْهَا أَخَاهُ» (3)، وأنت عندك الأرض كثيرة؛ فدانات كثيرة ما تستطيع زراعتها، يلَّا خذها منه، أعطها آخر؛ للأمة، وقالوا: إن الله تعالى قال في القرآن: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [الروم: 28] {أَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} أي: ما رزقناكم، فأنتم والعبيد فيه سواء، وإذا كان الحر مع العبد سواء فالحر مع الحر من باب أولى، وهلم جرًّا.
    هؤلاء نسميهم علماء دولة، ولكنها -والله- لا تغنيهم الدولة شيئًا، سيكونون إن لم يُغْفَر لهم موقف من يقولون: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 67، 68].
    (2/1804)
    ________________________________________
    علماء الأمة ما لهم دخل بالدولة، لكن ينظرون ما يصلح للأمة؛ للعامة، يقول: العامة مثل الذر إن عارضتهم أكلوني، لكن شوف اللي يصلح جاؤوا إليه وقالوا مثلًا: البنوك هذه مفيدة فائدة ترفع الاقتصاد، ينتفع الفقير، يأخذ أموالًا يعمل بها ويحرث بها، والبنك أيضًا يستفيد من الربا، رخص لنا -جزاك الله خيرًا- دور، يقول للعالم، فقال العالم: دعوني أفكر، فجاؤوا إليه بعدما شاء الله من الزمن، قال: وجدت أن هذا لا بأس به؛ لأن الشرع مبني على تحصيل المصالح ودرء المفاسد، وهذه مصلحة، كما قلتم: فيه مصلحة لهذا ومصلحة لهذا، ولم يلاحظ الضرر الديني، مثل هؤلاء نسميهم علماء؟
    طلبة: أمة.
    الشيخ: علماء أمة؛ يعني: ينظرون ماذا تريد الأمة يمشون به.
    علماء الملة هم الذين لا يريدون إلا أن يكون دين الله هو الأعلى وكلمته هي العليا، ولا يبالون بدولة ولا بعوام، هؤلاء إذا وُجِدُوا في الأرض وشاعت معاملة بين الناس ولم ينكروها حينئذٍ نقول: إن عمل الناس في ظل هؤلاء العلماء يعتبر حجة، وإن كان ليس كحجة النصوص، لكنه يطمئن الإنسان أن يوجد علماء ربانيون لا ينكرون، هذا مما يستأنس به الإنسان ويقول: إن العمل مع وجود هؤلاء العلماء يعتبر عاضدًا لما أذهب إليه.
    ودائمًا تجدون كلمة: عليه العمل، تجدونها دائمًا تمرُّ علي في كتاب الإنصاف للمرداوي رحمه الله، وكذلك في التنقيح في الجمع بين المقنع -وأيش؟ نسيت الثاني- على كل حال تجدونها كثيرًا في كلام المرداوي رحمه الله: وعليه العمل، وعليه العمل، وعليه العمل؛ يعني: بين العلماء.
    ***

    [باب الإجارة]
    ننتقل الآن إلى باب الإجارة.
    (باب الإجارة)

    الإجارة هي عقد على منفعة معلومة أو على عمل معلوم؛ إما منفعة معلومة أو عمل معلوم. فالمستأجر الدار عقد على أيش؟
    طالب: منفعة معلومة.
    الشيخ: مستأجر الدار؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: على منفعة معلومة.
    (2/1805)
    ________________________________________
    ومستأجر العامل؛ البنَّاء؟ على عمل معلوم؛ ولهذا لا يملك الذي يستأجر العامل، لا يملك أن يؤجره لشخص آخر؛ لأنه لم يملك إلا المنفعة فقط ما ملك الرجل.
    فالإجارة تكون على عمل وتكون على منفعة في عين، وتجويزها من محاسن الشريعة؛ وذلك لأن الإنسان قد يضطر إلى سكنى بيت وليس معه ما يستطيع أن يملك به البيت، فماذا يصنع؟ ليس له طريق إلا الاستئجار.
    كذلك أيضًا صاحب البيت قد يكون ممسكًا ببيته ويريد الانتفاع به ولا يتعطل، ليس له سبيل إلى ذلك إلا بأيش؟
    طالب: بالإجارة.
    الشيخ: إلا بالتأجير، فلما كانت المصلحة للمستأجر والمؤجر واضحة ولا ظلم فيها ولا ربًا كان من محاسن الشريعة المطهرة أن تباح.
    يقول: (تصح بثلاثة شروط) الأول: (معرفة المنفعة) يعني: بأن تكون المنفعة معلومة؛ إما بالتحديد القولي وإما بالتحديد العرفي.
    القولي؛ يعني يقول: أريد كذا وكذا وكذا ويعين.
    والعرفي يقول: (كسكنى دار) استأجرت منك هذا البيت لسكناه وكان المستأجر يبيع الحُمُر، تعرفون الحُمُر؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: جمع أيش؟
    الطلبة: جمع (حمار).
    الشيخ: جمع (حمار)، فجعل هذا البيت مربطًا للحمير، فإذا جاء صاحب البيت، لماذا؟ قال: لأني مستأجر البيت، أنا مالك المنفعة الآن، نقول: هذا لا يجوز؛ لأن سكنى الدار معناها أن يسكنها أيش؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: آدميون، ما هم حمير.
    (سكنى الدار) لو أراد المستأجر أن يتصرف في الدار -مثلًا- قال: هذه حجرة ضيقة، أبغي أنزل الجدار الذي بينها وبين الحجرة الأخرى لتكون حجرة واسعة، يملك هذا أو لا؟
    طلبة: لا يملك.
    الشيخ: لا يملك؛ لأنه إنما يملك السكنى، وليس من العادة أن الساكن يتصرف في عين المستأجر إلا بإذن المالك.
    (خدمة آدمي) استأجر آدمي يخدمه، فصار يستخدمه في العادة، يا فلان هات الفطور، هات علف للبهيمة، اذهب بالأهل إلى السوق، إلى المدرسة، وما أشبه ذلك، يصح أو لا يصح؟
    طالب: يصح.
    (2/1806)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا يصح، قال له يومًا من الأيام: اركع لأركب عليك توديني للسوق، يصلح؟
    الطلبة: لا يصلح.
    الشيخ: ليش؟
    الطلبة: غير العادة.
    الشيخ: هذه غير معروفة، قال: أنا مالك لمنفعتك، قال: هذه غير معروفة، كذلك يوجد أناس يستأجرون خدمًا؛ يستأجرونه ليكون في البيت يقضي الحوائج ويسوق السيارة، وما أشبه ذلك، ثم يستخدمه في رعي الإبل، يجوز أو لا؟
    طالب: لا يجوز.
    الشيخ: لا يجوز، إلا إذا استأجره لذلك.
    لو أراد أن يحوله من أثقل إلى أخف؟
    طالب: يجوز.
    الشيخ: لا يجوز إلا بإذنه؛ لأنه حرٌّ ليس عبدًا، هو حر استؤجر لعمل معين، ما يتجاوز هذا العمل المعين إلا إذا رغب، وفي ظني أنه إذا حُوِّل من أشد إلى أخف أنه سيرضى بلا شك، لو حُوِّل من كونه يرعى الإبل في قفار الأرض وصحرائها وغير ذلك أو أن يكون في البيت في ظل ظليل يأكل مع الناس ويشرب مع الناس، أيهما أحسن؟
    طالب: الثاني.
    الشيخ: الثاني، يختار هذا، لكن الكلام على أن الخدمة إذا لم يكن لها عرف معين وكان هو استخدمه لعمل معين فإنه لا ينقله إلى غيره إلا بإذنه.
    هل يملك إذا استأجره ليخدمه أن يؤجره آخر لخدمته؟
    طالب: لا.
    الشيخ: لا، لماذا؟ لأنه غير مالك له، إنما ملك منفعته لنفسه -أي نفس المستأجر- ولا يمكن أن يحولها إلى آخر إلا إذا رضي، إذا رضي لا بأس، وعلى هذا يتنزل ما يفعله بعض الناس الآن يأتون بالخدم من الخارج متفقين معهم على عمل معين، ثم يستأجره إنسان آخر من الرجل الذي أتى به نقول هنا: إن وافق الأجير فلا بأس، أنا كله واحد أنا باعمل عندك أو عند غيرك فلا بأس، الفرق بين الأجرتين لمن؛ هل هو للعامل ولَّا لمستأجر العامل؟
    طلبة: للعامل.
    الشيخ: إذا رضي فهي للمستأجر العامل، مثلًا: جاء به راتبه ثلاث مئة ريال في الشهر؛ يعني: كل يوم عشرة ريالات، أجَّره بإذنه بخمسة عشر ريالًا في اليوم، الخمسة الزائدة لمن؟
    طالب: للعامل.
    (2/1807)
    ________________________________________
    الشيخ: للعامل؟ لا، للذي استأجره؛ لأنه رضي أن يعمل عند شخص آخر، وهو مالك لمنفعته، ورضي أن يحول منفعته من عنده إلى رجل آخر، أما إذا أبى وقال: أبدًا، أنا لا أعمل عند غيرك إلا إذا أعطيتني الفرق بين أجرتك وأجرة الآخر، فهو حرٌّ يملك هذا.
    طالب: قلنا في المساقاة: إن العامل لو فسخ قبل ظهور الثمرة فلا شيء له، وقلنا: إنه لو فسخ بعد ظهور الثمرة فلا شيء له أيضًا، في الحالة الأولى قلنا: إذا فسخ -على الصحيح في الحالة الأولى- قبل ظهور الثمرة إذا ترتب عليه ضرر للمالك فإنه يضمن ..
    الشيخ: إلا لعذر.
    الطالب: إلا لعذر، لماذا لم نجعل له الأجرة أو سهم المثل في حال بعد ظهور الثمرة؛ لأن هو -أصلًا- متعاقد على الثمرة، فالثمرة الحين خرجت؟
    الشيخ: لكن هو الذي رضي أن يسقطها.
    الطالب: لو عنده عذر؛ كأن يكون عنده عامل وهرب أو مات في الحالة دي ..
    الشيخ: نقول: يستأجر، ممكن يستأجر عاملًا بدل الأول ويكمل عمله.
    طالب: في تعريف الإجارة اشترط بعضهم زيادة كلمة: مباحة، لمنفعة مباحة يا شيخ، هل هذا الضابط مهم؟
    الشيخ: نعم، ما فيه شك، مهم، وسيأتينا -إن شاء الله- المنافع المحرمة لا يجوز العقد عليها؛ لأن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه.
    طالب: بالنسبة للمغارسة -يا شيخ- قلنا: الذي يصح أن يشرف على الأرض ( ... )؟
    الشيخ: ما هو بالذي يشرف.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: ( ... ) كل يرجع على ملكه.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: لا ما يُقَال: أقلع، حتى وما هم براضيين يقلعون، إلا إذا كان يمكن غرسه في مكان آخر؛ يعني لو فُرِضَ، بعض العلماء يقول في المغارسة: يلزم العامل بدوام العمل إلى أن ( ... ) الشجر، وهذا لا شك أن فيه صعوبة، لكن نقول: إذا فسخ يقدر الثمن -ثمن النخل- مثلًا إذا كان له النصف قدَّرنا ثمن النخل عشرة آلاف نعطيه خمسة آلاف.
    (2/1808)
    ________________________________________
    طالب: أحسن الله إليكم، بالنسبة للمزارعة يا شيخ، إذا -مثلًا- عقد مع شخص لمزارعة -مثلًا- خمس سنوات، فإذا أراد أن يفسخ المالك الأرض لم يخرج العامل إلا أن يقول له: أعطني خلو قدر القيمة هذه قدر ما يخرج من عمله؟
    الشيخ: لا بأس.
    الطالب: وليس على ما اتفقا عليه يا شيخ؟
    الشيخ: ما فيه بأس، ما دام انهم اتفقوا على مدة معينة فالصحيح أنها تلزم إلى المدة. وإذا لزمت المدة وقال: ما أنا أخرج حتى تتم مدتي، فقال: اخرج، أنا بأعطيك -مثلًا- عن خروجك كذا وكذا درهمًا ما فيه مانع؛ لأنه فسخ العقد.
    طالب: رضي الله عنك يا شيخ، لعل العلماء الذين يقولون: عليه العمل، يقولون: عليه عمل الناس، لعلهم يريدون العرف الذي لا يخالف الشرع يا شيخ.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: هذا له وجه يا شيخ؟
    الشيخ: إي، لكن الآخرون يقولون: هذا عرف يخالف الشرع.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، هم يقولون: هذا يخالف الشرع ولا يجوز، والآخرون يقولون: لا يخالف الشرع فيجوز. وأنا قصدي هل عمل الناس حجة أو لا؟ فصلنا في ذلك.
    طالب: أحسن الله إليك، تبين أن الأرض المزارع عليها مطلوبة مدينة لشخص آخر، على من يدخل النقص؟
    الشيخ: أنها مملوكة لشخص آخر؟
    الطالب: ( ... ) مثلًا للزراعة؛ لوزارة الزراعة، على من يدخل النقص؟
    الشيخ: على رب الأرض.
    طالب: بارك الله فيك، بالنسبة للمساقاة قلنا: إنها عقد جائز، يا شيخ بالنسبة لوجود قد يحدث ضرر؟
    الشيخ: وعلى كل حال سمعت: عقد جائز، وسمعت: إذا فسخ قبل ظهور الثمرة أو بعد نبات الزرع، لكن القول الراجح -نسيت أقول لكم-: إن القول الراجح من المساقاة والمزارعة أنها عقد لازم ولا يجوز فسخه إلا لعذر. وإذا كان عذر يصطلحان فيما بينهما.
    طالب: بالنسبة للأرض البيضاء، بعض الناس ( ... ) تتكون من مغارسة ( ... ) واحفر بئرًا وازرع نخلًا ولك نصف الأرض، هذه تعتبر مغارسة؟
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: يعطيه أرض بيضاء.
    الشيخ: ملك له؟
    (2/1809)
    ________________________________________
    الطالب: ملك له، يقول: احفر فيها بئرًا واغرس نخلًا وأحيي الأرض، ولك -مثلًا- نصف الأرض، هذه أيش تسمى؟ تسمى مغارسة؟
    الشيخ: مغارسة، ما دام أنه شيء من الأصل فهي مغارسة، من الثمرة فهي مساقاة.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: لا، ما يمكن، ما دامت الشركة باقية لا يمكن، أما إذا اقتسما فلا بأس.
    طالب: يا شيخ -بارك الله فيكم- كثير من الأحيان يرضى العامل بالانتقال من عمل أدنى إلى أعلى لحاجته إلى هذا العمل أو لأنه مضطر له؛ أي أنه ليست العودة إلى بلده أو أن بلده بحال فقر مدقع يعني .. ؟
    الشيخ: هذا مكره، ولا يجوز للذي استقدمه، لا يجوز له، لكن بالنسبة للعامل الحق عليه في هذا، الضرر عليه، فإذا رضي بالضرر ولا يرد إلى بلده فالآثم الذي استقدمه ( ... ).
    ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    هل تصح المساقاة على شجر له ثمر لا يؤكل؟
    طالب: على المذهب: لا.
    الشيخ: على المذهب: لا.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: هو له ثمر لكن لا يؤكل ( ... ).
    طالب: إن كان ينتفع به يصح.
    الشيخ: يصح؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: فلا يصح، هذا هو الصحيح.
    هل تصح المساقاة على شجر الزيتون؟
    طالب: تصح.
    الشيخ: ليش؟
    الطالب: لأن له ثمر ..
    الشيخ: لأن له ثمرة؟
    الطالب: يؤكل.
    الشيخ: يؤكل.
    هل المساقاة عقد لازم أو جائز؟
    طالب: لازم.
    الشيخ: لازم؟ ! أتعرف الفرق بين اللازم والجائز؟
    الطالب: يعني: اللازم الذي لا يجوز لأحد الطرفين أن يفسخه.
    الشيخ: لا يجوز لأحد الطرفين فسخه، هذا اللازم. والجائز؟
    الطالب: يجوز فسخه.
    الشيخ: هنا المساقاة هل هي لازم أو جائز؟
    الطالب: لازم.
    الشيخ: معناه أنك ما حفظت المتن الآن، لازم تحفظ المتن، ( ... ) ما فيه علم إلا بالحفظ أبدًا.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: عقد جائز.
    إذا فسخ العامل قبل ظهور الثمرة؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: فليس له شيء؛ لأنه هو الذي رضي بسقوط حقه.
    إذا فسخ المالك قبل ظهور الثمرة؟
    طالب: فللعامل الأجرة.
    (2/1810)
    ________________________________________
    الشيخ: فللعامل الأجرة، إي نعم، يعني معناها أن -مثلًا- قد نقول: فسخت، العامل كم اشتغل عندك؟ قال مثلًا: ثلاثة أشهر؛ كل شهر بألف ريال، يلزمه كم؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: ثلاثة آلاف.
    هل هناك قول ثانٍ في المسألة؟
    طالب: له سهم المثل، وهو الصحيح.
    الشيخ: له سهم المثل بقسطه، لماذا قلت: إنه الصحيح؟
    الطالب: لأن الشراكة مبناها على الغنم والغرم على كلا الشريكين.
    الشيخ: خطأ.
    طالب: قلنا: إنه الصحيح؛ لأنا لو أعطيناه سهم الأجرة قد يأخذ ما لا يستحق، فتكون الأجرة ( ... ).
    الشيخ: لكن هو الآن هو عامل على أنه أجير أو عامل على أنه مشارك؟
    الطالب: على أنه مشارك.
    الشيخ: على أنه مشارك، وإذا كان كذلك فله سهم المثل، هذا هو الصحيح.
    ما معنى قول المؤلف: (زِبَار) (من حرث وسقي وزِبَار)؟
    طالب: الأغصان.
    الشيخ: الأغصان الرديئة؛ يعني اللي ما فيها خير، يسمى هذا زبارًا.
    التشميس أيش معناه؟
    طالب: جعل الثمر في الشمس حتى يجف.
    الشيخ: جعل الثمر في الشمس يجف.
    لو شرط أحدهما على الآخر ما كان عليه أيصح أو لا؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: يصح، يعني مثلًا لو أن رب المال قال للعامل: عليك إجراء الأنهار؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: هو على المالك لا شك، على مالك الأرض، لكنه لو شرطه؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: بشرط أن يكون معلومًا، أن يكون ( ... ) معلومًا.
    المزارعة يقول المؤلف: إنه لا يُشْتَرط فيها كون البذر من رب الأرض، لماذا قال: لا يُشْتَرط مع أنه لو سكت لعرفنا أنه ليس بشرط؟
    طالب: لأن بعض العلماء يقولون: إنه شرط.
    الشيخ: أحسنت، فيه بعض العلماء يقول: إنه شرط، فأراد أن ينفي هذا القول، فقال: إنه لا يُشْتَرط.
    ما هو الدليل على أنه لا يُشْتَرط أن يكون البذر من رب الأرض؟
    طالب: الدليل معاملة أهل خيبر؛ الرسول صلى الله عليه وسلم عاملهم على ..
    الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم، لا تمشِ وتقول بسرعة.
    (2/1811)
    ________________________________________
    الطالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على نصف الثمرة (4) ..
    الشيخ: والزرع.
    الطالب: نصف الثمرة والزرع ولم ( ... ).
    الشيخ: أحسنت، وعمل في ذلك الخلفاء، وما زال الناس يعملون.
    يقول المؤلف رحمه الله: (الإجارة تصح بثلاثة شروط) ذكرنا أن الإجارة إجازتها من محاسن الشريعة.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لأنه -مثلًا- لا يريد أن يبيع بيته، فيستنفع منه بالأجرة، فهي مصلحة للطرفين، وذكرنا أيضًا أن لها شروطًا، الشرط الأول؟
    طالب: أن تكون منفعة معلومة.
    الشيخ: نعم، أن تكون منفعة معلومة. وبماذا تعلم؟
    الطالب: تعلم إما بالعرف أو بالشرع.
    الشيخ: نعم، إما بالعرف أو بالشرع، أحسنت.
    هل تجوز الإجارة على تعليم العلم؟
    طالب: ما أخذناها.
    الشيخ: ما أخذناها.
    ***
    بسم الله الرحمن الرحيم، إذن نقول: تصح الإجارة بثلاثة شروط (معرفة المنفعة كسكنى دار) إلى آخره، وليعلم أنه يمر بنا كثيرًا الشروط والأركان والواجبات، وقد يسأل بعض الناس: من أين أتاكم هذه الشروط؟ من أين أتاكم هذه الواجبات؟ من أين أتاكم هذه الأركان؟
    فالجواب على هذا أن نقول: إن العلماء رحمهم الله تتبعوا النصوص ووجدوا أنه لا يمكن أن يثبت هذا الشيء إلا بشروط، أو لا يمكن أن يصح إلا بشروط، وهذا من تيسير الله عز وجل علمَ الشريعة أن تُحْصَر العلوم وتُحَدَّد وتكون واضحة، وهي داخلة في عموم قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، وذكرنا أن لهذا أصلًا في الشريعة؛ وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أحيانًا يحصر الأشياء: ثلاثة، سبعة، اثنان، وما أشبه ذلك، مما يدل على أن حصر الأمور مما جاءت به السنة.
    (2/1812)
    ________________________________________
    الأول: معرفة المنفعة؛ أي: أن تكون المنفعة معلومة للطرفين؛ المؤجر والمستأجر، وضد ذلك المجهولة، فما هو الدليل على هذا الشرط؟ الدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر (5). والإجارة بيع، لكنه بيع للمنافع، فلا بد من معرفة المنفعة؛ إما بالعرف وإما بالشرع؛ ولهذا قال: (كسكنى دار وخدمة آدمي وتعليم علم).
    أما سكنى الدار وخدمة الآدمي فقد سبق الكلام عليها.
    وأما تعليم العلم بأن يستأجر شخصًا يعلمه بابًا من أبواب العلم؛ استأجر شخصًا يعلمه باب الطهارة، استأجر شخصًا يعلمه باب الإجارة، يجوز، لكن لا بد أن يحدد ما هو العلم؟
    فإن قال قائل: علم المنفعة هنا قد يكون متعذرًا؛ لأنك لا تدري متى يتعلم هذا الرجل؛ من الناس من يكون سريع الفهم سريع الحفظ بطيء النسيان، هذا يتعلم بسرعة، ومن الناس من هو على عكس ذلك، تُعلِّمه عدة مرات وتبين له وتشرح له وعلى السبورة وفي كل مكان أو في كل مكان يمكن أن يفهم منه، ومع ذلك لا يفهم، أليس كذلك؟
    الطلبة: بلى.
    الشيخ: إذن كيف تصح الإجارة على تعليم العلم؟
    نقول: هذا مما يُتَسامح فيه، ويحمل على الوسط من الناس، لا على سريع الفهم والحفظ وعدم النسيان، ولا على البطيء، يحمل على العادي.
    وقوله: (تعليم علم) لا تظنوا أنه على إطلاقه؛ لأنه سيأتينا أن العلوم المحرمة لا يجوز تعليمها ولا الاستئجار لتعلمها.
    كذلك أيضًا ليس على إطلاقه؛ لأن من أفضل العلوم القرآن، وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لا يصح الاستئجار لتعليم القرآن؛ لأن تعليم القرآن عبادة كما جاء في الحديث: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» (6)، ولا يجوز أخذ الأجرة على العبادة، وعلى هذا فيجب أن نعرف أن نقيد العلم هنا بأيش؟ بما ليس بمحرم، وقيد آخر: ألَّا يكون تعليم القرآن.
    (2/1813)
    ________________________________________
    أما الأول فنعم، يُشْتَرط في العلم ألَّا يكون محرمًا، فلو استأجره لأن يعلمه علمًا محرمًا -كعلم النجوم مثلًا، وأقصد بذلك علم التأثير لا علم التسيير- فهنا الأجرة حرام.
    ولو استأجره ليعلمه القرآن فهو أيضًا حرام على المذهب، والراجح أنه ليس بحرام، وأنه يجوز أن يستأجر الإنسان لتعليم القرآن، ويدل لذلك أمران:
    الأمر الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إِنَّ خَيْرَ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا -أَوْ أَحَقَّ- مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» (7)، وهذا صريح.
    ثانيًا: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أجاز أخذ الجعل على الرقية في حديث اللديغ (8).
    والثالث أيضًا من الأدلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج المرأة رجلًا ليس عنده صداق بما معه من القرآن ليعلمها (9)، فجعله عوضًا.
    وعلى هذا فنقول: إن القول الراجح أنه يجوز استئجار الإنسان لتعليم القرآن.
    فإذا قال قائل: كيف تجيزونه وهو قربى؟
    قلنا: نعم، نجيزه وهو قربى؛ لأن إجازتنا إياه من أجل انتفاع المستأجر؛ من أجل انتفاعه؛ ولهذا لو أننا استأجرنا شخصًا ليقرأ القرآن فقط لكانت الإجارة حرامًا لا تصح.
    أما التعليم بيتعب المعلم ويلقن هذا الجاهل حتى يعرف، وسيعيد عليه ما حفظ من القرآن بالتعاهد، ففيه عمل؛ عمل مباح لشخص آخر.
    إذن القول الراجح أنه تجوز الأجرة على تعليم القرآن، وذكرنا لكم ثلاثة أدلة؛ منها دليل لفظي ودليل عملي.
    الثاني: معرفة الأجرة؛ يعني: أن تكون الأجرة معلومة، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع الغرر (5)، والإجارة نوع من البيع، والأجرة إذا لم تكن معلومة كانت غررًا.
    (2/1814)
    ________________________________________
    فلو قال: استأجرت منك هذا البيت ببعض ما في يدي من الدراهم فالإجارة غير صحيحة؛ لأن ما في يده من الدراهم مجهول، وبعضه أيضًا مجهول، حتى لو كان الذي في يده من الدراهم معلومًا؛ بأن كان معه عشرة آلاف ريال وقال: ببعض ما في يدي من الدراهم فإن الأجرة لا تصح.
    ولو قال: استأجرت منك هذا البيت بما تلده هذه الفرس، أيضًا لا يصح، لماذا؟ لأن الأجرة غير معلومة فلا بد أن تكون معلومة.
    قال: (وتصح في الأجير والظئر بطعامهما وكسوتهما) تصح الإجارة في الأجير بطعامه وكسوته؛ بأن تستأجر شخصًا يخدم عندك أو يعمل بأكله وشربه وكسوته ومنزله، وهذا جائز، وعلم الأجرة هنا بماذا؟ للعرف، فيُحْمَل على العرف، وهو أدنى ما يكون لهذا العامل.
    فلو قال -مثلًا- العامل: أنا استأجرت بالطعام، وأنا أريد الطعام طعام الملوك، أعلى ما يكون الطعام، يجاب ولَّا لا؟
    طالب: لا يُجَاب.
    الشيخ: لا يُجَاب، وإنما يُعْطَى طعام مثله.
    الظئر هي المرضعة، يجوز أن تستأجرها بطعامها وكسوتها؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وأطلق، وقال: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، فيجوز أن تستأجر امرأة لإرضاع الولد بطعامها وكسوتها، ودليل ذلك في القرآن الكريم.
    هل تصح في المركوب بطعامه وشرابه وما يلزم لبقاء حياته؟
    ظاهر كلام المؤلف: لا؛ لأنه خصَّ هذه المسألة في الذي يستأجر بنفسه، وفي الظئر أيضًا.
    والصواب أنه يجوز أن يستأجر حيوانًا للقيام عليه بالتغذية من طعام وشراب ووقاية من البرد ووقاية من الحر؛ لأنه لا فرق بينه وبين الأجير، كلاهما استيفاء منفعة، ويرجع في ذلك إلى أي شيء؟
    طالب: إلى العرف.
    الشيخ: إلى العرف، يرجع في ذلك إلى العرف.
    هل يصح أن يستأجر الدار بإصلاح ما انهدم منها؟
    طلبة: ( ... ).
    (2/1815)
    ________________________________________
    الشيخ: لا يصح، لماذا؟ لأنه غير معلوم؛ قد ينهدم منها شيئًا كثيرًا، وقد لا ينهدم منها شيء، فهي مجهولة تمامًا، إلا إذا كان المنهدم موجودا الآن، وقال: أجرتك إياها بإصلاح ما انهدم -الآن يعني- وهو معلوم، فهنا الإجارة صحيحة؛ وذلك لأن الأجرة معلومة بالمشاهدة.
    إذا قال: أجرتك هذا البيت بعشرة آلاف وإصلاح ما ينهدم منه، يصح أو لا يصح؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: لا يصح؟ عشرة آلاف يا جماعة، إي نعم، لكن ما زال مجهولًا.
    إذا قال: أجرتك هذا البيت بعشرة آلاف وإصلاح ما انهدم منه من الأجرة، يصح؟
    طلبة: يصح، نعم.
    الشيخ: ليش؟
    طلبة: لأن الأجرة معلومة.
    الشيخ: لأن الأجرة معلومة؛ عشرة آلاف مثلًا، قدِّر أنه انهدم بما يصلح به خمسة آلاف يجوز، لكن لا بد من إضافة شرط آخر؛ وهو أن يكون محتسبًا به من الأجرة، وما زاد فعلى رب البيت؛ لأنه ربما يزيد المنهدم على الأجرة؛ تكون الأجرة -مثلًا- ألف ريال وينهدم هدمًا يستحق ألفين ريال.
    والخلاصة الآن: أن استئجار البيت بإصلاح ما ينهدم منه لا يجوز، والإجارة غير صحيحة، وأما استئجاره بإصلاح ما ينهدم منه محتسبًا به من الأجرة فهذا جائز بشرط أيش؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: ألَّا يزيد على مقدار الأجرة؛ يعني يقيد.
    قال: (وإن دخل حمامًا أو سفينة أو أعطى ثوبه قصارًا أو خياطًا بلا عقد صح بأجرة العادة).
    هذه في الحقيقة أجرة بالمعاطاة، إذا دخل حمامًا، ثم تحمم فيه وخرج، والحمام مكتوب عليه للإيجار الساعة بكذا وكذا وهو لم ير صاحبها، فإنه يصح بأيش؟ بأجرة العادة، والعادة في مثل هذا تقدر بالزمن؛ كل ساعة بكذا، فيؤخذ من الداخل الحمام ما جرت به العادة.
    (2/1816)
    ________________________________________
    ومثل ذلك ما يفعله الناس الآن من إدخال السيارة في مواقف السيارات؛ تجده يدخل ويأخذ الكارت لتعيين وقت الدخول، ثم إذا خرج حاسب، بدون أن يكون هناك كلام، نقول: هذا أيضًا لا بأس به، وهذا ربما يكون أبلغ في الجواز من المساومة؛ يعني من قول: لا أدخلك إلا الساعة بكذا وكذا؛ لأن هذا معلوم لدى الناس جميعًا.
    (أو سفينة) دخل سفينة وجد السفينة تحمل الناس، فدخل بدون أن يتفق مع الملاح -أي: مع قائد السفينة- يجوز، وعليه أيش؟
    طالب: أجرة العادة.
    الشيخ: أجرة العادة. التاكسي؟
    طلبة: كذلك.
    الشيخ: إي نعم، التاكسي كذلك، إذا ركب، ثم وصل إلى المحطة وقال له صاحب السيارة: عليك -مثلًا- عشرة ريالات، قال: لا، عشرة ريالات كثيرة، ما أعطيك إلا خمسة، هل يُلْزَم بالعشرة؟
    طلبة: إي نعم، يُلْزَم.
    الشيخ: إي نعم، يُلْزَم العشرة ما دابمت العادة عشرة، لازم يُلْزَم بالعشرة.
    (أو أعطى ثوبه قصارًا) القصار: الغسال، أعطاه غسالًا يغسله، غسله الغسال وعند تسليمه طلب كذا وكذا من الأجرة، مع أن صاحب الثوب لم يعلم بها، فيقال: يلزمه أجرة العادة وإن لم يتعاقد عليها؛ لأن هذا معلوم متفق عليه بين الناس.
    كذلك (خياطًا) أعطى ثوبه خياطًا يخيطه، ولما انتهى قال له الخياط: الأجرة كذا وكذا، يصح ولو بلا علم.
    وفُهِمَ من قول المؤلف رحمه الله: (قصارًا) و (خياطًا) أنه لا بد أن يكون معدًّا نفسه للعمل، فإن لم يكن معدًّا نفسه للعمل فلا شيء له إلا بشرط؛ مثل أن يعطي شخصٌ ثوبَه لإنسان يقول: خذ اغسله لي، فلما غسله قال له: الأجرة كذا وكذا، فلا يلزم صاحب الثوب أجرة، لماذا؟
    طالب: لأنه لم يُعِد نفسه للعمل.
    الشيخ: لأن الآخذ الذي غسله ليس معدًّا نفسه لذلك، والمؤلف يقول: (قصَّار) فلا يلزمه شيء.
    إذا تخاصم الرجلان؟
    (2/1817)
    ________________________________________
    نقول: للقصار الذي هو الغسال نقول: لماذا لم تشترط لنفسك، هو ظن أنك محسن، والعقد لا بد له من قرينة؛ إما لفظية بالإيجاب والقبول، وإما فعلية بالمعاطاة فيما اشتهر بذلك.
    وكذلك يقال في الخياط، وكذلك يقال في الحلاق، وكذلك يقال في المقصر، كل هؤلاء الذين أعدوا أنفسهم للعمل فإنه يجوز الدخول معهم فيما أعدوا أنفسهم له بدون عقد، وعلى الداخل أيش؟ كل من أعد نفسه لعمل فإن له أجرة العادة ولو بلا عقد، وأما من لم يعد نفسه للعمل فإنه لا شيء له إذا عمله إلا بشرط.
    الثالث: الإباحة في العين؛ أي: في نفعها، معناه يُشْتَرط أن يكون النفع المعقود عليه مباحًا، فإن كان محرمًا فإن الإجارة لا تصح.
    ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» (10)، والإجارة نوع من البيع، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» (11)، وقوله: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (12).
    والنفع الذي يكون في الأعيان؛ إما محرم، وإما مكروه، وإما مباح. ظاهر كلام المؤلف أنه لا بد أن يكون مباحًا، وظاهر قوله: (فلا تصح على نفع محرم) أن المكروه لا بأس بالاستئجار عليه.
    فلدينا ثلاثة أشياء: إباحة، والثاني: تحريم، والثالث: كراهة، إذا نظرنا إلى كلام المؤلف: (الإباحة في العين) قلنا: إنها لا تصح الإجارة على المكروه، وإذا نظرنا إلى قوله: (فلا تصح على نفع محرم) قلنا: تصح على المكروه، لكن لا شك أنها خلاف الأولى؛ لأن الإعانة على المكروه مكروهة؛ {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
    المهم عندنا ثلاثة أشياء: النفع المباح لا بأس بعقد الإجارة عليه، المحرم يحرم عقد الإجارة عليه، المكروه يجوز مع الكراهة.
    مثال النفع المباح ما سبق؛ استئجار البيت للسكنى، وما أشبه ذلك.
    (2/1818)
    ________________________________________
    ومثال المكروه أن يستأجر شخصًا ليحلق له حلق قزع، القزع مكروه، فإذا استأجره لهذا العمل كان استئجارًا على عمل مكروه.
    المحرَّم قال: (فلا تصح على نفع محرم كالزنا) والعياذ بالله، لو استأجر امرأة ليزني بها فالإجارة باطلة وغير صحيحة، ولا تبيح الزنا، وليست شبهة أيضًا في إسقاط الحد، كما زعمه بعض العلماء.
    بعض العلماء قال: إذا أراد أن يزني بامرأة وخاف أن يقام عليه الحد فليستأجرها، لكن لا شك أن هذا قول من أبطل الأقوال.
    (فلا تصح على نفع محرَّم كالزنا والزمر) الزمر يعني: استعمال المزمار؛ يعني: آلة اللهو، ويُقَاس على ذلك كل المعازف، فلو استأجر مغنية .. ، ستأتينا، لو استأجر شخصًا على عزف أو على زمر فالإجارة محرمة غير صحيحة. وماذا يستحق الفاعل؟ هل نعطيه أجرة المثل أو ماذا؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: المشكلة الآن أن الذي استأجرهم وجاء هذا الأجير يعزف عنده من صلاة العشاء إلى الفجر كل الليل وهو تعبان، وقلنا له: الإجارة غير صحيحة وليس لك شيء، هذه مشكلة، ونقول للذي استأجره: ليس عليك شيء؛ لأن الأجارة غير صحيحة، فإذا طالب الزامر بأجرة المثل يُعْطَى؟ يعني قال: ألغوا الإجارة ما هي صحيحة، لكن أنا عملت أعطني أجرة المثل؟ نقول: ليس لك أجرة.
    يبقى النظر في المستأجر: إذا قلنا: ليس عليك أجرة لأن هذا عمل محرم صار الرجل هذا كسب العمل وكسب الأجرة، ولا ينبغي أن نجمع له بين عوضين.
    وعلى هذا فنقول: تؤخذ الأجرة من المستأجر، ولا تُعْطَى الزامر، وتصرف في بيت المال.
    أما أن نقول: للمتسأجر ليس عليك شيء، وللزامر: ليس لك شيء، فهذا فيه نوع من الظلم.
    فيقال: أنت أيها الزامر لا شيء لك، وعليك أن تتوب إلى الله وتستغفر، وأنت أيها المستأجر نأخذ منك الأجرة؛ لأنك عقدت على أنك ملتزم بها، فنلزمك بها لكن لا نعطها الزامر؛ لأنها عوض عن محرم وإنما نجعلها في بيت المال.
    (2/1819)
    ________________________________________
    طالب: شيخ -أحسن الله إليك- رجل واقف على الشارع، وجاء إليه رجل صاحب السيارة غير تاكسي ولا الليموزين، فتح له الباب وركب، ولما وصل المشوار طلب منه شيئًا، قال: ما أعطيك؛ لأنني ما اشترطت، فكيف يصنع يا شيخ؟
    الشيخ: ما يعطيه، ما له شيء.
    الطالب: ما له شيء؟ !
    الشيخ: ما له شيء؛ صاحب السيارة.
    الطالب: العرف يا شيخ؟
    الشيخ: يقول: جزاك الله خيرًا.
    الطالب: العرف يا شيخ؟
    الشيخ: هذا العرف.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، على كل حال إذا ثبت العرف لا بأس، لكن كلام الفقهاء هو الصحيح؛ أنه ما يستحق شيء.
    وقد يقال: تختلف الحال؛ لو وقف لك رجل معروف بالغنى وأنه لا يأخذ مثل هذه الأمور، وقال: تفضل اركب، ثم قال: أعطني الأجرة، ما تعطيه؛ لأن هذا جرت العادة ألَّا يأخذ أجرة ولو أنه كان فقيرًا، يعرف أنه رجل محترف، لكننا لا نعرف أنه صاحب أجرة، فقد يقال: إن هذا يلزمه الأجرة، لكن الأصل عدم اللزوم إلا من أعد نفسه للعمل.
    طالب: القزع؟
    الشيخ: إي نعم؛ لأن الرسول قال: «احْلِقْهُ كُلَّهُ أَوِ اتْرُكْهُ كُلَّهُ» (13).
    الطالب: محرم؟
    الشيخ: لا، ما هو محرم، ما يصل إلى درجة التحريم.
    طالب: بارك الله فيكم، بالنسبة لكروت مواقف السيارات، نقول: هو مكتوب عليها: الساعة بريال أو بريالين، حسب الموقف، ولكن فيه هناك شرط فيها، والسؤال عن هذا الشرط يقول: إن أضاع هذه البطاقة يلزم صاحب السيارة بمبلغ وقدره حوالي خمس مئة ريال، ولو كان جلس ساعة أو ساعتين فقط، فهذا الشرط .. ؟
    الشيخ: هذا لا بأس به؛ لأنه شرط تعزيري لئلا يتلاعب الناس.
    الطالب: هذا قد يكون فيه شيء من الظلم على هذا الشخص؟
    الشيخ: وهل أجبر على ذلك؟
    الطالب: مو بأحيانًا يضطر، كما في المطار.
    الشيخ: إذا اضطر فالله يعينه، لا يضيعه.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: لا، أبدًا ما فيها شيء.
    طالب: بعض الحفلات يستأجر لها شعراء يحيونها إلى الفجر؟
    الشيخ: ستأتينا -إن شاء الله- واقفين على الغنا اللي يكون في الحفلات.
    (2/1820)
    ________________________________________
    طالب: بارك الله فيكم، أحيانًا إذا استأجر الرجل أجيرًا لا يتفاهم معه ولا يتشارطان، فلما ينتهي من العمل يطلب أجرة أكثر مما هي العادة، فإذا قال له: أنا لا أعطيك إلا ما جرت عليه العادة، والعادة كذا، قال: إذن لا آخذ شيئًا وانصرف، فماذا عن .. ؟
    الشيخ: هذا أيضًا يقطع؛ ولذلك نرى أن الأحسن أن تقطع الأجرة وتحدد؛ لأن بعض الناس تجي له -مثلًا- تعطيه الثوب ظنًّا منك أنه سيخيطه بخمسين ريالًا -مثلًا- وإذا به يقول: أريد مئة ريال، ومشكل؛ إن قلت: لا، يمكن يقول: إذن ما آخذ منك شيئًا، وإن قلت: نعم وهو لا يستحق ذلك ( ... ) مشكلة؛ ولهذا نرى أن الأحوط للإنسان أن يحدد والأمر سهل، وإذا لم يحدد فإن مقتضى الكرم أن تعطيه ما طلب، وتقول: أنا أعطيك ما طلبت، ولكن إن كان ليس لك فيه حق فأنا على حقي يوم القيامة.
    طالب: قلنا: إذا استأجره لكي يغني له ( ... )؟
    الشيخ: حسب ما اتفقوا عليه؛ يعني قال: أن يزمر له الليلة بألف ريال.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: إي نعم، المقدر؛ لأنه عوض عن العمل المحرم.
    طالب: إذا ذهب الأجير وترك أجرته ولم .. ؟
    الشيخ: هذا كلام الأخ.
    الطالب: ماذا يفعل بها؟
    الشيخ: إن أيس منه تصدق بها عنه، وإن كان يرجو رجوعه فلينتظر حتى يرجع.
    الطالب: أينميها له؟
    الشيخ: إذا نماها طيب ما هو بلازم.
    طالب: يا شيخ -بارك الله فيكم- قلنا في الشرط الثاني: (بطعامهما وكسوتهما)، هل هي الأجرة ولَّا شرط؟
    الشيخ: لا، هي الأجرة، (بطعامهما) يعني هي الأجرة، ما هي معناها أن الأجرة ويُشْتَرط أن يطعمهما، لا.
    طالب: ( ... ) تكون جزءًا من الأجرة؟
    الشيخ: ويمكن أن تكون جميع الأجرة يجوز.
    طالب: أحسن الله إليك، يمكن واحد ( ... )؟
    الشيخ: آدم ما ذكر تاكسي.
    طالب: لم يعد نفسه ( ... )؟
    الشيخ: الذي لم يعد نفسه ما له شيء إلا بشرط.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: هذا معروف، مكتوب عليه: التاكسي -مثلًا- أو ليموزين، أو إنسان فقير معروف أنه يتسبب.
    (2/1821)
    ________________________________________
    كم جُمَل الأذان؟ كم للأذان من جملة؟
    طالب: جُمَل الأذان ست عشرة.
    الشيخ: ست عشرة؟ إن الله وتر يحب الوتر، كيف تقول: ست عشرة، أجب.
    الطالب: مختلف فيها.
    الشيخ: واللهِ هذه لا، ما نقول: مختلف فيها، المهم هو خمس عشرة جملة الأذان، والإقامة إحدى عشرة جملة.
    طالب: ( ... ) عقد الإجارة المحرم قبل وقوع المحرم هل يحتاج ( ... )؟
    الشيخ: لا، أبدًا، إذا علمنا قبل وقوع المحرم مثل؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: يمنع، ويلغى العقد، وليس لأحد شيء.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: لا، هنا ما استوفى المنفعة، نفس المستأجر ما استوفى المنفعة، ما هذا مرادك، ما دام ما استوفى المنفعة ما عليه شيء.
    طالب: يا شيخ -بارك الله فيكم- أحيانًا يتعاقد مع العامل، ثم يكون العمل أقل من الأجرة بكثير؛ مثل ( ... ) السباكة أو الكهرباء كنت بأصلحه بمئة هذا، ثم يكون سلك بسيط أو شيء بأصلحه أحيانًا.
    الشيخ: ما هو برضاك؟
    الطالب: إي، بس الإنسان -يا شيخ- على العرف، فهل يُشْتَرط أن هذا الشخص .. ؟
    الشيخ: في مثل هذه الحال إذا تبين أن فيه غبنًا، فإن كان قبل العمل فالأمر واضح يفسخ، وإن كان بعد العمل فسخ العقد وثبت لذلك أجرة المثل.
    الطالب: لأيهما؟
    الشيخ: للعامل.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: اللي هو؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: خلاص ما عليك شيء، إذا طلب أكثر من أجرة المثل بدون شرط عند العقد فليس له ذلك، وأنت ما عليك شيء، وكما قلنا: إنه إذا أيست منه تصدق بها عنه.
    طالب: استدل من منع الإجارة على تعليم القرآن بحديث أبي بن كعب لما علم أحدًا من الصحابة ( ... ) القرآن فأعطاه قوسًا هدية، وقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يُبْدِلَكَ اللَّهُ بِهِ قَوْسًا مِنَ النَّارِ فَخُذْهُ» (14) ( ... )؟
    الشيخ: هذا غير صحيح؛ لأن هذا لما كان تعليم القرآن واجبًا، وإذا كان تعليم القرآن واجبًا ما يجوز أخذ الأجرة عليه.
    ***
    طالب: ( ... ) باب الإجارة في سياق شروطها.
    (2/1822)
    ________________________________________
    الثالث: الإباحة في العين، فلا تصح على نفع محرم؛ كالزنا والزمر والغناء وجعل داره كنيسة أو لبيع الخمر، وتصح إجارة حائط لوضع أطراف خشبه عليه.
    ولا تؤجر المرأة نفسها بغير إذن زوجها.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، من شروط الإجارة: (الإباحة في نفع العين) فلا تصح الإجارة على نفع محرم، ودليل ذلك سبق، منها؟
    طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» (11).
    الشيخ: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»، وعلى هذا فكل عقد ليس في كتاب الله فهو باطل. دليل آخر؟
    طالب: قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
    الشيخ: قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ».
    (فلا تصح على نفع محرم كالزنا) يعني: لو استأجر امرأة ليزني بها -والعياذ بالله- فإن الإجارة باطلة، ولا تحل المرأة بذلك. وهذه قاعدة يجب أن تعلموها: كل عقد محرم فإنه لا يترتب عليه آثاره.
    فمثلًا البيع الفاسد لا يملك المشتري السلعة ولا البائع الثمن، الزنا؛ لو استأجر امرأة يزني بها فإنه لا يستبيح بذلك فرجها؛ لأن الإجارة فاسدة، ولأن الزنا محرم بالنص والإجماع.
    (وجعل داره كنيسة) يعني ..
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: الزمر والغناء، الزمر سبق الكلام عليه.
    (الغناء) بالمد وليس بالقصر، الغنى بالقصر ضد الفقر، والغناء بالمد هو تلحين القصائد والشعر وما أشبه ذلك.
    ثم الغناء أقسام: منه ما هو مباح، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو محرَّم.
    فالمراد هنا الغناء المحرم. والغناء المحرم يدور على شيئين؛ إما أن يكون موضوع الأغنية موضوعًا فاسدًا، وإما أن تكون مصحوبة بآلة لهو محرمة، هذا الغناء المحرم.
    (2/1823)
    ________________________________________
    إما أن يكون الموضوع موضوعًا فاسدًا؛ كوصف النساء ووصف الفروج ووصف المردان، وما أشبه ذلك، هذا محرم لذات الشعر، لماذا؟ لأن الموضوع موضوع فاسد محرم، وكذلك وصف الخمر وما إلى ذلك.
    أو يكون الموضوع غير محرم في حد ذاته، فهذا إن صحبه آلة لهو صار حرامًا؛ لما صحبه، وإن لم يصحبه آلة لهو فليس بحرام.
    إذا كانت الأغنية في مدح آلهة المشركين حرام ولَّا غير حرام؟
    الطلبة: حرام.
    الشيخ: حرام لا يحل؛ لأن هذه أشد من وصف الزنا واللواط وما أشبه ذلك.
    أما الغناء المباح فمثل: حداء الإبل، الغناء على الأعمال المباحة يستعين به على التعب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني المسجد كان الصحابة ينشدون على العمل ويقرهم على ذلك (15)، فإذن نقول: العمل الذي يستعان به على مصلحة شرعية أو غرض صحيح لا بأس به.
    العمال وهم لا يبنون المسجد ولا يحفرون خنادق الحروب لكنهم يبنون بنايات مباحة، هل يحل لهم الغناء من أجل التقوي على العمل؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: نعم، يجوز ذلك.
    فالمهم أن مراد المؤلف بقوله: (الغناء) يعني: الغناء المحرم؛ إما لذاته، وإما لما يصحبه من فعل محرم. نقول: من فعلٍ محرَّمٍ أعم؛ لأجل يشمل العزف، ويشمل الطرب، ويشمل الرقص، وما أشبه ذلك.
    قال: (وجعل داره كنيسة) يعني: لو استأجر من شخص داره ليقيم فيها شعائر النصارى فيجعلها كنيسة فالإجارة حرام.
    ومثل ذلك: لو استأجرها لبيع الخمر فالإجارة حرام، لو استأجرها لبيع الدخان فالإجارة حرام، لو استأجرها لبيع الدشوش فالإجارة حرام، لبيع التلفزيونات فالإجارة حرام إذا كان الغالب على مشتري التلفزيونات أن يستعلمها في المحرم؛ لأن التلفزيون فيه شيء محرم وفيه شيء غير محرم؛ لأنه آلة صرفها كما تريد.
    (2/1824)
    ________________________________________
    لكن لو استأجر البيت على أنه يسكنه وكان نصرانيًا، فجعل في البيت معبدًا فهل الإجارة صحيحة أو لا؟ صحيحة؛ لأنه حين العقد إنما عقد على عمل مباح؛ سكنى، فالمعصية هنا معصية في البيت، لكنه لم يستأجر البيت من أجلها.
    لو أنه أجَّر شخصًا بيتًا، ثم وضع فيه الدش، وصار يأتي بكل قناة فاسدة خاربة، فما الحكم؟
    إذا كان استأجر البيت لهذا فالإجارة محرمة وفاسدة، وإن استأجره للسكنى ثم وضع هذا فيه فلا بأس، ولكن إذا تم العقد -أي: تمت مدة الإجارة- يقول لهذا المستأجر: إما أن تخرج هذه الآلة التي هي الدش، وإما ألَّا أجدد لك العقد، وأما ما تم عليه العقد من قبل من مدة فإنه يجب إتمامه؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
    ثم قال المؤلف: (وتصح إجارة حائط لوضع أطراف خشبه عليه) يعني: لو كان الإنسان له جار والحائط -يعني الجدار- الحائط لجاره، واستأجر الحائط ليضع أطراف خشبه عليه فإنه لا بأس بذلك.
    ولكن قد يشكل على هذا أنه يجب على الجار أن يمكن جاره من وضع أطراف خشبه على جداره، كما جاء في الحديث الصحيح: «لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ» أو قال: «خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ»، قال أبو هريرة -وكان أميرًا على المدينة-: ما لي أراكم عنها معرضين؟ واللهِ لأرمين بها بين أكتافكم (16)، وهذا الحديث يدل على أنه يجب تمكين الجار من وضع الخشب.
    فيقال: نعم، لكن أحيانًا لا يجب؛ وذلك فيما إذا أمكن التسقيف بدون وضع الخشب على الجدار، فإنه لا يجب؛ يعني: لو كانت الحجرة ضيقة ويمكن أن تضع الخشب عرضًا وجدار الجار يكون طولًا فهنا يمكن أن تسقف بدون أن تحتاج إلى جدار الجار.
    (2/1825)
    ________________________________________
    كذلك أيضًا ربما يكون جار لا يحب النزاع والمخاصمة، ورفع الأمر إلى القاضي حتى يجبر الجار على أن يضع الخشب على جداره، فهنا نقول: في الحال التي يجب على الجار أن يمكِّن جاره من وضع الخشب على الجدار؛ إذا كان المحتاج لوضع الخشب لا يريد المقاضاة والمحاكمة وأراد أن يدفع له عوضًا من أجل التمكين من وضع الخشب فإن ذلك جائز لمن؟
    طالب: للمستأجر.
    الشيخ: نعم، جائز للمستأجر، وليس جائزًا لصاحب الجدار؛ لأن الواجب على صاحب الجدار إذا لم يكن على الجدار ضرر وكان صاحبه محتاجًا أن يمكنه منه.
    إذا قال قائل: هل يُشْتَرط في هذه الحال تقدير المدة أو يُتَسامح عنه للحاجة؟
    الجواب: الثاني؛ لأنا ما ندري متى ينهدم الجدار، وعلى هذا فنقول: يضرب عليه أجرة كل سنة بكذا، ولا يحتاج إلى تقدير مدة السنين. علل؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: للحاجة إلى ذلك، ولا يمكن أن نحيط به علمًا متى يقع هذا الجدار، وعلى هذا فيكون اشتراط تعيين المدة هنا غير واجب، وذلك؟
    طلبة: للحاجة.
    الشيخ: لدعاء الحاجة إليه؛ أي: لعدم اشتراطه.
    (ولا تؤجر المرأة نفسها بغير إذن زوجها) المرأة إذا تزوجت إنسانًا ملكها، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء بأنهن عوان عند الأزواج (17)، والعواني جمع (عانية)، والعانية هي الأسيرة، وقد سمَّى الله تعالى في القرآن الزوج سيداً فقال: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} أي: زوجها، {لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25]، فهي إذن مملوكة، ونفعها مملوك للزوج، حتى إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لَا يَحِلُّ لَامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ» (18)، فالوقت مملوك للزوج، فلا تؤجر نفسها بغير إذن زوجها حتى يأذن، وإذا أذن فالحق له.
    إذا طلبت المرأة من زوجها أن يأذن لها أن تخدم فقال: لا بأس اخدمي، يجوز لها ذلك أو لا؟ يجوز.
    (2/1826)
    ________________________________________
    لو استأذنت من زوجها أن تُعَلِّم؛ تشتغل بالتدريس وأذن لها جاز، فإن لم يأذن فإنه لا يحل لها أن تؤجر نفسها إلا بإذن الزوج.
    فإن شُرِطَ على الزوج عند العقد أنها تستخدم نفسها فلا بأس؛ المسلمون على شروطهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» (19)، وهذا يقع كثيرًا في الآونة الأخيرة؛ لأن من النساء من تكون معلمة أو دارسة فإذا تزوجت ولم يذكر في الشرط أن الزوج يمكِّنها من التدريس أو الدراسة فله منعها من ذلك، وأما إذا اُشترِط عليه فالمسلمون على شروطهم.
    (فصلٌ)
    ويُشترَطُ في العينِ المؤجَّرَةِ مَعرفتُها برؤيةٍ أو صِفةٍ في غيرِ الدارِ ونحوِها، وأن يَعْقِدَ على نَفْعِها دونَ أجزائِها، فلا تَصِحُّ إجارةُ الطعامِ للأكلِ ولا الشمْعِ ليُشْعِلَه ولا حيوانٍ ليَأْخُذَ لبَنَه إلا في الظِّئْرِ، ونقْعِ البِئْرِ وماءِ الأرضِ يَدخلانِ تَبَعًا.
    والقدرةُ على التسليمِ , فلا تَصِحُّ إجارةُ الآبِقِ والشارِدِ، واشتمالُ العينِ على الْمَنفعةِ , فلا تَصِحُّ إجارةُ بَهيمةٍ زَمِنَةٍ لِحَمْلٍ، ولا أَرْضٍ لا تُنْبِتُ للزرْعِ، وأن تكونَ الْمَنفعةُ للمُؤَجِّرِ أو مَأذونًا له فيها، وتَجوزُ إجارةُ العينِ لِمَنْ يَقومُ مَقامَه , لا بأكثرَ منه ضَرَرًا. وتَصِحُّ إجارةُ الوَقْفِ , فإن ماتَ الْمُؤَجِّرُ وانْتَقَلَ إلى مَن بَعْدَه لم تَنْفَسِخْ , وللثاني حِصَّتُه من الأُجْرَةِ،
    يجوز لها ذلك أو لا؟ يجوز، لو استأذَنَتْ من زوجها أن تُعَلِّم؛ تشتغل بالتدريس، وأَذِن لها جاز، فإن لم يأذن فإنه لا يَحِلّ لها أن تُؤَجِّر نفسها إلا بإذن الزوج.
    (2/1827)
    ________________________________________
    فإن شُرِطَ على الزوج عند العقد أنها تستخدم نفسها فلا بأس، المسلمون على شروطهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» (1)، وهذا يقع كثيرًا في الآونة الأخيرة؛ لأن من النساء مَن تكون معلِّمة أو دارسة، فإذا تزوَّجت ولم يُذْكَر في الشرط أن الزوج يُمَكِّنُها من التدريس أو الدراسة فله منعها من ذلك، وأما إذا اشْتُرِطَ عليه فالمسلمون على شروطهم.
    وقول المؤلف: (لا تُؤْجِر نفسها) يخرج بذلك ما لو استُؤْجِرَت على عمل مشترك، بمعنى: أَجَّرْنَاها مثلًا أن تخيط ثوبًا، أو تخصف نعلًا، أو ترقع ثوبًا، أو ما أشبه ذلك، فهنا لم تُؤَجِّر نفسها؛ لأن المستأجر لها لا يملكها، إنما استأجرها على أيش؟ على عمل، وهذا فيه تفصيل:
    إن كان يشغلها عن حقوق زوجها فإنه لا يحل لها إلا بإذن الزوج، وإن كان لا يشغلها فلا بأس، فإذا قدَّرْنا أن هذه امرأة لها زوج موظف في أول النهار ليس موجودًا عندها، واستُؤْجِرَت لخياطة ثوب تخيطه في وقت غيابه عن البيت دون أن تُقَصِّر بأعمال البيت، فهذا جائز؛ لأنه ليس على الزوج ضرر في هذا.
    وكذلك لو كان الزوج غائبًا واستُؤْجِرَت لتخيط ثوبًا أو تغسله، أو ما أشبه ذلك، فلا بأس؛ لأنه في هذه الحال لا يضيع شيء من حق الزوج.
    فإن أَجَّرَت نفسها في حال غياب الزوج فظاهر كلام المؤلف أن ذلك لا يجوز؛ لقوله: (لا تؤجر نفسها)، وهو -كما هو ظاهر الكلام- لا يجوز؛ لأنه قد لا يرضى الزوج أن تخرج من بيته وإن كان غائبًا، فلا تُؤَجِّر نفسها مطلقًا إلا بإذن الزوج.
    أما استئجارها على عمل فقد عرفتم أن في ذلك تفصيلًا، وهو أنه إذا كان لا يضيع به حق الزوج؟ أَتِمّ.
    طالب: صح.
    الشيخ: فلا بأس، فهو صحيح، فالإجارة صحيحة، وإن كان يضيع به حق الزوج فلا بد من إذنه.
    (2/1828)
    ________________________________________
    ثم قال المؤلف رحمه الله: (فصل: ويُشْتَرَط في العين الْمُؤْجَرة معرفتها برؤية أو صفة)، هذه من شروط تأجير العين، لا بد أن تكون معروفة (برؤية)، مثل لو استأجرت من شخص سيارة فلا بد أن تراها، أو يصفها لك بصفة تتميز بها عن غيرها وتنضبط بها.
    قال: (في غير الدار ونحوها)، فالدار ونحوها لا يكفي فيها الصفة، لا بد من الرؤية.
    السيارة تكفي فيها الصفة؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: نعم، البعير يكفي فيه الصفة، كذلك أيضًا الحيوان استأجره يكفي فيه الصفة، لكن الدار ونحوها كالأرض للزرع، وما أشبه ذلك، لا يحوز إلا برؤيتها بالعين، لماذا؟ لأنه لا يمكن إحاطة الوصف بها، لو أتاك إنسان من أشد الناس دقة في الوصف فإنه لا يمكن أن يحيط بالدار، لو قال لك: البيت –مثلًا- فيه عشر حُجَر، وخمس غُرَف، ساحة، حمامات، ما تستطيع أن تتصورها، بل إن بعض الناس ربما يكون من أدق الواصفين، لكن تدخل البيت فتجدك مغمومًا، يعني بعض البيوت -سبحان الله! - إذا دخلها الإنسان سُرَّ بها، وبعضها إذا دخلها غُمَّ بها.
    إذن فلا بد في استئجار البيت من الرؤية، وكذلك الأرض؛ استأجر أرضًا للزرع لا بد أن يراها بنفسه؛ لأن الأرض تختلف، سبخة، رملية، تُرابية، حَجَرِيّة، كذلك أيضًا تختلف ارتفاعًا وانخفاضًا، فلا يمكن أن يحيط بها الوصف، إذن لا بد أن يراها المستأجر بعينه.
    فقول المؤلف رحمه الله: (في غير الدار ونحوها) عائد على قوله: (أو صفة)، يعني: إلا في الدار، (ونحوها) فإنه لا يجوز تأجيرها بالصفة، بل لا بد فيها من الرؤية.
    (2/1829)
    ________________________________________
    بالنسبة ما يُسْتَأْجَر لصوته، بماذا يُعْلَم؟ بالسماع، قد يكون مثلًا أنت استأجرت ساعة منبِّهة، من أجل أن تُنَبِّهك لعمل ما هذا لا بد أن تسمع، يكفي الرؤية أو لا يكفي؟ لا يكفي الرؤية، اللهم إلا إذا كانت مثلًا من صنعة معينة معروفة، وأن صوتها في التنبيه معروف، إذا رُؤِيَت الساعة فهذه ربما يُكْتَفَى بذلك، على أنه ربما يكون هذا النوع غُيِّرَت نغمة صوته، أو حصل بها خلل، إذن لا بد من السماع.
    استأجر ديكًا لأذانه لا بد يسمع أذان الديك؟
    طلبة: معروف.
    الشيخ: لا، ما هو معروف، بعض الديكة صوته جميل وبعضه أَبَحّ، ما هو جميل، تختلف اختلافًا عظيمًا، لكن لو استأجر ديكًا يوقظه للصلاة؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: ليش؟ لأنه لا يمكن استيفاء المنفعة، هل الديك إذا صار تلك الليلة نائمًا وصار في الصباح تُوَبِّخُه؟ ما ينفع، إذن الديك يُسْتَأْجَر لصوته، أما لكونه يوقظك للصلاة فهذا شيء لا يمكن؛ لأن استيفاء المنفعة منه أيش؟ غير ممكن.
    خلاصة القول أنه يُشْتَرَط معرفة العين الْمُؤْجَرة، ما استؤجر للرؤية فبالرؤية، ما استؤجر للصوت فبالصوت، ما لا يمكن إدراكه إلا بالرؤية فلا بد من الرؤية، وما يمكن إدراكه بالصفة فيكفي فيه الصفة.
    طالب: الغالب أن الناس يستأجرون استراحات ( ... ) للترويح عن النفس، ويدخل في هذا ( ... ).
    الشيخ: هذا يسأل يقول: بعض الناس الآن يستأجرون الأحواش والاستراحات للترفيه عن النفس، ويكون فيها من جملة الترفيه الدشوش، إذا علمنا أنهم سوف يجعلون من ضمن الترفيه الدشوش ما يجوز نؤجِّرها، لكن لو أجَّرناهم على أننا إنما نريد كما قلت: الترويح عن النفس، ثم هم أتوا به وأنا لا أعلم، ولم يغلب على ظني حين العقد، فلا بأس.
    طالب: بالنسبة للبيوت قلنا: إنه لا بد أن يراها، إذا كانت مثلًا فيه بيوت جاهزة، يقول لهم: مثل بيت فلان بالضبط؟ في بيوت جاهزة ما تتغير.
    (2/1830)
    ________________________________________
    الشيخ: ما تقولون في هذا السؤال؟ لو أنه قال الذي أجَّر البيت: أنا أؤجرك البيت، وهو مثل بيت فلان، روح انظر إليه هو هو كأنه نسخة منه، يكفي؟
    طلبة: لا يكفي.
    الشيخ: هو على كل حال من جهة شكل البيت قد يكونون سواء، ويمكن إدراكه برؤية نظيره.
    لكن المشكِل أن بعض البيوت -كما قلت لكم- منين ما دخل الإنسان يجد غمًّا، وبعضها ينشرح صدره، حتى أن بعض البيوت تكون أسوأ من البيوت الأخرى من جهة التنفيذ ومن جهة الأنوار، ومع ذلك ينقبض بها الإنسان، فالظاهر أنه لا بد من الرؤية على كل حال.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، يكثر في بعض البلاد بيع البيوت على المخططات، تُشْتَرَى ويأتي المهندس يرسم خريطة لهذه العمارة وخريطة للشقق التي فيها، وتجد الناس يعني يدفعون أقساطًا شهرية دفعة أولى مبلغًا كبيرًا، ثم أقساطًا شهرية حتى ينتهي هذا البناء، وعليه عمل معظم الناس هناك في تلك البلاد، وهم بحاجة إليها ماسة، فهل هذا جائز؟
    الشيخ: يعني يريد أن يبني لهم بناءً موصوفًا.
    الطالب: نعم، لكن ليست إيجارًا إنما هو بيع.
    الشيخ: ما فيه بأس، إذا كان بس مضبوطًا يعني.
    طالب: غالب هؤلاء صادقون، لكن يحصل في بعض البعض تحايل.
    الشيخ: هو على قواعد الفقهاء لا يجوز؛ لأن الدار ونحوها ما يمكن ضبطها إلا بالرؤية حتى في البيع، كالإجارة، لكن إذا كان الناس اعتادوا ذلك ودعت الضرورة إليه، وكان الذي باع البيت وأراد أن يبنيه على هذا الوصف رجلًا أمينًا فللحاجة والضرورة نقول: لا بأس به.
    طالب: أحسن الله إليك، هل يجوز أن يُرَدِّد الإنسان الغناء الذي هو محرَّم لدخول المعازف عليه، أما القصيدة فما فيها شيء؟
    الشيخ: لا، فيها معازف ما يجوز.
    طالب: الغناء مشهور معروف أنه بالمعازف هو، يعني الذي قاله قاله بالمعازف، هل يجوز أن يردده الإنسان ما دام أنه لا يستخدم معه المعازف؟ رغم أن ..
    الشيخ: ما هو يستمع، يعني تسأل يردِّده لكن بدون استماع.
    (2/1831)
    ________________________________________
    طالب: يردده نعم، هو بدون إدخال معازف عليه والقصيدة ..
    الشيخ: ما فيها بأس، بس بعض العلماء كره ذلك لأنه يُخْشَى أن يجذبه هذا الغناء، لكن ما فيها بأس، يردِّد الغناء على شبه أغنية مثلًا في البيت مثلًا وحده ما فيه بأس.
    طالب: هناك يا شيخ بعض الأغاني يعني هادفة في المواضيع، لكن يكون أداؤها بتكسر في الصوت، هل هذا له الحكم.
    الشيخ: يعني صفة الأداء؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: أنا أرى أنه إذا كان أداء الأغنية كأداء الأغاني الماجنة أنا أرى أنها لا تجوز، حتى وإن كانت هادفة وموضوعها جيد.
    طالب: إذا كان بعض طلبة العلم يقولون: إن الغزل جائز، يجيزونه، ويستدلون ببعض الأدلة، يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم تغزل أمامه أحد الصحابة بانت سعاد (2)، وغيره، فيكون الغزل يجوز على هذا الحال؟
    الشيخ: هو على كل حال الغزل جائز، يعني استعمله العلماء رحمهم الله، لكن بانت سعاد ترى ما صحت، انتبه لهذا! هي مشهورة أنها أُنْشِدَت عند الرسول عليه الصلاة والسلام لكن لم تصح، سندًا ما صحت، لكن على كل حال هذا غير، يعني مثلًا يتحدث عن معشوقته، لكنه ليس يمدح الزنا، أو يمدح الْمُرْدَان أو ما أشبه ذلك.
    طالب: شيخ بارك الله فيكم، إذا أَجَّر داره على غيره لسكناها ثم استعملها في منفعة محرَّمة بأن وضع فيها دشًا أو نحوه، فهل له أن يطلب منه إزالتها أو فسخ العقد، وأن يرفع ذلك للقاضي؟
    الشيخ: أما فسخ العقد لا يتم.
    الطالب: ولا يمكنه القاضي؟
    الشيخ: ولا يمكنه القاضي، حتى ولا يَحِلّ له أن يفسخ العقد، لكن ينصح هذاك الذي استعملها في المحرَّم ينصحه ويخوِّفه بالله، وإذا تمت المدة قال له: إما أن تُزِيلَ هذا المحرَّم وإما أن تخرج.
    طالب: تأجير الرافضة والمبتدعة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    الشيخ: هذا جرى عرف الناس الآن أنهم يُؤَجِّرُونه، كما أن الإنسان يؤجِّر الكافر والنصراني.
    الطالب: حديث: «مَنْ آوَى فِيهَا مُحْدِثًا» (3).
    (2/1832)
    ________________________________________
    الشيخ: إي، معناه نصره على ذلك.
    الطالب: تأجيرهم ما هو من الإيواء؟
    الشيخ: فيه نظر.
    طالب: ذكرنا أقسام الغناء أنه ينقسم إلى محرَّم ومكروه ومباح. ذكرنا قسمين وتركنا المكروه يا شيخ.
    الشيخ: المكروه اللي أجبنا عنه الأخ.
    طالب: بارك الله فيك، ما هو الفرق بين إدراك الوصف في الدار والسيارة؟
    الشيخ: الفرق بينهم واضح.
    الطالب: هي ربما تكون مستعملة.
    الشيخ: لا هو بيصف له سيارة ما استُعْمِلَت إن كان يريد جديدة، أو مستعملة مثلًا مشت كذا وكذا، المهم إذا لم تنضبط فنفس الشيء، لكن الغالب أن السيارة كالإناء تنضبط.
    والدار ليس أن الإنسان لا يحيط بها وصفًا، قد يحيط بها وصفًا لكن نفس الدار بعضها ينشرح الصدر إذا دخل الإنسان وبعضهم يضيق صدره.
    طالب: لو استأجر نساء يغنين مع الدف ثم يسجِّله ويجعله في الأعراس ليكون مكان الأغاني المحرَّمة، فهل يقال: إن الشرع أجاز الدف للزواج، أو يقال: إن التسجيل يختلف؟
    الشيخ: لا، هذا لا بأس به، يعني استأجر نساءً يدْفُفْن من أجل أن يكون بدلًا عن اجتماع النساء.
    الطالب: ويسجِّل يا شيخ، تسجيل.
    الشيخ: إي نعم، هو الآن مستعمل هذا الذي تقول، ما فيها شيء.
    طالب: شيخ، الدف في غير الأعراس للرجال وللنساء ..
    الشيخ: ما هذا موضوعنا، سيأتينا في باب الوليمة.

    ***
    الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى: في فصل ما يشترط في العين المؤجرة: وأن يعقد على نفعها دون أجزائها، فلا تصح إجارة الطعام للأكل، ولا الشمع ليشعله، ولا حيوان ليأخذ لبنه إلا في الظئر، ونقع البئر وماء الأرض يدخلان تبعًا، والقدرة على التسليم؛ فلا تصح إجارة الآبق والشارد، واشتمال العين على المنفعة؛ فلا تصح إجارة بهيمة زَمِنَة لحمل، ولا أرض لا تنبت للزرع، وأن تكون المنفعة للمؤجِّر أو مأذونًا له فيها.
    (2/1833)
    ________________________________________
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    في الفصل الأول ذكر شروط الأجرة، وفي هذا الفصل ذكر شروط العين الْمُؤْجَرة، منها: أن تكون معلومة برؤية أو صفة، فما هو الدليل على هذا الشرط؟
    طالب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر (4).
    الشيخ: دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، هذا دليل أثري، ونريد دليلًا نظريًّا؟
    طالب: أن الأشياء التي تؤجَّر تختلف اختلافًا بيِّنًا بينها، فلما كان ذلك وجب ضبطها إما بصفة منضبطة أو ( ... ).
    الشيخ: لأن الجهالة تؤدي إلى النزاع والخصام، وهذا يُثْمِر العداوة والبغضاء بين المسلمين، وهذا مما تحاربه الشريعة الإسلامية، هذا الدليل النظري.
    ما هي العين التي لا يصح أن تؤجر بالصفة؟
    طالب: كالدار والأرض.
    الشيخ: لماذا؟
    الطالب: لأنه لا يمكن أن توصف بالوصف أو ..
    الشيخ: لا يمكن انضباطها بالوصف، وهذا هو الذي ذكره الفقهاء رحمهم الله، لكن فيه قول ثاني؛ أنه يجوز الإجارة، وله الخيار إذا رآها، يعني يجوز أن تؤجَّر بالصفة، يقول: أنا أَجَّرْتُك مثلًا شقة صفتها كذا وكذا، تدخل من على الباب على يمينك المجلس، وعلى يسارك المأكل، وأمامك مثلًا الباب اللي يدخل على البيت، وما أشبه ذلك، المهم يصفها له تمامًا ولو على الخارطة، وله الخيار إذا رآها.
    فإذا قال قائل: إذا كان كذلك فلماذا لا يصبر حتى يراها؟
    نقول: الفائدة من قولنا: إنها تصح وله الخيار إذا رآها، أنه لو جاء أحد آخر فاستأجر من الْمُؤْجِر من صاحب الشقة وقلنا: إن الإجارة صحيحة، فهل يملك الثاني أن يستأجر؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: لماذا؟ لأنها مُؤَجَّرة، وعلى القول بأنها لا تصح له أن يؤجرها، هذا هو الفائدة.
    (2/1834)
    ________________________________________
    وإلا لو قال قائل: ننتظر حتى يراها، نقول: ربما يكون الناس عندهم إقبال شديد على البيوت والشقق، فهذا رجل بادر على طول واستأجر بالوصف، إذا قلنا: الإجارة صحيحة وله الخيار، صار بمجرد العقد تكون المنفعة لمن؟ للمستأجِر، فلا يملك صاحب البيت أو الشقة أن يؤجرها، وعلى القول بأن الإجارة لا تصح هو بالخيار، هذه من جهة.
    من جهة أخرى: من الناحية الْحُكْمِيَّة كل عقد غير صحيح فهو حرام؛ لأنه ليس في كتاب الله، وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وهذه قاعدة اعرفوها، جميع العقود الفاسدة والشروط الفاسدة عقدها حرام واشتراطها حرام؛ لأنه من المضادة لله عز وجل.
    فإذا قلنا بأنه يصح العقد وله الخيار إذا رآها، صار العقد حلالًا، وإذا قلنا: لا يصح العقد، صار العقد حرامًا، وصار كل من المستأجر والمؤجِّر آثِمَيْنِ؛ لأنهما فعلَا حرامًا، أفهمتم الآن؟
    أيهما المذهب؛ أنه لا يصح، أو يصح وله الخيار؟
    طلبة: الأول.
    الشيخ: الأول؛ أنه لا يصح مطلقًا، وعلى هذا فيحرم تعاطي هذا العقد، ويجب عليهما إذا رآها وقنع بها أن يعيدَا العقد.
    فيه أيضًا الشرط الثاني: (أن يعقد على نفعها دون أجزائها)، (أن يعقد) مَن؟
    طلبة: الثاني.
    الشيخ: المستأجر والْمُؤْجِر، ولهذا لو قال: أن يعقدَا، أو قال: أن يكون العقد، لكان أوضح في الشمول.
    (أن يعقد على نفعها دون أجزائها)، يعني أن يكون المعقود عليه النفع دون الجزء.
    مثاله قوله: (فلا تصح إجارة الطعام للأكل)، إنسان مثلًا وجد له إناءً من التمر، وقال: أَجِّرْنِي هذا التمر بأكله، لا تصح الإجارة، ليش؟ لأنه كيف يستأجر؟ لا يمكن أن ينتفع به إلا بأكله وذهاب أجزائه.
    إذن كيف العمل إذا كان الإنسان يريد أن يأكل قدر ملء بطنه والباقي يكون لصاحبه؟ يشتري، قلنا: اشترِ منه بمقدار ملء البطن، يجوز ولّا ما يجوز؟
    الطلبة: ما يجوز.
    الشيخ: ليش؟
    الطلبة: مجهول العين.
    (2/1835)
    ________________________________________
    الشيخ: مجهول، ما ندري، قد يكون هذا الرجل قنوعًا وقد يكون أكولًا، أفهمتم؟
    إذن الطريق أن يبيعها جميعًا.
    لو قال مثلًا: أبيعها عليك بقدر ما تأكل منه، بمعنى: أننا نكيل هذا التمر أو نزنه، فإذا بلغ خمسة كيلوات مثلًا، ثم بعت عليه مقدار ما يأكل أو يشرب، والباقي ينزل من الثمن بقسطه، هو لما أكل أكل كيلوين وقد بعت عليه الخمسة كيلوات بخمسين ريالًا، أكل كيلوين كم يبقى؟
    الطلبة: ثلاثة كيلوات.
    الشيخ: ثلاثة كيلوات، ينزل من الثمن ثلاثون ريالًا، هل يجوز هذا أو لا يجوز؟
    المذهب: لا يجوز، لا بد أن نعرف مقدار ما يؤكَل عند العقد، وهذا متعذِّر، لكن القول الثاني: الجواز، وأنه لا بأس ما دام عُلِمَ وقيمة الخمسة كيلوات بخمسين ريالًا، أي أن كل كيلو بكم؟ بعشرة ريالات، ما أكلت منه فبقسطه من الثمن، وما أبقيت فينزل من الثمن بقسطه.
    الحقيقة أن هذا ليس فيه جهالة؛ لأنه لو حتى لو قُدِّر أنه حين العقد فيه جهالة فسيؤول إلى العلم.
    ننتقل من هذا إلى مسألة بدأ الناس يتعاملون بها الآن، وهي البيع على التصريف، هل يجوز أو لا؟
    يقول مثلًا: هذه خمسة كراتين حليبًا، أو خمس طرائق خبز، يبيعها على البقال على التصريف، يعني فيأتي إليه في آخر النهار ويقول: كم صَرَّفت؟ كذا وكذا، هو عليك بكذا والباقي رُدَّه ويسقط من الثمن، أيجوز هذا أو لا؟
    طالب: على المذهب لا يجوز.
    الشيخ: نعم المذهب لا يجوز، ولا إشكال، لكن على هذا القول الذي قلنا: إنه لا بأس به في مسألة التمر المأكول، نقول: يجوز، بشرط أن نقدِّر لكل شيء ثمنًا، أما أن يقول: على ما تُصَرِّف، وهو لم يقل مثلًا: كل كرتون بكذا، أو كل طريقة من طرائق الخبز بكذا، فهذا يؤدي إلى الجهالة ولا ندري.
    (2/1836)
    ________________________________________
    وعليه فنقول في مسألة التصريف: له طريقان؛ إما أن يُوَكِّلَه، يعني الذي أتى بالخبز أو أتى باللبن أو ما أشبه ذلك يُوَكِّل البقال، فيقول: خذ هذا بعه، ولك على كل صندوق أو على كل كرتون كذا وكذا، جائز هذا ولّا غير جائز؟
    طلبة: جائز.
    الشيخ: هذا جائز قولًا واحدًا؛ لأنه توكيل بعِوَض، ما فيه إشكال.
    أو يقول على القول الراجح: هذه مثلًا عشرة صناديق هي عليك بمئة، كل صندوق بعشرة، وما لم تُصَرِّفْهُ يُرَدّ بقسطه من الثمن، فهذا نرى أنه جائز؛ لأنه ليس على أحد الطرفين ضرر، وليس فيه ظلم، وصاحب اللبن مُسْتَعِدّ لقبول ما تَبَقَّى ولا بأس، ومثله الظاهر الصحف والجرائد، الظاهر إنها على هذا.
    إذن المهم أن نحدد مقدار ثمن كل واحد، وحينئذٍ يكون صحيحًا.
    إذن الطعام للأكل لا تصح إجارته، لكن يصح أيش؟ بيعه.
    (ولا الشمع ليُشْعِلَه)، أيضًا لا تصح إجارة الشمع ليشعله، والشمع تعرفونه أو لا؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: كلكم؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: الشمع عبارة عن شيء جامد يذوب مع النار، لكنه يغذِّي النار، مثل الفتيلة تمامًا، هذا يُسْتَعْمَل فيما سبق، أنا لم أدركه، لكن يحدِّثُونا عنه، يضعونه في حوض صغير، ويضعون الشمعة ويوقدون في الفتيلة، ثم تبدأ الفتيلة تضيء والشمع يذوب.
    طالب: موجود.
    الشيخ: موجود؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: يُسْتَعْمَل؟
    طالب: عند الضرورة.
    الشيخ: عند الضرورة حتى! الضرورة تبيح أكل الميتة، على كل حال هذا الذي يُسْتَعْمَل لو قال المستأجِر: أنا أريد أن أستأجر هذه الشمعة من أجل أن عندي الليلة ضيوفًا، وأستاجرها منك بكذا وكذا لمدة ساعة أو ساعتين.
    المذهب: لا يجوز، لماذا؟ لأننا لا ندري ماذا يُسْتَهْلَك من الشمعة.
    واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن ذلك جائز، ولكن كلام الشيخ رحمه الله لا بد فيه من تحرير.
    (2/1837)
    ________________________________________
    التحرير أن نقول: إما أن يُقَدَّر بالمساحة، بمساحة الشمعة، فيكون مثلًا الآن مساحتها شبر -تعرفون الشبر- بعشرة ريالات، وما نقص من الشبر فبقدره، هذه تكون معلومة ولّا غير معلومة؟
    طلبة: معلومة.
    الشيخ: تكون معلومة، أو يقدرها بالساعة، ونحن نعرف استهلاك النار من الشمعة بالساعة والدقيقة، هذا أيضًا يكون معلومًا، أليس كذلك؟
    إذن نقول: شيخ الإسلام رحمه الله اختار الجواز، لكن لا شك أن كلامه لا بد فيه من تقييد، وهو أن يكون معلومًا بالزمن أو بالمقدار بالحجم، فإذا كان معلومًا فلا بأس.
    (ولا حيوان ليأخذ لبنه إلا في الظئر)، الحيوان لا يجوز أن يستأجره لأخذ لَبَنِه.
    مثال ذلك: رجل عنده أطفال صغار من الضأن أمها ماتت، فاستأجر شاة إنسان لمدة يوم أو يومين حتى يشتري شاة ترضع الأطفال، يجوز أو لا؟ يقول: لا يجوز؛ لأن المعقود عليه الآن اللبن، واللبن أجزاء، والإجارة لا تكون إلا على منافع، ما تكون على أجزاء، فإذا استأجر حيوانًا لأخذ لبنه فلا يجوز، ومثل ذلك ما كانوا يستعملونه قديمًا، يكون عند الإنسان ضيوف فيستأجر من جاره بقرة لمدة يوم أو يومين من أجل أخذ اللبن، على المذهب لا يجوز؛ لأن اللبن مجهول، ثم حَلْبُها أيضًا مجهول، وبعض البهائم تمنع الحليب، ما تطيع أن تحلب، ففيه جهالة، لكن الظئر مُسْتَثْنى.
    والظئر هي المرضعة لولد غيرها، فيجوز للإنسان أن يستأجر امرأة تُرْضِع ولده بأجرة معلومة، مع أن المعقود عليه اللبن، لا شك أن هذا هو المعقود عليه.
    (2/1838)
    ________________________________________
    الفقهاء رحمهم الله أُورِد عليهم إيراد واضح، قيل لهم: إن الظئر إجارتها جائزة بنص القرآن، قال الله تبارك وتعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وقال: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]، وقال: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6]، يعني: المسألة جائزة بالقرآن، ما لأحد أن يقول: لا، وأُورِدَ على الفقهاء، قيل: أي فرق بين لبن الآدمية ولبن غير الآدمية؟
    أجاب بعضهم بجواب ليس بسديد، قال: لأن الآدمية إنما تستؤجَر لأجل أخذ الطفل ووضعه في حجرها وإلقامه الثدي، وما أشبه ذلك، الحيوان هل يفعل هذا بما يرضعه؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: ما يفعل؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: لا، غالبًا ولا طارئًا، هو لا يفعل لكنه يقف لما يرضعه، ويتأنَّى ويفتح رجليه، لا شك أنه يخدمه.
    فنقول لهم: بارك الله فيكم، هل من المعقول أن الإنسان يستأجِر مرضعة ترضع ولده من أجل أن تأخذه وتضعه في حجرها وتلقمه الثدي إذا لم يكن في الثدي شيء؟ أجيبوا.
    طلبة: لا يمكن.
    الشيخ: ما يمكن، إذن ما المقصود؟ اللبن لا شك، لكن هذه وسائل إلى الحصول على اللبن، فالمقصود أولًا وبالذات هو اللبن.
    إذن وما دمنا قياسيين يجب أن نقول: إن استئجار الحيوان لأخذ لبنه جائز بالقياس على الظئر، وهذا أيضًا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصواب أنه يجوز، وسواء استأجره وأتى به إلى محله أو استأجره وهو عند صاحبه؛ لأن استئجار الحيوان لأخذ اللبن على وجهين:
    إما أن يستأجره ويأتي به إلى بيته وينفق عليه، وإما أن يستأجره وهو عند صاحبه ويكون الإنفاق على صاحبه، كل ذلك جائز على القول الصحيح، لكن على المذهب ماذا يصنع إذا كان عنده ضيوف ويريد أن يأخذ لهم لبنًا؟ يشتري.
    (2/1839)
    ________________________________________
    اللبن في الضرع يجوز بيعه؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: لا يجوز بيعه، نقول: احلبها، وإذا حلبتها يشتريها المحتاج، فالمهم أنه حتى لو سددنا الباب في مسألة استئجار الحيوان لأخذ لبنه فهناك أبواب مفتوحة والحمد لله.
    (نقع البئر وماء الأرض يدخلان تبعًا)، هذا أيضًا إجابة عن سؤال، لو استأجر الإنسان بئرًا يستقي منه، البئر معروف؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: ما هو؟
    الطالب: البئر هو يُحْفَر في الأرض لجلب الماء منها.
    الشيخ: يعني ( ... ).
    الطالب: نعم.
    الشيخ: على كل حال البئر معروف، استأجر شخص من آخر بئرًا يسقي إبله، يسقي زرعه، هذا جائز، لمدة شهر، قال: أنا باستأجر منك البئر هذه باسقي الزرع لمدة شهر، أو استأجرته منك لمدة شهر باسقي الإبل؛ لأني سوف أبقى في هذه الأرض الْمُرْبِعَة لمدة شهر، هذا جائز، مع أن المعقود عليه الآن الماء وهو عين وأجزاء.
    فكيف يجيبون عن القاعدة أن الإجارة لا بد أن تقع على المنفعة، يقولون: هذا يدخل تبعًا، تبعًا لأيش؟
    قالوا: لأن المعقود عليه البئر لها فم، الفم يأتي المستأجِر ويُدْلِي دلوه بهذا الفم والرِّشَا ويضع البكرة، تعرفون البكرة؟ طيب، يقولون: هذا هو المعقود عليه، مرور الرشا بالبئر، مرور الدلو بالبئر، أما الماء فليس معقودًا عليه، فهل هذا معقول؟
    يعني لو كان البئر ما فيها ماء يجيء واحد بيحط عليه دلوًا ورشا وبكرة وما شاء الله ينزّل الدلو ويصعّده، هل هذا ممكن؟ ما هو المقصود إذن؟ الماء، المقصود هو الماء.
    فقولهم: إن ماء البئر يدخل تبعًا، الحقيقة أنه بالعكس، الأصل هو الماء، والبئر لو لم يكن فيها ماء ما استأجرها أحد.
    ماء الأرض أيضًا كذلك يدخل تبعًا، إنسان مثلًا استأجر أرضًا للزرع لا بأس، الأرض فيها ماء؛ إما من نهر، أو وادي يأتي إليها، أو ما أشبه ذلك، يكون الماء يدخل تبعًا.
    (2/1840)
    ________________________________________
    وهذا عكس ما يريده كل إنسان، كل إنسان يستأجر أرضًا للزرع فإنما استأجرها من أجل مائها، لو لم يكن فيها ماء ما استُؤْجِرَت، وكذلك البئر.
    لكن الصواب الذي يظهر ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله، قال: إن الأجزاء التي تتولَّد وتتابع شيئًا فشيئًا بمنزلة المنافع تمامًا، ولهذا اختار رحمه الله أنه يجوز استئجار الحيوان لأخذ لبنه، واستئجار البئر لأخذ مائه، واستئجار الأرض لأخذ مائها.
    وقوله رحمه الله هو الصواب؛ أن الأعيان التي تأتي شيئًا فشيئًا بمنزلة المنافع.
    إذا قلنا: استأجَر حيوانًا لأخذ لبنه، وقلنا بهذا القول الراجح، فأبى الحيوان أن يحلب، في بعض الحيوانات يأبى أن يحلب، إما أنه يحلب على كيفه، وإلا إنه ما يحلب حتى يؤتَى بالولد ولده ويحلب عليه، وإما إنه ما يحلب حتى يؤتى له بطعام، المهم أنها تختلف الحيوانات.
    إذا أبى هذا الحيوان أن يحلب إطلاقًا فماذا يكون الحكم على القول بأن الإجارة صحيحة؟ نقول: له الفسخ، للمستأجر الفسخ، وذلك لتعذُّر استيفاء المنفعة بغير سبب منه، فله أن يفسخ.
    إذ إن المعقود عليه تعذَّر بغير سبب منه، ليس هو المفرِّط، وبذلك يتبين أن القول الراجح ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الأمر.
    قال: (ونقع البئر وماء الأرض يدخلان تبعًا) نقف على هذا الشرط، اللي بعده الشرط الثالث.
    طالب: شيخ بارك الله فيك، هناك محلات واقعة الآن تبيع الأطعمة تكون مثلًا تدفع مبلغًا مثلًا عشرين ريالًا، والأكل حتى الشبع.
    (2/1841)
    ________________________________________
    الشيخ: إي نعم، الظاهر أن هذا مما يُتَسَامح فيه، يعني مثلًا نحن الآن ( ... ) معروف إن الوجبة مثلًا بعشرين ريالًا، معروف، وأن الناس يختلفون في الوجبة، ولّا لا؟ ( ... ) إنسان صحن إدام ونصف خبزة ويكفي، وإنسان يحتاج إلى صحنين إدام وخبزتين، بينهم فرق ولّا لا؟ فالظاهر لي أن هذا مما يُتَسَامَح فيه، لكن إذا عرف الإنسان من نفسه أنه أكول فيجب أن يشترط على صاحب المطعم، عرفت؟ أنه أكول، يعني يقول: أنا ترى ما تَسُدُّني الخبزة والخبزتان.
    طالب: هو يقول: إلى الشبع؟
    طالب آخر: هو الذي يخدم يا شيخ.
    الشيخ: يا إخوان، السبب ما يهمهم الآن؛ لأن الأمور متيسرة والحمد لله، لكن تأتون في بلد فقيرة كل شيء عندهم محسوب، والناس يختلفون، ألم تعلموا أن بعض الناس يأكل زبيل التمر، ألم تعلموا هذا؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: أن أشهد أن الواحد منكم يأكل زبيل التمر، في أيام كثيرة، لكن في ناس يجلسون على التمر ما شاء الله يأكلون زبيلًا، يعني ما هو زبيل كامل، كثيرًا يعني.
    على كل حال: أرى أن هذه مما يُتَسَامح فيه عادة، إلا أن يكون الواحد منهم أكله خارجًا عن العادة فلا بد أن يخبر صاحبه، لا بأس مثلًا، يجلس على الماصة ويقول له: هات، جاء بما يُشْبِع غيره عادة انتهى، قال: جِيب.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: أنا ما أعرف هذا، أنا أعرف إنك في المطاعم تجلس على الماصة: أعطني كذا أعطني كذا.
    طالب: يعني اللي موجود ..
    الشيخ: يعني على الطاولة.
    الطالب: نعم، ولك ما تريد، وهل يدخل فيه الأخيرة ..
    الشيخ: طيب، آخذ اللي أريد، افرض مثلًا إنه فيه صحن بيض قيمته خمسة ريالات، وفيه صحن بصل قيمته ريال، كله واحد عندهم؟
    طالب: هذا اللي أسأل عنه، إنه واحد يأكل ما قيمته ريال، والثاني يأكل ما قيمته سبعون ريالًا، وكلهم يدفعون ..
    الشيخ: والله ما أدري يا أخي.
    طالب: يقال: إنها خدمة من صاحب المطعم.
    (2/1842)
    ________________________________________
    الشيخ: إي، تحتاج إلى نظر، أما الفرق اليسير لا بأس به مما يُتَسَامَح فيه عادة، أما الفرق الكثير فيحتاج إلى نظر في الواقع.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، فيه الجرائد هذه ( ... ) فيحطها صاحب البقالة في الخارج يعرضها للبيع، فيأتي بعض الناس ويفتح ويقرأ كل الجريدة ثم يردها ويمشي، فحكم هذا الفعل؟ هذه ظاهرة.
    الشيخ: صحيح، ما دام صاحب المكان ما منع، ما قال: لا أسمح لأحد أن يراجع وينصرف، هو الذي سلَّط الناس على ماله.
    طالب: له أن يرده حين شاء؟
    الشيخ: إي نعم، له أن يرده حين شاء، ما دام هكذا قيل.
    طالب: استئجار حيوان لأخذ شعره وصوفه ووبره يقاس على اللبن؟
    الشيخ: أما القول الراجح في مسألة الصوف يبيعه الآن حاضرًا، أما الصوف المستقبل ففيه جهالة عظيمة؛ لأنه متى ينبت الصوف حتى يكون أَخْذه ممكنًا؟
    طالب: ما يُقاس على اللبن؟
    الشيخ: قد يُقاس، لكن فيه صعوبة.
    طالب: البيع على التصريف، جاء إنسان صاحب محل مثلًا وأعطاه بضاعة، وقال: ما زاد .. يعني أعطاه بضاعة بمبلغ معيّن، بمئة ريال، وقال: بع أنت والزود، واللي يجلس ما تبيعه آخذه منك.
    الشيخ: هذا على المذهب ما يجوز، المذهب أن هذا حرام، والراجح إذا عُيِّن الثمن لكل كرتون فلا بأس؛ لأن ( ... ).
    طالب: عين بمئة، والزود ..
    الشيخ: لكن يعيِّن لكل كرتون ثمنًا معينًا.
    طالب: الآن ينتشر تأجير ( ... ) فانوس الغاز، يأخذ يوميًا مثلًا خمسة ريالات، هل هي مثل الشمعة؟
    الشيخ: إي نعم، والصحيح أنه جائز.
    الطالب: لكن يختلف الاستخدام، ربما يستخدمه استخدامًا ..
    الشيخ: ما يخالف، أنا عارف إني أنا متواطئ على أنه ( ... ).
    الطالب: وبعض الناس ( ... ).
    الشيخ: ما يخالف، أنا راضٍ، يعني مثلًا اللي أعطاه تريك معبيه تعبئة مليئة يعني يقول ( ... ).
    طالب: في الشرح قلنا بالتقييد، وهنا بالإطلاق؟
    (2/1843)
    ________________________________________
    الشيخ: إي نعم، هنا لأن التقييد صعب، كيف تتقيد؛ لأن الشمعة مشاهَدة اللي يترك منها، أما هذا صعب، إذا أمكن تقييده فهو أحسن لا شك.
    طالب: الإطلاق للشمعة ليس أولى يعني لكونه ( ... ) يسير.
    الشيخ: ما هو على كل، أنا قلت لكم قبل قليل، ما دام الناس في سعة كل شيء عندهم هين، لكن يأتي زمن القرش يسوى ريالًا أو أكثر من الريال.
    طالب: بيع التصريف ما يدخل تحت بيع ما لا يقبض أو بيع ما لا يملك؟
    الشيخ: لا؛ لأن البائع يملك، البائع هو اللي جاب لك البضاعة.
    الطالب: تقول: الزائد.
    الشيخ: الزائد يعني معناه إنه ما وقع عليه البيع.
    الطالب: والضمان على مَن؟
    الشيخ: الضمان على المشتري، يعني لو تلف هذا فالضمان على المشتري، يعني لو فرض أنه احترق أو سُرِق فالضمان عليه.
    طالب: ما حكم قول بعض الإخوان البارعين في صنعة ما: أنا أصلح لك هذه الآلة مثلًا بمئة وعشرين إن خرج فيها سلك أوصلته ( ... )، ويعتمد في ذلك على خبرته، هل هذه ..
    الشيخ: كيف؟
    طالب: يعني بعض الأجهزة يكون مغلقًا.
    الشيخ: مغلقة يعني إيه؟
    الطالب: يعني مغلقة بصواميل أو كذا، يعني ليس بظاهر عيبها، ما سبب العطل ليس بظاهر، فيقول: أنا أصلحها ..
    الشيخ: يعني افرض أنها آلة تصوير.
    الطالب: مثلًا، آلة تصوير أو مسجل، يقول: أنا قبل أن أفتحه أفتحه وأصلحه لك، بكل حال، إن كان فيه سلك فاصل فأنا أصلحه بعشرين، وإن كان فيه موتور أو محوّل خارج ..
    الشيخ: هذا مجهول، هذا ظاهر الجهالة، قد يحتاج إلى قطع غيار أيضًا.
    طالب: بارك الله فيك، ( ... ) ما حكم ..
    الشيخ: لا، قلنا: فيها قول ثاني، بس حكينا بالقول الثاني؟
    الطالب: رجَّحْنَا ( ... ).
    الشيخ: إحنا رجَّحْنا أن العسل والحبة السوادء من أحسن ما يكون للشفاء.
    الطالب: يا شيخ، قلنا في الدرس الماضي أنه ..
    الشيخ: قلنا: لا يمكن، لكن الدرس هذا زدنا أننا شرحنا القول الثاني لأن في قول آخر يجوز وله الخيار إذا رآها.
    الطالب: وهو الراجح يا شيخ؟
    (2/1844)
    ________________________________________
    الشيخ: إذا كان ما فيه خصومة ولا شيء.
    طالب: إذا بقى شيء ووعده بالرد يا شيخ، إحنا قلنا بالدرس الماضي: إنه الإنسان ..
    الشيخ: ما دام قلنا له الخيار إذا رآها ( ... ).
    طالب: يُسْتَثْنَى من ذلك لبن الظئر؟
    الشيخ: الظئر؟ ويش الظئر؟
    الطالب: هي المرضعة التي يستأجرها الرجل لإرضاع مثلًا ولده ..
    الشيخ: المرضعة المستأجرة للإرضاع، ما وجه الاستثناء؟
    الطالب: قالوا بأن المرضعة استُثْنِيَت لأنه جاء القرآن الكريم بالتنصيص على جواز إجارتها.
    الشيخ: لكن ما وجه ذلك؟
    الطالب: وقالوا بأن المؤجَّر في الحقيقة ليس هو اللبن وإنما هو كونها تضع مثلًا الولد في حجرها.
    الشيخ: يعني الاستئجار على عملها، تحمل الطفل تضعه في حجرها تلقمه الثدي.
    الطالب: نعم هذا.
    الشيخ: ما تقول في هذا؟ هل هذا التعليل صحيح؟
    طالب: لا، ما هو صحيح.
    الشيخ: ما هو الصحيح؟
    الطالب: الصحيح أن العقد على العين؛ على عين الحليب.
    الشيخ: على اللبن.
    الطالب: على اللبن.
    الشيخ: الدليل؟ أو التعليل ما يخالف.
    الطالب: التعليل أن هذه المرأة لو لم يكن بها حليب لم تُسْتَأْجَر.
    الشيخ: أحسنت، تمام بارك الله فيك، شيخ الإسلام أخذ من هذا مسألة، وهي؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: الأعيان، أن الأعيان المتجددة بمنزلة المنافع، فعلى رأيه رحمه الله يجوز أن يستأجر الحيوان لأخذ لبنه، والشمع ليشعله، وما أشبه ذلك.
    إذا استأجر دارًا وفيها ماء، أو أرضًا وفيها ماء، وسقى بهذا الماء، فهل يصح أو لا يصح؟
    طالب: الإجارة ( ... ).
    الشيخ: ويدخل الماء تبعًا، نقع البئر؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: يدخل تبعًا، أما على اختيار شيخ الإسلام فالمسألة واضحة مبنية على أن الأعيان المتجدِّدة بمنزلة المنافع، ولا حاجة إلى أن نقول: يُسْتَثْنَى أو لا يُسْتَثْنَى.
    ثم قال المؤلف: (والقدرة على التسليم)، هذا الشرط الثالث من شروط العين المؤجرة أن يكون قادرًا على تسليمها للمستأجِر.
    (2/1845)
    ________________________________________
    (فلا تصح إجارة الآبق والشارد)، الآبق يعني العبد الآبق، (والشارد) الجمَل الشارد.
    الآبق: هو الذي هرب من سيده وتَغَيَّب ولا يدري عنه سيده شيئًا، لا تصح إجارته؛ لأنه غير مقدور على تسليمه، وحينئذٍ إما أن يستطيع المستأجِر استلامه، وإما ألَّا يستطيع، فإن استطاع أن يتسلمه صار غانمًا، وإن لم يستطع صار غارمًا، وإنما قلت: إنه إذا استطاع أن يتسلمه صار غانمًا؛ لأن العبد الآبق لا يمكن أن تكون أجرته كأجرة العبد الحاضر؛ لأنه سوف تنزل أجرته، وسوف يعتبر المستأجِر نفسَه مخاطرًا، فإذا قدَّرْنَا أن هذا العبد يؤجَّر في اليوم بخمسين ريالًا لو كان حاضرًا، فإذا كان آبقًا سيؤجر في اليوم بخمسة ريالات أو عشرة ريالات، وحينئذٍ إن وجده فهو غانم -أي: المستأجر- وإن لم يجده فهو غارم.
    والقاعدة الشرعية أن كل عقد يكون متردِّدًا بين الغُنْم والغُرْم فهو باطل؛ لأنه ميسر، ويدخل هذا أيضًا في ضمن نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغَرَر.
    (الشارد) كذلك، إنسان له جَمَل شارد هارب، فجاء شخص يستأجره منه وقال: أنا أريد أن أستاجر منك الجمل شهرًا بكذا وكذا، ابتداؤه من اليوم، وأنا وحظي؛ إما أن أجده اليوم، وإما ألَّا أجده إلا بعد عشرة أيام، وإما ألَّا أجده أبدًا، نقول: هذه إجارة فاسدة باطلة، وذلك لعدم القدرة على التسليم، والعجز عن التسليم يقتضي أن يكون المستأجِر غانمًا أو غارمًا.
    الشرط الرابع: (اشتمال العين على المنفعة)، لا شك أن هذا شرط مهم.
    (2/1846)
    ________________________________________
    (اشتمال العين على المنفعة)؛ لأن المعقود عليه بالإجارة هو المنفعة، فلا بد أن تكون العين مشتملة على هذه المنفعة، فإن لم تكن مشتملة على هذه المنفعة صار هذا من باب إضاعة المال الذي لا فائدة فيه، ولهذا قال: (فلا تصح إجارة بهيمة زَمِنَةٍ لِحَمْل)، الزمنة هي التي لا تستطيع المشي، فلو أتى إنسان ليستأجرها ليحمل عليها قلنا: هذه الإجارة غير صحيحة؛ لأنه ( ... ) على أيش؟ على لا شيء، هي مستأجرة للحمل عليها، وهي الآن لا تستطيع أن تمشي، كيف يُحْمَل عليها؟ فتكون الإجارة غير صحيحة، باطلة.
    فإذا قال المستأجر: أنا أريد أن أنفع صاحبها وأَجْبُر قلبه؛ لأن بهيمته شُلَّت وانكسر قلبه، وكان يأخذ عليها كل يوم عشرة ريالات يؤجرها، والآن شُلَّت ما تستطيع أن تعمل، وأنا أحب أن أجبر قلبه وأقول: أستأجرها منك عشرة أيام كل يوم بعشرة ريالات، ويش المانع؟ نقول: إذا كنت تريد أن تجبر قلبه فاجبر قلبه بالهبة، أعطه مالًا يكفي، وخَلِّ ناقته عنده، أما أن تعقد عقدًا فاسدًا من باب أكل المال بالباطل فهذا لا يجوز، وباب التبرع والإحسان مفتوح، لسنا نقول: لا تنفعه، انفعه.
    إذن لا يصح إجارة بهيمة زَمِنَةٍ لِحَمْل.
    إجارة سيارة مُبَوّشَة للسفر عليها؟
    طلبة: لا، ما يصح.
    طالب آخر: تفصيل.
    الشيخ: لا، المبوشة؟ معناها الماكينة خربانة مرة، ما تستطيع تمشي، لا تصح الإجارة عليها، إذا قال متى أصلحتَها، يقول المستأجر لصاحبها: متى أصلحتها فقد استأجرتها منك الشهر بكذا وكذا، لا تصح أيضًا.
    أولًا: بناءً على أن العقود لا يصح تعليقها كما هو المذهب، كل عقود المعاوضات لا يصح تعليقها.
    وثانيًا: أن هذا مجهول، ابتداء المدة من متى؟ من التصليح، التصليح متى؟ غير معلوم، وعلى هذا فلا تصح.
    إذا كان فيها خراب قليل، كأن تكون مثلًا العجلات ما تستطيع أن تمشي بها، لكن نعلم أنها تُصَلَّح خلال يوم أو يومين، يجوز تأجيرها ولّا لا؟ يجوز.
    (2/1847)
    ________________________________________
    كذلك يقول: (ولا أرض لا تنبت للزرع)، يعني لا يصح استئجار أرض لا تنبت للزرع، فهذا إنسان عنده أرض واسعة، لكنها سبخة لا تنبت أبدًا، يوجد بعض الأراضي لا تنبت، فاستأجرها للزرع، نقول: لا يجوز أن يستأجرها، لماذا؟ لعدم وجود المنفعة المعقود عليها.
    لو استأجرها على أن تكون مستودعًا له، يجوز؟ نعم؛ لأنه يمكن الانتفاع بها، أما إذا استأجرها من أجل أن يزرعها فلا يصح؛ لعدم اشتمالها على المنفعة.
    الشرط الخامس: (أن تكون المنفعة للمؤجِر أو مأذونًا له فيها)، وهذا يعني أنه يُشْتَرَط أن يكون مالكًا أو قائمًا مقام المالك، وهذا شرط في جميع العقود، كل العقود لا بد أن يكون العاقد مالكًا للعقد عليها؛ إما بملك أو بنيابة عن المالك، كل العقود، دليل ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، فلا بد أن تكون المنفعة المعقود عليها ملكًا للمؤجِر، أو مأذونًا له فيها، لا بد من هذا.
    المنفعة للمؤجر مثل: شخص وُهِبَت له منفعة هذه العين، قيل: يا فلان، وهبتك منفعة هذه العين، والعين ليست ملكه، ملكًا لصاحبها، فأجَّرَها، فالإجارة صحيحة؛ لأنه يملك المنفعة وإن لم يملك العين.
    وكرجل أُوصِيَ له بمنفعة عبد ليخدمه، وهذا يقع، يكون ملك العبد للسيد، لكن أوصى بعد موته لفلان بخدمة هذا العبد، نقول: الآن الْمُوصَى له مالك للرقبة أو للمنفعة؟ للمنفعة.
    إذن لا بد أن تكون المنفعة للمؤجِر.
    (أو مأذونًا له فيها)، والمأذون له فيها إما وكيل، وإما ولي، وإما وصي، وإما ناظر؛ ناظر وقف، فلا بد من أن يكون مالكًا أو قائمًا مقام المالك، وهم كم؟ أربعة: الولي، والوصي، والوكيل، والناظر.
    فإن آجَرَ ملك غيره فإنه لا تصح الأجرة، فإن وافق على ذلك، أعني صاحب العين وافق، فالمذهب لا يصح، بناءً على أنه لا يصح تصرف الفضولي.
    (2/1848)
    ________________________________________
    والقول الثاني: يصح، وهذا القول هو الراجح.
    فلو أن شخصًا عنده علم بأن صاحبه يريد أن يؤجر بيته، يعني صاحب البيت يريد أن يؤجره، وجاء أناس يريدون أن يستأجروه، وصاحبه غير موجود -رب البيت غير موجود- ولكن صاحب رب البيت موجود، فأجَّر هؤلاء، ثم وافق المالك على ذلك، فالصحيح أن الأجرة صحيحة؛ لأن أصل منع نفوذ العقد في مملوك الغير لحق الغير، فإذا وافق فقد أسقط حقه.
    يقول: (أو مأذونًا له فيها، وتجوز).
    طالب: لو استأجر البيت قبل تمامه ( ... ) هذا البيت بكذا من خوف مثلًا، يعني ..
    الشيخ: ( ... ).
    الطالب: نعم.
    الشيخ: ما يجوز؛ لأنه ما يدري متى يرجع، هذه واحدة، الشيء الثاني: إذا لم يتم البناء قد يكون هناك نواقص يريدها المستأجر ولكنها ما وُجِدَت.
    طالب: ( ... ) يا شيخ، في الوقت الحاضر ( ... ).
    الشيخ: أما المذهب ما يجوز، لكن على القول بأنه يجوز تعليق العقد يصح، فإذا تم فهو له.
    طالب: ما يمكن يستفاد منه يمكن سبعة يؤجروه مثلًا ..
    الشيخ: يعني ما أنا بصاحب سيارة، لكنهم قالوا: إن الْمُبَوِّشة ما تمشي أبدًا.
    طالب: يكون فيها صدى بسيط، ولّا مخبّطة.
    الشيخ: يعني المخبّطة ما تمشي.
    طالب: نعم هذه.
    الشيخ: والمبوشة ما تخالف؟
    طالب: ممكن تمشي.
    طالب آخر: ممكن تمشي وممكن لا تمشي.
    الشيخ: على كل حال، ارجعوا إلى أهل الخبرة، فالمقصود أنه لا يمكن أن ينتفع منها.
    طالب: أحسن الله إليك، معنى كلام شيخ الإسلام: الأعيان التي تأتي شيئًا فشيئًا بمنزلة المنافع، تفسير قوله؟
    الشيخ: يظهر ذلك بالمثال: اللبن عين، لكنه يَحْدُث شيئًا فشيئًا، فهو بمنزلة المنفعة، فكما أنك لو استأجرت هذه البعير للركوب جائز لأن منفعتها تتجدد فكذلك اللبن؛ لأنه يعتبره منفعة، يقول: ليس هذا جزءًا من البعير، بل هو منفعة ينفصل عنه، فهو بمنزلة المنافع، وله الأصل الذي استند عليه وهو جواز استئجار المرضع.
    (2/1849)
    ________________________________________
    طالب: إذا كان الإنسان يكون في نفسه شيء أن يقبل الإحسان من الناس، فيلجأ أصدقاؤه إلى عقد صوري، كما في المسألة هذه التي مرت معنا حتى يقبل منهم المال، يقول: أنا أستأجر هذه السيارة التي لا تصلح للمشي، أستأجرها، لا أقول له: إني أستأجرها لأسافر أو كذا، لكن أستأجرها فقط حتى يأخذ مني المال ويقبله، وأنا أعرف أنه محتاج، فأيضًا يبقى على المنع بأنه عقد فاسد، أو يكون لها وجه؟
    الشيخ: لا، يبقى، شرط الله أحق، شرط الله أوثق، حتى الناس يعرفون أن هذا لعب وهك على صاحب العين.
    طالب: إجارة المشاع مفردًا لغير الشريك، يجوز؟
    الشيخ: من أين أتتك هذه العبارة.
    طالب: من الروض؟
    الشيخ: من الروض، واحنا نقرأ؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: في الزاد، إجارة المشاع لغير شريكه إذا أمكن الانتفاع فلا بأس، وإذا لم يمكن فلا يجوز، والانتفاع فيما نرى ممكن.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: نعم لكن يمكن تأجيره. ( ... )
    ***
    الطالب: وتجوز إجارة العين لمن يقوم مقامَه لا بأكثر منه ضررًا، وتصح إجارة الوقف، فإن مات المؤجر وانتقل إلى مَن بعده لم تنفسخ، وللثاني حصته من الأجرة، وإن آجَرَ الدار ونحوها مدة ولو طويلة يغلب على الظن بقاء العين فيها صح، وإن استأجرها لعمل كدابة لركوب إلى موضع معين، أو بقر لحرث أو دياس زرع، أو مَن يدله على طريق اشتُرِطَ معرفة ذلك وضبطه بما لا يختلف.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    سبق لنا أن من شروط صحة عقد الإجارة على العين أن تكون مشتملة على المنفعة، وأن التي لا منفعة فيها لا يجوز عقد الإجارة عليها، وسبب ذلك أن المعقود عليه هو المنفعة، وإذا كانت معدومة فأين المعقود عليه؟ هذا تعليل الفقهاء رحمهم الله.
    (2/1850)
    ________________________________________
    ولنا أن نعلِّل بدليل وهو نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال (5)، وهذا إضاعة مال بالنسبة للمستأجِر، فإذا قال: إني أريد أن أنفعه، فقد علمتم الجواب فيما سبق؛ أننا نقول: انفعه بما شئت، لكن لا تجعله على صفة عقد محرَّم؛ لأن جميع العقود المحرَّمة والشروط المحرَّمة كلها باطلة حرام.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى من شروط صحة إجارة العين، يقول: (وأن تكون المنفعة للمؤجِر أو مأذونًا له فيها)، لم يقل: أن تكون العين المؤجَرة، (المنفعة للمؤجِر أو مأذونًا له فيها)، وذلك أنه لا يصح تصرف غير المالك فيما لا يملك إلا بإذن من الشرع، أو إذن من المالك؛ لأن هذا اعتداء على الغير، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وهذا أكل للمال بالباطل.
    فلا بد أن تكون المنفعة للمؤجِر؛ إما بملكه العين، إنسان مثلًا له دار، الدار ملك له، عينها أو منفعتها؟
    طالب: منفعتها.
    الشيخ: عينها، وتتبعها المنفعة؛ لأن مَن ملك العين ملك المنفعة.
    إنسان عنده بعير يملكها فهو مالك أيضًا لمنفعتها.
    إذن أن تكون المنفعة للمؤجِر إما بملكه العين، أو بكونه مُوصًى له بها، بأن قال الإنسان عند موته: أوصيت بمنفعة بيتي هذا لفلان، ومات، فالموصَى له يملك المنفعة، لكنه لا يملك العين، فيجوز أن يؤجر المنفعة أو لا؟ يجوز؛ لأنها ملكه.
    كذلك أيضًا: من ملك المنفعة أن يكون شخص اشترى منفعة من آخر كمَمَرٍّ في دار، وقد مر علينا هذا في أول كتاب البيع، فله أن يؤجره.
    والحاصل أنه يُشْتَرَط أن يكون مالكًا للمنفعة، سواء كان مالكًا للعين أو لا.
    ومن ذلك أيضًا (أو مأذونًا له فيها) المأذون له بتصرف مال الغير، أو بعبارة أصح: المأذون له بالتصرف في ملك الغير الوليُّ، والثاني الوصيُّ، والثالث الوكيلُ، والرابع ناظرُ الوقف.
    طالب: ( ... ).
    (2/1851)
    ________________________________________
    الشيخ: سبحان الله! ويش بقي لنا يا جماعة، خيرًا إن شاء الله، ما فيه مانع، على كل حال تجوز إعادة الجماعة إذا حضر المسجد والناس يصلون.
    وقفنا على أيش؟ قال: (وتجوز إجارة العين لمن يقوم مقامه)، يعني يجوز للمستأجر أن يؤجر غيرَه، كرجل استأجر بيتًا لمدة سنة ثم عدل عنه، أو لم يعدِل لكن جاءه شخص وقال: أَجِّرْنِي مدة إجارتك، فأجره، فلا بأس، وهذا مالك ولّا غير مالك؟ المؤجِّر الذي أَجَّر غيره مالك للمنفعة، وعقد الإجارة يكون على إيه؟ على المنفعة ما هو على العين، فإذا استأجرت شيئًا وأجَّرْتَه غيرك فالإجارة صحيحة.
    لكن اشترط المؤلف قال: يُشْتَرَط أن يكون (يقوم مقامَه) يقوم مقام المستأجِر الذي أجَّر، أي: (ليس أكثر منه ضررًا)، فإن كان أكثر منه ضررًا فإنه لا يملك ذلك.
    مثاله: رجل استأجر دكانًا لبيع الْحُلِيّ، ثم جاءه إنسان آخر وقال: يا فلان، أنا أريد أن تؤجرني مدة استئجارك، وهو الثاني بائع حلي، يجوز أو لا؟
    طالب: يجوز.
    الشيخ: يجوز؛ لأن الثاني يقوم مقام الأول، واضح؟
    شخص آخر استأجر دكانًا لبيع الْحُلِيّ، فجاءه رجل صاحب فرن، تعرفون صاحب الفرن؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: قال: أريد أن أستأجره منك، يجوز أن يؤجره؟
    الطلبة: لا.
    الشيخ: سبحان الله، كلكم تقولون: لا؟ ! لماذا؟ لأن صاحب الفرن يضر الدكان أكثر من صاحب الذهب، واضح؟
    إذن يجوز أن يؤجِّره لمن يقوم مقامه، ومعنى يقوم مقامه أن يكون مثله في استيفاء المنفعة، أو أقل منه ضررًا.
    رجل آجَرَ هذا الدكان لفَرَّان، ثم إن الفران جاءه شخص بائع حلي وقال: أَجِّرْني إياه مدة إجارتك، يجوز أن يؤجره أو لا؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: لكن لو كان للمؤجِر غرض صحيح في تأجيره صاحب الفرن، وهو أنه يخدم هذه المنطقة؛ لأنها منطقة ليس عندهم فَرَّان ولا خَبَّاز، ومنعه، أي: منع المالكُ المستأجِرَ أن يُؤْجِره غيره ولو كان أقل منه ضررًا، فهل له أن يمنعه؟
    (2/1852)
    ________________________________________
    نقول: إن شَرَطَ عليه ذلك بأن قال: لا بد أن تقيم هنا مخبزًا، فليس له أن يُؤَجِّرَه من لم يخبز فيه.
    وإن كان لم يشترط، وقال: أنا هذا غرضي، أنا غرضي أخدم هذا الحي حتى لا يذهبوا إلى بعيد يشترون الخبز.
    فالظاهر لي في هذه الحال أنه ما دام له غَرَض صحيح فله أن يمنعه؛ لأن بعض الناس قد يكون له غرض، أما إذا لم يكن غرض صحيح فإنه إذا أَجَّرَه لمن هو دونه فلا بأس.
    ظاهر كلام المؤلف أنه يجوز أن يُؤَجِّره بمثل الأجرة أو أكثر، فهل نأخذ بهذا الظاهر؟ الجواب: نعم، فيجوز للمستأجر أن يُؤَجِّر بقية مدته لغيره بأكثر من أجرته، وهذا ربما يقع؛ يستأجر إنسان دكانًا في بلد فيه مواسم، فيستغله هو في غير وقت الموسم، مثل أيش؟ يعني البلد اللي بها مواسم؟ مكة والمدينة، استغله في غير وقت المواسم، ثم جاءه شخص يريد أن يستأجره منه في وقت الموسم بأضعاف الأجرة التي استأجره بها، أيجوز أم لا؟ يجوز، هذا ظاهر كلام المؤلف؛ لأن المؤلِّف لم يَقُل: بشرط أَلَّا يأخذ أكثر من أجرته، وعلى هذا فيجوز للمستأجر أن يُؤْجِر غيره إذا كان يقوم مقامه ولو بأكثر من الأجرة، أفهمتم؟
    التعليل، قالوا: لأنه مالك للمنفعة ملكًا تامًّا، والمالك له أن يتصرف، يبيع بكثير يبيع بقليل، ما فيه مانع.
    وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز أن يؤجِّر بأكثر، واستدلوا لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح مالم يُضْمَن، والمنافع غير مضمونة، ولهذا لو انهدم الدكان مثلًا انفسخت الإجارة، ولم يطالَب صاحب الدكان بأن يُؤَمِّن له دكانًا آخر، فإذا كانت المنافع لم تُضْمَن فقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن رِبْحِ ما لم يُضْمَن. (6)
    والذين قالوا بالجواز أجابوا عن هذا بأنه خاص في البيع، أما الإجارة فلا يشملها الحديث، لكن العمل الآن على أي القولين؟ العمل الآن على القول الأول؛ أن المستأجِر له أن يؤَجِّر مدة إجارته ولو بأكثر من الأجرة، وعليه العمل.
    (2/1853)
    ________________________________________
    وهو فيما يبدو أقرب إلى الصواب من المنع؛ لأن الحديث ليس صريحًا في مسألة الإجارة.
    (وتجوز إجارة العين لمن يقوم مقامه).
    فيه مسألة: لو أن الإنسان استؤجر على عمل في الذمة، بأن قيل له: نريد أن تنظف هذا البيت كل يوم، ولك في الشهر مئة درهم، فاستأجر مَن ينظف البيت كل يوم على حسب ما حصل عليه العقد لكن بخمسين ريالًا، يجوز أو لا؟ نعم يجوز، هذا من جنس ما إذا قلنا: إنه يجوز أن يؤجِّر بقية مدته بأكثر من الأجرة، فيجوز، وعلى هذا عمل الناس اليوم.
    تجد مثلًا أن الحكومة تتفق مع شركة على تنظيف المساجد، كل مسجد الشهر بكذا وكذا، ثم هذه الشركة تأتي بعمال يقومون بما تم عليه العقد بأقل من ربع ما اتفقت الشركة مع الحكومة، موجود هذا ولّا لا؟ موجود، إلا إذا كان الغرض يختلف بالنسبة للمستأجِر، إذا كان يختلف فهذا لا يجوز.
    مثل: إنسان استأجرته لينسخ لي زاد المستقنع، والرجل أعرف أن خطه جيد، وأن خطأه قليل، فاستأجر إنسانًا يخطه بأقل مما أَجَّرْتُه به، وهذا الشخص خطه جميل لا شك، الأخير الذي استأجره المستأجَر، فهل يجوز أو لا؟
    يقول العلماء: إنه لا يجوز؛ لأن العبرة بالنسخ ليس بجمال الخط، ولكن بجمال الخط، ووضع الفواصل، والعلامات، والإملاء، كم من إنسان خطه من أجمل الخطوط، لكن في الإملاء يكتب غيرِ المغضوب عليهم ولا الضالين، بالضاد المشالة في الموضعين، ويش تقولون في هذا؟ يصلح؟ خطأ في أيش؟
    طالب: خطأ في الإملاء.
    الشيخ: خطأ في الإملاء، وهذا كثير، كثير من الطلاب الآن هنا أو في الجامعة خطوطهم جميلة، لكنها في الإملاء ما عندهم قاعدة، وكثير من الناس خطه رديء ولا يعرف يقرؤه إلا مَن تمرن عليه، ولكنه في الإملاء جيد.
    المهم على كل حال ما يختلف فيه الغرض لا يجوز لأحد أن يقيم مُقامه غيرَه.
    قال المؤلف رحمه الله: (وتصح إجارة الوقف)، أولًا: لا بد أن نعرف ما هو الوقف؟
    (2/1854)
    ________________________________________
    الوقف: هو العين التي سُبِلَت منفعتها وحُبِسَ أصلها، هذا الوقف، يسمى عند الناس السبيل.
    مثاله: إنسان أوقف بيته، قال: هذا وقف على الفقراء، يبقى البيت ما يمكن يُبَاع، وأجرته أو سُكْنَاه لِمَن؟ للفقراء، هذا الوقف، شخص قال: هذا البيت وقف على أولادي، أولاده الآن لا يمكن أن يبيعوه، لماذا؟ لأنه وقف محبوس، لكن يمكن أن ينتفعوا به بالسكنى، بالتأجير، وما أشبه ذلك.
    الوقف تجوز إجارته، والمؤلف رحمه الله قال: (تصح إجارة الوقف)، لا لمجرد أن يبيِّن لنا أن إجارة الوقف صحيحة؛ لأن هذا أمر لا يحتاج إلى تنبيه، لكن لما يتفرع عليه.
    إذن الوقف تجوز إجارته ولا يجوز بيعه، لماذا؟ لأن الإجارة واردة على المنفعة، والمنفعة ملك لمن؟ للموقوف عليه، ليست واردة على العين التي لا يجوز بيعها.
    (تصح إجارة الوقف)، وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين الوقف على معين؛ كعلى أولاده، أو على غير معيَّن؛ كعلى الفقراء، أو على جهة تملك؛ كما مثلنا، أو على جهة لا تملك؛ كما لو وَقَّفَ هذا البيت لمصالح المساجد، المساجد ما تملك، فعلى كل تقدير تصح إجارة الوقف، واضح يا إخوان؟
    أراد المؤلف أن يُفَرِّع عليها ما يأتي:
    (فإن مات الْمُؤْجِر وانتقل إلى مَن بعده لم تنفسخ، وللثاني حِصَّتُه من الأجرة).
    أَجَّرَ الوقف باعتبار أنه مستحق ومات، ينتقل الوقف إلى مَن بعده، مثاله: قال: هذا وقف على أولادي ثم أولادهم. الأولاد أَجَّرُوا ثم ماتوا، انتقل الوقف الآن إلى مَن؟
    طلبة: إلى أولادهم.
    الشيخ: إلى أولادهم، الآباء أَجَّرُوا الوقف لمدة عشر سنين، لكن الله تعالى قضى عليهم بالموت في خلال ثماني سنوات، وبقي من المدة سنتان، هل تنفسخ الإجارة؟
    المؤلف يقول: لا تنفسخ؛ لأن الآباء أَجَّرُوه في وقت هم أصحاب المنفعة الذين يملكونها، فنفذ العقد، فإذا انتقل إلى مَن بعدهم انتقل على أنه مُؤَجَّر.
    (2/1855)
    ________________________________________
    بقي علينا الأجرة هل تكون جميعها للأولين أو تكون جميعها للأولاد الذين انتقل إليهم الوقف، أو كلٌّ له بقسطه؟ استمع، يقول: (وللثاني حصته من الأجرة) أي: نصيبه.
    في المثال الذي ذكرنا مضى من المدة ثمانية من عشرة، أربعة أخماس، يبقى خُمْس، تكون خُمْس الأجرة لمن؟ للبطن الثاني؛ للأولاد، لهم خُمْس الأجرة، فإذا قَدَّرْنا أنهم أَجَّرُوها بألف فلهم، أي: للذين أَجَّرُوا وقد ماتوا في السنة الثامنة ثمانِ مئة، وللآخرين مئتان، هذا هو كلام المؤلف رحمه الله.
    ولكن يجب علينا أن نعرف الفرق في قيمة المنفعة، قد تكون في بعض السنوات أكثر من بعض، ولكن يقال: إن كل منفعة قد قبضها أصحابها، ولا سيما إذا كانوا يقولون: عشر سنوات، كل سنة بمئة إذا حَدَّدُوا، فواضح أن للآخرين مئتين من ألف، وإن لم يُحَدِّدُوا ربما يُنْظَر في الموضوع، ويُعْتَبَر فرق السعر بين الأول والثاني.
    (للثاني حصته من الأجرة) هذا ما قَرَّرَه المؤلف رحمه الله أنها لا تنفسخ، والسبب أو العلة: لأن أولئك أَجَّرُوا في وقت هم مالكون للمنفعة، فكان عقدهم صحيحًا.
    وانتقل إلى البطن الثاني، وهم الأولاد، انتقل إليهم ومنفعته مملوكة للمستأجِر، فتبقى الإجارة على ما هي عليه.
    وقال بعض العلماء: إنه إذا مات المؤجِر أي: مُؤْجِر الوقف فإن الأجرة تنفسخ، لماذا؟ قالوا: لأن البطن الثاني يتلقى المنفعة من الواقف لا من البطن الأول، واضح؟
    هذا رجل وَقَّفَ هذا البيت على ولده، واجعلوه واحدًا، ثم أولاده، الولد هذا أَجَّرَ البيت عشر سنوات، ومات حين تم للأجرة خمس سنوات، انتقل الوقف إلى مَن؟ إلى الولد، الولد خَلُّوه واحدًا علشان ما تتشتت علينا المسألة ..
    (2/1856)
    ________________________________________
    وإن أَجَّرَ الدارَ ونحوَها مُدَّةً ولو طَويلةً يَغْلِبُ على الظنِّ بقاءُ العينِ فيها صَحَّ، وإن اسْتَأْجَرَها لعمَلٍ كدَابَّةٍ لرُكُوبٍ إلى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أو بَقَرٍ لحَرْثٍ أو دياسِ زَرْعٍ أو مَن يَدُلُّه على طريقٍ اشْتَرَطَ مَعرفةَ ذلك وضَبَطَه بما لا يَخْتَلِفُ.
    ولا تَصِحُّ على عَملٍ يَخْتَصُّ أن يكونَ فاعلُه من أهلِ القُربةِ وعلى الْمُؤَجِّرِ كلُّ ما يَتَمَكَّنُ به من النفْعِ كزِمامِ الجمَلِ ورَحْلِه وحِزامِه والشَّدِّ عليه , وشَدِّ الأحمالِ والْمَحامِلِ والرفْعِ والحطِّ , ولُزومِ البعيرِ ومَفاتيحِ الدارِ وعِمارتِها، فأَمَّا تَفريغُ البالوعةِ والكنيفِ فيَلْزَمُ المستأْجِرَ إذا تَسَلَّمها فارِغَةً.
    خمس، لماذا؟ قالوا: لأن البطن الثاني يتلقى المنفعة من الواقف لا من البطن الأول، واضح؟
    هذا الرجل وقَّف هذا البيت على ولده، وجعله واحدًا، ثم أولاده، الولد هذا أجر البيت عشر سنوات، ومات حين تم للأجرة خمس سنوات، انتقل الوقف إلى من؟ إلى الولد، الولد خلوه واحدًا، عشان ما تتشتت علينا المسألة، انتقلت الأجرة الآن إلى الولد، المؤلف مشى على هذا، على أن الإجارة باقية، وللولد حصته من الأجرة؛ يعني من حين مات أبوه يأخذ الأجرة، لكن القول الثاني أنها تنفسخ، وعلى هذا القول بمجرد ما يموت الأب تنفسخ الإجارة، وللولد أن يطالب المستأجر بالخروج عن البيت أو زيادة الأجرة أو يبقيه بالأجرة أو يبقيه بأقل، واضح؟
    وكذلك أيضًا للمستأجر؛ يعني المسألة ما هي بحظ الموقوف عليه فقط قد تكون من حظ المستأجر، المستأجر أيضًا يقول: خلاص انفسخت الأجرة، وأنا بطلع، فيطلع، وهذا قد يكون من مصلحته، متى يكون من مصلحته؟ إذا نزلت الأجور صار من مصلحته، والله ما أدري، واضح يا جماعة؟
    الآن في المسألة قولان:
    القول الأول: أنها لا تنفسخ الإجارة، وأنها تبقى إلى أن تنتهي المدة، ثم يرجع الوقف إلى مستحقه.
    والقول الثاني: أنها تنفسخ.
    (2/1857)
    ________________________________________
    تعليل القول الأول عرفتموه؛ أن الذين أجَّروا في حال يملكون فيها المنفعة، فصار العقد صحيحًا ولا دليل على إفساخه، أما حجة الآخرين فقالوا: إن الموقوف عليه يتلقى الوقف، ممن؟
    طلبة: من الواقف.
    الشيخ: من الواقف، ليس من هؤلاء، وإذا كان يتلقاهم الواقف، فهؤلاء انتهى استحقاقهم الوقف بمجرد موته، ولم يبق لهم شيء فيه، وبعضه فصَّل لكن لعلنا لا نأخذ التفصيل؛ لأنه أخشى أن يعمي عليكم ما عرفتم.
    العمل الآن على أي شيء؟ العمل الآن على أنها لا تنحسر، عمل الناس الآن عندنا أنها لا تنحسر، ولكن يبقى على المرء، هل يجوز لمستحق الوقف أن يؤجرها مدةً يغلب على الظن أنه لا يعيش إليها أو لا؟ هذه النقطة؛ يعني إذا قلنا: إنها لا تنفسخ -كما هو عمل القضاة وعمل الناس اليوم- فهل يجوز للبطن المستحقين أن يؤجروا مدة يغلب على الظن أنهم لا يعيشون إليها أو لا يجوز؟ نقول: لا يجوز، ما دمنا قلنا: إن الإجارة لا تنفسخ، فهذا يعني أنهم سوف يعتدون على حقوق الآخرين، وهذا لا يحل، فمثلًا: إذا قدرنا أن صاحب الوقف الآن بلغ تسعين سنة، وأجره شخص آخر لمدة خمسين سنة، نعم كم عمره؟
    طلبة: مئة وأربعون.
    الشيخ: مئة وأربعون، الغالب أنه يعيش مئة وأربعين ولّا لا؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: لا، ما هو الغالب؛ يعني لما عاش إلى تسعين هذا ما شاء الله، نعم.
    على كل حال، نقول: لا يحل لك أن تؤجره، كم يؤجره؟ نقول: تسعين سنة؟
    سنة، ما يخالف سنة لا بأس، يمكن ما تؤجرها شهرًا، يؤجرها سنة، لكن يؤجرها أربعين سنة؟ هذا بعيد، فيقال له: أنت الآن مستحق، ولا ننكر استحقاقك، لكن لا تؤجر مدة أكثر مما يغلب على الظن بقاؤك فيها، واضح؟ وهذا حق؛ لأنه لو أجر وكان المعمول به أنها لا تنفسخ الإجارة فهو اعتداء على حقوق الآخرين، وهذا لا يجوز، انتهينا من هذا.
    (2/1858)
    ________________________________________
    المسألة الثانية: هل يجوز للبطن الأول أن يستسلف الأجرة؟ بمعنى أن يأخذ الأجرة مقدمًا؟ فمثلًا أجَّرها عشر سنوات؛ يعني إنسان مثلًا موقوف عليه، هذا المحل وقف عليه، جاءته شركة قالت: أنا أريد أن أستأجر منك هذا المحل عشر سنوات أَنْقُدُ لك الأجرة الآن عشر سنوات، أَنْقُدُها لك نقدًا، كل سنة بعشرة آلاف، عشرة في عشرة بكم؟ مئة ألف، نعطيك إياها الآن نقدًا، وأجِّرنا إياها، هل يجوز أن يأخذها نقدًا؟ يجوز ولَّا لا؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: يجوز؟ لا، ما يجوز؛ يعني لا يجوز للبطن الأول أن يستسلف الأجرة؛ لأنه لا يدري، قد يموت، وإذا مات معناه أنها دخلت في تركته وربما ينفقها وتضيع على البطن الثاني، فليس له أن يستسلف الأجرة، أفهمتم يا جماعة؟
    لو قال: أنا أستسلف الأجرة؛ يعني آخذ الأجرة مقدمًا؛ لأنني سوف أعمر في الوقف، والوقف محتاج إلى التعمير، يجوز أو لا؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: يجوز؛ لأن هذا لمصلحة الوقف، وليس فيه شيء، وما دام لمصلحة الوقف فلا حرج، إن شاء الله فهمنا المسألة تمامًا؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: نعم، إي، ما ( ... ).
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: إي نعم.
    طالب: شيخ، بارك الله فيكم، المسألة الأخيرة هذه، لماذا قلنا: لا يجوز ..
    الشيخ: أيهم، عندنا ( ... ).
    الطالب: أن يستسلف الأجرة، لو قلنا مثلًا يا شيخ: إنه يجوز، ولكن إذا توفي مثلًا قبل انقضاء المدة فإنه يؤخذ من تركته؛ لأنه تصرف وقت ولايته؟
    الشيخ: إي، لكن هو لم يملك المستقبل.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: وتركته ربما ينفقها كما قلنا، ربما ينفقها، وربما يماطل الورثة، كل الناس على حد سواء.
    ثم هو أيضًا ما يستحقها حتى الآن، هو مستحق الذي يمضي عليه في حياته، أما المستقبل ما هو مستحق.
    طالب: شيخ، الآن يعمل بأخذ الأجرة مقدمًا.
    الشيخ: أيش؟
    الطالب: أخذ الإيجار مقدمًا الآن، يعمل.
    (2/1859)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا في الملك، بارك الله فيك، ما فيه بأس، ولهذا الآن أقول لكم: لو أن إنسانًا أجر ملكه مدة عشر سنوات، ثم مات بعد خمس سنوات، هل تنفسخ الأجرة؟ هذه لا تنفسخ، قولًا واحدًا؛ لأن الورثة ملكوه من مورثهم مسلوب المنفعة مدة الإجارة، فلا يمكن أن تنفسخ بالاتفاق الظاهر، لكن في مسألة الوقف؛ لأن الموقوف عليهم لا يملكون إلا المنفعة، ويتلقونها من الواقف.
    طالب: شيخ بنسبة للوقف، هل يجوز الوقف على الذكور دون الإناث ولّا لا؟
    الشيخ: يعني له بنت وولد.
    الطالب: عنده عيال، وعنده بنات، ( ... ) الأولاد دون البنات.
    الشيخ: بيوقف على البنات دون الأولاد ..
    الطالب: نعم، الذكور دون الإناث.
    الشيخ: الذكور دون الإناث، إي نعم، هل سمعت بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» (1).
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: سمعت به؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: اصبر، لا، أقول: هل سمعت ذلك ولّا لا؟
    الطالب: سمعت.
    الشيخ: الذي وقَّف على الولد دون البنت هل اتقى الله وعدل؟ خلوه يجاوب هو؟
    الطالب: لا.
    الشيخ: إذن ..
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: إذن لا يجوز أن يفضل أحدًا من أولاده على الآخر في الوقف.
    طالب: بارك الله فيكم، في مسألة إذا أجر المستأجر العين الوقف لغيره، فمسألة إلا أن يكون له غرض صحيح ما وضحت لي.
    الشيخ: ( ... ).
    الطالب: إحنا قلنا: إذا كان المستأجر الجديد، قد يكون يسبب ضررًا على العين أكثر من الأول، فهذا لا يجوز إلا أن يكون له غرض صحيح، كأن يكون صاحب مخبز يريد به أن يخدم المنطقة أو كذا.
    الشيخ: إحنا قلنا: إذا أجر المستأجر لمن هو دونه في الضرر، هل يجوز أم لا؟ قلنا: إنه يجوز إلا إذا كان للمؤجر غرض في كونه يبقى على ما تم عليه العقد.
    طالب: ( ... ) يجوز؟
    الشيخ: ما يجوز؛ لأنه غرض.
    طالب: ( ... ) على أولاده وأولاد أولاده إذا كانوا من البنات، نقيده بمن يرثه يا شيخ؟
    (2/1860)
    ________________________________________
    الشيخ: إحنا الآن ( ... ) يا أخي، إحنا بس ذكرنا مسألة التأجير، أما الوقف على الأولاد ومن يدخل في الأولاد ومن لا يدخل فهذا له باب مستقل، باب طويل يعني.
    طالب: ( ... ) أنه يجوز أجرة الوقف دون بيع ما يمنع يا شيخ، -مثلًا- لو قلنا: الأجرة هي في الحقيقة بيع ..
    ( ... )
    الشيخ: ومنافع الوقت ملك للموقوف عليه، والتأجير يَرِد على أيش؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: هذا مالك المنفعة.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: تأجيره، يجوز تأجير المنافع وتأجير المنافع بيع لها كمان مر علينا، أن الإجارة نوع من البيع ولهذا ثبت لها أحكام البيع في مسألة خيار المجلس، خيار الشرط وما أشبه ذلك.
    طالب: أحسن الله إليك، أشكل عليَّ كون الوصية للوارث لا تجوز، وإيقاف صاحب الوقف على أولاده ( ... )؟
    الشيخ: أشكل؟ أيش أشكل؟ وهل يلزم من الوقف على الولد أن يكون بعد الموت، قد ( ... ) في حياته، أفهمت؟ أسألك، هذا مثال ما هو بلازم أن يكون في الموت، وبعد الموت عادي ينظر فيه، نعم.
    طالب: ( ... ) أراد أن يرفع الأجرة؛ لأن الإجارة وقعت في زمن ماض، وكانت الأجرة قليلة، في ذلك الوقت ( ... ) قليلة، وأراد رفع الأجرة، هل له ذلك يا شيخ؟
    الشيخ: إذا قلنا بالانفساخ فله ذلك، وإذا قلنا: لا ينفسخ، فليس له ذلك.
    طالب: ( ... ) بعض الناس يستأجر بيتًا في البلاد التي يكون فيها مواسم عادةً، ولا يكون له غرض صحيح في هذا البيت غير أنه يؤجره في وقت الموسم، مثلًا يؤجره بعشرة آلاف، ثم يأتيه في الموسم بخمسين ألف؛ يعني كأنه مشروع تجاري، فهل هذا القصد صحيح؟
    الشيخ: لا بأس، ما فيه مانع، لكن في الغالب لا تكون الصورة كما قلتَ: إنه يستأجر بعشرة وأهل البيت يعرفون إنه سيؤجر بخمسين.
    طالب: في مكة والمدينة يا شيخ بيحصل الآن في المواسم ربما يؤجر البيت يكون مستأجره بعشرة ..
    الشيخ: لا، ما هو بها النسبة هذه.
    الطالب: في الحج اليوم يؤجر الشقة بألف ريال ( ... ).
    الشيخ: على كل حال هو جائز.
    طالب: الراجح من القولين ..
    (2/1861)
    ________________________________________
    الشيخ: في؟
    الطالب: في انفساخ إجارة الوقف في موت الواقف، المؤجر؟
    الشيخ: ما نرجح شيئًا ما دام العمل على أنه لا تنفسخ، ماذا وإلا تطمئن إليه النفس أنه إذا كانت المدة زائدة على ما يغلب على الظن بقاء المؤجر فيها فإنها تنفسخ؛ لأن هذا عدوان، ولا يجوز نمكنه من العدوان، أما إذا كانت المدة قصيرة، وجرت يعني الغالب على الظن أنه يبقى إلى هذه المدة، فإنها لا تنفسخ؛ لأنه لم يعتدِ، لكن الإنسان لو تسعين سنة بيؤجر أربعين سنة، هذا على الغالب أنه ما يبقى، أفهمت؟ هذا الذي تميل إليه النفس، لكن القضاة لهم أنظار أخرى، والعمل على أنه لا انفساخ.
    طالب: ( ... ) تعطي الجامعة وغيرها سكنًا للطلاب، هل يجوز للطالب الذي أخذ سكنًا أن يؤجره لغيره، أو يعطيه تبرعًا، أن يتنازل بالتبرع من غير علم الإدارة؟
    الشيخ: سمعتم السؤال، يقول: أحيانا الجامعة تمنح شخصًا سكنًا، فهل يجوز أن يؤجره؟ أو يتنازل لأحد؟
    الجواب: لا؛ لأن هذه البيوت ليست تمليك منفعة، ولكنها تمليك انتفاع، فهي كالعارية لو أن شخصًا قدم البلد وأعرته بيتك لمدة أسبوع فإنه لا يملك أن يتصرف فيه، لا بتأجير ولا بتنازل؛ لأن الاستعارة ملك انتفاع لا ملك نفع، فهذا الطالب يقال له: إما أن تسكن وإما أن تترك.
    الطالب: إذا استأجر المستأجر هذه العين، ولم يكن معروفًا بكثرة الضيوف، فتبين أنه كثير الضيوف، ويتكرر عليه الضيوف كثيرًا، فتختلف حينئذ صرفية الماء مثلًا؟
    الشيخ: صرفية الماء ما هي على صاحب العقار.
    الطالب: بلى على صاحب العقار ..
    الشيخ: لا، راجع، ما هي على صاحب العقار، ( ... )، الكهرباء؟
    الطالب: الكهرباء على صاحب ..
    (2/1862)
    ________________________________________
    الشيخ: والماء، والشيء المستهلك، ما يمكن يصير على صاحب العقار؛ لأنه يؤدي إلى أن تكون الأجرة مجهولة، فرق بين من يصرف مثلًا في اليوم ماء كثيرًا، ومن لا يصرف إلا شيئًا قليلًا، هذا إذا كان الماء له قيمة بينة، أما مثلًا عندنا -والحمد لله- فالماء قيمته قليلة جدًّا، حتى لو بلغت أقصى ما يكون لا تجحف بالإنسان ولا يُهتم بها.
    طالب: ( ... )؟
    الشيخ: لا.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: أبدًا، الضيف بيأكل ويشرب ويمشي.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: ما يخالف، خلوه كثيرًا، أبدًا ما فيها، لكن إذا كان خاف، إذا قدرنا أنه رجل؛ يعني أجنبي -مثلًا- ويجيه أجانب كثيرون، يقدر يشترط عليهم، يك ويش بيقولوا؟ يقول شرط ما تضيف باليوم أكثر من خمسة ..
    طالب: يوميًّا عشرة.
    الشيخ: ( ... ) عشرة لا ( ... ) يضيف العشرة، إذا جاء أحد عشر يقول للزائد: ارجع وراء، كذا؟ صعب ذلك.

    ***
    طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى:
    وَإِنْ أَجَّرَ الدَّارَ وَنَحْوَهَا مُدَّةً وَلَوْ طَويلَةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ العَيْنِ فِيهَا صَحَّ، وَإنِ اسْتَأْجَرَهَا لِعَمَلٍ، كَدَابَّةٍ لِرُكُوبٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ؛ أَوْ بَقَرٍ لِحَرْثٍ، أَوْ دِيَاسِ زَرْعٍ، أَوْ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقٍ، اشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ وَضَبْطُهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ، وَلَا تَصِحُّ عَلَى عَمَلٍ يخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ القُرْبَةِ.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، هل تجوز إجارة المستأجر، يعني أن يؤجر المؤجر غيره، مطلقًا؟
    الطالب: بشرطين.
    الشيخ: وهما؟
    طالب: الشرط الأول: أن لا يكون أكثر منه ضررًا.
    الشرط الثاني: ( ... ).
    الشيخ: الشرط الثاني متفق عليه؟ ولّا من أين أتيت به؟
    الطالب: اشترط الفقهاء، ألّا يكون أكثر من الأجرة.
    (2/1863)
    ________________________________________
    الشيخ: الفقهاء، من الفقهاء؟ من يعرف؟
    طالب: ( ... ) يا شيخ شرط واحد، هو ألا يكون أكثر منه ضررًا.
    الشيخ: أن لا يكون أكثر منه ضررًا، لكن بعض العلماء اشترطوا شرطًا، المذهب أنه ما هو شرط، يعني له أن يؤجر بأكثر مما استأجر، ولا حرج؛ لأن المنفعة ملكه، لكن بعض العلماء قال: لا يجوز؛ لأنه داخل في ربح ما لم يضمن.
    يقول مالك: إنها تجوز إجارة الوقف، فما هو الوقف؟
    طالب: الوقف هو أن يوقف الإنسان بيتًا أو أرضًا لغيره ينتفع بها يجوز أن يتصرف بها ببيع أو هبة ..
    الشيخ: نعم، تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، هكذا جاء الحديث، حين استشار عمر النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض التي أصابها في خيبر قال: «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» (2)؛ أي: بمنفعتها و ( ... ).
    مثاله؟
    طالب: مثال.
    الشيخ: مثال الوقف.
    طالب: مثال الوقف، أن يوقف الرجل مزرعته ..
    الشيخ: فيقول؟
    الطالب: فيقول: هي وقف، لا تُباع.
    الشيخ: هذه وقف على من؟
    الطالب: على أبنائه.
    الشيخ: على أبنائه أو على ذريته، هذا هو الوقف.
    هل يجوز لأهل الوقف أن يؤجروا هذا الوقف؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: يجوز، أليس الوقف لا يجوز بيعه؟
    طالب: لكن الإجارة غير البيع؛ لأنهم يملكون المنفعة، وإن لم يملكوا عينها.
    الشيخ: الإجارة غالبة على المنفعة، والمنفعة ملك للموقوف عليه، يتصرف فيها كما شاء.
    إذا مات المؤجر وانتقلت إلى من بعده هل تنفسخ الإجارة؟
    الطالب: إذا كان أجر لمدة يغلب الظن أنه لا يعيش إليها، فصحيح أنها تنفسخ الإجارة، وإذا أجر إلى مدة يغلب عليه الظن أنه يعيش إليها، فاختلف الفقهاء؛ منهم من قال بانفساخ العقد، ومنهم من قال بعدم انفساخه، وهو الجاري عليه العمل الآن.
    (2/1864)
    ________________________________________
    الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك، هذا هو القول الراجح، أنه إذا أجر الموقوف عليه مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش فيها، كما لو أجر مائتي سنة، وهو طبعًا في الغالب أنه لا يعيش مائتي سنة، فهنا إذا مات انفسخ، وإن كانت المدة مما يغلب على الظن أنه يعيش فيها خمس سنوات، عشر سنوات -مثلًا- فإنها لا تنفسخ.
    العمل على أي الأمرين؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: إي نعم، تنفسخ ولّا لا تنفسخ؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: تنفسخ.
    طالب: العمل على أنها لا تنفسخ.
    الشيخ: أنها لا تنفسخ، وهو كذلك يُستثنى من هذا مسألة لم نذكرها بالأمس، وهو إذا كان الذي أجر الوقف هو الحاكم العام؛ يعني القاضي، مثل أن يكون هذا الوقف ليس له ناظر، فيؤجره القاضي، هنا لا تنفسخ الأجرة؛ لأن القاضي له النظر العام، فهو ناظر على هذا الوقف مطلقًا، فإذا كان ناظرًا عليه مطلقًا فإنها لا تنفسخ الإجارة بموت الحاكم أو بنقله إلى جهة أخرى بل تبقى الإجارة على ما كانت عليه.
    ولكن هل للقاضي أن يؤجر مدة طويلة أو لا؟ هذه تنبني على المصلحة، إن رأى المصلحة في تأجيرها مدة طويلة أجر، وإلا أجر بنحو سنتين أو ثلاثة، حتى لا يحرم أصحاب البطون الأخرى.
    ***
    (2/1865)
    ________________________________________
    ننتقل الآن إلى درس الليلة فنقول: (وَإِنْ أَجَّرَ الدَّارَ وَنَحْوَهَا مُدَّةً وَلَوْ طَويلَةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ العَيْنِ فِيهَا صَحَّ)، إذا (أَجَّرَ الدَّارَ وَنَحْوَهَا) كالدكان مثلًا، أجره مدة (وَلَوْ طَويلَةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ العَيْنِ فِيهَا صَحَّ)، مثل أن تؤجر هذا البيت لمدة ستين سنة فالإجارة صحيحة؛ لأن ستين سنة يغلب على الظن أن يبقى البيت إليها، ولا سيما إذا كان من المسلح وكان جديدًا، فإن الغالب أنه يبقى فإذا أجرها هذه المدة صح، لكن لو انهدمت قبل تمام المدة انفسخت الإجارة؛ لتلف العين المعقود عليها وللمستأجر حصته من الأجرة فيما لم يستوفِ منفعته، واضح؟ فإذا أجر هذا البيت لمدة ستين سنة، وبعد ثلاثين سنة سقط البيت نقول: تنفسخ الإجارة، لماذا؟ لتعذر استيفاء المنفعة، ويسقط من الأجرة بقدر ما بقي من المدة.
    وقوله: إن أجرها مدة طويلة، لكن لو أجرها مدة طويلة يغلب على الظن أنها لا تبقى فيها فظاهر كلام المؤلف أن الإجارة لا تصح، ولكن يجب أن نعرف الفرق بين الأجرة التي يكون فيها العقد على نفس الدار، وبين الحكر أو الحكورة التي يكون العقد فيها على منفعة الأرض، وهذا أظنه موجودًا في كثير من البلدان، هل يوجد في مصر الحكر؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: إي، وهو موجود أيضًا في الحجاز، وموجود في نجد، وموجود في كثير من البلدان، تكون الأجرة ما هي على نفس البيت، بل على الأرض في الواقع، ولهذا يملك المستأجر أن يهدم هذا البيت، وأن يغيره، وأن يتصرف فيه كما شاء، لكن في الإجارة المحضة لا يملك أن يتصرف في البيت، انتبهوا للفرق، يعني الفرق بين أن آتي إلى رجل وأنا أريد أن أبقى في هذا البلد سنتين أو ثلاثة، وأقول أجرّني بيتًا فيؤجرني إياه، البيت لمن؟
    طلبة: لصاحبه.
    (2/1866)
    ________________________________________
    الشيخ: لصاحبه، المستأجر لا يملك إلا الانتفاع، حتى إنه لا يملك أن يعدل بابًا من الأبواب، ولا أن يفتح فرجة في جدار؛ لأنه إنما استأجر المنفعة فقط، أما العين فلا يتصرف فيها، في مسألة الحكورة، وتسمى عندنا: الصُّبرة، من الصَّبْر، وهو الحبس.
    المعقود عليه ليست العين، المعقود عليه منفعة الأرض؛ ولهذا يجوز لمن عقَدَ عَقْدَ حكورة يجوز له أن يهدم البيت وينشئه من جديد، وصاحب الأرض لا يقول له شيئًا؛ لأنه يعرف أنه أنما أجره مدة بدراهم معينة، وليس له علاقة في نفس البيت أو في نفس الدكان، وهذا الآن هو الذي عليه العمل.
    ولهذا في بلدنا هذه يؤجرون الحكرة إلى مدة خمس مئة سنة وست مئة سنة وألف سنة، ويُحكى أن أحد المغفلين استأجر بيتًا حكورة من شخص، وقال له صاحب البيت: المدة خمس مئة سنة. قال: لا، أنا أريد أن تكون المدة ألف سنة. قال: لا، فذهبوا إلى القاضي ليكتب بينهما، فقال المحكر: أنا أحكرك إياها بخمس مئة سنة، فقال هذا المغفل: خمس مئة سنة؟ ! بكرة تيجي لَمِّي تطلعني أنا وأولادي، أنا أريد ألف سنة. المهم أن القاضي عرف أنا صاحب البيت لا يريد أكثر من خمس مئة، فقال للرجل المغفل: إذا تمت خمس مئة سنة وأراد أن يخرجك أنت وأولادك فيأتي لَمِّي -إن شاء الله- ونحل المشكلة.
    وكل منهم يعلم -إن لم يكن علم اليقين- أنه لن يبقى إلى خمس مئة سنة، لكن قال: جزاك الله خيرًا، ما دام أنك ضامن لي هذا ما فيه مانع تكتب خمس مئة سنة.
    على كل حال أقول: إن هناك فرقًا بين الأجرة المحضة وبين أيش؟ الحكر؛ لأن الحكر إنما يقع العقد على الأرض، ولا يلتفت الآخذ بهذا العقد إلى مسألة العين، لكن إذا كانت على العين يقول المؤلف: لا بد أن يكون إلى مدة يغلب على الظن بقاء العين فيها.
    لو أجره البعير لمدة خمسين سنة، يصح؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: ليش؟
    طلبة: لا يبقى إلى خمسين سنة.
    الشيخ: البعير لا يبقى إلى خمسين سنة، فلا يصح.
    سيارة أجره إياها لمدة مئة سنة؟
    (2/1867)
    ________________________________________
    طلبة: ما يصح.
    الشيخ: ما يصح؛ لأن الغالب أنها لا تبقى، إلا أن تركن في الجراج ولا تستعمل، هذا شيء آخر، لكن إذا استعملت ما تبقى إلى هذا، فاشترط المؤلف في تأجير العين مدة أن يغلب على الظن بقاء العين فيها، فإن لم يغلب على الظن بقاء العين فيها فإنه لا يصح، لماذا لا يصح؟ قالوا: لأنه لا يمكن استيفاء المنفعة، ومن شرط الإجارة أن يمكن استيفاء المنفعة، إذا استأجرها لمدة يغلب على الظن بقاء العين فيها، ولكنها لم تبقَ، فماذا يكون الأمر؟
    قلنا لكم قبل قليل: إن الإجارة تنفسخ، ويسقط عن المستأجر بقسطه من الأجرة.
    يقول رحمه الله: (وَإنِ اسْتَأْجَرَهَا) أي: العين (لِعَمَلٍ كَدَابَّةٍ لِرُكُوبٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ؛ أَوْ بَقَرٍ لِحَرْثٍ، أَوْ دِيَاسِ زَرْعٍ، أَوْ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقٍ، اشْتُرِطَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ، وَضَبْطُهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ)، أفادنا المؤلف في هذا أنه يجوز أن تستأجر العين لعمل؛ يعني يستأجر عينًا ليعمل فيها؛ كسيارة ليسافر بها إلى مكة، وكموتور لتوليد كهرباء لمدة معينة، أو كموتور لاستخراج الماء لمدة معينة، وما أشبه ذلك كل هذا جائز، أن ليس به احتكار -والحمد الله- على العالَم، لكن يقول المؤلف: لا بد أن يكون من استأجر الدابة لركوب إلى موضع معين، فإن قال: استأجرت منك هذه الدابة لأطلب عليها ضالتي التي ضاعت مني، فالإجارة؟
    طلبة: ما تصح.
    الشيخ: ليش ما تصح؟ مجهول، ما ندري أيجدها قريبًا أم بعيدًا؟ فلا بد أن يكون إلى موضع معين.
    إذا قال: استأجرت منك هذا البعير إلى بلد ما؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: ليش؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: للجهالة.
    استأجرت منك هذا البعير إلى بلد معين، لكن صاحب البعير لا يدري أين هذا البلد؟ أيضًا لا يصح؛ لأنه لا بد من علم المؤجر والمستأجر، فإذا كان لا يدري فإنه لا يصح.
    وهل يشترط أن يعلم الطريق أسَهْلٌ هو أم وعر، آمن أم خائف؟
    طالب: نعم.
    (2/1868)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم؛ لأنه يختلف به القصد، فمثلًا إذا استأجر بعيرًا إلى بلد والطريق آمن، والطريق مُيَسَّر، فليس كما لو استأجرها إلى بلد طريقه خائف وغير ميسر، بينهما فرق عظيم، فالمهم أنه لا بد أن يعرف كل ما تختلف به الأجرة.
    إذا استأجرها للحمل ما هو للركوب لا بد أن يُعَيِّن المحمول؛ لأنه يختلف، فرق بين أن يكون الحمل من القطن أو من الإسفنج وبين أن يكون من الرصاص، أيهم أشد؟
    طلبة: الرصاص.
    الشيخ: خطأ، الوزن هو مئة رطل مثلًا.
    طلبة: متساوٍ.
    الشيخ: ما أيش؟
    طالب: ما يختلف؟
    الشيخ: لا، ما يختلف، مئة رطل، لكن إسفنج أو رصاص ..
    طلبة: سواء.
    الشيخ: لا، خطأ.
    طالب: الإسفنج أسهل.
    طالب آخر: ( ... ).
    الشيخ: كل واحد منهما أشد على البعير من الآخر؛ الإسفنج لا بد أن يكون كبيرًا، مئة رطل يكون كبيرًا فيتعب البعير؛ لأنه سوف يستقبل الهواء، والهواء يعوقه، يعوق البعير ويتعبه، أليس كذلك؟ لكن بالنسبة إلى ظهر البعير أيسر، الرصاص صغير، بالنسبة للهواء ما يضر، لكن بالنسبة لثقله على الظهر ربما يجرح الظهر، ويكون فيه الدَّبَر؛ لذلك لا بد أن يعين نوع المحمول؛ لأن ذلك يختلف، فصار لا بد أن يعين نوع المحمول، وأن يعين البلد، وأن يُعْرَف الطريق.
    لو قال: استأجرت منك البعير لركوب رجل عليها إلى المدينة، يحتاج يعين الرجل أو لا؟
    طلبة: يحتاج.
    طلبة آخرون: لا يحتاج.
    الشيخ: كلكلم لستم حمالين ولا تعرفون، الواقع أنه يحتاج؛ لأن من الركاب من هو خفيف على الدابة، خفيف، لو تحرك هكذا اشتدت البعير وسارت هملاجة، ومن الناس من لا تهتم به البعير، ثم يوجعها ضربًا وهي ما تمشي ترغي ولا تمشي، يختلفون الناس ولّا ما يختلفون؟ يختلفون؛ ولهذا الركاب الذين يعرفون الركوب سواء على الإبل أو على الخيل، يختلفون اختلافًا عظيمًا، ولهذا سيأتيكم -إن شاء الله- في المسابقة أنه لا بد من تعيين الراكب؛ لأنه يختلف الناس.
    (2/1869)
    ________________________________________
    إذن فلا بد من تعيين الراكب، ثم هناك فرق بين أن يكون الراكب كبير الجسم أو صغير الجسم، أليس كذلك؟ إذن لا بد من تعيين الراكب، والقاعدة: أنه لا بد من ذكر كل ما يختلف به القصد واستيفاء المنفعة، دليل ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نَهَى عن بيع الغرر (3)، صلوات الله وسلامه عليه، كلامه واسع المعرفة، الإجارة بيع ولَّا غير بيع؟ بيع منافع، وعلى هذا فلا بد أن لا يكون في هذه المنفعة شيء من الغرر.
    (أو بقر لحرث) استأجر بقرًا لحرث، هذا أيضًا فيما أظن لا يعرفه كثير منكم؛ لأن الحرث الآن عندنا في الوقت الحاضر بالحراثات؛ معدات آلية، لكن فيما سبق الحرث على البقر؛ لأن لها أرجلًا قوية تهشش الأرض، فيحرثون عليها، البقر تجتمع، عدة بقرات تسير في اتجاه واحد، ثم ترجع باتجاه آخر حتى تُلين الأرض.
    استأجر هذا البقر للحرث، لا بد أن تعرف الأرض؛ لماذا؟ لاختلافها بالشدة والليونة، بالرطوبة واليبوسة، ولا بد أن تعرف المساحة طولًا وعرضًا، حتى يمكن استيفاء المنفعة على وجه معلوم لا نزاع فيه.
    استأجر بَقَرًا لركوب؟
    طالب: ما يصح.
    طالب آخر: البقر لا يُركب.
    الشيخ: الفقهاء يقولون: يجوز، يجوز أن يستعمل الحيوان في غير ما جرت العادة به، فيجوز أن يركب البقرة، الشاة لا تتحمل الظاهر.
    طلبة: الجاموسة.
    الشيخ: والجاموسة، المهم على كل حال، إذا استأجرها لهذا، وكان مما جرت العادة أنها تَحْمل، فلا بأس.
    كذلك بقر (لدياس زرع)، هذا أيضًا مما لا يعرفه أكثركم، الزرع الآن يداس بالآليات، مكائن تخلص الحب من جرابه ومن ساقه، فيما سبق لا، يجمع الحب بجرابه وساقه، ثم تأتي البقر وتدوسه حتى ينقى الحب، فإذا استأجرها لدياس فلا بد من معرفة القدر أو معرفة الزمن؛ معرفة الزمن يكفي عن معرفة القدر؛ لأن الزمن محدد بالساعات، والدياس ما يختلف، غاية ما هنالك أنها البقر تدور حتى تدق السنبلة.
    (2/1870)
    ________________________________________
    لو استأجر بقرًا لسقي؛ يعني بمعنى أنها تغرف الماء من البئر وتسقي به الزرع، يجوز؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: لكن لا بد من معرفة الغرب الذي يُسقى به؛ لأن الغرب الكبير يشق عليها أكثر، فلا بد من معرفته حتى لا يحصل اختلاف.
    (أو من يدله على طريق) إذا استأجر من يدله على طريق فلا بد من معرفة هذا الطريق، ولهذا قال: (اشترط معرفة ذلك، وضبطه بما لا يختلف).
    استأجر رجلًا يدله على طريق، والطرق -فيما سبق- غير معبدة، ويضل الناس فيها كثيرًا، ويهلكون كثيرًا، يحتاجون إلى أدلاء، فإذا استأجر من يدله على الطريق كان ذلك جائزًا، وقد وقع هذا للنبي صلّى الله عليه وسلّم في هجرته من مكة إلى المدينة، حيث استأجر رجلًا يقال له: عبد الله بن أريقط، وكان جيدًا في الدلالة ماهرًا خرِّيتًا (4)، أي جيدًا في الدلالة، وكان مشركًا، فدلّهم على الطريق، فيجوز إذن أن أستأجرَ شخصًا يدلني على الطريق، لكن لا بد من ضبطه بما لا يختلف، فإذا كان البلد له طريقان فلا بد أن أقول: تدلني مع الطريق الفلاني، أعيِّنُه، قد يكون الإنسان له غرض في الطريق البعيد ليزور من فيه من القرى أو ما أشبه ذلك، المهم لا بد أن يضبطه.
    وبمناسبة ذكرنا عبد الله بن أريقط الذي دل النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم على الطريق في الهجرة، يؤخذ من ذلك أنه لا بأس من استئجار الكافر فيما يؤتمن عليه، سواء في دلالة الطريق أو في العلاج أو في الصنعة أو في البناء أو غير ذلك، لكن بشرط أن يكون أمينًا.
    ويتفرع على ذلك أنه يجوز للمسلم أن يعمل بقول الطبيب الكافر في أن لا يصلي قائمًا مثلًا، أو أن لا يركع، إذا كان العلاج مما يحتاج إلى عدم الركوع والسجود لا يركع، وذلك في مداواة الأعين، فإن كثيرًا من الأطباء يقول للمعالَج: لا تركع، لا تسجد، هذا يؤخذ بقوله ولو كان كافرًا ما دام أمينًا، وكذلك في الإفطار.
    (2/1871)
    ________________________________________
    وأما اشتراط بعضهم أنه لا بد أن يكون الطبيب مسلمًا ففيه نظر، والصواب أنه لا بد أن يكون الطبيب أمينًا سواء كان مسلمًا أم غير مسلم، وكثير من الكفار يكون عنده أمانة، هو لا يريد التقرب إلى الله عزّ وجل، ربما لا يريد ذلك، لكنه يريد أن يعرف الناس صنعته وحذقه ونصحه ويتجهون إليه.
    وإذا قال قائل: ما دليلكم على هذا؟ قلنا: أيش؟
    طلبة: ( ... )؟
    الشيخ: نعم، هل يجوز أن نستأجر الكافر في بناء المساجد؟
    نقول: إذا أَمِنَّا ذلك، وكان القائم عليه مهندسًا مسلمًا فلا بأس، أما إذا لم يكن كذلك فإنه لا يجوز.
    طالب: الآن تؤجر السيارات ليس بالمدة أو المكان ..
    الشيخ: ليس بالمسافة.
    الطالب: بالقيمة، بالكيلو.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: فهل هذا يُشرع؟
    الشيخ: لا بأس، إيجار السيارات الآن إما بالكيلو ولا بالزمن ..
    الطالب: باليومية.
    الشيخ: إي، إما باليومية، وإلا بالزمن ولّا بالمسافة.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، الآن لو أن طبيبًا نصرانيًّا ماهرًا قال: ( ... ) المسلم لا تصم.
    الشيخ: لا تصم.
    الطالب: لا تصم؛ لأن ذلك يضرك، لكن خالفه مسلم هو أدنى منه في المهارة ليس لدرجة في المهارة في الطب، قال له: لا يضرك الصوم فبأيهما يأخذ؟
    الشيخ: يأخذ بالأول، ما دام أحذق منه ومأمونًا فيأخذ بقوله.
    طالب: شيخ، بارك الله فيكم، يقول بعضهم إن الطبيب الكافر في الاطلاع على العورات أو بالأحرى الطبيبة الكافرة في الاطلاع على عورات النساء كالرجل الأجنبي، فما صحة ذلك؟
    الشيخ: غير صحيح، المرأة الكافرة كالمسلمة في مسألة العورة، وقوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31]، لا يُراد نساء المؤمنات، المراد الجنس؛ يعني: أو النساء اللاتي من جنسهن.
    طالب: ( ... ) إذا أجرها مدة طويلة، فهل له أن يكون الإيجار بما يكون عليه إيجار المثل في كل سنة؟
    (2/1872)
    ________________________________________
    الشيخ: لا، يقول: إذا أجرها مدة طويلة فهل له أن يقول بما تكون عليه أجرة المثل في كل سنة، نقول: هذا لا يجوز، خصوصًا على القول بأنه لا يجوز أن يبيع كما يبيع الناس؛ لأن هذا مجهول، والإيجارات ترتفع وتنزل، لكن إذا خاف من ذلك فليؤجرها بالسنة.
    طالب: ( ... ) ثمن كيلو من الذهب مثلًا سنويًّا.
    الشيخ: كيلو.
    الطالب: كيلو من الذهب؛ يعني: يقدرها بالذهب.
    الشيخ: ما فيه مانع، كيلو من الذهب ما فيه مانع معروف، ( ... ).
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، قلنا: إن الماء والكهرباء لا بد أن يكون على المؤجر، فما حكم ما يجري في الفنادق؟
    الشيخ: أنا الآن قلت لكم ذلك، لكن قلت: إن الماء عندنا -والحمد لله- أمره يسير لو التزم به المستأجر، ما فيه بأس.
    طالب: لكن الكهرباء فرقها ظاهر، فما حكم ما يحصل في الفنادق والقصور في إجارتها يومًا ويومين وشهرًا شهرين؟
    الشيخ: نعم، الظاهر من هذا أن المكان عام أنه لا بأس به؛ لأن نفس صاحب الفندق يعرف مقدار الكيلوات عمومًا، ويتحاسب مع الشركة على العموم، مع أنه في هذه الحال يجب على المستاجر أن يتقي الله عز وجل في صرف الكهرباء، ما يقول: أخلي الكهرباء في الليل والنهار والعًا؛ لأن هذا خيانة وإضاعة مال سواء عليه ولّا على المؤجر.
    طالب: ( ... ) الإيجار الذي ينتهي بالتمليك، فما حكمه؟
    الشيخ: أرى أنه حرام، أن ذلك حرام؛ لأن المؤجر إجارة تنتهي بالتمليك لا بد أن يزيد في الأجرة؛ يعني مثلًا إذا كانت الأجرة عشرة آلاف لا بد تنتهي لعشرين ألفًا، أفهمت؟ وهذا يؤدي إلى الجهالة؛ لأنه بعد انتهاء المدة ما هو يملك على طول، أظنه ما بخير، فيه عقبة.
    طالب: شيخ، بارك الله فيك، يقول المؤلف: (ولو طويلة) ما دليله على ذلك؟
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: دليله على: ولو كانت طويلة ( ... ) يجوز ذلك ..
    الشيخ: هل أنت تدرس معنا أم لا؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: تدرس، ماذا قلنا في المعاملات؟
    الطالب: الأصل فيها الحل.
    (2/1873)
    ________________________________________
    الشيخ: انتهى، هذا الدليل لكنه أشار إليها؛ لأن بعض العلماء يقولون: لا تجوز إذا كانت طويلة، والصواب أنها تجوز، إلا فيما ذكرنا قبل، وهو؟ اذكروه.
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: لا، الوقف هو الذي لا يجوز للبطن الأول أن يؤجره مدة طويلة، يغلب على الظن أنهم لا يعيشوا إليها.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، إذا كانت الأجرة تؤخذ على عمل قد يكون مشروطًا فما ( ... ) بعض الفقهاء فيما لو استأجر طبيبًا وشارطه على البرء.
    الشيخ: نعم، هذه لا بأس بها؛ لأنه ورد بها النص، فإن قضية الذين قرءوا على سيد القوم، اشترطوا البرء.
    طالب: شيخ، ( ... ) مجهولة.
    الشيخ: لا، هي مجهولة معلومة، البُرْء معلوم، والطبيب داخل على هذا، على أنه إما أن يكسب أو لا، ثم هو أيضًا -الطبيب- لا يمكن أن يشترط هذا إلا وهو عالم أو غالب على ظنه أنه سيبرأ.
    طالب: بارك الله فيك، قلنا: لو أجره مدة طويلة ثم انهدم المستأجر، فإن المستأجر يطلب حصته من الأجرة، فهل هذا لأن الأجرة مقدمة أم ماذا؟
    الشيخ: إي، هي إذا كانت مقدمة؛ يعني إذا كان ما بعد استعملها تسقط عنه.
    طالب: كيف نقول يا شيخ: تسقط بقسطها.
    الشيخ: إي نعم، بقسطها، مثلًا إذا قال: كل سنة بمئة، عشر سنوات كل سنة بمئة، بعد مضي خمس سنوات سقط، يسقط عنه خمس مئة.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: هذه كقسط هذه.
    طالب: ( ... ) يا شيخ؟
    الشيخ: لا، ما يختلف.
    طالب: شيخ، المسألة التي ذكرها الأخ.
    الشيخ: وهي ..
    الطالب: الأجرة بالتمليك ما هي صورتها؟
    الشيخ: صورتها يقول: إني أجرتك إياه مثلًا ثلاثين سنة على أنك مثلًا تعطيني كل سنة كذا وكذا، وبعد انتهاء المدة تخير بين أن تشتريها أو تبيعها، ما أدري يعني، لكننا تصورتها من قبل، وعرفت أنها تشتمل على غرر، وأفتيناه بعدم جوازها.
    طالب: ( ... ) على أقساط.
    الشيخ: هي على أقساط الأجرة.
    الطالب: أي على أقساط، تكون بيع بس على أقساط تقريبًا.
    (2/1874)
    ________________________________________
    الشيخ: لا، إحنا قلنا لهم هذا، قلنا: خلوها بيعًا، لكن هم قالوا: كيف؟ إذا كانت بيعًا لو تلفت في ضمان من؟
    طلبة: البائع.
    طلبة آخرون: المشتري.
    الشيخ: لا، في ضمان المشتري، والمشتري ( ... ) في ضمان المؤجر.
    طالب: أحسن الله إليك، بالنسبة لمسألة الحكر يا شيخ ..
    الشيخ: أيش؟
    الطالب: الحكر أو الحكارة ..
    الشيخ: نعم، هي حكر وحكورة.
    الطالب: حكورة.
    الشيخ: أما حكارة هذه ما علمتها الآن.
    الطالب: كون أنَّ المستأجر يا شيخ له أن يهدم هذا البيت مثلًا ويبنيه، ولو ( ... )؛ لأن الأجرة على أرضية هذا البيت.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: لو انتهت المدة يا شيخ، وهو –المستأجر- بنى هذا البيت، وأراد المالك أن يأخذ منه الأرض، فما العمل؟
    الشيخ: هذه، يقول العلماء: إن اشترط صاحب الأرض على أنه لا يثمن عليه البيت، يعني ما يُقَوِّم عليه فلا بأس، ما يُقَوِّم عليه، وإن لم يشترط هو -يُقوِّم يَعني- إما أن يقوِّم على صاحب الأرض، ويقال: هذا البيت يساوي مثلًا عشرة آلاف، خذه بعشرة آلاف، وإما أن تمدد المدة لصاحب البيت الذي بناه.
    طالب: هل يمكن للمؤجر أن يمنع المستأجر ( ... )؟
    الشيخ: هذه سبقت يا أخي أمس؟ في الدرس الذي قبل هذا قبل البارحة، قلنا للمستأجر أن يؤجر ما استأجره بشرط أن لا يكون أكثر منه ضررًا.
    الطالب: إن اشترط المؤجر ألا يؤجره؟
    الشيخ: لا بأس، إذا اشترط المؤجر ألا يؤجره فهو لا يؤجره.
    ***
    طالب: ( ... ) يخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ القُرْبَةِ، وَعَلَى المُؤَجِّرِ كُلُّ مَا يُتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ النَّفْعِ كَزِمَامِ الْجَمَلِ، وَرَحْلِهِ، وَحِزَامِهِ، وَالشَّدِّ عَلَيْهِ، وَشَدِّ الأَحْمَالِ وَالمَحَامِلِ، وَالرَّفْعِ وَالحَطِّ، وَلُزُومِ البَعِيرِ، وَمَفَاتِيحِ الدَّارِ وَعِمَارَتِهَا فَأَمَّا تَفْرِيغُ البَالُوعَةِ وَالكَنِيفِ، فَيَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ إِذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً.
    (2/1875)
    ________________________________________
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبق لنا أن أهم شيء في شروط الإجارة أن تكون المنفعة معلومة؛ لأن لا يقع المتعاقدان تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم، بل تحت نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر (3)، وسبق لنا أنه إذا استأجر من يدله على طريق اشترط معرفة الطريق، وضبطه الطريق الأيمن، الأيسر، الطريق الرملي، الطريق الحجري، وما أشبه ذلك، لا بد أن يعلم هذا كله من أجل أن لا يقع في ذلك جهل وغرر.
    وكذلك أيضًا، انتهى ما أردت.
    (ولا تصح على عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القربة) معنى هذه العبارة، وأقول: إن هذه العبارة تداولها العلماء -رحمهم الله- وتلقوها ناشئًا عن سابق، معناه أن العمل الذي لا يقع إلا قربة لا يصح أن يؤخذ عليه أجرة، كل عمل لا يصح إلا قربة، فإنه لا يؤخذ عليه أجر؛ ووجه ذلك أن ما كان لا يقع إلا قربة فإنه لا يجوز للإنسان أن يعتاض عن ثواب الآخرة شيئًا من ثواب الدنيا، قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16] فحذَّر الله -عزّ وجل- أن يريد الإنسان بعبادته شيئًا من الدنيا، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20]، فما كان لا يقع إلا قربة فإنه لا يصح أن تؤخذ الأجرة عليه.
    (2/1876)
    ________________________________________
    مثال ذلك: الصلاة، لو قال رجل لابنه: صلِّ يا بني، قال: لا أصلي إلا كل فرض بعشرة ريالات، ليستحق كل يوم خمسين ريالًا، فاستأجره، قال: نعم أنا أعطيك كل فرض عشرة ريالات، فالأجرة هذه لا تصح؛ لأن الصلاة لا تقع إلا قربة.
    الأذان، لو أن إنسانًا قيل له: أذِّن، قال: ما فيه مانع، أنا أؤذن لكن كل أذان بخمسة ريالات، فإنه لا يصح، لو قيل لشخص: اقرأ القرآن ليكون ثوابه للميت، فقال: لا بأس، لكن لا أقرأ إلا الجزء بعشرة ريالات، لم تصح، واضح؟
    كل شيء لا يقع إلا قربة فإنه لا يصح أن يقع عليه عقد الإجارة، والتعليل؛ لأن هذا عمل يُرجى به ثواب الآخرة أو يُقصد به ثواب الآخرة، ولا ينبغي أن يكون عمل الآخرة يُراد به عمل الدنيا، ولهذا قال شيخ الإسلام -رحمه الله- فيمن حج ليأخذ: ليس له في الآخرة من خلاق؛ أي ليس له نصيب، إنسان قال: أبغي الحج من أجل آخذ الأجرة، وأما من أخذ ليحج، قال: فلا بأس به؛ لأنه استعان بالمال على طاعة الله، والاستعانة بالمال على طاعة الله أمر جائز ولا بأس به.
    سُئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن رجل قيل له: أقم بنا في رمضان؛ يعني: صلِّ بنا القيام، فقال: لا أصلي لكم إلا بكذا وكذا، فقال الإمام أحمد -رحمه الله: نعوذ بالله، ومن يصلي خلف هذا؟ ! وهذا يدل من الإمام أحمد على أنه أبطل عبادته، وبناءً على بطلان عبادته لا تصح الصلاة خلفه، وقد استعاذ الإمام أحمد -رحمه الله- من هذا الشرط، نعوذ بالله ومن يصلى خلف هذا؟
    ولكن ما يقع قربة بالقصد وينتفع به الغير فلا بأس أن يأخذ الإنسان عليه أجرة من أجل نفع الغير، كالتعليم، إنسان قال: أريد أن تعلمني باب شروط الصلاة، قال: ما بي مانع، أنا أعلمك باب شروط الصلاة، لكن بشرط أن تعطيني كذا وكذا أجرة، نقول: هذا لا بأس به؛ لأن العوض هنا ليس عن التعبد بالعمل ولكن عن انتفاع الغير به، واضح؟
    (2/1877)
    ________________________________________
    تعليم القرآن لو أن شخصًا طُلب منه أن يعلم فلانًا سورة البقرة، قال: لا أعلمه إلا بكذا وكذا، يجوز؟ نعم يجوز؛ لأن هذا للتعليم لا للتلاوة، وفرق بين أن يكون التعليم الذي يتعدى نفعه للغير وبين التلاوة.
    إنسان قال لمريض: أنا لا أقرأ عليك؛ يعني: لا أرقيك إلا بكذا وكذا، وهو يريد أن يرقيه بالقرآن، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز، ولهذا لما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم سرية، فنزلوا على قوم ضيوفًا، فأبى القوم أن يضيفوهم، بعث الله على سيدهم عقربًا فلدغته -وكانت والله أعلم شديدة- فطلبوا من يعالجه، قالوا: لعل هؤلاء القوم فيهم من يقرأ، يعنون بذلك الصحابة الذين تنحوا عنهم لما لم يضيفوهم، فجاءوا إلى الصحابة وقالوا إن سيدهم قد لُدغ، فهل منكم من راقٍ؟ قالوا: نعم، منا من يرقيه، ولكن بكذا وكذا؛ لأنكم أنتم ما أكرمتمونا، ولا ضيفتمونا، بكذا وكذا لطائفة من الغنم، قالوا: لا بأس، فقرأ عليه القارئ، فقام كأنما نُشِط من عقال بإذن الله، ولم يقرأ عليه إلا سورة الفاتحة يا إخوان، سورة الفاتحة فقط، التي يقرؤها بعض الناس اليوم ألف مرة ولا يستفيد المريض، قرأ عليه سورة الفاتحة وبرأ بإذن الله، أعطوهم القطيع، الطائفة من الغنم، ولكن أشكل عليهم الأمر، فقالوا: لا نأكل حتى نسأل النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، فلما قدموا المدينة وأخبروا الرسول بهذا قال: «نَعَمْ، كُلُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ» (5)، عليه الصلاة والسلام، أفتاهم بالقول وبالفعل من أجل أن تطمئن قلوبهم، وإلا الفتوى القولية تكفي، وهو -عليه الصلاة والسلام- لا يسأل أحدًا، لكنه سأل هذا لمصلحتهم، لا لمصلحته هو، هو ليس بحاجة ولا ضرورة إلى لحمهم، لكنه فعل ذلك أيش؟ لمصلحتهم لتطيب قلوبهم، قال: «خُذُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ فَإِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ»، فدل هذا على أنه لا بأس إذا كانت العبادة ذات نفع متعدٍّ، وأراد
    (2/1878)
    ________________________________________
    الإنسان بها ذلك النفع المتعدي لا بأس أن يأخذ عليها أجرًا، ولو كانت من جنس الأشياء التي لا تقع إلا قربة؛ لأن هذا القارئ ما قصد التعبد لله بالقراءة، قصد نفع الغير، إما التعليم وإما الاستشفاء أو غير ذلك، فهذا لا بأس به.
    أشكل على بعض الإخوة الملتزمين ما يأخذه الناس الآن على الأذان وعلى الإقامة، وعلى التدريس وعلى الدعوة، وقالوا: إن هذا نقص وخلل في التوحيد؛ لأن هذا الذي يأخذ المكافأة لا شك أنه يجنح إليها، يعني ليس يأخذها، وهي على حد سواء أخذها وعدمه، أليس كذلك؟
    طلبة: بلى.
    الشيخ: إي نعم، أكثر الناس هذا، أكثر الناس لا يستوي عنده عدم الأخذ والأخذ، بل ربما بعض الناس يصرِّح يقول: أنا أريد أن أكون إمامًا؛ لأني أريد أن أتزوج، أو: لأني تزوجت وأحتاج إلى نفقة، وقيل: تبغي أَلِفًا أو باء أو جِيمًا، قال: الألف؛ لأنه أكثر راتبًا.
    فيقول بعض الناس: إن هذا شرك؛ لأنه أراد بهذا العمل الصالح أراد الدنيا، فيقال لهؤلاء: هذا الذي تأخذونه ليس أجرة، ولكنه حق تستحقونه من بيت المال، وغاية ما عند الحكومة أن توزع بيت المال على المستحقين، هذا مدرس له ما يليق بعمله، وهذا مؤذن له ما يليق بعمله، وهذا إمام له ما يليق بعمله، وهذا داعية له ما يليق بعمله، وهكذا، يعني ليس من الحكومة في هذا إلا التوزيع والتنظيم، أما أنت فلك حق، كل من عمل عملًا متعديًا في المسلمين فله حق من بيت المال على حسب نتيجة هذا العمل، ثمرة هذا العمل، وحتى من لم يكن كذلك؛ أي من لم يعمل له حق من بيت المال، كالفقراء واليتامى ومن أشبههم.
    (2/1879)
    ________________________________________
    على كل حال هذه المسألة، أقول: إنها اشتبهت على بعض الملتزمين، ولهذا يسألون عنها كثيرًا، حتى إن بعضهم يكون أهلًا للإمامة تمامًا، قارئًا وفقيهًا ولا يرغب؛ لأنه يقول: إنه سوف يعطى مكافأة من بيت المال، فنقول: الحمد الله، أنت الآن لست مستأجرًا، ولكنك مستحق لهذا العمل الصالح ونفع المسلمين، فليس عليك أي بأس، فينبغي مثلًا لكم في مجالسكم إذا أحد أورد هذا الإشكال أن تبينه له.
    تقول: ليس بينك وبين الحكومة عقد إيجار، الحكومة -وفقها الله- إنما هي راعية للمصالح العامة، وترى أن توزع مثلًا بيت المال، لهذا كذا، ولهذا كذا، ولهذا كذا، وأنت ممن يستحقون من بيت المال على هذا العمل.
    إذن بقي علينا الحج، هل يجوز الاستئجار على الحج، مثل أن يستأجر شخصًا ليحج عنه أو لا؟
    نقول: أولًا: إذا كان الحج فريضة والمستأجر قادر، فالإجارة لا تصح، لماذا؟ لأن هذا يجب عليه أن يؤدي الفرض بنفسه؛ لأنه قادر بدنيًّا وماليًّا، إذا كان عاجزًا عجزًا لا يُرجى زواله وحجه فريضة فقد سبق لنا في الوكالة أنه يجوز أن يُنيب عنه، واستدللنا لذلك بحديث الخثعمية التي قالت: إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخًا كبيرًا لا يستطيع الركوب، فأذن لها (6)، فهل تجوز الأجرة على ذلك؟ أو نقول: اتفق مع الذي أراد أن يُنيبك، ولا تبحث عن المقدار سواء أعطاك عشرة أو ألفًا؟ انتبهوا لهذا.
    أما إذا كان نفلًا إذا كان الحج نفلًا فقد سبق لنا في الوكالة أيضًا أنه إن كان مريضًا مرضًا لا يرجى برؤه؛ فإنه يمكن أن يُقال بالجواز قياسًا على أيش؟
    طلبة: الفريضة.
    (2/1880)
    ________________________________________
    الشيخ: على الفريضة، وإن كان صحيح البدن قويًّا فالذي نرى أنه لا يصح؛ لأن العبادات مطلوب من الإنسان أن يشعر بأنه عابد لله ذليل، لا أن يعطي دراهم واحدًا يحج عنه، أيش يستفاد؟ هل قال هذا الذي أنابه: لبيك اللهم لبيك؟ ما قال: لبيك اللهم لبيك، هل طاف بالبيت؟ هل سعى بين الصفا والمروة؟ هل وقف بعرفة؟ ما فعل، أين الحج؟ كيف نقول: إن هذا حج؟ كيف نقول: إن له أجر الحج؟ !
    ولهذا قلنا: إن مثل هذا ينبغي أن يُعِينَ من يؤدي الحج بنفسه أفضل له من أن يقول: حُجَّ عني.
    على كل حال، في الحال التي يجوز فيها أن يستنيب أحد عن أحد في الحج، هل يجوز أن يعقد عقد إجارة على هذه النيابة أو لا؟ المذهب لا، المذهب لا يجوِّزون هذا، ويقولون: الإجارة على الحج حرام؛ لأن الحج عبادة بدنية لا تقع إلا قربة، ليس كتعليم الفقه والحديث وما أشبه ذلك، فلا يجوز، وفيه رواية عن أحمد أو قول في مذهب أحمد أنه يجوز عقد الإجارة على الحج، وعمل الناس اليوم على الثاني ولّا الأول؟
    طلبة: على الثاني.
    الشيخ: على الثاني، عمل الناس اليوم على الثاني، ولا يسع الناس إلا هذا، يعني لو قلنا: بأن الإجارة حرام سددنا باب النيابة نهائيًّا، من يُوفَّق فيقول: أنا أريد أن أقضي حاجة أخي وأقوم عنه بالحج وما أعطاني فأنا راضٍ به، هذا نادر، نادر أن يكون.
    المهم القاعدة كل عمل لا يقع إلا قربة فلا يصح عقد الإجارة عليه، وما كان نفعه متعديًا من القرب صح عقد الإجارة عليه، بشرط أن يكون العاقد لا يريد التعبد لله تعالى بهذه القربة، وإنما يريد نفع الغير، الذي استأجره لاستيفاء هذه المنفعة.
    (2/1881)
    ________________________________________
    ما هو العمل الذي يشترط أن يكون فاعله من أهل القربة، ومن هو أهل القربة؟ أهل القربة، يقولون: هو المسلم، المسلم هو أهل القربة؛ لأن الكافر لا يكون أبدًا من أهل القربة إطلاقًا، إذ إنه مهما عمل فإنه لا يقرِّبه عمله إلى الله، ولهذا نقول: من أهل القربة؛ يعني: المسلم، فالكافر ليس من أهل القربة، فكل عمل يصح إيقاعه من الكافر فعقد الإجارة عليه صحيح لا بأس به، حتى بناء المسجد، لو أنك استأجرت إنسانًا يبني لك مسجدًا فلا بأس؛ لأن بناء المسجد يجوز أن يكون من الكافر؛ يعني يجوز أن يبني الكافر المسجد، إلا أننا نرى أنه لا بد أن يكون عليه قيم يراقب تنفيذه، البناء وأساسات البناء حتى لا يخون.
    أهل القربة من هم؟
    طلبة: المسلمون.
    الشيخ: المسلمون؛ وذلك لأن الكفار مهما خشعوا، مهما بكوا، مهما ذلوا أمام صنمهم، فإن ذلك ليس بقربة، ولهذا يذكر أن النصارى في كنائسهم يخشعون خشوع المسلمين في محاريبهم، أو يخشعون خشوع المسلمين في مساجدهم بكاء، ونياح، وعويل، لكن هل ينفعهم هذا؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: لا، هذا لا ينفعهم، حتى قال بعضهم في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 2 - 4] إن هؤلاء هم النصارى في كنائسهم، لكن هذا على كل حال غير صحيح؛ لأن الآية صريحة بأن ذلك يوم؟
    طلبة: يوم القيامة.
    الشيخ: القيامة، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [الغاشية: 1، 2]، على كل حال، الكافر لا يمكن أن يكون من أهل القربة، فإن قال قائل: أرأيتم لو أن كافرًا بنى مسجدًا للمسلمين أتجوز الصلاة فيه؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: ولا يقبل منه.
    طلبة: ( ... ).
    (2/1882)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم، نحن لا يهمنا هو، هو لا ينفعه، حتى لو صلينا فيه ما له أجر، لكن نحن لا نمتنع من الصلاة فيه؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ» (7)، «جُعِلَتِ الْأَرْضُ مَسْجِدًا» (8) نعم، إن خفنا أن يريد هذا الكافر أن يصطاد بالماء العكر، أو أن يضفي مِنَّةً على المسلمين، ويقول يومًا من الدهر: نحن الذين بنينا لكم المساجد، فهنا يجب علينا أن نهجر هذا المسجد، يجب علينا، ويجب على المسلمين أن يتعاونوا في هذا، وأن لا يخون بعضهم بعضًا، أما إذا كان الرجل هذا –الكافر- معروفًا بالكرم، وأنه يعطي هذا وهذا وهذا وهذا، ولا يبالي ولا يمن، ولا يرى أن له فضلًا فلا بأس ولا مانع.
    ومن ذلك أيضًا ما أشكل على بعض الناس، يأتي إنسان يتعامل بالبنك أو يتعامل بأشياء أخرى محرم كسبها، ثم يبني مسجدًا أو يصلح طريقًا، فيقول: هل يجوز أن أصلي في هذا المسجد الذي أصلحه مَنْ مَالُهُ حرامٌ أو أمشي في الطريق؟ ماذا نقول؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: نعم.
    طلبة: نعم.
    الشيخ: ولو كان من الربا.
    طلبة: نعم.
    الشيخ: جزاكم الله خيرًا، هذا هو الذي نرى أنه لا بأس أن يصلي في هذا المسجد ولو كان من مال ربوي أو من كسب محرم آخر؛ لأن إثمه على كاسبه، أما نحن فأمامنا مسجد بُنِيَ متوجها إلى القبلة، وليس فيه أي محذور، ثم نقول: لعل هذا الرجل الذي بنى المسجد، لعله أحدث توبة، وبنى هذا من أجل أن يتخلص من الإثم ومن الكسب الحرام، فنكون إذا صلينا في ذلك وشجعناه نكون عونًا له على التوبة.
    والإنسان يجب أن ينظر الأمور بمقياس الشرع والعقل لا بمقياس العاطفة العمياء؛ لأنه ما ضرَّ المسلمين حتى في عهد الصحابة إلا هذا، العاطفة العمياء، ما الذي أوجب للخوارج أن يخرجوا إلا العاطفة العمياء، ودعواهم أن علي بن أبي طالب قد خان وأنه يجب أن يقاتَل، وأنه كفر برضاه بالتحكيم، وما أشبه ذلك.
    (2/1883)
    ________________________________________
    فعلى كل حال، نقول: هذا لا بأس به؛ أعني ما بناه شخص من ماله المكتسب بحرام.
    لو غصب أرضًا وبنى عليها مسجدًا؟
    طلبة: لا يجوز.
    الشيخ: ما نصلي فيها؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: أما على قول من قال: إن الصلاة في الأرض المغصوبة باطلة، فمعلوم أننا لا نصلي؛ لأننا لا نتقرب إلى الله تعالى بشيء باطل، لكن على قول من يرى أن الصلاة في الأرض المغصوبة جائزة فهذه أيضًا لا نصلي، لا نقول: إن الصلاة لا تصح، لكننا نقول: إن هذا تشجيع لهذا الغاصب الظالم أن يغصب أموال المسلمين، ثم يتبجح بأنه بنى عليها مسجدًا.
    ***
    ثم قال المؤلف -رحمه الله- في بيان ما يلزم المؤجر والمستأجر قال: (وَعَلَى المُؤَجِّرِ كُلُّ مَا يُتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ النَّفْعِ كَزِمَامِ الْجَمَلِ، وَرَحْلِهِ، وَحِزَامِهِ، وَالشَّدِّ عَلَيْهِ، وَشَدِّ الأَحْمَالِ وَالمَحَامِلِ، وَالرَّفْعِ وَالحَطِّ، وَلُزُومِ البَعِيرِ) كل هذا على المؤجر، أنتم تصورتم هذه العبارات؟
    إنسان أجر شخصًا بعيره ليحج به، يقول: عليك كل ما يتمكن به المستأجر من النفع (كزمام الجمل)، بَيِّن لنا ما هو الزمام؟
    طالب: هو الحبل الذي تُقاد به الناقة.
    الشيخ: الحبل الذي تُقاد به الناقة، بارك الله فيك، أو الجمل.
    (ورحله)؟
    طالب: هو ما يقعد عليه الراكب ( ... ).
    الشيخ: إي نعم، (وحزامه)؟
    طالب: الذي ينزل من فوق الرحل تحت البطن.
    الشيخ: ينزل من فوق النحر تحت البطن؟ !
    الطالب: نعم، ينزل من الرحل.
    الشيخ: يعني ما يُشد به الرحل.
    الطالب: ما يُشد به.
    الشيخ: إي، (ورحله وحزامه) يعني حزام الرحل.
    (والشد عليه)؟
    طالب: يعني شد هذا الحزام، يعني شده جيدًا.
    الشيخ: والرحل أيضًا.
    الطالب: ( ... ) يصير الرحل غير ( ... ).
    الشيخ: أي يحتمل هذا، ويحتمل أنه إذا نزلوا في مكان، ونزلوا الرحل عن البعير، أنه هو الذي يحمل الرحل ويشده على البعير، كل هذا على المؤجر.
    (2/1884)
    ________________________________________
    (وشد الأحمال) هذا الظاهر الذي يريده (شد الأحمال والمحامل) الأحمال: يعني الحمل الذي يكون على البعير كالأكياس والأواني وما أشبه ذلك، المحامل هي التي تكون على جنب البعير، على جنب الرَّحْل، يركب عليها الناس، وهذه شاهدناه قديمًا، تكون البعير عليها من اليمين ومن الشمال مقاعد يقعد عليها الراكب تسمى المحامل، والوسط يسمى الشداد.
    (والرفع والحط) أيش الرفع والحط؟
    طلبة: يحمل عليه ..
    الشيخ: يعني يرفع المحامل، وما ذكره المؤلف: عند الاحتياج إليها، وينزلها عند الاحتياج إليها، فلو أنه -مثلًا- نزلها وبقوا في هذه الأرض لمدة يوم أو يومين، ولما أرادوا أن يسيروا قال المستأجر للمؤجر: يلّا، ارفع الرحل وشده. قال: لا، الحاجة لك أنت. يستقيم هذا أو لا؟
    طلبة: لا يستقيم.
    الشيخ: ما هي بالحاجة له؟
    طلبة: بلى.
    الشيخ: لكن هذه الحاجة عوض عنها الأجرة، فيقال للمؤجر: عليك بها.
    (لزوم البعير) أيضًا هذه على المؤجر، (لزوم البعير) معناها أن يكون ملازمًا لها لئلَّا تشرد، أو يأتيها شيء يعيقها، فيلزم البعير.
    وهذا فيما إذا كان المؤجر مع الرحل والإبل، أما إذا آجر البعير وحدها وقال: خذ هذه البعير اذهب سافر عليها وارجع بها، فمعلوم أن هذه الأشياء لا تلزم المؤجر؛ لأنه غير مصاحب لها، لكن مراد الفقهاء -رحمهم الله- فيما جرت به العادة أن المؤجر يكون مع رحله مع الإبل، ويسمى عندنا الجمَّال نسبة إلى الجمل، إذا كان الجَمَّال مع الجِمَال فإنه يلزمه ما قال المؤلف، أما إذا أجر الدابة فقط فلا يلزمه شيء من ذلك.
    طالب: يا شيخ، بارك الله فيكم، ( ... ) عن القربات، لكن في بعض الأئمة يا شيخ وبعض المؤذنين الذين يعملون –مثلًا- يؤمون الناس في بلاد خارج هذه البلاد، كأوروبا مثلًا، فهؤلاء لا يأخذون من .. ، وإنما يأخذون مما يجمع لهم الناس؛ لأنهم يصلون بهم في المساجد، فما هو التفصيل في هذه المسألة؟
    الشيخ: الظاهر أنه لا بأس حتى هذا جمعوها لهذه المصلحة.
    (2/1885)
    ________________________________________
    الطالب: باعتبار؟
    الشيخ: باعتبار أنها مصلحة للجميع، ما أظن فيها شيئا إلا إذا اتفق معهم على أجرة، هذه ( ... ).
    الطالب: لا ما يتفقون، غالبًا يأخذ الذي ..
    الشيخ: اللي يعطونه.
    الطالب: اللي يعطونه.
    الشيخ: ما فيه شيء.
    الطالب: لكن يعتبر استحقاقا ولّا مكافأة ولّا ..
    الشيخ: لا، مكافأة.
    الطالب: مكافأة.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: بارك الله فيك.
    طالب آخر: شيخ، أحسن الله إليكم، الإنسان يطوف بوالده أو والدته، وهناك من يحج عنهم، ( ... ) يجوز يا شيخ؟
    الشيخ: ( ... ) لا بأس؛ لأن المحجوج عنه ما يمكن يحج، لكني أرى وأطلب منكم أيها الطلاب أن تزرعوا في قلوب الناس أن الدعاء للأموات أفضل من العبادات؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (9)، ولم يتعرض للعمل، بلغوا الناس، الناس الآن لو تقول: ادعوا له بس قل: اللهم اغفر له، طيب أنا قلت: اللهم اغفر له، وغفر له، فائدة كبيرة.
    (2/1886)
    ________________________________________
    على كل حال، هذه -كما قلت لك- لا بأس بها، لكن الأفضل أن يُبيَّن للناس أن الدعاء أفضل، وبقي علينا أنا قلنا قبل في أثناء الشرح: لو قال الأب لابنه: صل يا بني، قال: ما أصلي إلا كل صلاة بعشرة. قلنا: هذا لا يصح في الاستئجار، لكن لو قال الأب لأبنائه وبناته: من صلى منكم فله بكل صلاة عشرة، يجوز تشجيعًا لهم، لكن هو صحيح، يعني يجوز ها الشيء عليهم، لكن فيه بعض الحسكة، يعني أن الإنسان لا يطمئن لهذا؛ لأنه قد يكون في هذا مفسدة، وهي تعويدهم ألا يفعلوا عبادات إلا لعوض، ويُخشى أن يجعلوا الواحد منهم ما لك ما صليت اليوم؟ قال: ما أعطيتني شيئًا، ممكن هذا؟ إي نعم، فأخشى أنه تكون النية ما هي طيبة، إنما هي مبدئيًا لا بأس بها؛ يعني هذا من باب التشجيع على العمل الصالح، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحرب: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» (10).
    طالب: شيخ أحسن الله إليك، إذا كان الرجل ليس له مصدر رزق إلا الحرام، كالذين يبيعون مثلًا أشرطة الفيديو ( ... ) الموسيقى والدخان ( ... ) وغيرها، ودعي الإنسان إلى إجابته، ( ... ) فيجوز الإجابة؟
    الشيخ: أعطيناكم قاعدة في الأول: كل ما حَرُم لكسبه فليس محرمًا على غير الكاسب، هذه القاعدة.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: بناءً على أنه يجوز أن الإنسان يقرأ على المريض بأجرة لا بأس، لكن بس من الحقيقة هل الطريقة هذه سليمة؟
    يقول: فيه ناس الآن يقرؤون بالماء، قُرَّاء، بجرار صحة، ويبيعون الصغير بكم؟
    الطالب: بريالين.
    الشيخ: بريالين، يبيعونها بريالين.
    الطالب: لا، هي بريالين يا شيخ.
    الشيخ: هي بريالين يبيعها بعشرين، واللي بخمسة؟
    الطالب: ( ... ) يبيعها بخمسين.
    الشيخ: بخمسين، الله أعلم بنفع هؤلاء لكن ما أقدر أقول إنه حرام، ما دمنا نقول: إنه لا بأس أن يقرأ على المريض بأجر.
    طالب: شيخ هل يمكن أن نعتبر الأذان وكذلك الإمامة وتكفين الميت من القرب التي يتعدى نفعها وبالتالي يجوز أخذ الأجرة عليها؟
    (2/1887)
    ________________________________________
    الشيخ: لكن ما فيها نفع مباشر، تغسيل الميت نعم، تغسيل الميت واضح إنه مباشر للشخص نفسه، لكن الأذان ما هو لشخص معين، لعموم الناس.
    طالب: لو امتنع الناس من الأذان لشق ذلك على الناس، ( ... ).
    الشيخ: ما هو مثل المعين، ليس كالمعين.
    طالب: أحسن الله إليك، ( ... ) على المؤجر كل ما يتمكن به النفع، إذا قيل: إن الأشياء هذه ترجع إلى العادة والعرف، هل يكون له وجه؟
    الشيخ: هو هذا عرفهم، الآن هذا ما هو موجود عندنا، اللهم إلا إن كان في بلاد غير السعودية، ما دام عندكم موجود؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: عندكم أنتم في الجزائر.
    طالب: في البادية قد يوجد، نعم.
    الشيخ: موجود الآن؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: إي على كل حال، لدينا قاعدة -بارك الله فيكم- الفقهاء في مثل هذه الأمور يأتون بها بناءً على عاداتهم، ويرجع في هذا إلى العادة، هذا هو الأصل، ثم نقول: إن الاضطراد العرفي كالاستثناء اللفظي أو كالشرط اللفظي، الاضطراد العرفي كالشرط اللفظي، إي نعم.
    ***
    طالب: قال رحمه الله تعالى: وَمَفَاتِيح الدَّارِ وَعِمَارَتِهَا، فَأَمَّا تَفْرِيغُ البَالُوعَةِ وَالكَنِيفِ فَيَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ إِذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً.
    فَصْلٌ

    وَهِيَ عَقْدٌ لاَزِمٌ، فَإِنْ آجَرَهُ شَيْئاً وَمَنَعَهُ كُلَّ المُدَّةِ أَوْ بَعْضَهَا فَلا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ بَدَأَ الآخَرُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَعَلَيْهِ، وتَنْفَسِخُ بِتَلَفِ العَيْنِ المُؤجرَةِ، وَبِمَوْتِ المُرْتَضِعِ وَالرَّاكِبِ إِنْ لَمْ يُخَلِّفْ بَدَلا، وَانْقِلاعِ ضِرْسٍ أَوْ بُرْئِهِ وَنَحْوِهِ، لا بِمَوْتِ المُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَلا بِضَيَاعِ نَفَقَةِ المُسْتَأْجِرِ وَنَحْوِهِ.
    (2/1888)
    ________________________________________
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق لنا أن الإجارة لا تصح على عمل لا يقع إلا قربة، وهو الذي يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، أي أن يكون مسلمًا؛ لأن ما كان عبادة محضة لا يجوز أخذ أجر الدنيا عليه وسبق دليله أيضًا، سبق لنا أيضًا أنه على المؤجر كل ما يتمكن به المستأجر من استيفاء المنفعة، وذكر أشياء ومنها مفاتيح الدار، فإن مفاتيح الدار على المؤجر، وعلى هذا فإذا ضاعت من المستأجر بدون تعد ولا تفريط وجب على المؤجر أن يصنع له بدلها، لماذا؟ لأنها على المؤجر، وهي أمانة في يد المستأجر، فإذا تلفت بيده بدون تعدٍّ ولا تفريط ألزم المؤجر بأن يصنع بدلها ويعطيها إياه.
    كذلك عمارتها لو تهدم منها شيء لا يتمكن به المستأجر من استيفاء المنفعة؛ فإن عليه عمارتها، وأما ما زاد على ذلك فإنه لا يلزمه إلا بشرط، كالذي يسمونه الديكور، هذا لا يلزم المؤجر إلا إذا شرط عليه.
    طيب المراوح، المكيف، الدفايات على من؟ الدفايات على المؤجر؟ !
    طلبة: لا.
    الشيخ: على المستأجر، المكيف على المؤجر، المراوح على المؤجر، كل ما كان ثابتًا فعلى المؤجر، وأما الشيء المتنقل فإنه يكون على المستأجر.
    ثم قال: (فَأَمَّا تَفْرِيغُ البَالُوعَةِ وَالكَنِيفِ، فَيَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ إِذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) البالوعة هي الحفرة التي يُصب فيها الماء الفاضل من غسيل ونحوه، وسميت بالوعة؛ لأنها تبلع الماء، وأما الكنيف فهو مجمع العذرة، وكانوا فيما سبق يحفرون حفرة أيضًا يكون فيها العذرة، البيت هذا الذي يكون فيه هذه الحفرة يسمى الكنيف؛ لأن صاحبه يكتنف فيه؛ أي يستتر عن الغير، البالوعة والكنيف هل على المستأجر إفراغها أو على المؤجر؟
    على المستأجر؛ لأنه هو الذي ملأها ولهذا اشترط المؤلف قال: (إذا تسلمها فارغة) تكون عليه؛ لأنه تسلمها فارغة، فلزمه أن يردها فارغة، فإن تسلمها وفيها النصف فعليه النصف، وهلم جرًّا، حسب ما أدرك من ملئها يكون عليه.
    (2/1889)
    ________________________________________
    في الوقت الحاضر ليس هناك بالوعة ولا كنيف في أكثر البلاد، فيُقال: على المؤجر إصلاح المواسير؛ المجاري؛ لأن هذا يبقى، لكن لو تسددت هذه المجاري فهي على المستأجر؛ لأنها تسددت بفعله، وكل هذا الذي قاله الفقهاء -رحمهم الله- يمكن أن يُقال: إنه يرجع إلى العرف فيما جرت العادة أنه على المستأجر، أو على المؤجر، فإن تنازع الناس فربما نرجع إلى كلام الفقهاء، وأما بدون تنازع ويكون العرف مضطردًا بأن هذا على المؤجر وهذا على المستأجر فالواجب الرجوع إلى العرف؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وهذا أمر بالوفاء بالعقد من أصله أو من صفاته وشرطه.
    ثم قال المؤلف: (فصل. وَهِيَ عَقْدٌ لازِمٌ) (وهي) أي الضمير يعود على الإجارة
    (فصلٌ)
    وهي عَقْدٌ لازمٌ، فإن آجَرَه شيئًا ومَنَعَه كلَّ الْمُدَّةِ أو بعضَها فلا شيءَ له، وإن بدأَ الآخَرُ قَبلَ انقضائِها فعليه، وتَنْفَسِخُ بتَلَفِ العينِ المؤَجَّرَةِ وبموتِ الْمُرْتَضِعِ والراكبِ , إن لم يُخَلِّفْ بَدَلًا وانقلاعِ ضِرْسٍ أو بُرْئِه ونحوِه، لا بموتِ الْمُتعاقِدَيْنِ أو أحدِهما ولا بضَياعِ نَفقةِ المستأْجِرِ ونحوِه، وإن اكْتَرى دارًا فانْهَدَمَتْ , أو أَرْضًا لزَرْعٍ فانْقَطَعَ ماؤُها , أو غَرِفَتْ انْفَسَخَت الإجارةُ في الباقي، وإن وَجَدَ العينَ مَعيبةً أو حَدَثَ بها عيبٌ فله الفَسْخُ وعليه أُجرةُ ما مَضَى , ولا يَضمنُ أجيرٌ خاصٌّ ما جَنَتْ يَدُه خطأً ولا حَجَّامٌ وطَبيبٌ وبَيطارٌ لم تَجْنِ أَيْدِيهم إن عُرِفَ حِذْقُهم ولا راعٍ لم يَتَعَدَّ، ويَضمنُ المشتَرِكُ ما تَلِفَ بفِعْلِه، ولا يَضْمَنُ ما تَلِفَ من حِرْزِه أو بغيرِ فِعْلِه ولا أُجرةَ له،
    (2/1890)
    ________________________________________
    بأن هذا على المؤجِر وهذا على المستأجر، فالواجب الرجوع إلى العرف؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وهذا أَمْرٌ بالوفاء بالعقد من أصله، أو من صفاته وشرطه.
    ثم قال المؤلف: (فصل: وهي عقد لازم)، (وهي) الضمير يعود على الإجارة.
    (عقد لازم)، ومعنى (لازم) أي: لا يمكن فسخه إلا لسبب، وذلك أن العقود تنقسم إلى ثلاثة أقسام: عقود جائزة من الطرفين، وعقود لازمة من الطرفين، وعقود لازمة من طرف جائزة من طرف آخر. ومعنى لازمة أي: نافذة لا يمكن فسخها.
    البيع لازم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ». (1)
    الوكالة جائزة، عقد جائز من الطرفين.
    الكتابة؛ أي كتابة العبد -وهو شراء نفسه من سيده- عقد لازم من جهة السيد، وجائز من جهة العبد.
    الرهن عقد جائز من جهة المرتهِن، ولازم من جهة الراهن.
    الإجارة عقد لازم، وذلك لأنها نوع من البيع، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا»، ثم ذكر أنهما إذا تفرَّقَا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع.
    ثم فرَّع على هذا الضابط -وهو أن الإجارة عقد لازم- بقوله: (فإن آجَرَهُ شيئًا ومنعه) أي: المؤجِر، والضمير (الهاء) يعود على المستأجر، أي: منع المؤجِرُ المستأجرَ (كل المدة أو بعضها فلا شيء له).
    مثال ذلك: أَجَّرَه هذه الدار سنة من الآن، فجاء المستأجِرُ يطلبها فمنعه، مضت السنة كلها وهو قد منعها، فهل له أجرة؟ لا، لا شيء له؛ لأنه هو الذي منعه، ولكن هل يلزمه فرق ما بين الأجرتين؛ أجرة المثل والأجرة التي تم العقد عليها لو اختلفت، أو لا يلزمه؟ يلزمه.
    (2/1891)
    ________________________________________
    فمثلًا لو كان أجَّرَها بعشرة آلاف وارتفعت الأجور، حتى صارت تساوي في هذه السنة عشرين ألفًا، فهل يلزم المؤجِر أن يُسَلِّم للمستأجر عشرة آلاف؟ الجواب: نعم يلزمه؛ لأن المنفعة من حين العقد ملك لِمَن يا إخوان؟ للمستأجر، فإذا منعه إياها فهو غاصب، والغاصب عليه الضمان.
    وإن كانت الأجرة نزلت، هل يلزمه النقص؟ انتبهوا، إذا كانت نقصت أصلًا لن يُعْطَى شيئًا، المؤجِر لن يُعْطَى شيئًا، إن بقيت الأجرة كما هي فالأمر واضح، إن نقصت هو أصلًا لا يعطى حتى يقال: يضمن المستأجر النقص، إن زادت الأجرة ضمن المؤجِر الزيادة، لمن؟ للمستأجر؛ لأن المستأجر ملك المنفعة في المدة التي تم العقد عليها، فيكون بمنزلة الغاصب؛ عليه الضمان.
    لو أَجَّرَه إياها لمدة سنة باثني عشر ألفًا ثم منعه ستة أشهر، ثم قال: تفضل، فرَّغ البيت له، وسكن المستأجرُ بقية المدة، هل عليه شيء؛ على المستأجر؟ المؤلف يقول: لا شيء له، منعه كل المدة أو بعضها فلا شيء له، لماذا؟ لأنه فَوَّتَ على المستأجِر منفعة الدار؛ إذ قد يكون من غرض المستأجِر أن يبقى فيها مدة سنة كاملة.
    ومثل ذلك لو أَجَّرَه البعير يسافر عليها، ومنعه إياها، وفي أثناء الطريق سَلَّمَها له، فهل له أجرة فيما بقي؟ كلام المؤلف يقول: لا، ليس له أجرة؛ لأنه منع المستأجر حقه، فسقط حقُّه، أي: المؤجِر.
    وظاهر كلامه أيضًا أنه لا فرق بين أن يمنعه بعض المدة لعذر أو لغير عذر؛ وذلك لأن حقوق الآدميين لا يُفَرَّق بها بين العذر وغيره، وقد يقال: إنه إذا كان لعذر فإنه يلزمه –أي: يلزم المستأجِر- أجرة بقية المدة، والعذر مثل أن يُمْنَع صاحب الدار من الاستيلاء عليها، فحينئذ نقول: له ما بقي من المدة، وللمستأجِر أن يطالِب الذي منعه بمقدار المدة التي منعه.
    (2/1892)
    ________________________________________
    مثال ذلك: رجل أجَّرَ هذا الشخص البيت لمدة سنة، تبتدئ من الآن، لكن سُلِّط على هذا البيت جنود استحلوه غصبًا، ولم يُسَلِّمْهُ إلى صاحبه إلا بعد نصف سنة، فصاحب البيت الآن معذور ولَّا غير معذور؟ معذور، صاحب البيت معذور، له نصف الأجرة؛ لأنه سَلَّم البيت عند انتصاف المدة، والمستأجر يطالب مَن؟ يطالب الجنود الذين منعوا صاحب البيت منه، فإن تعذَّر عليه مطالبتهم فلا يرجع على المؤجِر؛ لأن المؤجِر يقول: هذا حصل بغير اختياري.
    قال: (وإن بدأ الآخر قبل انقضائها فعليه).
    (إن بدأ الآخر) الآخر هو المستأجر.
    (قبل انقضائها) يعني: امتنع من سُكْنَاها.
    (فعليه الأجرة) كاملة، ولا يقال: إنه ليس عليه إلا مقدار المدة؛ لأن المؤجِر يقول: أنا الآن سلَّمتك البيت بأجرة، فوجب لي في ذمتك الأجرة، ووجب لك أنت أيش؟ النفع، والنفع قد استلمت النفع.
    مثال ذلك: رجل استأجر بيتًا مدة الإجازة، مدة الإجازة ثلاثة شهور، كل شهر بألف ريال، ثم إن المستأجِر تأخَّر ولم يَقْدَم البلد إلا بعد أن مضى شهر، فيلزمه للمؤجِر كم؟
    طلبة: ثلاثة آلاف.
    الشيخ: ثلاثة آلاف، يعني الأجرة كاملة؛ لأن المؤجر لم يحصل منه لا منع ولا غيره، المؤجِر قد بذل العين المؤجَرة، ولكن التأخير ممن؟ من المستأجِر، ولهذا قال: (إن بدأ الآخر قبل انقضائها) أي: قبل انقضاء المدة، (فعليه) أي: عليه الأجرة.
    استأجر هذا البيت مدة ثلاثة أشهر، وسكن فيه شهرين، ثم بَدَا له أن يرجع إلى بلده وقد بقي شهر، هل عليه أجرة الشهر الباقي؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: نعم؛ لأن المؤجِر يقول: أنا لا أمنعه، استوفِ المنفعة، المنفعة الآن أمامك، فيكون عليه الباقي.
    (2/1893)
    ________________________________________
    المهم على كل حال الآن فهمنا أن الإجارة عقد لازم، وأنها إن فُسِخَت من قِبَل المؤجِر فالحكم لا شيء له، وإن فُسِخَت من قِبَل المستأجر فعليه الأجرة، وإن فُسِخَت باختيارهما فعلى المستأجر أيش؟ مدة سكناه، ولا شيء عليه أكثر من ذلك، فإذا استأجرها بألف لمدة ثلاثة شهور، ولما مضى شهر اتفق هو والمؤجِر على فسخ الإجارة، فهل عليه شيء؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: لا، لكن عليه الشهر الذي سكنه، وأما الباقي فلا شيء عليه؛ لأنهما اتفقَا على ذلك.
    ثم قال المؤلف مبيِّنًا ما تنفسخ به الإجارة: (وتنفسخ) أي: الإجارة، (بتلف العين المؤجَرة)، فلو آجَرَه دارًا فانهدمت انفسخت الإجارة، وعلى المستأجر أجرة ما سبق من المدة.
    استأجر سيارة فانحرقت، تنفسخ الإجارة أو لا؟ تنفسخ، وعلى المستأجر قسط المدة التي استأجرها لها.
    ثانيًا: (وبموت المرتَضِع) أيضًا، لو أن شخصًا استأجر امرأة لتُرْضِع ولده، فمات الولد، يعني استأجرها لمدة سنة، فمات الولد، فإن الإجارة تنفسخ؛ لأن العين المعقود عليها -وهو الراضِع- قد تلفت، فلا يمكن استيفاء المنفعة مع تلفها.
    قال: (والراكب إن لم يُخَلِّف بدلًا)، الراكب يعني: لو أن شخصًا في النقل الجماعي، استأجر نقلًا جماعيًّا مثلًا من مكة إلى المدينة، وفي أثناء الطريق مات، تنفسخ الإجارة؟ المؤلف يقول: في ذلك تفصيل؛ إن خَلَّفَ بدلًا فإنها لا تنفسخ، وإن لم يُخَلِّف بدلًا انفسخت، وذلك لأنه إذا خَلَّف بدلًا فإنه يقوم مقامه، وإذا لم يُخَلِّف بدلًا فقد تعذَّر استيفاء المنفعة من قِبَل المعقود عليه.
    (2/1894)
    ________________________________________
    وتنفسخ أيضًا (بانقلاع ضرس)، يعني لو أن شخصًا استأجر طبيبًا ليقلع ضرسه، فانقلع، قلع الضرس قبل أن يأتي الطبيب، فالإجارة تنفسخ، لماذا؟ لتعذُّر الاستيفاء؛ لأن المعقود عليه -وهو الضرس الذي استؤجر لقلعه- انقلع، فلو أصرَّ الطبيب وقال: لا بد أن أقلع الضرس الثاني! يُمَكَّن أو لا؟ لا يُمَكَّن، معلوم؛ لأنه استؤجر على قلع ضرس معين، والضرس المعين انقلع، فلا شيء له.
    (أو بُرْئِه) يعني: لو برئ الضرس فإن الإجارة تنفسخ، مثلًا: رجل التهب ضرسه وتَوَرَّم، واستأجر طبيبًا لقلعه، ثم إن الله سبحانه وتعالى مَنَّ عليه بالشفاء، وزال الورم وسكن الألم، فإن الإجارة تنفسخ، لماذا؟ لأنه قد عُلِم بالضرورة أنه إنما استأجره لقلع ضرسه من أجل ألمه ومرضه، ليس من أجل أنه لا يريد الضرس، فتنفسخ.
    وهنا لو وقع خلاف بين الطبيب الذي أتى بآلاته واستعد، وفرَّغ زمنًا من وقته لقلع هذا الضرس، فقال صاحب الضرس: إنه قد سكن الألم وبرئ، وقال الطبيب: لا، لم يبرأ، مَن نصدق؟
    الطلبة: صاحب الضرس.
    (2/1895)
    ________________________________________
    الشيخ: أليس صاحب الضرس يمكن أنه ادَّعَى البرء لأنه عرف أن هذا الطبيب سيأخذ أجرة كثيرة؟ فيه احتمال، لكن هذا الاحتمال لو كان واردًا لا نقبله؛ لأن معرفة كونه برئ أو لم يبرأ لا يُعلم إلا من جهته، فإن قال الطبيب: أنا أسقيه ماء باردًا، فإن صقع ضرسه شوفناه مثلًا تغيَّر وجهه، أو شد لحييه، عرفنا أنه لم يبرأ، وإلا فهو بارئ، يمكن هذا ولَّا لا؟ نعم يمكن، إذا قيل: إن هذا الاختبار يؤدي إلى المقصود اختبرناه، كما قال العلماء في الجنايات فيمن جُنِيَ عليه فادَّعى أنه فَقَدَ السمع، وتعلمون أن الرجل إذا جُنِيَ عليه حتى فَقَدَ السمع فعلى الجاني دية كاملة، مئة بعير، والجاني يقول: أبدًا، ما فقدتَ السمع، وهو يقول: فقدتُ السمع، قالوا: يُخْتبَر، بأن يُؤتَى على غفلة ويُصاح به، أو يثَوَّر عنده بندق، فإن أحسّ فإنه كاذب في دعواه أنه ذهب السمع، وإن لم يُحِسّ فهو صادق، وهذا لا شك أنه من الأسباب التي تدل.
    ومثل البصر، قالوا: إذا ادَّعى أن بصره فُقد من جناية فإنه يُخْتَبر، بماذا نختبره؟
    طلبة: الشمس.
    الشيخ: الشمس يمكن يصبر عليها.
    طالب: نضع المصباح في عينه بدخانه.
    الشيخ: والله هذه مشكلة، صعبة!
    قالوا أيضًا: يغتفله الإنسان، ثم يقول هكذا حول عينه، إن أَرْمَشَ فهو مُبْصِر، وإلا فلا.
    هذا الذي قاله الفقهاء يرحمهم الله، لكن ربما يكون الآن وسائل أدق من هذا يُختبر بها ذلك، لكن على كل حال نحن في الضرس الآن، الطبيب جاء بآلاته واستعد لقلع الضرس، واختزل زمنًا من وقته، ثم ادعى صاحب الضرس أنه برئ، فهذا لا بد من الاختبار، وإذا تيقنا أنه برئ فإن الإجارة تنفسخ لتَعَذُّر استيفاء المنفعة.
    قال: (ونحوه) مثل أن يُستأجَر شخص لمداواة مريض، فلما وصل هذا الرجل لمداواة المريض إذا المريض قد مات، تنفسخ الإجارة.
    في البيت مريض آخر، فقال الطبيب: مات المريض الذي دعوتموني له، فأنا أداوي الثاني، ولا تنفسخ الأجرة، يوافق ولَّا ولا؟
    الطلبة: لا.
    (2/1896)
    ________________________________________
    الشيخ: لماذا؟ لأن المعقود عليه عين المريض، وقد فات.
    طالب: ( ... ) لما طُلب، فهو جاي من مكان بعيد، جهَّز السيارة ( ... ) البنزين والزيت ( ... )، فجاء، لما جاء ادعى الرجل أنه قد برئ، فهل يضمن الشيء الذي ..
    الشيخ: لكن هل ثبت أنه بريء؟
    الطالب: ادعى.
    الشيخ: إذا ثبت فلا شيء له؛ لأن هذا الرجل إنما أنفق هذه النفقة لحضوره بناء على أن الإجارة لازمة.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، كيف بعض الأطباء الآن ما يخرج من عيادته إلا بثمن؟
    الشيخ: إي، بأجرة.
    الطالب: إي، يقول مثلًا: المجيء إلى البيت بمئة ريال مثلًا، فإذا وصل إلى البيت وبرئ ثبت أن المريض قد برئ، فهل تلزمه الـ .. ؟
    الشيخ: لا، هذا يلزمه؛ لأنه إنما أخذ المئة ريال ليس على المداواة، ولكن على حضوره من دكانه.
    طالب: شيخ، بارك الله فيكم، بعض الناس يكون عنده وسواس في مسألة المرض، فكثيرًا ما يتشكَّى أو يذهب إلى الطبيب وليس به أي مرض، فإذا ذهب إلى الطبيب واشتكى إليه مرضًا، ووجده الطبيب بريئًا من ذلك المرض، فبعدما أجرى عليه ( ... ) فهل يحل للطبيب أَخْذ هذه الأجرة؟
    الشيخ: الظاهر أنه لا يحل له، إلا إذا كان هناك .. اللي أعرف أن الأطباء لهم أجرة خاصة للكشف فقط، فهذا يأخذ.
    الطالب: هو ما يدخل على الطبيب أصلًا إلا إذا دفع أجرة الكشف.
    الشيخ: خلاص، يدفع أجرة الكشف وتكون الأجرة على كشفه لا على مداواته.
    الطالب: إذا وجد به مرضًا آخر؟
    الشيخ: يقول له، يعني ينشئ عقدًا جديدًا، إذا كان مستأجَرًا لعمل معين ووجد مرضًا آخر، يعني إذا كان مستأجرًا لعمل معين في مرض معين، ثم وجد مرضًا آخر فلا بد من تجديد العقد، يعني إضافة.
    طالب: شيخ، بارك الله فيكم، إن منع المؤجِرُ المستأجرَ بعض ( ... ) ذكرنا تفصيلًا أنه إن كان لعذر ونحوه، أنا اختلط عليّ يعني كأني فهمت شيئين، فما هو ( ... )، هل يُلزَم المؤجِر بتمكين المستأجر مما فاته من المدة أم لا إن كان لعذر؟
    (2/1897)
    ________________________________________
    الشيخ: لكن ما يمكن الآن أن تسيطر على العين، العين الآن تعذر الاستيفاء منها، نحن مثلنا فيما إذا أخذها الجند، هذا لا يمكن الاستيفاء منه، لكن أنت تريد هل يمكن أن نضيف إلى المدة بقدر ما حُبِسَت عن المستأجر؟ لا؛ لأن المدة هنا مقدرة بزمن، إذا انتهى انتهى الأجر.
    الطالب: وهل نقول: إن المستأجر يرجع على الجنود إن أمكن؟
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: أو يطالب المؤجِر بذلك؟
    الشيخ: لا، يرجع على الجنود.
    الطالب: المستأجر؟
    الشيخ: نعم؛ لأن المؤجِر ما فَرَّط.
    طالب: شيخ، حفظك الله، المعروف الآن في محلات التأجير الشقق والغرف أنهم يحسبون مثلًا من الساعة الثانية إلى الساعة الثانية هذا اليوم.
    الشيخ: من الساعة أيش؟
    الطالب: من الساعة ثنتين الظهر إلى الساعة ثنتين من الغد، فلو جاء إنسان في الساعة الواحدة من اليوم حسبوا له المدة مدة يوم كامل.
    الشيخ: ما دام هذا عُرفًا مُطَّرِدًا فيمشي عليه، يعني ما دام أن الإنسان لو جاء الساعة الواحدة إلى الثانية ( ... ) الساعة الواحدة يومًا، وهذا عرف مطَّرد معروف، فعلى ما اصطلح عليه الناس.
    طالب: صاحب الضرس قد مَثَّلْنَا عليه لو تَبَيَّن أنه يريد أن يهرب من الأجرة لأن الأجرة غالية، هل تلزمه أو لا؟
    الشيخ: مَن اللي أَعْلَمَنا بهذا؟
    الطالب: هو تَبَيَّن ( ... ).
    الشيخ: إذا تبين تلزمه الأجرة أو يُخْلَع الضرس.
    طالب: شيخ، يحدث كثيرًا عند استئجار السيارة ولا يكون بعقد يعني، بمجرد ركوب السيارة، ومعروف أن أجرتها مثلًا من المدينة إلى مكة كذا، فيجد الراكب بعدما ركب سيارة أجود، أو أنها ستنطلق مبكرًا عن الأخرى، أو لسبب ما، فينزل ويركب الأخرى، تلزمه الأجرة؟
    الشيخ: ما تلزمه الأجرة، تلزمه الأجرة إذا كان معروفًا أنه بمجرد ركوبه يعتبر عقدًا، لكن ما أدري عن النظام هنا في النقل الجماعي هل هو بمجرد ما يركب يُعْتَبر عقدًا؟
    الطالب: الأهلية، الأخرى، غير النقل الجماعي التي بغير تذاكر، الأهلية.
    (2/1898)
    ________________________________________
    الشيخ: الأهلية؟
    الطالب: نعم، لأنه يغضب السائق، عند النزول يغضب.
    الشيخ: هذه يُرْجَع إلى العرف من جهة، وإلى تفويت المصلحة من جهة أخرى، قد يكون هذا التاكسي لا يحمل إلا خمسة، وجاء إنسان يقول: أنا بمشي معكم وما يمكن يركب ستة، فصرفوه، فلما صرفوه نزل واحد من هؤلاء، هذا ينبغي أن نُضَمِّنَه الأجرة؛ لأنه فَوَّت على صاحب السيارة.
    طالب: إذا منعه ( ... ) فلا شيء للمؤجر، إنما يطالب المؤجِّر مقدار ما سقط من الأجرة.
    الشيخ: ما يطالب؛ لأنه هو المعتدي، المعتدي ظالم، فلا حق له.
    الطالب: ربما في هذه الحال إذا عرف المؤجر أنه لا شيء له ( ... ) بقية المدة.
    الشيخ: إذا منعه له أن يطالب.
    الطالب: لأنه لم يذكر يا شيخ مثلًا.
    الشيخ: لا، إذا منعه المدة أو بعضها، هو إذا منعه بعض المدة في النهاية واضح؛ لأنه ما يمكن يرجع، يعني لو مضى تسعة أشهر وهو ساكن، ثم منعه البقية، هذا واضح، لكن لو منعه الثلاثة الأولى ثم مَكَّنَه فإنه أيضا لا شيء له؛ لأنه لم يُسَلِّم المعقود عليه.
    الطالب: لا شيء له؛ كل الـ ..
    الشيخ: كله.
    الطالب: عند هذا يَمْنَع المستأجر من بقية المدة.
    الشيخ: ما يمكن يمنعه؛ لأنه يقول: هذا حقي، لكن في هذه الحال يعني ربما يقال: إنه في هذه الحال إذا مَكَّنَه من بقية المدة فينبغي أن يعطَى أجرة البقية بالقسط.
    طالب: إذا استأجر من فندق غرفة، كل يوم بمئة، سبعة أيام، فسكن فيها خمسة أيام، فهل يطالب بالباقي؟
    الشيخ: نعم، صاحب الفندق يأخذ الباقي.
    الطالب: هو استأجر سبعة أيام، دفع له سبع مئة ريال، فسكن فيها خمسة أيام، فهل يطالب بالمئتين الباقية؟
    الشيخ: لا، ما يطالب.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، أحيانًا يكون في البيت المستأجر أشياء ( ... ) والدفايات وغيرها والأواني، فهل يجوز للمستأجر أن ينتفع بها من غير أن ( ... )؟
    الشيخ: هي لا شك أنها ما وُضِعَت في البيت إلا للمنفعة.
    (2/1899)
    ________________________________________
    الطالب: هو ما وضعها خصيصًا ليستنفع بها المستأجِر، لكن هو على سبيل كونه في بيته الأول، ثم طرأ عليه عقد الإيجار ..
    الشيخ: إذا لم يغلق الدولاب فمعناه أنه أَذِنَ له.
    طالب: عفا الله عنك يا شيخ، بعض المستأجرين، ( ... ) خصوصًا السيارات، حصل منه تفريط يا شيخ، فبعضهم يسوق بسرعة ولا من غيرها، وتتلف السيارة بسبب تفريطه؟
    الشيخ: إي نعم، هذا سيأتينا إن شاء الله تعالى أن المستأجَر -العين المؤجرة- بيد المستأجِر أمانة، إن تلفت بغير تَعَدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه، وإن تلفت بتعديه أو تفريطه فعليه الضمان.
    طالب: بارك الله فيك، ( ... ) يدفع المستأجر الأجرة على نصفين، ثم إذا بَدَا له في النصف الأول أنه يغير البيت هل يلزمه دفع الستة أشهر الباقية أو لا؟
    الشيخ: إذا طالبه المؤجِّر بذلك فإن له ذلك؛ لأن المؤجِّر يقول له: الآن البيت أمامك، استوفِ منفعته بنفسك أو أَجِّرْهُ غيرك بأجرة أو بغير أجرة.
    الطالب: قال: البيت لم يعجبني.
    الشيخ: الله المستعان، هو ما شافه بالأول؟ ! رآه بالأول.
    طالب: شيخ، ( ... ) هل يقال: إن المستأجِر يُلْزَم ( ... ) العين المؤجَرة ( ... ) تسلمها أمانة، إذا كان أصبح البيت قذرًا ( ... )؟
    الشيخ: إذا تسلَّمَه مُرَتَّبًا يسلِّمه مُرَتَّبًا، نعم يلزم.
    طالب: شيخ، بالنسبة هناك بعض الأشياء اللي تكون ثابتة في المنزل ( ... ) يكون لها عمر افتراضي، يعني خمس عشرة سنة مثلًا، فيأتي يستلمها المستأجر بعد عشر سنوات، فإذا جلس خمس سنوات تلف هذا الشيء، فهل نقول: على هذا المستأجِر أن يُصْلِحَها بما يبقى خمس عشرة سنة، حتى إذا كان لا يريد أن يسكن المدة؟
    الشيخ: لا، إذا تلفت المعدات بانتهاء وقتها بدون تَعَدٍّ ولا تفريط من المستأجر فليس عليه شيء، لكن نقول: هل يُلزِم المؤجِر بأن يغيرها؟ الظاهر لا يلزِمه إلا بشرط، يعني مثلًا المكيِّف بقي له مثلًا سنة أو سنتان أو خرب بشيء حادث فإنه لا يَلْزَم المؤجِر أن يؤمِّن له ذلك إلا بشرط.
    (2/1900)
    ________________________________________
    الطالب: وإذا أصلحها المستأجر هل يرجع؟
    الشيخ: إذا أصلحها بإذن المؤجِر رجع، وبغير إذنه لا يرجع.
    طالب: المستأجر في العادة إنه إذا دخل المنزل يثبت بعض المسامير في الجدار، وإذا خرج يكون للمسامير أثر في الجدار، هل يلزمه إصلاح ذلك؟
    الشيخ: إي نعم، ما لم يكن قد اشترطه على المؤجِّر.
    الطالب: العُرف أنه حاصل ( ... ).
    الشيخ: لا، بالعكس، العُرْف أنه يُمْنَع من دق المسمار في الجدار، إلا إذا كان من بيوت الطين، صحيح؛ لأن المسمار في جدار طين لا يؤثر.

    ***
    طالب: ولا بضياع نفقة المستأجر ونحوه، وإن اكترى دارًا فانهدمت، أو أرضًا لزرعٍ فانقطع ماؤها أو غرقت، انفسخت الإجارة في الباقي، وإن وَجَدَ العين معيبة أو حدث بها عيب فله الفسخ، وعليه أجرة ما مضى.
    ولا يَضْمَن أجيرٌ خاصٌّ ما جَنَت يدُه خطأً، ولا حجامٌ وطبيب وبَيْطَار لم تَجْنِ أيديهم إن عُرِفَ حِذْقُهم، ولا راعٍ لم يَتَعَدّ، ويضمن المشترك ما تلف بفعله، ولا يضمن ما تلف من حِرْزِه أو بغير فعله، ولا أجرة له.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    الإجارة من العقود الجائزة أو اللازمة؟
    طالب: من العقود اللازمة.
    الشيخ: من الطرفين، أو من طرف واحد؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: الدليل؟
    الطالب: الإجارة بيع منافع، فيدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ». (1)
    الشيخ: أن الإجارة بيع منافع، فتدخل في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ .. » إلى آخره، بارك الله فيك.
    رجل استأجر من شخص بيتًا، فمنعه صاحب البيت جميع المدة، هل يستحق الأجرة على المستأجِر؟
    طالب: لا.
    الشيخ: لماذا؟
    الطالب: لأن المستأجر لم يَسْتَوْفِ المنفعة.
    (2/1901)
    ________________________________________
    الشيخ: لم يستوف المنفعة، هل تنفسخ الإجارة، أو نقول: إنها لا تنفسخ، ويطالِب المستأجِرُ المؤجِرَ بأجرة المثل؟
    الطالب: الثاني.
    الشيخ: الثاني؛ لا تنفسخ، إي، ويطالِب؟
    الطالب: لأنه غاصب.
    الشيخ: ما الذي يُفهَم من كلام المؤلف؟
    الطالب: (فإن أَجَّرَهُ شيئًا ومنعه كل المدة أو بعضها فلا شيء له).
    الشيخ: أيش يُفهَم منه؟
    الطالب: إنها ما تنفسخ.
    الشيخ: ما تنفسخ ويقول: لا شيء له؟ !
    الطالب: إي لا شيء له، يعني ..
    الشيخ: لا شيء للمؤجِر، إي نعم، ولكنها تنفسخ.
    في قول: إنها ما تنفسخ، ويطالِب المستأجرُ المؤجِرَ بأجرة المثل، لكن إذا كانت أجرة المثل أقل من الأجرة أو أكثر فهنا يحصل خلاف، فالقول بأنه في مثل هذه الحال يُوكَل الأمر إلى القاضي؛ إن رأى أن يؤدِّب المؤجِر إذا كانت أجرة المثل أكثر من الأجرة المعقود عليها، ورأى أن يطالِب المؤجِر بأجرة المثل تنكيلًا له، فهذا حسن، لكن لو كانت أقل فهنا نقول: للمستأجر أن يأخذ كامل الأجرة التي دفعها.
    مثاله: استأجر هذا البيت لمدة سنة بعشرة آلاف ريال، ثم إن المؤجِر منعه حتى تمت السنة، على ما مشى عليه المؤلف رحمه الله نقول: الإجارة انتهت، ولا شيء للمؤجِر، ولا شيء على المستأجِر.
    وعلى القول الثاني يقول: إنها لا تنفسخ؛ لأن المؤجِر صار بمنزلة الغاصب، كما لو منع البائعُ المشتريَ من قبض المبيع فإنه يضمنه ضمانَ غَصْبٍ، وبناء على ذلك نقول للمستأجر: ارجع على المؤجر بأيش؟ بأجرة المثل.
    إذا كانت أجرة المثل، هو استأجرها سنة بكم؟
    طلبة: عشرة آلاف.
    الشيخ: أجرة المثل خمسة عشر ألفًا، نقول هنا: لا بأس أن يرجع المستأجر على المؤجر بخمسة عشر ألفًا، لكن لو كانت أجرة المثل أنقص؛ بثمانية آلاف، هل نقول: ليس للمؤجِر هنا إلا ثمانية آلاف؟ إذا قلنا بذلك صار فيه ضرر، على مَن؟ على المؤجِر؛ لأنه سَلَّم عشرة، وإذا قلنا: لك أجرة المثل، صار ضرر.
    (2/1902)
    ________________________________________
    فالحاصل أن المذهب أنه ليس له شيء ولا عليه شيء، يعني المؤجِر، يعني الإجارة تنفسخ.
    والقول الثاني: إن المؤجِر يضمنه ضمانَ غَصْبٍ، وهذا القول وجيه، لكن بشرط ألَّا تكون أجرة المثل أيش؟ أقل من الأجرة المعقود عليها.
    إن تأخر المستأجر ولم يَسْتَوْفِ المنفعة؟
    طالب: عليه الأجرة.
    الشيخ: عليه الأجرة، لماذا؟
    الطالب: لأنه هو الذي لم يَسْتَوْفِ المنفعة، وقد مَكَّنَه المؤجِر من استيفائها.
    الشيخ: لأن المؤجِر بذل له المنفعة ومَكَّنَه من الاستيفاء، وهو الذي تركها باختياره.
    فإذا قال: أنا انتهيت من البلد، أنا أقمت شهرين وأريد أن أكمل مثلًا الشهر الثالث الذي استأجرها إليه في محل آخر؟
    طالب: نقول: الأصل أن الإيجار عليه، لكن إذا اتفق هو والمؤجِر على أن ..
    الشيخ: خَلِّيه إذا اتفقَا ما فيه إشكال.
    الطالب: عليه الإيجار بكل حال.
    الشيخ: لو قال هو: انتهت مدتي، أنا منتدب لمدة ثلاثة شهور، واستأجرت هذا البيت لمدة ثلاثة شهور بناء على الانتداب، وانتهت المهمة، وبرجع إلى بلدي.
    طالب: الإجارة في حق اللازم، فيكمل باقي المدة.
    الشيخ: ما أنا بجالس.
    الطالب: خلاص يتركها ويدفع الأجرة.
    الشيخ: نقول هنا: عليه الأجرة كاملة؛ لأنه يمكنه الاستيفاء بتأجيرها، أليس كذلك؟ يجوز المستأجِر أن يؤجرها لمن يقوم مقامه، ولا عليه ضرر.
    استأجر بعيرًا يحج عليه، فمات البعير؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: تنفسخ الإجارة؛ لأن العين المعقود عليها تلفت، توافقون على هذا؟
    استأجر جَمَّالا أن يحج به، فأتى الْجَمَّال بالبعير وقد ( ... ) خُذ البعير، وماتت في أثناء الطريق، تنفسخ الإجارة؟
    طالب: إن لم يخلف بدلا.
    الشيخ: اللي مات البعير ما هو الراكب.
    الطالب: تنفسخ الإجارة.
    الشيخ: تنفسخ الإجارة، توافقون على هذا؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: خطأ.
    طالب: على قولين يا شيخ.
    الشيخ: ما عندك قولان.
    طالب: هل هي مدة ما ركب؟
    (2/1903)
    ________________________________________
    الشيخ: لا، دعنا من مدة ما ركب، لكن هل نقول: إنها انفسخت الإجارة فيما بقي، أو نقول: يلزم صاحب البعير أن يُؤَمِّن له بعيرًا؟
    طلبة: الثاني.
    الشيخ: الثاني يا إخوان، العقد هنا ليس على عين البعير، اتفق مع جَمَّال صاحب إبل على أن يُرْكِبَه حتى يحج ويرجع، فوافق الْجَمَّال وأعطاه البعير، بدون أن تُعَيَّن البعير عن العقد، فهنا إذا ماتت البعير في أثناء الطريق أيش؟ ألزمنا صاحبَها أن يُؤَمِّن له بعيرًا؛ لأن العقد هنا على أيش؟ على عين البعير ولَّا على العمل؟
    الطلبة: العمل.
    الشيخ: إي نعم، على العمل، فيجب فَهْم الفرق، ولهذا قلنا: إذا تلفت البعير؛ لأن المعقود عليه تلف.
    استأجر شخصًا لخلع ضرس، فانقلع الضرس قبل أن يقلعه الطبيب؟ فماذا تقول؟
    طالب: تنفسخ الإجارة.
    الشيخ: تنفسخ الإجارة، ولو قال الطبيب: أقلع الضرس الثاني، أنا مستعد.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: لا يُقْبَل؟ ماذا تقولون؟ صحيح؟ نعم؛ لأن المعقود عليه الآن تلف، صح.
    استأجر بيتًا ثم مات في أثناء المدة، تنفسخ الإجارة؟
    طالب: إن خَلَّف بدلًا فعليه، وإلَّا لا.
    الشيخ: إن خلف بدلًا لم تنفسخ، وإلا انفسخت، هذا نعم قياسًا على الراكب، لكن القياس فيه نظر، فنقول: إنها لا تنفسخ الأجرة، وينتقل الحق إلى ورثة الميت، فإن لم يكن له ورثة فلبيت المال، وإن شاء فَسَخَهُ.
    قال: (لا بموت المتعاقدين أو أحدهما)، يعني: لا تنفسخ الإجارة بموت المتعاقدين أو أحدهما؛ وذلك لأن المعقود عليه باقٍ، فلو آجَرَ بيته شخصًا ثم مات المؤجِر لم تنفسخ؛ لأن الإجارة عقد لازم، ولو مات المستأجِر لم تنفسخ أيضًا؛ لأن الإجارة عقد لازم، وكما تشاهدون الآن الناس يستأجرون البيوت، وهذا يموت ويُولَد له إلى آخره.
    لو ماتَا جميعًا؟
    طالب: لم تنفسخ.
    الشيخ: لم تنفسخ أيضًا؛ لأنهما إذا ماتَا انتقل إلى ورثتهما.
    (2/1904)
    ________________________________________
    سبق لنا في كلام المؤلف أنه إذا مات الراكب ولم يُخَلِّف بدلًا فإنها تنفسخ، والراكب أحد المتعاقِدَيْنِ، فهل نقول: إن في كلامه تناقضًا، أو نقول: إنه مشى فيما سبق على قول، وفي الثاني على قول آخر؟ مشى صاحب الإنصاف على هذا، وقال: إن صاحب المقنع رحمه الله مشى في أول كلامه على قول، وفي الثاني على قول آخر، ولكن عندي أن الجمع بينهما هو أنه في الأول عُيِّن الراكب، قال: أنا أستأجر البعير إلى مكة، ثم مات، فهنا يكون تعيين المستأجر كتعيين المعقود عليه، وأما هنا فلم يُعيَّن، وحينئذ لا تنفسخ الإجارة بموت المتعاقِدَيْنِ أو أحدهما.
    سبق لنا أيضًا أن الإجارة -إجارة الوقف- سبق أن مُؤْجِر الوقف إذا مات فإن الإجارة تنفسخ، إذا كان المؤجِر الموقوف عليه بأصل الاستحقاق، وسبق لنا الخلاف في هذه المسألة، وأن عمل الناس على أن إجارة الوقف لا تنفسخ.
    قال: (ولا بضياع نفقة المستأجر ونحوه)، ضياع نفقة المستأجر: إنسان مثلًا استأجر مني دكَّانًا من أجل أن يبيع فيه أموالًا، فاحترقت الأموال، هل نقول: إن الإجارة تنفسخ؟ المؤلف يقول: لا، ما تنفسخ الإجارة، ويُلزَم هذا الذي احترق ماله بدفع أيش؟ الأجرة؛ لأنه بإمكانه إذا لم ينتفع هو بالدكان أن يؤجره، وربما يكون الأسعار ارتفعت بعد، فلهذا لا تنفسخ باحتراق متاع مستأجِر الدكان.
    واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنها تنفسخ؛ لأن هذا عذر لا حيلة فيه، وعرض الدكان للتأجير قد يؤجَّر وقد لا يؤجَّر، وقاسَه رحمه الله على وضع الجوائح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ». (2)
    وقال: هذا الرجل الذي احترق متاعه لم يقبض المنفعة؛ لأن المنفعة -كما تعلمون- في الإجارة تأتي أيش؟ لا إله إلا الله! المنفعة في الإجارة؟
    طالب: في العين.
    (2/1905)
    ________________________________________
    الشيخ: تأتي شيئًا فشيئًا، وهو لم يستأجر .. العين ليس عليها عقد إيجار، المنفعة تأتي شيئًا فشيئًا، وهو لم يقبضها، وتعذَّر قبضه إياها بأمر لا قِبَل له به، فيكون كالثمر الذي أصابته جائحة.
    وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله أولى، لا سيما إذا كان المستأجِر يعلم أن هذا إنما استأجر البيت لبيع هذا المتاع الذي أيش؟ احترق، أما إذا كان لا يدري؛ جاءه إنسان واستأجر منه الدكان، ولم يقل له شيئًا، فهنا قد يتوجَّه ما قاله المؤلف رحمه الله؛ أن الإجارة لا تنفسخ؛ لأن المؤجِّر لا يعلم.
    فالحاصل الآن أنه إذا احترق متاع الرجل الذي استأجر الدكان لبيعه فيه، فالمذهب أن الإجارة لا تنفسخ، وإذا قال المستأجِر: يا جماعة أنا ما عندي شيء، ماذا نقول له؟ نقول: أَجِّرْه، ربما تؤجره بأكثر، أو بمثل ما استأجرت به، أو بأقل، المهم أَجِّرْه، أنت مالك المنفعة.
    والقول الثاني في هذه المسألة: أن الإجارة تنفسخ، قياسًا على الثمر الذي على رؤوس النخل إذا أصابته جائحة فالضمان على مَن؟ على البائع، هذا هنا نقول: الضمان على المؤجِر؛ لأن المنفعة التي يريد أن يستغلها المستأجر لم تُقبَض بعد، فهو كالثمر الذي لم يُقبَض، وقلنا: هذا القول أصح.
    مثل أيضًا ضياع نفقة المستأجر؛ رجل استأجر بعيرًا ليحج عليه، فأراد الله عز وجل أن تضيع نفقته، إذا ضاعت النفقة هل يمكن أن يحج؟ لا يمكن، اللهم إلا بِقَرْض، والقرض لا يَلزمه، المهم أنها ضاعت النفقة، يقول المؤلف: إن الإجارة لا تنفسخ؛ لأن العذر هنا لا يتعلق بنفس المعقود عليه، ونقول لهذا الذي ضاعت نفقته وترك الحج: أَجِّر البعير، بإمكانك أن تؤجره.
    ولكن القول الراجح في هذه المسألة أيضًا أن الإجارة تنفسخ؛ لأن صاحب البعير حيث علم أن الرجل استأجرها ليحج عليها وأن نفقته ضاعت فالعذر هنا أيش؟ واضح، لا قِبَل له به، فهو كوضع الجوائح.
    (2/1906)
    ________________________________________
    يقول رحمه الله: (وإن اكترى دارًا فانهدمت انفسخت الإجارة في الباقي)، اكترى دارًا فانهدمت، يعني إما بالسيول، أو انهدمت بزلزال -والعياذ بالله- أو بغير ذلك من أسباب الهدم، أو أنه هُدِمَت لصالح شارع المسلمين، فإن الإجارة تنفسخ؛ لتعذُّر استيفاء المنفعة في المعقود عليه، وما قبل ذلك ينفسخ أو لا؟
    طلبة: لا ينفسخ.
    الشيخ: لا ينفسخ، ولهذا قال: (انفسخت الإجارة في الباقي)، وأما ما استوفاه من قبل فهو على ما استوفاه، ولكن هل يؤخَذ من الأجرة بقسط المدة أو بقسط الأجرة؟ أيش الفرق؟
    طالب: الفرق أن بقسط المدة تكون الأقساط متساوية، فإذا مضى ربع مدة كانت له ربع الأجرة، وبقسط الأجرة ما لو إذا ارتفعت أو انخفضت الأسعار أو أجرة العين المؤجرة.
    الشيخ: نعم الفرق هو هذا، إذا قلنا بقسط الأجرة مثلًا، وهو استأجرها سنة، مضت ثلاثة أشهر هي موسم الإجارة، ثم انهدمت بعد ثلاثة أشهر، إذا قلنا بقسط المدة معناه يلزمه كم؟ ربع الأجرة؛ لأنه راح ثلاثًا من اثني عشر، وإذا قلنا: إنه بقسط المنفعة والأجرة، قلنا: إن أجرتها في هذه الأشهر الثلاثة تقابل أجرتها بقية السنة، انظر مثلًا إلى بيوت مكة إجارتها في الحج أكثر من إجارتها كل السنة، أليس كذلك؟
    فنقول: هنا لا نعتبر القسط بالمدة، وإنما نعتبره بأيش؟ بالمنفعة.
    كذلك أيضًا يقول: (أرضًا لزرع فانقطع ماؤها)، استأجر أرضًا لزرع، وقد نص في عقد الإجارة أنها للزرع، فانقطع الماء، يقول المؤلف: إن الإجارة تنفسخ، السبب: لتعذُّر استيفاء المنفعة؛ لأن الزرع لا يمكن أن يقوم إلا أيش؟ إلا بماء، كذلك بالعكس لو غرقت الأرض، مثلًا هذه الأرض روضة وتداركت الأمطار عليها، وصارت بحرًا كلَّ مدة الزرع، فهل تنفسخ الإجارة؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: لماذا؟ لتعذُّر استيفاء المنفعة من غير أحد الطرفين، يعني بأمر لا قِبَل لهما به.
    (2/1907)
    ________________________________________
    (وإن وَجَدَ العين معيبة، أو حدث بها عيب، فله الفسخ، وعليه أجرةُ ما مضى) إذا وجد عينًا معيبة، والعيب هنا ما تنقص به الأجرة، ليس كل عيب يُعْتَبَر عيبًا، لكن العيب هنا ما تنقص به الأجرة، وقد يقال: إن العيب ما يفوت به غَرَض المستأجر، سواء نقصت الأجرة أم لم تنقص، لكن على قياس قولهم في عيب المبيع أن العيب هو ما ينقص الأجرة، فإذا وجدها معيبة يقول المؤلف: (فله الفسخ، وعليه أجرة ما مضى)، (له) الضمير يعود على مَن؟ المستأجر، (الفسخ) يعني فسخ الإجارة، (وعليه أجرة ما مضى) هذا إذا حدث بها العيب.
    وهل له أن يُبْقِيَها في الأَرْش؟ بمعنى أن يقول: أنا بصبر على العيب اللي فيها، لكن أريد الفرق بين أجرتها سليمة وأجرتها معيبة، هل له ذلك؟
    ظاهر كلام المؤلف: لا، أنه لا يُخَيَّر، وأنه يقال له: إما أن تأخذها بما فيها من العيب وإلا فاتركها، أنت مُخَيَّر بين أيش؟ بين أَخْذِها على ما فيها من عيب، أو ردها وتفسخ الأجرة.
    مثال ذلك: استأجر بيتًا فجاء المطر وأصاب البيت وخَرّ السقف، وأفسد بعض ما فيها من الديكور وما أشبه ذلك، فنقول: للمستأجِر أن يفسخ، لكن لو قال المؤجِر: أنا أزيل العيب الآن بدون ضرر عليك، فهنا نقول: لا، ليس له فسخ، ما دام العيب سيُزَال بدون ضرر عليه فإنه لا فسخ له؛ لأنه لن يفوته شيء، وهذا يقع كثيرًا مثل أن تأتي السيول وتدخل البيت وتأتي بقش من الشارع وبالأشياء التي يمكن تنظيفها، فقال له المؤجر: أنا أزيل عنك هذا كله، فهنا نقول: لا فسخ، ما دام أنه سيزيل هذا العيب على وجه لا يفوت به غرض المستأجر فإنه لا داعي لتمكينه من الفسخ.
    يقول: (أو حدث به عيب فله الفسخ، وعليه أجرة ما مضى).
    طالب: لو أَجَّرَه يعني ثم منعه من تمكينه من الاستيفاء من هذا المستأجَر، ثم انخفضت الأسعار، فلما علم بانخفاض الأسعار مَكَّنَه من هذا المستأجَر؟
    (2/1908)
    ________________________________________
    الشيخ: سبق لنا هذه المسألة؛ أنه ليس له شيء، المؤجِر إذا منع المستأجر ولو يومًا واحدًا فليس له شيء.
    الطالب: المؤجِر منعه في الأول لكن لما علم بانخفاض الأسعار ..
    الشيخ: لا، هذه هي، حتى في هذا الحال، نقول: ليس لك شيء؛ لأنه عقد على سنة مثلًا، أنت الآن ما أوفيت، ما مر علينا هذا؟ أنه إذا منعه المدة أو بعضها فلا شيء له.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، إذا اكترى أرضًا لزرع فإن المؤجِر يعود على المستأجر بقدر الأجرة، ولا يعود بقدر قسط من المدة.
    الشيخ: ما قلنا هذا، استأجر أرضًا أو ( ... ) بيتًا.
    الطالب: بيتًا.
    الشيخ: بيتًا طيب.
    الطالب: قلنا بأنه يرجع عليه بقدر الأجرة، ويرجع عليه بقدر مدة الـ ..
    الشيخ: نعم.
    الطالب: شيخ، أشكل عليَّ أنه أليست قدرة الإجارة أو ثمن الإجارة يعيَّن حين عقد الإيجار؟
    الشيخ: بلى.
    الطالب: فكيف إذن يا شيخ يقال بأنه قدر ( ... ).
    الشيخ: أنا مثلًا أَجَّرت هذا الرجلَ هذا البيتَ بعشرة آلاف ريال، من ضمنها الموسم الذي يساوي البيت فيه خمسة آلاف ريال، الموسم ثلاثة أشهر، ولهذا لو جاءني هذا الرجل بعد فوات الموسم أجرته بخمسة آلاف ريال، مع أنها تسعة أشهر.
    طالب: إذا كان هذا البيت ليس فيه موسم، لكن ترتفع الأسعار، فهل ..
    الشيخ: لا عبرة بها، لا عبرة بارتفاع الأسعار؛ لأن هذا شيء طارئ، وليس شيئًا ..
    طالب: قلنا: إذا الراكب مات وخَلَّفَ بدلًا لا تنفسخ الإجارة، الخليفة مَن الذي يعينه؟
    الشيخ: مثلًا هذا الرجل استأجر الجمل ليحج به، ومعه ابنه، ابنه يركب معه عُقبةً، مرة الأب يركب ومرة الابن، ومات الأب، خَلَّف بدله.
    الطالب: المنفعة لا تكون في التركة، وتكون من حق الابن وغيره؟
    الشيخ: بلى، لكن في هذه الحال غيره لا يمكن، وهذا يستوفي ويرجع بقية الورثة عليه.
    الطالب: وهل يكون شخص آخر لا يركب معه؟ يعني يأتي زيد ابنه ويقول: أنا أريد أن أستوفي منفعة؟
    الشيخ: نعم.
    الطالب: وإذا رفض المؤجِر؟
    الشيخ: ما يرفض.
    (2/1909)
    ________________________________________
    الطالب: يقول: لأن الجسم هذا صغير وهذا كبير، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا جسمه على الراحلة.
    الشيخ: والله ما أظن أن فرقًا بيصير بين راكبين .. ( ... )
    ***
    طالب: ولا حَجَّام وطبيب وبَيْطار لم تَجْنِ أيديهم إن عُرِف حِذْقُهم، ولا راعٍ لم يَتَعَدّ، ويضمن المشترك ما تلف بفعله، ولا يضمن ما تلف من حِرْزِه أو بغير فعله، ولا أجرة له، وتجب الأجرة بالعقد إن لم تؤجَّل، وتُسْتَحَقّ بتسليم العمل الذي في الذمة، ومَن تَسَلَّم عينًا بإجارة فاسدة وفرغت المدة لزمه أجرة الْمِثْل.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    كيف نتصور قول المؤلف: (أرضًا لزرع فانقطع ماؤها أو غرقت)؟
    طالب: شيخ، استأجر مزرعة ثم غارت البئر.
    الشيخ: أرضًا يزرعها، ثم؟
    الطالب: ثم غارت البئر، فهذه تنفسخ الإجارة.
    الشيخ: يكون فسخًا للإجارة، وذلك لتعذُّر ..
    الطالب: استيفاء المنفعة.
    الشيخ: نعم، أحسنت، (أو غرقت)؟
    الطالب: كأن تكون مثلًا قرب نهر، ثم زادت المياه في هذا النهر وطَمَّتْهَا المياه فلم يستطع الانتفاع بها.
    الشيخ: كذلك لو كان أودية مثلًا تدك في هذه الأرض، واستمرت كل مدة الزرع فكذلك.
    اكترى دارًا فانهدمت، هل لصاحبها الأجرة كاملة، أو ليس له شيء؟
    طالب: ليس لصاحبها شيء، إلا على خلاف، هناك قول أنه يدفع المدة التي سكنها، والقول الآخر أنه لا يدفع شيئًا، وهو الراجح.
    الشيخ: انهدمت؟
    الطالب: لتعذُّر استيفاء المنفعة، فإنه لا يستطيع أن ينتفع من الدار.
    الشيخ: يعني إذن فيها قولان.
    الطالب: الذي ذكرناه يا شيخ؟
    الشيخ: فيها قولان، فهمت من كلامك الآن فيها قولان، قول أنه ليس لصاحب الدار شيء، وقول آخر أنه يستحق من الأجرة بقدر ما انتفع المستأجِر.
    الطالب: هذا يبدو أنه مرجوح، ما ..
    الشيخ: المهم فيها قولان، ما أقول: مرجوح ولَّا راجح، فيها قولان.
    طالب: فيها قول واحد.
    (2/1910)
    ________________________________________
    الشيخ: وهو؟
    الطالب: أنه يستحق ما انتفع به من العين المؤجَّرة.
    الشيخ: يستحق من الأجرة بقدر ما انتفع به المستأجِر؟
    الطالب: قبل الانهدام.
    الشيخ: إي نعم، بقدر ما انتفع به المستأجر، كذا؟ طيب، هذا هو الصحيح، ما فيها قولان، إنما القولان فيما إذا أخرجه صاحب الدار.
    إذا حدث عيب في العين المستأجرة فهل للمستأجِر الفسخ؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: ما فيه قيمة.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: لا ما فيه بيت، ما هو بيع، ليس بيعًا، استأجر بيتًا فحصل فيه عيب، هل نقول: بمجرد العيب لك أن تفسخ؟
    طالب: لا، ( ... ) ينتهي عند استيفاء المنفعة ..
    الشيخ: تمام، يعني ما منع استيفاء المنفعة فله الفسخ.
    قلنا: لو أنه أمكنه أن يُصْلِح هذا العيب قبل أن يمضي وقت تفوت فيه المنفعة؟
    طالب: ليس له الفسخ.
    الشيخ: ليس له الفسخ، صح.
    إذا قال: أنا أريد أن أبقى، لكن أريد أن تُنَزِّل لي من الأجرة بقدر الفرق بين أجرتها سليمة وأجرتها معيبة؟
    طالب: إذا اتفقَا ..
    الشيخ: لا، إذا اتفقَا واضح، إذا لم يتفقَا؟
    الطالب: ليس له ذلك.
    الشيخ: ليس له ذلك، سمعتم هذا؟ هذا يسمى عند الفقهاء الأَرْش، فالمشهور من المذهب أنه لا أَرْش له، يقال: إما أن تبقى بها معيبة، وإما أن تفسخ، والقول الثاني: إن فيها الأَرْش قياسًا على العيب في المبيع، والأقرب أنه ليس له أَرْش، حتى العيب في المبيع سبق لنا أن شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن الأرش معاوضة جديدة ما يُجْبَر عليها أحد إلا برضا منه.
    ***
    قال: (ولا يضمن أجيرٌ خاص، ويضمن المشترك)، أفادنا المؤلف رحمه الله من هذا أن الأُجَرَاء نوعان:
    أجير خاص، وأجير مشترك، فما هو الفرق بينهما؟
    ما كان مستأجَرًا بالزمن فهو أجير خاص، وما كان مستأجَرًا على عمل فهو أجير مشترك.
    (2/1911)
    ________________________________________
    يظهر ذلك بالمثال: استأجرت عاملًا يعمل عندي في البيت، أو في الدكان، أو في المزرعة، هذا أيش هو؟ هذا أجير خاص؛ لأن عمله مقدَّر بالزمن، الشهر بكذا وكذا، الأسبوع بكذا وكذا، اليوم بكذا وكذا.
    استأجرت خياطًا يخيط لي ثوبًا، هذا مشترك؛ لأن نفعه مقدَّر بأيش؟ بالعمل، وإنما سُمِّيَ الأول خاصًّا؛ لأن زمنه خاص بالمستأجِر، لا يملك المؤجَر أن يتصرف فيه، لا يملك أن يعمل لرجل آخر في هذه المدة؛ لأن المدة خاصة بِمَن؟ بالمستأجِر، المشترك ليس خاصًّا بالمستأجِر، المشترك قد فتح بابه لكل أحد، فتجد الخياط مثلًا يأتيه فلان وفلان وفلان، كل واحد منهم يريد أن يخيط له ثوبًا، فهو مشترك، إذن الفرق بين الخاص والمشترك ما قُدِّر نفعه بالزمن فهو خاص، وما قُدِّرَ بالعمل فهو مشترك.
    هل يمكن أن يجتمعَا؟ بمعنى أن أستخدم هذا الرجل عندي على عمل معيَّن، أقول: أنا أريد أن أستأجرك لمدة خمسة أيام، تخيط لي في اليوم كذا وكذا ثوبًا؟ الجواب: لا؛ لأن الخاص يقضي على العام، ما دمت قدَّرْت مدته بالزمن فهو خاص وإن كنت قد عيَّنْتَ له عملًا معينًا، انتبه للفرق بينهما من حيث الحكم.
    قال: (ولا يضمن أجير خاص ما جَنَت يدُه خطأ)، وذلك لأن الأجير الخاص يعمل كالوكيل عن المستأجِر.
    مثال ذلك: استأجرت عاملًا عندي شهرًا بكذا وكذا أجرة، ليعمل، في يوم من الأيام أخطأ العمل، وصار في هذا الخطأ ضرر عَلَيّ، أيضمن أو لا؟ يقول المؤلف: لا، لا يضمن؛ لأنه يشتغل عندي بالوكالة عني، والوكيل لا يضمن ما تلف من فعله بلا تَعَدٍّ ولا تفريط.
    استأجرت خياطًا عندي، قلت: يا فلان، تعال، أنا أريد أن أستأجرك لمدة شهر للخياطة، ولا عَيَّنت له ثوبًا معينًا ولا شيئًا، هو عندي يخيط آتي له بثوب ( ... ) بأي شيء يخيطه، أخطأ في التفصيل، يضمن أو لا يضمن؟
    طلبة: لا يضمن.
    الشيخ: لا يضمن؛ لأنه لم يَتَعَدّ، وهو يتصرف بالوكالة عني، والوكيل لا يضمن ما لم يَتَعَدّ أو يُفَرِّط.
    (2/1912)
    ________________________________________
    كذلك (ولا حَجَّام وطبيب وبَيْطَار لم تَجْنِ أيديهم إن عُرِف حِذْقُهم)، يعني: ولا يضمن الْحَجَّام، والْحِجَامة: هي استخراج الدم من الإنسان بطرق معينة، ولها أحوال وأوقات، أحوال يُطْلَب من الإنسان أنه يحتجم، وأحيانًا يُنْهَى أن يحتجم، وكذلك لها أزمان معينة معروفة عند الذين يمارسون هذه المهنة.
    الطبيب معروف، من هو الطبيب؟ هو الذي يعالج البشر، يسمى طبيبًا.
    بَيْطَار: هو الذي يعالج البهائم.
    (لم تَجْنِ أيديهم إن عُرِف حِذْقُهم)، اشترط المؤلف رحمه الله في خطأ الحجام والطبيب والبَيْطَار في عدم ضمانه اشترط شرطين: الأول ألَّا تَجْنِي أيديهم، ومعنى تَجْنِي أي: تزيد على قدر الحاجة، سواء عن عمد أو عن خطأ، والشرط الثاني: إن عُرِفَ حذقهم، أي: إجادتهم للصنعة ومعرفتهم بها، فإذا اجتمع هذان الشرطان فلا ضمان.
    مثال ذلك؛ أولًا في الحجّام: الحجَّام هذا رجل معروف بالحذق، لكنه أخطأ وقطع عرقًا لا يُقْطَع مثله في الحجامة، فهلك الرجل المحجوم، أيضمن أو لا؟
    طلبة: يضمن.
    الشيخ: يضمن، لماذا؟ لأن يده تعدت موضع الحاجة وإن كان خطأ؛ لأن ضمان الأنفس والأموال لا يُشْتَرَط فيه القصد، ولهذا يجب الضمان على المجنون إذا أتلف المال، وإذا أتلف البهيمة، وإذا أتلف النفس، إلا أنّ عَمْدَه خطأ، هذا الحجّام.
    الطبيب أراد أن يفعل عملية، ولتكن عملية زائدة، أجرى العملية لكن المشرط تجاوز الحاجة، بأن فتح أكثر مما يحتاج إليه، فهلك المريض، يضمن أو لا يضمن؟
    الطلبة: يضمن.
    الشيخ: لماذا؟ لأنه جَنَت يده.
    والبَيْطَار كذلك، البَيْطَار الذي يداوي البهائم تعدى فيضمن.
    في وصف الدواء؛ طبيب وصف الدواء للشخص، قال: خذ مثلًا خمسة أقراص من هذا الدواء، ويكفيه ثلاثة، هذا أخذ خمسة أقراص فهلك، أيضمن أو لا يضمن؟ يضمن؛ لأنه جَنَت يده في الواقع، أخطأ في التقدير فيكون ضامنًا، وإن كان غير آثم لكنه ضامن.
    (2/1913)
    ________________________________________
    الشرط الثاني: إن عُرِف حِذْقُهم، يعني بأن يكون مُجَرَّبًا في الإصابة، عارفًا، فإن لم يُعْرَف فإنه يضمن بكل حال، حتى وإن لم يتعدَّ موضع الحاجة.
    رجل لا يعرف الجراحة، ولا يعرف يعمل عمليات، فجاءه إنسان، وقال: والله فيه الزائدة، قال: الزائدة سهلة، أنا قد رأيت صورتها في الكتاب الفلاني، وتوكَّل على الله، اضطجع! ما هو حاذِق، ففعل، شق البطن لكن عجز أن يخيطه، هذا يضمن أو لا يضمن؟
    طلبة: يضمن.
    الشيخ: هذا يضمن لا شك؛ لأنه يحرُم على الإنسان أن يتعاطى الطب وهو لا يعرفه، فكما أن المسائل الدينية يحرُم على الإنسان أن يُفْتِيَ فيها بلا علم، كذلك أيضًا المسائل غير الدينية لا يجوز للإنسان أن يتقدم إليها بلا علم، فيكون ضامنًا، مثال ذلك أيضًا إنسان قلنا له: هذا صبي نحب أن تَخْتِنَه، وهو غير خَتَّان، من اجتهاده قال: أنا أريد أن أبالغ في الختن؛ لأنه أطهر وأحسن، فقطع الحشفة مع القلفة، أيش يكون هذا؟ يضمن ولَّا لا؟
    الطلبة: يضمن.
    الشيخ: ليش؟
    طالب: تعدى.
    الشيخ: لا، ما هو تعدى، هذا أصلًا؛ لأنه غير حاذق، هذا من الأصل يُمْنَع؛ لأنه غير حاذق، فإن كان حاذقًا وأخطأ واحترز غاية الاحتراز من أن يتعدى على الحشفة، إلا أنه أصاب أعلى الحشفة، يضمن أو لا؟ يضمن؛ الأول لعدم الحذق، والثاني لأن يده جَنَت، وإن شئت فقل: الأول للأمرين جميعًا.
    إذا أردنا أن نُصَوِّر الأول، الذي هو عدم الحذق بدون التعدي، لو أن هذا الخاتن ختن وقطع القلفة فقط قطعًا تامًّا، بمعنى أنه ليس فيه نقص، لكن الجرح تَعَفَّن حتى أدى إلى هلاك الصبي، فيضمن أو لا؟
    الطلبة: يضمن.
    الشيخ: لماذا؟ لأنه غير حاذق، لا لأن يده جَنَت، لكن لأنه غير حاذق، فصار مُمْكِنًا الآن أن نقول: يجتمع الضمان في عدم الحذق وحده، وفي جناية اليد وحدها، وفيهما جميعًا، حسب الأمثلة التي ذكرنا.
    (2/1914)
    ________________________________________
    لو قال قائل: إذا قلتم باشتراط الحذق، معناه أنه لا يمكن أن يتقدم الطب؛ لأننا إذا قلنا: إنه لا يتطبب بوصف الدواء أو الجراحة أو غير ذلك إلا مَن كان حاذقًا، فمتى يتعلَّم الإنسان؟
    نقول: يمكن يتعلم بالدراسة والتطبيق العملي قبل أن يباشر هو المعالَجة، أما أن يأتي إنسان متعلم ولم يكن حاذقًا ليجري التجارب على الأصحاء حتى يموتوا هذا لا يجوز.
    يقول رحمه الله: (ولا راعٍ لم يَتَعَدّ الرعي)، يعني: رعي الماشية، سواء رعي إبل، أو رعي غنم، أو بقر، أو ظباء، أو غيرها، لا يضمن إذا لم يَتَعَدّ، يعني أو يُفَرِّط، إذا لم يتعد أو يُفَرِّط فإنه لا يضمن؛ لأنه أمين مؤتَمَن، والبهائم حصلت بيده بإذن من؟ بإذن مالكها، فيَدُه يَدُ أمانة، هذا الراعي عَدَا عليه ذئاب، وأكلت ما أكلت من الماشية، هل عليه الضمان؟ لا، ليس عليه ضمان، لكن عليه أن يدافع، إلا أنه عجز عن مدافعة هذه الذئاب، وأكلت ما أكلت من الماشية، نقول: ليس عليه ضمان.
    الثاني: راعٍ فَرَّط، أوقف الماشية في بطن الوادي، والسماء مغيمة، والمطر حَرِيّ بالنزول، فأنزل الله المطر، ومشى الوادي، واجترف الماشية، أعليه ضمان أو لا؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: عليه ضمان؛ لأنه مُفَرِّط.
    مثال ثالث؛ المتعدِّي: راعٍ كان بينه وبين الأرض التي يريد أن يذهب إليها وادٍ يمشي، فجازَف، وقال: سأتعدى هذا الوادي بالماشية، فخاض الماء فهلكت الماشية، فيضمن أو لا؟ يضمن؛ لأنه مُتَعَدّ، هو مَنْهِي عن أن يفعل أو أن يعمل عملًا يضر بالماشية.
    ومن ذلك أيضًا لو نزل بَرَد من السحاب، ولم يُدْخِلْها في الظل تحت السقف حتى ماتت فعليه الضمان؛ لأنه مُفَرِّط، والواجب أن يُدْخِلها في محل تنجو به.
    (ولا راعٍ لم يتعد)، ثم قال: (ويضمن المشترَك)، يعني الأجير المشترك.
    (2/1915)
    ________________________________________
    (ما تلف بفعله، ولا يضمن ما تلف من حِرْزِه أو بغير فعله، ولا أجرة له)، المشترك يضمن ما تلف بفعله، ولو بالخطأ في الخياطة، عليه الضمان؛ لأن الأموال والأنفس لا يُشْتَرَط فيها القصد، مضمونة بكل حال، فهذا خَيَّاط مشترك أتى الشخص إليه بخرقة وقال: خِطْهَا لي قميصًا، فأخطأ وخاطها سراويل، عليه الضمان أو لا؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: قال: والله أنا نسيت، أو تَوَهَّمت أنك تريد السراويل، نقول: لا يسقط الضمان؛ لأنك أنت الذي فعلت، نعم يسقط الإثم، وأما الضمان الذي هو حق آدمي فإنه لا يسقط، وهذا معنى قوله: (ما تلف بفعله).
    كذلك أيضًا لو أنه قال له: خِطْ هذا الثوب قميصًا واسعًا، والخرقة تكفي، لكن اجتهادًا منه قال: ليش أخلِّيه واسع، بخليه ضيق يعني معقولًا لأوفر الخرقة على صاحب الثوب، ففعل، يضمن أو لا يضمن؟ يضمن؛ لأنه فَعَلَ غير ما أُذِنَ له فيه، فيضمن.
    إذا قلنا: إنه يضمن، هل له أجرة؟ الرجل تعب، خاط الخرقة على أنها سراويل، وأمضى وقتًا وخيوطًا واستعمالًا للآلة، هل له أجرة أو لا؟ ليس له أجرة.
    في هذه الحال إذا قلنا: يضمن، هل نقول: يأخذ السراويل ويرد بدلها خرقة، أو نقول: يأخذ صاحب الخرقة السراويل، ويُعطَى الفرق بين القميص والسروال؟ الأول هو الواجب، لكن إذا اصطلحَا على شيء فلا بأس، لو قال: أنا آخذ السراويل ولكن أعطني الفرق بين السراويل والقميص، لا بأس إذا اتفقَا.
    (ولا يضمن ما تلف من حِرْزِه أو بغير فعله)، لا يضمن مَن؟ الأجير المشترك.
    (ما تلف من حِرزه)، فهذا الخياط مثلًا لما كان الليل أغلق الدكان بما جرت العادة أن يُغلَق به، ما قَصَّر في الإغلاق، ولكن أتت السُّرَّاق فسرقوا هذا الدكان، ومِن جملته الثياب التي استأجره صاحبُها لخياطتها، فهل يضمن أو لا يضمن؟
    طلبة: لا يضمن.
    الشيخ: لا يضمن؛ لأنه لم يُفَرِّط، وضعها في حِرز.
    (2/1916)
    ________________________________________
    عَلَّق الثوب خارج الدكان ليتذكر صاحبه إذا مَرَّ، فيقف ويأخذه ويعطيه الأجر، فنسي أن يُدْخِلَه في الدكان، فأُخِذَ الثوب.
    الطلبة: يضمن.
    الشيخ: يضمن، لماذا؟ لأنه تلف في غير حرزه، والمؤلف يقول: (لا يضمن ما تلف من حرزه)، وهذا لا شك أنه ليس حرزًا؛ أن يعلقه عند باب الدكان من الخارج.
    كذلك أيضًا (أو بغير فعله)، ما تلف بغير فعله كذلك لا يضمن، كما لو احترق الدكان فتلف الثوب الذي استُؤْجِر لخياطته، هذا التلف هل هو من فعله؟ لا، ليس من فعله، إذن لا ضمان عليه؛ وذلك لأنه لم يَتَعَدّ ولم يُفَرِّط، لكن يقول: (ولا أجرة له) لا أجرة لهذا الأجير، مع أنه خاطه وعمل فيه، وأمضى زمنًا في خياطته، وأتى بكل ما استُؤْجِر عليه، يقول المؤلف: لا أجرة له؛ لأنه لم يُسَلِّم الثوب لصاحبه، وصاحبه إنما استأجره ليعمله ثوبًا يلبسه وينتفع به، وقد فاتت هذه المنفعة، فلا يكون لهذا الأجير أجرة.
    والصحيح أن له الأجرة، والقول الراجح أن له الأجرة؛ لأنه وَفَّىَ بما .. أيش؟ بما استُؤْجِر عليه، وتلف الثوب مثلًا على حساب مَن؟ حساب صاحبه المالك، أما الأجير فقد أدى ما عليه، فكيف نقول: لا أجرة له؟ !
    فإن قال صاحب الثوب: إنك لم تعمل فيه شيئًا، لم تَخِطْه، وقال: إني خِطْته، فمَن القول قوله؟ قول المالك ولَّا قول الخياط؟
    الطلبة: الخياط.
    الشيخ: لا إله إلا الله، ويش الأصل، الخياطة أو عدمها؟
    طلبة: عدمها.
    الشيخ: الأصل عدم الخياطة، حتى لو فُرِضَ أنه مضى مدة يمكنه أن يَخِيط هذا الثوب فيها، ثم ادَّعى أنه خاطَه، ولكن المالك قال: لم تَخِطْه، فالقول قول المالك؛ لأن الأصل عدم الخياطة، ولكن لاحظوا أن مَن قُلْنا: القول قوله، فلا بد من اليمين.
    (2/1917)
    ________________________________________
    وهل اليمين هنا على البَتّ أو على نفي العلم؟ نقول: على البت، فإذا قال: أنا لا أحلف على البَتّ، قلنا: إذن نأخذ بقول الخياط، وإن قال: أنا أحلف على نفي العلم، قلنا: هذا لا يُدْفَع به قول الخصم؛ لأن الأصل أن دعواه إذا لم يعارضها ما هو أقوى منها حق.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: ولا وجهة له، إذن الصحيح أن له الأجرة.
    طالب: هذا الطبيب الذي ادعى الطبابة وكان بسببه هلاك هذا المريض، لماذا لا يُحَدُّ قصاصًا حيث إنه ادعى ما ليس له به علم؟
    الشيخ: أسمعتم كلامه؟ يقال: إن هذا الطبيب الذي تَطَبَّبَ بغير علم، لماذا لا يُقتَل قصاصًا؟ نقول: أولًا: هذا الرجل ما أراد القتل، مجتهد لكن أخطأ.
    طالب: عَمْدًا يا شيخ.
    الشيخ: لا ما عمد، لو قيل له: هل أنت أتيت بالْمِشْرَط لتشق بطنه ليموت؟ قال: لا، أنا أريد شق بطنه ليَسْلَم.
    طالب: شيخ، بالنسبة إذا تلف في حرزه على قول المذهب ..
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: ماذا لو تلف إذا كان يا شيخ ( ... ).
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: ( ... ) الخياط يا شيخ.
    الشيخ: المؤلف يقول: لا يضمن ما تلف من حرزه، لا يضمن، ولا أجرة له، لكن قلنا: الصحيح أنه إذا كان عمل فيه فله أجرة.
    الطالب: على قول المذهب؟
    الشيخ: المذهب لا أجرة له.
    الطالب: ( ... ) يضمن ( ... ).
    الشيخ: ما يضمن، هذا كلام المؤلف، يقول: لا يضمن ما تلف من حِرْزه.
    طالب: بناء على أن ( ... ) على أن يأتي به بعد ثلاثة أيام، فأتى به بعد أربعة؟
    الشيخ: المذهب لا تصح الإجارة، يعني يقول: لا يجوز الجمع بين الزمن والعمل.
    الطالب: ( ... ) يأخذه يوم السبت، فذهب يوم السبت فلم ينته منه، فأعطاه يوم الأحد، فهل يجوز ..
    (2/1918)
    ________________________________________
    الشيخ: أصل الإجارة على المذهب فاسدة، والصحيح أنها غير فاسدة، الصحيح أنه يجوز الجمع بين مدة العمل والعمل، ولا بأس به؛ لأن هذا فيه مصلحة، لكن يستعمل بعض الناس الآن في المقاولة يقول: نَفِّذْ لي هذه الفيلَّا في خلال سنة، فإن تمت السنة فعليك بكل يوم خصم كذا وكذا، فهل هذا جائز؟ العمل على هذا الآن، والصحيح أنه جائز بشرط أن تكون المدة المقدَّرَة مدة معقولة، بحيث إن هذه الفيلّا تُبْنَى في هذه المدة، أما لو كانت تُبنى بسنة وقال: في خلال ستة أشهر، فهذا لا يجوز؛ لأنه غَرَر.
    طالب: المعروف الآن الذي عليه عمل الناس أن القماش من الخيّاط، هل يختلف الأمر في ذلك؟
    الشيخ: إي نعم؛ لأنه إذا صار من الخيّاط فهو على حساب الخياط، يعني معناه إذا تلف ليس له أجرة وليس له قيمة.
    طالب: إذا لم يدفع صاحب الثوب الثمن، وأمسك الأجيرُ الثوبَ حتى يدفع صاحب الثوب، على ما هو موجود الآن ..
    الشيخ: يعني حبسه على الأجرة.
    الطالب: على ما هو موجود الآن.
    الشيخ: هو موجود الآن هذا؟ يعني هل مثلًا الخيّاط يقول: أنا ما أعطيك الثوب إلا أن تعطيني الأجرة، موجود هذا؟
    طلبة: موجود.
    الشيخ: موجود؟ لا، يمكن إذا لم يَثِق من الرجل.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: أنا فهمت؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: إذا لم يثق، معلوم، لا بد أن يقول: ما أعطيك الثوب إلا أن تعطيني الأجرة، لكن في هذه الحال لو أنه تلف فهل يضمن الخياط أو لا يضمن؟
    نقول: إن قلنا بجواز حبسه على أجرته فلا يضمن؛ لأنه بحق، وهذا هو الحق؛ أنه لا يضمن؛ لأن له الحق أن يقول: لا أُسَلِّمه حتى يعطيني الأجرة.
    طالب: شيخ، على ما هو جارٍ الآن.
    طالب آخر: عقد خياطة الثوب، اجتماع البيع والإيجار، مع عدم تحديد قيمة القماش؟
    الشيخ: ما له وجه، هذا يسمونه استصناع السلعة، والصحيح أنه جائز، إذا وُصِفَ بالوصف فلا بأس.
    الطالب: هذه جهالة.
    الشيخ: هذه جهالة يسيرة ( ... ).
    (2/1919)
    ________________________________________
    طالب: شيخ بارك الله فيكم، سبق في الوديعة بأن المودَع إذا ادعى الرد ( ... ) لأنه أمين، مع أن الأصل عدم الرد، وهذه الصورة تشبه تلك من ناحية.
    الشيخ: لعلك نسيت القاعدة، إذا قبض ( ... ) فيُقْبَل قوله في الرد، إذا كان بحظه هو ..
    وتَجِبُ الأجرةُ بالعَقْدِ إن لم تُؤَجَّلْ وتَستحِقُّ بتسليمِ العملِ الذي في الذِّمَّةِ، ومَن تَسَلَّمَ عينًا بإجارةٍ فاسدةٍ وفَرَغَت الْمُدَّةُ لَزِمَه أُجرةُ الْمِثلِ.
    (باب السَّبْق)
    يَصِحُّ على الأقدامِ وسائرِ الحيواناتِ والسفُنِ والْمَزَارِيقِ، ولا تَصِحُّ بعِوَضٍ إلا في إِبِلٍ وَخَيْلٍ وسِهامٍ، ولا بُدَّ من تَعيينِ الْمَرْكُوبَيْنِ واتِّحادِهما والرماةِ والمسافةِ بقَدْرٍ مُعتادٍ، وهي جِعالةٌ لكلِّ واحدٍ فَسْخُها، وتَصِحُّ الْمُناضَلَةُ على مُعَيَّنَيْنِ يُحْسِنون الرَّمْيَ.
    (بابُ العَارِيَّةِ)
    وهي إباحةُ نفْعِ عينٍ تَبْقَى بعدَ استيفائِه، وتُباحُ إعارةُ كلِّ ذي نَفْعٍ مُباحٍ،
    في حال لو أنه تلف، فهل يضمن الخياط أو لا يضمن؟ نقول: إن قلنا بجواز حبسه على أجرته فلا يضمن؛ لأنه بحق، وهذا هو الحق أنه لا يضمن؛ لأن له الحق أن يقول: لا أسلمه حتى يعطيني الأجرة.
    طالب: شيخ، هذا ما هو جارٍ الآن يا شيخ.
    الشيخ: نعم.
    طالب: حق خياطة الثوب ( ... ) بيعًا وإجارة .. اجتماع البيع والإجارة ما عدم تحديد قيمة القماش.
    الشيخ: ما يضر، هذا يسمونه استصناع السلعة، والصحيح أنه جائز إذا ضُبط بالوصف فلا بأس.
    الطالب: هذه جهالة!
    الشيخ: هذه جهالة يسيرة، هو إذا ضُبط بالوصف ( ... ).
    طالب: شيخ -بارك الله فيكم- سبق في الوديعة بأن المودع ( ... ) مع أن الأصل عدم الرد، وهذه الصورة تشبه تلك من ( ... )؟
    الشيخ: لعلك نسيت القاعدة؛ إذا قُبض المال لحظ مالكه فقط فيُقبل قوله في الرد، إذا كان لحظه هو أو لحظه مع المالك فلا يُقبَل. هذه القاعدة.
    طالب: إذا استشار رجل آخر في شيء ما فأشار عليه ( ... )، فعلى من يكون الضمان؟
    (2/1920)
    ________________________________________
    الشيخ: على من أتلفه، إن أتلفه أجنبي فعلى من أتلفه، وإن تلف بفعل الله فلا ضمان فيه.
    طالب: ( ... )؟
    الشيخ: لا أبدًا، أنت الذي استنصحتني، وأنت الذي وثقت بي، وأنا ما غشيتك هذا اللي أعرفه.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، حتى لو ( ... )، فالواجب أن يقول: لا أدري، لكن المفرط هذا الذي استشار من لا يعرف أنه أهل للمشورة، هو اللي فرط.
    الطالب: الضمان على هذا حتى وإن كان هذا بغير علم؟
    الشيخ: ما عليه شيء.
    الطالب: يعني ( ... ) المستشار.
    الشيخ: المالك هو اللي استشار الرجل، قال: ماذا تقول في كذا وكذا؟ هل تشير عليَّ أن أرسل مثلًا غنمي إلى الجهة الفلانية؟ قال: نعم.
    الطالب: من غير علم.
    الشيخ: بغير علم، لا ما هو إلا بعلم، وإذا قُدِّرَ أنه بغير علم، نقول: أنت الذي استشرته أنت اللي فرطت.
    طالب: ( ... ) البيطار ( ... ) يضمنه، وقلنا في الراعي: ( ... ) ما يضمنه ( ... ).
    الشيخ: لا يا أخي؛ لأن هؤلاء بفعلهم، الطبيب، والبيطار، والحجام بفعلهم، الراعي ما من فعله، الراعي يتصرف لصاحب المال بالوكالة، فتلف الغنم بغير تعدٍّ منه ولا تفريط، ولهذا لو تعدى مثلًا أوجبنا عليه الضمان.
    طالب: ( ... ) اجتهد.
    الشيخ: إي، لكن بفعله، هو اجتهد فأخطأ في أنه تجاوز محل الحاجم، هذا التجاوز نقول: ليس فيه إثم؛ لأنك لم تتعمد، لكن في حق الآدمي لا بد من الضمان. ( ... )

    ***
    طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    قال رحمه الله تعالى في باب الإجارة: وتجب الأجرة بالعقد إن لم تؤجل، وتُستحَق بتسليم العمل الذي في الذمة، ومن تَسلَّم عينًا بإجارة فاسدة، وفرغت المدة لزمه أُجرة المثل.
    (2/1921)
    ________________________________________
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، لما ذكر المؤلف أحكام الإجارة وهي تتعلق بالعين المؤجرة في كل ما سبق ذكر ما يتعلق بالأجرة، والأُجرة هي العِوض التي اتفق عليها المتعاقدانِ، سواء كانت دراهم نقدًا أو عينًا أو منفعة، ولهذا يجوز استئجار منفعة بمنفعة، واستئجار عين بمنفعة، واستئجار عامل يعمل بمنفعة، فالمهم أن الأجرة هي ما يصح عقْد البيع عليه سواء كان منفعة أو عينًا أو نقدًا، تجب بالعقد؛ أي بعقد الإجارة، لكنها لا تستحق إلا بتسليم العمل الذي في الذمة، أو تسليم العين مع مُضِيِّ المدة.
    وقوله: (إن لم تُؤجَّل) لأنها إذا أُجِّلت فقد رضي كلا الطرفين ألا تجب إلا بعد تمام الأجل، مثل أن أقول: أجَّرتك بيتي هذا بعشرة آلاف تحل في شهر محرم عام ثمانية عشر، فالأجرة الآن لم تجب؛ لأن الطرفين اتفقا على أن تكون متى؟ مؤجلة إلى محرم.
    وتستحق بأمور: منها تسليم العمل الذي في الذمة؛ فإذا استأجرت عاملًا على أن يحرث لك هذه الأرض، وحرثها، استحق الأُجرة الآن، بكل حال؛ لأنه أدَّى ما عليه فاستحق ما له.
    كذلك أيضًا تُستحق بتسليم العين المؤجرة إذا مضت المدة، سواء انتفع بها المستأجر أو لا، فإذا استأجرت بيتًا من شخص وسلَّمك المفتاح، ثم مضت المدة وأنت لم تسكنه، ولم تُؤجره، ولم تُسكنه أحدًا تبرعًا، فإن الأجرة ثابتة عليك؛ لماذا؟ لأنه سلَّمك العين التي وقع العقد عليها، وتسليم العين التي وقع عليها العقد بمنزلة تسليم العمل الذي في الذمة.
    لكن لو منعه من هذه العين يد ظالمة قادرة على منعه، فهل نقول: إن الأجرة تُرد على صاحب العين؟ أو نقول: إن الظلم وقع على المنفعة التي استأجرها الأجير لها؟
    (2/1922)
    ________________________________________
    الجواب: الثاني؛ يعني أن المنفعة تذهب على مَنْ؟ على المستأجر، ما هي على صاحب العين، فمثلًا لو أن شخصًا استأجر بيتًا من آخر، وسلَّمه المفتاح، ثم سُلِّط على هذا المستأجر يد ظالمة أخذت منه البيت قهرًا وسكنته مثلًا، فمن الضمان عليه؟ هل هو على مستأجر البيت، أو على مُؤجِر البيت؟
    الأول: على مُستأجِر البيت؛ لأن المستأجر لما قبض العين المؤجرة ملك المنفعة الآن، فالظلم وقع عليه هو، وليس على المؤجِّر، أما لو تسلطت هذه اليد الظالمة على العين المؤجرة قبْل أن يُسلِّمها المؤجر، فهنا تفوت على مَنْ؟ تفوت على المؤجر؛ لأن الأجرة لم تُستحق بعد، إذ لا يستحقها إلا إذا تَسلَّم العين.
    فصارت تستحق بتسليم العمل الذي في الذمة، والثاني: تسليم العَيْن التي وقع عليها العقد إذا مضت المدة، ثم قال: (ومن تَسلَّم عينًا بإجارة فاسدة وفرغت المدة لزمه أجرة المثل)، يعني لو عقد إنسان عقد إجارة فاسدة، وتسلَّم العين، ومضت المدة فإنه يلزمه أجرة الْمِثل دون الأجرة التي وقع عليها العقد، وذلك لأن الأجرة التي وقع عليها العقد أجرة فاسدة لعدم صحة العقد.
    وظاهر كلام المؤلف سواء كانت أُجرة الْمِثل أقل مما وقع عليه العقد أو أكثر؛ لأنه لما ارتفع العقد الفاسد ارتفعت جميع متعلقاته، مثال ذلك رجل استأجر من شخص حُرًّا ليعمل عنده، ومعلوم أن تأجير الحر لا يجوز، كما جاء في الحديث الصحيح: «رَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ» (1).
    (2/1923)
    ________________________________________
    وكذلك لو أجره فأكل أجرته فإنه لا يحل، فهذا إنسان مثلًا قال لشخص: أنت تريد عاملًا عندك؟ قال: نعم. قال: هذا غلامي، خذه الشهر بمئة ريال -وهو حُرٌّ- فالإجارة هنا صحيحة أو فاسدة؟ فاسدة لأنه لا يصح العقد عقد الإجارة على الحر، المهم أن المستأجر أخذ هذا الغلام واستعمله حتى تمت المدة، يقول المؤلف: إنه يلزمه أجرة المثل، يلزم من؟ المستأجر يلزمه أُجرة المثل، وذلك لأن عقد الإجارة كان فاسدًا، والفاسد وجوده كالعدم، ولكن كيف يقول المؤلف: أُجرة الْمِثل وهو حر لا يصح تأجيره؟ نقول: يُقدَّر كأنه قِنٌّ، كأنه عبد، فما أجرة هذا العبد؟ قالوا مثلًا: أجرته مئتا ريال، وهو قد استأجره بكم بمئة ريال، نقول: سلِّم مئتي ريال، لماذا؟ لأن الأجرة فاسدة، وهذا فيما إذا كان المستأجر عالِمًا بأن هذا الغلام ليس ملكًا له، هذا واضح أنه يلزمه أجرة المثل، وهو في المثال اللي ذكرنا كم؟ مئتا ريال مع أن العقد وقع على مئة، لكن هذا العقد فاسد.
    فهنا لا شك أن القول بأنه يلزم المستأجر أجرة المثل قول صحيح؛ لأن المستأجر دخل على بصيرة وعلى عِلم بأن الإجارة غير صحيحة، لكن إذا كان لا يدري، وقد عقد الأُجرة على مئة، فكيف نُلزمه بمئتين وهو لا يدري؟ يقول الفقهاء رحمهم الله في التعليل: إن إتلاف مال الآدمي لا فرق فيه -أي في ضمانه- بين العالم والجاهل.
    كما لو استعمل الإنسان شخصًا يظنه عبده، واستعمله في عمل، فعليه ضمانه، وإن كان لا يدري، ولكن في هذا نظر؛ لأن هذا الذي استعمله بالأجرة التي يظنها صحيحة كان مغرورًا، مَنِ الذي غرَّه؟
    غرَّه المؤجر، وإذا كان مغرورًا فيجب أن يكون الضمان على الغار، وهذا هو مقتضى القياس الصحيح والنظر الصحيح، وعليه فنقول: يجب على المستأجر في المثال اللي ذكرنا كم؟ مئة، ويُضمن الآخر الذي أجره المئة الثانية، ويكون لهذا الغلام الحر مئتان، هذا هو العدل.
    (2/1924)
    ________________________________________
    وأما أن نُضمِّن شخصًا ما لم يلتزمه مع أن العقد -حسب رأيه وحسب اعتقاده- عقد صحيح، فهذا فيه نظر. فالصواب إذن أنه يلزمه أجرة المثل، لكن إن كان مغرورًا فما زاد على الأجرة التي تم العقد عليها فعلى من غر.
    إذا قدَّرْنا أن أجرة المثل أقل، مثلًا أجره بمئتين، وأجرة مثله مئة، فهل نلزمه بالمئتين؟ أو نقول: إن المئتين كانتا بعقد فاسد فلا عِبْرة بهما، ونرجع إلى أجْرة المثل وهي كم؟ وهي مئة. نقول: إن كان عالِمًا بأن الأجرة فاسدة ألزمناه بمئتين؛ لأنه دخل على بصيرة، ثم ما زاد على أجرة المثل يكون لهذا الغلام؛ لأنه مظلوم، ولا يكون للذي أجَّره؛ لأن الذي أجره لا يملكه فليس له شيء، وإن كان غير عالم، إن كان غير عالم فعليه أن يضمن لهذا الحر ما وقع عليه العقد؛ لأنه رضي به واعتبره صحيحًا فيُلزم بما ظنه، وإذا مثلًا رأى القاضي أن يأخذ الزيادة هذه، ويصرفها في بيت المال فلا حرَج عليه؛ لأنه مال -في الحقيقة- ليس خالصًا لمن استحق، وما اشتُبه فيه فإنه يُلحق إلى بيت المال، وإن كانت أجرة المثل بمقدار ما وقع عليه العقد فلا إشكال؛ لأنه ليس فيه زيادة وليس فيه نقص.
    والخلاصة أن كل من تسلَّم عينًا بإجارة فاسدة فإنه لا عِبرة بما حصل عليه العقد، تُفسخ الإجارة، ويرجع إلى أجرة المثل، فإن كانت أجرة المثل مساوية لما وقع عليه العقد، فلا إشكال، وإن كانت أجرة المثل أكثر ألزمنا المستأجر بها، ثم إن كان عالِمًا فالزيادة عليه، وإن كان جاهلًا مغرورًا فالزيادة على من غر، وإن كانت أجرة المثل أقل، فإن كان عالِمًا ألزمناه بما التزم به؛ لأنه دخل على بصيرة، يعلم أن العقد فاسد، والتزم الزيادة على أجرة المثل، وإن كان جاهلًا لم يلزمه أكثر من أجرة المثل، وإن رأى القاضي قضاءً أن يلزمه بما التزم به ولو كان جاهلًا، ولكن يجعل في بيت المال؛ فلا حرج.
    (2/1925)
    ________________________________________
    مثل ذلك أيضًا من استأجر شخصًا على عمل مُحرَّم، مثل أن يستأجر شخصًا ليبيع له خمرًا، أو يحمل له خمرًا، أو ما أشبه ذلك؛ فالإجارة فاسدة، لكن عمل العامل الآن، هل نقول: ليس له شيء؛ لأن الإجارة فاسدة والعمل المحرم لا قيمة له، أو نقول: يُلزم المستأجِر بالأجرة التي وقع عليها العقد؟ الثاني: يجب أن يُلزم بالأجرة التي وقع عليها العقد، ثم إن كان العامل إن كان يعلم أن هذا شيء محرم فإنها تُصرف في بيت المال، وإن كان لا يعلم فإنه يعُطى إياها، ويُؤمر بالتوبة والاستغفار، وكفى، والله أعلم.
    طالب: في الصورة الأولى الذي أخذ غلامًا وأجره شخصًا وهو حر، المؤجر كيف يُعطي الذي أجره الأجرة وهو ليس مالكًا له؟
    الشيخ: لا، المستأجر، المؤجر ما هو معطيه.
    الطالب: ممكن يعطي المؤجر.
    الشيخ: ما هو يعطيه أجرة، الأجرة هذه تعود إلى المستخدم.
    طالب: كلها حتى ..
    الشيخ: كلها، هذا فليس له شيء، هذاك يؤدب ( ... ).
    طالب: يا شيخ، إذا استأجر حر، وأجرة المثل مئتان، وهو استأجره على مئة، أخذ أجرة المثل مئتي ريال.
    الشيخ: لكن إنسان حر عقد معه، ولا جاء إنسان آخر وقال: هذا غلامي؟
    الطالب: لا، شخص استأجر حرًّا وكان استأجره بمئة ريال، وأجرة المثل مئتان، إذا كان جاهل يا شيخ، ما نقول يلزم المستأجر خمسين؟
    الشيخ: يعني قصدك الغبن؟ إذا غبنه؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: استأجره بمئة والأجرة مئتان، مثلًا ارتفعت أجور العمال، وهذا العامل ما درى، ما يعلم، فجاء شخص واستأجره بمئة يُلزم بأن يدفع له مئة أخرى، يُلزم لأن هذا غرَّه.
    الطالب: ما نقول يا شيخ مثلما قلنا: إذا كانت أجرة المثل أكثر يلزم المستأجر خمسين؟
    الشيخ: لا، هذه أجَّره شخصًا آخر، الصورة اللي ذكرنا ثلاثة: حُر، ومؤجر، ومستأجر، المؤجر قال: هذا غلامي أبغي أؤجرك إياه، أما الصورة اللي ذكرت أنت فليس عندنا إلا شخصان مستأجر ومؤجر نفسه، ما هذا سؤالك؟ هذا بس يعطى الغبن وهو أجرة المثل.
    (2/1926)
    ________________________________________
    طالب: شيخ -أحسن الله إليك- ما حكم ما تأخذه ضاربات الدف في أيام الزفاف من أُجرة كبيرة جدًّا قد تصل إلى تسعة آلاف ريال في الليلة الواحدة؟
    الشيخ: هنا نخاطب الدافع، يعني ما يأخذه المغنيات أيام الأعراس والدفافات من أُجرة كبيرة، هنا نوجه الخطاب إلى الدافع، ونقول: إن دفعك هذه الأموال الكثيرة من إفساد المال، وإضاعة المال، أما بالنسبة للدفافات فلا حرج عليهن، هن يقلن: بنطلب بالليلة مئة ألف، لكن الكلام يوجه على من دفع إليهن.
    طالب: أحيانًا قد يصحب ضربهن للدف إخراج صوتهن على الرجال وكذا مما هو فيه محظور شرعي؟
    الشيخ: هو إذا كان فيه محظور شرعي مُنِع، يعني يجب خفض الصوت حتى لا يكون فيه محظور شرعي، أما إذا لم يكن فيه محظور شرعي فلا بأس؛ لأن صوت المرأة ليس بعورة.
    طالب: لا يعد مفسدًا للإجارة إذا كنا علمنا بأنه سوف .. ؟
    الشيخ: لا؛ لأن هذا شيء زائد على العقد.
    طالب: عفا الله عنك يا شيخ، من أجَّر حُرًّا وادعى أنه عبد، ما عليه شيخ غرامة، ما عليه دفع .. ؟
    الشيخ: لا، مسألة ( ... ) هذا شيء آخر، هذا يُعذَّر، لكن كلامنا على مقتضى الإجارة، ماذا يلزم؟ أما مسألة أنه يعذر فلا بد أن يعذر.
    طالب: هل يحرم تأجير الابن؟
    الشيخ: إي نعم، يحرم تأجير الابن؛ لأنه حر.
    الطالب: وقوله: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» (2).
    الشيخ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» يعني يستخدمه لا أنه يؤجره.
    الطالب: ولو رضي يا شيخ؟
    الشيخ: لا، إذا رضي ما فيه إشكال.
    طالب: قلنا: إن الأجير المشترك لا يضمن ما تلف في يده بغير تفريط، وقلنا: إن الراجح أن المؤجر يُلزم بدفع الأجرة.
    الشيخ: قلنا: إن الراجح أن الأجير المشترك إذا أتم العمل أُلزِم المستأجر بدفع الأجرة.
    الطالب: كيف يمكن وهو لم يتسلَّم العين التي وقع عليها الإجارة؟
    الشيخ: ما يخالف، تلفت، هي أمانة بيد الأجير، هي أمانة وتلفت بغير تفريط منه.
    الطالب: وإن كان لم يتسلمها؟
    الشيخ: إي نعم.
    (2/1927)
    ________________________________________
    طالب: شيخ -حفظك الله- لو استأجر عاملًا غير مسلم، لا يرى حرمة هذا الشيء كصناعة الخمر وغيره، لكنه يعلم أنه ممنوع نظام الدولة معينة ..
    الشيخ: والسؤال؟
    الطالب: السؤال: هل له أن يحرمه المال أو يُحرم المال الأجرة المتفق عليها؟
    الشيخ: أصلًا ما يجوز استئجاره.
    الطالب: هو استؤجر وانتهى العمل.
    الشيخ: هذا يرجع إلى نظر الإمام، يجب أن يؤجر الطرفان بما يراه.
    طالب: قلنا: إذا استأجر العين يملكها، ويملك منافعها.
    الشيخ: لا، ما هو بيملكها، يملك منافعها.
    الطالب: يملك منافعها، وإذا استأجر حر أمة، هل يجوز له الوطء؟
    الشيخ: هل يجوز استئجار الأمة للجماع؟ أجب.
    ما يجوز؛ لأن الله قال: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]، فلا يجوز أنه يملك هذا، لكن يملك منافعها؛ خدمة، تنظيف البيت، تنظيف الأواني، وما أشبه ذلك.
    طالب: استقر عندنا أن الإجارة منفعة تُسلَّم شيئًا فشيئًا، فإذا ذكرنا هنا قلنا: إذا اعتدى شخص على العين المؤجرة بعد ( ... ) ما وضح لي كيف قلنا إنه يعتبر ..
    الشيخ: يُعتبر استيفاء الظالم كاستيفاء المظلوم، تمام بمعنى أن صاحب العين غير مسؤول.
    الطالب: ما نقول: إن صاحب العين ما سلَّم بقية ..
    الشيخ: سلَّمها، هي الآن بيده بيد المستأجر، البيت الآن، المفتاح معه، والمؤجر متخلٍّ عنه إطلاقًا، والظلم وقع على المستأجر.
    الطالب: شيخ -بارك الله فيك- سؤال في الزكاة، كيفية تزكية الدَّيْن الذي يُوقع شيئًا فشيئًا مثل الأقساط يعني؟
    الشيخ: شوف الدَّيْن تبع مالك في مسألة الحول؛ لأنه من مالك غاية ما هنالك بدل ما تحطه في الصندوق جعلته في ذمة الرجل، فمثلًا إذا استوفيت القِسط قبل وجوب الزكاة في المال دخِّله في مالك، وإذا جاء وقت الوجوب زَكِّه، وإن استوفيته بعد أن أدَّيْت الزكاة في مالك فأدِّ زكاته في الحال؛ لأن زكاته قد وجبت.
    الطالب: شيخ، إذن على هذا يزكي إحدى عشرة مرة في الشهر.
    (2/1928)
    ________________________________________
    الشيخ: في الشهر؟ !
    الطالب: في السنة.
    الشيخ: ويش لون؟ !
    الطالب: لأن كل شهرين يعطيه مثلًا ألف ريال.
    الشيخ: أما قلنا: الألف هذه يدخله قبل وجوب الزكاة، مثلًا كان الأقساط، تحل من محرم، وصفر، وربيع وربيع، وجمادى وجمادى، رجب وشعبان ورمضان، وهو يزكي في رمضان، ما يزكيها، كل ما مضى ما يزكيه، بس يدخله في ماله، وإذا جاء رمضان يحصي ما عنده من المال الذي ليس دينًا، ومن الدَّيْن الذي كان يقبضه؛ فالزكاة واحدة، فهمت هذه ولَّا لا؟
    الطالب: ما فهمت زين.
    الشيخ: الآن أنت مثلًا بايع هذا البيت بأقساط، بعته في محرم، يحل القسط الأول في محرم، والثاني في صفر، والثالث في ربيع، والرابع إلى آخره، إلى رمضان، إذا جاء رمضان قلنا لك: هذه الأقساط دخلها في مالك في الصندوق مثلًا أو في البنك، فهمت؟
    الطالب: إي.
    الشيخ: طيب زَكِّها في رمضان مرة واحدة بس.
    الطالب: الباقي اللي في ذمتي أنا.
    الشيخ: الباقي اللي في ذمتك، إذا قبضته بعد أن تم الزكاة زكِّ في الحال؛ لأنه قد وجبت فيه الزكاة في العام الماضي، ثم دخِّله في مالك.
    الطالب: كما قلنا في زكاة الدَّيْن إن كان أنا موسر أزكيه كل ..
    الشيخ: لا، إحنا كلامنا على الموسِر، أما إذا كان على مُعسِر فما قبضته منه دخِّله في مالك، وما لم تقبضه فإذا قبضته زكِّه سنة واحدة، دا كلامنا في الموسر.
    الطالب: على هذا يا شيخ، يعود ( ... ) بعد رمضان في شوال، في ذي الحجة، في محرم ..
    الشيخ: لكن ما تزكي إلا اللي لم تُزكِّ، أنت الآن مرة واحدة، ما هي بإحدى عشرة مرة.
    الطالب: على هذا يزكي -مثلًا- كل مرة حتي يأتي رمضان الثاني.
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: أزكي كل ما أقبض حتى يأتي رمضان يزكي كل ماله.
    الشيخ: إي نعم، كيف؟ لأنك بتزكي، وتقبض الآن بعد رمضان، تزكي عن السنة الماضية، ما هو عن السنة المستقبلة، فإذا جاء رمضان وأنت مُدخِّله مالك تبغي تزكي عن السنة الحاضرة.
    (2/1929)
    ________________________________________
    الطالب: زكاة الحلي إذا كانت وقت زكاتها في ربيع الأول، ويؤخِّره في رمضان، هل له أن يؤخر؟
    الشيخ: لا، لا يجوز، لكن إذا كانت ترى أن تُزكِّي في رمضان فإنها تزكي في ربيع عند تمام الحوْل، فإذا جاء رمضان تزكي للسنة المقبلة تعجيلًا، وتمشي على هذا.
    طالب: رجل في إحدى ليالي رمضان قام من الليل فجامع أهله، وأثناء الجِماع سمع المؤذن يُقيم لصلاة الفجر، وهو لم يحتط لم ينظر في الساعة، أو لم يرها، ومع أنه سمع الآذان استكمل حتى انتهى؟
    الشيخ: سمع الآذان ولَّا الإقامة؟
    الطالب: الإقامة بعد سماع الإقامة استمر حتى انتهى.
    الشيخ: هذا حرام عليه؛ يعني الواجب أنه من يوم يسمع الإقامة أن ينزع.
    الطالب: طيب هو استمر؟
    الشيخ: عليه الكفَّارة، إذا كان عالِمًا، إذا كان يظن أنه ما يجوز واستمر فعليه الكفَّارة، القضاء لا بد منه إلا إذا كان بعد جاهلًا، إذا كان يحس أنه لا بأس.
    الطالب: إذا كان من غير أهل الحديث، ولكنه لا يعرف الحكم.
    الشيخ: المهم أنه ما يعرف جاهل، ما عليه شيء.
    الطالب: يجب عليه القضاء والكفارة أو لا؟
    الشيخ: ما عليه شيء أبدًا، كل إنسان جاهل -ذكرنا لكم هذا- جميع المحظورات إذا فعلها الإنسان جاهلًا فليس عليه شيء.
    الطالب: عليه القضاء فقط؟
    الشيخ: ولا عليه القضاء.
    الطالب: استمر حتى ..
    الشيخ: إي، لكن ما دري حسبه ما يخالف، بحسبه ما دام تورط ووقع في الورطة أنه لا بأس يكمل.
    الطالب: هذا هو اللي.
    الشيخ: هذا اللي حصل ما عليه.
    الطالب: ما عليه شيء؟
    الشيخ: أبدًا، عليه أنه يُخبَر بالحكم، ولا يعود.
    طالب: إذا استأجر رجلًا ليحجز له مكانًا في الحرم في ليالي رمضان، حكم الإجارة هذه؟
    الشيخ: الإجارة -على القول الراجح- حرام، ما تجوز، أما على قول من يقول بالجواز بجواز التحجُّر، فهي إجارة على عمل مباح، فتكون حلالًا، لكن القول الراجح أنه ما يجوز.
    الطالب: تقصد في الحرم؟
    الشيخ: لا، ما هو في الحرم، خارج الحرم.
    الطالب: في الحرم؟
    (2/1930)
    ________________________________________
    الشيخ: في نفس الحرم.
    الطالب: ( ... ) الصف الأول ( ... )؟
    الشيخ: إي، ما يخالف، لكن هل الاتفاق بينه وبين الرجل هذا خارج الحرم ولَّا في الحرم؟
    الطالب: في المسجد الحرام، يقول له مثلًا: أنت المسؤول عن ليالي رمضان، تحجز لي مكانًا في هذا يحدد له مكانًا.
    الشيخ: ولكن ما قال بكذا وكذا؟
    الطالب: إذا جاء في العيد يعطيه مئتي ريال.
    الشيخ: هذه ما هي بإجارة، هذه مكافأة على عمل مُباح على القول بالإباحة، أما على القول بالتحريم فهو حرام على الطرفين، ولا يحل للذي يتحجر أن يأخذ هذه المكافأة؛ لأنها عوض عن فعل مُحرَّم.
    طالب: ولو يعلم المستأجر والمؤجر كلاهما بأن هذه الإجارة فاسدة، إجارة الغلام، وأُجرة المثل زائد على ما وقع على إطلاقه، لماذا يلزم به فقط المؤجر بهذه الزيادة المستأجر، ولم يلزم المؤجر؛ لأن كليهما يتعدى على هذا الغلام؟
    الشيخ: لا، يلزم المستأجر؛ لأنه استوفى المنفعة، المؤجر ما استوفى شيئًا، أفهمت؟ الآن من الذي استوفى المنفعة؟ المستأجر يُلزم بمئتين.
    الطالب: لو كان هذا عالِمًا.
    الشيخ: إي، إذا كان عالِمًا، لكن يؤدب كلا الطرفين، لكن الذي استوفى المنفعة هو الذي يُلزم بأجرة المثل فتُعطى الولاء.
    الطالب: ولو لم يعلم هذا المستأجر؟
    الشيخ: لو لم يعلم قلنا: لا يلزمه إلا أجرة الْمِثل، ويؤخذ الزيادة من المؤجر.
    طالب: أحسن الله إليك، قول المؤلف: (وتجب الأجرة بالعقد)، هذا إذا تفرقا، وإن لم يتفرقا؟
    الشيخ: إي نعم، لكنها لا تلزم عقد الإجارة إلا بالتفرق، فإذا تفرقا من غير فسخ تبين أن الأُجرة ثبتت من العقد.
    طالب: صرف الزكاة يا شيخ، هل يمكن صرفه للجمعية الخيرية وبعض المؤسسات؟
    الشيخ: صرف الزكاة للجمعية الخيرية إذا كانت تقبل الزكوات، ولها بند خاص وهم ثقات فلا بأس.
    طالب: ( ... ) الأيتام ( ... ).
    الشيخ: لا، اليتيم ليس من أهل الزكاة إلا إذا كان فقيرًا فهو يُعطَى لا ليتمه ولكن لفقره.
    (2/1931)
    ________________________________________
    طالب: قلنا في زكاة الحلي إنه يُقدَّر بالوزن عند تقديم النصاب، وعند الإخراج يُقدَّر بالقيمة، ولكن كيف يُقدَّر بالقيمة الآن؟
    الشيخ: يعني مثلًا إذا قدَّرنا أن الجرام من الذهب بدون أن يكون حليًّا بمئة، وإذا كان حليًّا بمئتين، يُقدَّر بمئتين.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: إي، لكن ينقص، يشتري بالوزن ناقصًا.
    الطالب: يحاسبني على الوزن فقط؟
    الشيخ: إي، يحاسبك على الوزن لكن ناقصًا، ما يمكن يحاسبك على الوزن مثل الجديد، مثلًا الجرام من المستعمل بمئة ومن غير المستعمل بمئة وخمسين.
    الطالب: يكون قيمته أقل من الوزن.
    الشيخ: ما يخالف بالقيمة، لكن غالبًا ما تكون بالنصاب ما تكون أقل في الغالب.
    طالب: أجر رجل أجيرًا مقابل منفعة محرمة، فلما استوفى هذه المنفعة قال: إن هذا العمل محرم، ولن نعطيك أجرك؛ لأنه محرم.
    الشيخ: ما ذكرنا هذه الآن؟ ! إذا استأجر أجيرًا على أمر مُحرَّم، قلنا: إنه تُؤخذ منه الأجرة، ثم إن كان العامل يَعلم بالتحريم جُعِلت في بيت المال، وإن كان لا يعلم أُعطي إياها؛ لأنه دخل على أنه عقد صحيح.
    طالب: شيخ -بارك الله فيك- رجل ( ... ) في رمضان، أفطر لهوى دون عذر، فتاب قبل رمضان بأيام، وعليه أيام كثيرة يقضيها، فلم يتسع له الوقت، فماذا عليه؟ ( ... )
    ***

    [باب السبق]
    طالب: قال رحمه الله تعالى:
    باب السَّبْق

    يصح على الأقدام وسائر الحيوانات والسفن والمزاريق، ولا تصح بعِوض إلا في إبل وخيل وسهام. ولا بد من تعيين المركوبين واتحادهما والرماة والمسافة بقدر معتاد، وهي جعالة لكل واحد فسخها، وتصح المناضلة على معينين يحسنون الرمي.
    (2/1932)
    ________________________________________
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب السبْق) بسكون الباء، وأما (السبَق) فهو العِوض، فالسبْق معناه فوت لا يدرك؛ يعني بمعنى أن يفوتك الإنسان على وجه لا تدركه، فالسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار لا يمكن لمن بعدهم أن يلحقهم في هذا الوصف، ومن سابقك جريًا على الأقدام حتى وصل المنتهى قبل أن تصله فهو سبَقك على وجه لا تدركه، فهو فوت لا يُدرك، سواء كان معنويًّا أو كان حسيًّا، وسواء كان في الزمان أو كان في المكان، فالصحابة سبقونا بالزمان، هذا سبْق حسي، وكذلك سبقونا سبقًا معنويًّا بالعلم والإيمان والجهاد والعمل الصالح.
    والسبْق ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    قسم لا يجوز لا بِعوض ولا غيره، وقسم يجوز بِعوض وغيره، وقسم يجوز بلا عِوض، ولا يجوز بعِوض.
    والأصل فيه المنع؛ أي منْع العِوض؛ لأنه من باب الميسر، فإن الإنسان إما أن يكون غانِمًا، وإما أن يكون غارمًا، فإذا جعلنا مئة ريال لمن سبق، وتسابق اثنان في الجري على الأقدام، فأحدهما إما غانم وإما غارم، إما أن يأخذ المئة من صاحبه فيغنم، أو تؤخذ منه المئة فيغرم، فهو في الحقيقة ميسر، ولذلك الأصل هو منْع العِوض في المسابقة، هذا الأصل، ولا يجوز إلا لسبب سيأتينا إن شاء الله فيما بعد.
    الأشياء التي فيها السباق تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
    الأول: ما يجوز بعِوض وغيره.
    والثاني: عكسه، لا يجوز لا بعِوض ولا غيره.
    والثالث: التفصيل؛ يجوز بلا عِوض، ولا يجوز بعِوض.
    قال المؤلف: (يصح على الأقدام وسائر الحيوانات والسفن والمزاريق) (على الأقدام) مثل أن يتسابق رجلان أيهما أسرع وصولًا إلى الغرض الذي عيَّنه، وهو جائز بين الرجلين، وبين المرأتين، وبين الرجل وزوجته، كما سابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها (3). هذا على الأقدام.
    (2/1933)
    ________________________________________
    وظاهر كلام المؤلف وغيره أنه لا فرْق بين أن يتسابقا اتجاهًا أو استدبارًا، استقبالًا أو استدبارًا، يعني مثلًا يتسابقا على الاستقبال أو على الاستدبار؛ لأن المسابقة على الاستدبار تقع أيضًا بين كثير من الناس أيهما أشد عزيمة أن يرجع على ورا بسرعة تفوق صاحبه، فهذا جائز. وهل يجوز على اليمين والشمال؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: نعم، يجوز، ويقع هذا أيضًا من بعض الناس يتسابقون أيهم أسبق ذهابًا يمينًا أو ذهابًا شمالًا، ويصح في سائر الحيوانات كالبغل والحمار وغيرهما مما يؤكل، والبقرة أيضًا تصح المسابقة عليها؛ لأن القول الراجح جواز رُكوب ما لا يُرْكب عادةً؛ لعموم قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29].
    (وسائر الحيوانات) ولكن هل يجوز المسابقة بالحيوان نفسه؟ بمعنى أن يطلق الرجلان كلبيهما ويتسابقا على ذلك؟
    الظاهر أنه لا يجوز؛ لأنه لا فعل من المتسابِقَيْن في هذه الحال، وقد يقال بالجواز؛ لأن فعل الكلاب ونحوها بأمر صاحبها كفعل صاحبها، ولهذا جاز صيدها إذا أرسلها صاحبها، ويُشترط في المسابقة على الحيوانات نفسها ألا يكون في ذلك أذيَّة لها، فإن كان في ذلك أذية كما يفعله بعض الناس في المسابقة، في نقر الديوك بعضها ببعض، فإن بعض الناس -والعياذ بالله- يُربِّي ديكه على أن يكون قويًّا في المناقرة، فهذا حرام لا يجوز، ومثل ذلك نِطاح الكِباش، ومثل ذلك صراع الثيران، كل ما فيه أذيَّة للحيوان فإن المسابقة فيه مُحرَّمة لما فيه من إيذاء الحيوان.
    (السفن) وهي الفُلك التي تجري في الماء، تصح المسابقة عليها؛ لأن الناس يختلفون فيها اختلافًا كثيرًا،
    و(المزاريق) الظاهر أنها مراكب البحر التي دون السفن، ولعل إخواننا الذين يعيشون حول البحار يعرفونها، يسمونها أيش؟ زوارق صغيرة.
    (2/1934)
    ________________________________________
    (السفن والمزاريق) لكن المؤلف يقول: (ولا يصح بعوض إلا) هذه تصح بدون عِوض، فإن كان فيها عِوض فإنها حرام، سواء كان هذا العوض نقدًا أو عروضًا أو منفعة فإنه لا يجوز، وقد كان من عادة الصبيان أنهم يتسابقون على الأقدام، فإذا سبق أحدهما الآخر قال له: احملني على ظهرِك من منتهى المسابقة إلى ابتدائها، فهل هذا جائز؟
    طالب: لا.
    طالب آخر: بعِوض.
    الشيخ: بعوض، ما هو العوض؟
    طالب: المنفعة، حمله.
    الشيخ: المنفعة، حمله إياه من هذا المكان إلى هذا المكان منفعة فلا تجوز، وقد يُقال: إنه يُرخَّص للصغار الذين لم يبلغوا في ذلك، وإن لم يُرخَّص للكبار؛ لأن الصغار يُرخَّص لهم من اللعب ما لا يُرخَّص للكبار.
    قال: (ولا يصح بِعوض) يعني بعِوض مالي سواء كان عينًا، أو نقدًا، أو منفعة إلا في إبل وخيل وسهام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ» (4). الإبل بأن يتسابق اثنان على بعيريهما، والخيل بأن يتسابق اثنان على فرسيهما. والسهام بأن يتسابق اثنان في سهاميهما أيهما يصيب.
    وظاهر كلام المؤلف في الإبل والخيل؛ أنه لا فرق بين أن تكون المسابقة في الجري أو في حمل الأثقال،
    وهذا بالنسبة للإبل واضح؛ لأن الإبل يُنتفع بها في الجري، ويُنتفع بها في حمْل الأثقال، لكن في الخيل، في النفس من هذا شيء؛ لأن الخيل إنما يُنتفع بها في الجري المسابقة جريًا.
    إذن الدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا سَبَقَ» أي: لا وضْع عِوض في المسابقة (إلا في إبل وخيل وسهام) وهذا النص صريح.
    فإن قال قائل: هذا جارٍ على خلاف القياس؛ لأنه مُيسَّر؛ إذ إن أحدهما غانم أو غارم؟
    (2/1935)
    ________________________________________
    فالجواب من أحد وجهين؛ الأول: أن من العلماء من أخرج هذه المسألة عن القمار بأن قال: لا بد من ثالث مُحلِّل، أن يكون معهما ثالث ليس غانمًا ولا غارمًا، يكون مُحلِّلًا، فإن غلب أخذ عوضيهما، وإن غلباه لم يُؤخذْ منه شيء، وهذا يُخرِج المسألة عن صورة القمار والميسر، لكن هذا الجواب ضعيف جدًّا.
    والتحيل على محارم الله مُحرَّم إذا قلنا: إن هذا ميسِر، وإنه حرام فإنه لا يمكن أن يحل بالتحيُّل عليه، والصواب أنه لا يُشترط أن يجعل محلل، وأن هذه المسألة مُستثناة لأن فيها مصلحة تربو على مفسدتها، والمصلحة هي التمرُّن على آلات القتال، وهذه مصلحة كبيرة عظيمة تنغمر فيها المفسدة التي تحصل بالميسر ( ... ).
    طالب: هل السباق الذي يجوز بلا عِوض، لو أن ثالثًا تبرع ( ... )؟
    الشيخ: يقول: في المسابقة التي لا تجوز بعِوض لو أن رجلًا خارجًا عن المسابقة جعل مكافأة وجائزة للسابق منهما، فهل هذا جائز؟
    والجواب: نعم، بشرط أن يكون الذي وضع فيه الجائزة نافعًا، أما إذا كان لهوًا ولعبًا ففي النفس من جواز ذلك شيء؛ لأن ذلك إضاعة مال، لا فائدة منه، لكن إذا كان مفيدًا كما لو كان في المصارعة أو المسابقة على الأقدام، أو في حمْل الأثقال، أو في سرعة الحركة، أو في الكاراتيه هذه لا بأس بها؛ لأن هذه فيها مصلحة، لكن على شيء لغو لا فائدة منه في النفس من هذا شيء.
    طالب: المسابقة على الأقدام، المصلحة التي في المسابقة ( ... ).
    الشيخ: ليتها من غيرك هذه، النبي عليه الصلاة والسلام سابق على الأقدام وعرفها، وعرف مصلحتها وفائدتها، ومع ذلك قال: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ» (4). نعم، ربما لو فرضنا أن هناك سبقًا على الأقدام مما يُستعمل في الجهاد، وهو حِرْفة معروفة، فقد يُقال: إن هذا جائز، أما سبق عادي فلا يجوز.
    الطالب: هل هو حصْر ( ... )؟
    الشيخ: إي، ما فيه شك، حصر هذا من أبلغ الحصر؛ لأنه نفي وإثبات.
    (2/1936)
    ________________________________________
    طالب: قاعدة أنه يجوز للصغار ما لا يجوز للكبار، هل هي قاعدة مطردة، وإن لم يكن كذلك فما الضابط فيها؟
    الشيخ: أنواع اللعب واللهو هذا، أما الشيء الْمُحرَّم كشرب الدخان مثلًا ما يجوز، لكن اللهو، الصبيان الآن يلهون ويلعبون، ويحصل لهم ميسر بما يسمونه لعب ..
    طالب: البراجوز.
    الشيخ: إي نعم، براجوز هذه الدوائر.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: ( ... )، هذه يكسبون بها، ولما كنا صغارًا نكسب بكعب الغنم.
    طالب: هل هي جائزة مُطلقًا في اللعب؟
    الشيخ: جائزة هذه الصور ما فيها إشكال.
    طالب: شيخ -بارك الله فيكم- من أقسام السبق ما لا يجوز لا بِعوض ولا بغيره، فهل لنا بعض الأمثلة لهذا النوع؟
    الشيخ: ما وصلنا لها، إحنا الآن في الأول.
    طالب: أحسن الله إليكم، صدقة العلم.
    الشيخ: تأتينا إن شاء الله.
    طالب: جزاك الله خيرًا، البعض يستأجر آلة اللعب، أو المكان الذي فيه اللعب، والذي يُغلَب هو الذي يدفع هذه الأجرة، في الآخر من يأخذ، إنما يأخذها صاحب المكان؟
    الشيخ: هذا نوع من الغرم، الظاهر أنه لا يجوز، ويجب أن تكون الأجرة بينهما؛ لأن كُلًّا منهما انتفع بهذا المكان.
    طالب: شيخ، جزاكم الله خيرًا، هل ممكن نقول: النساء جائز أن يتسابقن بالأقدام؟
    الشيخ: التسابق على الأقدام؟
    الطالب: إي.
    الشيخ: إي نعم، جائز، ما فيه مشكلة.
    الأصل أن ما جاز للرجال جاز للنساء إلا إذا كان هناك مانع، فإذا كن نساء وحدهن، وأردن أن يتسابقن فلا بأس ( ... ).

    ***
    طالب: وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف رحمه الله تعالى:
    باب السَّبْق

    يصح السبق على الأقدام وسائر الحيوانات والسفن والمزاريق، ولا يصح بعِوض إلا في إبل، وخيل، وسهام. ولا بد من تعيين المركُوبين واتحادهما، والرماة، والمسافة بقدْر مُعتاد، وهي جعالة لكل واحد فسخها، وتصح المناضلة على معينين يُحسنون الرمي.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق أن السبْق بسكون الباء هو أيش؟
    طلبة: ( ... ).
    (2/1937)
    ________________________________________
    الشيخ: يعني ( ... ) لا يُدرك، بمعنى أن يتقدم الإنسان غيره في شيء لا ( ... )، وأما السبَق بالفتح فهو العِوض المجعول في المسابقة.
    وسبق لنا أن الأشياء تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم منها يجوز بعِوض وبدونه، وقسم لا يجوز بعِوض ولا بدونه، وقسم يجوز بلا عوض ولا يجوز بعوض.
    الذي يجوز بعِوض ثلاثة أشياء، وهي: الإبل، والخيل، والسهام؛ دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ» (4). ويُقاس عليها ما يشبهها من آلات الحرب الحاضرة، فالدبابات ونحوها تشبه الإبل، والصواريخ وشبهها تشبه السهام، والطائرات وشبهها تشبه الخيل، فهذه تجوز بعِوض.
    وأما ما لا يجوز بعِوض ولا غيره فهو السبق في الأمور المحرمة، المسابقة في الأمور المحرمة؛ كالمسابقة في العدوان على الناس، وقطع الطريق، وما أشبه ذلك، أو المسابقة في لعب الشطرنج والنرد وغير ذلك مما يلهي كثيرًا عن المهمات في الدِّين أو الدنيا، ولا فائدة فيه، وهذا هو الضابط فيه، فالذي لا يجوز ( ... ) العوض، إما أن يكون محرمًا لذاته كالمسابقة على العدوان على الناس، وقطع الطريق، ونهب الأموال، وإخافة الآمنين، وما أشبه ذلك، هذا حرام سواء كان بعِوض أو بغير عِوض.
    وإما أن يكون مما يُلهي كثيرًا، ويتعلق به القلب كثيرًا، ولا خير فيه ولا منفعة كالنرد، والشِّطْرنج، وما أشبهها من هذه الألعاب التي كثرت أنواعها في الوقت الحاضر.
    القسم الثالث: ما يجوز بلا عِوض، ولا يجوز بعِوض، وهو ما لا مضرة فيه شرعية، وليس فيه منفعة تربو على جواز المراهنة فيه؛ يعني بأن تكون منفعته قليلة، فهذا لا يجوز بعِوض، ويصح بلا عِوض، مثل المسابقة على الأقدام، فإن ذلك جائز ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سابق عائشة على الأقدام (3).
    (سائر الحيوانات) مثل الفيلة والكلاب وما أشبهها، هذه تجوز، لكن اشترطنا في الدرس الماضي ألا يكون فيها أذية على الحيوان.
    (2/1938)
    ________________________________________
    السفن معروفة، وهنا ينبغي أن يُقال: السفن الحربية يجب أن تُلحق بالإبل فإنها إذا كانت حربية تدخل في آلة الحرب ومعدات الحرب.
    المزاريق قال في الشرح: إنها رمح قصير، يتسابقون في الطعن، وكذلك المسابقة بالسيوف إلا أن الإمام أحمد رحمه الله قال: لا يجعله سيفًا حادًّا، بل يكون سيفًا من خشب أو نحوه، وهذا ما يُسمى عند الناس الآن بالمعركة الوهمية؛ بمعنى أنهم يتشابكون فيما يُسمى بالسلاح الأبيض، لكن لا يجعل الإنسان خنجرًا حادًّا أو سيفًا حادًّا؛ لأنه ربما أهوى به الشيطان إلى صاحبه فقتَلَه، لكن يجعله من جنس العصا أو الخشب أو ما أشبه ذلك. وهل من ذلك ما يُسمى بالملاكمة؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: ليش؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: أولًا: لأنها أظنها تُضرب مع الوجه خاصة، وهذا منهي عنه.
    والثاني: أنها خطرة؛ لأنه لو أُصيب الإنسان الملاكم بمقتل لكان هلك، لكن إذا كان الإنسان يريد أن يتمرَّن تمرينًا فقط، ولكنه لا يضرب الوجه، من أجل أن يستعين بذلك على قِتال العدو، مثل الكاراتيه، هذه يقولون: إنها مفيدة للإنسان جدًّا، في مهاجمة العدو، وفي الهرب منه، فيكون هذا المسابقة فيها جائزة، بل لو قيل: لو أن الناس انقلبوا إلى حرب بهذه الطريقة دخلت في الأشياء التي تجوز بعِوض.
    اختلف العلماء رحمهم الله في المسابقة على الأقدام، هل تجوز بعِوض أو لا؟ وقلنا: إن المذهب أنها لا تجوز بعِوض.
    (2/1939)
    ________________________________________
    ومنهم من قال: إنها تجوز بعِوض؛ لأن السَّبْق على الأقدام يُنتفع به في الحرب، في الكر والفر، فهو مفيد، لكن هذا الاحتمال يرد عليه أننا لو أجزنا العِوض في هذه الأشياء لكانت سببًا للتجارة؛ بمعنى أن الناس يتجرون بها؛ لأنها سهلة المؤونة، ولا تحتاج إلى اقتناء فرس أو إصلاح رُمح أو ما أشبه ذلك، فتُتخذ تجارة، وينشغل الناس بها عن أمور أهم منها، فهذه المصلحة التي قد يتوقعها الإنسان مع العدو مُعارَضة بالمفسدة، وهي أن ينكب الناس عليها، ثم يتخذونها تجارة، وهذا المانع مانع قوي.
    فإن قال قائل: وأيضًا السبق على الخيل الآن يتخذونه تجارة، أليس كذلك؟ فهو الآن يتخذ تجارة ومنفعته في الحرب في الوقت الحاضر قليلة، فيلزم على اطراد القاعدة أن تمنعوا من ذلك؛ أي من المسابقة على الخيل بالعِوض؛ لأن الناس اتخذوها تجارة.
    فنقول: هذا ينبني على قاعدة ذكرها العلماء رحمهم الله وهي: إذا نص الشرع على شيء ذي فائدة في وقت الشرع؛ يعني في وقت الرسالة، ثم عُدِمت منفعته التي تكون في وقت الرسالة، فهل نتبع المعنى أو نتبع اللفظ؟
    العلماء يختلفون في هذا، ومن ذلك الشعير في زكاة الفطر، الأقط في زكاة الفطر منصوص عليهما، أليس كذلك؟ وهما في ذلك الوقت قوت للناس سواء كانوا في البادية أو في الحاضرة، في الوقت الحاضر ليست قوتًا، فهل نتبع اللفظ ونقول: هذا شيء عيَّنه الشرع فهو مُجزِئ سواء كان قوتًا للناس أو لا؟
    أو نقول: إذا أصبح واحد من هذه الأربعة غير قوت فإنه لا يُجزئ؟ فيه احتمال واحتمال، لكن الاحتمال الأخير بالنسبة للفطرة أصح؛ لأنه ثبت في البخاري من حديث أبي سعيد: كنا نُخرجها صاعًا من طعام، وكان طعامنا يومئذٍ التمر، والشعير، والزبيب، والأقط (5). فهذا صريح أن العلة هو الطعام، وكما قال عبد الله بن عباس: فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعْمة للمساكين (6).
    (2/1940)
    ________________________________________
    لكن الآن نحن في مسألة الخيل، الخيل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لا شك أنها آلة عظيمة فعَّالة في الحرب، هي في الوقْت الحاضر ليست كذلك، هي في الوقت الحاضر تجارة يحصل السبق بها تجارة، فهل نقول: لما فُقِدت العِلَّة التي من أجلها جاز السَّبَق يجب أن يفقد الحكم، أو نقول: نأخذ بظاهر اللفظ، ولا علينا من العِلَّة تخلفت أو وُجِدت؟ فيه احتمال.
    ذكر المؤلف عن شروط المسابقة .. سبق لنا البارحة أن ذكرنا أن بعض العلماء قال: إنه لا يجوز السبَق في هذه الثلاثة إلا بمحلل، وبينا أن هذا القول ضعيف جدًّا.
    أولًا: لضعف الحديث الوارد فيه، فالحديث ليس بحجة.
    ثانيًا: أن هذا حِيلة؛ لأنه إن جاز أخْذ العِوض بلا مُحلِّل فلا حاجة للمُحلِّل، وإن كان حرامًا صار إدخال المحلِّل من أجل استحلال الحرام، والحيل ممنوعة شرعًا.
    ثالثًا: وأيضًا المحلِّل الآن سيُشاركهم في المسابقة، ومع ذلك هو غانم على كل حال أو سالم، فيكون شاركهما في الفعل وخالَفهما في الحُكم والنتيجة، وهذا ليس من العدْل، والمسابقة مبناها على العدل، أتدرون أن المحلل إذا سبق أخذ العوضين من الاثنين، وإن سُبِق لم يأخذ شيئًا، ولم يُؤخذ منه شيء، هذا خلاف العدْل، فكيف يكون مشاركًا لهما في العمل، ثم يخالفهما في النتيجة والثمرة؟ ! الصواب أن المحلِّل ليس بشرط.
    فإذا قال قائل: إن هذا من باب الميسر؛ لأن أحدهما إما غانم وإما غارم؟
    قلنا: نعم، هو من باب الميسر، لكن مفسدة الميسر فيه مُنغمِرة في جانب المصلحة، والشرع كله حول المصالح؛ يعني كل الشريعة مصالح؛ إما غالبة، وإما متمحِّضة.
    قال: (ولا بد من تعيين المركوبين) يعني اللذين يقع عليهما السبْق، فتقول مثلًا: أسابقك على هذا الجمل، والثاني يقول: أسابقك على هذا الجمل، أو يقول: أسابقك على هذا الفرس، والثاني يقول: أسابقك على هذا الفرس، فلو قال: أسابقك على فرس بدون تعيين؛ لم تصح، لا بد من تعيين الفرسين أو الجملين مثلًا.
    (2/1941)
    ________________________________________
    وظاهر كلام المؤلف أنه لا يُشترط تعيين الراكبين؛ لأنه قال: (المركوبين)، فظاهره أن تعيين الراكبين ليس بشرط، والصحيح أنه شرْط ولا بد منه؛ لأنه ليس المقصود أن يكون هذا الجمل أو هذا الفرس سابقًا، بل السبق في الحقيقة يكون من جودة الفرس أو الجمل، ومن حذق الراكب، يعني ربما يكون فرس جيد جدًّا جدًّا يركبه إنسان ليس حاذقًا يمشي ولَّا ما يمشي؟ ما يمشي، يهك عليه، نفس الفرس يجي يتلفت وذاك راكب عليه بيمشي وهو واقف، وهذا شيء مُشاهَد، يعني الآن لما كان الناس يستعملون الحمير كآلة ركوب وآلة نقل، تجد أحد الركاب إذا ركب على الحمار بمجرد ما يحرك نفسه يطمر الحمار، ويمشي زين، وبعض الناس يركب ويزجره، ويضربه، وينغزه، ولا يتحرك.
    المهم أن كون تعيين الراكب ليس بشرط قول ضعيف؛ لا بد من تعيين المركوبين، ولا بد من تعيين الراكبين؛ وذلك لأن جري المركوبين بحسب حذق الراكبين، فلا بد من هذا، ولا بد أيضًا من اتحادهما؛ بمعنى أنه لا بد أن يكون السبق في الخيل على فرسين من نوع واحد كعربي وعربي، وبرذون وبرذون، هجين وهجين.
    طيب لو قال: أُسابق على فرس وبغل؟
    طلبة: ما يجوز.
    الشيخ: لا يجوز، لأنه لا بد من اتحادهما أن يكونان من نوع واحد.
    وظاهر كلام المؤلف أنه لا يُشترط اتفاقهما في الذكورة والأنوثة، فيجوز أن يكون السبق على جمل وناقة، أو على فرس وحصان، وهذا هو الظاهر، الظاهر أنه لا يُشترط، ولا سيما أيضًا بالنسبة للناقة، الناقة جمل، وناقة لا بأس، وإن كان يختلف بعضهما عن بعض في مسألة التحمُّل والصبر والقوة.
    ولا بد أيضًا (من تعيين الرماة) فيقال مثلًا: فلان بن فلان يُسابق فلان ابن فلان، فلو قال مثلًا: المسابقة على رجل من بني تميم ورجل آخر من بني غطفان مثلًا، يصح؟
    طلبة: لا يصح.
    (2/1942)
    ________________________________________
    الشيخ: ليش؟ لعدم التعيين؛ لا بد من تعيين الرماة، ولا بد أيضًا من تعيين السهم؛ بمعنى أن يكون المرمي به (الآلة) من نوع واحد، وأنتم تعرفون الآن الفرْق بين أنواع الأسلحة، فلا بد أن يكون السلاح نوعًا واحدًا.
    وهل يُشترط أن يكون أيضًا موديلًا واحدًا؟ يُنظر، إذا اختلفت المواديل فلا بد من أن يكون الموديل واحدًا، أما إذا لم تختلف؛ لأن أحيانًا ما تختلف من حيث القوة والأداء، لكن تختلف من حيث الشكل فقط، فلا بد من اتحاد ما يُرمى به بشرط أن يكون عدم الاتحاد يؤدي إلى الاختلاف.
    ولا بد أيضًا من تحديد المسافة مسافة أيش؟ مسافة الرمي، وكانوا في الأول يعتمدون في مسافة الرمي على قوة الرامي؛ لأنه نبل يرمي به الإنسان، فالإنسان الذي ليس بقوي ما يذهب سهمه بعيدًا، فلا بد من تعيين المسافة بقدْر معتاد، قالوا: وأكثره ثلاث مئة ذراع، كم تأتي؟ مئتا متر تقريبًا، بالنسبة للأسلحة الموجودة الآن لا شيء، لكن فيما سبق ما أحد يرمي ثلاث مئة ذراع. ( ... )
    طالب: السباق ( ... ) معتبر؟
    الشيخ: لا، ما هو معتبر لأن السابق تعرف إنه إذا صار ( ... ).
    طالب: شيخ، الآن يتسابقون بسيارات ودراجات النارية، فيهم اختلافات في النوعية والقوة، هم راضون بهذا ..
    الشيخ: لكن بدون عِوض؟
    الطالب: لا، بعِوض بجوائز.
    الشيخ: بجوائز مالية؟
    الطالب: اشتراكات يا شيخ.
    الشيخ: ( ... ) يعني المتسابقان لا يشتركان في إثم.
    الطالب: طيب ولو اشتركوا يبطل هذا؟
    الشيخ: لا، إذا كانت جائزة ( ... ).
    طالب: عفا الله عنك يا شيخ، لو اشتركوا في الجائزة، تبطل؟
    الشيخ: يعني مثلًا لو قال: منك ألف ريال، ومني ألف ريال ونتسابق، هذا ما يجوز.
    طالب: الضابط الذي يحكم، الذي يتعلق به القلب كثيرًا.
    الشيخ: ويلهي عن المصالح.
    الطالب: بعضهم يقيدها يقول: الصلاة ..
    الشيخ: الصلاة؟
    الطالب: فقط.
    الشيخ: لا.
    الطالب: ضابطها؟
    الشيخ: كما قلنا: هذا الضابط، الصلاة داخلة في المصالح.
    (2/1943)
    ________________________________________
    طالب: هل يجوز تعيين المركوب بالوصف؟
    الشيخ: لا، ما يصح، لكن بالنسبة للأسلحة الحديثة يمكن بالوصف؛ لأن تعرف أن الصناعة ما تختلف، لكن بالنسبة للدواب تختلف.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليك- ما حكم اللعب بالشطرنج والدومينا من غير فصل، المسابقة بالتلهي فقط؟
    الشيخ: هذا اللي قلنا؛ حرام، النرد والشطرنج كلها حرام، حتى ورق البلوت هذه حرام، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الذي اختاره شيخنا عبد الرحمن بن سعدي كان لا يشك في أنها حرام.
    الطالب: والدومينا مثلها؟
    الشيخ: الدومينا ويش لونها؟
    الطالب: هذا الحجر الْمُنقَّط، ثمانية وعشرون حجرًا.
    الشيخ: حجر؟
    الطالب: إي، ثمانية وعشرون حجرًا، كل حجر فيها اثنتا عشرة نقطة، وإحدى عشرة نقطة.
    الشيخ: ثم؟
    الطالب: ويُلصقونها، فالأرقام المتساوية تُلصق بجانب بعضها حتى إذا انتهت أوراقها حزمًا فاز، وتسمى دومينا.
    الشيخ: الظاهر أنها من جنسه، لكن اتفقنا من قبل يعني يُرخَّص للصغار ما لا يُرخَّص للكبار، الصغار كل حياتهم لهو، ما هم مطالبون بشيء، حتى الواجبات الدينية أسقطها الله عنهم، لكن الكبار عليهم مسؤولية، ولهذا كُلِّفوا وألزموا بالواجبات الشرعية.
    طالب: شيخ، فيه ألعاب للصغار تُباع مع كونها بالنرد إلا أن فيها تعويدًا الصغار على فوائد ربوية؛ يعني كأن شركة يقال: تستقرض مئة ألف، ثم تدفع له فئة مئة ألف وهكذا، ويُباع في الأسواق، حكمه؟
    الشيخ: هذه أشد، إذا كان هذه اللعبة تفتح أذهانهم للربا أو غيره من المحرمات ( ... ).
    طالب: الصلاة ( ... ) ملعون ( ... ) ( ... ).
    الشيخ: لأن فيه دعوة للإسلام كعقد أبي بكر رضي الله عنه الرهان على قريش حينما راهنهم على أن الروم ستنتصر على الفرس (7). هذا قالوا: إنه نوع من الجهاد؛ لأن فيه غيظ الأعداء، ويقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أسلموا كان رد عليه غنمه.
    طالب: ما يحصل ( ... ).
    (2/1944)
    ________________________________________
    الشيخ: لا، الحاصل الآن بأعيانها واضح، لكن لعل الرسول عليه الصلاة والسلام ضربها مثالًا، فكل ما يُستعان به على الجهاد في سبيل الله، أو على إعزاز الدين ورفعة الدين فإنه داخل في هذا؛ لأن المصالح تغمر المفاسد.
    طالب: المسابقة على الأقدام.
    الشيخ: لا، المسابقة ( ... ) فيها مانع، وإلا ألحقناها بهذه إذا كان فيها مصلحة، لكن المانع أنها تتخذ تجارة، وتلعب كثيرًا؛ لأن ما تتعب الواحد ( ... ) ما شاء الله سبق صاحبه يفرح بهذا ( ... )

    ***
    الطالب: قال رحمه الله تعالى في باب السَّبْق: ولا بد من تعيين المركوبين واتحادهما والرماة والمسافة بقدْر معتاد، وهي جعالة لكل واحد فسخُها، وتصح المناضلة على مُعيَّنين يُحسنون الرمي.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب السبق، وقد تقدم أن المسابقة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: ما لا يحل بعوض ولا غيره، وما يحل بعوض وغيره، وما يحل بغير عِوض ولا يحل بعوض، وسبق هذا مفصلًا.
    وسبق أنه إذا جازت المعاوضة فلا بد فيها من شروط؛ منها تعيين المركوبين، والصحيح أنه يشترط
    تعيين المرْكُوبَيْن والراكِبَيْن.
    ومنها اتحادهما بأن يكونا من جنس واحد كخيل من نوْع عربي، أو هجين، أو ما أشبه ذلك، فلا يصح بين فرس وحمار؛ وذلك لعدم اتحادهما، ولا بد من تعيين الرماة وهذا حق، لا بد من تعيين الرماة، فيقال: فلان وفلان، ولا بد أيضًا من تعيين المسافة بقدْر معتاد لئلا تخرج المسألة عن المسابقة، لو عيَّن أمدًا بعيدًا لا يمكن الوصول إليه عادة فإنه لا يصح؛ لأن هذا من المتعذِّر أو المتعسِّر.
    وهذه الشروط لجواز أخْذ العِوض في المسابقة، أما إذا لم يكن عوض فالأمر واسع، فلو قال شخص لآخر: إن عنده حمارًا جيدًا لا يسبقه الفرس، وقال الآخر: أنا عندي فرس أتحداك، فتسابقا أحدهما على حمار، والثاني على فرس، يجوز أو لا؟ بِلا عِوض يجوز، ما فيه مانع، لكن بعِوض لا بد من الشروط التي ذكرها المؤلف.
    (2/1945)
    ________________________________________
    قال: (وهي) أي المسابقة (جعالة لكل واحد فسخُها) يعني أنها ليست من العقود اللازمة، بل هي من العقود الجائزة فهي تُشبه الجعالة.
    والجعالة: أن يجعل الإنسان شيئًا معلومًا لمن يعمل له عملًا معلومًا، مثل أن يقول: من ردَّ ضالتي فله ألف ريال، هذه جعالة. السبْق من هذا الجنس.
    وقوله: (لكل واحد) أي: من المتسابِقين (فسخها)، ويُشترط لذلك ألَّا يظهر الفضل لأحدهما، فإن ظهر الفضل لأحدهما فإنه يمتنع على صاحبه أن يفسَخ؛ لئلا يُؤدي إلى التلاعب، فمثلًا إذا كانت الإصابة تسعة من عشرة، ثم إن صاحبه أخذ ثلاثة وهو أخذ خمسة، فلا يجوز لصاحب الثلاثة أن يفسخ، ويجوز لصاحب الخمسة أن يفسخ؛ لأنه ظهر له الفضل.
    فإن قال قائل: حتى صاحب الثلاثة ربما يكون مع تكرار المسابقة يقفز، وذاك يتأخر؛ لأن الإصابة مُقدَّرة بكم؟ بتسعة من عشرة؟ والآن ثلاثة من عشرة، وخمسة من عشرة، ربما في المستقبل يقفز صاحب الثلاثة حتى يغلب صاحب الخمسة، فيبقى صاحب الخمسة في مكانه، وذاك يتعلق.
    نقول: هذا احتمال وارد، لكن ليس لنا إلا الظاهر، والآن الظاهر الغلبة مع مَنْ في المثال اللي ذكرنا؟ مع صاحب الخمسة، فصاحب الخمسة تبين الآن أن الحق له فيما يظهر، فإن فسخ هو فلا بأس، وإن فسخ المغلوب فليس له ذلك إلا إذا رضي صاحبه.
    فقول المؤلف: (لكل واحد فسخها) هذا مُطلق يجب أن يُقيَّد، بماذا؟ ما لم يظهر الفضل لأحدهما، فإن ظهر الفضل لأحدهما فليس للمفضول أن يفسخ إلا برضا صاحبه.
    قال: (وتصح المناضَلة) يعني المسابقة في الرمي.
    (2/1946)
    ________________________________________
    (على مُعينين يُحسنون الرمي) يعني لا بد أن يكون الرماة معينين، وسبق في قوله: (وتعيين والرماة) لكن لا بد أن يكونوا يحسنون الرمي؛ لأن من لا يحسن الرمي لا فائدة من رميه، فلا بد أن يُحسنوا الرمي؛ وذلك لأن من لا يحسن الرمي لا فائدة من رميِه، والشارع إنما أجاز المسابقة بعِوض في الرمي؛ من أجل أن يجيد الإنسان الرمي، ويتمرَّن عليه، فإذا كان لا يعرف فإنه لا يصح أن يدخل في المسابقة.
    وقوله: (على مُعيَّنين)، هل هذا يدل على اشتراط أن يكونوا ثلاثة فأكثر؟
    الجواب: أما على المذهب فنعم؛ لأنه لا بد من اثنين وثالث مُحلِّل، وأما على القول الراجح فيصح أن تكون المناضلة بين اثنين، ثم لا بد من حكم بين الاثنين يكون عارفًا بالسبْق، وتقدير السبق بحيث لا يظلم أحد؛ لأن المتسابقين كالخصمين تمامًا، والخصمان لا بد لهما من حاكم يحكم بينهما.

    [باب العارية]
    ثم قال المؤلف رحمه الله: (باب العارِيَّة) ويقال: العارِيَة، سميت بذلك؛ لأنها عارية عن العِوض؛ ولهذا قال: (وهي إباحة نفْع عين تبقى بعد استيفائه) هذه العارية، فالعارية في الأصل بذل الشيء بلا عِوض، على غير وجه التمليك. وهنا يقول: (هي إباحة نفْع عين تبقى) أي العين (بعد استيفائه) أي: استيفاء النفع. إباحة ممن؟ من المعِير للمستعِير.
    وقوله: (نفع عين تبقى بعد استيفائه) أي: تبقى العين بعد استيفائه، فإن أعاره ما لا يبقى بعد استيفائه فليست عاريَّة ولكنها منحة، مثل أن يعيره تمرًا أو خبزًا أو ما أشبه ذلك.
    (2/1947)
    ________________________________________
    وتصور ذلك أن يكون جاره عنده ضيوف، فيقول: أنا عندي ضيوف يحتاجون إلى أن نُقدِّم لهم طعامًا متنوعًا، فيقول: نعم، أنا عندي طعام متنوع أُعيرك إياه، فيُقال: هذا إذا دلَّت القرينة على أنه لا يريد عوضًا فهو هبة وهدية، وإن دلت القرينة على أنه يريد العِوض فهو بيْع، كأنه يقول: ما أُكِل فهو عليك بكذا بقيمته، وما لم يُؤكل فهو يُرد إليه، وهذا يقع كثيرًا عند أهل المطاعم، يُقدِّمون أطعمة مُتنوِّعة يصفها صاحب البيت أمام الضيوف، فما أُكِل منها فهو بحسابه، وما لم يُؤكل فإنه يَرُدُّه عليه، وهذا -وإن كان فيه نوع من الغرر والجهالة- لكنه يُتسامح فيه عادة، المهم أنه لا بد أن تبقى العين بعد استيفاء المنفعة.
    مثال ذلك: الماعون -الإناء- هذا يمكن أن ينتفع به الإنسان مع بقائه، القلم؛ يمكن أن ينتفع به مع بقائه، ولا يضر إذا كان فيه شيء من الحبر؛ لأن هذا يعتبر تبعًا لا يُؤثِّر، وإلا من المعلوم أنه إذا أعطاه قلمًا مملوءًا بالحبر، فسوف يفنى هذا الحبر بالكتابة به، لكن هذا شيء لا يُؤبه له.
    السيارة تبقى بعد استيفائه، وما استُهلك من البنزين اللي فيها حين العارية فهو تبع، لا يُقال: إن هذا لا يُنتفع به إلا بعد استهلاكه.
    وقوله: (إباحة عين) لا بد أن يكون الْمُبيح جائز التبرع، أو جائز التصرف؟ جائز التبرع؛ بحيث إنه يملك أن يُهدي من ماله، وأن يهب من ماله، وأن يتصدق من ماله، فإن كان غير جائز التبرع لم تصِح منه العاريَّة، كولي اليتيم مثلًا فإنه لا يصح أن يُعير مال اليتيم؛ لأنه لا يصح أن يتبرع به، والإعارة تبرع بالنفع.
    نعم، لو فرض أن اليتيم مراهق قريبًا أن يبلغ، وهو يحب البذل والعطاء، واستأذنه في أن يُعير متاعه، ففرح بذلك وسُرَّ به، فهنا نقول: لا بأس أن يُعير متاع هذا اليتيم؛ لأن في هذا إدخال السرور على اليتيم.
    (2/1948)
    ________________________________________
    كما قال العلماء رحمهم الله: إنه يجوز أن يُضحي من مال اليتيم لليتيم؛ لأن اليتيم يفرح بالأضحية، فهنا أعار متاعه لمصلحته؛ لأن بعض الشباب المراهقين يحبون أن يحسنوا إلى الناس فتجدهم يتفانون في خدمة الناس، وفي نفعهم، وفي إعارتهم، يفرحون بهذا، فإذا كان هذا الولي لليتيم يرى أن من إدخال السرور على اليتيم أن يُعير شيئًا من ماله بإذنه فلا بأس.
    قال: (وتُباح إعارة كل ذي نفع مباح) (تُباح إعارة) لم يبين المؤلف رحمه الله حُكم العارية بالنسبة للمعير أو للمستعير، وإنما بَيَّنَ حُكم المعار، فنقول: العارية بالنسبة للمستعير جائزة، ولا تُعدُّ من السؤال المذموم لجريان العادة بها، فيجوز للإنسان أن يستعير من أخيه قلمًا، أو ساعة، أو سيارة، أو إناء، أو ما أشبه ذلك، هذا بالنسبة لمن؟ للمستعير.
    أما بالنسبة للمعير فإنها سُنَّة على الأصل، وقد تجب أحيانًا، فهي سنة لدخولها في عموم قول الله تبارك وتعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، وهي إحسان بلا شك فتدخل في عموم الآية، وقد تجب أحيانًا، كإعارة شخص رداء يدفع به ضرر البَرْد، فهذه واجبة، فلو طلب منك شخص في برْد شديد أن تُعطيه رداءً يلتحف به وجب عليك أن تقبل، ومن ذلك عند كثير من العلماء إعارة المصاحف؛ لأن المصحف يجب أن يُبذل لمن أراد أن يتعلم به.
    ومن ذلك أيضًا إعارة الكتب التي يحتاج إليها الناس فتجب إعارتها، لكن يُشترط في ذلك ضرورة المستعير، وعدم تضرُّر المعِير، فلو قال المعير فيمن طلب منه استعارة مصحف، لو قال: إني لو أعطيت هذا الرجل مصحفًا لأفسده، فإنه لا يجب عليه الإعارة، وكذلك لو قال: إن أعطيته الكتاب أفسده فلا تجب الإعارة؛ لأن فيها ضررًا على مَنْ؟ على المعير.
    (2/1949)
    ________________________________________
    ويوجد بعض الناس، الذين يجتهدون وهم مخطئون، إذا استعاروا كتابًا جعل يُعلِّق عليه، والكتاب ليس له، فتجده يملأ الكتاب تعليقًا بين الأسطر وعلى الهوامش وبالحواشي وبالأعالي حتى لا تكاد تقرأ أصل الكتاب، ثم من المؤسف أن تكون هذه الحواشي حواشي ما فيها خير، وربما تكون خطأ، وهذا حرام لا يجوز، لا يجوز للمستعير أن يكتب حرفًا واحدًا في الكتاب المعار أبدًا، حتى لو وجد خطأ ليس له الحق أن يُصحِّحه إلا إذا استأذن من صاحبه؛ وذلك لأنه ربما يظن العبارة خطأ وهي صواب، فلا يحل له أن يتصرف أي تصرُّف في الكتاب الذي استعاره.
    إذن العارية بالنسبة للمستعير جائزة، بالنسبة للمعير سُنَّة وقد تجب. طيب ما الذي يُباح إعارته؟
    قال: (تباح إعارة كل ذي نفع مباح) كل عيْن فيها نفع مباح فإن إعارتها مباحة، فشمل ما لا نفع فيه؛ كالديدان، والصراصر، والجعلان، والخنافس، وما أشبه ذلك، هذه لا تُباح إعارتها؛ لماذا؟ ما فيها نفع مقصود.
    ولا بد أن يكون النفع مباحًا، فإن كان فيها نفع محرم لم تجز إعارتها؛ كإعارة الطبول، والمعازف، وما أشبهها، فهذه إعارتها محرمة؛ لأن نفعها مُحرَّم، ومن ذلك إعارة مغنية لتغني غناء محرمًا؛ فإن إعارتها محرمة، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وإعارة ذي النفع الحرام لا شك أنها إعانة على هذا النفع المحرم.
    يقول: إلا البُضْع فلا تحل إعارته، كيف البُضع؟ يعني لو جاء شخص لآخر عنده أَمَة، وقال: أعرني بُضْع أَمَتك لمدة خمسة أيام، يجوز؟
    (2/1950)
    ________________________________________
    إلا البُضْعَ وَعَبدًا مسلِمًا لكافرٍ وصَيدًا ونحوَه لِمُحْرِمٍ , وأَمَةً شابَّةً لغيرِ امرأةٍ أو مَحْرَمٍ، ولا أُجرةَ لِمَن أَعارَ حائطًا حتى يَسْقُطَ، ولا يُرَدُّ إن سَقَطَ إلا بإذْنِه، وتُضْمَنُ العَاريَّةُ بقِيمتِها يومَ تلفت - ولو شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِها - وعليه مؤونة رَدِّها، لا الْمُؤَجَّرَةُ، ولا يُعِيرُها، فإن تَلِفَتْ عندَ الثاني اسْتَقَرَّتْ عليه قِيمَتُها، وعلى مُعِيرِها أُجْرَتُها، ويَضْمَنُ أيَّهُما شاءَ، وإن أَرْكَبَ مُنقَطِعًا للثوابِ لم يَضْمَنْ، وإذا قالَ: أُجرتُك. قالَ: بل أَعَرْتَنِي. أو بالعكْسِ عَقِبَ العَقْدِ قُبِلَ قولُ مُدَّعِي الإعارَةِ،
    كإعارة الطبول والمعازف وما أشبهها، فهذه إعارتها محرمة؛ لأن نفعها محرَّم.
    ومن ذلك إعارة مغنيِّة لتغني غناءً محرمًا فإن إعارتها محرمة؛ دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وإعارة ذي النفع الحرام لا شك أنها إعانة على هذا النفع المحرم.
    يقول: (إلا البُضع) فلا تحلُّ إعارته، كيف البضع؟ يعني: لو جاء شخصٌ لآخر عنده أَمَة وقال: أَعَرْني بُضع أمتك لمدة خمسة أيام، يجوز؟
    طلبة: ما يجوز.
    الشيخ: ليش؟ لأن هذا حرام؛ يعني: يعيره إياها؛ يزني بها! هذا محرَّم لا إشكال فيه، داخل في قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
    لأن البُضع لا يصح استحلالُه إلا للزوج أو السيد؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5 - 7].
    (وعبدًا مسلمًا لكافر) لا يجوز أن يعير عبدًا مسلمًا لكافر؛ لأن في ذلك إهانة للمسلم، وإهانة المسلم إهانةٌ لدينه، فلا يجوز أن نعير عبدًا مسلمًا لكافر.
    (2/1951)
    ________________________________________
    فظاهر كلام المؤلف: وإن لم يستخدمه استخدامًا مباشرًا؛ مثل أن يقول: أعرني عبدك أجعله في المكتب الفلاني من شركتي، فهنا الكافر ليس له استخدام مباشر لهذا المسلم.
    فهل نقول: إن هذا جائز؛ لأن العلة في منع إعارة المسلم للكافر هو أيش؟ هي خوفُ إذلاله، فإذا انتبه هذا بأن قال: والله المكتب الفلاني ما فيه أحد، أعرني مثلًا عبدك يبقى في المكتب حتى يأتي الغائب منه، أو أعرني مثلًا عبدك يبقى حارسًا على هذا المكتب.
    فظاهر كلام المؤلف أي: ظاهر عمومه: أنه لا تصح عاريته.
    والذي ينبغي أن يقال: أنها تصح عاريته؛ لأن العلة يتبعها الحكم فيثبت بثبوتها وينتفي بانتفائها، وعلى هذا فيستثنى على القول الذي ذكرنا، يستثنى ما إذا لم يكن يريد استخدامه استخدامًا مباشرًا.
    (وصيدًا ونحوه لمُحرِم) يعني: ولا يجوز أن يعير صيدًا لمحرم، كيف يعير صيدًا لمحرم؟ يعني: إنسان عنده غزال، والغزال حرام على المحرم، لا يجوز أن تبقى يد المحرم على ملكه إذا كان صيدًا، يعني: على الصيد، ولو كان ملكًا للمحرم لا يجوز أن يبقى تحت يده، فإذا أعار شخصًا ظباءً ليتجمل بها.
    مثل إنسان يبغي يمر من عنده شخص له أهميته؛ كأمير أو وزير أو ما أشبه ذلك فيقول: أعرني الظباء التي عندك أجعلها في حوشي من أجل أن ينظر إليها هذا الوزير أو هذا الأمير، فما الحكم؟
    طالب: لا يجوز.
    الشيخ: لا يجوز؟ العلة، لأنه داخل في قول الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
    لو أراد أن يعير شخصًا كلبًا عقورًا، يقول: والله، إن الناس يكثرون عليَّ عند مزرعتي، أعرني كلبك العقور من أجل أن يعقر كلَّ مَنْ مرَّ من حولها، يجوز أو لا يجوز؟
    طلبة: لا يجوز.
    الشيخ: ليش؟ لأن الكلب العقور لا يجوز إبقاء الملك عليه، يجب قتله حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لقتله في الحلِّ والحرم، كما في الحديث الصحيح: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ» (1) وذكر منهن الكلب العقور.
    (2/1952)
    ________________________________________
    الثالث قال: (وأَمَةً شابة لغير امرأة أو مَحْرَم) الأمة الشابة أيضًا لا تجوز إعارتها لرجل، إلا أن يكون مَحْرَمًا، فلو كان شخص عنده أمة شابة مملوكة ولها أخ، فقال أخوها: أعرني أختي؛ لأني سيأتيني ضيوف، وأحتاج إلى مساعدة الأهل بها، يجوز؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: ليش؟ لأنه مَحْرَم مأمون عليها.
    استعارتها امرأة، يعني: إنسان له جارة أتاها ضيوف، فطلبت منه أن يعيرها أمته، يجوز أو لا؟ يجوز. لأن المرأة على المرأة مأمونة، هذا الأصل، والنادر لا حكم له، لا في هذا ولا في المحرم، حتى المحرم أحيانًا يغويه الشيطان فيفعل الفاحشة في محارمه، لكن الكلام على الأصل الغالب.
    وقوله: (أَمَة شابة) فُهم منه أنه لو كانت غير شابة ولو جميلة فإنه يجوز أن تُعار لرجل ولو لم يكن مَحرمًا أليس كذلك؟
    المرأة غير الشابة تنقسم إلى أقسام:
    القسم الأول: أن تكون جميلة، يعني: امرأة لها خمسون سنة لكنها جميلة، إذا رأيتها ظننت أنها من ذوات العشرين، فهذه لا يجوز أن تعار لرجل مطلقًا؛ لأن الفتنة حاصلة بذلك.
    امرأة ليست شابة، لكنها وسط في جمالها هذه أيضًا لا تعار لرجل غير مَحْرم؛ لأن مفسدة إعارتها أكثر وأغلب من السلامة.
    القسم الثالث: امرأة غير شابة وهي قبيحة، فهل يجوز أن نعيرها لرجل غير محرم؟ ظاهر كلام المؤلف أنه يجوز، ولكن في إطلاقه نظرًا، فيقال: إعارتها لشاب أعزب ولو كانت عجوزًا شوهاء، أليس فيها خطر؟
    الطلبة: بلى.
    الشيخ: فيها خطر، وداخلة في عموم الحديث: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ» (2) وكما قيل: لكل ساقطة لاقط، يمكن هذا العجوز الشوهاء لا يختارها من تقدمت به السن لكنه شاب يبغي يبقى عندها ليلة ويوم أو ثلاثة أيام وأكثر ربما يدب به الشهوة ويحصل الضرر.
    ثم على فرض أن المسألة ما فيها شهوة، ويعير عجوزًا لشيخ كبير، فيه شيء آخر وهو الخلوة غالبًا، فيحرم.
    (2/1953)
    ________________________________________
    فالصواب في هذه المسألة أنه لا تجوز إعارة أمة لرجل غير مَحْرم مطلقًا، حتى ولو كانت عجوزًا لشيخ كبير.
    طالب: شيخ، بارك الله فيكم ما الفرق بين ( ... )؟
    الشيخ: لا، ليس هناك فرق بين.
    طالب: لو أعاره مباشرة إلى المستعير ( ... ) قال له مثلًا: لا تعطِ ( ... ) لم يحصل ضرر، له ذلك؟
    الشيخ: هذا السؤال بيأتي في كلام المؤلف بالضبط.
    طالب: شيخ، لو استعرت كتابًا من شخص أو وقع في يدي أو من المسجد مثلًا، وأعلم أن الشخص أو المسجد أو المكان لا يعلمون أنه كتاب بدعة، في هذا الكتاب بدعة شديدة، فيه خطأ بالكتاب فلازم التبيين عليهم، وقد لا يقال للشخص: إن جاء الكتاب عن طريق أخر وتحدث أمور من هذه، فأردت يعني: ضرورة التنبيه على هذا الأمر، فكتبت فيه أو عليه؟
    الشيخ: إي نعم، ما يخالف، استأذنْ من صاحبه.
    الطالب: ممكن يكون للمسجد مثلًا أو متروكًا للمسجد ..
    الشيخ: بلغ الرقابة، المسؤولين عن المسجد، أما أن تصرف، ما يمكن أبدًا.
    الطالب: مهما كان الخطأ في الكتاب؟
    الشيخ: مهما كان الخطأ، لكن هناك خطأ لا يمكن إقراره، بلغ الجهة المسؤولة إذا كان له جهة أو الشخص المعين.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، الآن بعد تغير الأعراف، صارت العارية كثير من الأحيان مكروهة عند المعيرين، يستثقلونها، فما العمل بالنسبة للذين يستعيرون؟
    الشيخ: العمل ألا يستعيرون، ويكون الذم على أولئك الآخرين الذين يكرهون العارية فيُخشَى أن يدخلوا في قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7].
    طالب: إذا استعار رجل أمة لكنها ( ... ) تحت تصرفه مباشرة، فهل تكون عند أهله أو غير ذلك، هل نقول: فيما لو استأجر ..
    الشيخ: فلا بأس هذه إذا كان يريد أن يستأجر أمة تعمل في غير بيته، فينظر البيت الثاني هذا، هل هو محل أمان أو لا؟ الحكم يدور مع علته.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، مسألة مَنْ طلب استعارة غزال يراه أمير أو وزير فأين يكون التعاون على الإثم والعدوان؟ قلنا: إنه لا يجوز.
    (2/1954)
    ________________________________________
    الشيخ: إي، هذا إذا كان المستعير محرمًا، المحرم ما يجوز أن يستولي على الصيد أبدًا، ما هو مطلقًا، فهمت؟
    طالب: في بعض الأماكن -يا شيخ- يجتمعون على سباق للخيول، ثم يأتي شخص مثلًا ويضع مئة ألف ( ... ) ثمن الخيل الذي يفوز، للخيل الفائز، ثم تتسابق الخيول، الذي يفوز يكون هذا ثمن له، هل هذا يجوز؟
    الشيخ: شو هذا؟
    الطالب: مثلًا ثلاث خيول تجري، السابق من هذه الخيول يكون ثمنه مئة ألف مدفوعًا مقدمًا ( ... ).
    الشيخ: ولمن يكون الفرس؟
    الطالب: لأشخاص معينين، مثلًا شخص يريد أن يبيع الفرس فيتسابق ..
    الشيخ: لكن الفرس اللي دفع المئة ولا .. ؟
    الطالب: لا غير اللي دفع المئة، شخص آخر.
    الشيخ: لا شيء يقيد هذا.
    الطالب: يكون الفرس الذي يفوز، يسبق أحسن الخيول فقيمته مئة ألف أشتريه ..
    الشيخ: اللي هو المشتري؟
    الطالب: يقول المشتري: نعم، ولكن ما عين، الفائز.
    الشيخ: ما هي مشكلة، هذه مثل ما لو قلت لي مثلًا: إن قيمته خمسين ألف ( ... )، صار خمسين ألفًا قيمة الفرس حقيقة ومئة وخمسين ألفًا سبق.
    الطالب: غير معين، يا شيخ؟
    الشيخ: إي، ما مهم، معين بالوصف، هذا معين بالوصف.
    طالب: أحسن الله إليكم، عندنا في الحاشية، إجارة العبد المسلم للكافر يقول: يحرُم إجارته له، فإن أعاره أو أجَّره لعمل في الذمة غير الخدمة صح كما تقدم في الإجارة.
    الشيخ: هذا ما ذكرناه.
    الطالب: ما تبين ..
    الشيخ: لا، ذكرناه قلنا: إذا استعاره ليعمل مثلًا في دكان بعيد عن الاستخدام المباشر فهذا لا بأس به؛ لأنه ليس فيه إذلال للمسلم.

    طالب: الجعالة الآن على المسابقة في الخيول وغيرها توضع لصاحب الفرس، وليس لراكبه.
    الشيخ: إي نعم، الظاهر أن بين الراكب وصاحب الفرس يعني: مالك الفرس، بينهم اتفاق على هذا.
    الطالب: ( ... ) شاب صغير ( ... )؟
    (2/1955)
    ________________________________________
    الشيخ: هو في الحقيقة السبق للفرس، يعني: هذا الصغير ما عنده تصريف إلى ذاك، ما عنده إلا السوط إذا شافه بيتأخر اضربوه حتى يندفع، وبعضهم متعلم ما فيه شك.
    الطالب: ما فيه إشكال؟
    الشيخ: لا ما فيه إشكال، ما دام أن هذا معروف عندهم من هذا الفرس ومن هذا العمل، تشبه المضاربة.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: إلا، المقصود تدرب الفرس والراكب، وكلاهما حاصل لكن لولا الفرس ما سبق الراكب.
    طالب: رضي الله عنك يا شيخ، شيخ ( ... ) أكثر الناس ما ( ... ) مثل العارية هذه

    الشيخ: يعني: تقول: لا يعير العجوز للشاب مطلقًا؟
    الطالب: نعم للشاب مطلقًا.
    الشيخ: هذا أنا أوافقك عليه من قبل.
    طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، المسابقة في العلم، المسابقة في بحث المسائل العلمية؟
    الشيخ: إي، المذهب: لا يجوز، واختار شيخ الإسلام رحمه الله: أن العلم الذي يستعان به على إقامة الدين؛ كالعلم الشرعي وعلم الصناعات التي يستعان بها على إقامة الدين لا بأس بها، وما ذكره رحمه الله صحيح، لكن مشكلتنا في مسألة العلم في مسائل الشرع أن بعض الناس لا يسابق إلا من أجل العوض لا من أجل الوصول إلى الحق، وعندي في هذا نظر ( ... ).

    ***
    طالب: يصح على الأقدام وسائر الحيوانات والسفن والمزاريق، ولا يصح بعوض إلا في إبل وخيل وسهام، ولا بد من تعيين المركوبين واتحادهما والرماة، والمسافة بقدر معتاد، وهي جعالة، لكل واحد فسخها، وتصح المناضلة على معينين يحسنون الرمي.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    ما الفرق بين السبْق بسكون الباء، والسبَق بفتحها؟
    طالب: السبْق المسابقة.
    الشيخ: لا، غلط.
    طالب: السبْق فوز ( ... ).
    الشيخ: إي، يعني: أن يتقدم على غيره ويسبقه.
    الطالب: والسبَق هو العوض.
    الشيخ: هو العوض، أحسنت. إذن لا سبَق إلا في نصل أو خفٍّ أو حافر، ولا سبْق؟
    طلبة: لا سبَق.
    (2/1956)
    ________________________________________
    الشيخ: لا سبَق، نعم صحيح ذكرنا أن السبق ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    ما لا يصح مطلقًا، وما يصح بعوض وبغيره، وما لا يصح إلا بغير عوض.
    الأول: ما لا تصح المسابقة فيه مطلقًا؟
    طالب: وهو المحرَّم.
    الشيخ: وهو المحرم مثل؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: المسابقة على ظلم الناس وأخذ أموالهم، وكانوا في البادية يفتخرون أيهم يعدو على القوم فيسلبهم، هذا واحد. الثاني: ما يجوز بعوض وبغيره؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لا.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: الإبل والخيل، ويش الثالث؟ ما هو الثالث؟
    الطالب: السهام.
    الشيخ: السهام، ما هو الدليل؟
    طالب: الدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ» (3).
    الشيخ: ما هي الحكمة من استثناء هذه الثلاثة؟
    طالب: لما فيها من ( ... ).
    الشيخ: أحسنت. هل يؤخذ من هذه العلة أن كل ما يُعِين على الجهاد في سبيل الله يكون جائزًا بعوض؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: نعم يؤخذ.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: إي، أنتم تعلمون أن إلحاق الشيء بنظيره إذا كانت العلة مستنبطة ضعيفة، لكننا إذا نظرنا إلى الدين الإسلامي من حيث العموم نجد أن المصالح مقدمة على المفاسد إذا كانت أعظم منها فائدة.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: أيهم، نعم هذا الراجح. هل تجوز المسابقة في العلوم؟
    طالب: في العلوم؟ إن كانت هذه العلوم شرعية أو ما يعين على الجهاد في سبيل الله فتجوز المسابقة عليها.
    الشيخ: إذا كانت شرعية فتجوز.
    الطالب: وكذلك إذا كانت تعين على الجهاد كعلوم الصناعات الحربية.
    الشيخ: نعم، هذا هو القول الراجح، المذهب: ما يجوز إلا في الثلاثة فقط. هل هناك مثلًا دليل أو تعليل على هذا؟ العلة: الدين الإسلامي قام بالسيف وبالعلم، أليس كذلك؟ بالدعوة والعلم، فإذا كان يجوز المراهنة على ما قام به من السيف ونحوه يجوز أيضًا على قام به من العلم.
    نحن قيدنا هذا الإطلاق الذي ذكره شيخ الإسلام رحمه الله.
    (2/1957)
    ________________________________________
    طالب: ( ... ) يطلب الناس علم الدين، فإذا علمنا أنه ( ... ).
    الشيخ: يعني: إذا كان الإنسان قصده بالمسابقة الحصول على المال فقط، لا الوصول إلى الحكم الشرعي، فهنا ينبغي أن يُمنَع، وقد يقال بعدم المنع؛ لأن بعض العلماء يقول: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا الله.
    قال أحد المتسابقين على الخيل: نتسابق على فرسي الذي في البيت وفرسك الذي في المزرعة، يجوز؟
    طالب: لا.
    الشيخ: لا يجوز، لماذا؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، هو عيَّن؛ قال: فرسي الذي في البيت، هو ما قال: فرس من خيولي، قال: فرسي الذي في البيت.
    طالب: يصح.
    الشيخ: يصح؛ لأنه مُعيَّن، لكنه معين بالوصف لا بالعين، كذا؟
    إذا قال: أسابقك على فرس من خيولي؟ والثاني قال: أسابقك على جمل من إبلي؟
    طالب: ما يصح يا شيخ.
    الشيخ: ليش؟
    الطالب: لأنه مجهول.
    الشيخ: مجهول. إذا قال: أسابقك على هذا الفرس، وأنت تسابقني على هذا الجمل؟
    الطالب: هذا مُعيَّن يا شيخ.
    الشيخ: جائز؟
    الطالب: أقول: معين ..
    الشيخ: إي معيَّن بيكون جائزًا، ما دام قلنا: العلة في الأول عدم التعيين، الآن عيَّنّا.
    الطالب: نعم، جائز.
    الشيخ: يجوز؟
    الطالب: شخصه بعينه.
    الشيخ: شخص بعينه. قال: هذا الجمل وهذا الحصان.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: إي، يعني: عدلت عن الأول.
    الطالب: إي، إذا اختلف الجنس.
    الشيخ: توافقون على هذا؟ صحيح.
    هل يشترط تعيين الراكبين على ما مشى عليه المؤلف؟ أنت قرأت قبل قليل: (ولا بد من تعيين المركوبين).
    طالب: ليس على رأي المؤلف، لا، على القول الراجح.
    الشيخ: الآن أقول: على رأي المؤلف، هل يُشترَط تعيين راكبينِ أو لا؟
    الطالب: لا يشترط.
    الشيخ: لا يشترط، والقول الثاني؟
    الطالب: يشترط.
    الشيخ: يشترط، وهذا القول هو الصحيح وهو المتعيَّن؛ لأنا ذكرنا لكم أن السبق والجري يختلف باختلاف الراكب.
    شخصان لم يعرفا الرمي، لكنهما خاطرا وتسابقا في الرمي، يجوز أو لا؟
    طالب: يجوز.
    الشيخ: يجوز.
    (2/1958)
    ________________________________________
    الطالب: ( ... ) ما عنده خلفية.
    الشيخ: كلهم ما عندهم خلفية، لكن قالوا: نبغي نخاطر، كلهم ما يعرفون.
    الطالب: ما يجوز.
    الشيخ: كيف ما تقول؟
    طالب: لا يجوز.
    الشيخ: لا يجوز؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: لأن المؤلف قال: (يحسن الرمي) ولكن العلة لأن مَنْ لا يحسن لا يُستفاد من مسابقته، يتعلم أولًا ثم يسابق ثانية.
    المسافة قدَّرها الفقهاء رحمهم الله بثلاث مئة ذراع، فهل نقول: لا تجوز المسابقة على ما فوق ذلك؟
    طالب: لا نقول بهذا.
    الشيخ: لا؟
    الطالب: لأنه تغيَّرت الأزمنة؛ في الوقت هذا قد يتسابق الناس على ما حدث من الأسلحة مثلًا لأكثر من هذه المسافة.
    الشيخ: يعني: كان قوة السلاح فيما سبق على قوة الرامي به؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: أما الآن فالقوة في السلاح نفسه، هل هناك سلاح يصيب أكثر من ثلاث مئة ذراع، الآن؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: متأكد؟
    الطالب: إن شاء الله.
    الشيخ: صحيح هذا؟
    طلبة: نعم يا شيخ.
    الشيخ: إي نعم. أقول: يمكن الآن.
    طالب: ثلاث مئة كيلو.
    الشيخ: إي نعم، يمكن ثلاث مئة كيلو، ويحدد الهدف.
    ***
    طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب العارية: ولا أُجرة لمن أعار حائطًا حتى يسقط ..
    الشيخ: فيه مسابقات حكاها لي بعض الناس يتسابقون بالساعات، يجعل ساعته إلى جنب الساعة الثانية، واللي توقفها الثانية يكون صاحبها غالبًا، سمعتم عن هذا؟
    طلبة: صحيح.
    طلبة آخرون: ما سمعنا.
    طالب: الساعات التي تُعبَّى.
    الشيخ: إي، يحط واحدة جنب الثاني، هذه توقف صاحبتها، يكون صاحبها غالبًا، هل تجوز بعوض أو لا تجوز؟
    طلبة: لا تجوز.
    (2/1959)
    ________________________________________
    الشيخ: لا تجوز بعوض، لكنهم يستعملونها، وأسمع أنهم يستعملونها بعوض؛ يقول: إذا وقفت ساعتي ساعتك أخذت ساعتك؛ لأني أنا غلبت، ولهم أشياء كثيرة من هذا النوع، كل هذه لا تجوز بعوض، أما بغير بعوض فلا بأس؛ لأن هذه من باب المغالبة المباحة.
    الطالب: قال رحمه الله تعالى: ولا أجرة لمن أعار حائطًا حتى يسقط، ولا يُرَدُّ إن سقط إلا بإذنه.
    وتضمن العارية بقيمتها يوم تلفت، ولو شرط نفي ضمانها، وعليه مؤونة ردها إلا المؤجرة، ولا يُعيرها فإن تلفت عند الثاني استقرت عليه قيمتُها، وعلى معيرها أُجرتُها ويضمن أيهما شاء، وإن أركب منقطعًا للثواب لم يضمن.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    سبق لنا الكلام على العارية من حيث الحكم الشرعي التكليفي، فما حكمها بالنسبة للمعير وبالنسبة للمستعير؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: إي نعم، بالنسبة للمستعير جائزة، وبالنسبة للمعير مستحبة لدخولها في عموم قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
    هل يمكن أن نقول بوجوب العارية؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لا يمكن. يمكن، كيف؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: يعني: إذا ترتب عليها إنقاذ معصوم من هلكة، فإنه في هذه الحال تجب؛ لوجوب إنقاذه، هذا الضابط وما ذكرناه بالأمس أو في الدرس الماضي فإنما هو صورة فقط، إنسان مضطر إلى لحاف في ليلة باردة يجب أن يُعار، لكن الضابط متى توقف إنقاذ المعصوم عليها صارت واجبة.
    هل تجب إعارة الكتب؟
    طالب: ( ... ) الشرع يا شيخ ( ... ).
    الشيخ: يعني: فيه تفصيل؟ التفصيل هو؟
    الطالب: التفصيل ( ... ).
    الشيخ: ما يُكتفى أن يعلِّمَه بما في الكتاب؟
    الطالب: ( ... ).
    (2/1960)
    ________________________________________
    الشيخ: ماذا تقولون؟ توافقون على هذا؟ يعني: متى توقف الوجوب -وجوب نشر العلم على الإعارة- صارت واجبة، اشتراطنا في هذا النوع، يعني: في إعارة الكتاب، وإعارة السلاح وغيره اشترطنا؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: تمام، ضرورة المستعير، والثاني عدم تضرر المعير.
    ما معنى قول المؤلف رحمه الله: (إلا البُضع)؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: ويش معنى: إلا البضع؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: يعني: صورة المسألة؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: امرأة شابة.
    الشيخ: امرأة شابة، فقال ..
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: وإن كان غير شاب؛ يعني: معناه إنسان طلب أن يُعار أمة للاستمتاع بها، فهذا لا يجوز، الدليل؟
    طالب: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}.
    الشيخ: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا} ..
    الطالب: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 6، 7].
    الشيخ: أحسنت. لماذا لا تجوز إعارة المسلم للكافر؟
    طالب: لما فيها من ( ... ) لأن المسلم.
    الشيخ: لأن في ذلك إذلالًا للمسلم. وهل بناء على هذا التعليل هل يمكن أن نفصل في القول؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: ما هو التفصيل؟
    الطالب: ( ... ) مباشرتها.
    الشيخ: يعني: إذا كان لمباشرة خدمته منعناه؛ لأن في ذلك إذلالًا له، أما إذا كان مثلًا شركة يرأسها كافر، وطلب أن يعيره عبدًا مسلمًا في فروعها البعيدة عنه، فهذا لا بأس به.
    كيف إعارة الصيد للمُحرِم، المؤلف يقول: (صيد المحرم) كيف هذا؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: أكله يكون هبة.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: إي، يعني: إنسان مُحرم طلب من شخص حلال عنده ظباء أن يعيره هذا الظباء أن يجعله في حوشه من أجل إذا مر به أحد افتخر به، هذا لا يجوز، لماذا؟
    طالب: ( ... ).
    (2/1961)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم؛ لأن المحرم يلزمه إزالة يده المشاهدة عن الصيد.
    هذا رجل عنده أمة كبيرة في السن، أعارها لشاب، ماذا تقول؟
    الطالب: على قول المؤلف: يحوز (وأَمَة شابة لغير امرأة)، ورجحنا أنه لا يجوز.
    الشيخ: أنه لا يجوز.
    الطالب: لأنه يُخشى منها الفتنة، ولأنه يخلو بها.
    الشيخ: لا شك إن فيه فتنة عظيمة، حتى وإن كانت هي عجوزًا.
    قال المؤلف رحمه الله: (ولا أجرة لمن أعار حائطًا حتى يسقط) قوله: (لا أجرة لمن أعار حائطًا) صورة المسألة أن يكون شخص له جار واحتاج أن ينتفع بجدار جاره، فأعاره إياه وبنى عليه الجار، ثم إنه طلب –أي: صاحب الجدار- من الجار، طلب منه أجرة بعد أن أعاره، يقول المؤلف: ليس له أجرة (حتى يسقط)، إذا سقط ثم أنشأ جدارًا جديدًا فلا بأس أن يطلب الأجرة، فهمتم الصورة تمامًا.
    إنسان له جار، والجار هذا له جدار خاص به فطلب من جاره أن يضع خشبًا على هذا الجدار عارية فأعاره إياه، ثم طلب منه الأجرة بعد أن وضع الخشب على الجدار، نقول: لا، ليس له أجرة، إلى متى؟ إلى أن يسقط الجدار، أو يرفع الطالب يرفع مثلًا خشبه، ثم يريد إعادته مرة ثانية فله طلب الأجرة.
    وهذا الكلام من المؤلف مقيد بما إذا لم يجب تمكين الجار من وضع الخشب على الجدار، فإن وجب تمكين الجار من وضع الخشب على الجدار فإنه ليس له حق في طلب الأجرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِسَ خَشَبَهُ -أَوْ قَالَ: خَشَبَةً- عَلَى جِدَارِهِ» (4) قال أبو هريرة حين كان أميرًا على المدينة قال: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لَأَرْمِيَنَّ بها بين أكتافكم.
    أَرْمِيَنَّ بها: أي: بالخشب؛ يعني: إن لم تضعوها على الجدار أضعها على أكتافكم، فصار كلام المؤلف هنا مقيدًا بماذا؟ بما إذا لم يجب تمكين الجار من الانتفاع بالجدار، فإن وجب فإنه لا يجوز له طلب الأجرة؛ لأن هذا أمر واجب عليه، والأمر الواجب ليس له أجرة.
    (2/1962)
    ________________________________________
    وقوله: (حتى يسقط) متعلقة بأيش؟ بـ (أعار) ولَّا بقوله: (لا أجرة)؟
    طلبة: (لا أجرة).
    الشيخ: (لا أجرة) له (حتى يسقط)، فإن سقط فهل له طلب الأجرة عما مضى؟ لا، لكن له أن يمنع إذا سقط الجدار ثم أقامه له أن يمنع جاره من الانتفاع به إلا بأجرة، وهذا مقيد بأيش؟ بما إذا لم يجب تمكين الجار من وضع الخشب على الجدار.
    قال: (ولا يُرَدُّ إن سقط إلا بإذنه) يعني أن الحائط إذا سقط فإنه لا يُرَدُّ إلا بإذن صاحب الجدار، يعني: لا يقول الجار قد أذن لي سابقًا، والإذن ينسحب على الجدار الأول وعلى الجدار الثاني، نقول: لا، الجدار الأول ذهب وسقط، ولا يمكن الانتفاع به، فإذا أنشأ الجدار من جديد، لا بد أن تجدد الاستئذان. فإذا قال: الأصل بقاء الإذن. قلنا: ليس كذلك، الأصل بقاء الإذن لو أن خشبك انسلح من الجدار، أو ما أشبه ذلك ثم أعدته على الجدار الباقي، ربما يقال هذا، أن الأصل بقاء الإذن.
    أما إذا انهدم الجدار، ثم جدَّده مالكه، فإنه لا يمكن أن ترد ما كنت معارًا له من قبل إلا بإذنه، (ولا يُرَد إن سقط إلا بإذنه).
    ثم قال المؤلف رحمه الله: (وتضمن العارية بقيمتها يوم تلفت) (تضمن العارية) مَنِ الضامن؟
    طلبة: المستعير.
    الشيخ: المستعير.
    (2/1963)
    ________________________________________
    (بقيمتها) يعني: بقيمتها إن كانت مُتقوَّمة، وبمثلها إن كانت مثليَّة فالتعبير هنا (بقيمتها) فيه قصور وكان الواجب أن يقول: وتضمن العارية ببدلها يوم تلفت؛ لأنه إذا قال: ببدلها فالبدل يشمل القيمة والمثل، والقاعدة عندنا في ضمان المتلفات: أن المثليَّ يُضْمَن بمثله، والمُتَقَوَّم يُضْمَن بقيمته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَاءٌ بِإِنَاءٍ وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ» (5) في قصة معروفة، القصة هي أنه كان عند إحدى زوجاته فأرسلت الزوجة الأخرى أرسلت خادمها بطعام وصحفة، دخل الخادم بالطعام والصحفة على الرسول صلى الله عليه وسلم في منزل الضرة فغارت، أصابتها الغيرة فضربت بيد الخادم حتى سقطت الصحفة وانكسرت، فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام طعام المرأة التي هو عندها وصحفتها وأعطاها الخادم، وقال: «إِنَاءٌ بِإِنَاءٍ وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ». هنا ضمن بأيش؟ ضمن بالمثل، يعني: هذا مثل.
    لكن الإعتاق لما بَيَّن الرسول أن من أعتق شركًا له في عبد سرى عتقه إلى نصيب شركائه.
    قال: «وَقُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ» (6) فأوجب القيمة، لماذا؟ لأنه ليس مثليًّا، يتعذر تحصيل المثل هذا، فهو متقوَّم.
    فالحاصل أن القاعدة في الضمانات أن المثليَّ يُضْمَن بمثله، والمتقوَّم يضمن بقيمته.
    والدليل: ما سمعتم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للإناء وللطعام: «إِنَاءٌ بِإِنَاءٍ وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ» فأوجب الضمان بالمثل، وقال في العبد إذا أعتقه أحد الشركاء وصار العتق إلى بقيَّتِه، قال: إنه يقوم على المعتق، ويضمن لشركائه بالقيمة، وهذه قاعدة شرعية مشى عليها الفقهاء رحمهم الله.
    إذن إذا أردنا أن نحرر العبارة في كلام المؤلف، نقول: تضمن العارية ببدلها يوم تلفت إن كان مثلية فبالمثل، وإن كانت متقوَّمة فبالقيمة.
    (2/1964)
    ________________________________________
    لكن إذا كانت مثليَّة واضحة، سيؤدي المستعير مثلها، قلَّتِ القيمة أو نقصت، لكن إذا كانت مُتَقَوَّمة، وكانت حين الإعارة تساوي مئة، وحين التلف تساوي خمسين، فهل يضمنها بمئة أو بخمسين؟
    يقول المؤلف: (بقيمتها يوم تلفت) فإذا كانت قيمتها حين الاستعارة مئة، وعند التلف القيمة خمسون، كم يضمن؟ يضمن خمسين، صريح كلام المؤلف (بقيمتها يوم تلفت) فيضمن الخمسين، لماذا؟ لأن العارية كانت على ملك من؟
    الطلبة: صاحبها.
    الشيخ: على ملك صاحبها؛ له غنمها وعليه غرمها حتى تلفت فإذا تلفت نظرنا قيمتها يوم التلف وضمَّناها المستعير.
    طالب: شيخ -بارك الله فيك- أول الكلام ما فهمته.
    الشيخ: أيهم؟
    الطالب: (ولا أُجرةَ لمن أعار حائطًا حتى يسقط)، ما فهمته؟
    الشيخ: ما فهمت؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: لك جارٌ وله جدار خاص به ليس مشتركًا بينكما، وقلت: أعرني إياه؛ سأضع عليه سقفًا، فأعارك إياه في أثناء هذا قال: أريد أجرة وإلَّا ارفع السقف وإلا يبقى بأجرة، يقول المؤلف: لا أجرة له، لكن لو سقط الجدار سواء سقط لعيبه أو سقط بفعل صاحبه؛ هدمه، ثم أعاده فإن المستعير لا يرد سقطه إلا بإذن جديد.
    طالب: بارك الله فيك، إذا كان سببُ سقوط الجدار الخشبَ الذي وُضِعَ عليه، فهل يضمنه المستعير؟
    الشيخ: إذا كان سقوط الجدار بسبب الخشب الموضوع، إذا كان صاحب الجدار يعلم فليس له الحق، لكن يعلم أن هذا الخشب ثقيل لا بد أن يُسقِط الجدار فليس له الحق، أما إذا كان لا يعلم فله الحق.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليك- بالنسبة لمدة الإعارة يا شيخ.
    الشيخ: الإعارة يجوز توقيتها؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: لعله يأتي في كلام المؤلف.
    الطالب: يا شيخ، ما ذكرها المؤلف.
    الشيخ: ربما يذكرها.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليكم- ما الدليل على تضمين الإعارة مطلقًا؟
    الشيخ: ما وصلنا لها، المؤلف يقول: (ولو شرط نفي ضمانها)، سيتبين.
    (2/1965)
    ________________________________________
    طالب: بارك الله فيكم، قوله: (ولا يُرَدُّ إن سقط إلا بإذنه) قد يكون بين الجيران حيط موجودة ( ... ) فهل مثل هذا إذن عرفي؟
    الشيخ: إذا كان العرف قد جرى بأنه إذا سقط ثم أعاده يبقى حق الثاني في وضع الخشب، فلا حاجة، يكفي الإذن العرفي، كذلك إذا كان يعرف أنه يُجِلُّ عليه وأن ذاك يفرح أن يقضي الإذن فلا بأس، المهم الإذن يعني السماح.
    طالب: لو باع البيت؟
    الشيخ: مَن؟
    الطالب: هذا الرجل الذي أذن في وقوع الخشب، فاشتراه رجال وقال: زِلْهُ.
    الشيخ: ما يزيله، كما لو باع البيت المؤجَر ما تنفسخ الإجارة.
    طالب: أحسن الله إليك، ما المقصود بالخشب الذي في الحديث؟
    الشيخ: خشب السقف.
    الطالب: وليس الخشب أي بناء؛ كخشب الجراجات مثلًا.
    الشيخ: أي خشب يحتاجه ..
    الطالب: يعني: إذا البناء كان جراجًا.
    الشيخ: سواء جراجًا ولا حجرة ولا غيره؛ لأن هذا يفيد الجدار في الواقع، لأن هذا السقف الذي يكون على الجدار يفيده، يمنعه من الأمطار ويمنعه من الشمس والرياح.
    الطالب: وليس مختصًا ببيت الجار؟
    الشيخ: كيف، ما يمكن إلا أن يبنيها الجار.
    الطالب: يعني: لو أن هذا جار ملتزم ببناء بيته بهذا الخشب ( ... ).
    الشيخ: أبدًا، سواء ليسكنه أو ليضع فيه متاعه أو ليجعله مخزنًا.
    طالب: أحسن الله إليكم، لم يتبين كون الجدار عارية ولَّا يكون هبة، قلنا: السقف إذا بنى البيت لا يمكن أن .. ؟
    الشيخ: إذا كان هبة -بارك الله فيك- مَلَكَه الموهوب له، مَلَك عينه، وإذا كان عارية مَلَك الانتفاع به فقط.
    طالب: أحسن الله إليكم، قلنا في قول المؤلف: (حتى يسقط) مقيد بما إذا لم يجب تمكينه، كما في حديث أبي هريرة، فمتى يجب تمكينه؟
    الشيخ: يجب تمكينه إذا كان جاره محتاجًا إلى وضع الخشب، ولا ضرر على الجدار، بعضهم يقول: وشرط ثالث؛ ألا يمكن التسقيف إلا به، فإن أمكن بأن يضع أعمدة يكتفي بها عن الجدار، فإنه لا يجب، والصواب: أنه ليس بشرط؛ الشرط: الحاجة وعدم الضرر فقط.
    طالب: ( ... )؟
    (2/1966)
    ________________________________________
    الشيخ: مسؤول عنه توًّا، سأل عنه الأخ، ما له حق، لا يأخذ زيادة أجرة، ولا أجرة في العارية.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: إذا علمنا أنه من أجل الإضرار بجاره منعناه، وإذا كنا نعلم أنه لمقصود، فهو ملكه، لكن في مثل هذه الحال، يعني: ينبغي إذا علمنا أن الضرر ضررٌ بالغ على الذي وضع الخشب ينبغي أن نصلح بينهما؛ لأنه قد يكون الضرر بالغًا، ويكون مقصود صاحب الجدار شيئًا يسيرًا.
    فالمسألة: إما أن نعلم أنه من أجل الإضرار به فهنا نمنعه، مثلما قال عمر رضي الله عنه محمد بن مسلمة مع صاحبه الذي أراد يعبر الماء من شطر ملكه إلى شطر ملكه وبينهما ملك آخر، فمنعه فقال عمر: لَأُجْرِيَنَّهُ وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ (7)؛ لأن جريان الماء مع ملك هذا مصلحة له يغرس عليه ويزرع عليه وينتفع به ما حوله من أشجار.
    فنحن نقول: إذا علمنا أن الرجل هذا الذي أراد أن يهدم جداره المعار أنه أراد الإضرار، أو أراد أن يتوصل بذلك إلى ضرب أجرة على صاحب الخشب؛ منعناه.
    أما إذا كان لمصلحة بينة فالحق له، إن كانت المصلحة يسيرة وذاك يتضرر وضعه الخشب فهنا ينبغي أن يتدخل أهل الخير من أجل الإصلاح بينهما ( ... ).
    ***
    طالب: وتُضْمَن العارية بقيمتها يوم تلفت، ولو شرط نفي ضمانها، وعليه مؤونة ردِّها، لا المؤجرة، ولا يعيرها فإن تلفت عند الثاني استقرت عليه قيمتها، وعلى معيرها أجرتها، ويضمن أيهما شاء وإن أركب منقطعًا للثواب لم يضمن ..
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (تُضْمَن العارية بقيمتها يوم تلفت).
    (تُضمن) يعني: يضمنها المستعير.
    (بقيمتها) يعني: إن كانت متقومة، وبمثلها إن كانت مثلية.
    (2/1967)
    ________________________________________
    والمتقوم الفرق بينه وبين المثلي أن المثلي ضابطه عند الفقهاء كل مكيل أو موزون ليس فيه صناعة مباحة يصح السلم فيه، هذا المثلي عندهم؛ كل مكيل أو موزون ليس فيه صناعة مباحة يَصِحُّ السلم فيه، وهذا الضابط يضيِّق المثليات تضييقًا بالغًا؛ فإن قولهم: كل مكيل أو موزون يخرج به ما سواهما مع أن الحيوان يمكن أن يكون مثليًّا، والمعدود يمكن أن يكون مثليًّا والمزروع يكون مثليًّا، وما أشبه ذلك، لكن هم يخصونه بالمكيل والموزون.
    الشرط الثاني: ليس فيه صناعة مباحة، فإن كان فيه صناعة مباحة فإنه يخرج عن كونه مثليًّا؛ فالبُر إذا طبخ وكان طعامًا خرج عن كونه مثليًّا مع أن أصله مكيل، وكذلك أيضًا الأواني ليست مثليَّة، مع أن أصلها موزون.
    وأما قولهم: (مباحة) احترازًا من الصناعة المحرمة؛ لأن الصناعة المحرمة وجودها كالعدم، وأما قولهم: يصح السلم فيه، فهذا أيضًا شدَّد التضييق احترازًا مما كان مكيلًا أو موزونًا، لكنه يختلف ولا ينضبط بالصفة فإنه لا يكون مثليًّا.
    والصحيح أن المثليَّ ما كان له مثيل مطابق أو مقارب تقاربًا كثيرًا، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزوجته التي كسرت الإناء وأفسدت الطعام، قال: «إِنَاءٌ بِإِنَاءٍ وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ» (5)، ولم يضمنها بالقيمة، ثم إننا نقول: الصناعة الآن تتقدم ومن المعلوم أن الفناجين مثلًا من الزجاج مصنوعة وهي مثليَّة أو لا؟ مثليَّة قطعًا، مماثلة الفنجان للفنجان أشد من مماثلة صاع البر لصاع البر، وهذا أمر معلوم، الحليُّ مثلًا، الأقلام، الساعات، كل هذه مثلية، وهي على حدِّ الفقهاء ليست مثلية.
    فالصواب إذن أن المثليَّ ما كان له مماثل أو مقارب مقاربة تامة.
    على كل حال إذا استعار إناء ثم انكسر الإناء فعلى ما اخترناه يُضْمَن بإناء مثله، وعلى كلام الفقهاء يُضمن بقيمته، وأيهما أقرب للعدل يضمن بمثله.
    (2/1968)
    ________________________________________
    يقول: (يوم تلفت) أي: في وقت التلف لا في وقت التضمين ولا في وقت الإعارة؛ لأن لدينا ثلاثة أزمان: زمن الإعارة، وزمن التلف، وزمن التقويم، المعتبر زمن التلف؛ لأنه هو الذي خرج ملك صاحبها عنها فيه؛ أي: في وقت التلف.
    مثال ذلك: رجل استعار إناء في واحد مُحرَّم، وتلف يوم الخامس عشر من محرم، وضمنه المعير يوم الثلاثين من محرم قيمة الإناء حين الاستعارة عشرة، وقيمته حين التلف عشرون، وقيمته حين المطالبة ثلاثون، فبأيها يلزم؟
    طلبة: عشرين.
    الشيخ: يلزم بالعشرين الذي هو يوم التلف، والعلة واضحة؛ لأن العارية قبل تلفها على ملك صاحبها، فإذا تلفت زال ملكه عنها، فصار هذا هو وقت التقويم.
    وقوله: (ولو شَرط نفي ضمانها) يعني: أن المستعير يضمن العارية، ولو شرط على صاحبها ألا يضمنها، وهذه إشارة خلاف؛ فإن العلماء اختلفوا رحمهم الله في العارية؛ هل هي مضمونة، سواء شَرَط ضمانها أو شرط نفيه أو سكت، أو هي غير مضمونة.
    الفقهاء رحمهم الله يرون أنها مضمونة بكل حال، حتى لو شرط المستعير أنه لا ضمان عليه إذا تلفت فإن هذا الشرط لاغٍ، لماذا؟
    لأنه ينافي مقتضى العقد؛ إذ مقتضى العقد الضمان مطلقًا، وكل شرط ينافي مقتضى العقد فإنه شرط لاغٍ، وقد مر علينا هذا الضابط في باب الشروط في البيع.
    مثال ذلك: إنسان استعار من شخص عشرين فنجانًا، والفنجان من الزجاج يمكن ينكسر، فقال المستعير: لا ضمان عليَّ إن تكسرت الفناجين، فوافق المعير، قال: لا ضمان عليك. لكنها تكسرت، أيضمن؟ نعم، يضمن عند الفقهاء رحمهم الله، يضمن ولو كان قد شرط ألا يضمن ورضي بذلك المالك؛ لأن هذا الشرط -على كلامهم- مخالف لمقتضى العقد، فيكون داخلًا فيما أبطله النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ» (8).
    (2/1969)
    ________________________________________
    القول الثاني: إنها لا تُضْمَن إلا بشرط الضمان، وإلا فلا ضمان إلا بتعدٍّ أو تفريط؛ يعني أنه إن اشترط مالكها على المستعير أن يضمنها ضمنها، وإلا فلا ما لم يتعدَّ أو يفرط.
    والصواب أن العارية كغيرها من الأمانات؛ لأنها حصلت بيد المستعير على وجه مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون، فيد المستعير يد أمانة، ليست يد خيانة، وإذا كانت يد أمانة فإنه لا ضمان على الأمين، وجه كونها يد أمانة أن هذه العارية حصلت بيد المستعير بإذن مالكها، فهو الذي سلطه عليها، فكيف نُضَمِّنُه بكل حال.
    فالصواب أن يد المستعير يد أمانة وأنه كغيره من الأمناء، لا يضمن إلا بتعدٍّ أو تفريط.
    فإن شرط عليه الضمان فهذا محل نظر؛ يعني لو قال المعير: إن عليك الضمان مطلقًا سواء حصل منك تعدٍّ أو تفريط أو لا، فهذا محل نظر؛ لأننا قد نقول: إنه إذا شرط أن يضمن فعليه الضمان لعموم الحديث: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (9)، وقد يُقال: لا ضمان عليه؛ لأنه أمين، فكما أن المستأجر لو شرط عليه أن يضمن فالشرط غير صحيح فكذلك هذا، والأقرب أنه كغيره من الأمناء أنه لا يضمن حتى لو شرط، لكن لو قال المعير: لا أعيرك إلا بهذا الشرط؟ فقد يضطر المستعير إلى قبوله؛ لأنه محتاج.
    قال: (وعليه مؤونة ردِّها) (عليه) على مَنْ؟ المستعير.
    (مؤونة) أي: تكلفة ردِّها إلى صاحبها، فإذا قدَّرْنا أن العارية تحتاج إلى تحميل؛ لأنها أوان كثيرة، وتحتاج إلى رفق وتأن لأنها تتكسر، ومثل هذه تحتاج إلى تكلفة بينة، فهل المؤونة على المستعير أو على المعير؟ نقول: هي على المستعير، ووجه ذلك أن المستعير قبضها لحظ نفسه المحض، والمعير محسن، وما على المحسنين من سبيل؛ فنقول: إذا احتاج ردِّها إلى مؤونة فالمؤونة على المستعير.
    (2/1970)
    ________________________________________
    قال: (لا المؤجرة) يعني أن المؤجرة مؤونة ردِّها على المؤجر وليست على المستأجر؛ مثال ذلك: رجل استأجر من شخص آلة حراثة تحتاج إلى مؤونة في ردِّها؛ تحتاج إلى سائق وإلى وقود، فالمؤونة على صاحبها، على المؤجر، وليست على المستأجر؛ ووجه ذلك: أن المستأجر قبضها لمصلحته ومصلحة مالكها، وردها لمصلحة من؟ لمصلحة المالك، فكانت المؤونة على مالكها، بخلاف المعارة فإن المستعير قبضها لمصلحته الخاصة فلزمه ردها إلى أهلها لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].
    الآن هناك فرق بين العارية والإجارة: مؤونة الرد في العارية على من؟
    طلبة: المستأجر.
    الشيخ: وفي الإجارة؟
    طلبة: المؤجر.
    الشيخ: على المؤجر.
    قال: (ولا يعيرها) أي: المستعير وليس المستأجر، المستأجر له أن يعير وله أن يؤجر بشرط ألا يلحق العين المؤجرة ضرر.
    المستعير لا يعير، ولا أباه؟ يعني: رجل استعار إناء من شخص، وصار عند أبيه ضيوف فقال له: أعرني هذا الإناء، هل يعيره؟ لا؛ لأن المؤلف يقول: (ولا يعيرها) وجه ذلك أن المستعير يملك الانتفاع بالإذن المجردة، شوف يملك الانتفاع، ما هو يملك النفع، يملك الانتفاع بالإذن المجردة، والمعير إنما أعار هذا الشخص لم يعرها غيره، فلا يحل له أن يعيرها؛ لأنه إن أعارها فقد تصرَّف في مال غيره بغير إذنه.
    إنسان استعار كتابًا وكان زميله يحتاج هذا الكتاب لليلة واحدة، فقال زميله: أعرني الكتاب هذه الليلة فقط؟ أيعير أو لا؟ لا يعير، وله أن يعتذر ويقول: أنا مستعير والملك لغيري، والمستعير مالك للانتفاع وليس مالكا للنفع.
    نظير ذلك إنسان يدعو إخوانه للوليمة، الوليمة فيها صحون مرق، وفيها صحون عنب، وفيها صحون تفاح، فقال هذا المدعو: المرق بآدِّم به الخبز، لكن العنب ما أنا بأكله أبغي آخذه معي أعطيه جيراني ولَّا أبيعه، يملك هذا ولَّا ما يملك؟
    طلبة: لا ما يملك.
    (2/1971)
    ________________________________________
    الشيخ: لأيش؟ إنما أُذِنَ له بالأكل، ليس مالكًا، هذه إباحة وليست تمليكًا، يعني الإذن بأكل طعام الوليمة هو إباحة وليس تمليكًا، ولذلك لا يملك واحد من المدعويين أن يأخذ شيئًا من هذا الطعام ليبيعه أو يتصدق به.
    قال: (ولا يعيرها) هل يؤجِّرها؟ لا، لا يؤجرها، وهذا من باب أولى؛ لأنه إذا كان لا يملك أن يعيرها والعارية سنة وإحسان، فكونه أيضًا لا يأذن بالانتفاع بها بأجرة أشد امتناعًا.
    لكن إذا علم المستعير أن المعير يأذن في مثل ذلك عادة، يعني مثلًا إنسان استعار إناء من شخص، ثم إن أباه احتاج إلى هذا الإناء لكثرة الضيوف عنده، وطلب من ابنه أن يعيره، قلنا: لا يجوز أن يعيره، أليس كذلك؟ لكن إذا علم أن صاحبها -أي: المالك- يأذن بل يفرح، فهل له أن يفعل؟ نعم، له أن يفعل؛ لأن كل إنسان يعلم من صاحبه الرضا بتصرفه فلا حرج عليه أن يتصرف.
    قال: (فإن تلفت عند الثاني استقرت عليه قيمتها) إن تلفت، أي العارية.
    (عند الثاني) من هو الثاني؟ المستعير من المستعير، فالآن عندنا كم طرف؟ ثلاثة أطراف: معير، مستعير أول، مستعير ثان (إن تلفت عند الثاني استقرت عليه) أي: على الثاني، (قيمتها) القيمة تكون على الثاني؛ لأنها تلفت عنده، تحت يده، فهو مباشر، والمستعير والمعير متسبب، إن صح أن نقول: إنه متسبب، لكن المستعير الثاني المباشر، فيكون الضمان عليه لكن عليه ضمان قيمتها، بقاؤها عند المستعير الثاني، بقيت مثلًا عشرة أيام، ومثل هذه العارية تؤجر كل يوم بخمسة ريالات، كم قدر الأجرة؟
    طلبة: خمسون ريال.
    الشيخ: من يضمن خمسين الريال، يقول: (وعلى معيرها أجرتها) يضمنها المستعير الأول فصار عندنا الآن شيئان: عين العارية من يضمنها؟ المستعير الثاني، ومنفعة العارية يضمنها المستعير الأول.
    (2/1972)
    ________________________________________
    وجه ذلك: ما وجه التفريق؟ نقول: أما كون المستعير الثاني يضمن العين؛ فلأنها تلفت تحت يده فضمن، وهي تحت يده بغير إذن من الشرع ولا إذن من المالك؛ لأننا قلنا: إن إعارتها حرام ولَّا جائزة؟ حرام، فبقاؤها عنده بغير إذن من الشارع ولا من المالك، لأنا قلنا: إن إعارتها حرام ولَّا جائزة؟ حرام، فبقاؤها عنده بغير إذن من الشارع ولا من المالك فالضمان عليه.
    أما المستعير الأول فعليه ضمان المنفعة؛ لأنه ليس له حق أن يتصرف في منفعتها؛ لأنا قلنا: إن المستعير يملك أيش؟ الانتفاع دون المنفعة، وحينئذ يلزمه ضمان المنفعة.
    لماذا كانت قيمتها على المستعير الثاني؟
    أعرت مهديًّا كتابًا، ومهدي أعاره سامي، هل يجوز لمهدي أن يعيره لسامي، أجبني، يجوز أو لا يجوز؟
    الطالب: لا يجوز.
    الشيخ: لا يجوز، لكنه فعل وبقي الكتاب عند سامي عشرة أيام، الكتاب هذا ثمين اللي يطالعه كل يوم على خمسة ريالات بالأجرة، تلف الكتاب، قيمة الكتاب على مهدي ولَّا على سامي؟ الكتاب تلف تحت يد من؟ إذن على سامي.
    الأجرة هذه كل يوم كم قلنا؟ خمسة ريالات وبقي عنده عشرة أيام على من؟ على مهدي، أفهمت الآن؟ فهمت ولَّا لا؟
    على كل حال يعني الفهم من الله عز وجل، وأنا لا أدعي الفهم أنه فاهم، لكن هيئة الطالب إذا صار قد وضع كفيه على ساقيه وقال هكذا، أيش الهيئة؟ تدل على أنه سارح، هو بالثريا الأن ما هو بالأرض. على كل حال نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفهم.
    (2/1973)
    ________________________________________
    على كل حال الآن يحرم على المستعير الأول أن يعيرها فإن فعل فعليه ضمان المنفعة من حين الإعارة سواء تلفت أو بقيت، لأنها إن بقيت أخذت من المستعير الثاني وردت للمعير الأول ما فيه إشكال، لكن أجرتها -من حين أعارها المستعير الأول إلى أن ردها إلى صاحبها- على المستعير الأول، لكن المؤلف ذكر: (إذا تلفت) يعني: جعل المسألة أو الصورة مفروضة فيما إذا تلفت؛ لأجل أن يفرق بين ضمان المنفعة وضمان العين، إذا تلفت عند الثاني، كيف الضمان؟ على الثاني ضمان العين، وعلى المعير الأول ضمان المنفعة من متى؟ من وقت أن أعارها للثاني حتى تلفت.
    إذا لم تتلف ترد إلى صاحبها إلى المعير الأول، ويضمن المستعير الأول أجرتها مدة بقائها عند الثاني.
    لماذا لم يضمن الثاني، نقول الثاني لا يخلو إما أن يكون عالمًا بأن هذه العين معارة أو لا يعلم، إن كان لا يعلم فلا وجه لتضمينه، لأنه يقول: أنا استعرت من هذا الشخص هذا الإناء ولم أعلم أن عنده عارية، هذا لا وجه لتضمينه ولا يمكن أن نضمنه، السبب؟ الجهل، ما يدري، وإن كان عالمًا قلنا لصاحبها -للمعير الأول-: أنت بالخيار الآن؛ إن شئت ضمِّنْ المستعير الأول، وإن شئت ضمِّنْ المستعير الثاني، لكن القرار على المستعير الثاني، يعني: لو ضُمِّن الأول رجع للمستعير الثاني، لأنها تلفت بيده في حال يعمل أن بقاءها في يده محرم ( ... ).
    طالب: يعني: من العدل أنه ما دام انتفع بهذه العارية أن يردها لصاحبها كما أخذها.
    الشيخ: صحيح، ومن الظلم أن نضمنه إياها وقد حصلت بيده بإذنه فهو قائم مقامه في الاستيلاء على هذا، والمعير قد حصَّل ما هو أفضل من قيمتها وهو أجر الإحسان، ثم هذه يد أمينة كيف نجعلها مثل يد الغاصب، الآن كلام الفقهاء رحمهم الله يرونه أنه كالغاصب تمامًا إلا في مسألة الانتفاع، بعيد هذا.
    ***
    (2/1974)
    ________________________________________
    طالب: ولا يُعيرها، فإن تلفت عند الثاني استقرت عليه قيمتها، وعلى معيرها أجرتها، ويُضمِّن أيهما شاء، وإن أركب منقطعًا للثواب لم يضمن.
    وإذا قال: أجَّرتك. قال: بل أعرتني أو بالعكس، عقب العقد قبل قول مدعي الإعارة، وبعد مضي مدة قول المالك في ماضيها بأجرة المثل، وإن قال: أعرتني أو قال: أجرتني، قال: بل غصبتني أو قال: أعرتك. قال: بل أجرتني. والبهيمة تالفة أو اختلفا في رده فقول المالك.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    يقول المؤلف رحمه الله: إن المستعير لا يعير، فما الفرق بينه وبين المستأجر؟ المستأجر يجوز أن يعير والمستعير لا يجوز أن يعير، ما الفرق؟
    طالب: لأن المستأجر يملك المنفعة.
    الشيخ: نعم، أحسنت، يملك المنفعة ويملك الانتفاع، والمستعير يملك الانتفاع.
    لو أن شخصًا دعا إنسانًا على وليمة، وقدم له طبقًا من الطعام، ولكنه لا يشتهيه، فهل يملك أن يأخذه ويُطْعِمُه غيرَه؟
    طالب: لا يجوز.
    الشيخ: لماذا؟
    الطالب: لأنه يملك الانتفاع فقط.
    الشيخ: لأن تقديم الطعام إباحة وليس تمليكًا.
    رجل مستعير، أعارها ثم تلفت، ما الحكم؟
    طالب: على المستعير الأول.
    الشيخ: كيف؟ ضمانها على مَن؟
    الطالب: إذا تلفت فضمانها على المستعير الثاني.
    الشيخ: ضمانها عينًا ومنفعة؟
    الطالب: لا، عينًا فقط ..
    الشيخ: عينًا على المستعير الثاني. منفعة؟
    الطالب: على المستعير الأول.
    الشيخ: على المستعير الأول؛ لماذا؟
    الطالب: لأنه المستعير الأول ملك أن ينتفع بها لم يملك عينها، ولم يجز له أن يعيرها، يعني: ليس مباحًا له وليس مأذونًا له أن يعيرها، فلما فعل وتلفت في يد الثاني ضمَّنَّاه ..
    الشيخ: ضمن أيش؟
    الطالب: ضمن التلف.
    الشيخ: المنفعة ولا العين؟
    الطالب: تلف العين.
    الشيخ: الأول، تمام.
    طالب: يضمن الثاني العين.
    الشيخ: يضمن الثاني العين، والأول؟
    (2/1975)
    ________________________________________
    الطالب: والأول يضمن منفعة ..
    الشيخ: لماذا؟
    الطالب: الثاني يضمن العين؛ لأنها تلفت تحت يده، هي عنده من غير إذن من الشرع ولا من مالكه، أما الأول يضمن المنفعة؛ لأنه كانت في يده أمانة، تصرَّف فيها بغير إذن المالك فضمِن المنفعة.
    الشيخ: لكن يضمن المنفعة من حين استعارها أو من حين أعارها؟
    الطالب: يضمنها من حين استعارها ثم تلفت.
    الشيخ: من حين؟
    طالب: من حين أعارها.
    الشيخ: من حين أعارها؛ لأنه قبل أن يعيرها والانتفاع له؛ هذا مبني على قاعدة، ما هو المسألة يعني هكذا جاءت.
    الآن العين فيها عين منفعة، تلفت عند الثاني، نقول: عليه ضمان عينها؛ لأنها حصلت بيده بغير إذن من المالك ولا إذن من الشارع.
    المستعير الأول ما دامت عنده قبل أن يعيرها فلا ضمان عليه، يعني: لا يضمن المنفعة؛ لأنه قد أباحه إياها، يضمن المنفعة من حين تعدَّى فيها وذلك بأيش؟ بإعارتها إلى الثاني، فمن حين إعارتها إلى الثاني إذا تلفت منفعتها على المستعير الأول.
    هل لصاحبها أن يُضَمِّن من شاء منهما؟
    طالب: إذا كان الثاني يعلم أنها ليست ملكًا للمعير الذي استعار منه، حينئذ للمالك أن يضمنه أيهما شاء، ويكون ( ... ) على الثاني ( ... ).
    الشيخ: سمعتم، هل كلامه صحيح؟
    المؤلف يقول: (يضمن أيهما شاء) يعني: له أن يُضَمِّن العين المستعير الأول والمستعير الثاني؛ لأن المالك يقول للمستعير الأول: أنا لم آذنْ لك في أن تدفعها إلى هذا الرجل، فأنت متعدٍّ، فعليك الضمان ويقول للثاني إذا أراد أن يضمنه: العين تلفت تحت يدك، فعليك الضمان، لكن إذا ضمن أحدهما فعلى من يستقر الضمان؟
    (2/1976)
    ________________________________________
    نقول: يستقر على الثاني إن كان عالمًا بأن المستعير الأول قد أعارها بدون إذن من مالكها، فقرار الضمان عليه؛ لأنه متعدٍّ، وإن كان لا يعلم فإذا ضمنه المالك يرجع على المستعير الأول الذي أعاره؛ لأن الرجل جاهل، والأصل في تصرف الإنسان أنه يتصرف في ملكه، فقرار الضمان على الأول؛ زيد استعار من عمرو سيارة، ثم أعارها خالدًا، فتلفت السيارة من مالكها عمرو. الآن نقول لعمرو: ضمن المنفعة زيدًا من حين أعارها إلى خالد، وضمن خالدًا السيارة؛ لأنها تلفت تحت يده، وإن شئت فضمنها زيدًا؛ لأن لك أن تضمن هذا أو هذا، بقي علينا قيمة السيارة التي ضمنها خالد، هل يرجع بها على زيد، أو لا يرجع؟
    نقول: إن كان عالمًا بأن السيارة عارية، وأنه لم يؤذن لزيد بإعارتها فقرار الضمان عليه؛ لأن يده يد غاصب، وإن كان لا يعلم فقرار الضمان على زيد، واضح؟
    التعليل واضح؛ لأنه إذا كان يعلم أن المستعير الأول وهو زيد في المثال لم يؤذن له فقد أخذ مالًا بغير حق، وإن كان لا يعلم فهو معذور، ولذلك نقول: يكون قرار الضمان على المستعير الأول.
    والخلاصة أن صاحب العارية المالك له أن يُضَمِّن المستعير الأول أو المستعير الثاني، وتضمين العين على المستعير الثاني، تضمين المنفعة على المستعير الأول.
    فعلى مَنْ يكون قرار الضمان في مسألة العين إذا ضمن أيهما شاء؟
    نقول: إذا كان المستعير الثاني عالمًا بأنها عارية لم يأذن صاحبها بإعارتها فقرار الضمان عليه، وإذا كان لا يعلم فقرار الضمان على المستعير الأول هذا معنى كلام المؤلف؛ قال: (ويضمن أيهما شاء).
    (2/1977)
    ________________________________________
    ثم قال: (وإن أَرْكَبَ منقطعًا للثواب لم يضمن) هذه مسألة تشبه العارية وليست عارية، إنسان أركب منقطعًا؛ يعني: منقطعًا في الطريق، أركبه للثواب، ليس لأجرة، ولكنه أركبه تبرعًا وتقربًا إلى الله تعالى بذلك، فهذا الذي أُرْكِب لو تلفت الدابة تحته لم يضمن، لأن الذي أركبه للثواب يده على راحلته، ويتصور هذا فيما سبق من الأسفار، رجل راكب ناقته فوجد في الطريق شخصًا منقطعًا، فنزل عن راحلته وأركبه تقربًا إلى الله، ويده على راحلته، لكن من المنتفع، المنقطع هو المنتفع، البعير عثرت وانكسرت أو ماتت، فهل على هذا الراكب الذي يشبه المستعير، هل عليه ضمان؟
    الجواب: يقول المؤلف: لا؛ ووجهه ظاهر، وجهه أن يد صاحبها عليها لم تزل، فلا ضمان على هذا الراكب، وهذه إحدى المسائل التي لا تُضمن فيها العارية.
    ومن المسائل التي لا تُضمن فيها إذا تلفت فيما استعيرت له، فإنه لا ضمان فيها، مثال هذا: رجل استعار الرشاء، أتعرفون ما هو الرشاء.
    طلبة: لا.
    الشيخ: لا إله إلا الله، الحبل الذي يستخرج به الماء من البئر، تعرفون البئر، والدلو؟
    الحبل الذي يُربط بالدلو علشان يخرج الماء يسمى رشاء، هذا الرجل استعار رشاء من شخص ثم إن الرشاء بالاستعمال تلف، هل يضمن المستعير أو لا؟ نقول: لا يضمن؛ لأن العارية هنا تلفت فيما استعملت له.
    ونظير ذلك -مما تعرفون- لو استعار سيارة إلى مكة، وتآكلت الإطارات؛ عجلات السيارة، هل يضمن أو لا يضمن؟ لا يضمن، لماذا؟ لأنها تلفت فيما استعيرت له.
    لو استعار منشفة، تعرفون المنشفة؟ استعارها ليستعملها، المنشفة مع طول الوقت زال خملها -الخمل يعني الزرع اللي فيها- هل يضمنها أو لا؟ لا يضمن، لماذا؟ لأنها تلفت فيما استعيرت له.
    (2/1978)
    ________________________________________
    وهذه المسألة تؤيد القول بأن العارية لا تُضمن إذا شرط نفي ضمانها؛ ووجه ذلك أنها إذا تلفت فيما استعملت له فلا ضمان؛ لأن صاحبها حين أعطاها هذا الرجل يستعملها قد علم أنها سوف تتلف أو تنقص بهذا الاستعمال، فكذلك إذا شرط المستعير ألا يضمنها فإنه لا شك أنه لا ضمان عليه، بل قلنا: إن الصواب أنه وإن لم يشترط أن لا ضمان عليه إذا تلفت بلا تعدٍّ ولا تفريط، فلا ضمان على المستعير؛ لأنه قبضها من صاحبها بإذن منه فيده يد أمانة.
    وبعدَ مُضِيِّ مُدَّةِ قولِ الْمَالِكِ في ماضيها بأُجرةِ الْمِثْلِ، وإن قالَ: أَعَرْتَنِي أو قالَ: أَجَرْتَني. قال: بل غَصَبْتَنِي. أو قالَ: أَعَرْتُكَ. قالَ: بل أَجَرْتَنِي والبهيمةُ تالفةٌ. أو اخْتَلِفَا في ردٍّ فقولُ الْمَالِكِ.
    (باب الغصب)
    وهو الاستيلاءُ على حقِّ غيرِه قَهْرًا بغيرِ حقٍّ من عَقارٍ ومَنقولٍ، إن غَصَبَ كَلبًا يُقْتَنَى أو خَمْرَ ذِمِّيٍّ رَدَّهُما، ولا يَرُدُّ جِلْدَ مَيْتَةٍ، وإتلافُ الثلاثةِ هَدَرٌ. وإن اسْتَوْلَى على حُرٍّ لم يَضْمَنْه، وإن اسْتَعْمَلَه كَرْهًا أو حَبَسَه فعليه أُجْرَتُه، ويجب ردُّ المغصوبِ بزِيادتِه وإن غَرِمَ أَضعافَه وإن بَنَى في الأرضِ أو غَرَسَ لَزِمَه الْقَلْعُ وأَرْشُ نَقْصِها وتَسويتِها والأُجرةُ، ولو غَصَبَ جارحًا
    استعار منشفة، تعرفون المنشفة؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: استعارها ليستعملها، المنشفة مع طول الوقت زال خَمَلها -الْخَمَل يعني الزرع اللي فيها- هل يضمنها أو لا؟
    الطلبة: لا.
    الشيخ: لا يضمن، لماذا؟ لأنها تلفت فيما استُعِيرَت له.
    (2/1979)
    ________________________________________
    وهذه المسألة تؤيد القول بأن العارية لا تُضمَن إذا شرط نفي ضمانها، ووجه ذلك أنها إذا تلفت فيما استُعملت له فلا ضمان؛ لأن صاحبها حين أعطاها هذا الرجل يستعملها قد علم أنها سوف تتلف أو تنقص بهذا الاستعمال، فكذلك إذا شرط المستعير ألَّا يضمنها، فإنه لا شك أنه لا ضمان عليه، بل قلنا: إن الصواب أنه وإن لم يشترط أن لا ضمان عليه إذا تلفت بلا تَعَدٍّ ولا تفريط فلا ضمان على المستعير؛ لأنه قبضها من صاحبها بإذن منه، فيَدُه يد أمانة، هذه مسألتان.
    المسألة الثالثة: إذا استعار كتبًا موقوفة على طلبة العلم، ثم إن هذا الكتاب مع المطالعة والمراجعة تمزَّق، أو انمحى بعض كتابته أو ما أشبه ذلك، فهل يضمن؟ لا يضمن، لماذا؟ لأنه هو نفسه مستحِق للانتفاع، لم يُعِرْه أحدٌ هو من طلبة العلم، واستعار من صاحب المكتبة هذا الكتاب، صاحب المكتبة لا يملك الكتاب؛ لأن الكتاب موقوف على مَن؟ على طلبة العلم، صاحب المكتبة ما هو إلا منظِّم، يُعِير هذا، ويعير هذا، ويعير هذا، فإذا تَلِفت الكتب الموقوفة على طلبة العلم بيدي أحد طلبة العلم أيش؟ فلا ضمان عليه؛ لأنه استعملها لا عن طريق العارية، ولكن عن طريق الاستحقاق، فليس عليه ضمان.
    فإن قال قائل: ما تقولون في رجل استعار كتابًا من مكتبة، وصار يُحَشِّي عليه، وحَوَاشٍ حواشٍ، أيضمن أو لا يضمن؟
    الطلبة: يضمن.
    الشيخ: يضمن، عجيب، ليش؟
    الطلبة: لأنه متعدٍّ.
    الشيخ: متعدٍّ، وقد بَلَغَنَا أن بعض الناس تستعير كتبًا حديثية أو فقهية من المكتبات ثم يُحشِّي عليها، والقول الراجح كذا وكذا، وهو قول مرجوح.
    وهذا القول الذي في الكتاب باطل، أو يقول: إنه بدعة بعد؛ لأن بعض الناس يظنون أن خلاف الفقهاء -رحمهم الله- أن المخالف لما يظن هذا أنه خلاف النص يكون مبتدعًا.
    (2/1980)
    ________________________________________
    ولو سلكنا هذا المسلك لكان كل الفقهاء مبتدعة إلا في مسائل الإجماع، ليش؟ لأنك أنت تقول: خالفتني فأنت مبتدع، وأنا أقول: خالفتني فأنت مبتدع، ويبقى الفقهاء كلهم بِدْعِيّون إلا في مسائل الإجماع، وهذا ما قال به أحد أبدًا، ولن يقول به أحد.
    هذه مسائل اجتهادية يرى أحد من العلماء أن هذا واجب، والثاني يقول: غير واجب، نقول: هذا مبتدع؟ !
    فالذي يرى أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وصلى وهو آكل لحم الإبل، نقول: أنت بِدْعِيّ مبتدع؟ ! ما نقول: أنت مبتدع، واضح؟
    والذي لا يُخَلِّل لحيته في الوضوء نقول: أنت مبتدع؟ فمثل هذه المسائل ينبغي للإنسان أن يعرف الضوابط في الخلاف.
    على كل حال، نحن نقول: أي إنسان يستعير كتابًا من مكتبة فإنه لا يجوز أن يُحَشِّي عليه أبدًا، فإن وجد خطأ لا شك فيه، هل له أن يعدله؟
    الطلبة: لا.
    الشيخ: لا، ليس له أن يعدله، لكن ينبه القيِّم على المكتبة، ويقول: هذه الكلمة خطأ في الصفحة الفلانية، وإذا قال: صلِّح، يصلِّح، وإذا باشر القيِّم تصحيحه فهو له.
    ثم قال المؤلف رحمه الله .. هذه المسائل التي ستأتي هي مسائل عويصة، فهل تريدون أن نمر عليها مَرّ الكرام؟ يعني بمعنى أننا لا نحمل معنا شيئًا؛ لأن الكريم لا يُكلِّف مَن نزل ضيفًا عليه شيئًا، تريدون نَمُرّ عليها أو نلغيها بالكلية؟
    لأنه إذا كان أنتم الآن ما فهمتم المسألة اللي قبل، وقلتم: إن كلامي العربي الفصيح كلام أعجمي، كيف ( ... ) كلامكم.
    الطلبة: الثالث.
    الشيخ: أيش الثالث؟
    الطلبة: التفصيل.
    الشيخ: تشرح؟
    الطلبة: ( ... ).
    الشيخ: أنا ( ... ) يمكن أربعة دروس.
    الطلبة: لا ما ( ... ).
    الشيخ: نشوف، الاختلاف بين الْمُعِير والمستعير، إن قال: أَجَرْتُك، قال: بل أَعَرْتني، قُبِل قول مدَّعِي الإعارة إذا كان هذا الخلاف عقب العقد، إذا قال: أَجَرْتُك، قال: بل أعرتني، من الذي يقول: أجرتك؟
    الطلبة: صاحب المال.
    (2/1981)
    ________________________________________
    الشيخ: المالك، يقول: أجرتك، يعني: فأريد منك أجرة، وذاك يقول: بل أَعَرْتَنِي فليس عَلَيَّ أجرة، يقول عقب العقد قُبل قول مدَّعِي الإعارة، مَن مدَّعِي الإعارة هنا؛ المالك ولَّا الذي أخذ السلعة؟
    الطلبة: المستعير.
    الشيخ: المستعير، نقول: ما دام عقب العقد، الآن ما مضى مدة حتى نقول: يلزمك أيها المستعير أجرة المثل عقب العقد.
    قال مثلًا: أَعِرْنِي هذا الكتاب، قلت: تفضل، وبعد أن أخذه بخمس دقائق قال: إنك أَعَرْتَنِي، فقلت: لا أبدًا، أنا أجَّرتك، مَن القول؟
    الطلبة: قول المستعير.
    الشيخ: قول مدَّعِي الإعارة، وإذا جعلنا القول قول مدَّعِي الإعارة سهُل الأمر؛ لأننا إذا قلنا للمالك: أنت قولك مرفوض، والقول قول مدَّعِي الإعارة -ما نقول: المستعير-، ولهذا كلام المؤلف مضبوط مُحْكَم.
    المسألة بسيطة، ويش يقول المالك؟
    الطلبة: ( ... ).
    الشيخ: يقول: أعطني إياها، ما دام إنها عارية هاتها، ولا صار شيء، واضح؟
    إذا كان بعد مُضِيّ مدة لها أجرة المثل؟
    يقول المؤلف: (وبعد مضي مدة فقول المالك) بأجرة المثل.
    قال المالك: أجرتك، قال: بل أعرتني، وهذا الخلاف بعد مضي أسبوع، أسبوع له أجرة ولَّا لا؟
    الآن مَن القول قوله؟
    الطلبة: المالك.
    الشيخ: قول المالك، الآن القول قول المالك، ليش؟ لأن الأصل في قابضِ مُلكِ غيره الضمان، هذا القاعدة.
    فإذا قال المالك: أنا مؤجرك، فالقول قوله، ولكن كيف يكون تقدير الأجرة؟
    هل نقول: إذا ادَّعَى المالك أنه أجَّره إياه كل يوم بعشرة ريالات فإن القول قول المالك؟ لا؛ لأن الذي أخذها لم يعترف بالإجارة حتى الآن، نقول: نرجع إلى أيش؟ إلى أجرة المثل، فيقال: كم تؤجر هذه العين في مدة أسبوع؟ إذا قال: مئة ريال، قلنا: هات مئة ريال.
    (2/1982)
    ________________________________________
    بالعكس، قال: أَعَرْتُك، قال: بل أجرتني، مَن القول قوله؟ الآن هذه عكس المسألة، الآن المالك يقول: أعرتك، وهو يقول: أجرتني، نقول: إن كان عقب العقد فقول مدَّعِي الإعارة، مَن مدَّعِي الإعارة في هذه الصورة؟
    الطلبة: المالك.
    الشيخ: المالك، نقول: القول قول المالك؛ لأن الأصل عدم عقد الإجارة، وإذا قال: أعطني إياه، قلنا: تفضل خذها.
    بعد مُضِيّ مدة القول قول المالك أيضًا، وإن كان مدَّعِي الإعارة، لكنه إذا كان هو مدَّعِي الإعارة فإنه لا أجرة له، إذا مضت المدة، يعني بعد أسبوع قال: إني مُعِيرُك إياه، وقال الذي هي بيده: بل هي بالإجارة.
    هنا قد تقولون: كيف يدَّعِي مَن هي بيده أنها بالإجارة، وذاك يقول: إنها بالإعارة؟
    نقول: نعم، إذا تلفت فأيهما أَحَظُّ للمالك؛ أن تكون بإجارة أو بإعارة؟
    طلبة: إجارة.
    طلبة آخرون: إعارة.
    الشيخ: إعارة، إذا تلفت فالمالك يقول: إنها عارية، علشان تُضْمَن، سواء تعدى أو فَرَّط، لكن لو ثبت أنها إجارة
    لا يضمن إلا بتعدٍّ أو تفريط، وإن قال: أعرتني أو أَجَرْتَنِي، قال: بل غَصَبْتَنِي، من اللي يقول: أعرتني أو أجرتني؟
    طالب: المستعير.
    طالب آخر: مُدَّعِي الإعارة.
    الشيخ: اللي بيده، مدَّعِي الإعارة اللي بيده، ما هو بالمالك.
    أو قال: أجرتني، قال: بل غصبتني، أخذتَها مني غصبًا، فيقول المؤلف: القول قول المالك؛ أنها غصب، وإنما يقول المالك: إنها غصب، من أجل أن يضمن الغاصب المنفعة والعين؛ لأنه لو كان مُعِيرًا فالمنفعة غير مضمونة على مَن هي بيده، ولو كان مُؤْجِرًا فالمنفعة أيضًا للمستأجر، وهي مضمونة عليه بالأجرة وقد سلَّمها، لكن لو تلفت العين بلا تعدٍّ ولا تفريط لم يضمنها؛ والغاصب؟
    الطلبة: يضمن.
    الشيخ: الغاصب -شوف بارك الله فيكم- يضمن، سواء تعدَّى أو فرَّط، ويضمن العين والمنفعة، وكل ما يترتب على العين من نقص.
    (2/1983)
    ________________________________________
    فإذا قال: أعرتني، قال: لا، بل غصبتني، قال: أجرتني، قال: بل غصبتني، هذه مسألتان، أو قال: أعرتك، قال: بل أجرتني، اللي يقول المالك: أعرتُك، وذاك يقول: أجرتني، والبهيمة تالفة، فالقول قول مَن؟
    الطلبة: المالك.
    الشيخ: قول المالك، إن قال: أعرتك، قال: بل أجرتني، والبهيمة تالفة يعني أو غير تالفة في مسألة الإجارة.
    قال: أعرتك، قال: بل أجرتني، القائل: أعرتك، مَن؟
    الطلبة: المالك.
    الشيخ: المالك، والقائل: أجرتني؟ مَن هي بيده، البهيمة تالفة الآن، إذا كانت تالفة وثبت أنها عارية فعلى مَن يكون ضمانها؟
    الطلبة: المستعير.
    الشيخ: على المستعير، سواء فرَّط أو ما فرَّط، وهذا على المذهب، وإذا كانت إجارة أيش؟
    الطلبة: لم يضمن.
    الشيخ: لم يضمن إذا لم يتعدَّى أو يفرِّط، فيقول المؤلف: إن القول قول المالك، وهذا حتى فيما إذا لم تكن تالفة، فالقول قول المالك؛ لأن الأصل فيمن قبض مال غيره -كما سبق- الضمان.
    اختلفَا في الرد، جاء للمالك وقال: أَعْطِنِي العارية التي أعرتك، قال: رددتُها عليك، فالقول قول مَن؟
    الطلبة: المالك.
    الشيخ: ويش الأصل؟
    الطلبة: عدم الرد.
    الشيخ: الأصل عدم الرد، القول قول المالك؛ لأن الآن الذي هي بيده اعترف بأنها كانت في يده، وادَّعى أنه ردَّها، فالقول قول المالك، هل هذه هي مسألة المخزومية؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: فكِّروا.
    الطلبة: نعم يا شيخ.
    الشيخ: لا، المخزومية تَجْحَد، تقول: ما أعرتني، وهذا يقول: أَعَرْتَنِي لكن رددتها عليك، وبينهما فرق، ولهذا لو ثبت أن هذا لم يردَّها فإننا لا نقطع يده، لكن الْجَحْد يقتضي ألَّا يطالَب هذا الذي ادُّعِي عليه العارية، لا يُطالَب أصلًا إلا إذا ثبت أنه مستعير، فبينهما فرق واضح، ولَّا لا؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: واضح، المهم أن المستعير أَقَرَّ بأنه مستعير، لكن ادعى أنه قد رَدّ.
    (2/1984)
    ________________________________________
    نقول: الأصل عدم الرد، ما دمت اعترفت الآن أنه قد وصلك مال فلان فاضمنه له، فإذا قال: إني رددته، قلنا: القول قول المالك.
    لو أتى المستعير ببينة أنه رَدَّه؟
    الطلبة: قُبِل.
    الشيخ: قُبِلَ قوله بقوله، ولَّا بالبينة؟
    الطلبة: بالبينة.
    الشيخ: بالبينة، هذا واضح، وكل كلام المؤلف اللي خالفت هذه كلها إذا لم يكن بينة، أما إذا كان بينة فالبينة قاضية على كل شيء، خلاص؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: الحمد الله إن الله أخلف ظني.
    طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ» (1)، لا يدل على أن العارية تُضْمَن بشرط؟
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: قد يقال هكذا: إنه إذا شرط الضمان يضمن، وقد يقال: إنها مضمونة، يعني: في حكم الضمان، وذلك عند التعدي والتفريط؛ لأن صفوان خاف ألَّا يردَّها الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا قبل إسلامه.
    طالب: ( ... ) الأول والثاني، ما يعلم أن فيها ضمانًا.
    الشيخ: فيها ضمان؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: أما على قولنا ما فيه إشكال، على قولنا: إنه لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، ما فيه إشكال، لكنه إذا تعدَّى وأعارها فهو متعدٍّ عليه الضمان.
    الثاني إذا كان ما يعلم ما عليه ضمان.
    الطالب: ما يعلم.
    الشيخ: ويش ما يعلم؟ ما يعلم أن إعارتها حرام؟ ما يُعْذَر، أرأيت لو أن شخصًا اشتهى خبزك اللي عندك وأكله، وقال: والله ما دريت أنه حرام، يضمن ولَّا ما يضمن؟ أجب.
    الطالب: يضمن.
    الشيخ: يضمن، مسائل الحقوق الآدمية ما يفرَّق فيها بين العالم والجاهل، إلا في مسألة الإثم فقط.
    طالب: بارك الله فيكم، هل هناك فرق بين قول القائل: بل عارية مضمونة، وقوله: بل عارية مُؤَدَّاة، هل هناك فرق بين العبارتين؟
    الشيخ: إي نعم، إذا قال: مؤداة، فمعناه أنه لا بد أن يؤديها على كل حال، سواء فرَّط أو ما فرَّط، وإذا قال: مضمونة، فمعناها مضمونة حسب القواعد الشرعية.
    (2/1985)
    ________________________________________
    طالب: لو قال المالك: أعرتك، وقال الثاني: بل أجرتني بعد مُضِيّ مدة.
    الشيخ: له أجرة المثل، القائل مَن: أجرتك؟
    الطالب: المالك يقول: أعرتك، والثاني يقول: لا، بل أجرتني.
    الشيخ: فعليه أجرة المثل.
    الطالب: يعني القول قول من يا شيخ؟
    الشيخ: القول قول مَن يدَّعِي الإعارة؛ لأن الأصل عدم الإجارة، لكنه لما أقر هذا المستعير فعليه أجرة المثل.
    طالب: شيخ بارك الله فيكم، إذا قلنا بأنها مؤداة، بمعنى أنها تُرْجَع لصاحبها، يضمن سواء تعدَّى أو لم يتعدَّ، أو فرَّط أو لم يفرِّط، فإن فيه حديثًا في سنن الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» (2)، فقال بهذا اللفظ: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ»، فهل يُفهَم من قوله صلى الله عليه وسلم هذا أنه .. ؟
    الشيخ: الظاهر أن معنى «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» في الحديث، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] يعنى: معناه أنه يجب على المستعير أن يردها إلى أهلها ومؤونة الرد عليه، ويلزمه أن يحافظ عليها حتى لا تتغير.
    واعلموا -بارك الله فيكم- أن الألفاظ المحتمِلة في أفراد المسائل تُرجَع إلى القواعد العامة الشرعية؛ لأن هذه الأشياء -خصوصًا قضية صفوان- قضايا أعيان، ما ندري ما الذي احتفَّ بها من القرائن، لكن ما دام عندنا قواعد شرعية واللفظ محتمِل نطبق على القواعد الشرعية.
    طالب: أحسن الله إليك، متى يجب على المستعير ( ... ).
    الشيخ: يجب عليه أن يُردَّها إذا انتهت المدة، إذا كان قد قُدِّر لها مدة، ويجب أن يردَّها بطلب صاحبها إذا طلب ردَّها لا بد.
    ويجب عليه ردُّها إذا خاف عليها من سُرَّاق أو غيرهم، ويجب عليه ردها إذا سافر.
    الطالب: فإذا لم يحصل شيء من الأربعة.
    الشيخ: لا ربما ما أستطيع، ما هذا حصل، هذا من الأمثلة.
    (2/1986)
    ________________________________________
    طالب: رضي الله عنك يا شيخ، أنا أقصد يا شيخ إن كل يَدٍ أخذت عليها ما أخذت، ولها ما ( ... ).
    الشيخ: على اليد ما أخذت حتى تؤديه.
    الطالب: والمؤلف يقول لمن استعار أخذها المعير من المستعير الأول، يغرِّم أيهم شاء، فيه إشكال؛ لأنه وجَّه المعير على المستعير الأول.
    الشيخ: إي، لكن المالك يقول: أنا أُضمِّن مَن شئت؛ لأن المستعير الأول تعدَّى بإعارتها بدون إذن مني، والمستعير الثاني تلف مالي تحت يده.
    الطالب: صار عندكم إشكال.
    الشيخ: والآن زال ولَّا ما زال؟
    الطالب: زال، ( ... ) إشكال.
    الشيخ: زال، وهو إنه ..
    الطالب: يعني إذا كان .. نرجح أن الضمان على الأول.
    الشيخ: ما يخالف، هو صحيح قرار الضمان على الأول إذا كان الثاني لم يعلم، أما إذا علم الثاني أنه أخذ العين بغير حق، وأنه ليس للمستعير الأول أن يُعِير فهو ظالم معتدٍ، ليش ما يجعل القرار عليه؟ !
    الطالب: أن هذاك فرَّط في حق غيره يا شيخ، فالأول فرَّط في حق غيره.
    الشيخ: ما يخالف، لكن هذا الثاني يعلم بأن وجود هذه العين بيده غير شرعي.
    الطالب: صحيح يا شيخ.
    الشيخ: صحيح خلاص، الحمد لله.
    طالب: شيخ حفظكم الله، ( ... ) إذا أعار الثاني فعلى الأول ضمان المنفعة.
    الشيخ: ضمان المنفعة من حين أعاره.
    الطالب: إلى أن تتلف.
    الشيخ: حتى تتلف.
    الطالب: وقت التلف يا شيخ إلى أن تُرَدّ من يضمنه.
    الشيخ: لا هي تلفت.
    الطالب: ما ترد يا شيخ؟
    الشيخ: تُرَدّ وين؟ تلفت العين، عليه ضمان المثل بمثله، والمتقوَّم بقيمته.
    الطالب: حتى ما يعطيه قيمته ..
    الشيخ: إي، فاتت الآن ما هي موجودة، يعني ما لها شيء.
    طالب: أحسن الله إليكم، شيخ، ما تقولون فيمن قال من أهل العلم بأن العارية تُرَدّ بمجرد مرور الوقت المعروف عرفًا الذي يتم الانتفاع بها، بمجرد ما يمر هذا الوقت يجب على المستعير أن يرد ..
    (2/1987)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا صحيح، نقول: صحيح يجب؛ لأنه انتهت المدة، يعني لو أعرف أن هذا الرجل استعار مني هذا الإناء للظروف اللي عنده فقط وانتهى الظرف، يجب، أو استعار هذا كتاب لـ .. ( ... ).

    ***
    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    ما حكم العاريَّة من حيث الحكم التكليفي؟
    طالب: بالنسبة للمعير؟
    الشيخ: بالنسبة للمعير.
    الطالب: سُنَّة، بالنسبة للمستعير جائزة.
    الشيخ: ما الدليل على أنها سُنَّة المعير؟
    الطالب: لأنها من عقود الإحسان.
    الشيخ: الدليل، ما هو التعليل؟
    الطالب: تدخل في قول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
    الشيخ: لا.
    الطالب: في قوله: {وَأَحْسِنُوا}.
    الشيخ: إي، تدخل في قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، أما {تَعَاوَنُوا} هذا إذا استعارها لبر أو تقوى.
    وما حكمها بالنسبة للمستعير؟
    طالب: من يرى ( ... ).
    الشيخ: نعم، هل هناك ما يدل على هذا؟
    الطالب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعار واستعار، والصحابة ..
    الشيخ: استعار أيش؟
    الطالب: استعار مِن ..
    طالب آخر: من صفوان بن أمية.
    الشيخ: صفوان بن أمية دروعًا، ولا بد أن فيه أيضًا أشياء غير هذا، لكن هذا اللي أمامنا الآن.
    العاريَّة بالنسبة للحكم الوضعي؟
    طالب: جائزة لكليهما، إلا إذا ترتب عليها ضرر فللمستعير.
    الشيخ: يعني من العقود الجائزة، يجوز للمعير أن يَرْجِع، ويجوز للمستعير أن يَرُد، كذا؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: إلا إذا تضمن الرد ضررًا على المستعير، مثاله؟
    الطالب: مثاله كأن يُعِيره سفينة ..
    الشيخ: لا، الأول أصح.
    الطالب: كأن يعيره سفينة لحمل متاعه، وإذا صارت في لجة البحر قال: رَجَعْتُ، هنا ليس له أن يرجع.
    الشيخ: أو حائط يبني على خشبه، ثم يقول: رَجَعْتُ.
    وهل هي من عقود الضمانات، أو لا؟
    (2/1988)
    ________________________________________
    الطالب: على المذهب من عقود الضمانات.
    الشيخ: نعم، فهي مضمونة على مَن؟
    الطالب: على المستعير بكل حال.
    الشيخ: بكل حال، سواء فرَّط أم لم يفرِّط، وعلى القول الراجح؟
    الطالب: القول الراجح أنه من عقود الأمانات.
    الشيخ: من عقود الأمانات، فلا يضمن المستعير؟
    الطالب: إلا إذا تعدَّى أو فرَّط.
    الشيخ: إلا إذا تعدَّى أو فرَّط، تمام.
    في المذهب أشياء لا تُضْمَن فيها العاريَّة؟
    طالب: إذا تلفت بسبب الاستعمال.
    الشيخ: إذا تلفت باستعمالها فيما استُعِيرَت له، مثاله؟
    الطالب: مثال ذلك: إطارات السيارة، لو استعارها وانمسحت الإطارات فلا ضمان عليه؛ لأنها ..
    الشيخ: مثل إطارات السيارات، السيارة اللي استعارها ليسافر عليها، وتآكلت، فإنه لا ضمان فيها؛ لأنها تلفت فيما؟
    الطالب: استُعِيرَت له.
    الشيخ: استُعِيرَت له، نعم تمام.
    شيء ثانٍ يُسْتَثْنَى على المذهب؟
    طالب: مثال ذلك: لو استعار حبلًا لكي يخرج الماء من البئر.
    الشيخ: لا، هذه داخلة في القاعدة فيما استُعِيرَت له.
    الطالب: على قول المؤلف: لو أركب مُنْقَطِعًا في الطريق للثواب ..
    الشيخ: لو أركب منقطعًا للثواب ..
    الطالب: لم يضمن، لو تلفت الدابة تحت يد الراكب هذا لم يضمن؛ لأن يد صاحبها عليها.
    الشيخ: لا بأس، لكن هذا تراه يمشي على عصا أعرج.
    طالب: الكتب الموقوفة إذا أُعِيرَت لطالب علم إذا تمزقت من الاستعمال.
    الشيخ: الكتب الموقوفة على طلاب العلم إذا أعارها القيِّم عليها لشخص ينتفع بها ثم تلفت فلا ضمان.
    طالب: إذا استعار ممن لا ضمان عليه.
    الشيخ: إذا استعار ممن لا ضمان عليه، مثل؟
    الطالب: المستعير من مستأجر.
    الشيخ: كمستعير من المستأجر؛ لأن الأصل لا ضمان عليه، فالفرع لا ضمان عليه، هذه ما ذكرناها لكن صحيح، الجواب صحيح.
    هل يجوز للمستعير أن يُعِير؟
    طالب: لا يجوز.
    الشيخ: هل يجوز للمستعير أن يُعِير؟
    الطالب: لا يجوز، إذا علم أن ..
    الشيخ: اصبر، يجوز ولَّا ما يجوز؟
    الطالب: لا يجوز.
    (2/1989)
    ________________________________________
    الشيخ: هل يجوز للمستأجر أن يُعِير؟
    الطالب: على قول المذهب؟
    الشيخ: إحنا ما تكلمنا على المذهب، إلا إذا قلنا: بيِّن الراجح؟
    الطالب: يجوز.
    الشيخ: ما الفرق؟
    الطالب: أن المستأجر ملك المنفعة، والمستعير لم يملكها.
    الشيخ: مالك أيش؟
    الطالب: الانتفاع.
    الشيخ: الانتفاع، تمام، صحيح كلامه؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: إي نعم، هذا صحيح؛ لأن أنا إذا أعرتك أريد أن تنتفع، ما أريد أن تتصرف فيها.
    استعار شيئًا فأعاره لشخص آخر، ثم تلف هذا المستعار؟
    طالب: يكون الضمان على الثاني.
    الشيخ: لا.
    طالب: إذا أعار الشيء ثم تلف في يد الثاني فإن الضمان يكون على الثاني يا شيخ.
    الشيخ: على الثاني؟
    الطالب: ثم يكون القرار على الأول.
    الشيخ: على الثاني مطلقًا.
    الطالب: لا يا شيخ، تفصيل.
    الشيخ: فَصِّل.
    الطالب: إذا كان جاهلًا ..
    الشيخ: لا.
    طالب: على الثاني ضمان العين، والأول عليه ضمان المنفعة.
    الشيخ: أحسنت، على الثاني ضمان العين، وعلى الأول ضمان المنفعة يعني الأجرة.
    متى يبتدئ ضمان المنفعة؟
    الطالب: من حين استعار الثاني.
    الشيخ: من حين أعاره إلى الثاني.
    هل للمالك أن يُضَمِّن من شاء منهما؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: له أن يُضَمِّن من شاء، قرار الضمان على مَن؟
    طالب: على الأول، المستعير الأول
    الشيخ: على الأول؟
    الطالب: نعم، المستعير الأول.
    الشيخ: مطلقًا؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: جازم؟
    طالب: إلا إذا الثاني تعدَّى مثل ..
    الشيخ: لا، ما يتعدى أبدًا، هي العارية ما يقدر يتعدى؛ لأن العارية مضمونة على كل حال.
    الطالب: إذن يرجع على الأول.
    طالب آخر: على الثاني، إلا إذا كان جاهلًا لأنه أعاره من تسبب ..
    الشيخ: يعني إن علم الثاني فالقرار عليه، وإن جهل فالقرار على الأول، لكن صاحب العين له أن يُضَمِّن من شاء.
    إذا ضَمَّنَ الثاني في حال لا يستقر عليه الضمان، فماذا نصنع؟
    طالب: يرجع الثاني على مَن أعاره.
    الشيخ: يرجع ..
    الطالب: على مَن أعاره.
    (2/1990)
    ________________________________________
    الشيخ: الغارم اللي ضَمِن على مَن أعاره، صحيح، يعني معناه: مَن ليس عليه قرار الضمان يرجع على مَن عليه قرار الضمان، وأما المالك فإنه مُخَيَّر.
    ***
    بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله: (أو اختلفَا في رَدٍّ فقولُ المالك)، إذا (اختلفَا) يعني: المعير والمستعير.
    (في ردٍّ) فالقول قول المالك.
    مثاله: أعار إناءً لشخص، ثم جاء يطلبه منه، فقال المستعير: رددته، وقال المعير: لم تردَّه، فالقول قول مَن؟
    الطلبة: المالك.
    الشيخ: قول المالك، بناء على القاعدة المعروفة أن مَن قبض العين لمصلحة نفسه لم يُقْبَل قوله في الرد، هذه قاعدة الفقهاء، كل مَن كانت العين بيده لمصلحته فإنه لا يُقبَل قوله في الرد.
    والمستعير العين في يَدِه أيش؟ لمصلحته، فإذا قال: رددتها عليك، قلنا: لا نقبل قولك إلا إذا أتيت ببينة بأنك رددته، كذا؟
    نفرع على القاعدة هذه، إذا كانت المنفعة لصاحب العين، لا لمن هي بيده، فهل يُقْبَل قوله في الرد؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: يُقْبَل؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: مثل؟ الوديعة عند شخص، رجل أودع عند إنسان شيئًا، ثم جاء يطلبه، فقال المودَع: إني قد رددته عليك، فهنا القول قول المودَع؛ لأنه إنما قَبَضَ العين لمصلحة مالكها، فهو كالوكيل له في حفظها.
    إذا كان لمصلحتهما جميعًا كالعين المستأجَرة فإن العين المستأجَرة بيد المستأجِر لمصلحته ومصلحة مالكها؛ لمصلحته من أجل استيفاء المنفعة التي تم العقد عليها، ولمصلحة مالكها من أجل الأجرة المتَّفَق عليها، فهل نقول: القول قول المستأجِر، أو نقول: القول قول المُؤْجِر؟
    الطلبة: المستأجر.
    الشيخ: يُغلِّبون جانب الاحتياط، يقولون: إذا كانت العين بيد الإنسان لمصلحة الطرفين وادَّعى ردها فإنه لا يُقْبَل إلا ببينة.
    وظاهر كلامهم في هذا أنه لا فرق بين الرجل المعروف بالصدق والأمانة والحفظ، والرجل المعروف بالكذب والخيانة والنسيان، هذا ظاهر كلامهم -رحمهم الله-.
    (2/1991)
    ________________________________________
    ولكن لو قيل بأنه يجب النظر إلى القرائن أولًا، فإذا لم يكن قرينة فالقول ما ذهبوا إليه، أي: ما ذهب إليه الفقهاء -رحمهم الله-.
    أما مع القرينة فلا ينبغي أن يُقال: إن القول قول المالك، أو قول مَن هي بيده، بل يُرجَع إلى ما تقتضيه القرينة، وهذا هو الأقرب للصواب؛ لأن قرائن الأحوال شواهد بمنزلة البينة، فلو أن شخصًا أعارَ رجلًا أمينًا صدوقًا حافظًا شيئًا، ثم جاء يطلبه فقال المستعير: قد رددته عليك، وقال الْمُعِير: لم ترده عليّ، والْمُعِير معروف بالنسيان، وأنه كثيرًا ما ينسى، ولذلك شواهد، فهنا لا يسوغ أن نقول: إن القول قول مَن؟
    الطلبة: المعير.
    الشيخ: قول المعير المالك؛ لأن هذا الذي ادَّعى الرد ثقة صدوق حافظ، فيكون القول قوله، لكن لا بد من اليمين، والقرائن تعمل عملها.
    أرأيتم الحاكم الذي حكم بين يوسف وامرأة العزيز، ماذا قال حينما دافع عن نفسه؟ قال: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} [يوسف: 26] يقول يوسف، وهي ادَّعت أنه أراد بها سوءًا، قال: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}، الحاكم حكم بالقرينة، لم يحكم بالبراءة للمرأة ولا ليوسف، القرينة، قال: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 26، 27]، لماذا؟
    لأنه إذا كان من دُبُر فمعناه أن الرجل هرب منها ولحقته فأمسكت بقميصه، وإذا كان من قُبُل فالمرأة هي المدافِعة عن نفسها حتى مزَّقت القميص، فهذه قرينة.
    كذلك القَسَامة في القتل يُحْكَم فيها بالقرينة، ويُهدَر الأصل.
    القسامة: إذا ادَّعى جماعة على قبيلة أنهم قتلوا صاحبهم، وكان بينهم عداوات، وأولياء القتيل ليس عندهم بينة، لكن حلفوا أن فلانًا من هذه القبيلة هو الذي قتل قتيلهم، ويش الأصل؟
    (2/1992)
    ________________________________________