الموضوع: إلى كافونيا
عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية AshganMohamed
AshganMohamed
:: منتسب جديد ::
تاريخ التسجيل: Oct 2019
رقم العضوية : 154
المشاركات: 1,917
:
:
:  - :
قديم 01-15-2020, 07:00 AM
# : 1
AshganMohamed
  • معدل تقييم المستوى : 10
  • الإعجاب:
    افتراضي إلى كافونيا
    من كل قلبي أن يكون ذالك البلد لقد كان يبدو صعباً بشكل ما حتى بعد مغادرتهم انكلترا انهم سيصلون في النهايه إلى كافونيا .
    كانت السفينة التي نقلتهم من مرسيليا قد وضعت مراسيها ألان فأمكنها أن ترى جموعاً محتشدة على الرصيف منتظرين استقبال كاترين .
    كان يبدو لها بمثابة الحلم أن يسمح لها بالسفر مع خالها سبتيموس بورن وابنة خالها اللايدي كاترين بورن .كانت ثيولا تعلم جيداً انه ليس العطف هو الذي جعل خالها يحضرها معه ، وإنما كان الامر ببساطه هو انهما لم يجدا فتاة تقبل بالحضور معه كوصيفه لبنته كاترين .
    قالت زوجة خالها من الطرف الآخر للمائدة :" أرجو هادئاً "
    فقال خالها مؤكداً :" أنها كذالك طبعاً وكما تعلمين جيداً يا أديليد أن كافونيا ( كانت تابعه لليونان ) و هي بلد مستقل منذ سنوات طويلة ألان بعد أن استقرت الأمور في اليونان تحت حكم الملك جورج لم يعد هناك سبب للخوف على سلطة الملك فرديناند ( ملك كافونيا ) فها هو ذا قد حكم البلاد اثنتي عشر سنة دون مشاكل . آن شعب قانونيا مشهور بقدرته القتالية وهذا هو السبب في حذر الامبراطوريه العثمانية منهم وتركهم وحدهم فالبلاد كما ترين جبليه ما يجعلهم يحتاجون لغزو كافونيا إلى جيش ضخم بما في ذلك إلى خسارة كبيره في الأرواح "

    قالت ثيولا :" لقد سبق وغزا الأتراك ألبانيا "
    فقال خالها ببرود :" هذا شيء اعلمه تماماً وعندما احتاج إلى معلومات منك فسأطلبها بنفسي "
    فقالت ثيولا :" اسفه خالي "
    فقالت اديليد :" آن ما علينا التركيز عليه هو العثور على من ترافق كاترين . ما رأيك عزيزي في آن نطلب ابنة السيد بييربوينت إذ ندعوها لمرافقة ابنتنا كاترين !"
    فجاب بغضب :" لا أريد المزيد من الرفض فقد قررت أن ثيولا هي التي يجب أن ترافق كاترين "
    هتفت اديليد بذلك بصوت ينطق بالذهول " ثيولا !" .
    فقال :" لا أريد المناقشة في ذالك فقد حزمت أمري سترافقنا ثيولا إلى كافونيا وستبقى هناك إلى أن نجد امرأة فتأخذ مكانها "
    خافت ثيولا من أي تعليق يصدر عنها قد يضايق خالها فيغير رأيه .
    وبعد أن أمضت نهاراً حافلاً بالتعب والارتباك جلست ليلاً حيث آخذت ثيولا تناجي أباها الراحل بقولها :" إنني ذاهبة إلى كافونيا يا أبي فهل أنت مسرور ؟ أنها ليست اليونان بل مدينه قريبه منها واكثر أهلها من اصل يوناني . آه يأبى كم اتمناك معي "
    كانت تمر عليها لحظات كثيره بهذا الشكل منذ وفاة والديها ومجيئها لتعيش مع خالها في ويلتشاير .
    كان خالها أحد أغنى أغنياء إنجلترا وأكثرهم شحاً وبخلاً . كما أن زوجته اديليد والتي كانت تدعى قبل الزواج اللايدي اديليد هولتز ملدرستين لا تقل عنه شحاً وبخلاً .
    ولم تجد ثيولا في بيتها الجديد من وسائل الراحة ما اعتادته في ذالك الكوخ الصغير والذي عاشت فيه مع والديها قبل موتهما .
    كانت أحيانا عندما كانت ترتجف برداً في تلك الغرف الفسيحة غير المدفأة تتمنى لو أنها ماتت معهما شاعرة بأن الكابه والتعاسة يحدقان بها .
    ولكنها لم تكن تعاني من الآلام الصحية فقط فقد كانت هناك القسوة النفسية كما أخبرتها أمها الراحلة . مقدار الكراهية العميقة والتي كان شعر بها خالها نحو أخته الوحيدة ( أمها ) بسبب فعلتها وتمريخ راس أسرتها بالوحل.
    كان خالها ما يزال يتعلم في اكسفورد عندما تعاقد أبوه ( جدها ) مع معلم ليعطيه دروساً خاصة أثناء عطلته إصرارا منه على أن ينجح بنيل الشهادة .

    كان الأستاذ رتشارد وارين ( أبوها ) لامع الذكاء في التاسعة والعشرين من عمره . قد اختص بتدريس أعمال المشاهير كتاب الإغريق وللآتين بكل نجاح ما جعل عدداً كبيراً من الأرستقراطيين ينجحون في نيل شهادتهم النهائية على يديه . ورغم ثقافته وانحداره من أسره عائله محترمة لم يكن جدها يرى له شأنا يذكر .
    وانعكس موقفه هذا على ابنه سبتيموس الذي كان لا يقل ثوره وسخطاً عن أبيه عندما تبين أن رتشارد وارين هذا قد تزوج أخته الوحيدة الأيدي اليزابيث بورن .

    وبعد أربع سنوات من زواجهما ولدت سيولا فكتبت اليزابيث إلى والديها تخبرهما بولادة حفيدة لهما .
    وعند إعلان مقتل اليزابيث وزوجها في اصطدام قطار ، زار سبتيموس والذي كان ألان قد ورث عن أبيه منزل خارج اكسفورد والذي كانا يعيشان فيه .

    وهناك اخبر ثيولا التعسة الشاحبة الوجه بأنها من ألان وصاعداً ستعيش في منزله
    وكان سبتيموس قد تزوج عندما كان في الواحدة والعشرين وولدت له زوجته ابنه أطلق عليها اسم " كاثرين " والتي كانت اكبر من ثيولا بعام واحد . كان سبتيموس قد تزوج عندما كان في الواحدة والعشرين وولدت له زوجته ابنته الوحيدة كاترين والتي كانت اكبر من ثيولا بعام واحد .
    قال لها خالها حينذاك بخشونة :" لا تظني أنني مسرور في آن تتزوج شقيقتي من رجل يحصل معيشته من وراء التعليم ..رجل أسلافه من حثالة الناس !"
    فردت عليه ثيولا بحدة :" هذا ليس صحيحاً .. لقد كان والدا آبى محبين كما كانا محترمين جداً في بيدفورد شاير حيث كانا يعيشان ، وآبى نفسه كان شخصيه لامعة ككثيرين ..."
    وسكتت فجأة عندما صفعها خالها على وجهها بشدة وهو ينفجر فيها قائلاً بعنف :" كيف تجرؤين على مجادلتي ! فليكن هذا واضحاً لك منذ البداية ياثيولا . حيث انك ابنة أختي ولهذا ستعيشين في منزلي على آن تطيعيني وآلا تأتي على ذكر أبيك أو أمك أمامي ..هل هذا مفهوم "




    اكتفت ثيولا بأن تنظر آلي خالها وهي تشعر بصدمة تواجهها في حياتها ولكنها تعلمت أثناء الشهور التي تلت أن خالها على استعداد لصفعها كلما ضايقته وكثيراً ما كان يحدث هذا .
    لم تكن تعرف من قبل آن من الممكن آن يحوي العالم أناسا مثل خالها وزوجته فأذ كانت صفعات خالها مؤلمة ، فأن لاطمات زوجته ولومها المتواصل كان اشد إيلاما مما يمكنها احتماله .

    ولم تكن ثيولا قط تصورت ماهية العيش مع الكراهية .
    فقد كان الحب محيطاً بها على الدوام الحب الذي كان يكنه والداها كل للآخر والذي يبدو انه كان يشع حولهما كلما كانا معاً ، كما كان الحب الذي كانا يسبغانه عليها يشعرها على الدوام بأنها شيء ثمين حقاً .
    حاولت ثيولا كثيراً إنشاء صداقه مع ابنة خالها المتعجرفة كاثرين لأكنها وجدت ذلك صعباً .
    فقد ورثت كاثرين طبيعة والديها الباردة الشعور والقسوة وتكبر فكانت لا تكترث بآي شخص آلا إذا كان في ذلك ما يعود إليها شخصياً بنفع .
    وسرعان ما وجدت ثيولا أن عليها آن تدفع أجرة سكنها وطعامها في بيت خالها وذلك بأن تكون عامله عند كاثرين وتحولها آلي خادمه خاصة لها . فكانت تذهب وتجيء لإحضار الأشياء ونقلها وذلك منذ اللحظة التي تستيقظ فيها آلي آن تذهب إلى فراشها في الليل . فكانت تكوي ملابس كاثرين كما كان عليها آن تغسل لها أثوابها وتستمع آلي مدحها بنفسها ، عالمه بأن من المتوقع منها الموافقة على كل ما تقوله ابنة خالها وان الجدال معها هو حري بأن ينزل العقوبة على رأسها .

    في إحدى الأيام قالت كاترين لها :" غالباً ما أرى أن لي ملامح أغريقيه "
    ومنعت ثيولا نفسها بجهد بالغ من آن تقول آن هذا غير صحيح أبدا . لم تكن كاترين تشبه الإغريقيين بل كانت نموذجاً للفتاة الإنجليزي شاحبة الوجه كما أنها تتصرف بكبرياء تقرب من الوقاحة .
    وكانت ثيولا تعرف عن بلاد الإغريق اكثر مما تعرفه عن آي مكان آخر في العالم . ذلك آن بلاد الإغريق كنت عشق أبيها وهاجسه الوحيد ولطالما تحدث إلى ابنته ثيولا عن أساطيرها فيريها صور شخصياتها مشعلاً في نفسها بعض ما يشعر به من حماس نحو اكثر الحضارات المعروفة في التاريخ جمالاً .
    لقد علم رتشارد وارين ابنته كما علم كثيرين من تلاميذه كيف يحبون أعمال مشاهير الإغريق قائلاً لها :" لأي يمكنك أن تفهمي في الحقيقة مشاعر شعب إلا إذا تعلمتي لغته "
    وهكذا تعلمت ثيولا الفرنسية والألمانية وللاتينية واليونانية رغم صغر سنها كما كانت تقراء لوالدها أعمال كبار المؤلفين وعندما كانا يتحدثان عنهم كان يستمع آلي آرائها تماماً كما كان يتوقع منها أن تستمع ألي آرائه ....
    لم تكن تظن قط أن من الممكن أن يكون هناك رجل في أهمية خالها لم يقراء كتاباً قط ومع هذا كان يحكم على آي موضوع مفروغ منه دون آن يدع مجالاً لاحد بأن يجيبه .
    كانت أحيانا وهي في غرفتها ليلاً في القصر مرهقة و منهمكة الجسد من المهمات الملقاة على عاتقها أثناء النهار ، كانت رغم ذلك تشعر بعقلها متعطشاً آلي مناقشات أدبيه ولاكن كان من الصعب عليها أن تجد وقتاً للقراءة ولهذا كان من المتعذر عليها القراءة أثناء الليل آما في النهار فلم يكن لديها وقت لذلك .




    وكتفت ثيولا بتلاوة الأشعار في الظلام بينها وبين نفسها من بين الأشعار قطع نثريه كانت تقرأها مع والدها . وكانت تلك القطع تعيد إليها ذكرياتها الجميلة التي تبدد تعاستها .
    ومع كل هذا وبعد عام من الظلمة والتعاسة إذ بها وبشكل لا يصدق تصبح في كافونيا ، وكان أقرباء والدة كاثرين والذين كانوا نمساويين هم الذين تدبرا أمر زواج كاثرين من ملك كافونيا " فرديناند " والذي هو ابن عم ملك اليونان .
    وكان شعب كافونيا قد حذا حذو اليونان ودول أوربية أخرى فدعو فرداً من عائله مالكه أجنبية ليحكمهم وهكذا جعل الكافونيون من أمير النمسا فرديناند ملكاً لهم . وكانت ثيولا تعلم انهم فكروا مره في دعوة ملك ليحكمهم من اسكندنافيا .
    فقد كان الملك جورج ملك اليونان والذي هو الابن الثاني لوارث عرش الدنمرك قد حكم البلاد عشر سنوات وطد فيها دعائم البلاد وجلب السلام لشعبها .
    ولكن لم يكن هناك أمير دنمركي أو سويدي جاهز للحكم وهكذا اختاره عوضاً عن ذلك الأمير النمساوي فرديناند وهو من أقرباء الإمبراطور فرا نسو جوزيف النمساوي فقبل هذا العرض بحماس .. وكان من الصعب أن يعرف المرء في إنجلترا الكثير عنه سوى انه في الخامسة والثلاثون من العمر وانه قد سبق له الزواج ولكن زوجته توفيت قبل سنتين .
    ورأت ثيولا ذلك مخيفاً بعض الشيء لقد قرأت عن آسرة آل هابسبورغ ما كون لديها فكره عنهم كريهة تماماً . كانت تفكر دوماً في انه لابد للملوك من آن يحاولوا فهم شعوبهم . وكانت تعلم أن هذا ما كان أبوها يقره . وسرعان ما اكتشفت صحة هذا عندما اعتلت متن السفينة لتنقلهم من مرسيليا .
    وكانوا قد سافروا ( هي وخالها وابنة خالها ) في الأرض الفرنسية بالقطار تحيط بهم رفاهية بدت لثيولا مفرطة بالنسبة لما تعودت عليه من بخل خالها وتقتيره في النفقات . وكان هناك مرافق رسمي لهم ، إلى جانب ، سكرتير خالها وخادمه الخاص وخادمة لكاترين ثم هي بصفتها وصيفة . وكان طبيب أديليد قد أعلن أن صحتها لا تتحمل مثل هذه الرحلة الطويلة .
    وفكرت ثيولا في مبلغ المرارة ولتي ستشعر بها الأم بعدم تمكنها من حضور حفل زفاف ابنتها ، إذ كانت تعاني من مشاكل في قلبها استمر لسنوات ، ما جعل خالها يصر على عدم المجازفة بالنسبة لزوجته .
    وعندما حانت ساعة الوداع ، خيل إلى ثيولا أنها ترى لأول مرة منذ عرفت زوجة خالها ، ما يشبه الدموع في عينيها وشيء من الرقة في ملامحها القاسية .
    وكانت هذه تقول لابنتها :
    " " انتبهي إلى نفسك ، يا ابنتي الحبيبة . سأفكر فيك دوماً وطبعاً سأدعو لك بالسعادة " فقالت كاترين بصوت خال من المشاعر :" الوداع يا أماه ."
    ثم دخلت العربة بينما وقفت ثيولا بجانب زوجة خالها تقول بصوتها : " الوداع يا زوجة خالي ." .. نظرت زوجة خالها إليها وقد بدت في عينيها الكراهية وهي تقول بحدة :" عليك أن تكوني ذات فائدة لكاترين ." .. قالت ثيولا :" بالطبع ، يا زوجة خالي "
    كان في صوت أديليد نبرة حاقدة ، ولم تجد ثيولا سوى أن تصعد بسرعة إلى العربة . وعندما انطلقت العربة بهم ، قال خالها لابنته :" من المحزن بالنسبة لأمك ألا تتمكن من السفر معنا " .. أجابت كاترين " أن السفر سيزيد في مرضها ما سيسبب الكثير من الضيق ." فقال خالها موافقاً :" معك حق طبعاً ، ولكن ربما كان من الأفضل أن نترك ثيولا معها ، فتكون ، على الأقل ذات فائدة " .
    وخافت ثيولا ، هل من الممكن أن يعيداها في أخر لحظة ؟ ولكن كاثرين قالت :" لقد فات أوان ذلك الآن يا أبي ، هذا إلى أن ثيولا ستنفعني خصوصاً وان أميلي ستتركنا في مارسيليا ."



    فقال خالها :" أن اصطحاب خادمة إنكليزية إلى مكان مثل كافونيا لا فائدة فيه أبداً ، وكما كنت قلت أنت فان ثيولا ستقوم بخدمتك إلى أن نجد خادمة كافونية تهتم بك ." ورأت ثيولا أن خالها كان محقاً في أمر واحد ، فا أميلي لن تكون ذات فائدة بكل تأكيد . ورغم أن البحر المتوسط كان هادئاً عندما أبحروا من مرسيليا ، فقد صادفتهم اكثر من عاصفة قبل أن يصلوا إلى إيطاليا ثم إلى الأدرياتيك . كان هناك عدد من الكافونيين من ذوي المراكز العليا يمثلون الملك ، وقد أعجب بهم خالها كثيراً . وكان من بين من استقبلوه ضابطاً مساعد للفيلد مارشال رئيس المرافقين .! فقال :" أننا بالطبع ،مزيج من الشعبين اليوناني والألباني ، إنما الأصل اليوناني يغلب علينا " فنظرت ثيولا إليه ثم سألته بعد لحظة : " هل هذا صحيح ؟" .. فسألها :" أتريدين الحقيقة أم ما هو ما مكتوب في كتاب المرشد السياحي ؟" .. قالت ثيولا :" أريد الحقيقة طبعاً " .. قال الرجل " أن الكافونيين شعب سعيد بطبعه إذا لم يلحقه ظلم ، فهم يحبون الضحك والتسلية والغناء ." وسكت لحظة ثم قال هامساً :" ومنذ سنوات لم يعد باستطاعتهم القيام بأي من هذا ." فسألته :" لماذا ؟" فقال لها :" أنهم يعانون الكثير الآن من شظف العيش " قالت ثيولا :" ولماذا؟" ..
    بدا وكأن الكابتن بيتلوس ينتقي كلماته بعناية قبل أن يجيب قائلاً :" أولاً فرضت عليهم ضرائب ثقيلة ." قالت ثيولا :" ولكن لم هذا " قال لها " بنايات البلديات ، تحسينات ، جيش كبير " قالت " ظننتكم تعيشون بسلام مع الدول المجاورة ، من المؤكد أن تركيا لا تهددكم ."
    فقال كابتن بيتلوس :" أن الأتراك مشغولون بحفظ الألبانيين تحت سيطرتهم . كلما اشتبكت تركيا بحرب مع دولة أوربية ، أغتنم الألبانيون الفرصة للثورة " قالت ثيولا :" وماذا عن اليونانيين ؟ هل لديهم نوايا سيئة نحو كافونيا ؟ "
    قال الكابتن :" كلا . أبداً ، فالملك جورج يريد السلام ." قالت ثيولا مندهشة :" فلماذا أذن هذا الجيش الكبير !" ومرة أخرى ، بدا على الكابتن بيتلوس أنه ينتقي كلماته بعناية قبل أن يجيب قائلاً :" هنالك بعض التململ في البلاد ." قالت ثيولا " بين الفلاحين ؟" قال " انهم غالباً جائعون ، وعندما تحدث اضطرابات يهربون إلى الجبال " .. قالت " ولكن ، أليس الجيش مؤلفاً من كافونيين ؟" قال " اغلب الضباط هم نمساويون ." وقد بدا عليه أنه يريد أن ينهي هذا الحديث . ولكن ثيولا عادت تسأله :" ولكن دعوتم رجلاً أجنبياً ليحكمكم ؟ لا بد أنه كان في كافونيا في الأصل أسرة ملكية "
    فقال :" لقد حكمت أسرة فازيلاس البلاد عدة قرون . ولكن عندما مات أخر ملك ، كانت هناك خلافات كبيرة وصراعات حزبية . أرجو المعذرة ، يا آنسة وارين إذ أظن أن الفيلد مارشال سيكون بحاجة ألي في مثل هذه الساعة . "
    كان هناك الكثير تريد أن تعرفه . ومع ذلك فقد ابتدأت في اليومين التاليين تكون فكرة عامة عما يحدث في البلاد . وعندما وصلوا إلى الميناء كانت ثيولا واثقة من أن الناس في بلد قد أذلها القهر الذي يسببه لها أسيادها النمساويون . ولكنها في الواقع لم تكن تجد ما يكفي من الوقت للتفكير في كافونيا أو في نفسها .
    كان بحر الأدرياتيك هادئاً ما جعل كاترين تترك قمرتها وتذهب إلى السطح ولكن عندما رست بهم السفينة كانت الشمس ساطعة وقد هدأت الأمواج . وعزفت فرقة كانت تقف على الميناء موسيقى ترحيبية متبوعة بالسلام الوطني الإنكليزي وذلك في اللحظة التي وضعت كاترين فيها قدمها على الشاطئ وكانت الخاتمة عزف النشيد الكافوني . لم ينتبه أحد إلى ثيولا وبينما وقف محافظ المدينة يلقي خطبة ترحيبية رسمية انتهزت هي الفرصة للإلقاء نظرة على ما حولها .
    كانت قمم الجبال البيضاء من الثلج المتراكم فوقها تبهر النظر ، بينما في أسفلها انتشرت غابات الصنوبر و العرعر وكروم الزيتون وبساتين الريحان وكانت أشجار البرتقال والليمون تحبط بالبيوت الخشبية . كانت ثيولا قد اطلعت في كتاب لوالدها على الحياة النباتية والحيوانية لشمال اليونان ، فأدركت أنها هي نفسها تقريباً في كافونيا . ولكن ما أن ابتعدت العربات بهم عن ميناء كيفيا متجهة نحو العاصمة زانتوس حتى رأت ما لم تكن تتصوره قط من وفرة الزهور المختلفة الألوان .





    كانت أقواس الزهور تمتد على طول الطريق مزينة بالأعلام بينما الجنود تحرس الجسر الذي مروا من تحته . كما كان هناك جموع غفيرة من المتفرجين والفلاحات في تنانيرهن الحمراء ومآزرهن البيضاء وهن يلوحن بأيديهن . أما ما وجدته ثيولا بعيداً عن التصديق فهو عدم اهتمام كاترين بكل هذا الترحيب الحار الذي يقابلها به الذي سيكون شعبها في المستقبل . وفي الواقع لم تولي كاترين سوى القليل من الاهتمام لتلك الهتافات المنبعثة من تلك الجموع المحتشدة في الطريق . فقد بدت مشغولة جداً بالحديث مع رئيس الوزراء الذي كان استقبلهم في الميناء ممثلاً للملك وقد تجاهل رئيس الوزراء هذا كلياً الكابتن بيتلوس .
    أما خالها سبتيموس فقد تبعهم في عربة أخرى مع الفيلد مارشال وآخرين من ذوي المقام الرفيع في الدولة . كان المجموع ست عربات بجانب عدد من الجنود الفرسان على جيادهم تحيط بها من الجانبين وتقودهم سرية من الفرسان بينما سرية أخرى تتبعهم من الخلف .
    كان الجنود في المقدمة ينتمون إلى الحرس الخاص .قالت ثيولا : " انهم بالغوا الروعة . "

    فقد ذكرتها خوذاتهم اللامعة بفرسان الحرب من قدماء الإغريق وتمنت مرة أخرى لو كان أبوها موجوداً ليراهم . تمنت ثيولا لو تلقي الكثير من الأسئلة على الكابتن بيتلوس ولكن كان من اللياقات الرسمية بالنسبة إليها ألا تتكلم إلا استجابة إلى كاترين وهكذا بقيت صامتة . وسار الموكب قرابة ساعة ، أدركت ثيولا بعدها انهم كانوا يقتربون من العاصمة زانتوس بعد أن تجاوزوا عدة بيوت في الضاحية .
    بعد ذلك بدقائق قليلة ، عبروا جسراً مخفراً بالجند ومزيناً بالأزهار كان يعلو نهراً واسعاً . كانوا الآن قد اصبحوا في شوارع ضيقة تقوم على جانبيها بيوت متواضعة دهشت ثيولا إذ رأتها غير مزينة وتبدو وكأنها غير مسكونة .
    كانت النوافذ مقفلة المصاريع ولأول مرة لم تر هتافات سعيدة وجموعاً محتشدة على طول الطريق كما لم تكن هناك ضمم أزهار تلقى على عربتهم . بدا وكأن الجياد أسرعت قليلاً في سيرها . وتاقت نفس ثيولا إلى أن تسأل الكابتن بيتلوس عن سبب هذه الكآبة التي تحيط بهم . وتملكها شعور كئيب لأول مرة منذ وصولهم إلى كافونيا واجتازا شارعاً فارغاً آخر حيث كان ثمة أفراد قلائل من الناس وبعض الأولاد الحفاة ممزقي الثياب يلعبون إلى جانب الطريق ، وانحرفت العربة فجأة . فقد تصاعدت صرخة أوقف الحوذي ، على أثرها ، الجياد ، وسأل بحدة : " ما الذي حدث " وفتح الكابتن بيتلوس الباب وقفز إلى الخارج ثم أجاب : " يبدو أننا صدمنا طفلة . "
    فهتفت ثيولا : " طفلة؟ "
    رأت فتاة صغيرة ملقاة أمام عجلات العربة . وأسرعت ثيولا تجثو بجانبها ، بدا أن الطفلة قد غابت عن الوعي بعد أن أطلقت صرختها تلك ، فقد كانت عيناها مغمضتين كما أنها لا تكاد تتنفس .
    قالت ثيولا : " يجب أن تؤخذ هذه الفتاة إلى المستشفى ، فلا بد أن تحظى بعناية طبية . هل أمها هنا؟ "
    ورفعت نظراتها لترى ، وقد تملكها الذهول ، أن كل الأولاد والناس الذين كانوا في الطريق قد اختفوا !
    وجاء صوت من العربة يسأل بحدة : " ثمة طفلة مصابة يا سيدي الرئيس . "
    قال رئيس الوزراء : " دع الأمر إذن لأبويها . "
    قال الجندي : " لا يوجد أحد هنا يا سيدي . "
    قال الرئيس : " ضعها إذن إلى جانب الطريق يجب إن نتابع طريقنا . " !
    فقالت له ثيولا : " ناد والديها أو من يعرفها لا بد من وجود أحد في هذه النواحي يجب أن تؤخذ الطفلة إلى المستشفى . "
    فقال الكابتن بيتلوس بصوت منخفض : " لا يوجد عندنا مستشفى ! ."





    ونظرت ثيولا إلى المنازل المقفلة ولكن لم يستجب أحد ولكن رجلاً ما لبث أن خرج من أحدها متجهاً نحوهم ببطء . كان مرتدياً ثياباً قروية لا يمكن تحديدها .
    فقالت ثيولا بارتياح : " لا بد أنه أبوها ، هل لك أن توضح له إذا هو لم يفهم كلامي إن عليه أن يحضر لها طبيباً حالاً . "
    ووصل الرجل إليهم ، وإذا بالذهول يتملك ثيولا وهي ترى الكابتن بيتلوس يقول له بصوت أقرب إلى الهمس : " هل أنت مجنون ؟ إذا هم عرفوك فسيطلقون عليك الرصاص . " قال الرجل : " اعرف ذلك "
    وكان الصوت عميقاً منخفضاً فتمتم الكابتن بيتلوس : " أرجوك ... " وكان في صوته نبرة خوف لم تفهم ثيولا سببها . ثم قال بصوت مرتفع : " أن أبنتك مصابة بكل أسف وهذه السيدة تقول أن عليك أن تعرضها على طبيب حالاً . " فلم يجب الرجل .

    سأل الرئيس بحدة : " من هو هذا الرجل؟ ."

    فعاد الكابتن بيتلوس إلى جانب العربة وقال : " أظنه والد الطفلة يا سيدي . "

    وقال الرجل الذي كان يمسك بالطفلة لـثيولا بهدوء : " أشكرك لمعاونتك؟ "






    تحركت العربة ، فاستدارت كاترين تسأله بفضول : " من هو هذا الرجل المدعو فازيلاس ؟ "
    فأجاب : " إن لدى الجنود أوامر مني بأن يطلقوا النار حالماً يرونه . ولكن البعض من الحماقة بحيث يبدو أنهم لم يعرفوه . "
    وحملق أثناء قوله هذا في الكابتن بيتلوس . ولكن يبدو أنه شعر بأن من غير اللائق أن يعنفه أمام الغرباء ، فقال : " ولكن لا حاجة بك للخوف يا لايدي كاترين إنني أؤكد لك بأنه حالما نصل سيأمر الفيلد مارشال بالتفتيش عن ذلك الرجل والعثور عليه . "

    واختلست ثيولا نظرة الى الكابتن بيتلوس فرأته بالغ الشحوب ما جعلها تشعر بأنه خائف . لم تستطع أن تفهم بالضبط ما الذي يجري ولكنها شعرت بأنه ذو دلالة خاصة .
    اذ كان اليكسيوس فازيلاس هو في الواقع من سلالة الأسرة التي سبق وحكمت كافونيا ، فلماذا يرتدي ثياب الفلاحين؟ ولماذا يبدو أنه يسكن في حي الفقراء الذي مروا به لتوهم؟ .

    لماذا كانت الأحياء الفقيرة من المدينة هادئة والشوارع مقفرة؟ . وعندما اجتازا الموكب تلك الأحياء . عادت أقواس النصر المكونة من الأزهار والأعلام وكذلك هتافات الابتهاج والفرح . ذلك أنه من الطبيعي أن يرغب شعب كافونيا في أن يتزوج ملكهم فيستعدون للاحتفال بهذه المناسبة . مروا خلال ساحة واسعة وعدة شوارع عريضة تقوم على جانبيها منازل فاخرة تحيط بها الحدائق . وعندما اقتربوا أدركت ثيولا أنه كان في الواقع نسخة عن قصر شونبرين الملكي في فيينا . كانت النوافير تنشر في الساحة التي أمامه والحرس من الجنود كانوا يماثلون في الحيوية والحماس مجموعات الضيوف ذوي المراكز الهامة الذين كانوا في انتظارهم على درجات القصر نفسه .
    حتى هذه اللحظة ، كان كل شيء يبدو وكأنه جزء من حكاية بحيث توقعت ثيولا أن يكون الملك ذا ملامح أغريقية مثل اليكسيوس فازيلاس . ولكنها ما لبثت أن تذكرت أن الملك هو من أسرة هابسبورغ النمساوية . فهو ليس بالأمير الذي توقعت أن ترى ، ولكنه رجل عادي الشكل ويشبه كاترين في مظهره البارد المتكبر الانعزالي .


    وفكرت ثيولا بأنهما قد يكونان متلائمين وتبعت كاترين خارجة من العربة ثم ألقت بالتحية . كانوا يتكلمون الألمانية حيث كانوا نمساويي الأصل . وإذ أخذت الآن تفكر في كل ذلك ، لم تستطع أن تتذكر أنها قابلت شخصاً كافوني .

    وفكرت في مبلغ سرور كاترين لرؤية نفسها بهذه الأهمية . ولم يكن ثمة شك في أن ابنة خالها يشملها الابتهاج لأول مرة منذ مغادرتهم انكلترا . حتى خالها نفسه بدا عليه الزهو والسرور لكل هذا التملق والإطراء له والذي لم يـتعوده .

    قالت ثيولا : " كنت أعلم هذا . وقد كان الناس سعداء حقاً برؤيتك . كنت أفكر في شعب كافونيا . "
    فقالت كاترين : " آه ... أولئك لا شك أنهم سيبتهجون باحتفالات الزفاف التي أكد لي الملك بأنها ستستمر أياماً . "
    سألتها ثيولا : " أتعلمين أنه لا يوجد مستشفى في زانتوس ؟ ." فردت عليها كاترين بحدة : " هذا لا يعنيني ، وإذا كنتِ ما زلت تفكرين في تلك الطفلة المصابة يا ثيولا فعليك أن تنسيها . "
    لم تجب ثيولا . وبعد لحظة تابعت كاترين تقول : " إذا كان ذلك نموذجاً لتصرفك في هذه البلاد الأجنبية فسأطلب من أبي أن يعيدك معه إلى انكلترا وقد أفعل هذا على أي حال . إني واثقة من أن هناك سيدات نمساويات يعملن في وظيفة وصيفات . "
    كانت ثيولا تعرف جيداً نوع الحياة التي تنتظرها في انكلترا ولم يكن ليخطر على بالها قط أنه بعد وصولها الى كافونيا قد تستغني كاترين عن خدماتها بهذه السرعة . فقالت بخضوع : " إني ... آسفة .. "
    فقالت كاترين : " هذا ما عليك أن تشعري به ولكن حافظي على سلوك طيب في المستقبل . "
    كان هناك خادمتان مشغولتان بتفريغ حقائب ثيولا ، وعندما شكرتهما باللغة الكافونية بدا عليهما السرور البالغ ونظرتا إليها باسمتين . كانت إحداهما شابة صغيرة بينما الأخرى ولتي كانت كما يبدو تدربها كانت امرأة أكبر سناً .هتفت مسرورة : " هل تتكلمين لغتنا يا آنسة؟ ."

    فأجابت ثيولا : " إني أحاول ذلك وأريد منكما أن تساعداني . أن حديثكما ألي باللغة الكافونية سيساعدني ، إذ أن هذا سيكون أسهل طريقة لتعليمي لغتكم . "


    فسرت الخادمتان لهذا الاقتراح . وفي نفس الوقت كانت ثيولا تعلم مبلغ ما ستكون عليه كاترين من غضب إذا هي تأخرت في الذهاب إليها وبالنسبة إليها لم يكن من الصعب عليهما ما سترتديه .
    فقد كانت أديليد كالعادة شحيحة جداً إذا كان الأمر يتعلق بإنفاق نقود على شراء ملابس لابنة أخت زوجها . كانت قد قالت لها : " لن ينظر إليك أحد يا ثيولا وكلما أقل لفتاً للنظر كان ذلك أفضل . "
    ولهذا اختارت لها أرخص أنواع الأقمشة الباهتة الألوان ما جعل ثيولا تحزن كلما نظرت إليها . ومع أنها وأمها لم يكن لديهما ما ينفقانه سوى القليل ، فقد كانتا تختاران لثيابهما الألوان الفاتحة التي كانت تعجب أباها دوماً والتي كانت ثيولا تعلم أنها تلائم طبيعتها .
    كانت ثيولا ، أحياناً تتساءل عما إذا كانت زوجة خالها تحاول متعمدة أن تخمد فيها ذلك الضوء الذي كان أبوها قد تحدث عنه . لقد جعلتها حياتها و المعاملة الفظة التي كانت تلقاها ، والإهانات المستمرة ، كل ذلك جعل من الصعب عليها أن تتذكر تلك الأيام السعيدة الغابرة . كان من العصب عليها أن تتذكر كل ما كان قد علمها اياه بينما هي تسرع من مكان لآخر وتطيع أمراً بعد أمر .
    وسألتها أكبر الخادمتين سناً ، معترضة بذلك على أفكارها : " أي ثوب سترتدين يا آنسة؟ " . فقاومت رغبة تدفعها إلى أن ترد بحدة بأن ذلك لا يهم ، وأن ملابسها كانت تراها معلقة في الخزانة بألوانها المتنافرة والمتناقضة مع نور الشمس في الخارج ، وبياض الثلوج الباهر الذي يكلل قمم الجبال والزهور التي كانت تجعل من كافونيا حلماً رائعاً . ورغم إسراعها في العودة إلى غرفة كاترين ، إلا أنها لم تكن مسرعة بما فيه الكفاية .





    فقد وجدت ابنة خالها في غاية الغضب وهي تبادرها قائلة حال دخولها : " أخبري هواته المعتوهات بأنني أريد أفضل جواربي الحريرية . "


    كانت تتحدث بالإنكليزية ومع أن الخادمات لم يفهمن ما كانت تقوله إلا أنهن كن يميزن السخط في لهجتها . ورأتهن ثيولا خائفات . كانت واثقة من أنهن كن يبذلن غاية وسعهن في سبيل إرضائها . ولكن كاترين كانت ضيقة الصدر كالعادة وكانت تتوقع أن تعلم الخادمات ما تريده بشكل سريع دون أن تكلف نفسها عناء الإفصاح بوضوح عما تريده . وعثرت ثيولا على الجوربين بسرعة ، وأخبرت الخادمات بلغتهن كيف تريدهن سيدتهن الجديدة أن يخدمنها . وسرعان ما كن يبتسمن ويسرعن بالامتثال لإرشاداتها ، بينما تحسن مزاج كاترين وهي تنظر إلي صورتها في المرآة . قالت : " هذا الثوب يلائمني تماماً ولا أظن أنه سيماثله ثوب أية امرأة أخرى . أنا أنوي أن أحضر كل أثوابي في المستقبل من باريس . "
    فقالت ثيولا : " إنها باهظة الثمن . "
    فنظرت كاترين إليها بدهشة وسألتها : " ولماذا يزعجك ذلك؟ إن هذا الأمر لا يؤثر علي قطعاً . "
    فأجابت ثيولا : " إن هذا يعني زيادة الضرائب على الشعب ، ويمكنك أن تتصوري كم كان عليهم أن يدفعوا في السابق . " . وكان في صوتها نبرة عدوانية .
    وتمكنت ثيولا بجهد من أن تمتنع عن القول إن مثل هذا الإسراف البالغ هو شيء غريب جداً بالنسبة لكونهم لا يستطيعون بناء مستشفى . ولكنها كانت تعلم أن ليس ثمة فائدة من قول مثل هذه الأشياء لكاترين التي كان كل اهتمامها موجهاً إلى نفسها ومظهرها الخاص . وتذكرت ثيولا مظاهر الفقر المتجلية في غرفة ذلك المنزل الذي نقلت إليه الطفلة المصابة . لم يكن ثمة من الأثاث سوى كرسيين خشبيين ومنضدة وسرير في إحدى الزوايا كما بدا لها من مظهر الأم والطفلة معاً أنهما تعانيان من سوء التغذية . لقد أدركت جيداً ما الذي كان يعنيه الكابتن بيتلوس بقوله ذاك بأن الشعب هنا تسري بينه حالة من التململ وعدم الارتياح .
    لقد كانت سألت إحدى السيدات : " هل أنتِ تعيشين هنا منذ زمن طويل؟ "
    فأجابت السيدة : " لقد جئت الى كافونيا منذ عشر سنوات . ان الحاكم يريد أن يحيط به أهل بلده . "
    فسألتها ثيولا : " ألم يهمك الابتعاد عن وطنك؟ "
    فأجابت السيدة : " كنت أشعر أحياناً بالشوق إلى الوطن . ولكننا أصبحنا الآن مجموعة كبيرة هنا ، وعدد كبير منا جمعت بينهم أواصر القرابة والنسب المختلفة ذلك أن الجو في كافونيا رائع الجمال وأنا دوماً أقول لزوجي بأن ذلك يشكل ميزة عظيمة هنا . "
    وأدركت أنهم رغم الاحترام الذي أبدوه لها لأنها ابنة أخت سبتيموس بورن وابنة عمة كاترين ، فان مظهرها لم يعجبهم وكذلك معاملة أقاربهم لها . وهكذا اقتنعت بأنها لن تلبث أن تفقد في نظرهم أي اعتبار لها أو أهمية . وما لبثت توقعاتها أن تحققت ذلك أن لوم كاترين الحاد لثيولا وتأنيب خالها لها الذي يقرب الإهانة وذلك أمام الآخرين ، سرعان ما لفت أنظار بين الطبقات من النمساويين . كان أهالي فيينا مشهورين بحبهم للرسميات والتي كانوا يبالغون فيها إلى حد لم يكونوا يرفعون كوباً إلى شفاههم دون الخوف من خرق نوع من قواعد المجاملات .


    قالت كاترين لثيولا : " قيل لي أن من قواعد السلوك في فيينا بالنسبة للسيدات أن يتناولن الطعام مرتديات القفازات . "
    فهتفت ثيولا : " يا للسخافة لا أستطيع تصور شيء أكثر صعوبة من هذا . لابد أن هذا العرف الاجتماعي ابتدعته ملكة ذات يدين قبيحتين . "
    فقالت كاترين : " لقد أخبروني بأن الملكة اليزابيت ملكة النمسا قد أدلت بهذه الملاحظة . "
    فقالت ثيولا : " حسناً ، أرجو أنك لن تقترحي مثل هذا الأمر هنا . "

    فأجابت كاترين : " ربما أفكر في هذا الأمر . "
    كانت كاترين كما لاحظت ثيولا تزداد تشبهاً بالتقاليد الرسمية يوماً بعد يوم وأدركت أنها تتعلم ذلك . عندما دخلت ثيولا إلى غرفتها وجدت الخادمات يبكين ففكرت في أن كاترين لابد ضربتهن كما كانت أمها تضرب ثيولا عندما كانت في القصر . وحيث أن كاترين كانت قليلة الصبر في تعليم خادماتها أي شيء فقد توقعت من ثيولا أن تكون في خدمتها في كل لحظة ممكنة . وإذا كانت ثيولا في منزل خالها قد استطاعت أن تجد شيئاً من الفراغ فأنها مع كاترين ابنة خالها أصبحت لا تكاد تجد لحظة منه . ولهذا كانت واثقة أنه من غير المحتمل أن تعيدها كاترين بعد الزفاف إلى انكلترا مع والدها إذ لم تكن تتصور أن باستطاعة كاترين الاستغناء عنها وكان في هذا راحة لها .
    سألت الكابتن بيتلوس مرة : " ألا نذهب أبداً للتفرج في أنحاء مدينة زانتوس أو خارجها؟ "
    فأجاب : " نادراً جداً وليس في مثل هذا الوقت من السنة . فالسيدات يعتبرن الجو فيه شديد الحرارة . "
    فقالت : " كم أحب التنزه في النواحي الريفية . "
    أجاب الكابتن : " قد تحصل لك فرصة لذلك بعد حفلة العرس ، ولكنك اذا اقترحت ذلك الآن فستلقين كثيراً من المعارضين لأنه ليس هناك من يذهب للنزهة . "
    فتنهدت ثيولا ثم قالت : " قد أبدو مدللة إذ أقول إنني أجد نفسي كالمسجونة ."
    فأجاب الكابتن بيتلوس : " غالباً ما ينتابني أنا نفسي مثل هذا الشعور . ولكن بإمكاني الذهاب عندما يشرع الفيلد مارشال في تفقد الجند في النواحي الأخرى من البلاد . "


    فقالت باكتئاب : " ما أكثر الأشياء التي أتوق لرؤيتها . " كانت تفكر في الجبال والأزهار والوديان والغابات الكثيفة التي علمت أنه يعيش فيها أنواع الحيوانات المختلفة . وقال الكابتن يقترح عليها : " عليك أن تقنعي ابنة خالك ، عندما تصبح ملكة بالقيام بالنزهات وحتى رحلات الصيد . " ولكن ثيولا كانت واثقة من أنه كان يعلم أن كاترين لا تحب القيام بأي عمل من هذا النوع . والتلهي بأخبار المغامرات والشائعات والتسليات المحاكة التي تقام في القصر يوماً بعد يوم . وحدثت ثيولا نفسها بأن الخطأ بالنسبة إليها أن تتذمر أمام حسن حظها الذي جعلها تبتعد عن خالها وتأتي إلى هنا . ولم تكن قد رأت خالها إلا قليلاً ، بسبب كثرة الأشخاص الذين كانوا يحتفون به ولكنه أرسل يطلبها وذلك قبل يومين من الزفاف .

    دخلت إلى غرفة الجلوس كاترين حيث كان بانتظارها وقد داخلها شعور مفاجئ بالتوجس خوفاً من أن يكون قد قرر أخذها معه إلى انكلترا .
    قال حال دخولها الغرفة : " أريد أن أتحدث إليكِ يا ثيولا . "
    فقالت وقد تملكها الخوف : " نعم يا خالي . "
    فقال خالها : " سأغادر هذا البلد في اليوم التالي للزفاف وحيث أن كاترين تشغلك بشؤونها على الدوام ، فقد لا تحصل لي فرصة أخرى للتحدث إليكِ . "
    قالت : " هذا صحيح يا خالي . "
    لم يكن يبدو عليه وكأنه ينوي أخذها معه فانتظرت وقد خف توجسها قليلاً .
    فقال : " ستبقين في كافونيا إلى أن تستطيع كاترين الاستغناء عنك ولكنني أريدك أن تفهمي جيداً ما سأقوله لك . "
    قالت : " وما هو يا خالي؟ "
    قال : " عليكِ أن تتبعي في تصرفاتك كل آداب الحشمة والسلوك . "
    فحملقت ثيولا به وقالت : " لا أفهم ... شيئاً . "
    فقال : " إذن ، فدعيني أكن واضحاً معك . سواء كنت تعيشين في انكلترا أم في كافونيا ، فانكِ ما زلت تحت وصايتي ولهذا لا يمكنك يا ثيولا أن تتزوجي دون رضائي وهذا ما لا أنوي منحك إياه . "
    قالت : " حتى وأنا ... هنا يا خالي؟ "
    فأجاب : " حيثما تكونين وكما كنت أخبرتك من قبل . "
    قالت : " نعم .... يا خالي . "
    فقال : " إذن ، فهذا كل ما أردت قوله لك . انك محظوظة جداً لأن كاترين بحاجة إلى خدمتك لها وإلا لما كنتِ هنا هذه اللحظة وما كنت لأغادر من دونك . "
    وما أن قال خالها ذلك ، لم تستطع أن تصدق أنه كان يقصد ما يقوله حقاً وأن عليها ألا تتزوج أبداً .



    وبدا لها من غير الممكن أنه لم يكن يفهم أي رجل غير عادي ما كانه أبوها . ذلك أن كل شخص في جامعة اكسفورد كان يتحدث عن نبوغ رتشارد وارين . وقد كان وقع عليه الاختيار ليكون ( فتى الجامعة ) إذ لم يكن هناك في جامعته من لا يكن له الإعجاب والاحترام معاً لعلمه الجم ، والحب للآخرين . وعندما توفي ، تلقت ثيولا مئات من رسائل التعزية والثناء عليه وهذه لم تجرؤ قط على أن تريها لخالها إذ كانت واثقة من أنه سيرفض قراءتها ويحرمها دون شك من سرور الاحتفاظ بها . كل ما كانت تملكه في بيتها وما كانت تشعر بأنه لها قد بيع عند موت والديها أو القي به بعيداً . ذلك أن خالها لم يسمح لها بأن تحضر معها أي شيء حتى النقود التي كان قد خلفها لها والداها على قلتها قد صودرت منها . وعندما كانوا يستعدون للسفر إلى كافونيا قالت له : " هل لك أن تعطيني شيئاً من النقود يا خالي؟ إنني بحاجة إليها لاحتياجاتي الخاصة . "
    فسألها بلهجة عدائية : " وما هي احتياجاتك تلك؟ "
    قالت : " ربما ... ربما رغبت في شراء بعض الثياب لي من وقت لآخر أو في إعطاء إكرامية لخادم . "
    فقال خالها : " حيث أنكِ لن تتميزي كثيراً عن الخدم ، فهم لن يتوقعوا ذلك منكِ أما بنسبة إلى الثياب فلا شك أن كاترين ستمدك بما تحتاجينه . "
    فقالت : " ولكن ليس بإمكاني أن أسير وحقيبة يدي خالية . "
    فأجاب بحدة : " إذن لا تحملي حقيبة يد . "
    فرأت أن خالها يعرضها لموقف بالغ الإذلال ولكن التعزية الوحيدة التي كانت لديها هي في ثلاثة جنيهات ذهبية كانت تخبئها في علبة صغيرة .
    كان والدها قد منحها إياها في أحد ذكرى مولدها لأن كل واحد منها كان يرمز إلى مناسبة هامة في حياتها .

    الاول كان مؤرخاً في سنة 1855 وهو عام مولدها ، والثاني في سنة 1868 وهو نيلها أول شهادة مدرسية ، والثالث في العام الذي بلغت فيه الخامسة عشرة ، فأعطاها الثلاثة معاً .
    حينذاك قالت لها أمها : " عندما يصبح لديك ما يكفي منها يا حبيبتي سنجعل منها سواراًً لك . "
    فأجابت ثيولا : " كم سيكون ذلك جميلاً يا أماه . "
    ولكن لم يكن هناك المزيد من الجنيهات وأصبحت هذه الثلاثة الآن هي كل ما تملك من نقود . وكانت قد نوت ألا تنفقها إلا في الأحوال الطارئة الضرورية . وهكذا في غمرة حزنها ، لما أصاب تلك الطفلة حين دخولهم المدينة ، تركت لها واحداً من تلك الجنيهات في ذلك المنزل الذي يطل الفقر من جوانبه .
    ولم تندم على ذلك ، بينما في نفس الوقت كانت تتساءل عما سيحدث لو أنها أرغمت على أن تطلب من كاترين ثوباً جديداً في الوقت الذي كانت تعلم فيه أنها لا تقل بخلاً وشحاً عن والديها .
    قالت كاترين وهما تصعدان إلى الطابق العلوي : " لم يعد أمامنا سوى يومين فقط ."
    فسألتها ثيولا : " هل أنتِ تنتظرين يوم عرسك بشوق؟ "
    ألقت ثيولا بهذا السؤال مترددة ، راجية ألا تظن كاترين بها السفاهة . وفي والواقع لم يكن هناك ما يمكنها قوله . ذلك أن كاترين لم يكن يهمها مشاعر أو بالأحرى آلام الشعب ، وبعد فهي نفسها لا تعرف الكثير عنهم . فالغرفة التي يتجلى فيها الفقر والتي رأتها في ضاحية العاصمة زانتوس ، وما كانت سمعته من تململ الفلاحين خارج المدينة جعلها تكون فكرة كاملة عن الوضع .




    وفي الصباح ، بدأ الاكتئاب على الخادمة ماغارا . فسألتها ثيولا : " ما بك؟ هل حدث شيء لا تريدين إخباري به؟ . " أجابت المرأة : " إننا قلقون نوعاً ما يا آنسة فهناك شائعات تقول بأن الجنود ينوون مهاجمة المدينة . "
    سألتها ثيولا بسرعة : " ألم يقل الجنرال شيئاً؟ "
    قالت ماغارا : " لم يقل شيئاً يا آنسة وهذا ما جعلني أظن أن الناس يقولون ذلك لشدة خوفهم . " وسكتت قليلاً ثم عادت تقول : " هناك كثيرون في المدينة يقولون أن اللايدي كاترين كانت هي الأميرة القادمة من وراء البحار والتي ستجلب معها السلام والازدهار . "
    ولا بد أن الوقت كان الوقت قرابة الظهر عندما سمعت نقراً على الباب وإذ ظنت أن ماغارا آتية بصينية الغداء ، أجابت قائلة دون أن تدير رأسها : " أدخلي . "
    وعندما لم تسمع صوت ماغارا تتكلم ، نظرت حولها فتملكتها الدهشة ( بعد أن رأت الجنرال فازيلاس أمامها .)
    قال بعد لحظة : " أحب أن أتحدث إليك يا آنسة وارين . "
    ساد صمت شعرت ثيولا منه أنه كان يختار كلماته بعناية ثم قال : " إنني أعرض عليك أمراً ، يا آنسة وارين . وإذ أعلم جيداً ما سيقومون به من دمار ، فأنا لا أستطيع أن أسمح لهم بالقتال في شوارع زانتوس وما سينتج عن ذلك من موت الكثير من المدنيين وخاصة النساء والأطفال . "
    فسألته ثيولا : " وماذا بإمكانك أن تصنع إذن؟ "
    أجاب : " إنني أنوي أن أعترض سبيل قوات الغزاة قبل أن يصلوا إلى المدينة . في هذه اللحظة . هناك عدد كبير من القرى الجبلية حول الطريق الوحيدة بيننا وبين اليونان . "
    قالت : " هل تعني أنكم ستكمنون لهم ؟ "
    أجاب : " هذا ما أرجو أن أتمكن من القيام به . وهو بصراحة ، الخيار الوحيد الذي أمامنا . هنالك طريقة واحدة مؤكدة تمنع أي رجل من الجيش الكافوني من اعتراض طريقك . "
    قالت : " وما هي تلك؟ "
    قال : " هي في أن تنتمي ألي . "
    كان الجنرال يتكلم بالإنكليزية ، ولكن ثيولا اندهشت وكأنها تشعر بأنه لا يمكن أن يعني حقاً ما يقوله .
    لكنه أضاف يقول بسرعة وكأنه خشي من أن تسئ فهم ما يقول : " إنني أقترح يا آنسة وارين أن نعقد زواجاً . وبصفتك زوجتي ، ستكونين في أمان . "
    فقالت : " أظن ... يا جنرال أن لديك سبباً ... يدفعك إلى أن تطلب مني أن أكون زوجتك . "
    فتوقف الجنرال عن السير ونظر إليها بحدة : " هل لديك ميزة الجلاء البصري يا آنسة وارين؟ . "
    فأجابت : " لقد أخبرتني ماغارا بأن القلق يتملك الناس لأنهم يعتقدون بأن الأميرة التي ستأتيهم كما اخبرهم رئيس الوزراء من وراء البحار هي كاترين وأن وجودها سيجلب لهم السلام . "
    فقال الجنرال : " لقد كان رئيس الوزراء بالغ الدهاء في كلامه . إن كل تاريخنا هو مؤسس يا آنسة وارين على الأساطير . "
    فقالت ثيولا : " إنني لست أميرة . " وتذكرت أن كاترين قد سبق وقالت نفس الشيء وخيل إليها في هذه اللحظة وكأن أباها يكلمها ويخبرها بما عليها أن تفعل ، ويساعدها لأنه يتفهم أكثر من أي شخص آخر مقدار حاجة الكافونيين إلى ذلك . لقد بدا كل شيء أمامها بعيداً عن التصديق أو لعله جزء من حلم! ومع ذلك فقد كانت تعلم أن كل ما قاله الجنرال كان مبنياً على المنطق .
    كانت قد رأت الجموع يحملون صور كاترين ، فاستغربت في ذلك الحين مبلغ ما يعنيه ذلك لهم . ذلك أنها كانت فطنة بالغة من رئيس الوزراء أن يضمن نجاح زفاف الملك شعبياً ، وذلك بربط عروسه بقصة قديمة صدقها كل كافوني كما رأت ثيولا.
    ورغم أنهم كانوا على استعداد لاتباع اليكسيوس فازيلاس حيثما يقودهم ، فلا بد أن يكون هناك دوماً البعض ممن سيتساءلون عما إذا كانت آمالهم بالسلام والسعادة قد ذهبت مع كاترين .



    وحدثت نفسها قائلة : يجب أن يرتاحوا لي يجب أن يكونوا واثقين من أنني سأحاول مساعدتهم قدر استطاعتي . وفكرت ثيولا بأنهم سيجدون تحت سلطة الجنرال فازيلاس كل السعادة والأمان .
    وكانت ما تزال واقفة في غرفة الجلوس ، ظهرت ماغارا راكضة نحوها ، وهي تهتف قائلة :" أ صحيح هذا يا آنسة؟ هل صحيح أنكِ ستتزوجين الجنرال هذا المساء؟ " . فأجابت ثيولا : " نعم هذا صحيح . "
    قالت : " لا أستطيع تصديق ذلك يا آنسة ، ولكنها أخبار رائعة إنه ما أتمناه لك بالضبط "
    سألتها ثيولا : " وكيف علمت بذلك؟ "
    فأجابت : " لقد أخبرني بذلك ، وأظنه الآن قد ذهب إلى الساحة ليخبر الناس . إن هذا سيسعدهم جداً . انهم يحبون حفلات الأعراس وقد ابتدأت بعض النساء يشكين من حرمانهم من التفرج على عرس كاترين الذي ألغي . "
    قالت ثيولا : " ماغارا ، ليس لدي ما ألبس . "
    فردت ماغارا بدهشة : " ليس لديك ما تلبسيه؟ ولكن الخزانة مليئة بالثياب وهناك ثوب زفاف بالغ الجمال . "
    فهتفت ثيولا : " آه بالطبع ثياب كاترين "
    كانت قد نسيت حقاً أن ثياب كاترين ما زالت هناك ولم يخطر لها قط أن بإمكانها أن ترتديها .
    وقالت ثيولا : " أظنها بقياسي "
    كانت تتكلم وهي تتساءل عما عسى أن تقوله زوجة خالها إذا هي علمت بأنها ترتدي ثوب زفاف ابنتها . وتذكرت كذلك كلمات خالها عندما قال لها بأنه لن يمنحها إذناً منه لكي تتزوج .
    كان في الحقيقة أحد أجمل الأثواب التي رأتها ثيولا في حياتها ، وكانت تعلم كما كانت والدة كاترين قد قالت بأنه كلف مبلغاً باهظاً .
    كانت تحمل بيدها باقة صغيرة من الورود البيضاء كانت ماغارا قد ناولتها لها في آخر لحظة . ورأت ثيولا عربة مفتوحة تنتظرهما أمام باب القصر وكانت مزينة بالأزهار ، كما كانت تحيط برقاب الجياد التي تجرها عقود الأزهار .
    سارت بهم العربة ببطء في الطريق الواسع الطويل الذي يقود إلى الساحة . وعندما وصلا إليها ، رأتها ثيولا محتشدة بالجموع كما كان الامر حين وصول كاترين ، ولكن ثمة شيء مختلف الآن لم تستطع تفسير ذلك الاختلاف في البداية فقد كانت الهتافات الآن تتصاعد من القلب وكانت الابتسامات تعلو الوجوه .
    وضمت لحظة لم تكد ثيولا تصدق ما يحدث . وما لبثت أن أدركت الفرق بين هتافات الفرح التي تسمعها الآن ، وبين تلك الهتافات التي كانت لدى وصول كاترين لقد كانت الأصوات الآن تحمل احتراماً لم يكن هناك من قبل .
    وصلا إلى المنصة أمام محافظ المدينة فحياهما بخطبة قصيرة باللغة الكافونية مخبراً الجنرال بمشاعر الشعب نحوه وتطلعهم إليه قائداً ومحرراً كما كانت أسرته لمئات السنين وكيف أن قلوب الجميع معه الآن في أسعد يوم في حياته هذا .
    سارا ببطء ووقار بين الجموع المهللة الهاتفة إلى أن وصلا إلى المبنى حيث كان بانتظارهما مجموعة من رجال الدين .
    كانت مراسيم الزواج رائعة ، وجعلتها اللغة اليونانية التي كانوا يتكلمون بها تفكر في أبيها متشوقة إلى حضوره . وضع الجنرال خاتم الزواج في إصبعها ثم عادا يسيران في الممر الذي كانت أشعة الشمس تتدفق إليه من خلال الباب الغربي . انطلقا بالعربة وأخذت الزهور تنهال عليهما . عندما غادرا المدينة ، لم يكن الظلام قد أرخى سدوله بعد ، ولكن الشمس كانت تتواري خلف شفق قرمزي وذهبي خلف الجبال . ولم يتحرك الجنود بشكل صفوف منتظمة ، كما كان النمساويون يفعلون و إنما كانوا يتحدثون مع بعضهم البعض دون كلفة .
    ولكن الغالبية كانوا يسيرون على أقدامهم مع جنودهم ويتبادلون معهم الأحاديث على قدم المساواة . وفكرت ثيولا في مبلغ التناقض بينهم وبين الضباط النمساويين .
    علمت أن المدينة قد أخذت تمتلئ بالناس ، كما أخذ السكان يزدادون ساعة بعد أخرى وعندما رحلا، كانت الساحة التي تزوجا فيها قد امتلأت بقطعان الأغنام والبقر والماعز



    قالت ماغارا عندما جاءت لرفع الأطباق عن المائدة التي كانت ثيولا قد تناولت عشاءها عليها : " انكِ لم تأكلي شيئاً يا سيدتي . "
    وكان التفكير في أنه قد يكون فازيلاس غارقاً في حب ابنة عمه الأميرة أثينا ، والتي كانت ماغارا قد حدثتها عنها مرة ، كان هذا التفكير بمثابة طعنة خنجر تصيب قلبها .
    ما شكلها تلك الأميرة؟ أهي جميلة؟ هل من الممكن أن تكون مثله الأعلى في النساء حيث أن ثيولا لن تكون كذلك أبداً؟ وهي تتصور أن الأميرة ذات ملامح إغريقية مثل اليكسيوس فازيلاس نفسه .
    بإمكانها أن تفهم كم كان سهلاً عليه أن يستبدلها في أذهان الناس بكاترين التي كان رئيس الوزراء قد أعلن عنها . ولكن ثيولا لم تكن ترى أمامها سوى وجه اليكسيوس فازيلاس . ما الذي كان يفكر فيه؟ ماذا كان شعوره؟ انه سيبقى دوماً ، بالنسبة إليها لغزاً غامضاً ... رجلاً لن تفهمه أبداً .
    وسمعت قرعاً قوياًَ على الباب . تكلمت باللغة الكافونية ، ففتح الباب ودخل الجنرال قال : " لقد جئت لأخبركِ بأنني علمت بان سفينة إنكليزية راسية في ميناء كيفيا وستكون ثمة عربة بانتظارك في خلال ساعة لكي تأخذك اليها ."
    وشعرت ثيولا للحظة بأن الشلل قد تملكها وبأنها لن تستطيع الحركة مرة أخرى .


    فردت قائلة : " سفينة؟ "
    قال : " سفينة إنكليزية ، ربما كانت ذاهبة إلى أثينا ، حيث يمكنك الالتحاق بخالك وابنته ، أما إذا كانت ذاهبة إلى انكلترا مباشرة ، فستوصلك إلى منزلك بسلام . "
    وشعرت ثيولا بأن من الصعب عليها أن تفهم هذا الذي تسمع . ولكنها لم تستطع أن تصدق انه سيعمل على التخلص منها .
    وقفت تحدق فيه وكما تمر جميع أحداث حياة الشخص المشرف على الغرق أمام عينيه ، هكذا رأت ثيولا المستقبل الذي ينتظرها في انكلترا .
    كآبة خالها ، حياة الخدمة الدائمة وكل ذلك محاط على الدوام بجو من الكراهية والعداء . كان احتمالها لذلك من قبل ، في غاية الصعوبة .
    وسمعته يقول بصوت كأنه قادم من مسافة بعيدة : " يجب أن أشكرك . ولكنني واثق من أنني على صواب في أعادتك ألي بلادك واهلك . "
    أجاب : " يمكنني التصرف بالنسبة إلى زواجنا بالطلاق فأنا واثق من أننا سنستطيع فسخه وان كان سيتطلب بعض الوقت ، الأفضل لكِ أن تعودي إلى الحياة التي اعتدتها . ذلك انه ليس لديك فكرة عن المصاعب والأخطار التي قد يحملها المستقبل لهذه البلاد . لا فائدة من هذا الحديث . هذا إلى أن الوقت يمر . أن عليكِ أن تحزمي متاعك كما أن الطريق إلى كيفيا يستغرق ساعتين . "


    خرجا متجاوزين الجنديين . كانا الآن يسيران بسرعة لم تكد معها تحتفظ بمجاراته في خطواته في ذلك الممر نحو السلم الرئيسي . وصلا إلى الباب الأمامي وعندما مر خلاله وقف الجنود وقفة الانتباه .
    هبط بها الدرجات إلى حيث كان ثمة عربة مفتوحة . ساعدها على الصعود ، ثم أمر السائق بالمسير ، فانطلقت العربة . كانت تعلم أنه برفضه طلبها هذا قد أوصد باب الأمل في وجهها ، وفكرت في أنه ليس ثمة ما يمكنها عمله اكثر من ذلك .
    فقد توسلت إليه أن يسمح لها بالبقاء ، ففشلت . هاهو ذا يطردها الآن ولم يعد لديها ما تقوله أو تطلبه منه . وقفت بهما العربة فجأة ، فرأت ثيولا انهما يقفان خارج فيلا بيضاء . كان يحيط بالفيلا أشجار السرو ، وكانت تبدو في غاية الجمال . ركض خادم يفتح باب العربة لهما فخرج الجنرال منها ، ثم أمسك بيد ثيولا يساعدها على النزول .

    فقال يطمئنها : " انكِ زوجتي يا ثيولا ، ولن يفرق بيننا سوى الموت . إن الكلمات لتعجز عن وصف مقدار حبي لكِ . فأنتِ كل ما كنت تمنيته في حياتي دون أن أجده انكِ المثل الأعلى الذي كان يحتل قلبي على الدوام ، والذي كنت قد ابتدأت اعتقد بأنه ليس سوى تخيلات . "
    وتذكرت وهي تتكلم إنها لم تخبره بعد عن أبيها وفي الواقع ، كان هناك الكثير مما عليهما أن يقوله الواحد للآخر ، والكثير من الإيضاحات .

    قال لها في اليوم التالي : " لشد ما تبدين جميلة في الصباح . علي أن أذهب الى العمل ، هذا ما يقوله الرجال في مثل هذه اللحظة ، وذلك في جميع انحاء العالم . لو كان الأمر لي ، لبقيت هنا طوال اليوم . ولكن يجب علي أن أختار حكومة جديده واعين كثيراً من الرجال في مواقع المسؤولية . "
    ثم عاد واقترب منها قائلاً : " ويا ليتكِ تعلمين ما أشعر به من أسف لتركي لكِ ولكن حالما أوجد نوعاً من النظام في البلاد ، فسنذهب في رحلة طويلة . أريد أن آخذك إلى مقر سكني حيث كنت أعيش طوال السنوات الماضية . انه مكان بدائي تماماً . "

    فهتفت : " أريد أن أكون معك . هل يمكننا حقاً أن نذهب إلى هناك . "
    قال : " حالما يمكنني ذلك يا زوجتي . "
    واتجه نحو الباب فسألته : " متى سأراك ؟ "
    أجاب : " عند الغداء . حتى أكثر الرجال انشغالاً لا بد له من فترة يرتاح فيها في وسط النهار . " .
    وابتسم ثم غادر البيت .
    كانت هذه الفيلا ملكاً لأسرة نيشياس بيتلوس . وعندما نفي اليكسيوس وأمه من البلاد جمعت هذه الأسرة كل نفائس أسرة فازيلاس واختزنته في منزلها هذا .
    وكان والد نيشياس بيتلوس قد أنقذ حياة الحاكم فرديناند عند بداية قدومه إلى كافونيا وذلك عندما ألقى أحد المتمردين قنبلة على عربته ، فتلقفها الكولونيل بيتلوس وألقى بها في الطريق قبل أن تنفجر .
    وكان الحاكم فرديناند شاكراً له هذا إلى درجة كبيرة وعندما طرد من القصر كل الضباط والموظفين الكبار من الكافونيين ، بقي الكولونيل بيتلوس وابنه متمتعين بامتيازات كانت ممنوعة عن غيرهم من الكافونيين .
    وعلى كل حال ، فقد دب الذعر في أسرة بيتلوس من تصرفات الحاكم عندما استلم الحكم ، وبعد عدة سنوات استقال الكولونيل بيتلوس معتذراً بكبر السن ، ولكن ابنه بقي في مكتب القصر بناء على إصرار من اليكسيوس فازيلاس ، الذي كان قد عاد إلى البلاد سراً ، والذي كان يرى أن بقاه في القصر هو افضل طريقة لمساعدة كافونيا .


    سألته ثيولا : " هل ستكافئ الميجور بيتلوس؟ "
    فقال : " أنوي أن أسلمه مهمة تدريب الجيش . صحيح انه حديث العهد بالنسبة إلى هذا المركز الهام ، ولكنني اعلم أن بإمكاني الاتكال عليه ، ومع أنني أرجو ألا تتعرض كافونيا إلى حرب أخرى بعد الآن ، فأن علينا أن نبقى دوماً قادرين على الدفاع عن أنفسنا . "
    سألته : " لم استطع أن أفهم السبب الذي جعلك تحضرني من القصر . "
    فقال : " أتظنين انه بإمكاني أن أعيش معك في ذلك المكان الذي شيد بدموع و أحزان شعبي؟ أنني مصمم على ألا نسكن هناك أبداً . "
    قالت : " وأنا أفضل كثيراً البقاء ... هنا "
    فقال : " لقد وضع آل بيتلوس هذا المنزل تحت تصرفي إلى أن أستطيع بناء منزل لنفسي أو ربما من الأفضل أن اشتريه منهم . "
    سألته ثيولا : " متى سيتم تتويجك حاكماً؟ " وكان في صوتها وهي تلقي بهذا السؤال يشوبه القلق . فقد كانت فكرة أن يصبح اليكسيوس بهذا المركز الرفيع ، كانت تشعرها بالخوف .
    قال : " لن يحدث هذا "
    وسكت ثم عاد يقول : " أتحزنين من ألا تصبحي ملكة؟ "
    قالت : " أريد فقط أن أكون .... زوجتك ."
    قال : " كما آنتِ الآن وكما ستبقين دوماً . "
    سألته : " ماذا ستفعل بالقصر؟ "
    أجاب : " سنحول جناحاً منه إلى مستشفى إلى أن يصبح بإمكاني بناء مستشفى . أما الجناح الآخر فسيتحول إلى مكاتب . أما القسم المركزي منه فسنخصصه لاستقبال الضيوف القادمين من البلاد الأخرى وكذلك للاحتفال بالمناسبات المختلفة . "

    وقفت ثيولا في مكانها . فقال خالها : " آه أهذا أنتِ يا ثيولا؟ "
    فقالت ثيولا بصوت متهدج : " لم أتوقع رؤيتك .... يا خالي . "
    بدا لها مسيطراً ، ما جعلها تشعر مرة أخرى بقوة كراهيته لها والتي يبدو أنها كانت تنبعث منه كذبذبات شريرة
    فقال خالها : " هذا صحيح ... ولكنني الآن في طريقي إلى انكلترا وقد جئنا أنا وكاترين لأخذك . "
    فهتفت : " لأخذي؟ "
    فقال : " نعم ، فنحن متجهان الآن إلى ميناء كييفا حيث هناك سفينة إنكليزية ستأخذنا آمنين . هيا أسرعي واستعدي . لي لدينا وقت نضيعه . "
    كانت كاترين قد دخلت خلفه ، فأخذت تنظر حولها ، والى هذه اللحظة لم تكن قد ألقت نظرة على ثيولا .
    وصرخت الآن تقول : " هذا ثوبي ترتدينه . كيف تجرؤين على ارتداء ثيابي؟ هل تسمعين؟ "
    وتقدمت نحو ثيولا التي كانت على كل حال ، تنظر إلى خالها وهي تقول : " إن .. إن لدي ما أقوله لك ... يا خالي . "
    فسألها بحدة : " وما هو ؟ "
    قالت : " إنني ... إنني متزوجة . "
    وكانت دهشته لا تحد . حدق إليها وكأنه لا يصدق أذنيه، ثم سألها : " متزوجة من؟ وكيف تزوجت في هذا الوقت القصير الذي تركناك فيه؟ "
    قالت : " إنني زوجة ... الجنرال فازيلاس ."
    وبدا للحظة وكأن خالها لم يستطع أن يستوعب ما قالته . وقال بحقد : " أنتِ تعلمين لا يمكنك الزواج من دون إذن الوصي عليكِ . وهذا كما سبق وقلت لك من قبل ، لن أمنحك إياه مطلقاً . هيا ودعي الأمر لي . إننا سنغادر إلى انكلترا فوراً ."
    قالت : " إنني .. إنني لا أستطيع ... الذهاب معك . "
    فقال خالها : " بل ستفعلين ما أقوله لك . إلا إذا كنت تريدينني أن أستعمل معك طريقة أخرى لإرغامك على ذلك . "
    وعادت كاترين تصرخ : " إنها مرتدية ثوبي يا أبي . وكذلك تستعمل أشيائي ، عاقبها فليس لها الحق في ذلك . "
    فأجاب : " ستنال ثيولا عقابها عندما نرحل من هنا ، افهمي هذا . كما أننا إذا أردنا أن نصل إلى كييفا ، فعلينا أن نغادر حالاً . "
    وأخرج ساعته ينظر فيها ثم تابع قائلاً : " أمامكِ عشرون دقيقة للاستعداد . "
    فتدخلت كاترين قائلة : " وكذلك أريدك أن تحزمي أمتعتي أيضاً يا ثيولا . "
    أعاد ساعته إلى جيبه ، وإذا به يرى ثيولا لم تتحرك ، فسألها : " هل ترفضين القيام بما أطلبه منك يا ثيولا؟ "
    كان يتكلم بهدوء بالغ ، فأدركت أن وراء هذا الهدوء المصطنع يكمن الغضب .
    قالت : " إنني ... إنني يجب أن أبقى مع ... زوجي ."
    ورفع يده ، فتجمعت لتلقي إحدى صفعاته على جانب وجهها والتي طالما تلقتها منه من قبل .
    وفي هذه اللحظة ، فتح الباب . دخل الميجور بيتلوس ، فأنزل سبتيموس ذراعه وقال الميجور بلطف بالغ : " ما أجمل أن أراك يا سيدي مرة أخرى . "
    فسأل سبتيموس : " هذا بيتلوس .. أليس كذلك . "
    قال بيتلوس : " نعم يا سيد سبتيموس . لعلك تذكر أنني كنت مسافراً معكم في السفينة التي كانت أحضرتكم إلى كييفا . "
    فقال سبتيموس بجفاء : " أذكر ذلك "
    فأجاب الميجور بيتلوس : " كل شيء سيتضح إذا رافقتماني ، سيادتك وسيادة اللايدي كاترين ، إلى القصر . إن لدي عربة في الخارج . "
    أجاب سبتيموس : " ولدينا عربتنا . "
    فقال الميجور بيتلوس : " إنكما ، طبعاً في طريقكما إلى كييفا كما اعتقد . "
    أجاب سبتيموس : " هذا صحيح . "
    فقال الميجور بيتلوس : " فهل لسيادتك أن تأتي معي إذن ؟ "
    قال : " أظن الوقت لا يكاد يكفي . "
    ونظر مرة أخرى إلى ثيولا وقال : " وأنتِ افعلي ما قلته لك . فإذا لم تكوني عند رجوعنا ، على استعداد ، فتوقعي مني أسوأ الأمور . "



    وشرع باللحاق بالميجور بيتلوس ، ولكن كاترين استدارت إليها قائلة : " كيف تجرؤين على سرقة ملابسي؟ " وسكتت ، ثم عادت تقول ونبرة من الحقد الهائل في صوتها : " اعلمي بأنني سأطلب من أمي أيضاً عقابك وليس من أبي فقط ، وسيكون عقابك أليماً لتصرفك هذا . "
    واندفعت خارجة من الغرفة دون أن تنتظر جواب ثيولا . كيف لها أن تتصور لحظة أن سعادتها يمكن أن تدوم ، وأن بإمكانها أن تبقى في كافونيا زوجة لأليكسيوس؟.
    وهاهي ذي الآن عليها أن تواجه الواقع وهي تعلم جيداً نوع عقاب خالها لها لما يراه سوء تصرف منها . فكم عانت من قبل من مذلة وعذاب ، ولكنها الآن ترى أنها لم تعد تحتمل ذلك .
    ومع أنها كانت تعتقد أن اليكسيوس سيقف إلى جانبها ، فلن يكون في استطاعته الوقوف ضد خالها في انكلترا .
    وهتفت في أعماقها : " آه يا أبي ... أبي يا ليتك كنت موجوداً لتنقذني .
    وإذ أدركت أن الوقت يمر بسرعة ، ذهبت تبحث عن ماغارا . ولكنها عادت فتذكرت أن الخادمة هي الآن في القصر . لقد كانت واثقة من أن خالها ، حيث أنه الآن في القصر ، لا بد طلب إعداد حقائب كاترين ، وأن هذا ما كانت ماغارا تقوم به حالياً وعندما يصبح كل شيء جاهزاً للسفر ، ستحضر إليها دون شك ثيابها التي كانت زوجة خالها قد اختارتها لها لترتديها بصفتها وصيفة لابنتها . وقالت تحدث نفسها بصوت عال : " لا أستطيع احتمال ذلك . ذلك أن لا معنى لمتابعة الحياة . "


    وأخذت ثيولا تفكر الآن في أن عليها أن تموت لأن الحياة لم يعد لها فائدة . كان قسم من عقلها يحدثها بأن تعيش مهما كان عليها أن تتألم أو تصبر ، والقسم الثاني يحدثها بأن الموت هو النهاية المفضلة لحياة مليئة بالتعاسة والإذلال .

    ونهضت تقرع الجرس ، وبدا أن وقتاً طويلاً قد مر قبل أن تسمع طرقاً على الباب .
    " هل قرعت الجرس يا سيدتي ؟ "
    كان هذا دينوس الخادم الكبير السن الذي كان قد سبق وأحضر لها طعام الإفطار إلى الشرفة .
    فأجابت : " نعم أريدك أن تحضر لي ... مسدساً . "
    قال الخادم : " مسدس ، يا سيدتي؟ "
    قالت : " لا بد أن يكون ثمة واحد في هذه الفيلا . "
    قال : " أنا لست واثقاً يا سيدتي . ولكنني سأبحث . "
    قالت : " شكراً لك يا دينوس . "
    ورأت الدهشة في وجهه ، ولكنه كان من التهذيب بحيث لم يناقش أمراً وجه إليه . ومرة أخرى عادت ثيولا تنتظر وهي تتساءل عما إذا كان بإمكانها أن تقول لأليكسيوس وداعاً .
    وطرق الباب وظهر دينوس وهو يقول : " هذا هو الوحيد الذي وجدته . "
    فأجابت : " هذا يكفي . شكراً "
    أخذته منه وهي تراه قديم الطراز وأثقل بكثير من ذلك الذي كان اليكسيوس قد أعطاه لها في الكهف .
    وقال دينوس : " هل هنالك شيء آخر ، يا سيدتي؟ "
    قالت : " ليس الآن . شكراً "
    غادر دينوس بينما جلست ثيولا ممسكة المسدس في يدها . وأخذت تتساءل عما إذا كان لديها الشجاعة لإطلاق رصاصة منه على نفسها .
    وألقت نظرة على الساعة ، ورأت أنه قد مضت على مغادرة خالها عشرون دقيقة . ولكنها أدركت أن من الصعب على ماغارا أن تكون قد حزمت كل أمتعة كاترين في هذا الوقت القصير . حتى ولو ساعدتها في ذلك خادمات القصر ، فسيأخذ حزم الأحذية وحقائب اليد والمظلات والقبعات وغير ذلك مما يملأ صناديق عديدة كانت قد ملأت قمرة خاصة بها في السفينة .


    وساءلت ثيولا نفسها : " ما الذي أنتظره؟ عندما يعودان لأخذي ، وكنت ما أزال حية فسيمنعاني من ... قتل نفسي .
    وأدركت أن ما تنوي القيام به هو خطيئة . كما أدركت أنه عمل جبان سيجعل اليكسيوس الذي كان قد وصفها بالشجاعة ، سيجعله يحتقرها . عند ذلك تدفقت الدموع من عينيها . وخيل إليها أنها تسمع صوت شخص قادم .
    قال اليكسيوس : " ما الذي تفعلينه؟ ما الذي تقومين به؟ "
    قالت : " انهما ... سيأخذانني ... معهما . إن علي أن .. أتركك . لا .. فائدة دعني أموت . لا يمكنني أن أعيش .. "
    كانت كلماتها متنافرة تقريباً .
    ثم سمعته يقول بصوت عميق قد ملأه التأثر : " كيف تكونين بهذه الحماقة؟ هل تصورت حقاً أنني سأدعك ترحلين ، يا زوجتي؟ "





    كان من الصعب عليها أن تتكلم أو أن تتذكر شيئاً عدا ما قاله من أنه لن يتركها . نظر إليها باسماً ، فعادت تقول : " أرجوك أن تخبرني عما حدث . "
    فقال : " انه في طريقه إلى كييفا . "
    كان في صوته نبرة سرور وهو يقول هذا ، فقالت : " أخبرني .. أخبرني كيف استطعت ذلك . "
    فأجاب : " كل ذلك كان بفضل الميجور بيتلوس . فقد علم أن خالك وابنته قد جاءا وهما يسألان عنك . وعندما أرشدوهما إليك في الفيلا ، أخبرني بيتلوس عن تصرفات خالك وعن معاملته لك . لو كنت حاكماً قليل الخبرة لألقيت به في زنزانة وأذقته نوع معاملته لكِ . "
    فسألته : " وماذا فعلت إذن؟ "
    قال : " جهزت ، بالاشتراك مع بيتلوس ، الذي اخبرني أن خالك شخص متعجرف مستبد لا يحترم إلا مظاهر الفخامة والسلطة ، جهزت مشهداً خاصاً للتأثير عليه . "
    قالت : " ما الذي .. فعلته؟ "
    قال: " جعله بيتلوس ينتظر في غرفة الجلوس . وعندما أصبحت جاهزاً ، قال لخالك ولكاترين : إن الأمير اليكسيوس حاكم كافونيا سيسمح لسيادتكما برؤيته الآن . "
    وأطلق اليكسيوس ضحكة قصيرة ثم تابع يقول : " قال بيتلوس إن خالك أجفل لدى سماعه هذا ولكن قبل أن يجد وقتاً يتمالك فيه نفسه ، قاده مع اللايدي كاترين إلى غرفة جلوس الملك . "
    سألته : " وكيف كنت ... تنتظرهما؟ "
    أجاب : " كنت انتظرهما بالأوسمة ، وأكثرها أوسمة أبي ، وأظن بعضاً منها قد خلفها الملك وراءه . "
    وقهقه ضاحكاً ثم تابع قائلاً : " أؤكد لكِ أن منظري بدا في غاية الأهمية وقد وضعت على صدري كل ما وجدته من أوشحة وأوسمة . ثم أعلن بيتلوس حضورهما بقوله : " السيد سبتيموس بورن ومعه اللايدي كاترين بورن . "
    وكنت أنا أوقع بعض الأوراق ، فتعمدت أن أدعهما ينتظران عدة ثوان قبل أن أنهض لتحيتهما ، وكان عليهما أن يجتازا الغرفة الفسيحة قبل أن يصلا إلى مكتبي . "
    وتذكرت ثيولا مبلغ ما بدت عليه غرفة جلوس الملك تلك من هيبة وفخامة .
    سألته : " ماذا حدث ... عند ذاك؟ "
    قال : " لقد سألني خالك بصوت مختلف جداً عما أظنه كان ينوي مخاطبتي به ، سألني عما إذا كان ما قلته أنتِ له صحيحاً . ثم قال : انك تدعو نفسك أميراً فهل لي أن أسألك عما إذا كنت ورثت هذا ألقب حقاً؟ فنظرت إليه وكأنني اعتبرت ذلك السؤال إهانة لي ، فقال بسرعة لقد كنت أتساءل في الواقع عما إذا كنت من أقارب الملك الكسندر الخامس ملك كافونيا والذي أعلم أنه من أسرة فازيلاس .
    فقلت له : " أرى أن سيادتك مطلع على تاريخنا . إن الملك الكسندر الخامس هو أبي والملك الكسندر الرابع هو جدي . "
    فأجابني خالك صائحاً : لم يكن لدي فكرة عن ذلك .. لم تكن لدي فكرة أبداً فقلت بحدة : وهكذا ترى أنني كنت على حق في استلام كافونيا وتخليص بلادي من الأجانب الذين أخذوا مكاني لمدة اثنتي عشرة سنة . لقد صعق خالك إلى درجة لم يستطع معها أن يتكلم ، فاغتنمت الفرصة وقلت لابنة خالك ، هل لي أن أفهم يا لايدي كاترين ، انكِ لا تنوين الزواج من الملك فرديناند؟ .
    فأجابت بأن ملكاً من دون عرش ولا يجد مكاناً يأويه هو ليس بالمطمح . فقلت لها كلا طبعاً ، معكِ حق . فتابعت تقول : ولهذا أنا عائدة إلى انكلترا . فقلت لها إن أول طلب لكِ هو سهل تماماً يا لايدي كاترين . لقد كان بيتلوس أخبرني أن خالك رجل بخيل جشع تماماً . فشعرت حيث أنه لم يعد هناك زواج ملكي ، بأن خالك لا شك نادم على كل ما أنفقه على جهاز ابنته من مال . "
    قالت : " إنني مسرورة لاستطاعتك .. التخلص منها . "
    فقال : " هذا صحيح فأنا لا أريد أن أرى وجوههم بعد الآن . سأطلعك على سر صغير . لقد تكلمت مع ماغارا باللغة الكافونية ، و طبعاً لم يستطع خالك ولا الفتاة التي كانت تتوقع ذات يوم أن تكون ملكة هذه البلاد ، أن يفهما الأوامر التي كنت ألقيتها إليها . "
    قالت : " كم هو مضحك هذا . آه يا اليكسيوس ... هل رحلا حقاً؟ "
    فأجاب : " نعم لقد رحلا . والآن حدثيني كيف أمكنكِ أن تتصوري لحظة أنني بعد أن أصبحتِ زوجتي ، سأفرط بكِ وأدعك ترحلين؟ "
    كانت ما تزال غير مصدقة بأن الكابوس قد مر وانتهى ، وأن الظلام قد تبدد ، لتعود مرة أخرى إلى النور الذي بدأ يحيط بحياتهما على الدوام.
    تمـــــت بحمد لله



    قامت بكتابتها الاخت...mero_959
    الموضوع: إلى كافونيا بقسم

    موقع روضة الكتب
    http://www.roudabooks.com/
    منتديات روضة الكتب
    http://raudabooks.com/vb/