عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية gogo
gogo
:: منتسب جديد ::
تاريخ التسجيل: Oct 2019
رقم العضوية : 184
المشاركات: 170
:
:
:  - :
قديم 10-22-2019, 10:41 AM
# : 1
gogo
  • معدل تقييم المستوى : 10
  • الإعجاب:
    افتراضي تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة (إلى أول كتاب الوقف وهو آخر ما شرح الشيخ رحمه الله) - جزء ثاني
    http://www.shamela.ws
    تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة



    الكتاب: تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة (إلى أول كتاب الوقف وهو آخر ما شرح الشيخ رحمه الله)
    المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
    عدد الأجزاء: 5
    [الكتاب مرقم آليا]
    عليه وعلى آله وسلم رواه مالك في الموطأ (ما لي أنازع القرآن) يعني أنهم ينازعون النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن فهم يقرؤون وهو يقرأ فينازعونه ويشوشون عليه فقال عليه الصلاة والسلام (ما لي أنازع القرآن) فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا أيضاً يدل على أن المراد الصلوات الجهرية التي يكون فيها منازعة للإمام ولكن المؤلف رحمه الله عدل عن حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم انفتل من صلاة الصبح فقال (ما لكم تقرؤون خلف إمامكم) ثم قال (لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وهذا صريح في أنها تجب على المأموم في الصلاة الجهرية وعلى هذا فيكون قوله هنا فانتهى الناس أن يقرؤوا يعني في غير الفاتحة وكانوا في الأول يقرؤون مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفاتحة وغير الفاتحة والمسألة هذه فيها خلاف بين العلماء على خمسة أقوال:
    القول الأول أن الفاتحة لا تجب على أحد وأن الواجب أن يقرأ ما تيسر من القرآن لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث المسيء في صلاته (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله وقال إن النفي في قوله (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) نفي للكمال وليس نفياً للصحة.
    والقول الثاني أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد بكل حال حتى المسبوق لو جاء والإمام راكع وأدرك الركوع فإنها لا تجزئه الركعة وهذا مقابل لذاك تقابل طرفين مقابلة تامة مع القول الأول.
    القول الثالث أنها تجب على الإمام والمأموم والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية إلا المسبوق فإنها تسقط عنه.
    (1/367)
    ________________________________________
    القول الرابع تجب على المأموم في الصلاة السرية ولا تجب عليه في الصلاة الجهريه وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو قول أقيس من غيره لولا الدليل يعني لولا حديث عبادة بن الصامت الذي أشرنا إليه آنفاً لكان هذا القول هو القول المتعين لأن الأدلة تجتمع به.
    القول الخامس لا تجب على المأموم في السرية ولا في الجهرية وهذا هو المشهور من المذهب مذهب الإمام أحمد لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) والقول الراجح الوجوب مطلقا إلا في حق المسبوق وإنما رجحنا هذا القول لعموم الأدلة (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولحديث عبادة بن الصامت في صلاة الفجر وهو نص في الموضوع إلا المسبوق فإن المسبوق لا تجب عليه لحديث أبي بكرة رضي الله عنه حين جاء والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راكع فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف ثم دخل في الصف ولم يأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإعادة الركعة ولأن المسبوق لم يدرك القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة فسقطت عنه الفاتحة بسقوط محلها كما يسقط غسل اليد إذا قطعت فإنه يسقط غسلها في الوضوء لأنه فات المحل.
    أما الإجابة عما قال المؤلف فنقول الآية (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) الآية عامة وحديث (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) يخصصها وأما حديث أبي هريرة فنقول نعم هو عام فيما جهر فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أن لا يقرؤوا فيه لكن يخصصه حديث عبادة بن الصامت حين انفتل من صلاة الصبح وقال (لا تفعلوا) أي لا تقرؤوا مع إمامكم (إلا بأم الكتاب) وهذا الذي نراه هو مذهب الشافعي رحمه الله وكذلك ذهب إليه كثير من المتأخرين كالشوكاني والشوكاني ممن يرى أيضاً أنها لا تسقط الفاتحة ولا عن المسبوق ولكن سقوطها عن المسبوق أصح وكذلك اختار هذا القول شيخنا عبد العزيز بن باز أنها ركن في حق الإمام والمأموم والمنفرد.
    (1/368)
    ________________________________________
    أما تعليله رحمه الله ولأنها لو وجبت لم تسقط عن المسبوق كسائر الأركان فالجواب عن ذلك أن يقال سقطت بالدليل والدليل مقدم على التعليل وعلى القياس والدليل هو ما ذكرنا من حديث أبي بكرة رضي الله عنه ولأن المسبوق لم يدرك المكان أو الموضع الذي هو محل القراءة.
    السائل: لشيخ الإسلام كلام معناه أوجب القراءة في السرية دون الجهرية هل هذا صحيح؟ وما توجيهه لحديث عبادة؟
    الشيخ: نعم صحيح هذا رأيه هذا رأي الشيخ، وأما حديث عبادة بن الصامت الذي ذكرته لكم في صلاة الفجر بعض العلماء ضعفه ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لكن غيره صححه.
    السائل: بالنسبة لمن ترك الفاتحة ناسياً، فما حكمه؟
    الشيخ: كغيرها من الأركان إذا تركها نسياناً لغت الركعة التي نسيها فيها وإذا كان جهلاً فإن كان من الجهل الذي يعذر به فلا إعادة عليه وإلا أعاد.
    القارئ: وتجب قراءة الفاتحة في كل ركعة لما روى أبو قتادة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأخيرتين بأم القرآن) متفق عليه وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم علم المسيء في صلاته فقال (اقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر) ثم قال (اصنع في كل ركعة مثل ذلك) ولأنه ركن لا تفتتح به الصلاة فتكرر في كل ركعة كالركوع.
    الشيخ: يقول إن الفاتحة تجب في كل ركعة واستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الأخريين بأم الكتاب وهو حديث متفق عليه ووجه الاستدلال منه لا يتم حتى يضاف إليه وقال (صلوا كما رأيتموني أصلي) لأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب فضلاً عن الركنية فحديث أبي قتادة لا يمكن الاستدلال به إلا بإضافة قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي).
    (1/369)
    ________________________________________
    أما الحديث الثاني وروي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاله بصفة التمريض مع أن أصله في الصحيحين لكن اللفظ يختلف، هنا قال (اصنع في كل ركعة مثل ذلك) وفي الصحيحين (ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) ولفظ الصحيحين يحتمل أن المعنى افعل ذلك فيما بقي من صلاتك أو في صلاتك كلها في كل الصلوات يعني افعل ذلك في العصر والظهر والمغرب والعشاء والفجر فلما كان لفظه في الصحيحين محتملاً أتى باللفظ الصريح (ثم اصنع في كل ركعة مثل ذلك).
    السائل: لو قيل بوجوب قراءة الفاتحة في الجهرية لا أنها ركن بحيث يكون هذا هو الوسط وبهذا تجتمع الأدلة؟
    الشيخ: لولا حديث عبادة بن الصامت في صلاة الصبح يعني لو ثبت أن هذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة لكان الواجب الأخذ بالقول بالتفصيل لكن إذا ثبت وقد قال (لا صلاة لمن لم يقرأ بها) ولهذا الذين لا يثبتونه رأيهم واضح، وأما القول بالوجوب ما يمكن لأن نفي الصحة يدل على الركنية.
    السائل: إذا صلى رجل مأموم في صلاة جهرية ولم يقرأ بالفاتحة هل تصح صلاته؟
    الشيخ: ما تصح صلاته.
    السائل: متى يقرأ المأموم الفاتحة في الجهرية هل عند قراءة الإمام؟
    الشيخ: لا الأفضل أن ينصت للفاتحة لأن الإنصات لها أفضل حيث إن قراءة الإمام يجب الاستماع لها فكونه يستمع للإمام وهي ركن في حق الإمام أولى من كونه ينصت لما هو ليس بركن وأما إذا رددها معناه أنه سينشغل عن استماع الآيات إذا قال الحمد لله رب العالمين الإمام سيقول الرحمن الرحيم فإذا كان هو يقول الرحمن الرحيم وأنت تقول الحمد لله رب العالمين اشتغلت عن استماعه
    وأما إذا قال الفاتحة قبل الإمام عند الاستفتاح مثلاً والإمام أطال الاستفتاح لا بأس.
    السائل: اشرح قول المؤلف ولأنه ركن لا تفتتح به الصلاة؟
    (1/370)
    ________________________________________
    الشيخ: ذكر المؤلف الدليل، والتعليل قال ولأنه ركن لا تفتتح به الصلاة، قوله لا تفتتح به الصلاة احترازاً من تكبيرة الإحرام لأنه لو قال ولأنه ركن فتكرر في كل ركعة لقال لك قائل إذاً تكبيرة الإحرام فاحترز عن ذلك بقوله ركن لا يفتتح به الصلاة فكأنه رحمه الله صنع العلة حتى تكون موافقة لما يريد.
    القارئ: وعنه لا تجب إلا في الأولتيين لأنها لو وجبت في غيرهما لسن الجهر بها في بعض الصلوات كالأولتين ويجب أن يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية.
    الشيخ: هذا ضعيف والصحيح أنها واجبة لكل ركعة وأما كونه لا يجهر بالأخريين فكما أن السنة أن يقتصر على الفاتحة فكذلك لا يجهر.
    القارئ: ويجب أن يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية فإن قطع قراءتها بذكر كثير أو سكوت طويل عامداً أعادها وإن فعل ذلك ناسيا أو كان الذكر أو السكوت يسيرا أتمها لأن الموالاة لا تفوت بذلك وإن نوى قطعها لم تنقطع لأن القراءة باللسان فلم تنقطع بالنية بخلاف نية الصلاة.
    الشيخ: يقول يجب أن يقرأ الفاتحة مرتبة فيقرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) إلى آخره متوالية يعني غير متفرقة فإن قطع قراءتها بذكر كثير مثل عندما وصل إلى (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) جعل يدعو كثيراً أو سكوت طويل بشرط أن يكون غير مشروع فإن كان مشروعاً كسكوته لاستماع قراءة إمامه فإنه لا يضر إذا علم أن إمامه سيسكت فيما بعد هذه القراءة حتى يتمكن من إتمامها أما إذا كان يعلم أن إمامه من عادته أنه لا يصمت إذا فرغ من القراءة فإنه يستمر في قراءتها ولو كان الإمام يقرأ.
    السائل: قال المؤلف وإن نوى قطعها لم تنقطع لأن القراءة باللسان فلم تنقطع بالنية بخلاف نية الصلاة هنا أفاد أنه إن نوى قطع الصلاة انقطعت وكنتم ذكرتم أحسن الله إليكم من قبل بأنه إن نوى قطع وضوئه لم ينقطع.
    (1/371)
    ________________________________________
    الشيخ: إن نوى قطع الوضوء في أثناء الوضوء انقطع وإن كان بعد الوضوء ما ينقطع وهذا بعد الصلاة ما تنقطع ولا فرق بين الوضوء والصلاة أبداً ما دام أنه متلبس بالعبادة فهو إذا نوى قطعها انقطعت فإذا فرغ منها ونوى رفعها ما تنقطع لأن نية قطعها بعد التمام معناه نية الرفع، ولا يقال بأن هناك فرق بأن الصلاة إن نوى إبطالها بعد أدائها ما يصح لأنها وقعت بخلاف الوضوء سيستقبل به صلاة أخرى فيقال إن هذا أثر الوضوء لكن نفس العبادة انتهت.
    السائل: لو نوى أن يقطع الصيام هل ينقطع؟
    الشيخ: لو نوى قطع الصيام انقطع لأن الصيام نية فقط ما هناك فعل يفعله حتى نقول إذا انتهى وقطعه بعد انتهائه لم ينقطع وفي أثنائه ينقطع وأصل الصيام مبني على النية فإذا قطعه انقطع وهذا في كل العبادات ما دام متلبساً بها أما إذا فرغ ما يمكن يرفعها إلا الحج فإنه مستثنى.
    السائل: بعض الأئمة في الصلاة السرية أو الجهرية وخاصة في الفترة الأخيرة يسرع جداً فما تستطيع أن تقرأ الفاتحة معه؟
    الشيخ: هذه مهمة جداً بعض الأئمة لا يمكنك أن تقرأ الفاتحة معه فماذا تصنع؟ يجب أن تنفرد لأنه هنا لا يمكن أن تجمع بين قراءة الفاتحة وبين المتابعة.
    القارئ: ويأتي فيها بإحدى عشرة تشديدة فإن أخل بحرف منها أو بشدة لم تصح لأنه لم يقرأها كلها والشدة أقيمت مقام حرف وإن خفف الشددة صح لأنه كالنطق به مع العجلة.
    الشيخ: الفاتحة فيها إحدى عشرة تشديدة والبسملة ليست منها والحرف المشدد عن حرفين (ربُّ) أصلها ربب لكن أدغمت الباء بالباء فالقارئ إذا ترك تشديدة معناه أنه لم يقرأ الفاتحة كاملة.

    فصل
    (1/372)
    ________________________________________
    القارئ: فإذا فرغ منها قال آمين يجهر بها فيما يجهر فيه بالقراءة لما روى وائل بن حجْر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال (ولا الضآلين قال آمين يرفع بها صوته) رواه أبو داوود ويؤمن المأمومون مع تأمينه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين) وفي لفظ (إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفرله) متفق عليه ويجهرون بها لما روى عطاء أن ابن الزبير كان يؤمن ويؤمنون حتى إن للمسجد للجة رواه الشافعي في مسنده.
    الشيخ: إذاً يكون (إذا أمن الإمام فأمنوا) معناه إذا شرع وقد فهم بعض الناس وأعني بهم من لم يراجع بقية الألفاظ أن المعنى إذا أمن أي إذا فرغ من التأمين وهذا غفلة عما ثبت في صحيح مسلم (إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين) وعلى هذا فيتعين أن يكون معنى قوله (إذا أمن) أي إذا شرع في التأمين ولهذا قال المؤلف يؤمن المأموم مع تأمينه.
    السائل: كثير من الناس يتهاون في الفاتحة في الصلاة السرية فإما يقرأها في قلبه أو بتحريك اللسان دون الشفتين؟
    الشيخ: لابد من النطق بالقراءة الذي يقرأ بالقلب ما يقال قرأ لكن هل يجب إسماع نفسه أو يكفي إظهار الحروف؟ فيه قولان للعلماء بعض العلماء يقول لابد أن يسمع نفسه والصحيح أنه لا يشترط، الشرط أن يظهر الحروف من مخارجها أما مجرد أنه يمر القراءة على قلبه لا يكفي بل كل ما ذكر فيه من قال كذا من قرأ كذا هو لابد من إظهار الحروف.
    القارئ: فإن نسيه الإمام جهر به المأموم ليذكره فإن لم يذكره حتى شرع في القراءة لم يأتِ به لأنه سنة فات محلها وفي آمين لغتان قصر الألف ومدها مع التخفيف فإن شدد الميم لم يجزئه لأنه يغير معناها.
    (1/373)
    ________________________________________
    الشيخ: يعني على كلام المؤلف يجوز أن أقول أمين بغير مد كما يقال آمِيْن بمد الألف وتخفيف الميم، أما آمِّين بمد الألف وتشديد الميم، فهذا لا يجوز لأن آمِّين بمعنى قاصدين لكن حتى أمين من الأمانة فلهذا ينظر فيها هل هذا ثابت في اللغة أو لا؟ إن ثبت لغة فلا بأس فيكون هذا من باب المشترك أن أمين تكون بمعنى اللهم استجب وتكون بمعنى ضد الخائن كما قال الزجاج في قول القارئ بعد فراغه من فاتحة الكتاب آمين فيها لغتان: تقول العرب (أمين) بقصر الألف و (آمين) بالمد وهو أكثر.

    فصل
    القارئ: فإن لم يحسن الفاتحة لزمه تعلمها فإن ضاق الوقت عن ذلك قرأ سبع آيات من غيرها وهل يجب أن تكون في عدد حروفها على وجهين أحدهما يجب لأن الثواب مقدر بالحروف فاعتبرت كالآي والثاني لا يعتبر لأن من فاته صوم يوم طويل لم يعتبر كون القضاء في يوم طويل مثله فإن لم يحسن سبعاً كرر ما يحسن بقدرها فإن لم يحسن إلا آية من الفاتحة وشيئاً من غيرها ففيه وجهان أحدهما يكرر آية الفاتحة لأنها أقرب إليها والثاني يقرأ تمام السبع من غيرها لأنه لو لم يحسن شيئاً من الفاتحة قرأ من غيرها فما عجز عنه منها وجب أن يأتي ببدله من غيرها فإن لم يحسن الفاتحة بالعربية لم يجز أن يترجم عنها بلسان آخر لأن الله تعالى جعل القرآن عربيا ويلزمه أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله لما روى عبد الله بن أبي أوفى قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن فعلمني ما يجزئني فقال (قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) رواه أبو داوود.
    (1/374)
    ________________________________________
    الشيخ: كم هذه من كلمة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله خمس فإن قال قائل كيف يغني خمس كلمات عن الفاتحة وهي أكثر منها قلنا لأن البدل من غير جنس المبدل منه هنا بخلاف ما لو قرأ آيات من القرآن غير الفاتحة فإنه يجب أن يكون بقدر الفاتحة لأنه من الجنس.
    السائل: إذا لم يحسن شيئاً من القرآن ولا الذكر؟
    الشيخ: هذا يقف بقدر القراءة.
    السائل: إذا المصلي قرأ الفاتحة بغير تشديد هل تبطل صلاته؟
    الشيخ: لو قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)) لم يشدد حرف الباء والدال لم يصح ولو بجهل لكن إذا كان جاهلاً وقد مضى أوقات طويلة وهو ممن لا يعلم هذه الأشياء فالصحيح أنه لا شيء عليه.
    القارئ: ولأنه ركن في الصلاة فقام غيره مقامه عند العجز عنه كالقيام فإن لم يحسن إلا بعض ذلك كرره بقدره فإن لم يحسن شيئاً وقف بقدر القراءة.

    السائل: القول الذي نقلتموه عن الشيخ عبد العزيز بن باز في أنه يرى في قراءة الفاتحة الركنية كقولكم قديماً أو حديثاً، لأنه في فتاوى نور على الدرب يرى الوجوب ولا يرى الركنية؟
    الشيخ: حديثاً وقديماً لكن هو يتسامح في مسألة المأموم فيما لو نسي مثلاً لكن يلزم على القول بأنها ركن أنه لا يصح تركها ولو نسياناً.

    فصل
    القارئ: ويستحب للإمام أن يسكت بعد الفاتحة سكتة يقرأ فيها من خلفه لما روى سمرة أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) رواه أبو داوود قال أبو سلمة بن عبد الرحمن للإمام سكتتان تغتنم فيهما القراءة بفاتحة الكتاب إذا افتتح الصلاة وإذا قال (وَلا الضَّالِّينَ).
    (1/375)
    ________________________________________
    الشيخ: وهذه السكتة ليست كما زعم بعض العلماء أنها تكون بمقدار ما يقرأ المأموم الفاتحة ولكنها سكتة خفيفة ليتراد إليه النفس ولينظر ماذا يقرأ بعد الفاتحة وأما من قال إنه من أجل أن يقرأ المأموم الفاتحة فقال إنه يسكت بقدر الفاتحة قيل له يلزمك أن تقول إن الإمام يسكت بعد قراءة السورة بقدر ما يقرأ المأموم السورة فإذا قرأ سورة ق نقول اسكت بقدر ما يقرأ المأموم سورة ق وهذا لا يقول به أحد ولهذا كان الصحيح أن هذه السكتة ليست من أجل أن يكمل المأموم قرأة الفاتحة ولكن من أجل أن يتراد إليه النفس وينظر ماذا يقرأ ثم المأموم يشرع في قراءة الفاتحة ويكمل ولو قرأ الإمام على القول الراجح.
    السائل: الحديث الذي رواه أبو داوود هذا الحديث ضعيف ضعفه الألباني لأنه من رواية الحسن عن سمرة وهي مختلف فيها؟
    الشيخ: رواية الحسن عن سمرة مختلف فيها والبخاري وجماعة من المحققين الحافظين قالوا إنه سمع منهم والحديث قال الحافظ بن حجر في فتح الباري إنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    فصل
    القارئ: ويسن أن يقرأ بعد الفاتحة سورة تكون في الصبح من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره وفي سائرهن من أوساطه.
    الشيخ: أول المفصل معروف لكم أوله (ق) وطواله من (ق) إلى (عم) وأوساطه من (عم) إلى (الضحى) وقصاره من (الضحى) إلى آخر القرآن وسمى مفصلاً لكثرة فواصله.
    القارئ: لما روى جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ (ق) رواه مسلم وعنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق والسماء ذات البروج ونحوهما من السور رواه أبو داوود، وعنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دحضت الشمس صلى الظهر ويقرأ بنحو (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)، والعصر كذلك والصلوات كلها إلا الصبح فإنه كان يطيلها رواه أبو داوود وما قرأ به بعد أم الكتاب في ذلك أجزأه يعني في إصابة السنة.

    السائل: هناك من قال إن المفصل يبدأ من الدخان؟
    (1/376)
    ________________________________________
    الشيخ: لا المشهور هو ما قلته لكم أن ق هي أول المفصل.
    السائل: صرَّح بعض العلماء أن الإمام أو المنفرد إذا أطال السكتة فإنها بدعة، فما رايكم؟
    الشيخ: الذي نرى أنه لا وجه لذلك، الشيء الذي اختلف فيه علماء السنة لا يقال إنه بدعة أما الذي قال به أهل البدع نعم أما ما اختلف فيه علماء السنة فإننا لا نقول بدعة وإلا كان كل مسألة فيها خلاف يكون المخالف فيها مبتدعاً ثم من نحن الذين نحكم على الناس بأنهم مبتدعة أليس من الممكن أن نكون نحن المبتدعين ممكن ولهذا نعتبر هذا المسلك غلط لأن علماء السنة الفقهاء لهم خلافات طويلة عريضة هل نقول لكل مخالف أنه مبتدع هل نقول لمن توضأ عند أكل لحم الإبل والآخر لا يراه نقول لمن توضأ إنه مبتدع هل نقول لمن رفع اليدين عند الركوع والآخر لا يراه نقول مبتدع لا، لا يستقيم هذا أبداً.
    السائل: شيخ الإسلام رحمه الله بدع الإمام الذي يقف ليقرأ المأمومون الفاتحة كلها؟
    الشيخ: نعم صحيح، وإن كان هناك من يقول به لكن العلماء الذين قالوا به ليسوا من الأئمة.
    القارئ: ويستحب له أن يطيل الركعة الأولى من كل صلاة لما روى أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأولتين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحياناً وكان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب ويقرأ في العصر في الركعتين الأولتين بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية متفق عليه وفي رواية فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى ولا يزيد على أم الكتاب في الأخيرتين من الرباعية ولا الثالثة من المغرب لهذا الحديث.
    (1/377)
    ________________________________________
    الشيخ: وقال بعضهم لا بأس أن يزيد لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ولكن لا شك أن حديث أبي قتادة أرجح منه لأن حديث أبي سعيد يقول كنا نحزر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والحزر هو التخمين والتقدير وأما حديث أبي قتادة فصريح لكن لو أن الإنسان فعل أحياناً فلا بأس.

    فصل
    القارئ: ويسن للإمام الجهر بالقراءة في الصبح والأولتين من المغرب والعشاء والإسرار فيما وراء ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولا يسن الجهر لغير إمام لأنه لا يقصد إسماع غيره وإن جهر المنفرد فلا بأس لأنه لا ينازع غيره وكذلك القائم لقضاء ما فاته من الجماعة وإن فاتته صلاة ليل فقضاها نهاراً لم يجهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن صلاة النهار عجماء) وإن فاتته صلاة نهار فقضاها ليلاً لم يجهر لأنها صلاة نهار وإن فاتته ليلاً فقضاها ليلاً في جماعة جهر.
    (1/378)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه مسائل أولاً إن فاتته صلاة ليل فقضاها نهاراً لم يجهر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن صلاة النهار عجماء) والصحيح أنه يجهر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس وصلاها قال (فصنع كما يصنع كل يوم) وهذا يشمل الجهر بها ولعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وهذا كما أنه يراد في ذات الصلاة فيراد به أيضاً هيئة الصلاة وكيفيتها وصفتها فالصواب أنه حسب المقضية إن قضى صلاة الليل في النهار جهر وإن قضى صلاة النهار في الليل لم يجهر وانظر إلى كلام المؤلف قال وإن فاتته صلاة نهار فقضاها ليلاً لم يجهر وهذا غريب يعني إن قضى صلاة النهار في الليل لم يجهر وإن قضى صلاة الليل في النهار لم يجهر وكان مقتضى هذا أن تكون الثانية بالعكس يعني أنه إذا قضى صلاة النهار في الليل لم يجهر لأنه قضى صلاة سر نقول كذلك إذا قضى صلاة الليل في النهار جهر لأنه قضى صلاة جهر قال وإن فاتته ليلاً فقضاها ليلاً في جماعة جهر وإن فاتته صلاة نهار فقضاها في نهار لم يجهر.
    السائل: هل صلاة النهار إذا قضاها ليلاً لا يجهر؟
    الشيخ: نعم صحيح القضاء يحكي الأداء هكذا قال العلماء القضاء يحكي الأداء وأما صلاة الجمعة إذا فاتت فلا تقضى على صورتها لأنها سقطت يقضي بدلها والبدل لا يلزم أن يكون مساوياً للمبدل منه.
    السائل: على القول بصحة حديث سمرة أنه ذكر سكتتين بالإطلاق فما الذي قيدها بالقصر؟
    الشيخ: السكتة تطلق على القليل والكثير ولو كانت سكتة طويلة لشرع فيها ذكر.
    القارئ: وإذا فرغ من القراءة استحب له أن يسكت سكتة قبل الركوع لأن في حديث سمرة في بعض رواياته وإذا فرغ من القراءة سكت.

    فصل
    (1/379)
    ________________________________________
    القارئ: ثم يركع وهو الركن الرابع لقوله تعالى (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) ويكبر للركوع لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه يفعل ذلك في صلاته كلها) رواه البخاري وفي هذه التكبيرات روايتان إحداهما أنها واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) متفق عليه ولأن الهوي إلى الركوع فعل فلم يخلو من ذكر واجب كالقيام والثانية لا يجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها للمسيء في صلاته ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
    الشيخ: والصواب الأول الصواب أن هذه التكبيرات واجبة وأنه لا يجوز إسقاطها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إذا كبر الإمام فكبروا) ولأنه كان يكبر في كل خفض ورفع ولأن ذلك هو الفاصل بين الركنين فالصواب أنها واجبة وأما قوله رحمه الله وكذلك قال غيره إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعلمها المسيء في صلاته فجوابه أن يقال ولم يعلمه التشهد أيضاً والتشهد الأخير ركن من أركان الصلاة والنبي عليه الصلاة والسلام إنما علمه ما أساء فيه فقط ولو أننا لا نقول بشيء واجب في الصلاة إلا ما دل عليه حديث المسيء لقلنا أيضاً الفاتحة لا تجب لقوله (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) فالصواب أن هذه التكبيرات تكبيرات الانتقال واجبة.
    القارئ: ويستحب أن يرفع يديه مع التكبير لحديث ابن عمر وقدر الإجزاء الانحناء حتى يمكنه مس ركبتيه بيديه لأنه لا يسمى راكعاً بدونه.
    (1/380)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا مقدار الإجزاء في الركوع الانحناء حتى يمكنه مس ركبتيه بيديه قال الفقهاء رحمهم الله بشرط أن يكون وسطاً يعني أنه ليس طويل اليدين ولا قصير اليدين لأن بعض الناس تكون يداه قصيرتين فيحتاج إلى انحناء كثير وبعض الناس تكون يداه طويلتين فلا يحتاج إلى انحناء إلا قليلاً وبعض العلماء يقول أن يكون إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام وذلك لأنه الآن بين ركنين بين قيام تام وركوع تام فإذا كان أقرب إلى الركوع التام منه إلى القيام التام فهذا هو المجزئ لأنه يصدق عليه أنه ركع والظاهر والله أعلم أن كونه يستطيع أن يمس ركبتيه بيديه قريب من كونه إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام.
    القارئ: ويجب أن يطمئن راكعاً وهو الركن الخامس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته (ثم اركع حتى تطمئن راكعاً) متفق عليه ويستحب أن يضع يديه على ركبتيه قابضاً لهما يسوي ظهره ولا يرفع رأسه ولا يقبضه ويجافي يديه عن جنبيه لما روى أبو حميد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره) وفي لفظ (ركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع) وفي رواية (ووضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه) حديث صحيح.
    الشيخ: كل هذه الصفات معروفة.
    السائل: حديث (صلاة النهار عجماء) فهل للإنسان الجهر في صلاة النهار؟ وماذا يقال عن صلاة الجمعة؟
    الشيخ: لا السنة أن لا يجهر وأما صلاة الجمعة فإنها فريضة مستثناة صلاة الجمعة والاستسقاء والعيدين وسبب استثنائها هو كثرة الجمع فلكثرة الجمع وكونهم على إمام واحد كل أهل البلد صار من المناسب أن يقرأ الإمام لتكون القراءة للجميع واحدة من المناسب أن يجهر لأجل أن يكونوا على قراءة إمام واحد.
    السائل: مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على الجهر ألا يدل على الوجوب؟
    (1/381)
    ________________________________________
    الشيخ: ربما يستدل بها على الوجوب ربما داوم على هذا ولم يحفظ عنه أنه أسر لكن الذين قالوا أنه مستحب قالوا لأن هذا وصف للقراءة أو صفة للقراءة والذي جاءت به النصوص وجوب القراءة نفسها وهذا صفة فقط.
    السائل: إذا صلى إمام بالناس وكان يسرع ولا يستطيع من خلفه متابعته؟
    الشيخ: إذا كان الإمام يسرع بحيث لا يمكن المأموم متابعته فإنه ينفصل عنه ينوي الانفراد وإن حصل لكل المصلين يقدمون واحداً يصلي بهم صلاة تامة لأنه مشكلة الآن يتعذر الجمع بين المتابعة وبين القيام بركن ولا يقال إن هذا فيه فتنة لا ليس هناك فتنة يتقدم واحد من الناس ويجعل الإمام مكانه لا يجره يتركه يصلي لنفسه وهؤلاء المصلون ما دام أنهم ما أخلوا بشيء من الأركان لا يستأنفون ولكن ما أكثر الناس الذين يحبون صلاة هذا الإمام وعلى هذا نقول الذي لا يستطيع أن يتابع ينفصل ويبقى في مكانه، على كل حال إذا كان لا يمكنك متابعة الإمام فانفصل عنه وأكمل لنفسك هذه القاعدة إن أدركت ركعة فكتبت لك إدراك جماعة وإن لم تدرك فأنت منفرد لكن لإصلاح صلاتك.

    فصل
    القارئ: ثم يقول سبحان ربي العظيم وفيه روايتان إحداهما يجب لما روى عقبة بن عامر أنه لما نزل (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال النبي صلى الله عليه وسلم (اجعلوها في ركوعكم) فلما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال (اجعلوها في سجودكم) رواه أبو داوود ولأنه فعل في الصلاة فلم يخلو من ذكر واجب كالقيام والثانية ليس بواجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته.
    الشيخ: عرفتم أن الطريقة هذه وهي الاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته غير صحيحة لأن هناك أركان معروفة ومع ذلك لم تذكر في حديث المسيء وأجبنا عن ذلك بأن لم تذكر لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما علمه ما أساء فيه فقط.
    (1/382)
    ________________________________________
    القارئ: وأدنى الكمال ثلاث لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ركع أحدكم فليقل سبحان ربي العظيم ثلاثاً وذلك أدناه وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثاً وذلك أدناه) رواه الأثرم والترمذي وإن اقتصر على واحدة أجزأه لأنه ذكر مكرر فأجزأت الواحدة كسائر الأذكار.

    فصل
    القارئ: ثم يرفع رأسه قائلاً سمع الله لمن حمده حتى يعتدل قائما وهذا الرفع والاعتدال الركن السادس والسابع لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته (ثم ارفع حتى تعتدل قائما) وفي حديث أبي حميد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (سمع الله لمن حمده) ورفع يديه واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه معتدلاً وفي وجوب التسميع روايتان لما ذكرنا في التكبير ولا يشرع للمأموم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ويقول في اعتداله ربنا ولك الحمد وفي وجوبه روايتان لما ذكرنا.
    الشيخ: إذاً المأموم إذا رفع من الركوع في حال الرفع يقول ربنا ولك الحمد والإمام والمنفرد في حال الرفع يقولان سمع الله لمن حمده وبعد انتهاء الرفع وتمام القيام يقولان ربنا ولك الحمد.
    القارئ: وفي وجوبه روايتان لما ذكرنا قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يثبت أمر الواو وقال قد روى فيه الزهري ثلاثة أحاديث عن أنس وعن أبي سعيد عن أبي هريرة وعن سالم عن أبيه وإن قال ربنا لك الحمد جاز نص عليه لأنه قد صحت به السنة.
    الشيخ: السنة صحت في هذا بثلاثة أوجه:
    أولاً اللهم ربنا ولك الحمد.
    والثاني اللهم ربنا لك الحمد.
    والثالث ربنا ولك الحمد.
    والرابع ربنا لك الحمد كلها صحت بها السنة ويفعل هذا أحياناً وهذا أحياناً كما هو القاعدة.
    السائل: هل ورد: سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان ربي الأعلى وبحمده؟
    الشيخ: نعم ورد فيها حديث بهذا المعنى ولا بأس به.
    (1/383)
    ________________________________________
    السائل: استدل المؤلف على عدم وجوب سبحان ربي الأعلى أو سبحان ربي العظيم كما في الرواية الثانية بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها المسيء في صلاته مع أنها وردت عند أبي داود؟
    الشيخ: نعم هذا مما يؤيد الوجوب لكن المؤلف وغيره من العلماء أكثر ما اعتمدوا في حديث المسيء على ما في الصحيحين.
    القارئ: ويستوي في ذلك كل مصل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله وأمر به المأمومين ويستحب أن يقول ملء السماوات وملء ما شئت من شيء بعد لما روى أبو سعيد وابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه قال (سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) رواه مسلم ولا يستحب للمأموم الزيادة على ربنا ولك الحمد نص عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فقولوا ربنا ولك الحمد) ولم يأمرهم بغيره وعنه ما يدل على استحباب قول ملء السماء وهو اختيار أبي الخطاب لأنه ذكر مشروع للإمام فشرع للمأموم كالتكبير.
    الشيخ: وهذا ليس صحيح، الصحيح أنه يشرع للمأموم وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) فهذا في مقابل سمع الله لمن حمده ولم يتعرض للذكر الذي يكون بعد القيام.
    القارئ: وموضع ربنا ولك الحمد في حق الإمام والمنفرد بعد اعتداله وللمأموم حال رفعه لأن قوله إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يقتضي تعقيب قول الإمام قول المأموم وهي حال رفعه.

    السائل: ما معنى (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)؟
    (1/384)
    ________________________________________
    الشيخ: اختلف العلماء في معنى قوله (ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) فقيل المعنى أنه لو كان أجساماً لملأ ذلك يعني حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه لو كان أجساماً لملأ ذلك وقيل بل معنى (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) أن كل ما خلقه الله عز وجل في السماوات والأرض وما شاء بعد ذلك فإنه فعله وفعله محمود عليه فكأنه قال لك الحمد على كل ما في السماوات والأرض لأن كل فعله عز وجل محمود ولعل هذا أقرب من القول بأن المعنى لو كان أجساماً لملأ ذلك.
    السائل: هل يقتصر في الركوع على ذكر واحد كما في الاستفتاح ولا يجمع بين الأذكار الأخرى؟
    الشيخ: لا ثبت عنه أنه كان يقول سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح وثبت عنه في حديث عائشة كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي.
    السائل: ما حكم من يقول أذكاراً فيها تعظيم وتسبيح دون التخصيص على سبحان ربي العظيم سبحان ربي الأعلى؟
    الشيخ: يمكن هذا أخذه من قول الرسول عليه الصلاة والسلام (فعظموا فيه الرب) ولكن نقول ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو خير والعدول عما جاءت به السنة في الأذكار لا ينبغي حتى لو فرض أنه هناك لفظاً يصح أن يعتمد عليه في العموم كهذا الذي ذكرت عظموا فيه الرب فالمحافظة على ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أولى.
    السائل: لو ذكر في الركوع أذكاراً واردة لكن ليست فيها لفظ التعظيم مثل (سبوح قدوس ... )؟
    الشيخ: فإنه لا يجزئه لابد أن يقول سبحان ربي العظيم لقوله (عظموا فيه الرب) لو نسي لقلنا اسجد للسهو.

    فصل
    (1/385)
    ________________________________________
    القارئ: ثم يخر ساجداً ويطمئن في سجوده وهم الركن الثامن والتاسع لقوله تعالى (اسجدوا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً) وينحط إلى السجود مكبرا لحديث أبي هريرة ولا يرفع يديه لحديث ابن عمر ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم جبهته وأنفه لما روى وائل بن حجر قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه) رواه أبو داود والسجود على هذه الأعضاء واجب لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين) متفق عليه وفي الأنف روايتان إحداهما لا يجب السجود عليه لأنه ليس من السبعة المذكورة والثانية يجب لإشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنفه عند بيان أعضاء السجود ولا يجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء إلا الجبهة فإن فيها روايتان إحداهما يجب لما روي عن خباب قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا رواه مسلم، والثانية لا تجب وهي ظاهر المذهب لما روى أنس قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود رواه البخاري ومسلم ولأنها من أعضاء السجود فجاز السجود على حائلها كالقدمين.
    الشيخ: وهذه المسألة الصحيح أنه يكره أن يضع الإنسان شيئاً دون جبهته مما هو متصل به كثوبه ومشلحه وغترته وأما إذا كان منفصلاً فلا بأس لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه سجد على الخمرة وقد قال العلماء بهذا الصدد إن السجود على حائل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    القسم الأول أن يسجد على حائل من أعضاء سجوده مثل أن يضع يديه هكذا ويضع جبهته على يديه فهذا لا يجزئ.
    (1/386)
    ________________________________________
    الثاني أن يسجد على حائل متصل به كثوبه ومشلحه وغترته فهذا يكره إلا إذا كان هناك حاجة كشدة الرمضاء لحديث أنس أو أن تكون الأرض فيها شوك متعب أو فيها حصىً صغيرة تتعب الجبهة ولا يطمئن فلا بأس.
    الثالث أن يكون الحائل منفصلاً عنه وليس من أعضاء السجود منفصلاً عنه مثل أن يضع غترته ويسجد عليها أو منديلاً ويسجد عليه فلا بأس إلا أنهم قالوا لا يخصص الجبهة وحدها بشيء ساتر لأنه إذا فعل ذلك أشبه الرافضة الذين لا يسجدون إلا على شيء من الأرض والله أعلم.
    القارئ: ويستحب أن يجافي عضديه عن كتفيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه لما روى أبو حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم جافى عضديه عن أبطيه ووصف البراء سجود النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد رواه أبو داوود.
    الشيخ: وقال أهل العلم وينبغي أن يرفع ظهره ولا يمد ظهره يرفعه يعني يرفعه للأعلى فوق ولا يمده وما يفعله بعض الطلبة الصغار إذا سجد يمتد حتى تكاد تقول إنه قد انبطح فهذا لا أصل له والمجافاة هو أن الإنسان يسجد معتدلاً في سجوده ولكن يرفع ظهره.
    القارئ: ويستحب أن يضم أصابع يديه بعضها إلى بعض ويضعهما على الأرض حذو منكبيه ويرفع مرفقيه ويكون على أطراف أصابع قدميه ويثنيهما نحو القبلة لما روى أبو حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع كتفيه حذو منكبيه وفي لفظ سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة وفي رواية فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد.
    الشيخ: هذا أيضاً يشهد لما ذكرت لكم فانتصب على كفيه لأنه لو امتد لم يكن منتصباً ثم إن هذا الامتداد أيضاً فيه مشقة كبيرة على الإنسان.
    القارئ: وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب) صحيح متفق على معناه ويقول سبحان ربي الأعلى.
    (1/387)
    ________________________________________
    الشيخ: الكيفية عرفنا اليدان يضم أصابعها بعضها إلى بعض هكذا وتوجه إلى القبلة وفيها صفتان الصفة الأولى أن تكون حذو المنكبين والصفة الثانية أن تكون حذو جبهته بحيث يسجد بينهما أخرجه مسلم وعلى هذا فيكون في موضع اليدين صفتان الصفة الأولى إلى حذو المنكبين والثانية يقدمهما قليلاً حتى يسجد بينهما.
    فائدة: السنة مجافاة اليدين مع ارتفاع الظهر ثم إن المجافاة أيضاً سنة ما لم يحصل بها أذية فإن حصل بها أذية مثل أن يكون الإنسان في وسط الصف ويخشى أن يؤذي صاحبه فلا يفعل لأنه لا ينبغي أن تفعل السنة ويترتب عليها أذى وتشويش على الغير وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام نهى أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بعضهم على بعض خوفاً من الأذى فهذا من باب أولى، وبعض الناس يفرج يديه ويجعل الأصابع تكاد تكون متقابلة وهذا غلط الذي ينبغي أن تكون الأصابع إلى جهة القبلة.
    القارئ: ويقول سبحان ربي الأعلى وحكمه حكم تسبيح الركوع في عدده ووجوبه لما مضى فإذا أراد السجود فهوى على وجهه فوقعت جبهته على الأرض أجزأه لأنه قد نواه وإن انقلب على جنبه ثم انقلب فمست جبهته الأرض ناوياً السجود أجزأه وإن لم ينو لم يجزئه ويأتي بالسجود بعده.
    الشيخ: هذه المسألة واضحة مثلاً لو أن إنساناً أراد أن يسجد من قيام ثم حصلت له دوخة فسقط على الأرض ووقعت جبهته على الأرض واستقر ساجداً فهنا نقول يصح لأنه قد نوى وحصل والانتقال من أعلى إلى أسفل إنما هو من أجل الوصول إلى الأرض فليس الهوي معتداً به في ذلك وإن انقلب على جنبه ثم انقلب فمست جبهته الأرض ناوياً السجود أجزأه مثل أيضاً لو سقط على الجنب ثم قام انقلب ووضع جبهته على الأرض أجزأه أيضاً إذا نوى السجود وإن لم ينوه لم يجزئه يعني لو قال أراد أن ينقلب انقلاباً لأجل أن لا يكون على الجنب فقط فإنه لا يجزئه ويأتي بالسجود بعده.

    فصل
    (1/388)
    ________________________________________
    القارئ: ثم يرفع رأسه مكبرا ويعتدل جالسا وهما الركن العاشر والحادي عشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي (ثم ارفع حتى تطمئن جالسا) ويجلس مفترشا يفترش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى لقول أبي حميد في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها ثم اعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه وقالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى وينهى عن عُقبة الشيطان رواه مسلم، ويسن أن يثني أصابع اليمنى نحو القبلة لما روى النسائي عن ابن عمر أنه قال من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة ويكره الإقعاء وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه بهذا فسره أحمد لحديث أبي حميد وعائشة وعن أحمد أنه قال لا أفعله ولا أعيب من فعله العبادلة كانوا يفعلونه وقال ابن عباس هو سنة نبيك صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.
    الشيخ: لكن معروف في الإقعاء الذي ذكره ابن عباس أنه ينصب قدميه ويجلس على عقبيه لا أنه يفرش قدميه ويجلس على عقبيه وهذه الصفة أيضاً مع كونها مكروهة هي شاقة على الإنسان لو فرشت رجليك وقعدت على العقبين ففيه مشقة، فالإقعاء يقول المسؤول بن عباس أنه سنة نبيك والإمام أحمد يرى أنه مكروه وفي رواية أنه يقول لا عيب على من فعله ولكنه لا يفعله والظاهر لي ما ذهب إليه بعض العلماء من أن ابن عباس كان على الصفة الأولى وأنه نسخ ولكنه لم يعلم بالناسخ كما فعل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان إذا ركع يطبق بين يديه ويضعهما بين ركبتيه وكان إذا قام معه اثنان جعل أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره وكل هاذين الفعلين منسوخ لكن ابن مسعود لم يعلم بهذا النسخ فلا يبعد والله أعلم أن ابن عباس رضي الله عنهما بنى على سنة سابقة لأن جميع الذين وصفوا جلوس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين السجدتين يقولون إنه يفرش اليسرى وينصب اليمنى.
    (1/389)
    ________________________________________
    السائل: قال المؤلف رفع الرأس من السجود ركن وأما الهوي إلى السجود ليس بركن فما الفرق؟
    الشيخ: الرفع لابد منه لكي يجلس الهوي لأجل أن يسجد وهذا ارتفاع من نزول وهذاك هوي من أعلى ولهذا لم يعده أحد من أهل العلم أنه ركن قالوا السجود ولم يقولوا الهوي للسجود مع أن بعض العلماء لم يعد رفع الرأس من السجود ولا رفع الرأس من الركوع لم يعده ركناً قال لأننا إذا قلنا الجلوس بين السجدتين يغني عن الرفع لأنه من لازمه فعلى هذا يكون الهوي والرفع إنما كان للزوم السجود له.
    السائل: ما معنى (وينهى عن عقبة الشيطان)؟
    الشيخ: فسرها بعضهم بأن يجلس على عقبيه ومراد الإمام أحمد في الإقعاء غير مراد ابن عباس وهذا الذي تبين لي لأن مراد الإمام أحمد واضح أنه صعب متعب وأما ما ذكره ابن عباس فليس كذلك لكنه ليس فيه استقرار مثل ما إذا فرش اليسرى ونصب اليمنى يبقى كأنه مستوفي.
    القارئ: ويقول ربي اغفر لي لما روى حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول بين السجدتين ربي اغفر لي رواه النسائي والقول في وجوبه وعدده كالقول في تسبيح الركوع وإن قال ما روى ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين الله اغفر لي وارحمنى واهدني وعافني وارزقني فلا بأس رواه أبو داوود.
    الشيخ: لو قال المؤلف رحمه الله فحسن كان أحسن لأن قوله فلا بأس لا يدل على أنه مطلوب وأما حديث حذيفة فإن ذلك كان في صلاة الليل وذكر أنه كان يقول ربِّ اغفر لي ربِّ اغفرلي ربِّ اغفرلي ولكنه مع ذلك كان يطيل عليه الصلاة والسلام الجلسة بين السجدتين في صلاة الليل كما يطيل الركوع والسجود والقيام بعد الركوع لعله أراد فلا بأس إن كان أحداً من العلماء قال إنه لا يطيل هذا الركن فله وجه وإلا فالأصل أن يقال فهو حسن.

    فصل
    (1/390)
    ________________________________________
    القارئ: ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى سواء وفيها ركنان ثم يرفع رأسه مكبراً لحديث أبي هريرة وهل يجلس للاستراحة فيه روايتان إحداهما يجلس اختارها الخلال لما روى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض متفق عليه، وصفة جلوسه مثل جلسة الفصل لما روى أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه ثم نهض حديث صحيح وقال الخلال روى عن أحمد من لا أحصيه كثرة أنه يجلس على إليتيه وقال الآمدي يجلس على قدميه ولا يلصق إليتيه بالأرض والرواية الثانية لا يجلس بل ينهض على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهض على صدور قدميه رواه الترمذي وفي حديث وائل بن حجر وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه وفي لفظ فإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه رواه أبو داود ولا يعتمد بيديه على الأرض لما ذكرنا إلا أن يشق ذلك عليه لضعف أو كبر ولا يكبر لقيامه من جلسة الاستراحة لأنه قد كبر لرفعه من السجود
    الشيخ: الجلسة فيها ثلاثة أقوال للعلماء:
    القول الأول أنها ليست بسنة مطلقة وهذا هو المشهور عند المتأخرين أصحاب الإمام أحمد رحمه الله.
    والثاني يجلس مطلقا.
    (1/391)
    ________________________________________
    والثالث التفصيل وهو أنه إن احتاج إليها فلا يتعب نفسه بالقيام بلا جلوس وإن لم يحتاج إليها فإن الأفضل أن لا يجلس وهذا القول المفصل هو اختيار الموفق رحمه الله من كتابه المغني واختيار ابن القيم في زاد المعاد وهو عندي أقرب الأقوال وذلك لأن هذه الجلسة ليست مقصودة بدليل أنه لا تكبير لها ولا ذكر فيها ولأن ظاهر فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لها أنه كان لحاجة لأنه كان إذا أراد أن ينهض اعتمد على يديه والاعتماد لا يكون إلا من حاجة فأعدل الأقوال عندي في هذا أوسطها وهو أنه إن احتاج الإنسان إليها لكبر أو مرض في ركبتيه أو ما أشبه ذلك فالسنة أن لا يشق على نفسه وإلا فالأفضل أن ينهض نهوض الرجل القوي النشيط.
    السائل: لو أن المصلي وهو في أثناء السجود رفع يديه لكي يحك رأسه؟
    الشيخ: هذا لا يجوز لكن إن أشغلته الحكة فليرفع من السجود إذا أتى بالقدر الواجب من الطمأنية وحصل على الحكة وإن كان الإمام لم يرفع فليتصبر ما هناك شيء يشق عليه (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم).
    السائل: إذا كان الإمام يرى جلسة الاستراحة والمأموم لا يراها فهل المأموم يتأخر في السجود أو يجلس؟
    الشيخ: الأفضل أن يجلس مع إمامه متابعة له وبالعكس الأفضل أن لا يجلس لو كان الإمام لا يراها والمأموم يراها فالأفضل أن لا يجلس.
    السائل: هل الأذكار القولية واجبة أم سنة؟
    (1/392)
    ________________________________________
    الشيخ: كما قال المؤلف فيها خلاف التسبيح فيه خلاف والتكبير فيه خلاف ما عدا تكبيرة الإحرام والتسبيح فيه خلاف وإذا أردنا أن نقول لا يجب تكبير ولا تسميع ولا تسبيح ولا ربِّ اغفر لي ماذا يكون عدا الفاتحة ماذا تكون الصلاة؟ مجرد أفعال فقط فالصواب أنها واجبة لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولا يمكن أن تكون الصلاة مجرد أفعال فقط ولهذا يقال إن أحد العلماء كان يخاطب أحد الأمراء وهو على مذهب من لا يرى وجوب قراءة الفاتحة ولا الطمأنية ولا التكبيرات ولا لفظ الله أكبر فأراد أن يصلي أمامه فقال الله أجل مدهامتان ثم حنى ظهره يسيراً ثم رفع ولم يقل شيئاً ثم استمر في صلاته والتشهد الأخير قرأ التشهد ثم ضرط لأنه يقول لا يجب التسليم، الواجب أن يفعل ما ينافي الصلاة من كلام أو حدث أو أكل أو شيء قال الملك هذه صلاتنا قال نعم إذا أخذنا بمذهبك فهذا مجزئ فعدل عن الأخذ بهذا.

    فصل
    القارئ: ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي (ثم اصنع ذلك في صلاتك كلها) إلا في النية والاستفتاح لأنه يراد لافتتاح الصلاة.
    الشيخ: قوله إلا في النية والاستفتاح ما معنى إلا في النية؟ يعني أنه لا يجدد نيته في الركعة الثانية اكتفاءً بالنية الأولى وأما الاستفتاح فبينه رحمه الله والاستعاذة فيها روايتان.
    القارئ: وفي الاستعاذة رواياتان إحداهما يستعيذ لقوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) فيقتضي أن يستعيذ عند كل قراءة والثانية لا يستعيذ لما روى أبو هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت رواه مسلم ولأن الصلاة جملة واحدة فإذا أتى بالاستعاذة في أولها كفى كالاستفتاح فإن نسيها في أول الصلاة أتى بها في الثانية والاستفتاح بخلاف ذلك نص عليه.
    (1/393)
    ________________________________________
    الشيخ: لأن الاستفتاح سنة فات محلها فإذا نسيه في الركعة الأولى سقط والاستعاذة إنما هي في مقدمة القراءة بين يدي القراءة فإذا نسيه في القراءة الأولى شرع له عند القراءة الثانية وبناءً على هذا القول وهو أن قراءة الصلاة قراءة واحدة نقول لو قرأ في الركعة الأولى سورة ثم قرأ في الركعة الثانية ما قبلها فإنه يكون منكساً مثل أن يقرأ في السورة الأولى القارعة وفي الثانية العاديات فإنه يكون منكساً أما إذا قلنا لكل ركعة قراءة مستقلة فإن هذه تنفصل عن هذه ولو قرأ في الركعة الثانية ما قبل الركعة الأولى لم يكن منكساً ولكن الأظهر أن قراءة الصلاة قراءة واحدة.

    فصل
    القارئ: ثم يجلس مفترشاً لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى وفي لفظ فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته) صحيح ويستحب أن يضع يده اليسرى على فخذه اليسرى مبسوطة مضمومة الأصابع مستقبلاً بأطرافها القبلة أو يلقمها ركبته ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى يعقد الوسطى مع الإبهام عقد ثلاث وخمسين ويشير بالسبابة عند ذكر الله تعالى ويقبض الخِنْصَر والبِنْصَر لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة رواه مسلم وعنه يبسط الخنصر والبنصر لما روى ابن الزبير قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه السبابة يدعو ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى يدعو وفي لفظ وألقم كفه اليسرى ركبته رواه مسلم وفي لفظ وكان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها رواه أبو داود.
    (1/394)
    ________________________________________
    الشيخ: يقول وعنه يبسط الخنصر والبنصر نرى الحديث لما روى ابن الزبير قال (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه السبابة يدعو ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى يدعو) هذا كلام المؤلف لكن الحديث لا يدل عليه لكن على كلام المؤلف هو يقول هكذا يعني إما أن يحلق أو يقول هذا لكن الصفة الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام هي هكذا تحليق أو هكذا هذا هو الوارد قوله يبسط الخنصر والبنصر فيه صعوبة ثم استدل المؤلف ببسط الخنصر والبنصر بحديث ابن الزبير مع أنه على خلافه، على كل حال ما دلت عليه السنة أولى.
    يقول وفي لفظ كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها كيف يشير ولا يحرك الإشارة لابد فيها من تحريك ولكنه ورد في حديث آخر يحركها يدعو بها وجمع بينهما بأن المراد أنه لا يحركها هكذا دائماً وإنما يحركها عند الدعاء إشارة إلى علو الله عز وجل.
    أما إلقام اليسرى للركبة يقول هكذا لأن فيه بسط على الفخذ وفيه إلقام كلها وارد.
    السائل: كيف تكون الأصابع في الإلقام؟
    الشيخ: هكذا مع الضم.

    فصل
    القارئ: ثم يتشهد بما روى ابن مسعود قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن (التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) متفق عليه قال الترمذي هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فاختاره أحمد لذلك فإن تشهد بغيره مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كتشهد ابن عباس وغيره جاز نص عليه ومقتضى هذا أنه متى أخل بلفظة ساقطة في بعض التشهدات فلا بأس.
    (1/395)
    ________________________________________
    الشيخ: في حديث ابن مسعود يقول علمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه لماذا جعل كفه بين كفيه من أجل الاهتمام والعناية، وقوله كما يعلمني السورة من القرآن أيضاً يدل على عنايته بهذا التشهد وتشهد ابن مسعود هو أصح ما ورد في التشهد ولكن إذا تشهد بما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا بأس إلا أن هذا التفريع الذي ذكره المؤلف فيه نظر وهو قوله ومقتضى هذا أنه متى أخل بلفظة ساقطة في بعض التشهدات فلا بأس هذا فيه نظر لأنه إذا قلنا بهذا القول صار يمكن أن يأتي بتشهد ملفق من هذا كلمة ومن هذا كلمة ولكننا نقول الصواب أنه لا يخل بلفظة من تشهد أراد أن يتشهد به فإذا أراد أن يتشهد تشهد ابن مسعود فإنه لا يخل بلفظة أو بحديث ابن عباس فإنه لا يخل بلفظة منه لأنه ورد أي التشهد على هذه الكيفية المعينة أما أن يأخذ من هذا لفظة ومن هذا لفظة ويسقط ما لم يتفقا عليه فهذا فيه نظر ظاهر.
    القارئ: فإذا فرغ منه وكانت الصلاة أكثر من ركعتين لم يزد عليه لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يجلس في الركعتين الأولتين كأنه على الرضف) رواه أبو داود لشدة تخفيفه ثم ينهض مكبراً كنهوضه من السجود ويصلي الثالثة والرابعة كالأولتين إلا في الجهرية ولا يزيد على فاتحة الكتاب لما قدمناه.

    السائل: إذا نقص في التشهد فهل تبطل صلاته؟
    الشيخ: أما الواجب إذا تعمد بطلت صلاته يعني التشهد الأول وإذا كان ناسياً يدخله سجود السهو وأما التشهد الثاني فإن صلاته لا تصح ولو ناسياً.
    السائل: (وحده لا شريك له) هل هذه الزيادة موجودة في تشهد ابن مسعود؟
    الشيخ: زيادة لا شريك له هذه ليست في الصحيحين.

    فصل
    (1/396)
    ________________________________________
    القارئ: فإذا فرغ جلس فتشهد وهما الركن الثاني عشر والثالث عشر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به وعلمه ابن مسعود ثم قال (فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك) رواه أبو داود وعن ابن مسعود قال كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقولوا السلام على الله ولكن قولوا التحيات لله) فدل هذا على أنه فرض ويجلس متوركاً يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه لقول أبو حميد في وصفه فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب اليمنى فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرج رجله اليسرى وجلس متوركاً على شقه الأيسر وقعد على مقعدته رواه البخاري وقال الخرقي يجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى ويجعل إليتيه على الأرض لأن في بعض حديث أبي حميد جلس على إليتيه وجعل باطن قدمه اليسرى عند مأبض اليمنى ونصب قدمه اليمنى وقال ابن الزبير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه رواهما أبو داود وأيهما فعل جاز.
    الشيخ: الصواب في الحديث هذا جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه هكذا رواية مسلم وهي أولى لأن قوله تحت فخذه وساقه ليس لها معنى فإنها إذا كانت تحت الساق صارت تحت الفخذ ولا حاجة لينص عليه فصواب الرواية ما في صحيح مسلم بين فخذه وساقه، ثم إن كانت رواية أبي داود محفوظة فهي صفة رابعة ولا مانع لكن إذا كان مخرج الحديث واحداً والرواة واحداً ما يمكن نصف صفتين هذه تحمل على أن أحد الرواة وهم فيها في سياق رواية أبي داود.
    القارئ: ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما لأنه جعل للفرق ولا حاجة إليه مع عدم الإشارة.
    (1/397)
    ________________________________________
    الشيخ: وعلى هذا يكون التورك له ثلاث صفات الصفة الأولى أن ينصب اليمنى ويخرج اليسرى من تحتها من تحت الساق ويجلس بإليتيه على الأرض والثانية أن يفرشهما جميعاً ويخرج اليسرى من تحت الساق وثالثاً أن يفرشهما جميعاً ويجعل اليسرى بين الفخذ والساق وهذا ما ذكره ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد وكل واحدة من الصفات الثلاث جائزة لكن إن أمكن أن يأتي بهذا مرة وبهذا مرة فهو أفضل بناءً على القاعدة الصحيحة أنه إذا تنوعت العبادات فالأفضل أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة.
    السائل: بعض الإخوان يرفعون الركبة عن الأرض وهم متوركون؟
    الشيخ: قد يكون بعض الناس ما يستطيع أن يضع الركبة على الأرض إذا جعل رجله اليسرى تحت الساق، على كل حال هو الأحسن أن تكون الركبة على الأرض لكن أحياناً يكون فيها مشقة.

    فصل
    القارئ: ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وفيها روايتان إحداهما ليست واجبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد (فإذا فعلت فقد تمت صلاتك) والثانية أنها واجبة قال أبي زرعة الدمشقي عن أحمد قال كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة واجبة ووجهها ما روى كعب بن عجرة قال إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال (قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آله محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) متفق عليه قال بعض أصحابنا وتجب الصلاة على هذه الصفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها والأولى أن يكون الأفضل هذا وكيفما أتى بالصلاة أجزأه لأنها رويت بألفاظ مختلفة فوجب أن يجزئ منها ما اجتمعت عليه الأحاديث.
    (1/398)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه القطعة فيها فائدة من حيث الأصول أولاً الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التشهد الأخير وهو الذي يعقبه السلام سواء في ثنائية أو ثلاثية أو رباعية فيها روايتان عن أحمد إحداهما أنها ليست بواجبة وأن الإنسان إذا اقتصر على التشهد الأول وسلم أجزأه والدليل قوله (إذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك) والثانية أنها واجبة ووجهها ما روى كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا إلى آخره ووجه ذلك أنه قال (قولوا اللهم صلِّ على محمد) لكن في بعض الروايات فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا وهذا يدل على أنه من المتقرر عندهم أنهم يصلون عليه في الصلاة أما لو كان اللفظ كما قال المؤلف فقط لكان قوله (قولوا اللهم صلِّ على محمد) ليس للوجوب لكن لبيان الكيفية لأنهم سألوا عن الكيفية ولم يسألوا عن أصل الصلاة فعلى هذا يكون الأمر في قوله (قولوا) بياناً للكيفية لا للوجوب لكن إذا نظرنا إلى الرواية التي ذكرتها (إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا) فإن هذا يدل على أن الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام كانت متقررة وبهذا يمكن أن نقرر الوجوب.
    ثم إذا قلنا بوجوب الصلاة عليه فهل يكتفى بقوله اللهم صلِّ على محمد كما هو المشهور من المذهب أو لابد أن نقول كما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا خلاف أشار إليه المؤلف فبعض الأصحاب قال لابد أن نقول الصيغة التي وجه إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه قال (قولوا اللهم صلِّ) ثم ذكر الحديث وبعضهم يقول إذا قلت اللهم صلِّ على محمد كفى لأنك أتيت بالمقصود ولكن الكيفية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولى وأفضل.
    (1/399)
    ________________________________________
    ثم قال المؤلف بأنها رويت بألفاظ مختلفة فوجب أن يجزئ منها ما اجتمعت عليه الأحاديث هذا فيه نظر وقد سلكه الأصحاب رحمهم الله في التشهد الأول فقالوا إذا أتى بما اجتمعت عليه الأحاديث كفى وهذا فيه نظر ظاهر لأن كل صفة في الأحاديث صفة مستقلة عن الأخرى فكيف نلفق ونقول ما اجتمعت عليه الأحاديث فهو الواجب وما اختلفت فيه فليس بواجب بل يقال إذا كانت الأحاديث وردت على صفة معينة فيكتفى بإحدى الصفات لا بأن نلفق لأنك إذا لفقت لم تكن أتيت لا بهذا اللفظ ولا بهذا اللفظ فكيف يقال إننا نلفق فالطريقة التي مشى عليها هنا طريقة ضعيفة ولكن يقال لو أتى الإنسان بأدنى ما ورد أجزأه عن أعلى ما ورد.
    وفي قول الإمام أحمد كنت أتهيب ذلك دليل على ورعه رحمه الله في إلزام الناس ما لم يدل الدليل على الإلزام به وهو أنه يجب على الإنسان أن يتهيب أن يقول هذا واجب والله لم يجبه أو هذا محرم والله لم يحرمه لكن يقال لا يفعل أو يفعل ويكتفي وإن كان بعض الناس يلزم الإنسان ولابد أن تقول إما واجب أو حرام ولكن إذا لم يتبين لك التحريم أو الوجوب فقل لا أنا أقول يفعل هذا أو أقول يترك هذا ولست بملزم أن تقول فيما لا تعلم يقيناً أنه واجب أو أنه محرم إنه واجب أو محرم.
    الراجح والله أعلم أنه يكتفى باللهم صلِّ على محمد لكن المؤلف رحمه الله لم يبين أنها ركن بل قال إنها واجبة وهذا أحد الأقوال الثلاثة في المسألة، المسألة فيها ثلاثة أقوال أنها سنة، واجب، ركن والمشهور من المذهب أنها ركن ولا تصح الصلاة إلا بها.
    السائل: هل الركن هو التشهد الأول أم الثاني؟
    الشيخ: الركن هو الثاني سبق وأن التشهد الأول واجب وأن الأفضل الاقتصار على قوله أن محمداً عبده ورسوله في التشهد الأول.
    السائل: ما هو دليل تخصيص الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني دون الأول؟
    (1/400)
    ________________________________________
    الشيخ: لأنه في حديث ابن عباس وحديث ابن مسعود أن الرسول علمه التشهد وكان كما مر علينا كان يخفف التشهد الأول حتى كأنه على الرضف يعني على الحجاره المحماة.

    فصل
    القارئ: ويستحب أن يتعوذ من أربع لما روى أبو هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) متفق عليه ولمسلم (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع) وذكره وما دعا به مما ورد في القرآن والأخبار فلا بأس إلا أن يكون إماماً فلا يستحب له التطويل كي لا يشق على المأمومين إلا أن يؤثروا ذلك وقد روي عن أبي بكر الصديق أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني دعاءً أدعو به في صلاتي قال قل (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) متفق عليه.
    الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله أنه يستحب أن يتعوذ من أربعة وذكرها وقال بعض العلماء إنه يجب أن يتعوذ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعل ذلك وأمر به قال (إذا تشهد أحدكم) وفي رواية (التشهد الأخير) كما في صحيح مسلم (فليستعذ بالله من أربع) والأصل في الأمر الوجوب لا سيما وأن هذه الأربع من الأمور التي لو أحاطت بالإنسان لأهلكته فلأجل ما تشتمل عليه من الهلاك وأن الإنسان يستعيذ بربه منها كانت واجبة وقد ذكر عن طاووس رحمه الله أنه أمر ابنه لما لم يستعذ بالله من هذه الأربع أمره أن يعيد الصلاة والقول بالوجوب قوي ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يدعها وأنتم الآن كما شاهدتم دليل وجوبها أقوى من دليل وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    (1/401)
    ________________________________________
    أما حديث أبي بكر رضي الله عنه فإنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه دعاء يدعو به في صلاته لكن لم يبين موضعه والظاهر أنه بعد التشهد لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في حديث ابن مسعود (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) لكن المؤلف رحمه الله يقول إذا كان إماماً فإنه لا يستحب له التطويل لأن لا يشق على المأمومين إلا أن يؤثروا ذلك يعني إلا أن يرضوا بذلك ولكن هذا بشرط أن يكونوا محصورين أما إذا كانوا غير محصورين فكيف يمكن أن نعلم أنهم رضوا بهذا.

    فصل
    القارئ: ولا يجوز أن يدعو فيها بالملاذ وشهوة الدنيا وما يشبه كلام الآدميين مثل اللهم ارزقني زوجة حسناء وطعاماً طيبا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم ولأن هذا يتخاطب بمثله الآدميون أشبه تشميت العاطس ورد السلام.
    (1/402)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا القول ضعيف جداً وهو أنه لا يجوز أن يدعو فيها بملاذ الدنيا وشهواتها وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وقال (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) وقال في حديث ابن مسعود (إذا فرغ أحدكم من التشهد فليدعو بما شاء) وأما استدلاله على أنه لا يجوز بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) فيقال أين كلام الناس في هذا هل الإنسان إذا قال يا ربي ارزقني زوجة حسناء هل هو يقول يا فلان اخطب لي زوجة حسناء أبداً هو يخاطب ربه ويدعو ربه والدعاء عبادة فهذا الاستدلال بهذا الحديث لا شك أنه بعيد من الصواب كذلك أيضاً قوله ولأن هذا يتخاطب بمثله الآدميون فيقال وإذا كان يتخاطبون بمثله فهل أنا أخاطب آدمياً والمراد بقول الرسول عليه الصلاة والسلام (لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) مخاطبة الناس وأما دعاء الله بما يشبه كلام الناس فلا بأس به فالصواب في هذه المسألة أن الإنسان يدعو بما شاء ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً فلا يجوز لأنه من باب الاعتداء في الدعاء.
    السائل: ما دليله على ركنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير؟
    الشيخ: ليس هناك دليل واضح.
    السائل: لو اقتصر المصلي على التشهد دون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
    الشيخ: إذا قلنا بأنها سنة صارت صحيحة وإذا قلنا بالوجوب لا تصلح مع العمد ومع النسيان يكفي فيها سجود السهو وإذا قلنا بأنها ركن لابد أن يأتي بها فيعود إلى صلاته ويأتي بها ويسلم ثم يأتي بالسهو.

    فصل
    (1/403)
    ________________________________________
    القارئ: ثم يسلم والسلام هو الركن الرابع عشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مفتاح الصلاة الطُّهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) رواه أبو داود والترمذي ولأنه أحد طرفي الصلاة فكان فيه نطق واجب كالأول ويسلم تسليمتين ويلتفت عن يمينه فيقول السلام عليكم ورحمة الله ويلتفت عن يساره كذلك لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله وفي لفظ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم حتى يرى بياض خده عن يمينه وعن يساره رواه مسلم ويكون التفاته في الثانية أوفى قال ابن عقيل يبتدئ بقوله السلام عليكم إلى القبلة ثم يلتفت قائلاً ورحمة الله عن يمينه ويساره لقول عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم تلقاء وجهه معناه ابتداء السلام ويستحب أن يجهر بالأولى أكثر من الثانية نص عليه واختاره الخلال وحمل أحمد حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة على أنه يجهر بواحدة ويستحب أن لا يمد السلام لأن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حذف السلام سنة) ورواه الترمذي وقال حديث صحيح قال ابن المبارك معناه لا يمده مدا قال أحمد معناه لا يطول به صوته.
    الشيخ: هذا في التسليم يقول السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله عن اليمين والشمال ويلتفت وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يلتفت حتى يرى بياض خده.
    وأما ما ذكره ابن عقيل ففيه نظر أنه يقول السلام عليكم تجاه القبلة ثم يقول ورحمة الله بل مقتضى حديث ابن مسعود ومقتضى اللفظ أيضاً الخطاب أنه يلتفت من حين أن يبتدئ بالسلام لأن عليكم خطاب لمن وراءه فلابد أن تكون الكاف بعد التفاتته.
    (1/404)
    ________________________________________
    وكذلك أيضاً في كونه يجهر بالأولى أكثر من الثانية هذا يحتاج إلى دليل فإن وجد دليل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذاك وأما حمل ما ورد أنه يسلم تسليمة واحدة على أنه يجهر بالأولى أكثر من الثانية ففي النفس منه شيء إذ من الممكن أن نقول إن الاقتصار على تسليمة واحدة لبيان الجواز وليس لأنه يخفيها.
    السائل: القاعدة (إن ورد لفظ خاص يوافق حكم العام لا يدل على التخصيص) حديث (فليستعذ بالله من أربع) ورد في رواية (إذا تشهد أحدكم) وورد في رواية أخرى (التشهد الأخير) فهل ينطبق هذا على القاعدة؟
    الشيخ: يقيد بالتشهد الأخير، وهذا فيه شرط هذا ما ينافي القاعدة.

    فصل
    القارئ: والواجب تسليمة واحدة والثانية سنة لأن عائشة وسهل بن سعد وسلمة بن الأكوع رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فسلم تسليمة واحدة ولأنه إجماع حكاه ابن المنذر وعنه أن الثانية واجبة لأن جابراً قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله) رواه مسلم ولأنها عبادة لها تحللان فكان الثاني واجباً كالحج.
    الشيخ: الحديث الأول حديث الثلاثة إذا صح فهو دليل واضح لكن بعض العلماء حمله على أنه في صلاة النفل وقال لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه اقتصر على تسليمة واحدة في صلاة الفرض وأما حديث جابر الذي ذكره الأخير فهذا إنما قاله النبي عليه الصلاة والسلام لأنهم إذا سلموا قالوا بأيديهم هكذا كأنها أذناب خيل شمس فقال (إنما كان يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخية من على يمينه وشماله) وهذا بيان لحالهم التي كانوا يفعلون يسلمون عن اليمين وعن الشمال وليس صريحاً بأنه لابد من تسليمتين المعنى يكفي أحدكم بدل أن يقول هكذا.

    فصل
    (1/405)
    ________________________________________
    القارئ: وإن اقتصر على قوله السلام عليكم فقال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه يجزئه نص عليه في صلاة الجنازة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تحليلها التسليم) وهو حاصل بدون الرحمة وعن علي أنه كان يسلم عن يمينه ويساره السلام عليكم السلام عليكم وقال ابن عقيل الصحيح أنه لا يجزئ لأن من وصف سلام النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة قال فيه ورحمة الله ولأنه سلام ورد فيه ذكر الرحمة فلم يجزئه بدونها كالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ويأتي بالسلام مرتباً فإن نكسه فقال عليكم السلام أو نكس التشهد لم تصح وذكر القاضي وجهاً في صحته لأن المقصود يحصل وهو بعيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله مرتبا وعلمهم إياه مرتبا ولأنه ذكر يؤتى به في أحدي طرفي الصلاة فاعتبر ترتيبه كالتكبير.

    السائل: في حديث عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلم تلقاء وجهه) ما الحكم إذا صح هذا الحديث؟
    الشيخ: إذا صح لابد أن نقول به كل شيء يصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام لابد أن نقول به فنجمع بين حديث عائشة وبين حديث ابن مسعود بأنه لا منافاة لأنه إذا ابتدأه من القبلة وأنهاه عن اليمين أوالشمال حصل المقصود.
    السائل: ما معنى حذف السلام؟
    الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله أما بعض الناس يقول السلام عليكم ورحمة الله يمد مرة في الثانية السلام عليكم ورحمة الله يمدها كثيراً حتى أن بعض المسبوقين يقوم فهذا خلاف السنة، السنة أن لا يفعل.
    القارئ: وينوي بسلامه الخروج من الصلاة فإن لم ينو لم تبطل صلاته نص عليه لأن نية الصلاة قد شملت جميعها والسلام من جملتها ولأنها عبادة فلم تجب النية للخروج منها كسائر العبادات وقال ابن حامد تبطل صلاته لأنه أحد طرفي الصلاة فوجبت فيه النية كالآخر.
    (1/406)
    ________________________________________
    الشيخ: والغالب أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينوي الخروج هذا الغالب لكن ربما يعزب عن خاطره نية الخروج فينوي أنها كغيرها من الأذكار فكما أنه لا ينوي التشهد ولا ينوي الركوع ولا ينوي السجود لأنها داخلة في عموم الصلاة فكذلك لا ينوي السلام والصحيح أنه لا يشترط نية السلام وأن الإنسان لو سلم على أنه ركن من أركان الصلاة دون أن يخرج به من الصلاة فلا بأس.
    القارئ: وإن نوى بالسلام على الحفظة والمصلين معه فلا بأس نص عليه لحديث جابر الذي قدمناه وفي لفظ (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام وأن يسلم بعضنا على بعض) رواه أبو داود.

    فصل
    القارئ: ويستحب ذكر الله تعالى بعد انصرافه من الصلاة ودعاؤه واستغفاره قال المغيرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة مكتوبة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) متفق عليه وقال ثوبان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا إنصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً وقال (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) رواه مسلم، وقال ابن عباس (إنَّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته) متفق عليه.
    (1/407)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا الفصل بين فيه رحمه الله أنه يستحب بعد الصلاة أن يذكر الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) وما استدل به من الأحاديث يدل على أنه يجهر به وهو كذلك يجهر به قال ابن عباس كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته والقول بأنه لا يجهر به وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما جهر به للتعليم قول ضعيف أولاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علمه الناس فإنه قال للفقراء (تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) ثانياً أن التعليم يحصل بمرة واحدة ولا يداوم عليه كلما صلى ثالثاً أننا لو سلمنا أنه للتعليم فنقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يعلمهم نفس الذكر وكيفية النطق به فيكون التعليم في أصل الذكر وفي كيفية النطق وأنه يكون جهراً ومثل هذه التأويلات التي يسلكها بعض العلماء رحمهم الله وعفا عنا وعنهم إنما يلجؤون إليها بناءً على أنهم اعتقدوا ثم استدلوا فإذا اعتقد الإنسان ثم استدل تجده يلوي أعناق النصوص حتى توافق ما يعتقده والواجب أن الإنسان يستدل أولاً ثم يعتقد ويعمل ثانياً حتى يكون هو التابع للأدلة وليست الأدلة تابعة له فإذا تجردنا من التقليد ونظرنا إلى هذه الأحاديث وجدنا أنها نص صريح في أن الإنسان يجهر بالذكر بعد الصلاة ولكن لو فرضنا أن إلى جانبك رجال يقضون الصلاة أو أن أمامك رجالاً يقضون الصلاة ولو جهرت لشوشت عليهم فإنك لا تجهر إتقاءً للأذية والسنة تأتي بها في وقت آخر والله الموفق.

    فصل
    (1/408)
    ________________________________________
    القارئ: ويكره للإمام إطالة الجلوس في مكانه مستقبل القبلة لأن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) رواه ابن ماجة فإن أحب قام وإن شاء انحرف عن قبلته لما روى سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه رواه البخاري ومسلم.
    وينصرف حيث شاء عن يمينه أوشماله لقول ابن مسعود لا يجعل أحدكم للشيطان حظاً من صلاته يرى أن لا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن يساره متفق عليه.
    فإن كان مع الإمام رجال ونساء فالمستحب أن تثب النساء ويثبت هو والرجال بقدر ما ينصرف النساء لقول أم سلمة رضي الله عنها إن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال قال الزهري فَنُرى أن ذلك لكي يبعد من ينصرف من النساء رواه البخاري ولأن الإخلال بذلك يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء ولا يثب المأمومون قبل انصراف الإمام لأن لا يذكر سهواً فيسجد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إني إمامكم فلا تبادروني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف) رواه مسلم
    فإن إنحرف عن قبلة أو خالف السنة في إطالة الجلوس مستقبلاً القبلة فلا بأس أن يقوم المأموم ويدعه.
    الشيخ: هذا الفصل كما رأيتم فيه عدة مسائل:
    (1/409)
    ________________________________________
    المسألة الأولى إطالة الإمام الجلوس في مكانه مستقبل القبلة فإن هذا مكروه أولاً الحديث الذي ذكره المؤلف عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام وثانياً لأنه يحبس المأمومين فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا تسبقوني بالانصراف) وإذا بقي مطيلاً للجلوس مستقبل القبلة أحرج الناس لأن الذي يريد أن يمتثل النهي (لا تسبقوني بالانصراف) سوف يجد حرجاً إذا تأخر الإمام.
    المسألة الثانية أنه إذا انحرف عن القبلة هل ينحرف جهة اليمين أو جهة اليسار نقول ينحرف أحياناً من جهة اليمين وأحياناً من جهة اليسار لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ينحرف من هاهنا ومن ها هنا وليس لازماً أن تنحرف دائماً من جهة اليمين وإذا انحرف هل يجعل المأمومين على يمينه أو على يساره أو يستقبلهم؟ نقول يستقبلهم.
    المسألة الثالثة أنه إذا اجتمع رجال ونساء فإن الأفضل أن يتأخر الرجال قليلاً عن الخروج وأن تبادر النساء فيخرجن وذلك من أجل أن لا يختلط الرجال بالنساء وهذا من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    المسألة الرابعة أن المؤلف رحمه الله قال لا يثب المأمومون قبل انصراف الإمام إلا إذا أطال استقبال القبلة جالساً فللمأموم أن ينصرف وإلا فإنه يكره له أن ينصرف قبل انصراف إمامه والعجيب أنه رحمه الله ذكر التعليل قبل الدليل والأولى أن يكون الأمر بالعكس هو قال لأن لا يذكر سهواً فيسجد ثم قال وقد قال النبي فذكر التعليل قبل الدليل والأولى أن يكون بالعكس ثم هذا التعليل الذي ذكره غير مسلم لأن هذا الذي ذكره احتمال والأصل عدمه فالأولى التعويل على الدليل هذا هو الأولى.
    السائل: هل الصلاة قبل الإمام مكروه لأنكم قلتم إن الانصراف قبل الإمام مكروه فلماذا لم يقل إنه محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تبادروني بالركوع) ومعلوم أن سباق الإمام بالركوع محرم؟
    (1/410)
    ________________________________________
    الشيخ: المعروف أن دلالة الاقتران لا توجب التساوي في الحكم (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) مع أن الخيل تؤكل فالذي أخرج هذا هو أن الأول في الركوع وفي السجود قد أخرج بنهي صريح وهو قوله (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا ولا ترفعوا حتى يرفع) إلى آخره أما هذا فلم يذكر مع المحرمات.
    السائل: في قوله (ولا بالانصراف) فلماذا لم يحمل النهي على التحريم؟
    الشيخ: ما في شك أنه نهي ولولا النهي لم يكن مقبولاً وصرف النهي إلى الكراهة لأن الإمام إذا سلم انتهت صلاته فانتهى اتصال المأموم به على وجه اللزوم.
    السائل: هل انصراف الإمام عن اليمين أوعن الشمال سنة؟
    الشيخ: نعم سنة أحياناً عن اليمين واحياناً عن الشمال لكنه يستقبل المأمومين ولا يبقى يجعلهم على جنب.

    فصل
    القارئ: ويكره للإمام التطوع في موضع صلاة المكتوبة نص عليه وقال: كذا قال علي بن أبي طالب وللمأموم ان يتطوع في موضع صلاته فعله ابن عمر وروى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يتطوع الإمام في مقامه الذي يصلي به الناس) رواه أبو داود فإن دعت إليه ضرورة لضيق المسجد انحرف قليلاً عن مصلاه ثم صلى.
    الشيخ: هذا الفصل يتضمن مسألتين:
    المسألة الأولى تطوع الإمام في مكان صلاته وذكر أنه مكروه واستدل الإمام أحمد بقول علي.
    والمسألة الثانية تطوع المأموم في موضع صلاته فذكر أنه لا بأس به ولكن الأفضل أن ينتقل عن مكانه إلى مكان آخر.

    فصل
    (1/411)
    ________________________________________
    القارئ: ويرتب الصلاة على ما ذكرنا وهو الركن الخامس عشر فصارت أركان الصلاة خمسة عشر لا يسامح بها في عمد ولا سهو وواجباتها المختلف فيها تسعة التكبير سوى تكبيرة الإحرام والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة وقول: سمع الله لمن حمده وقول: ربنا ولك الحمد وقول: ربِّ اغفر لي بين السجدتين مرة والتشهد الأول والجلوس له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليمة الثانية وقد ذكرنا في وجوب جميعها روايتين.
    وما عدا ذلك فسنن تتنوع ثلاثة أنواع النوع الأول سنن الأقوال وهي اثنتا عشرة الاستفتاح، والاستعاذة، وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وقول آمين، وقراءة السورة بعد الفاتحة، والجهر والإخفات في موضعهما، وما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود، وعلى المرة في سؤال المغفرة، وقول ملء السماء بعد التحميد، والدعاء، والتعوذ في التشهد الأخير، وقنوت الوتر.
    الشيخ: هذه سنن قولية لكن في قوله رحمه الله الجهر والإخفات في موضعهما في قوله إنهما من سنن الأقوال نظر لأن الجهر والإخفات صفة القول وليس هو القول فقول الإنسان الحمد لله رب العالمين سراً ليس هو القراءة وقولها جهراً ليس هو القراءة بل الإخفات والجهر صفة للقول ولهذا ذكرهما بعض الفقهاء من سنن الأفعال.
    السائل: في موضوع الانصراف عن اليمين أو عن اليسار هل هذه الصفة خاصة بالإمام أو المأموم أيضاً؟
    الشيخ: لا المأموم ليس له صفة يقوم كيفما تيسر له.
    السائل: لكن قول ابن مسعود رضي الله عنه مع أنه لا يخاطب أئمة وإنما يخاطب مأمومين يقول لا يجعل أحدكم للشيطان حظاً من صلاته.
    الشيخ: نعم المأموم بينصرف لكن إذا التزم أن لا ينصرف إلا عن اليمين ما هو صحيح المأموم ينصرف كما يشاء.
    السائل: إذا جعل المأموم أكثر انصرافه من جهة اليسار وانصرف أحياناً من جهة اليمين؟
    الشيخ: ما في شيء.
    السائل: كيف يكون للشيطان حظ؟
    (1/412)
    ________________________________________
    الشيخ: الحظ للشيطان يرى أنه لا ينصرف إلا عن اليمين ليس من أجل الفعل ولكن من أجل كونه يعتقد أنه لا ينصرف إلا عن يمينه هذا له حظ حيث اعتقدت أن شيئاً جائزاً ليس بجائز.
    القارئ: النوع الثاني سنن الأفعال وهي اثنتان وعشرون: رفع اليدين عند الإحرام والركوع والرفع منه ووضع اليمنى على اليسرى.
    الشيخ: بقي عليه الموضع الرابع لم يذكره والصحيح أنه منها القيام من التشهد الأول.
    القارئ: ووضع اليمنى على اليسرى ووضعهما تحت السرة.
    الشيخ: وسبق لنا أن الراجح أن يجعلهما على صدره.
    القارئ: والنظر إلى موضع سجوده.
    الشيخ: وسبق أنه يستثنى من ذلك في حال الإشارة فإنه لا يجاوز بصره إشارته وذلك إذا جلس بين السجدتين أو في التشهد فإنه عند الإشارة ينظر إلى أصبعه وسبق أنه يشير عند كل دعاء.
    القارئ: والنظر إلى موضع سجوده، ووضع اليدين على الركبتين في الركوع، ومد الظهر والتسوية بين ظهره ورأسه، والتجافي فيه، والبداءة بوضع الركبتين قبل اليدين في السجود، ورفع اليدين قبل الركبتين في النهوض، والتجافي فيه، وفتح أصابع رجليه فيه، وفي الجلوس، ووضع يديه حذو منكبيه مضمومة، مستقبلاً بها القبلة.
    الشيخ: فتح أصابع رجليه في حال السجود هذا لا يمكن إلا إذا اتكأ على الأصابع أما إذا وضعها بدون اتكاء فإنها ستبقى ملتئمة اللهم إلا إذا اتكأ على الإبهام كبعض الناس ما يستطيع أنه يتكئ على كل الأصابع يتكئ على الإبهام فحينئذٍ يكون المنفرج ما بين الإبهام والسبابة.
    القارئ: والتورك في التشهد الأخير، والافتراش في الأول، وفي سائر الجلوس، ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة محلقة والإشارة بالسبابة، ووضع اليسرى على الفخذ اليسرى مبسوطة، والالتفات عن يمينه وشماله في التسليم، والسجود على أنفه، وجلسة الاستراحة في إحدى الروايتين فيهما.
    (1/413)
    ________________________________________
    الشيخ: وسبق أن الصحيح أن السجود على الأنف ركن لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أمرت أن أسجد) وفي رواية (أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم على الجبهة) وأشار إلى أنفه.
    وقوله جلسة الاستراحة على إحدى الروايتين فيهما وماذا يعني (فيهما)؟ السجود على الأنف وجلسة الاستراحة.
    القارئ: والنوع الثالث ما يتعلق بالقلب وهو الخشوع ونية الخروج في سلامه.
    الشيخ: الخشوع يعني بذلك حضور القلب وهذا هو لب الصلاة صلاة بلا خشوع كجسد بلا روح وقد اختلف العلماء فيما لو غلب الوسواس يعني الهواجيس على أكثر الصلاة هل تبطل أو لا والصحيح أنها لا تبطل لكنها ناقصة جداً فلذلك لو قيل بوجوب الخشوع لكان له وجه وقد قيل به.
    وقوله نية الخروج في سلامه الخروج من ماذا؟ من الصلاة عند السلام.
    السائل: ما رأيكم في أكل العلك أمام الناس؟
    الشيخ: أمام الناس ما نرى أنه يفعلها الإنسان حتى لو فيها مصلحة أقول ما نرى أنه يأكله أمام الناس وإن كان مباحاً وهو ليس فيه فائدة يمكن بعض الناس أحياناً إذا اضطربت معدته يعني إذا حمى كبده كما يقول العامة يركدها العلك قد يستفيد منها وإذا كان في الطيارة يكون ضغط على أذانه وإذا كنت تعلك يخفف عليك على كل حال أمام الناس ما نرى أن يفعله الإنسان لأنه يتهم.

    فصل
    (1/414)
    ________________________________________
    القارئ: ولا يسن القنوت في صلاة فرض لأن أبا مالك الأشجعي قال قلت لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ها هنا في الكوفة نحواً من خمس سنين أكانوا يقنتون قال أي بني محدث قال الترمذي هذا حديث حسن وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه رواه مسلم فإن نزل بالمسلمين نازلة فللإمام القنوت في صلاة الصبح بعد الركوع اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم رواه سعيد في سننه وليس ذلك لآحاد المسلمين ويقول في قنوته نحواً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول عمر: وكان عمر يقول في القنوت (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسملين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك) رواه أبو داود.
    الشيخ: هذا الفصل تضمن مسائل:
    (1/415)
    ________________________________________
    المسألة الأولى القنوت في صلاة الفرض هل هو سنة أو لا؟ الصحيح أنه ليس بسنة إلا لسبب لكن مع ذلك قال الإمام أحمد رحمه الله لو ائتم بإمام يقنت في صلاة الفجر فإنه يتابعه ويؤمن على دعائه وهذا من فقه الإمام رحمه الله لأن عدم متابعته شق للكلمة وكلما كان شق الكلمة كلمة المسلمين أكبر كان أعظم ولهذا كان الخروج عن الإمام أعظم بكثير من مخالفة إمام الصلاة وإمام الصلاة إمامة صغرة فالإمام إمام الصلاة مطاع هل يقول للناس اركعوا إذا ركعت أو قد قاله الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قد قاله الرسول فهو إمام يقتدى به فلا ينبغي أن يشق العصا فيخالف ولهذا كان إذا قام عن التشهد الأول مع وجوبه وجب على المأموم أن يتابع وإذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية وجب عليه أن يجلس مع أنها في حقه هي الركعة الأولى كل هذا متابعة للإمام ولعدم مخالفته والاختلاف عليه إذا كان كذلك فإنه يوجد في صلاة التراويح بعض الأئمة يرون استحباب الدعاء عند ختم القرآن فإذا ائتم الإنسان بمن يرى هذا فهل يخرج ويقول هذه بدعة وكل بدعة ضلالة؟ لا، يتابع ويؤمن لأن المسألة مسألة اجتهاد فيتابع ويؤمن وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن تكون له على بال وهي عدم المخالفة كلما أمكن التأليف تأليف القلوب فهو أحسن حتى إنه من أكبر مقاصد الشرع في وجوب صلاة الجماعة في المساجد هو تأليف القلوب والاجتماع على الطاعة نعم لو فعل شيئاً محرماً شيء آخر يعني لو كان الإمام لا يطمئن في صلاته فأنا لا أتابعه.
    (1/416)
    ________________________________________
    المسالة الثانية هل يقنت في الفرائض إذا وجد سبب؟ الجواب نعم يقنت إذا وجد السبب لكن ما هو السبب هل هو السبب العام أو الخاص يعني لو أن الإمام شاب تعسر عليه أن يتزوج كل من خطب منه ما أجاب فهل يقنت في صلاة الفريضة لأنه الإمام يقول اللهم زوجني الجواب لا، إذا كان أمراً عاماً إذا نزل بالمسلمين نازلة أما الخاص فلا الخاص يدعو الإنسان لنفسه في السجود أو بعد التشهد الأخير أما القنوت فلا يقنت إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة.
    المسالة الثالثة وإذا وجدت النازلة مثل ما يوجد الآن في البوسنة والهرسك وغيرها من البلاد الإسلامية فهل يقنت كل أحد لا، لا يقنت إلا الإمام فقط الإمام الأعظم ليس الإمام أئمة المساجد الإمام الأعظم يعني مثلاً هنا في المملكة ما يقنت إلا الملك فهد فقط أما غيره فلا يقنت لماذا لأنه لم يحفظ أن أحداً من مساجد المدينة قنت إلا الرسول عليه الصلاة والسلام ولأن المعني بأمور المسلمين هو الإمام بالدرجة الأولى وإلا فكل الناس معنيون بإخوانهم فلهذا قال الفقهاء لا يقنت إلا الإمام الأعظم فقط وقيل يقنت الإمام الأعظم ونوابه كالأمراء وقيل يقنت كل إمام مسجد فقط دون آحاد الناس وقيل يقنت كل مصلي وهذا هو الأصح أنه يسن أن يقنت كل مصلي لكن في المساجد مساجد الجماعة لا ينبغي أن تتفرق الكلمة ينبغي أن يصدروا عن رأي واحد إذا قال المسؤول في البلد عن المساجد اقنتوا قنتوا أما أن يكون هذا يقنت وهذا لا يقنت فهذا يفرق المسلمين ويوجب أن يُطعن في أحد الإمامين إما الذي يقنت أو الذي لا يقنت، الذي يقنت يطعن فيه الناس أنه يعتد بنفسه ويقنت دون غيره والذي لا يقنت يقول هذا رجل لا يهتم بأمر المسلمين ولا يقنت انظر للإمام الفلاني الذي يهتم بأمور المسلمين يقنت لهذا نرى أننا وإن اخترنا القول بأن القنوت عام لا ينبغي لأئمة المساجد إلا أن يصدروا عن رأي واحد لتجتمع الكلمة ولأن لا تلوك ألسن الناس بأئمة المساجد.
    (1/417)
    ________________________________________
    المسألة الرابعة هل يستمر القنوت؟ الجواب إذا زال السبب الذي من أجله شرع القنوت فإنه يزول مثلاً نقنت لانتصار قوم يحاربون الكفار نقنت حتى ينتصروا نقنت لأن قوماً من الكفار قتلوا مثلاً قراءنا أو علماءنا نقنت حتى نظفر بهم ونجري عليهم ما يجب إجراؤه.
    المسألة الخامسة ما ذكره عن عمر وهو قوله اللهم العن كفرة أهل الكتاب هم اليهود والنصارى لكن كيف قال كفرة أهل الكتاب وهل في أهل الكتاب مؤمن؟ نعم يوجد مؤمن من آمن بالرسول عليه الصلاة والسلام مثل عبد الله بن سلام والنجاشي، عبد الله بن سلام من أحبار اليهود وعلمائهم والنجاشي من علماء النصارى وأمرائهم.
    (1/418)
    ________________________________________
    لم يذكر عمر جميع الكفرة نقول نعم لأن كفرة أهل الكتاب أحق بالذنب من غيرهم لأن عندهم كتاباً يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم فكفرهم عن عناد ليس عن جهل فكانوا أغلظ فلذلك كان عمر يدعو عليهم رضي الله عنه وهم جديرون بهذا إن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته يقول (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ونحن نسأل الله تعالى أن يتابع عليهم لعائنه إلى يوم القيامة فهم أهل للعن وأهل للسب وأهل للذنب وأهل لأن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية وهم صاغرون هذا الذي أمر الله (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) لكن متى يكون ذلك إذا قدرنا على هذا أما والأمة الإسلامية على وضعها الحالي شعوباً وحكاماً فنحن عاجزون في الحقيقة عاجزون عن هذا عاجزون عن تنفيذ هذا الأمر الإلهي ثم نحن إن قاتلناهم على الإسلام هم أو غيرهم لسنا نريد أن نسيء إليهم نريد أن نحسن إليهم في إدخالهم لدين الإسلام الذي ينجون به في الدنيا والآخرة أما إذا بقوا على كفرهم فإن نجو فإنما ينجون في الدنيا أما في الآخرة فلا نجاة لهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن) يعني بما جاء به الرسول (إلا كان من أصحاب النار) إذاً نحن عندما نقاتل الكفار لا نقاتلهم تعصباً ولكن نقاتلهم رحمة بهم من أجل أن يدخلوا في الإسلام وإذا دخلوا في الإسلام فهم إخواننا وإن كانوا أبعد ما يكونون عنا نسباً وبلاداً هذه خمس مسائل في هذا الفصل.
    السائل: ماالحكم إذا استمر سبب القنوت طويلاً؟
    (1/419)
    ________________________________________
    الشيخ: إذا استمر فالظاهر أننا نقيده بالشهر ثم إذا تجدد أو تطور إلى أكثر نعيد القنوت.
    السائل: إذا دعا الإمام في الصلاة لنفسه هل يؤمَّن على دعائه؟
    الشيخ: ورد في الحديث أن الإمام إذا خص نفسه في الدعاء فقد خان المأمومين هذه خيانة وهذه والله أعلم هي الحكمة من أن الله سبحانه وتعالى جعل الفاتحة بصيغة التعظيم أو بصيغة الجمع (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ولم يقل إياك أعبد مع أن القارئ واحد لأن الله تعالى يعلم أن هذه السورة ستقرأ لأناس متعددين ولهذا تقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بالجمع لكن في الدعاء الآخر الذي يسر به يقول الإنسان أعوذ بالله من عذاب جهنم ولا يقول نعوذ بالله لأن هذا دعاء له وذاك دعاء للجميع.

    باب
    صلاة التطوع
    القارئ: وهي أفضل تطوع البدن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأعلموا أن من خير أعمالكم الصلاة) رواه ابن ماجة ولأن فرضها آكد الفروض وتطوعها آكد التطوع وهي تنقسم أربعة أقسام:
    أحدها السنن الرواتب وهي ثلاثة أنواع النوع الأول الرواتب مع الفرائض وآكدها عشر ركعات ذكرها ابن عمر قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها أحد حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين متفق عليه.
    (1/420)
    ________________________________________
    وآكدها ركعة الفجر قالت عائشة رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتي الفجر وقال (ركعتا الفجر أحب إلي من الدنيا وما فيها) رواهما مسلم وقال (صلوهما ولو طردتكم الخيل) رواه أبو داود ويستحب له تخفيفهما لقول عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بفاتحة الكتاب؟! متفق عليه ويقرأ فيهما وفي ركعتي المغرب (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) قال أبو هريرة رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) رواه مسلم وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان يقرأ في الركعتين بعد المغرب (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) رواه ابن ماجه، ويستحب ركوعهن في البيت لحديث ابن عمر ولما روى رافع بن خديج قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عبد الأشهل فصلى المغرب في مسجدنا ثم قال (اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم) رواه ابن ماجة قال أحمد ليس هاهنا شيء آكد من الركعتين بعد المغرب يعني فعلهما في البيت.
    الشيخ: هذا الباب فيه مسائل:
    (1/421)
    ________________________________________
    المسألة الأولى التطوع بالصلاة والتطوع بالصلاة من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده لأنه لولا أن الله شرع ذلك لكان فعلهما بدعة وضلالة لكن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن شرع لعباده التطوع في العبادات وما هي الفائدة من هذا التطوع؟ الفائدة التعبد لله عز وجل ثم تكميل الفرائض لأن الفرائض لا تكاد تخلو من نقص لكن النوافل ترقع بها الفرائض تأتي يوم القيامة والفرائض التي أتيتها ناقصة فيكملها الله عز وجل بالتطوع ولهذا لا تجب فريضة من فرائض الإسلام إلا ولها تطوع فالصلاة لها تطوع والزكاة لها تطوع الصدقة والصيام له تطوع والحج له تطوع والجهاد له تطوع كل هذا من أجل أن تكمل الفرائض بهذه النوافل.
    (1/422)
    ________________________________________
    المسألة الثانية ما هو أفضل ما يتطوع به من تطوعات البدن؟ المؤلف يقول في حسب نسخكم أن أفضل ما يتطوع به الصلاة وفي نسختي: وهي من أفضل تطوع البدن ومن تدل على التبعيض ونسختي أصح لأن التطوع بالجهاد أفضل من التطوع بالصلاة فهي من أفضل وليست أفضل وأما قياس المؤلف رحمه الله قياس نافلة الصلاة على فريضتها بأن فريضة الصلاة هي أوكد أعمال البدن فكانت نافلتها أوكد ففيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الإسلام (إن ذروة سنامه الجهاد في سييل الله) ثم هناك شيء آخر أفضل من الجهاد في سبيل الله وهو العلم تعلم العلم الشرعي أفضل لمن كان أهلاً للتعلم من الجهاد في سبيل الله لأن حاجة الناس إلى العلم حاجة ملحة كل إنسان يحتاج إلى العلم والأمة الإسلامية محتاجة إلى العلم في داخلها وفي خارجها وفي نفسها ومع الناس فضرورة الناس إلى العلم الشرعي أشد من ضرورتهم إلى الجهاد بل إن المجاهدين يحتاجون إلى العلم الشرعي كيف يسير المجاهد وكيف يعمل إلا على حسب ما تقتضيه الشريعة ولا يمكن أن يصل إلى ما تقتضيه الشريعة إلا بتعلم العلم ولهذا قال الله عز وجل (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) يعني لا يمكن أن ينفروا كافة إلى الجهاد (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) قال الإمام أحمد العلم لا يعدله شيء.
    (1/423)
    ________________________________________
    المسألة الثالثة السنن تنقسم كما قال المؤلف إلى أنواع الرواتب مع الفرائض الرواتب مع الفرائض يعني أنها تابعة لها ولا ينبغي الإخلال بها وتقضى كما تقضى الفرائض حتى لو فاتتك الفريضة وخرج وقتها فاقضِ راتبتها معها وذكر المؤلف أنها عشرة والصحيح أنها اثنتا عشرة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يدع أربعاً قبل الظهر) وفي حديث ابن عمر (ركعتان بعدها) ستكون رواتب الظهر ست ركعات والمغرب ركعتان والعشاء ركعتان والفجر ركعتان.
    المسألة الرابعة أن الأفضل في هذه الرواتب كلها أن تكون في البيت ويتأكد ذلك في ركعتي المغرب وإنما قلنا أن الأفضل أن تكون في البيت لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) وهذا عام ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي الراتبة في بيته فتكون السنة القولية والفعلية دالة على أن الأفضل أن يتطوع الإنسان في بيته اقتداءً بالرسول عليه الصلاة والسلام.
    المسألة الخامسة السنة في ركعتي الفجر أن يخففهما ولا يطولهما حتى كانت عائشة أم المؤمنين تقول حتى إني أقول أقرأ بفاتحة الكتاب من شدة التخفيف وعلى هذا فلو قال الإنسان أنا أحب أن أطيل في ركعتي الفجر أي في السنة لأتمكن من الدعاء وزيادة التسبيح قلنا خطأ التخفيف أفضل من التطويل مع أن التطويل عبادة لكن السنة أولى بالاتباع وبهذا نعرف أن حقيقة الاتباع موافقة الأمر لا الزيادة فالعبرة بالكيفية لا بالكمية إلا إذا جاءت السنة بطلب الزيادة فهذا شيء آخر.
    (1/424)
    ________________________________________
    المسألة السادسة يقرأ في ركعتي الفجر بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وإنما استحب ذلك لافتتاح صلاة النهار بالإخلاص لأن أول صلاة النهار الفجر وراتبتها تابعة لها فيقرأ بها بسورتي الإخلاص (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) الأولى فيها توحيد الطلب والثانية فيها توحيد الخبر أو يقرأ بدلاً عنهما (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ) إلى آخر الآية في سورة البقرة وفي الركعة الثانية (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) في سورة آل عمران.
    القارئ: ويستحب المحافظة على أربع قبل الظهر وأربع بعدها لما روت أم حبيبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار) وقال الترمذي هذا حديث صحيح وعلى أربع قبل العصر لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحم الله امرءً صلى قبل العصر أربعا) رواه أبو داود وعلى ست بعد المغرب لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى بعد المغرب ستاً لم يتكلم بينهن بسوء عدلن له عبادة ثنتي عشرة سنة) رواه الترمذي وعلى أربع بعد العشاء لقول عائشة رضي الله عنها ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات رواه أبو داود.
    (1/425)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه الأحاديث في صحتها نظر تحتاج إلى تحرير ثم إن قول المؤلف رحمه الله تستحب المحافظة على أربع قبل الظهر مع أن بعض الأحاديث التي ساقها ليس فيها ذكر المحافظة المحافظة لم ترد إلا في الحديث الأول حديث أم حبيبة أما التي بعدها ففيها مطلق الصلاة (رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً) (من صلى بعد المغرب ستاً)، (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط إلا صلى أربع ركعات) هذا يفهم منه المحافظة فالأول والأخير الأول المحافظة فيه صريح والأخير باللازم ومع ذلك تحتاج إلى تحرير لكن هذه السنن إذا صحت أحاديثها فإنها ليست رواتب الرواتب التي تكون شبه ملازمة للفرائض هي إما عشر على حديث ابن عمر وإما اثنى عشر على حديث عائشة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع أربعاً قبل الظهر.

    فصل
    القارئ: النوع الثاني الوتر وهو سنة مؤكدة لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم في حضره وسفره وروى أبو أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل) رواه أبو داود وحكي عن أبي بكر أنه واجب لذلك والصحيح أنه ليس بواجب لأنه يصلى على الراحلة من غير ضرورة ولا يجوز ذلك في واجب.
    الشيخ: هذه الفقرة فيها بيان حكم الوتر وأنه سنة مؤكدة لا ينبغي تركه وقد اختلف العلماء في وجوبه على ثلاثة أقوال:
    القول الأول الوجوب مطلقا.
    والثاني عدم الوجوب مطلقا.
    (1/426)
    ________________________________________
    والثالث الوجوب لمن كان له ورد من الليل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاطب أهل القرآن فقال (يا أهل القرآن أوتروا) وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال وهو بعض قول من يوجبه مطلقا والأظهر أنه لا يجب مطلقاً ويدل لذلك حديث الأعرابي الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام لما سأله هل علي غيرها يعني الصلوات الخمس قال (لا إلا أن تطوع) ويدل لذلك أيضاً ما ذكره المؤلف رحمه الله أنه يصلى على الراحلة بدون ضرورة ولو كان واجباً لم يصل على الراحلة إلا لضرورة ولأن الصحابة رضي الله عنهم حكوا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يوتر على راحلته وقالوا غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة فإذا أخذنا بعموم المكتوبة ولم نقل إن أل للعهد الذهني صار دليلاً واضحاً على أنه ليس من المكتوبات على كل حال القول الراجح أنه ليس بواجب لا على أهل القرآن ولا على غيرهم لكنه سنة مؤكدة.
    السائل: هل السنن الرواتب تصلى في السفر؟
    الشيخ: راتبة الظهر والمغرب والعشاء لا تصلى وما عدا ذلك من النوافل يصلي ما دام مسافراً إذا حكمنا بأنه مسافر لكن لا يُحرم من صلاة التطوع المطلق.
    السائل: هل هذا القول صحيح (أن السنة ترك السنة في سفر)؟
    الشيخ: لا ليس صحيحاً، الصحيح من السنة أن لا يصلي الراتبة في الظهر والمغرب والعشاء.
    القارئ: والكلام فيه في ثلاثة أشياء وقته وعدده وقنوته.
    أما وقته فمن صلاة العشاء إلى الصبح لما روى أبو بصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر) رواه الإمام أحمد وقال النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة) متفق عليه.
    (1/427)
    ________________________________________
    والأفضل فعله سحراً لقول عائشة رضي الله عنها من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى السحر متفق عليه فمن كان له تهجد جعل الوتر بعده ومن خشي أن لا يقوم أوتر قبل أن ينام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله ومن طمع أن يقوم من آخره فليوتر من آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل) رواه مسلم.
    فمن أوتر قبل النوم ثم قام إلى التهجد لم ينقض وتره وصلى شفعاً حتى يصبح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا وتران في ليلة) وهذا حديث حسن ومن أحب تأخير الوتر فصلى مع الإمام التراويح والوتر قام إذا سلم الإمام فضم إلى الوتر ركعة أخرى لتكون شفعا ومن فاته الوتر حتى يصبح صلاه قبل الفجر لما ذكرنا متقدما.
    الشيخ: نعم هذا وقته من صلاة العشاء ولو مجموعة إلى المغرب جمع تقديم إلى صلاة الصبح لقوله عليه الصلاة والسلام (إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح) وظاهر كلام المؤلف أنه يصح الوتر بعد أذان الفجر إلى صلاة الفجر لأنه قال إلى صلاة الصبح ولكن الصحيح أنه ينتهي بطلوع الفجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اجعلوا آخر صلاتكم في الليل وترا) فجعله من صلاة الليل ولقوله (إذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت ما صلى) فيحمل الحديث وهو قوله (ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح) أي إلى وقت صلاة الصبح وعلى هذا فالمسألة التي فرعها المؤلف على هذا وهو قوله من فاته الوتر حتى يصبح صلاه قبل الفجر لما ذكرناه متقدماً يكون ضعيفاً ولكن إذا طلع الفجر وأنت لم توتر تقضيه في النهار ثنتي عشرة ركعة إن كنت توتر بإحدى عشرة وأربع ركعات إن كنت توتر بثلاث وركعتين إن كنت توتر بواحدة لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة.
    (1/428)
    ________________________________________
    أي الوقت أفضل آخر الوقت أو أوله؟ آخره لمن طمع أن يقوم من آخر الليل فإن خاف أن لا يقوم أوتر في أوله فإذا أوتر في أوله ثم قُدِّر له فقام فإنه لا ينقض وتره وكيفية نقض الوتر أن يتبدئ صلاة آخر الليل بركعة واحدة تبنى على ما سبق في أول الليل ويكون هذا نقضاً للوتر السابق ثم يصلي ركعتين ركعتين ويختم بواحدة وهذا القول ضعيف جداً لأن الصلاة لابد أن تكون متوالية وهنا فُرِّق بين الركعة الأولى والركعة الثانية بزمان ونوم ونقض وضوء وربما جنابة فكيف تبنى هذه الركعة على ركعة سابقة وعلى هذا القول لو أخذنا بكلام المؤلف لأوتر في الليلة ثلاث مرات وإذا كان لا وتران في ليلة فكيف بالثلاث فالصواب أنه لا ينقض وتره كما قال المؤلف رحمه الله وأنه يصلي ركعتين ركعتين حتى يطلع الفجر وفيه أيضاً يقول من صلى مع الإمام التراويح والوتر وهو يريد التهجد قام إذا سلم الإمام وأتى بركعة ليكون شفعاً ثم صلى من آخر الليل ركعتين ركعتين وأوتر بواحدة ولكن هل نقول إن هذا أفضل أو الأفضل أن يقتصر على ما اقتصر عليه الإمام ولا يقوم في آخر الليل هذا محل نظر لأنا إن نظرنا إلى أن قيامه في آخر الليل عمل صالح فليفعله وإذا نظرنا إلى أن الصحابة رضي الله عنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفلهم بقية الليل فقال لهم (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وهذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يقتصروا على ما كان عليه الإمام وأن لا يكلفوا أنفسهم لأنه لو شاء لقال من أراد أن يتهجد فليتهجد وأرشدهم إلى ما ذكره المؤلف هذه عندي فيها توقف فإن نظرنا إلى ظاهر الحديث قلنا الأفضل أن تقتصر على ما قام به الإمام وأنت سيحصل لك قيام ليلة وأنت نائم ولو كان من الخير أن تتهجد بعد هذا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وإذا نظرنا إلى أن قيام الليل من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله عز وجل وربما يكون فيها صلاح قوي لقلبه إذا قام في آخر الليل يتهجد وحده
    (1/429)
    ________________________________________
    بعيداً عن الرياء رجحنا هذا فإن قال قائل كيف تجيزون لهذا الإنسان أن يأتي بعد إمامه بركعة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) قلنا نجيز ذلك لأن هذا المأموم لم ينو الوتر وإنما نوى الشفع فلم يخالف إمامَه، إمامُه نوى الوتر وهو نوى الشفع ونظير ذلك المقيم يصلي خلف المسافر فيصلي المسافر ركعتين فإذا سلم قام المقيم فأتم أربعا فهذا يدل على أنه لا بأس إذا زادت صلاة المأموم على صلاة الإمام وهذا الذي دخل مع إمامه ناوياً الشفع صلاته زائدة على صلاة الإمام.
    السائل: قرأت أن ابن تيمية أنه قال من ترك النوافل كلها فإنه فاسق مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي (أفلح إن صدق) وهو ذكر الفرائض فقط؟
    الشيخ: فيها نظر، الإمام أحمد رحمه الله قال من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة وهذا لا يقتضي أن يكون فاسقاً لكن يقتضي أن تهاونه بهذا الوتر الذي هو ركعة يدل على عدم مبالاته وأنه رجل لا يستحق أن يكون شاهداً.
    القارئ: وأما عدده فأقله ركعة لحديث أبي أيوب وأكثره إحدى عشرة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة لما روت عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة متفق عليه وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين لما روى ابن عمر أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (افصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم) رواه الأثرم.
    فإن أوتر خلف الإمام تابعه فيما يفعله لئلا يخالفه قال أحمد يعجبني أن يسلم في الركعتين وإن أوتر بثلاث لم يضيق عليه عندي.
    الشيخ: لا يضيق عليه لأنه سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (من أحب أن يوتر بثلاث فليفعل) ولا يكون إيتار بثلاث إلا إذا لم يكن بينهن تسليم أما إذا سلم من ركعتين صار موتراً بواحدة.
    (1/430)
    ________________________________________
    القارئ: ويستحب أن يقرأ في الأولى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وفي الثانية (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثالثة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لما روى أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد رواه أبو داود
    وإن أوتر بخمس سردهن فلم يجلس إلا في آخرهن لأن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرهن متفق عليه وإن أوتر بتسع لم يجلس إلا بعد الثامنة ولم يسلم ثم جلس بعد التاسعة فتشهد وسلم وكذلك يفعل في السبع لما روى سعد بن هشام قال قلت لعائشة أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد ويحمد الله ويذكره ويدعوه ثم يسلم تسليماً يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعدما يصلي وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول رواه مسلم وأبو داود وفي حديثه أوتر بسبع ركعات لم يجلس فيهن إلا في السادسة ولم يسلم إلا في السابعة.
    الشيخ: صار عندنا الآن العدد واحدة وثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة الواحدة معروفة لا يسلم إلا مرة واحدة الثلاث له أن يسلم مرتين وله أن يسلم مرة واحدة الخمس السنة أن لا يسلم إلا مرة واحدة ولا يتشهد إلا مرة واحدة السبع قيل إنه يجعلها كالخمس وقيل إنه يجعلها كالتسع والأمر في هذا واسع والتسع يسلم فيها واحدة لكن يتشهد مرتين بعد الثامنة وبعد التاسعة.
    السائل: التشهد الأول ليس فيه حمد مع أن عائشة قالت فيذكر الله ويحمده ويدعوه؟
    (1/431)
    ________________________________________
    الشيخ: يمكن أنه يكمل التشهد كله في الثامنة يكمل التشهد وإذا كملنا التشهد صار فيه حمد إنك حميد مجيد صار فيه دعاء ويدل لهذا أنها قالت في التشهد بعد التاسعة ثم يقعد فيحمد الله ويذكره ويدعوه كالأول تماماً الظاهر أنه يصلي يعني على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ولا يقاس عليها الفريضة لأن العبادات ليس فيها قياس.
    السائل: ورد حديث وهو صحيح أن صلاة الليل مثنى مثنى وهو قاعدة في صلاة الليل وظاهره أنه يسلم من كل ركعتين مع أن حديث عائشة على خلاف هذا.
    الشيخ: يكون الوتر مستثنى لأنه يجوز أن يخصص من العموم.
    السائل: لو أذن الفجر وهو في أثناء الوتر؟
    الشيخ: لو أذن الفجر وهو في أثناء الوتر يكمل ما فيه بأس.
    القارئ: وأما القنوت فيه فمسنون في جميع السنة وعنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان لأن أبياً كان يفعل ذلك حين يصلي التراويح وعن أحمد ما يدل على رجوعه قال في رواية المروذي قد كنت أذهب إلى أنه في النصف الأخير من رمضان ثم إني قنت هو دعاء وخير.
    الشيخ: قَنَتُّ يعني فعلت القنوت ثم علل ذلك بقوله هو دعاء وخير.
    القارئ: ولأن ما شرع في الوتر من رمضان شرع في غيره كعدده ويقنت بعد الركوع لما روى أبو هريرة وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع رواه مسلم.
    (1/432)
    ________________________________________
    الشيخ: قوله قنت بعد الركوع رواه مسلم الذي يقرأ كلام المؤلف يقول إن هذا في قنوت الوتر وليس كذلك بل هذا في قنوته في الفرائض لما كان يدعو على قوم وأما قنوت الوتر فليس في الصحيحين ولا أحدهما ما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الوتر يعني من فعله فهذا ابن عباس صلى معه في الليل ولم يذكر أنه قنت وحذيفة بن اليمان وابن مسعود لم يذكروا أنه قنت ولهذا كان قنوت الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الفرائض عند النوازل أصح مما يذكر عنه أنه قنت في الوتر وأما الذين قالوا بأنه يوتر في النصف الأخير من رمضان فاستدلوا بفعل الصحابة رضي الله عنهم والأولى أن الإنسان يقنت أحياناً ويدع أحياناً أما القنوت فلأنه دعاء ولأن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال يا رسول الله علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر فعلمه (اللهم اهدني فيمن هديت) وإذا ترك أحياناً بناءً على ظاهر السنة في حديث ابن عباس وغيره فخير أيضاً فيفعل أحياناً ويترك أحياناً أما في رمضان فلو قيل بالمداومة عليه لكان خيراً وذلك لأنه في حضور الناس واجتماع الكلمة واجتماعهم على إمام فلا ينبغي أن يفوت هذه الفرصة إلا بدعاء إلا إذا تركه يعني أحياناً لأن لا يظن العامة أنه واجب كما هو الواقع، الواقع أن العامة يظنون أنه لا وتر بدون القنوت حتى أن الإمام إذا لم يقنت خرجوا يتحدثون والله اليوم إمامنا ما أوتر إمامنا ما أوتر بناءً على أن القنوت هو الوتر فينبغي أحياناً أن يدع القنوت حتى يتبين الناس أنه ليس بشرط.
    (1/433)
    ________________________________________
    القارئ: ويقول في قنوته ما روى الحسن بن علي قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت) رواه الترمذي وقال لا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئاً أحسن من هذا.
    الشيخ: هذا الحديث علمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحسن بن علي، الحسن بن علي ابن بنت الرسول وقد قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين) وهو أفضل من أخيه الحسين لأن الرسول وصفه بأنه سيد وقال في الحسن والحسين (هما سيدا شباب أهل الجنة جميعا) ثم إن الرسول أثنى عليه بأن الله سيصلح به بين فئتين والأمر كذلك فإنه تنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه فحقنت بذلك دماء عظيمة كثيرة علمه هذا الدعاء (اللهم اهدني فيمن هديت) قوله (فيمن هديت) هذه الجملة يراد بها التوسل إلى الله أي في جملة من هديت فكأن السائل يقول إنك هديت أناساً فاهدني معهم والمراد بالهداية هنا هداية العلم وهداية التوفيق.
    (وعافني فيمن عافيت) المراد بذلك عافية البدن وعافية القلب وقال بعض العلماء المعافاة أن يعافيك الله من الناس ويعافي الناس منك لأن الإنسان ما بين أن يعتدى عليه ومعتدٍ هو على غيره فإذا عافاه الله من أكل لحوم الناس وعافى الناس من أكل لحمه فهذه معافاة عظيمة.
    (وتولني فيمن توليت) أي الولايتين العامة أو الخاصة؟ الخاصة لأن الولاية العامة لكل أحد حتى الكفار الله وليهم كما قال تعالى (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق).
    (وبارك لي فيما أعطيت) فيما أعطيت من المال أو من المال والعلم؟ منهما جميعاً بارك لي فيما أعطيت من المال وما أعطيت من العلم.
    (1/434)
    ________________________________________
    (وقني شر ما قضيتَ) قضيتَ بالفتح وما هنا اسم موصول ولا تصح أن تكون مصدرية لأنك لو قدرتها مصدرية لكان المعنى شر قضائك وحينئذٍ يحتاج إلى تأويل أما إذا جعلناها اسماً موصولاً صار المعنى وقني شر الذي قضيته فيكون الشر في المقضي وليس في القضاء ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (والشر ليس إليه) فالشر في المقضي وليس في قضاء الله أما قضاء الله الذي هو قضاؤه الذي هو فعله وتقديره فهو خير والشر الموجود في مقضياته شر نسبي تجده شراً في حال وخيراً في حال أخرى أو تجده شراً على أناس وخيراً على آخرين أليس كذلك المطر خير ورجل يبني وقد صب سقف بنائه الآن فجاءت الأمطار الغزيرة فصار هذا المطر على صاحب البيت شراً لكنه على غيره خير ثم هو بالنسبة لهذا الذي قضي عليه بذلك ليس شراً محضاً لأنه سيكون تكفيراً لسيئات عظيمة قال الله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فليس كل ما قضى الله على الإنسان من مصيبة تكون شراً قد تكون خيراً كثيراً يتبين فيما بعد (إنك تقضي ولا يقضى عليك) صدق تقضي ولا يقضى عليك أي تحكم ولا يحكم عليك ولهذا قال العلماء ليس للناس على الله حق واجب إلا ما أوجبه على نفسه وبذلك يقول ابن القيم رحمه الله:
    ما للعباد عليه حق واجب ... هو أوجب الأجر العظيم الشان
    كلا ولا عمل لديه ضائع ... إن كان بالإخلاص والإحسان
    إن عذبوا فبعدله أو نعموا ... فبفضله والفضل للمنان
    (1/435)
    ________________________________________
    (إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت) من كان الله وليه فهو العزيز ولا يمكن أن يذل أبداً قال عبد الله ابن أبي (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) يريد بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال الله تعالى مسلماً ذلك أن يخرج الأعز الأذل لكن من هو الأعز اقرأ التي بعدها مباشرة (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ولم يقل ورسول الله الأعز قال (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) وأنت يا ابن أبي ليس لك عزة لو قال والأعز رسول الله والمؤمنون لفهم أن لابن أبي عزة وليس كذلك المهم أن من والاه الله فلا ذل له (ولا يعز من عاديت) صحيح من عاداه الله فلا عز له ولا يرد على هذا ما يحصل أحياناً من انتصار الكفار على المسلمين لأن هذا استدراج وانتصار مؤقت وله سبب من المؤمنين ليكون مصيبة لهم ليطهرهم كالذي حصل في غزوة أحد ولهذا قال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال لم يظن أن ما وراء ذلك من حكمة الله ما يخفى عليه وعلى أمثاله فالحاصل أن من عاداه الله فلا عز له وما يحصل أحياناً من انتصار الكفار على المسلمين فهو استدراج وامتحان وتطهير للمؤمنين وحكم عظيمة له كما ذكر الله تعالى ذلك في سورة آل عمران.
    (تباركت ربنا وتعاليت) تباركت أي عظمت بركاتك وكثرت خيراتك وتعاليت أي ترفعت عن كل نقص وعن كل سوء ومن ذلك أيضاً علوه بذاته سبحانه وتعالى والله أعلم.
    السائل: قوله أوتر بسبع لما أخذه اللحم وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول كيف هذا؟
    الشيخ: يعني صلى بعد الوتر ركعتين يعني لما صلى سبع صلى ركعتين لوحدهما.
    القارئ: وعن علي رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في آخر الوتر (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك) رواه الطيالسي.
    (1/436)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا من التعوذ بالصفة من ضدها بالرضا من السخط وبالمعافاة من العقوبة فكأنه يقول احلل بدل السخط رضاً وبدل العقوبة معافاة وأما (بك منك) فمعناه أني أستعيذ بك منك لأن الله تعالى هو الذي إليه المرجع فيستعيذ بالله من الله لأن الله إذا أراد بقوم سوءاً فلا مردَّ له فهو سبحانه وتعالى هو الذي منه المبتدأ وإليه المنتهى ولهذا صح أن يقال أعوذ بك منك.
    القارئ: وعن عمر أنه قنت فقال (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعين بك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك) وهاتان سورتان في مصحف أبي، قال ابن قتيبة نحفد نبادر وأصل الحفد مداركة الخطو والإسراع والجِد بكسر الجيم أي الحق لا اللعب وملحق بكسر الحاء لاحق.
    الشيخ: لاحق يعني ملحق بمعنى لاحق.
    القارئ: وإن فتحها جاز.
    الشيخ: ملحَق يعني يجوز.
    القارئ: وإذا قنت الإمام أمن من خلفه فإن لم يسمع قنوت الإمام دعا هو نص عليه.
    ويرفع يديه في القنوت إلى صدره لأن ابن مسعود فعله وإذا فرغ أمرَّ يديه على وجهه وعنه لا يفعل والأول أولى لأن السائب بن يزيد قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يديه ومسح وجهه بيديه رواه أبو داود.
    الشيخ: الكلام في هذه القطعة أولاً ما يذكر في القنوت وما يقال فيه وهو معروف.
    ثانياً هل يبدأ بقوله اللهم اهدني فيمن هاديت أو يبدأ بقوله اللهم إنا نستعين بك ونستهديك في هذا قولان في مذهب الإمام أحمد والمرجح عند الأصحاب أنه يبدأ باللهم إنا نستعين بك ونستهديك وذلك لأنه ثناء على الله عز وجل والثناء ينبغي أن يكون سابقاً للدعاء لا بعده.
    (1/437)
    ________________________________________
    ثالثاً هل يرفع يديه في القنوت في قنوت الوتر أو لا؟ فيه أيضاً قولان في مذهب الإمام أحمد والصحيح أنه يرفع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رفع يديه في قنوت الفريضة فكذلك هنا.
    رابعاً المسح إمرار اليدين على الوجه بعد الدعاء المؤلف رحمه الله ذكر روايتين عن الإمام أحمد وقال إن الأولى أن يمر يده واستدل بحديث السائب ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول إن مسح الوجه بعد الدعاء باليدين بدعة وليس بسنة هو قال إن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة أو موضوعة وابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام يقول إن مجموعها يقضي بأنه حديث حسن لما ذكر الحديث قال إن له طرقاً ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن والراجح أنه لا يسن مسح الوجه باليدين ولكن لو مسح بناءً على طرق هذا الحديث فنرجو أن لا يكون في ذلك بأس.
    السائل: ما حكم مسح الصدر مع الوجه؟
    الشيخ: أشد بدعة لم يرد فيه حديث إلا عند النوم في قراءة المعوذات.
    السائل: ومسح الوجه في غير القنوت؟
    الشيخ: مطلقاً كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا رفع يديه ومسح بهما وجهه مطلقاً.
    السائل: كيف شيخ الإسلام يحكم بأن المسح بدعة مع أن الإمام أحمد يرى جوازه؟
    الشيخ: نعم يحكم بأنه بدعة ولو يرى جوازه الإمام أحمد إذا لم يصح الحديث فالتعبد به بدعة.
    السائل: هل يجوز الزيادة على هذا الدعاء؟
    الشيخ: الصحيح أنه يجوز وأنه لا بأس ما لم يشق على الناس فإن شق عليهم فقد غضب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لفعل معاذ رضي الله عنه.

    فصل
    القارئ: النوع الثالث صلاة الضحى وهي مستحبة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال أوصاني خليلي بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام متفق عليه.
    وأقلها ركعتان لحديث أبي هريرة.
    (1/438)
    ________________________________________
    وأكثرها ثمان ركعات لما روت أم هاني أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فصلى ثمان ركعات فلم أرى قط صلاة أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود متفق عليه.
    ووقتها إذا علت الشمس واشتد حرها لقوله عليه الصلاة والسلام (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) رواه مسلم قال أبو الخطاب يستحب المداومة عليها لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ولقوله عليه الصلاة والسلام (من حافظ على شفعة الضحى غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر) أخرجه الترمذي ولأن أحب العمل إلى الله أدومه وقال غيره لا يستحب ذلك لقول عائشة رضي الله عنها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قط متفق عليه ولأن فيها تشبيهاً بالفرائض.
    الشيخ: هذا الفصل فيه ثلاثة مباحث:
    الأول صلاة الضحى هل هي سنة أو لا؟ وفيها للعلماء ثلاثة أقوال القول الأول أنها ليست بسنة مطلقة واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها لأنها قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيته يصلي الضحى قط وهي من أخص الناس به ولكن من المعلوم أن مثل هذا لا يصح أن يكون نافياً لما ثبت لأنه إذا قالت ما رأيت فيقال وغيرها رأى أو جاءت أحاديث قولية غير فعلية تدل على استحبابها.
    القول الثاني أنها سنة دائماً عكس القول الأول فيسن للإنسان أن يصلي ركعتي الضحى دائماً واستدل هؤلاء بحديث أبي هريرة وبحديث (يصبح على كل سلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس) قال (ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) قالوا فلو لم يكن منهما إلا هذه الفائدة لكفى في مشروعيتهما كل يوم.
    (1/439)
    ________________________________________
    والقول الثالث أن من كان له تهجد من آخر الليل فلا يسن له المداومة عليها ومن لم يكن له تهجد سن له أن يداوم عليها وحملوا حديث أبي هريرة على ذلك وقالوا إن أبا هريرة رضي الله عنه ليس له تهجد في آخر الليل لأنه كان يسهر أول الليل لتحفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمره أن يوتر قبل أن ينام ولو كان من عادته أن يتهجد لأمر أن يوتر في آخر الليل وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فتكون مستحبة دائماً لمن لم يكن له تهجد ولا يستحب مداومته عليها لمن كان له تهجد وقال إن هذا يجمع بين الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قوله وفعله.
    البحث الثاني ما أقلها وما أكثرها؟ أقلها ركعتان وأكثرها ثمان أما كون أقلها ركعتين فظاهر لحديث أبي هريرة (وركعتي الضحى) وأما كون أكثرها ثمان فلحديث أم هانئ ولكن الصحيح أنه لا حد لأكثرها وأن الإنسان يصلي ما شاء وأما حديث أم هانئ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى ثمان ركعات ولم يقل لا تزيدوا عليها وأيضاً فقد نازع بعض العلماء في هذه الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة فقال بعضهم إنها صلاة فتح وليست صلاة ضحى واستحبوا لكل من فتح بلداً أن يصلي ثمانيَ ركعات فيكون الخلاف هنا في أصل المسألة.
    البحث الثالث ظاهر كلام المؤلف أن وقت صلاة الضحى لا يكون إلا بعد ارتفاع الشمس وعلوها والصحيح أنه يكون من حين زوال النهي وذلك بأن ترتفع الشمس قيد رمح لكن آخر الوقت أفضل من أوله ويمتد وقتها إلى قبيل الزوال أي إلى أن يدخل وقت النهي عند زوال الشمس.
    السائل: بعض الناس يرفع يديه في الدعاء لكن يضعهما على فخذيه وهو جالس على هيئة التشهد؟
    الشيخ: رفع اليدين في الصلاة في غير القنوت بدعة وإذا كان في غير الصلاة فإن اليدين ترفع إلى الصدر وعند الابتهال يرفع أكثر.
    (1/440)
    ________________________________________
    السائل: هل يجوز الترتيل في الدعاء يجعله كالقرآن؟
    الشيخ: هذا ليس ترتيل كالقرآن وفرق بين أن يدعو لنفسه ويدعو لغيره، الذي يدعو لغيره يأتي بمثل هذه الصيغة لأنها أكثر جلباً للقلوب.
    السائل: من نام عن الوتر فأراد أن يصليه في وقت الضحى هل يقدم الضحى عليه أو يصلي قبل الضحى؟
    الشيخ: يقدم الوتر أحسن وإن قدم الضحى ما في بأس.

    فصل
    القارئ: والقسم الثاني ما تسن له الجماعة منها التراويح وهي قيام رمضان وهي سنة مؤكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من صام رمضان وقامه إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه وقام النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثلاث ليالٍ ثم تركها خشية أن تفرض فكان الناس يصلون لأنفسهم حتى خرج عمر عليهم وهم أوزاع يصلون فجمعهم على أبي بن كعب قال السائب بن يزيد لما جمع عمر الناس على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة فالسنة أن يصلي بهم عشرين ركعة في الجماعة لذلك ويوتر الإمام بهم بثلاث ركعات لما روى مالك عن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في عهد عمر بثلاث وعشرين ركعة قال أحمد يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا صلى الرجل مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حديث صحيح قال ويقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخف على الناس ولا يشق عليهم قال القاضي لا تستحب الزيادة على ختمة لأن لا يشق عليهم ولا النقصان منها ليسمعهم جميع القرآن إلا أن يتفق جماعة يؤثرون الإطالة فلا بأس بها وسميت هذه تراويح لأنهم كانوا يجلسون بين كل أربع يستريحون.
    (1/441)
    ________________________________________
    الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله القسم الثاني يعني من صلاة التطوع ما تسن له الجماعة ومنها التراويح وهي قيام رمضان وثبوتها بالسنة الفعلية سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسنة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هذا أول بحث وقد خالف الصواب من قال إن التراويح لا تشرع جماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاها ثلاث ليالٍ أو أربعاً ثم تأخر خشية أن تفرض علينا وهذه الخشية منتفية بعد موته ثم على فرض أنه لم يسنها فقد سنها أمير المؤمنين عمر وهو ممن له سنة متبعة فإنه ثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنه ومن أكثرهم موافقة للصواب.
    (1/442)
    ________________________________________
    البحث الثاني كم عدد هذه الركعات؟ الصحيح أن العدد إما ثلاث عشرة ركعة أو إحدى عشرة ركعة لأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رمضان فقالت ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة وهذا نص صريح وروي عنها أنه كان يصلي ثلاث عشرة ركعة وكذلك صح في حديث ابن عباس فتكون الركعات دائرة بين إحدى عشرة أو ثلاث عشرة فهذه هي السنة وأما سنة عمر ففيها خلاف فروى مالك عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة وهذا ثابت بأصح إسناد ثم إنه اللائق بعمر رضي الله عنه لأنه هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما ما ذكره المؤلف أنه جمعهم على أبي بن كعب وكان يصلي بهم عشرين ركعة ففي ثبوته نظر لكن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في عهد عمر بثلاث وعشرين ركعة وهذا مضاف إلى عهد عمر واللفظ الأول الذي ذكرته لكم مضاف إلى قول عمر وما أضيف إلى قوله أقوى مما أضيف إلى عهده لأن ما فعل في عهد الصحابي فليس بحجة ولا ينسب إلى الصحابي يعني ليس بحجة منسوباً إلى الصحابي إلا أن نعلم أنه اطلع عليه وعلى هذا فلا يمكن أن نقدم ما فعله الناس في عهده على ما أمر به هو نفسه فالصواب أنها ثلاث عشرة أو إحدى عشرة ركعة هذا هو الصواب.
    (1/443)
    ________________________________________
    المبحث الثالث هل الأفضل أن يوتر الإنسان مع الإمام ويختم صلاته أو الأفضل أن لا يوتر مع الإمام ويتهجد في آخر الليل؟ الأول أفضل لقول الإمام أحمد رحمه الله يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه وهذا الذي قال أنه يعجبه هو ظاهر الحديث لأن الصحابة قالوا يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا فقال (إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وهذا يدل على أن الأولى الاقتصار على ما صلاه مع إمامه وإلا لقال من شاء أن يتنفل فليتنفل فالباب مفتوح والليلة باقية إلى الفجر لو نفلتنا بقية ليلتنا فقال (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) ووجهه من حيث المعنى ظاهر لأنه إذا كان يكتب لك قيام ليلة وأنت نائم على فراشك فأرح نفسك هذه من نعمة الله عز وجل ولأن الذي يصلي مع الإمام إذا أراد التهجد فإما أن ينصرف قبل الوتر فيكون خالف الجماعة وإما أن يوتر مع الإمام ثم يقوم يشفع بركعة وهذا أيضاً نوع خلاف وربما يحمل الإنسان على الرياء وإن كان قد يحمي نفسه من الرياء لكن ربما مع الاستمرار يحصل في قلبه رياء وكأنه يقول للناس إنني سوف أتهجد ولذلك شفعت الوتر.
    (1/444)
    ________________________________________
    البحث الرابع هل يختم القرآن بهم كله أو ما تيسر؟ استحب الفقهاء رحمهم الله أن لا ينقص عن ختمة ولا يزيد عليها أن لا ينقص لأجل أن يسمعهم جميع القرآن ولا يزيد لأن لا يشق عليهم وبناءً على ذلك يكون عمل الناس اليوم من الشيء الذي لا ينبغي لأنهم يزيدون على ختمة فتجدهم يختمون في التراويح الصلاة الأولى في أول الليل ثم في التهجد يزيدون إما أن يختموا أو يقلوا عن ختمة وهذا لا ينبغي لأنه يشق على الناس ولكن ولله الحمد في أزماننا المتأخرة صار الذي يتولى إمامة المساجد في رمضان غالبهم طلبة علم فيحملون الناس على فعل السنة لا يزيدون على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة حتى في العشر الأواخر لا يزيدون عليها يصلي في أول الليل أربع ركعات طويلة ثم ينصرف الناس إلى بيوتهم ثم يأتون في آخر الليل ويصلون ما بقي وهذا عمل حسن طيب يوافق السنة مع راحة الناس والمطلوب هو الراحة مع فعل السنة.
    القارئ: وكره أحمد التطوع بينها وقال فيه عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية، عبادة وأبو الدرداء وعقبة بن عامر.
    ولا يكره التعقيب وهو أن يصلوا بعد التراويح نافلة في جماعة لأن أنساً قال ما يرجعون إلا إلى خير يرجونه أو لشر يحذرونه وعنه أنه يكره إلا أنه قول قديم قال أبو بكر إن أخروا الصلاة إلى نصف الليل أو آخره لم يكره رواية واحدة قال أحمد فإذا أنت فرغت من قراءة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع وادع وأطل القيام رأيت أهل مكة وسفيان بن عيينة يفعلونه واختلف أصحابنا في قيام ليلة الشك فقامها القاضي لأن القيام تبعاً للصيام ومنعها أبو حفص العُكبري لأن الأصل بقاء شعبان ترك ذلك في الصيام احتياطا ففيما عداه يبقى على الأصل.
    الشيخ: التعقيب بعد التراويح يعني يرجعون ويصلون مرة ثانية كما هو فعل الناس الآن في العشر الأواخر يرجعون ويصلون لكن التعقيب هل هو بعد التراويح وقبل الوتر أو بعد التراويح والوتر؟
    (1/445)
    ________________________________________
    السائل: نقض الوتر صورته لم تتضح لي؟
    الشيخ: نقض الوتر على رأي من يراه إذا أوتر في أول الليل وقام في آخره يصلي ركعة واحدة فقط ثم يصلي ركعتين ركعتين ثم يوتر بواحدة وعلى هذا يكون أوتر ثلاث مرات وهذا ليس بصحيح يعني هذا القول ضعيف والصواب أنه إذا قام يصلي ركعتين ركعتين حتى ينتهي.

    فصل
    القارئ: القسم الثالث التطوع المطلق وهو مشروع في الليل والنهار وتطوع الليل أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة الليل) وهو حديث حسن والنصف الأخير أفضل قال عمرو بن عبسة قلت يا رسول الله أي الليل أسمع قال (جوف الليل الأخير) رواه أبو داود وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) متفق عليه.
    ويستحب للمتهجد أن يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم من الليل فليفتح صلاته بركعتين خفيفتين) رواه مسلم.
    الشيخ: وثبت هذا أيضاً من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفتتح الصلاة صلاة الليل بركعتين خفيفتين والحكمة في ذلك هو أن الشيطان إذا نام الإنسان عقد على قافيته ثلاث عقد فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة وإذا توضأ انحلت الثانية وإذا صلى انحلت الثالثة قال العلماء فينبغي أن تكون هذه خفيفة لأجل الإسراع في حل هذه العقد فتكون هذه السنة ثبتت بالقول وبالفعل.
    السائل: ما معنى أسمع؟
    الشيخ: أسمع يعني أقرب للإجابة السمع هنا سمع الاستجابة.
    السائل: ألا يحتمل أن تكون الركعتين الخفيفتين هي سنة العشاء لأن كل الأحاديث التي ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل تطويله وما أشبه ذلك؟
    الشيخ: لا ليس هذا، هذا لأجل أن الإنسان تنحل عنه العقد بسرعة الرسول قال (إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين) ما يقصد سنة العشاء سنة العشاء قبل النوم.
    (1/446)
    ________________________________________
    القارئ: ويستحب أن يكون له ركعات معلومة يقرأ فيها حزبه من القرآن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أحب العمل إلى الله الذي يدوم عليه صاحبه وإن قل) متفق عليه وقالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء الآخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة رواه مسلم وهو مخير إن شاء خافت وإن شاء جهر قالت عائشة رضي الله عنها كل ذلك كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ربما أسر وربما جهر حديث صحيح إلا أنه إن كان يسمع من ينفعه أو يكون أنشط له وأطيب لقلبه فالجهر أفضل وإن كان يؤذي أحداً أو يخلِّط عليه القراءة فالسر أولى فإن أبا سعيد قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال (ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة) رواه أبو داود.

    فصل
    القارئ: ويستحب أن يختم القرآن في كل سبع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو (اقرأ القرآن في كل سبع) متفق عليه.

    السائل: ما الراجح من قول المؤلف في صلاة التراويح ليلة الشك وكذلك اعتاده الناس في صلاة التراويح قبل أن تتبين رؤية هلال شوال.
    الشيخ: الصحيح أن ليلة الشك لا تصلى وكذلك لا يصام وقد عرفت أن صيام يوم الشك حرام.
    القارئ: ويحزبه أحزابا لما روى أوس بن حذيفة قال قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أبطأت علينا الليلة قال (إنه طرأ علي جزئي فكرهت أن أجيء حتى أختمه) قال أوس فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن قال: قالوا: ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل وحده رواه أبو داود

    فصل
    (1/447)
    ________________________________________
    القارئ: وصلاة الليل مثنى مثنى لا يزيد على ركعتين لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الليل مثنى مثنى) قيل لابن عمر ما مثنى مثنى قال تسلم من كل ركعتين متفق عليه وإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس لأن تخصيص الليل بالتثنية دليل على إباحة الزيادة عليها في النهار والأفضل التثنية لأنه أبعد من السهو.
    الشيخ: وهذا بناءً على أنه قوله (صلاة الليل والنهار) ليست بصحيحة زيادة النهار أما من صححها فيرى أنه لا فرق بين الليل والنهار وممن صححها الشيخ عبد العزيز بن باز قال إنها صحيحة وهي مختلف فيها لكن من صححها ألحق صلاة النهار بالليل.

    فصل
    القارئ: والتطوع في البيت أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) رواه مسلم ولأنه من عمل السر ويجوز منفرداً وفي جماعة لأن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم كان منفردا وقد أَمَّ ابن عباس في التطوع مرة وحذيفة مرة وأنساً واليتيم مرة فدل على جواز الجميع.
    الشيخ: لكن لا يتخذ هذا سنة دائمة، أحياناً لا بأس به فقد أَمَّ ابن عباس كما قال وأَمَّ حذيفة وأَمَّ ابن مسعود رضي الله عنهم وأما أنس واليتيم فليس بصلاة الليل إنما هو لما ذهب إلى أم سليم لطعام صنعته ودعت النبي صلى الله عليه وسلم إليه أمهم عليه الصلاة والسلام لكنه ليس بصلاة الليل كما فعل ذلك في عتبان بن مالك حين دعاه عتبان ليصلي في مكان اتخذه مصلىً له والمهم أن صلاة الجماعة أحياناً لا بأس بها في النفل سواء في صلاة الليل أو صلاة الضحى أو غيرها.
    السائل: ما حكم صلاة النافلة جماعة دائماً لوجود المصلحة وهي أن يسمعوا القرآن؟
    الشيخ: صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها أما اتخاذها سنة راتبة كل ليلة مثلاً يصلي فهذا ليس مشروع إلا في رمضان ولو لمصلحة ما نسن شريعة من أجل المصلحة والمصلحة هذه تحصل بقراءتهم في غير صلاة.
    (1/448)
    ________________________________________
    السائل: إذا خرجوا المعسكرات لمدة أسبوع أو عشرة أيام أو أقل يصلون في آخر الليل جماعة؟
    الشيخ: هو الأحسن ما يصلونها كل ليلة لا بد أن يفصل.
    السائل: من هو اليتيم؟
    الشيخ: اليتيم غميرة بن عبد الله.

    فصل
    القارئ: ويجوز التطوع جالسا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة) رواه مسلم ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لأنه يستحب تطويله وتكثيره فسومح في ترك القيام تكثيراً له ويستحب أن يكون في حال القيام متربعا ليخالف حال الجلوس ويثني رجليه حال السجود لأن حال الركوع كحال القيام وقال الخرقي يثنيهما في الركوع أيضا لأن ذلك يروى عن أنس وإن صلى على غير هذه الهيئة جاز.
    الشيخ: الآن إذا صلى قاعداً يتربع في حال القيام وفي حال الركوع لأن حال الركوع كحال القيام وقال الخرقي يثنيهما في الركوع أيضاً لأن ذلك يروى عن أنس لكن لا شك أن القياس ما قاله المؤلف أولاً.
    القارئ: وإذا بلغ الركوع فإن شاء قام ثم ركع لما روت عائشة رضي الله عنها قالت لم أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعداً حتى أسن فكان يقرأ قاعداً حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحواً من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع) متفق عليه وإن شاء ركع من قعود لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعدا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد رواه مسلم.
    الشيخ: خلاصة هذه القطعة هو أن صلاة الليل مثنى مثنى وجوباً حتى قال الإمام أحمد رحمه الله إذا قام إلى ثالثة فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر أي أنه يرجع فإن لم يفعل بطلت الصلاة وفي النهار الأفضل أن تكون مثنى مثنى وإن تطوع بأربع فلا بأس.
    (1/449)
    ________________________________________
    ثانياً مكان التطوع: التطوع في البيت أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإن خير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) ولأن ذلك أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء ولأجل أن لا تكون بيوتنا قبوراً ومن أجل أن يشاهد العائلة كبيرهم يصلي فيألفون الصلاة فلهذه المعاني صار الصلاة في البيت أفضل.
    المسألة الثالثة التطوع هل يشترط له القيام؟ الجواب لا فأما قوله تعالى (وقوموا لله قانتين) فذلك في الفريضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين (صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب) أما النافلة فالقيام ليس ركناً فيها فيجوز أن يتطوع وهو جالس ولكن القيام أفضل إلا لعذر.
    وكيف يكون في حال القيام إذا صلى قاعداً؟ يكون متربعاً في حال القيام وفي حال الركوع وأما في حال السجود وفي حال الجلوس فيكون ثانياً رجليه.
    السائل: فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند القراءة حيث يقوم قبل الركوع لماذا لا تستمر الصلاة قعوداً؟
    الشيخ: كان يفعل هذا مرة وهذا مرة في الأحاديث التي عندنا أنه يفعل هذا مرة وهذا مرة.
    السائل: بالنسبة لتحية المسجد هل يصح الإنسان يصليها قاعداً مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس قبل الصلاة؟
    الشيخ: نعم يصح وأما جلوسه لكي يصلي ركعتين فهو الآن يصلي ركعتين فهو لم يجلس إلا ليصلي.
    السائل: ما الفرق بين صلاة الليل والوتر والتهجد؟
    الشيخ: التهجد هو ما كان بعد النوم والوتر معروف ينويه نفل معين وصلاة الليل نفل مطلق.

    فصل
    القارئ: القسم الرابع: صلوات لها أسباب منها تحية المسجد لما روى أبو قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) متفق عليه
    (1/450)
    ________________________________________
    ومنها صلاة الاستخارة قال جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) أخرجه البخاري.
    الشيخ: فيه أيضاً ذوات أسباب غير الذي ذكر المؤلف مثل صلاة الكسوف على القول بأنها سنة، صلاة الاستسقاء، التصدق على من دخل وقد فاتته الصلاة، سنة الوضوء، المهم أن ذوات الأسباب ليست محصورة بما قال المؤلف.
    السائل: دعاء الاستخارة متى يكون؟
    الشيخ: بعد السلام.

    فصل
    القارئ: وسجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع لأن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد فنسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكاناً لوضع جبهته متفق عليه ولا يسن للسامع عن غير قصد لأن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان فلم يسجد وقال إنما السجدة على من استمع.
    ويشترط كون التالي يصلح إماماً للمستمع لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة ثم نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنك كنت إمامنا ولو سجدت لسجدنا) رواه الشافعي.
    (1/451)
    ________________________________________
    الشيخ: الشاهد من هذا قوله (إنك كنت إمامنا) يعني وعلى هذا فلا يسجد المستمع إذا كان القارئ لا يصلح أن يكون إماماً له مثل أن يستمع إلى امرأة تتلو القرآن فتمر المرأة بالسجدة وتسجد فإن المستمع لا يسجد لأن المرأة لا تصح أن تكون إماماً للرجل أما لو سمع صبياً يقرأ فإنه إذا سجد الصبي يسجد وذلك لأن الصبي تصح إمامته في النافلة قولاً واحداً.
    القارئ: ويسجد القارئ لسجود الأمي والقادر على القيام بالعاجز عنه لأن ذلك ليس بواجب فيه ولا يقوم الركوع مقام السجود لأنه سجود مشروع فأشبه سجود الصلاة.
    الشيخ: قوله ولا يقوم الركوع مقام السجود يعني فيما لو كان في صلاة وصار آخر آية في القراءة سجدة فركع فإنه لا يجزئ عن السجود وأما إذا كان خارج الصلاة وركع بدل السجود فإنه مبتدع ويكون بذلك آثماً إذا كان عن علم.
    القارئ: وإن كانت السجدة آخر السورة سجد ثم قام فقرأ شيئاً ثم ركع وإن أحب قام ثم ركع من غير قراءة وإن شاء ركع في آخر السورة لأن السجود يؤتى به عقيب الركوع.
    الشيخ: فهذه ثلاث حالات إذا كانت السجدة في آخر السورة مثل (كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) فإما أن يسجد فإذا قام قرأ شيئاً ما حتى يلحق المأمومون به ثم ركع أو يقوم من السجود ولا يقرأ يركع وحينئذٍ ينتظر قليلاً من أجل أن يتكامل المأمومون في القيام وإما أن يركع وظاهر كلامه أن سجود الصلاة الذي يكون بعد الركوع يجزئ عنه سجود التلاوة لأنهما عبادتان من جنس اتفقا في الوقت ولكن هذا القول فيه نظر لأنه وجد الفاصل بين السجود والتلاوة وهو الركوع فلا يظهر ما ذهب إليه المؤلف.

    فصل
    القارئ: وسجود التلاوة غير واجب لأن زيد بن ثابت قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها متفق عليه، وقال عمر يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه ولم يكتبها الله علينا.
    (1/452)
    ________________________________________
    الشيخ: ما ذكر من خرجه الأثر رواه البخاري بمعناه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب يوم الجمعة فقرأ سورة النحل فلما وصل إلى السجدة نزل من المنبر فسجد ثم قرأها من الجمعة الأخرى ولم يسجد ثم قال إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء وهذا بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم نعلم أن أحداً أنكر عليه وقيل بل سجود التلاوة واجب لأن الله تعالى أنكر على الذين لا يسجدون فقال (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) فذمهم بذلك والصواب أنه ليس بواجب لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صرح بأنه ليس بفرض أمام الملأ من الصحابة ولم ينكر عليه أحد وأما السجود الذي في قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) فإن القائلين بوجوب سجود التلاوة مستدلين بهذه الآية لا يقولون بظاهرها قطعاً لأن ظاهرها أن مجرد قراءة القرآن توجب السجود وليس كذلك وإنما معنى السجود أنهم لا ينقادون ولا يذلون فهو كالسجود المذكور في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) فالصواب أنه لا يجب سجود التلاوة وإن كان شيخ الإسلام رحمه الله يرى الوجوب لكن هذا القول بالوجوب ضعيف ثم إن حديث زيد بن ثابت أيضاً صريح فإن زيداً قرأ سورة النجم ولم يسجد ولو كان السجود واجباً لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
    السائل: بعض الناس يجلس يستمع للإمام وهو يصلي في التراويح مثلاً فيسجد الإمام للتلاوة فهل يسجد المستمع وهو خارج الصلاة؟
    الشيخ: لا يسجد لأنه ليس إماماً له.
    (1/453)
    ________________________________________
    القارئ: وله أن يومئ بالسجود على الراحلة كصلاة السفر ويشترط له ما يشترط للنافلة ويكبر للسجود تكبيرة واحدة في الصلاة وفي غيرها لأن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه ويرفع يديه في غير الصلاة لأنها تكبيرة افتتاح وإن كان في صلاة ففيها روايتان.
    الشيخ: والصحيح أنه لا يرفع لا في الصلاة ولا خارج الصلاة لعموم قول ابن عمر رضي الله عنهما وكان لا يفعل ذلك في السجود فهذا عام وإن كان قرينة الحال تدل على أن مراد (لا يفعل ذلك في السجود) يعني سجود الصلاة لكن لفظ العموم لا بأس به.
    القارئ: وإن كان في صلاة ففيها روايتان ويكبر للرفع منه لأنه رفع من سجود أشبه سجود الصلاة ويسلم إذا رفع تسليمة واحدة.
    الشيخ: لم يذكر في هذا دليلاً وإنما ذكر القياس، والقياس في هذا لا يصح ولا يستقيم لظهور الفرق الكبير بين سجود التلاوة وسجود الصلاة ولهذا كان الصحيح أنه لا يكبر إذا رفع من سجود التلاوة إلا إذا كان في صلاة لأنه إذا كان في صلاة يكبر إذا رفع ودليل ذلك أن الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكروا أنه يكبر كلما رفع وكلما خفض ومن المعلوم أنه يقرأ الآيات التي فيها سجود التلاوة فيسجد
    القارئ: ويسلم إذا رفع تسليمة واحدة لأنها صلاة ذات إحرام فأشبهت صلاة الجنازة.
    وعنه لا سلام له لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يفتقر إلى تشهد ولا يسجد فيه لسهو لأنه لا ركوع فيه أشبه صلاة الجنازة ولا يفتقر إلى قيام لأنه لا قراءة فيه ويقول فيه ما يقول في سجود الصلاة.
    (1/454)
    ________________________________________
    الشيخ: إذاً الصحيح أنه لا يكبر إذا رفع ولا يسلم لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم والعبادات مبناها على التوقيف وقوله رحمه الله لا يسجد فيه للسهو صحيح لأنه لو سجد للسهو لكان الجابر أكثر من الأصل فالأصل سجود واحد والجابر سجودان وقوله لأنه لا ركوع أيضاً يمكن أن يعلل به أشبه صلاة الجنازة لأن صلاة الجنازة لو سها فيها لم يسجد لأنه لا سجود فيها أصلاً فلا يكون لها السجود لها جابراً.
    القارئ: ويقول فيه ما يقول في سجود الصلاة وإن قال ما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن (سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته) فحسن وهذا حديث صحيح وإن قال غيره مما ورد في الأخبار فحسن.
    الشيخ: ومنه أنه ينبغي أن يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي لقوله تعالى (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ).
    السائل: بعض العلماء قال إذا قرأ وهو قاعد يقوم ثم يهوي للسجود؟
    الشيخ: الأظهر عدم القيام الأظهر أنه يسجد لغير قيام لكن روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سجدت للشكر فقامت فقاسوا هذا عليها ثم قاسوه أيضاً على النفل أنه يسن أن يصلي قائماً لكن كما قلنا القياس لا يصح في العبادات ثم إن القيام في النفل مقصود في صلاة النافلة بخلاف سجود التلاوة فالأظهر أنه يسجد بدون القيام.
    السائل: هل يجب استقبال القبلة؟
    (1/455)
    ________________________________________
    الشيخ: استقبال القبلة ينبني على القول بأنه هل سجود التلاوة صلاة أو لا؟ والذي يظهر لي أنه يستقبل القبلة وأنه يجب له الوضوء وإذا كان على غير وضوء فلا يسجد هذا هو الأظهر وشيخ الإسلام ما يرى هذا يرى أنه سجود دعاء وأنه سنة استقبال القبلة وليس بواجب ونحن نرى أنه ما دام سجوداً لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون إلى غير القبلة ولا أن يكون على غير طهارة بخلاف سجود الشكر لأنه يأتي بغتة بدون تقدم.
    السائل: إذا كان الإمام في صلاة سرية وقرأ آية سجدة فهل يسجد؟
    الشيخ: الأفضل أن لا يسجد وذلك لأنه إن سجد شوش على المصلين وإن ترك السجود فقد ترك شيئاً مسنوناً فالأحسن أن لا يقرأ وقيل بل يقرأ ويسجد وإذا قرب من آية السجدة رفع صوته قليلاً حتى يسمع الناس.
    القارئ: وسجدات القرآن أربع عشرة سجدة في الحج منها اثنتان وثلاث في المفصل وعنه أنها خمس عشرة سجدة منها سجدة ص لما روى عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة منها ثلاث في المفصل وسجدتان في الحج رواه أبو داود والصحيح أن سجدة ص ليست من عزائم السجود لما روى ابن عباس أنه قال ليست ص من عزائم السجود رواه أبو داود.
    الشيخ: حديث ابن عباس فهو في البخاري لكن المؤلف ذكره من رواية أبي داود وهو في البخاري.
    القارئ: ومواضع السجدات ثابتة بالإجماع إلا سجدات المفصل والثانية من الحج وقد ثبت ذلك بحديث عمرو
    الشيخ: كم سجدات المفصل _ المفصل من ق_؟ النجم والانشقاق واقرأ.
    القارئ: وروى عقبة بن عامر أنه قال يا رسول الله أفي الحج سجدتان قال (نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما) رواه أبو داود.
    (1/456)
    ________________________________________
    وأول السجدات آخر الأعراف ثم في الرعد عند قوله (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) وفي النحل عند (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وفي سبحان عند (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) وفي مريم عند (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) وفي الحج الأولى عند (يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) والثانية عند (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وفي الفرقان عند (وَزَادَهُمْ نُفُوراً) وفي النمل عند (الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وفي (الم تنزيل) عند (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) وفي حم السجدة عند (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) وفي آخر النجم وفي (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) عند (لا يَسْجُدُونَ) وآخر (اقْرَأْ).
    ويكره اختصار السجود وهو أن يجمع آيات السجدات فيقرأها في ركعة وقيل أن يحذف آيات السجدات في قراءته وكلاهما مكروه لأنه محدث وفيه إخلال بالترتيب.

    فصل
    القارئ: وسجود الشكر مستحب عند تجدد النعم لما روى أبو بكر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه شيء يسر به خر ساجدا وصفته وشروطه كصفة سجود التلاوة وشروطها ولا يسجد للشكر في الصلاة لأن سببه ليس منها فإن فعل بطلت كما لو سجد في الصلاة لسهو صلاة أخرى.
    (1/457)
    ________________________________________
    الشيخ: سجود الشكر سنة كما قال المؤلف رحمه الله لكن عند تجدد النعم لا عند دوامها لأنه لو قيل أنه يسجد عند دوام النعم لبقي ساجداً مدى الدهر لأن النعم تترا كل لحظة لكن عند تجدد النعم التي ليست معتادة فأما المعتادة كالاستيقاظ من النوم وحصول الأكل في الغداء والعشاء وما أشبه ذلك فلا لكن لو تجددت له نعمة مثل أن يولد له ولد أو يتزوج أو يبشر بانتصار المسلمين أو ما أشبه ذلك فليسجد للشكر وكذلك قال العلماء عند اندفاع النقم كما لو حصل حادث في سيارة فنجى من الحادث أو تردى من جبل أو سقط في حفرة فنجى فكل هذا من اندفاع النقم الطارئة فيسجد شكراً لله عز وجل على هذه النعمة التي حصلت ثم ذكر المؤلف أن حكمه كسجود التلاوة فيشترط له ما يشترط له وعلى هذا يكبر إذا سجد وإذا رفع ويسلم وقد عرفتم القول الراجح في سجود التلاوة أنه يكبر إذا سجد فقط ثم ذكر أنه لا يصح أن يسجد للشكر في الصلاة لأنه لسبب خارج منها ولهذا قالوا لو سجد الإنسان سجدة ص في الصلاة لبطلت الصلاة وذلك لأنها لنا سجدة شكر ولداود سجدة توبة ولكن القول الراجح أنها سنة أي سجود التلاوة في ص سنة في الصلاة وخارج الصلاة لأن سببها بالنسبة لنا هو التلاوة لولا أننا تلونا هذا ما مرت بنا إذاً خلاصة ما سبق في سجود التلاوة أن سجود التلاوة سنة على القول الراجح ودليله حديث مرفوع وأثر موقوف الحديث المرفوع حديث زيد بن ثابت أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم في النجم فلم يسجد فيها وأما الأثر فهو حديث عمر الأثر الموقوف أنه لم يسجد وقال أمام الناس إن الله لم يفرض علينا السجود.
    والمسألة الثانية سجود التلاوة على المشهور من المذهب حكمه حكم النافلة يشترط فيه ما يشترط في النافلة ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم.
    (1/458)
    ________________________________________
    المسألة الثالثة هل السجدات الموجودة في القرآن مجمع عليها؟ الجواب نعم مجمع عليها إلا السجدة الثانية في الحج وثلاث سجدات في المفصل أربع سجدات هذه محل خلاف والصحيح أنها يسجد فيها.
    المسألة الرابعة فيما يتعلق بسجود الشكر وهو الذي يشرع عند تجدد النعم واندفاع النقم والمؤلف رحمه الله لم يذكر اندفاع النقم لكن قد يقال إنه من وجه يكون تجدد نعمة لأن السلامة من الهلاك مثلاً نعمة.
    السائل: لو سجد في الصلاة سجدة شكر غير سجدة (ص) هل تبطل صلاته؟
    الشيخ: تبطل صلاته نعم لو سجد للشكر في غير سجدة الصلاة وهو يصلي فإن صلاته تبطل لأنه زادها سجوداً ليس له سبب فيها.
    السائل: هل يشترط لسجود الشكر الطهارة واستقبال القبلة؟
    الشيخ: الصحيح أنه لا يشترط له الطهارة لأنه يأتي مفاجئاً وليس هناك دليل على اشتراط الطهارة أن نقول للإنسان إذا جاءت النعمة فاذهب وتوضأ وربما نقول لو ذهب وتوضأ لطال الفصل وأما استقبال القبلة فكما قلت لكم في سجود التلاوة أنه لا ينبغي للإنسان أن يسجد لله ودبره إلى بيت الله.
    السائل: هل له أن يسجد في أثناء الخطبة سجدة الشكر؟
    الشيخ: نعم لا بأس يعني لو بشر الخطيب وهو يخطب بانتصار المسلمين وسجد في أثناء الخطبة فلا بأس.
    (1/459)
    ________________________________________
    باب
    سجود السهو
    القارئ: وإنما يشرع لجبر خلل الصلاة وهو ثلاثة أقسام زيادة ونقص وشك فالزيادة ضربان زيادة أقوال تتنوع ثلاثة أنواع:
    أحدها أن يأتي بذكر مشروع في غير محله كالقراءة في الركوع والسجود والجلوس والتشهد في القيام والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ونحوه فهذا لا يبطل الصلاة بحال لأنه ذكر مشروع في الصلاة ولا يجب له سجود لأن عمده غير مبطل وهل يسن السجود لسهوه فيه روايتان إحداهما يسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) والثانية لا يسن لأن عمده غير مبطل فأشبه العمل اليسير الثانية أن يسلم في الصلاة قبل إتمامها فإن كان عمداً بطلت صلاته لأنه تكلم فيها وإن كان سهواً فطال الفصل بطلت أيضاً لتعجل بناء الباقي عليها وإن ذكر قريباً أتم صلاته وسجد بعد السلام فإن كان قد قام فعليه أن يجلس لينهض عن جلوس لأن القيام واجب للصلاة ولم يأتِ به قاصداً لها والأصل فيه ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي وصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يده عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين فقال له يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة فقال (لم أنس ولم تقصر) فقال (أكما يقول ذو اليدين) فقالوا نعم قال فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر متفق عليه.
    الشيخ: في هذه الفقرة عدة مسائل:
    (1/460)
    ________________________________________
    أولاً سجود السهو فما هو السهو السهو هو الذهول عن شيء معلوم يعني يذهل الإنسان عن شيء يعلمه فيسهو وهو سهو في الصلاة وسهو عن الصلاة فأما السهو عن الصلاة فنوعان سهو بمعنى الترك وهذا هو المذموم في قوله تعالى (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) وسهو بمعنى النسيان وهذا هو المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) هذا السهو عن الصلاة أما السهو في الصلاة فهذا هو الباب الذي كتبه المؤلف في هذا الموضوع.
    المسألة الثانية أسباب سجود السهو ثلاثة زيادة ونقص وشك وجه انحصارها في ذلك هو التتبع والاستقراء لأن العلماء تتبعوا النصوص الواردة في ذلك فوجدوها لا تخرج عن واحد من هذه الثلاثة إما زيادة وإما نقص وإما شك ويأتي التفصيل.
    المسألة الثالثة الزيادة تتنوع إلى نوعين والمؤلف قال إلى ضربين والخلاف بسيط زيادة قولية وزيادة فعلية والزيادة القولية ثلاثة أقسام كما قسمها المؤلف رحمه الله:
    (1/461)
    ________________________________________
    الأول أن يأتي بذكر مشروع في غير موضعه، مشروع في الصلاة لكن يأتي به في غير موضعه وضرب له المؤلف أمثلة كالقراءة في الركوع والسجود والجلوس القراءة في الركوع والسجود على القول الراجح محرمة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً) لأن القراءة محلها القيام كذلك أيضاً التشهد في القيام لأن محله الجلوس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول لأن محل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ونحوه وهذا لا يبطل الصلاة ولو تعمدها فهذه الزيادة لا تبطل الصلاة ولو تعمدها وذلك لأنها قول مشروع في الصلاة في الجملة لكن أتى به في غير محله وهذه مخالفة لا توجب إبطال الصلاة اللهم إلا على قول من يقول إن قراءة القرآن في الركوع والسجود حرام فهذه يتوجه أن يقال بأن من تعمد ذلك بطلت صلاته لأنه فعل شيئاً محرماً في الصلاة لكن إذا فعله سهواً فهل يشرع له السجود أو لا؟ في ذلك روايتان كما قال المؤلف رواية أنه يسن السجود لعموم الأدلة الدالة على سجود السهو لكل سهو سجدتان (وإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) وما أشبه ذلك والرواية الثانية لا يسن سجود السهو وذلك لأنه لا يبطل عمده الصلاة فكان كالحركة اليسيرة في الصلاة ولكن هذا التعليل فيه نظر لأن قياسه على الحركة اليسيرة في الصلاة غير صحيح إذ أن هذا الذي زاده، زاده على أنه مشروع فأما الحركة في الصلاة اليسيرة فإن فاعلها لم يفعلها على أنها مشروعة فالصحيح أن هذا القسم يسن له سجود السهو ولكنه لا يجب إذاً الزيادة القولية في غير محلها لا تبطل الصلاة إذا تعمدها ويسن السجود إذا فعلها سهواً.
    (1/462)
    ________________________________________
    الثاني من زيادة الأقوال أن يسلم في الصلاة قبل تمامها وهذا زيادة قول لا شك فإن كان عمداً بطلت الصلاة لأن السلام من كلام الآدمين فإنه يقول السلام عليكم ولأنه نوى قطعها قبل إتمامها فهو كما لو نوى الفطر في الصيام يبطل يومه فتبطل الصلاة وإن كان سهواً وطال الفصل بطلت الصلاة أيضاً لتعذر بناء آخرها على أولها بفوات الموالاة ولم يبين المؤلف رحمه الله مقدار طول الفصل فيرجع فيه إلى العرف فإذا قيل والله الآن طال الفصل قلنا بطلت الصلاة ولابد من استئنافها وإن كان قصيراً فإنه يتم صلاته ويسجد للسهو بعد السلام ولكن ذكر المؤلف أنه يجب أن يجلس ثم يقوم ووجه ذلك أن قيامه الأول ليس قيام عبادة بل قام القيام الأول على أن صلاته انتهت فيجب أن يرجع ويجلس ثم يقوم حتى يكون نهوضه من الجلوس مشروعاً التكبير لا يكبر لأن التكبير الأول من السجود حصل وليس هناك تكبير آخر في الانتقال من السجود إلى القيام ما هو الدليل على هذه المسألة؟ الدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه المعروف عند العلماء بحديث ذي اليدين ونقرأه الآن قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي وصلاة العشي هما الظهر والعصر لأن العشي من الزوال إلى الغروب إحدى صلاتي العشي فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يده عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه خشبة معروضة في المسجد في قبلته قام ووضع يده عليها كأنه غضبان هكذا قال وشبك بين أصابعه عليه الصلاة والسلام ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى هكذا يده اليمنى على ظهر الكف والإنسان إذا كان مهموماً ربما يكون هكذا جلوسه وإنما كان مهموماً أو كالغضبان عليه الصلاة والسلام لأن الصلاة لم تتم فكأن النفس متعلقة بإتمامها وهذه من نعمة الله على الإنسان إذا كان من عادته أن يتمم عبادته ثم نقصت بغير شعور منه يجد نفسه منقبضة هذه لا شك أنها من نعمة الله عليه لأنه إذا وجد هذا الانقباض سوف يفكر عن
    (1/463)
    ________________________________________
    سبب هذا الانقباض يقول وخرجت السرعان من أبواب المساجد يعني الذين يخرجون سريعاً خرجوا يقولون قصرت الصلاة ولم يفكروا أن الرسول قد ينسى والوقت وقت تشريع فيمكن أن الصلاة قصرت خرجوا يقولون قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه في القوم يعني المصلين أبو بكر وعمر وهما أخص أصحابه به ومع ذلك هابا أن يكلماه أولاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى الله عليه المهابة ثانياً أنه في هذه الحال حتى وإن كان الإنسان يستطيع أن يتكلم معه لكن إذا رآه على هذه الحال سوف يهابه أكثر كونه قام واتكأ وشبك بين أصابعه ووضع خده على ظهر كفه وشبك بين أصابعه وكأنه غضبان لا شك أن الإنسان سوف يتهيب الإنسان لو يجد شخصاً مثله على هذه الحال لتهيب أن يكلمه أو استحى أن يكلمه وإلا فلا شك أن أشد الناس ادلالاً على الرسول عليه الصلاة والسلام هما أبو بكر وعمر ولكنهما هابا أن يكلماه لسببين السبب الأول ما ألقى الله على رسوله من المهابة والسبب الثاني أن حاله الآن تستدعي المهابة ولكن يسر الله عز وجل من يكلمه رجل في يديه طول يعني يداه طويلتان ولعل النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه أحياناً ياذا اليدين والإنسان إذا كان يمازحه الكبير أحياناً يكون هو منطلقاً معه ومجترئاً عليه ولكنه رضي الله عنه تكلم بأدب فقال يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة لم يجزم بأنه نسي ولا بأنه قصر الصلاة بل الأمر إما كذا وإما كذا وبقي قسم ثالث بمقتضى القسمة العقلية لكنه لا يمكن أن يقع يعني أو سلمت قبل التمام عمداً هذا الاحتمال الثالث احتمال عقلي لكنه باعتبار حال النبي عليه الصلاة والسلام ممتنع أليس كذلك؟ ولهذا لم يذكره لأن هذا شيء ممتنع لا يمكن أن يقع من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يسلم من الصلاة قبل إتمامها عمداً فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لم أنس ولم تقصر) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق الناس قولاً فنفى النسيان ونفى القصر وأحد
    (1/464)
    ________________________________________
    الأمرين ثابت لا محالة لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نفى الأمرين بناءً على ظنه أنه أتم صلاته وهذا مما يدلنا على أن الإنسان إذا أخبر بحسب ظنه فإنه يعتبر عند الله صادقاً ولهذا لا يحنث في اليمين لو حلف على اليمين بناءً على غلبة ظنه لم يكن حانثاً ولا حتى في المستقبل ولم يكن آثماً بالنسبة للماضي فلو قال والله ليقدمن زيدٌ غداً بناءً على ظنه ولم يقدم فإنه لا حنث عليه لما قال (لم أنس ولم تقصر) فقال بلى قد نسيت وهي محذوفة في بعض الألفاظ قال بلى قد نسيت فجزم بأنه ناسي ولم يجز بأن الصلاة مقصورة لأن النسيان أقرب إلى جهل الحكم بالنسبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لأن النسيان يقع منه لكن كونه يجهل الحكم هذا بعيد أو مستحيل فجزم بالقسم الثاني وهو أنه نسي فتعارض عند النبي عليه الصلاة والسلام أمران ظنه وخبر ذي اليدين فهل يأخذ بظنه أو يأخذ بخبر ذي اليدين (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) الآن تنازع هذان عند النبي عليه الصلاة والسلام ظنه وخبر ذي اليدين فلم يبق إلا أن يرجع إلى الطرف الثالث وهم الصحابة المشاركون له في العمل فقال (أكما يقول ذو اليدين) قالوا نعم وهذه الصراحة في الحق ما جاملوا النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا أبداً ما نسيت ولا قصرت الصلاة، قالوا نعم نسيت لأن الله قد رباهم فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) قالوا نعم قال فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم تقدم هذا يدل على أن الإنسان لو حصل مثل هذا وقام عن مكانه فإنه يرجع إلى مكانه الأول ويصلي ما ترك وفي قوله صلى ما ترك ما يشير إلى ما قاله المؤلف من أنه يجلس ثم يقوم وذلك لأنه ترك القيام من الجلوس إلى القيام يعني أن هذا النهوض من جملة ما تركه فيقتضي أن يجلس ثم يقوم ليكون
    (1/465)
    ________________________________________
    النهوض بقصد العبادة بخلاف نهوضه الأول فإنه نهض على أن الصلاة قد تمت فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر لما سلم سجد سجدتي السهو بعد السلام وذلك لأن سببهما زيادة ومتى كان سبب سجود السهو الزيادة فإن سجوده بعد السلام والحكمة في ذلك أن لا تجتمع زيادتان في الصلاة وهما السجود والسهو الذي أوجب السجود فكان سجود السهو للزيادة بعد السلام سواء كانت الزيادة قولية أو فعلية كما سيأتي، في هذا الحديث لم يذكر أنه سلم من سجود السهو لكن يقول أبو هريرة في حديث آخر نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم وعلى هذا فيسجد سجودين ويسلم كسلام الصلاة، في الجلوس هنا بعد الرفع من السجدة الثانية يكون متوركاً أو مفترشاً؟ الظاهر أنه يكون حسب الصلاة إن كان في صلاة في تشهده الأخير تورك صار متوركاً وإلا صار مفترشاً.
    السائل: الذين ظنوا أنه قصر في الصلاة هل صلاتهم تامة؟
    الشيخ: هذه أشكلت على بعض الناس، الذين خرجوا هل رجعوا أو بقوا على ما هم عليه أو قيل لهم أعيدوا صلاتكم فأعادوا كل هذا محتمل يحتمل أنهم رجعوا لما سمعوا التكبير أو لما رأوا الجماعة تأخروا وأبطؤوا رجعوا ويحتمل أنهم قيل لهم فيما بعد أتموا صلاتكم لأن الصلاة ما تمت ويحتمل أنهم بقوا على ما صلوا ولم يكملوا الصلاة فهذه ثلاث احتمالات أليس كذلك إذا كان هكذا نرجع إلى الأصل وهو أن الذمة لا تبرأ إلا بصلاة تامة فيبقى هذا النص أو هذا الحديث مشكلاً مشتبهاً والقاعدة الشرعية أنه عند الاشتباه نرجع إلى المحكم الذي ليس به اشتباه فإذا وقع مثل هذا ثم خرج السرعان ثم تحاور الناس فيما بينهم وعلموا أنهم نقصوا الصلاة وأتموا الصلاة نقول للإمام إن عرفت أحداً منهم فبلغه حتى يصلي وإلا فإذا جاءت الصلاة الثانية فنبه الجماعة قل لهم إن صلاتنا الفائتة كانت ناقصة حتى يصلوا من جديد.
    (1/466)
    ________________________________________
    السائل: هناك حديث يقرأ في المساجد (إني لن أنسى ولكن لأسن) وهذا الحديث يخالف من أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر ينسى؟
    الشيخ: هذا بارك الله فيك ذهب إليه بعض العلماء وأتى بهذا الحديث المكذوب وهذا لا يصح بل قال الرسول (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) والطبائع البشرية فيها نقص بل إن الرسول ينسى أحياناً آية من القرآن مر برجل يقرأ في صلاة الليل قال (رحم الله فلاناً لقد ذكرني آية نُسِّيتها) والله عز وجل يقول (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى) فالصواب أن الطبائع البشرية تكون للرسول صلى الله عليه وسلم كما تكون لغيره.
    السائل: ماذا يصنع الإنسان إذا علم عن مثل هذا الحديث يقرأ في المسجد؟
    الشيخ: إذا علم ينبه إن كان مثلاً سمعه في المسجد يقول للإمام إذا انتهى الدرس ترى القضية كذا وكذا فيراجع وإذا كان المؤلف موجوداً حياً فإنه يناقش في هذا الشيء حتى يعدل الكتاب أحسن من الردود ونحن ما نحب أن العلماء بعضهم يرد على بعض إلا عند الضرورة القصوى لأن استعمال هذه الطريقة توهن الطرفين توهن المردود عليه والراد وتوجب تحزب الناس هذا يتحزب لهذا وهذا يتحزب لهذا فالواجب معالجة الأمور بالمحاورة والمناقشة وإذا قدر أن هذا الذي ظننت أنه مخطئ بقي على ما هو عليه فبإمكانك أن تؤلف كتاباً ولا تقل مثلاً في الرد على فلان تؤلف الكتاب تبين أن هذا الأمر أن الصحيح كذا وكذا بأن تؤلف كتاباً مبنياً على القول الصحيح.
    (1/467)
    ________________________________________
    القارئ: وإن انتقض وضوؤه أو دخل في صلاة أخرى أو تكلم في غير شأن الصلاة كقوله أسقني ماء فسدت صلاته وإن تكلم مثل كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذي اليدين ففيه ثلاث روايات إحداهن لا تفسد لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وذا اليدين تكلموا ثم أتموا صلاتهم والثانية لا تفسد صلاة الإمام لأن له أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتفسد صلاة المأموم لأنه لا يمكنه التأسي بأبي بكر وعمر لأنهما تكلما مجيبين للنبي صلى الله عليه وسلم وإجابته واجبة ولا بذي اليدين لأنه تكلم سائلاً عن قصر الصلاة في زمن يمكن ذلك فيه فعذر بخلاف غيره واختارها الخرقي والثالثة تفسد صلاتهم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) اختارها أبو بكر والأُولى أولى.
    الشيخ: المسألة الرابعة متى يتعذر بناء آخر الصلاة على أولها؟ نقول يتعذر الأول إذا طال الفصل وسبق.
    الثاني إذا انتقض وضوؤه لأنه إذا انتقض وضوؤه فسدت صلاته حتى وإن لم يسلم وحينئذٍ لا يمكن بناء بعضها على بعض.
    الثالث إذا دخل في صلاة أخرى فإنه لا يمكن أن يبني آخر الصلاة على أولها لحيلولة الصلاة الأخرى وهذه فيها قولان فمن العلماء من يقول إن شرع في صلاة مفروضة كما لو جمع بين الصلاتين الظهر والعصر ثم سهى هذا السهو في صلاة الظهر وشرع في صلاة العصر فإنه لابد من استئناف الصلاة وإن شرع في نافلة قطع النافلة وأكمل الصلاة التي سلم قبل إتمامها.
    (1/468)
    ________________________________________
    المسألة الخامسة إذا تكلم فإن الكلام ينقسم إلى قسمين الأول أن يكون في غير شأن الصلاة مثل بعد أن سلم من ركعتين من الظهر أو العصر قال لابنه يا بني اذهب وأحضر السيارة ثم بعد أن قال هكذا قال له ابنه يا أبتي ما أتممت الصلاة فماذا يصنع الأب؟ يعيد الصلاة من جديد لأنه تكلم بكلام لا يتعلق بالصلاة والصحيح أنه لا يعيد الصلاة ولا يستأنفها لأنه تكلم حين تكلم بناءً على أن صلاته تامة فهو جاهل بعدم تمام صلاته فالصواب أنه يبني ولا يستأنف وإن تكلم بشأن الصلاة التي سها فيها ففيها ثلاث روايات الأولى أن صلاة الإمام والمأموم لا تبطل لأن هذا الكلام وقع من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبنوا على صلاتهم والثاني لا تبطل صلاة الإمام وتبطل صلاة المأموم وانظر إلى التعليل الإمام لا تبطل لأن له أسوة بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمأموم تبطل يقول لأنه لا يمكنه التأسي بأبي بكر وعمر لأنهما كانا مجيبين للرسول صلى الله عليه وسلم وإجابته واجبة وهذا التعليل كما ترون عليل لأنه حتى وإن كانت إجابته واجبة فإن إجابته من كلام الآدميين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدمين) فهي وإن كانت إجابته واجبه فإنها مبطلة للصلاة إذاً هذا التعليل يعتبر عليلاً ولا بذي اليدين لأنه تكلم سائلاً عن قصر الصلاة في زمن يمكن ذلك فيه فعذر بخلاف غيره وهذا أيضاً فيه نظر لأنه لو تكلم في أثناء الصلاة بدون سلام يسأل عن قصر الصلاة في زمن يمكن فيه قصر الصلاة هل تبطل صلاته أو لا؟ تبطل لكن الآن سأل بناءً على أن الصلاة منتهية إذا كانت مقصورة أو غير منتهية إذا كان ذلك نسياناً وذو اليدين ما جزم بأنها مقصورة جعل الأمر متردداً بين القصر وبين النسيان فالعلة ليس أنه يمكن أن تقصر العلة أنه تكلم ظاناً أن الصلاة تامة فكذلك أولئك القوم الذين يظنون أن الصلاة تامة إذا تكلموا يتحاورون فإنها لا تبطل صلاتهم
    (1/469)
    ________________________________________
    فالصواب إذاً أن صلاة الإمام والمأموم لا تبطل الثالثة أنها تبطل صلاة الإمام وصلاة المأموم وهذا أشد الأقوال لماذا لأنهم تكلموا بكلام الآدميين وكلام الآدميين لا يصلح في الصلاة والجواب على هذا سهل تكلموا جاهلين أو عالمين؟ جاهلين وكلام الآدميين جهلاً لا يؤثر في الصلاة بدليل أن معاوية بن الحكم تكلم في صلب الصلاة وقال للذي حمد الله عند عطاسه قال له يرحمك الله وقال ياثكل أمياه ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
    القارئ: النوع الثالث أن يتكلم في صلب الصلاة فإن كان عمداً أبطل الصلاة إجماعاً لما روى زيد بن أرقم قال كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه فنزلت (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام متفق عليه وإن تكلم ناسياً أو جاهلاً بتحريمه ففيه روايتان إحداهما يبطلها لما روينا ولأنه من غير جنس الصلاة فأشبه العمل الكثير والثانية لا يفسدها لما روى معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ثم قال (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة لجهله والناسي في معناه.
    (1/470)
    ________________________________________
    الشيخ: وهذه الرواية هي الصحيحة أنه إذا تكلم في صلب الصلاة بالكلام الذي يبطلها تعمدُه فإنها لا تبطل إذا كان جاهلاً أو ناسياً ودليل ذلك عموم قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وهذه الآية عامة والدليل الثاني خاص وهي قصة معاوية بن الحكم رضي الله عنه فإنه تكلم مرتين مرة قال للعاطس يرحمك الله ومرة قال واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي ومع ذلك لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ولو كانت صلاته باطلة لأمره بالإعادة كما أمر الذي صلى ولم يطمئن بأن يعيد صلاته.
    السائل: أحياناً يكون الإنسان في التشهد الأول ويبقى الإمام لم ينهض فأطال والمأموم انتهى من التشهد فهل يقول الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو لايرى أن تقال في التشهد الأول؟
    الشيخ: يستمر فيما نرى وبعض العلماء قال لا يستمر وإنما يكرر التشهد الأول والصواب أنه يستمر.
    السائل: إذا كان الإمام يقنت قبل الركوع ولا يجهر بالقنوت والمأموم لا يرى القنوت فماذا يفعل؟
    الشيخ: يقرأ من القرآن إذا صلى وراء مثل هذا الإمام الذي يقنت قبل الركوع لكن لا يجهر بقنوته والمأموم لا يرى القنوت فهذا يقرأ القرآن.
    السائل: لا يوجد شيء متعارف عليه في الفصل بين أجزاء الصلاة فكيف نحددها؟
    الشيخ: الظاهر لي إذا فصل من أربع دقائق أو شبهها ما يعتبر قبوله.
    (1/471)
    ________________________________________
    القارئ: وإن غلبه بكاء فنشج بما انتظم حروفاً لم تفسد صلاته نص عليه لأن عمر رضي الله عنه كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف وإن غلط في القراءة وأتى بكلمة من غيره لم تفسد صلاته لأنه لا يمكنه التحرز منه وإن نام فتكلم احتمل وجهين أحدهما لا تفسد صلاته لأنه عن غلبة أشبه ما تقدم والثاني أنه ككلام الناس وإن شمت عاطسا أفسد صلاته لحديث معاوية وكذلك إن رد سلاما أو سلم على إنسان لأنه من كلام الآدميين فأشبه تشميت العاطس وإن قهقه بطلت صلاته لأن جابراً روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء) رواه الدارقطني، والكلام المبطل ما انتظم حرفين فصاعدا لأنه أقل ما ينتظم منه الكلام وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفخ في الصلاة وتنحنح فيها وهو محمول على أنه لم يأتِ بحرفين أو لم يأتِ بحرفين مختلفين.
    الشيخ: هذا النوع الثالث أن يتكلم في صلب الصلاة يعني يتكلم بكلام الآدميين وأما ما كان ذكراً أو مشروعاً في الصلاة فليس من هذا الباب سبق الكلام عليه ففيه مسائل:
    المسألة الأولى إذا تكلم في صلب الصلاة بطلت صلاته ودليله حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه ولكن إذا تكلم ناسياً أو جاهلاً فهل تبطل؟ في ذلك روايتان والصواب أنها لا تبطل لعموم قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ولحديث معاوية بن الحكم وهو في نفس الموضوع.
    (1/472)
    ________________________________________
    المسألة الثانية إذا غلبه البكاء فصار يبكي ويسمع له صوت فهذا ليس من كلام الآدميين فلا تبطل الصلاة واستدل المؤلف رحمه الله بفعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف وقوله إن غلبه يفهم منه أنه لا يتقصد ذلك فإن تقصد ذلك فإن صلاته تبطل مع أنه في الحقيقة ليس بكلام للآدميين ففي إبطال الصلاة به نظر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما قال (لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين) ولهذا لو تنحنح الإنسان لشخص وفهم مراده فإن صلاته لا تبطل لأن النحنحة ليست كلاماً.
    المسألة الثالثة إذا قهقه، قهقه: يعني صوَّت بالضحك فإن صلاته تبطل لأن القهقة تنافي الصلاة منافاة كاملة حتى وإن قلنا أنها ليست بكلام فإنها تنافي الصلاة فتبطلها.
    المسألة الرابعة ما هو الكلام المبطل؟ الكلام المبطل يقول المؤلف ما انتظم حرفين فصاعدا سواء أفاد أم لم يفد وظاهر كلامه أن ما دون الحرفين ليس بكلام ولو أفاد فلو مثلاً أراد شخص ضرب المصلي فلما انتبه الذي بجنبه قال عِ، عِ: يعني أمراً من الوعي فظاهر كلام المؤلف أنه لا يسمى كلاماً لأنه لم ينتظم من حرفين بل هو حرف واحد وفيه فاعل مستتر وكما تعلمون أن هذا فيه نظر لأنه خطاب لآدمي ومفيد وكلام المؤلف أيضاً يدل على أنه لو قال (هل) بطلت صلاته لأنه كلام منتظم من حرفين وينبغي أن يقال ما انتظم من حرفين أو أفاد ولو من حرف واحد من أجل أن يدخل في ذلك عِ، فِ، قِ كلها على حرف واحد وجمل مفيدة.
    (1/473)
    ________________________________________
    المسألة الخامسة التنحنح في الصلاة يقول المؤلف إن المروي عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك محمول على أنه لم يأتِ بحرفين ولا أدري هل يتمكن الإنسان من نحنحة بلا حرفين فمثلاً حرف الحاء أصلاً ساكن وما يمكن تنطق بالساكن إلا قبله همزة وصل مكسورة فيقال كيف يحمل على شيء قد لا يمكن حصوله أو لا يمكن إلا بمشقة لكن يحمل على أنه ليس بكلام أصلاً التنحنح يشبه الإشارة والإشارة ليست بكلام فيحمل على أن الإنسان إذا تنحنح لا يقال إنه تكلم أبداً لكن يقال إنه نبه وأما أن يقال إنه تكلم فلا وحمله غير المؤلف على أنه لحاجة وهذا أيضاً فيه نظر لأن الكلام الصريح ولو لحاجة يبطل الصلاة فالصواب أن يقال إن النحنحة ليست بكلام ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتنحنح في صلاته ولا يستأنفها.
    السائل: قلتم إن الكلام إذا وقع من ناس فإن صلاته لا تبطل لعموم قوله (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقلتم إن من ذبح ولم يسمِّ ناسياً لم تحل ذبيحته ولم تقولوا بعموم الآية وحملتموه على نفي المؤاخذة بالإثم؟
    الشيخ: فرق العلماء قالوا فرق بين فعل يبطل العبادة وبين فعل يبطل تركه العبادة، الثاني من باب فعل المأمور فلابد منه وإذا تركه الإنسان ناسياً سقط عنه الإثم وترتب حكم الفعل عليه بخلاف المحظور.
    السائل: ذكر المؤلف المصلي النائم إذا تكلم فهل النائم لا ينتقض وضوؤه؟
    الشيخ: لا إذا كان النوم خفيفاً أحياناً بعض الناس من أول ما يغطه النوم وإذا هو ما شاء الله يتكلم وبعض الناس الله لا يبلانا وإياكم يتكلم بما فعل في ذلك اليوم اللهم عافنا.
    السائل: إذا غلبت الإنسان قهقهة فهل تبطل الصلاة؟
    (1/474)
    ________________________________________
    الشيخ: مثلاً رأى إنسان على السلم فسقط بعض الناس يغلبه الضحك فهل نقول إن هذا من باب الغلبة فلا تبطل الصلاة كما لو غلب على الكلام لأن بعض الناس مثلاً إذا أصابه شيء يقول من غير شعور أح وهذا لو حصل له في الصلاة لا تبطل صلاته لأن الذي غلب بغير اختياره لم يختر المفسد فالظاهر أنه إذا غلبه الظاهر إن شاء الله أنه لا تبطل الصلاة لكن لا يبقى يضحك دائماً يقول امتدت الغلبة إلى آخر الصلاة.

    فصل
    القارئ: الثاني زيادة الأفعال وهي ثلاثة أنواع أحدها زيادة من جنس الصلاة كركعة أو ركوع أو سجود فمتى كان عمداً أبطلها وإن كان سهواً سجد له لما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم خمساً فلما انفتل من الصلاة توشوش القوم بينهم فقال (ما شأنكم) قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة شيء قال (لا) قالوا إنك صليت خمساً فانفتل فسجد سجدتين ثم سلم ثم قال (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) وفي لفظ (فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين) رواه مسلم.
    ومتى قام الرجل إلى ركعة زائدة فلم يذكر حتى سلم سجد للحال وإن ذكر قبل السلام سجد ثم سلم وإن ذكر في الركعة جلس على أي حال كان فإن كان قيامه قبل التشهد تشهد ثم سجد ثم سلم وإن كان بعده سجد ثم سلم وإن كان تشهد ولم يصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد وسلم.
    الشيخ: هذا الفصل ذكر فيه المؤلف زيادة الأفعال زيادة الأفعال تتنوع كما قال رحمه الله إلى ثلاثة أنواع:
    (1/475)
    ________________________________________
    الأول أن تكون الزيادة من جنس الصلاة كركوع وسجود وقيام وقعود والمراد بذلك الزيادة التي تغير هيئة الصلاة فأما ما لم تغير هيئة الصلاة كما لو زاد رفع اليدين عند السجود أو عند القيام من السجود فإنه ليس له هذا الحكم الذي قال المؤلف إذا زاد فلا يخلو إما أن يذكر الزيادة في أثناء الركعة الزائدة وإما أن يذكرها بعد السلام فإن ذكرها في أثناء الركعة الزائدة وجب عليه أن يجلس ويتشهد ويسجد على كلام المؤلف سجدتين ثم يسلم والصحيح أنه يتشهد ثم يسلم ثم يسجد سجدتين هذا الصحيح لأن هذا السجود عن زيادة وبهذا نعرف خطأ بعض الأئمة الذين إذا قاموا إلى زائدة لم يرجعوا بعد استتمامهم قائمين ظناً منهم أن هذا مثل القيام عن التشهد الأول وهذا خطأ عظيم بل هذا يرجع حتى لو ركع وقال سمع الله لمن حمده ثم ذكر أن هذه هي الخامسة في الرباعية وجب عليه الرجوع يقول المؤلف إن ذكر قبل السلام سجد ثم سلم وإن ذكر بعده سجد ثم سلم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث ابن مسعود لم يعلم بالزيادة إلا بعد السلام ثم سجد وسلم ونحن نقول إذا علم بالزيادة في أثناء الصلاة أو بعد السلام فالسجود كله بعد السلام لأنه عن زيادة.
    السائل: طلاب المدارس وهم مميزون أعمارهم إلى ثماني عشرة سنة يكثرون في الصلاة الضحك والكلام متعمدين هل هذا يصل إلى الكفر؟
    الشيخ: لا ما يصل إلى الكفر ولو تعمد إبطال صلاته ما يكفر على كل حال يقال صلاتكم باطلة أعيدوها ولو في بيوتكم.
    السائل: هل سجود السهو بسبب الزيادة يكون فيه تشهد أم لا؟
    الشيخ: الصحيح أنه سجود ثم سلام بدون تشهد، السجود بعد السلام الصحيح ليس فيه تشهد.
    (1/476)
    ________________________________________
    القارئ: وإذا سها الإمام فزاد أو نقص فعلى المأمومين تنبيهه لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فزاد أو نقص ثم قال (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفِّح النساء) وفي لفظ (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) متفق عليه.
    الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله في هذا الفصل إذا سها الإمام فزاد أو نقص وجب على المأموم تنبيهه وهذا ظاهر لأن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام وهل يجب على غير المأمومين تنبيهه مثل أن يصلي إلى جنبك رجل فيزيد يقوم إلى زائدة وهو ليس إماماً لك فهل يلزمك أن تنبهه؟ نعم الظاهر يلزم أن تنبهه لأن هذا من باب النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى هذا فيكون كلام المؤلف بناءً على الغالب والله أعلم.
    القارئ: وإذا سبح به اثنان لزمه الرجوع إليهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبي بكر وعمر وأمر بتذكيره ليرجع فإن لم يرجع بطلت صلاته لأنه ترك الواجب عمدا وليس له اتباعه لبطلان صلاته فإن اتبعوه بطلت صلاتهم إلا أن يكونوا جاهلين فلا تبطل لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تابعوه في الخامسة وإن فارقوه وسلموا صحت صلاتهم وذكر القاضي رواية أخرى أنهم يتابعونه استحبابا ورواية ثالثة أنهم ينتظرونه اختارها ابن حامد.
    (1/477)
    ________________________________________
    الشيخ: يجب عليهم أن ينبهوه بأنه زاد ويجب عليه الرجوع فإن لم يفعل فإنهم لا يتابعونه لأنهم إذا تابعوه تابعوه على زيادة عمداً ولكن هل يفارقونه أو يجلسون ينتظرونه؟ نقول الأولى أن يجلسوا لينتظروه لاحتمال أن يكون قد نسي ركناً من الصلاة من إحدى الركعات فأتى بهذه الركعة جبراً لما ترك كما يقع ذلك كثيراً فإن بعض الأئمة إذا قيل له زدت في الصلاة قال أنا نسيت قراءة الفاتحة في الركعة الأولى أو في الثانية مثلاً أو ما أشبه ذلك فلهذا نختار أن ينتظروه لاحتمال ما ذكرنا أما لو كان هذا الاحتمال غير وارد كما لو كان يصلي بهم صلاة الفجر وقد سمعوا قراءة الفاتحة وركعوا معه وسجدوا وقاموا وقعدوا ثم قام إلى الثالثة فحينئذٍ ينبهونه فإن أصر وجب عليهم مفارقته لأنه في هذه الحال تكون صلاته باطلة إذ لا عذر له.
    القارئ: وإن كان الإمام على يقين من صواب نفسه لم يرجع لأن قولهما إنما يفيد الظن واليقين أولى وإن سبح به واحد لم يرجع نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع لقول ذي اليدين وحده.
    الشيخ: صحيح هذا لم يرجع إليه إذا سبح إليه واحد لا يرجع إليه ما دام هو يعرف صواب نفسه أما إذا سبح به واحد وبعد تسبيحه غلب على ظنه أن الذي سبح به مصيب فحينئذٍ يرجع لأن البناء على غالب الظن جائز ولأن هذا يقع كثيراً أحياناً يمضي الإمام على أنه لم يكمل صلاته فإذا سبح به أحد شك في أمره ورجح قول من سبح به.
    القارئ: وإن سبح به من يعلم فسقه لم يرجع لأن خبره غير مقبول.
    (1/478)
    ________________________________________
    الشيخ: كيف يسبح به من يعلم فسقه؟ يعلم ذلك بصوته يكون هذا الرجل الذي معهم في الجماعة يكون معروفاً بالفسق ويعرف الإمام صوته فيقول المؤلف رحمه الله إنه لم يرجع لأنه خبره غير مقبول والحكم والتعليل كلاهما غير صحيح أما قوله لم يرجع فهذا على إطلاقه فيه نظر لماذا لأن الإنسان الذي معك في الصلاة لا يمكن أن يسبح بشيء يعلم أنه خطأ لأن خطأ الإمام سوف يعود على صلاته هو أيضاً فيبعد جداً أن يخبر بما يخالف الواقع ولو كان فاسقاً أعرفتم فالفاسق إذا سبح بالإمام بعيد جداً أن يقصد بذلك تغرير الإمام لأنه إذا غر الإمام فقد أضر نفسه والرجل جاء يصلي يؤدي فريضة كيف يقدم على شيء يضر نفسه إذا غرر بإمامه وأما التعليل فقوله إن خبر الفاسق غير مقبول يرده قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) ولم يقل فردوه فخبر الفاسق يتبين فيه الإنسان قد يكون صحيحاً وخبر العدل مقبول فكوننا نقول إن خبره غير مقبول هذا ليس بصحيح بل خبر الفاسق مما يجب التبيّن فيه وعلى هذا فإذا سبح به فاسق يبقى النظر هل الواحد يكفي أو لابد من اثنين؟ إذا قلنا لابد من اثنين فسبح به فاسقان فإنه يرجع إلى قولهما لأنه يبعد جداً أن يقولا في هذا المكان ما ليس بصحيح وكم من إنسان فاسق في عمل من الأعمال ويكون في الصلاة من أحسن الناس كم من إنسان يشرب الدخان مثلاً والإصرار على شرب الدخان فسق أو يحلق اللحية وحلق اللحية فسق ومع ذلك تجده في الصلاة من أحسن الناس حتى إننا نعرف أناساً يشربون الدخان مصرين عليه يقومون الليل ولا تفوتهم الجماعة بل لا يفوتهم المكان الأفضل في الصف فهل مثل هؤلاء نقول لا نقبل خبرهم في أمر يتعلق بالصلاة هذا من أبعد ما يكون.
    القارئ: وإن افترق المأمومون طائفتين سقط قولهم لتعارضه عنده.
    (1/479)
    ________________________________________
    الشيخ: وإذا سقط قولهم ماذا يفعل؟ يرجع إلى ما عنده إلى ما في نفسه يعني يكون كأنه لم يسبح به أحد وظاهر كلامه وكلام غيره أنه لا يرجح أحد على أحد والصحيح أنه يرجح فإذا كان يعرف أصواتهم فإنه يرجح من يغلب على ظنه أنهم أقرب إلى الصواب وصورة هذه قال له من وراءه سبحان الله وهو جالس فلما هم بالقيام قال الآخرون سبحان الله يعني لا تقم فالآن اختلفوا عليه ولا نكون كالعامي الذي قال له أحدهم سبحان الله فقام فقال الآخرون سبحان الله فقعد فقال الآخرون سبحان الله فاضطجع.
    القارئ: وإن نسي التشهد الأول فسبحوا به بعد انتصابه قائماً لم يرجع ويتابعونه في القيام لما روى زياد بن علاقة قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم قوموا فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتين وسلم وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام أحمد.
    الشيخ: في الحديث إشكال وهو قوله سلم وسجد سجدتين لكن قد يقال إن الواو لا تستلزم الترتيب لأن مثل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن بحينة أنه سجد قبل أن يسلم.
    السائل: لو سبح للإمام باسمه قال سبحان الله يا فلان؟
    الشيخ: لن يقول هذا إلا جاهل وإذا تكلم جاهلاً فإن صلاته صحيحة.
    السائل: لو سبح به اثنان أو أكثر وأجزم صواب نفسه فماذا يفعل؟
    الشيخ: إذا جزم بصواب نفسه لا يرجع لقول أحد كائناً من كان وإن غلب على ظنه رجحان قول الرجلين يتبع الرجلين.
    القارئ: فإن رجع بعد شروعه في القراءة لم يتابعوه لأنه خطأ فإن سبحوا به قبل قيامه لزمه الرجوع فإن لم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتابعوه لأنه ترك واجباً تعين عليهم فلم يجز لهم اتباعه في تركه وإن ذكر التشهد قبل انتصابه فرجع إليه بعد قيام المأمومين وشروعهم في القراءة لزمهم الرجوع لأنه رجع إلى واجب فلزمهم متابعته ولا عبرة بما فعلوه قبله.
    (1/480)
    ________________________________________
    الشيخ: لكن هذا نادر هذا لا يمكن يقع إلا لقوم سبقوه يعني هو لما أراد أن يقوم عن التشهد الأول وإذا هم قاموا وشرعوا في القراءة قبل أن يستتم قائماً هذا بعيد وهم إذا تعمدوا ذلك وسبقوه هذا السبق بطلت صلاتهم لأنهم فعلوا محرماً يتعلق بالعبادة لكن إن وقعت عن جهل وسبقوه وكان الإمام مثلاً ثقيلاً لا يقوم إلا ببطء ثم شرعوا في القراءة فهو إذا لم يكن انتصب قائماً يجب عليه الرجوع والحاصل أن من قام عن التشهد الأول فله حالات:
    الحالة الأولى أن لا يستتم قائماً فيلزمه الرجوع وفي هذه الحال هل يلزمه سجود السهو أو لا يلزمه؟ نقول إن لم يقم قياماً يفارق به حد القعود فإنه لا سجود عليه وإن قام قياماً يخرج به عن حد القعود وضبطه بعضهم بأن تفارق إليتاه عقبيه فإنه يلزمه سجود السهو لأنه زاد في الصلاة هذا متى؟ إذا كان لم يستتم قائماً وقيل إنه لا سهو عليه إذا رجع قبل أن يستتم قائماً لأن النهوض ليس ركناً مقصوداً بنفسه فإذا نهض لم يعتبر هذا زيادة فلا سجود عليه.
    الحالة الثانية أن يستتم قائماً قبل أن يشرع في القراءة ففي هذه الحال اختلف العلماء هل يحرم الرجوع أو يكره؟ المذهب أنه يكره ولا يحرم وعليه فلو رجع لم تبطل صلاته والقول الثاني أنه يحرم وعليه فلو رجع لبطلت صلاته هذا إذا استتم ولم يشرع.
    الحالة الثالثة أن يشرع في القراءة بعد أن يستتم قائماً ففي هذه الحال لا يرجع فإن رجع بطلت صلاته والراجح أنه إذا استتم قائماً لا يرجع وإن رجع عمداً وهو عالم بتحريم الرجوع بطلت صلاته وإلا لم تبطل.
    (1/481)
    ________________________________________
    وقول المؤلف فيه أيضاً هذه الفائدة العظيمة إذا سبحوا به قبل قيامه لزمه الرجوع فإن لم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتابعوه يعني كلام المؤلف يدل على أنهم لا يقومون لأنه ترك واجباً فلا يتركونه معه فيتشهدون لأنفسهم ويتابعونه وفي هذه الحال في الغالب أنه سيتم الفاتحة قبل أن يقوموا فيقومون فإن قلنا بأن الفاتحة ليست واجبة على المأموم ركعوا معه وإن لم يقرؤوا الفاتحة وإذا قلنا بوجوبها لزمهم قراءتها ثم يستمرون في متابعته والصواب أن الفاتحة ركن وأنهم إذا قاموا في هذه الحال يلزمهم إتمام الفاتحة لكن يسرعون فيها وكذلك يسرعون في الركوع ليدركوا الإمام في السجود.
    القارئ: النوع الثاني زيادة من غير جنس الصلاة كالمشي والحك والتروح فإن كثر متوالياً أبطل الصلاة إجماعا.
    الشيخ: المشي واضح والحك واضح والتروح أنه يقف مرة على رجل ومرة على رجل أخرى.
    القارئ: وإن قل لم يبطلها لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع إذا قام حملها وإذا سجد وضعها متفق عليه وروي عنه أنه فتح الباب لعائشة وهو في الصلاة.
    ولا فرق بين العمد والسهو فيه لأنه من غير جنس الصلاة ولا يشرع له سجود لذلك واليسير ما شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيما رويناه ومثل تقدمه وتأخره في صلاة الكسوف والكثير ما زاد على ذلك مما عد كثيراً في العرف فيبطل الصلاة إلا أن يفعله متفرقا.
    الشيخ: لكن هذا النوع من الأفعال إذا دعت الضرورة إليه صار مباحاً لا يبطل الصلاة لقول الله تبارك وتعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) ومعلوم أن الرجال إذا كانوا هاربين من عدوهم سوف تكثر حركاتهم وكذلك لو صارعه سبع وهو في الصلاة واحتاج إلى عمل كثير أو هاجمته حية واحتاج إلى عمل كثير فإنه لا تبطل صلاته في هذه الحال لأن هذه ضرورة تبيح المحرم.
    (1/482)
    ________________________________________
    السائل: قلنا إن الإمام إذا زاد ركعة في الصلاة وسبح به المأمومون ولم يرجع فإنهم يفارقونه لو قال قائل مستدلاً بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وقياساً على سقط التشهد الأول فإنهم يتابعونه في الزيادة؟
    الشيخ: ما يصلح هذا القياس لا يصح لأنه في التشهد الأول تركوا شيئاً ما زادوا ثم تركوا واجباً والواجب يسقط في السهو وأما العموم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) بين هذا أما إذا تعدى الحدود فلا طاعة له (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فلو صلى ست نقول لا تتابعوه.
    السائل: ذكرنا أنه لو زاد الإمام في الصلاة خامسة يجب على المأمومين عدم المتابعة لكن بعض العلماء قال يجب المتابعة مستدلاً بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خمساً فتابعوه الصحابة رضوان الله عليهم فكيف؟
    الشيخ: اقرأ آخر الحديث فقالوا أزيد في الصلاة فسموها زيادة وقت الرسول وقت تشريع الزيادة محتملة ولهذا قالوا في قصة ذي اليدين قالوا قصرت الصلاة أما في وقتنا بعد موت الرسول لا يمكن فالصحابة هم تابعوه جاهلين يظنون أن الصلاة صارت خمساً لكن نحن الآن نعلم أن هذه الخامسة زائدة ونعلم أن حكم الزيادة حرام.
    السائل: سبحوا به فلم يرجع في التشهد الأول فماذا يفعلون؟
    الشيخ: إن كان بعد قيامه فهو لا يجوز أن يرجع ويقومون معه وأما ما ذكرناه أنهم يتشهدون ثم يدركونه هذا إذا سبحوا به قبل القيام قبل أن يستتم ولم يرجع لأنه في هذه الحال يجب عليه الرجوع فلا يكون لهم عذر في متابعته لأن فعله حرام، إن سبحوا به قبل قيامه لزمه الرجوع فإن لم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتابعوه.
    (1/483)
    ________________________________________
    القارئ: النوع الثالث الأكل والشرب متى أتى بهما في الفريضة عمداً بطلت لأنهما ينافيان الصلاة، والنافلة كالفريضة وعنه لا يبطلها اليسير والأُولى أولى لأن ما أبطل الفريضة أبطل النافلة كالعمل الكثير وإن فعلهما سهواً وكثر ذلك بطلت الصلاة لأنه عمل كثير وإن قل فكذلك لأنه من غير جنس الصلاة فسوي بين عمده وسهوه كالمشي وعنه لا تبطل لأنه سوى بين قليله وكثيره في العمد فعفي عنه في السهو كالسلام فعلى هذا يسجد له لأنه تبطل الصلاة بعمده وعفي عن سهوه فيسجد له كجنس الصلاة.
    (1/484)
    ________________________________________
    الشيخ: إذاً الأكل والشرب ذكر المؤلف رحمه الله أنهما مبطلان للصلاة وهذا صحيح أولاً لأنهما يحتاجان إلى عمل كثير في الغالب وثانياً أنهما ينافيان الصلاة تماماً ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا صلاة بحضرة طعام) ولو كان الأكل لا يبطل الصلاة لقلنا كل وأنت تصلي فلما قال (لا صلاة بحضرة طعام) علم أن الأكل يبطل الصلاة وهو واضح لكن اليسير من الأكل مثل إنسان معه حمصة وهو يصلي فأكلها أو فنجال شاي مثلاً بقي نصفه وخاف يبرد عليه قبل يسلم وشربه فهل يبطلها أو لا؟ يقول وعنه لا يبطلها اليسير أي لا يبطل النافلة وأما الفريضة فيبطلها اليسير والكثير وفصّل بعضهم مفرقاً بين الأكل والشرب فقال الأكل مبطل للصلاة فرضها ونفلها كثيره وقليله وأما الشرب فيسيره لا يبطل النفل ويبطل الفرض وهذا هو المشهور عند المتأخرين من الحنابلة وفرقوا بينهما بأنه روي عن الزبير بن العوام أو عبد الله بن الزبير أنه كان يشرب في النافلة وبأن النافلة أخف حكماً من الفريضة وبأن النافلة قد تطول فيحتاج الإنسان إلى الشرب اليسير فيها ولا سيما في أيام الصيف والذي يظهر أنه لا فرق بين الصلاتين الفريضة والنافلة لأن ما أبطل الفريضة أبطل النافلة إذ أن الأصل تساويهما في الأحكام ولكن قد يقال إن الشيء اليسير الذي لا ينافي الصلاة لا يبطلها إذا كان سهواً لأنه عمل يسير ولم يخرج الصلاة عن هيئتها وحقيقتها ووقع سهواً فعلى هذا القول يفرق بين اليسير والكثير والسهو والعمد.
    القارئ: ومن ترك في فيه ما يذوب كالسكر وابتلع ما يذوب منه فهو أكل وإن بقي في فمه أو بين أسنانه يسير من بقايا الطعام يجري به الريح فابتلعه لم تفسد صلاته لأنه لا يمكنه التحرز منه وإن ترك في فيه لقمة لم يبلعها لم تبطل صلاته لأنه عمل يسير ويكره لأنه يشغل عن خشوعها وقراءتها فإن لاكها فهو كالعمل إن كثر أبطل وإلا فلا.
    (1/485)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه مسألة ما يكون في فمه ما يذوب كالسكر والحلاوة وما أشبه ذلك حكمه كالأكل كما قال رحمه الله وأما ما يبقى بين أسنانه من اللحم أو قشور التمر ويحس بطعمه فقط دون أن يكون له جرم ينزل إلى المعدة فإن هذا لا يضر وذلك لمشقة التحرز منه ولكن إذا كان ما بين أسنانه من لحم الإبل وابتلعه فإنه ينقض وضوءه وحينئذٍ تبطل صلاته لانتقاض الوضوء ثم ذكر المؤلف ما لو ترك الإنسان في فمه لقمة لكنه لم يبتلعها فما الحكم يقول هذا لا يضر لكنها تشغل الإنسان في الواقع وتمنعه من إجادة القراءة وهذا لا يقع اللهم إلا فيما لو أن شخصاً وضع في فمه خبزة ثم قام يصلي فلما رآه صاحبه يريد أن يمضغها قال له لا تمضغها وتأكلها فتبطل صلاتك فحينئذٍ يمسك عليها في فمه حتى يصلي ولكن نقول إن هذا وإن كان لا يبطل الصلاة لكنه يكره أقل أحواله الكراهة لأنه سوف يشغلك ويمنعك من أن تأتي بالحروف على وجهها والحمد لله الأمر يسير أخرجها من فمك فإن كان مما يمكن تداركه فأنت سوف تدركه فيما بعد وإن كان مما لا يمكن انتهى وقته فإن لاكها يعني جعل يلوكها يديرها في فمه أو يمضغها فهذا حكمه حكم العمل إن كثر بطلت الصلاة به وإلا فلا ومن هنا نعرف أن حركة اللسان في الفم لغير الكلام تعتبر من الحركة يعني لا تظن أن الحركة هي حركة اليد فقط أو الرجل أو العين حتى حركات اللسان وأعظم من ذلك حركات القلب وانصرافه يميناً وشمالاً كما يوجد عند كثير من الناس إذا دخل في الصلاة سافر قلبه إلى البوسنة والهرسك إلى أمريكا إلى روسيا أو إلى أقرب من هذا إلى الرياض مثلاً وهو في القصيم أو إلى مكة أو يحضر دروس بعض المشايخ هذا في قلبه فقط كل هذا من الشيطان نسأل الله أن يعيننا عليه ويعيذنا منه والله أعلم.

    فصل
    القارئ: القسم الثاني النقص وهو ثلاثة أنواع أحدها ترك ركن كركوع أو سجود فإن كان عمداً أبطل الصلاة وإن كان سهواً فله أربعة أحوال أحدها.
    (1/486)
    ________________________________________
    الشيخ: أحدها، صواب التعبير الفصيح أن يقال إحداها لأنه كما قلنا أولاً حال مذكر لفظاً مؤنث معنى.
    القارئ: إحداها لم يذكره حتى سلم وطال الفصل فتفسد الصلاة لتعذر البناء مع طول الفصل الثاني ذكره قريباً من التسليم.
    الشيخ: يعني وماذا يصنع؟ يعيد الصلاة من أولها.
    القارئ: الثاني ذكره قريباً من التسليم فإنه يأتي بركعة كاملة لأن الركعة التي ترك الركن منها بطلت بتركه والشروع في غيرها فصارت كالمتروكة.
    الثالث ذكر المتروك قبل شروعه في قراءة الركعة الأخرى فإنه يعود فيأتي بما تركه ثم يبني على صلاته فإن سجد سجدة ثم قام قبل جلسة الفصل فذكر جلس للفصل ثم سجد ثم قام وإن ترك السجود وحده سجد ولم يجلس لأنه لم يتركه ولو جلس للاستراحة لم يجزئه عن جلسة الفصل لأنه نوى بجلوسه النفل فلم يجزئه عن الفرض كمن سجد للتلاوة لم يجزئه عن سجود الصلاة ويسجد للسهو فإن لم يعد إلى فعل ما تركه فسدت صلاته لأنه ترك الواجب عمداً إلا أن يكون جاهلا الحال الرابع جلس بعد شروعه في قراءة الفاتحة في ركعة أخرى.
    الشيخ: الصواب قول الحال الرابعة لكن كما قلت لكم الفقهاء يتساهلون.
    القارئ: الحال الرابعة ذكر بعد شروعه في قراءة الفاتحة في ركعة أخرى فتبطل الركعة التي ترك ركنها وحدها ويجعل الأخرى مكانها ويتم صلاته ويسجد بعد السلام.
    (1/487)
    ________________________________________
    الشيخ: كل ما ذكره المؤلف رحمه الله في هذه المسألة فهو صحيح إلا الحال الرابعة إذا ذكره بعد شروعه في قراءة الركعة الأخرى فالصواب أنه يرجع ما لم يصل إلى المتروك في الركعة الثانية فإن وصل إلى المتروك في الركعة الثانية قامت الثانية مقام الأولى التي ترك منها هذا واضح ففي المثال الذي ذكر لو قام من السجدة الأولى في الركعة الثانية لو قام حتى شرع في القراءة فعلى كلام المؤلف تكون هذه الركعة الثالثة هي الثانية وعلى القول الذي الذي اخترناه نقول يرجع ويجلس جلسة الفصل وهي جلسة بين السجدتين ويسجد ثم يجلس للتشهد ثم يكمل صلاته ووجه ذلك أن ما فعله قبل أن يسجد السجدة الثانية فعله في غير محله فإذا فعله في غير محله وذكر وجب عليه أن يرجع ولا يستمر في الزيادة ولا يمكن أن نبطل الركعة التي ترك منها هذه السجدة لأنه لا وجه لإبطالها وعلى كلام المؤلف نبطلها وتكون الركعة الثانية بدلاً عنها فعلى رأينا نقول حتى لو ركع ولم يذكر أنه نسي السجود إلا بعد أن قال سمع الله لمن حمده نقول له ارجع فاجلس للفصل ثم اسجد ثم استمر.
    السائل: المأموم إذا فاته ركن بسبب نعاس أو غيره ماذا يفعل؟
    الشيخ: إذا فاته شيء من أجل النعاس أو شبهه يأتي به ويلحق الإمام ولا يسجد سجود السهو إلا إذا فاته شيء إن كان فاته شيء يسجد للسهو.
    السائل: إذا ترك ركن في الركعة الثانية بعد انتهائه من الصلاة ماذا يفعل؟
    الشيخ: هو الآن لما انتهى من الصلاة ذكر أنه ترك في الركعة الثانية ركناً نقول صارت الثالثة مكانها وصارت الرابعة مكان الثالثة فيأتي الآن بالرابعة ويتشهد ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام.
    القارئ: وإن ترك ركنين من ركعتين أتى بركعتين مكانهما فإن ترك أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد سجد سجدة تصح له الركعة الرابعة ويأتي بثلاث ركعات ويسجد للسهو وعنه أن صلاته تبطل لأنه يفضي إلى عمل كثير غير معتد به.
    (1/488)
    ________________________________________
    وإن ذكر وهو في التشهد أنه ترك سجدة من الرابعة سجد في الحال ثم تشهد وسجد للسهو فإن لم يعلم من أي الركعات تركها جعلها من ركعة قبلها ليلزمه ركعة وإن ذكر في الركعة أنه ترك ركناً لم يعلم أركوع هو أم سجود؟ جعله ركوعا ليأتي به ثم ما بعده كيلا يخرج من الصلاة على شك.
    النوع الثاني ترك واجباً غير ركن عمداً كالتكبير غير تكبيرة الإحرام وتسبيح الركوع والسجود بطلت صلاته إن قلنا بوجوبه وإن تركه سهواً سجد للسهو قبل السلام لما روى عبد الله بنُ مالكٍ اْبنُ بحينة.
    الشيخ: الصحيح لما روى عبد الله بنُ مالكٍ ابنُ بحينة لأن بحينة ما هي بجده، بحينة أمه فيكون هذا الذي الرجل مكنن بكنيتين بكنية أبيه وكنية أمه ولهذا ينون أيضاً مالك فيقال بن مالكٍ ابنُ بحينة وأيضاً يجعل همزة الوصل همزة ابن بين مالك وبين ابنُ بحينة ونظير ذلك عبد الله بن أبي بن سلوم تقول عبد الله بنُ أبيٍّ ابنُ سلوم لأن سلوم أمه، والحاصل أن ابن الثانية إذا كانت مضافة إلى الجد فهي تكون بالجر ويكون الأول غير منون إن كانت مضافة إلى الأم فكما سمعتم يعني تختلف عن الأولى من ثلاثة أوجه الوجه الأول تنوين الاسم الذي قبله والثاني أنه يعرب بإعراب الاسم الأول والثالث أنه يوضع بينه وبين الاسم الذي قبله همزة الوصل لازم يكتب همزة وصل مثل عبد الله بنُ عمر بنِ الخطاب لكن عبد الله بنُ مالك ابنُ بحينة أي وإعراب بنُ بحينة بالرفع على أنه بدل ثاني مثل بنُ مالك.
    القارئ: لما روى عبد الله بن مالكٍ ابنُ بحينة قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فقام في الركعتين فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم متفق عليه فثبت هذا بالخبر وقسنا عليه سائر الواجبات.
    (1/489)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه المسألة دائماً يقولون لا قياس في العبادات وأحياناً يقيسون وهذا يوجب الإشكال فنقول أولاً هذه القاعدة ليست مطردة وثانياً أن مرادهم بالقياس الممنوع في العبادات أن تقيس عبادة أصلا على عبادة أخرى وأما قياس واجب في عبادة أو صفة في عبادة أو ما أشبه ذلك فإن الفقهاء يستعملونها كثيراً فمثلاً قالوا تجب التسمية في التيمم عن الحدث الأصغر كما تجب التسمية في الوضوء قياساً وقالوا تجب التسمية عند الغسل كما تجب عند الوضوء قياساً أيضاً وهذا كثير ومنه هذه المسألة الآن هذه المسألة لم ترد لترك النبي صلى الله عليه وسلم تكبيرة أو تسميعاً إنما هو ترك التشهد الأول فقاسوا عليه بقية الواجبات وهو قياس جلي ليس فيه إشكال لأن الحكم واحد كل الواجبات إذا تركها الإنسان عمداً بطلت صلاته فإذا تركها سهواً فينبغي أن يقاس ما لم يرد به النص على ما ورد به النص ونقول إذا تركه سهواً وجب عليه سجود السهو.
    السائل: قول المؤلف (إن ترك أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد سجد سجدة تصح له الركعة الرابعة، ... وعنه أن صلاته تبطل)، ما هو الصحيح لا سيما أن هذا عمل كثير فتكون سبع ركعات؟
    الشيخ: والله إذا نظرنا إلى العفو عن السهو قلنا لا فرق بين القليل والكثير وإذا نظرنا إلى أن هذا سيغير الصلاة تغييراً فاحشاً قلنا إن القول بأنه يستأنف الصلاة أقرب ولا شك أنه إذا استأنف الصلاة فهو أحوط بلا شك.
    (1/490)
    ________________________________________
    القارئ: وإن ذكر التشهد قبل انتصابه قائما رجع فأتى به وإن ذكره بعد شروعه في القراءة لم يرجع لذلك لأنه تلبس بركن مقصود فلم يرجع إلى واجب وإن ذكره بعد قيامه وقبل شروعه في القراءة لم يرجع أيضاً لذلك ولما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائماً فليجلس فإن استتم قائماً لم يجلس ويسجد سجدتي السهو) رواه أبو داود وقال أصحابنا وإن رجع في هذه الحال لم تفسد صلاته ولا يرجع إلى غيره من الواجبات لأنه لو رجع للركوع لأجل تسبيحة لزاد ركوعاً في صلاته وأتى بالتسبيح في ركوع غير مشروع.
    النوع الثالث ترك سنة فلا تبطل الصلاة بتركها عمداً ولا سهوا ولا سجود عليه لأنه شرع للجبر فإذا لم يكن الأصل واجباً فجبره أولى ثم إن كان المتروك من سنن الأفعال لم يشرع له سجود لأنه يمكن التحرز منه وإن كان من سنن الأقوال ففيه روايتان أحدهما لا يسن له السجود كسنن الأفعال والثانية يسن لقوله عليه الصلاة والسلام (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين).

    فصل
    القارئ: القسم الثالث الشك وفيه ثلاث مسائل:
    إحداهن شك في عدد الركعات ففيه ثلاث روايات:
    إحداهن يبني على غالب ظنه ويتم صلاته ويسجد بعد السلام لما روى ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين) متفق عليه وللبخاري (بعد التسليم).
    الثانية يبني على اليقين لما روى أبو سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان) رواه مسلم.
    (1/491)
    ________________________________________
    والرواية الثالثة يبني الإمام على غالب ظنه والمنفرد على اليقين لأن الإمام له من يذكره إن غلط فلا يخرج منها على شك والمنفرد يبني على اليقين لأنه لا يأمن الخطأ وليس له من يذكره فلزمه البناء على اليقين كي لا يخرج من الصلاة شاكاً فيها وهذا ظاهر المذهب
    الشيخ: النوع الثالث من الزيادة والترك: النوع الثالث ترك سنة فهذا كما قال المؤلف لا يجب له السجود لأن السجود إنما يجب لما يبطل تعمده الصلاة ومعلوم أن ترك السنن لا يبطل الصلاة لكن هل يسن له السجود؟ ينبغي أن يقال إن كان من عادته أن يفعل هذه السنة ونسيها سجد وإن لم يكن من عادته أن يفعلها فلا يسجد لأنه لو ذكر لم يفعلها وكذلك يقال في الترك أما الزيادة فإنه سبق أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه فإنه يسن له سجود السهو.
    المسألة الثانية مسألة الشك والشك ذكر المؤلف رحمه الله أن فيه ثلاث روايات:
    الأولى يبني على اليقين بكل حال.
    والثانية يبني على الظن.
    والثالثة يفرق بين الإمام وغيره فالإمام يبني على الظن أو على غالب ظنه والمنفرد يبني على اليقين قال المؤلف إن هذا ظاهر المذهب ولكن المذهب عند المتأخرين أنه يبني على اليقين مطلقا والصواب أن يقال يؤخذ بما دلت عليه السنة فإذا كان عنده ظن غالب أخذ به وإن تساوى عنده الأمران بنى على اليقين وهو ظاهر من لفظ الحديث الأول حديث ابن مسعود (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه) وكلمة (فليتحر) تدل على أن عنده ظناً لأن من ليس عنده ظن فإنه لا يتحرى فإذا كان عنده ظن غالب عمل به سواء في الزيادة أو في النقص وإن لم يكن عنده ظن عمل باليقين وهو الأقل مثال الأول شك رجل هل هذه الركعة هي الثالثة أو الثانية وغلب على ظنه أنها الثالثة فماذا يصنع يجعلها الثالثة ويأتي برابعة فقط لم يغلب على ظنه أنها الثالثة يجعلها الثانية هذا هو الذي دلَّ عليه حديث أبي سعيد وحديث ابن مسعود.
    (1/492)
    ________________________________________
    بقي بحث آخر في الموضوع متى يسجد للسهو هل هو قبل السلام أو بعده؟ نقول أما في الحال الأولى أي في حال بنائه على غالب ظنه فإنه يسجد بعد السلام وأما في الثانية إذا تردد بدون غلبة ظن فيسجد قبل السلام وهذا أيضاً يدل عليه الحديثان حديث ابن مسعود (فليتم عليه ثم يسجد سجدتين) ومعلوم أنه لا يتم الإتمام عليه إلا إذا سلم وللبخاري (بعد التسليم) وهو صريح في أنه يسجد بعد السلام أما الثاني حديث أبي سعيد فإنه قال (ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم) فصار الآن لنا في هذه المسألة نظران في الشك:
    (1/493)
    ________________________________________
    أولاً هل يبني على اليقين مطلقاً أم على غلبة ظنه مطلقاً أم يفرق بين الإمام وغيره؟ في المسألة عن الإمام أحمد ثلاث روايات والصحيح في هذه المسألة أن نقول إذا كان لديه غلبة ظن بنى على غالب ظنه سواء كان الإمام أو المأموم أو المنفرد، الإمام والمنفرد واضح، المأموم كيف يبني على غالب ظنه؟ يشك هل دخل مع الإمام في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية وإذا شك هذا الشك معناه أنه تردد هل صلى ثلاثاً أم أربعة أو يدخل مع الإمام والإمام راكع ثم يرفع رأسه الإمام ويقول سمع الله لمن حمده ولا يدري هل أدرك الإمام في الركوع أم أن الإمام رفع قبله فنقول إن كان عند الشاك غلبة ظن فليبن على غلبة ظنه ويسجد بعد السلام كما دل عليه حديث ابن مسعود وإذا كان ليس عنده غلبة ظن بنى على اليقين ويسجد قبل السلام كما دل عليه حديث أبي سعيد ولا فرق بين الإمام والمأموم والمنفرد لأن التفريق بين حالة غلبة الظن أو الشك والتردد ظاهر في الحديثين فإن قال قائل ما الحكمة في أنه إذا غلب على ظنه يكون السجود بعد السلام؟ وإذا كان شاكاً بدون غلبة ظن يكون قبل السلام؟ قلنا الحكمة ظاهرة لأنه إذا بنى على غالب ظنه فقد اتقى الله ما استطاع والعبادة في حقه تامة فلا ينبغي أن يدخل في الصلاة سجوداً زائداً فلهذا صار السجود بعد السلام أما إذا تردد بدون ترجيح فإن هذا الشك ينقص في الصلاة وهو سيبني على اليقين وإذا بنى على اليقين فهو سيحتاط وإذا كان ينقص الصلاة كان من الحكمة أن يجبر هذا النقص قبل أن تنتهي صلاته كما لو ترك التشهد الأول ناسياً فإنه يسجد قبل السلام جبراً للصلاة قبل انتهائها فالحكمة في هذا واضحة ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم علل قال (إن كان صلى خمساً _ في مسألة الشك بدون ترجيح _ شفعن صلاته وإن كان صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان) ينبني على هذا التعليل ما لو تيقن أنه مصيب فيما فعل هل عليه السجود أو لا؟ يعني بنى على اليقين وتبين له قبل
    (1/494)
    ________________________________________
    أن يسلم أنه مصيب فيما فعل فهل يلزمه السجود؟ مثال ذلك شك في صلاة الظهر هل صلى ثلاثاً أو أربعاً بدون ترجيح نقول له اجعلها ثلاثاً فجعلها ثلاثاً ولما جلس للتشهد الأخير تبين له أنه لم يزد في الصلاة وأن فعله صواب فهل عليه السجود أو لا؟ ننظر الحديث (إن كان صلى خمساً شفعن صلاته وإن كان صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان) فبعض العلماء قال لا يسجد إذا تبين أنه مصيب فيما فعله فإنه لا يسجد لأن سجود السهو جبر للنقص وقد تبين أن لا نقص وهذا هو المذهب أنه إذا تبين أنه مصيب فيما فعل فلا سجود عليه والقول الثاني عليه السجود ووجهه أنه أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها فكان لا بد من جبر هذا النقص لأنه حينما أتى بالثالثة مثلاً فهو شاك وكذلك إذا قدرنا أنه لم يزد وأنه ترجح عنده أنها كاملة نقول هذا التردد الذي حصل يجبر بسجود السهو ولكن يكون السجود بعد السلام والاحتياط أن يسجد وإن ترك لم نقل إنه آثم لأن الدليل ليس ظاهراً فيه.
    السائل: ترك الأفعال المسنونة علل بعلة لأنه يمكن التحرز منه وفي الأقوال استدل بدليل عام (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) فرَّق بين الأفعال والأقوال بالتعليل فهل هناك فرق؟
    الشيخ: أقول لا فرق والتعليل عليل فالفعل يمكن التحرز منه إذا استحضر الإنسان أنه في صلاة يمكن التحرز منه والقول نفس الشيء لكن السجود ليس بواجب في الأمرين.
    السائل: جلس المأموم مع الإمام في التشهد الأخير فنسي المأموم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم الإمام وسلم معه ماذا يفعل؟
    الشيخ: إذا قلنا بأن الصلاة على النبي ركن وجب عليه أن يعود في صلاته ويقرأ الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم يسلم ويسجد للسهو بعد السلام وإذا قلنا أنها سنة وليست بركن فلا حاجة أن يرجع وإذا قلنا أنها واجب فلا حاجة أن يرجع لكن عليه سجود السهو لترك الواجب وعلى كل حال إذا سجد فهو جيد.
    (1/495)
    ________________________________________
    السائل: الذي يسجد قبل السلام فسجد سجدتين للنقص ثم رفع رأسه من السجود فهل له أن يتشهد مرة أخرى؟
    الشيخ: لا إذا كان السجود قبل السلام ما فيه إشكال لأنه سوف يسجد بعد انتهاء التشهد وقبل السلام لكن إذا كان السجود بعد السلام ففيه قولان للعلماء منهم من قال لا تشهد عليه وهو الصحيح ومنهم من قال عليه التشهد.
    القارئ: المسألة الثانية شك في ركن الصلاة فحكمه حكم تاركه لأن الأصل عدمه.
    المسألة الثالثة شك فيما يوجب سجود السهو من زيادة أو ترك واجب ففيه وجهان أحدهما لا سجود عليه لأن الأصل عدم وجوبه فلا يجب في الشك.
    الثاني أنه إن شك في زيادة لم يسجد لأن الأصل عدمها وإن شك في ترك واجب لزمه السجود لأن الأصل عدمه وإنما يؤثر الشك إذا وجد في الصلاة فإن شك بعد سلامها لم يلتفت إليه لأن الظاهر الإتيان بها على الوجه المشروع ولأن ذلك يكثر فيشق الرجوع إليه فسقط وهكذا الشك في سائر العبادات بعد فراغه منها.
    الشيخ: المسألة الثالثة شك فيما يوجب السجود سجود السهو من زيادة أو ترك واجب ففيه وجهان أحدهما لا سجود عليه لأن الأصل عدم وجوبها فلا تجب بالشك وهذا في الزيادة واضح أنه لا سجود عليه لأن الأصل عدمها مثال ذلك هو في التشهد الأخير الآن شك هل صلى خمساً أو هذه هي الرابعة نقول لا سجود عليه لماذا؟ لأن الأصل عدم الزيادة فلا يلتفت لهذا الشك يستثنى من هذا ما إذا شك في الزيادة وقت فعلها يعني في الركعة الأخيرة شك هذه الخامسة أو الرابعة وقد سبق قبل قليل فإنه يجب عليه سجود السهو لأنه أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها.
    (1/496)
    ________________________________________
    المسألة الثانية شك في ترك واجب قال لا أدري هل أنا تشهدت التشهد الأول أم لا؟ فيقول المؤلف فيه وجهان يقول أحدهما لا سجود عليه لأنه شك في وجود سبب الوجوب والأصل عدمه فترك التشهد الأول سبب لوجوب سجود السهو وهو الآن شك هل وجد هذا السبب أم لا والأصل عدمه وعلى هذا إذا شك هل تشهد التشهد الأول أم لا نقول لا شيء عليك ما لم تتيقن أنك تركته لماذا لأنه شك في وجود سبب الوجوب والأصل عدمه.
    وقيل بل عليه أن يسجد لماذا؟ قال لأن الأصل عدم فعل الواجب فيلزمه أن يسجد للسهو والمثال هو ما ذكرناه الآن شك هل تشهد التشهد الأول أم لا نقول يجب عليك سجود السهو لماذا؟ لأن الأصل عدم فعله الأصل عدم التشهد فيلزمه والصحيح في المسألة الثانية أنه يلزمه السجود إذا شك هل تشهد التشهد الأول أو لا فإنه يلزمه أن يسجد لأن الأصل عدم الفعل وهذا واضح وفيه أيضاً نبه المؤلف رحمه الله إذا شك بعد السلام فإنه لا يلتفت لهذا الشك لأنه شك بعد فراغ العبادة فلا يلتفت إليه إذ أن الأصل وقوع العبادة على وجه صحيح سليم ولأننا لو فتحنا هذا الباب لانفتح باب الوسواس وصار كل إنسان ينتهي من عبادة يشك هل أتمها أو لم يتمها فكان سد الباب أولى ولأنه يقول المؤلف يكثر فيشق الرجوع إليه فسقط وهذا يكثر عند الموسوسين الموسوس نسأل الله لنا ولكم العافية كلما فرغ من عبادة قال لعلي أنقصت.

    فصل
    القارئ: وسجود السهو لما يبطل عمده واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به ولأنه شرع لجبر واجب فكان واجباً كجبرانات الحج.
    (1/497)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه قاعدة سجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب هذه القاعدة لكن بشرط أن يكون من جنس الصلاة أما إذا كان من غير جنسها كالكلام والأكل وما أشبه ذلك فهذا لا يبحث فيه في سجود السهو وإنما يبحث فيه في صحة الصلاة أو بطلانها فقوله لما يبطل عمده هذا وإن كان عاماً لكن يراد به ما كان من جنس الصلاة مثل ركوع سجود قيام قعود ترك ركن ترك واجب وما أشبه ذلك هذا هو الذي يجب السجود له أما ما لا يبطل عمده الصلاة فلا يجب السجود له مثل السنن، السنن لو تعمد الإنسان تركها فصلاته صحيحة أو رفع يديه في غير موضع الرفع أو تشهد في غير موضع التشهد لكن بدون جلوس مثل جلس لقول ربي اغفر لي فتشهد ناسياً ثم ذكر فقال ربي اغفر لي فهذا لا يوجب السجود لكن فيه الخلاف السابق.

    فصل
    القارئ: وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به ولأنه شرع لجبر واجب فكان واجباً كجبرانات الحج وجميعه قبل السلام لأنه من تمامها وشأنها فكان قبل سلامها كسجود صلبها إلا في ثلاثة مواضع:
    أحدها إذا سلم من نقصان في صلاته سجد بعد السلام لحديث ذي اليدين.
    الثاني إذا بنى على غالب ظنه سجد بعد السلام لحديث ابن مسعود.
    (1/498)
    ________________________________________
    الثالث إذا نسي السجود قبل السلام سجد بعده لأنه فاته الواجب فقضاه وعن أحمد أن جميعه قبل السلام إلا أن ينساه حتى يسلم وعنه ما كان من زيادة فهو بعد السلام لحديث ذي اليدين وما كان من نقصان أو شك كان قبله لحديث ابن بحينة وأبي سعيد فمن سجد قبل السلام جعله بعد فراغه من التشهد لحديث ابن بحينة فيكبر للسجود والرفع منه ويسجد سجدتين كسجدتي صلب الصلاة ويسلم عقيبهما وإن سجد بعد السلام كبر للسجود والرفع منه لحديث ذي اليدين ويتشهد ويسلم لما روى عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد وسلم وهذا حديث حسن ولأنه سجود يسلم له فكان معه تشهد كسجود صلب الصلاة فإن نسي السجود فذكره قبل طول الفصل سجد وإن تكلم وقال الخرقي يسجد ما لم يخرج من المسجد وإن تكلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام والكلام رواه مسلم وإن نسيه حتى طال الفصل أو خرج من المسجد على قول الخرقي سقط وعنه يعيد الصلاة وقال أبو الخطاب إن ترك المشروع قبل السلام عامدا بطلت صلاته لأنه ترك واجباً فيها عمدا فإن ترك المشروع بعد السلام عمداً أو سهواً لم تبطل صلاته لأنه ترك واجباً ليس منها فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج.
    الشيخ: هذا الفصل تضمن مسائل:
    المسألة الأولى متى يكون سجود السهو واجباً؟ والجواب ذكره في قوله سجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب فكل شيء إذا تعمدته أبطل الصلاة وهو من جنس الصلاة فإنه يجب السجود له وقولنا وهو من جنس الصلاة احترازاً مما لو تكلم في الصلاة فإن الكلام في الصلاة يبطل الصلاة فلو سها وتكلم فلا سجود فيه لكن على القول الراجح لا تبطل الصلاة وعلى المذهب تبطل الصلاة وقد سبق هذا إذاً لما يبطل عمده الصلاة إذا كان من جنسها مثل ركع مرتين أو سجد ثلاثاً أو جلس جلسة في غير محلها كل هذا يبطل الصلاة إذا تعمدها فإذا فعله سهواً وجب سجود السهو والتعليل كما ذكره المؤلف رحمه الله.
    (1/499)
    ________________________________________
    المسألة الثانية هل سجود السهو قبل السلام أو بعده؟
    قال بعض العلماء إن هذا مما اختلفت فيه السنة فيفعل هذا مرة وهذا مرة يعني يسجد مرة قبل السلام ومرة بعد السلام وإن اقتصر على ما قبل السلام دائماً أو على ما بعده دائماً فلا حرج.
    والقول الثاني أنه قبل السلام مطلقا.
    والقول الثالث بعد السلام مطلقا.
    وذكر المؤلف رحمه الله أن محله كله قبل السلام إلا في ثلاث مسائل:
    الأولى إذا سلم عن نقص سواء كان النقص ركعة أو أقل مثال النقص عن ركعة سلم في الثالثة من الظهر مثال النقص عن أقل قام من السجدة الأولى في الركعة الأخيرة وتشهد وسلم النقص هنا ركعة أو أقل؟ أقل لأنه لم يترك إلا السجود والجلوس للتشهد فيسجد بعد السلام إذا كان عن زيادة إذا سلم عن نقص والسلام عن نقص هو في الحقيقة زيادة لأن الإنسان زاد سلاماً في غير محله.
    الثانية إذا بنى على غالب ظنه فيسجد بعد السلام لحديث ابن مسعود (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ثم ليبن عليه ثم ليسجد سجدتين بعد أن يسلم) وهذا فيما إذا شك مع الترجيح فإنه يبني على الراجح ويسجد بعد السلام.
    الثالث إذا نسي السجود قبل السلام سجد بعده وهذا واضح والصحيح في هذه المسألة أن سجود السهو إما عن زيادة وإما عن نقص فإن كان عن زيادة فبعد السلام لحديث عبد الله بن مسعود وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين فإن الرسول صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام فيهما ولأجل أن لا تجتمع زيادتان في الصلاة الزيادة التي سها فيها وسجود السهو وإن كان عن نقص ولا يتصور هذا إلا في ترك الواجب لماذا؟ لأنه إذا نقص ركناً صار كمن تركه فلابد أن يأتي به وبما بعده فإذا أتى به وبما بعده صار فيه زيادة إذاً النقص لا يكون إلا في ترك الواجب مثل ترك التشهد الأول ترك التسبيح في الركوع أو السجود ترك التكبير غير تكبيرة الإحرام وما أشبهها هذا يكون متى؟ قبل السلام فإذا نسيه أتى به بعد السلام.
    (1/500)
    ________________________________________
    الحال الثانية التي تكون قبل السلام إذا شك مع التساوي إذا شك في عدد الركعات ولم يترجح عنده شيء فإنه يبني على الأقل وإذا شك هل سجد مرتين أو مرة بنى على الأقل أيضاً وسجد قبل السلام من أجل أن لا يخرج من الصلاة إلا وقد جبرها هذا يكون قبل السلام وكذلك أيضاً يكون قبل السلام بترك الواجب ويكون بعد السلام في الزيادة وفي الشك إذا ترجح عنده الأمران فانحصر الآن في مسألتين قبل السلام ومسألتين بعد السلام هذا هو القول الراجح.
    المسألة الثالثة ذكر رحمه الله أنه إذا سجد بعد السلام فإنه يتشهد واستدل بالحديث الذي قال إنه حسن ولكن الله أعلم بحسنه بل في صحته نظر وحديث ذي اليدين صحيح أنه لم يتشهد وقياسه رحمه الله منتقض لأنه قال في القياس ولأنه سجود يسلم له فكان معه تشهد كسجود صلب الصلاة هذا لا شك أنه منتقض طرداً وعكساً أولاً سجود صلب الصلاة هل كل سجود بعده تشهد؟ ليس كل سجود بعده تشهد إذا قام إلى الثانية ليس فيه تشهد إذا قام إلى الرابعة في الرباعية ليس فيه تشهد ثم هو منتقض في سجود التلاوة على المذهب سجود التلاوة على المذهب فيه التكبير وفيه التسليم ومع ذلك ليس فيه التشهد وهو علل قال لأنه سجود يسلم له فكان فيه التشهد كسجود الصلاة فتبين أن هذا القياس منتقض لأن سجود التلاوة فيه التكبير وفيه التسليم ومع ذلك لا يشرع له التشهد.
    المسألة الرابعة إذا نسيه فهل يقضيه نقول إن كان الوقت قصيراً فليقضه وإن طال الفصل وعلى رأي الخرقي رحمه الله إن خرج من المسجد فإنه لا يسجد لأنه لم يتصل بالصلاة وقال شيخ الإسلام رحمه الله يسجد متى ذكر ولو طال الفصل لأن السجود لجبران الصلاة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فهذا إذا نسي نقول متى ذكرت فاسجد.
    (2/1)
    ________________________________________
    المسألة الخامسة لو تعمد ترك سجود السهو يعني تركه عمداً فهل تبطل الصلاة؟ يقولون رحمهم الله إن تعمد ترك ما قبل السلام بطلت صلاته لأنه نقص ما يجب أن يكون في الصلاة وإن تعمد ترك ما بعد السلام فإنها لا تبطل لأن ما بعد السلام كان بعد إنتهاء الصلاة وهو واجب لها وليس واجباً فيها بخلاف سجود السهو قبل السلام فإنه واجب فيها وترك الواجب للصلاة لا يبطل الصلاة بخلاف ترك الواجب فيها أفهمتم القاعدة هذه ترك الواجب للصلاة لا يبطل الصلاة وترك الواجب فيها يبطلها ولهذا لا تبطل الصلاة بترك الإقامة ولا بترك الأذان لأن هذا واجب للصلاة ولا بترك صلاة الجماعة على القول الراجح لأن ذلك واجب لها وليس واجباً فيها وتبطل بتعمد ترك التسبيح والتكبير غير تكبيرة الإحرام وكذلك بترك الأركان كلها.
    السائل: ما هو الراجح في مسألة إذا نسي سجود السهو وطال الفصل؟
    الشيخ: يقرب والله أعلم أن الراجح ما ذهب إليه الأصحاب رحمهم الله أنه إذا طال الفصل سقط ولا يعيد الصلاة، فالصلاة لاتبطل به إلا إذا تعمد ترك سجود السهو الذي قبل السلام.

    فصل
    القارئ: فإن سها سهوين محل سجودهما واحد كفاه أحدهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) ولأن السجود إنما أخر ليجمع السهو كله ولولا ذلك فعله عقيب السهو لأنه سببه وإن كان أحدهما قبل السلام والآخر بعده ففيه وجهان أحدهما يجزئه سجود واحد لذلك ويسجد قبل السلام لأنه أسبق وآكد ولم يسبقه ما يقوم مقامه فلزمه الاتيان به بخلاف الثاني والثاني يأتي بهما في محلهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لكل سهو سجدتان) رواه أبو داود.
    الشيخ: والأقرب القول الأول أنه يكفيه سجود واحد ويكون قبل السلام يعني يغلب ما قبل السلام.
    (2/2)
    ________________________________________
    وقول المؤلف رحمه الله إنما أخر يعني سجود السهو في آخر الصلاة يجمع السهو كله ولولا ذلك لفعله عقب السهو لأنه سببه فيه نظر يعني في كونه أخر لهذه العلة نظر بل الظاهر والله أعلم أنه أخر من أجل أن لا يختل ترتيب الصلاة لأنه لو كان يسجد عقب السهو اختل ترتيب الصلاة فكان تأخيره هو الحكمة أما أنه أخر ليجمع السهو كله فهذا قد يبدو صحيحاً لكن يقال لو كان كذلك لانتقض فيما إذا لم يكن على الإنسان إلا سهو واحد كما لو سها بعد السجدة الأولى في آخر ركعة.

    فصل
    القارئ: وليس على المأموم سجود لسهوه فإن سها إمامه فعليه السجود معه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس على من خلف الإمام سهو فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه) رواه الدارقطني ولأن المأموم تابع لإمامه فلزمه متابعته في السجود وتركه.

    السائل: إذا كان المأموم ينقص في الصلاة ويزيد فهل يسجد سجود السهو؟
    الشيخ: يتحمله الإمام لأنه ليس على المأموم سجود السهو كما يتحمل الإمام التشهد الأول.
    السائل: لو سها سهوين مختلفين قلتم أنه يسجد قبل السلام تغليباً لكن لو سجد بعد السلام؟
    الشيخ: لا بأس ليس عليه شيء.
    القارئ: ويسجد المسبوق مع إمامه في سهوه الذي لم يدركه فإن كان السجود بعد السلام لم يقم المسبوق حتى يسجد معه وعنه لا سجود عليه هنا والأول المذهب فإن قام ولم يعلم فسجد الإمام رجع فسجد معه إن لم يكن استتم قائما وإن استتم قائماً مضى ثم سجد في آخر صلاته قبل سلامه لأنه قام عن واجب فأشبه تارك التشهد الأول.
    (2/3)
    ________________________________________
    الشيخ: الصحيح القول الثاني الرواية الأخرى أن المسبوق إذا كان سجود الإمام بعد السلام لا يسجد معه وذلك لتعذر المتابعة لأنه هنا لا تتم المتابعة إلا إذا سلم ولا يمكن أن يسلم فنقول إذا سلم الإمام فقم لقضاء ما فاتك ولو سجد للسهو ولكن هل تسجد الصحيح أنه إن أدركت سهوه سجدت وإن كان سهوه قبل أن تدخل معه فلا سجود عليك وإن لم تعلم فالأصل عدم الوجوب أما المذهب فعرفتموه المذهب يجب أن يسجد معه ولا يسلم فإن قام وجب عليه الرجوع إلا أن يستتم قائما فإن استتم فلا يرجع وعليه السجود ويكون قبل السلام لأنه ترك واجباً.
    القارئ: وإن استتم قائماً مضى ثم سجد في آخر صلاته قبل سلامه لأنه قام عن واجب فأشبه تارك التشهد الأول فإن سجد مع الإمام ففيه روايتان إحداهما يعيد السجود لأن محله آخر الصلاة وإنما سجد مع إمامه تبعاً فلم يسقط المشروع في محله كالتشهد والثانية لا يسجد لأنه قد سجد وانجبرت صلاته وإن لم يسجد مع إمامه سجد وجهاً واحدا.
    الشيخ: يقول وإن لم يسجد مع إمامه سجد وجهاً واحداً هذا على ما قال إنه المذهب أما على الرواية الثانية فكما علمتم أن نقول هو لا يسجد مع إمامه لكن إذا أنهى صلاته فإن كان أدرك سهو الإمام سجد وإلا فلا.
    القارئ: فإن ترك الإمام السجود فهل يسجد المأموم فيه روايتان إحداهما يسجد لأن صلاته نقصت بسهو إمامه ولم يجبرها فلزمه جبرها والثانية لا يسجد لأنه إنما يسجد تبعا فإذا لم يوجد المتبوع لم يجب التبع.
    الشيخ: هذا الفصل خلاصته أن المأموم ليس عليه سجود السهو يعني أنه يتحمله الإمام كما يتحمل الإمام التشهد الأول فيما إذا قام عنه ناسياً أو فيما إذا دخل الإنسان معه في الركعة الثانية من الرباعية فإنه يسقط عنه التشهد الأول ويلزمه أن يتشهد في الركعة الأولى تبعاً لإمامه.
    (2/4)
    ________________________________________
    المسألة الثانية إذا كان سجود الإمام قبل السلام وجب عليه اتباعه ولا إشكال فيه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وأنت إلى الآن مأموم لأن الإمام لم يسلم وإن كان السجود بعد السلام فالمذهب أنك تسجد معه لكن بدون أن تسلم ثم تقوم فتقضي ثم هل يلزمك السجود في آخر الصلاة فيه وجهان:
    الوجه الأول أنه يسجد.
    والثاني أنه لا يسجد والذي رجحنا في هذه المسألة أنه لا يسجد مع الإمام ثم إذا فرغ من صلاته فإن كان قد أدرك سهو الإمام سجد لأن صلاته ارتبطت بصلاة الإمام وقد حصل فيها السهو وهو مع إمامه وإلا فلا سجود عليه.
    المسألة الأخيرة إذا لم يسجد الإمام فإنه ذكر فيها قولين أحدهما يسجد والثاني لا يسجد والظاهر أنه يسجد إذا كان السهو قد لحق المأموم مثل أن يكون الإمام سها عن التشهد الأول وقام المأموم معه أما إذا كان السهو لم يلحق المأموم كما لو ترك الإمام التكبير في غير تكبيرة الإحرام والمأموم كبر فهنا السهو على الإمام فقط فلا يسجد المأموم هذا هو الصحيح في هذه المسألة الصحيح أن الإمام إذا لم يسجد فإن كان سهوه قد لحقك فاسجد وإن لم يلحقك فلا تسجد كيف ذلك مثال الذي يلحقك إذا ترك التشهد الأول فإنك سوف تقوم معه فتتركه فإذا لم يسجد فاسجد أنت ومثال الثاني الذي لم يلحق المأموم لو نسي أن يقول سبحان ربي الأعلى في السجود أو سبحان ربي العظيم في الركوع وسجد لذلك أو كان عنده شك وتردد وبنى على غالب ظنه وكان بناؤه صحيحاً فهنا الأمر تعلق بالإمام على وجه لا يلحق المأموم فلا يسجد إذا لم يسجد الإمام هذا خلاصة الفصل.
    السائل: ما هو مقدار الفصل؟
    الشيخ: الفصل إذا أطلق الشارع أو أطلق العلماء الشيء نرجع فيه إلى العرف
    وكل ما أتى ولم يحدد ... بالشرع كالحرز فبالعرف احدد
    السائل: لوالمأموم يصلي مع إمام يقرأ التشهد بعد سجود السهو بعد السلام وهو يعلم فهل يلزمه المتابعة؟
    (2/5)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم إذا كان المأموم لا يرى التشهد بعد سجود السهو والإمام يراه وجب على المأموم يتابعه.

    فصل
    القارئ: والنافلة كالفريضة في السجود لعموم الأخبار ولأنها في معناها ولا يسجد لسهو في سجود السهو لأنه يفضي إلى التسلسل ولا في صلاة جنازة لأنه لا سجود في صلبها ففي جبرها أولى ولا يسجد لفعل عمد لأن السجود سجود للسهو ولأن العمد إن كان لمحرم أفسد الصلاة وإن كان لغيره فلا عذر له والسجود إنما شرع في محل العذر.
    الشيخ: هذا الفصل واضح أن النافلة كالفريضة في أنه يجب فيها سجود السهو في كل ما يبطل عمده الصلاة ولا سجود في سجود السهو لأننا لو قلنا إن فيه سجوداً لأفضى إلى التسلسل فإذا سجد سها في السجود الأول عليه سجود سهو وربما يسهو في الثاني فيلزمه سجود السهو وهذا واضح وليس الأمر كما يذكر عن أبي يوسف والكسائي أنهما جلسا عند خليفة فقال الكسائي إن الإنسان إذا برع في علم من العلوم لم يحتج إلى غيره إذا صار بارعاً جيداً في علم من العلوم لم يحتج إلى غيره فمثلاً إذا كان بارعاً في النحو لم يحتج إلى الفقه فقال له أبو يوسف أرأيت إن سها في سجود السهو هل يجب عليه سجود السهو؟ قال الكسائي لا يجب قال فمن أين علمته من براعتك في النحو قال من قاعدة النحو أن المصغر لا يصغر لكن هذا غير صحيح وليس دليل لكن ما ذكره المؤلف رحمه الله هو الحق أنه يفضي إلى التسلسل كذلك لا سجود في السهو في صلاة الجنازة لأن صلاة الجنازة ليست هي ذات ركوع وسجود في أصلها ولا سجود في صلبها فجبرها من باب أولى.
    المسألة الثالثة لا سجود في عمد لماذا؟ لأن العمد إن كان مما يبطل الصلاة فإنه لا يجبره السجود وإن كان مما لا يبطل الصلاة فإنه لا حاجة إلى السجود فيه لأن السجود إنما هو للسهو.

    فصل
    القارئ: ومن أحدث عمداً بطلت صلاته لأنه أخل بشرطها عمدا وإن سبقه الحدث أو طرأ عليه ما يفسد طهارته كظهور قدمي الماسح وانقضاء مدة المسح.
    (2/6)
    ________________________________________
    وبرء من به سلس البول بطلت صلاته وعنه فيمن سبقه الحدث يوتضأ ويبني وهذه الصور في معناها والمذهب الأول لأن الصلاة لا تصح من محدث في عمد ولا سهو وله أن يستخلف من يتم بهم الصلاة وعنه ليس له ذلك لأن صلاته باطلة والمذهب الأول لأن عمر حين طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة فلم ينكره أحد فكان إجماعا وإن لم يستخلف فاستخلف الجماعة لأنفسهم أو صلوا وحداناً جاز قال أصحابنا وله أن يستخلف من لم يكن معه في الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة أبي بكر ولم يكن معه فأخذ من حيث انتهى إليه أبو بكر وإن كان مسبوقاً ببعض الصلاة فتمت صلاة المأمومين قبله جلسوا يتشهدون وقام هو فأتم صلاته ثم أدركهم فسلم بهم ولا يسلمون قبله لأن الإمام ينتظر المأمومين في صلاة الخوف فالمأمومون أولى بانتظاره.
    الشيخ: هذا الفصل يتضمن مسائل:
    أولاً من أحدث عمداً في صلاته بطلت لأنه أخل بشرطها ولا يحل له أن يحدث عمداً إلا أن يخاف ضرراً كما لو احتبست الريح فخاف منها ضرراً فأحدث فهنا لا إثم عليه لكن ينبغي في هذه الحال أن ينوي الخروج من الصلاة قبل الحدث حتى يحدث وهو ليس في صلاة لأن الخروج من الصلاة لاحتباس البول أو الغائط أو الريح جائز فينوي الخروج من الصلاة ثم يحدث وإن سبقه الحدث يعني أنه خرج منه البول بدون اختياره أو الريح بدون اختياره أو طرأ عليه ما يفسد طهارته كظهور قدمي الماسح وانقضاء مدة المسح هذه المسألة سبق أن القول الصحيح أن ظهور قدم الماسح لا يبطل وضوءه وأن انقضاء المدة مدة المسح لا ينقض الوضوء وعلى هذا فلو تمت المدة وهو في الصلاة فليستمر في صلاته وكذلك لو ظهر بعض القدم أو كل القدم فليستمر في صلاته لأن القول الراجح أن الوضوء لا ينتقض بتمام المدة ولا بظهور شيء من القدم.
    (2/7)
    ________________________________________
    المسألة الثالثة يقول أو برء من به سلس البول بطلت الصلاة ووجهه أن طهارة من به سلس البول طهارة ضرورة فإذا انقطع السلس صار الواجب أن يتطهر من جديد لأن طهارة الضرورة كان البول يخرج لكن عفي عنه للضرورة فلما امتنع وتوقف صار لابد أن يتوضأ من جديد والصحيح في هذه المسألة أنه لا ينتقض وضوؤه لأنه حدث له حال أكمل من الحال الأولى الحال الأولى متطهر والحدث يخرج والآن الحدث توقف فما هو الدليل على أن الحدث إذا توقف ممن به حدث دائم يبطل الوضوء ليس هناك دليل فالصواب في هذه المسائل الثلاث ظهور قدمي الماسح وانقضاء المدة وبرء من به سلس البول أن ذلك لا ينقض الوضوء وإذا لم ينقض لم يبطل الصلاة.
    قال وعنه فيمن سبقه الحدث يتوضأ ويبني وهذه الصورة في معناها والصواب أنه لا يبني وأنه إذا سبقه الحدث بطل وضوؤه وبطلت صلاته واستأنفها من جديد قال والمذهب الأول لأن الصلاة لا تصح من محدث في سهو ولا عمد لكن في مسألة من سبقه الحدث الصحيح أن المذهب أن الصلاة تبطل ويجب عليه الخروج ويتوضأ من جديد، وأما من توقف حدثه الدائم فالصحيح أن صلاته صحيحة وأن وضوءه لا ينتقض ثم تعرض المؤلف في المسألة الثالثة إذا كان إماماً فهل يستخلف من يتم بهم الصلاة؟ المذهب يستخلف، المذهب عند المتأخرين لا يستخلف إذا سبقه الحدث بل إذا سبقه الحدث انصرف وانصرف المأمومون وابتدؤوا الصلاة من جديد مثاله إمام يصلي بالناس وفي أثناء الصلاة خرج منه ريح فهنا نقول عن صلاته إنها بطلت لكن صلاة الذين خلفه هل تبطل؟ يقول فيها روايتان:
    الرواية الأولى أن صلاتهم لا تبطل.
    (2/8)
    ________________________________________
    والرواية الثانية أن صلاتهم تبطل فإذا قلنا إن صلاتهم تبطل فإنه لا يستخلف بهم أحداً لأنه لا حاجة للاستخلاف إذا بطلت الصلاة ولذلك قال وعنه ليس له ذلك أي ليس له أن يستخلف لأن صلاته باطلة والمذهب الأول لأن عمر رضي الله عنه حين طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة فلم ينكره أحد فكان إجماعاً وهذا هو الصحيح أن الإمام إذا سبقه الحدث فإن صلاته تبطل ويقول لمن وراءه يا فلان تقدم فأتم بهم الصلاة فإن لم يفعل قال المؤلف إن لم يستخلف فاستخلف الجماعة لأنفسهم أو صلوا وحداناً جاز يعني إذا لم يستخلف فإن قدم الجماعة واحداً منهم يتم بهم فذاك المطلوب وإلا أتموا وحدانا وإذا استخلف فهل نقول لا يستخلف إلا من كان معهم في الصلاة؟ الجواب لا ليس هو شرط لو أن رجلاً دخل وهو في حال حدثه فقال يا فلان تعال كمل بهم الصلاة صح بدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استخلفه أبو بكر في أثناء الصلاة والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن معهم من أولها فإن سُبق الإمام الجديد المستخلف ببعض الصلاة فإن المأمومين لا يتابعونه لأنهم لو تابعوه لزادوا في صلاتهم ولكن إذا أتموا الصلاة جلسوا وانتظروا كما قال المؤلف رحمه الله ثم إذا وصل إليهم وأدركهم سلم بهم قال ولا يسلمون قبله ووجه ذلك أن صلاته صحيحة وهو إمامهم ولا يمكن للمأموم أن ينفرد عن إمامه إلا لسبب شرعي فينتظرونه ثم يسلموا به والله أعلم.
    (2/9)
    ________________________________________
    باب
    ما يكره في الصلاة
    القارئ: يكره الالتفات لغير حاجة لأن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل وهو في الصلاة فقال (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الرجل) حديث صحيح ولا تبطل الصلاة به ما لم يستدر بجملته أو يستدبر الكعبة ولا يكره للحاجة لأن سهل بن الحنظلية قال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب قال وكان بعث أنس بن أبي مرثد طليعة رواه أبو داود وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت يميناً وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره رواه النسائي.
    الشيخ: هذه الفقرة فيها بيان حكم الالتفات في الصلاة وليعلم أن الالتفات في الصلاة نوعان التفات بالقلب والتفات بالجسد والكلام هنا عن الالتفات بالجسد فذكر المؤلف رحمه الله أنه مكروه واستدل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) يعني سرقة يسرقها الشيطان من صلاة العبد وهذا التعليل كما ينطبق على الالتفات الجسدي ينطبق على الالتفات القلبي لأن الشيطان يصد القلب عن الصلاة حتى أن الإنسان ينصرف وما كتب له من صلاته إلا البعض لكن إنما كان يكره الالتفات بالجسد لأن التحرز منه لا يشق بخلاف الالتفات بالقلب فإن التحرز منه يشق ولهذا لا يكره للإنسان إذا حصل على قلبه وسواس أو حديث نفس لكنه لا ينبغي أن يسترسل معه لأنه ينقص صلاته هذه مسألة.
    المسألة الثانية إذا التفت بجملته ليس بعنقه فقط أو استدبر القبلة بطلت صلاته لفوات شرط من شروط الصلاة.
    (2/10)
    ________________________________________
    المسألة الثالثة الالتفات المكروه إذا كان لحاجة فإن الكراهة تزول وقد قال الفقهاء رحمهم الله قاعدة المكروه تزيله الحاجة والحرام تزيله الضرورة ولا يستباح الحرام بالحاجة إلا إذا كان التحريم من باب تحريم الوسائل فإنه يباح للحاجة والحاجة دون الضرورة الضرورة تعني أن الإنسان يناله الضرر إذا لم يفعل والحاجة تعني أن الإنسان محتاج لذلك لكن بدون ضرورة مثال المحرم تحريم الوسائل وتبيحه الحاجة نظر الرجل إلى المرأة حرام لكنه محرم تحريم الوسائل لأن وجه المرأة في الأصل ليس بعورة لكن لما كان ذريعة ووسيلة إلى الفتنة والفاحشة صار حراماً ولما كان حراماً تحريم الوسيلة جاز للحاجة مثال الحاجة الخطبة مثال الحاجة الشهادة لو أراد أن يشهد على عين المرأة فله أن ينظر وجهها مثال الحاجة الدواء لو كان في المرأة داء في وجهها في عينها في أنفها في فمها جاز للرجل أن ينظر إليه لأن تحريم نظر الوجه تحريم وسائل فأباحته الحاجة ومثال ذلك أيضاً العرايا، العرايا مستثناة من تحريم ربا الفضل لأن ربا الفضل ممنوع لكونه وسيلة لربا النسيئة وربا النسيئة هو المقصود بالتحريم وهو الأكبر وهو الأصل ولهذا جاء في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه (إنما الربا في النسيئة) فحصل الربا في النسيئة حتى إن ابن عباس رضي الله عنهما أخذ بهذا الحديث وصار يبيح ربا الفضل ويقول يجوز للإنسان أن يبيع صاعاً بصاعين لكن يداً بيد إلا أنه فيما بعد لما ناظره بعض الصحابة رجع رضي الله عنه والشاهد من هذا أن نقول الالتفات المكروه تبيحه الحاجة وهو بالعنق والرأس وليس بالجسد، الالتفات بالجسد محرم ويبطل الصلاة إذاً تبيحه الحاجة، الحاجة مثل الإمام سها ولا يدري البعيد في طرف الصف لا يدري هل هو قام أو قعد فأراد أن يلتفت لينظر هل الإمام قعد أو قام افرض أنه سها عن التشهد الأول ولا يدري المأموم هل استتم قائماً فاستمر أو لم يستتم فرجع فأراد أن يلتفت فلا بأس ومثل أن يستأذن
    (2/11)
    ________________________________________
    عليه إنسان ولم يعرف صوته وأراد أن يلتفت لينظر من هو والحاجات كثيرة المهم أنه تبيحه الحاجة.
    القارئ: ويكره رفع البصر لما روى البخاري أن أنساً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم).
    الشيخ: رفع البصر إلى السماء في الصلاة يقول المؤلف إنه مكروه ومن غرائب الاستدلال أن يحكم على هذا الفعل بأنه مكروه ثم يستدل عليه بما يقتضي أن يكون من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما بال أقوام) وهذا الاستفهام للإنكار (يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم) فاشتد قوله في ذلك حتى قال (لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم) هل يمكن أن يرد مثل هذا الوعيد وهذا الإنكار على شيء مكروه؟ لا يمكن ولهذا الصحيح أن رفع البصر إلى السماء والإنسان يصلي حرام بل من كبائر الذنوب لماذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد عليه وهذا مثل قوله فيمن رفع قبل الإمام (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار) فهو من كبائر الذنوب ولكن لو رفع رأسه وهو يصلي فهل تبطل صلاته جمهور العلماء على أنها لا تبطل وأصل ذلك أنهم يرون أنه مكروه والمكروه لا يبطل الصلاة وقال ابن حزم وجماعة من العلماء بل تبطل الصلاة لأنه فعل محرم منهي عنه بخصوصه في الصلاة والقاعدة أن ما نهي عنه بخصوصه في العبادة يكون مبطلاً لها وعللوا بعلة أخرى قالوا إن الإنسان يجب أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) فعبر الله عن الكل بالوجه فالوجه إذاً مقصود بالذات فإذا رفع بصره إلى السماء فالغالب أنه يلزم من رفع البصر رفع الرأس وقد لا يلزم لكن الغالب، فإذا رفع بصره إلى السماء هكذا أين ولى وجهه؟ ولاه السماء فتبطل صلاته فجعلوا ذلك مبطلاً للصلاة لوجهين:
    (2/12)
    ________________________________________
    الوجه الأول أنه منهي عنه بخصوص الصلاة.
    والثاني أنه خالف ما أمر الله به من استقبال القبلة بالوجه وهو قول قوي جداً قول الظاهرية في هذه المسألة أقوى من قول الجمهور بأنه حرام ووفي بطلان الصلاة لا أجزم بأن أقول إنها باطلة وأنه يجب عليه أن يعيد لكن لا أشك أنه حرام بل من كبائر الذنوب لوجود الوعيد عليه كثير من الناس الآن نراهم إذا قالوا سمع الله لمن حمده رفع الإنسان رأسه حتى يكاد يخصر ظهره إلى الوراء وهذا خطأ.
    القارئ: ويكره أن يصلي ويده على خاصرته لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل مختصرا متفق عليه.
    الشيخ: الخاصرة فوق الحقوين لكن لماذا نهى؟ في رواية أخرى لأنه فعل اليهود وكأن اليهود في صلاتهم يضعون أيديهم على خاصرتهم فيه أناس الآن يكادوا يكون فعلهم اختصاراً رأيت كثيراً من الناس إذا وضع يده اليمنى على اليسرى يضع على الخاصرة اليسرى سألنا بعضهم مرة من المرات وقلنا لماذا قال لأن القلب هنا من اليسار فيضعونها على قلوبهم فنقول عادة الإنسان يضع يده على قلبه إذا كان خائفاً (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) فالغالب أن الإنسان إذا كان خائفاً يضع يده هكذا أما إنه يضع يده على جنبه فهذا خطأ ولذلك أنا أنصحكم إذا رأيتم أحداً على هذه الحال أن ترشدوه لأنهم لا يفعلون ذلك إلا تعبداً لكن على جهل والمتعبد على جهل هدايته سهلة المشكلة المتعبد على ما يظنه علماً وليس بعلم هذا البلاء.
    السائل: أخبرني من ناقش أحد الذين يضعون يدهم على خاصرتهم فشبهة هذا الرجل بأن هذا فعل عمر رضي الله عنه عندما طعن رضي الله عنه وأرضاه وضع يده على خاصرته يمسك أحشاءه وقال: عمر له سنة متبعة؟
    الشيخ: صدق عمر له سنة متبعة لكن أولاً نطالبه بالدليل وثانياً نقول إذا طعنت من ها هنا فضع يدك على هذه هذا تمام الاقتداء.
    (2/13)
    ________________________________________
    القارئ: ويكره أن يكف شعره أو ثيابه أو يشمر كميه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعراً ولا ثوبا) متفق عليه.
    الشيخ: هذا أيضاً مما يكره أن يكف شعره وهذا فيما كان معهوداً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الرجال يطلقون شعور رؤوسهم فيكره أن الإنسان يكف شعره لماذا؟ من أجل أن يكون ساجداً على الأرض كما كانت بقية الأعضاء فيقال لماذا ترفع شعرك لماذا تكف؟ الجبهة أشرف من الشعر ومع ذلك تعفر بها الأرض فكيف ترفع شعرك؟ هذا قد ينبئ عن نوع من الاستكبار أن ينال شعرك الأرض فيغبر بها كذلك أيضاً أو ثيابه، ثيابه يعني يرفع ثوبه عند السجود يكره ذلك بل يجعل ثوبه على إطلاقه لأنه ربما إذا جعل إطلاقه يفترش على الأرض من الثوب أكثر مما إذا كفه والكف نوعان كف من اليمين إلى اليسار أو اليسار لليمين وكف بمعنى التشمير يعني الرفع وكلاهما مما لا ينبغي.
    (2/14)
    ________________________________________
    قال أو يشمر كميه يعني يفسخهما هكذا يرفعهما بل يدعهما على ما هو عليه واختلف العلماء هل هذا مكروه ولو كان الإنسان قد فعله لعمل قبل الصلاة أو أن النهي إنما هو عن قصد هذا الفعل عند الصلاة؟ بعض العلماء يقول النهي إنما هو عن تقصد الفعل عند الصلاة أما لو كان الإنسان قد شمر أكمامه أو رفع ثوبه لعمل قبل الصلاة أو ربط شعره بعضه ببعض لعمل قبل الصلاة فإن هذا لا يكره وهذا هو الظاهر أنه إنما يكون عن تقصد هذا الفعل وأما إذا كان قد حصل من قبل فلا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمرت أن أسجد وأن لا أكف) وقت الصلاة أو وقت السجود وأما ما كان قبل ذلك فإنه لا بأس به وكثير من العمال الآن تجده قد شمر ثوبه لا سيما الذين يعملون فيما سبق في الطين وما أشبه ذلك أو في سقاية الماء في البساتين تجده قد شمر ثوبه فهذا لا بأس به ومثل ذلك لو كان الثوب مشمراً حسب العادة لأن بعض الناس يكون ثوبه مشمراً بحسب العادة فمثلاً إذا كان الثوب إلى نصف الساق فهو في الحقيقة مشمر وكذلك بعض الناس يعتادون الثياب القصيرة المشمرة وإن كان السروال نازلاً فهذا أيضاً لا يكره وبعض الناس تكون أكمام يده قصيرة هذا أيضاً لا يدخل فما كان بأصل الخياطة والتفصيل فهذا غير داخل في هذه المسألة لكن الكلام ما كان راهياً رافياً ثم أراد الإنسان أن يكفه عند السجود فهذا هو الذي فيه النهي.
    السائل: هل الشماغ يلحق بكف الثوب؟
    الشيخ: الناس يلبسون الشماغ على صفات متعددة فهذا نوع من اللبس ما يدخل في الحديث.
    القارئ: ويكره أن يصلي معقوصاً أو مكتوفا لما روي أن ابن عباس رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص فحله وقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف) رواه مسلم والأثرم.
    (2/15)
    ________________________________________
    الشيخ: المعقوص يعني لف الشعر هكذا وكان الصحابة فيما سبق رؤوسهم باقية ولهذا قال (لا أكف شعراً ولا ثوباً) هذا هو عقصه والمكتوف معناه الذي وضع يديه على كتفيه هكذا فالعقص من أوصاف الشعر إنسان عنده شعر كثير يعقده ويعقصه لأن المشروع في الشعر أن تبقيه حتى يسجد معك على الأرض إذا كان يصل إلى الأرض.
    السائل: ما حكم إذا ضفره كما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟
    الشيخ: المضفر ليس هو معقوص مسترسل بل يكون فوق رأسه مثلاً أو طرف الرأس أو فوق الرقبة.
    القارئ: ويكره أن يشبك أصابعه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج بين أصابعه رواه ابن ماجة ويكره فرقعة الأصابع لما روى علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة) رواه ابن ماجه ويكره التروح لأنه من العبث.
    الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر عدة مسائل:
    المسألة الأولى: يكره تشبيك الأصابع واستدل بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج بين أصابعه) رواه ابن ماجه لكن قد ينازع منازع في الاستدلال بهذا الحديث لأنه مجرد فعل ولم يقل لا تشبك فيقال إن النهي عن التشبيك ورد فيمن سبق إلى الصلاة أن لا يشبك بين أصابعه وإذا كان هذا فيمن سبق إلى الصلاة فمن كان في صلب الصلاة من باب أولى.
    وأما المسألة الثانية فهي فرقعة الأصابع يعني غمز الأصابع حتى يكون لها صوت ووجهه ظاهر فإنه من العبث وإذا كان الإنسان مع الجماعة أدى ذلك إلى أن يشوش على الناس وأما التروح وهو أن يتروح الإنسان بالمروحة فإنه مكروه لأنه من العبث لكن إذا كان لحاجة كما لو كان في غم شديد وحر شديد واحتاج إلى أن يتروح بالمروحة فلا بأس لأن القاعدة عند أهل العلم أن المكروه تبيحه الحاجة، ولو تروح بعمامته أي حركها مثلها يكره إلا لحاجة.
    (2/16)
    ________________________________________
    القارئ: ويكره ويكره أن يعتمد على يده في الجلوس لما روى ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل وهو يعتمد على يده رواه أبو داود.
    الشيخ: يعني يعتمد على يده في الأرض يجعل يده على الأرض ويعتمد عليها لكن لو دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس مثل أن يشق عليه الجلوس منتصباً فيضع يديه ليعتمد عليها فإن هذا حاجة لا بأس بها.
    القارئ: ويكره مسح الحصى لما روى أبو داود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم في الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى) من المسند.
    الشيخ: والحصى هو الذي تستر به الأرض وكان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مفروشاً بالحصباء وهي الحصى فلا يمسحها الإنسان لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس مثل أن يكون أمامه عند السجود حفرة فيحتاج إلى مسح الحصاء من أجل التسوية فهذا لا بأس به لأنه حاجة وقوله (فإن الرحمة تواجهه) هذا يشبه قول النبي عليه الصلاة والسلام (إن الله تعالى قبل وجهه) فإن الله إذا كان قبل وجهه فإن رحمة الله قريب من المحسنين.
    القارئ: أن يكثر مسح جبهته لقول ابن مسعود إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل أن يفرغ من الصلاة.
    الشيخ: ولأنه لا حاجة إليه فيكون من العبث لكن لو قال قائل إذا كنا نصلي على رمل فالعادة أن الرمل يلصق بالجبهة وربما يتناثر على العين فهل لي أن أمسحه كلما سجدت خوفاً من ذلك؟ فالجواب نعم لأنه حاجة.
    القارئ: ويكره النظر إلى ما يلهيه لما روت عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام فقال (شغلتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني بأُمبجانيته) متفق عليه.
    (2/17)
    ________________________________________
    الشيخ: قوله إلى ما يلهيه سواء كان أمامه أو على مَسْجَده فإنه يكره أن ينظر إليه أما الذي أمامه فمثل ما يكتب في جدران القبلة سواء كان معلقاً أو منقوشاً على الجدار وأما الذي في مَسْجَده فكما يوجد في بعض فرش المساجد تكون موشاة أي فيها الوشي فإذا نظر الإنسان إليها ألهته لكن أحياناً إذا اعتاد الإنسان هذا الشيء فإنه لا يتلهى به لأن الإنسان أول ما ينظر إلى هذا الموشى فإنه يفكر فيه وينظر فيه لكن إذا داوم عليه فإنه لا يهتم به فالحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً.
    القارئ: ويكره أن يصلي وبين يديه ما يلهيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة (أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي) رواه البخاري.
    ويكره كثرة التميل لقول عطاء إني لأحب أن يقل فيه التحريك وأن يعتدل قائماً على قدميه إلا أن يكون إنساناً كبيراً لا يستطيع ذلك فأما التطوع فإنه يطول على الإنسان فلابد من التوكئ على هذا مرة وعلى هذا مرة وكان ابن عمر لا يفرج بين قدميه ولا يمس إحداهما بالأخرى ولكن بين ذلك.
    (2/18)
    ________________________________________
    الشيخ: التميل يعني أن يعتمد مرة على الرجل اليمنى ومرة على الرجل اليسرى هذا في الفريضة مكروه لأنه حركة لا داعي لها والغالب أنها لا تشق على الشاب لأن أكثر ما يُقرأ هو طوال المفصل وهذا لا يشق على الشاب بحيث يحتاج إلى المراوحة بين قدميه لكن الكبير أو النفل الذي تطول فيه القراءة لا حرج عليه أن يراوح بين قدميه بل يستحب ذلك إذا كان هذا أريح له في الصلاة لأنه ربما إذا اعتمد على القدمين جميعاً مع طول القيام تتعب القدمان فإذا راوح بينهما مرة على هذا ومرة على هذا هان عليه ولهذا استثنى قال إلا أن يكون إنساناً كبيراً لا يستطيع ذلك فأما التطوع فإنه يطول الإنسان فلا بد أن يتوكأ على هذه مرة وهذه مرة وأما قوله وكان ابن عمر لا يفرج بين قدميه ولا يمس إحداهما بالأخرى ولكن بين ذلك فهذا في حال القيام في حال القيام لا تفرج بين القدمين ولا تلصق بينهما ولكن بين ذلك أي أنك تجعل موضع القدمين على حالهما بدون ضم ولا فتح ولا فرق في هذا بين الإنسان الذي يصلي مع الجماعة أو الذي يصلي وحده أو الإمام كلهم يجعلون القدمين على طبيعتهما لا فتح ولا ضم وأما ما يفعله بعض الناس اقتداءً بالصحابة كما زعم أنه يفتح قدميه فتحاً شديداً حتى يبقى ما بين الكتفين منفرجاً فهذا خلاف السنة كان الصحابة يلصق الإنسان كعبه بكعب أخيه ومنكبه بمنكبه وهذا يدل على التراص وليس يدل على أنك تفتح القدمين حتى تلصقها بكعب أخيك.
    السائل: في الحديث (فإن الرحمة تواجهه) كيف تواجهه؟
    الشيخ: هذا مثل ما قلت لك كقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله قبل وجهك) وتواجه المصلي يعني إنها تجاهه ومناسبة الرحمة مع عدم مس الحصى لأن الإنسان إذا صار يمسح الحصى فإنه يكون عابثاً وقد يُحْرَم الرحمة بسبب هذا العبث.
    السائل: إذا احتاج الإنسان فتح قدميه في الصلاة حتى يسد الفرج؟
    (2/19)
    ________________________________________
    الشيخ: ليس سد الفرج بفتح القدمين وإنما سد الفرج بالتراص وأما إذا كان الذي أمامه له كتفان واسعان بحيث يكون كالهرم المقلوب هنا يحتاج إلى فتح قدميه أما إذا كان عادي فالغالب أن الإنسان إذا وقف وقوفاً طبيعياً تكون قدماه على حذاء منكبيه هذا الغالب.
    السائل: ما رأيكم في طريقة المؤلف في الاستدلال بقول عطاء وهو من التابعين؟
    الشيخ: أقوال التابعين يستأنس بها وليست بحجة لكنه يستأنس بها لأن عطاء بن أبي رباح عالم كبير معروف.
    القارئ: ويكره تغميض العين نص عليه أحمد وقال هو من فعل اليهود.
    الشيخ: تغميض العين مكروه في حال الصلاة لأنه من فعل اليهود ولأن للعينين وظيفة وهو النظر إلى موضع السجود فإذا غمض عينيه فاتت هذه الوظيفة ولأن ظاهر حال النبي عليه الصلاة والسلام أنه يفتح عينيه لحديث عائشة السابق أنه نظر إلى أعلام الخميصة نظرة وهذا يدل على أنه لا يغمض عينيه لكن لو فرض أنه حدث شيء يحتاج معه إلى تغميض العينين مثل أن يصلي في بيته فأتى أحد الصبيان فجعل يتجول بين يديه ففي هذه الحال ربما يكون التغميض أدعى للخشوع ويسأل بعض الناس يقول أنا إذا غمضت عيني كان أدعى للخشوع فيقال له هذا من الشيطان هو الذي يجعلك تفعل هذا المكروه وأنت تعتقد أن هذا أدعى للخشوع فعود نفسك فتح العينين مع مراعاة الخشوع وأما أن تفعل المكروه من أجل الحصول على الخشوع فهذا ليس بمسوغ لك.
    القارئ: ويكره العبث كله وما يذهب بخشوع الصلاة ولا تبطل الصلاة بشيء من هذا إلا ما كان عملاً كثيرا.

    السائل: ما حكم الحديث الغريب؟
    الشيخ: الغريب قد يكون صحيح ألم تعلم أن حديث (إنما الأعمال بالنيات) غريب.

    فصل
    القارئ: ولا بأس بعدِّ الآي والتسبيح لأنه روي عن طاووس والحسن وابن سيرين.
    (2/20)
    ________________________________________
    الشيخ: أولاً استدلال المؤلف رحمه الله بأنه روي عن طاووس والحسن وابن سيرين قد علمتم بأنه لا حجة بما قاله التابعي لكنه يستأنس به والصحيح أنه يكره أن يعد التسبيح والآي إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك وذلك لأن عدها حركة والأصل في الحركات في الصلاة الكراهة إلا ما دعت الحاجة إليه فإن دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس وإلا فلا والمراد التسبيح الذي في الصلاة أما التسبيح الذي بعدها فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه ولا بأس به لأنه طويل ولأن الإنسان في غير الصلاة فله أن يتحرك.
    القارئ: ولا بأس بقتل الحية والعقرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب.
    الشيخ: الأسودان الواقع أن السواد في العقرب فقط لكن هذا من باب التغليب وربما تكون بعض الحيات سوداء لكن غالب الحيات ليست سوداً فإن قال قائل قول المؤلف ولا بأس بقتل ثم استدل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة فكيف يكون هذا يحكم بالإباحة ورفع البأس ثم يستدل بما فيه الأمر؟ فالجواب أن يقال إن أمر الرسول عليه الصلاة والسلام هنا على سبيل الإباحة لأن الأصل في المصلي أن يمنع من الحركة لكن هذه حركة لأمر مقصود لكن ما لم تهاجمه فإن هاجمته الحية أو العقرب وجب عليه الدفاع لأن الإنسان مأمور بأن يدافع عن نفسه.
    السائل: التسبيح عبادة لله لماذا يعده في الصلاة؟
    الشيخ: يمكن يعد وقد يكون محتاج إلى عدده لكونه إماماً ويخشى أن يطيل على الناس مثلاً أو لأنه يريد أن تكون صلاته متناسبة فيعد مثلاً سبحت في الركوع عشراً في السجود عشراً وما أشبه ذلك.
    القارئ: وإن قتل القملة فلا بأس لأن عمر كان يقتل القمل في الصلاة رواه سعيد، قال القاضي والتغافل عنها أولى ولا بأس بالعمل اليسير للحاجة لما قدمنا.
    (2/21)
    ________________________________________
    الشيخ: قوله التغافل عنها أولى ما لم تشغله، أحياناً ما يمكن يتغافل عنها تؤذيه وقتلها أقل حركة بكثير مما إذا أشغلت قلبه لكن الحكة بدون قمل هي التي نقول إن التغافل عنها أولى لأن الإنسان إذا تغافل عنها سكنت لكن إذا حكها انفتح عليه باب آخر إذا حك الكتف حكه الظهر وإذا حكه جاء البطن وهكذا لكن إذا تغافل عنها هدأت أما إذا كان قملاً فإن القمل لابد أن يسلم الإنسان من شره ويدافعه ويقتله إذاً كلام القاضي صحيح فيما إذا كانت لا تشغله أو مجرد حكة.

    فصل
    القارئ: فإن تثاءب في الصلاة استحب له أن يقضم فإن لم يقدر وضع يده على فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا تثاءب أحدكم فليقضم ما استطاع) وفي رواية (فليضع يده على فيه فإن الشيطان يدخل) وهذا حديث حسن، وإن بدره البصاق بصق عن يساره أو تحت قدمه فإن كان في المسجد بصق في ثوبه وحك بعضه ببعض لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على المسجد فقال (ما بال أحدكم يقوم مستقبل القبلة فيتنخع أمامه أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه وإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا) ووصف القاسم فتفل في ثوبه ومسح بعضه على بعض رواه مسلم.
    (2/22)
    ________________________________________
    الشيخ: في هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يبصق في الصلاة بين يديه لأنه يقوم بين يدي الله عز وجل والله تعالى قبل وجهه وقد أشار النبي عليه الصلاة والسلام بهذا المثل إلى أنه خلاف الأدب فإن أحداً من الناس لا يرضى أن يقوم شخصاً أمامه ثم يتنخع أمامه هذا من سوء الأدب العظيم فإذا كان هذا فيما بين المخلوقين فكيف فيما بين الخالق والمخلوق وفيه دليل على أن النخامة طاهرة لقوله (أو تحت قدمه) وفيه دليل أيضاً على أنه لا يجوز أن يتنخع في المسجد لقوله (فإن لم يجد فليقل هكذا) معناه إن لم يجد محلاً صالحاً مثل أن يكون في المسجد فإنه لا يجوز أن يتنخع فيه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (البصاق في المسجد خطيئة) وفيه دليل على أنه يجوز للعالم أن يصنع ما يستحيى منه من أجل التعليم لأن كون الإنسان يبصق أمام الناس في ثوبه ويحك بعضه بعض قد يكون مستكرهاً لكن إذا كان لأجل التعليم فإنه لا بأس به.
    القارئ: وإن سُلِّم على المصلي رد بالإشارة لما روى جابر قال أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فأشار إلي فلما فرغ دعاني وقال (إنك سلمت علي آنفاً وأنا أصلي) متفق عليه
    الشيخ: لكن إذا خاف أن يكون المصلي جاهلاً وأنه لو سلم عليه لرد عليه السلام فلا يسلم.

    باب
    الجماعة
    القارئ: الجماعة واجبة على الرجال لكل صلاة مكتوبة لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) متفق عليه وليست شرطاً للصحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة) متفق عليه.
    (2/23)
    ________________________________________
    الشيخ: قال المؤلف باب الجماعة يعني الجماعة في الصلاة ثم بين حكمها رحمه الله وقال الجماعة واجبة على الرجال لكل صلاة مكتوبة فخرج بقيد الرجال النساء فلا تجب عليهن صلاة الجماعة لا منفردات ولا مع الرجال وخرج بقوله لكل صلاة مكتوبة جماعة القيام في ليالي رمضان والجماعة في صلاة الكسوف والجماعة في صلاة الاستسقاء فإنها ليست واجبة ثم استدل بالحديث وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره وهذا القول الذي ذكره المؤلف هو القول الأول وهو قول وسط بين قولين:
    القول الثاني أن الجماعة شرط لصحة الصلاة وأن من ترك الجماعة بلا عذر فصلاته باطلة وهذا اختيار ابن عقيل من أصحاب الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال إن الجماعة واجبة فإذا كانت واجبة فالقاعدة كل واجب في العبادة إذا تركه الإنسان عمداً فإن العبادة تبطل وإلا لم يصح أن نقول إنه واجب ولا شك أن هذا التعليل قوي لكن التعليل الذي يدل النص على خلافه يلغى كما سيأتي في كلام المؤلف
    القول الثالث أن الجماعة ليست واجبة وإنما هي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين وعلى هذا فإذا كان أهل الحي ألف نفر وذهب إلى المسجد منهم اثنان وصلوا في المسجد كفى عن الجميع
    (2/24)
    ________________________________________
    القول الرابع أنها سنة وأن الناس لو تركوا صلاة الجماعة لم يأثموا وهذا قول ضعيف جداً وليس هو مذهب الشافعي كما يذكر وأقصد أنه ليس مذهب الشافعي المذهب الشخصي لأنه قال لا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة أن يتركها بلا عذر ومثل هذه العبارة تدل على أنه يرى وجوبها كما هو القول الراجح فالحاصل الآن أن القول الراجح من أقوال العلماء في صلاة الجماعة أنها واجبة وأنها فرض عين على الرجال لكل صلاة مكتوبة والدليل على هذا ما ذكره المؤلف رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) متفق عليه ووجه الدلالة من الحديث ظاهرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم هَمَّ أن يحرقهم بالنار وحدث أصحابه بذلك ولا يمكن أن يهمَّ بشيء محرم ولا يمكن أن يهم بشيء يُحدِّث به أصحابه وهو سهل والذين قالوا بعدم الوجوب قالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم هَمَّ ولم يفعل فيقال سلمنا ذلك أنه هَمَّ ولم يفعل لكن ما الفائدة من تحديثه الناس بأنه هَمَّ أن يحرق بيوتهم بالنار هل الفائدة التحذير أو الفائدة التقرير وإقرارهم على ترك الجماعة؟ لا شك أنه الأول ولهذا نرى أن هذا الحديث نص في وجوب صلاة الجماعة وليس ظاهراً كما يدل على ذلك أيضاً قول الله تبارك وتعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) فهذه الآية تدل على أن صلاة الجماعة فرض عين وليست فرض كفاية لأنها لو كانت فرض كفاية لاكتفي بالطائفة الأولى فهي فرض عين وإذا كانت الجماعة واجبة في
    (2/25)
    ________________________________________
    حال التحام القتال ففي حال الأمن من باب أولى.
    قال وليست شرطاً للصحة نفى القول بذلك رداً على من زعم أنها شرط للصحة ثم استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم (تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة) متفق عليه ووجه الدلالة أنه لو كانت شرطاً لصحة الصلاة لم يكن في صلاة الفذ أجر إطلاقا.
    السائل: هل يقال الآن يجوز للإمام أن يحرق من تخلف عن الصلاة؟
    الشيخ: لا يجوز لأن الرسول لم يفعل وقد نهى عن التعذيب بالنار ثم في رواية لكنها ضعيفة في المسند (لولا ما فيها من النساء والذرية).
    السائل: هل حديث (لا يعذب بالنار إلا رب النار) صحيح؟
    الشيخ: الذي في الصحيحين أنه نهى أن يعذب بالنار.
    السائل: ما هو رأيكم فيمن يحمل قوله (الفذ) على من عنده عذر؟
    الشيخ: غير صحيح حمله على من له عذر غير صحيح وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) ولأن المعذور لا إثم عليه.
    القارئ: وتنعقد باثنين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الاثنان فما فوقهما جماعة).
    الشيخ: الاثنان بكسر اللام لماذا لأن همزة الوصل إذا جاءت درج سقطت فيكون الثاء ساكناً واللام التي كانت ساكنةً قبل الهمزة ساكنة فيجب أن تحرك اللام فيقال الِاثْنان وأما النون واضحة أن نون المثنى تكسر.
    القارئ: (الاثنان فما فوقهما جماعة) رواه ابن ماجة فإن أم الرجل عبده أو زوجته كانا جماعة لذلك وإن أم صبياً في النفل جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أم ابن عباس في التهجد وإن أمه في فرض فقال أحمد لا يكون مسقطاً له لأنه ليس من أهله وعنه يصح كما لو أم رجلاً متنفلا.
    (2/26)
    ________________________________________
    الشيخ: تنعقد باثنين واستدل المؤلف بحديث ابن ماجه (الاثنان فما فوقهما جماعة) ويمكن أيضاً أن نستدل بحديث ابن عباس حين قام مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التهجد وكذلك حديث حذيفة وابن مسعود ووجه الدلالة أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل، والدليل أن الصحابة لما حكوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت به قالوا غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة فاستثنوا ذلك مما يدل على أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل وهم قد حكوا أنه يوتر على راحلته قالوا غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة المهم أن عندنا أدلة على انعقاد الجماعة باثنين وهل تنعقد بالصبي إن كان نفلاً فنعم وإن كان فرضاً ففيه روايتان عن أحمد والصواب أنها تنعقد بالصبي.
    السائل: بالنسبة لوجوب الجماعة بعض الأئمة يقول لا نلزم المخالف فيها فلا إنكار في مسائل الاجتهاد؟
    الشيخ: كل مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها لكن مسائل الخلاف فيها الإنكار ولهذا بعض الناس يقول لا إنكار في مسائل الخلاف وهذا غلط بل لا إنكار في مسائل الاجتهاد وأما المخالف الذي لا وجه لمخالفته فهذا ينكر عليه.
    السائل: هل يراعى أهل البلد في الإنكار؟
    الشيخ: إذا رأى ولي الأمر أن هذا الرجل لو أنه ترك واجتهاده لأضر بالناس فهذا له أن يمنعه كما صار الآن إظهار الوجه يجب أن ينكر على النساء اللاتي يظهرن الوجوه لأن هذا إعلان بما يراه أهل البلد منكراً.
    السائل: بعض الناس يقول لو كانت الصلاة جماعة واجبة لم يتركها النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار؟
    (2/27)
    ________________________________________
    الشيخ: يتبعون المتشابه يقول لو كانت واجبة ما ذهب النبي عليه الصلاة والسلام من أجل أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار هل إن الرسول قال إني أنا آمر رجلاً بالناس وأذهب إلى هؤلاء في حال ائتمام في حال صلاتهم الجماعة فيه احتمال لكن ظاهر الحديث أنه يذهب في هذه الحال يحرق عليهم بيوتهم بالنار فنقول هذا من باب إزالة المنكر والذين يوكل إليهم إزالة المنكر إذا ذهبوا وقت جماعة الناس لإزالة المنكر فلا حرج وربما يقال أيضاً انطلق برجال معهم حزم أنهم يصلون جماعة أيضاً.

    فصل
    القارئ: ويجوز فعلها في البيت والصحراء لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أينما أدركتك الصلاة فصلِّ فإنه مسجد) متفق عليه وعنه أن حضور المسجد واجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد).
    (2/28)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه مسألة أيضاً هل يجب أن تصلي في المساجد أو يجوز فعلها في البيت وفي الصحراء قدم المؤلف رحمه الله أنه يجوز فعلها في البيت وبناءً على ذلك يجوز للإنسان أن يصلي بامرأته في بيته ولا يشهد الجماعة وهذا هو المشهور من المذهب لكنه ضعيف جداً والصواب أنه يجب أن تكون في المسجد أولاً لهذا الحديث لكنه ضعيف (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) هذا الحديث ضعيف لكن هناك أدلة أخرى منها ما سبق في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم همَّ أن يأمر رجلاً أن يؤم الناس ثم ينطلق إلى قوم لا يشهدون الصلاة فيحرق عليهم بيوتهم بالنار لأن هؤلاء بإمكانهم أن يدفعوا العذاب عنهم بقولهم نصلي جماعة في بيوتنا فلم يكن لهم عذر في التخلف عن المسجد ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذنه رجل لأنه أعمى فقال (هل تسمع النداء) قال نعم قال (فأجب) وهذا نص صريح في أنه يجب حضور الجماعة في المساجد ولو أننا لو قلنا بهذا القول لزم منه تعطيل المساجد إذا قلنا كل إنسان يصلي جماعة بأهله في البيت فإن المساجد سوف تتعطل وحينئذٍ نفقد شعيرة من شعائر الإسلام ولأن عمل المسلمين من عهد نبيهم إلى اليوم إقامة الجماعة في المساجد وهذا شبه إجماع على أن هذا هو هدي الإسلام فالصواب أنها واجبة في المساجد ولا يجوز للإنسان أن يتخلف عنها ولكن ها هنا مسألة في وقتنا الحاضر أحياناً تكون المساجد إلى جنب مصلحة حكومية أو مدرسة وإذا خرجوا إلى المسجد فإنه أولاً إن كانوا طلاباً ضيقوا المسجد وربما يعبثون فيه وربما يتفرقون ولا يصلون فهل يرخص لهم في هذه الحال أن يصلوا في المدرسة الجواب نعم أولاً دفعاً لأذاهم وثانياً لأجل أن لا يهرب أحد عن الجماعة وثالثاً أن هذا ليس أمراً دائماً راتباً إنما هو أمر عارض في صلاة واحدة وكذلك يقال في بعض الدوائر التي لها مساس بعامة الناس لو أن أهل الدائرة أغلقوا الدائرة وذهبوا لتعطلت أمور الناس من جهة ولذهب بعض
    (2/29)
    ________________________________________
    هؤلاء الموظفين إلى بيوتهم كما هو واقع يخرج على أنه سيصلي ثم يذهب إلى البيت وإذا أحرى أنهم جاؤوا إلى العمل جاء هذا شيء شهد به الناس فمثل هؤلاء أيضاً نقول يرخص لكم في أن تصلوا مكانكم لما يترتب على ذلك من حفظ الوقت وعدم ضياعه ولأنهم إذا كانوا لهم مساس بالجمهور وعامة الناس يعطلون الناس إذا ذهبوا ولأنه ربما يكون هناك وثائق يصعب أن الإنسان يغلق الباب ثم يرجع ويفتح وإن تركها خاف عليها من الضياع أو من السرقة.
    القارئ: وفعلها فيما كثر فيه الجمع أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى) من المسند.
    الشيخ: أزكى هنا من الزكاء الذي هو النماء يعني أكثر أجراً وفي هذا دليل على أنه إذا دخل رجلان وقد صُليت الجماعة الأولى فإنهما يصليان جماعة لأن صلاتهما جميعاً أزكى من صلاة كل واحد وحده.
    القارئ: وإن كان في جواره مسجد تختل الجماعة فيه بغيبته عنه ففعلها فيه أفضل وإن لم تختل بذلك وثم مسجد آخر فالعتيق أفضل لأن الطاعة فيه أسبق وإن كان سواء فهل الأفضل قصد الأقرب أو الأبعد على روايتين.
    (2/30)
    ________________________________________
    الشيخ: أولاً لابد من دليل على هذا إذا كان في جوار المسجد تختل الجماعة بغيبته عنه فالأفضل أن يصلي في هذا المسجد على كل حال لأنه في هذه الحال ينشط الجماعة ويقويهم ويجبر خاطرهم فصار صلاته فيه أفضل من صلاته في غيره وهذا لأمر يعود إلى شيء خارج لا يتعلق بالمكان يقول وإن كان سواءً فهل الأفضل قصد الأبعد أو الأقرب؟ على روايتين فمن العلماء من قال يقصد الأقرب ومنهم من قال يقصد الأبعد فالذين قالوا إنه يقصد الأقرب قالوا لأنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يهجر الرجل مسجده إلى مسجد آخر هذا أو معناه والذين قالوا الأفضل أن يقصد الأبعد استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم ممشى) والحديث الثاني ليس فيه دليل واضح أن الإنسان يقصد الأبعد بل هو يدل على أن الإنسان إذا بعد مكانه عن المسجد فهو أفضل لا أن يقصد المكان الأبعد ويشبه هذا من بعض الوجوه قول من قال من أهل العلم إن الإنسان ينبغي له إذا قصد المسجد أن يدني الخطوات بعضها من بعض من أجل أن يكثر الأجر والصواب خلاف ذلك وأنه لا يسن لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (له في كل خطوة يخطوها) يعني الخطوة المعتادة فنحن نقول لا توسع الخُطا ولا تقربها اجعل مشيك مشياً معتادا ولك بكل خطوة يرفع لك بها درجة ويحط بها عنك خطيئة.
    أما الثاني وهو وكونه العتيق أفضل قالوا لأن الطاعة فيه أسبق فإذا كان الطاعة فيه أسبق صار هذا المكان محل عبادة لله عز وجل على وجه أسبق من الآخر فصار أولى في التقديم وهذا كله مع مراعاة المكان لكن قد يقصد الإنسان مسجداً آخر لحسن تلاوة إمامه أو لكونه عالماً أو لكونه فيه درس أو ما أشبه ذلك فيكون هذا الفضل لأمر خارج.
    القارئ: وإن كان البلد ثغراً فالأفضل اجتماع الناس في مسجد واحد لأنه أعلى للكلمة وأوقع للهيبة.
    (2/31)
    ________________________________________
    الشيخ: تعرفون الثغر يعني الحدود التي بين المسلمين والأعداء الأفضل أن يجتمعوا في مسجد واحد لأن ذلك أوقع للهيبة وأذل للأعداء.
    القارئ: وبيت المرأة خير لها فإن أرادت المسجد لم تمنع منه ولا تتطيب له لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن) رواه احمد وفي رواية (ليخرجن تفلات) يعني غير متطيبات.
    الشيخ: أما النهي عن منع النساء من المساجد فهو في الصحيحين وغيره وأما (بيوتهن خير لهن) فليس في الصحيح.
    القارئ: وفي رواية (وليخرجن تفلات) يعني غير متطيبات ولا بأس أن تصلي المرأة بالنساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأم ورقة أن تؤم أهل دارها رواه أبو داود.
    الشيخ: وعلم من قول المؤلف ولا بأس أنه لا يسن للنساء الجماعة وقد اختلف العلماء في هذا فمنهم من قال لا يسن للنساء أن يصلين جماعة في البيوت.
    ومنهم من قال يسن.
    ومنهم من قال يباح إن شئن صلين وإن شئن لم يصلين.
    فالأقوال فيها ثلاثة وحتى على القول بأنه يسن لهن أن يصلين جماعة فإنهن لا ينلن أجر صلاة الجماعة التي ينالها الرجال في المساجد يعني لا يحصلن على سبع وعشرين درجة لأن الأحاديث الواردة كلها في الرجال الذين تجب عليهم الجماعة والله أعلم.
    السائل: مسألة الصلاة في العتيق أفضل هذا ما ينتقض بالصلاة في المسجد الأقصى وهو أسبق من مسجد النبي عليه الصلاة والسلام والعبادة فيه أقدم ومع ذلك الصلاة في مسجد المدينة بألف صلاة وفي مسجد الأقصى بخمسمائة مع أنه أسبق؟
    الشيخ: لا ما يدل على هذا، أصل النوع هنا النوعية في مسجد الرسول أفضل والمراد بالنوعية يعني أن هذا مسجد خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام وهو أفضل الرسل وهذاك إنما كان له فضل لأنه غالب الرسل من هناك.
    فصل
    القارئ: ويعذر في ترك الجماعة والجمعة بثمانية أشياء:
    (2/32)
    ________________________________________
    المرض لما روى ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) قالوا يا رسول الله وما العذر قال (خوف أو مرض) رواه أبو داود.
    الشيخ: لدينا دليل عام لكن المؤلف رحمه الله أتى بالدليل الخاص على ما فيه من المقال في سنده وصحته لأنه إذا أمكن أن تأتي بالدليل الخاص فهو أولى من الدليل العام لأن الدليل العام قد يدعي الخصم أنه مخصوص ولا يسلم بشموله لجميع الأفراد كما أن بعض علماء الأصول قالوا إن العام لا يتناول جميع أفراده على التعيين لكنه ظاهر فقط في تناول جميع الأفراد لكن هذا القول ضعيف أبطلته السنة القول بأنه لا يتناول جميع الأفراد ولكن هذا ظاهره هذا ضعيف أبطلته السنة والسنة هي قول الرسول عليه الصلاة والسلام (إنكم إذا قلتم ذلك) يعني السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) وهذا نص صريح في أن العام يتناول جميع أفراده فأنت الآن إذا أتتك مسألة فيها دليل خاص وفيها دليل عام فما هو الأولى؟ الدليل الخاص لاحتمال التخصيص أو منازعة الخصم فمثلاً قتل الصيد في الإحرام إذا كان عن غير عمد كرجل يمشي في السيارة وصدم صيداً بغير عمد هذا ليس فيه شيء لا إثم فيه ولا كفارة لقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) هذا دليل استدل به واحد من الناس والآخر قال (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) أيهما أليق بالقاعدة الثاني فيستدل بالخاص ثم يستدل بالعام، فالعام الذي أريد أن أقوله في مسألة من يعذر بالمرض في ترك الجماعة هو قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) وقوله (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) والآيات العامة في هذا كثيرة وكذلك الأحاديث.
    (2/33)
    ________________________________________
    القارئ: والخوف لهذا الحديث وسواء خاف على نفسه من سلطان أو لص أو سبع أو غريم يلزمه ولا شيء معه يعطيه.
    الشيخ: إلى هذا الحد إذا خاف من غريم يلزمه وليس عنده شيء يكفيه فهو معذور فالإنسان المفلس الذي له أناس يطلبونه كثيراً ويخشى أنه إذا خرج للمسجد وإذا واحد على عتبة الباب وواحد في الطريق وواحد على عتبة المسجد والثاني في الصف يخشى من هؤلاء فهو معذور إلى أن يجد وفاء يعني لو بقي كل حياته لا يصلي مع الجماعة خوفاً من الغرماء فإنه معذور لكن هؤلاء الغرماء يأثمون من وجهين:
    الوجه الأول أنه يلزمهم الإنظار في حق المعسر لقوله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).
    الثاني أنهم كانوا سبباً في ترك هذا الرجل لصلاة الجماعة.
    القارئ: أو على ماله من تلف أو ضياع أو سرقة.
    الشيخ: وهذا أيضاً إذا خاف على ماله من تلف أو ضياع وكلمة مال مفرد مضاف تعم وظاهره أنه وإن قل لأنه لم يقيد ولهذا قالوا لو خاف الخباز على خبزه أن يحترق فله ترك الجماعة لأنه يضيع ماله ومن ذلك أيضاً إذا كان يخشى أن تفسد خلطة الإسمنت إذا ذهب يصلي فله أن يترك الجماعة وكذلك إذا خاف خلطة الجبس يعني الجص لأنه أسرع أيضاً من جمود الإسمنت فله أن يترك الجماعة كذلك إذا خاف على ماله من ضياع وعلى ولده من باب أولى فلو انطلق الصبي فلك أن تترك الجماعة وتلحق هذا الصبي وهذا يقع كثيراً في المسجد الحرام والمسجد النبوي أيام المواسم يأتي الإنسان بصبيه والصبي كما تعرفون ينطلق فهل نقول إنك تعذر بترك الجماعة لتبحث عن صبيك؟ الجواب نعم هذا من باب أولى أولى من المال.
    القارئ: أو يكون له دين على غريم يخاف سفره.
    (2/34)
    ________________________________________
    الشيخ: وهذه أيضاً، هذه لو نقولها للعامي يستغرب، ذكر له أن غريمه قدم البلد وأنه سوف يسافر الآن وهو يسمع الإقامة قد قامت الصلاة أين الغريم قالوا في الموقف موقف السيارات يدع الصلاة ويذهب إلى غريمه ليأخذ حقه منه وهذا يمكن أن يستدل عليه بقول الرسول عليه الصلاة والسلام (لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) لأن الإنسان إذا صلى مع الجماعة وهو يشعر بأن غريمه في الموقف وسيسافر هل يحضر قلبه في الصلاة؟ لا ما يحضر لأن انشغال قلبه أشد مما لو حضر الطعام لا سيما إذا كان ماله كثيراً وكان الغريم مماطلاً.
    القارئ: أو وديعة عنده إن تشاغل بالجماعة مضى وتركه أو يخاف شرود دابته أو احتراق خبزه أو صديقه أو ناطور بستان يخاف سرقة شيء منه أو مسافر يخاف فوت رُفقته.
    الشيخ: ناطور البستان الحارس هل له ترك الجماعة؟ نعم لأنه مؤتمن عليه فله أن يدع الجماعة ويصلي في مكانه والدليل على هذا أنه سوف ينشغل قلبه إذا ذهب يصلي ولو سرق هذا المكان لألزم به لأنه مفرط.
    القارئ: أو يكون له مريض يخاف ضياعه.
    الشيخ: كيف مريض يخاف ضياعه؟ الظاهر مراده بالمريض الذي ثقل به المرض حتى صار لا يميز فيخشى أن يخرج هذا المريض ويذهب يميناً وشمالاً فيضيع.
    القارئ: أو صغيراً أو حرمة يخاف عليها.
    الشيخ: هذه من أشد ما يكون في العذر، إنسان مثلاً معه امرأة لو قال لها ابقي عند باب المسجد خاف عليها وهي لا تدخل المسجد لأنها حائض مثلاً فيخشى عليها نقول أنت معذور لكن هل من المستحسن أن يبقى معها عند عتبة المسجد؟ لا نقول اذهب أنت وإياها إلى البيت أو إلى أي مكان.
    السائل: أين الدليل على هذه الأعذار بسبب الخوف لأن الأعذار لاتنتهي؟
    الشيخ: ولتكن لا تنتهي الحمد لله (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) والحوادث لا يمكن الإحاطة بها الشريعة قواعد هذه المسائل التي ذكرها المؤلف لو ذهب إنسان يصلي مع جماعة لانشغل قلبه لأنه يخشى.
    (2/35)
    ________________________________________
    السائل: هذه الأعذار إذا علم بها العوام سيتهاونون بالجماعة؟
    الشيخ: إذا كنت تخشى أن العامي يتهاون لا تعلمه إن جاء أحد يستفتي فأفتي بما ترى لكن لا تنشره بين الناس.
    السائل: هل الخوف من الغريم هو من الطلب أو من الضرب؟
    الشيخ: لا بل من الطلب لازم يمسك يده ويقول اعطني.
    القارئ: والثالث والرابع المطر والوحل لما روي عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حي على الصلاة وقل صلوا في بيوتكم فعل ذلك من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض متفق عليه.
    الشيخ: في كلام ابن عباس رضي الله عنهما إشكال وهو أنه قال لا تقل حي على الصلاة ووجه ذلك أن قول حي على الصلاة يعني أقبلوا إلى الصلاة وإذا كانوا معذورين فكيف نقول أقبلوا على الصلاة فنقول بدل حي على الصلاة صلوا في رحالكم ولكن هل نقول حي على الفلاح نعم ربما نقول حي على الفلاح لأن الإنسان مفلح ولو صلى في بيته والحديث الآن ما فيه إلا حي على الصلاة ثم نقول هذا يقتضي أن ألفاظ الأذان ليست كلها تعبدية أي ليست كلها مما يتعبد به ولهذا قال العلماء لو قال في صلاته الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله لم تبطل صلاته ولو قال حي على الصلاة بطلت لأنها كلام آدميين ويدل عليه هذا الحديث أنها ليست ذكراً مقصوداً بذاته كما يقصد التكبير والتشهد.
    ومن فوائد حديث ابن عباس أنه رضي الله عنهما لما قال له قل صلوا في بيوتكم قال إن الجمعة عزمة يعني واجبة لأنه خشي أن يظن ظان أنها ليست بواجبة وأنها مستحبة فلهذا رخص لهم أن يصلوا في البيوت.
    ومن فوائده أيضاً أن المطر عذر في ترك الجمعة إذا كان يشق على الناس مع أن الجمعة الجماعة فيها أوكد من الصلوات الخمس ومع ذلك يعذر فيها الإنسان.
    (2/36)
    ________________________________________
    ومن فوائد الحديث الشخصية أن ابن عباس رضي الله عنهما ممن يميل إلى الرخص عكس ابن عمر فإنه كان يميل إلى التشديد ولهذا يقال إن الخليفة قال للإمام مالك رحمه الله لما أراد أن يصنف الموطأ قال تجنب تشديدات ابن عمر ورخص ابن عباس ولكن لو دار الأمر في مسألة مَّا بين أن نأخذ بالتشديد أو بالتسهيل أخذنا بالتسهيل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إن الدين يسر) وقوله (يسروا ولا تعسروا).

    القارئ: والخامس الريح الشديد في الليلة المظلمة الباردة وهذا يختص بالجماعة لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر منادياً فيؤذن ثم يقول على إثر ذلك (ألا صلوا في الرحال) في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر متفق عليه.
    الشيخ: هذه خاصة بالجماعة يعني لا في الجمعة وهذه القيود التي ذكرها تخرج الجمعة لأنه قال الرياح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة والجمعة لا تكون في الليل وهذا واضح أنه خاص بالجماعة يعني أنه عذر في ترك الجماعة ريح شديدة باردة في ليلة مظلمة وهذه قد تكون أشق من المطر إذا كانت ريح وشديدة وباردة والليلة مظلمة لا شك أن فيها تعب وذكر بعض الأصحاب أنه لا يشترط في الليلة أن تكون مظلمة لأن الإظلام والإسفار لا أثر له في المشقة وبناءً على ذلك نقول إذا كان هناك ريح شديدة باردة فإنها عذر في ترك الجماعة لكن لابد أن تكون باردة غير البرد المعتاد باردة شديدة وهذه لا شك أن مشقة الناس في الخروج إلى الجماعة أشد من مشقتهم في الخروج إلى الجماعة في مطر يبل الثياب.
    السائل: في الحديث قال (أو المطيرة في السفر)؟
    (2/37)
    ________________________________________
    الشيخ: السفر قد نقول إن هذا يدل على أنه في الحضر لا يكون عذراً لأن السفر مظنة شاقة بخلاف الحضر وقد يقال ما دامت العلة المشقة فهي تكون في الحضر وتكون في السفر لكن الحديث كما ترون ليس فيه ريح وليس فيه شديدة وإنما هي ليلة باردة ولا شك أن المراد بالليلة الباردة التي يشق على الناس الخروج من بيوتهم إلى المسجد أما الشيء المعتاد فهذا ليس بعذر لأننا لو قلنا أن البرودة المعتادة عذر في ترك الجماعة لكان الناس يتركون صلاة الجماعة في جميع الشتاء وأما قوله (في السفر) نقول ما دام العلة المشقة حتى في الحضر كذلك.
    القارئ: السادس أن يحضر الطعام ونفسه تتوق إليه.
    السابع أن يدافع الأخبثين أو أحدهما لما روت عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام ولا وهو يدافع الأخبثنين) متفق عليه.
    (2/38)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا أيضاً من العذر أن يحضر الطعام ونفسه تتوق إليه فيعذر حتى يأكل ويشبع ثم ينصرف وكان ابن عمر رضي الله عنه على شدة تمسكه بالسنة كان يسمع المقيم يقيم الصلاة وهو يتعشى ولا يقوم من عشائه ولكن هذا مقيد بما إذا لم يجعل من عادته أن يكون عشاؤه في وقت صلاة الجماعة فإن جعل من عادته أن يكون عشاؤه وقت صلاة الجماعة فإنه لا يعذر لأنه يمكنه أن يقدم ويؤخر لكن إذا طرأ طارئ مثل أن يتأخر طهي الطعام أو الحصول عليه أو ما أشبه ذلك أو هو يتأخر لعذر له خارج البيت فهذا يعذر (إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل العشاء) فيعذر بترك الجماعة لأنه لو جاء إلى الجماعة فسوف يكون قلبه مشغولاً والمحافظة على ما يتعلق بذات العبادة أولى من المحافظة على ما يتعلق بوصفها فهنا إذا قدم الطعام فإن ذات العبادة سوف تختل بالخشوع وحضور القلب ويمكن أن نأخذ من هذا أن ما سبق ذكره من صور الخوف التي عدها المؤلف بشرط أن لا يتعمد وجودها في ذلك الوقت فإن تعمد وجودها في ذلك الوقت مثل أن يكون خباز لا يخبز إلا وقت الصلاة أو البناء لا يبني إلا وقت الصلاة وما أشبه ذلك فإنه يمنع لكن أحياناً تأتي الأمور على غير ما يريد الإنسان فإذا حصل ذلك فإنه يعذر على ما سبق وقوله (يدافع الأخبثين) الأخبثان هما البول والغائط ومثل ذلك مدافعة الريح فإنها إذا كان عند الإنسان ريح في بطنه وآذته فإننا نقول إنه يعذر بترك الجماعة ويذهب ويتنفس ثم يتوضأ ويرجع للجماعة.
    السائل: إذا كان هناك عمال غير مسلمين يعملون وقت الصلاة فهل نجبرهم بترك العمل؟
    الشيخ: إذا كانوا حول المسجد فإننا نمنعهم لأن هذا كالمنابذة للمسلمين وجرح شعور المسلمين أما إذا كانوا بعيدين نتركهم.
    السائل: هل قولكم يعذر معناه الأفضل عدم الذهاب للجماعة؟
    (2/39)
    ________________________________________
    الشيخ: قولنا يعذر ليس معناه أنه لا يفعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى وهو يدافع الأخبثين أو بحضرة الطعام واختلف العلماء لو فعل فهل تصح صلاته؟ فمنهم من قال إنها تصح ولو مع المدافعة ولو مع توقان نفسه الطعام لأن النهي هنا من أجل أن يخشع في صلاته ويحضر قلبه في صلاته وهذا لابد أن يكون لكن ليس على الكمال والصحيح أنه إذا أدى ذلك إلى عدم حضور القلب نهائياً وانشغال الإنسان ولا سيما في مدافعة الأخبثين بحيث تجده يتعصر أو يتصبر فهذا قد نقول بعدم صحة الصلاة كما هو مذهب الظاهرية أما إذا كان يدافع لكن يستطيع أن يأتي بالصلاة بواجباتها وأركانها فهذا نقول الصلاة هنا مكروهة ولكنها لا تبطل.
    السائل: كيف نقول الصلاة صحيحة مع أن الحديث قال (لا صلاة)؟
    الشيخ: نعم الحديث (لا صلاة) ولكن إذا علمنا أن العلة هو ذهاب الخشوع والرجل سيكون معه شيء من الخشوع فهذا لا يجوز إبطالها أما لو فقد الخشوع بالكلية وصار لا يدري ما يقول ولا يدري ما يفعل من شدة المدافعة فهنا يتوجه القول بأنها لا تصح صلاته.
    السائل: بعض الناس في رمضان يقرب إفطاره في وقت أذان المغرب؟
    الشيخ: أقول هذا عارض مع أنه ليس من الحسن من الناحية الطبية حتى من الناحية الطبية لا ينبغي أن تأكل أكلاً تشبع فيه بعد فراغ المعدة اعط المعدة الطعام شيئاً شيئا ولهذا كثير من الناس يقتصرون عند الإفطار على تمرات قليلة وما تيسير ويجعلون العَشاء بعد صلاة العشاء وإما بين المغرب والعشاء.
    القارئ: الثامن أن يكون له قريب يخاف موته ولا يحضره لما روي أن ابن عمر اُسُتصِرخ على سعيد بن زيد وقد تجمر للجمعة فذهب إليه وتركها.
    فأما الأعمى فلا يعذر إذا أمكنه الحضور لما روى أبو هريرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال (أتسمع النداء بالصلاة) قال نعم قال (فأجب) رواه مسلم.
    (2/40)
    ________________________________________
    السائل: إذا كان الإمام في التشهد الأخير ثم دخل رجل المسجد فهل يدخل في الصلاة أم ينتظر جماعة أخرى؟ وهل يجوز إقامة الصلاة للجماعة الأخرى والإمام لم يسلم؟
    الشيخ: إذا كان يعلم أنه يدرك جماعة فلا يجلس معه وإلا جلس وإن أقام الصلاة بمن معه فلا بأس لأن الإمام انتهت صلاته بالنسبة لنا ولم يسلم لكنه إذا كان قريباً من المصلين لا يفعل لئلا يشوش عليهم.

    فصل
    القارئ: ومن شرط صحة الجماعة أن ينوي الإمام والمأموم حالهما فإن نوى أحدهما دون صاحبه لم تصح لأن الجماعة إنما تنعقد بالنية فيعتبر وجودها منهما فإن نوى كل واحد منهما أنه إمام صاحبه لم يصح لأنه لا مأموم له وإن نوى كل واحد منهما أنه مأموم لم يصح لأنه لا إمام له وإن نوى أن يأتم بأحد الإمامين لا بعينه لم يصح لأنه لا يمكنه اتباعه وإن نوى الائتمام بهما لم يصح لذلك وإن نوى الائتمام بالمأموم أو المنفرد لم يصح لأنه ليس بإمام.
    الشيخ: إذاً لابد أن ينوي المأموم أنه مأموم والإمام أنه إمام فإن نويا أنهما إمام لم يصح لأنه لا مأموم له أو أنهما مأموم لم يصح لأنه لا إمام له وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لو نوى الائتمام بمن لم ينو الإمامة أنه لا يصح والصحيح أنه يصح يعني كرجلين وجدا شخصاً يصلي فاعتقداه إماماً واستمر هو في صلاته واستمرا في متابعته فالمذهب أن صلاتهما لا تصح لأن الإمام لم ينو أنه إمام وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن ذلك صحيح واستدل بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في رمضان في حجرة احتجرها بخصيف من النخل وصلى وراءه أناس دون أن يعلموه بأنهم يصلون وراءه وأجاب الذين يقولون بعدم الصحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون قد علم بهم فنوى أنه إمامهم وعلى كل حال إذا وقعت المسألة نقول الصحيح ما ذهب إليه مالك رحمه الله من أنه يصح أن ينوي الائتمام بمن لم ينو الإمامة.

    فصل
    القارئ: فإن أحرم على صفة ثم انتقل عنها ففيه ست مسائل:
    (2/41)
    ________________________________________
    إحداهن أحرم منفرداً ثم جاء إنسان فأحرم معه فنوى إمامته فيجوز في النفل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي في التهجد فجاء ابن عباس فأحرم معه فصلى به النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه وإن كان في فرض وكان يرجو مجيء من يصلي معه جاز أيضاً نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالصلاة وحده فجاء جابر وجبار فصلى بهما رواه أبو داود وإن لم يكن كذلك فعن أحمد لا يجزئه لأنه لم ينو الإمامة في ابتداء الصلاة وعنه ما يدل على الإجزاء لأنه يصح في النفل والفرض في معناه.
    الشيخ: وهذه الرواية هي الصحيحة أنه يصح أن ينوي الإمامة في أثناء الصلاة سواء دخل وهو يرجو أن يدخل معه أحد أم دخل وليس يرجو أن يدخل معه أحد ثم دخل معه أحد فإنه يصح لأنه ثبت في النفل وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل فإذا قال قائل ما هو الدليل على تساوي النفل والفرض؟ قلنا الدليل أن كلاً منهما يسمى صلاة وقد اشتركا في كل الأحكام إلا مسائل نادرة ولأن الصحابة رضي الله عنهم لما ذكروا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به قالوا غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة فدل ذلك على أن الأصل تساوي النفل والفرض إلا بدليل.
    السائل: رجل من عادته أن يكون إماما وصلى مرة منفرداً على أنه إمام ناسياً متوهماً فهل تصح صلاته؟
    الشيخ: صلاته صحيحة.
    السائل: لماذا نشترط أن ينوي الإمام أنه إمام هي أفعال لا تتغير؟
    الشيخ: لارتباط صلاتهما بعضها ببعض ولهذا لو بطلت صلاة المأموم وهو واحد واستمر الإمام على نية الإمامة بطلت صلاته لأنه نوى أن يكون إماماً وهو منفرد.
    (2/42)
    ________________________________________
    القارئ: الثانية أحرم منفرداً فحضرت جماعة فأحب أن يصلي معهم فقال أحمد رضي الله عنه أعجب إلي أن يقطع الصلاة ويدخل مع الإمام فإن لم يفعل ودخل معهم ففيه روايتان إحداهما لا يجزئه لأنه لم ينو الائتمام في ابتداء الصلاة والثانية يجزئه لأنه لما جاز أن يجعل نفسه إماماً جاز أن يجعلها مأموماً.
    الشيخ: الإمام أحمد رحمه الله قال أعجب إلي أن أقطع الصلاة أو أحب على نسخة أخرى لكن لو قال قائل كيف يقطع الصلاة وقد دخل في فرض والمعروف أن من دخل في فرض فإنه لا يجوز له أن يخرج منه إلا بعذر شرعي فالجواب أن هذا قطع الصلاة من أجل أن يكملها وهناك فرق بين من يقطع الصلاة ليتخلص منها وبين من يقطعها من أجل أن يكملها ونظير ذلك لو أن إنساناً أحرم بالحج وفي أثناء فعله وبعد أن طاف قال أريد أن أجعل هذا الطواف والسعي للعمرة لأتخلص من الحج ففعل طاف وسعى وقصر ورجع لبلده فلا يجوز هذا ولو قال أريد أن أتحلل بعمرة لأكون متمتعاً جاز، أي أن هذا الإنسان أحرم بالحج قال لبيك حجة ولما طاف وسعى قال أريد أأجعلها عمرة فقصر ليصير متمتعاً نقول هذا جائز لماذا لأنه قطع هذا الفرض لينتقل إلى ما هو أكمل لا ليتخلص فهذا وجه قول الإمام أحمد رحمه الله ويمكن أن يؤخذ من إذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمن نذر أن يصلي في بيت المقدس قال له (صلِّ ها هنا) لأنه انتقل من مفضول إلى أفضل لكن المثال الذي يطابق وهو أقرب إلى المسألة التي ذكرها الإمام أحمد هي مسألة تحلل المفرد بالحج ليكون متمتعاً.
    القارئ: الثالثة أحرم مأموماً ثم نوى الانفراد لعذر جاز نحو أن يطول الإمام أو تفسد صلاته لعذر من سَبْقِ حدث أو نحوه لما روى جابر قال صلى معاذ بقومه فقرأ بسورة البقرة فتأخر رجل وصلى وحده فقيل له نافقت يا فلان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال (أفتان أنت يا معاذ) مرتين متفق عليه.
    (2/43)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه المسألة يقول رحمه الله الثالثة أحرم مأموماً ثم نوى الانفراد لعذر جاز نحو أن يطول الإمام وكذلك أن يقصر الإمام بحيث لا يمكن هذا المأموم أن يتابعه مع الطمأنينة يعني لو كان الإمام يعجل ولا يمكن أن يتابعه إلا بالإخلال بالطمأنينة فهنا يجب وجوباً أن يفارقه، التطويل لا يجب أن يفارقه لكن يجوز أما عدم الطمأنينة فيجب أن يفارقه لأنني لا يمكن أن أتابعه إلا بترك ركن من أركان الصلاة وهذا يبطلها كذلك لو أن المأموم أصابه رعاف فانفتل من الصلاة فلا بأس أو أصابه حصر أو أصابته غازات ويشق عليه أن يبقى مع الإمام فله أن ينفرد ويصلي بقية الصلاة وحده المهم أن قول المؤلف لعذر ثم قال نحو أن يطول هذا مثال فقط وليس على سبيل الحصر.
    السائل: عند مسلم أن هذا الرجل الذي انفتل من الصلاة سلم ثم صلى في طرف المسجد؟
    الشيخ: هذا انفرد به شيخ مسلم وأنكروا عليه.
    السائل: إذا أراد المنفرد قطع صلاته ليدخل في جماعة فهل يقطعها بأن يقلب الفرض إلى نفل ويكمل الصلاة أم أنه ينهي الصلاة؟
    الشيخ: الإمام أحمد يقول أعجب إلي أن أقطعها يقطعها بتاتاً لأنه إذا قلبها نفلاً ما يأمن أن يفوته ركعة أو ركعتان مع هؤلاء الجماعة.
    السائل: صلى ركعتين منفرداً ثم رأى جماعة فدخل معهم ولم يقطع صلاته فماذا يفعل؟
    الشيخ: فإذا قام الإمام إلى الثالثة جلس هو ثم إن شاء سلم وإن شاء انتظره.
    السائل: هل يجوز للمأموم أن يخرج من الصلاة إذا كان الإمام يلحن كثيراً؟
    الشيخ: ما يخرج ويفتح عليه ويبين له الصواب إلا إذا كان يلحن كما قلت وأنه يرد عليه ولكن لو ما امتثل أو ما عرف أن يقيم الحرف فحينئذٍ له أن يخرج المهم العذر عام.
    القارئ: فإن نوى الانفراد لغير عذر فسدت صلاته لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر فأشبه ما لو تركها بغير نية المفارقة وفيه وجه أنه يصح بناءً على المنفرد إذا نوى الإمامة.
    (2/44)
    ________________________________________
    الشيخ: لكنه قياس عكسي هذا مأموم نوى الانفراد وذاك منفرد نوى الإمامة أو منفرد نوى الائتمام على الوجه الثاني الذي ذكره فيما لو حضرت جماعة وهو يصلي وهذا الوجه الذي ذكره هو مذهب الشافعي أنه يجوز للمأموم أن ينفرد بلا عذر لكن الصحيح أنه لا يجوز أن ينفرد بلا عذر لعموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وعلى القول أنه يجوز أن ينفرد عن الإمام بلا عذر على إحدى الروايتين به يزول الإشكال الذي حصل لبعض الناس فيما لو دخل شخص يريد صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء وقال كيف يصح أن ينفرد إذا قام الإمام إلى الرابعة لأنه صلى ثلاثاً فسوف يجلس ويسلم فكيف جاز الانفراد نقول أولاً أن المسألة ليست إجماعاً في أنه لا يجوز الانفراد بلا عذر وثانياً أنه في هذه الحال عنده عذر شرعي لأنه لا يجوز أن يصلي المغرب أربعاً فهو عذر شرعي فيجلس ويسلم ويقوم مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء.
    السائل: لو كانت الجماعة رجلين ثم المأموم خرج من الصلاة لعذر ماذا ينوي الإمام؟
    الشيخ: ينوي الانفراد بخروج المأموم ينوي الانفراد.
    السائل: إنسان يدخل مع الإمام يقرأ الفاتحة وفيها خلل بيِّن هل يستمر معه؟
    الشيخ: لا ما يستمر إذا كان يلحن لحناً يحيل المعنى ولم يمكن تقويمه فلا يستمر معه.
    السائل: دخل في التشهد الأخير وحضرت جماعة أخرى هل له أن يقطع صلاته؟
    الشيخ: له ذلك لأنه لم يدرك الجماعة الأولى ويجوز أن يقلبها نفلاً ويكمل لكن كما قلت يفوته بعض الفريضة مع هؤلاء الذين دخلوا.
    القارئ: الرابعة أحرم مأموماً ثم صار إماماً لعذر مثل أن سبق إمامه الحدث فيستخلفه فإنه يصح وعنه لا يصح.
    الشيخ: والصحيح الأول أنه يصح ومعنى سبقه الحدث يعني أحدث في أثناء الصلاة.
    القارئ: وإن أدرك نفسان بعض الصلاة مع الإمام فلما سلم ائتم أحدهما بصاحبه في بقيتها ففيه وجهان فإن كان لغير عذر لم تصح.
    (2/45)
    ________________________________________
    الشيخ: ففيه وجهان الصحة وعدمها وبهذا نعرف أنه لا ينبغي إذا دخل اثنان قد فاتهما بعض الصلاة أن يقول أحدهما للثاني أنا إمامك فيما نقضي لأن المسألة كما عرفتم فيها وجهان وجه بالجواز ووجه بالمنع وليس فيه من يقول إنه يستحب ثم إن في فعل هذا تشويش على الناس إذا قام اثنان لقضاء ما فاتهما فصليا جماعة ولا سيما إذا كانت الصلاة جهرية ولم يدركا إلا ركعة واحدة.
    القارئ: الخامسة أحرم إماماً ثم صار منفرداً لعذر مثل أن يسبق المأموم الحدث أو تفسد صلاته لعذر فينوي الإمام الانفراد فيصح وإن كان لغير عذر لم يصح.
    الشيخ: معنى قوله لعذر يعني لو أن الإمام انفرد بنفسه وتخلى عن الإمامة فإنه لا يصح كما لو تخلى المأموم عن الائتمام أما لو انفرد المأموم بلا عذر فالإمام معذور في الواقع فقول المؤلف رحمه الله لعذر يعني من قبل الإمام ولتوضيح الصورة: إمام ومأموم إذا انفرد الإمام نقول إن كان لعذر فلا بأس وإن كان لغير عذر فلا يجوز مثال لغير عذر نفس الإمام وهو إمام فسخ الإمامة وأراد أن يصلي وحده نقول هذا لا يجوز لغير عذر أما إذا كان لعذر مثل أن يسبق المأموم الحدث فينصرف فيبقى الإمام وحده منفرداً فهذا لا بأس وكذلك لو أن المأموم قطع صلاته بلا عذر فبقي الإمام منفرداً فلا بأس لأن هذا ليس باختياره المأموم قطع صلاته بغير اختيار الإمام فبقي منفرداً معذوراً لأنه لا يمكنه أن يقول للمأموم لا تقطع صلاتك فصارت المسألة الآن ثلاث صور:
    الصورة الأولى قطع الإمام إمامته لغير عذر هذا لا تصح لأنه انتقل من إمامة إلى انفراد بلا عذر فبطلت صلاته.
    الثانية قطع الإمام إمامته لانقطاع صلاة المأموم لعذر فهذا جائز ولا إشكال فيه.
    الثالثة قطع الإمام إمامته لقطع المأموم ائتمامه بلا عذر فهنا تصح للإمام، والمأموم على كل حال قطع صلاته لا تصح له لماذا؟ لأنه ليس باختياره أن يجبر المأموم على البقاء فهو معذور.
    (2/46)
    ________________________________________
    القارئ: السادسة أحرم إماماً ثم صار مأموماً لعذر مثل أن يؤم غير إمام الحي فيزول عذر الإمام فيتقدم في أثناء الصلاة ويبني على صلاة الأول ويصير الأول مأموما ففيه روايتان إحداهما يصح لما روى سهل بن سعد قال ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فاستأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف متفق عليه والثانية لا يصح لأنه لا حاجة إلى ذلك وفعل الني صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون خاصاً له لأن أحداً لا يساويه.
    الشيخ: هذه المسألة السادسة انتقل من كونه إماماً إلى كونه مأموماً لعذر ومثاله ما ذكر إمام خلَّفه إمام الحي قال صلِّ بالناس فلما شرع في الصلاة حضر إمام الحي فهنا لإمام الحي أن يتقدم ويكون هو الإمام والذي كان إماماً يكون مأموماً والدليل على ذلك فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين صلى أبو بكر بالناس فجاء النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الصلاة فجعل الصحابة رضي الله عنهم يصفحون بأيديهم وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى وصل النبي إلى مكانه فأراد أبو بكر أن يتأخر فدفعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرفع يديه أبو بكر يحمد الله أن الرسول عليه الصلاة والسلام رضي أن يكون أبو بكر إماماً له وهذه غبطة لكنه رضي الله عنه أصر على أن يتأخر والرسول يدفعه ويصر على التأخر إكراماً للرسول عليه الصلاة والسلام وقال ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكمل بهم الصلاة الرسول عليه الصلاة والسلام وأبو بكر تأخر حتى قام في الصف وهذه فيها غُرَر مسائل:
    (2/47)
    ________________________________________
    المسألة الأولى أن المخالفة للإكرام لا تعد معصية فإن أبا بكر خالف النبي عليه الصلاة والسلام ولكنه خالفه للإكرام فلا تكون هذه المخالفة معصية ونظيرها ما وقع لعلي بن أبي طالب في صلح الحديبية حيث جاء سهيل بن عمرو للمفاوضة في الصلح واتفقوا على أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل لا نعرف الرحمن ولكن اكتب باسمك اللهم فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اكتب باسمك اللهم) فكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما قضى عليه محمد رسول الله قال سهيل لا يمكن تكتب محمد رسول الله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ولا منعناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله كغيرك من رجال قريش ننسبك إلى أبيك بعد أن كتب محمد رسول الله فقال النبي عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب امح محمد رسول الله اكتب محمد بن عبد الله قال والله ما أمحوها وأبى فقال الرسول عليه الصلاة والسلام أرينها فأراه إياها فمحاها الرسول عليه الصلاة والسلام بيده هذه مخالفة علي بن أبي طالب وإقسامه في رد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام هل يعد معصية؟ لا لماذا؟ إكراماً وتعظيماً للرسول عليه الصلاة والسلام ومن ثم أخذ شيخ الإسلام أن مخالفة الإنسان الذي حلف عليك إكراماً له لا يعد حنثاً ولا تجب فيه كفارة لأن الحنث مبناه على الإثم وهذا ليس فيه إثم فلو قال مثلاً والله إنك تدخل فقلت والله ما أدخل ولا دخلت هل نلزم الحالف الأول بالكفارة؟ لا لأنه أراد الإكرام وقد حصل لكن جموع العلماء على أنه يحنث ولا أريد أن ينفتح عليكم هذا الباب فتخالفونني في شيء مثل ما تقولون نحن (كلمة غير واضحة) من باب الإكرام أخشى ينفتح هذا الباب إنما القرائن لها أحوال وهذا الرسول عليه الصلاة والسلام قال (امحها واكتب محمد بن عبد الله).
    (2/48)
    ________________________________________
    ومن النكت في قضية صلح الحديبية أن الذين صاروا الآن يقولون قال محمد بن عبد الله وحكم محمد بن عبد الله دون أن يقولوا محمد رسول الله نقول إنهم تركوا ما ينبغي إلى ما لا ينبغي لأنه لو قيل محمد بن عبد الله ولم يوصف بالعبودية والرسالة التي هي أشرف أوصافه صار في القلب شيء بدل من أن تقول محمد بن عبد الله قل محمد رسول الله ولهذا انظر قريش قالوا ما نكتب محمد رسول الله نكتب محمد بن عبد الله فقال اكتب محمد بن عبد الله إذا قيل كيف الرسول عليه الصلاة والسلام يرضى بهذا يعدل عن بسم الله الرحمن إلى باسمك اللهم وعن محمد رسول الله إلى محمد بن عبد الله وشرط آخر أن من جاء مسلماً رده إليهم ومن ذهب منا من المسلمين فإنه لا يرد قلنا لأنه التزم حينما بركت الناقة ناقته عليه الصلاة والسلام بركت وحرنت رفضت أن تمشي فصاح الناس خلأت القصواء يعني حرنت وأبت أن تمشي فقال (والله ما خلأت القصواء) ودافع عنها وهي بيهيمة لأن الحق أحق أن يتبع ولا يمكن أن تغتاب البهيمة وهي خالية من هذا السوء قال (والله ما خلأت القصواء وما كان ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل) ثم قال (والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم عليها) أقسم فنفذ لو لم يجبهم على هذا ماذا يكون صار الحرب ببطن مكة لكن من حكمة الله عز وجل وما آتاه الرسول من الحكمة حصل ما حصل المهم الآن على أن المخالفة إكراماً لا تعد معصية لكنها تعد إكراماً واحتراماً وتعظيماً وأما قول المؤلف رحمه الله في هذه المسألة الرواية الثانية أنها لا تصح لأنه لا حاجة إلى ذلك ويحتمل الخصوصية فنقول الأصل عدم الخصوصية ومسألة إنه يحتاج أو لا يحتاج هذا أمر اعتباري ربما يحتاج إليه إمام الحي لكون نائبه ليس ذا قبول عند جميع الجماعة فيحب أن يتقدم هو ليكمل بهم الصلاة ويكون في هذا حاجة ثم لو فرض أنه لا حاجة لذلك وأن النائب أحسن من إمام الحي فما المانع من جواز ذلك وقد وقع من رسول
    (2/49)
    ________________________________________
    الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يقل إن هذا خاص بي فالأصل عدم الخصوصية ثم اعلموا أن بعض العلماء عفا الله عنا وعنهم يلجؤون إلى شيئين عند الضيق إذا ضاق عليهم الأمر لجؤوا إليه الأمر الأول النسخ فتجد العالم إذا عجز عن التخلص قال هذا منسوخ الثاني الخصوصية إذا عجز عن التخلص مما ورد قال هذا خاص بالرسول وهذا لا يجوز لأن الأصل عدم النسخ والأصل أن النصوص محكمة والنسخ لابد فيه من شرطين مهمين هما تعذر الجمع والعلم بالتاريخ والخصوصية الأصل فيها العدم ولهذا قال الله عز وجل لما قال (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) والقضية مع الرسول لم يقل لكي لا يكون عليك حرج بل قال (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) وهذا إشارة إلى أن ما أحل للرسول أحل لغيره وهذا نص واضح ولما أراد الله الخصوصية قال (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) يعني أحللنا لك امرأة مؤمنة (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).

    فصل
    القارئ: وإذا أقيمت الصلاة لم يشتغل عنها بغيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم وإن أقيمت وهو في نافلة خففها وأتمها إلا أن يخاف فوات الجماعة فيقطعها لأن الفريضة أهم وعنه يتمها لقول الله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).
    (2/50)
    ________________________________________
    الشيخ: قوله رحمه الله وإذا أقيمت الصلاة لم يشتغل بغيرها أما غيرها من أمور الدنيا فلا شك أنه لا يجوز أن يشتغل به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة) وأما اشتغاله بطاعة أخرى فإن كان ابتداءً فإنه لا يجوز يعني مثل رجل بعد أن أقيمت الصلاة ذهب يصلي راتبة أو ذهب يصلي فائتة كانت عليه فإن ذلك لا يجوز لعموم قوله (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) وفي رواية لأحمد وإن كانت سندها ضعيفاً (إلا التي أقيمت) وهذا هو المراد لا شك وإن كان استمراراً معناه أنه قد شرع في العبادة إن كان قد شرع في العبادة فإن كانت فريضة أتمها كما لو كان عليه فائتة ثم دخل فأقيمت الصلاة وقد شرع في الفائتة فإنه يتمها مثل كانت عليه صلاة الظهر فدخل وشرع في صلاة الظهر ثم أقام صلاة العصر نقول أتمها وهذا لا إشكال فيه لكن يتمها خفيفة من أجل أن يدرك الصلاة الحاضرة أما إذا كانت نافلة شرع في نافلة ثم أقيمت الصلاة فقد اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك على أقوال:
    القول الأول أن النافلة تبطل لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) وهذا نفي للصلاة ابتداءً واستمراراً وهذا رأي كثير من المحدثين أنه إذا أقيمت الصلاة وأنت في نافلة بطلت الصلاة لأن النفي إما لنفي الوجود وإما لنفي الصحة وإما لنفي الكمال ونفي الوجود هنا متعذر لأنه قد شرع فيبقى نفي الصحة وقال بعض العلماء يتم النافلة ويخففها إلا أن يخشى فوات الجماعة وبماذا تفوت الجماعة؟ اختلف فيه العلماء أيضاً
    فقيل تفوت إذا لم يدرك تكبيرة الإحرام قبل السلام وهذا هو المشهور من المذهب وبناءً على ذلك نقول أتم نافلتك حتى لا يبقى عليك إلا مقدار تكبيرة الإحرام فإذا لم يبق إلا هذه فاقطعها ولهذا قال إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها.
    (2/51)
    ________________________________________
    وقيل إنه لا يدرك الجماعة إلا بإدراك ركعة وعلى هذا فنقول أتم النافلة حتى يبقى على الإمام ركعة إذا لم يبق إلا ركعة اقطعها.
    وقال بعض العلماء لا يقطعها ولو فاتت الجماعة لا يقطعها ولو فاتت الجماعة لأن الله قال (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) وهذا عام وهو لو قطعها لأبطل عمله ولكن هذا القول ضعيف بلا شك والاستدلال بالآية في غير محله لأن المراد بقوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) يعني بالردة عن الإسلام ليس نهياً عن إبطال العمل مطلقا فها هو النبي عليه الصلاة والسلام دخل على أهله فقال (هل عندكم شيء) قالوا عندنا حيس قال (أرينيه فلقد أصبحت صائماً) فأكل فالآية ليس فيها النهي عن إبطال العمل يعني الخروج منه بعد الدخول فيه ليس هذا وأقرب الأقوال في هذه المسألة أن نقول إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة وإن أقيمت وأنت في الركعة الأولى فاقطعها وجه التفصيل أنه إذا صلى ركعة تامة فقد أدرك الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذا صلى ركعة في وقت يؤذن له بالتطوع فيكون أدرك التطوع فيتمها لكن يخفف لأن إدراكه شيئاً من واجب الصلاة أفضل من نافلة الصلاة أما إذا كان لم يصلِّ ركعة بأن أقام وهو في الركعة الأولى فليقطعها لعموم (فلا صلاة إلا المكتوبة) ولأنه لم يدرك النافلة في وقت يحل له فيه الدخول فيها ولأن التشاغل بالفريضة أفضل من التشاغل بالنافلة لقوله تعالى في الحديث القدسي (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه).
    القارئ: وإن أقيمت قبل مجيئه لم يسع إليها لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ائتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وروي (فاقضوا) متفق عليه.
    (2/52)
    ________________________________________
    الشيخ: روي (فأتموا) وروي (فاقضوا) فاختلف العلماء رحمهم الله فمنهم من أخذ بقوله (فأتموا) ومنهم من أخذ بقوله (فاقضوا) وفرق بين الإتمام والقضاء فالقضاء لما فات والإتمام للباقي ويتفرع على هذا الخلاف هل ما يقضيه أول صلاته أو آخر صلاته؟ إن قلنا القضاء لما فات فما يقضيه أول صلاته فإذا أدرك من الرباعية ركعتين ثم قام يقضي الركعتين الأخريين فإنه يقرأ الفاتحة وسورة ويقرأ الاستفتاح ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويطيل الركعتين الأخريين أكثر من الأوليين ومن قال إن الإتمام يفسر معنى القضاء وأن معنى (فاقضوا) يعني (أتموا) واستدلوا بقول الله تعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) قضاهن يعني أتمهن وبقوله تعالى (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ) قضى موسى الأجل يعني أتمه وقالوا إن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام يفسر بعضه بعضاً فمعنى اقضوا أي أتموا لأن تفسير اقضوا بأتموا وارد في اللغة العربية لكن تفسير أتموا باقضوا لم يرد لأن الإتمام بناء على ما سبق وعلى هذا فيكون القول الراجح أن ما يقضيه الإنسان من الصلاة الفائتة الذي فاته مع الإمام هو آخر صلاته سيقتصر فيه على الفاتحة ويخفف الركعتين اللتين يقضيهما اللهم إلا إذا كان الإمام يخفف تخفيفاً لو خفف دونه لفاتته الطمأنينة فهنا لا يخفف فإن قال قائل ما تقولون في المسبوق إذا زاد الإمام ركعة؟ يعني دخل مع الإمام في الركعة الثانية والإمام سها فصلى خمساً هل يلزمه أن يأتي بركعة أو لا يلزمه؟ فيه قولان للعلماء:
    فمنهم من قال يلزمه لأنه فاته ركعة ولا سيما إذا قلنا أن ما يقضيه هو أول صلاته فقد فاتته الركعة الأولى فيأتي بها وعلى هذا فيلغز في هذه المسألة ويقال رجل تعمد زيادة ركعة في صلاته فلم تبطل صلاته.
    (2/53)
    ________________________________________
    ومنهم من قال لا يلزمه أن يأتي بالركعة بل لا يجوز أن يأتي بها وهذا القول هو الصحيح فإن قال قائل إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما فاتكم فأتموا) وهذا فاتته ركعة فيجب أن يتم قلنا لكنه لم يقل ما فاتكم فأتموا أو زيدوا قال (فأتموا) وهذا الذي أدرك الإمام فزاد ركعة هل يقال إن صلاته الآن ناقصة حتى تتم؟ لا هي تامة الآن فيكون قول الرسول (ما فاتكم فأتموا) يخرج ما إذا زاد الإمام ركعة لأن هذا أمر نادر والأحكام تبنى على الظواهر والكثير فلا يكون في قوله (فأتموا) دليل على أنه يأتي بالركعة الزائدة عمداً بل فيه دليل على أنه لا يأتي بها لقوله (فأتموا) فيقال هذا لم ينقص عليه شيء الآن حتى يطالب بالإتمام.
    السائل: بعض العلماء يقولون إذا أردت أن تقطع الصلاة لأمر ما فإنك تقطعها بالتسليم لحديث (وتحليلها التسليم)؟
    الشيخ: هذا غير صحيح هو إذا قطعها يقطعها بلا سلام لأن التسليم آخرها وهنا لم تتم حتى يسلم لها بل يقطعها بدون شيء.
    السائل: إمام قام إلى الخامسة لو أن المأموم تيقن أن الإمام قام إلى خامسة فهو الآن يصلي مع إمام يعتقد بطلان الركعة.
    الشيخ: هذا لا يمكن أن تتيقن أنها خامسة لأنه قد يكون نسي الفاتحة وهذه ترد كثيراً، ومعلوم إذا أتى بركعة ما فيها الفاتحة لابد يأتي ببدلها وهذه دائماً تقع يقول الإمام للناس إذا سبحوا به وأصر قال إنه لم يقرأ الفاتحة في الركعة الأولى مثلاً.
    السائل: المسبوق إذا دخل مع الإمام الثانية وزاد ركعة نقول إن الركعة التي أتى بها الإمام إذا كانت زائدة تكون ركعة غير مشروعة فلا تحسب على قول الكثيرين فكيف تحسب للمسبوق وهي غير مشروعة؟
    (2/54)
    ________________________________________
    الشيخ: هي بارك الله فيك الإمام إما ناسي أو متعمد لكنه جبراً لركعة ترك فيها الفاتحة إن كانت الثانية فهذه ركعة معتد بها وإن كانت الأولى ناسياً فهو معذور به والمأموم أيضاً معذور لأنه تابع هذا الإمام قد يكون ما يعلم أنه حين دخل معه، دخل معه في الثانية ما يدري وقد يدري بواسطة التشهد إذا جلس يعرف أن هذه هي الثانية لكن هل هذه الزيادة مبطلة للصلاة؟ ما دام فيه احتمال أن الإمام قام لهذه الخامسة لأنه ترك ركناً في إحدى الركعات فأنا ما أتيقن أنه زائد.
    القارئ: ولا بأس أن يسرع شيئاً إذا خاف فوات الركعة لأنه جاء عن أصحاب رسول الله أنهم كانوا يعجلون شيئاً إذا خافوا الفوات فإن أدركه راكعاً كبر للإحرام وهو قائم ثم كبر أخرى للركوع فإن كبر واحدة أجزأه نص عليه واحتج بأنه فعل زيد بن ثابت وابن عمر وإن أدرك قدر ما يجزئ في الركوع مع الإمام أدرك الركعة وإن لم يدرك ذلك لم يكن مدركاً لها لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أدركتم الإمام في السجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة) رواه أبو داود فإن أدركه في سجود أو جلوس كبر للإحرام وانحط من غير تكبير لأنه لم يدرك محل التكبير من السجود.
    (2/55)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا واضح ما يحتاج إلى تعليق لكن قوله عجل بعض الشيء أو عجل شيئاً معناه شيئاً يسيراً عجلة لا تقبح ولا يكون لها صوت فإن قال قائل إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لأبي بكرة (زادك الله حرصاً ولا تعد) قلنا لأن أبا بكرة عجل عجلة أدركها الرسول عليه الصلاة والسلام وسمعها وهذا يدل على أنها شديدة ولهذا قال الإمام أحمد لا بأس بعجلة لا تقبح وبه نعرف ما يفعله بعض الناس حين يدخل والإمام راكع يركض شديداً ويقول اصبروا إن الله مع الصابرين أو يتنحنح ويقال إن بعض الأئمة إذا سمع الذي يركض رفع مباشرة من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه يعاقبه وأنه في يوم من الأيام كأن هذا الإمام أطال الركوع وبعض المأمومين وده يسرع شوي فجعل يخبط برجليه كأنه رجل داخل فلما أحس به الإمام نهض وهذا قد يكون من بعض الناس يتحيل على سرعة الإمام إذا كان من عادته أنه إذا سمع الذي يخبط أو يعجل رفع لكن الأفضل في هذا أن يتأخر كما قال الأصحاب رحمهم الله يتأخر بشرط أن لا يشق على من خلفه فإن شق عليهم فهم أولى بالمراعاة من الرجل الداخل ثم هذا الذي دخل إما أن يتيقن أنه أدرك الركعة فقد أدركها يعني أدرك الركوع وإما أن يتيقن أنه لم يدرك الركوع فهو لم يدرك الركعة وإما أن يشك لا يدري هل وصل إلى الركوع قبل أن ينهض الإمام منه أو لا حينئذٍ نقول هو الآن شاك وكيف نعامل الشاك نقول هل عندك غلبة ظن أنك أدركت أو لم تدرك؟ إن قال نعم قلنا اعمل بغلبة الظن وابنِ عليه وإن قال ليس عندي غلبة ظن قلنا إنك لم تدرك الركعة بناءً على الأصل وعلى اليقين.
    (2/56)
    ________________________________________
    في المسألة الأولى التي فيها غلبة الظن هل يسجد للسهو إن قلتم لا أخطأتم وإن قلتم نعم أخطأتم يقال إن كانت هي الركعة الأولى وغلب على ظنه أنه أدركها فإنه يسقط سجود السهو لأن الإمام يتحمل عنه لأن العلماء قالوا إن المأموم إذا كان أدرك الصلاة من أولها فلا سجود عليه لكن قد يقول قائل إنما أسقطوا سجود السهو عن المأموم لئلا يخالف الإمام وهذا إنما يصدق فيما إذا كان سجود السهو قبل السلام أما بعده فلا تحق المخالفة فيقال نعم هذا وارد لكن كونه يسجد بعد سلام إمامه وهو لم يفته شيء هذا نوع مخالفة فلا يسجد.
    بقي علينا المسألة الأخيرة إذا أدرك الإمام ساجداً يقول إنه ينحط بلا تكبير لأنه لم يدرك محل تكبير من السجود صحيح يعني إذا أدرك الإمام ساجداً أو قاعداً فكبر للإحرام ثم اتبع الإمام بدون تكبير لماذا؟ لأنك الآن ستنتقل من قيام إلى قعود وهذا ليس بمشروع بخلاف الذي يدرك الإمام راكعاً فإن الإمام قد انتقل إلى الركوع من القيام وأنت الآن ستنتقل من القيام إلى الركوع فتكبر مع أن التكبير لمن أدرك الإمام راكعاً التكبير للركوع في حقه ليس بواجب لكنه أفضل.
    السائل: أما القعود فالانتقال من قيام إلى قعود التكبير غير مشروع لكن ما يقال إن الانتقال من قيام إلى سجود التكبير مشروع لأن السجود يكون بعد القيام؟
    الشيخ: ليس بمشروع أيضاً لأن السجود يكون من رفع بعد ركوع أما الآن أنت سوف تنحط من قيام قبل ركوع وأما السجود الذي بعد الركوع فهو بعد الركوع فيفرق بين هذا وهذا فليس هناك سجود من قيام إلا بعد ركوع.
    السائل: ما هو المقدار أو الحد الذي يدرك به الركوع مع الإمام؟
    الشيخ: الركوع بارك الله فيك يدرك فيما إذا كبرت للإحرام ثم أهويت وأدركت الإمام في حال ركوعه قبل أن ينهض يعني أنت اتفقت والإمام في حد الركوع.
    السائل: مسألة أن ينحط من قيام إلى سجود أو قعود بدون تكبير لماذا سقط التكبير وهو واجب؟
    (2/57)
    ________________________________________
    الشيخ: إذا جئت والإمام ساجد أو جالس بين السجدتين أو جالس للتشهد فكبر للإحرام ثم انزل بدون تكبير والتكبيرات هنا ليست واجبة لأنه لا يوجد قعود مشروع بعد القيام مباشرة ولا سجود مشروع بعد القيام مباشرة السجود المشروع بعد القيام إنما يكون بعد قيام قبله ركوع وهنا ليس قبله ركوع هذا وجهه.
    السائل: لو زاد الخامسة سهواً ثم سها فيها فهل يسجد للسهو؟
    الشيخ: نعم يسجد للسهو لأنها في حكم الصلاة كما لو أحدث فيها بطلت.

    فصل
    القارئ: وإذا أحس بداخل في القيام أو الركوع استحب له انتظاره ما لم يشق على المأمومين لما روى ابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم ولأنه انتظار ليدرك المأموم على وجه لا يشق فلم يكره كالانتظار في صلاة الخوف إلا أن يكون الجمع كثيراً فإنه لا يستحب لأنه لا يبعد أن يكون فيهم من يشق عليه ولأنه يفوت حق جماعة كثيرة لأجل واحد ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك فضيلة الجماعة ويبني عليها.
    (2/58)
    ________________________________________
    الشيخ: قوله رحمه الله ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك فضيلة الجماعة إن أراد بذلك الفضيلة المطلقة ففيه نظر وإن أراد أنه أدرك شيئاً من فضيلة الجماعة فهذا صحيح ووجه هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فمنطوق هذا اللفظ أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ومفهومه من أدرك دون ذلك فإنه لم يدرك الصلاة وهذا عام في جميع الإدراكات وكما أنه لا يدرك الجمعة بالتكبير قبل سلام الإمام حتى يدرك ركعة كاملة فكذا هنا فصار الدليل على القول الراجح أنه لا يدرك الفضيلة المطلقة إلا بإدراك ركعة الدليل أثر ونظر، أثر وهو قوله (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) النظر القياس على إدراك صلاة الجمعة أن الإنسان لو أتى إلى الجمعة وكبر قبل سلام الإمام وقد فاته الركوع الأخير فإنه لا يصلي جمعة لأنه لم يدركها بل يصلي ظهراً.

    فصل
    القارئ: وما يدركه المأموم مع الإمام آخر صلاته لا يستفتح فيه وما يقضيه أولها يستفتح إذا قام إليه ويستعيذ لقوله صلى الله عليه وسلم (وما فاتكم فاقضوا) والمقضي هو الفائت وعنه أن ما يدركه أولها وما يقضيه آخرها لقوله صلى الله عليه وسلم (وما فاتكم فأتموا) والأول المشهور.
    (2/59)
    ________________________________________
    الشيخ: إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما فاتكم فأتموا) وقال (ما فاتكم فاقضوا) والظاهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل إلا أحد اللفظين اللهم إلا أن يكون قالهما في زمنين مختلفين وإلا فلا يمكن أن يقول ما فاتكم فأتموا ما فاتكم فاقضوا هذا بعيد وأياً كان فإن أحسن ما يفسر به كلام النبي هو كلام النبي فإذا قال (فأتموا) وقال (فاقضوا) قلنا يجب أن نفسر القضاء بالإتمام لأن القضاء بمعنى الإتمام وارد في اللغة العربية بل في القرآن الكريم قال الله تبارك وتعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) قضاهن بمعنى أتمهن فالصحيح أن ما أدركه المسبوق أول صلاته يستفتح فيه ويستعيذ ويقرأ الفاتحة وسورة إن تمكن وأن ما يقضيه هو آخرها فلا يستفتح ولا يستعيذ إلا إذا قلنا بأنه يستعيذ في كل ركعة فيستعيذ في المقضي كما يستعيذ في المؤدى ويدل لهذا القول الصحيح أنه لو أدرك ركعة من المغرب فكيف يكون القضاء؟ قام فصلى ركعة ثم جلس للتشهد الأول ولو قلنا إن ما يدركه هو آخر صلاته لكان يصلي ركعتين بتشهد واحد.
    القارئ: لأنه يقرأ فيما يقضيه بالسورة بعد الفاتحة فكان أول صلاته كما لو بدأ به.
    الشيخ: كأنه يقول إنكم تقولون إنه إذا قام يقضي تقولون إنه يقرأ الفاتحة وسورة وهذا يدل على أن ما كان يقضيه أول صلاته فنقول هذا لا يلزمنا من وجهين:
    الوجه الأول أن نقول إننا لا نلتزم به ولا نقول إنه يقرأ سورة مع الفاتحة بل يقتصر على الفاتحة.
    (2/60)
    ________________________________________
    الثاني أن نقول إنه يقرأ سورة مع الفاتحة ويكون هذا قضاءً لما لم يدركه مع الإمام لأن الإمام في آخر الصلاة سوف يقتصر على الفاتحة وقد لا يتمكن المأموم من قراءة غيرها فإذا لم يتمكن فإنه يقرأ ما فاته ويكون ذلك داخلاً في عموم قوله (وما فاتكم فأتموا) لأن هذا فاتنا فلابد من إتمامه فصار التخلص من هذا الإلزام بأحد وجهين الوجه الأول أن نقول لا يقرأ مع الفاتحة سورة أخرى ولا يلزمنا لأننا نقول هذا آخر الصلاة وآخر الصلاة ليس فيه إلا الفاتحة الثاني أن نقول يقرأ سورة مع الفاتحة لكن هذا قضاء لما لم يقرأه في أول صلاته وبناءً على ذلك نقول إذا تمكن هذا المسبوق من قراءة سورة بعد الفاتحة في آخر صلاة الإمام فإنه لا يعيد السورة مرة ثانية.
    السائل: إن العقل ما يوافق على أن أول الصلاة يصير في آخرها؟
    الشيخ: هذا صحيح هذا الترتيب المعقول أن ما أدركه هو أول صلاته لكن أنا أقول كأن المؤلف رحمه الله يريد أن يلزم القائلين بأن ما يقضيه آخر صلاته يلزمهم يقول إنكم تقولون إنه يقرأ سورة مع الفاتحة وهذا يدل على أن الذي يقضيه أول الصلاة نحن نقول ننفصل عن هذا الإلزام بأحد وجهين هما أن نقول لا تقرأ ولا دليل من السنة على أنه يقرأ فنقول اقتصر فيما تقضي على الفاتحة ولا تقرأ والثاني أن نقول اقرأ مع الفاتحة سورة لأنك لم تقرأها في أول صلاتك فيكون هذا مما يقضى لأن الصلاة لابد فيها من قراءة سورة مع الفاتحة في أولها ولم يحصل لك فلا تتمه إلا إذا قرأت.
    السائل: أدرك الإمام في التشهد الأخير هل نقول ادخل مع الإمام؟ وكيف نجيب على حديث أبي هريرة (ما أدركتم فصلوا)؟
    (2/61)
    ________________________________________
    الشيخ: نقول ادخل مع الإمام إلا إذا كان سيدرك جماعة أخرى من أول الصلاة فلا يدخل معه وحديث أبي هريرة محمول على قوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذا في الحقيقة لم يدركها فكونه يأتي بصلاة يدركها من أولها ويدرك فضل الجماعة المطلق خير من كونه يدخل مع الإمام في حال لا يدرك الصلاة معه.
    فإذا لم يدرك الجماعة فهل نقول أن الإنسان يخير بين أن يدخل مع إمام لم يدرك معه الجماعة وبين أن يصلي مع إمام يدرك معه الجماعة؟ الجواب الثاني.
    القارئ: فإن لم يدرك إلا ركعة من المغرب أو الرباعية ففي موضع تشهده روايتان إحداهما يأتي بركعتين متواليتين ثم يتشهد لأن المقضي أول صلاته وهذا صفة أول الصلاة ولأنهما ركعتان يقرأ فيهما بالسورة فكانتا متواليتين كغير المسبوق والثانية يأتي بركعة ثم يجلس لأنه يروى عن ابن مسعود وسعيد بن المسيب ومسروق فإذا جلس مع الإمام في تشهده الأخير كرر التشهد الأول فإذا قضى ما عليه تشهد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم سلم.
    الشيخ: وقوله الثانية يأتي بركعة ثم يجلس بناءً على أن ما يقضيه أول صلاته يعني حتى على هذا القول يقولون إنه يجلس عقب ركعة مع أنهم يقولون إنما يقضيه أول صلاته أما على القول بأنه يأتي بركعتين متواليتين فهذا مطرد.
    (2/62)
    ________________________________________
    وقوله إذا جلس مع الإمام في تشهده الأخير كرر التشهد الأول هذا أيضاً فيه خلاف فبعضهم قال إن كان جلوسه مع الإمام هو جلوسه الأول كرر التشهد مثل أن يكون أدرك مع الإمام ركعتين في رباعية فإن تشهد الإمام الأخير سيكون له تشهداً أولاً ففي هذه الحال يكرر التشهد الأول لأن لا يزيد فيه على ما يشرع فيه وأما إذا كان تشهد الإمام الأخير ليس تشهده الأول مثل أن يدخل معه في الركعة الأخيرة فإنه يكمل التشهد لأن هذا الجلوس ليس موضع جلوس له إلا لمجرد المتابعة فيتابعه بالقول كما يتابعه بالفعل وهذا له وجه ومنهم من قال بل يكمل التشهد لأنه لا دليل على تكرار التشهد مرتين فيكمل التشهد ويستمر إلى آخره فالأقوال إذاً ثلاثة أقوال:
    القول الأول ما ذهب إليه المؤلف وهو أنه يكرر التشهد مطلقاً سواء كان ذلك موضع تشهده أولا.
    والقول الثاني أنه يكرره إن كان موضع تشهده.
    والقول الثالث يستمر سواء كان موضع تشهده أو ليس موضع تشهده.
    ونقول نحن الأمر في هذا واسع إن كرر فعل خير وإن استمر فعل خير وليس هناك دليل يفصل بين هذه الأقوال الثلاثة.

    فصل
    القارئ: فإن فاتته الجماعة استحب أن يصلي في جماعة أخرى فإن لم يجد إلا من قد صلى استحب لبعضهم أن يصلي معه لما روى أبو سعيد أن رجلاً جاء وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (من يتصدق على هذا فيصلي معه) وهذا حديث حسن ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) ويجوز ذلك في جميع المساجد إلا أن أحمد كرهه في المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    الشيخ: هذه إعادة الجماعة في مسجد واحد وإعادة الجماعة في مسجد واحد تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
    (2/63)
    ________________________________________
    الأول أن يكون هذا المسجد للمارة فكل من مر صلى وذلك كالمساجد التي تكون في الطرقات مثل المساجد التي تكون في المحطات محطات البنزين أو غيرها فإعادة الجماعة فيها غير مكروهة قولاً واحداً لأن هذه للمارة ولا يمكن أن ينتظر الناس بعضهم بعضاً فنقول كلما جاءت جماعة صلوا لكن المكروه أن يدخل جماعة وقد شرعت الجماعة الأولى في الصلاة فيصلون وحدهم كما يوجد هذا في مساجد الطرق وهذا خطأ لأنه يؤدي إلى تقسيم المسلمين ولكن إذا قالوا نحن ندخل لم نصل المغرب وهؤلاء يحتمل أنهم يصلون العشاء قلنا هذا لا يضر لأنهم إذا كانوا يصلون العشاء فهم سفر سيصلونها ركعتين وهذا لا يغير صلاة المغرب بالنسبة لكم ادخلوا معهم فإن أدركتم آخر ركعة فأتوا بركعتين إذا كنتم تصلون المغرب وإن أدركتموه في أول ركعة فأتوا بركعة ولا إشكال في هذا أما أن تقيموا صلاة وحدكم فهذا غلط تفريق للمسلمين.
    القسم الثاني أن تتخذ إعادة الجماعة راتبة في غير مساجد الطرق فهذا بدعة مكروهة وهذا كان يفعل في المسجد الحرام قبل أن تستولي عليه الحكومة السعودية كان المسجد الحرام يصلي فيه أربعة أئمة كل إمام يصلي بمن يتبعونه في مذهبه فللحنابلة إمام وللشافعية إمام وللحنفية إمام وللمالكية إمام فيقال هذا المقام الحنفي هذا المقام المالكي هذا المقام الشافعي هذا المقام الحنبلي أحياناً ربما يتفقون جميعاً هذا يصلي مع الجهة الجنوبية وهذا يصلي مع الجهة الشمالية ولا شك أن هذا بدعة منكرة وموجبة لتفريق المسلمين ولهذا كان من حسنات الملك عبد العزيز رحمة الله عليه أن ألغى هذا وقال المسجد مسجد واحد فيكون إمامه واحداً ولا يمكن أن تتعدد الأئمة هذا لا شك في أنه بدعة منكرة.
    (2/64)
    ________________________________________
    القسم الثالث أن تكون إعادة الجماعة في هذا المسجد طارئة وهذا هو الذي يقع كثيراً فيأتي جماعة وقد صلى الناس في هذا المسجد وانصرفوا من الصلاة فهنا نقول كما قال المؤلف رحمه الله إنه يستحب أن يصلي في جماعة أخرى ودليل ذلك أولاً قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) وهذا عام.
    ثانياً أنه دخل رجل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جالس بأصحابه فقال (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فقام إليه أحد الصحابة وصلى معه وهذه إقامة جماعة بعد جماعة أخرى.
    (2/65)
    ________________________________________
    ثالثاً ما استدل به المؤلف من عموم قوله صلى الله عليه وسلم (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) وهذا عام ولكن هذا الاستدلال بهذا الحديث يقتضي أن فضيلة الجماعة الثانية كفضيلة الجماعة الأولى أي أنها تكون بسبع وعشرين درجة وفي هذا عندي نظر فالظاهر أن الجماعة التي تكون أفضل بسبع وعشرين درجة إنما هي الجماعة الأولى أما الثانية فلا شك أن الجماعة أفضل من الانفراد ولكن لا تلحق أن تكون سبعاً وعشرين درجة هذا هو الظاهر هذا وقد بلغنا أن بعض العلماء قال إنها لا تعاد الجماعة إلا فيما إذا تصدق أحد عليه وهذا في الحقيقة من أبعد ما يكون عن القياس النظري وعن الدليل الأثري أما الدليل الأثري فقد علمتموه وأما القياس النظري فيقال إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تقام الجماعة مع شخص يُتصدق عليه فإقامتها مع شخص تكون فضيلة له من باب أولى لأن هذا المتصدق يقوم يصلي نفلاً والرجلان الداخلان اللذان فاتتهما الجماعة كل واحد منهما يصلي فرضاً فإذا جاز إقامة الجماعة في نفل فإقامتها في الفرض من باب أولى بل لو قال قائل إن الجماعة هنا تجب لكان له وجه لكن المؤلف يقول إنها تستحب وبناءً على قوله لو أن هذين الرجلين الداخلين تفرقا وصلى كل واحد وحده لم يكن عليهما إثم لكن فاتهما الأجر ولو قيل بوجوب الجماعة حينئذٍ لكان له وجه لكن الإنسان لا يجزم بوجوب الجماعة في مثل هذه الحال لأن الجماعة الواجبة هي الجماعة الأولى فإن قال قائل إن الذين يقولون لا تعاد الجماعة حتى في هذا الأمر العارض إلا في حال الصدقة استدلوا بأثر روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه دخل المسجد ومعه أصحابه وقد صلى الناس فانصرف إلى البيت وصلى فيقال في الجواب عن ذلك
    أولاً إن ابن مسعود رضي الله عنه قد روي عنه أنه دخل المسجد فرآهم قد صلوا فصلى جماعة بأصحابه هكذا نقله صاحب المغني عنه فيكون لابن مسعود في ذلك قولان.
    (2/66)
    ________________________________________
    ثانياً أن رجوع ابن مسعود وصلاته في بيته قضية عين ليست قولاً عاماً هي قضية عين أي فعل يحتمل ربما يكون ابن مسعود رضي الله عنه خاف إن أقام الجماعة أن يتهاون الناس بالحضور إلى الجماعة الأولى لأنه صحابي جليل فإذا رأوه في هذه الحال اقتدوا به فخاف أن إذا رآه الناس يصلي جماعة أن يتهاون الناس بحضور الجماعة الأولى ثانياً أنه رضي الله عنه ربما ذهب إلى بيته ليصلي بالجماعة الذين معه خوفاً من أن يكون في قلب الإمام إمام المسجد ما فيه قد يكون في قلبه ما فيه ويفكر لماذا تأخر ابن مسعود حتى فرغت الصلاة وجاء يصلي بأصحابه وهذا أمر وارد لا سيما الصحابي.
    ثالثاً أننا لا ندري فربما يكون ابن مسعود تذكر أنه ليس على وضوء فذهب إلى بيته ليتوضأ منه وهذا الاحتمال أضعف الاحتمالات فعلى كل حال نقول إن فعل ابن مسعود رضي الله عنه قضية عين تحتمل وجوهاً ثم هي معارضة بما يروى عنه أنه صلى ثم هي معارضة بما تدل عليه أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام والمعول على الأخير على ما دلت عليه السنة.

    فصل
    القارئ: ويتبع المأموم الإمام فيجعل أفعاله بعد أفعاله لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) متفق عليه والفاء للتعقيب وقال في حديث أبي موسى فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم رواه مسلم وقال البراء بن عازب كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد ظهره حتى يقع ساجداً فنقع سجوداً بعده متفق عليه.
    الشيخ: إذاً المتابعة تكون بأمرين المبادرة في الاتباع وعدم السبق ولهذا قال (إذا كبر فكبروا) والفاء يقول المؤلف إنها تدل على التعقيب وعلى هذا فليس من السنة أن يتأخر المأموم عن الإمام حتى وإن كان قد تأخر للدعاء فإن ذلك ليس من السنة.
    (2/67)
    ________________________________________
    القارئ: فإن كبر للإحرام مع إمامه أو قبله لم يصح لأنه ائتم بمن لم تنعقد صلاته.
    الشيخ: إذاً موافقته في تكبيرة الإحرام توجب أن لا تنعقد صلاته صلاة المأموم لأنه ائتم بمن لم تنعقد صلاته فإن الإمام لا تنعقد صلاته حتى يتم التكبير.
    القارئ: وإن فعل سائر الأفعال معه كره لمخالفة السنة ولم تفسد صلاته لأنه اجتمع معه في الركن وإن ركع أو رفع قبله عمداً أثم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام) والنهي يقتضي التحريم وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار) متفق عليه فظاهر كلام الإمام أحمد أن صلاته تبطل لهذا الحديث قال لو كان له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب وقال القاضي تصح صلاته لأنه اجتمع معه في الركن أشبه ما لو وافقه.
    الشيخ: والصواب الأول الصواب ما كان ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا سبقه بطلت صلاته لأنه فعل شيئاً محرماً في نفس العبادة وكما قال الإمام أحمد رحمه الله لو كان له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب إذاً لو ركع قبل الإمام متعمداً عالماً أنه لا يجوز فصلاته باطلة لأنه ارتكب محظوراً عالماً بذلك والمذهب أن صلاته لا تبطل لأن إمامه وافقه في الركن لكن مع ذلك هو آثم بسبقه وهذا مخالف للقواعد لأن القاعدة أن ما كان محرماً في العبادة فهو مبطل لها مفسد لها.
    السائل: ما الفرق بين الفساد والبطلان؟
    (2/68)
    ________________________________________
    الشيخ: لا فرق، فسدت صلاته، يعني بطلت وبطلت يعني فسدت فلا فرق بين الفاسد والباطل عند الحنابلة إلا في بابين من أبواب العلم الباب الأول في باب الإحرام والباب الثاني في باب النكاح فباب الإحرام يقولون إن الإحرام لا يبطل إلا بالردة فإذا ارتد الإنسان وهو محرم بطل إحرامه، ويفسد بالجماع قبل التحلل الأول فالنسك بالجماع قبل التحلل الأول فاسد ولا يقال إنه باطل وبالردة باطل ولا يقال إنه فاسد.
    والباب الثاني باب النكاح فما أجمع العلماء على فساده فهو باطل وما اختلفوا فيه فهو فاسد فالنكاح بلا ولي فاسد ونكاح المعتدة باطل لأنه مجمع على تحريمه.
    السائل: ما معنى اجتمع معه في الركن؟
    الشيخ: لما ركع قبل الإمام ثم ركع الإمام بعده اجتمعا في الركوع وهو الركن وإنما قالوا ذلك لأجل أن يسلم لهم قولهم لو أنه ركع ورفع قبل ركوع إمامه بطلت لأنه لم يجتمع معه في الركن لكن هذا التعليل عليل، لأن التعليل الأول وهو أن هذا الرجل أتى بمحرم في الصلاة فوجبت أن تبطل هو الصحيح.
    السائل: ما وجه كراهة الإمام أحمد في إعادة الجماعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي دون غيرهما؟
    الشيخ: وجه ذلك علله بأنه يخشى أن يتوانى الناس عن حضور الإمام الراتب وهذا يقتضي أن مراده إذا كان ذلك على سبيل الإعادة الراتبة يعني الدائمة كما يفعلون فيما سبق.
    القارئ: وإن فعله جاهلاً أو ناسياً فلا بأس وعليه أن يعود ليأتي بذلك معه فإن لم يفعل صحت صلاته لأنه سبق يسير لا يمكن التحرز منه فإن ركع ورفع قبل أن يركع إمامه وسجد قبل رفعه عمداً عالماً بالتحريم بطلت صلاته لأنه لم يأتم بإمامه في معظم الركعة وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته للعذر ولم يعتد بتلك الركعة لما ذكرنا.
    (2/69)
    ________________________________________
    الشيخ: انتبهوا لهذا التفصيل صار المأموم إذا سبق الإمام إلى الركن ففي بطلان صلاته قولان والصحيح البطلان هذا إذا كان عالماً ذاكراً أما إن كان جاهلاً أو كان ناسياً أو غافلاً أو سمع صوتاً ظنه تكبير الإمام فركع ثم تبين له الأمر فإنه يرجع يجب عليه أن يرجع ليأتي به بعد إمامه فإن لم يفعل يقول المؤلف إن لم يفعل صحت صلاته لأنه اجتمع معه في الركن قال وهذا السبق يسير لا يمكن التحرز منه فقولهم إنه يسير قد يسلم به وقولهم لا يمكن التحرز منه غير مسلم إذ يمكن التحرز يقال للمأموم انتظر هذه واحدة ثم قال فإن ركع ورفع قبل أن يركع إمامه وسجد قبل رفع الإمام عامداً عالماً بتحريمه بطلت صلاته لأنه لم يأتم بإمامه في معظم الركعة هذا إذا سبقه بركن بأن ركع ورفع قبل أن يركع الإمام فهنا سبق إمامه بركن لأنه أتى بالركوع تاماً قبل أن يركع الإمام يقول المؤلف إنه تبطل صلاته وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته للعذر ولم يعتد بتلك الركعة لما ذكرنا أي لأنه لم يأتم به في معظم الركعة هذا إذا سبقه بالركن فعندنا الآن السبق إلى الركن والسبق بالركن، السبق إلى الركن معناه أن المأموم يصل إلى الركن قبل الإمام لكن يوافقه الإمام فيه يعني الإمام يلحقه هذا في بطلان صلاته قولان والصحيح البطلان أما السبق بالركن فمعناه أن المأموم يفرغ من الركن قبل أن يصل إليه الإمام مثل أن يركع ويرفع قبل إمامه فهذا نقول إنه سبقه بركن إن كان عالماً ذاكراً بطلت صلاته بمجرد السبق بالركن وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته لكن تبطل ركعته وعللوا ذلك بأنه لم يأتم بإمامه في معظم الركعة حيث أنه ركع ورفع قبل إمامه والصحيح أنه لا فرق إذا كان جاهلاً أو ناسياً بين أن يسبقه إلى الركن أو يسبقه بالركن فإنه إذا كان جاهلاً ثم زال جهله يعود ليأتي بما سبق إمامه به بعد إمامه مثال ذلك رجل سمع صوتاً فظنه الإمام مكبراً للسجود فسجد ثم سمع الصوت مرة أخرى فظنه
    (2/70)
    ________________________________________
    الإمام رافعاً فرفع والإمام لم يسجد بعد هذا جاهل كيف نقول إن هذا تبطل صلاته بل نقول لما رفع من السجود ثم سجد الإمام يعود فيسجد بعد إمامه وتكون زيادته زيادة السجدة هنا غير مبطلة للصلاة لأنه معذور ومن هذا ما حدث أخيراً من رفع الصلاة على مكبر الصوت في المنارة فإن بعض المساجد إذا سمعوا تكبير من حولهم ظنوه إمامهم فركعوا أو سجدوا بل إن بعض المأمومين إذا كان قراءة جارهم في المسجد قراءة جيدة مجودة بصوت حسن يمشون مع هذا الإمام ويتركون إمامهم ما يدرون ما الذي قرأ يمشون مع هذا الإمام فإذا قال (وَلا الضَّالِّينَ) قالوا آمين وإن كان إمامهم في سورة أخرى وهذا من مفاسد رفع الصلاة بمكبر الصوت من فوق المنارة.
    الخلاصة أن العلماء يفرقون بين السبق إلى الركن والسبق بالركن والصواب أنه لا فرق بينهما وأنه متى كان السابق عالماً ذاكراً فصلاته باطلة مطلقاً وإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة وعليه أن يعود ليأتي به بعد الإمام.
    القارئ: فإن ركع قبله فلما ركع رفع ففي بطلان الصلاة بذلك والاعتداد بالركعة مع جهله ونسيانه وجهان فإن ركع الإمام ورفع قبل ركوع المأموم عمدا بطلت صلاته لتركه المتابعة وإن كان لنوم أو غفلة ونحو ذلك لم تبطل لأنه سبق يسير ويركع ثم يدركه فإن سبقه بأكثر من ذلك لعذر ففيه وجهان أحدهما يفعله ويلحق كالمزحوم في الجمعة والثاني تبطل الركعة لأنها مفارقة كثيرة.
    الشيخ: هذا يقع كثيراً يغفل الإنسان أو لا يسمع صوت الإمام فيركع الإمام مثلاً ويرفع ولا يحس به إلا وقد قال سمع الله لمن حمده فماذا يصنع هل يلغي الركعة نقول لا يلغيها يركع ويرفع ويتابع الإمام فإن سبقه بأكثر من ذلك بأن ركع الإمام ورفع وسجد وذلك غافل ففي متابعته وجهان:
    الوجه الأول أنه يأتي بما سبقه به الإمام ثم يتابع.
    (2/71)
    ________________________________________
    والثاني تبطل هذه الركعة وليس هناك دليل ولكن هناك تعليل يقول لأنه إذا تخلف عن الإمام بركوع فإنه تخلف يسير بخلاف ما إذا تخلف عنه بأكثر الركعة فإنه كثير فلا يغتفر.
    وأما وجه الصحة فيقول لأن العذر قائم في القليل والكثير ما دمنا عذرناه بالتخلف القليل ولو كان بركن هام كالركوع فلنعذره بالتخلف الكثير وهذا هو الصحيح إلا إذا وصل الإمام إلى مكانه فإنه هنا لا يتوجه أن يقضي ما فاته بل تلغى الركعة الأولى للمأموم ويكون له ركعة ملفقة، مثاله مأموم تخلف عن الإمام فركع الإمام ورفع وسجد ورفع وقام يقرأ فأحس به حين قام يقرأ في الركعة الثانية فالآن تخلف عنه بركعة كاملة هنا لا نقول إنك تقضي ما فاتك لما في ذلك من الخلل الكبير بل نقول ابق على ما أنت عليه وتكون لك ركعة ملفقة معنى ملفقة أنها ملفقة من الركعة الأولى للإمام والركعة الثانية فإذا سلم الإمام فأتِ بهذه الركعة التي فاتت أما إذا كان الإمام لم يصل إلى مكانك فإنك تأتي بما تخلفت به وتتابعه وهذا هو الصحيح، الصحيح أنك تأتي بما تخلفت به عنه ولو كثرت إلا أن يصل إلى الموضع الذي أنت فيه.
    السائل: ركع الإمام ثم ركع المأموم معه فغفل فلم يحس إلا بعد قراءة الفاتحة من الركعة الثانية؟
    الشيخ: يأتي بها ولو كان كثيراً والمسألة فيها خلاف لكن الراجح أنه يأتي بها ما لم يصل إلى مكانه وهنا لم يصل إلى مكانه.
    السائل: ما الحكم إذا تعمد المأموم إطالة الركن؟
    الشيخ: إذا تعمد فإنه إذا فارق الإمام بركن واحد بطلت صلاته هذا هو المذهب أن التخلف كالسبق إلا إذا كان لعذر.
    السائل: إذا كان الإمام يستعجل في قراءة الفاتحة بحيث لا يستطيع الماموم القراءة؟
    (2/72)
    ________________________________________
    الشيخ: إذا علمت أن الإمام يستعجل فالواجب عليك المفارقة أصلاً لأنك لا يمكن المتابعة مع القيام بالأركان فأنت إما أن تفوت المتابعة وإما أن تفوت الأركان فنقول فارقه لأنه إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أجاز من فارق إمامه للتطويل فمن فارق إمامه للإخلال بالأركان من باب أولى.
    السائل: ما الفرق في المعنى في قولنا أنها ركعة ملفقة أو أنها فاتته؟
    الشيخ: الفرق بينهما أننا إذا قلنا ركعة ملفقة معناه أنه وافق الإمام في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية أما من حيث القضاء فلابد من القضاء لا نقول إنه لما وصل الإمام إلى مكانه فإنها تبطل الصلاة بل نقول تبقى ركعة ملفقة.

    باب
    صفة الأئمة
    القارئ: الكلام فيها في ثلاثة أمور أحدها صحة الإمامة والناس فيها على خمسة أقسام أحدها من تصح إمامته بكل حال وهو الرجل المسلم العدل القائم بأركان الصلاة وشرائطها فتصح إمامته وإن كان عبداً لأن أبا ذر وابن مسعود وحذيفة وناساً من أصحاب رسول الله قدموا أبا سعيد مملوكاً لأبي أسيد فصلى بهم ولأنه من أهل الأذان لهم فأشبه الحر.
    الشيخ: قوله وهو الرجل المسلم إلى آخره إذا قال قائل أليست المرأة أيضاً تصح إمامتها؟ فيقال تصح إمامتها في النساء دون الرجال والكلام الآن على من تصح إمامته بكل حال بمن كانوا من جنسه ومن لم يكونوا من جنسه والرجل احترازاً من المرآة واحترازاً من الصغير، والمسلم احترازاً من الكافر، والعدل احترازاً من الفاسق، القائم بأركان الصلاة وشرائطها احترازاً من العاجز عنها كالذي لا يستطيع القيام أو لا يستطيع الركوع أو عاري يؤم مستورين أو ما شابه ذلك.
    (2/73)
    ________________________________________
    القارئ: وتصح إمامة الأعمى لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى رواه أبو داود، ولأن العمى فقد حاسة فأشبه فقد الشم وتصح إمامة الأصم لذلك فإن كان أصم أعمى فقال بعض أصحابنا لا تصح إمامته لأنه قد يسهو فلا يمكن تنبيهه والأولى صحتها لأنه لا يخل بشيء من واجبات الصلاة والسهو عارض فلا يبطل الصلاة احتمال وجوده كالجهل بحكم السجود.
    الشيخ: وهذا هو الصحيح أن الإنسان الأصم الأعمى تصح إمامته لكن لاشك أنه إذا كان سميعاً بصيراً فهو أولى.
    القارئ: وتصح إمامة ولد الزنا والجندي والخصي والأعرابي إذا سلموا في دينهم لدخولهم في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم) وتصح إمامة المتيمم بالمتوضئ لأن عمرو بن العاص صلى بأصحابه متيمما وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم ينكر عليه ولأن طهارته صحيحة أشبه الماسح.

    السائل: لماذا خص بالذكر ولد الزنا والجندي والخصي والأعراب في سلامة الدين؟
    الشيخ: ولد الزنا لأنه قد يكون شؤم أبيه يلحقه والجندي كما تعرف الغالب على الجنود أنهم يتساهلون في بعض الأشياء والخصي لأن فيه نقصاً في الخلقة وليس كالرجل الكامل ولهذا لا يلقح والأعرابي واضح، نص المؤلف على هذا لأن بعض العلماء يقول ما تصح إمامتهم وإلا المسألة واضحة.

    فصل
    القارئ: القسم الثاني من لا تصح إمامته وهم نوعان أحدهما من لا تصح صلاته لنفسه كالكافر والمجنون ومن أخل بشرط أو واجب لغير عذر فلا تصح إمامته بحال لأنه لا صلاة له في نفسه أشبه اللاعب إلا في المحدث والنجس إذا لم يعلم هو والمأموم حتى فرغوا من الصلاة.
    الشيخ: المأموم المراد به الجنس هنا فيشمل الواحد والمتعدد.
    (2/74)
    ________________________________________
    القارئ: إذا لم يعلم هو والمأموم حتى فرغوا من الصلاة أعاد وحده لما روي عن عمر أنه صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف فأهراق الماء فوجد في ثوبه احتلاماً فأعاد ولم يعد الناس وروى الأثرم نحو هذا عن عثمان وعلي وابن عمر ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعا ولأن هذا مما يخفى فكان المأموم معذوراً في الاقتداء به والنجاسة كالحدث لأنها مما تخفى ولا يعفى عن سائر الشروط لأنها ليست من مظنة الخفاء.
    (2/75)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا القسم الثاني ممن لا تصح إمامته وهم نوعان أحدهما من لا تصح صلاته لنفسه كالكافر فمن لا تصح صلاته لنفسه لا تصح إمامته لغيره فالكافر لو كان إماماً فإنه لا تصح إمامته لكن إذا كان كافراً لا علامة على كفره وصلى بأناس فإن صلاتهم صحيحة لأنهم معذورون بخفائه كما لو أنه رجل ينكر الإيمان باليوم الآخر ولا يعترف به لكنه أمام الناس يصلي فهذا لا تصح إمامته لمن كان عالماً بحاله وأما من كان جاهلاً فإنه معذور تصح وظاهر كلام المؤلف أنها لا تصح مطلقاً وأنه متى علم أنه كافر وجبت عليه الإعادة وفي هذا نظر الصواب أن الجاهل بحال الإمام ليس عليه شيء كذلك المجنون كيف المجنون هل أحد يريد أن يقدم شخصاً مجنوناً؟ نقول نعم ربما يكون مجنوناً لكنه لا يظهر جنونه لكل أحد ولكن علمنا بعد أن شرع في الصلاة أنه مجنون فهذا ظاهر كلام المؤلف أن إمامته لا تصح بحال والصحيح أن من جهل حاله صحت صلاته خلفه كذلك من أخل بشرط أو واجب لغير عذر مثل أن لا يطمئن أو أن لا يسجد أو أن لا يركع أو أن يدع ما يجب من الذكر كتكبيرة الانتقال والتسبيح والتحميد والتسميع وما أشبه ذلك يقول فلا تصح إمامته بحال لأنه لا صلاة له في نفسه أشبه اللاعب إلا المحدث والنجس إذا لم يعلم هو والمأموم حتى فرغوا من الصلاة فإنه يعيد وحده وأما المأموم فلا وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لو علم المحدث بحدثه في أثناء الصلاة وجب عليه الإعادة ووجب على المأموين معه وهذا هو المذهب والصحيح خلاف ذلك وأنه إذا كان المأموم لا يعلم بحدث إمامه فائتمامه به صحيح سواء علم الإمام في أثناء الصلاة أو لم يعلم إلا بعد فراغها لأن العلة واحدة وهي جهل المأموم بحال الإمام ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتاه جبريل في أثناء الصلاة وأخبره أن في نعليه قذراً فخلعهما واستمر في صلاته وظاهر كلام المؤلف أنه لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة بطلت صلاته وبطلت صلاة المأموين
    (2/76)
    ________________________________________
    معه والصواب في مسألة النجاسة أنها لا تبطل صلاته إذا أمكنه التخلي عنها كما لو كانت في غترته نجاسة فهنا يمكن أن يتخلى عنها ويمضي في صلاته أو في نعليه فإنه يمكن أن يتخلى ويمضي في صلاته والقاعدة الآن أنه متى كانت صلاة الإمام باطلة على وجه لا يعلم بها المأموم فإن صلاة المأموم صحيحة سواء كان ذلك عن حدث أو عن نجاسة أو عن فسق لم نعلم به أو عن كفر لم نعلم به أو كان يركع ويسجد بدون ذكر وبدون قول المهم أن المأموم معذور بعدم العلم فالصواب أن صلاته صحيحة.
    القارئ: ولا يعفى عن سائر الشروط لأنه ليست من مظنة الخفاء فإن علم الإمام والمأموم ذلك في أثناء الصلاة لزمهم الاستئناف وحكي عنه في المأموم أنه يبني على ما مضى لو سبق الإمام الحدث والمذهب الأول لأن ما مضى بني على غير طهارة بخلاف من سبقه الحدث وإن علم بعض المأمومين دون بعض فالمنصوص أنهم يعيدون جميعاً لعدم المشقة فيه ويحتمل أن تختص الإعادة بمن علم لأنه اختص بالعلم المبطل فاختص بالبطلان كما لو أحدث.
    الشيخ: الصواب أنهم إذا لم يعلموا فإن صلاتهم صحيحة وأنه إذا علم الإمام في أثناء الصلاة انصرف وأمر من يتم بهم الصلاة لأن المأمومين معذورون وقد قال الله تبارك وتعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولو قلنا بعدم العذر للزم من ذلك أنه كلما تقدم إمام يقول المأمومون له هل أنت على طهارة هل ثيابك طاهرة لأن لا يقعوا في الحرج فيما لو تبين أنه محدث أو أن في ثوبه نجاسة فالصواب أن المأمومين إذا لم يعلموا فإنه لا إعادة عليهم سواء علم الإمام في أثناء الصلاة أو لم يعلم إلا بعد انتهائها.
    (2/77)
    ________________________________________
    القارئ: النوع الثاني الفاسق إما بالأفعال أو ببدعة لا تكفره ففي إمامته روايتان إحداهما تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة عن أوقاتها) قال قلت فما تأمرني قال (صلِّ الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصلِّ فإنها لك نافلة) من المسند وكان ابن عمر يصلي وراء الحجاج والحسن والحسين يصليان وراء مروان.
    والثانية لا تصح لأن جابراً قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان أو يخاف سوطه أو سيفه) رواه ابن ماجة ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة ويحتمل أن تصح الجمعة والعيد دون غيرهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهما خلف كل بر وفاجر ولأنها تختص بإمام واحد فالمنع منها خلف الفاسق يفضي إلى تفويتها فسومح فيها دون سائر الصلوات.
    (2/78)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا الاحتمال هو المذهب أنها تصح الصلاة خلف الفاسق في الجمعة والعيد إذا تعذر خلف غيرهم لأننا لو قلنا لا تصلي لزم أن لا يصلي الجمعة دائماً وأن لا يصلي العيد أما الصلوات الخمس إذا قلنا لا تصلي أمكنه أن يصلي وحده أو أن يصلي في جماعة في مكان آخر والصحيح في هذا الرواية الأولى التي قدمها المؤلف وهو أن الفاسق تصح الصلاة خلفه سواء كان فاسقاً بالأقوال أو بالأفعال أو بالاعتقاد فإن الصلاة تصح خلفه لأن من صحت صلاته صحت إمامته إلا ما دل الدليل على خلافه ولأننا لو اعتبرنا هذا شرطاً لم نجد في يومنا الحاضر من يصلح للإمامة لأنه وإن كان الإنسان مستقيم الدين فيما بينه وبين الله لكن أين الذي يسلم من الغيبة بل كثير من أئمة المساجد لا تطيب لهم المجالس إلا بالغيبة نسأل الله العافية فالصواب إذاً أن الصلاة تصح خلف الفاسق وفعل الصحابة رضي الله عنهم يدل على ذلك فإن ابن عمر رضي الله عنه صلى خلف الحجاج مع أنه يمكن أن لا يصلي خلفه وقد يقال إن ابن عمر رضي الله عنه كان يصلي خلف الحجاج لأن لا يؤدي تخلفه عن الصلاة خلفه إلى فتنة وكذلك الحسن والحسين يصليان خلف مروان قد يقال أيضاً كذلك إنهما يخشيان من الفتنة لكن نقول إنه لا دليل على اشتراط أن يكون الإمام عدلاً صحيح أنه إذا كان عدلاً فهو أولى بلا شك لكن كوننا نجعل ذلك شرطاً لا تصح الصلاة إلا به فيه نظر وينبني على ذلك ما لو كان الإمام حالقاً لحيته فهذا فاسق بالأفعال وهل ينبني على ذلك ما إذا كان فاسقاً بجر ثوبه خيلاء أو ينبني على شيء آخر؟ هذا ينبني على شيء آخر وهو أننا إذا جعلنا من شرط صحة الساتر أن يكون مباحاً صار هذا الذي عليه الثوب النازل كالعاري تماماً فصلاته غير صحيحة وإذا لم تصح صلاته لم تصح إمامته ولهذا يجب أن نعرف الفرق بين رجل مسبل وبين رجل حالق لحيته الفرق بينهما أن إسبال هذا يتعلق بشرط من شروط الصلاة وأما حالق اللحية فلا، مع أن القول الراجح أنه
    (2/79)
    ________________________________________
    ليس من شرط صحة الساتر أن يكون مباحاً وأن الإنسان لو ستر عورته بمحرم فالستر ثابت لكنه آثم أما من يرى أن الإسبال مبطل للصلاة فهنا لا يصح الائتمام به لأنه سوف يأتم بمن يرى أن صلاته باطلة وهذا لا يستقيم.
    إذا اجتمع شخصان كل واحد منهما فاسق من وجه فأيهما يقدم؟ الأخف.
    شارب الدخان وحالق اللحية من يقدم؟ شارب الدخان لأن ذنبه أهون من وجهين الوجه الأول أنه لا نص على تحريمه والوجه الثاني أن شارب الدخان لم يجاهر به وإن جاهر فإنما يجاهر عند من كانوا حوله لكن حالق اللحية قد جاء النص بوجوب إعفاء اللحية وأيضاً حالق اللحية معلن إعلاناً تاماً بالمخالفة والمعصية فهو من المجاهرين والعياذ بالله.
    أيهما أولى شارب الدخان أو المغتاب؟ شارب الدخان أولى من الذي يغتاب لأن الغيبة كبيرة وشرب الدخان صغيرة لا يكون كبيرة إلا بالإصرار وعلى هذا فإذا اجتمع شخص معروف بالغيبة وأكل لحوم الناس وآخر شارب للدخان أيهما أولى؟ شارب الدخان مع أن هذا عند العامة شيء كبير.
    اجتمع شارب دخان وشارب خمر أيهما أولى؟ شارب الدخان أولى بالإمامة لأن شرب الدخان أهون من شرب الخمر.
    السائل: إذا أردنا أن نمنع مجموعة من العوام وهم يشربون الدخان والشيشة فنبدأ بالتوحيد والأشياء المهمة أم بتحذيرهم من الدخان؟
    (2/80)
    ________________________________________
    الشيخ: على كل حال الدعوة للتوحيد قبل كل شيء لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذاً إلى اليمن قال فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن إذا كانت دعوتنا إليهم بالأسهل سبباً لقبولهم للأعلى فلا مانع وهذا يكون من باب الوسيلة كما لو أعطيناهم دراهم للتأليف على الإسلام مثلاً لنفرض أن أناساً يعني يعظمون القبور على وجه الغلو فهل مثلاً نحدثهم أول ما نحدثهم عن ذلك أو نحدثهم أولاً فيما يجب في الطهارة والصلاة والأشياء التي تلين قلوبهم لها ثم بعد ذلك إذا قبلوا منا وأقبلوا علينا نهيناهم عن هذا على كل ينظر في هذا للمصلحة وإلا فالأصل أن الدعوة للتوحيد قبل كل شيء.

    فصل
    القارئ: القسم الثالث من تصح إمامته بمثله ولا تصح بغيره وهم ثلاثة أنواع المرأة يجوز أن تؤم النساء لما تقدم ولا يجوز أن تؤم رجلاً ولا خنثى مشكلا في فرض ولا نفل لقوله عليه السلام (لا تؤمن امرأة رجلا) ولأنها لا تؤذن للرجال فلم يجز لها أن تؤمهم كالمجنون.
    (2/81)
    ________________________________________
    الشيخ: أما الأول (لا تؤمن امرأة رجلا) ففي صحته نظر وأما الثاني في كونها لا تؤذن للرجال فإن هذه علة طردية وليست هي علة معنوية كونها ما تؤذن للرجال نقول لا تؤمهم إذاً ممكن أن نقول إذا كانت لا تؤذن للرجال أيضاً لا تكلمهم فهذا لا يصح التعليل به لكن يمكن أن يصح التعليل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وكوننا نعطيها القيادة في صلاتنا هذا تولية أمر ثم إن كونها إماماً فيه مفسدة وهي الفتنة العظمى لا سيما إن كانت شابة وكان صوتها رقيقاً وكان الذين وراءها شباباً فحدث ولا حرج فالحاصل أن العلة هي عموم الحديث (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) والفتنة، مع أن الفتنة في الحقيقة غير منضبطة يعني لو قال قائل أبطلوا إمامة المرأة فيما إذا كانت شابة حسنة الصوت حسنة الأداء والذين وراءها شباب أبطلوها لا بأس لكن إذا كانت عجوزاً والذين وراءها شيوخ وقراءتها مكسرة وصوتها رديء ليس هناك فتنة لكن يقال الفتنة لا تنضبط وكما قيل لكل ساقطة لاقطة فإغلاق الباب هو الأولى.
    إذاً هذه لا تصح إمامتها إلا لامرأة لا تصح إمامتها إلا بمثلها ولا تصح بأعلى منها مثل الرجل والخنثى إذا قال قائل الرجل واضح وأما الخنثى لاحتمال أن يكون رجلا والخنثى هو الذي لم يظهر خلقه إما أن يكون ذكراً أو أنثى وسبب عدم الظهور وجود إحدى أربع صور يقول الموفق رحمه الله في المغني إنه ذكر في الشام رجل ليس له إلا ثقب بين مخرج السبيلين ثقب واحد يخرج منه البول والغائط جميعاً ورجل آخر ليس له آلة ذكر ولا فرج أنثى وإنما فيه شيء كالورم يخرج منه البول رشحاً كالعرق والثالث ليس له شيء يخرج منه الفضلات من الأسفل وإنما يخرج من فوق إذا أكل الطعام وبقي في المعدة ما شاء الله تقيئه فهذه ثلاث صور الصورة الرابعة هي أن يكون له آلتان لا تتميز إحداهما عن الأخرى بأن يبول منهما جمعياً.
    (2/82)
    ________________________________________
    وأما إذا كان يبول من أحدهما فهو واضح إما ذكر أو أنثى لكن والحمد لله هو قليل بالنسبة للآدمين كثير بالنسبة للبهائم ولا سيما المعز فإنه يكثر فيها الخنثى وقد ورد سؤال من بعض الناس يسأل عن التضحية بالخنثى هل تجوز أو لا تجوز فما الجواب؟ تجوز لأنها مجزئة على كل احتمال إن كانت ذكراً فهي مجزئة وإن كانت أنثى فهي مجزئة.
    القارئ: الثاني الأمي وهو من لا يحسن الفاتحة أو يخل بترتيبها أو حرف منها أو يبدله بغيره كالألثغ الذي يجعل الراء غينا ومن يلحن لحناً يحيل المعنى مثل أن يضم تاء (أنعمت) أو يكسر كاف (إياكَ) أو يخل بتشديدة فإن الشدة قامت مقام حرف بدليل أن شدة راء الرحيم قامت مقام اللام لكن إن خففها أجزأته فهؤلاء إذا لم يقدروا على إصلاح قراءتهم أميون تصح صلاتهم بمثلهم ولا تصح بقارئ لأنه عجز عن ركن الصلاة فأشبه العاجز عن السجود فإن أم أميين وقارئاً صحت صلاة الأمين وفسدت صلاة القارئ.
    (2/83)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا لو قيل بأنها لا تصح صلاة الجميع لكان قولاً وجيهاً وذلك لأنهم عصوا النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله) فتكون إمامة هذا الرجل الأمي في غير محلها ومعلوم أن المعصية إذا عادت إلى ذات العبادة أفسدتها فلو قيل ببطلان صلاة الجميع لكان له وجه نرجع الآن لقوله في الأمي، الأمي في الأصل هو الذي لا يقرأ ولا يكتب ومنه سمي العرب أميين لأنهم لا يقرؤون ولا يكتبون نسبة إلى الأم والإنسان يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً كما جاء في القرآن الكريم أما في الاصطلاح في باب صلاة الجماعة فهو ما ذكره المؤلف هو من لا يحسن أو يخل بترتيبها فمن يقرأ الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين ولا يقرأ إلا هكذا نقول هذا أمي وهذا في ترتيب الآيات وكذلك ترتيب الكلمات لو قال الحمد لرب العالمين الله كذلك أيضاً يخل بحرف منها فيسقطه مثلاً ومن ذلك ما نسمعه من بعض القراء يُخلِّون بالباء في ربّ حتى إنك تكاد أن تقول إنهم يقولون الحمد لله ربِ العالمين وأما إخلال بعضهم بكلمة نعبدْ هذا لا يحيل المعنى لأنهم يقرؤونها بالجزم كثير من الأئمة إذا سمعته يقرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لا يبين الضمة فهل نقول إن هذا إخلال بحركة أو نقول لأنه لما جاز الوقف بالسكون صار هذا كالذي أجرى الوصل مجرى الوقف على كل حال الذي ينبغي للإنسان أن يحرص ويعتني بالفاتحة كذلك أيضاً أو يبدله بغيره كالألثغ الذي يجعل الراء غيناً فيقول مثلاً الحمد لله غب العالمين لكن غريب من المؤلف أن يقول يبدل الراء غيناً والكثير ابدال الراء لاماً هذا هو الكثير كذلك أيضاً يقول أو يلحن لحناً يحيل المعنى مثل أن يضم تاء (أنعمتَ) لأنه يختل المعنى إذا قال صراط الذين أنعمتُ عليهم من يكون المنعم؟ القارئ والمنعم هو الله عز وجل أو يكسر الكاف (إياكَ) وهذا أطم وأعظم الكاف للخطاب وهو يخاطب الله فإذا قال إياكِ نعبد بدل إياك فهذا خطأ عظيم
    (2/84)
    ________________________________________
    جداً أو يفتح همزة (اهدنا) أهدنا يختل المعنى أو لا؟ كيف الاختلاف أهدنا من الإهداء واهدنا من الدلالة والتوفيق أو يقول ولا الظالين لأن هذا إبدال الضاد ظاءً يختل به المعنى لأن الظال معناه الذي صار مثل (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً) يعني صار وجهه مسوداً فإذا أبدل الضاء بظاء فقد أبدل حرفاً بحرف يختل معه المعنى فلا تصح قراءته الفاتحة وهذا أحد الوجهين في هذه المسألة والوجه الثاني في مذهب الإمام أحمد أن إبدال الضاد بظاء لا يضر وذلك لمشقة التحرز منه وقرب المخارج والعامي لا يفرق بين الضاد والظاء ولو أننا أفسدنا الصلاة بمثل ذلك لفسدت صلاة كثير من الناس ولهذا الصحيح أنه لو قال ولا الظالين فصلاته صحيحة، أو يخل بشدة فإن الشدة قامت مقام حرف صحيح إذا قال الحمد لله رب العالمين ولم يأتِ بالشدة فقد نقص حرفاً لأن كل حرف يشدد فهو حرفان والدليل استدل المؤلف بدليل لغوي بدليل أن شدة راء الرحيم قامت مقام حرف اللام هناك اللام القمرية واللام الشمسية اللام القمرية ظاهرة القمر، والشمسية الشمس غير ظاهرة لكن جعل بدل اللام الشين المشددة فالشين المشددة قامت مقام الشين الأصلية والشين التي وقعت بدلاً عن (أل) وكذلك الرحيم كما قال المؤلف رحمه الله الراء المشددة قامت مقام الراء الأصلية والراء التي جعلت بدلاً عن اللام لكن إن خففها أجزأته يعني إن أتى بها مسهلة من غير أن يشدد كثيراً فإنها تجزئه وهذا أيضاً من التيسير والحمد لله مثل (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) شدد لكن ما تسمعها أنت من خلفه إنما هو في نفسه شددها فوقعت خفيفة بحيث إن السامع لا يشعر بأنه أظهرها.
    السائل: ما المقصود بقوله: أو يخل بترتيبها؟
    الشيخ: ترتيب الآيات وكذلك ترتيب الكلمات لو قال الحمد لرب العالمين الله.
    السائل: قلتم إذا الإمام في الصلاة أسرع في الركوع والسجود فإن للمأموم أن يخرج فإذا خرج هل له أجر الجماعة؟
    الشيخ: نعم لأنه معذور.
    (2/85)
    ________________________________________
    السائل: المسألة التي قلنا لو قيل إنها تبطل على الجميع لكان أولى فإذا كان الإمام راتباً ولا يحسن الفاتحة؟
    الشيخ: إذا كان الإمام راتباً فالواجب أنه يزال وصلاة القارئ تبطل وصلاة الأميين ما تبطل على كلام المؤلف لكن ذكرنا أنه لو قيل ببطلان الصلاة صلاة الجميع لكان له وجه لأنهم عصوا الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).
    السائل: بعضنا صلى خلف بعض الأئمة أعراب لا يحسنون القراءة حتى يخطؤون كثيراً فالآن ما حكم صلاتنا؟
    الشيخ: صلاتكم التي مضت نرجو أن تكون مقبولة إن شاء الله.
    القارئ: وفي معنى هذا النوع من يخل بشرط أو ركن كالأخرس والعاجز عن الركوع والسجود والقيام والقعود والمستحاضة ومن به سلس البول وأشباههم تصح صلاتهم في أنفسهم وبمن حاله كحالهم.
    الشيخ: الذي نرى في هذه المسألة وهو العاجز عن الشروط والأركان أنها تصح صلاته بالقادر عليها إلا في مسألة القراءة لأن القراءة فيها نص (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وأما غيرها فمن صحت صلاته صحت إمامته فلو وجدنا إماماً يصلي بنا قارئاً لكنه لا يستطيع السجود لمرض في عينيه أو في ركبتيه أو ما أشبه ذلك ويسجد إيمائاً فالذي نرى أن الصلاة خلفه صحيحة لأنه هو اتقى الله ما استطاع ونحن كذلك اتقينا الله ما استطعنا فأتينا بالواجب من الركوع والسجود وغيرهما من الشروط والأركان.
    السائل: لماذا ذكر الأخرس؟
    الشيخ: الأخرس كالأمي لحديث (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) هذا ما يقرأ أصلاً.
    السائل: إذا قرأ بنا إمام وأخل بالقراءة هل ننفصل أو ماذا نفعل؟
    الشيخ: لا، ردوا عليه فإذا كان لا يقوَّم لو رددت عليه فهنا انفصل وجوباً.
    القارئ: ولا تصح لغيرهم لأنهم أخلوا بفرض الصلاة فأشبه المضجع يؤم القائم إلا في موضع واحد وهو العاجز عن القيام يؤم القادر عليه بشرطين.
    (2/86)
    ________________________________________
    الشيخ: أشبه المضجع يؤم القائم لماذا قال المضجع ما قال القاعد؟ لأن لا تدخل المسألة التي استثناها لأنه استثنى القائم يؤمه القاعد.
    القارئ: أحدهما أن يكون إمام الحي والثاني أن يرجى زوال مرضه ويصلون خلفه جلوسا لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم جالسا فصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون) متفق عليه فإن صلوا قياماً ففيه وجهان أحدهما لا تصح للنهي عنه والثاني تصح لأن القيام هو الأصل وقد أتوا به.
    الشيخ: نحن الآن نتكلم على من لا تصح صلاته إلا بمثله كالعاجز عن الأركان والشروط ويستثنى من ذلك إمام الحي المرجو زوال علته إذا عجز عن القيام فإنه يصلي قاعداً ويصلي الناس وراءه قعوداً لكن اشترط المؤلف رحمه الله شرطين أن يكون إماماً للحي يعني الإمام الراتب في المسجد وأن يكون ممن يرجى زوال علته وهذان الشرطان فيهما نظر والصحيح أنهما لا يشترطان لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) ولأن العلة وهي موافقة الإمام لا تختلف بنسبتها إلى إمام الحي أو غير إمام الحي أو من يرجى زوال علته ومن لا يرجى فالصواب أنه يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وإذا كان لا يستطيع القيام صلى قاعداً وصلوا وراءه قعوداً يقول المؤلف رحمه الله إن صلوا قياماً خلف من يصلي قاعداً فهل تصح صلاتهم؟ يقول رحمه الله فيها وجهان:
    الوجه الأول أن الصلاة لا تصح لأن في ذلك معصية لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (صلوا قعوداً).
    والوجه الثاني أنها تصح لأن الأمر بصلاتهم قعوداً ليس على سبيل الوجوب، ولكن القول بأن صلاتهم لا تصح قول قوي لأنهم ارتكبوا محظوراً في نفس الصلاة والقاعدة لمن ارتكب محظوراً في نفس العبادة فإنه يبطل العبادة لكن المذهب الأول أن الصلاة لا تبطل لكنهم أخطؤوا.
    (2/87)
    ________________________________________
    القارئ: فإن صلوا قياماً ففيه وجهان أحدهما لا تصح للنهي عنه والثاني تصح لأن القيام هو الأصل وقد أتوا به.
    الشيخ: لكن هذا التعليل لأن القيام هو الأصل وقد أتوا به هذا التعليل معارض بأن هذا أصل أبطلته السنة.
    القارئ: فإن ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فجلس أتموا قياما لأن عائشة قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مروا أبا بكر فليصل بالناس) فلما دخل أبو بكر في الصلاة خرج النبي صلى الله عليه وسلم فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر متفق عليه فأتموا قياما لابتدائهم إياها قياماً.
    الشيخ: هذا التخريج هو الصحيح يعني تخريج فعل النبي عليه الصلاة والسلام في آخر حياته حيث صلى قاعداً والناس خلفه قيام هذا التخريج الذي ذكره المؤلف هو المتعين لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في أثناء الصلاة وقد ابتدؤوها قياماً فلزم أن يتموها قياماً وإنما قلنا هذا هو المتعين لنجمع بينه وبين قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) فيقال يصلون قعوداً ما لم يبتدئ بهم الصلاة قائماً فإن ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فإنهم يتمون قياماً وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن هذا الحديث ناسخ لقوله صلى الله عليه وسلم (صلوا قعوداً) وعللوا ذلك بأن هذا في آخر حياته وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر ولكن يقال إن من شرط النسخ أن لا يمكن الجمع بين النصين فإن أمكن فلا يجوز النسخ لأن النسخ مقتضاه إبطال أحد النصين والجمع مقتضاه العمل بالنصين وما اقتضى العمل بالنصين فهو أولى مما اقتضى إبطال أحد النصين فالصواب هو ما ذكره المؤلف رحمه الله من أن الإمام إذا ابتدأ بهم قاعداً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً أما إذا ابتدأ بهم الصلاة جالساً فإنهم يصلون جلوساً.
    (2/88)
    ________________________________________
    السائل: إذا حضر الإمام الراتب والناس يصلون فتقدم إماماً فهل تسقط عنه قراءة الفاتحة؟
    الشيخ: الإمام الذي حضر ثم أتم بهم الصلاة يبني على صلاة الأول لكن بالنسبة لقراءة الفاتحة لابد من قراءتها بالنسبة لهذا الذي حضر أخيراً لأنه لم يستمعها ولم يقرأها فلابد من أن يقرأ وإذا كان قد فاته شيء منها فإنه يقضيه ويجلس الناس الذين أتموا صلاتهم فمثلاً لو أن الإمام دخل وهم في الركعة الثالثة فيصلي بهم ما بقي ثم يقوم وهم يجلسون ينتظرون تسليمه.
    القارئ: فأما غير إمام الحي فلا يصح أن يؤم قادراً على القيام وهو جالس لعدم الحاجة إلى تقديمه مع عجزه.
    الشيخ: قوله لعدم الحاجة لتقديمه هذه علة فيها نظر لأن إمام الحي أحق من غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه) لكن الأقرأ أحق من غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فإذا اجتمع اثنان أحدهما قادر على القيام والثاني غير قادر لكن غير القادر أقرأ فالسنة تقتضي أن يقدم الأقرأ.
    القارئ: وإن لم يرجَ برؤه لم تجز إمامته لأنه لا يجوز استبقاؤه إماماً دائماً مع عجزه.
    الشيخ: هذا أيضاً فيه نظر يقول لابد أن يرجى زوال علته لأنه لو لم يرجَ زوال علته لم يجز أن يبقى إماماً فيقال هذا ليس إلينا هذا إلى الجهات المسؤولة هي التي تفصله أو تبدله ليس إلينا مادام باقياً يصلي بنا وهو إمام من قبل المسؤولين فلا يهمنا أن يرجى زوال علته أو لا.
    (2/89)
    ________________________________________
    لكن كيف نعرف أنه يرجى زوال علته أو لا؟ نعرف ذلك بنوع المرض المانع له فمثلاً إذا كان المرض قطع رجل مثلاً ولا يستطيع أن يعتمد على الرجل الأخرى لا بعصا ولا بغير عصا أو كان شلل في الأسفل أو ما أشبه ذلك عرفنا أنه لا يرجى زواله وإذا كان مرضاً عارضاً كوجع في ساقه أو فخذه أو ركبته ينتظر زواله فهذا مما يرجى زواله ولكن على كل حال الصحيح أنه لا فرق بين من يرجى زوال علته ومن لا يرجى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً).
    السائل: إذا قلنا أنه إذا ابتدأ قاعداً يجب عليهم أن يصلوا خلفه قعوداً وهذا هو الأقرب لكن إذا صلوا قياماً فهل تبطل صلاتهم؟
    الشيخ: هذا يحتمل أن يقال إن صلاتهم تبطل لأنهم فعلوا أمراً منهياً عنه في نفس الصلاة ويحتمل أن يقال إنها لا تبطل لأنهم رجعوا إلى الأصل وهذه مخالفة في صفة الاقتداء والأقوى أن تبطل صلاتهم ويعيدون.
    السائل: إذا كان القارئ ممن لا يحسن القراءة في صلاة سرية هل الحكم سواء؟
    الشيخ: إذا كان يدري أنه يلحن لحناً يحيل المعنى لا يجوز أن يأتم به إلا على القول الثاني الذي قلنا أنه إذا كان عاجزاً لا يستطيع كما لو كان ألثغ يبدل الراء غيناً أو لاماً ولا يستطيع أن يعدل فالصحيح أنه يجوز أن يصلي خلفه.
    القارئ: واحتمل هذا في القيام دون سائر الأركان لخفته بدليل سقوطه في النفل دونها.
    الشيخ: هذا التعليل عليل لأنه يقال والركوع والسجود يسقطان في النفل لأن الإنسان إذا صلى قاعداً في النفل فإنه يؤمئ بالركوع ويومئ بالسجود وأنتم تقولون إن العاجز عن الركوع والسجود لا يصح أن يكون إماماً للقادر عليهما فالصواب المطرد هو أن نقول يصح أن يأتم الإنسان القادر على الأركان بالعاجز عنها ولكن لابد من ملاحظة أن العاجز أحق بالإمامة لكونه أقرأ أو أعلم بالسنة أو ما أشبه ذلك.
    (2/90)
    ________________________________________
    القارئ: فإن كان أقطع اليدين فقال أبو بكر لا تصح إمامته لإخلاله بالسجود على عضوين من أعضاء السجود فأشبه العاجز عن السجود على جبهته وفي معناه أقطع اليد الواحدة وقال القاضي تصح إمامته لأنه لا يخل بركن الصلاة بخلاف تارك السجود على الجبهة.
    الشيخ: وبناءً على القول الصحيح يكون لا فرق الصلاة صحيحة ولا فرق بين الذي أقطع اليدين والعاجز عن السجود على الجبهة ومسألة من عجز عن السجود على الجبهة هل يسقط عنه بقية الأعضاء؟ المذهب يسقط وأن من عجز عن السجود على الجبهة لم يلزمه بغيرها والقول الصحيح أنه لا يسقط لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فإذا كان الرجل يستطيع أن ينحني إلى قرب الأرض ويضع يديه على الأرض لكن لا يستطيع أن يسجد لجروح في جبهته أو وجع في عينه أو ما أشبه ذلك فإنه يلزمه أن يأتي بما يقدر عليه فينحني إلى المكان أو الهيئة التي يعجز معها عن السجود ويضع يديه ويقرب من الأرض بقدر ما يستطيع.
    السائل: إمام يصلي ومعه طفلة صغيرة فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها فعند السجود بكت البنت فحصل هنا مفسدة إذا بكت أخرجت المصلين من الخشوع فحملها عند السجود على رأسه وأمسكها بيد وبذلك يكون سجد على ستة أعضاء فهل هذا يجوز؟
    الشيخ: لا، أنا أرى أن مثل هذا يخفف بدل ما يطيل السجود إذا أتى بقدر الواجب وهو الطمأنينة والطمأنينة هي السكون وإن قل وحينئذٍ تزول المفسدة فلا بد أن يسجد على سبعة أعظم فالحديث (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه والكفين) فالأقطع الكف هو ما ذكره المؤلف.
    (2/91)
    ________________________________________
    القارئ: النوع الثالث الصبي تصح إمامته بمثله لأنه بمنزلته ولا تصح إمامته ببالغ في فرض نص عليه لأن ذلك روي عن ابن مسعود وابن عباس ولأنه ليس من أهل الكمال فلا يؤم الرجال كالمرأة وهل يؤمهم في النفل على روايتين إحداهما لا تصح لذلك والثانية تصح لأن صلاته نافلة فيؤم من هو في مثل حاله ويتخرج أن تصح إمامته لهم في الفرض بناءً على إمامة المتنفل للمفترض ولأن عمرو بن سلمة الجرمي كان يؤم قومه وهو غلام في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري.
    الشيخ: هذا التخريج هو الصواب بلا شك وليت المؤلف رحمه الله قدم النقل على العقل في هذه المسألة لأنه قدم رحمه الله التعليل على النص وهذا يعني تقديم العقل على النقل والأولى في الترتيب أن يقدم النقل على العقل وهذه القصة قصة عمرو بن سلمة الجرمي ثابتة في صحيح البخاري لأنه قال عليه الصلاة والسلام (يؤمكم أكثركم قرآناً) فنظروا في القوم فلم يجدوا أكثر من هذا الصبي قرآناً فجعلوه إمامهم وله ست أو سبع سنوات صغير فكان يؤم قومه فخرجت امرأة من القوم ذات يوم ووجدت أن إزاره رفيع تكاد تنكشف عورته فقالت غطوا عنا إست قارئكم والإست الدبر وليست القبل اللهم إلا تجوزاً يقول فاشتروا لي ثوباً جديداً فما فرحت بعد الإسلام فرحي بهذا الثوب لأن الناس في ذلك الزمن معدومون وهذا القول هو المتعين لوجود الدليل عليه وعلى هذا فلو وجدنا صبياً يصلي في الناس نافلة أو فريضة قلنا إمامته صحيحة على هذا القول الراجح صارت المسألة فيها ثلاثة أقوال:
    القول الأول الصحة في النفل دون الفرض.
    والقول الثاني الفساد في النفل والفرض.
    والثالث الصحة في النفل والفرض وهذا هو الصحيح.
    القارئ: القسم الرابع من تصح إمامته بمن دونه ولا تصح بمثله ولا أعلى منه وهو الخنثى المشكل تصح إمامته بالنساء لأن أدنى أحواله أن يكون امرأة ولا تصح برجل لأنه يحتمل أن يكون امرأة ولا خنثى مشكل لأنه يحتمل كون المأموم رجلا.
    (2/92)
    ________________________________________
    الشيخ: الخنثى المشكل مشكل فمن الخنثى المشكل؟ هو الذي لا يعلم أذكر هو أم أنثى وذلك بأن يكون له آله ذكر وأنثى يعني ذكراً وفرجاً يبول منهما جميعاً ولم يحصل له شيء يتميز به عن النساء أو عن الرجال هذا لا يصح أن يكون إماماً إلا بمن دونه من الذي دونه؟ المرأة فالخنثى المشكل يكون إماماً للمرأة ولا يكون إماماً للرجل ولا لمثله لما ذكر المؤلف لاحتمال أن يكون الخنثى أنثى والمأموم رجل وإمامة الأنثى للرجل لا تصح وإذا كان بمثله فيحتمل أن يكون الإمام هو الأنثى والمأموم هو الرجل أو بالعكس، والعكس يصح لكنه غير متيقن أما بالأنثى فواضح لكن إذا أمَّ أنثى أين تقف منه إلى جنبه لاحتمال أنه أنثى أو خلفه لاحتمال أنه ذكر؟ مشكل إذا وقفت خلفه وقفت منفردة مع إمام واحد وهذا يقتضي أن تكون صلاتها باطلة لكن لو وقفت عن يمينه لم تبطل صلاتها حتى لو قلنا إنه ذكر وهي أنثى فإن مقامها خلفه على سبيل الاستحباب وعلى هذا فيكون الاحتياط أن تقف إلى جنبه.

    فصل
    في إمامة المتنفل للمفترض
    القارئ: القسم الخامس المتنفل يصح أن يؤم متنفلاً وهل يصح أن يؤم مفترضا فيه روايتان إحداهما لا تصح لأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام فأشبه الجمعة خلف من يصلي الظهر والثانية تصح وهو أولى لأن جابراً روى أن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة متفق عليه وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم ثم صلى بالأخرى ركعتين ثم سلم رواه أبو داود وهو في الثانية متنفل يؤم مفترضين ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال فأشبه المتنفل يأتم بمفترض.
    الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر في هذه المسألة المتنفل يصح أن يؤم متنفلاً واضح وهل يصح أن يؤم مفترضاً فيه روايتان:
    الرواية الأولى لا تصح قال لأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام لأن المأموم سينويها فرضاً والإمام نفلاً ومعلوم أن الفرض لا تتأدى بنية النفل.
    (2/93)
    ________________________________________
    وقوله أشبه الجمعة خلف من يصلي الظهر فيه نظر ظاهر لأن الجمعة لا توافق الظهر الظهر أربع والجمعة ركعتان فيلزم المأموم الذي صلى يريد الجمعة خلف من يصلي الظهر يلزمه إما أن يخالف الإمام فيسلم قبله وإما أن يوافقه فيصلي أربعاً لكن لو قال رحمه الله لأن صلاة المأموم أعلى من صلاة الإمام لكان هذا هو التعليل صلاة المأموم فرض والإمام نفل لو قال هذا لكان واضحاً.
    الرواية الثانية تصح ثم ذكر حديث جابر رضي الله عنه في قصة معاذ، معاذ كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم نفس الصلاة فهو متنفل وهم مفترضون ثم استدل أيضاً المؤلف بصلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة الخوف فإن أحد وجوهها أن يصلي بطائفة ركعتين ويسلم ثم بطائفة ركعتين ويسلم والثانية في حقه نفل لأنه لا يمكن أن يصلي فرضين لوقت واحد لكن الاستدلال بهذا فيه نظر لماذا لأن مسألة الخوف لحاجة أن يصلي المتنفل بالمفترض من أجل إقامة العدل بين الطائفتين لكن على كل حال هي تشبه المسألة من بعض الوجوه إلا أن حديث قصة معاذ أوضح في ذلك.
    وقوله ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال فأشبهتا المتنفل يأتم بمفترض هذا أيضاً فيه نظر في قوله فأشبه المتنفل يأتم بمفترض نقول لا شبه لأن المتنفل يأتم بمفترض ائتم بمن هو أعلى منه وأما المفترض بالمتنفل فيمن هو أدنى فهذا التشبيه فيه نظر.
    القارئ: وإن صلى الظهر خلف من يصلي العصر أو صلى العشاء خلف من يصلي التراويح ففيه روايتان وجههما ما تقدم.
    الشيخ: والصواب أنها تصح إذا صلى الظهر خلف من يصلي العصر فهي صحيحة وإذا صلى العشاء خلف من يصلي التراويح فهي صحيحة هذا الصحيح هذا القول هو الراجح لكن من صلى العشاء خلف من يصلي التراويح هل يسلم معه إن كان مسافراً سلم معه وإن كان مقيماً أتى بركعتين.
    (2/94)
    ________________________________________
    القارئ: فإن كانت إحدى الصلاتين تخالف الأخرى كصلاة الكسوف والجمعة خلف من يصلي غيرهما أو غيرهما خلف من يصليهما لم تصح رواية واحدة لأنه يفضي إلى المخالفة في الأفعال فيدخل في قوله عليه السلام (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه).
    الشيخ: هذه المسألة يقول إنها رواية واحدة يعني إذا صلى خلف من يخالفه في الأفعال كصلاة المغرب مثلاً خلف من يصلي العشاء أو صلاة العشاء خلف من يصلي المغرب فظاهر كلام المؤلف أنها لا تصح رواية واحدة في الصورتين وعلل ذلك بأنه يؤدي إلى المخالفة في الأفعال فيقال إذا كانت صلاة المأموم أقصر فهنا سوف يخالفه في الأفعال وإن كانت أكثر فإنه لن يخالفه لأنه سيبقى حتى يسلم الإمام ثم يأتي ثم يقوم فيقضي ما بقي عليه كالمسبوق فالتعليل فيه نظر أيضاً والصواب أن ذلك صحيح أي أنه يجوز أن يأتم بشخص تخالف صلاتُه صلاتَه في الأفعال فإذا صلى العشاء خلف من يصلي المغرب فالصلاة صحيحة وإذا سلم الإمام قام فأتى بالرابعة وهذا واضح فيما إذا كان المأموم مقيماً لكن لو كان مسافراً فماذا يصنع؟ الظاهر لي أنه يخير بين أن يسلم إذا قرأ الإمام التشهد الأول وقرأ هو التشهد الأخير يسلم لأن صلاته انتهت ويحتمل أن نقول كمِّل مع الإمام وأتِ بالركعة الرابعة لأنك ائتممت بإمام متم أتم صلاته لأن المغرب لا تقصر وإن كان الأمر بالعكس المغرب خلف العشاء فكذلك أيضاً نقول صلي المغرب خلف الإمام الذي يصلي العشاء فإذا قام إلى الرابعة فاجلس وتشهد وسلم ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء وإن كنت لا تريد أن تصلي العشاء فلا بأس أن تنتظر وأنت جالس حتى يصل الإمام وتسلم بعده فإن قال قائل هذا فيه مخالفة ظاهرة للإمام لأنك سوف تفارقه وتتشهد وتسلم والإمام في صلاته قلنا نعم هذا فيه مفارقة لكن المفارقة هنا مفارقة للعذر العذر الحسي أو الشرعي؟ العذر الشرعي لأنه لا يمكن أن تصلي المغرب أكثر من ثلاثاً فالمخالفة هنا مخالفة في
    (2/95)
    ________________________________________
    عذر شرعي كمخالفة الطائفة الأولى في صلاة الخوف حيث إنها تنفرد عن الإمام وتكمل الركعة الثانية وتسلم وتنصرف فهذا انفرد عن إمامه لعذر وكما لو أصيب الإنسان بمدافعة الأخبثين أو أحدهما وهو مع الإمام فهنا له أن ينوي الانفراد ويسلم وهذا الذي قلته هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبه نعمل وعملنا أيضاً أي صلينا المغرب خلف العشاء وجلسنا لما قام للرابعة وتشهدنا وسلمنا ثم أدركنا الإمام فيما بقي من صلاة العشاء.
    القارئ: وإن صلى من يؤدي الصلاة خلف من يقضيها أو من يقضيها خلف من يؤديها صحت رواية واحدة ذكره الخلال لأن الصلاة واحدة وإنما اختلف الوقت وخرَّج بعض أصحابنا فيها روايتين كالتي قبلها.
    الشيخ: الفرق بين الأداء والقضاء أن الأداء ما فعل في وقته والقضاء ما فعل بعد وقته هذا الفرق فهل يمكن أن يكون أحد يصلي الظهر قضاءً بمن يصليها أداءً؟ نعم وبالعكس كذلك مثاله رجل نام عن صلاة الظهر بالأمس ثم حضر المسجد الآن والناس يصلون الظهر فذكر أنه لم يصلِّ الظهر بالأمس لأنه نام عنها ونسي أن يصليها فنقول ادخل بنية صلاة الظهر بالأمس وكذلك بالعكس والصحيح أن ذلك صحيح كما قال المؤلف رحمه الله والتخريج فيه نظر.

    فصل
    القارئ: الأمر الثاني في أولى الناس بالإمامة وأتم ما روي فيه حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سناً أو قال سلما ولا يؤمَّنَّ الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) رواه أحمد ومسلم.
    (2/96)
    ________________________________________
    الشيخ: أولى الناس بالإمامة أتم ما فيه هذا الحديث حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وهل المراد أقرؤهم أكثرهم أو أقرؤهم يعني أجودهم بالقراءة يحتمل معنيين المعنى الأول الأكثر كما جاء في الحديث الصحيح (وليؤمكم أكثركم قرآناً) ويحتمل الأقرأ يعني الأجود في القراءة بحيث يؤديها على الوجه المطلوب والكل محتمل في هذا الحديث أما (وليؤمكم أكثركم قرآناً) فهذا صريح فإن قال قائل إذا اجتمع فقيه وأقرأ فمن يقدم؟ قلنا ظاهر الحديث أنه يقدم الأقرأ وليكن هو المعتمد لأن العمل بظاهر الأحاديث بل بظاهر النصوص عموماً هو الواجب إلا بدليل ويؤيد ذلك قوله (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة) والعالم بالسنة عنده فقه أكثر ممن لم يعرف السنة فدل هذا على أنه إذا اجتمع قارئ وفقيه قدم القارئ، قوله (أعلمهم بالسنة) أي سنة هل المراد بالسنة عموماً أو بالسنة التي تتصل بالصلاة؟ الظاهر الثانية ويظهر أثر ذلك فيما لو كان عالماً بالسنة فيما يتعلق بالصلاة لكنه جاهل بالسنة فيما يتعلق بالمعاملات والأنكحة والفرائض وما أشبه ذلك وآخر بالعكس يقدم الأول لأنه أشد صلة بالصلاة وماذا ينتفع الإنسان الذي عنده علم بالبيوع وغيرها من العقود والتوثيقات ماذا يستفيد بالنسبة لما يتعلق بالصلاة؟ لا يستفيد شيئاً وماذا ينقص الرجل إذا كان عالماً بالسنة المتعلقة بالصلاة لكنه جاهل فيما سوى ذلك؟ لا ينقصه شيء إذاً (أعلمهم بالسنة) التي تتعلق بالصلاة (فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرة) هجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام وهذا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام واضح السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أولى ممن تأخروا ولهذا قال الله عز وجل (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) وهو صلح الحديبية يعني ومن كان دون ذلك (وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)
    (2/97)
    ________________________________________
    فإن كانوا في الهجرة سواءً أو كانوا ولدوا في دار الإسلام كلهم (فأقدمهم سناً) يعني أكبرهم أو قال سلماً والثانية لا تتأتى إلا فيما إذا كان الناس يدخلون في الإسلام واحداً فواحداً أما من كانوا في بلد الإسلام فلا يتصور إلا أن المراد أقدمهم سناً وهو الأكبر هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم ذكر ما يكون مستثنى من ذلك بقوله (ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته) ولو كان أقرأ من صاحب البيت فلو أن شخصاً دعا جماعة إلى بستانه وحضر وقت الصلاة وصلوا فمن الذي يقدم صاحب البستان وإن كان دون هؤلاء في القراءة كذلك لا يؤمنه في سلطانه كإمام المسجد الراتب فإنه مقدم على من سواه ولو كان في الجماعة من هو أقرأ منه وذلك لتقدم حق هؤلاء فالإمام الراتب في سلطانه في المسجد متقدم على الحادث وكذلك يقال في البيت يقول (ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) إلا بإذنه عائدة على كل الجمل الثلاثة (لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) في الصور الثلاث التكرمة: ما يقدم إكراماً للضيف هذه التكرمة لا تجلس إلا بالإذن فلو أن رجلاً قدم الطعام لكن صاحب البيت لم يقل تفضل إلا أن هذا الرجل كان جائعاً جداً فمن حين انتهى تقديم الطعام تقدم نقول هذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولهذا يرى الحاضرون أن هذا عنده سوء أدب ولهذا امتدح الشاعر نفسه في قوله:
    وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجلهم
    (2/98)
    ________________________________________
    فلا تقعد على التكرمة إلا بإذنه كما أنك لا تدخل بيته إلا بإذنه أحياناً يقدم صاحب البيت الطعام ثم يذهب إلى بيته يأتي بأشياء ليست ضرورية في الطعام وإذا كانت ليست ضرورية في الطعام ربما يتأخر كثيراً أو يحصل مشكلة في البيت يبقى في البيت يحلها والطعام موجود بين الحاضرين في هذه الحال هل يتقدمون للطعام أو ينتظرون رجوعه؟ ظاهر الحديث الثاني لا شك لكن بعض الناس يكون عنده جرأة ويقول يا جماعة تفضلوا تفضلوا الرجل ما قدم الطعام إلا لنا فيأذن لهم فهل له أن يأذن؟ فيه تفصيل إذا علم أن صاحب البيت يرضى بهذا وهو غالباً يرضى فلا بأس وتجد هذا الذي قال تفضلوا إذا جاء صاحب البيت سيقول له أنا أمن عليك وتقدمنا ربما يقول جزاكم الله خيراً كونكم تتقدمون ولا تنتظرونني ربما أنا لا أجيء إلا بعد مدة فهذه المسألة فيها تفصيل.
    عندي رواه أحمد ومسلم وأيهما أصح المسند أو صحيح مسلم؟ صحيح مسلم لا شك لكنهم يقدمون الإمام أحمد لإمامته وجلالته رحمه الله ولا سيما إذا كانت المؤلفات في مذهبه فإن تقديمه وجيه.
    القارئ: فأولى الناس بالإمامة السلطان للحديث وهو الخليفة أو الوالي من قبله أو نائبهما.
    الشيخ: إذاً إذا حضر السلطان إلى بلد مثلاً ودخل المسجد الجامع فمن يؤم الناس؟ السلطان ولو كان للمسجد إمام راتب لأن للسلطان الولاية العامة، حتى في الجمعة وهو قادم لهذا البلد على سفر؟ المذهب لا لأن هذا السلطان لا يصح أن يكون إماماً في الجمعة لكونه غير مستوطن في هذا البلد لكن الصحيح أنه يصح أن يكون إماماً وإن لم يكن مستوطناً كما أنه لو قيل إن السلطان مستوطن في جميع بلاده وعلى هذا حمل فعل عثمان رضي الله عنه في منى حيث أتم لكن هذا ليس بصحيح لأنه لو كان كذلك لكان السلطان لا يقصر أبداً وهذا لا يمكن.
    (2/99)
    ________________________________________
    القارئ: فإن لم يكن سلطان فصاحب البيت أحق للخبر وقال أبو سعيد مولى أبي أسيد تزوجت وأنا مملوك فدعوت ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر وابن مسعود وحذيفة فحضرت الصلاة فتقدم أبو ذر فقالوا له ورائك فالتفت إلى أصحابه فقال أكذلك قالوا نعم فقدموني رواه صالح بإسناده في مسائله.
    الشيخ: لماذا؟ لأنه سلطان في بيته.
    القارئ: فإن أذن صاحب البيت لرجل فهو بمنزلته فإن اجتمع السلطان وصاحب البيت فالسلطان أولى لأن ولايته على البيت وصاحبه وإن اجتمع السلطان وخليفته فالسلطان أولى لأن ولايته أعم وإن اجتمع العبد وسيده في بيت العبد فالسيد أولى لأنه مالك للعبد وبيته وإن اجتمع المؤجر والمستأجر في الدار فالمستأجر أولى لأنه أحق بالمنفعة وإمام المسجد الراتب فيه بمنزلة صاحب البيت، لا يجوز لأحد أن يؤم فيه بغير إذنه لذلك ويجوز مع غيبته لأن أبا بكر صلى حين غاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف مرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحسنتم) رواه مسلم فإن لم يكن ذو مزية من هؤلاء فأولاهم أقرؤهم لكتاب الله للخبر ولقول رسول الله الله صلى الله عليه وسلم (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) رواه مسلم.
    الشيخ: لماذا قلنا فليؤمَهم بالنصب مع أن لام الأمر تجزم؟ لأن الميم مشددة فحرك بالفتح لالتقاء الساكنين.
    القارئ: ويرجع في القراءة بجودتها وكثرة القرآن فإن كان أحدهم أجود والآخر أكثر قرآناً فالأجود أولى لأنه أعظم أجرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة) حديث حسن صحيح وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه.
    (2/100)
    ________________________________________
    فإن اجتمع قارئ لا يعرف أحكام الصلاة وفقيه أمي فالقارئ أولى للخبر ولأنه لا تصح صلاته خلف الأمي وإن كان الفقيه يقرأ ما يجزئ في الصلاة فكذلك للخبر وقال ابن عقيل الفقيه أولى لأنه تميز بما لا يستغنى عنه في الصلاة.
    الشيخ: فإذا قال قائل هل لكلام ابن عقيل وجه مع الحديث قلنا قد يكون له وجه وذلك أن الصحابة أقرؤهم لكتاب الله في الغالب هو أفقههم لأنهم لا يتجاوزن عشرة آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فالأقرأ منهم غالباً يكون أفقه لكن من أخذ بظاهر الحديث وعمومه فهو أولى كما شرحنا وقلنا إن قوله (أعلمهم بالسنة) يقتضي أن يكون أفقه ومع ذلك جعله في المرتبة الثانية.
    السائل: قوله صلى الله عليه وسلم (ولا يؤمَّنَّ الرجل الرجل ولا يجلس ... ) هل النهي هنا في الحالين للتحريم؟
    الشيخ: للتحريم مع أن قوله (ولا يجلس على تكرمته ... ) من باب الآداب مع ذلك فهو محرم لأن هذه فيها اتلاف مال، لماذا تتلف مالي وأنا ما أذنت فإن قيل إن تقديم الطعام إذن صار إذناً عرفياً أو إذناً بالفعل.
    السائل: أليس الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة؟
    الشيخ: بلى لكن هذه الولاية الخاصة ما استفادها الولي إلا من قبل الولاية العامة فيكون كالسيد مع عبده.
    (2/101)
    ________________________________________
    القارئ: فإن استويا في القراءة فأولاهما أفقههما للخبر ولأن الفقه يحتاج إليه في الصلاة فأشبه القراءة وإن استويا في ذلك فأولاهما أقدمهما هجرة وهو المهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام فإن استويا في ذلك فأكبرهما سنا للخبر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث (إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما) حديث صحيح ولأنه أقرب إلى الخشوع وإجابة الدعاء ويرجح بتقدم الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم (أقدمهم سلما) ولأنه إذا رجح بتقدم السن فالإسلام أولى فإن استويا في ذلك قدم أشرفهما نسبا وأفضلهما في أنفسهما وأعلاهما قدرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (قدموا قريشاً ولا تقدموها) هذا ظاهر كلام أحمد وقال الخرقي إذا استويا في الفقه قدم أكبرهما سنا فإن استويا فأقدمهما هجرة وقال ابن حامد يقدم الشرف بعد الفقه ثم الهجرة ثم السن فإن استووا قدم أتقاهم وأورعهم لقول الله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ولأنه أقربهم إلى الإجابة.
    الشيخ: وما أشار إليه رحمه الله في التقديم بشرف النسب فيه نظر لأن هذا يقتضي أو يستلزم التفاخر بالأنساب لكن لو قيل إذا استووا في الصفات المذكورة في الحديث فيقدم أكثرهما مروءة وأحسنهما أدباً وما أشبه ذلك من الصفات المرغوبة المحبوبة لأنه إذا تقدم مثل هذا أحبه الجماعة الذين وراءه وأصل مشروعية الجماعة من جملة حكمها أنها سبب للألفة هذا هذا هو الصحيح ولهذا لو أننا اجتمعنا ووجدنا أن القوم تساووا في جميع الصفات المطلوبة لكن أحدهما من القبائل الشريفة المشهورة إلا أنه نكد فظ القول غليظ القلب عبوس الوجه لا يكاد يضحك أيضاً ويوجد أحد من الموالي لكنه طيب القلب منشرح الصدر منبسط الوجه وسألت الحاضرين أيهما أحب إليكم لقالوا الثاني إذاً مثل هذا يقدم حتى يأتلف الناس عليه والله أعلم.
    (2/102)
    ________________________________________
    القارئ: فإن استووا قدم أعمرهم للمسجد وأتمهم مراعاة له ويقدم الحر على العبد لأنه من أهل المناصب والحاضر يقدم على المسافر لأنه إذا أمَّ حصل جميع الصلاة في جماعة بخلاف المسافر والحضري على البدوي لأنه أجدر بمعرفة حدود الله تعالى وأحرى بإصابة الحق والبصير على الأعمى لأنه أقدر على توقي النجاسات واستقبال القبلة بعلم نفسه وقال القاضي هما سواء لأن الضرير لا يرى ما يلهيه ويشغله فذلك في مقابلة البصير فيستويان.
    الشيخ: الصواب الأول أن البصير أولى لكن يندر جداً أن يوجد تساوٍ في كل ما ذكره المؤلف لكن إذا وجد فالبصير أولى وذلك لأن البصير يحصل به مطلوب شيء والأعمى يزول به ما يخاف منه فيقدم الأول كما يقدم الواجب على ترك المحرم.
    القارئ: والأولى لإمام الحي إذا عجز عن القيام أن يستنيب لأن لا يلزمهم ترك ركن فإن استووا أقرع بينهم لأن سعداً أقرع بين أهل القادسية في الأذان ولا يرجح بحسن الوجه لأنه لا مدخل له في الإمامة.
    الشيخ: صحيح يعني جميع الأمور الخَلْقية لا يرجح فيها إذا لم يكن لها أثر في تحسين الصلاة وقولنا إذا لم يكن لها أثر احترازاً مما لو كان لها أثر كالأعرج مثلاً فإن الأعرج لا يستطيع أن يأتي بالصلاة على الوجه الأكمل قد يمد رجله أو يسجد سجوداً ليس مستقيماً أو ما أشبه ذلك.

    فصل
    القارئ: الثالث يكره إمامة اللحان لأنه نقص يذهب ببعضه الثواب وإمامة من لا يفصح ببعض الحروف كالضاد والقاف.
    الشيخ: أنا عندي كالصاد نسخة لأن الصاد قد لا يفصح بها الإنسان حيث إنها قريبة من السين.
    القارئ: وإمامة التمتام وهو من يكرر التاء والفأفاء الذي يكرر الفاء لأنهما يزيدان على الحروف.
    (2/103)
    ________________________________________
    الشيخ: هل يقال أن هذا الذي يسمونه الصدا من هذا النوع لأن الظاهر إنه يكرر الحرف ويشغل أيضاً ولهذا ينبغي أن ينهى عنه أنا سمعت أنه يوجد في بعض المساجد وهذا غلط والقرآن ما نزل ليكون اسطوانة لهو يحسن الإنسان صوته لكن لا يأتي بمثل هذه الآلات التي توجب تضعيف الحروف وأن يكون كأنه بوق.
    القارئ: وتصح الصلاة خلفهما لأنهما يأتيان بالحروف على الكمال فإن كان يجعل الضاد ظاء في الفاتحة فقياس المذهب أنه كالأمي لأنه يبدل حرفاً بغيره ويحيل المعنى فإنه يقال ظل يفعل كذا إذا فعله نهاراً.
    الشيخ: ولكن المذهب أنه لا بأس ولا يضر قالوا لتقارب المخرجين مخرجي الضاد والظاء ولأن أكثر العامة لا يستطيعون أن يفرقوا ولأننا لو سألنا الذي قال ولا الظالين ماذا تريد هل تريد ولا الظالين أي الظالين نهاراً قال أبداً أريد بالظال الذي ليس على هدى وهذا القول هو الصحيح أن إبدال الضاد ظاءً أو بالعكس لا يضر لتقارب المخرجين ومشقة التفريق بينهما.
    السائل: هل يدخل في اللحن من لا يراعي قواعد الترتيل؟
    الشيخ: لا، اللحَّان ليس هو من اللحن ولكن من التلحين الذي يجعل القرآن كأنه لحن أغنية.
    السائل: هل جواز إبدال حرف الضاد ظاءً في جميع القرآن أم الفاتحة فقط؟
    الشيخ: لا، في جميع القرآن لكن نُص على الفاتحة لأنها ركن.
    القارئ: ويكره أن يؤم قوماً أكثرهم له كارهون لما روى أبو أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها ساخط عليها وإمام قوم وهم له كارهون) وهذا حديث حسن.
    الشيخ: قوله (لا تجاوز صلاتهم آذانهم) يعني لا ترفع ولا تقبل وهم ثلاثة:
    (2/104)
    ________________________________________
    الأول (العبد الآبق) أي الهارب من سيده لا تقبل صلاته وظاهر الحديث أنها لا تقبل صلاته الفريضة ولا النافلة لأن صلاة مفرد مضاف فيعم وقيل لا تقبل النافلة فقط وأما الفريضة فتقبل لأن زمن الفريضة مستثنى شرعاً لا يملكه السيد، زمن الفريضة من يملكه؟ الله عز وجل هو لله حتى لو كان عند سيده ومنعه من أن يصلي فريضة فإنه لا يجوز أن يمتنع لكن لو منعه من النفل لزمه أن لا يتنفل وهذا القول هو الصحيح أن المراد بهذا صلاة النافلة.
    الثاني (امرأة باتت وزوجها عليها ساخط) هذا أيضاً ينبغي أن يستثنى منه الفريضة وأما النافلة فلا وذلك أن الزوج إذا دعا امرأته إلى فراشه وأبت سخط عليها فإذا قامت تتطوع فإن هذه الصلاة لا تقبل لأنها مأمورة بأن تجيب زوجها فتكون كأنها صلت في زمن مغصوب.
    الثالث (إمام قوم وهم له كارهون) هذا أيضاً لا تقبل صلاته وظاهر الحديث لا تقبل لا في الفرض ولا في النفل ولكن هل المراد الكارهون له بحق أو مطلقاً لأن الجماعة يكرهون الإمام بحق مثل أن يطيل بهم أكثر من السنة أو يصلي يوماً مبكراً ويوماً متأخراً أو يصلي صلاة لا يطمئن فيها أو ما أشبه ذلك هؤلاء يكرهونه بحق والثاني أن لا يكرهونه بحق يكرهونه مثلاً لأنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحثهم على الصلاة ويتفقدهم فيكرهونه فما المراد الأول أو الثاني؟ المراد الأول الذين يكرهونه بحق فإن اختلف الناس في ذلك منهم من يكرهه ومنهم من لا يكرهه فالعبرة بالأكثر إذا كان أكثرهم يكرهه بحق فإنه لا ينبغي أن يؤمهم وظاهر الحديث أن صلاته لا تقبل.
    القارئ: فإن كانوا يكرهونه لسنته أو دينه فلا يكره قال منصور قيل لنا إنما عُني بهذا أئمة الظلمة فأما من أقام بالسنة فإنما الإثم على من كرهه.
    الشيخ: أنا عندي مثلكم من أقام والظاهر أن الصواب فأما من قام بالسنة.
    (2/105)
    ________________________________________
    القارئ: ويكره أن يؤم نساءً أجانب لا رجل معهن ويكره أن يتقدم المفضول من هو أولى منه لأنه جاء في الحديث (إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال) احتج به أحمد.
    الشيخ: قوله رحمه الله أن يؤم نساءً أجانب لا رجل معهن يعني ولا امرأة من المحارم فإن كان معهن امرأة من محارمه فلا بأس وهذا يقع كثيراً في ليالي رمضان حيث تكون بعض البيوت فيها نساء كثير فيأتي رجل فيؤمهن يصلي بهن القيام فهذا لا بأس به.

    باب
    موقف الصلاة
    الشيخ: في الواقع أن هذه الترجمة فيها إجمال كبير لأن المراد باب موقف المأموم في صلاة الجماعة هذا المراد أما قوله موقف الصلاة فليس لها معنى تحتاج إلى تعديل.
    القارئ: إذا كان المأموم واحداً وقف عن يمين الإمام فإن كبر عن يساره أداره الإمام عن يمينه فإن جاء آخر كبر وتأخر أو صفا خلفه ولا يتقدم الإمام إلا إن كان الموضع ضيقا فإن كبر الثاني عن يساره أخرهما الإمام بيديه لما روى جابر قال سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقام يصلي فتوضأت ثم جئت حتى قمت عن يساره صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه فجاء جبار بن صخر حتى قام عن يساره فأخذنا بيديه جميعاً حتى أقامنا خلفه من المسند ورواه مسلم فإن صليا عن يمينه أو أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره جاز لما روي أن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل رواه أبو داود.
    الشيخ: غريب أن المؤلف رحمه الله يقول رواه أبو داود مع أنه في المسند.
    القارئ: ولأن الوسط موقف لإمام العراة وإمامة النساء فإن كان معهم امرأة قامت خلفهم لما روى أنس قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والمرأة خلفنا فصلى بنا ركعتين متفق عليه.
    الشيخ: وإذا كانت المرأة من محارم الرجل وصلى بها فأين تقف؟ تقف خلفه حتى وإن كانت من محارمه.
    (2/106)
    ________________________________________
    القارئ: فإن اجتمع رجال ونساء وصبيان وخناثى تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء لما روى أبو مالك الأشعري أنه قال ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال أقام الصلاة فصف الرجال ثم صف خلفهم الغلمان ثم صلى بهم ثم قال هكذا قال عبد الأعلى لا أحسبه إلا قال صلاة أمتي رواه أبو داود فإن لم يكن مع الرجل إلا امرأة وقفت خلفه فإن كان معه صبي وقف عن يمينه لما روى ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الليل فقمت فوقفت عن يساره فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه) متفق عليه وإن كان معه رجل وصبي في فرض وقف بينهما كما في حديث ابن مسعود وجعل الرجل عن يمينه أو جعلهما عن يمينه وإن كان في نافلة وقفا خلفه على ما في حديث أنس.
    الشيخ: وفي هذا دليل على أن الثلاثة إذا اقتضت الحال أن يصفوا صفاً واحداً فإنهم لا يكونون عن يمين الإمام بل يكون الإمام بينهم هذا هو الأفضل لكن إن كانوا عن يمينه فلا بأس لكن الأفضل أن يكون الإمام بينهما.
    السائل: هل جمع خنثى خناثى أو خناثي؟
    الشيخ: يصلح هذا وهذا.
    السائل: ما الفرق بين حديث جابر وجبار بن صخر وحديث ابن مسعود؟
    الشيخ: حديث ابن مسعود رضي الله عنه نسخ.
    السائل: ما وجه التفريق بين النافلة والفرض في جعله عن يمينه وشماله؟
    الشيخ: التفريق أنه لا يصح أن يصاف الصبي في الفريضة ولهذا نقول إذا كان في الفريضة يكون أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره بل يكون الرجل عن يمينه والصبي عن يساره.

    فصل
    القارئ: فإن وقف المأمومون قدام الإمام لم تصح صلاتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به).
    الشيخ: هذا الحديث استدل به المؤلف رحمه الله على أنه لا يصح أن يتقدم المأمومون على الإمام فما وجه الاستدلال؟
    (2/107)
    ________________________________________
    يمكن أن يقال وجه الاستدلال أن الرسول قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به) والإمام لابد أن يكون متقدماً وإلا لما كان إماماً وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء:
    منهم من قال إنه يصح أن يتقدم المأموم على الإمام مطلقاً لكنه خلاف السنة.
    ومنهم من قال إنه يصح أن يتقدم المأموم على الإمام في حال الضرورة والحاجة كما لو كان المسجد ضيقاً فاضطر الناس إلى أن يصلوا في السوق وليس خلف المسجد سوق وإنما السوق أمامه قالوا فمثل هذا يكون جائزاً لدعاء الحاجة وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو وسط بين قول من يقول إنه لا يصح أن يكون المأموم أمام الإمام مطلقا أو إنه يصح أن يكون المأموم أمام الإمام مطلقاً هذا قول وسط وهذا هو الذي ينبغي أن يعمل به لأنه أحياناً ولا سيما في مواسم الحج تكون المساجد بمكة ضيقة يحتاج الناس أن يصلوا من كل جانب.
    السائل: ألا يؤخذ عدم صحة الصلاة من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الدائم في كونه لم يتقدم عليه المأمومون أبداً؟
    الشيخ: هي معروفة لكن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب.
    السائل: ما هو حد السن في الصبي الذي يصافه؟
    الشيخ: إذا صار عنده تمييز صح أن يصافه.
    القارئ: وإن وقف الواحد خلف الصف أو خلف الإمام أو عن يساره لم تصح صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس وجابراً لما وقفا عن يساره وروى وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد رواه أبو داود وعن علي بن شيبان قال صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم فانصرف ورجل فرد خلف الصف فوقف النبي صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم (استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف) رواه الأثرم، قال أحمد فيه وفي حديث وابصة هذا حديث حسن ولأنه خالف الموقف فلم تصح صلاته كما لو وقف قدام الإمام فإن صلى ركعة وحده لم تصح صلاته.
    (2/108)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه المسائل إن وقف المأمومون قدام الإمام لم تصح صلاتهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وقد عرفتم مأخذ الدليل وإن وقف الواحد خلف الصف لم تصح صلاته لحديث وابصة بن معبد وعلي بن شيبان ولكن إذا لم يكن هناك عذر بأن صلى وحده خلف الصف مع إمكان أن يكون في الصف فهذا موضع خلاف بين العلماء:
    الأئمة الثلاثة الشافعي ومالك وأبو حنيفة ونصف مذهب الأمام أحمد على أن الصلاة صحيحة ولو لغير عذر وحملوا قوله (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) على نفي الكمال، والمذهب المشهور عند أصحاب الإمام أحمد أن الصلاة لا تصح مطلقاً لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا صلاة لفرد خلف الصف) وهذا عام يشمل من أمكنه المصافة ومن لم تمكنه.
    والقول الثالث الوسط في هذه المسألة وهو أنه إن تعذر وقوفه في الصف لاستكمال الصف صحت صلاته وإلا فلا وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمهما الله وهو الصحيح فإذا جئت والصف تام فلا بأس أن تصلي وحدك لأنك معذور حيث لا تجد مكاناً فإن قال إنسان يمكن أن يجتذب واحداً من الصف ليكون معه قلنا لكن هذا لا يجوز:
    أولاً لأنه تصرف في الغير بغير حق.
    وثانياً جناية على الغير لأنه سوف يرجعه من الفاضل إلى المفضول.
    وثالثاً أنه يوجب أن يقع في الصف خلل وفرجة وهذه الفرجة سوف يأتي الناس شيئاً فشيئاً ليسدوها فيلزم من هذا أن يتحرك الصف كله وهذا لا داعي له.
    ومنها أنه ربما يشوش على هذا المصلي حتى يخبطه من ورائه ما هذا الذي جرني؟ فربما يخبطه ويضره لذلك نقول لا يجوز أن يجتذب أحداً فإن قال قائل إذاً دعوه يتقدم ليكون مع الإمام قلنا وهذا أيضاً فيه محاذير:
    المحذور الأول مخالفة السنة بانفراد الإمام في مكانه لأن السنة أن ينفرد الإمام في مكانه لا يكون معه أحد.
    ثانياً يلزم منه في الغالب تخطي الرقاب إنه يريد أن يمشي إذا كان مثلا قبله عشرة صفوف.
    (2/109)
    ________________________________________
    ثالثاً إذا قلنا يتقدم إلى الإمام ويقف معه ثم جاء آخر نقول تقدم إلى الإمام وكون معه جاء ثالث كذلك تقدم فيبقى مع الإمام صف كامل لكن لو قلنا صلِّ في مكانك الذي قدرت عليه وجاء آخر صف معه وانتهى الموضوع لهذا لا شك أن القول الراجح أنه يجوز إذا كان الصف تاماً أن يقف الإنسان وحده وصلاته صحيحة أما هذه القضايا التي وقعت فهي قضايا أعيان فربما كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم أن الصف لم يتم فأمره أن يعيد الصلاة وهو أيضاً فحوى الخطاب تدل على أن الصف فيه مكان لأنه قال (لا صلاة لفرد خلف الصف) يعني فيما يمكنه أن يصف فيه فعلى كل حال الصواب أن ذلك جائز وعندنا قاعدة شرعية عامة أن الواجب يسقط بالعجز.
    (2/110)
    ________________________________________
    المسألة الثانية يقول رحمه الله أو عن يساره لم تصح الصلاة إذا وقف المأموم واحد عن يسار الإمام فإن صلاته لا تصح الدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أدار جابراً وابن عباس حين وقفا عن يساره فجعلهما عن يمينه ومعلوم أن هذا لا يدل على الوجوب ولا على إبطال عبادة قام الدليل على صحتها لأن غايته أنه فعل وفعل الرسول المجرد يدل على الاستحباب لا يدل على الوجوب ولو كان ذلك واجباً أي أن يقف عن يمينه لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين انتهت الصلاة ولقال لا تعودا لذلك كما قاله لأبي بكرة رضي الله عنه وهذا القول أعني الوقوف عن يسار الإمام مبطلاً للصلاة قول ضعيف والصواب أنه لو وقف عن يسار الإمام مع خلو يمينه فصلاته صحيحة لكن ذلك خلاف السنة قد يقول قائل كون الرسول يتحرك في أثناء الصلاة والحركة مكروهة ويحرك غيره أيضاً ألا يدل على الوجوب نقول ربما يلتمس هذا دليلاً على الوجوب لكن كون النبي عليه الصلاة والسلام لم يقل لهما أي لابن عباس وجابر لا تعودا يدل على أن المسألة على وجه الاستحباب وتجوز الحركة في الصلاة لفعل مستحب كما لو تقارب الصف فإننا نقول للناس ليقف بعضكم إلى بعض إذاً الصحيح في هذه المسالة أن الصلاة تصح لكنه خلاف السنة والصحيح فيمن صلى خلف الصف أنه إذا كان لعذر وهو تمام الصف فالصلاة صحيحة والصحيح في الصلاة قدام الإمام أنها تصح عند الحاجة ولا تصح إذا لم يكن هناك حاجة والله أعلم.
    السائل: هل يلزمه ينتظر حتى يرفع الإمام؟
    الشيخ: لا يلزمه بل يدخل فوراً.
    السائل: هل العبرة في الصف الآن نهاية الفرشة التي تفرش بها المساجد أم الجدار؟
    الشيخ: لا، العبرة إلى الجدار أو إلى الطريق أحياناً يكون الطريق مفصول وكونه لا يوجد فرشة فلا يريد أن يصلي على البلاط ما له عذر الفرشة ما هي بعذر ويؤمر بالإعادة.
    (2/111)
    ________________________________________
    القارئ: وإن جاء آخر فوقف معه أو دخل في الصف قبل رفع الإمام من الركوع صحت صلاته لأنه أدرك في الصف ما يدرك به الركعة وإن كان ذلك بعد رفع الإمام ففيه ثلاث روايات إحداهن تصح لأنه لم يصلِّ ركعة كاملة أشبه ما لو أدرك الركوع والثانية لا تصح لأنه لم يدرك في الصف ما يدرك به الركعة أشبه ما لو صلى ركعة والثالثة إن كان جاهلاً لم يعد وإن كان عالماً أعاد لما روى البخاري أن أبا بكرة انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصله فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (زادك الله حرصاً ولا تعد) فلم يأمره بالإعادة لجهله ونهاه عن العود والنهي يقتضي الفساد فإن فعل ذلك لغير عذر ولا خشي الفوات فحكمه حكم من خاف الفوات لأن الموقف لا يختلف لخيفة الفوات وعدمه ويحتمل أن لا يصح لأن الرخصة وردت في حق المعذور فلا يلحق به غيره.
    الشيخ: هذا حديث أبي بكرة قيل إنه روي بلفظ (زادك الله حرصاً ولا تُعِدْ) وبلفظ آخر (ولا تعدو) ولكن الصواب (ولا تَعُدْ) هذا هو الذي ثبتت فيه الرواية وأما قوله (ولا تعدو) فإن قوله (ولا تَعُد) يدخل فيه (لا تعدو) وأما قوله (ولا تُعِد) فلا حاجة إليها لأنه إذا لم يأمره بالإعادة فلا إعادة عليه فالصواب أن الذي صحت فيه الرواية (ولا تَعُد) من العود.
    السائل: ذكر بعض العلماء أن الإنسان إذا كان أقبل على الصف فقرب منه جداً والإمام راكع فإن ركع قبل الصف بخطوة أو خطوتين يدرك الركعة وإن انتظر حتى يصل للصف فاتته الركعة فإنه يركع فما رأيكم؟
    الشيخ: الصحيح أنه ما يجوز أبداً اللهم إلا إذا ركع وهو واقف في مكان لا يُعدُّ خارجاً عن الصف يعني يعد إنه متأخر مثلاً أو متقدم وأما إذا كان ركع يحتاج إلى خطوات فهذا لا تصح صلاته فالمعيار إذا قيل هذا كأنه صاف مع الناس.
    السائل: لو ركع بعد ابتداء رفع الإمام من الركوع هل أدرك الركوع؟
    الشيخ: إذا كان الإمام إلى الركوع أقرب إذاً أدركه.

    فصل
    (2/112)
    ________________________________________
    القارئ: ومن وقف معه كافر أو امرأة أو خنثى مشكل أو من صلاته فاسدة فحكمه حكم الفذ لأنهم من غير أهل الوقوف معه.
    الشيخ: وهذا إذا علم أن هذا كافر مثل أن يعرف أنه رجل يستهزئ بالله وآياته ورسوله أو علم أنها امرأة وهل يمكن أن تخفى المرأة؟ يمكن لأن بعض النساء يلبسن ثياباً كأنها ثياب رجال كذلك أيضاً خنثى مشكل يمكن يشكل؟ هذه يمكن لأن الخنثى المشكل قد يلبس ثياب رجال ومن صلاته فاسدة مثل أن يعلم أنه محدث هذا علم أن صلاته فاسدة فلا تصح مصافاته.
    القارئ: وإن وقف معه فاسق أو أمي أو متنفل كانوا معه صفا لأنهم من أهل الوقوف معه وإن وقف الصبي معه في النفل كانا صفاً لحديث أنس وإن كان في فرض احتمل أن يكون معه صفا لأنه كالمتنفل واحتمل أن لا يصح لأنه ليس من أهل الإمامة له فيه أشبه المرأة.
    الشيخ: والصحيح أنه يصح وقوله لأنه ليس من أهل الإمامة فيه هذا أيضاً ممنوع والصواب أن الصبي أهل للإمامة بالبالغ ويدل لهذا عموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وما رواه البخاري أيضاً في حديث عمرو بن سلمة الجرمي أنه أمَّ قومه وله ست أو سبع سنين وهذا نص صريح ولأن الأصل أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل فإذا جازت إمامته في النفل فلتكن جائزة في الفرض أيضاً.
    القارئ: وإن وقف معه محدث أو نجس يعلمان بذلك فهو كالفذ وإن لم يعلما بذلك صحت صلاته لأنه لو كان إماماً له صحت صلاته.
    وإن وقفت المرأة في صف الرجال كره ولا تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها وقال أبو بكر تبطل صلاة من يليها لأنه خالف الموقف والأول أولى لأنها هي التي خالفت بوقوفها مع الرجال فلم تبطل صلاتها فصلاته أولى.
    (2/113)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا يقع كثيراً في أيام الموسم في الحج أو في أيام موسم العمرة في رمضان تجد المرأة إلى جنب الرجل فهل هذا جائز نقول هذا ضرورة لكن إذا رأيت من نفسك شبهة فانعزل واطلب مكاناً آخر لأن بعض الناس قد تتحرك شهوته إذا قامت إلى جنبه امرأة وبعض الناس أيضاً ربما تفسد صلاته بحدث فإذا كانت المسألة لا يُخشى منها محظور وكان في ذلك ضرورة فلا بأس، فإن كان هناك صف من نساء كامل فهل يصف من ورائهن الرجال؟ الجواب نعم عند الضرورة.
    القارئ: فإن وقف اثنان خلف الصف فخرج أحدهما لعذر دخل الآخر في الصف أو وقف عن يمين الإمام أو نبه من يخرج فيقف معه فإن لم يمكنه نوى مفارقته وأتم منفردا لأنه عذر أشبه ما لو سبق إمامه الحدث فإن دخل المسبوق فوجد فرجة قام فيها وإن لم يمكنه قام عن يمين الإمام فإن لم يمكنه نبه رجلاً يتأخر معه فإن لم يفعل لم يكرهه ويصلي وحده أو ينتظر جماعة أخرى.
    الشيخ: المسألة الأخيرة فيها نظر والصواب أنك إذا أتيت والصف قد تم فإنك تصلي وحدك مع الجماعة يعني تصف وحدك ولا تتقدم إلى الإمام ولا تجتذب أحدا لأن التقدم إلى الإمام تحصل به مخالفة السنة في موقف الإمام إذ أن الإمام متميز بالموقف كما أنه متميز بكونه يقتدى به فإذا وقفت إلى جنبه صار كأنكما إمامان فإن جاء آخر وقف معكما وجاء الثاني والثالث صرتما صفاً لكن لو أنك صليت خلف الصف وجاء آخر صرتما اثنين واستقام الصف فالصواب أن الإنسان إذا جاء والصف تام فإنه يصف وحده وصلاته صحيحة وليُعلم أن القول ببطلان الصلاة صلاة الرجل خلف الصف مخالف للمذاهب الثلاثة فإن مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة كلها تقول إن وقوف الإنسان خلف الصف ولو لغير عذر لا يبطل الصلاة وهو رواية عن الإمام أحمد والرواية الثانية أنه تبطل الصلاة مطلقا سواء لعذر أو لغير عذر والصحيح أنه إذا كان لعذر كامتلاء الصف فلا بأس به.
    (2/114)
    ________________________________________
    السائل: بعض الناس يجد فرجة صغيرة فيضيق على المأمومين فهل لمن حصل له ضيق أن يرجع إلى الخلف؟
    الشيخ: هو إذا كان يخشى من أن يشوش عليه صلاته من أجل الضيق فلا بأس أن يرجع القهقرى بل نقول هذا أولى لكن هذا الذي دخل في فرجة صغيرة وبدنه كبير يحرم عليه ذلك لأنه يؤذي الناس.
    السائل: في المسألة التي قبلها فإن لم يمكنه نوى مفارقته وأتم منفردا ما تحمل على المسألة الثانية أنه يبقى لوحده؟
    الشيخ: المذهب إذا لم يمكنه الدخول لابد أن ينوي الانفراد والقول الصحيح يبقى وحده في الصف.

    فصل
    القارئ: السنة للمرأة إذا أمت نساءً أن تقوم وسطهن لأن ذلك يروى عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما وإن كانت معها امرأة وقفت عن يمينها وإن وقفت خلفها جاز لأن المرأة يجوز وقوفها وحدها بدليل حديث أنس.
    الشيخ: وهذا الذي قاله فيه نظر إذا كانت امرأة مع امرأة فلابد أن تصف إلى جنبها إلى اليمين إما وجوباً أو استحباباً حسب ما سبق لنا أن قلنا أن القول الراجح أن الإنسان لو صلى عن يسار الإنسان مع خلو يمينه فصلاته صحيحة لكنها خلاف الأولى والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل تماماً فيجب أن تصف معها إما إلى اليمين وهو الأفضل أو إلى اليسار وأما انفرادها خلف المرأة الواحدة فلا يجوز كالرجل وهو داخل في عموم (لا صلاة لمنفرد خلف الصف).

    فصل
    القارئ: والسنة أن يقف الإمام حذاء وسط الصف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (وسِّطوا الإمام وسدوا الخلل) رواه أبو داود وأن يتموا الصف الأول لما روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أتموا الصف الأول فما كان من نقص فليكن في الصف الآخر) رواه أبو داود.
    الشيخ: هاتان مسألتان:
    (2/115)
    ________________________________________
    المسألة الأولى السنة أن يقوم الإمام وسط الصف لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (وسطوا الإمام وسدوا الخلل) هذا الحديث في صحته نظر لكن هو مقتضى القاعدة الشرعية لأن القاعدة الشرعية تقتضي العدل وليس من العدل أن يقوم الإمام في أيسر الصف بحيث يكون الناس كلهم على اليمين لأنه إجحاف فالوسط يكون هو الوسط ومن ذلك لو أن الإمام وقف في وسط الصف أول ما أقيمت الصلاة ثم دخل أناس آخرون فكثير من الناس يذهب إلى الأيمن ولو بعد ويدع الأيسر وهذا فيه نظر والصواب أن الأيمن أفضل من الأيسر عند التساوي أو التقارب ويدل لهذا أنه لما كان المشروع في حق الثلاثة أن يكون الإمام بينهم كان متوسطاً ولو كان الأيمن أفضل مطلقاً لكان هو الأيسر من الثلاثة فلما توسط بينهما دل على مراعاة التساوي من الجانبين فإذا تساويا أو تقاربا فلا شك أن اليمين أفضل.
    المسألة الثانية إتمام الصف الأول فالأول فإن هذا هو المشهور قال العلماء وينبغي تقارب الصفوف وقرب الإمام من الصف الأول والخطوط المعلمة هذه جيدة لأن الناس يتقاربون فيها.
    القارئ: وخير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) رواه مسلم. وقال أحمد: ويلي الإمام الشيوخ وأهل القرآن ويؤخر الصبيان والغلمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) رواه مسلم.
    الشيخ: لماذا كان خير صفوف النساء آخرها لأنه أبعد عن الرجال وكان خير صفوف الرجال أولها لأجل السبق إلى الصف الأول (ولو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لا ستهموا).
    السائل: بالنسبة للخطوط ما يقال إنها بدعة لأن بعض الناس يقول بإمكان الرسول عليه الصلاة والسلام أن يضع خطاً لكن لم يفعل؟
    (2/116)
    ________________________________________
    الشيخ: نقول هذه وسيلة فالناس لا يتعبدون بهذه الخطوط لكن يرون أنها وسيلة إلى تعديل الصفوف والوسائل لها أحكام المقاصد ولهذا لم يكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام تدوين الكتب ولا بناء المدارس ولا تنقيط القرآن ولا إعراب القرآن كل هذا حدث بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه وسيلة وأما قولهم إن الرسول يمكنه أن يفعل فليس بصحيح لأن أرض مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مفروشة بالحصباء وكيف يكون التخطيط مهما وضعوا من الخطوط سيزول ولو قالوا يمكن أن يجعل خيطاً قلنا الخيط فيه مضرة على الناس يعثرون به.
    السائل: بالنسبة لخير صفوف النساء آخرها في وقتنا النساء منفصلات أحياناً في مصلى خاص؟
    الشيخ: هذا سؤال وجيه يقول خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها هذا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام حيث لا حاجز بين النساء والرجال أما في وقتنا فإن كثيراً من المساجد يكون للنساء مصلى خاص أو حاجز بينهن وبين الرجال فنقول في هذه الحال يكون خير صفوف النساء أولها كالرجال.

    فصل
    (2/117)
    ________________________________________
    القارئ: والسنة أن لا يكون الإمام أعلى من المأمومين لما روي أن عمار بن ياسر كان في المدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار فقام على دكان والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ بيديه واتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ من صلاته قال حذيفة ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أعلى من مكانهم) وقال عمار فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي رواه أبو داود، فإن فعل فقال ابن حامد تبطل صلاته لارتكابه النهي وقال القاضي لا تبطل لأن عماراً بنى على صلاته وعن أحمد لا بأس بهذا لما روى سهل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر ثم ركع ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم قال (أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بي وتعلَّموا صلاتي) متفق عليه ولا بأس بالعلو اليسير لأنه لا يحتاج فيه إلى رفع البصر المنهي عنه فيه بخلاف الكثير.
    (2/118)
    ________________________________________
    الشيخ: الآن فهمنا أن العلو علو الإمام على المأموم منهي عنه ولكن هل تبطل الصلاة أو لا تبطل؟ فيها قولان للعلماء كما رأيتم ثم هل العلو منهي عنه بمطلقه يعني أن مطلق العلو منهي عنه أو العلو الكثير؟ في هذا أيضاً خلاف والذي يظهر أن المراد بالنهي عن العلو إذا كان كثيراً أما العلو اليسير كدرجة المنبر والدرجتين فلا بأس بذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على المنبر وقال (إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلَّموا صلاتي) ثم إن التعليل الذي ذكر المؤلف أخيراً قال لأنه لا يحتاج إلى رفع البصر المنهي عنه فيه بخلاف الكثير ظاهره يشعر بأن المشروع في حق المأموم أن ينظر إلى الإمام لأن الإمام إذا كان رفيعاً يحتاج المأموم إلى رفع البصر وإذا كان ارتفاعه قليلاً لم يحتج إلى رفع البصر ومعلوم أن رفع البصر إلى السماء في الصلاة محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال (لينتهين أقوام عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم).
    السائل: العلو هنا هل هو علو مطلق كما يكون في بعض المساجد طابقين طابق يصلي فيه الإمام وطابق أسفل يصلي فيه بعض المأمومين؟
    الشيخ: المؤلف ما ذكر القليل يشترط أن يكون العلو للإمام وحده فإن كان معه أحد فلا بأس يعني لو كان الإمام معه أناس في الطابق الأعلى فلا حرج.
    السائل: قول عمار: فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي هل هذا إقرار منه بسماع الحديث؟
    الشيخ: يحتمل أنه إقرار منه بسماع الحديث لأنه قال ألم تسمع ويحتمل أنه قال ذلك يعني أنك لم تفعل إلا عن دليل.
    السائل: لو العلو ينهى عنه مطلقاً وأما الحديث فإنه للحاجة لذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل ذلك للتعليم؟
    الشيخ: لو قيل ذلك لكان له وجه لكن يقال إن هذا ليست حاجة تبيح النهي إذ من الممكن أن يعلمهم بالقول كما هو دأبه كثيراً.
    القارئ: ولا بأس أن يكون المأموم أعلى من الإمام لذلك ويصح أن يأتم به من في أعلى المسجد وغيره إذا اتصلت الصفوف.
    (2/119)
    ________________________________________
    الشيخ: اشترط المؤلف للاقتداء فيمن كان خارج المسجد أن تتصل الصفوف وظاهره أنها إذا لم تتصل لم يصح الاقتداء ولو سمع صوتاً وهذا هو الأقرب لأن المراد بالجماعة الاجتماع أن يجتمع الناس في المكان كما يجتمعون في الأفعال ولأننا لو قلنا بصحة الاعتماد على مطلق الصوت لانفتح علينا باب لا يمكن سده الباب الذي لا يمكن سده أن يقول قائل أنا أصلي في بيتي خلف إمام المسجد الحرام لأن الصلاة تنقل على الهواء في التلفزيون وجماعتي أكثر من جماعتكم ومكان إمامي أفضل من مكان إمامكم فأنا صلاتي أتم من صلاتكم لأني أسمع وأشاهد حتى أسمع نَفَس الإمام وربما يكون سماعي لذلك أقوى من سماع بعض الذين في المسجد الذي في بلدي ولو فتح هذا الباب لحصل في ذلك شر كثير وإن كان بعض المعاصرين نسأل الله لنا ولهم الهداية قال إنه يصح أن يصلي الإنسان خلف المذياع قبل أن يأتي التلفزيون وكتب في ذلك رسالة سماها الإقناع في صحة الصلاة خلف المذياع وعلى هذا تجعل الراديو أمامك وتصلي خلف الإمام الذي تسمعه والصحيح أنه لابد أن يكون اجتماع في المكان.
    فصل
    (2/120)
    ________________________________________
    القارئ: يجوز أن يأتم بالإمام من في المسجد وإن تباعد لأن المسجد كله موضع للجماعة فإن كان بينهما حائل يمنع المشاهدة وسماع التكبير لم يصح الائتمام به لتعذر اتباعه وإن مَنَع المشاهدة دون السماع ففيه وجهان أصحهما صحة الصلاة لأن أحمد قال في المنبر إذا قطع الصف لم يضر ولأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم الاقتداء به لسماع التكبير فأشبه المشاهد والثاني لا يصح لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب والحجاب موجود ها هنا فإن كان المأموم في غير المسجد وبينهما حائل يمنع رؤية الإمام أو من وراءه لم تصح الصلاة لحديث عائشة وقال ابن حامد يمنع في الفرض وفي النافلة روايتان وعن أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبوابه مغلقة أرجو أن لا يكون به بأس ويشترط اتصال الصفوف وهو أن لا يكون بينهما بعد كثير لم تجر العادة بمثله واشترط أصحابنا أن لا يكون بينهما نهر تجري فيه السفن ولا طريق والصحيح أن هذا لا يمنع لأنه لا يمنع المتابعة إلا أن يكون عريضاً يمنع الاتصال.
    الشيخ: الله المستعان نهر ما يمنع الاتصال وتجري به السفن سبحان الله! ما أدري وما معنى هذا هل يريد جدول من النهر ساقي أما نفس النهر فإنه يمنع الإتصال ولا شك.
    السائل: هل يشترط اتصال الصفوف لمن يصلي أعلى المسجد؟
    الشيخ: خارج المسجد يشترط وأعلى المسجد لا يشترط.
    السائل: على ماذا يدل حديث عائشة؟
    الشيخ: هذا يدل على أن من كان خارج المسجد فإنه لا يصح اقتداؤه به إلا إذا اتصلت الصفوف فهذا حاجة لأنها لا تتصل الصفوف عادة إلا لامتلاء المسجد.
    السائل: المسجد الحرام يكون فيه تقطع للصفوف وتباعد فيما بينها؟
    الشيخ: نعم يوجد كما قلت في المسجد الحرام تقطع للصفوف لكن ما داموا في المسجد فالصلاة صحيحة ولو تباعدت كما يوجد أيضاً في مسجد المدينة بعد السعة لكننا نقول إن هذا خلاف السنة والسنة أن يتقدموا إلى الأول فالأول.

    فصل
    (2/121)
    ________________________________________
    القارئ: ويستحب أن يصلي إلى سترة ويدنو منها لما روى أبو سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم فلييصلِّ إلى سترة وليدنو منها) رواه الأثرم قال سهل كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر الشاة رواه البخاري ومسلم وقدر السترة مثل آخرة الرحل وذلك قدر الذراع أو عَظْم الذراع.
    الشيخ: من رؤوس الأصابع إلى المرفق ذراع، عظم الذراع يسقط منه الكف من مفصل الكف إلى المرفق.
    القارئ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي ما مر وراء ذلك) رواه مسلم ويجوز أن يستتر بعصا أو بحيوان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان تركز له الحربة فيصلي إليها ويعرض البعير فيصلي إليه وقال نافع كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلاً إلى سارية قال ولني ظهرك فإن لم يجد سترة خط خطاً لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر وراءه) رواه أبو داود.
    قال أحمد رضي الله عنه الخط عرْضاً مثل الهلال وقد قالوا طولا وقد قالوا عرضا وأنا أختار هذا فإن لم يمكنه نصب العصا ولا الخط عرضها بين يديه لأنها تقوم مقام الخط ولا يصمد للسترة ولكن ينحرف عنها يسيراً لقول المقدام ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن ولا يصمد لها صمدا رواه أبو داود.
    الشيخ: هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وذهب إليه الأصحاب وقيل إنه لا ينحرف يميناً ولا يساراً وضعفوا هذا الحديث وقالوا إن ظاهر النصوص أنه يجعلها بين يديه صمداً وهذا لا شك أنه ظاهر النصوص أنه يجعلها بين يديه وهذا الحديث به لين كما ذكره في شرح الإقناع وغيره.
    (2/122)
    ________________________________________
    القارئ: وسترة الإمام سترة لمن خلفه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه إلى سترة ولم يأمرهم أن يستتروا بشيء.

    فصل
    القارئ: وإذا مر من وراء سترته شيء فلا بأس للحديث فإذا أراد المرور دونها إنسان رده فإن لحَّ دفعه إلا أن يغلبه أو يحوجه إلى عمل كثير لما روى أبو سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا كان أحدكم يصلي إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان) متفق عليه فإن مر بين يديه لم يرده من حيث جاء لأنه مرور ثانٍ وإن صلى إلى غير سترة فمر من بين يديه شيء فحكمه حكم ما مر بينه وبين السترة للحديث ويتقيد ذلك بالقريب منه الذي لو مشى إليه فدفعه لم تفسد صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفع المار فتقيد به بدلالة الإجماع بما لا يفسد الصلاة فكذلك هذا.

    فصل
    القارئ: ويحرم المرور بين يدي المصلي لما روى أبو جهيم الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه) متفق عليه، ولا يقطعها شيء إلا الكلب الأسود البهيم الذي لا لون فيه سوى السواد لما روى أبو ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره مثل آخرة الرحل فإن لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود) قلت يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال (الكلب الأسود شيطان) رواه مسلم.
    الشيخ: وهذا من عجائب الاستدلال يقول لا يقطعها إلا الكلب الأسود ثم يستدل بما يدل على أنه يقطعها الكلب الأسود والحمار والمرأة والله المستعان.
    (2/123)
    ________________________________________
    القارئ: وعن أحمد أن مرور المرأة والحمار يقطع الصلاة للحديث والمشهور الأول لأن عائشة رضي الله عنها قالت (عدلتمونا بالكلب والحمار لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة) متفق عليه وقال الفضل بن عباس (أتانا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية فصلى في صحراء وليس بين يديه سترة وحمارة لنا وكلبة يعبثان بين يديه فما بالا ذلك) رواه أبو داود فإن كان الكلب واقفاً بين يديه ففيه وجهان أحدهما حكمه حكم المار لأنه حصل بين يديه أشبه المار والثاني لا تفسد الصلاة لأن حكم الواقف يخالف حكم المار بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى البعير ويصلي وعائشة في قبلته ولا يرى ذلك كالمرور ومن غصب سترة فاستتر بها فهل تمنع ما مر وراءها فيه وجهان بناءً على الصلاة في الثوب المغصوب.
    الشيخ: والصواب أن السترة هذه تجزئ وتكفي ولو كانت مغصوبة حتى ولو كانت نجسة إذا لم يكن لها رائحة تشغله في صلاته فإنها تجزئ وقوله كالصلاة في الثوب المغصوب أيضاً قياس على ما فيه الخلاف وقد مر علينا في نظم الورقات أنه يشترط لصحة القياس الاتفاق على الأصل المقيس عليه فإذا لم يتفق المتناظران على الأصل لم يُلزم بالقياس.

    فصل
    القارئ: ولا حاجة في مكة إلى سترة ولا يضره ما مر بين يديه لأن المطلب قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيال الحجر والناس يمرون بين يديه رواه الخلال وكان ابن الزبير رضي الله عنه يصلي والطُّواف بينه وبين القبلة تمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى تمر ثم يضع جبهته في موضع قدمها.
    (2/124)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا أيضاً من الغرائب مر علينا قبل قليل أن الدليل أعم وهنا الدليل أخص لأن الدليل إنما ورد فيمن كان يصلي في المسجد الحرام ويمر الطائفون من عنده والمؤلف رحمه الله يقول لا حاجة في مكة إلى السترة ولا يضر ما مر بين يديه والصواب أنه يحتاج إلى السترة في مكة كما يحتاج إليها في غيرها وأن ما يقطع الصلاة في غير مكة يقطعها في مكة إلا من صلى حول المطاف ومر الطائفون من بين يديه فإنه هو الذي جنى على نفسه لأن الطائفين أحق بالمكان منه ومثل ذلك من صلى بمكان المارة عند الأبواب فإنه هو الذي اعتدى عليهم وصلى في أماكن مرورهم والله أعلم.

    باب
    قصر الصلاة
    القارئ: ولا يجوز قصر الصبح والمغرب بالإجماع لأن قصر الصبح يجحف بها لقلتها وقصر المغرب يخرجها عن كونها وترا.
    الشيخ: وأيضاً قصر الفجر لا يمكن لأنه كما قال يجحف بها ولأنه يجعلها وتراً وإذا جعلها وتراً لم تكن الصلوات المفروضة وترا أليس كذلك إذا كانت الفجر وتراً لم تكن الصلوات الخمس وتراً لأنها واحدة مع المغرب ثلاث تكون أربعة شفعاً وهذا على كل حال تعليل أو بيان للحكمة وإلا فالأصل هو النص والدليل.
    القارئ: ويجوز قصر الرباعية فيصليها ركعتين بشروط ستة.
    (2/125)
    ________________________________________
    الشيخ: قوله يجوز هذا التعبير في مقابلة المنع فلا ينافي أن يكون مستحباً لأن قصر الصلاة الرباعية في السفر سنة مؤكدة حتى قال بعض أهل العلم بوجوب ذلك ولولا شيء واحد عندي لقلت بالوجوب أي وجوب القصر الشيء الذي عندي هو أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أتم في منى وأنكر عليه الصحابة حتى أن ابن مسعود لما بلغه أنه أتم استرجع ورأى ذلك من المصائب وصلى خلفه إتماماً فقيل له في ذلك قال إن الخلاف شر ولو كان الصحابة يرون أن القصر واجب ما تابعوا عثمان على ذلك لأنه إذا رأوا أنه واجب صار الزيادة على القصر محرمة مبطلة للصلاة كما لو صلى الأربع ستاً مثلاً هذا هو الذي يجعلني أتوقف عن القول بالوجوب وإلا فالقول بوجوب القصر قول قوي جداً جداً لأن حديث عائشة صريح في ذلك فرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم أقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى وزيد في صلاة الحضر وعلى القول بالوجوب أكثر الأمة أو جمهور الأمة لأن هذا هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وفي العصور الوسطى كان أكثر الأمة على مذهب أبي حنيفة ولكننا يعكر علينا مسألة اتباع الصحابة رضي الله عنهم لعثمان مع أنه أتم إذاً قوله يجوز في مقابل المنع أي في مقابل قوله لا يجوز قصر الصبح والمغرب.
    السائل: ألا يدل إنكار الصحابة لعثمان على وجوب القصر لأن السنة لا ينكر عليها؟
    الشيخ: لا، قد تنكر السنة، السنة قد تنكر لا سيما إن وقعت من خليفة وفي مجتمع عام.
    القارئ: أحدها: أن تكون في سفر طويل قدره أربعة برد وهي ستة عشر فرسخا ثمانية وأربعون ميلاً بالهاشمي وذلك نحو من يومين قاصدين.
    الشيخ: قَاصِدَيْن القصد ما بين الطرفين كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (والقصد القصد تبلغ) فمعنى قاصدين يعني ليس السير سريعاً ولا بطيئاً.
    (2/126)
    ________________________________________
    القارئ: لما روي عن ابن عباس أنه قال يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد ما بين عسفان إلى مكة وكان ابن عباس رضي الله عنهما وابن عمر لا يقصران في أقل من أربعة برد ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر من الحل والشد فجاز القصر فيها كمسيرة ثلاثة أيام.
    وسواء كان في بر أو بحر لأن الاعتبار بالفراسخ وإن شك في قدر السفر لم يبح القصر لأن الأصل الإتمام فلا يزول بالشك والاعتبار بالنية دون حقيقة السفر فلو نوى سفراً طويلاً فقصر ثم بدى له فأقام أو رجع كانت صلاته صحيحة ولو خرج طالباً لآبق أو منتجعاً غيثا متى وجده رجع أو أقام لم يقصر ولو سافر شهراً.
    ولو خرج مكرهاً كالأسير يقصد به بلد بعينه فله القصر لأنه تابع لمن يقصد مسافة القصر فإذا وصل حصنهم أتم حينئذٍ نص عليه وإن كان للبلد طريقان طويلة وقصيرة فسلك البعيدة ليقصر فله ذلك لأنه سفر يقصر في مثله فجاز له القصر كما لو لم يكن له طريق سواه.
    (2/127)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا الشرط الأول أن يبلغ المسافة التي عينها المؤلف رحمه الله وهي أربعة برد ستة عشر فرسخا ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية وقدرت بالكيلو بنحو واحد وثمانين أو ثلاث وثمانين كيلو هذه هي المسافة والمراد من كلام العلماء في هذا التحديد المراد التقريب لا التحديد لأن التحديد إلى هذا الحد نعلم علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرده إذ أنه يقتضي أن من كان في مكان هذا وهو دون ثمانية وأربعين ميلاً يقصر والذي في مكان القارئ لا يقصر لأنه تمت ثمان وأربعون ميلاً وهذا أمر لا يمكن ولهذا أنكر شيخ الإسلام هذا غاية الإنكار وقال لا يمكن هذا التحديد لم يكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام مساحين يمسحون الأرض حتى نقول أن مقدار شعيرة تميز بين من يصح له القصر ومن لا يصح هذا بعيد جداً واختار رحمه الله أن العبرة في ذلك بالعرف فما عده الناس سفراً فهو سفر وما لم يعدوه سفراً فليس بسفر وقال إن المسافة الطويلة في الزمن القصير سفر وإن الزمن الطويل في المسافة القصيرة سفر فالعبرة بمن يودع ويشيع ويستقبل حسب عادة الناس فيما سبق أما الآن فليس بوداع ولا تشيع فالعبرة بما عده الناس وقال إن هذا داخل تحت العموم أي عموم القاعدة المعروفة وهي:
    وكل ما أتى ولم يحدد ... بالشرع كالحرز فبالعرف احدد
    (2/128)
    ________________________________________
    وقال أقرؤوا الآيات (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) ومعلوم أن الضرب يحصل بالسفر ولو قصر وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين والفقهاء يقولون لابد من ستة عشر فرسخاً فالصواب ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله لكن فيه آفة هذا القول الآفة هي أنه ليس بمنضبط ذاك الانضباط الذي يتمكن فيه الإنسان من الفصل في الحكم إذ قد يقال هذا سفر وهذا غير سفر فمثلاً بيننا وبين بريدة ثلاثين كيلو مثلاً لو أن الإنسان سافر ذهب لبريدة ليدرس ورجع في يومه لا شك إنه غير مسافر لكن لو ذهب إلى أقارب له هناك ليزورهم ويبقى عندهم يومين ثلاثة لعد ذلك سفراً فتأمل الآن لما طالت المدة صار سفراً مع قصر المسافة الآن الإنسان إذا سافر إلى الرياض ولو رجع في يومه يعتبره الناس مسافراً لأجل طول المسافة على كل حال انضباط هذا القول فيه صعوبة وإلا لا شك من الناحية النظرية أنه هو الذي تقتضيه الأدلة الشرعية.
    فإذا قال قائل إذا شككت هل هذا ينطبق عليه أنه سفر أو لا فالأصل عدم السفر الأصل وجوب الإتمام كما قال المؤلف في المسألة الآتية الأصل وجوب الإتمام ما دمت في شك فأتم إبراءً للذمة واحتياطاً ولهذا قال المؤلف إن شك في قدر السفر لم يبح القصر لأن الأصل الإتمام.
    ثم إن المؤلف رحمه الله قال العبرة بالنية لا بالفعل يعني مثلاً إذا أردت أن تسافر إلى مكة فإننا نقول لك أن تقصر من حين أن تخرج من بلدك أو حتى تصل ستة عشر فرسخاً الأول أو الثاني؟ الأول ما دمت نويت ما يبلغ المسافة فاقصر من حين أن تخرج من البلد خرج هذا الرجل من بلده وقصر ثم بدا له فعاد هل عليه أن يقضي الصلاة؟ لا لأنه أبرأ ذمته وأتى بما أمر ومن أبرأ ذمته وأتى بما أمر فإننا لا نلزمه بالإعادة.
    (2/129)
    ________________________________________
    ثم ذكر المؤلف أنه لابد من قصد معين فلو خرج إنسان يطلب آبقاً أو يطلب ضالة من إبله أو غنمه فإنه على رأي المؤلف لا يقصر لأنه متى وجد هذه الضالة أو هذا الآبق رجع وما يدرينا فلعله يرجع قبل أن يستكمل المسافة ولهذا قال بعض أهل العلم إنه يقصر إذا بلغ المسافة قصر وإن كان لا يدري متى ولا أين يجد هذا الضال لأن المسافة تحققت بالفعل والقول الثالث في المسألة أنه إذا نوى السفر وارتحل وعرف أن هذه الضالة ليست حول البلد بالقرائن فإن له أن يقصر وهذا القول هو الصحيح لأن المشقة يستوي فيها من قصد شيئاً معيناً ومن لم يقصد شيئاً معيناً ما دام الرجل خرج وشد رحله وأخذ عصاه وصار يضرب في الآفاق يميناً وشمالاً لماذا نقول إنه لا يجوز أن يقصر الصلاة.
    السائل: قلنا فيمن سافر ليفطر أنه لا يترخص برخص السفر وهنا قال إذا كان له طريقان فسلك أبعدهما فإن له أن يقصر؟
    الشيخ: هو إذا سلك الأبعد بدون قصد لا شك أنه يقصر لأنه له غرض صحيح قد يكون الأبعد أسهل أو آمن أو ما أشبه ذلك لكن إذا قصد الأبعد ليقصر هذا محل الإشكال والذي يظهر أنه لا يقصر ولكن القول الراجح أن العبرة بما يسمى سفراً وعلى هذا لا فرق بين القصير والطويل.
    السائل: على قول من يقول باعتبار المسافة في القصر هل العبرة ببلوغ حد للبلدة أو منتهى البعد يعني يكون حد البلدة أقل مسافة القصر على قول المسافة ثم ينزل في وسط البلد مثلاً؟
    الشيخ: العبرة بحدود البلد يعني مثل بعض البلاد الآن توسعت وكان بين مكة وجدة مسافة يومين على الإبل أما الآن مسافة يوم أو أقل على الإبل.
    السائل: قول شيخ الإسلام قصر المسافة وطول الإقامة أو العكس هل لها دليل أم مستنبطة؟
    الشيخ: لا، على أنه سفر لأن الذي يذهب إلى بلد آخر يبقى يومين ثلاثة لابد يحمل معه متاع ولا تعتبر حال الناس اليوم، اليوم يوجد فنادق ويوجد مطاعم لكن فيما سبق لابد أن يحمل المتاع.

    فصل
    (2/130)
    ________________________________________
    القارئ: والثاني أن يكون السفر مباحا فإن سافر لمعصية كالآبق وقطع الطريق والتجارة في خمر لم يقصر ولم يترخص بشيء من رخص السفر لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي لما فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها ولا يرد الشرع بذلك.
    الشيخ: هذا الشرط فيه خلاف أيضاً بين العلماء منهم من قال إنه يشترط أن يكون السفر مباحاً فإن عصى بسفره لم يقصر وإن عصى في سفره قصر عصى بسفره يعني أن السفر محرم كما مثل المؤلف رحمه الله آبق سفره محرم لأنه لا يجوز للعبد أن يأبق عن سيده كذلك أيضاً من سافر لأجل قطع الطريق هذا سفر محرم أو للتجارة في الخمر سفر محرم هذا لا يقصر وأما من عصى في سفره بأن يكون سفره مباحاً لكنه زنا وهو مسافر فإنه يقصر.
    يقول رحمه الله العلة إن هذا السفر محرم والقصر رخصة ولا ينبغي أن نرخص لشخص فعل محرماً لأن هذا إعانة على المحرم وقد اختلف العلماء في هذا الشرط فذهب كثير من العلماء إلى أن ذلك ليس بشرط لأن الحكم معلق بالسفر ثم من قال بوجوب القصر صار القصر عزيمة ولا شك وإذا لم نقل به فإنه هو الأصل ولهذا كان القول الصحيح أن المسافر إذا صلى ولم ينو القصر فإنه يصلي ركعتين وإن لم ينو القصر لأن الركعتين فرضه.
    والحكم معلق بالسفر (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يشترط أن يكون السفر مباحاً.
    السائل: إذا كان المسافر قبل أن يدخل المدينة أخر صلاة المغرب ليجمعها مع العشاء ودخل قبل أذان العشاء ولكن دخل في ضواحي المدينة كالمزارع حول المدينة هل يجب أن يصلي المغرب قبل أذان العشاء؟
    الشيخ: لا يجب عليه حتى يصل إلى المدينة.
    (2/131)
    ________________________________________
    القارئ: والثالث شروعه في السفر بخروجه من بيوت قريته لأن الله تعالى قال (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ولا يكون ضارباً في الأرض حتى يخرج وله القصر بين حيطان البساتين لأنها ليست من حيطان البلد ولا تبنى للسكنى وإن خرب بعض البلد فصار فضاءً فهو كالصحراء وإن كانت حيطانه قائمة فقال القاضي لا يقصر حتى يفارقها لأنه يمكن السكنى فيها وقال القاضي الآمدي له القصر بينها لأنها غير معتمدة للسكنى فهي كالبساتين.
    الرابع أن ينوي القصر مع نية الإحرام وقال أبو بكر لا يحتاج إلى النية لأن من خُيِّر في العبادة قبل الدخول فيها خُيِّر بعد الدخول فيها كالصيام ولنا أن الأصل الإتمام فإطلاق النية ينصرف إليه كما لو نوى الصلاة مطلقا انصرف إلى الإنفراد الذي هو الأصل.
    الشيخ: والصواب أن هذا ليس بشرط يعني نية القصر ليست بشرط لأن الأصل في صلاة السفر هو القصر فلا يحتاج إلى نية وقول المؤلف رحمه الله الأصل الإتمام هذا ليس بصحيح فالحديث صحيح صريح بأن الأصل هو القصر أول ما فرضت الصلاة ركعتين فلما هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى وعلى هذا فلا حاجة إلى نية فلو كبر وقد عزبت نية القصر عن خاطره فإنه يصلي قصراً.
    السائل: بالنسبة للمطارات هل يجوز القصر فيها للمسافرين لأنها هل هي خارج البلد أم داخله؟
    الشيخ: خارج البلد مثل مطار القصيم خارج البلد ومطار جدة خارج البلد ومطار الرياض خارج البلد المطار الجديد أما القديم صار الآن في وسط البلد.
    السائل: بعض المدن حولها بيوت متناثرة على بعد مسافة بالكيلومترات فهل تعد منها؟
    الشيخ: لا تعد منها ما دام بينها مسافة ليست منها لابد تكون متصلة.
    السائل: يا شيخ أليس سبق معنا أنه ما لم يحدد شرعاً يحدد بالعرف والآن الناس لو سألتهم لقالوا هذه من عنيزة؟
    (2/132)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم لكن ما يقال هذه من نفس المدينة لكن تابعة لها.
    السائل: إذا كانت المدينة ممتدة أكثر من مسافة القصر فهل يجوز لهم القصر؟
    الشيخ: ما دام لم يخرج فإنه لا يقصر لو كانت عشر كيلو أو عشرين كيلو أو ثلاثين كيلو أو ألف كيلو.
    القارئ: فإن شك في نية القصر لزمه الإتمام لأنه الأصل فلو نوى الإتمام في ابتداء الصلاة أو في أثنائها أو ما يلزمه الإتمام كالإقامة أو قلب نيته إلى سفر قصير أو معصية لزمه إتمام الصلاة ولزم من خلفه متابعته لأن نية الأربع أو ما يوجبها قد وجد فلزمته الأربع كما لو نواه في الابتداء ومن قصر معتقداً تحريم القصر فصلاته فاسدة لأنه فعل ما يعتقد تحريمه.
    الشيخ: ولأنه متلاعب كيف يقصر وهو يعتقد أن القصر حرام وهذه لا تقع إلا مثلاً لو أن إنساناً أقام في بلد أكثر من أربعة أيام وكان يرى أن من نوى إقامة أربعة أيام فإنه يقصر ومن زاد فلا يقصر فنوى إقامة خمسة أيام ولكنه قصر وهو يعتقد أنه حرام فصلاته غير صحيحة لأنه متلاعب.
    السائل: إذا خرج من بلده إلى المطار وخرج من عامر بلده فإن له رخصاً كالقصر ولكن الحجز في المطار انتظار فلا يدري هل يطير أو لا هل يترخص؟
    الشيخ: الأصل ما تيقن وهو أنه غير مسافر.
    السائل: لو نوى المسافر الإتمام ظناً منه أن الإمام مقيم فقصر الإمام فهل يتم هو أو يسلم مع الإمام؟
    الشيخ: الظاهر في هذه الحال وجوب الإتمام عليه لكن في مثل هذا لا ينوي الإتمام ينوي أنها صلاة ظهر فقط ثم إن أتم إمامه أتم معه وإن لم يتم سلَّم معه.
    القارئ: الخامس أن لا تكون الصلاة وجبت في الحضر فلو ترك صلاة حضر فقضاها في السفر لم يجز له قصرها لأنه تعين فعلها أربعاً فلم يجز النقصان فيها كما لو نوى أربع ركعات ولأن القضاء معتبر بالأداء والأداء أربع ومن سافر بعد دخول وقت الصلاة لم يقصرها لذلك وحكي عنه أن له قصرها لأنها صلاة مؤداة في السفر فأشبه ما لو دخل وقتها فيه.
    (2/133)
    ________________________________________
    الشيخ: قوله وحكي عنه أي عن الإمام أحمد وهذا هو الصحيح، الصحيح أنه إذا سافر بعد دخول الوقت فإنه يقصر كما أنه لو وصل البلد بعد دخول الوقت فإنه يتم فالعبرة بفعل الصلاة إن فعلتها في السفر فركعتان وإن فعلتها في الحضر فأربع أما لو ترك صلاة حضر فقضاها في السفر فيصلي أربعاً ولو نسي صلاة سفر فقضاها في الحضر فإنه يصلي ركعتين اعتباراً بالمقضية لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها) يصلها يعني بعينها ووصفها (فليصلها إذا ذكرها) فعليه إن ذكر صلاة حضر في سفر صلى أربعا أو ذكر صلاة سفر في حضر فإنه يصلي ركعتين.
    السائل: الرسول صلى الله عليه وسلم سافر من المدينة ووصل أبيار علي وقصر فيها والآن العمران في المدينة متصل بأبيار علي فهل يجوز القصر عندها؟
    الشيخ: لا ما أظنه اتصل على كل حال نفرض أنه اتصل إذا اتصل فإنها تكون من البلد ولا يجوز للإنسان أن يقصر فيها لأنها امتدت المدينة.
    القارئ: ولو أحرم بها في سفينة في الحضر فخرجت به في أثناء الصلاة أو أحرم بها في السفر فدخلت البلد في أثناء الصلاة لم يقصر لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر وجد أحد طرفيها في الحضر فغلب حكمه كالمسح.
    الشيخ: هذا صحيح.
    القارئ: وإن نسي صلاة سفر فذكرها في الحضر أتمها لذلك.
    الشيخ: والصحيح أنه يصليها ركعتين لأنها وجبت كذلك ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فليصلها) قلنا وهذا يعود إلى عينها ووصفها.
    القارئ: وإن ذكرها في السفر أو في سفر آخر قصر لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر فكان له قصرها كما لو أداها ويتخرج أن يلزمه إتمامها إذا ذكرها في سفر آخر لأن الوجوب كان ثابتاً في ذمته في الحضر.
    (2/134)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا تخريج ضعيف لأنه كان في الحضر ناسياً لها نعم لو ذكرها في الحضر ولكن تهاون ولم يصلها إلا في السفر لكان على القول بأنه يلزمه الإتمام إذا ذكرها في الحضر متخرجاً أما إذا كان قد بقي على نسيانه ففي هذا التخريج نظر ظاهر.
    القارئ: السادس أن لا يأتم بمقيم فإن ائتم بمقيم لزمه الإتمام سواء ائتم به في الصلاة كلها أو جزء منها لأن ابن عباس سئل ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الإنفراد وأربعاً إذا ائتم بمقيم فقال تلك السنة رواه الإمام أحمد وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولأنها صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة.
    الشيخ: قوله وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولأنها صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين هذا من الغلط الواضح لأنها لم ترد من أربع إلى ركعتين وإنما زيدت الركعتان فصارت أربعاً
    وقوله فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة قياس غريب على كل حال الصواب في هذه المسألة أن الدليل الذي هو عمدة حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما هو أصح منه أيضاً وهو قول الرسول عليه الصلاة والسلام (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فقوله (ما أدركتم فصلوا) يعم كل الأربع إذا أدركها (وما فاتكم فأتموا) يعم قضاء ما فاته من الأربع فالصواب أنه يجب عليه الإتمام سواء أدرك الصلاة من أولها أو من أثنائها حتى لو أدركه في الركعة الثالثة وصلى معه ركعتين فإنه لا يسلم معه بل يجب أن يأتي بالركعتين اللتين فاتته.
    السائل: لو دخل مع الإمام ولم يدرك من الصلاة إلا التسليم فقط ولم يقل شيئاً فهل يجب عليه الإتمام؟
    الشيخ: يجب عليه الإتمام (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فهو أدرك التشهد الحديث ليس فيه إن أدركتم ركعة فصلوا وما فاتكم فأتموا (ما أدركتم) عام.
    السائل: دخل عليه الوقت وهو في الحضر ثم سافر الآن يريد أن يصلي فماذا يصلي صلاة حضر أو سفر؟
    (2/135)
    ________________________________________
    الشيخ: الصحيح أنه يصلي صلاة سفر والمؤلف يقول صلاة حضر ولكنه ضعيف.
    القارئ: ولو أدرك المسافر من الجمعة أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعا لائتمامه بالمقيم.
    الشيخ: هذه غريبة وجه ذلك أنه إذا أدرك أقل من ركعة في الجمعة يلزمه أربعاً لو كان مقيماً لكن هنا مسافر وصلاة الظهر في حقه ركعتان وهو إذا قضى ركعتين فقد قضى ما فاته فيدخل في عموم قوله (وما فاتكم فأتموا) الصواب أنه لا يلزمه إلا ركعتان لأنه لم يخالف الإمام والفرق بينها وبين من ائتم بمقيم يصلي الظهر أن المقيم الذي يصلي الظهر كم صلى؟ أربعاً والذي يصلي الجمعة كم صلى؟ ركعتين فقول الرسول (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) يقال هذا أتم ما فاته ركعتان على هيئة الإمام لم يخالفه.
    السائل: قول الرسول (ما فاتكم فأتموا) هو أدرك جزءاً من ركعة وهو مقيم فيتم ما فاته وهو ركعتان؟
    الشيخ: لكن صار الآن ما أدرك الجمعة وإذا لم يدرك الجمعة صار الواجب عليه أن يصليها ظهراً والفرق بين مسألتنا هذه وما تذكر أن هذه إنما وجبت عليه الظهر ركعتين لأنه مسافر.
    السائل: إذا صلى يوم الجمعة هل ينوي ظهراً أو جمعة؟
    الشيخ: ينوي جمعة لأنه لو نوى ظهراً لفاته أجر الجمعة.
    القارئ: ومن ائتم بالمقيم ففسدت الصلاة لم يجز له قصرها بعد ذلك لأنها تعينت عليه تامة لائتمامه بمقيم.
    ومن أحرم مع من يظنه مقيما أو يشك فيه لزمه الإتمام وإن قصر إمامه اعتباراً بالنية وإن غلب على ظنه أنه مسافر لدليل فله أن ينوي القصر ويتبع إمامه فيقصر بقصره ويتم بإتمامه.
    الشيخ: ومما يغلب على الظن هذه المساجد التي تكون عند المحطات في الطرقات فإن الذي يغلب على الظن أن الذي يصلي فيها مسافر فينوي القصر ثم إن قدر أنه أتم يتابعه وكذلك فيما يظهر من كان في صالة الانتظار في المطارات فإن الذين يكونون في صالات المطارات الغالب أنهم مسافرون فإذا دخل مع الإمام نوى القصر ثم إن أتم أتم.
    (2/136)
    ________________________________________
    القارئ: وإن أحدث إمامه قبل علمه بحاله فله القصر لأن الظاهر أنه مسافر وإن أم المسافر مقيماً لزم المقيم الإتمام ويستحب للإمام أن يقول لهم أتموا فإنا قوم سفر لما روى عمران بن حصين أنه قال شهدت الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد (صلوا أربعا فإنا سفر) رواه أبو داود.
    الشيخ: وإنما استحب ذلك من أجل أن لا يغتر الجاهل فيسلم مع الإمام فإذا كان الإمام مسافراً فليقل أتموا فإنا قوم سفر لكن متى يقولوها يقولها قبل أن يدخل في الصلاة لأنه لو لم يقلها إلا بعد السلام لأوشك أن يسلم معه الناس فيقولها من قبل وإذا خشي أن أحداً دخل معه في الركعة الثانية فليقلها أيضاً بعد السلام ولا يضره.
    السائل: بعض البلدان عندهم جهل إذا قال لهم طالب العلم أنا مسافر فأتموا بعد السلام أخروه وقدموا غيره مقيماً؟
    الشيخ: صحيح هذا وارد إذا قال يا جماعة أنا مسافر سأصلي ركعتين وإذا سلمت فأتموا قالوا ارجع نجعل واحداً ما يقصر لأنهم يظنون أنه إذا فعل هذا نقصهم نصف الصلاة سيتمونها فرادى لكن نقول (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فإذا كان هذا المسافر هو أقرأ القوم فليؤمهم ولا يتم الصلاة، المسافر لايتم.
    السائل: إذا صلى المسافر إمام وأتم وخلفه مسافر هل يتم معه؟
    الشيخ: يتمون ويلزم المأموم متابعته كما لو كان مقيماً غير مسافر.
    القارئ: وإن أتم الإمام بهم صحت الصلاة وعنه تفسد صلاة المقيمين لأنهم ائتموا بمتنفل في الركعتين الأخيرتين والأول المذهب لأن الإتمام يلزمه بنيته.
    وإن نسي المسافر فقام إلى ثالثة فله أن يجلس ولا يلزمه الإتمام لأن الموجب للإتمام نيته أو ائتمامه بمقيم ولم يوجد فإن جلس سجد للسهو وله أن يتم.
    (2/137)
    ________________________________________
    فإن لم يعلم المأمومون هل سها أو نوى الإتمام لزمهم متابعته لأن حكم وجوب المتابعة ثابت فلا يزول بالشك فإذا اتبعوه فصلاتهم صحيحة لما ذكرنا فإن علموا أن قيامه لسهو فلهم مفارقته فإن تابعوه فقال القاضي تفسد صلاتهم لأنهم زادوا في الصلاة عمدا والصحيح أنها لا تفسد لأنها زيادة لا تفسد بها صلاة الإمام عمدا فلا تفسد بها صلاة المأموم كزيادات الأقوال فإذا صلى بهم الأربع سهوا سجد للسهو وليس بواجب عليه لأنها زيادة لا يبطل عمدها فلا يجب لها السجود كقراءة السورة في الثالثة.
    الشيخ: لأن القاعدة في سجود السهو أن ما أبطل الصلاة عمدُه وجب السجود لسهوه وما لا فلا.

    فصل
    القارئ: وللمسافر أن يقصر وله أن يتم لقول الله تعالى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) فمفهومه أن القصر رخصة يجوز تركها وعن عائشة أنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتممت فقال (أحسنت) رواه أبو داود الطيالسي.
    الشيخ: هذا حديث باطل لا شك:
    أولاً أنه لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان قط لأنه لم يسافر إلى مكة في رمضان إلا في غزوة الفتح وبالاتفاق أنه لم يعتمر.
    الثاني كيف تفعل أم المؤمنين عائشة هذه المخالفة الرسول يقصر وهي تتم ويفطر وهي تصوم ثم تقولها للرسول صلى الله عليه وسلم ثم يقول (أحسنت) هذا واضح بطلانه ولهذا يعتبر هذا الحديث من الاحاديث الموضوعة.
    ] يوجد سقط بمقدار (6) أسطر قراءة مع الشرح من قوله (ولأنه تخفيف أبيح للسفر ... ) إلى قوله (وصاحبك يتم) [

    فصل
    (2/138)
    ________________________________________
    القارئ: وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم وإن نوى دونها قصر وعنه إن نوى الإقامة أربعة أيام أتم لأن الثلاث حد القلة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا) رواه أبو داود فإذا أقام أربعاً فقد زاد على حد القلة فيتم والأول المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة فصلى بها إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها وذلك أنه قدم لصبح رابعة فأقام إلى يوم التروية فصلى الصبح ثم خرج فمن أقام مثل إقامته قصر ومن زاد أتم ذكره الإمام أحمد قال أنس أقمنا بمكة عشراً نقصر الصلاة ومعناه ما ذكرناه لأنه حسب خروجه إلى منى وعرفة وما بعده من العشرة وفي هذا الحديث دليل على أن من قصد بلداً ينوي الرجوع عنه قريباً فله القصر فيه لكون النبي صلى الله عليه وسلم قصر بمكة وهي مقصده.
    الشيخ: هذه المسألة إذا نوى المسافر الإقامة في بلد فهل ينقطع عنه حكم السفر ويلزمه حكم الإقامة؟ في هذا خلاف بين أهل العلم زاد على عشرين قولاً كما في المجموع شرح المهذب للنووي وإنما وصلت الأقوال إلى هذا لأنه ليس في المسألة نص قاطع يفصل في الخلاف فاختلف في هذا العلماء اختلافاً كثيراً:
    فمنهم من يقول إذا نوى أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم وإن نوى دونها قصر كما في كلام المؤلف في أول الفصل وبقي إذا نوى إحدى وعشرين هل يقصر أو لا لأنه قال إذا نوى أكثر من إحدى وعشرين يعني كم؟ اثنين وعشرين فما زاد وإن نوى دونها يعني عشرين وحينئذٍ تكون الإحدى وعشرون مسكوتاً عنها فهل يلزمه الإتمام أو لا؟ المذهب أنه يلزمه الإتمام.
    (2/139)
    ________________________________________
    القول الثاني إذا نوى الإقامة أربعة أيام أتم وإن نوى ثلاثاً لم يتم وعللوا ذلك بأن الثلاثة حد القلة بدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً) رواه أبو داود وهذا قياس في مقابلة النص فيكون فاسد الاعتبار لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقام أربعة أيام قطعاً في حجة الوداع قبل أن يخرج إلى منى وعرفة ولأنه لا علاقة بين إقامة المهاجر ثلاثة أيام وإقامة المسافر لحاجته.
    القول الثالث أنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام فإنه يتم وإن أقام أربعة أيام فإنه لا يتم لكن لا يحسب يوم الدخول ويوم الخروج وعلى هذا تكون الأيام ستة وهذا مذهب الشافعي رحمه الله.
    والقول الرابع أنه إذا أقام أكثر من خمسة عشر يوماً أتم وإن نوى خمسة عشر فما دونها قصر وهذا مذهب أبي حنيفة.
    (2/140)
    ________________________________________
    والقول الخامس قول ابن عباس رضي الله عنه إن نوى إقامة تسعة عشر يوماً قصر وإن نوى أكثر أتم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة وذكروا أقاويل كثيرة لكن أرجحها ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أنه ما دام الإنسان لا ينوي الإقامة المطلقة في هذا البلد فهو مسافر فإذا أقام ينتظر حاجة متى انتهت عاد إلى بلده فهو مسافر وسيأتي في كلام المؤلف أن هذا هو الحكم بشرط أن لا يحدد الأيام وأنه إذا أقام لحاجة معينة فهو مسافر ولو أقام ألف سنة ما دام لم يحدد أيام والصواب أنه لا فرق بين تحديد الأيام وتحديد العمل فمن نوى إقامة محددة بعمل أو محددة بزمن فإنه مسافر ولا ينقطع سفره والناس يقولون إنه مسافر لو سئل شخص عن ابنه الذي يدرس في أمريكا أو فرنسا أو غيرها قال أين فلان قال مسافر إلى أمريكا إلى فرنسا إلى لندن للدراسة وهو داخل في عموم (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) وقوله تعالى (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) ومن المعلوم أن التجار يبقون لشراء سلعهم أو لبيع ما معهم يبقون أياماً أكثر من أربعة أيام بلا شك وينون ذلك ويتحرون المواسم ولنا في ذلك ورقات كتبناها جواباً لسؤال ورد علينا من أمريكا وهو أظن قبل حوالي عشر سنوات أو تسع سنوات وبسطنا فيه القول وبينا أن القول الراجح أن من تقيدت إقامته بزمن أو عمل فإنه يعتبر مسافراً.
    السائل: على الذي رجحناه هل له أن يترخص في الجمع وغيره من رخص السفر؟
    الشيخ: نعم جميع رخص السفر تثبت له إلا مسألة الصيام ذكرنا أن الأولى أن لا يؤخر الصيام إلى رمضان الثاني لأسباب:
    أولاً أن تأكد الإفطار في السفر ليس كتأكد القصر.
    والثاني أنه ربما يحصل له عائق إذا تعددت الأشهر عليه فيعجز.
    (2/141)
    ________________________________________
    والثالث أنه إذا أخر الصيام حتى يصل إلى بلده فإنه سيبقى سنة أو سنتين أو ثلاثاً لم يصمه فرضاً وأما الصلاة فهو يصلي كل صلاة بوقتها إلا أنها مقصورة فنرى أنه لا يؤخر الصوم إلى ما بعد رمضان الثاني وحينئذٍ تكون فائدة ذلك أي فائدة القول بترخصه بالفطر أنه يفطر في أيام الصيف ويقضي في أيام الشتاء
    السائل: بالنسبة للسنة الراتبة؟
    الشيخ: السنن الراتبة كما تعلم ليست مشروعة راتبة الظهر والمغرب والعشاء وأما بقية النوافل فهي مشروعة وكذلك أيضاً لو صلى بين يدي صلاة الظهر وخلفها بغير نية الراتبة فلا بأس لأن قول بعضهم من السنة للمسافر أن يدع السنة هذا قول باطل لا يصح على العموم بالاتفاق.
    القارئ: وفيه دليل على أن من قصد رستاقاً.
    الشيخ: الرستاق عندي يقول القرى المتعددة القريبة من بعضها.
    القارئ: وفيه دليل على أن من قصد رستاقاً يتنقل فيه لا ينوي إقامة في موضع واحد فله القصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر بمكة ومنى وعرفة عشرا.
    الشيخ: ودليل ذلك أن أنساً رضي الله عنه سئل كم أقمتم في مكة؟ قال أقمنا عشراً فعد منها أربعة أيام قبل الخروج إلى الحج وستة أيام في أيام الحج.
    القارئ: ومن كان بمكة مقيما فخرج إلى عرفة عازماً على أنه إذا رجع إلى مكة لا يقيم بها فله القصر من حين خروجه.
    (2/142)
    ________________________________________
    الشيخ: وهذا من غرائب الدنيا يقولون إن الحاج إذا خرج إلى منى في اليوم الثامن فهو خارج للسفر السفر إلى ماذا؟ إلى بلده لأنه ورد عليهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قصر في منى وقصر في مزدلفة وقصر في عرفة قالوا لأنه عزم على الرحيل من حين خرج في اليوم الثامن فجعلوا المقصود الذي لم يأتِ الرسول عليه الصلاة والسلام من المدينة إلا له جعلوا البدء بهذا المقصود بدء بالسفر والمغادرة وهذا لا شك أنه بعيد من الصواب وأن الحامل له هو الاعتقاد قبل الاستدلال وهذه آفة نعوذ بالله منها فيقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعزم السفر إلى المدينة من حين خرج اليوم الثامن بل عزم أن يخرج إلى منى ثم إلى عرفة ثم إلى مزدلفة ثم إلى منى هكذا عزم بلا شك وأنس بن مالك أعلم منهم بمراد الرسول صلى الله عليه وسلم قال أقمنا بمكة عشرا فجعل خروجه إلى منى ومزدلفة وعرفة جعله من الإقامة بمكة ولو كان كما قالوا لكان أقام بمكة أربعة أيام.
    القارئ: ولو خرج المسافر فذكر حاجة في بلده قصر في رجوعه إليها فإذا وصل البلد فإن كان له به أهل أو مال أتم وإلا قصر فيه أيضا.
    الشيخ: قد يقال يمكن تصوير المسألة بأن يكون الرجل نوى الاستيطان في بلد وسافر منه وليس له فيه أهل ولا مال ثم عاد إليه لحاجته هكذا يمكن تصويره أما في الغالب فإنه لا يمكن أن يكون مستوطناً في بلد إلا وفيه أهل أو مال.
    القارئ: ومتى مر المسافر ببلد له به أهل أو ماشية أتم لأن ذلك يروى عن عثمان وابن عباس.
    الشيخ: يُجْمِع بمعنى يعزم لأن الإجماع في اللغة العزم والاتفاق والمراد به هنا العزم ومنه قوله تعالى (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ) أي اعزموه.
    فائدة: إعراب الآية يكون كالتالي: الواو حرف عطف وهو من باب عطف الجمل على الجمل فتكون شركاء منصوبة لفعل محذوف تقديره واْجمعوا شركاءكم.
    (2/143)
    ________________________________________
    القارئ: ومن لم يجمع على إقامة إحدى وعشرين صلاة قصر وإن أقام دهرا مثل من يقيم لحاجة يرجو إنجازها أو جهاد أو حبس سلطان أو عدو أو مرض سواء غلب على ظنه كثرة ذلك أو قلته.
    الشيخ: حتى لو غلب على ظنه أنه لا ينتهي إلا بشهر أو شهرين أو سنة أو سنتين فإنه يقصر لأنه لم يعزم على هذه الإقامة.
    القارئ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يقصر الصلاة رواه البخاري.
    الشيخ: أي سفر هذا؟ عام الفتح.
    القارئ: وأقام بتبوك عشرين يوماً يقصر رواه الإمام أحمد وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين وقد حال الثلج بينه وبين الدخول.
    الشيخ: ابن عمر أقام ستة أشهر هل نوى أن يقيم ستة أشهر؟ لا، كم يقيم؟ على حسب ما ينتهي الثلج وهل الثلج يذوب في أربعة أيام؟ لا يذوب لا شك قد يذوب شهر يمكن إذا كان في آخر الشتاء وإن كان في أول الشتاء فإنه لا تزيده الأيام إلا برودة أو ثلجا ولهذا كان حديث ابن عمر مما استدل به شيخ الإسلام رحمه الله وابن القيم على أنه ما دام الإنسان لم يعزم إقامة تامة فإنه يقصر ولو نوى إقامة مقيدة بزمن أو عمل والغريب أن هؤلاء القوم يقولون إنه مسافر غير مسافر يقولون إن الجمعة لا تنعقد به يعني إذا قلنا بأنه لابد من أربعين رجلاً ووجدنا عشرة من الطلاب مقيمين في هذا البلد إلى أربع سنين مثلاً أو خمس يقولون لا يكمل بهم عدد الجمعة وإذا لم يوجد إلا طلاب في هذه المدينة فإنهم لا يقيمون الجمعة ولو أقاموها لم تصح لأنهم غير مقيمين لأنه لابد من الاستيطان وكذلك يقولون لا يصح أن يكون واحد منهم إماماً في الجمعة ولا خطيباً فيها وهذا تبعيض الأحكام بلا دليل.
    القارئ: وإن قال إن لقيت فلاناً أقمت وإلا لم أقم لم يبطل حكم سفره لأنه لم يعزم على الإقامة.

    فصل
    القارئ: والملاح الذي أهله معه في السفينة وحاجة بيته ولا بيت له غيرها وليس له نية المقام ببلد لا يقصر نص عليه.
    (2/144)
    ________________________________________
    الشيخ: لا يقصر هذا خبر المبتدأ الذي هو الملاح.
    القارئ: لأنه غير ظاعن عن بلده ومنزله فأشبه المقيم ببلد قال القاضي والمكاري والفيج.
    الشيخ: الفيج عندي هو المسرع في سيره الذي يحمل أخباراً من بلد إلى بلد أشبه رجل البريد.
    القارئ: قال القاضي والمكاري والفيج مثله في ذلك والأولى إباحة القصر لهما لدخولهما في النصوص المبيحة وامتناع قياسهما على الملاح لأنه لا يمكنهما استصحاب الأهل ومصالح المنزل في السفر وزيادة المشقة عليه في سفره لحمل أهله معه بخلاف الملاح.
    الشيخ: غير صحيح قول القاضي رحمه الله ضعيف وقول القاضي ينبني على أصحاب السيارات الكبيرة التي للأجرة الآن هم دائماً في السفر هل نقول إن هؤلاء لا يقصرون ولا يفطرون في رمضان الجواب لا، نقول يقصرون ويفطرون في رمضان وليسوا كالملاح الذي معه أهله في السفينة لأن الملاح الذي معه أهله في السفينة كأنه مقيم هذا بيته وهذا وطنه ولهذا لابد أن لا يكون له وطن أعني الملاح فإن كان له وطن يأوي إليه فإنه مسافر يعني لو فرضنا أن هذا الملاح يحمل معه أهله لانه يسافر إلى مسافات بعيدة إلى قارات أخرى لكن له وطن معروف يأوي إليه فإنه يكون مسافراً أما الملاح الذي ليس له أهل ولا وطن إلا هذا البحر ووطنه البحر وبيته السفينة هذا نقول إنه مقيم.
    (2/145)
    ________________________________________
    باب
    الجمع بين الصلاتين
    الشيخ: أولاً يجب أن نعلم أن الجمع لا يجوز إلا لسبب لأن الله تعالى يقول (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأوقات وفصلها تفصيلاً تاماً فلا يجوز أن نخرج صلاة عن وقتها ولا أن نقدمها على وقتها إلا بدليل من الشرع وليس في الشرع ما يدل على جواز الجمع مطلقا بل لا يجوز الجمع إلا لسبب يقتضيه إما أن يكون في عدمه فوات مصلحة أو شيء من الحرج والمشقة فالجمع لأجل المطر لأنه يلزم من عدمه فوات مصلحة وهي الجماعة إذ يمكن كل واحد أن يصلي في بيته ويسلم من المشقة والجمع للمرض هذا من أجل الحرج والمشقة فله سببان إما فوات مصلحة مقصودة للشرع وإما حصول مشقة أما بدون ذلك فإنه لا يجوز الجمع فمن جمع تقديماً فصلاته باطلة ومن جمع تأخيراً فهو آثم وصلاته باطلة على القول الصحيح لأنه عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله.
    (2/146)
    ________________________________________
    القارئ: وأسباب الجمع ثلاثة أحدها السفر المبيح للقصر لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق متفق عليه وهذا لفظ مسلم وخص الخرقي الجمع بهذه الحالة إذا ارتحل قبل دخول وقت الأولى أخرها حتى يجمعها مع الثانية في وقت الثانية وروي نحوه عن أحمد والمذهب جواز الجمع لمن جاز له القصر في نزوله وسيره وله الخيرة بين تقديم الثانية فيصليها مع الأولى وبين تأخير الأولى إلى الثانية لما روى معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جمعيا وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار وإذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب قال الترمذي هذا حديث حسن وروى ابن عباس نحوه وروى أنس نحوه أخرجه البخاري ولأنها رخصة من رخص السفر فلم يعتبر فيها وجود السير كسائر الرخص.
    (2/147)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه المسألة اختلف فيها العلماء هل يجوز الجمع للنازل أو هو خاص بالسائر فاختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعة من العلماء إلى أن الجمع للمسافر السائر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجمع إذا جد به السير ولأن السائر هو الذي يحتاج إلى الجمع وأما النازل فلا ولكن الصحيح أنه يجوز للنازل والسائر لكنه في حق السائر سنة وفي حق النازل رخصة فهذا هو الفرق بينهما السائر نقول اقتدِ بالرسول عليه الصلاة والسلام إن ارتحلت قبل أن تزيغ الشمس فأخر الظهر وإن ارتحلت بعد أن تزيغ الشمس فعجل العصر وكذلك يقال في المغرب إن ارتحلت قبل الغروب فأخر المغرب وإن ارتحلت بعد الغروب فعجل العشاء هذا هو الصحيح وأما النازل فله أن يجمع ولعل ظاهر حديث أبي جحيفة في نزول النبي صلى الله عليه وسلم في الأبطح بمكة يدل عليه حيث ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من قبة له من أدم وركزت له العنزة فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين فظاهر هذا أنه جمع مع أنه كان نازلاً وكذلك نزوله في تبوك فإنه ذكر أنه يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ولأن هذا أيسر على المسافر بلا شك فكونه يصلي جمعاً أيسر من كونه يصلي كل صلاة في وقتها ركعتين فإذا جاز للإنسان أن يقصر الصلاة فجواز الجمع من باب أولى فالتحقيق في هذه المسألة أن يقال من كان سائراً فالجمع في حقه سنة ومن كان نازلاً فالجمع في حقه رخصة.
    القارئ: فإن جمع بينهما في وقت الأولى اعتبر ثلاثة شروط أن ينوي الجمع عند الإحرام بالأولى لأنها نية يفتقر إليها فاعتبرت عند الإحرام كنية القصر وفيه وجه آخر أنه يجزئه أن ينوي قبل الفراغ من الأولى لأنه موضع الجمع بين الصلاتين فإذا لم تتأخر النية عنه جاز وقال أبو بكر لا يحتاج الجمع إلى نية كقوله في القصر وقد مضى الكلام معه.
    (2/148)
    ________________________________________
    الشيخ: والصواب قول أبي بكر أنه لا يحتاج الجمع إلى نية وكذلك القصر لا يحتاج إلى نية أما القصر فقد سبق الكلام فيه وبينا أنه هو الأصل في صلاة المسافر وما كان الأصل فإنه لا يحتاج إلى نية وأما الجمع فكذلك لأنه إذا وجد سببه صار الوقت أعني وقت الصلاتين وقتاً واحداً فلا حاجة إلى النية.
    السائل: ذكرنا أن القول الراجح في الجمع أنه لا يجوز إلا لسبب فكيف نرد على بعض الناس الذين يحتجون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير عذر ولا مطر في المدينة يقولون إن هذا دليل على أن الجمع جائز مطلقاً فكيف نرد عليهم؟
    الشيخ: كيف نرد على من قال من صلى فالويل له لقول الله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) نقول كمل الآية نقول كمل حديث ابن عباس يقول ابن عباس أراد أن لا يحرج أمته وهذا واضح أن العلة هو الحرج فإذا انتفى الحرج فالواجب أن تصلى كل صلاة بوقتها ثم نقول تتبع المتشابهات منهج أهل الزيغ (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) فعندنا أدلة كالنهار وضوحاً في وجوب فعل كل صلاة في وقتها فكيف ندع هذه الأدلة الواضحة من أجل دليل مشتبه مع أنه لا دلالة فيه كما عرفت.
    القارئ: الشرط الثاني أن لا يفرق بينهما إلا تفريقاً يسيرا لأن معنى الجمع المتابعة والمقارنة ولا يحصل ذلك مع الفرق الطويل والمرجع في طول الفرق وقصره إلى العرف فإن احتاج إلى وضوء خفيف لم تبطل وإن صلى بينهما سنة الصلاة فعلى روايتين.
    (2/149)
    ________________________________________
    الشيخ: يعني هل يبطل أو لا والمذهب أنه يبطل إذا صلى راتبة بينهما واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن هذا ليس بشرط وقال إن معنى الجمع هو الضم وليس المراد ضم كل صلاة إلى أخرى وإنما المراد ضم وقت الثانية إلى وقت الأولى فله أن يجمع ولو طال الفصل بين الأولى والثانية لأن الجمع هو الضم وليس المتابعة نعم المقارنة قريبة من معنى الضم ولكنه يرى رحمه الله أن الضم ليس ضم إحدى الصلاتين للأخرى ولكنه ضم وقت إحدى الصلاتين إلى وقت الأخرى فيجوِّز التفريق.
    القارئ: الشرط الثالث وجود العذر حال افتتاح الأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية لأن افتتاح الأولى موضع النية وبافتتاح الثانية يحصل الجمع فاعتبر العذر فيهما فإن انقطع العذر في غير هذه المواضع لم يؤثر وإن جمع في وقت الثانية اعتبر أن ينوي التأخير للجمع في وقت الأولى إلى أن يبقى منه قدر فعلها واستمرار العذر إلى وقت الثانية ولا يعتبر وجوده في وقت الثانية لأنها صارت في غير وقتها وقد جوز له التأخير ولا تعتبر المواصلة بينهما في أصح الوجهين لأن الثانية مفعولة في وقتها فهي أداء على كل حال والأولى معها كصلاة فائتة.
    (2/150)
    ________________________________________
    الشيخ: يقول رحمه الله الشرط الثالث وجود العذر في ثلاث مواضع عند افتتاح الأولى وعند الفراغ منها وعند افتتاح الثانية فإذا جمع العشاء إلى المغرب فلابد أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح المغرب وعند السلام منها وعند افتتاح العشاء والتعليل كما ذكر المؤلف أما كونه يشترط عند افتتاح الأولى فلأنه لابد للجمع من النية وإذا لم يكن السبب موجوداً عند افتتاحها فكيف ينوي الجمع وأما افتتاح الثانية فلأنه هو الذي يحصل به الجمع فاعتبرت النية فيه فاعتبر وجود العذر فيه والصحيح أن ذلك ليس بشرط وأنه متى وجد العذر عند افتتاح الثانية جاز الجمع فلو صلى المغرب وليس عنده نية الجمع أو صلى المغرب وليس هناك مطر وبعد سلامه من المغرب أمطرت السماء فنوى الجمع فلا بأس بذلك وقد عمل بهذا شيخنا رحمه الله عبد الرحمن بن سعدي حيث صلى ذات يوم صلاة المغرب ولما خرج الناس رجعوا إليه وقالوا إنها تمطر مطراً شديداً فأمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى العشاء مع أنه لم ينو الجمع عند افتتاح الأولى ولم يوجد العذر أيضاً فالحاصل أن الصحيح أنه متى وجد العذر المبيح للجمع في وقت لا يحصل به التفريق فإنه يجوز أن يجمع بل قال بعض العلماء حتى لو لم يوجد العذر إلا بعد وقت طويل من سلامه من الأولى فله أن يجمع يعني أنه متى وجد العذر قبل خروج الوقت وقت الأولى جاز الجمع وهذا لا شك أنه من أوسع المذاهب ومن أيسرها على الناس لكن النفس لا تطيب بالقول به أي أنه إذا وجد العذر بعد مدة طويلة من الأولى فإنه يجوز لا أستطيع أن أجسر الآن على القول بهذا أما إذا وجد العذر بعد السلام الأولى بمدة قصيرة لا يحصل بها التفريق فلا شك في جواز الجمع.
    (2/151)
    ________________________________________
    إن جمع في وقت الثانية يقول لابد أن ينوي التأخير للجمع في وقت الأولى وظاهر كلامه ولو وجد السبب فلابد أن ينوي الجمع في وقت الأولى مثاله إنسان مسافر والسفر يبيح الجمع فهل يشترط أن ينوي الجمع في وقت الأولى؟ يرى المؤلف أنه لابد منه لأنه لو لم ينوه لكان قد أخر الأولى عن وقتها بدون نية الجمع وهذا حرام ولكن الصحيح أنه ما دام العذر موجوداً فإنه لا حاجة إلى أن ينوي جمع التأخير لأن وجود العذر مسوغ للجمع تقديماً أو تأخيراً فإذا كان مسافراً فوقت الأولى والثانية صار وقتاً واحداً فإن شاء صلاهما في وقت الأولى وإن شاء صلاهما في وقت الثانية.
    وأما قول المؤلف رحمه الله لأن الثانية مفعولة في وقتها فهي أداء على كل حال والأولى معها كصلاة الفائتة في هذا نظر ظاهر بل الأولى مصلاة في وقتها كالثانية ووجه ذلك أن الوقت صار واحداً للأولى والثانية فمن جمع في وقت الأولى صار كمن قدم الصلاة في أول وقتها ومن جمع في وقت الثانية صار كمن أخر الصلاة إلى آخر وقتها.

    فصل
    القارئ: والسبب الثاني المطر يبيح الجمع بين المغرب والعشاء لأن أبا سلمة قال من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء وكان ابن عمر يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء ولا يجمع بين الظهر والعصر للمطر قال أحمد ما سمعت بذلك وهذا اختيار أبي بكر وذكر بعض أصحابنا وجهاً في جوازه قياساً على صلاة الليل ولا يصح لأن المشقة في المطر إنما تعظم في الليل لظلمته فلا يقاس عليه غيره.
    (2/152)
    ________________________________________
    الشيخ: ولكن الصحيح أن نقول إن الجمع بين الظهر والعصر للمطر ثبت بالسنة لا قياساً على المغرب والعشاء ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر وهذا يدل على أنه كان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء للمطر وهذا هو الصحيح وقوله إنه لا مشقة إلا مع الظلمة يقتضي أنه في عصرنا الحالي الآن لا جمع ولا بين المغرب والعشاء لأن الإضاءة موجودة ويقتضي أيضاً أنه في أيام البيض لا يجمع بين المغرب والعشاء لوجود الإضاءة وإن كان ليس كإضاءة الشمس ولكن العلة هي المشقة فإذا وجدت المشقة بين الظهرين أو بين العشائين ثبت الحكم وهو الجمع.
    القارئ: والمطر المبيح للجمع هو الذي يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه والثلج مثله في هذا.
    الشيخ: وأما الذي لا يبل الثياب مثل النقط الصغيرة قليلة فهذا لا يجوز فيه الجمع والدليل على هذا أن ابن عباس لما حدث بالحديث الذي سمعتم قيل له ما أراد إلى ذلك؟ قال أراد أن لا يحرج أمته أي أن لا يلحقها الحرج وهذا يدل على أنه لابد من أذية بالمطر والمطر النقط اليسيرة لا تبل الثياب لا سيما في أيام الصيف أو مع الهواء فلا بد أن تبل الثياب وقوله تلحقه المشقة في الخروج فيه الظاهر أن هذا يترجح أنه ليس بشرط لأن بلل الثياب سوف يكون فيه مشقة وأذى ولا سيما في أيام الشتاء.
    القارئ: فأما الطل والمطر الذي لا يبل الثياب فلا يبيح الجمع لعدم المشقة فيه وهل يجوز الجمع لمن يصلي منفردا أو لمقيم في المسجد أو لمن طريقه إليه في ظلال؟ على وجهين أحدهما لا يجوز لعدم المشقة والثاني يجوز لأن العذر العام لا يعتبر فيه حقيقة المشقة كالسفر.
    (2/153)
    ________________________________________
    الشيخ: الصحيح أن من يصلي منفرداً كالذي يعذر بترك الجماعة ويصلي في بيته وكالنساء لا يجوز له الجمع والدليل أن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها فإذا لم يوجد سبب يبيح إخراجها عن وقتها فإنه لا يجوز العدول عن الأصل فمن صلى في بيته لعذر أو كان ليس من أهل حضور الجماعة فإنه لا يجمع وفي جواز الجمع مع الرخصة في أن يصلي الإنسان في بيته دليل على أهمية الجماعة وأنه يجوز الجمع لتحصيل الجماعة وقلت ذلك ليترتب عليه ما يلي لو كنا جمعاً وسنتفرق قبل دخول وقت الثانية فهل لنا أن نصلي جماعة جمعاً؟ الظاهر نعم لا فرق لأننا نعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما جمع من أجل الجماعة، وأما مجرد المطر والوحل فقد كان يقول (صلوا في رحالكم) فإذا كان الناس لم يجتمعون وهم في بيوتهم قلنا لهم صلوا في رحالكم أما إذا اجتمعوا فنقول اجمعوا والذي أشرت إليه يقع كثيراً يكونوا جماعة الآن مجتمعين وسيصلون إلى منتهى سيرهم أو منتهى اجتماعهم ويتفرقون فيقولون هل نصلي الجماعة ونجمع أو نصلي الجماعة في الصلاة الحضارة والصلاة الباقية نصليها فرادى؟ نقول لكم أن تجمعوا لتحصيل الجماعة.
    السائل: كيف يعرف تأخير الجمع في يوم المطر؟
    الشيخ: لا في يوم المطر الأرفق التقديم اللهم إلا أن يكون في وقت الأولى مطر شديد لا يستطيع الناس معه الخروج فيؤخرون لعلها تخف لكن هذا ينبغي أن لا يكون وارداً فالجمع للمطر الأرفق بالناس أن يكون تقديماً.
    السائل: إذا نزل مطر بعد صلاة الجمعة ولا يمكننا جمع العصر مع الجمعة فهل تسقط الجماعة في العصر؟
    الشيخ: نقول من حضر صلينا بهم ومن كان عليه مشقة سقطت عنه الجماعة.
    السائل: إذا كان كل الجماعة طريقهم للمسجد ظلال فهل يجوز لهم الجمع؟
    الشيخ: الظاهر أنه لا يجوز أن يجمعوا لأن المشقة غير موجودة الآن.
    (2/154)
    ________________________________________
    القارئ: والوحل بمجرده مبيح للجمع لأنه يساوي المطر في مشقته وإسقاطه للجمعة والجماعة فهو كالمطر وفيه وجه آخر أنه لا يبيح لاختلافهما في المشقة.
    الشيخ: والصحيح أنه يبيح الجمع الوحل يعني الزلق الصحيح أنه يبيح وقد يكون هذا أشد من المطر لأنه ربما يزلق الإنسان ثم يتأثر ينكسر أو ينجرح أو ما أشبه ذلك فالصواب أنه يجوز الجمع للوحل ولكن الآن في الوقت الحاضر عندنا في المدن لا في القرى هل يوجد الوحل؟ لا يوجد الآن الطرقات مزفلته لكن ربما يكون وحل غير الزلق وهو أن بعض الشوارع يكون غير متساوي فتجد مثلاً مناقع كثيرة تؤذي الناس فإذا كان يحصل أذية من هذه المناقع الكثيرة فإنه يجوز الجمع لأنه ليس فيه وحل لكن فيه مشقة بخوض هذه المياه وربما يكون الشارع ممراً للسيارات ثم ما ظنك إذا جاء صاحب السيارة قد أسرع إلى مائة وعشرين مثلاً أين يذهب هذا الماء؟ في الثياب.
    القارئ: وفي الريح الشديدة في الليلة المظلمة وجهان.
    (2/155)
    ________________________________________
    الشيخ: والأصح أنه إذا كان فيه مشقة فإنه يجمع وأنه إذا كانت الريح باردة برداً يؤذي الناس فإنه يجمع وإن لم تكن شديدة أحياناً في أيام الشتاء يكون فيه ريح ما هي شديدة عاصفة لكنها تؤذي الناس تصل إلى العظم فمثل هذا لا شك في جواز الجمع من أجله لأن العلة هي المشقة بترك الجمع فمتى وجدت المشقة بترك الجمع جاز الجمع الآن فهمنا أن السبب الثاني لا يجوز فيه الجمع إلا بين المغرب والعشاء فقط ولكن الصحيح أنه يجوز بين المغرب والعشاء وبين الظهر والعصر ولا فرق لأن المشقة موجودة في هذا وهذا ولكن ما رأيكم في عامل يشتغل وقال أنا أريد أن أجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء وأصليها إذا حضرت إلى النوم يجوز أو لا يجوز؟ هذا لا يجوز حتى فيما يظهر لي أنه لا يجوز أن يجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء اللهم إلا إذا لحقه بترك الجمع ضرر كما لو ألزم بعمل إن لم ينجزه في هذا الوقت فإنه يُبطَّل ويفصل ويكون في ذلك ضرر عليه في معاشه فهذا يجوز له الجمع.
    السائل: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين مع أنه لم يكن بينه وبين المسجد إلا الصوت ألا يدل على جواز الجمع؟
    الشيخ: العبرة بالجماعة ليس بالإمام العبرة بالجماعة.
    السائل: في أيام الشتاء يغلب على الأيام أن تكون باردة؟
    الشيخ: لا البرودة بدون ريح لا تجوز لأن البرودة بدون ريح زد ثوباً أو ثوبين وتسلم لكن مع الريح الريح وإن كان عليك ثياب تدخل مع الثياب.
    السائل: يقول بعض الناس للإمام إذا نزل مطر خفيف: أحيوا السنة واجمعوا؟
    (2/156)
    ________________________________________
    الشيخ: الذي يقول للناس إذا نزل المطر الخفيف أحيوا السنة واجمعوا نقول هذا أخطأ السنة وذلك أن ابن عباس لما سئل ما أراد إلى ذلك لم يقل أراد أن يخير الناس بل قال أراد أن لا يحرج أمته فعلم من هذا أن ابن عباس الذي روى هذا الحديث فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لدفع الحرج فإذا لم يكن حرج فالواجب الرجوع إلى النصوص المحكمة وهي وجوب فعل الصلاة في وقتها وهذه حقيقة من مساوئ طلب العلم الذي لا يتمعن فيه الإنسان ولا يتدبر تجده يأخذ بظاهر اللفظ مع أن في الحديث ما يدل على خلاف مأخذه فيكون كالذي قال (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) نقول اقرأ الحديث اقرأ آخره حتى يتبين لك.
    السائل: إذا كان في جماعة مسجد يعرفون أنهم كلهم يستطيعون الإتيان بالسيارات في وقت المطر فهل يجب عليهم الصلاة بدون جمع؟
    الشيخ: الظاهر أنه يجوز لهم الجمع لأن الحضور على الراحلة ليس بواجب، والسيارات ليست كالظلال هذه سيخرجون من البيت وهي تمطر والمطر بينه وبين السيارة ثم إذا نزل إلا إذا كانت السيارة تريد أن تدخل إلى المسجد فهذا شيء ثاني.

    فصل
    (2/157)
    ________________________________________
    القارئ: والسبب الثالث المرض يبيح الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا لحقه بتركه مشقة وضعف لأن ابن عباس قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر متفق عليه وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر فلم يبق إلا المرض ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل وحمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين لأجل الاستحاضة وهو نوع مرض ثم هو مخير بين التقديم والتأخير أي ذلك كان أسهل عليه فعله لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم إذا ارتحل بعد دخول الوقت ويؤخر إذا ارتحل قبله طلباً للأسهل فكذلك المريض وإن كان الجميع عنده واحدا فالأفضل التأخير فأما الجمع في المطر فلا تحصل فائدة الجمع فيه إلا بتقديم العشاء إلى المغرب فيكون ذلك الأولى والله سبحانه وتعالى أعلم.
    الشيخ: نعم إذا جاز الجمع فالأفضل أن يراعي السهولة ما كان أسهل وأيسر فهو أفضل إما التقديم وإما التأخير إلا أن بعضهم استثنى في مزدلفة التأخير مطلقاً وفي عرفة التقديم مطلقاً ولا وجه لهذا الاستثناء لأن عرفة الأسهل فيها التقديم لا شك إذ أن الناس بعد هذه الصلاة سوف ينصرفون إلى مواقفهم كل على موقفه وكذلك في مزدلفة الأفضل الأيسر التأخير لا شك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما وصل إليها بعد دخول العشاء ولهذا صلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره وحط رحله ثم صلى العشاء لأنه أيسر له وعلى هذا فلا استثناء في القاعدة أن الأفضل إذا جاز الجمع فعل ما هو الأيسر مطلقاً وإذا كان كذلك علم أن المسافر النازل الأفضل أن لا يجمع وإن جمع فلا بأس وأما المسافر السائر فالأفضل أن يجمع حسب ما تيسر له إما جمع تقديم أو جمع تاخير هذا هو القول الصحيح في مسألة الجمع في السفر.
    السائل: من به سلس البول هل يحق له الجمع؟
    (2/158)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم من به سلس البول ويشق عليه الصلاة في كل وقت له أن يجمع كالمستحاضة تماماً ثم إن عندنا قاعدة متى لحق الإنسان مشقة في ترك الجمع جاز الجمع.
    السائل: قول المؤلف وإن كان الجمع عنده واحداً فالأفضل التأخير كيف يكون هذا؟
    الشيخ: إذا قال أنا والله سواءً جمعت جمع تقديم أو جمع تأخير كله واحد مثلاً إن جمعت جمع تقديم وركبت ومشيت سهل وإن ركبت قبل أن أصلي المغرب والعشاء ثم عند أي محطة نزلت وصليت كله واحد عندي.

    باب
    صلاة المريض
    القارئ: إذا عجز عن الصلاة قائماً صلى قاعداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين (صلِّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب) رواه البخاري وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه قاعداً وهو شاكٍ وصفة جلوسه على ما ذكرنا في صلاة التطوع.
    الشيخ: كيف يجلس نقول يجلس متربعاً في حال القيام والركوع وفي حال الجلوس وفي حال السجود سيكون مفترشاً.
    القارئ: فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ويقرب وجهه من الأرض في السجود قدر طاقته.
    فإن سجد على وسادة بين يديه جاز لأن أم سلمة سجدت على وسادة لرمد بها ولا يجعلها أرفع من مكان يمكنه حط وجهه إليه.
    وإن أمكنته الصلاة قائماً وحده ولم تمكنه مع الإمام إلا بالقعود في بعضها فهو مخير فيها لأنه يفعل في كل واحد منهما واجباً ويترك واجبا وإن أمكنه القيام وعجز عن الركوع والسجود صلى قائما فأومأ بالركوع ثم جلس فأومأ بالسجود لأن سقوط فرض لا يسقط فرضا غيره.
    الشيخ: كل هذه واضحة إلا قوله إن أمكنه الصلاة قائماً وحده ولم تمكنه مع الإمام إلا بالقعود في بعضها فيقول إنه يخير وهذا أحد أقوال ثلاثة.
    القول الثاني يجب عليه أن يصلي في البيت قائماً لأن القيام ركن والصلاة مع الجماعة ليست بركن وإذا تعارض الركن وغيره قدم الركن فيجب عليه أن يصلي في بيته قائما.
    (2/159)
    ________________________________________
    القول الثالث تجب عليه الجماعة لأنه مأمور بالسعي إليها فإذا وصل مكان الجماعة فإن قدر على القيام قام وإن عجز صلى قاعداً وهذا القول أقرب الأقوال الثلاثة أنه يجب عليه الحضور ثم إذا حضر فإن قدر على القيام قام وإلا فلا لأن مخاطبته بالحضور إلى الجماعة سابقة على مخاطبته بالصلاة قائماً فيحضر ثم إن قدر صلى قائماً وإلا صلى قاعداً فهذه فالأقوال الآن ثلاثة.
    السائل: إن قدر على القيام بالعصا فهل يصلي قاعداً أم قائماً بالعصا؟
    الشيخ: يقول المؤلف إذا قدر على القيام سواء على العصا أو على الجدار أو متمسكاً بواحد من الناس فمتى قدر على القيام أو على أي حال وجب عليه حتى قالوا لو قدر على القيام ولو كراكع يعني منحنياً فيجب أن يقوم.
    السائل: قول المؤلف (فإن سجد على وسادة جاز) يخالف حديث جابر أن الرسول رأى رجلاً يصلى على وسادة رمى بها.
    الشيخ: حديث جابر ضعيف وأثر أم سلمة أيضاً ليس بذاك القوي ولهذا نقول ترك الوسادة أفضل لأن ذلك من باب التنطع فنقول صلِّ ساجداً إن قدرت وإلا فبالإيماء ولا حاجة للوسادة والمؤلف اشترط في الوسادة أن تكون على أدنى ما ينزل إليه رأسه.
    القارئ: وإن تقوس ظهره فصار كالراكع رفع حال القيام قدر طاقته ثم انحنى في الركوع قليلاً آخر وإن كان بعينه رمد فقال ثقات من العلماء بالطب إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك جاز ذلك لأن أم سلمة تركت السجود لرمد بها ولأنه يخاف منه الضرر أشبه المرض.
    الشيخ: الرمد نوع من مرض العين.

    فصل
    (2/160)
    ________________________________________
    القارئ: وإن عجز عن القعود صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه لحديث عمران وإن صلى على جنبه الأيسر جاز للخبر ولأنه يستقبل القبلة به وإن صلى مستلقياً على ظهره بحيث إذا قعد كان وجهه إليها جاز لأنه نوع استقبال ويحتمل أن لا يجوز لمخالفته الأمر وتركه الاستقبال بوجهه وجملته فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى على ظهره ويومئ بالركوع والسجود برأسه فإن عجز فبطرفه ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتا.
    الشيخ: يقول رحمه الله الصلاة مضجعاً لها ثلاث حالات:
    الأولى أن يكون على جنبه الأيمن وهذا الأفضل.
    ثم على الجنب الأيسر وهذا جائز لكنه مفضول.
    (2/161)
    ________________________________________
    ثم مستلقياً بحيث يكون وجهه إذا قام إلى القبلة فهذا أيضاً جائز على المذهب والصواب أنه لا يجوز إلا إذا عجز عن الجنب لأن هذا الذي صلى مستلقياً جملته ليست إلى القبلة بخلاف من صلى على جنب فإن وجهه وجملة بدنه إلى القبلة فالصواب أنه لا يجوز أن يصلي مستلقياً ورجله إلى القبلة إلا إذا عجز عن الصلاة على جنبه، فإن عجز فبطرفه بطرفه أي بعينه والصلاة بالعين حديثها ضعيف ولهذا أسقطها كثير من أهل العلم وأما ما اشتهر عند العامة أنه يومئ بأصبعه فهذا لا أصل له لا في السنة ولا في كلام أهل العلم لكن لعل بعض العامة استحسنها لأنه يوقف أصبعه هكذا ثم إذا ركع يحنيه قليلاً ثم إذا سجد يقول هكذا قال هذا الأصبع صار كالرجل الأصبع يركع ويسجد فلتكن الصلاة في الأصبع لكن هذا لا أصل له أبداً وما علمت أحداً من العلماء قال به لكن يومئ بالطرف كيف يومئ بالطرف في حال الركوع يغمض قليلاً في حال السجود يغمض أكثر لكن شيخ الإسلام رحمه الله ينكر هذا ويقول إن ذلك لم يثبت لأن الحديث في هذا ضعيف لكن بقي أن يقال هل إذا عجز عن المراتب الثلاثة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقلنا إنه لا يصلي بعينه فهل تسقط الصلاة أو لا؟ الصحيح أنها لا تسقط لعموم قول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ومن المعلوم أن الصلاة عمل قلبي وعمل بدني فإذا تعذر العمل البدني بقي العمل القلبي وعليه فيكبر ويقرأ وإذا أراد الركوع نوى بقلبه أنه راكع وسبح تسبيح الركوع ثم نوى بقلبه أنه رفع من الركوع وهكذا بقية الصلاة وهذا القول أصح وإن كان من العلماء من يقول كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه إذا انتهت المراتب الثلاث فلا صلاة فيقال ما الدليل أليس الله يقول (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أوليس الصلاة عمل قلبي وبدني فإذا تعذر البدن وجب القلب.
    السائل: قوله وقال ثقات من العلماء هل يدل على عدم قبول خبر الواحد؟
    (2/162)
    ________________________________________
    الشيخ: ظاهر كلامه أنه لا يقبل لابد من ثقات والصحيح أنه يقبل قول الطبيب الواحد.

    فصل
    القارئ: وإن قدر على القيام أو القعود في أثناء الصلاة انتقل إليه وأتم صلاته.
    الشيخ: إن قدر على القيام من قعود وعلى القعود من اضطجاع يعني إذا قدر على الحالة الأكمل ينتقل إليها.
    القارئ: وإن ابتدأها قائماً أو قاعداً فعجز عن ذلك في أثنائها أتم صلاته على ما أمكنه لأنه يجوز أن يؤدي جميعها قائماً حال القدرة وقاعداً حال العجز فجاز أن يفعل بعضها قائماً مع القدرة وبعضها قاعداً مع العجز.
    الشيخ: إذا كان جالساً وقدر على القيام يقوم في أثناء الصلاة لعموم قوله (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) لو قرأ الفاتحة في حال نهوضه هل تصح قراءة الفاتحة يقولون لا تصح لأنه لما قدر على القيام صار الفرض أن يقرأ الفاتحة حال قيامه والصحيح أنه يصح لأن هذا النهوض انتقال من أدنى إلى أعلى حسب قدرته ولا يمكن أن نقول له إذا قدرت على القيام وأنت قاعد فاسكت حتى تتم قائماً لأن مثل هذا سيكون انتقاله إلى القيام ليس سريعاً سيكون بطيئاً في هذه الأثناء ربما يقرأ آيتين أو ثلاثة من الفاتحة فإذا قلنا أنه لا يصح معناه قلنا لابد أن تعيد هذه الركعة والصواب أنه إذا قرأ في أثناء نهوضه بعد القدرة على القيام فإن قراءته في حال النهوض صحيحة.
    (2/163)
    ________________________________________
    القارئ: ومن كان في ماء أو طين لا يمكنه السجود إلا بالتلوث والبلل فله الصلاة بالإيماء والصلاة على دابته لأن أنس بن مالك صلى المكتوبة في يوم مطير على دابته وروى يعلى بن أمية عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على ظهور دوابهم يومئون يجعلون السجود أخفض من الركوع رواه الأثرم والترمذي فإن كان البلل يسيرا لا أذى فيه لزمه السجود لأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاته وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين متفق عليه، وهل تجوز الصلاة على الدابة لأجل المرض فيه روايتان إحداهما تجوز اختارها أبو بكر لأن مشقة النزول في المرض أكثر من المشقة بالمطر والثانية لا تجوز لأن ابن عمر كان ينزل مرضاه ولأن الصلاة على الأرض أسكن له وأمكن بخلاف صاحب الطين.
    فإن خاف المريض بالنزول ضرراً غير محتمل كالانقطاع عن الرفقة ونحوه فله الصلاة عليها رواية واحدة لأنه خائف على نفسه فأشبه الخائف من عدوه والله أعلم.
    الشيخ: كل هذه التفريعات يمكن أن تؤخذ من قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
    السائل: لو أن إنساناً صلى قاعداً يستطيع القيام لاعتقاده أنه يسقط عنه القيام جهل أن القيام يجب عليه في هذه الحال فهل يعيد صلاته؟
    الشيخ: هذا ينبني على العذر بالجهل نقول إذا كان ذلك في الوقت فليعدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسيء في صلاته أن يعيد صلاته الحاضرة وأما إذا كان قد مضى الوقت فإنه لا يعيد.
    السائل: في الحديث (وكان يصلي على راحلته إلا المكتوبة) فهل يجوز الآن صلاة الفرض على وسائل النقل إذا استطاع أن يقيم الصلاة؟
    (2/164)
    ________________________________________
    الشيخ: إن الصلاة على الدواب الآن غير يعني مثل السيارات الآن يمكن الإنسان يصلي ويأتي بجميع الأركان والشروط فإذا كان يمكن أن يصلي على السيارة ويستقبل القبلة ويقوم في محل القيام ويركع ويسجد فلا بأس كالصلاة في السفينة ولا فرق لأن العلة من الصلاة على الراحلة فيما سبق أن الإنسان لا يتمكن من الوقوف ولا من الركوع ولا من السجود فكان الصلاة عليها صلاة ضرورة وإذا كان لا يستطيع الصلاة على السيارة نقول انتظر حتى تقف ويجب أن يقف حتى يصلي إذا خاف فوت الوقت.
    (2/165)
    ________________________________________
    باب
    صلاة الخوف
    القارئ: تجوز صلاة الخوف في كل قتال مباح كقتال الكفار والبغاة والمحاربين ولا تجوز في محرم لأنها رخصة فلا تستباح بالمحرم كالقصر.

    الشيخ: قوله رحمه الله باب صلاة الخوف من باب إضافة الشيء إلى سببه يعني باب الصلاة التي سببها الخوف، الخوف من العدو ثم ذكر أنه لابد أن يكون القتال مباحاً كقتال الكفار ومراده المحاربون فأما الذين بيننا وبينهم عهد أو ذمة فقتالهم حرام إلا إذا نقضوا العهد فإنه يجوز قتالهم وإن خيف نقض العهد فإننا ننبذ إليهم العهد على سواء وقد مر علينا أن المعاهدين ينقسمون إلى ثلاثة أقسام مستقيمون وخائنون ومن خيف خيانتهم فالمستقيم نستقيم له (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) والخائن قد انتقض عهده والذين تخاف خيانته ننبذ إليه على سواء، البغاة جمع باغي وهم الذين يخرجون على الإمام بتأويل سائغ يعني يخرجون على ولي الأمر فيقاتلونه ولهم شبهة وهذا معنى قول الفقهاء بتأويل سائغ فهؤلاء يباح قتالهم حتى يرجعوا إلى الصواب ومن ذلك قوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) وهؤلاء طائفتان خرج بعضهما على بعض وصار يقاتل بعضهم بعضاً فمن بغى من الطائفتين وجب علينا قتاله وكذلك من بغى على الإمام وجب علينا قتاله الثالث المحاربون وهم الذين يقطعون الطرق ولا نتمكن منهم إلا بقتال هؤلاء لم يخرجوا على الإمام لكنهم خرجوا على الناس وصاروا يقطعون الطريق ولم نتمكن من القضاء عليهم إلا بالقتال فالمهم أنه لابد أن يكون القتال مباحاً وعلل المؤلف ذلك بقوله لأنه رخصة والرخصة لا تستباح بالمعصية.
    السائل: من خاف على المال في بيته من السرقة كيف يصلي؟
    الشيخ: يصلي على حسب حاله.
    السائل: البغاة لهم تأويل سائغ، وإذا ليس لهم تأويل سائغ؟
    (2/166)
    ________________________________________
    الشيخ: يقول العلماء إذا اختل شرط من الشروط فهم خوارج يعاملون معاملة الخوارج.
    القارئ: والخوف على ضربين شديد وغيره فغير الشديد يجوز أن يصلي بهم على الصفة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحمد رضي الله عنه الأحاديث التي جاءت في صلاة الخوف كلها أحاديث جياد صحاح وهي تختلف فأقول إن ذلك كله جائز لمن فعله إلا أن حديث سهل بن أبي خيثمة أنكى في العدو فأنا أختاره وقال ستة أو سبعة تروى فيها كلها جائز فنذكر الوجوه التي بلغنا.
    الشيخ: في هذا خطأ نحوي ما هو؟ بلغنا الصواب بلغتنا والتأنيث هنا واجب لأنه ضمير وقد قال ابن مالك:
    وإنما تلزمُ فِعلَ مُضْمَرِ ... مُتَّصِلٍ أو مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ
    تبين لنا أن صلاة الخوف وردت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على وجوه متنوعة فهل هذه الوجوه تتبع المصلحة أو هي على التخيير مطلقا؟ الجواب تتبع المصلحة لأن بعضها قد لا يكون من المصلحة بل قد يكون متعذراً أن تقام صلاة الخوف على هذا الوجه إلا على وجه الإلقاء بالنفس إلى التهلكة واختياره حديث سهل بن أبي حثمة أولاً أنه أنكى بالعدو كما قال والثاني أنه موافق لظاهر القرآن فإنك إذا قرأت حديث سهل رضي الله عنه وقرأت الآية وجدت أنه أقرب الصفات إلى ما ذكره الله في كتابه.
    القارئ: فالوجه الأول منها: ما روى صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صلت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماً فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم متفق عليه فهذا حديث سهل الذي اختاره أحمد.
    (2/167)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا إذا تأملته وجدته مطابقاً للآية قال (فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا) يعني أتموا صلاتهم (فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) وهذا من حسن الترتيب ومن كمال العدل لأن الطائفة الأولى أدركت مع النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة والثانية أدركت فضيلة أخرى الأولى أدركت فضيلة تكبيرة الإحرام والثانية أدركت فضيلة التشهد والتسليم ولهذا جعل الله تعالى الثانية هي التي صلت مع الرسول (وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) الأولى يعتبر فاتها شيء من الصلاة وهي الركعة والطائفة الثانية لم يفتها شيء في الواقع لأن النبي صلى الله عليه وسلم انتظر الطائفة الثانية حتى قضت الركعة وسلم بهم وفي هذا دليل على سهولة الشريعة الإسلامية لأن صلاة الخوف هذه خالفت غيرها من الصلوات من وجوه:
    الوجه الأول أن الطائفة الأولى انفردت عن الإمام وسلمت قبله.
    والثاني أن الطائفة الثانية قضت ما فاتها قبل أن يسلم.
    ومنها أيضاً أن الإمام في الركعة الثانية يلزمه أن يطيلها أكثر من الركعة الأولى لأنه سينتظر قضاء الطائفة الأولى للركعة ثم ذهابهم ثم مجيء الطائفة الثانية ثم دخولها في الصلاة وقراءتها الفاتحة فهو سوف يطول الركعة الثانية أكثر من الأولى مع أن القاعدة في الصلوات أن الركعة الثانية أقصر من الأولى.
    السائل: المؤلف رحمه الله ذكر الإمام أحمد وقال رضي الله عنه فهل الترضي خاص بالصحابة أم عام؟
    الشيخ: لا، عام بنص القرآن لكن تخصيص رجل معين جرت عادة العلماء أنهم لا يخصون إلا الصحابي فقط ولكن ليس حراماً أن تقول رضي الله عن فلان.
    (2/168)
    ________________________________________
    القارئ: ويشترط أن يكون في المسلمين كثرة يمكن تفريقهم طائفتين كل طائفة ثلاثة فأكثر ويقرأ الإمام في حال الانتظار ويطيل حتى يدركوه لأن الصلاة ليست محلاً للسكوت وتكون الطائفة الأولى في حكم الائتمام قبل مفارقته إن سها لحقهم حكم سهوه وسجدوا له وإن سهوا لم يلحقهم حكم السهو لأنهم مأمومون فإذا فارقوه صاروا منفردين لا يلحقهم سهوه وإن سهوا سجدوا لأنهم منفردون وأما الطائفة الثانية فيلحقها سهو إمامها في جميع الصلاة ما أدركوه معه وما لم يدركوه كالمسبوق ولا يلحقهم حكم سهوهم في شيء من صلاتهم لأنهم إن فارقوه فعلاً فهم موئتمون به حكماً لأنهم يسلمون بسلامه فإذا قضوا ما عليهم فسجد إمامهم سجدوا معه فإن سجد قبل إتمامه سجدوا معه لأنه إمامهم فلزمهم متابعته ولا يعيدون السجود بعد فراغهم من التشهد لأنهم لم ينفردوا عن الإمام فلا يلزمهم من السجود أكثر مما يلزمه بخلاف المسبوق.
    الشيخ: هذا في سجود السهو هل يلحق الطائفة الأولى أو لا؟ فنقول الراجح أنه إن سها فيما أدركوه لحقهم وإن سها بعد أن فارقوه لم يلحقهم أما الطائفة الثانية فتلزمهم متابعته في كل حال سواء أدركوا سهوه أم لم يدركوه.

    فصل
    القارئ: الوجه الثاني أن يقسمهم طائفتين يصلي بكل طائفة صلاة كاملة كما روى أبو بكرة قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو فصلى ركعتين ثم سلم فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً ولأصحابه ركعتين ركعتين رواه أبو داود.
    الشيخ: صلى أربعاً لكن غير متواصلة يعني صلى بطائفة ركعتين وبطائفة ركعتين فيكون صلاته بالطائفة الثانية صلاة متنفل وخلفه مفترض.

    فصل
    (2/169)
    ________________________________________
    القارئ: الوجه الثالث أن يصلي بهم كالتي قبلها إلا أنه لا يسلم إلا في آخر الأربع كما روى جابر قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا في ذات الرقاع فنودي بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله صلى كانت لرسول الله أربع ركعات وللقوم ركعتان رواه البخاري.
    الشيخ: ما الفرق بين هذا الوجه والذي قبله؟ أن الأول فيه تسليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا لا، إذاً قوله (ما فاتكم فأتموا) يستثنى منه هذه الصفة من صلاة الخوف فإن القوم المتأخرين قد فاتهم ركعتان ومع ذلك لا يؤمرون بقضائهما.
    وذات الرقاع هذه غزوة قبل نجد كانت أرجلهم يأكلها الحفا فصاروا يجعلون عليها رقاعاً وقاية.

    فصل
    القارئ: الوجه الرابع ما روى عبد الله بن عمر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة متفق عليه فهذا الوجه جوز أحمد رضي الله عنه الصلاة به واختار حديث سهل لأنه أشبه بظاهر الكتاب وأحوط للصلاة وأنكى في العدو أما الكتاب فقوله تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) وقوله (وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) ظاهره أن جميع صلاتها معه وأن الطائفة الأولى قد صلت جميع صلاتها ولا يتحقق هذا في هذا الوجه وأما الاحتياط للحرب فإن كل طائفة تنصرف بعد الفراغ من صلاتها وتتمكن من الضرب والكلام والتحريض وغير ذلك وفي هذا الوجه تنصرف كل طائفة وهي في حكم الصلاة لا تتمكن من ذلك ولا يخلو من أن تمشي أو تركب وذلك عمل كثير يفسدها.
    الشيخ: يفسدها يعني في غير هذه الحال يعني لو احتاجوا إلى مشي طويل أو ركوب فإن صلاتهم لا تبطل لوجود الضرورة إلى ذلك.

    فصل
    (2/170)
    ________________________________________
    القارئ: الوجه الخامس إذا كان العدو في جهة القبلة بحيث لا يخفى بعضهم على المسلمين ولم يخافوا كمينا صلى بهم كما روى جابر قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا خلفه صفين والعدو بيننا وبين القبلة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي كان يليه مؤخراً في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحور العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجد ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا أخرجه مسلم.
    الشيخ: هذه الصورة معروفة الآن العدو قِبَل القبلة صفهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صفين فكبر بهم جميعاً وركع بهم جميعاً وسجد ومعه الصف الأول ثم قام فسجد الصف المؤخر وعلى هذا فيكون قيامهم بين الركوع والسجود أعني الصف المؤخر يكون طويلاً أو قصيرا؟ طويلاً لأنهم لم يسجدوا إلا بعد أن سجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورفع فلما قاموا تأخر الصف المقدم وصار في مكان الصف المؤخر وتقدم الصف المؤخر وصار في مكان الصف المقدم أولاً وفعلوا في الركعة الثانية كما فعلوا في الركعة الأولى وفي هذا دليل على جواز العمل وإن كثر في صلاة الخوف للضرورة إليه وفيه كمال العدل بين المصلين لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصف المقدم مؤخراً والمؤخر مقدماً لئلا يقول الصف المؤخر إن هؤلاء فضلونا في الصف المقدم في الركعتين جميعاً.
    (2/171)
    ________________________________________
    السائل: في الوجه الثالث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات بدون سلام هل يحمل على أنه سلم بعد ركعتين حمل المطلق على المقيد؟
    الشيخ: لا، لأنه صريح كانت أربع ركعات ولقومه ركعتان.
    السائل: هل يفعل الوجه الخامس لو لم يكن العدو تجاه القبلة؟
    الشيخ: لا ما يصح وليس هناك فائدة منها إلا إذا كان العدو تجاه القبلة.
    القارئ: فهذه الأوجه الخمسة جائزة لمن فعلها ولا نعرف وجهاً سادساً غير ما روى ابن عباس قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد صلاة الخوف والمشركون بينه وبين القبلة فصف صفاً خلفه وصفاً موازي العدو فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ورجع هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم سلم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولهم ركعة ركعة رواه الأثرم وكلام أحمد يقتضي كون هذا من الوجوه الجائزة إلا أن أصحابه قالوا لا تأثير للخوف في عدد الركعات فيدل على أن هذا ليس بمذهب له.
    الشيخ: والصواب ما دلَّ عليه عموم كلام الإمام أحمد أن كل وجه صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم في صفة صلاة الخوف فإن الصلاة به جائزة ولكن لاحظوا أننا ذكرنا فيما سبق أولاً أنه ليست المسألة على سبيل التخيير ولكنها على سبيل المصلحة فقد يجوز هذا الوجه في حال ولا يجوز في حال أخرى فحديث جابر الذي مرنا قريباً لا يجوز إذا كان العدو خلف ظهورنا أي فائدة أن نصطف صفين ويصلي بنا الإمام ثم يبقى الصف الأول قائماً لا فائدة من هذا.
    * (هنا يوجد سقط في قراءة المتن والشرح من قوله: (فصل) فإن صلى المغرب على حديث سهل ... ) إلى قوله: (ثم تكبر الطائفة وتدخل معه)
    القارئ: فإذا جلس للتشهد الآخر نهضت لقاء ما فاتها ولم تتشهد معه لأنه ليس بموضع تشهدها ويحتمل أن تتشهد معه إذا قلنا إنها تقضي ركعتين متواليتين لئلا يفضي إلى وقوع جميع الصلاة بتشهد واحد.
    (2/172)
    ________________________________________
    الشيخ: والصحيح في هذا أن الطائفة الأولى تصلي ركعتين معه وأنه يقوم بعد التشهد ويثبت قائماً حتى تعود الثانية فإذا صلت معه الركعة وجلس للتشهد قامت فقضت ركعتين تقرأ في الأولى بسورة مع الفاتحة ثم تتشهد لأن الصحيح أن ما يقضيه هو آخر صلاته ثم تقوم وتأتي بالركعة الثالثة بفاتحة الكتاب فقط ثم تجلس ويسلم الإمام بها فتكون الطائفة الأولى امتازت بإدراك ركعتين والثانية امتازت بإدراك جميع الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) والأولى أدركت ركعتين لكن انصرافها قبل سلام الإمام انصراف بأمر الله فتثاب عليه.
    السائل: ما الفرق بين ما رجحناه وبين كلام المؤلف رحمه الله؟
    الشيخ: المؤلف يقول إن الطائفة الثانية إذا قامت تصلي ركعتين متواليتين على أحد الوجهين وعلى الوجه الثاني تصلي ركعتين بتشهدين لكن تقرأ في كلتا الركعتين سورة مع الفاتحة ونحن نقول تصلي ركعتين بتشهدين وتقرأ في الركعة الثالثة وهي الثانية المقضية بالفاتحة فقط.

    فصل
    القارئ: ويجوز صلاة الخوف للمقيمين لعموم قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) ولأنها حالة خوف فأشبهت حالة السفر ويصلي بكل طائفة ركعتين وتتم الطائفة الأولى بالحمد لله في كل ركعة والطائفة الأخرى بالحمد لله وسورة وفي موضع مفارقة الطائفة الأولى له وجهان على ما ذكرنا في المغرب.
    الشيخ: يعني هل تفارقه وهو في التشهد الأول أو تفارقه متى؟ إذا قام إلى الثالثة فيه وجهان كما سبق.
    القارئ: وإن صلى بطائفة ثلاث ركعات وبالأخرى ركعة أو صلى المغرب بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين جاز لأنه لم يزد على انتظارين ورد الشرع بهما.
    (2/173)
    ________________________________________
    الشيخ: لكن ينبغي أن يقيد هذا بما إذا لم يخالف الجيش فإن خالف وقال نريد أن تصلي بنا كما ورد فإنه يلزمه أن يصلي كما ورد لأن كونه يصلي بالأولى ركعة واحدة هذا بخس لها في الواقع فيقيد هذا الكلام بما إذا لم يحصل معارض فإن حصل معارض وقال نريد أن تطبق السنة ولا نسمح بحقنا إن كان لنا حق فإنه يتبع هذا المعارض.
    القارئ: وإن فرقهم أربع فرق وصلى بكل طائفة ركعة أو ثلاث فرق في المغرب صحت صلاة الأولى والثانية لأنهما فارقتاه لعذر وبطلت صلاة الإمام لزيادته انتظاراً لم يرد الشرع بمثله وصلاة الثالثة والرابعة لاقتدائهما بمن صلاته باطلة وقال ابن حامد إن لم يعلما ببطلان صلاته صحت صلاتهما للعذر فأشبه من صلى وراء محدث يجهل هو والإمام حدثه.
    الشيخ: أولاً هذا الكلام عليه مؤاخذتان:
    المؤاخذة الأولى ظاهر كلامه أنه يجوز أن يفرقهم أربع فرق مطلقا وليس كذلك بل يقيد هذا بما إذا لم يكن هناك ضرر فإن كان هناك ضرر إذا فرقهم أربع فرق بحيث تقل الفرقة وتكون صغيرة بالنسبة لمقابلة العدو فإن هذا يمنع وإن كان هي في الواقع لم تكن صغيرة إلى ذاك الحد لأنها ستجتمع مع إحدى الفرق الثلاث.
    المؤاخذة الثانية قوله إن صلاة الإمام تبطل لأنه انتظار لم يرد به الشرع فيقال وهذا الانتظار الذي لم يرد به الشرع زيادة تطويل الركن وزيادة تطويل الركن جائز حتى وإن لم يكن في صلاة الخوف فلو أطال الإنسان القيام في الركعة الثانية أكثر من الأولى لكان هذا غير مبطل للصلاة وإن كان الأفضل أن تكون الأولى أطول فالصحيح أن ينظر للمصلحة إذا كان من المصلحة أن يفرقهم أربع فرق فليفعل وتصح صلاته مع الطوائف الأربع كلها.
    السائل: إذا كان في صلاة الخوف إمام ومأموم واحد كأن يحاصرهما العدو؟
    (2/174)
    ________________________________________
    الشيخ: إمام ومأموم إذا كان لابد أن ينتظر المأموم نقول كبر مع الإمام واركع مع الإمام وارفع مع الإمام وعند السجود تبقى تنتظر لا يأتي العدو ثم إذا قام الإمام اسجد ثم قم معه في الثانية وهذه مسألة فرضية.
    السائل: مصلحة تفريقهم أربع فرق ليست واضحة لأن المصلحة في جعلهم فرقتين؟
    الشيخ: وهذه بارك الله فيك قد تحدث أحياناً قد يكون في تفريقهم أربع فرق مصلحة إذا كان العدد كبيراً وتفريقهم أربع فرق قد تتغير به الوجوه عند العدو مثل ما فعل القعقاع بن عمرو في غزوه للفرس صار يرحل يعني الجيش يقابل العدو وبعضهم يذهب من بعيد يأتي كأنه مدد جديد فيهابه العدو المهم أن المصلحة ما يمكن الآن يتصورها الإنسان حتى تقع فعلاً.

    فصل
    القارئ: فإن صلى صلاة الخوف من غير خوف لم تصح لأنها لا تنفك من مفارق إمامه أو تارك متابعته أو قاصر مع إتمام إمامه أو قائم للقضاء قبل سلامه وكل ذلك مبطل إلا مع العذر إلا أن يصلي بكل طائفة صلاة تامة على حديث أبي بكرة.
    الشيخ: وهذا يرد إذا كان يصلي صلاة تامة على حديث أبي بكرة يبقى فيه مشكلة على المذهب أن الطائفة الثانية سوف تأتم بمتنفل وهي مفترضة وعلى القول الصحيح أنه يجوز للمفترض أن يصلي خلف المتنفل هذا يمكن ويرد أيضاً على هذا القول أنه سيفرق القوم إلى جماعتين وهذا بدعة لأن الواجب اجتماع القوم على إمام واحد بصلاة واحدة إلا لعذر فعلى كل تقدير نقول إنه لا ينبغي حتى لو قلنا بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل فإنه سيرد علينا محذور آخر وهو تفريق الجماعة الواحدة.

    فصل
    القارئ: قال أصحابنا لا يجب حمل السلاح في صلاة الخوف لأنه لو وجب لكان شرطاً كالسترة.
    (2/175)
    ________________________________________
    الشيخ: قال المؤلف رحمه الله قال أصحابنا وهذا من باب الورع أن ينسب القول إلى قائله ويفهم من هذا التعبير أن المؤلف رحمه الله لا يرى هذا الرأي وهو الصحيح أي أن الصحيح أنه يجب حمل السلاح يجب وليس شرطاً لصحة الصلاة لأنه لا علاقة له بها إذ أن المقصود منه المدافعة عن النفس فلا علاقة له بالصلاة ولا يمكن أن يكون كالسترة السترة تجب لأنه لو تجرد الإنسان منها لكان عرياناً وهذا ينافي الخشوع والخضوع لله أن يصلي وهو عاري يقف بين يدي الله عز وجل وعورته مكشوفة لكن السلاح لا يكون كذلك فالصواب أن حمل السلاح في صلاة الخوف واجب لأن الله تعالى قال (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) وقال في الطائفة الثانية (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) فالصواب الوجوب وهو دليل على وجوب حماية النفس مما يعرض لها من الأضرار.
    القارئ: ويستحب أن يحمل ما يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين ويكره ما يثقله كالجوشن وما يمنع كمال السجود كالمغفر وما يؤذي به غيره كالرمح متوسطا فإن كان في حاشية لم يكره.
    الشيخ: قوله أن يحمل من السلاح ما يدفع به عن نفسه بشرط أن لا يؤذي غيره وأن لا يخل بصلاته وأن لا يشق عليه لكن إذا قدر أنه في ضرورة إلى حمل الثقيل فهل يحمله نقول نعم يحمله ويتصبر على المشقة وكذلك من إلى جانبه يتصبر على الأذى لأن المقام مقام دفاع فإذا كان القوم معهم رشاشات ونحن معنا رشاشات لكن قلنا لا تحمله وأنت تصلي احمل السيف والسكين وما أشبه ذلك صار في هذا خطر على المسلمين فالصواب أنه يحمل من السلاح ما يدفع به عن نفسه بحسب الحاجة والضرورة.
    (2/176)
    ________________________________________
    القارئ: ولا يجوز حمل نجس ولا ما يخل بركن الصلاة إلا أن يخاف وقوع السهام والحجارة ونحوها به فيجوز للضرورة ويحتمل وجوب حمل السلاح للأمر به لقوله تعالى (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) وقوله تعالى (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) فيدل على الجناح عند عدم ذلك.
    الشيخ: صار ما ظنناه هو الواقع بالنسبة للمؤلف أنه يرى وجوب حمل السلاح وهذا هو الصحيح وأما حمل السلاح النجس فيجوز عند الضرورة، ومع عدم الضرورة لا يجوز لأنه لا يجوز للمصلي أن يحمل شيئاً نجساً وهو يصلي فإن قال قائل كيف تقولون هذا وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت ابنته زينب وأبوها أبو العاص بن الربيع مع أنه ليس هناك ضرورة قلنا إن النجاسة في معدتها طاهرة فالبول والعذرة في البطن طاهرة ولا يكون نجساً حتى ينفصل.
    السائل: قول المؤلف (ويكره ما يبطله كالجوشن وما يمنع كمال السجود كالمغفر) هل الحكم على العقال مثله؟
    الشيخ: العقال لا يمنع كمال السجود هل أحد يرى أهل العقل ما يسجدون إلا الذي ينزله حدر هذا ما يمنع كمال السجود إلا أنه يستلزم أن يحول بينه وبين الأرض ما كان متصلاً به وهو مكروه عند العلماء.

    فصل
    (2/177)
    ________________________________________
    القارئ: الضرب الثاني الخوف الشديد مثل التحام الحرب والقتال ومصيرهم إلى المطاردة فلهم أن يصلوا كيفما أمكنهم رجالاً وركباناً يومئون بالركوع والسجود على قدر الطاقة ويتقدمون ويتأخرون ويضربون ويطعنون ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها وصلاتهم صحيحة وإن هرب هرباً مباحاً من عدو أو سيل أو سبع أو نار لا يمكنه التخلص إلا بالهرب أو كان أسيراً يخاف الكفار إن صلى أو مختفياً في موضع يخاف أن يُظهر عليه صلى كيفما أمكنه قائماً أو قاعداً أو مستلقياً إلى القبلة وغيرها بالإيماء بالسفر والحضر فإن أمن في صلاته أتمها صلاة آمن وإن ابتدأها آمناً فعرض له الخوف أتمها صلاة خائف لأنه يبني على صلاة صحيحة فجاز كبناء صلاة المرض على صلاة الصحة.
    الشيخ: هذا الضرب الثاني من صلاة الخوف إذا كان الخوف شديداً لا يمكن معه الصلاة على الوجوه السابقة فإنه على حالين:
    الحال الأولى أن تكون العقول ذاهبة ولا يتمكن الإنسان أن يستحضر شيئاً من صلاته لا قليلة ولا كثيرة ففي هذه الحال إن كانت الصلاة تجمع إلى ما بعدها ويزول هذا الخوف قبل خروج وقت الثانية فإنها تجمع لما بعدها وجوباً وإن كانت لا تجمع لما بعدها فلهم أن يؤخروها عن وقتها وعلى هذا يحمل ما ورد عن بعض الصحابة بعض القواد أنهم أخروا صلاة الفجر حتى طلعت الشمس وذلك لأن الإنسان في هذه الحال لا يستحضر قراءة ولا ركوعاً ولا سجوداً لأن قلبه طائر قلبه هواء فيؤخر حتى تنتهي هذه الأزمة.
    (2/178)
    ________________________________________
    الحالة الثانية: إذا كان يمكن أن يستحضر لكن لا يمكن أن يركع ويسجد ويقف للصلاة فهذا يصلي كما قال المؤلف على حسب حاله كاراً وفاراً مستقبلاً القبلة أو مستدبراً القبلة على حسب حاله لقول الله تبارك وتعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) ومعلوم أن الراجل الخائف سوف يقوم بما يؤمنه على أي حال كان ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه إن حصل هذا الخوف في أثناء الصلاة انتقل إليه وإن زال هذا الخوف في أثناء الصلاة انتقل إلى صلاة آمن كما قلنا في المريض إذا قدر على القيام في أثناء الصلاة أتمها قائماً وإذا عجز عن القيام في أثناء الصلاة أتمها قاعداً لعموم قول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
    السائل: إذا استطاع الإنسان في الحرب أن يصلي مع حضور القلب لكنه لا يستطيع الوضوء؟
    الشيخ: إن أمكن تيمم وإن لم يمكن صلى بغير طهارة ولا يؤخرها عن وقتها إلا ما كانت مجموعة فالأولى أن يؤخر إذا كان المقصود الطهارة أما إذا كان لا يستطيع أن يأتي بالركوع والسجود وغير ذلك فكما قلت لكم إذا كانت تجمع لما بعدها يجب أن يجمع.
    القارئ: وإن رأى سواداً فظنه عدوا فصلى صلاة الخوف ثم بان أنه غير عدو أو بينه وبينه ما يمنع العبور أعاد لأنه لم يوجد المبيح فأشبه من ظن أنه متطهر فصلى ثم علم بحدثه قال أصحابنا ويجوز أن يصلوا في شدة الخوف جماعة رجالاً وركبانا ويعفى عن تقدمهم الإمام لأجل الحاجة كما عفي عن العمل الكثير وترك الاستقبال.
    الشيخ: واضح وصحيح ولا يوجد إشكال والقياس صحيح لأن هذا أخل بأركان الصلاة وشروطها.
    السائل: لو سمع غوثاً أن احتراقاً أو غرقاً هل نقول ينقذه وهو يصلي أم يقطع الصلاة؟
    الشيخ: يقطع الصلاة لأن هذه لمصلحة الغير.
    (2/179)
    ________________________________________
    باب
    صلاة الجمعة
    القارئ: وهي واجبة بالإجماع وروى ابن ماجه عن جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا من تركها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل أو جائر استخفافاً بها أو جحوداً لها فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في أمره).
    الشيخ: لو استدل بالآية لكان أحسن لأن الله تعالى قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ).
    القارئ: ولا تجب إلا على من اجتمعت فيه شرائط ثمانية الإسلام والبلوغ والعقل لأنها من شرائط التكليف بالفروع والذكورية والحرية والاستيطان لما روى طارق بن شهاب قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو مرأة أو صبي أو مريض) رواه أبو داود، ولأن المرأة ليست من أهل الجماعات وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة يوم جمعة فلم يصلِّ جمعة وفي العبد رواية أخرى أنها تجب عليه لأنها فرض عين من الصلوات فوجبت عليه كالظهر والأولى أولى للخبر ولأن العبد مملوك المنفعة محبوس على سيده أشبه المحبوس بدين.
    الشيخ: ننظر إلى الشروط الإسلام والبلوغ والعقل لا إشكال فيها والذكورية أيضاً لا إشكال فيها لأن المرأة ليست من ذوات الجماعة.
    الحرية يقول الذي أسقطها عن العبد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إلا أربعة عبد مملوك) وذهب بعض أهل العلم وهي رواية عن أحمد أنها تجب عليه لأنها فرض عين فهي مقدمة على حق السيد وفصَّل بعضهم في هذا وقال إنما أسقطت عن المملوك من أجل انشغاله بحق سيده فإذا أذن له في ذلك وجبت عليه لأنه من المؤمنين وقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ).
    (2/180)
    ________________________________________
    وأما المسافر فدليله ما ذكره المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تصادفه الجمعة في السفر ولم يكن يصليها حتى في يوم عرفة صادف يوم الجمعة ولم يصلها قال صلى الظهر وهذا دليل واضح ولكن لو كان المسافر في مكان تقام فيه الجمعة فهل تجب عليه أو لا؟ الصحيح أنها تجب سواء نوى إقامة أربعة أيام أو أكثر أو أقل لعموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) وهو من الذين آمنوا ولهذا لو قيل للمسافر هل أنت من الذين آمنوا فسيقول نعم نقول ما الذي أخرجك من هذا العموم؟ صلِّ (فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) إلا إذا خاف فوات رفقة أو تأخراً في سفره أو ما أشبه ذلك مما يتطلبه السفر فهنا يكون معذوراً بسبب سفره لا لفوات الأهلية.
    (2/181)
    ________________________________________
    الاستيطان: الاستيطان ضده على المشهور من المذهب شيئان الشيء الأول السفر والشيء الثاني الإقامة لأنهم يقسمون الناس إلى ثلاث أقسام مستوطن ومقيم ومسافر فالذي عليه الجمعة هو المستوطن والمسافر لا جمعة عليه والمقيم إن أقيمت بمستوطنين لزمته وإلا فلا وهو الذي يسمونه تجب عليه بغيره لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول إن تقسيم الناس إلى هذه الأقسام الثلاثة بدعة والناس إما مستوطنون أو مسافرون وليس هناك شيء ثالث ويظهر هذا بالمثال من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام دون الاستيطان فهو على المذهب مقيم وليس مستوطناً ولا مسافراً ولهذا لا تنعقد به الجمعة ولا يكون إماماً فيها ولا خطيباً فيها وأما على كلام الشيخ رحمه الله فيقول هذا الذي نوى إقامة أكثر من أربعة أيام دون الإقامة المطلقة هذا ليس مقيماً بل هو مسافر ثم إذا كان في بلد تقام فيه الجمعة وحضر أهل البلد وأقاموه إماماً لهم فلا بأس بذلك وهذا هو الذي عليه العمل الآن سواء في الطلاب المسافرين أو فيما إذا قدم إنسان إلى بلد وهو من المشايخ الكبار مثلاً أحياناً يقال له صلِّ بنا الجمعة فيصلي بهم الجمعة فلو جاءنا أحد المشايخ مثلاً من مكة أو من المدينة وقلنا صلِّ بنا الجمعة فصلى بنا الجمعة فصلاتنا باطلة على المذهب لأنه غير مستوطن حتى وإن أراد أن يبقى عندنا أسبوعاً أو شهراً فإنه لا يصح أن يصلي بنا الجمعة لأنه ليس بمستوطن وعلى هذا فنقول المقيم الذي أقام في بلد وليس في هذا البلد مستوطنون لا تلزمه الجمعة لأنه مسافر ولا تلزمه الجمعة إذا لم يكن معه مستوطنون على المذهب فإن وجد معه مستوطنون فإنها تلزمه بغيره.
    القارئ: السابع انتفاء الأعذار المسبقة للجماعة.
    (2/182)
    ________________________________________
    الشيخ: السابع انتفاء الأعذار هذه عند العلماء ليست بجيدة لأن انتفاء الأعذار معناه انتفاء الموانع ويفرقون بين الشرط وبين المانع ولهذا اختلفوا في باب الزكاة هل السوم شرط لوجوب الزكاة أو عدمه مانع وذكروا في هذا قولين للعلماء كما بحثها صاحب الفروع رحمه الله لكن من جهة المعنى العام نقول كل مانع فإنه يشترط لصحة الممنوع انتفاء ذلك المانع.
    القارئ: الثامن أن يكون مقيماً بمكان الجمعة أو قريباً منه وتجب الجمعة على أهل المصر قريبهم وبعيدهم لأن البلد كالشيء الواحد.
    الشيخ: حتى قالوا رحمهم الله تجب على أهل البلد ولو كانوا عن مسجد الجماعة فراسخ الفرسخ كم ميل؟ ثلاثة أميال فراسخ أقلها ثلاثة تسعة أميال الميل أكثر من الكيلو فيجب على أهل البلد إذا كان البلد واحد أن يحضروا لكن سيأتينا إن شاء الله أنه لا بأس بتعدد الجمع إذا ضاقت المساجد.
    القارئ: وتجب على من بينه وبين الجامع فرسخ من غيرهم.
    الشيخ: غير أهل البلد يعني لو كان مثلاً أناس نازلون خارج البلد لكن بينهم وبين الجامع أقل من الفرسخ فإنهم يحضرون.
    القارئ: ولا تجب على غيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الجمعة على من سمع النداء) رواه أبو داود ولم يمكن اعتبار السماع بنفسه فاعتبر بمظنته والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب إذا كان المؤذن صيتاً بموضع عال والرياح ساكنة والأصوات هادئة والعوارض منتفية فرسخ فاعتبرناه به.
    الشيخ: وعلى هذا فيكون سماع الأذان بالمايكرفون الآن لا عبرة به بل يقدر بأنه ليس هناك مايكرفون ولهذا اشترط أن تكون الرياح ساكنة لأن الرياح إذا كانت قوية نقلت الصوت إلى مكان بعيد.
    السائل: هل تحديده بالفرسخ صحيح؟
    الشيخ: هذا مثل ما يقول لأن الرسول علقه بسماع النداء والغالب أنه يسمع النداء من فرسخ فأقل.
    السائل: هل يجوز شد الرحال إلى صلاة الجمعة لأنه عنده مسجد آخر ويشد الرحال مثلاً إلى جامع كبير؟
    (2/183)
    ________________________________________
    الشيخ: إذا كان المقصود البقعة فإن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد وإذا كان المقصود الخطيب وما يلقيه من العلم فشد الرحل لطلب العلم جائز.

    فصل
    القارئ: وهذه الشروط تنقسم أربعة أقسام:
    أحدها شرط للصحة والانعقاد وهو الإسلام والعقل فلا تصح من كافر ولا مجنون ولا تنعقد بهما لأنهما ليسا من أهل العبادات.
    الثاني شرط للوجوب والانعقاد وهي الحرية والذكورية والبلوغ والاستيطان فلا تنعقد الجمعة بمن عدمت فيه ولا يصح إمامتهم فيها لأنهم من غير أهل الوجوب فلم تنعقد بهم كالنساء وتصح منهم وتجزئهم عن الظهر وحضورها لغير النساء أفضل لأن سقوطها عنهم رخصة فإذا تكلفوا فعلها أجزأتهم كالمريض يتكلف الصلاة قائما.
    الشيخ: انتبه للشرط الثاني شرط الوجوب والانعقاد وهي الحرية والذكورية والبلوغ والاستيطان أربعة الحرية ضدها الرق فالرقيق لا تجب عليه ولا تصح منه الثاني الذكورية ضدها الأنوثة فالمرأة لا تجب عليها ولا تصح منها الثالث البلوغ فالصغير لا تجب عليه ولا تصح منه لكن تجزئه الاستيطان فغير المستوطن لا تصح منه ولا تجب عليه لكن لو حضروا أجزأتهم.
    السائل: ما وجه تسمية مستوطن ومقيم مع أن المقيم هو صاحب البلد؟
    الشيخ: لا ما هو صحيح المقيم هو الذي ليس من أهل البلد لكنه كان ماراً به وأقام فيه لعمل شيخ الإسلام يقول ليس هناك فرق لكن هذا تقسيم مصطلح أليس عندنا الآن حتى من جهة النظام يقال فلان مقيم إذا كان من القادمين للبلد لعمل أو وافد فيقسمونهم مواطن ومقيم.
    السائل: قلنا لا تصح منهم وتجزئهم ما معنى هذا؟
    الشيخ: معناه لا تنعقد بهم الجمعة لو فرضنا أنه يوجد ثلاثون مستوطنون وعشرة من هؤلاء الأصناف الأربعة فإنها لا تقام الجمعة على من يشترط الأربعين ولا تصح إمامتهم فيها ولا أن يكون خطيباً.
    (2/184)
    ________________________________________
    القارئ: الثالث شرط لوجوب السعي فقط وهو انتفاء الأعذار فلو تكلف المريض الحضور وجبت عليه وانعقدت به لأن سقوطها كان لدفع المشقة فإذا حضر زالت المشقة فوجبت عليه وانعقدت به كالصحيح.
    الرابع شرط الانعقاد حسب وهو الإقامة بمكان الجمعة فلو كان أهل قرية يسمعون النداء من المصر لزمهم حضورها ولم تنعقد بهم ولو حرج أهل المصر أو بعضهم إلى القرية لم تنعقد بهم الجمعة لأنهم غير مستوطنين بها والظاهر أنها تصح إمامتهم فيها لأنهم من أهل الوجوب.

    فصل
    القارئ: والأفضل لمن لم تجب عليه الجمعة أن لا يصلي الظهر قبل صلاة الإمام لأنه ربما زال عذره فلزمته الجمعة.
    الشيخ: هذا التعليل لأنه ربما زال عذره يدل على أنه إذا علم أنه لن يزول عذره كمريض مرض شديد يعلم أنه لا يزول فإن الأفضل أن يصلي الصلاة في أول وقتها يصلي الظهر في أول وقتها كالعادة وكذلك المرأة مثلاً لا نقول للمرأة انتظري حتى يصلي الناس الجمعة بل نقول صلي الظهر في أول وقتها كالعادة.
    القارئ: فإن صلى فقال أبو بكر لا تصح صلاته لذلك والصحيح أنها تصح لأنه صلى فرضه فلا تبطل بالاحتمال كالمتيمم فإن زال عذره فقياس المذهب لا تلزمه الجمعة لأنه أدى فرض الوقت فأشبه المعضوب إذا أَحَجَّ عن نفسه ثم برئ وإن لم يزل العذر فحضروها كانت لهم نفلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر (فصلها معهم تكن لك نافلة) رواه مسلم، ولأن الأولى أسقطت الفرض فأما من تجب عليه الجمعة إذا صلى الظهر قبل صلاة الإمام لم تصح لأنه ما خوطب بالظهر فإن فاتته الجمعة أعادها ظهرا لأنه خوطب بها حينئذٍ.
    وإن اتفق أهل بلد على ترك الجمعة وصلوا ظهرا لم تصح لذلك فإذا خرج وقت الجمعة لزمهم إعادة الظهر ولا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهل فرضها أن يصلي الظهر في جماعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) متفق عليه فإن خاف التهمة استحب اخفاؤها ليدفعها عن نفسه
    (2/185)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه الجملة الأخيرة مفيدة أن الإنسان ينبغي أن يدفع عن نفسه تهمة التفريط في واجب أو تهمة فعل المحرم وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتت إليه صفية في معتكفه وتحدثت عنده ساعة ثم خرج عليه الصلاة والسلام يشيعها فمر رجلان من الأنصار فأسرعا فقال (على رسلكما إنها صفية بنت حيي) قالا سبحان الله فقال عليه الصلاة والسلام (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال شراً) فهذا أصل دفع الإنسان عن نفسه التهمة وهناك أيضاً تعليل وهو أن نفسك أمانة فكما أنك تدافع عن عرض أخيك فلتدافع عن عرض نفسك أما كون الإنسان لا يبالي فهذا لا ينبغي لكن إذا وقعت بينه وبين شخص ما يوجب أن يحمل عليه فهنا يأتي دور العفو وهذا ليس من هذا الباب الذي نحن فيه.
    السائل: المعذور إذا صلى الظهر وكان الإمام قد صلى الجمعة قبل الزوال وهو قد صلى قبل الإمام فما حكم صلاته؟
    الشيخ: لا تصح لأن المعذور الذي لا تلزمه الجمعة فرضه الظهر والظهر لا تدخل إلا بالزوال وهذا فيه لبس لأن بعض الأئمة يصلي قبل الزوال مع أنه بحث هذه القضية مجلس هيئة كبار العلماء وأصدروا أمراً بأنه لا يأتي الخطيب قبل الزوال.

    فصل
    القارئ: ويشترط لصحة الجمعة أربعة شروط أحدها الوقت فلا تصح قبل وقتها ولا بعده بالإجماع.
    الشيخ: وأما غيرها فيشترط دخول الوقت وفرق بين قولنا إن الوقت شرط وأن دخول الوقت شرط.
    (2/186)
    ________________________________________
    القارئ: وآخر وقتها آخر وقت الظهر بغير خلاف فأما أوله فذكر القاضي أنها تجوز في وقت العيد لأن أحمد قال في رواية عبد الله يجوز أن يصلي الجمعة قبل الزوال يذهب إلى أنها كصلاة العيد لحديث وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن حجاج عن عبد الله بن سيدان قال شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل انتصاف النهار وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار ثم صليتها مع عثمان بن عفان رضوان الله عليهم أجمعين فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول قد زال النهار فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره وهذا نقل للإجماع وعن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة فنذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس رواه مسلم ولأنها صلاة عيد فأشبهت صلاة العيدين وقال الخرقي يجوز فعلها في الساعة السادسة وفي نسخةٍ الخامسة فمفهومه أنها لا يجوز قبل ذلك لأن ما رويناه تختص به والأفضل فعلها عند زوال الشمس صيفاً وشتاءً لا يقدمها إلى موضع الخلاف ولا يؤخرها فيشق على الناس لما روى سلمة بن الأكوع قال كنا نجمِّع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء متفق عليه فإن خرج الوقت وهم فيها فقال أحمد من أدرك التشهد أتمها جمعة فظاهره أنه يعتبر الوقت في جميعها إلا السلام لأن الوقت شرط فيعتبر في جميعها كالوضوء وقال الخرقي إن دخل وقت العصر وقد صلوا ركعة أجزأتهم جمعة لأنه شرط يختص بالجمعة فلا يعتبر في الركعة الثانية كالجماعة في حق المسبوق وإن أدرك أقل من ذلك فهل يتمها ظهراً أو يستأنف على وجهين بناءً على المسبوق بأكثر من ركعة وقال القاضي متى تلبس بها في وقتها أتمها جمعة قياساً على سائر الصلوات فإن شرع فيها ثم شك في خروج الوقت أتمها جمعة لأن الأصل بقاؤه وإن ضاق الوقت عما يجري في الجمعة لم يكن لهم فعلها.
    (2/187)
    ________________________________________
    الشيخ: والصواب أن العبرة في ذلك بالركعة متى أدركوا ركعة من وقتها أتموها جمعة وإن أدركوا أقل من ذلك أتموها ظهراً لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة).
    السائل: ما الراجح في مجيء الإمام وصلاته وخطبته قبل الزوال؟
    الشيخ: الراجح أنه لا يأتي قبل الزوال لأن الأئمة الثلاثة كلهم يقولون لا تصح قبل الزوال وهي رواية عن أحمد أيضاً وهذا غير متعارض مع حديث جابر لأن حديث جابر يقول نصلي ثم نذهب إلى رحالنا فنريحها حين تزول الشمس وحين تزول الشمس يحتمل أنها عائدة على قوله نصلي ويحتمل أنها متعلقة بقوله نريحها وعلى هذا فيكون الفرق أقل من الساعة نصف ساعة ونحوه أما من وقت صلاة العيد فهذه بعيدة.
    السائل: لو خطب الخطبة قبل الزوال والصلاة بعد الزوال؟
    الشيخ: لا بأس إن شاء الله المذهب الذين يقولون لابد من الزوال يقولون لابد الخطبة والصلاة بعد الزوال.
    السائل: بعض الذين في الغرب لا يستطيعون حضور صلاة الجمعة بعد الزوال لوجود محاضرات دراسية بعد الزوال فهل يجوز لهم الصلاة قبل الزوال؟
    الشيخ: الظاهر أن مثل الساعة قبل الزوال لا تضر إن شاء الله.

    فصل
    القارئ: الشرط الثاني أن يكون في قرية مبنية بما جرت العادة ببناء القرى به من حجر أو طين او لبن أو قصب مجتمعة البناء بما جرت به العادة في القرية الواحدة يسكنها أربعون من أهل الجمعة سكنى إقامة لا يضعنون عنها صيفاً ولا شتاءً فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة لهم لأن ذلك لا ينصب للاستيطان ولذلك كانت قبائل العرب حول المدينة فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بجمعة وإن كانت قرية يسكن فيها بعض السنة دون بعض أو متفرقة تفرقاً لم تجر به عادة لم تصح فيها الجمعة.
    الشيخ: هذا الشرط الثاني أن تكون في قرية مبنية بما جرت العادة ببنائه ببناء القرى به من حجر أو طين أو لبن أو قصب مجتمعة البناء الحجر واضح والطين كيف يبنى به إلا بلبن؟
    (2/188)
    ________________________________________
    كانوا في الأول يبنون بالطين فيجعلونه عروقاً يعني يبني مثلاً نصف متر فإذا يبس بنى عليه ثم كلما يبس بنى عليه وهذا أقوى من اللبن ثم صاروا يبنون من اللبن يقول أو قصب القصب: نوع من العيدان تبنى به المنازل في بعض الجهات والمهم أن المدار في ذلك إلى العادة والعرف ما عد مسكناً فإنه معتبر وتكون القرية مبنية به ولابد أيضاً أن تكون مجتمعة البناء بما جرت به العادة في القرية الواحدة فإن كانت متفرقة مثلاً هذا بيت وبعد مسافة بيت آخر وبعد مسافة بيت آخر هذه ما هي قرية لكن إذا كانت مجتمعة بما جرت به العادة فإنها قرية ولابد أيضاً أن يكون أهلها من أهل الجمعة يسكنونها سكنى إقامة وأهل الجمعة سيأتينا إن شاء الله بيانهم أنه كل بالغ عاقل حر ذكر مستوطن وعلى هذا فلو كان فيها أناس مقيمون لعمل مَّا كما يفعله بعض الشركات تبني مقراً _ يعتبر قرية فيه أكثر من خمسمائة نفر _ على جانب الخطوط إذا كانت تعمل في إصلاح الخط ويبقون في هذا لمدة ستة أشهر أو أكثر لكنهم لم يستوطنوا فيه فهؤلاء لا جمعة عليهم ولا تصح الجمعة منهم يعني لا يصح أن يقيموا الجمعة لأنهم ليسوا في قرية هذه مقر ما داموا محتاجين إليه ثم يتركونه كما يوجد الآن في بعض الطرقات التي انتهى إصلاحها.
    وقال فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة لهم لأن ذلك لا ينصب للاستيطان ثم استدل لذلك بأن القبائل قبائل العرب حول المدينة في خيامهم فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجمعة.
    السائل: في بعض المعسكرات الخيام في الصحراء وينصبون خياماً أو كرمانات مثل الغرف فيمكثون كثيراً في الصحراء لإخراج البترول مثلاً وفيه عمال كثير؟
    الشيخ: ما تقام فيهم الجمعة حتى يستوطنوا.
    السائل: لو كان أناس الآن يعملون في مكان وكان قريب منهم بلدة تقام فيها الجمعة وذاك على حسب العمل أنهم لا ينصرفون في وقت الجمعة هل لهم أن يصلوا في مقرهم؟
    (2/189)
    ________________________________________
    الشيخ: لا يصلوا الجمعة لكنهم إذا كان بينهم وبين مكان إقامة الجمعة أكثر من فرسخ فلا جمعة عليهم ولو كان أقل لكن ما يستطيعون حسب وقت العمل (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا).
    القارئ: فإن اجتمعت هذه الشروط في القرية وجبت الجمعة على أهلها وصحت بها لأن كعباً قال أسعد بن زرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات رواه أبو داود قال الخطابي حرة بني بياضة قرية على ميل من المدينة ولأن هذا بناء استوطنه أربعون من أهل الجمعة فوجبت عليهم كأهل المصر وتجوز إقامة الجمعة فيما قارب البنيان من الصحراء لحديث أسعد بن زرارة فإن خربت القرية فلازموها عازمين على إصلاحها ومرمتها فحكمها باق وإن عزموا على النقلة عنها زال الاستيطان.

    فصل
    القارئ: الشرط الثالث اجتماع أربعين ممن تنعقد بهم الجمعة وعنه تنعقد بثلاثة لأنه جمع تنعقد بهم الجماعة وعنه بخمسين والمذهب الأول لأن جابراً قال مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة فينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن انفضوا فلم يبق معه إلا أقل من أربعين لم يتمها جمعة لأنه شرط فاعتبر في جميع الصلاة كالطهارة وهل يستأنف ظهراً أو يبني على صلاته؟ على وجهين بناءً على المسبوق وقياس المذهب أنهم إن انفضوا بعد صلاة ركعة أتمها جمعة لأنها شرط تختص الجمعة فلم يعتبر الركوع في أكثر من ركعة كالجماعة فيها.
    (2/190)
    ________________________________________
    الشيخ: الشرط الثالث أن يجتمع عدد من أهل الوجوب واختلف العلماء في ذلك العدد فمنهم من قال أربعون ومنهم من قال خمسون ومنهم من قال اثنا عشر رجلاً ومنهم من قال ثلاثة وشذ شذوذاً بالغاً من قال اثنان وأرجح الأقوال في ذلك الثلاثة إذا وجد في القرية ثلاثة مستوطنون وجبت إقامة الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجمعة أو قال الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان) ولأنه داخل في عموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) وهذا يحصل بثلاثة مؤذن وإمام ومأمور بالسعي فالصحيح أنها تنعقد بثلاثة.
    ولكن لو وجد العدد المطلوب في أول الصلاة ثم انصرف قبل تمامها فقيل إنهم يصلونها ظهراً وهل يتمون على ما صلوا أو يستأنفون؟ على قولين.
    وهل إذا أتوا بركعة تامة يتمونها جمعة أو يتمونها ظهراً سواءً استأنفوا أم لم يستأنفوا؟ على أقوال كما سمعتم والصحيح أنهم إن صلوا ركعة وشرعوا في الثانية أتموها جمعة يعني لو فرضنا أنهم أربعون رجلاً فدخلوا في الصلاة وهم أربعون ولما قام إلى الركعة الثانية ذهب منهم عشرة فالصحيح أنهم يتمونها جمعة وإن ذهبوا في الركعة الأولى فإنهم يتمونها ظهراً وأقول أربعون بناءً على اشتراط الأربعين ولكن القول الراجح أن الشرط أن يكونوا ثلاثة إمام ومؤذن ومأمور بالسعي.
    السائل: نقل ابن حزم رحمة الله عليه الإجماع على أن الجماعة تقام باثنين فلماذا لا نقول في صلاة الجمعة كذلك؟
    (2/191)
    ________________________________________
    الشيخ: كما سمعت الآية تدل أنه لابد من ثلاثة وكذلك الحديث (ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجمعة) وأقل ما يمكن من العدد في قوله (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) أقله ثلاثة، عندنا منادي وعندنا إمام منادىً له وعندنا منادى وهو الذي قيل له (فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) ما يتصور أقل من ثلاثة.
    السائل: أحياناً يكون هناك معسكرات مغلقة قريبة من القرى ومن قوانينها أن من فيها لا يخرج، فهل يصلون الجمعة داخل المعسكرات؟
    الشيخ: يصلونها ظهراً مثل المسجونين الذين في السجن في نفس المدن لا يقيمون الجمعة لأن هذا معذور.

    فصل
    القارئ: ولا يختلف المذهب أن المسبوق إذا أدرك الركوع مع الإمام في الثانية أنه يتمها جمعة وإن أدرك أقل من ذلك لم يتمها جمعة لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة) متفق عليه وفي لفظ (فليضف إليها أخرى) فأما من أدرك أقل من ذلك فقال الخرقي يبني على ظهر إذا كان قد دخل بنية الظهر وظاهر هذا أنه إن نوى جمعة لزمه الاستئناف لأنهما صلاتان لا تتأدى إحداهما بنية الأخرى فلم يجز بناؤها عليها كالظهر والعصر وقال أبو إسحاق ابن شاقلا ينوي جمعة لئلا تخالف نيته نية إمامه ثم يبني عليها ظهرا لأنهما فرض وقت واحد ردت إحداهما من أربع إلى ركعتين فجاز أن يبني عليها الأربع كالتامة مع المقصورة.
    (2/192)
    ________________________________________
    الشيخ: وما ذكره ابن شاقلا هو الصحيح وذلك لأن الإنسان إذا جاء يدخل مع الإمام لا يدري هل هذه هي الركعة الثانية فينوي الظهر أو الأولى فينوي جمعة ولو قلنا انتظر ربما تكون هذه هي الركعة الثانية فتفوته الجمعة ولهذا كان القول الراجح لا شك قول ابن شاقلا رحمه الله أنه يدخل بنية الجمعة ثم إذا تبين أنه لم يدرك الركعة الثانية أتمها ظهرا وإن لم ينو وهذا من التوسعة على المسلمين والقول إذا كان فيه توسعة ولم يكن مخالفاً بالنص فعليك به لأن أصل الدين مبني على اليسر والسهولة ومثل ذلك قوله أي ابن شاقلا فيما أظن أنه هو إن الإنسان يجوز أن يدخل في الصلاة بنية فرض الوقت ولا يحتاج إلى التعيين وهذا أيضاً من التيسير على الناس كثير من الناس مثلاً يأتي والإمام راكع في صلاة الظهر ثم يسرع ليدرك الركعة ويغيب عن ذهنه أن هذه هي الظهر لكن لا يغيب عن ذهنه أن هذه هي فرض الوقت وهذا أيضاً فيه توسعة على المسلمين وكثيراً ما ننسى نحن التعيين حتى ولو كان الإنسان أدرك الصلاة من أولها فإذا دخلت بنية أن هذه فرض الوقت كفى لأنه إن كان هو الظهر فإنه يلزم من نيتك فرض الوقت أن تكون الظهر.
    السائل: رجل أدرك مع الإمام في الجمعة التشهد الأخير ثم بعد ذلك علم أنه لابد أن يتم أربعاً.
    الشيخ: يستأنف الصلاة يعيدها أربعاً إلا إذا كان مسافراً فإذا كان مسافراً فإن فرضه ركعتان.

    فصل
    القارئ: من أحرم مع الإمام ثم زوحم عن السجود فأمكنه السجود على ظهر إنسان أو قدمه لزمه لما روي عن ابن عمر أنه قال إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه أو قدمه رواه أبو داود الطيالسي ولأنه يأتي بما يمكنه حال العجز فوجب وصح كالمريض يومئ فإن لم يمكنه ذلك انتظر زوال الزحام ثم يسجد ويتبع الإمام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك في صلاة عسفان للعذر والعذر ها هنا قائم وكذلك إن تعذر عليه السجود لعذر من مرض أو نوم أو سهو.
    (2/193)
    ________________________________________
    الشيخ: هذه المسألة مهمة جداً وتقع كثيراً في أيام الزحام في المسجد الحرام والمسجد النبوي فالمذهب كما ذكر رحمه الله إذا أمكنه أن يسجد على ظهر إنسان سجد عليه أو على قدم الإنسان سجد عليه ولا يخفى أن هذا فيه شيء من النظر إن كان الذي أمامه امرأة كيف يسجد على ظهر امرأة أو على قدم امرأة وإن كان رجلاً ففي ظني أنه سوف يقع تشويشاً من هذا الرجل الذي سجد على ظهره وهو تصرف في الغير على وجه لا نعلم رضاه به ولهذا كان القول الثاني الذي ذكره المؤلف رحمه الله عند العجز أصح وهو أن ينتظر زوال الزحام ثم يسجد ويتابع الإمام ويكون التخلف هنا عن الإمام لعذر وفي المسألة قول ثالث أنه يومئ يعني يجلس ويومئ بالسجود إيماءً لأن الإيماء بالسجود فرض من لم يقدر على السجود والقول الثاني والثالث متكافئان لا يتبين رجحان أحدهما على الآخر وذلك لأن القول الأول الذي هو الانتظار يحصل به محذور وهو التخلف عن الإمام والقول الثاني يحصل به محذور وهو الإيماء بدل السجود على الأرض لكن تحصل به موافقة الإمام والأول يحصل به السجود على الأرض وتتخلف عنه متابعة الإمام فهما عندي متقابلان متكافئان إذا عمل بأيهما شاء فأرجو أن لا يكون عليه بأس أما القول الذي قدمه المؤلف رحمه الله فإنه قول ضعيف وما ورد من الآثار فهو اجتهاد ما فيه نص يجب المصير إليه ثم إن الساجد على ظهر الإنسان في الواقع حتى لو سجد على ظهر الإنسان هل هيئته هيئة ساجد؟ لا لأنه يريد أن يسجد مفترشاً ثم يسجد على ظهره إلا إذا كان الذي أمامه قصير القامة وقصير الرجلين وصغير الجسم وهذا رجلاه طوال وكبير الجسم يمكن يكون كهيئة الساجد لكن إن كان مثله فلا يكون كهيئة الساجد.
    السائل: هل يجوز أن يدخل رأسه بين رجلي الذي أمامه عند الزحام؟
    الشيخ: إذا أمكن لا بأس فالحقيقة أنه ما فاته شيء.
    (2/194)
    ________________________________________
    القارئ: فإن خاف فوات الركوع مع إمامه لزمه متابعته وترك السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا ركع فاركعوا) ولأنه مأموم خاف فوات الركعة فلزمه متابعة إمامه كالمسبوق فيركع مع إمامه وتبطل الأولى وتصير الثانية أولاه فإن سجد وترك متابعة إمامه بطلت صلاته إن علم تحريم ذلك لأنه ترك الواجب عمدا وإن لم يعلم تحريمه لم تبطل صلاته ولم يعتد بسجوده لأنه أتى به في موضع الركوع جهلا فهو كالساهي وقال أبو الخطاب يعتد بسجوده ويتم ركعته الأولى فإن أدرك الركوع أيضاً صحت له ركعتان وإن فاته الركوع فاتته الثانية وحدها فيقضيها بعد سلام إمامه وتصح جمعته قال ويسجد للسهو وقال القاضي هو كمن لم يسجد فإن أدرك الركوع صحت له الثانية وحدها وإن فاته الركوع وأدرك معه السجدتين سجدهما للركعة الأولى وصحت له ركعة ويقضي ركعة وتمت جمعته لإدراكه ركعة وإن فاتته السجدتان أو إحداهما قضى ذلك بعد سلام إمامه فتصح له ركعة وكذا لو ترك سجدتي الأولى خوفاً من فوات ركوع الثانية فركع معه وزوحم عن سجدتي الثانية فأمكنه السجود في التشهد سجد وإن لم يمكنه سجد بعد سلام الإمام وصحت له ركعة ومثلها لو كان مسبوقاً بالأولى وزوحم عن سجود الثانية وهل يكون مدركاً للجمعة في كل موضع لم يتم له ركعة إلا بعد سلام إمامه على روايتين إحداهما يكون مدركاً لها لأنه قد يحرم بالصلاة مع الإمام أشبه ما لو ركع وسجد معه والثانية لا جمعة له لأنه لم يدرك مع إمامه ركعة فأشبه المسبوق بركوع الثانية وعلى هذه الرواية هل يستأنف أو يتمها ظهراً على وجهين.
    وإن أحرم مع الإمام فزوحم وأخرج من الصف فصلى فذا لم تصح صلاته وإن صلى ركعة وأخرج في الثانية فأتمها وحده ففيه روايتان إحداهما يتمها جمعة لأنه أدرك مع إمامه ركعة فأشبه المسبوق والثانية يعيد لأنه فذ في ركعة كاملة.
    (2/195)
    ________________________________________
    الشيخ: الصحيح في هذه المسائل أنه يسجد إذا قام إمامه وزال الزحام ثم يقوم للثانية ويركع ولو بعد أن رفع إمامه من الركوع وذلك لأن تخلفه عنه إنما كان لعذر فإذا كان لعذر فإنه يعتد بالركعة الثانية وبالركعة الأولى وأما أن يقال إنه إذا خاف أن يفوته ركوع الثانية ترك السجدتين ثم ألغى الركعة الأولى فهذا فيه نظر لأن التخلف عن الإمام لعذر كالمتابعة وهذا هو الذي يطمئن إليه القلب وهو أسهل من هذه الصور التي ذكرها المؤلف رحمه الله فيقال متى زال الزحام فاسجد السجدتين اللتين فاتتا ثم قم للركعة الثانية متابعاً للإمام فإن أدركت الركوع فذاك وإن لم تدركه فلا حرج اركع ثم اتبع إمامك.
    السائل: مسألة السجود على الظهر أو على القدم لو علم من قرينة الحال أن هذا المسجود عليه يرضى بهذا؟
    الشيخ: ما يصح وكما قلت لكم أنه لا يمكن أن يسجد على هيئة السجود أبداً.

    فصل
    القارئ: فإن أدرك مع الإمام ركعة فقام ليقضي فذكر أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة أو شك في إحدى السجدتين لزمه أن يرجع إن لم يكن شرع في قراءة الثانية فيأتي بما ترك ثم يقضي ركعة أخرى ويتمها جمعة نص عليه وإن ذكر بعد شروعه في قراءة الثانية بطلت الأولى وصارت الثانية أولاه ويتمها جمعة على المنصوص وفيه وجه آخر أنه لا تحصل له الجمعة لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة كاملة وهكذا لو قضى الثانية ثم علم أنه نسي سجدة لا يدري من أيهما تركها أو شك في ذلك فإنه يجعلها من الأولى وتصير الثانية أولاه فأما إن شك في إدراك الركوع مع الإمام لم يعتد له بالركعة التي مع الإمام وتصير ظهراً قولاً واحدا.
    الشيخ: أظن هذا واضح لكن القول الصحيح في المسألة في مسألة إذا ذكر أنه لم يسجد الصحيح أنه يرجع ما لم يصل إلى حد السجود وأنه ليس العبرة بكونه استتم قائماً أو شرع في القراءة أو ما أشبه ذلك الصحيح أنه يرجع ما لم يصل إلى حد المنسي.
    (2/196)
    ________________________________________
    القارئ: الشرط الرابع أن يتقدمها خطبتان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين يقعد بينهما متفق عليه وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقالت عائشة رضي الله عنها إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة.
    الشيخ: لو استدل المؤلف بالآية لكان أولى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) ولم يقل فإذا قضي الذكر فدل هذا على أن هناك ذكراً يجب حضوره يكون قبل الصلاة وهذا استدلال واضح أما كون الرسول يخطب خطبتين ويقول (صلوا كما رأيتموني أصلي) فهذا قد ينازع فيه ويقال إن هذا خارج عن الصلاة فلا يدخل تحت الأمر وأما أثر عائشة فهذا ينظر فيه هل ثبت عنها ذلك أو لا؟ فإن كان ثبت عنها ذلك فقد قالته تفقهاً رضي الله عنها ويكون من اجتهادها وقد تخطئ وقد تصيب.
    القارئ: ومن شرط صحتها حضور العدد المشروط للصلاة لأنه ذكر اشترط للصلاة فاشترط له العدد كتكبيرة الإحرام فإن انفضوا وعادوا ولم يطل الفصل صلى الجمعة لأنه تفريق يسير فلم يمنع كالتفريق بين المجموعتين ويشترط لهما الوقت لذلك ويشترط الموالاة في الخطبتين فإن فرق بين الخطبتين أو بين أجزاء الخطبة الواحدة أو بينهما وبين الصلاة فإن طال بطلت وإن كان يسيراً بنى لأنهما مع الصلاة كالمجموعتين ويحتمل أن الموالاة ليست شرطا لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم يشترط الموالاة بينهما كالأذان والإقامة.
    الشيخ: نعم الصحيح أنه لا يشترط الموالاة بينهما وبين الصلاة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام يكلم رجلاً كلاماً طويلاً بعد الخطبة وقبل الصلاة فالصواب أنه ليس بشرط أما الموالاة بين الخطبة الواحدة أي بين أجزائها فالظاهر أنها شرط وأما الموالاة بين الخطبتين فالسنة إنما جاءت بفصل يسير بينهما.
    (2/197)
    ________________________________________
    القارئ: ولا يشترط لهما الطهارة نص عليه لذلك ولأنها لو شرطت لاشترط الاستقبال كالصلاة وعنه أنها شرط لأنه ذكر شرطت في الجمعة فأشبه تكبيرة الإحرام.
    الشيخ: قياس ضعيف جداً لأن تكبيرة الإحرام من الصلاة فلابد من أن تكون على طهارة أما الخطبتان فليستا من الصلاة بل أعلى ما يقال فيهما أنهما شرط لها فلا يشترط لها الطهارة.
    القارئ: ويشترط أن يتولاهما من يتولى الصلاة لذلك لكن يجوز الاستخلاف في الصلاة للعذر لأنه إذا جاز الاستخلاف في بعض الصلاة للعذر ففي الصلاة بكمالها أولى وعنه ما يدل على جواز الاستخلاف لغير عذر قال في الإمام يخطب يوم الجمعة ويصلي الأمير بالناس لا بأس إذا حضر الأمير الخطبة لأنه لا يشترط اتصالها بها فلم يشترط أن يتولاهما واحد كالصلاتين.
    الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه لا يشترط أن يتولاهما من يتولى الصلاة وأنه يجوز أن يتولاهما واحد ويصلي آخر بل يجوز أن يخطب واحد من الخطبة الأولى والثاني الثانية وثالث الصلاة لأن المقصود يحصل.
    القارئ: وهل يشترط أن يكون الخليفة ممن حضر الخطبة؟ فيه روايتان إحداها لا يشترط لأنه لا يشترط في صحة جمعته حضور الخطبة إذا كان مأموما فكذلك إذا كان إماما والثانية يشترط لأنه إمام فاشترط حضوره للخطبة كما لو لم يُستَخْلَف.
    الشيخ: الظاهر عدم الاشتراط.
    السائل: ما معنى استخلف؟
    الشيخ: استخلف يعني أقام من يكمل بهم الصلاة الاستخلاف أن يجعل له خليفة يكمل الصلاة بالناس.

    فصل
    القارئ: وفروض الخطبة أربعة أشياء حمد الله تعالى لأن جابراً قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له والثاني الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله كالأذان.
    (2/198)
    ________________________________________
    الشيخ: قياس غريب هل كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تفتقر إلى ذكر الرسول أبداً الذبح والوضوء أشياء كثيرة التسبيح في الصلاة بعد الصلاة التكبير في العيدين لكن جاؤوا بشبه هذا يسمونه قياس الشبه وهي أن يتردد فرع بين أصلين فيلحق بأكثرهما شبهاً وهذا القياس الذي ذكره المؤلف ما يصح لأن الأكثر أن لا يجب ذكر الرسول مع ذكر الله.
    القارئ: الثالث الموعظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ وهي القصد من الخطبة فلا يجوز الإخلال بها.
    الشيخ: المؤلف رحمه الله قال الموعظة وغيره قال الوصية بتقوى الله وما قاله المؤلف أَسَدّ أنها الموعظة سواء بصيغة التقوى أو بصيغة الطاعة وما أشبه ذلك وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لابد من خطبة تتحرك بها القلوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب احمرت عيناه واشتد غضبه وعلا صوته فلابد من أن تحرك القلوب أما أن يأتي بورقة مكتوبة يقرأها عليهم كأنما يقرأها في مجلس فهذا إن أدى الواجب فهي خطبة ضعيفة.
    القارئ: الرابع قراءة آية لأن جابر بن سمرة قال كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا وخطبته قصدا يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس رواه أبو داود والترمذي.
    الشيخ: قلت لكم فيما سبق إن المؤلف رحمه الله في هذا الباب خاصة عنده أقيسة غريبة بعيدة كل البعد مثلاً هنا يقول ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت فيها القراءة كالصلاة هل الخطبة فرض على أنها صلاة أو فرض لصلاة؟ والقراءة إنما تجب في الصلاة ولهذا لا تجب القراءة في الوضوء وهو شرط فيه هذه من وجه ومن وجه آخر لو صح القياس لقلنا يجب أن يقرأ الفاتحة لأنها هي الفرض في الصلاة وأنا قلت هنا لتتبينوا أن أقيسة الفقهاء رحمهم الله أحياناً تكون بعيداً عن صحة القياس.
    (2/199)
    ________________________________________
    القارئ: ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت القراءة فيها كالصلاة وعن أحمد رضي الله عنه ما يدل على أنه لا يشترط قراءة آية فإنه قال القراءة في الخطبة على المنبر ليس فيه شيء مؤقت ما شاء قرأ.
    الشيخ: من الناحية التصريفية هل نقول ليس فيه شيء مُوَقَّت أو ليس فيه شيء مؤقت؟ يجوز الوجهان كالتوكيد والتأكيد يجوز فيها تأكيد وتوكيد (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) كذلك هذه قال الله تعالى (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) ولم يقل وقتت فيجوز الوجهان.
    نص الإمام أحمد رحمه الله لا يدل على عدم وجوب القراءة إنما يدل على عدم وجوب شيء معين ولهذا قال ليس فيه شيء مؤقت ما شاء قرأ ولم يقل إن شاء قرأ فإذا قال ما شاء قرأ معناه أنه يقرأ ولكن من غير تحديد يقرأ ما يشاء وظاهر كلامه رحمه الله أنه يقرأ ما شاء وإن لم تستقل الآية بمعنى ولكن الفقهاء اشترطوا أن تستقل بمعنى فمثلاً (مُدْهَامَّتَانِ) يقول لا تكفي مع أنها آية (ثُمَّ نَظَرَ) لا تكفي مع أنها آية لأنها لا تستقل بالمعنى لكن ظاهر كلام الإمام أحمد أنه يكفي آية ولو لم تستقل بمعنى ويمكن أن يسوق الآية في سياق كلام منه ويكون لها معنى مثلاً يقول في وصف الجنة جنتان فيهما كذا وكذا وكذا مد هامتان فتكون آية لكنها سيقت في كلام الخطيب إنما اشتراط قراءة آية وكون الخطبة لا تصح إلا بذلك في النفس منه شيء لأن المقصود بالخطبة هو الموعظة وبيان الأحكام وتحريك القلوب فقد يكون بآية وقد يكون بغير آية.
    القارئ: وتشترط هذه الأربعة في الخطبتين لأن ما وجب في إحداهما وجب في الأخرى كسائر الفروض.
    (2/200)
    ________________________________________
    الشيخ: الموعظة لا شك أنها شرط ولابد منها وخطبة بلا موعظة ليست بشيء وأما اشتراط حمد الله لعل القول بأنه لابد منه يؤيده أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا خطب حمد الله وأثنى عليه كلما ذكر الناس أنه خطب يقولون حمد الله وأثنى عليه فملازمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للحمد والثناء يدل على أنه لابد منه ثم إن الخطبة إذا لم تبدأ بالحمد كانت بتراء لا بركة فيها فالقول باشتراط الحمد قول قوي لكن لا يشترط له صيغة معينة بأن تقول الحمد الله بل لو قلت أحمد الله وأستعيذه أو أحمد الله وأثني عليه أو اللهم لك الحمد كفى وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يظهر أنها شرط وقد سبق أن التعليل الذي ذكره المؤلف في اشتراطها تعليل عليل فالصواب أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليست بشرط.
    السائل: لو اقتصر الإنسان على خطبة واحدة فيه محظور أم لا؟
    الشيخ: لابد من خطبتين.
    السائل: ما حكم الجلسة بين الخطبتين؟
    الشيخ: الجلوس أفضل وإن بقي قائماً فلابد أن يأتي بما يدل على أنه افتتح الخطبة الثانية لئلا يظن أنه سكت لمانع من الكلام ثم استمر.

    فصل
    القارئ: وسننها ثلاث عشرة أن يخطب على منبر أو موضع عال لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبره ولأنه أبلغ في الإعلام.
    (2/201)
    ________________________________________
    الشيخ: التعليل الثاني يدل على أنه كلما كان الشيء أبلغ في الإعلام كان أولى وعلى هذا فاستعمال مكبر الصوت في خطبة الجمعة أولى من عدم استعماله وقد كان أول ما خرج نزاع بين الناس هل يجوز أو لا يجوز فبعضهم قال إنه لا يجوز استعمال مكبر الصوت في الخطبة لأنه يشبه أبواق اليهود ومنعوا من أن توضع في مساجدهم وهكذا كل شيء يخرج جديداً على الناس تجد الناس يتنازعون فيه ثم يستقر الأمر على ما فيه الخير فالصواب أن استعمال مكبر الصوت من الأمور المطلوبة لأنه أبلغ في الإعلام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي رأى الأذان قال له (ألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك) وأمر عمه العباس بن عبد المطلب في غزوة الطائف أن ينادي الصحابة الذين أدبروا لأنه كان جهوري الصوت فدل هذا على أن ما قصد به الإعلام كان كلما ارتفع الصوت فيه فهو أولى فإذا قال قائل إذاً ما فائدة كونه على منبر أو موضع عال نقول الفائدة عظيمة وهي المشاهدة لأن كون الناس يرون الخطيب وانفعالاته وتأثراته أبلغ مما إذا سمعوا صوته فقط وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خطب احمرت عيناه واشتد غضبه وعلا صوته فلابد أن يتأثر وهذا لا يحصل إلا إذا كان على موضع عال ولهذا إذا جاءت نسخة من حال الخطيب قولية أو مرئية لم يكن تأثيرها كتأثير الخطيب حين يشاهد الآن، يخطب الخطيب أمام الناس خطبة يتأثر الناس منها كثيراً فإذا سمعوها مسجلة في الشريط لم يتأثروا بها ذاك التأثر بل قد يقول القائل هل هذه هي الخطبة التي سمعناها من فلان لعلها خطبة كانت قديمة لأنه لم يتأثر كذلك أيضاً لو شاهدناه عبر التلفاز وهو يخطب هل تكون مشاهدتنا له كمشاهدتنا له مباشرة؟ لا ولهذا نقول يسن أن يكون على موضع عالٍ ليراه الناس ولكن ما رأيكم في قوم حاضرين يشاهدون الخطيب لكن بأعينهم أو يشاهدون المعلم لكن بأعينهم يستفيدون؟ ما يستفيدون أبداً ما يستفيد إلا إذا أراد
    (2/202)
    ________________________________________
    الله أن ينتبه القلب.
    القارئ: الثاني أن يسلم عقيب صعوده إذا أقبل عليهم لأن جابراً قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم عليهم رواه ابن ماجه.
    الشيخ: قال الفقهاء رحمهم الله يسلم على من حول الباب لو دخل لأنه مر بهم ثم يسلم إذا أقبل على الناس السلام العام وهل يجب رد هذا السلام؟ فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.
    هل يجب إن سمعنا خطيباً يسلم عبر الراديو أن نرد عليه السلام؟ لا، لأنه لا يسلم علينا.
    هل يجب إذا سمعنا مذيعاً عبر الراديو يسلم يقول أيها المستمعون الكرام السلام عليكم ورحمة والله؟ نعم لأنه يسلم على المستمعين ونحن مستمعون لكن الرد الذي لا يُسمع وما الفائدة منه؟ حصول الدعاء يعني أننا ندعو له الآن لكنه فرض كفاية ويبقى النظر هل نحن نعلم أن أحداً من الناس أسقط عنا هذا الفرض ورد السلام؟ ما نعلم إذاً الأصل شغل الذمة حتى نعلم براءتها وحينئذٍ نرد السلام.
    إذا كان المُسلِّم غير مسلم لأن بعض الإذاعات يكون المذيعون غير مسلمين هل نرد؟ نعم فماذا نقول؟ وعليكم وإذا قال السلام عليكم باللام الواضحة نقول عليكم السلام.
    القارئ: الثالث أن يجلس إذا سلم عليهم لأن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب رواه أبو داود.
    الرابع أن يخطب قائما لأن جابر بن سمرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب رواه مسلم وأبو داود وليس ذلك بشرط لأن المقصود يحصل بدونه.
    الخامس أن يجلس بينهما لما رويناه وليس بواجب لأنها جلسة للاستراحة وليس فيها ذكر مشروع فأشبهت الأولى.
    (2/203)
    ________________________________________
    السادس أن يعتمد على سيف أو قوس أو عصا لما روى الحكم بن حزن قال (وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئاً على سيف أو قوس أو عصا فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات) رواه أبو داود ولأن ذلك أمكن له فإن لم يكن معه شيء أمسك شماله بيمينه أو أرسلهما عند جنبيه وسكنهما.
    الشيخ: هذا السادس أن يعتمد أي الخطيب على سيف أو قوس أو عصا يعني أو غيرهما مما يعتمد عليه لأن ذلك أمكن له وأقوى في التحمل لئلا يتعب جسمه ولأنه في الغالب أقوى في إطلاق الكلمات مما لو وقف بدون اعتماد ولهذا اختلف العلماء هل اعتماده على سيف أو قوس أو عصا هل هو مقصود بعينه أو مقصود لغيره؟ من العلماء من قال إنه مقصود بعينه وأنه ينبغي أن يعتمد على سيف أو قوس إظهاراً لعزة المسلمين وأن الإسلام انتصر بالسيف الذي فيه قطع الرقاب والقوس الذي فيه إرسال السهام ومنهم من قال إن هذا مقصود لغيره والمقصود هو الاتكاء سواء على هذا أو على هذا وأن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ على هذه دون قصد وإنما وقع اتفاقاً فقط وفي هذا أيضاً دليل على أن الخطيب في الجمعة ليس كالخطيب في غير الجمعة، الخطيب في غير الجمعة يتحرك وإذا جاء ذكر الله رفع أصبعه إلى السماء وإذا جاء شيء فيه انفعال قال هكذا بيده وهز يده وما أشبه ذلك لكن في الجمعة لا ولهذا جاءني قبل سنتين تقريباً رجل عامي قال والله خطبنا واحد وقام يهوشن قلت له كيف؟ قال يقول كذا وكذا وإما يلتفت هنا وإما يلتفت هنا نعم هذا غير مشروع هذا وإن كان يحمس الناس لكن في غير هذا الموضع لأن المقصود هنا الموعظة ولهذا قال المؤلف رحمه الله أمسك شماله بيمينه كيف؟ كذا شماله بيمينه لكن ما هو على الصدر أو أرسلهما عند جنبيه وأسكنهما يعني ما يتحرك.
    السائل: إذاً تسقط الورقة؟
    الشيخ: لا يخطبون من ورقة ولهذا قالوا لا بأس أن يخطب من صحيفة ما كانوا يعتدون بهذا.
    (2/204)
    ________________________________________
    السائل: في بعض البلدان إذا أذن الأذان الأول يقوم الإمام يقول ترجمة الخطبة بغير العربية حتى إذا جاء وقت الأذان الثاني يخطب بالعربي.
    الشيخ: أنا أرى أنه إذا كان يخطب في قوم لسانهم غير عربي أن يخطب بلسانهم ولا حاجة للخطبة العربية لأن التعبد باللسان العربي ليس وارداً إلا في القرآن وإذا كنا نريد أن نبين لهؤلاء فليكن بلسانهم قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) وأي فائدة في أن يتكلم بلسان هؤلاء القوم ثم يأتي به بالعربية ليس فيه فائدة إلا إطالة الوقت عليهم وإملالهم وهذا غير مطلوب.
    السائل: بالنسبة للدرس قبل الخطبة في بعض البلاد كأنه واجب عندهم أنه ينبغي أن يقوم الخطيب أو غيره بإلقاء درس قبل الخطبة؟
    الشيخ: هذا غلط بدعة تذهب فائدة السنة لأنه إن كان في موضوع الخطبة فلا فائدة منه وإن كان في غير موضوع الخطبة صار حديث الناس والتهوا به عن الخطبة فضاعت الفائدة.
    السائل: قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعمى (هل تسمع النداء) قال نعم قال (فأجب) هل نقول ذلك لمن يسمعه بمكبر الصوت؟
    الشيخ: لا هذا يقاس بما لو أذن المؤذن من غير مكبر الصوت كما أن العكس كذلك لو كان الإنسان قريباً ولا يسمع المؤذن لصممه مثلاً هل يجيب أو لا يجيب؟ يجب والله أعلم.
    القارئ: السابع أن يقصد تلقاء وجهه لأن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراضاً عمن في الجانب الآخر.
    الثامن أن يرفع صوته لأن جابراً قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم ولأنه أبلغ في الإسماع.
    (2/205)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا من آداب الخطبة أن يرفع صوته وأن يكون متأثراً بالخطبة ليكون مؤثرا لقول جابر كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم يعني العدو ومساكم ثم يقول (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله) يقول (أما بعد) وليس يقول ثم أما بعد كما أحدثها المحدثون نسمع بعض الإخوان يقول ثم أما بعد وهذه الثُّم جاءت من كيسه ولا وجه لها هنا لأن أما بعد كلام مستأنف وقد قيل إنها يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر لكن هذا فيه نظر لأنه لو كان يؤتى بها من أسلوب إلى آخر لكان يأتي بها كلما أتى بموضوع ولكنه يؤتى بها للدخول إلى موضوع الخطبة أو الكلام هذا هو الصحيح يؤتى بها للدخول في الموضوع وقوله (أما بعدُ) مبني على الضم لحذف المضاف إليه.
    (فإن خير الحديث كتاب الله) لا شك فكتاب الله حديث وهو خير الحديث خيره من كل وجه خيرية مطلقة.
    (2/206)
    ________________________________________
    (وخير الهدي) يعني السلوك والمنهج (هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فصار عندنا الآن شريعة وعندنا ما يحصل به الشريعة الكتاب تحصل به الشريعة والشريعة منهاج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالكتاب خير الحديث كتاب الله وفي هذا الحديث دليل على أن القرآن يسمى حديثاً وقد قال الله تعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً) (وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها) شر الأمور جمع أمر والمراد به أمور الدين أما أمور الدنيا فالحادث فيها ليس ببدعة شرعية وقوله (وكل بدعة ضلالة) كل بدعة يعني كل محدثة ضلالة لأن البدعة هي ما ابتدع وأحدث ضلالة حتى وإن زعم صاحبها أنه على هدى وأنه يريد الخير فإنها ضلالة لا تزيده من الله إلا بعدا فإن قال قائل كيف نجمع بين هذا الحديث الذي يعلنه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الخطبة وبين قوله صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) قلنا الحمد لله أن ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقع فيه تناقض وإنما التناقض في الفهم فالبدعة التي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام هي بدعة الدين أن يأتي الإنسان بدين لم يشرع سواء كان عقيدة أو قول أو فعل والسنة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة) المراد بها الفعل يعني تنفيذ السنة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها حينما جاء الرجل بصرة أثقلت يده بعد أن حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الصدقة فإن هذا سن العمل بهذه السنة فكان أول الناس والناس له تبع أو يقال المراد بالسنة ما كان وسيلة لأمر مشروع كسنة تنقيط المصحف وإعرابه وجمعه وبناء المدارس وما أشبه ذلك هذه لا شك أنها سنة حسنة وإن كان لم يوجد أصلها في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبذلك تلتئم الأدلة هنا يقول (إن خير الحديث كتاب الله) ونسمع بعض إخواننا
    (2/207)
    ________________________________________
    يقول فإن أصدق الحديث كتاب الله فإن صحت هذه الجملة بهذا اللفظ عن الرسول عليه الصلاة والسلام فعلى العين والرأس وإن لم تصح فإنه قد بخس الحديث حقه لأن الخيرية خيرية مطلقة في الصدق في الخبر والعدل في الحكم وإصلاح المنهج وغير ذلك والصدق إنما يكون وصفاً للكلام فقط وليس لكل كلام بل للخبر من الكلام.
    السائل: بعضهم يقول إن أحسن؟
    الشيخ: إن أحسن أقرب إلى قوله إن خير.
    القارئ: التاسع أن يكون في خطبته مترسلاً معربا مبيناً من غير عجلة ولا تمطيط لأنه أبلغ وأحسن.
    الشيخ: صحيح هذا لا شك أنه من المستحب إذا ترسل الخطبة وصار أيضاً أحياناً يفعل ما يوجب الانتباه بأن يزيد في قوة الصوت أو ما أشبه ذلك فهذا أيضاً من الأمور المطلوبة.
    القارئ: العاشر تقصير الخطبة لما روى عمار قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة) رواه مسلم.
    الشيخ: هذا أيضاً من السنة أن يقصِّر الخطبة إلا إذا استدعت الحاجة أحياناً إلى التطويل بأن كان الموضوع يحتاج إلى بسط أو إلى زيادة إيضاح وما أشبه ذلك فعلى ما تدعو الحاجة إليه وإلا فالأفضل التقصير.
    القارئ: الحادي عشر ترتيبها يبدأ بالحمد لله ثم بالصلاة على رسوله ثم يعظ لأنه أحسن والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالحمد لله وقال (كل كلام ذي بالٍ لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر).
    (2/208)
    ________________________________________
    الشيخ: لم يذكر المؤلف التشهد ولم يذكر الآية أين يكون موضعها وقد جرت عادة الخطباء أن تكون الآية في آخر الخطبة لتكون كالدليل لما سبق ومن ثم تختار الآية المناسبة للخطبة فمثلاً إذا كان يدعو إلى فعل الخير أتى بالآيات التي تدل بالحث على فعل الخير ولم يذكر التشهد ولكن هذا يعتبر تقصيراً من المؤلف رحمه الله وإلا فالتشهد أمر مطلوب في الخطبة كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم أصحابه خطبة الحاجة وفيها وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله والتشهد في الخطبة كالحمد في الخطبة بل إن بعض العلماء قال إن التشهد فيها ركن وأنه لا تصح خطبة ليس فيها تشهد.
    السائل: بعض الناس الآن إذا انتهى الإمام من صلاة الجمعة قام ويتكلم ويعظ الناس فهل هذا جائز؟
    الشيخ: هذا بارك الله فيك إذا كان ممنوعاً من قبل ولاة الأمور فالواجب السمع والطاعة وإذا لم يكن ممنوعاً فتركه أولى حتى إن الإمام أحمد قال لا يستمع إليه إلا أن يكون كتاباً من السلطان ولأن هذه الموعظة إما أن تكون في موضوع الخطبة فلا داعي لها وربما يكون فيها شيء من لمز الخطيب وأنه لم يوفِ بالمقصود وإن كانت خارجة عن موضوع الخطبة مسحت موضوع الخطبة من أفهام الناس وصار الذي في أذهانهم ما قيل بعد الصلاة فلهذا فيها ضرر كما أن فيها ضرراً أيضاً من وجه آخر وهي أن بعض الناس قد يكون له حاجة في الخروج من المسجد لكنه يخجل من أن يقوم أمام الناس فتجده محصوراً متعباً في مدافعة الأخبثين ولكنه لا يستطيع أن يخرج أمام الناس بسبب من الأسباب ثم يقال إنها إذا بقيت هذه الكلمة راتبة كل جمعة صارت الجمعة لها ثلاث خطب خطبتان قبلها وخطبة بعدها وهذا تغيير للهيئة والصفة التي جاءت بها السنة.
    القارئ: الثاني عشر أن يدعو للمسلمين لأن الدعاء لهم مسنون في غير الخطبة ففيها أولى وإن دعا للسلطان فحسن لأن صلاحه نفع للمسلمين فالدعاء له دعاء لهم.
    (2/209)
    ________________________________________
    الشيخ: الدعاء للمسلمين لا ينبغي أن يكون سنة راتبة لو صح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة لأخذنا به لكنه ضعيف وعلى هذا فالدعاء للمسلمين لا ينبغي أن يكون دائماً في كل خطبة وكذلك الدعاء للسلطان لكن يفعله أحياناً.
    وإذا كان الدعاء للسلطان لا يرضي بعض الناس فيُدعى وإن لم يرضَ لأن بعض الناس نسأل الله العافية إذا رأى من السلطان انحرافاً قال لا تدعو له ادعو عليه بأن الله يهلكه وهذا غلط ادعو له بالهداية لأن الدعاء له كما قال المؤلف دعاء للمسلمين عموماً إذ بصلاحه صلاح الرعية غالباً.
    القارئ: الثالث عشر أن يؤذن لها إذا جلس الإمام على المنبر لأن الله تعالى قال (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) يعني الأذان قال السائب كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث رواه البخاري وهذا النداء الأوسط هو الذي يتعلق به وجوب السعي وتحريم البيع لأنه الذي كان مشروعاً حين نزول الآية فتعلقت الأحكام به ويسن الأذان الأول في أول الوقت لأن عثمان سنه وعملت به الأمة بعده وهو مشروع للإعلام بالوقت والثاني للإعلام بالخطبة والإقامة للإعلام بقيام الصلاة.
    (2/210)
    ________________________________________
    الشيخ: قوله رحمه الله يسن الأذان الأول في أول الوقت وأول الوقت عند الحنابلة في صلاة الجمعة عند ارتفاع الشمس قيد رمح وعلى هذا فيكون المشروع في الأذان الأول يوم الجمعة أن يكون بعد ارتفاع الشمس بمقدار رمح لكن الأذان في هذا الوقت لا يفيد كثيراً لأنه لن يستجيب إلا النادر وكذلك على العكس من ذلك من لا يؤذن الأذان الأول إلا إذا زالت الشمس ثم بعد دقيقتين أو ثلاث يأتي الإمام ويؤذن الأذان الثاني هذا لا قيمة له في الواقع فأحسن ما يكون أن يكون قبل الوقت بساعة أو نحوها أي قبل الزوال بساعة أو نحوها حتى يتهيأ الناس للحضور إذا أذن الأذان الثاني.
    وقوله وكثر الناس زاد النداء الثالث كيف النداء الثالث؟ الإقامة حسبت لأنها تعتبر نداءً لكنها حسبت تبعاً وهذا الذي ظنه بعض الناس أي أنه يؤذن عند دخول الوقت الذي هو الزوال ثم يحضر الإمام فيؤذن مرة ثانية يشبه ما روي في أذان بلال وابن أم مكتوم في رمضان أنه ليس بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا فإن هذه الرواية شاذة ولا تستقيم وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في أذان بلال (ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم) وإذا كان لإيقاظ النائم حتى يتسحر ولإرجاع القائم حتى يتسحر فهل يمكن أن يحصل هذا وليس بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا؟ لا يمكن ولذلك لا شك أن بين أذانيهما وقتاً يتسع للسُّحور.
    السائل: هل يدعو للإمام أن يطيل الله عمره ولو كان عنده منكرات أو يدعو له بالهداية؟
    الشيخ: لا، يدعو الله تعالى أن يطيل عمره في طاعته ولكن إذا قال اللهم اهدِ الإمام أحسن لأن الناس قد لا يتفطنون لقوله أطل عمره في طاعته أو قد يظنون أن هذا الداعي يحابي الإمام وليس له هم إلا أن يطيل عمر الإمام لكن إذا دعا له بالهداية والتوفيق وصلاح البطانة والاستقامة فهذا أحسن.

    فصل
    (2/211)
    ________________________________________
    القارئ: ولا يشترط للجمعة إذن الإمام لأن علي رضي الله عنه صلى بالناس وعثمان رضي الله عنه محصور ولأنها من فرائض الأعيان فلم يعتبر لها إذن الإمام كالظهر قال أحمد وقعت الفتنة بالشام تسع سنين فكانوا يجمِّعون لكن إن أمكن استئذانه فهو أكمل وأفضل وعنه أنها شرط لأنه لا يقيمها في كل عصر إلا الأئمة.
    الشيخ: والصحيح أنها ليست بشرط وأنها لو أقيمت الجمعة بغير إذن الإمام في مكان تقام فيه الجمعة فإنها صحيحة لكن إذا قال الإمام لا يقيم أحد الجمعة إلا بإذني فحينئذٍ يتعين أن يستأذن حفظاً للنظام وعدم التلاعب لأنه لو لم يرجع إليه لصار كل أهل حي يريدون أن يقيموا في مسجدهم جمعة فتحصل الفوضى أما كونها شرطاً لصحة الصلاة بحيث لا تصح الصلاة إلا بإذنه ففي النفس منه شيء.

    فصل
    القارئ: وتصلى خلف كل بر وفاجر لحديث جابر ولأنها من شعائر الإسلام الظاهرة وتختص بإمام واحد فتركها خلف الفاجر يفضي إلى الإخلال بها فلم يجز ذلك كالجهاد ولهذا أبيح فعلها في الطرق ومواضع الغصب صيانة لها عن الفوات.
    الشيخ: يعني لا يشترط في إمام الجمعة أن يكون عدلاً بل تصح خلف كل بَرٍّ وفاجر وعلل المؤلف رحمه الله ذلك:
    أولاً بحديث جابر السابق أن نصلي خلف كل بر وفاجر.
    والثاني أن هذا من عمل المسلمين فإن المسلمين ما زالوا يصلون خلف الأئمة الذين يقيمون الجمعة وهم ليسوا على بِر.
    والثالث أنها من شعائر الإسلام الظاهرة وظاهر كلام المؤلف أن ما كان من شعائر الإسلام الظاهرة فإنه يصح من البر والفاجر وعليه فيصح أذان الفاجر لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة ومن ثم قال العلماء إنه يشترط في الأذان أن يكون المؤذن عدلاً ولو ظاهرا.
    الرابع أنها تختص بإمام واحد فلو قلنا لا تصلى خلف فاجر لزم أن لا تقام الجمعة أبداً إذا كان الإمام فاجراً.
    (2/212)
    ________________________________________
    ويقول يجوز فعلها في الطرق ومواضع الغصب صيانة لها عن الفوات الصحيح أن هذا ليس من خصائص الجمعة وأن الصلاة في الطريق صحيحة والنهي عن الصلاة في الطريق ضعيف وأما مواضع الغصب يعني مثل أن تكون الأرض مغصوبة حول المسجد فيصلى فيها الجمعة فلا بأس والصحيح أنه حتى غير الجمعة وأن الصلاة في الأرض المغصوبة صحيحة لكنه يأثم حيث منعها صاحبها وأما الصلاة فصحيحة لأن النهي لم يرد عن الصلاة بل النهي ورد عن الغصب فالجهة إذاً منفكة لو قيل لا تصلي في مكان حرام فصلى في مكان غصب بطلت الصلاة لكن لم يأتِ هكذا بل قيل لا تغصب (إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم) فالنهي إذاً ليس عن الصلاة ولكن عن الاغتصاب، اغتصاب الأرض فهو أمر خارج ولهذا كان القول الراجح في جميع المغصوبات كثوب السترة وماء الوضوء وما أشبه ذلك الصحيح أن عدم الغصب ليس شرطاً للصحة.
    السائل: الصلاة في المسجد الضرار ما حكمه؟
    الشيخ: الصلاة في مسجد الضرار لا تصح لأن الله نهى عنه قال (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً).
    ومسجد الضرار ليس كالمغصوب ولهذا أرض مسجد الضرار حلال ليست حراماً لكن الصلاة فيه منهي عنها فلو صلى في مسجد الضرار بطلت صلاته.
    السائل: بعض المساجد مبنية على أرض مغصوبة والباني له الأوقاف فبعض الناس يتحرج من الصلاة فيه؟
    الشيخ: على كل حال القول الصحيح أنه تصح الصلاة والإثم على من غصبه.

    فصل
    القارئ: وإذا فرغ من الخطبة نزل فأقيمت الصلاة فصلى بهم ركعتين يقرأ في كل ركعة بـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وسورة معها ويجهر بالقراءة للإجماع ونقل الخلف عن السلف.
    (2/213)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا من خصائص الجمعة أنه يجهر فيها بالقراءة والحكمة والله أعلم اجتماع الخلق الكثير وتأكيد الاجتماع لكونهم على قارئ واحد ولهذا يسن الجهر بالقراءة النهارية في الجمعة وفي العيد وفي الكسوف وفي الاستسقاء لأنها صلوات يجتمع فيها الناس فيكون أكبر عدد ممكن على إمام واحد بخلاف السرية فإن السرية هذا يقرأ سورة وهذا يقرأ سورة ولا يجتمعون وكذلك أيضاً الليل يجهر فيه بالقراءة في الجماعة من أجل اجتماع القلب على قراءة واحدة.
    القارئ: ومهما قرأ به بعد أم الكتاب فيها أجزأه إلا أن المستحب أن يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين أو بـ (سبح) و (الغاشية) لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في الجمعة وعن النعمان بن بشير قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين والجمعة بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) رواهما مسلم.
    فصل
    القارئ: ومتى أمكن الغنى بجمعة واحدة في المصر لم يجز أكثر منها لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة وإن احتيج إلى أكثر منها جاز لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير فصار إجماعا ولأنها صلاة عيد فجاز فعلها في موضعين مع الحاجة في غيرها.
    الشيخ: المؤلف رحمه الله استدل على جواز التعدد للحاجة:
    أولاً بفعل المسلمين فإن المسلمين منذ القرن الثالث يصلون عدة جمع وأخذ الناس ذلك صاغراً عن كابر وهذه حجة.
    الثاني قال ولأنها صلاة عيد فجاز فعلها في موضعين مع الحاجة كغيرها يشير إلى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى مصلى العيد وخلَّف علي بن أبي طالب يصلي بالضعفة في المسجد وهذا أصل.
    (2/214)
    ________________________________________
    القارئ: وإن استُغْنِيَ بجمعتين لم تجز الثالثة فإن صليت في موضعين من غير حاجة وإحداهما جمعة الإمام فهي الصحيحة ويحتمل أن السابقة هي الصحيحة لأنه لم يتقدمها ما يفسدها وبعد صحتها لا يفسدها ما بعدها والأول أولى لأن في تصحيح غير جمعة الإمام افتئاتاً عليه وتبطيلاً لجمعته ومتى أراد أربعون نفساً إفساد صلاة الإمام والناس أمكنهم ذلك.
    الشيخ: هذا تبع التعليل الأول يعني يقول يحتمل أن السابقة هي الصحيحة ولكن بماذا يكون السبق هل هو بالتقدم الزمني في تكبيرة الإحرام أو بالتقدم الزمني في إقامة الجمعة الصحيح الثاني والمذهب الأول لكن يقول الشيخ رحمه الله إن الأول هو الصحيح الأول أولى وعلل ذلك قال لأن في تصحيح غير جمعة الإمام افتياتاً عليه وتبطيلاً لجمعته ومتى أراد أربعون نفساً إفساد صلاة الإمام والناس أمكنهم ذلك ماذا يصنعون؟ يسبقون بالصلاة يجتمع ناس مثلاً في مسجد حي من الأحياء ويقول الإمام مثلاً والجماعة الآن يصلون في الجامع الكبير كل أهل البلد إلا القليل تعالوا نحن أربعون نفراً نريد نصلي الجمعة في مسجدنا ونريد أن سبق جمعة الإمام لكي تكون صلاة الإمام والناس كلهم صلاة باطلة وهذا تعليل جيد لأن بعض أهل الشر يفعلون هذا يقول ما دام الصحيحة هي السابقة بالإحرام تعال فإذا صلوا جمعتهم خطب الخطيب وصلوا الجمعة وذهبوا إلى المسجد الكبير الذي فيه الإمام نادوا بأعلى أصواتهم أيها الناس إن جمعتكم باطلة لأنكم مسبوقون وهذا ربما يقع على كل حال الصحيح أنه ما باشرها الإمام أو أذن فيها فإن تساوتا في الإذن أو عدمه فالسابقة ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذا.
    القارئ: فإن لم يكن لإحداهما مزية فالسابقة هي الصحيحة لما ذكرنا وتفسد الثانية وإن وقعتا معاً فهما باطلتان لأنه لا يمكن تصحيحهما ولا تعيين إحداهما بالصحة فبطلتا كما لو جمع بين أختين.
    (2/215)
    ________________________________________
    الشيخ: يعني كما لو جمع بين أختين في عقد واحد بأن قال أبوهما زوجتك ابنتيَّ فإنه لا يصح العقد واعلموا أن هذه المسألة هي مسألة فرضية في الواقع لأنه من يدرك ولا سيما في زمنهم رحمهم الله أن هاتين الجمعتين كانتا تكبيرة الإحرام فيهما واحدة في آن واحد هذا بعيد لكن إن وقع.
    القارئ: كما لو جمع بين أختين وعليهم إقامة جمعة ثالثة لأنه مصر لم تصلِّ فيه جمعة صحيحة وإن علم سبق إحداهما وجهلت فعلى الجميع الظهر لأن كل واحد لم يتيقن براءة ذمته من الصلاة وليس لهم إقامة الجمعة لأن المصر قد صليت فيه جمعة صحيحة.
    الشيخ: إذاً سوف يصلي هؤلاء جمعتين وظهرين.
    القارئ: وإن جهل الحال فسدتا وهل لهم إقامة الجمعة على وجهين أحدهما لا يقيمونها للشك في شرط إقامتها والثاني لهم ذلك لأننا لا نعلم المانع من صحتها والأصل عدمه وذكر القاضي وجهاً في إقامتها مع العلم بسبق إحداهما لأنه لما تعذر تصحيح إحداهما بعينها صارت كالمعدومة.
    الشيخ: والصحيح في هذه المسائل أنه إذا أقيمت بالفعل فإن الإنسان يتحرى المسجد الأول الذي تقام فيه الجمعة فيصلي فيه فإذا امتلأ صلى فيما أقيمت فيه الجمعة بعده وذلك لأن الضرر إنما كان في الزائد فالأول الذي وضع أولاً هو مسجد جمعة فيحرص الإنسان على أن يصلي فيه فإن امتلأ ففي المسجد الذي كان بعده فإن امتلأ ففي الثالث وإن شق عليه أو كان لا يعلم فيصلي في أي مسجد وتصح الصلاة أما أن نلزم العامة بإعادة الصلاة ونقول صلاتكم باطلة فهذا فيه مشقة على الناس تندفع بتيسير هذا الإسلام.
    القارئ: ولو أحرم بالجمعة فعلم أنها قد أقيمت في مكان آخر لم يكن له إتمامها وهل يبني عليها ظهراً أو يستأنفها؟ على وجهين أصحهما استئنافها لأن ما مضى منها لم يكن جائزاً له فعله ويعتبر السبق بالإحرام لأنه متى أحرم بإحداهما حرم الإحرام بالأخرى للغنى عنها.
    (2/216)
    ________________________________________
    الشيخ: وقد سبق لنا أن الصحيح أن المعتبر الأسبق إقامة وأن المسجد الذي كانت تقام فيه الجمعة هو الأصل والثاني هو الذي جاء كمسجد الضرار.
    السائل: إن كان إمام المسجد الأول صوفي فإن تمكن الشباب الملتزم من إقامة جمعة ولو كانت زائدة فهل يجوز لهم؟
    الشيخ: لا ما يجوز يقال هذا الصوفي إن كان رجلاً خارجاً عن الإسلام فالواجب إزالته وإن كانت صوفيته لا تخرجه وقد نصب من ولاة الأمور فلا يجوز الاختلاف عليه.

    فصل
    القارئ: ولا يجوز لمن تجب عليه الجمعة السفر بعد دخول وقتها لأنه يتركها بعد وجوبها عليه فلم يجز كما لو تركها لتجارة إلا أن يخاف فوت الرفقة فأما قبل الوقت فيجوز للجهاد لما روى ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فقدم أصحابه وقال أتخلف فأصلي مع رسول الله ثم ألحقهم قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال (ما منعك أن تغدو مع أصحابك) فقال أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم) من المسند وهل يجوز لغير الجهاد؟ فيه روايتان إحداهما يجوز لأن عمر قال الجمعة لا تحبس عن سفر ولأنها لم تجب فأشبه السفر من الليل والثانية لا يجوز لما روى ... الدارقطني في الأفراد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره).
    (2/217)
    ________________________________________
    الشيخ: الحديث الأول حديث ابن عباس في قصة بعث عبد الله بن رواحة قد يعارض في استدلال المؤلف فيقال إن وقت الجمعة كوقت الظهر لا يدخل إلا بعد الزوال يعني إلا إذا زالت الشمس وعلى هذا فيكون سفر عبد الله بن رواحة قبل دخول الوقت والصحيح أنه يجوز أن يسافر ما لم يؤذن لها فإن أذن لها فإنه لا يجوز أن يسافر لقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فأوجب الله السعي عند أذان الجمعة وأما قبل ذلك فإنه لا يلزمه البقاء خصوصاً مثل أوقاتنا الآن إذا كان يمكنه أن يأتي بأهل طريق بحيث يعرج على بعض البلاد ويقيم فيها الجمعة.
    السائل: الاعتراض على استدلال المؤلف على حديث ابن عباس ما فهمته؟
    الشيخ: عبد الله بن رواحة بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فقدم أصحابه وقال أتخلف فأصلي مع الرسول فهنا ذهبت السرية بعد دخول وقت الجمعة لأن على المشهور من المذهب يدخل وقتها إذا ارتفعت الشمس قيد رمح فيقول المؤلف يجوز للجهاد فنقول من يقول إنه دخل وقت الجمعة.

    فصل
    (2/218)
    ________________________________________
    القارئ: ويجب السعي بالنداء الثاني لما ذكرنا إلا لمن منزله في بعد فعليه أن يسعى في الوقت الذي يكون به مدركاً للجمعة لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ويستحب التبكير بالسعي لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) متفق عليه وقال علقمة خرجت مع عبد الله يوم الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة) رواه ابن ماجه.
    الشيخ: في الحديث الأول من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة هل المراد بذلك أن يكون عليه جنابة بحيث يجامع أهله ثم يغتسل أو المراد غسل الجنابة يعني كغُسلها؟ الثاني هو المراد وقوله (ثم راح فكأنما قرب) لفظ الرواية بدون (في الساعة الأولى) ولهذا يحتاج إلى التخريج لأنها عندي (في الأولى) مصححه والذي أحفظه من البخاري أنه ليس فيها في الأولى (من راح فكأنما قرب) وهذا الرواح ليس معناه الذهاب بعد زوال الشمس وإنما المراد به مطلق الذهاب كما هو اللغة المشهورة عندنا الآن نقول فلان راح ولو كان في الليل فلان راح لكذا ولو كان في أول النهار فقوله (من راح) يراد به المشي أي مطلق الرواح خلافاً لمن فهم أن المراد من راح أي بعد زوال الشمس وعلى هذا فتكون الساعات كلها في خلال ربع ساعة وهذا بعيد فالصواب أن المراد (راح) أي ذهب فهي على مطلق الرواح.
    (2/219)
    ________________________________________
    وفيه أيضاً تفاوت الأجر بتفاوت العمل فيؤخذ منه حكمة الله عز وجل في المجازاة وأن الجزاء من جنس العمل أما لم كان هذا التفاوت؟ فهذا ليس إلينا لأن تقدير الأجور والثواب عند الله عز وجل وليس لنا من الأمر شيء فلا يقال لماذا كان الأول كأنما قرب بدنة والأخير كأنما قرب بيضة لأن هذا أمر يرجع إلى الله عز وجل وليس لنا إلا مطلق التسليم.
    وفيه أيضاً لماذا خص الكبش الأقرن؟ قالوا لأن الكبش الأقرن في الغالب يكون أقوى وأكبر حجماً فيميز على غيره ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أضحيته يختار الأقرن.
    وقد استدل بعض العلماء بجواز الأضحية بالدجاج قال لأنه قال (فكأنما قرب دجاجة) فجعلها في مصاف بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم فتجوز التضحية بالدجاجة بالديك فيقال له إذن جَوِّز الأضحية بالبيضة لأنه قال (فكأنما قرب بيضة) وهو استدلال غريب لكن بعض الناس يأخذ بظاهر اللفظ ولا ينظر إلى النصوص الأخرى الدالة على أن الأضاحي إنما هي من بهيمة الأنعام لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)
    وفي الحديث أيضاً أن الملائكة تستمع إلى الخطبة فبينما هي على أبواب المساجد مساجد الجمع فإنه إذا جاء الإمام تركت الكتابة وأنصتت للخطبة فإن قال قائل أي فائدة للملائكة بسماع الخطبة؟ قلنا إن وجودهم بركة وخير ويكون هذا من باب زيادة النعمة على مصلي الجمعة أن الملائكة تحضر وتستمع ثم هي إذا سمعت تعظيم الله عز وجل في هذه الخطبة وتلاوة آياته وموعظة المسلمين لا شك أنهم يزدادون إيماناً وإن كانوا هم على أعلى ما يكونوا من الإيمان لكن كلما قوي الإيمان كان أكمل.
    وفيه أيضاً في الحديث تسخير الله عز وجل لبني آدم الملائكة تسخر لهم تقف على أبواب المساجد تكتب كل من جاء الأول فالأول يعني كأنهم جنود جندهم الله عز وجل ليكتبوا الأول فالأول.
    (2/220)
    ________________________________________
    وفي هذا دليل على أن الخطبة تسمى ذكراً ونستفيد من هذه الفائدة وجوب حضور الخطبة واستماعها لقول الله تعالى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فنقول (إلى ذكر الله) أي إلى الخطبة فيستدل به على وجوب حضور خطبة الجمعة والاستماع إليها.
    وفي حديث علقمة مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه دليل على حرص الصحابة على التقدم في الجمعة وعلى تأسفهم إذا وجدوا غيرهم قد سبقهم لقول ابن مسعود (رابع أربعة) كأنه انتقد نفسه وأحب أن يكون هو الأول والمراد تقدم الإنسان في نفسه لا بمنديله ولا بكتابه ولا بكرسي المصاحف كما يفعل بعض الناس اليوم تجده يضع المنديل بعضهم يضع المسواك بعضهم يضع المفاتيح وما أبلغ أمنه إذا وضع المفاتيح لأنه يخشى أن يأتي إنسان يأخذ المفاتيح ويقول الحمد لله مفتاح سيارة ومفتاح باب لكن مع ذلك عندهم قوة أمن فالمراد بالتقدم إلى الجمعة أن يتقدم الإنسان بنفسه ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله في جواز وضع الشيء في المكان ليحجزه لنفسه؟ فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من منعه فمن أجازه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن ببناء الخيمة في المسجد وهذا نوع من الحجز لأن مكان الخيمة لن يصلي فيه أحد ولن يستقر فيه إلا صاحبه ومنهم من منع ذلك وقال إنه لا يجوز وأن هذا تحجر لمكانٍ غيرُه أحق به منه والراجح التفصيل في هذا أنه إذا وضع هذا الشيء ليحجز به المكان وهو قد خرج من المسجد لعذر وسيعود بعد انتهاء عذره فإن هذا لا بأس به لحاجة الإنسان إلى الخروج وإن كان وضع هذا المكان وخرج إلى بيته وأهله ومتجره فهذا جناية على من سبق لأنه أحق بهذا المكان منه.
    السائل: الذي ذكرته في زيادة الساعة الأولى قال محقق الكافي طبعة دار الفكر الشيخ سليم يوسف وهذه الزيادة انفرد بها مالك في الموطأ والحديث منسوب للشيخين وهذه الزيادة ليست عندهما فلم نثبتها في المتن وليست عندنا في الأصل.
    (2/221)
    ________________________________________
    الشيخ: لكن إذا قيل كيف نعرف أنها الأولى؟ نقول لأنه لما قال ومن راح في الثانية فيكون قوله من راح يعني في الأولى ومن راح يعني في الثانية فهو وإن لم تكن موجودة لفظاً فبقية الحديث يدل عليها.
    القارئ: ويستحب أن يأتيها ماشياً ليكون أعظم للأجر وعليه سكينة ووقار لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تأتوا الصلاة وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار) متفق عليه ويقارب بين خطاه لتكثر حسناته.
    الشيخ: أما كون الأفضل أن يأتيها ماشياً فكما قال المؤلف رحمه الله لأجل أن ينال أجر الخطا.
    وأما قوله رحمه الله ويقارب بين خطاه ففي هذا نظر لأن المقاربة بين الخطا أمر يقصد ولو كان من الأمور المشروعة لبينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم (لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة ويحط بها عنه خطيئة) فالمراد الخطوة المعتادة وأما أن يقصر خطاه بزيادة الأجر ففي هذا نظر ظاهر.
    وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (عليكم السكينة والوقار) الفرق بينهما أن الوقار في الظاهر والسكينة في الباطن قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) فيكون ساكن القلب مطمئناً وقوراً بحيث لا يتحرك حركات تخالف الوقار والمروءة.

    فصل
    القارئ: ويستحب أن يغتسل ويتطيب ويتنظف بقطع الشعر وقص الظفر وإزالة الرائحة لما روى أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج) فلا يفرق بين اثنين ثم صلى ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) رواه البخاري.
    الشيخ: قوله يستحب أن يغتسل سيأتي رواية أخرى عن أحمد أن الغسل واجب وقوله ويتطيب بماذا يتطيب؟ بالطيب البخور أو الدهن والدهن أبقى.
    (2/222)
    ________________________________________
    وقوله ويتنظف بيَّن التنظيف بقوله بقطع الشعر وقص الظفر وإزالة الرائحة، قطع الشعر الذي يسن قطعه مثل الشارب والأبط والعانة ولا تترك هذه الأشياء الثلاثة فوق أربعين يوماً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقتها ولو جعل الإنسان لنفسه موعداً معيناً حتى لا ينسى لكان حسناً مثل أن يتخذ أول جمعة في الشهر أو آخر جمعة أو ثاني جمعة أو ثالث جمعة من كل شهر لا تعبداً لله بهذا التوقيت ولكن لأجل أن لا ينسى لأن الإنسان إذا ترك التوقيت نسي فزاد على أربعين إلا إذا طال الشعر أو الظفر قبل الأربعين فتزال من حيث تطول.
    القارئ: وعنه أن الغسل واجب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (غسل الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأن يمس طيبا) رواه مسلم.
    الشيخ: المؤلف رحمه الله أخطأ في هذا الحديث من وجهين الوجه الأول أنه قال لما روي وهذه صيغة تدل على التضعيف.
    الثاني أنه قال رواه مسلم مع أن الجملة الأولى منه (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) قال في البلوغ إنه أخرجها السبعة كل أصحاب السنن والصحيح أخرجوها البخاري ومسلم والإمام أحمد كلهم أخرجوا هذا الحديث (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) وهذا هو الصحيح أنه واجب ويدل عليه أمور الأول لفظ (واجب) صريح في الوجوب وقد صدرت من أعلم الخلق بالشرط ومن أعلم الخلق بما يقول ومن أعلم الخلق بمدلولات الألفاظ ومن أفصح الخلق ومن أنصح الخلق فلا يمكن أن يطلق مثل هذا اللفظ وهو يريد من الأمة أن يدعوه إذا شاؤوا فهو صريح في الوجوب ومعلوم أن هذه العبارة لو وجدت في مصنف من المصنفات للفقهاء ما شك القارئ أن المصنف يرى أنه واجب فكيف وقد صدرت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    (2/223)
    ________________________________________
    الثاني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) والأصل في الأمر الوجوب لأن الله هدد المخالف فقال (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الثالث أن الصحابة فهموا الوجوب فإن عثمان بن عفان رضي الله عنه أتى وعمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة وكأنه عرَّض به فقال والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت ثم أتيت فقال والوضوء أيضاً وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) فلامه على ذلك ولا موجب لصرفه عن الوجوب ليس فيه إلا حديث سمرة المرسل الركيك اللفظ وهو قوله (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) هذا الكلام بمجرد ما تسمعه تكاد تجزم أنه لم يخرج من مشكاة النبوة كلام ركيك وبعيد أن يكون الرسول قد قاله عليه الصلاة والسلام على ما في الخلاف من حديث الحسن عن سمرة ونقول أيضاً إيجاب ذلك على الناس أحوط من عدم الإيجاب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه).
    فإن قال قائل هل وجوبه كوجوب الغسل من حدث بحيث لو لم يفعل لم تصح صلاته؟ فالجواب لا لأن الصحابة يكاد يكون إجماعاً بينهم في قصة عمر أنه أي الاغتسال ليس بشرط لصحة الصلاة بل هو واجب للصلاة وليس شرطاً فيها.
    فإن قال قائل وهل يجزئ الغسل بعد الصلاة؟ فالجواب لا لأن الغسل للجمعة أي لصلاة الجمعة وإذا انتهت الصلاة فلا فائدة من الغسل لأنه انتهى المقصود.
    (2/224)
    ________________________________________
    أما السواك وأن يمس طيباً فهذا ليس بواجب بالاتفاق على أن أحد رواته ونسيت من هو وأظنه أبا سعيد قال أما الغسل فواجب وأما السواك فلا أدري وكأنه توقف لأن السواك لا يحصل به من التنظيف كما يحصل من الاغتسال ويتأكد الاغتسال في أيام الصيف وأيام الحر التي يكثر فيها العرق وتفوح الرائحة ولهذا توسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال إن غسل الجمعة واجب على من فيه رائحة لا تزول إلا بالاغتسال لكن العموم أولى أعني عموم الوجوب أولى من القول بالتقييد.
    السائل: ما إذا كانت الرائحة طبيعية لا يمكن أن تزول بالغسل؟
    الشيخ: إذا كانت الرائحة طبيعة فلا يمكن أن تزول بالغسل لكن من الممكن أن يدهن بأطياب قوية تخفف الرائحة لأنه يوجد أطياب لها رائحة قوية تخفف الرائحة.
    السائل: بعض العطور التي يضعها الرجل قد تؤذي رجلاً آخر؟
    الشيخ: إذا كان يؤذي أكثر الناس فلا يستعمله.
    القارئ: والمذهب الأول لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) قال الترمذي هذا حديث حسن والخبر الأول أريد به تأكيد الاستحباب ولذلك ذكر فيه السواك والطيب وليسا واجبين.
    الشيخ: هذا غير مسلم ليسا واجبين وإذا سلمنا بإجماع العلماء يعني مثلا بأن العلماء أجمعوا على أن السواك والطيب غير واجبين فنقول خرج هذا بالإجماع أنه ليس بواجب ودلالة الاقتران ضعيفة ولم يقل بها إلا نفر قليل من العلماء ولهذا كان القول الصحيح أن الخيل حلال وإن كانت مقرونة في القرآن بالحمير والبغال.
    القارئ: ووقت الغسل بعد الفجر لقوله (يوم الجمعة) والأفضل فعله عند الرواح لأنه أبلغ في المقصود ولا يصح إلا بنية لأنه عبادة.
    (2/225)
    ________________________________________
    الشيخ: قوله رحمه الله وقت الغسل بعد الفجر هذا فيه احتمال لا شك لأن اليوم الشرعي يدخل بطلوع الفجر لكن لو أخره إلى ما بعد طلوع الشمس لكان أحسن لأنه إذا أخره حتى طلوع الشمس كان اغتساله في اليوم قطعاً وقبل طلوع الشمس أمر مشكوك فيه.
    وقوله ولا يصح إلا بنية لأنه من العبادة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات).
    القارئ: فإن اغتسل للجمعة والجنابة أجزأه وإن اغتسل للجنابة وحدها احتمل أن يجزئه لقوله عليه السلام (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) ولأن المقصود التنظيف وهو حاصل واحتمل أن لا يجزئه لقوله عليه السلام (وليس للمرء من عمله إلا ما نواه).
    الشيخ: الظاهر أنه روى الحديث بالمعنى (ليس للمرء من عمله إلا ما نواه) لأنه قريب من معنى (وإنما لكل امرئ ما نوى) والذي يظهر أنه يجزئ إذا نوى عن الجنابة وغاب عن ذهنه نية الغسل للجمعة فإنه يجزئه.
    لكن لو نوى للجمعة دون الجنابة هل يجزئه أو لا؟ لا يجزئه لأن غسل الجنابة عن حدث ولابد من رفعه بالنية وغسل الجمعة تنظيف وليس عن حدث ولا يجزئ الأدنى عن الأعلى.
    لو نواهما جميعاً؟ صح كما لو نوى بالراتبة تحية المسجد مع الراتبة وإن اغتسل أولاً عن الجنابة ثم عاد واغتسل للجمعة يجزئ أم لا؟ يجزئ بل قال الفقهاء إنه أكمل أن يغتسل للواجب أولاً ثم للمسنون ثانياً وقال ابن حزم رحمه الله لا يجزئ أحدهما عن الآخر بل لابد أن يغتسل أولاً للجنابة ثم ثانياً للجمعة وبناءً على هذا يكون إعادة الغسل مرتين يكون أحوط من وجه آخر إتقاءً لهذا القول الذي ذهب إليه ابن حزم وإن كنا نرى أنه قول ضعيف لكنه قد قيل.
    وأما قول المؤلف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) فقد سبق أن معناه كغسل الجنابة.

    فصل
    (2/226)
    ________________________________________
    القارئ: وإذا أتى المسجد كره له أن يتخطى الناس لقوله عليه السلام (ولم يفرق بين اثنين) إلا أن يكون إماماً ولا يجد طريقا فلا بأس بالتخطي لأنه موضع حاجة ومن لم يجد موضعاً إلا فرجة لا يصل إليها إلا بتخطي الرجل والرجلين فلا بأس فإن تركوا أول المسجد فارغاً وجلسوا دونه فلا بأس بتخطيهم لأنهم ضيعوا حق نفوسهم وإن ازدحم الناس في المسجد وداخله اتساع فلم يجد الداخل لنفسه موضعاً فعلم أنهم إذا قاموا تقدموا جلس حتى يقوموا وإن لم يرجو ذلك فله تخطيهم لأنه موضع حاجة.
    الشيخ: قول المؤلف رحمه الله كره أن يتخطى الناس في الاقتصار على الكراهة نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى الناس فقال له (اجلس فقد آذيت) والأمر للوجوب ولا سيما أنه علل ذلك بالأذية وأذية المسلمين محرمة ولا سيما إذا كان ذلك في وقت الخطبة فإنه مع أذيتهم بالتخطي يوجب أن تنشغل قلوبهم عن استماع الخطبة.
    أما ما ذكره من الإمام إذا لم يكن له باب من قبلة المسجد فنعم لأن تخطيه لحاجة وأما ما ذكره ممن رأى فرجة تركها من تقدم ففي النفس من هذا شيء لأن ظاهر الحديث في الرجل الذي يتخطى الناس العموم فهي قضية عين تحتمل أن الرجل يتخطى لفرجة ويحتمل أنه يتخطى لعله يجد فرجة لذلك لا نرى أن يتخطى لأجل الفرجة لكن نرى أن من تقدموا فلا ينبغي لهم أن يدعوا فرجاً كما نراه بعض الأحيان تجد في الصفوف الأولى متسعات يعني تكاد تقول كل رجل بينه وبين أخيه ما يسع لرجل آخر وهذا تضييق للمسجد ومنع لغيرهم ممن يأتي ليتخذ مكاناً.
    السائل: كيف نجيب على قولهم الذين يقولون إن قوله صلى الله عليه وسلم (واجب) هذا يرد في اللغة العربية كقولهم حافظت علي واجباً ويقولون إن الرسول صلى الله عليه وسلم لسان عربي مبين فهو من أهل اللغة فهو يأتي ما تدل عليه اللغة.
    (2/227)
    ________________________________________
    الشيخ: وهل إن كلمة واجب في اللغة لا تأتي إلا للمستحب؟ لا، وما هو الأصل؟ الأصل أنها تأتي للواجب فإذا كان الأصل أن تأتي للواجب فالواجب إجراء النصوص على ظاهرها ثم إن قول حققك علي واجب أولاً من قال إن هذه عبارة موروثة عن العرب قد تكون هذه عبارة عرفية ثم إن حق المسلم على المسلم واجب الأصل فيه الوجوب هذا الأصل ولهذا من استثنى من الحقوق الخمسة التي جمعها الرسول في قوله (حق المسلم على المسلم) خمسة من استثنى واحداً منها بأنه للاستحباب طولب بالدليل.
    السائل: من يقول غسل الجمعة لا يرفع الحدث مع أن الغسل واجب وغسل الجنابة واجب وهو يرفع الحدث فكلاهما واجب؟
    الشيخ: نعم لكن غسل الجنابة عن حدث فإذا نوى ذلك اختفى، وغسل الجمعة للنظافة ليس عن حدث وأما وجوبه فهو واجب للنظافة فكيف يرفع حدثاً لم ينوه.
    القارئ: وليس لأحد أن يقيم غيره ويجلس مكانه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقيم الرجل الرجلَ من مقعده ويجلس فيه) متفق عليه وإن قام له رجل من مكانه وأجلسه فيه جاز لأن الحق له لكن إن كان المنتقل ينتقل إلى موضع أبعد من موضعه كره لما فيه من الإثار بالقربى.
    ولو قدم رجل غلامه فجلس في موضعه فإذا جاء قام الغلام وجلس مكانه فلا بأس به كان ابن سيرين يفعله وإن فرش له مصلى لم يكن لغيره الجلوس عليه وهل لغيره رفعه والجلوس في موضعه؟ فيه وجهان.
    وإن قام الجالس من موضعه لحاجة ثم عاد إليه فهو أحق به لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به) رواه مسلم وإن نعس فأمكنه التحول إلى مكان لا يتخطى فيه أحداً استحب له ذلك لما روى ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحول إلى غيره) من المسند وهو حديث صحيح.
    الشيخ: هذه مسائل في هذا القطعة:
    (2/228)
    ________________________________________