عرض مشاركة واحدة
الصورة الرمزية gogo
gogo
:: منتسب جديد ::
تاريخ التسجيل: Oct 2019
رقم العضوية : 184
المشاركات: 170
:
:
:  - :
قديم 10-22-2019, 11:49 AM
# : 1
gogo
  • معدل تقييم المستوى : 10
  • الإعجاب:
    افتراضي الشرح الصوتي لزاد المستقنع - جزء الثالث عشر
    http://www.shamela.ws
    تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة



    الكتاب: الشرح الصوتي لزاد المستقنع
    المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
    عدد الأجزاء: 2
    هذا الكتاب: تفريغ مكتوب لشرحين صوتيين للعلامة ابن عثيمين - رحمه الله - على زاد المستقنع
    1 - الشرح الأول/ الكتاب كاملا [299 ملفاً]
    2 - الشرح الثاني/ ثلث الكتاب [132 ملفاً] أبواب/ صفة الصلاة، والمناسك، والبيع، والوقف والوصايا، والنكاح، والطلاق، والإيلاء والظهار واللعان والعِدَد والرضاع، والنفقات، والجنايات والديات، والحدود، والأطعمة، وجزء من الأيمان والقضاء، وجزء من الشهادات
    مميزات ليست في (الشرح الممتع) المطبوع:
    1 - إضافة مسائل كثيرة تعرّض لها الشيخ في الشرح , خلا منها الشرح المطبوع.
    2 - إيراد مناقشة الشيخ رحمه الله للطلاب في الدورس , والتي تكون عادة قبل بداية الدرس , إضافة لأسئلة الطلاب للشيخ أثناء الشرح , وأسئلتهم بعد كل درسٍ , وإجابته عليها رحمه الله
    3 - إضافة شرح ثانٍ جديدٍ. (لثلث زاد المستقنع).
    4 - أنّ الرجوع للتفريغ فيه حل لبعض المواضع المُشْكِلة في الشرح المطبوع.
    5 - أنّ الشيخ ربما زاد في شرحه للكتاب ما ليس منه إما لإتمام الفائدة، أو لحاجة الطلاب، أو لأسباب أخرى، ومن ذلك:
    • زياداته في الشرح من كتب أخرى كزياداته في بعض الأبواب من كتاب (الروض المربع) وغيره، بل إنه أحيانًا: يزيد فصولًا بالكامل، ومثال ذلك شرحه لفصل في الأمان والهدنة، في كتاب الجهاد.
    • شرحه لمؤلفات خاصة به كشرحه لرسالته في زكاة الحلي، وذلك في كتاب الزكاة.
    • شرحه خلال الشرح الثاني "لمذكرة الجامعة" وذلك للأبواب التالية: (النفقات، والجنايات، والديات، والحدود، والأطعمة، والأيمان والقضاء، وجزءًا من الشهادات).
    • شرحه لفصول لا تعلق لها بالكتاب لحاجة الطلبة، كشرحه لفصل في فضل العلم وآداب طالبه في كتاب الفرائض.
    أعده للشاملة: ملتقى أهل الحديث
    [مصدر النص تطبيق مجاني للأجهزة الذكية برعاية مؤسسة وقف فهد بن عبد العزيز السعيد وإخوانه , وكرسي الشيخ ابن عثيمين للدراسات الشرعية، وقد التزموا فيه بالتفريغ الحرفي لكامل الشرح]
    طالب: عفا الله عنك يا شيخ، كثير من الناس اليوم إذا ما ( ... ) يعني يدخل في الحج ولا ينوي أي شيء، يعني العوام ما يدري هل هو مُفْرِد أو متمتِّع أو ..
    الشيخ: هذا أشبه ما له الذي يقول: أحرمت بما أحرم به فلان؛ لأنه يتبع إخوانه اللي مشوا.
    الطالب: لا يكون، ما يدري مثلًا ( ... ).
    الشيخ: الذي نرى أن هذا يُفْتَى بأن إحرامه صحيح؛ لأنه عيَّن ما أراد إخوانه أصحابه اللي معه.
    طالب: الطواف أو السعي راكبًا هل لا بد أن يكون من عذر؟
    الشيخ: إي نعم، هذا فيه خلاف بين العلماء.
    الطالب: الراجح؟
    الشيخ: السؤال يقول: هل يجوز الطواف راكبًا أو السعي راكبًا، الركوب متعذر اليوم، لكن يمكن يكون محمولًا أو على عربية، فهذه فيها خلاف بين العلماء.
    ثم يُصَلِّي رَكعتينِ خَلْفَ الْمَقامِ.
    (فصلٌ) ثم يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ، ويَخْرُجُ إلى الصفا من بابِه فيَرْقَاه حتى يَرَى البيتَ ويُكَبِّرُ ثلاثًا ويَقولُ ما وَرَدَ، ثم يَنْزِلُ ماشيًا إلى العَلَمِ الأَوَّلِ، ثم يَسْعَى شديدًا إلى الآخَرِ، ثم يَمْشِي ويَرْقَى الْمَروةَ ويَقولُ ما قالَه على الصَّفَا، ثم يَنزِلُ فيَمْشِي في مَوْضِعِ مَشْيِه ويَسْعَى في مَوْضِعِ سَعْيِه إلى الصفا يَفعلُ ذلك سبعًا: ذهابُه سَعيةٌ ورُجوعُه سَعيةٌ، فإن بَدَأَ بالْمَروةِ سَقَطَ الشوطُ الأَوَّلُ، وتُسَنُّ فيهُ الطهارة والستارةُ والْمُوالاةُ، ثم إن كان مُتَمَتِّعًا لا هَدْيَ معه قَصَّرَ من شَعْرِه وتَحَلَّلَ، وإلا حَلَّ إذا حَجَّ والْمُتَمَتِّعُ إذا شَرَعَ في الطوافِ قَطَعَ التَّلبيةَ.

    (بابُ صِفةِ الْحَجِّ والعُمرةِ)
    يُسَنُّ للمُحِلِّينَ بِمَكَّةَ الإحرامُ بالْحَجِّ يومَ الترويةِ قبلَ الزوالِ منها ويُجْزِئُ من بَقِيَّةِ الْحَرَمِ، ويَبيتُ بِمِنًى، فإذا طَلَعَت الشمسُ سارَ إلى عَرفةَ، وكُلُّها مَوْقِفٌ إلا بَطْنَ عُرَنَةَ،
    طالب: بسم الله الرحمن الرحيم
    (1/3921)
    ________________________________________
    ومن ترك شيئًا من الطواف، أو لم ينوه، أو نسكه، أو طاف على الشاذروان، أو جدار الحجر، أو عريان، أو نجسًا؛ لم يصح، ثم يصلي ركعتين خلف المقام.

    فصل

    ثم يستلم الْحَجَر، ويخرج إلى الصفا من بابه، فيرقاه حتى يرى البيت، ويكبر ثلاثًا ويقول ما ورد، ثم ينزل ماشيًا إلى العلم الأول، ثم يسعى شديدًا إلى الآخر، ثم يمشي ويرقى المروة ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا، يفعل ذلك سبعًا: ذهابه سعيه، ورجوعه سعيه، فإذا بدأ بالمروة سقط الشوط الأول، وتُسن فيه الطهارة والستارة والموالاة.
    ثم إن كان متمتعًا لا هدي معه قصَّر من شعره وتحلل، وإلا حل إذا حج، والمتمتع إذا شرع في الطواف قطع التلبية.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    سبق لنا أنه يشترط للطواف أن ينويه، وأن يُعيِّن النسك قبله، وأنه يُشترط أن يستر عورته، وأن يكون مُتطهِّرًا من النجاسة، وأن يستوعب جميع الكعبة، ومنها الحجر، وأن يجعل البيت عن يساره.
    ولم يذكر المؤلف -رحمه الله- ما إذا طاف مُحدِثًا اكتفاءً بما سبق في نواقض الوضوء، حيث قال: (ويحرم على المحدث مس المصحف، والصلاة، والطواف).
    وعلى هذا فيشترط في الطواف أن يكون متطهرًا من الحدث الأصغر والأكبر.
    ودليل ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ» (1).
    وقول الله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]. وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه لا بد أن يكون متطهرًا من الحدث الأصغر والأكبر، واستدلوا أيضًا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة: «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» (2).
    (1/3922)
    ________________________________________
    وبقوله حين أراد أن ينفر، فقيل له: إن صفية قد حاضتْ، قال: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ »، قالوا: إنها قد أفاضت، قال: «فَانْفِرُوا» (3).
    وذهب شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى أنه لا يُشترط الوضوء للطواف.
    وأجاب عن هذه الأدلة بأن قوله: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ» لا يصح مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن معناه لا يصح، إذ إنه قال فيه: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ»، والاستثناء عند الأصوليين معيار العموم؛ يعني أنه إذا جاء شيءٌ واستُثني منه شيءٌ دلَّ ذلك على أن بقية الصور غير المستثنى داخلة في المستثنى منه، فيكون عامًّا إلا في الصورة المستثناة.
    وهذا لا يصح أن يقال: إن الطواف بالبيت صلاة في كل شيء إلا في الكلام؛ وذلك لأنه يُخالف الصلاة في أشياء كثيرة سوى الكلام، فمن ذلك أنه لا يُشترط فيه القيام، والصلاة يُشترط فيها القيام؛ يعني لو طاف يزحف فإن طوافه صحيح.
    ومن ذلك أنه لا يُشترط له تكبير، والصلاة يُشترط لها تكبيرة الإحرام، ومن ذلك أنه لا يشترط له استقبال القِبلة، بل لا بد أن يكون البيت عن يساره.
    وإن كان هذا قد يقول قائل: إن كونه عن يساره كاستقبال القبلة في أنه لا بد أن يكون البيت عن جهة من بدنه.
    ومنها: أنه لا تشترط فيه القراءة لا الفاتحة ولا غيرها، بل لا يسن فيه أن يقرأ الفاتحة بعينها وسورةً معها.
    ومنها: أنه ليس فيه ركوع ولا سجود، ولا يجب فيه تسبيحٌ بالله العظيم، أو بالله الأعلى.
    ومنها: أنه يجوز فيه الأكل والشرب، والصلاة لا يجوز فيها الأكل والشرب.
    ومنها: أنه لا يبطله التبسُّم (الضحك)، والصلاة يبطلها الضحك.
    ومنها: أنها لا تشترط فيه الموالاة على رأي كثير من العلماء، والصلاة يشترط فيها.
    (1/3923)
    ________________________________________
    ولو أنك تأملت لوجدت أنه يخالف الصلاة في أكثر الأحكام، وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام لا بد أن يكون منضبطًا، لا ينتقض بصورة من الصور.
    وأما الاستدلال بقوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26] فنقول: إنه لا يلزم من تطهير المسجد من الخبث أن يكون الإنسان الذي يطوف بالبيت طاهرًا من الحدث؛ لأنه لو لزم من ذلك لقلنا: يجب على الإنسان أن يتطهر لدخول المسجد الحرام، وإن لم يُرد الطواف، ولو كان كذلك أيضًا لكان مناقضًا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» (4).
    وأما حديث عائشة وحديث صفية، فليس العلة عدم الطهارة، إنما العلة عدم جواز المكث في المسجد من الحائض، وهذا لا يستلزم وجوب الطهارة في الطواف؛ ولهذا كان القول الراجح أن المرأة الحائض إذا اضطرت إلى طواف الإفاضة في حال حيضها كان ذلك جائزًا، لكنها تتوقى ما يخشى منه تنجيس المسجد بأن تستثفر؛ أي: تجعل الحفاضة -كما يسمونها- على فرجها؛ لئلا يسيل الدم فيلوث المسجد.
    وعليه، فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها -بلا شك- أفضل وأكمل، وأتبع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، لكن أحيانًا يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام.
    مثل: لو أحدث في أثناء طوافه في زحام شديد، فإن القول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ، ثم يأتي في هذا الزحام الشديد -ولا سيما إذا كان لم يبقَ عليه إلا بعض شوط- فيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة، ولم يظهر فيه النص ظهورًا بيِّنًا، فإنه لا ينبغي أن نلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
    (1/3924)
    ________________________________________
    فهذا هو القول الذي نذهب إليه؛ أن الطهارة من الحدث الأصغر ليست بواجبة، لكنها سُنَّة وأفصل بلا شك، ولا ينبغي للإنسان أن يفرط بها مع هذا الخلاف من أهل العلم، لكن أحيانًا يكون لا بد من القول بهذا؛ أي: بأن الطهارة ليست بشرط.
    قال المؤلف: (ثُمَّ يصلي ركعتين خلْف المقام).
    (ثم) أي بعد الفراغ من الطواف يُصلي ركعتين خلف المقام؛ لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    وينبغي إذا تقدَّم أن يقرأ قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] كما قرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم (5)، ومن أجل أن يشعر بفائدة عظيمة بيناها لكم فيما سبق، وهي أن فعله للعبادة امتثالٌ لأمر الله عز وجل حتى تتحقق بذلك الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى والذل لأوامره.
    وقوله: (خلف المقام) أي: مقام إبراهيم، وهو معروف، وسمي مقامًا؛ لأنه قام عليه عليه الصلاة والسلام حين ارتفع بناء الكعبة فبنى عليه.
    وقد قيل: إن موضع قدميه كان بيِّنًا في هذا الحَجَر، لكن لطول السنين ولكثرة من يتمسح به الناس زال موضع القدمين.
    واختلف المؤرخون: أين مكان هذا المقام في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل هو لاصقٌ بالكعبة، أو هو في مكانه الآن؟
    فمنهم من قال: إنه لاصقٌ بالكعبة، وأن الذي قدمه إلى هذا المكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أجل التوسعة على الطائفين، ومنهم من قال: بل هذا مكانه.
    وليس هناك عندي شيء يفصل بين القولين، فإن قوله -أي: قول جابر في حديثه الطويل المعروف: ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (6) - يحتمل أنه تقدم من منتهى الطواف -وهو الحجر- إلى مكان المقام -وهو خلف باب الكعبة- ويحتمل أنه تقدم إليه في مكانه الحاضر.
    (1/3925)
    ________________________________________
    فإذا قلنا: إن مكانه الحاضر هو مكانه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فهل لنا فيما لو احتجنا إلى تأخيره ليتسع المطاف أن نُؤخره؟ الجواب: لا؛ لأنه توقيفي.
    وإذا قلنا: إنه كان لاصقًا بالكعبة، ثم أخَّره عمر؛ فللاجتهاد في ذلك مجال، قد نقول بجواز تأخيره إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
    وقوله: (يصلي ركعتين خلف المقام) ظاهر كلامه أنه لا يشترط فيهما الدنو من المقام، وأن السنة تحصل بهما، وإن كان مكانهما بعيدًا من المقام، وهو كذلك، ولكن كلما قرب من المقام فهو أفضل، إلا أنه إذا دار الأمر بين أن يصلي قريبًا من المقام مع كثرة حركته لرد المارين بين يديه، أو مع التشويش فيمن يأتي ويذهب، وبين أن يصلي بعيدًا عن المقام، لكن بطمأنينة، فأيهما أفضل؟
    طلبة: الثاني.
    الشيخ: الثاني أفضل؛ لأن ما يتعلق بذات العبادة أوْلى بالمراعاة مما يتعلق بمكانها كما سبق، وعلى هذا، فلو تأخر الإنسان إلى ما حول المسعى وصلاهما فقد أتى بالسنة.
    ثم قال المؤلف: (فصل). ولم يذكر الماتن -رحمه الله- ماذا يقرأ في هاتين الركعتين؛ لأنه مختصرٌ، لكن جاءت السنة بأنه يقرأ في الأولى: (قل يا أيها الكافرون)، وفي الثانية: (قل هو الله أحد) (7)؛ لأنهما سورتا الإخلاص، فـ (قل يا أيها الكافرون) فيها إخلاص القصد، و (قل هو الله أحد) فيها إخلاص العقيدة، فالتوحيد في (قل هو الله أحد) توحيدٌ علمي عقدي، وفي (قل يا أيها الكافرون) عملي إرادي.
    قال: (فصل: ثم يستلم الحجر، ويخرج إلى الصفا من بابه).
    (ثم) أي: بعد الصلاة يعود، ويستلم الحجر، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (5). والظاهر أن استلام الحجر لمن أراد أن يسعى، وأما من طاف طوافًا مجردًا، ولم يُرِدْ أن يسعى فإنه لا يُسنُّ له استلامه، وهذا الاستلام للحجر كالتوديع لمن قام من مجلس، فإنه إذا أتى إلى المجلس سلَّم، وإذا غادر المجلس سلَّم. هذا الظاهر والله أعلم.
    (1/3926)
    ________________________________________
    ولم يذكر المؤلف سوى الاستلام، وعليه فلا يُسنُّ تقبيلُه في هذه المرة، ولا الإشارة إليه، بل إن تيسر أن يستلمه فعل، وإلا انصرف من مكانه إلى المسعى.
    يقول: (ويخرج إلى الصفا من بابه)
    (من بابه)؛ لأنه أيسر، وكان المسجد الحرام -فيما سبق- له أبواب دون المسعى؛ يعني أن حدوده دون المسعى، وله أبواب يخرج الناس منها.
    فقوله: (يخرج إلى الصفا من بابه) نعلله بأن ذلك أسهل.
    (فيرقاه) أي الصفا (حتى يرى البيت).
    ولم يذكر المؤلف -رحمه الله- ماذا يسن إذا قرب من الصفا؛ لأنه مختصر، ولكن يسن إذا دنا من الصفا أن يقرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ} «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» (5).
    وتلاوة هذه الآية كتلاوة: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، أي: أن الإنسان يشعر بأنه يفعل ذلك، أيش؟
    طلبة: طاعة لله.
    الشيخ: طاعةً لله وامتثالًا لأمره سبحانه وتعالى.
    (فيرقاه) أي: يرقى الصفا.
    (حتى يرى البيت) أي: الكعبة، فيستقبلها -يستقبل الكعبة- ويرفع يديه.
    (ويكبر ثلاثًا، ويقول ما ورد) يعني يقول: الله أكبر وهو رافعٌ يديه ثلاث مرات (5).
    (ويقول ما ورد) ومنه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قديرٌ، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعدَهُ، ونصر عبدَهُ، وهزم الأحزاب وحده.
    ثم يدعو، ثم يعيد الذِّكْر مرةً ثانيةً، ثم يدعو، ثم يعيد الذكر مرةً ثالثةً، وينزل متجهًا إلى المروة (5).
    قال: (ثم ينزل ماشيًا إلى العَلَم الأول، ثم يسعى شديدًا إلى الآخر).
    قوله: (ينزل ماشيًا إلى العلم الأول) (العَلَم) يعني ما جُعل علامة، وهو الشيء الشاخص البَيِّن، ومنه سُمِّي الجبل عَلَمًا، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الشورى: 32].
    (1/3927)
    ________________________________________
    وكان فيه عمود أخضر في هذا المكان، ولا يزال الآن العمود الأخضر، والآن زاد وضوحًا بالأنوار التي تحيط بهذا المكان.
    وقوله: (إلى العلم الأول)؛ لأن هناك علمين: علمًا جنوبيًّا، وعلمًا شماليًّا، فالذي يلي الصفا جنوبي، والذي يلي المروة شمالي، فيسعى.
    (ثم يسعى شديدًا إلى الآخر) (شديدًا) صفة لموصوف محذوف، والتقدير: سعيًا شديدًا، والسعي هنا بمعنى الركض، فيسعى سعيًا شديدًا بقدْر ما يستطيع، لكن بشرط ألا يتأذى أو يؤذي، فإن خافَ من الأذية عليه أو على غيره فليمشِ، ويسعى بقدر ما يتيسر له، وإنما قال: (شديدًا) لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان يسعى حتى تدور به إزاره من شدة السعي (8).
    فإن قال قائل: ما الحكمة؟
    فالجواب: أنه في هذا المكان وادٍ؛ أي: مسيل مطر، والوادي في الغالب يكون نازلًا.
    (1/3928)
    ________________________________________
    وأصل السعي أن يتذكر الإنسان حال أم إسماعيل، فإنها رضي الله عنها خلَّفها إبراهيم عليه الصلاة والسلام هي وابنها في هذا المكان، وجعل عندهما سقاءً من ماء، وجرابًا من تمر، فجعلت الأم تأكل من التمر، وتشرب من الماء، وتسقي اللبن لولدها، فنفد الماء، ونفد التمر، فجاعت وعطشت، ويبس ثديها؛ فجاع الصبي، وجعل يتلوَّى من الجوع، فأدركتها الشفقة، فرأت أقرب جبل إليها الصفا، فذهبت إلى الصفا، وجعلت تتحسس لعلها تسمع أحدًا، ولكنها لم تسمع، فنزلت إلى الاتجاه الثاني، إلى جبل المروة، ولما هبطت في بطن الوادي نزلت عن مشاهدة ابنها، فجعلت تسعى سعيًا شديدًا حتى تصعد لتتمكن من مشاهدة ابنها، وبقيت تتسمع –تتحسس- على المروة، ولم تسمع شيئًا، حتى أتمت هذا سبع مرات، ثم أحست بصوت لكن لا تدري من، فإذا هو جبريل نزل بأمر الله عز وجل، فضرب بجناحه أو برجله الأرض مكان زمزم الآن، فنبع الماء في الحال؛ ففرحت بذلك فرحًا شديدًا، وجعلت تحوش الماء -تُحجِّره- خافت أن يتسرب وينفد، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ لَكَانَ عَيْنًا مَعِينًا»، ولكن مِن رحمة الله عز وجل أنها حجرته، لو كان عينًا معينًا لصار فيه ضيق على الناس؛ لأن هذا المكان صار مسجدًا، فلو كان عينًا معينًا يجري لكان في ذلك مشقة، ولكن من رحمة الله أنها حجَّرته حتى صار كالبئر.
    المهم أنها شرِبت من هذا الماء، وصار هذا الماء شرابًا طعامًا، ودرَّت على الولد، وهيَّأ الله لها قومًا من جرهم مروا بمكة، فتعجبوا أن تكون الطيور تأوي إلى هذا المكان، وقالوا: لا يمكن أن تأوي الطيور إلى هذا المكان إلا وفيه ماء، وكانوا لا يعهدون ماءً في هذا المكان، فجاؤوا نحو هذه الجهة فوجدوا إسماعيل وأمه، فنزلوا عندهم، والقصة مطولة في صحيح البخاري (9).
    (1/3929)
    ________________________________________
    المهم أن هذا هو السبب في أن الناس يسعون سعيًا شديدًا إذا وصلوا هذا المكان، الآن ليس فيه وادٍ، لكن فيه علامة على مبتدأ الوادي، وهو هذا العلم الأخضر.
    يقول: (ثم يمشي، ويرقى المروة، ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا، يفعل ذلك سبعًا: ذهابه سعيَة، ورجوعه سعيَة)، يعني فليس السعي هنا دورةً كاملةً، بل نصف دورة، من الصفا إلى المروة سعية، ومن المروة إلى الصفا سعية أخرى.
    وقول المؤلف: (يرْقَى عليه، ويرْقَى على المروة) ليس بشرط، وإنما الشرط أن تستوعب ما بينَ الجبلين، ما بين الصفا والمروة، فما هو الذي بينهما الآن؟ هل هو مبتدأ الارتفاع أو ماذا؟
    نقول: الذي بينهما هو هذا الذي جُعِل مَمَرًّا للعربات، هذا هو المكان الذي يجب السعي فيه، وأما ما بعد مكان الممر فإنه من المستحب، وليس من الواجب، فلو أن الإنسان اقتصر في سعيه من حد -ممر العربات- لأجزأه؛ لأن الذين وضعوا هذه العربات وضعوها على أن منتهاها من الجنوب والشمال هو منتهى المسعى.
    يقول: (فإن بدأ بالمروة سقط الشوط الأول)، لماذا؟
    لأنه يشترط أن يبدأ بالصفا، فإذا بدأ بالمروة فإنه يسقط الشوط الأول ويلغيه، كما لو بدأ بالسجود في الصلاة فإنه يسقط ولا يعتبر، فلا بد أن يبدأ بالصفا.
    (فإن بدأ بالمروة سقط الشوط الأول، وتُسن فيه الطهارة) بقي أن نقول: المؤلف لم يذكر فيه اشتراط النية، فهل النية فيه شرط؟
    فالجواب أن يقال: النية في السعي كالنية في الطواف، وقد سبق أن القول الراجح أنه لا يُشترط له نية، يُشترط نية في الطواف، لكن لا يشترط أن يكون لعمرة أو لحج؛ لأن النسك الذي هو فيه يُعيِّن أنه للعمرة أو للحج، كذلك نقول في السعي.
    والمؤلف -رحمه الله- أتى بالسعي بعد الطواف، فهل يشترط أن يتقدمه طواف؟
    الجواب: نعم يُشترط، فلو بدأ بالسعي قبل الطواف وجب عليه إعادته بعد الطواف؛ لأنه وقع في غير محله.
    (1/3930)
    ________________________________________
    فإن قال قائل: ما تقولون فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل، فقال له رجلٌ: سعيت قبل أن أطوف؟ قال: «لَا حَرَجَ» (10)؟
    فالجواب: أن هذا في الحج، وليس في العمرة.
    فإن قيل: ما ثبت في الحج ثبت في العمرة؛ لأن الطواف والسعي في الحج وفي العمرة كلاهما ركنٌ، فما ثبت في الحج ثبت في العمرة؟
    فالجواب: أن يقال: إن هذا قياس مع الفارق؛ لأن الإخلال بالترتيب في العمرة يخل بها تمامًا؛ لأن العمرة ليس فيها إلا طواف وسعي وحلْق أو تقصير، لكن الإخلال بالترتيب في الحج لا يؤثر فيه شيئًا؛ لأن الحج يُفعل فيه خمسة أنساك في يوم واحد، ولهذا لا يصح قياس العمرة على الحج في هذا الباب.
    ويُذكر عن عطاء بن أبي رباح عالم مكة -رحمه الله- أنه أجاز تقديم السعي على الطواف في العمرة، وقال به بعض العلماء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز مع النسيان أو الجهل، لا مع العلم والذكر.
    ثم قال المؤلف: (وتسن فيه الطهارة)
    (تُسن فيه) أي في السعي (الطهارة) من أي شيء؟
    طالب: الحدث.
    الشيخ: من الحدث والنجس أيضًا، ولا تُشترط الطهارة، فلو سعى مُحدِثًا، أو سعى وهو جُنُب، أو سعت المرأة وهي حائض؛ فإن ذلك مجزِئ، لكن الأفضل أن يسعى على طهارة.
    (والستارة) يعني ستْر العورة، ومن المعلوم أن الإنسان لا يمكن أن يسعى عريانًا عريًا كاملًا، لكن ربما يكون إزاره أو قميصه إذا كان في سعي الحج بعد التحلل الأول خفيفًا ترى من ورائه البشرة، أو يكون فيه شق -خرق- تُرى من ورائه العورة، ففي هذه الحال نقول: إن سعيه صحيح؛ لأن السترة فيه سنة.
    (1/3931)
    ________________________________________
    (والموالاة) (الموالاة) يعني أن تكون الأشواط متواليةً، وليس ذلك بشرط، فلو سعى الشوط الأول في أول النهار، وأتم في آخر النهار فسعيه صحيحٌ، لكنه خلاف السنة، ولو سعى الشوط الأول في الساعة الواحدة، والثاني في الساعة الثانية، والثالث في الساعة الثالثة، والرابع في الساعة الرابعة، والخامس في الساعة الخامسة، والسادس في الساعة السادسة، والسابع في الساعة السابعة، أي: كل ساعة يأتي بشوط؛ لكان سعيه صحيحًا؛ لأن الموالاة سُنَّة وليست بشرط، لكن المذْهَب أن الموالاة فيه شرط كالطواف.
    ومن ثم صرف الشارح عبارة الماتِن إلى هذا المعنى، فقال: (تُسَنُّ الموالاة بينه وبين الطواف)، وهذا صرفٌ للعبارة عن ظاهرها، وإنما صَرَفها الشارح عن ظهرها من أجل أن تطابق المذهب؛ لأن الماتِن اشترط في خطبة الكتاب أنه على قوْل واحد، وهو الراجح في مذهب أحمد، والراجح في مذهب أحمد أن الموالاة في السعي شرط، كما أن الموالاة في الطواف شرط. وهذا القول أصح؛ أن الموالاة شرط في السعي، كما أنها شرط في الطواف.
    ويدل لهذا القول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سعى سعيًا متواليًا، وقال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (11)، ويدل له أيضًا أن الإنسان لو فرق السعي كما صورنا قبل قليل لم يقل أحد: إنه سعى أيش؟ سبعة أشواط؛ لتفرق السعي.
    نعم، لو فُرض أن الإنسان اشتد عليه الزحام فخرج ليتنفس، أو احتاج إلى بول أو غائط فخرج ليقضي حاجته، ثم رجع، فهنا نقول: لا حرج؛ لأن الموالاة هنا فاتت للضرورة، وهو حين ذهابه قلبه معلق بالمسعى، ففي هذه الحال لو قيل بذلك لكان له وجه.
    أما أن يقول: سأطوف شوطًا اليوم، وشوطًا غدًا، وشوطًا بعد غد، أو شوطًا اليوم، وشوطًا بعد عشرة أيام، وشوطًا بعد عشرة أيام؛ يكون السعي كم في سبعين يومًا؟ فهذا قولٌ ضعيفٌ لا شك فيه.
    يقول المؤلف رحمه الله: (ثم إن كان متمتعًا لا هدي معه قصَّر من شعره).
    (1/3932)
    ________________________________________
    (إن كان) أي الساعي (متمتعًا لا هدي معه قصر من شعره)، والتقصير هنا أفضل من الحلق؛ من أجل أن يتوفر الحلق للحج.
    وظاهر هذا التعليل أنه لو قدم مكة مبكرًا في شوال مثلًا، فالتقصير في حقه أفضل؛ لأنه سوف يتوفر الشعر للحلق في الحج.
    طلبة: الحلق ..
    الشيخ: نعم، سوف يتوفر الشعر ..
    طلبة: الحلق أفضل إذا أتى في شوال.
    الشيخ: نعم، إذا أتى متقدمًا فإن الحلق أفضل؛ لأنه سوف يتوفر الشعر للحلق في الحج.
    ولكن اشترط المؤلف: (لا هدي معه)، فإن كان معه هدي فإنه لا يحل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ مَعَكُمْ» (12).
    وظاهر كلام المؤلف أنه يمكن أن يتمتع مع سَوْق الهدي؛ لأنه قال: (متمتعًا لا هدي معه)، ولكن كيف يمكن أن يتمتع وقد ساق الهدي، ومن ساق الهدي لا يحل إلا يوم العيد: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].
    يقولون في هذه الصورة: إذا طاف وسعى أدخل الحج؛ يعني أحرم بالحج بدون تقصير، وهل يكون قارنًا في هذه الحال؟
    يقولون: إنه ليس بقارِن، ولهذا يلزمونه بطواف وسعي في الحج، كما طاف وسعى في العمرة، ولو كان قارنًا لكفاه السعي الذي كان عند قدومه، وعليه، فيُلغز بهذه المسألة، يقال: لنا مُتمتِّع حرم عليه التحلل بين العمرة والحج، فما الجواب؟
    طلبة: ساق الهدي.
    الشيخ: الجواب: أنه مُتمتِّع ساق الهدي.
    يقول: (وإلا حل إذا حج) (وإلا) كلمة (وإلا) يدخل فيها ثلاث صور:
    يدخل ما إذا كان مُفْرِدًا، أو قارنًا، أو متمتعًا ساق الهدي.
    (وإلا) أي بأن كان مُفْرِدًا، أو قارنًا، أو متمتعًا ساق الهدي، يقول: حل إذا حج؛ لتعذُّر الحل منه قبل أن يبلغ الهدي محله.
    (1/3933)
    ________________________________________
    ثم قال المؤلف: (والمتمتع إذا شرع في الطواف قطع التلبية) المتمتع إذا شرع في الطواف قطع التلبية؛ لأنه شرع في الركن المقصود، ووصل إلى مقصوده، والتلبية إنما تكون قبل الوصول إلى المقصود، فإذا وصل إلى المقصود فلا حاجة إلى التلبية، فإذا شرع في الطواف فإنه يقطع التلبية.
    وقيل: إن المتمتع يقطع التلبية إذا دخل حدود الحرم؛ لأن الحرم مقصوده وقد وصل إليه.
    وقيل: إذا رأى البيت، ولكن المذهب في هذا أصح؛ أنه إذا شرع في الطواف يقطع التلبية.
    وعُلِم من قوله: (والمتمتع) أن الْمُفْرِد والقارِن لا يقطعان التلبية، متى يقطعانها؟ عند رمي جمرة العقبة يوم العيد؛ لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يزل يُلبي حتى رمى جمرة العقبة (13)؛ لأنه برميه جمرة العقبة شرع فيما يحصل به التحلل، وهو الرمي، والله أعلم.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليك- المقدم فيما إذا قدم لو أراد ألا يطوف طواف القدوم، وأراد أن يسعى سعي الحج وحده، هل له ذلك؟
    الشيخ: ليس له ذلك.
    الطالب: كيف ذلك مع قولنا قبل قليل: بأنه في الحج يجوز له أن يقدم السعي على الطواف؟
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: والطواف هنا ليس بواجب، إنما هو سُنَّة.
    الشيخ: إي نعم، طواف الإفاضة، والسعي لا بد أن يكون بعد طواف النسك، وهنا ما قدَّم النسك.
    الطالب: شرح ( ... ).
    الشيخ: إي نعم، السعي -سعي الحج- لا بد أن يكون يعني بعد طواف الإفاضة أو معه، وهنا ما جاء وقت طواف الإفاضة، طواف الإفاضة ما يأتي إلا إذا رجع من عرفة؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].
    الطالب: لكن طواف القدوم سُنَّة يا شيخ.
    الشيخ: إي نعم، ما فيه شك أنه سُنَّة، لكن ما فعله، لو فعله لصح أن يأتي بالسعي بعده؛ لأنه طاف طواف نسك، أما الآن ما طاف طواف نُسك.
    (1/3934)
    ________________________________________
    ولهذا لم يُرخِّص الرسول عليه الصلاة والسلام لعائشة أن تسعى؛ لأنها لم تطُف، ولا يمكن أن تسعى قبل طواف النسك.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليك- في رسالة للشيخ المعلمي قدم لها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في جواز نقل المقام من مكانٍ لمكان، وأثبت أن المقام الموجود أنه في عهد الدولة السعودية نقل من مكانه؛ لأن الآن موجود ما هو مكانه حتى في عهد الدولة السعودية.
    الشيخ: لا، السعودية ما نقلته.
    الطالب: الشيخ محمد بن إبراهيم قدمه وقال ..
    الشيخ: إي، المؤرخون اختلفوا في ذلك؛ منهم من قال: إنه منقول، وإنه كان لاصقًا بالبيت في الأول، ومنهم من قال: هذا مكانه من الأصل.
    الطالب: لكن ذكر ..
    الشيخ: وذكرنا أن قوله: (ثم تقدم إلى مقام إبراهيم) ظاهره أنه في مكانه الآن، مع احتمال أن يكون معنى (تقدم) يعني لما انتهى طوافه آخر شوط تقدم إلى المقام؛ لأنه من وراء الباب.
    الطالب: ( ... ) طُلب منه أن يبحث في هذا، فلما بحث وأثبت ذلك قدم له الشيخ محمد بن إبراهيم، وأجازه ( ... ).
    الشيخ: على كل حال، ما حصل من هذا شيء.
    الطالب: ما حصل؟
    الشيخ: أبدًا، ما أفهم.
    طالب: بالنسبة لمن لم يستطع استلام الحجر بعد صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم، هل يسن له أن يرجع حتى يحاذي الخط، ثم ينطلق إلى الصفا.
    الشيخ: يعني من لم يستطع الاستلام يعني؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: استلام الحجر بعد صلاة الركعتين. لا، إذا علم أنه لن يستطيع لا حاجة أن يرجع.
    الطالب: يستلمه يا شيخ؟
    الشيخ: نعم.
    الطالب: يعني ما يرجع؟
    الشيخ: ما يرجع؛ لأنه ليس فيه إشارة حتى نقول: ارجع وأشِر، ينصرف من المكان الذي صلَّى فيه إلى المسعى.
    الطالب: وإذا استطاع الاستلام يا شيخ يطوف ويستلم أم؟
    الشيخ: لا، أبدًا، يتقدم إلى الحجر ويستلم وينصرف.
    هذا يقول: هو لو خرج الحاج بعد أداء العمرة، وهو متمتع إلى القصيم مثلًا، فهل يلزمه طواف الوداع أو طواف القدوم إن ذهب ورجع؟ أفيدونا.
    (1/3935)
    ________________________________________
    هل القصيم بلده؟ إن كانت بلده فإنه لا يخرج حتى يُودِّع، وإن لم تكن بلده فالأحوط أن يُودِّع وليس بلازم؛ لأنه لم يُنهِ سفره، وإذا رجع فإنه إن كان بلده فلا يرجع إلا مُحرِمًا من الميقات؛ إما بعمرة، وإما بحج، وإن لم تكن بلده فلا يلزمه أن يحرم؛ وذلك لأنه ما زال في سفره.
    طالب: السؤال يا شيخ.
    الشيخ: السؤال: لو خرج الحاج بعد أداء العمرة وهو متمتع إلى القصيم مثلًا، فهل يلزمه طواف الوداع أو طواف القدوم إن ذهب ورجع؟

    سؤال ثان: لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لِعَلِي: «فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ» (14) مع أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتحلل إلا من ساق الهدي، وكذلك قوله: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ» (15)؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشرك عليًّا في هديه، فإن عليًّا من آل البيت، وهو أفضل آل البيت.
    طالب: يعني نوى له أن.
    الشيخ: إي نعم، أشركه فيه.
    يقول: نقل بعض طلبة العلم عن الشيخ عبد العزيز بن باز أنه قال للجنة التي نصبت نفسها، قال لها: امضوا على ما أنتم عليه، فإنكم اجتهدتم، ونحن رددنا عليكم باجتهاد، والاجتهاد لا ينقض الاجتهاد، فما صحة هذا؟
    هذا باطل، وكذب على الشيخ، الشيخ أنكر هذا إنكارًا عظيمًا، وصياغة البيان الخارج هو الذي صاغه بالتعاون مع الهيئة.
    أبدًا، هو ينكر هذا، ولا يمكن أن يقول هذا الكلام، ثم إني أرى أنا بعد أن صدر من هيئة كبار العلماء مثل هذا ألا يتكلم أحد بما يناقضه وإن كان رأيه يخالف رأي العلماء، رأي الهيئة؛ لأن هذا يؤدي إلى عدم الثقة بالهيئة، وهذا له خطره العظيم؛ لأنها إذا نُزعت الثقة من كبار علماء البلد ومن أمراء البلد؛ صارت الفوضى، فالذي أرى أنه لا أحد يتكلم؛ يعني لا ينبغي أن يتكلم أحد، حتى وإن خالف رأيه فلا يتكلم علنًا بما يخالف هذا البيان، أما فيما بينه وبين أحد من الناس، يعني يخاطب ويبحث معه فلكلٍّ رأي.
    (1/3936)
    ________________________________________
    هذا يقول: إذا لم يستلم الحجر، ما هو الدليل على الإشارة؟
    الدليل على الإشارة: أنه ثبت في الصحيح -صحيح مسلم (16) - أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشير إليه بيده ويُكبِّر.
    وأما حديث عمر يقول: مع أن ظاهر حديث عمر أنه كان لا يشير، حيث قال: «وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ، وَهَلِّلْ، وَكَبِّرْ» (17).
    نقول: هذا الحديث أولًا: بعض العلماء ضعَّفه. وثانيًا: يُقال في الجواب عنه: أن الإشارة ليست واجبة، هذا من رحمة الله.
    يقول: هل بين الطواف والسعي وجوب ترتيب، أم لا؟ فإن لم يكن فكيف نقول: إن فساد الطواف إن طاف أولًا مستلزمٌ لئلا يصح السعي، مع أن هذا لا يوجد إلا في المرتبين؟
    السؤال مفهوم؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: يعني هل يُشترط أن يكون السعي بعد الطواف -هذا معنى الترتيب- أو لا يشترط؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: إي نعم، بس السؤال جاء قبل أن نتكلم عليه.
    نقول: العمرة لا بد مع الترتيب، أما الحج فالصحيح أنه لا يشترط.
    طالب: النبي صلى الله عليه وسلم ما أذن لعائشة بالسعي قبل الطواف.
    الشيخ: نعم.
    طالب: ما فهمنا هذا.
    الشيخ: ما فهمتموها. عائشة -رضي الله عنها- حاضت -هي أحرمت بعمرة- وحاضت قبل أن تصل مكة بسرف، فأمرها النبي عليه الصلاة والسلام أن تفعل ما يفعله الحاج غير ألا تطوف بالبيت، ولم يأذن لها بالسعي، فلما طهرت طافت وسعت، وقال لها: «طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَسَعُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» (18).
    على أنه في الموطأ (19) لمالك قال لها: «عَلَى أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ»، واضح؟
    يقول: قلنا إن زيادة: «وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ» في السعي بين العلمين ليس لها أصل، ويقول صاحب الروض: قال أبو عبد الله -يعني الإمام أحمد-: كان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال: رب اغفر وارحم، واعفُ عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم (20).
    أقول: هذه يحتاج إلى إثباتها.
    طالب: ( ... ).
    (1/3937)
    ________________________________________
    الشيخ: بالسند.
    طالب: لا.
    الشيخ: وعلى كل حال، إذا ثبت عن ابن مسعود فيكون الاقتداء به سائغًا.
    يقول: إنه يحدث في زحام الحاج مرور النساء أمام المصلي، فما حكم ذلك في الحرم المكي، وفي الحرم المدني؟
    هذا لا شك أنه من الأمور المشكلة، مشكل، لكن إذا كان منع المار يؤدي إلى فساد الصلاة لكثرة الحركة فإنه لا يمنعه، وإن كان لا يؤدي إلى ذلك فليمنع.
    طالب: مسألة المرأة يا شيخ، المرأة.
    الشيخ: إي نعم.
    طالب: ما يقدر يمنعها.
    الشيخ: كيف؟
    طالب: يتعذر ( ... )، يتعذر المنع عليه.
    الشيخ: يتعذر.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: يمكن يتعذر إن صلى في هذا المكان، لكن ألا يمكن أن يصلي في مكان آخر؟
    طالب: سجد مثلًا.
    طالب آخر: الناس أكثر من المكان يا شيخ ( ... ).
    الشيخ: العلماء يقولون: إذا خاف بمدافعته بطلان صلاته بكثرة العمل فإنه لا يدافع.
    طلبة: المرأة يا شيخ، مُر النساء يا شيخ.
    طالب: النساء مرت.
    الشيخ: حتى النساء، إي نعم، الرجل ما فيه إشكال كثير.
    طالب: قد يخرجن مباشرةً فجأة عند إقامة الصلاة وفي أثناء الزحام تجد مجموعة من النساء ..
    الشيخ: هو -بارك الله فيك- إذا كان خلف الإمام فإن المرأة لا تضر ولو مرت.
    طالب: ما تقطع الصلاة.
    الشيخ: ما تقطع الصلاة، لو مرت بين الصفوف.
    يقول: ذكرنا أن استلام الحجر بعد ركعتي الطواف للوداع، فما الفرق بين الطواف الذي بعده سعي أو لا وقد قلنا: إن الاستلام المذكور يكون إذا كان بعد الطواف سعي؟
    نحن ما جزمنا بهذا، قلنا: لعل هذا هو السبب، ليس بجزم، والله أعلم.
    وعلى كل حال، لاحظوا: أننا إذا ذكرنا حكمة أو عِلَّة في فعل، فهذا بالنسبة لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام، أما بالنسبة لفعلنا نحن فالعلة الاتباع.
    طالب: فالآن الاستلام مسنون بعد ( ... ).
    الشيخ: لا، إذا كان بعده سعي فقط، لأنه ما ورد إلا بهذا.
    (1/3938)
    ________________________________________
    يقول: هذا رجل من أهل مكة وهو خارج مكة يقول: إن 75 % يريد الحج، هل يدخل محرمًا أم يدخل حلالًا، ثم إذا أراد الحج أحرم من مكانه في مكة؟
    الجواب: ما دام عنده ولو 1% إرادة الحج فإنه لا يتجاوز الميقات إلا محرمًا، بخلاف من يقول: لا أدري هل يمكنني بعد فراغ العمل أن آتي بالحج أو لا؟
    يقول: لو قطع الساعي سعيه في منتصف السعية الرابعة للحاجة -كالصلاة- فهل يعيد السعية الرابعة من أولها أم من نصفها؟
    إذا قطع الشوط سواء في الطواف أو في السعي قطعًا يبيح له المواصلة فيما بعد فإنه يبدأ من المكان الذي قطعه منه، ولا يلزمه إعادة الشوط.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لو النصف أو الربع أو أي شيء، حتى في الطواف مثلًا لو أُقيمت الصلاة وهو عند باب الكعبة؛ فإنه إذا فرغ من الصلاة يبتدئ من باب الكعبة، لا يلزمه أن يبتدئ من الحجر؛ لأنه لا دليل على بطلان ما سبق.
    يقول: إذا سعى الحاج وصعد إلى الصفا والمروة، هل يشترط رؤية البيت؟
    الجواب: لا، ليس بشرط، لكن جابر يقول: حَتَّى رَأَى البَيْت (6) يُبيِّن مقدار ارتفاعه فقط.
    وإذا وصل هو وزوجته إلى العلم الأخضر، فهل يسعى شديدًا وزوجته معه؟
    ماذا تقولون؟
    طلبة: لا يسعى.
    الشيخ: لا يسعى، لا سيما في أيام المواسم والزحام؛ لأنه لو سعى ضيعها.
    ونقول في وقت المواسم والزحام: هذا إذا أمكن أن يسعى، أما مع عدم الإمكان فلا يسعى مطلقًا.
    لكن هنا إشكال: إذا كان أصل سعينا بين العلمين من أجل سعي أم إسماعيل -وهي امرأة- فلماذا لا نقول: إن النساء أيضًا يسعين؟
    واضح ولا ما هو بواضح؟ الإشكال؟
    طالب: ليس بإشكال.
    الشيخ: لا، هو فيه إشكال، لأن إذا كان أصل سعينا نحن تذكر حال امرأة سعت، فلماذا لا نقول: النساء من باب أولى أن يقتدين بها؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: إي نعم، الجواب من وجهين:
    الأول: أن أم إسماعيل سعت وحدها، ليس معها رجال.
    (1/3939)
    ________________________________________
    وثانيًا: أن بعض العلماء كابن المنذر حكى الإجماع على أن المرأة لا ترمل في الطواف، ولا تسعى بين العلمين.
    وحينئذٍ لا يصح القياس؛ أولًا: لأنه قياس مع الفارق، والثاني؟
    طالب: مخالفة ..
    الشيخ: مخالفة الإجماع، إن صح.
    هذا يقول: ذكرنا أن أصل مشروعية السعي هو ما فعلته أم إسماعيل عليها السلام، فهل نقول: إن ما كان أصل مشروعيته المرأة فإنه يشرع للمرأة أن تسعى سعيًا شديدًا بين العلمين الأخضرين؟
    أجبنا على ذا.
    وهذه ورقة صغيرة جدًّا: لماذا قلنا: لا يدعو بعد التكبيرة الثالثة عندما يصعد الصفا؟
    لأن حديث جابر قال: ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ (6)، ولم يقل: ثم دعا بعد ذلك.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: كيف؟ مثل الصفا.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: إي نعم.
    يقول: رجل أحرم مفردًا بحج، ثم طاف طواف القدوم، ثم أراد أن يسعى سعي الحج، وأخبروه بأن التمتع أفضل؛ فسعى بنية العمرة وقصَّر وتحلَّل، علمًا بأنه في الطواف نوى طواف القدوم، فهل عمرته صحيحة؟
    الجواب: نعم، حتى لو طاف وسعى وبعد السعي قيل له: الأفضل التمتع؛ فقصَّر وحلَّ، فهذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلا من ساق الهدي (21).
    طالب: هو نوى بعد الطواف.
    الشيخ: إي، ما يضر.
    من كان عنده وصايا ضحايا والمال كثير، فهل يشتري بعيرًا أو ضأنًا، علمًا أن الموصي لم يُحدد عددًا؟ وما الجواب لو حدد فما يُصنع بالمال المتبقي؟
    يشتري أضحية واحدة من الضأن، والباقي يجعله في أعمال الخير إذا كانت الزيادة مستمرة كل عام، أما إذا كانت توجد عامًا وتتخلف عامًا آخر فيرصد الباقي.
    طالب: فيه إشكال.
    الشيخ: وهو؟
    طالب: إحنا ذكرنا في الموالاة بين السعي.
    الشيخ: اصبروا يا جماعة، ( ... ) على هذا السؤال.
    طالب: باقٍ الزكاة يا شيخ، المال الباقي عنده.
    الشيخ: لا، ما عليه زكاة؛ لأنه ليس له مالك.
    رجل سعى، مثل أنه بدأ بالصفا ويرجع من المروة يعتبره شوطًا واحدًا وهو جاهل، هل يجوز سعيه؟
    (1/3940)
    ________________________________________
    إي نعم، يجوز، نأخذ منه السبعة والباقي له، يأجره الله على التعب.
    مع أن ابن القيم -رحمه الله- ذكر أن بعض العلماء توهَّم في هذا، وظن أن السعي دورة كاملة، فعلى هذا يسعى؟
    طلبة: أربعة عشر.
    الشيخ: أربعة عشر شوطًا.
    وقد اشتهر بين الطلبة أن هذا عن ابن حزم، وليس كذلك، والذي عن ابن حزم أن الرَّمَل في الأشواط الثلاثة فقط في السعي كالطواف.
    وسبب وهمه -رحمه الله- أنه لم يحج، ابن حزم، والإنسان اللي ما يحج ما يتصور الحج كما يمكن.
    والعجب أنه لم يحج، ويتكلم عن أحكام الحج بأحسن ما يكون من الكلام، ( ... ).
    وليس بغريب على فطاحلة العلماء، فها هو شيخ الإسلام -رحمه الله- لم يتزوج، وإذا تكلم فيما يتعلق بالنساء وعِشرتهن وغير ذلك، قلت: هذا من المتزوجين.
    طالب: المتمتع الذي ساق الهدي، ما الفرق بينه وبين القارِن؟
    الشيخ: الفرق بينه وبين القارن؛ أن القارِن يكفيه طواف واحد وسعي واحد، والمتمتع يجب عليه طوافان وسعيان.
    طالب: قلنا: إن الذي يأخذ .. المريض الذي لا يرجى برؤه، مالًا ويحج به فالزيادة له -للوكيل- وإذا كانت الزيادة هذه مطردة كل سنة؟
    الشيخ: لا بأس، بيعطيها الولي.
    طالب: أو يأخذها له؟
    الشيخ: من؟
    طالب: الوكيل.
    الشيخ: له، انتبهوا إلى هذه المسألة .. قلت لرجل: حُجَّ بهذا الألف، وقلت لآخر: حج من هذا الألف، فالأول له الألف كله، ولو حج بنصفه، والثاني لا يزيد على ما أنفق؛ لأني قلت له: حج من هذا الألف.
    طالب: شيخ، السؤال اللي قرأته يقول: إذا اطردت الزيادة.
    الشيخ: هذا في مغل الوقف.
    طالب: في الوقف.
    الشيخ: الوقف، إنسان أوقف وقال: يخرج من مَغَلِّه أضحية، والزيادة مطردة كل سنة، فالزيادة هذه نصرفها في وجوه الخير، ما نعطلها.
    أما إذا كانت تأتي سنة وسنة ما تأتي فإننا نرصدها خوفًا من القصور في السنوات المقبلة.
    طالب: الزكاة فيها يا شيخ؟
    الشيخ: ما فيها زكاة.
    طالب: ( ... ).
    طالب آخر: ( ... ).
    الشيخ: سمعتم سؤاله؟
    (1/3941)
    ________________________________________
    يقول: قلنا: إن السترة في الطواف واجبة وفي السعي غير واجبة؛ لأنهم يقولون: الطواف صلاة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: «لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ»، ولا قال: ولا بين الصفا والمروة، «لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» (22).
    طالب: يرى الشيخ ابن تيمية أن هذا الحديث ضعيف.
    الشيخ: لا، «لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» صحيح.
    طالب: لا يصح مرفوعًا.
    الشيخ: هذا إنما «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» (23)، هذا اللي يضعفه مرفوعًا. عرفت؟
    وأنا قلت لكم: لا يمكن الإنسان يخلع ثيابه ويسعى بين الصفا والمروة، لكن قد يكون فيه خرق على العورة ما أحس به، أو يكون عليه إزار خفيف.
    طالب: شيخ، ذكرت -حفظك الله- في الموالاة قلت: برأي المذهب أن الصحيح في اشتراط الموالاة في السعي، استدلالًا بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (11)، يا شيخ، ألا يمكن أن نفعل مثلما فعلنا أيضًا في الطواف؟ وأن ظاهر فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سعى طاهرًا.
    الشيخ: نعم، إحنا نقول: أفضل.
    الطالب: نشترط يا شيخ؟
    الشيخ: لا؛ لأننا لم نشترط الطهارة في الطواف فضلًا عن السعي، على القول الراجح.
    أما الفرق بينهما على الذين يقولون: إن الطهارة شرط في الطواف دون السعي، فالفرق هو أنهم استدلوا بالنسبة للطواف بقوله: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ».
    طالب: شيخ، ( ... ) إذا انتهى من الطواف فأُقيمت الصلاة، وصلَّى الفريضة، ما تُجزئ عن الركعتين ركعتي الطواف؟
    الشيخ: ما تقولون؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: هل تجزئ الفريضة عن ركعتي الطواف أو لا؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: اختلف فيها العلماء، فإن قيل: المراد إيجاد صلاة بعد الطواف كتحية المسجد؛ فإنها تجزئ، وإذا قيل: إنها صلاة مستقلة مطلوبة فإنها لا تجزئ، والاحتياط أن يصلي الركعتين.
    طالب: شيخ، إذا لم يصح الاستدلال بقول ابن عباس على وجوب الطهارة في الطواف، فما فائدة كلامه؟
    الشيخ: كلام مَنْ؟
    (1/3942)
    ________________________________________
    الطالب: ابن عباس.
    الشيخ: هو يرى هذا الرأي، أنه يرى هذا الرأي كما يراه غيره من العلماء.
    طالب: هل جهل ابن عباس ( ... ) يعني في كلامه؟
    الشيخ: هذا إذن معناه على هذا التقدير يكون حتى لا يصح ولا عن ابن عباس، لكن كوننا مثلًا نقول: إن ابن عباس يخطئ، هذا وارد، أما النبي عليه الصلاة والسلام لا يخطئ بالتشريع.
    طالب: الدعاء بعد الركعتين.
    الشيخ: منين؟
    الطالب: ركعتي الطواف.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: هل بعدهما دعاء؟
    الشيخ: لا.
    الطالب: أو في التشهد فقط.
    الشيخ: أبدًا، حتى يسن تخفيفهما؛ تخفيف الركعتين خلف المقام أفضل، والحكمة من ذلك ظاهرة، لأجل أن يُخلي المكان لمن هو أحق به منه.
    الطالب: لأننا نلاحظ الناس -يا شيخ- يقفون ويدعون طويلًا، بعضهم وهو جالس، أغلب الناس.
    الشيخ: هذا كله من الجهل. الآن نجد ناسًا يقفون على ما يُقال: إن هذا بئر زمزم، ويدعون دعاءً طويلًا.
    وبالمناسبة قال لي بعض الناس -اليوم نحن في كلية الزراعة- قال: بعض الناس إذا فرغ من الصلاة قال لصاحبه: تقبَّل الله، حَرَمًا، فقال الثاني: تقبَّل الله، جمعًا.
    طالب: ما في الكلمة الأولى: تقبَّل الله.
    الشيخ: ما فيها تقبل الله؟
    الطالب: حرمًا، جمعًا.
    الشيخ: فسألته: ما معنى حرم وجمع؟ هل جمع يعني مزدلفة؛ لأنها تسمى جمعًا؟
    قال: لا، جمعًا يعني نحن وإياك نصلي في الحرم.
    إذن الصواب أن تقول: جميعًا.
    طالب: على حسب الوزن يا شيخ.
    الشيخ: وقال أيضًا إنه: سألونا إذا توضأ يقول: زمزمًا.
    ويش معنى (زمزمًا)؟
    طلبة: شربت من زمزم.
    الشيخ: يعني نتوضأ من زمزم؟
    طالب: شربت يعني.
    الشيخ: أو نشرب.
    طالب: يكون صحبة إن شاء الله.
    الشيخ: صحبةً.
    طالب: غالبًا تأتي من المصريين عفا الله عنهم!
    طالب آخر: هذه بدعة يا شيخ؟
    الشيخ: ما وردت هذه؛ لأنهم يتخذونها دائمًا، كلما شربوا، أو كلما صلوا.
    طالب: دعاء يا شيخ هذا، يعني يدعو له أن يتوضأ أو يشرب من زمزم، وأن يصلي في الحرم.
    (1/3943)
    ________________________________________
    الشيخ: بس كونها تتخذ راتبة خلف الصلاة بدون دليل ما هو صحيح.
    طالب: أحسن الله إليك، عند استلام الحجر يا شيخ بعض العلماء ذكر استلام الحجر بعد الركعتين تحية للمسعى، ما توجيه هذا القول؟
    الشيخ: هذا غير صحيح، كيف يحيا السعي في مكان ليس هو السعي؟ نعم، لو فُرض أنه يستلم الصفا قلنا: تحية للسعي ( ... ).
    ***
    [باب صفة الحج والعمرة]
    طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى:
    باب صفة الحج والعمرة

    يُسن للمُحِلِّين بمكة الإحرام بالحج يوم التروية قبل الزوال منها، ويُجزئ من بقية الحرم، ويبيت بمنى، فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة، وكلها موقف إلا بطن عرنة.
    ويُسن أن يجمع بين الظهر والعصر، ويقف راكبًا عند الصخرات وجبل الرحمة، ويكثر من الدعاء بما ورد، ومن وَقَف ولو لحظةً من فجر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر وهو أهلٌ له صح حجه، وإلا فلا.
    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    متى يقطع المتمتع التلبية؟
    سبق لنا أنه يقطعها إذا شرع في الطواف، وأن المسألة ذات خلاف بين العلماء، ولكن الراجح هو هذا؛ أنه يقطعها إذا شرع في الطواف؛ لأنه وصل إلى الغاية، وهو البيت، فقطع التلبية.
    وسبق لنا أيضًا أنه يُسنُّ في السعي: الموالاة، على ما ذهب إليه الماتِن، والصحيح أن الموالاة شرْط؛ لأن السعي عبادة واحدة، لا يُمكن أن تتفرق أجزاؤه إلا لعذر.
    وسبق لنا أن الموالاة بين الطواف والسعي سُنَّة وليست بواجبة، وأنه لو طاف في أول النهار وسعى في آخره، أو طاف في يوم وسعى في يوم فلا بأس.
    وسبق لنا أن الأشواط السبعة لا يُشترط فيها إكمال ما بين الصفا إلى الصفا، وإنما هي من الصفا إلى المروة شوْط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر.
    (1/3944)
    ________________________________________
    وسبق لنا بيان أصل مشروعية السعي، وأنه تذكر حال أم إسماعيل، وليس المراد مجرد التذكر كما سلف، إنما المراد أن يشعر الإنسان بأنه في حالة إلى التخلص من الذنوب وإلى الفرج الذي جعله الله عز وجل لتلك المرأة.
    وسبق لنا أنه إذا بدأ بالصفا سقط الشوط الأول.
    طلبة: لا، بالمروة.
    الشيخ: إذا بدأ بالمروة سقط الشوط الأول.
    وسألنا سائل، يقول: إذا طاف وجعل من الصفا إلى الصفا شوطًا، فما الحكم؟
    طلبة: صح.
    الشيخ: نقول: السعي صحيح، سبعة هي المشروعة، والباقي يؤجر عليها إذا كان مجتهدًا؛ لأنه تعب فيها.
    ثم قال المؤلف: (باب صفة الحج والعمرة)، وهذا الحقيقة هو المقصود بالمناسك (صفة الحج والعمرة)، يعني الكيفية التي ينبغي أن يُؤدَّى عليها الحج، وكذلك العمرة.
    قال المؤلف: (يُسنُّ للمُحلِّين بمكة الإحرام بالحج يوم التروية) (يُسن للمُحلِّين) فمن المحل؟
    المحل هو المتمتع؛ لأنه حل من إحرامه، أو من كان من أهل مكة فإنه مُحِل؛ لأنه باقٍ في مكة حلالًا، فيسن لهم الإحرام بالحج يوم التروية، لا قبله ولا بعده.
    واستثنى بعض العلماء المتمتع إذا لم يجد الهدي، فإنه يصوم السابع والثامن والتاسع، قالوا: وينبغي أن يُحرم في اليوم السابع ليكون صوم الثلاثة كلها في الحج.
    ولكن هذا القول ضعيف، والصحيح أنه لا يتقدم بالإحرام عن اليوم الثامن، وما ذكروه من التعليل فإنه مقابلٌ بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (24)، ولهذا هم يُجوِّزون أن يصوم من حين أن يُحرم بأيش؟
    طلبة: بالعمرة.
    الشيخ: بالعمرة.
    وعلى هذا، فلا وجهَ لتقديم الإحرام بالحج على اليوم الثامن، مع أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن أصحابه.
    وعليه، فهل يُستثنى شيءٌ على هذا القول الراجح؟ هل يُستثنى أحدٌ يُحرم قبل اليوم الثامن؟ لا، لا يُستثنى أحدٌ.
    (1/3945)
    ________________________________________
    قال: (يوم التروية) وهو اليوم الثامن، وسُمِّي بذلك؛ لأن الناس كانوا -فيما سبق- يتروون الماء فيه؛ لأن منى في ذلك الوقت ليس فيها ماء، وكذلك مزدلفة وعرفة، فهم يتأهبون بسقي الماء للحج في المشاعِر من هذا اليوم، من اليوم الثامن.
    ومن اليوم الثامن إلى الثالث عشر كلها لها أسماء، فالثامن يوم التروية، والتاسع يوم عرفة، والعاشر يوم النحر، والحادي عشر يوم القر، والثاني عشر يوم النفر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني.
    يقول: (قبل الزوال)، يعني يُسنُّ أن يُحرِم قبل الزوال.
    (منها) أي من مكة.
    والصواب أنه لا يُحرم من مكة، يُحرم من مكانه الذي هو نازلٌ فيه، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من الطواف والسعي خرج بظاهر مكة في الأبطح، ونزل هناك، وأحرم الناس من هذا المكان.
    وعلى هذا فنقول: يسن أن يحرم من المكان الذي هو فيه، سواء في مكة أو في غيرها.
    والعجب أن بعض العلماء قال: يُسنُّ أن يحرم من تحت ميزاب الكعبة.
    أين ميزاب الكعبة؟ يُصب في.
    طالب: الحجر.
    الشيخ: في الحجر.
    وعلى هذا فنقول لمليون وخمس مئة نفر: يُسن لكم إذا كنتم مُحلِّين أن تحرموا من الحجر، تحت الميزاب.
    وعلى كل حال، القائل بهذا القول مجتهد، ولم يخطر بباله أن الحجيج يبلغ هذا المبلغ، ثم إنه مخالفٌ لظاهر السنة؛ لأن الصحابة أحرموا منين؟ من الأبطح، من مكانهم.
    قال: (ويُجزئ من بقية الحرم) (يجزئ) يعني الإحرام بالحج.
    (من بقية الحرم)، وهل هنا مكة وحرم؟
    نعم، هنا مكة، وحرم مكة القرية؛ البيوت، والحرم كل ما أدخلته حدود الحرم فهو حرم، لكن في وقتنا الآن صارت مكة خارج الحرم من جهة التنعيم؛ فإنها من جهة التنعيم خرجتْ عن الحرَم؛ لأن البيوت صارت في الحِلّ.
    وعلى هذا، فهنا جاران في هذا المكان: أحدهما: يحل له أن يقطع الشجر اللي في بيته، والثاني؟
    الطلبة: لا يحل.
    الشيخ: لا يحل، لماذا؟ لأن الثاني داخل حدود الحرم، والأول خارج حدود الحرم.
    (1/3946)
    ________________________________________
    يقول المؤلف: (ويُجزئ من بقية الحرم)، وفُهِم من كلامه أنه لا يجزئ الإحرام بالحج من الحِلِّ، فالحرم ميقات من في مكة في الحج، والحِلُّ ميقات من في مكة في العمرة، فكما أنه لا يجوز أن يُحرم بالعمرة من الحرَم، فكذلك لا يجوز أن يُحرِم بالحج من الحِلِّ.
    هذا مفهوم كلام المؤلف، وهو أحد القولين في المسألة. وقيل: يُجزئ أن يُحرِم مَنْ في مكة بالحج من الحِلِّ، وعلى هذا، فإذا كان نازلًا في مكة، وأحرم من عرفة فإنه يُجزئ، وهذا هو المشهور من المذهب، والماتِن مشى في هذا على خلاف المذهب.
    طالب: الراجح؟
    الشيخ: الراجح: أنه لا ينبغي أن يخرج من الحرم، وأن يحرم من الحرم، ولكن لو أحرم من الحِلِّ فلا بأس؛ لأنه سوف يدخل إلى الحرم.
    قال: (ويَبيت بمنى): يبيت بمنى ليلة التاسع.
    وعلى هذا فيصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، كلها في منى، جمعًا بلا قَصْر.
    طلبة: لا، قصرًا.
    الشيخ: قصرًا بلا جمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يجمع في منى، وإنما جمع في عرفة، وفي مزدلفة.
    قال: (ويبيت بمنى فإذا طلعت الشمس) يعني من اليوم التاسع، (سار إلى عرفة، وكلها موقف إلا بطن عرنة) (سار إلى عرفة) رأسًا؟
    لا، ينزل أولًا بنمرة، ونمرة قرية قرب عرفة، وليست من عرفة، هذا النزول هل هو نزول نسك أو نزول راحة؟
    المعروف عند العلماء أنه نزول نسك، ويحتمل أنه نزول راحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضُربت له القبة في نمرة (5)، ولما طُلب منه أن تُضرب له قبة في مِنى قال: «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» (25)؛ لأن منى مشعر، ونمرة ليست بمشعر على هذا القول.
    لكن المعروف أن النزول بها سنة، وليس من أجل الراحة، لكن ينزل بها إن تيسر.
    وهي معروفة الآن، بعض الحجاج ينزلون فيها، ويحدثوننا أنهم يجدون راحةً بالغة، ولا سيما فيما سبق، لما كان الناس يحجون على الإبل، فإنهم يحتاجون إلى الراحة.
    ينزل بها، إلى متى ينزل؟
    (1/3947)
    ________________________________________
    إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس ركب من نمرة إلى عرفة، ورسول الله عليه الصلاة والسلام ركب من نمرة حتى أتى بطن الوادي -بطن عرنة- فنزل في بطن الوادي.
    والظاهر منه -والله أعلم- أن نزوله في بطن الوادي؛ لأن بطن الوادي في الغالب يكون رمليًّا، فيكون فيه لين وسهولة على الناس للجلوس وللصلاة.
    نزل -عليه الصلاة والسلام- في بطن الوادي، ثم خطب الناس خُطبةً بليغةً قرر فيها قواعد الإسلام وشيئًا كثيرًا من أحكامه (5).
    وأعلن في تلك الخطبة أن ربا الجاهلية موضوع، وأن أول ربا يضعه ربا العباس بن عبد المطلب؛ لأنه عمه.
    وفي هذا دليل على أن الربا الثابت في ذِمم الناس يجب وضعه، ولا يجوز أخذه، حتى وإن عُقد قبل الإسلام فإنه يجب وضعه، ولا يجوز أخذُه، أما ما قُبض من قبل من الرِّبا، وأتى الإنسان موعظةٌ من الله فإنه له، لكن ما بقي في ذمم الناس فإنه لا تتم التوبة منه إلا إذا تركه ولم يقبضه.
    وتأمل قول الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الموقف العظيم، قال: «أَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ» (5)؛ لأنه قريبه، والحاكم لا يُحابي أقاربه في حُكم الله، بل يبدأ بهم قبل الناس، حتى يُعلم أنه ليس عنده محاباة في دِين الله.
    كان عمر رضي الله عنه إذا منع الناس من شيء جمع أهله وأقاربه، وقال لهم: إن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وإني أمرت بكذا أو نهيت عن كذا، فلا أجد أحدًا منكم خالف إلا ضاعفت عليه العقوبة (26) رضي الله عنه.
    (1/3948)
    ________________________________________
    والنبي عليه الصلاة والسلام قال في هذا الموقف العظيم والمجمع الكبير: «أَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ مِنْ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، وقال في موضع آخر: «وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (27)، أقسم -وهو الصادق البار بلا قسم- أنه لو سرقت فاطمة بنت محمد -سيدة نساء أهل الجنة، وأشرف النساء نسبًا ما هي المخزومية فقط- لو أنها سرقت: «لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
    وهنا قال: «لَقَطَعْتُ» يحتمل: لقطعت يدها مباشرةً، أو أمرت بقطع يدها.
    وأيهما أبلغ؟
    طلبة: الأول.
    الشيخ: الأول: يقطع يد ابنته إذا سرقت.
    فالحاصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم يضع للحكام منهجًا لو ساروا عليه لأفلحوا؛ أن يكون أقاربهم وحاشيتهم عندهم كسائر الناس.
    خطب الناس هذه الخطبة، ثم أمر بلالًا فأذَّن، وأقام وصلى الظهر، ثم أقام وصلى العصر، ولم يُسبِّح بينهما شيئًا (5).
    وفي تقديمه الخطبة على الأذان، والجمع بين الظهر والعصر دليل على أنه لم يقصد بذلك صلاة الجمعة، صح؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: لأن صلاة الجمعة تكون الخطبة فيها بعد الأذان، وهنا الخطبة قبل الأذان، وإلا فإن اليوم كان هو يوم الجمعة في حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    ثم خطب الناس، وصلى الظهر والعصر، وركب حتى أتى آخِر عرفة من الناحية الشرقية، فوقف هناك.
    وكان من عادته أنه يكون في أُخريات قومه، لا يكون في المتقدمين؛ لأجل يتفقد من كان محتاجًا، لو كان موقفه في أدنى عرفة مما يلي مكة لكان يدْفع قبل الناس، لكن تأخَّر في آخر عرفة من الناحية الشرقية لهذا الغرض، والله أعلم.
    وقف هناك وقال: «وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» (28)، فكأنه عليه الصلاة والسلام يشير إلى الأمة: ألا تكلف نفسها هذا الموقف الذي وقفه الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كل إنسان يكون في مكانه؛ لئلا يحصل الزحام والأذى، يؤذي الناس بعضهم بعضًا.
    (1/3949)
    ________________________________________
    يقول المؤلف هنا: (فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة، وكلها موقف إلا بطن عرنة).
    (كلها موقف)، وهل عرفة معلومة بالحد؟
    نعم، معروفة، لها حدود معروفة تكلم عليها الأولون، والحكومة السعودية وفقها الله جعلت أعلامًا.
    وكُلُّها مَوْقِفٌ إلا بَطْنَ عُرَنَةَ، وسُنَّ أن يَجْمَعَ بينَ الظُّهْرِ والعصرِ، ويَقِفَ راكبًا عندَ الصَّخَراتِ وجَبَلِ الرحمةِ ويُكْثِرُ من الدعاءِ بما وَرَدَ، ومَن وَقَفَ ولو لَحْظَةً من فَجْرِ يومِ عَرفةَ إلى فَجْرِ يومِ النحْرِ وهو أَهْلٌ له صَحَّ حَجُّه وإِلَّا فَلا ومَن وَقَف نهارًا ودَفَع قبلَ الغُروبِ ولم يَعُدْ قَبلَه فعَلَيْه دَمٌ وَمَن وَقَفَ لَيْلًا فقط فَلَا، ثم يَدفعُ بعدَ الغُروبِ إلى مُزدَلِفَةَ بسَكِينَةٍ ويُسْرِعُ في الفَجوةِ ويَجمَعُ بها بينَ العِشاءَيْنِ ويَبيتُ بها، وله الدَّفْعُ بعدَ نِصْفِ الليلِ، وقَبْلَه فيه دَمٌ، كوُصولِه إليها بعدَ الفَجْرِ لا قَبْلَه، فإذا صَلَّى الصبْحَ أتى الْمَشْعَرَ الحرامَ فَرَقَاهُ، أو يَقِفُ عندَه ويَحْمَدُ اللهَ ويُكَبِّرُه ويَقْرَأُ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} الآيتين، ويَدْعو حتى يُسْفِرَ، فإذا بَلَغَ مُحَسِّرًا أَسرعَ رَمْيَةَ حجَرٍ
    «وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» (1)، فكأنه عليه الصلاة والسلام يُشير إلى الأُمَّة ألَّا تُكلِّف نفْسها هذا الموقِف الذي وَقَفَهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم، بلْ كلُّ إنسانٍ يكون في مكانه؛ لئلَّا يَحصُل الزحامُ والأذى، يؤذي الناسُ بعضهم بعضًا.
    يقول المؤلف هنا: (فإذا طَلَعَتِ الشمسُ سار إلى عَرَفَةَ، وكلُّها موقفٌ إلا بطْنَ عُرَنَةَ).
    (1/3950)
    ________________________________________
    (كلُّها موقف) وهلْ عرفة معلومةٌ بالحدِّ؟ نعم، معروفة، لها حدودٌ معروفةٌ تكلَّم عليها الأوَّلون، والحكومة السعودية -وفقها الله- جعلتْ علامةً بعد التحرِّي والضبط، جعلتْ أعلامًا عليها، وفي السنوات الأخيرة لَمَّا كَثُرَ مخالفةُ الناسِ في الموقف ووقوفُهم خارجَ حدودِ عَرَفَةَ جعلت العلامات واضحةً بيِّنةً كبيرةً.
    يقول: (كلُّها موقِفٌ إلا بطْنَ عُرَنَةَ)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» (2). وظاهر كلام المؤلف أنَّ بطْن عُرَنة -وهو بطْن الوادي- أنه من عرفة، وجْهُ ذلك استثناؤه منها؛ لأنه لو لم يكن من عرفة ما احتيجَ إلى استثنائه، وعليه فنقول: بطْنُ عُرَنة من عرفة، ولكنْ مع ذلك لا يجوز الوقوفُ به، ولهذا قال: (كلُّها موقِفٌ إلا بطْنَ عُرَنة)، لو وَقَفَ في الوادي ودَفَعَ منه فحجُّه غير صحيح؛ لأن هذا ليس مِن عرفة شرعًا وإنْ كان منها تاريخيًّا.

    ***
    قال: (ويُسَنُّ أنْ يجمعَ بين الظُّهرِ والعصرِ).
    يُسَنُّ أن يجمع بين الظهر والعصر تقديمًا أو تأخيرًا؟
    طلبة: تقديمًا.
    الشيخ: تقديمًا، وعُلِم من قوله: (يُسَنُّ) أنه لو لم يجمع بينهما فلا حرج، فهُما صحيحتانِ، ولكن السُّنة الجمعُ.
    لماذا كانت السُّنة الجمع مع أن الناس نازلون، والمسافر النازل لا يُسَنُّ له أن يجمع؟
    (1/3951)
    ________________________________________
    الجواب على هذا أن يقال: إنما جَمَعَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم في عرفة بين الظهر والعصر (3) لاجتماع الناس؛ لأنهم لو تفرَّقوا بعد صلاة الظهر ما اجتمعوا هذا الجمع الكبير، والجمعُ لأجْل تحصيلِ الجماعةِ مشروعٌ كما يُشرع في أيام المطر؛ يُشرع في أيام المطر المؤذي الجمعُ بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من أجْل تحصيل الجماعة، وإلَّا فبالإمكان أنْ يُصَلِّي الظهر ويُقال للناس صلُّوا العصر في رِحالكم، أو يصلِّي المغرب ويُقال للناس صلُّوا العِشاء في رِحالكم، لكن اجتماع الناس على العبادة له شأنٌ كبيرٌ ومراعاةٌ في الشريعة الإسلامية.
    هنا يقول: (يُسَنُّ أنْ يجمعَ بين الظهر والعصر، وأنْ يقِفَ راكبًا مستقبِلَ القِبْلةِ عند الصخراتِ وجبلِ الرحمة).
    (أنْ يقِفَ راكبًا)؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وَقَفَ على بعيرِهِ راكبًا رافعًا يديه يدعو اللهَ عز وجل، ولَمَّا انفلتَ الزِّمام أخذه بإحدى يديه وهو رافعٌ الأُخرى، وَقَفَ راكبًا (4) وعلى هذا فيُسَنُّ أنْ يقِفَ الإنسانُ راكبًا.
    كيف يقِفُ راكبًا؟
    المراد بالوقوف هنا الْمُكْثُ، لا الوقوفُ على القدمين؛ فالقاعد يُعتبر واقفًا، ومعلومٌ أنَّ الراكب على البعيرِ جالسٌ عليها، ليس واقفًا عليها، بلْ هو جالسٌ.
    وهذه المسألة مختلَفٌ فيها هل الأفضل أنْ يقِفَ راكبًا أو أنْ يقِفَ غيرَ راكبٍ؛ منهم مَنْ يقول: الأفضل أنْ يقِفَ راكبًا؛ لأن ذلك فِعْلُ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبناءً على هذا يُسَنُّ لنا أنْ نقِفَ من بعد صلاة الظهر والعصر جمْع تقديمٍ إلى الغروب في السيَّارات؛ نركبُ في السيارات ونبقى فيها إلى الانصراف؛ لأن هذا هو الركوبُ، كلُّ شيءٍ بحسبه.
    (1/3952)
    ________________________________________
    ولو قال قائلٌ: الأفضلُ راكبًا، إلَّا إذا كان وُقوفه على الأرض أخشعَ له وأَحْضرَ لقَلْبه فإنه يكون على الأرض، وهذا لا يُنافي القواعد الشرعية؛ لأن من القواعد ما قرَّرْناه ونُقَرِّره أنَّ الكمالَ الذاتيَّ للعبادة أَوْلى بالمراعاة من الكمال في المكان، وعليه فنقول: إنْ كان الأخشع لك والأحضر لقَلْبك أنْ تقِفَ في السيارة فافعلْ، وإلَّا ففي الأرض.
    (ويقِف عند الصخراتِ وجبلِ الرحمة)، وهي صخراتٌ معروفةٌ لا تزالُ إلى الآن موجودة، لكن الآن كانتْ مزارات للناس في غير موسم الحج، للبسطاء من الناس يذهب يزورها وحولها إبل مشدودة، يأتي الإنسان ويركب على البعير المشدودة عند الصخرات ثم تُلتقط له صورة فيذهب بها إلى بلده ويقول هذه صورتي عند جبل عرفات كل هذا من أجْل الدنيا من أجْل أن يحشو دراهم مِن ها البسطاء.
    يقول: (يقِف راكبًا عند الصخراتِ وجبلِ الرحمة).
    (جبل الرحمة)، ويُقال له: جبل الدعاء، والمناسبةُ ظاهرةٌ أنَّ هذا المكان -أعني عرفة كلَّها- موطنُ رحمةٍ وموطنُ دعاء، ولكنه ليس معروفًا بهذا الاسم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن العلماء -رحمهم الله- جعلوا له لهذه المناسبةِ هذا الاسم: جبل الرحمة، أو: جبل الدعاء.
    وقول المؤلف: (يقِف راكبًا عند الصخراتِ وجبلِ الرحمة) لم يُبَيِّن أين يكون اتجاهُهُ، ولكن نقول: يكون اتجاهُهُ إلى القِبْلة؛ لأن كلَّ العبادات الأفضلُ أنْ تستقبِلَ بها القِبلة، إلَّا ما قام الدليلُ على خِلافه؛ كما قال ابن مفلحٍ -رحمه لله- في الفروع لَمَّا ذكر بعضُ العلماء أنَّه يُشرع أنْ يستقبِلَ القِبلة حالَ الوضوءِ، قال: وهو متوجِّهٌ في كلِّ طاعةٍ إلَّا بدليل.
    (1/3953)
    ________________________________________
    ولا شكَّ أنه في الدعاء ينبغي أنْ يستقبِلَ الإنسانُ القِبلة، أمَّا في الوضوء وشِبْهه ففي النفْس من هذا شيءٌ؛ يعني كونُنا نقول لإنسانٍ: إذا أردتَ أن تتوضأ فاستقْبِل القِبلة، هذا يحتاج إلى دليلٍ خاصٍّ؛ لأن الظاهر مِن حال الرسول عليه الصلاة والسلام أنَّه لا يتعمَّد ذلك.
    المهمُّ أنه يستقبل القِبلة. ماذا تكون الحالُ لو كان إذا استقبلَ القِبلةَ صار الجبلُ خَلْفه أو صار عن يمينه أو شِماله؟ لا يضُرُّ؟
    طلبة: لا يضُرُّ.
    الشيخ: لا يضُرُّ، حتى لو كان الجبلُ خَلْف ظَهْرِك لا يضُرُّ؛ لأن الكعبة أفضل من الجبل، وعند العامَّةِ تستقبل الجبلَ، ولكن هذا ناتجٌ عن الجهل، وعلى طلبةِ العلم أنْ يُبَيِّنوا للناس أنَّ المشروعَ استقبالُ القِبْلة.
    (ويُكثِرُ الدعاءَ).
    بقي علينا أنْ نقول: نرى الناسَ في يوم عرفة يصعدون هذا الجبلَ، فهلْ صُعوده مشروعٌ أو ممنوعٌ أو جائزٌ أمْ ماذا؟
    نقول: أمَّا مَن صعده تعبُّدًا فصُعوده ممنوعٌ؛ لأنه يكون أتى ببدعةٍ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وأمَّا من صعده تفرُّجًا فهذا جائزٌ ما لم يكنْ قدوةً يقتدي به الناسُ فيكون أيش؟
    طلبة: ممنوعًا.
    الشيخ: يكون ممنوعًا، وأمَّا من صعده إرشادًا للجُهَّال فصُعوده؟
    طلبة: مشروع.
    الشيخ: مشروعٌ أو واجبٌ حسب الحال؛ لأننا نسمعُ أنَّ بعض الجهَّالِ إذا صعد الجبلَ هذا كتب به كتابات، ويضع فيه خِرَقًا وأشياءَ مُنكَرة، فإذا ذهبَ طالبُ علمٍ يُرشد الناسَ ويقول: هذا مبتدَعٌ وهذا لا ينبغي، فهذا طيِّبٌ. نقول: إنه مشروعٌ إمَّا وُجوبًا وإمَّا استحبابًا.
    يقول: (ويُكثِر الدعاءَ) عندي (مِمَّا وَرَدَ)، كذا عندكم؟
    طلبة: (بما وردَ).
    طلبة آخرون: (مِمَّا وردَ).
    الشيخ: (بما) ولَّا (ومِمَّا)؟
    الطلبة: ( ... ).
    الشيخ: اختلطت الأصوات عليَّ، الآن ما أدري ويش اللي عندكم؟
    الطلبة: (بما ورد) .. (مما ورد).
    طالب: هذه وهذه ( ... ).
    طالب: أنا عندي ( ... ).
    الشيخ: إي، طيب.
    (1/3954)
    ________________________________________
    طالب: ( ... ) الدعاء.
    الشيخ: أنا حافظه: (ويُكثِر الدعاءَ ومِمَّا وَرَدَ)؛ يعني (مِن) هنا للجنس؛ يعني يكون دعاؤه مِمَّا وَرَدَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو يُكثر الدعاءَ بما يريد ومِمَّا وَرَدَ، أو يُكثر الدعاءَ بما وَرَدَ؛ أي: بالذي وَرَدَ، والمعنى متقارِبٌ، المهم أنَّه ينبغي للإنسانِ أنْ يُكثر من الدعاء ومن الذِّكر؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» (5).
    فإنْ قال قائل: الوقت طويلٌ، ولا سيَّما في أيام الصيف، وربما يَلْحق الإنسانَ مللٌ؛ لأنه لو بقي يدعو من صلاة الظُّهر -يعني جمْع تقديم- إلى الغروب لَحِقَه المللُ، فهل اشتغاله بغير الدعاء والذِّكر جائز؟
    نقول: نعم، وربما يكون مطلوبًا إذا كان وسيلةً للنشاط، والإنسانُ بَشَرٌ يَلْحقه المللُ، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم لا نَصِل إليه أو لا نكون مِثْله ولا قريبًا منه بالنسبة لتحمُّله للعبادة؛ فقد كان يقوم في الليل حتى تتورَّم قدماه وتتفطَّر قدماه عليه الصلاة والسلام (6)، ونحن لا نُطيق هذا.
    على أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام خطبَ بعد الزوال، وليس بعد الزوال مباشرةً؛ لأنه لَمَّا زالت الشمسُ كان في نَمِرة، فأَمَر بناقته فرُحِلَتْ له، ثم سار على الإبل حتى أتى بطْنَ الوادي ونَزَلَ وخَطَبَ الناسَ خُطبةً طويلةً مفيدةً، ثم أَمَر بلالًا فأذَّنَ ثم أقامَ، فصلَّى الظهر ثم العصر، ثم ركبَ حتى أتى الموقِف (3)، والموقف من بطنِ عُرَنة طويلٌ بعيدٌ، في ظَنِّي والعِلم عند الله أنَّه سيكون المدة ساعتين أو قريبًا من ذلك بعد الزوال، ثم وقف هناك.
    (1/3955)
    ________________________________________
    على كلِّ حالٍ المهمُّ بالنسبة لنا الآن إذا لَحِقَ الإنسانَ مللٌ فلا حرجَ أنْ يستريح إمَّا بنومٍ أو بقُرآنٍ أو بمذاكرةٍ مع إخوانه أو بِمُدارسةِ القرآنِ أو في أحاديث تتعلَّق بالرحمةِ والرجاءِ والبعثِ والنشورِ وأحوالِ الآخرةِ حتى يلينَ قلبُه ويرقَّ قلبُه، والإنسانُ طبيبُ نفْسِهِ في هذا المكان، لكنْ ينبغي أنْ يغتنمَ آخِرَ النهارِ بالدعاء أخِرَ النهارِ، ينبغي أنْ يغتنمه بالدعاء ويتفرَّغ له تفرُّغًا كاملًا.
    وهنا نسأل: هل الأفضل أن يدعو كلُّ واحدٍ مِنَّا لنفسه أو أن نجعل لنا إمامًا يدعو بنا؟
    طلبة: الأول.
    الشيخ: الأول، كلُّ إنسانٍ يدعو لنفسه، لكنْ لو جاءك إنسانٌ وقال: ادعُ اللهَ لنا. ورأيتَ منه التشوُّفَ أنْ تدعو له -ما هو له تقول: اللهم اغفِر له. لا، تدعو له مِثل أنْ تصلِّي له؛ يعني تدعو وهو يؤمِّن- فإنَّه لا بأسَ في هذا الحال تطييبًا لقَلْبه، وربما يكون فيه خشوعٌ أيضًا إذا شَعَرَ الإنسانُ بالناس كلِّهم يلتفُّون حوله ويؤَمِّنون على دعائه، وربما يكون بعضُهم قريبَ الخشوعِ يَخْشع ويَبْكي فيُخَشِّع الناسَ، هذا لا بأس به فيما يظهر لي.
    طالب: الدليل يا شيخ؟ الدليل على هذا؟
    الشيخ: الدليل أنَّه ما فيه منع، وهذا يحصُل أحيانًا من الصحابة؛ يطلبون من الرسول أنْ يدعو لهم.
    طالب: ( ... ) الموقف ما ( ... ).
    الشيخ: لا، في هذا الموقف ما أعلم أنَّه دعا بالناس، ولهذا نقول: الأفضل أنْ يدعو كلُّ إنسانٍ لنفسه.
    ***
    يقول: (ويُكثر من الدعاء ومما وردَ. ومَنْ وقفَ ولو لحظةً مِن فَجْرِ يوم عرفةَ إلى فَجْرِ يوم النحر وهو أهلٌ له صَحَّ حجُّه).
    (مَنْ وقفَ) (مَنْ) هذه اسم شَرْط، فهلْ يعُمُّ كلَّ واقفٍ أو يخصُّ مَنْ كان مُحرِمًا بحجٍّ؟ أيهما؟
    طلبة: الثاني.
    الشيخ: الثاني لا شك، ولهذا لو وقف بعرفة ولم يُحرِم إلَّا بعد أنْ غادَرَها لم ينفعه الوقوف.
    (1/3956)
    ________________________________________
    (مَنْ وقفَ) محرمًا (بعرفة ولو لحظةً). قوله: (ولو لحظة) يحتمِل أنه إشارة خلافٍ، ويحتمِل أنه للمبالغة وأنه لو وقفَ ولو أدنى وقفةٍ، وهذا الأقرب.
    (مِن فَجْرِ يوم عرفةَ إلى فَجْرِ يوم النحر) أفادنا المؤلف -رحمه الله- أنَّ وقت الوقوفِ من فجر يوم عرفة، وهذا من مفردات مذهب الإمام أحمد، وجمهور العلماء على خلافه؛ على أنَّ وقت الوقوفِ من الزوال.
    حُجَّة الإمام أحمد -رحمه الله- حديثُ عُروة بنِ الْمُضَرِّس أنَّه وافَى رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم في مزدلفة لصلاةِ الصبح، وأخبره ما صَنَعَ وأنَّه أَتْعَبَ نفْسَه وأَكَلَّ راحِلتَه ولَمْ يَدَعْ جبلًا إلَّا وقفَ عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» (7). فالشاهد قوله: «لَيْلًا أَوْ نَهَارًا»، ولم يقيِّده بما بعد الزوال، هذا ما استدلَّ به الإمام أحمد -رحمه الله- في المشهور عنه.
    أمَّا جمهور العلماء -وهو رواية عن أحمد- فإنَّ وقت الوقوفِ يكون مِن زوال الشمس، ويحتجُّون لذلك بأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقِفْ قبل الزوالِ، وقال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (8)، وعليه فيُحمَل قولُه لعروة بن المضرِّس: «لَيْلًا أَوْ نَهَارًا»؛ أي: نهارًا مما يصِحُّ الوقوفُ فيه، فيكون مطْلقًا مقيَّدًا بالسُّنة الفعلية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شكَّ أنَّ هذا القول أَحْوط من القول بأنَّ النهار يشمل ما قبل الزوال.
    يقول: (ومَنْ وقفَ ولوْ لحظةً مِن فَجْرِ يوم عرفةَ إلى فَجْرِ يوم النحر وهو أهلٌ له) أي: للحجِّ، جملة: (وهو أهلٌ) حالٌ من فاعل (وقفَ)؛ يعني: والحالُ أنه أهلٌ للحج.
    فمَنْ هو الذي هو أهلٌ للحج؟
    (1/3957)
    ________________________________________
    المسلم؛ لا شكَّ أنه لا بُدَّ أنْ يكون مسلمًا؛ فغير المسلم ليس أهلًَا للحج، وعلى هذا فلو كان لا يُصَلِّي ووقفَ بعرفةَ وبعدَ الدفْعِ منها -وهو حاجٌّ، وقفَ بعرفةَ حاجًّا- ومَنَّ اللهُ عليه بعد الدفْعِ منها فصلَّى، فهلْ يصِحُّ حَجُّه؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: لماذا؟ لأنه حين الوقوف ليس أهلًا للحج.
    الثاني: لا بدَّ أن يكون مُحرِمًا كما أشرْنا؛ لأن غير الْمُحْرِم ليس أهلًا للحج، لم يكنْ في إحرامٍ حتى يصِحَّ وقوفه.
    الثالث: ألَّا يكون مجنونًا، فإنْ كان مجنونًا لم يصِحَّ وقوفه. ( ... )
    ***
    إذَنْ جملة (وهو أهلٌ له) في موضع نصبٍ على الحال.
    فمَنْ هو الأهل؟
    أنْ يكون مسلمًا، وأنْ يكون عاقلًا، وألَّا يكون سكرانًا ولا مُغْمًى عليه، أربعةُ أوصافٍ: وصْفانِ ثُبوتيَّانِ ووصْفانِ سَلْبيَّانِ؛ أنْ يكون مسلمًا، عاقلًا، غير سكرانٍ ولا مُغْمًى عليه.
    طالب: مُحرِمًا.
    الشيخ: مُحرِمًا بحجٍّ، إذَنْ ثلاثةٌ ثُبوتيَّة، واثنانِ سَلْبيَّان.
    كيف يكون مُغْمًى عليه؟
    لنفرِضْ أنَّه حصلَ عليه حادِثٌ وهو متَّجِهٌ إلى عرفة، فأُغْمِيَ عليه قبلَ أنْ يَصِل إلى عرفة، وبقي مُغْمًى عليه حتى انصرفَ الناسُ وانصرفوا به، فنقول: هذا الرجُل لم يصِحَّ وقوفُه لأنه كان مُغْمًى عليه. ونقول: إنَّه فاته الحجُّ، فإذا أفاقَ تحلَّل بعمرةٍ ثم قضاهُ إذا كان فَرْضًا من العام القادم.
    (صَحَّ حَجُّه وإلَّا فلا) قوله: (وإلَّا) (إنْ) هذه شرطية، و (لا) نافية، وفِعْل الشرطِ محذوفٌ، وليست (إلَّا) استثنائية، بلْ هي مركَّبة مِن حرفين: من (إنْ) و (لا)، لكنْ أُدغِمت إحداهما في الأخرى، والتقدير: وإلَّا يكن الأمرُ كذلك فلا؛ أي: فلا يصِحُّ حجُّه.
    لننظر (وإلَّا):
    المؤلف قال: (ومَنْ وقفَ بعرفة)، يعني: وإلَّا يقفْ بعرفة.
    وقوله: مِن طلوع الفَجْر إلى طلوع النَّحر. يعني: وإلَّا يقفْ في هذه المدَّة لم يصِحَّ حجُّه.
    (1/3958)
    ________________________________________
    المؤلف قال: (وهو أهلٌ له)، يعني: وإلَّا يكنْ أهلًا لم يصِحَّ حجُّه.
    فصار الذي يدخل في قوله: (وإلَّا) ثلاثة أشياء: وإلَّا يقفْ، وإلَّا يقفْ في الزمن؛ زمنِ الوقوف، وإلَّا يقفْ وهو أهلٌ للحج.
    ***
    ثم قال: (وإلَّا فلا. ومَنْ وقفَ نهارًا ودفعَ قبلَ الغروبِ ولم يَعُدْ إليها قَبْله فعليه دمٌ، ومَنْ وقفَ ليلًا فقطْ فلا).
    يقول: (مَنْ وقفَ نهارًا) ولو قبل الغروب بلحظةٍ ثم دفعَ بعد الغروبِ فحجُّه صحيحٌ، وإنْ وقفَ نهارًا ثم دفعَ قبْلَ الغروبِ نظرتَ؛ فإنْ عاد إليها قبل الغروب صحَّ حجُّه، وإن غابت الشمسُ قبل أنْ يعود صحَّ حجُّه وعليه دمٌ، لماذا؟ لأنه تَرَكَ الواجبَ وهو الوقوفُ بعرفة إلى الغروب.
    وظاهِرُ قولِ المؤلف: (ولم يَعُدْ قَبْله) أنه لو عاد بَعْد الغروبِ فعليه الدمُ، مع أنَّ ما بَعْد الغروبِ وقتٌ للوقوفِ، ولهذا كان قولُ المؤلف -رحمه الله- فيه شيءٌ من مخالفةِ القواعد؛ لأنه إذا عاد بعد الغروب فهلْ عاد في وقتِ الوقوفِ أو في غير وقتِ الوقوفِ؟
    طلبة: في وقت الوقوف.
    الشيخ: في وقت الوقوف، فمقتضى القياسِ أنه لا شيء عليه كما لو عاد قبل الغروب، المؤلف يقول: لو دَفَعَ ثم عاد قبل الغروب فلا شيء عليه؛ لأنه عاد في وقت الوقوف، وإنْ رجع بعد الغروب فعليه دمٌ.
    فإنْ قال: كيف نُلزمه بالدم مع أنه عاد في وقت الوقوف؟ ! ولهذا كان المذهب طرد هذه المسألة؛ أي إن مَن رجع قبل أنْ يطلع الفجر فليس عليه شيء؛ لأنه رجع في وقت الوقوف.
    وذهبَ بعضُ العلماء أنه يَلْزمه الدمُ بمجرَّد الدفع قبل الغروبِ سواءٌ رجعَ أمْ لَمْ يرجع؛ لأنه دَفَعَ مُنْهِيًا الوقوفَ، فحصلت المخالفةُ بذلك، فلَزِمه الدمُ. ولا شكَّ أنَّ هذا أو المذهب هو المطَّرد، أمَّا كلامُ المؤلف ففيه شيءٌ من التناقض.
    (1/3959)
    ________________________________________
    فالاطِّراد إذَنْ أنْ نقول: مَنْ دفعَ قبل الغروبِ لَزِمه الدمُ. أو نقول: مَنْ دفعَ قبل الغروبِ وعادَ قبل الفَجْرِ فلا دمَ عليه. أمَّا أنْ نقول: إنْ رجع قبل الغروب فلا دمَ عليه، وإنْ رجع بعده فعليه دمٌ. مع قولنا بأنَّ الكُلَّ وقتٌ للوقوف؛ ففيه شيءٌ من التناقض.
    ولو قيل بالقول الثالث الذي يُلْزمه الدمُ إذا دفعَ قبل الغروب مُطْلقًا، إلَّا إذا كان جاهلًا ثم نُبِّهَ فرجعَ ولو بعد الغروب فلا دم عليه، لو قيل بهذا القول لكان له وجْهٌ؛ وذلك لأنه إذا دفع قبل الغروب فقد تعمَّد المخالفةَ، فيَلْزمه الدمُ بالمخالفة، ورجوعه بعد أنْ لَزِمه الدمُ بالمخالفةِ لا يؤثِّر شيئًا، أمَّا إذا كان جاهلًا -كما لو دفعَ قبل الغروبِ ثم قيل له: إنَّ هذا لا يجوز، فقال: أستغفر الله وأتوبُ إليه، ثم رجع ولو بعد الغروب- فإنه ليس عليه دمٌ، لو قيل بهذا القولِ لكان له وجهٌ، وهو أقربُ إلى القواعدِ مما ذهب إليه المؤلف.
    يقول: (ومَنْ وقفَ ليلًا فقطْ فلا) ويش معنى (فقطْ)؟ أي: دون النهار؛ بأنْ لم يأتِ إلى عرفة إلَّا بعد غروب الشمسِ، فإنه يُجزِئه؛ لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: «وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» (9).
    (1/3960)
    ________________________________________
    (ثم يَدْفعُ بَعْد الغروبِ إلى مُزدلفةَ بسَكِينةٍ، ويُسرِعُ في الفَجْوةِ، ويَجْمَعُ بين العِشاءينِ)؛ لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم دَفَعَ بعد الغروبِ وأردفَ أسامةَ بن زيدٍ خَلْفه، ودَفَعَ صلى الله عليه وسلم بسَكِينةٍ، وقد شَنَقَ الزِّمامَ لناقته حتى إنَّ رأسها من شِدَّة الشنق لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، قد عنَّها عنًّا شديدًا، وهو يقول بيده اليُمنى: «أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ؛ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ» (10). وسبحان الله! التاريخ يُعيد نفسه؛ يعني من عهد الرسول وربما من قبل أيضًا كان الناسُ إذا نَفَروا أسرعوا، وفي ذلك الوقت الإسراعُ له وجْهٌ؛ لأن الدروب وعرةٌ، والليل قد أسدلَ ظلامه، فكانوا يحرصون على السرعة من أجْل مبادرةِ الوقتِ، بل قد كانوا في الجاهلية يدفعون قبل أنْ تغرب الشمس؛ إذا صارت الشمسُ على الجبال كالعمائم على رؤوس الرجال دفعوا اغتنامًا لوقتِ السفر؛ يعني الإضاءة.
    قال: (ويُسرع في الفَجْوة) يعني المتَّسع؛ يعني إذا أتى متَّسعًا أسرعَ؛ لأن ذلك أرفقُ به حتى يَصِل إلى مزدلفة مبكرًا، وكان من هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم في دفْعِهِ أنَّه إذا أتى حبلًا من الحِبال أَرْخَى لناقته قليلًا من أجْل أنْ تصعد؛ لأن الناقة إذا كانتْ قد عُنَّتْ بالزمام يشقُّ عليها الصعود، فإذا أُرْخِيَ لها سَهُلَ عليها الصعود، فكان من هَدْيِهِ عليه الصلاة والسلام أنَّه إذا أتى حبلًا من الحبال أَرْخَى لها قليلًا حتى تصعد (11)، وإذا وجد فجوةً أسرع (12).
    يقول: (ويجمع بين العشاءينِ) متى يجمع؟
    (1/3961)
    ________________________________________
    إذا وصلَ إلى مزدلفة، ولا يَصِل إلى مزدلفة إذا دَفَعَ على صفةِ دفْعِ الرسول عليه الصلاة والسلام إلَّا بعد دخول وقت العِشاء، ولهذا كان جمْعُ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في مزدلفةَ جمْعَ تأخيرٍ؛ لأنكم تصوَّروا أنَّه في أقصى عرفة من جهة الشرق، سيمُرُّ بجميع عرفة وهي واسعة، ويَمُرُّ بالطريق الذي بينها وبين مزدلفة، ثم إنَّه ثبت في الصحيح أنَّه عليه الصلاة والسلام نزلَ في الشِّعب -شِعب المأزِمَيْنِ- وبال، وتوضَّأ وضوءًا خفيفًا، وقال له أسامة: الصلاةَ يا رسول الله. قال: «الصَّلَاةُ أَمَامَكَ» (13). وهذا يقتضي وقتًا طويلًا، فلهذا كان وصولُه إلى مزدلفة إلى مَقَرِّه هناك بعد دخول وقت صلاةِ العِشاء بلا شك.
    فإنْ قال قائل: هلْ يُسَنُّ أنْ ينزلَ الإنسانُ في أثناء الطريقِ وفي المكان الذي نزلَ فيه الرسولُ عليه الصلاة والسلام إنْ كان سار معه، ويبول ويتوضَّأ وُضوءًا خفيفًا أو لا؟
    نقول: لا؛ لأنَّ هذا وقعَ اتفاقًا بمقتضى الطبيعة؛ احتاجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى أنْ يبول فنزلَ فبالَ بمقتضى الطبيعة، لو أنَّه احتاجَ إلى أنْ يبول في غير هذا المكانِ لَنَزَلَ، ولو لم يحتجْ لم ينزلْ، والدليلُ على هذا أنَّه صلى الله عليه وسلم لَمَّا وصلَ إلى مزدلفة ووقفَ صلَّى المغرب قبل حَطِّ الرِّحال، ثم بَعْد صلاةِ المغرب حَطُّوا رِحالهم، ثم صلَّوا العِشاء (13)، فهذا دليلٌ على أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم نزلَ هناك لا تعبُّدًا، ولكن اتفاقًا.
    قال المؤلف: (ويبيتُ بها).
    لو صلَّى المغربَ والعِشاءَ في الطريقِ، فهلْ يجوزُ أو لا؟
    ذهب ابنُ حزمٍ مِنْجنيقُ العربِ إلى أنَّه لو صلَّى في الطريقِ لم يُجزِئه؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأُسامة: «الصَّلَاةُ أَمَامَكَ».
    (1/3962)
    ________________________________________
    ولكن الصحيح قول الجمهور: أنَّه لو صلَّى في الطريق لأجزأه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «جُعِلَتِ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» (14).
    وأمَّا قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأسامة: «الصَّلَاةُ أَمَامَكَ» فوجْهُهُ ظاهرٌ؛ لأنه لو أَوْقفَ الناسَ في هذا المكان؛ لو وقفَ ليُصلِّي وقفَ الناسُ، فلو أَوْقفهم في هذا المكانِ وهُم مُشْرَئِبُّون (15) إلى أنْ يَصِلوا إلى مزدلفة لكان في ذلك مشقَّةٌ عليهم ربما لا تُحتَمل، فكان هَدْيُه عليه الصلاة والسلام هَدْيَ رِفْقٍ وتيسيرٍ، لكنْ لو أنَّ أحدًا صلى فإنَّ صلاته تصِحُّ لعموم الحديث الذي ذكرْنا: «وجُعِلَتِ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا».
    لكنْ ربما يجب أنْ يصلِّي في الطريق، متى؟ إذا خَشِيَ خروجَ وقتِ صلاةِ العِشاء بمنتصف الليل، فإنه يجب أنْ يصلِّي في الطريق؛ ينزل ويصلي.
    فإنْ لم يُمْكنه النزول للصلاة فإنه يصلِّي ولو على السيارة إذا كان لا يُمْكنه؛ لأنه ربما يكون الخطُّ يمشي لكن مشيًا ضعيفًا لا يُمْكنه أن يَصِل إلى مزدلفة قبل منتصف الليل، وليس الخطُّ واقفًا حتى يمكن أنْ ينزل ويصلِّي ثم يركب، ففي هذا الحالِ إذا اضطُرَّ إلى أنْ يصلِّي في السيارة فلْيُصَلِّ، وعليه أنْ يأتي بما يمكنه من الشروط والأركان والواجبات.
    قال المؤلف رحمه الله: (ويبيتُ بها).
    يبيتُ بها وجوبًا أو استحبابًا؟
    ظاهر كلام المؤلف أنه يبيتُ بها وجوبًا؛ بدليل قوله فيما بعد: (فعَليه دمٌ) إذا لم يفعل.
    (1/3963)
    ________________________________________
    (ويبيت بها). واختلف العلماء رحمهم الله في البيتوتةِ في المزدلفة؛ فمنهم مَن قال: إنها سُنَّة، ومنهم مَن قال: إنها واجبٌ يُجبَر بدمٍ، ومنهم مَن قال: إن المبيتَ فيها ركنٌ كالوقوف بعرفة؛ لأن الله نصَّ عليه وقال: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم سوَّاها في عرفة حينما قال: «وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» (1). ولكن القول الوسط لعله أحسن الأقوال: أنَّه واجبٌ يُجبَر بدمٍ، ولا يُقتصر فيه على السُّنة.
    قال المؤلف: (وله الدَّفْعُ بعد نصفِ اللَّيلِ).
    (له) الضمير يعود على مَن؟ على الحاجِّ مُطْلقًا؛ قويًّا كان أَمْ ضعيفًا، رجُلًا كان أَمِ امرأة.
    (له الدَّفْعُ بعد نصفِ اللَّيلِ) ما الدليل؟
    الدليل أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أذِنَ للضَّعَفةِ أنْ يدفعوا من مزدلفة ليلًا (16)، قالوا: وإذا انتصفَ الليلُ فقد أمضى أكثرَ الليلِ في مزدلفة، وإذا أمضى أكثرَ الليلِ أجزأه.
    ولكن في هذا الحكم نظرٌ لأنه لا يُطابِق الدليل، فالدليل هو أنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعث الضَّعَفَةَ مِن أهله بليلٍ، وكلمة (ليل) تَصْدق على النصف الأول، والنصف الثاني، والسَّحَر، وتعيينها بما بعد النصف يحتاج إلى دليل، ومن المعلوم أننا لو أخذنا بظاهر اللفظ لقُلنا: يجوز الدفعُ قبل منتصف الليل؛ لأنه دفع بليل. وهذا لا يقول به المؤلف رحمه الله.
    (1/3964)
    ________________________________________
    ثم نقول: إذا قُلنا: الواجبُ المبيتُ مُعْظمَ الليلِ، فإنَّ نصف الليلِ ليس هو مُعْظم الليل؛ لأن الناس دفعوا من عرفة بعد غروب الشمس، والمسير من عرفة إلى مزدلفة يحتاج إلى ساعةٍ ونصفٍ أو ساعتين، ومن ثَمَّ كان من فِقْه أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما أنها تنتظر، حتى إذا غاب القمرُ دفعتْ (17)، وغروب القمر يكون بعد مُضِيِّ ثُلثي الليل تقريبًا، قد يزيد قليلًا أو ينقص قليلًا، وكأنها رضي الله عنها اعتبرتْ نصف الليل، لكن اعتبرت النصف من نزول الناس في مزدلفة، ونزولُ الناس في مزدلفة إذا اعتبرنا النصف فإنه يزيد على النصف الحقيقي الذي هو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر يزيد بنحو هذا المقدار الذي اعتبرته أسماء، وهو غروب القمر، وهذا هو الصحيح أنَّ المعتبر غروب القمر، وإنْ شئتَ فقُل: إنَّ المعتبر البقاءُ في مزدلفة أكثرَ الليل، ولكنْ يؤخذ من الليلِ المسافةُ ما بين الدفعِ من عرفة إلى وصولِ مزدلفة، فيكون ما ذهبتْ إليه أسماءُ رضي الله عنها هو المطابق لمعْظَم الليل.
    يقول: (ويبيتُ بها، وله الدفْعُ بَعْدَ نصفِ اللَّيلِ، وقَبْلَهُ) أي: قبلَ نصفِ الليلِ؛ يعني: لو دَفَعَ (فيه دمٌ) ( ... ) سواءٌ كان عالِمًا بالحكْمِ أو جاهلًا، عامِدًا أو ناسيًا.
    إذا دَفَعَ قبلَ منتصفِ الليل فعليه دمٌ، لماذا؟ لأنه تَرَكَ واجبًا، وهذا الدمُ دمُ جُبْرانٍ يذبحه ويتصدَّق به جميعًا على الفقراء في مكة.
    (وقَبْلَهُ فيه دمٌ كوصولِهِ إليها بَعْدَ الفَجْرِ لا قَبْلَهُ).
    (1/3965)
    ________________________________________
    (كوصوله إليها) أي: إلى مزدلفة (بعد الفَجْر)، فإذا وصل إلى مزدلفة بعد الفَجْر ولو بلحظةٍ لَزِمَه دمٌ؛ لأنه لم يَبِتْ بها، ولكن ظاهر حديثِ عروة بن مُضَرِّس رضي الله عنه أنَّ مَن أَدْركَ صلاةَ الفجر في مزدلفة على الوقت الذي صلَّاه الرسولُ عليه الصلاة والسلام فإنه لا شيءَ عليه؛ لقوله: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ» (7)، والإشارة «هَذِهِ» تفيد أنه لا بدَّ أنْ تكون الصلاةُ في أول الوقت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلَّى الفَجْر في أول وقتِها.
    (كوُصُولِهِ إليها بَعْدَ الفَجْر لا قَبْلَهُ) أي: لا إنْ وَصَلَ إليها قَبْل الفجر ولو بعد نصفِ الليل فإنه لا شيء عليه.
    والخلاصةُ على المذهب على ما مشى عليه المؤلف:
    إذا دَفَعَ قَبْل منتصفِ الليلِ فعليه دمٌ.
    إذا دَفَعَ بعد منتصفِ الليلِ فلا شيء عليه.
    إذا وصل إلى مزدلفة بعد الفجر فعليه دمٌ.
    إذا وصل إليها بعد منتصفِ الليلِ فلا شيء عليه.
    فعليه الدمُ في حالين هما: إذا دَفَعَ قبل منتصف الليل، وإذا لم يَصِل إليها إلا بعد الفجر، عليه دمٌ في الحالين.
    وليس عليه دمٌ فيما إذا دَفَعَ بعد منتصف الليل، أو وصل إليها بعد منتصف الليل.
    طلبة: ( ... )؟
    الشيخ: لا شيء عليه.
    طالب: قبل الفجر.
    الشيخ: طيب، لا شيء عليه إذا دَفَع بعد منتصف الليل قبل الفجر أو بعده، ولا شيء عليه إذا وصل بعد منتصف الليل لكن قبل الفَجْر؛ لأن ما بعد الفجر ذكرناه قبل، ولكنَّا قُلنا: إن ظاهر حديث عروة بن المضرِّس أنَّ مَن أَدْركَ صلاةَ الفجر في أولها فإنه يُجزئه.
    بَقِي أنْ يقال: حدثت مشكلةٌ في أيامنا الأخيرة؛ أنَّ بعض الحجَّاج لا يَصِلون إلى مزدلفة إلَّا بعد طلوع الفجر وبعد صلاةِ الفجر أيضًا فما الحكْم؟
    (1/3966)
    ________________________________________
    على المذهبِ يجبُ عليهم دمٌ؛ لأن القاعدة عندهم أنَّ من حُصِرَ عن واجبٍ فعليه دمٌ؛ لأن المحصور عن الواجب لا يتحلَّل؛ إذْ لا حاجةَ له إلى التحلُّل، لكن عليه دمٌ. فنقول: هؤلاء الذين لم يَصِلوا إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر ومُضِيِّ قَدْر الصلاةِ نقول: هؤلاء حُصِروا عن هذا الواجب فيَلْزمهم دمٌ.
    ولكن بعض العلماء قال: إن هؤلاء حُصِروا إكراهًا، حُصِروا ولم يُحْصَروا، حُصِروا لأنهم لم يَصِلوا في الوقت، ولم يُحْصَروا لأنهم وصلوا إلى المكان، فيكون وصولهم إلى المكان بعد زوال الوقت كقضاء الصلاةِ بعد خروج وقتِها للعُذر، وأنهم إذا حُصِروا في هذه الحال ولم يَصِلوا إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجرِ وذهابِ وقت الصلاةِ فإنهم يكونون كالذين عُذِروا عن وقت الصلاة حتى خرج وقتُها.
    وهذا القولُ أقربُ إلى الصواب أنْ يُقال: مَنْ حُبِس عاجزًا عن الوصول إليها، ولم يَصِل إلا بعد طلوع الفجر ومُضِيِّ قَدْرِ الصلاةِ أو بعد طلوع الشمس؛ فإنه يَقِفُ ولو قليلًا ثم يستمِرُّ؛ وذلك لأنه يُشبه الصلاةَ إذا فاتتْ لعُذرٍ فإنه يقضيها، ولو قيل أيضًا بأنه يسقطُ الوقوفُ لأنه فاتَ وقتُه لم يكن بعيدًا.
    المهم أنَّ القول الراجح أنَّه لا يُلْزَم بدمٍ؛ لأنه تَرَكَ هذا الواجبَ عجزًا عنه، والله أعلم.
    ***
    (1/3967)
    ________________________________________
    طالب: وله الدفْعُ بعد نصفِ الليلِ، وقَبْله فيه دمٌ كوصوله إليها بعدَ الفَجْر لا قَبْله، فإذا صلَّى الصبحَ أتى المشعر الحرامَ فرقاهُ، أو يقِفُ عنده ويحمدُ اللَّهَ ويُكبِّره ويقرأ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ... } الآيتين [البقرة: 198، 199]، ويدعو حتى يُسْفِر، فإذا بَلَغَ مُحَسِّرًا أسرعَ رَمْيَةَ حَجَرٍ وأخذَ الحصى، وعددُه سبعون بين الحمَّصِ والبُندق، فإذا وصلَ إلى مِنًى -وهي من وادي مُحَسِّرٍ- إلى جمرةِ العقبةِ رماها بسبعِ حَصَياتٍ متعاقباتٍ يرفعُ يَدَهُ اليُمنى حتى يُرَى بياضُ إِبْطِهِ، ويُكبِّر مع كلِّ حصاةٍ، ولا يُجْزئ الرميُ بغيرها ولا بها ثانيًا، ولا يَقِف ويقطع التلْبِيةَ قبلها.
    الشيخ: ( ... ) محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    سَبَقَ لنا أنَّه في اليوم التاسع يذهبُ مِن مِنًى إلى عرفة، وأنَّه ينزل أولًا بنَمِرة حتى تزول الشمسُ، ثم يركبُ ويصلِّي الظهر والعصر بباطن الوادي، ثم يذهبُ إلى موقِفه، وهذا كُلُّه إنْ تيسَّر.
    وسَبَقَ لنا أيضًا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقفَ في شرقِيِّ عرفة عند الصخراتِ والجبلِ وقال: «وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» (1). وعرفةُ كبيرةٌ واسعةٌ.
    وسَبَقَ لنا أنَّه يجب التأكد من حدودها لئلَّا يقِفَ الإنسانُ في غير الموقِف فيرجع بلا حجٍّ.
    وسَبَقَ لنا أنَّه يجب أنْ يبقى في عرفة إلى غروب الشمس، وأنَّه إنْ دَفَع قبل الغروب ولم يَعُدْ قبله فعليه دمٌ، وقيل: إنْ دَفَع وإنْ عاد فعليه دمٌ، وقيل: إنْ دَفَع وعاد بعد الغروب قبل الفجر فليس عليه شيء، فالأقوال ثلاثة، ورجَّحْنا أنَّ الأقرب ثبوتُ الدم عليه بمجرَّد الدفع؛ لأنه خالفَ ما فَعَله النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    (1/3968)
    ________________________________________
    وسَبَقَ لنا أنهم في الجاهلية يدفعون قبل غروب الشمس، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خالَفَهم فدفَع بعد الغروب، لكنه دَفَع ولم يصلِّ إلا في المزدلفة، هذا في اليوم التاسع. في ليلة العاشر يدفع من عرفة إلى مزدلفة فيصلي بها المغرب والعِشاء جمعًا وقَصْرًا ويبيت.
    وهُنا هلْ يُشرع أنْ يُحيي تلك الليلةَ بالقراءةِ والذِّكرِ والصلاةِ، أمِ السُّنةُ النومُ؟
    الثاني؛ السُّنة النومُ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اضطجعَ حتى طلعَ الصبح (3).
    وأيضًا هلْ يصلِّي الوتر في تلك الليلة أو لا؟
    نقول: لم يُذكَر في حديث جابرٍ ولا غيره فيما نعلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أَوْتَر تلك الليلة، لكنْ على سبيل العموم أنَّه لا يَدَعُ الوتر حَضَرًا ولا سَفَرًا. نقول: إنَّه يُوتر تلك الليلة، وعَدَمُ النَّقْلِ ليس نَقْلًا للعَدَم؛ لأننا نبقى على الأصل وهو أنَّه لا يَدَعُ الوتر سَفَرًا ولا حَضَرًا.
    ثم نقول: لو تَرَكه في تلك الليلةِ لَنُقِلَ؛ لأنه لو تَرَكه لَكان شرعًا، والشرع لا بدَّ أنْ يُحفظ ويُنقَل.
    وسَبَقَ لنا أنَّه يجوز على رأي الفقهاء -رحمهم الله- أنْ يدفع بعد منتصف الليل، ووجْهُهُ أنَّه إذا دَفَع بعد منتصف الليل فقد بقي في مزدلفة مُعْظم الليلِ أو أكثرَ الليلِ.
    وسَبَقَ لنا أنَّ القول الراجح في هذه المسألة أنَّه لا يدفع إلا في آخِر الليل، وأنَّ أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما كانتْ ترتَقِبُ غروب القمر (17)، وأنَّ ما فَعَلتْهُ أسماء هو الفقه؛ لأنه لا ينبغي أن نحسب أول الليل ونحن لم نَصِل إلى مزدلفة إلا بعد دخول وقت العِشاء؛ إذْ إنَّ الناس يسيرون من عرفة إلى مزدلفة ولا يَصِلون إلا متأخرين.
    (1/3969)
    ________________________________________
    وسَبَقَ لنا أنَّ السُّنة صلاة المغرب والعِشاء في مزدلفة، وأنَّه لو صلَّى في غير مزدلفة فصلاتُه صحيحةٌ خلافًا لِمَنْ؟ لابن حزم، والدليل: «جُعِلَتِ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» (14)، وأنَّه لو خاف فَوْتَ الوقتِ -أي: وقت العِشاء وهو منتصف الليل- وجبَ عليه أنْ يصلِّي في أيِّ مكانٍ.
    الدفع في آخِر الليل هلْ يختصُّ بأهل الأعذار أو لا؟
    قال بعض العلماء: إنَّه يختصُّ بأهل الأعذار من الضعفاء والنساء ونحوهم. وأجازه الفقهاء مُطْلَقًا لأهل الأعذارِ ولغير أهل الأعذار.
    حُجَّة الأوَّلِينَ أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أقامَ في مزدلفةَ حتى صلَّى الفجر وأَسْفَرَ جِدًّا (3)، وقال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (8). وعن عائشة رضي الله عنها تمنَّتْ أنها استأذنَت الرسولَ صلى الله عليه وآله وسلم أنْ تدفع قبل الفجر كما استأذنَتْ سَوْدَةُ، وقالت كلامًا يفيد أنها تودُّ أنها استأذنَتْ من الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنها لو استأذنتْ لَكان أَشَدَّ من مفروحٍ به (18)؛ يعني: تُبالغ في أنها لو فعلتْ لأحبَّتْ ذلك.
    على كلِّ حالٍ الذي يترجَّح أنَّه ليس بواجبٍ أنْ يبقى إلى صلاة الفجر، ولا سِيَّما في هذه الأزمان مع كثرة الناس والزِّحام والشِّدة، لكنْ هو الأفضل؛ أنْ يبقى إلى أنْ يصلِّي الفجر ويُسْفِر جِدًّا ثم ينصرف.
    ***
    يقول المؤلف رحمه الله تعالى، وهو مبتدأ درس الليلة: (فإذا صلَّى الصبح)، وهُنا لم يُبَيِّن متى تكون هذه الصلاة، لكنْ قد ثبتَ بالسُّنة أنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صلَّاها حين تبيَّن له الصبح ولم يتأخر؛ صلَّاها بغَلَس (19).
    (1/3970)
    ________________________________________
    (فإذا صلَّى الصبحَ أتى المشْعَرَ الحرامَ) والمشعر الحرام: جبلٌ صغيرٌ معروفٌ في مزدلفة، وعليه المسجدُ المبنيُّ الآن، أتاه سواءٌ كان راكبًا أمْ راجلًا، والنبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ركبَ ناقته ووقفَ عند المشعر الحرام، وقف راكبًا (3)، لكنه قال: «وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» (1) (جَمْع) يعني مزدلفة، وسُمِّيت جَمْعًا لأن الناس يجتمعون فيها كلُّهم، وكانوا في الجاهلية يجتمعون فيها كلُّهم، وفي عرفة لا يجتمع أهلُ مكة، بلْ لا يجتمع قُريش مع غيرهم؛ لأنهم يَقِفون في مزدلفة، لا يخرجون إلى عرفة؛ لأنَّ عرفة من الحِلِّ، فمِنْ أجْل هذا سُمِّيت جمعًا لأنها تجمع الناس كلَّهم. يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ».
    وقوله: (المشعر الحرام) وُصِفَ بالحرام لأن هناك مَشْعرًا حلالًا وهو عرفات، ففي الحجِّ مَشْعرانِ: حلالٌ وحرامٌ؛ فالمشعر الحرام: مزدلفة، والمشعر الحلال: عرفة.
    ولماذا وُصِف بالحرام؟ لأنه داخل حدود الحرم.
    قال: (فيرقاه) يعني: يرقى هذا المشعر، وهو جبلٌ صغيرٌ كما قُلنا (أو يَقِف عنده)؛ لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198].
    (أو يَقِف عنده، ويحمد اللَّهَ ويُكبِّره) ويدعو الله عز وجل رافعًا يديه إلى أنْ يُسْفِر جِدًّا، ويكون أيضًا مستقبِلَ القِبلة.
    قال المؤلف: (ويقرأ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ... } الآيتين)، وقراءة هاتَينِ الآيتَينِ لا أعلمُ فيها سُنَّةً، لكنها مناسِبة؛ لأنَّ الإنسانَ يُذَكِّر نفسه بما أَمَر اللهُ به في كتابه.
    (1/3971)
    ________________________________________
    (ويدعو حتى يُسْفِر) يُسْفِر جدًّا؛ يعني: يتبيَّن السفر أو الإسفار ويرى الناسُ بعضهم بعضًا، ثم ينطلق قبل أنْ تطلع الشمس، ولهذا قال: (فإذا أَسْفَرَ سار قبل طلوع الشمسِ بسَكِينَةٍ) خلافًا لأهلِ الجاهلية، أهلُ الجاهلية لا يدفعون من مزدلفة إلا إذا طلعت الشمس، وكان من عباراتهم الموروثة: أَشْرِقْ ثَبِير، كَيْمَا نُغِير (20). ثَبير: جبلٌ معروفٌ هناك كان رفيعًا تتبيَّن به الشمسُ قبل غيره مما حوله من الجبال، وكانوا يرقبون هذا الجبل، فإذا أشرقَ دفعوا.
    إذَنْ هُم -أعني في الجاهلية- يُبادرون السفر أو الإسفار في أول الليل؛ ليلة العيد، وفي آخرها، كيف ذلك؟ لأنهم يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ويدفعون من مزدلفة بعد طلوع الشمس، أمَّا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فخالَفَهم في الوقتينِ.
    يقول: سار بسَكِينةٍ؛ يعني: لا بإسراعٍ وإيضاعٍ للإبل، والإيضاع: الإسراع، بلْ يكون بسَكِينةٍ.
    (فإذا بَلَغَ مُحَسِّرًا أسرعَ رميةَ حَجَرٍ) لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حرَّكَ قليلًا؛ حرَّكَ ناقتَه حين بَلَغَ مُحَسِّرًا (3)، ومُحَسِّر: بطنُ وادٍ عظيم، وبهذا نعرف أنَّ بين المشاعر أودية؛ فبين المشْعرِ الحرام والمشْعرِ الحلال وادٍ وهو عُرَنة، وبين المشْعَرينِ الحرامَينِ مِنًى ومزدلفةَ وادٍ وهو وادي مُحَسِّر، أسرعَ فيه النبيُّ عليه الصلاة والسلام (3).
    واختلفَ العلماءُ لماذا أسرعَ:
    فقال بعضُهم: أسرعَ لأن بطن الوادي يكون دعثًا وليِّنًا يحتاج أنْ يحرِّك فيه الإنسانُ بَعيره؛ لأن مَشْي البعيرِ على الأرضِ الصلبة أسرعُ مِن مشيها على الأرض الرخوة، فحرَّك مِن أجْل أنْ يتساوى سيرُها في الأرض الصلبة وسيرُها في الأرض الرخوة، وعلى هذا فالملاحَظ هنا هو مصلحةُ السير فقط.
    (1/3972)
    ________________________________________
    وقيل: أسرعَ لأن الله أهلكَ فيه أصحابَ الفيل، فينبغي أنْ يُسرع؛ لأن المشروع للإنسان إذا مرَّ بأراضي العذابِ أنْ يُسرع؛ كما فَعَل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم حين مرَّ بديار ثمود في غزوة تبوك؛ لَمَّا مرَّ زَجَر الناقةَ عليه الصلاة والسلام وقَنَّعَ رأسه هكذا وأسرعَ، واليومَ الناسُ بعضُهم يتَّخذ هذه الديارَ سياحةً ونُزهةً والعياذ بالله، مع أنَّ الرسول أسرعَ وقال: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ؛ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ» (21).
    كيف يُصِيبنا ما أصابهم ونحن لم نعمل؟
    لأن الإنسان إذا دخل على هؤلاء فقلْبُه يكون غيرَ ليِّنٍ وغيرَ خاشعٍ، فيكون قاسيًا مع مشاهدته آثارَ العذابِ، وحينئذٍ يُصيبه ما أصابهم من التكذيبِ والتولِّي، هذا معنى الحديث؛ يعني ليس المراد أنْ يُصيبكم العذابُ الرِّجزُ الحِسِّي، قد يُراد به العذابُ أو الرِّجزُ المعنويُّ؛ أنْ يقسو قلب الإنسان فيُكذِّب بالخبر ويتولَّى عن الأمر -نسأل الله العافية- وبهذا نعرف أنَّ اتخاذها نُزهةً خطأٌ عظيمٌ مخالفٌ لأمر النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوهَا»، والذين يذهبون للنُّزهةِ أو للتفرُّج هلْ هُم يبكون؟
    الظاهر أنهم إلى الضحك أقربُ منهم إلى البُكاء، ويُصَوِّرون ويعملون أشياء اللهُ أعلمُ بها، فنسأل اللهَ لنا ولكم العِبرة والهداية.
    المهمُّ أنَّ مِن العلماء مَن علَّلَ إسراعَ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّ هذا هو الموضع الذي أهلكَ اللهُ فيه أصحابَ الفيلِ، لكن هذا التعليل عليلٌ؛ لأن أصحابَ الفيلِ لم يُهلَكوا هُنا، بلْ في مكانٍ يُقال له: الْمُغَمَّس، حول الأبطح، وفي هذا يقول الشاعر الجاهلي:
    حَبَسَ الْفِيلَ بِالْمُغَمَّسِ حَتَّى
    (1/3973)
    ________________________________________
    ظَلَّ يَحْبُو كَأَنَّهُ مَكْبُولُ

    فعلى هذا يكون هذا التعليلُ غيرَ صحيحٍ أو كأنه مكسور.
    وقال بعض العلماء: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أسرعَ لأنهم كانوا في الجاهلية يَقِفون في هذا الوادي ويذكرون أمجادَ آبائهم؛ وأباؤنا فعلوا كذا وفعلوا كذا وفعلوا كذا، فأراد النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يُخالِفهم كما خالَفَهم في الخروج من عرفة وخالَفَهم في الخروج من مزدلفة، ولعل هذا أقربُ التعاليل أنَّه فَعَل ذلك مُخالَفةً للمشركين الذين يَقِفون في هذا الوادي ليذكروا أمجادَ آبائهم، ولهذا قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200].
    ثم قال المؤلف: (أسرعَ رميةَ حَجَرٍ) (رميةَ حَجَرٍ) كيف يمكن قياسها؟
    وأَخَذَ الْحَصَا -وعدَدُه سَبعونَ بينَ الحِمِّصِ والْبُنْدُقِ - فإذا وَصَلَ إلى مِنًى - وهي من وادي مُحَسِّرٍ إلى جَمرةِ العَقبةِ - رَماها بسَبْعِ حَصَيَاتٍ مُتعاقباتٍ يَرْفَعُ يَدَه حتى يُرَى بياضُ إِبِطِه ويُكَبِّرُ مع كلِّ حَصاةٍ، ولا يُجْزِئُ الرميُ بغيرِها، ولا بها ثانيًا، ولا يَقِفُ، ويَقْطَعُ التلبيةَ قَبْلَها، ويَرْمِي بعدَ طُلوعِ الشمسِ ويُجْزِئُ بعدَ نِصفِ الليلِ - ثم يَنْحَرُ هَدْيًا إن كان معه، ويَحْلِقُ أو يُقَصِّرُ من جميعِ شَعْرِه، وتُقَصِّرُ منه المرأةُ أَنْمُلَةً، ثم قَدْ حَلَّ له كلُّ شيءٍ إلا النساءَ، والحِلاقُ والتقصيرُ نُسُكٌ، ولا يَلْزَمُ بتأخيرِه دَمٌ، ولا بتقديمِه على الرَّمْيِ والنَّحْرِ.
    (فصلٌ)
    (1/3974)
    ________________________________________
    ثم يُفيضُ إلى مَكَّةَ، ويَطوفُ القارِنُ والمُفْرِدُ بنِيَّةِ الفريضةِ طوافَ الزيارةِ، وأَوَّلُ وقتِه بعدَ نِصفِ ليلةِ النحْرِ، ويُسَنُّ في يومِه وله تَأخيرُه، ثم يَسْعَى بينَ الصَّفَا والمروةِ إن كان مُتَمَتِّعًا أو غيرَه ولم يكنْ سَعَى مع طَوافِ القُدومِ، ثم قد حَلَّ له كلُّ شيءٍ ثم يَشربُ من ماءِ زَمزمَ لِمَا أَحَبَّ، ويَتَضَلَّعُ منه ويَدعو بما وَرَدَ.
    ثم يَرْجِعُ فيَبيتُ بِمِنًى ثلاثَ ليالٍ فيَرْمِي الجمرةَ الأُولَى، وتَلِيَ مَسجدَ الْخَيْفِ - بسبْعِ حَصَياتٍ ويَجعلُها عن يَسارِه ويَتأَخَّرُ قليلًا ويَدعو طَويلاً، ثم الوُسْطَى مِثْلَها، ثم جَمْرَةَ العَقَبَةِ ويَجعلُها عن يَمينِه ويَسْتَبْطِنُ الوادِيَ ولا يَقِفُ عندَها، يَفعلُ هذا في كلِّ يومٍ من أَيَّامِ التشريقِ - بعدَ الزوالِ مُستقْبِلَ القِبلةِ مُرَتِّبًا -
    قال العلماء: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسرع؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يقفون في هذا الوادي، ويذكرون أمجاد آبائهم: وآباؤنا فعلوا كذا، وفعلوا كذا، وفعلوا كذا، فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُخالفهم كما خالفهم في الخروج من عرفة، وخالفهم في الخروج من مزدلفة.
    ولعل هذا أقرب التعاليل؛ أنه فعل ذلك مخالفةً للمشركين الذين يقفون في هذا الوادي ليذكروا أمجاد آبائهم؛ ولهذا قال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 198] {كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200].
    ثم قال المؤلف: (أسرعَ رمية حجر) (رمية حجر)، كيف يمكن قياسها؟
    لأن الحجر قد يكون كبيرًا، فإذا رميت به لم يذهب بعيدًا، وقد يكون الرامي ضعيفًا، فإذا رمى بالحجر الصغير لم يذهب بعيدًا، لكنهم يقولون: مقدار خمس مئة ذراع، الذراع أظن ثلثي المتر، نعم، على هذا التقريب، لكن هل هذا يمكن العمل به الآن؟
    طالب: لا يمكن.
    (1/3975)
    ________________________________________
    الشيخ: الظاهر أنه لا يمكن؛ لأن الإنسان محبوس بأرتال السيارات التي لا يمكن أن يتقدم ولا أن يتأخر، وربما يُحبس في نفس المكان، يعجز أن يمشي.
    ولكن نقول: هذا شيء بغير اختيار الإنسان، ينوي الإنسان بقلبه أنه لو تيسر له أن يُسرع لأسرع، وإذا علم الله من نيته هذا فإنه قد يُثيبه على ما فاته من الثواب.
    يقول: (وأخذ الحصاة) من أين؟
    ظاهر كلام المؤلف أنه يأخذه من وادي مُحسر أو من بعده؛ لأنه قال: (فإذا بلغ محسرًا أسرع وأخذ)، فعلى هذا يأخذه بعد أن يتجاوز مُحسرًا في طريقه.
    والذي يظهر لي من السنة أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذ الحصى من عند الجمرة؛ لأنه أمر ابن عباس أن يلقُط له الحصى وهو واقف يقول للناس: بأمثال هؤلاء فارموا، ورمى.
    وأما أخذه من مزدلفة فليس بمُستحب، وإنما استحبه بعضُ المتقدمين؛ لأجل أن يبدأ بالرمي أي: رمي جمرة العقبة من حين أن يصل إلى منى؛ لأن رمي جمرة العقبة هو تحية منى، ويُفعل قبل كل شيء، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام رمى وهو على بعيره قبل أن يذهب إلى رحله ويُنزل رحله، لكنه رمى على بعيره.
    والناس لا يتيسر لهم أن يقولوا لأحد منهم: القُط لنا الحصى، ويلقط لهم الحصى وهم على إبلهم، ثم يرمون، لا يتيسر؛ فلذلك استحب بعضُ المتقدمين أن يأخذ الحصى من مزدلفة، وليس هذا بسُنَّة.
    ولكن عامة الخلق يظنون أنه يجب أن يكون الحصى من مُزدلفة وجوبًا، حتى إن الواحد منهم يأخذ عددًا كبيرًا، يأخذ سبعين حصاةً؛ لأن سبعين حصاةً تكون لمن تأخر؛ واحد وعشرون، وواحد وعشرون، وواحد وعشرون، كم هذه؟ ثلاث وستون، وسبع يوم العيد، هذه سبعون حصاةً. بعض الناس يأخذ زيادةً، لماذا؟
    يخشى أن تسقط منه واحدة أو تضيع، أو يحتاج أحدُ إخوانه، ولذلك سمعتُ فيما سبق أن كل واحد منهم يستقرض من الآخر، إذا ضاع منه شيء قال لأخيه: أقرضني -جزاك الله خيرًا- حصاةً، ومتى يوفيها؟ يمكن في العام القادم، أو فيما بعده.
    (1/3976)
    ________________________________________
    كل هذا؛ لأن العامة إذا رأوا العلماء يأخذون أو يقولون: يُستحب أن يأخذ من مزدلفة؛ ظنوا أن هذا واجب، والعامة يُحبون الخير لا شك، وقد تبيَّن بما قررنا أنه ليس من السنة، فضلًا عن أن يكون واجبًا.
    قال المؤلف: (أخذ الحصى)، وهل يغسل الحصى ليُطهِّره؟
    قال بعض العلماء: إنه يغسله تطهيرًا له إن كان قد أصابته نجاسة، أو تنظيفًا له إن لم تكن أصابته نجاسة.
    والصحيح أن غسله بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغْسِله.
    (وعدده سبعون) هذا كلام المؤلف ما شاء الله (وعدده سبعون) يعني: سبعون حصاةً (بين الحمص والبندق)، ذكر المؤلف -رحمه الله- العدد والحجم؛ العدد سبعون؛ بناءً على أنه يتأخر، فإن لم يتأخر فأنزِل من السبعين واحدًا وعشرين تكن.
    طالب: سبع وأربعون.
    طالب آخر: لا، تسع وخمسون.
    الشيخ: واحد وعشرون، وواحد وعشرون: اثنان وأربعون، وسبعة: تسع وأربعون. تكن تسعة وأربعين.
    والصحيح أنه لا يأخذ سبعين، ولا تسعًا وأربعين، أنه يأخذ الحصى كل يوم في يومه من طريقه وهو ذاهب إلى الجمرة؛ لأن الشيء الذي ليس عليه دليل يكون عدم فعله -لا سيما في العبادات- هو الدليل.
    يقول: (وعدده سبعون).
    أما الحجم، فقال: (بين الحمص والبندق) أظن العقيل يعرف الحمص، تعرفه؟ ما تعرف الحمص؟ أحد منكم ما يعرفه؟
    طالب: هو دون الفول يا شيخ.
    الشيخ: والفول مين يعرفه؟ ! على كل حال، الحمص معروف، ما أظن أحد يجهله.
    طلبة: معروف؟
    الشيخ: إي نعم، لا سيما في مكة.
    طالب: البليلة يا شيخ.
    الشيخ: بليلة، يمكن البليلة قريب منها، وأظن عقيل يعرفها، إي، هو هذا.
    على كل حال، (بين الحمص والبندق) البندق هو الحصى الذي يُرمى به بين الإبهام والوسطى، تضعه هكذا، ثم ترمي به بالسبابة، والذي يُدرك هذه الكيفية من الرمي يكون جيدًا في حذف هذه الحصاة.
    على كل حال، هي أكبر من الحمص ودون البندق، ولهذا قال: (بين الحمص والبندق).
    (فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة) من الواصل؟
    الطلبة: الحاج.
    (1/3977)
    ________________________________________
    الشيخ: الحاج، ومِنى اسم مكان معروف، وسُميت بهذا الاسم لكثرة ما يُمنى فيها من الدماء، أي: يُراق من الدماء، وهي من حيث الإعراب مصروفة، فتقول: إلى منًى؛ لأنها تنصرف.
    يقول: (فإذا وصل إلى منى) وهي من وادي مُحسِّر إلى جمرة العقبة، هذا حدها شرقًا وغربًا من وادي مُحسر -الذي ذكرنا قبل قليل أنه يُسرع فيه- إلى جمرة العقبة آخر الجمرات. الوادي منها أو لا؟
    طالب: لا.
    الشيخ: ظاهر كلام المؤلف حسب دلالة (مِنْ) أنه منها، وليس كذلك، أما جمرة العقبة فليست منها؛ لأنه قال: (إلى جمرة العقبة)، والمعروف في معاني الحروف أن ابتداء الغاية داخل، لا انتهاؤها، لكن إذا كانت المسألة من باب الحد، فإن ابتداء الغاية وانتهاءها لا يدخلان.
    فإذا قلت: لك من هذه الأرض مِن كذا إلى كذا، فالحد لا يدخل في المحدود، لا ابتداءً ولا انتهاءً، وبهذا يتقرر أن وادي مُحسر ليس من منى، وأن جمرة العقبة ليست من منى. هذا من الشرق والغرب، لكن من الشمال والجنوب كيف نحدها؟
    قال العلماء: كل الجبال الكبيرة كل وجوهها التي إلى منى مِن منى، كل سُفوح الجبال ووجوهها التي تتجه إلى منى كلها من منى.
    وبناء على هذا تكون منى واسعة جدًّا، وتحمل الحاج، لو أنها نُظمت تنظيمًا تامًّا مبنيًّا على العدل لوسعت الناس، لكن يحصل فيها الظلم؛ تجد بعض الناس يتخذ مكانًا واسعًا يسع أكثر من حاجته عشر مرات، أو عشرين مرة.
    وهنا مشكلة في الوقت الحاضر، يقول بعض الناس: أنا لا أجد أرضًا في منى إلا بأجرة، يبذلون إلى عشرين ألفًا، ثلاثين ألفًا، سبعين ألفًا، فهل يجوز أن يستأجر أرضًا في منى؟
    الجواب: نعم، يجوز، والإثم على الْمُؤَجِّر الذي أخذ المال بغير حق، أما المستأجر ماذا يصنع؟
    ولهذا قال فقهاءُ الحنابلة رحمهم الله: لا يجوز تأجير بيوت مكة، ولكن إذا لم يجد بيتًا إلا بأجرة بذل الأجرة، والإثم على صاحب البيت.
    وهذه المسألة تُذكر في البيوع، وليس هذا موضع ذكرها، لكن ذكرتها استطرادًا.
    (1/3978)
    ________________________________________
    أما بيوت منى، فلا شك أنه لا يجوز تأجيرها أبدًا، ولا أرض منى؛ لأن منى مشعر محدود، محصور، فأين يذهب الناس إذا استولى عليها من يقول: أنا لا أُنزل فيها الناس إلا بأجرة؟ !
    أما مكة يمكن للإنسان أن ينزل بعيدًا، ولا يهم، لكن منى وعرفة ومزدلفة مشاعر كالمساجد، لا يجوز لأحد إطلاقًا أن يبني فيها بناء ويُؤجره، ولا أن يختط أرضًا ويُؤجرها، فإن فعل فالناس معذورون، يبذلون الأجرة، والإثم على الذي أخذها.
    يقول: (فرماها بسبع حصيات متعاقبات) سبع حصيات، ولماذا اختِيرت السبع؟ اقتداءً بمن؟ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه رماها بسبع حصيات.
    أما لماذا لم تكن خمسًا، أو ثلاثًا، أو تسعًا، أو إحدى عشرة حصاة؟
    فهذا ليس لنا الحق في أن نتكلم فيه، كما أنه ليس لنا الحق بأن نقول: لماذا كانت الصلوات الخمس سبع عشرة ركعة؟ لماذا لم تكن الظهر ستًّا، والعصر ستًّا، والعشاء ستًّا مثلًا؟
    نقول: هذا لا تُدركه عقولنا، وليس لنا فيه إلا مجرد التعبد.
    (بسبع حصيات مُتعاقبات) معنى (مُتعاقبات)؟
    طالب: وراء بعض.
    الشيخ: وراء بعض، يعني واحدة بعد الأخرى، صحيح.
    وقول المؤلف: (رماها) يُفهم منه أنه لو وضع الحصى وضعًا فإنه لا يُجزئه، بل لا بد من الرمي، حذف، أما لو أخذ الحصاة ووضعها هكذا؛ هذا لا ينفع.
    وقوله رحمه الله: (متعاقبات) لو أنه من شدة الزحام رمى السبع جميعًا، ما لا يُجزئه؟
    طلبة: واحدة.
    الشيخ: واحدة فقط، تجزئه واحدة.
    وقول المؤلف: (بسبع حصيات متعاقبات) ظاهره أنها مُتوالية، أو أنه لا فرق بين المتوالية والمتفرقة، فيه احتمال: أنه يجوز أن تكون متوالية، ويجوز أن تكون متفرقةً، لكنها عبادة واحدة، والأصل في العبادة الواحدة المكونة من عدد أن تكون متوالية.
    يقول رحمه الله: (يرفع يده اليُمنى حتى يُرى بياضُ إبطه، ويُكبر مع كل حصاة)
    علل الشارح هذا بأنه أعونُ له على الرمي، هكذا، حتى يبدو بعض إبطه؛ لأنه أعون له على الرمي.
    (1/3979)
    ________________________________________
    وهذا فيما إذا كان الإنسان بعيدًا واضحًا، لكن إذا كان قريبًا ويمكن يقول: هكذا، هكذا، فلا حاجة، المقصود هو الرمي، فالإنسان البعيد يحتاج إلى رفع يده حتى يصل إلى المراد.
    وقول المؤلف: (فرماها بسبع حصيات) (رماها): قد يُفهم من هذا الكلام أنه لا بد أن يرمي الشاخص -العمود القائم- ولكنه غير مراد، المقصود أن تقع في الحوض، سواء ضربت العمود أم لم تضربه.
    (ويُكبِّر مع كل حصاة)، كلما رمى قال: الله أكبر، مع كل حصاة، وبهذا نعرف الحكمة من الرمي؛ من رمي الجمرات، الحكمة هو تعظيم الله عز وجل، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَرَمْي الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ» (1)، فالحكمة إقامة ذكر الله، وتعظيم الله عز وجل، وتمام التعبد؛ لأن كون الإنسان يأخذ حصى ويضرب به هذا المكان يدل على تمام انقياده، إذ إن النفوس قد لا تنقاد للشيء إلا بعد أن تعرف المعنى الذي من أجله شُرع، لكن كونك تأتي وترمي هذه الحصيات في هذا المكان يدل على تمام الذل والتعبد لله عز وجل.
    وأما ما يُذكر أن الرمي هنا إغاظة للشيطان، فإن هذا لا أصل له صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل النبي عليه الصلاة والسلام بيَّن أن الحكمة هو إقامة ذكر الله عز وجل.
    وعلى المفهوم الذي ذكرنا أنه من أجل الشيطان صار بعضُ العامة إذا أقبل على الجمرة يُقبل بانفعال شديد، وغضب شديد، مُحمر العينين، مُنتفش الشعر، يخبط كأنه جمل هادر، وكيف يضرب؟ يدور أكبر حصاة حصل ويضرب بها هذا المكان، وربما يضرب هذا المكان بالنعال، والخشب، وما أشبه ذلك.
    ولقد رأيتُ بعيني قبل أن تُبنى هذه الجسور رأيتُ رجلًا وامرأته جالسين على الحصى -الحصى المتجمع من رمي الناس- يضربان العمود، والحصى تُصيبهما، ولا يتأثران، لا يتحركان، فأقول في نفسي:
    هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ
    (1/3980)
    ________________________________________
    وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ

    يعني أنهم صبروا من أجل تحصيل الأجر، يظنون أن هذا أجر لهم، كله من أجل العقائد أو التوهمات التي يرثها بعضُهم من بعض.
    قال: (ولا يُجزئ الرمي بغيرها)، بغير أيش؟
    طلبة: بغير الحصى.
    الشيخ: بغير الحصى، حتى ولو كان ثمينًا.
    عندي بالشرح يقول: (كجوهر، وذهب، ومعادن).
    يعني لو رميت بدل الحصاة -الحصى- دنانير فإنه لا يُجزئ؛ لأن المسألة تعبدية، لو رميت بجوهر، لو رميت بالماس، لو رميت بالحديد، لو رميت بالخشب، بأي شيء فإنه لا يُجزئ إلا بالحجر.
    لو رميت بمدر -الطين المُجبن اليابس- فإنه لا يُجزئ.
    وهنا نسأل: هل يجوز أن يرمي بكسر الأسمنت؟
    يوجد مثلًا عند محل صبات الأسمنت يوجد كسر من الأسمنت، هل يجوز أن يرمي بها؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: لا؛ لأن هذه ليست أحجارًا، لكن يوجد في هذه الأمكنة يوجد حصى -أحجار مختلطة بالأسمنت- يمكن يرمي بها.
    قال: (ولا يُجزئ الرمي بغيرها، ولا بها ثانيًا) يعني ولا يجزئ الرمي بها ثانيةً، يعني لا ترمي بحصاة رُمي بها، لماذا؟
    قاسُوه على أصل، قالوا: لأن الماء المستعمل في الطهارة الواجبة لا يرفع الحدث.
    هذه حصاة مستعملة في عبادة واجبة مرمية -وهو الرمي- فلا يجوز أن ترمي بها ثانيًا، كما لا يجوز أن تتوضأ بالماء المستعمل، هذه واحدة, وعلَّلوا بتعليل آخر: قالوا: لأن العبد إذا أُعتق في كفارةلم يجُز إعتاقُه مرةً أخرى.
    ونحن نقول: كلا التعليلين عليل؛ أما الأول: فإنه قاس مختلفًا فيه على مختلف فيه؛ لأن بعض العلماء يقول: إن الحصاة المرمي بها مُجزئة، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله.
    فنقول: أنت قِست شيئًا مختلفًا فيه على شيء مُختلف فيه، والقياس لا بد فيه من أن يتفق الطرفان على حكم الأصل؛ لأجل أن يُلزم أحدُهما الآخر بما يقتضيه القياس.
    أما إذا قال: أنا لا أُسلِّم أن الماء المستعمل لا يرفع الحدث. أقول: الماء المستعمل يرفع الحدث، وحينئذٍ إذا بطل الأصل المقيس عليه.
    (1/3981)
    ________________________________________
    الطلبة: بطل المقيس.
    الشيخ: بطل المقيس، هذه واحدة. وأما الرقبة: فنقول: إن العبد إذا أُعتق صار حرًّا، يعني زال عنه وصف العبودية، ولهذا لو قُدر أن هذا العبد ذهب إلى الكفار، ثم حاربنا، ثم سبيناهُ مرةً ثانيةً؛ عاد رقيقًا، وجاز أن يُعتق في الكفارة.
    إذن القول الراجح أن الحصاة المرمي بها مجزئة، وهذا مع كونه هو الصحيح أرفق بالناس؛ لأنه أحيانًا تسقط منك الحصاة وأنت عند الحوض، وتتحرج أن تأخذ مما تحت قدمك، فإذا قلنا بالقول الراجح: إنها تُجزئ ولو كانت مرميًّا بها أمكن الإنسان أن يأخذ من تحت قدمه ويرمي.
    لكن أُورد على هذا القول إيراد لننظر معكم كيف نتخلص من هذا الإيراد؟
    قالوا: هذا القول يستلزم أن يُجزئ الحجيج كلهم حصاة واحدة!
    يعني يجيء واحد يرمي بحصاة، ثم يأخذها ويرمي بها، ويأخذها ويرمي، ويأخذ ويرمي، كم هذه؟
    طلبة: سبع.
    الشيخ: إلى السبع، والآخر ينتظر، فبعدما ينتهي يأخذ ويرمي، والثالث ينتظر، وإذا قدَّرنا أن مليون مسلم اللي بيرمي.
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: على كل حال -شوف العلماء رحمهم الله- أورد هذا الإيراد: قيل: يلزم على قولكم أن يجزئ الحجيج كلهم حصاة واحدة.
    قلنا: نحن نلتزم بهذا، لكن من يبغي يفعل؟ !
    أحد الناس بيقعد ينتظر الثاني حتى يكمل سبع مرات يُعيد الحصاة، ثم الثالث والرابع إلى مليون نفر! هذا لا يمكن، فالإيراد الذي تنفر الطباع منه، ولا تقبله ليس بإيراد في الواقع، لكن الذي يحتاج الناس إليه في عصرنا هذا هو أنه أحيانًا تسقط منك الحصاة وأنت قريب من الحوض، وتحتاج إلى أن تأخذ من تحت قدمك وترمي به، نقول: لا بأس، افعل ولا حرج.
    (ولا يجزئ الرمي بغيرها، ولا بها ثانيًا، ولا يقف) أيش معنى (لا يقف)؟
    لا يقف بعد رمي الجمرة، لا يقف للدعاء، ينصرف إلى المنحر، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ( ... ).
    (1/3982)
    ________________________________________
    رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد، اللهم اغفر لي ولوالدي.
    الإخوان يقولون: البندق نبات أو ثمر يُؤكل، قاله عبد الرحمن رستم، وحجاج بن عبد الرازق الأنصاري. فلا ندري.
    طالب: ( ... ).
    طالب آخر: ( ... ).
    الشيخ: على كل حال، يرجع إليه.
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: تأتينا -إن شاء الله- غدًا بشيء منه، للاطلاع عليه.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: ويش يقول؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: نخليها بعدين.
    طالب: ( ... ) والبُندق بضم الباء والدال، الذي يُرمى بها، الواحدة: بندقة، بهاء، والجمع بنادق، وثمرة شجر.
    الشيخ: يعني خلاص، إذن يطلق على معنيين؛ على الحصى الذي يُرمى به، وعلى ثمر الشجر.
    ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولا يقف): يعني لا يقف بعدها للدعاء، بل ينصرف إلى المنحر، وهنا نسأل: من أين يرمي هذه الجمرة؟ أمن الشرق أم من الغرب؟ يرمي من بطن الوادي.
    وكانت الجمرة -وأنا أدركتها- في ظهر جبل، لاصقة بجبل، لكن جبل ليس بالرفيع، فيه عقبة، ولهذا تُسمى جمرة العقبة، يصعد الناس منه، وكان تحتها وادي شهيب يمشي، فالنبي عليه الصلاة والسلام رمى من بطن الوادي (2)، ولم يصعد على الجبل فيرمي من فوق.
    إذا رمى من بطن الوادي تكون مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، وقد فعل ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال: هذا مقام الذي أُنزلت عليه سورة البقرة (3)، فيرمي من بطن الوادي، يجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، وهذا إن تيسر، وفي عهدنا بالوقت الحاضر قد يكون صعبًا.
    وقد ذكرنا القاعدة التي تُعتبر قاعدةً نافعةً: أن مراعاة ذات العبادة أولى من مراعاة مكانها، فإذا كان إذا أتاها مثلًا من الشمال -الآن ما فيه عقبة ولا في جبل- إذا أتاها من الشمال يكون أيسر له، فليكن من الشمال.
    المهم أن نقول: ارمها الآن من أي مكان يكون أيسر لك، المهم أن تؤديها بخشوع، واستحضار أنك في عبادة، وتُكبر الله عز وجل.
    (1/3983)
    ________________________________________
    ثم قال المؤلف: (ويقطع التلبية قبلها)؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُلبي حتى رمى جمرةَ العقبة.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: ذكرناها.
    (ويقطع التلبية قبلها)، عندي بالشرح لقول الفضل بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة (4).
    ومن حين أن يبدأ يقطع التلبية؛ لأنه إذا بدأ سُنَّ له ذكر آخر، وهو أيش؟
    طلبة: التكبير.
    الشيخ: التكبير.
    قال: (ويرمي بعد طلوع الشمس) يرمي الفاعل؛ الحاج، يرمي بعد طلوع الشمس هذا هو الأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمى بعد طلوع الشمس (5).
    (ويُجزئ بعد نصف الليل) بعد نصف الليل منين؟
    طالب: من ليلة المزدلفة.
    الشيخ: من ليلة النحر، وظاهر كلام المؤلف أنه يجزئ مطلقًا للقوي، والضعيف، والذكر، والأنثى، وسبق بيان ذلك، وأنه لا يدفع أحد من مُزدلفة إلا بعد أن يُصلي الفجر، ما لم يكن ضعيفًا أو صاحبًا لضعيف، ومع ذلك لو دفع فإنه لا يأثم والمسألة من باب الأفضلية.
    قال المؤلف: (ويجزئ بعد نصف الليل، ثم ينحر هديًا إن كان معه) ينحر الهدي بعد الرمي.
    وقوله: (إن كان معه) يعني أو ليس معه، وذهب يشتريه من السوق ونحره.
    وقوله: (ينحر هديًا): عبَّر بالنحر من باب التغليب، أو من باب مراعاة لفظ الحديث، حيث قال جابر: ثم انصرف إلى المنحَر فنحر (6).
    لكن من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أهدى إبلًا، فمن كان أهدى إبلًا فإننا نقول له: انحر، لكن من أهدى بقرًا أو أهدى غنمًا فإنا نقول له: اذبح، فعليه يكون قول المؤلف: (ثم ينحر) إما بناءً على التغليب، وإما موافقةً للفظ الحديث.
    (ويحلق، أو يُقصِّر من جميع شعره) يحلق، أو يُقصر، (أو) هنا للتخيير، ولكنه تخيير بين فاضل ومفضول، ما هو الفاضل؟
    طالب: الحلق.
    (1/3984)
    ________________________________________
    الشيخ: الحلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا للمُحلِّقين ثلاثًا وللمُقصِّرين مرة (7)، ولأن الله قدمه في الذكر، فقال: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [الفتح: 27].
    (ويحلق أو يقصر من جميع شعره) من الذي يحلق؟
    طلبة: الحاج.
    الشيخ: الحاج، لكن هل يحلق هو بيده، أو يُكلف من يحلقه؟
    طلبة: الثاني.
    الشيخ: الثاني، وإن شاء الأول، إن قدر على أن يحلق نفسه بنفسه فلا حرج، خلافًا لقول بعض العلماء: إنه إذا حلق نفسه بنفسه يكون فعل محظورًا، فنقول: لا، هذا لم يفعل محظورًا، حلق للنسك.
    يقول: (ثم يحلق، أو يُقصر من جميع شعره) أشار المؤلف بقوله: (من جميع شعره) إلى أن التقصير لا بد أن يكون شاملًا للرأس.
    من كل شعرة بعينها؟ لا، لكن لا بد أن يعم الرأس بحيث يظهر لمن رآه أنه مُقصر.
    وذكر ذلك خلافًا لما قاله بعضُ أهل العلم؛ أنه يكفي أن يُقصر من ثلاث شعرات، أو من ربع الرأس، أو ما أشبه ذلك، بل الصواب ما ذكره المؤلف، أنه لا بد أن يُقصِّر من جميع الشعر.
    (وتُقصر منه المرأة أنمُلة) المرأة تُقصر أنملة، كيف أنملة؟
    طلبة: عندنا: (قدر).
    الشيخ: عندكم (قدر)؟
    طالب: إي نعم.
    الشيخ: (تقصر المرأة منه قدر أنملة): الأنملة: أنملة الأصبع؛ يعني أن المرأة تمسك بضفائر رأسها -إن كان لها ضفائر- أو بأطرافه -إن لم يكن لها ضفائر- وتقص بقدْر أنملة، وقدر أنملة بالتقدير الأخير هذا كم؟ من؟
    طالب: 2 سم يا شيخ.
    الشيخ: 2 سم؟ تقريبًا.
    (ثم قد حل له كل شيء إلا النساء) (ثم) يعني بعد الحلق قد حلَّ له كل شيء إلا النساء.
    الآن فعل الحاج ثلاثة أشياء، ما هي؟
    الرمي، والنحر، والحلْق، أو التقصير، إذا فعل هذه حلَّ من كل شيء إلا النساء.
    (كل شيء) يعني المحظورات التسعة يحل منها إلا النساء. (إلا النساء وطئًا، ومباشرةً، وعقدًا)، هذا هو المشهور من المذهب.
    (1/3985)
    ________________________________________
    وقيل: وطئًا، ومباشرةً، لا عقدًا وخطبةً، وأنه يجوز العقد وتجوز الخطبة بعد التحلل الأول.
    فعلى المذهب، لو أن أحدًا من الناس رمى، ونحر، وحلق، ثم تزوج قبل أن يطوف بالبيت، فالنكاح مُحرم وغير صحيح.
    وهذا ربما يقع في غير هذه الصورة التي ذكرت، ربما يطوف الإنسان طواف الإفاضة على وجه لا يُجزئه، ثم يرجع إلى بلده ويتزوج في هذه المدة قبل أن يُصحِّح خطأه في الطواف، فعلى المذهب يكون النكاح غير صحيح، وتلزمه إعادة العقد.
    وعلى القول الثاني -وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصحيح- يجوز عقد النكاح بعد التحلل الأول ويصح.
    وقوله رحمه الله: (ثم قد حل له كل شيء) ظاهره أنه لا يحل بمجرد الرمي، وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم؛ فمنهم من قال: إنه يحل بالرمي؛ أي: رمي جمرة العقبة، سواء حلق أم لم يحلق.
    واستدلوا لذلك بأن الإنسان يقطع التلبية إذا شرع في الرمي، وهذا يعني أن نُسكه انتهى، وبأنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام تعليق الحل بالرمي فقط.
    ولكن الذي يظهر لي أنه لا يمكن أن يحل إلا بعد الرمي والحلق؛ لقول عائشة رضي الله عنها: كنتُ أُطيِّب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يُحرِم، ولِحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت (8).
    ولو كان يحل بالرمي لقالت: ولحله قبل أن يحلق، فهي -رضي الله عنها- جعلت الحل ما بين الطواف والذي قبله، والذي سبقه هو الرمي والنحر والحلق، لا سيما وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» (9). فالصواب أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالرمي والحلق.
    يقول رحمه الله: (والحلاق والتقصير نسك) يعني أن الحلق والتقصير نُسك، وإنما نص على هذا دفعًا لقول من يقول: إنه إطلاق من محظور، وليس بنسك.
    (1/3986)
    ________________________________________
    وبناءً على هذا، ينوب مناب الحلق فِعل أي محظور فعله؛ لأن المقصود أن يُعلم أنه تحلَّل من إحرامه، كما قال بعضُهم في التسليم في الصلاة: إن المراد فعل ما يُنافي الصلاة، وأنه إذا فعل ما يُنافي الصلاة فإنه يُغني عن التسليم.
    ويُذكر أن بعض الناس قال لبعض الملوك الذين يعتنقون مذهبًا من المذاهب، قال: أتريد أن أصلي لك صلاةً على هذا المذهب؟ قال: نعم. قال: على أقل مجزئ؟ قال: نعم. فكبر تكبيرة الإحرام، وقال: الله أعظم، ثم قال: مُدهامتان، ثم ركع بلا تكبير، ولا تسبيح، ولا طُمأنينة، ثم رفع كذلك، وفي النهاية عند التسليم أحدث، أحدث بريح، ليش؟ لأنه فعل ما يُنافي الصلاة، فقال: أيش هذا؟ ! قال: هذا هو مُقتضى هذا المذهب الذي أنت عليه.
    فعلى كل حال، يرى بعض العلماء أن الحلق والتقصير إطلاق من محظور، وليس بنُسك، ولكنه قول ضعيف، والصواب أنه نسك، وأنه عبادة وقُربة لله، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا للمُحلقين وللمُقصرين، ولا يدعو إلا لشيء مطلوب شرعًا.
    (ولا يلزم بتأخيره دم، ولا بتقديمه على الرمي والنحر) يعني لو أخر الحلق أو التقصير عن أيام التشريق، أو عن شهر ذي الحجة، أو أخره إلى ربيع، أو إلى رمضان، أو إلى السنة الثانية، فليس عليه شيء، لكن يبقى عليه أيش؟ التحلل الثاني؛ لأنه لا يمكن أن يتحلل التحلل الثاني حتى يحلق أو يُقصر، ولكن الذي يظهر أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة؛ لأنه نسك، وقد قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: كيف؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: لا, ما يفعل.
    طالب: شيخ، بالنسبة لهذا العصر يكون الحجاج؛ يعني يكونون منتشرين في عرفات، ولا يسعهم مكان واحد بالنسبة لصلاة الظهر والعصر، والآن يعني الخطبة وصلاة المشعر يعني بتكون في الإعلام؛ يعني من مذياع ومرئي، فهل يعني يجوز لهم أن يصلوا خلف المذياع، وهم منتشرون في عرفات خلف الإمام؟
    (1/3987)
    ________________________________________
    الشيخ: ماذا تقولون؟ يقول خلاصة سؤاله: هل يجوز لنا ونحن في عرفة أن نصلي بصلاة الإمام إمام مسجد عرنة؟
    طالب: لا يجوز.
    الشيخ: نقول: لا يجوز؛ لأنه لا بد من أن يكون مكان الجماعة واحدًا، ثم إننا لا نأمن أن ينقطع الصوت.
    وعلى رأي بعض العلماء، يقول: لا بد من اتصال الصفوف إذا كان خارج المكان، ولو فتحنا هذا الباب لفتحنا على أنفسنا شيئًا لا يمكن لنا دفعه، لقال الناس: نبقى في بيوتنا في يوم الجمعة، ونصلي الجمعة خلف إمام مكانه أفضل من مكان إمامنا، ما هو؟
    الطلبة: الحرم.
    الشيخ: الحرم، وهذه مشكل، ولهذا الذي نرى أنه يجب سد هذا الباب، ونقول: من كان متصلًا مع الناس -مثل الذي يكون حول المسجد، مسجد عُرنة- فليُصلِّ مع الناس، أما البعيد فلا.
    طالب: أحسن الله إليكم، ذكرتم بأن رمي جمرة العقبة هي تحية منى، وذكرتم أيضًا بأن جمرة العقبة ليست من منى، فكيف يكون الرميُ تحيةً لها وهي ليست من منى؟
    الشيخ: إي، تحيةً لها زمنًا لا مكانًا، بمعنى أنه يُبدأ به قبل كل شيء.
    طالب: لكن تحية الشيء يا شيخ، أليست مكانًا أحسن الله إليك؟
    الشيخ: هذه منى، إذا وصلت منى، وإن كان هذا ليس منى.
    طالب: أقول: أليست العبرة بالمكان؟
    الشيخ: لا، لكن تحية المسجد من المسجد، أما هذه فتحية منى، يعني تحية النزول في منى، والإنسان إذا رمى سوف ينزل بمنى، والعلماء نصوا على هذا، على أن جمرة العقبة ليست من منى.
    طالب: شيخ، قلنا: إنه يجوز حتى لغير الضعفاء ( ... ) بمزدلفة بعد مضي ثلثي الليل، لكن شيخ، النبي صلى الله عليه وسلم، إنما رخص ( ... ).
    الشيخ: إي نعم، لكن في وقتنا الحاضر الآن فيه مشقة على كل أحد، حتى الإنسان القوي يلحقه مشقة عظيمة، فبناء على هذا نقول: لا بأس.
    طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، ( ... ).
    الشيخ: كيف؟
    طالب: ما يأخذ الحصاة ( ... )، بل إذا ( ... ).
    الشيخ: ما به بأس، هذا أقرب إلى السنة.
    طالب: من الأرض؟
    الشيخ: إي، من الأرض.
    طالب: عند الجمرة.
    (1/3988)
    ________________________________________
    الشيخ: عند الجمرة.
    طالب: رضي الله عنك يا شيخ، التلبية ( ... ) مشاعر، هل يلبي أو لا؟
    الشيخ: إي، هذه المسألة اختلف فيها العلماء، هل يلبي الإنسان وهو نازل في عرفة، أو نازل في المزدلفة، أو التلبية إنما تكون للماشي الذي يُقبل على من دعاه؟
    يرى شيخ الإسلام رحمه الله أن التلبية إنما تكون للماشي -للساعي- لأنه هو الذي يتجه إلى من دعاه، ولكن ظاهر السنة خلاف ذلك؛ لأن قوله: لم يزل يُلبي حتى رمى جمرة العقبة (10) ظاهره أنه في كل هذا الوقت.
    طالب: الأبطح من الحرم ولا خارج الحرم؟
    الشيخ: الأبطح من الحرم.
    طالب: من خارج مكة ( ... ).
    الشيخ: تقصد من الحرم؟
    طالب: إي نعم.
    الشيخ: إي نعم، المزدلفة من الحرم، منى من الحرم.
    طالب: شيخ، قلنا: إن المكي إذا أراد العمرة خرج إلى الحل، واستدللنا لذلك بحديث عائشة وقلنا: عائشة ( ... ) من غير المكي، فكيف يتم الاستدلال؟
    الشيخ: أليس الآفاقي إذا أحرم بالحج يُحرم من مكة؟
    طالب: بلى، ولكن المكي والآفاقي يُحرم بالحج من مكة داخلين تحت العموم.
    الشيخ: زين.
    الطالب: ومَن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ.
    الشيخ: لكن ألا يمكن أن يكون العموم يُخصص؟
    الطالب: يخصص للآفاقي، هذا جاء الدليل ( ... ).
    الشيخ: لا، ما هو في الآفاقي، ما دام أنه قال: «حَتَّى أَهْل مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» (11)، وقد ذكر الحج والعمرة، ثم بين في حديث عائشة أنه يُحرم من الحل ( ... ) واضح؟
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، قلنا في الدعاء في عرفة: يجوز أن يُؤمن الناس خلف ..
    الشيخ: يعني يمشي مع الناس مثلًا على واحد يدعو لهم.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: إي نعم، لكن بعض الإخوة قال: نخشى أن يفتح علينا هذا الباب، التكبير الجماعي، والتلبية الجماعية.
    طالب: الدعاء خلف الصلاة.
    الشيخ: لا، هو أحيانًا يكون أي يكون الجماعة، ما معهم إنسان يعرف يدعو والوقت طويل، يقول: جزاك الله الخير، ادعُ لنا.
    (1/3989)
    ________________________________________
    وحديث العباس أن عمر قال: ادعُ لنا، لكنه حديث العباس لا يتم الاستدلال به؛ لأنه في مكان دعاء استسقاء.
    على كل حال، المسألة تحتاج إلى تأمل، وأنا أحب أن نسد الأبواب أمام أهل البدع.
    وأنا أقول للإنسان: إذا كان معك عوائل لا يعرفون الدعاء، فأنت قل لهم: ادعوا باللي تعرفون، لو تقول: اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي، تكررها إلى الغروب، كفى.

    طالب: بارك الله فيكم، لو حدث لإنسان تقدم إلى الجمرات ولقط من تحت الجمرات، فهل هذا جائز؟ أفتونا يا شيخ، أفادكم الله.
    الشيخ: أيش؟
    طالب: تذكرون هذا الأمر، أن لو لقط من الجمرات نفسها، أخذ من الحوض.
    الشيخ: من الحوض يجزئ، ما فيها شيء.
    الطالب: بدون حاجة.
    الشيخ: بدون حاجة، لكن الغالب إن لم يصل إلى هذا المكان يكون في حاجة؛ لأنه لو نزل رأسه بيأخذ ممكن يُدعس.

    طالب: في عرفة والمشاعر، الذين يخرجون من أهل مكة للتجارة، هل يصلون قصرًا وجمعًا في عرفات ومزدلفة؟
    الشيخ: سمعتم السؤال؟
    يقول: إذا خرج أهل مكة مع الحجاج للتجارة، هل يقصرون ويجمعون أو لا؟ فهذا ينبني على الخلاف، هل الجمع والقصر في منى ومزدلفة وعرفة نُسك، أو من أجل السفر؟
    يرى بعض العلماء أنه نُسك، وهذا رأي من يرى أنه لا يجوز الجمع إلا في عرفة ومزدلفة، ويرى آخرون أنه للسفر، وأن السفر ما تعارف الناس عليه، وفي عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان الناس يتزودون للخروج إلى منى وعرفة ومزدلفة، ويتأهبون أُهبة السفر، وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
    والدليل على هذا أنه لو كان من أجل النسك لقلنا لمن أحرم في مكة وتأخر عن الخروج، وهو من أهل مكة، فإنه يجوز له القصر.
    الصحيح أنه من أجل السفر، وبناءً على ذلك نقول: هؤلاء الذين يخرجون مع الحجاج للتجارة لهم القصر.
    بقي أن نقول: منى في الوقت الحاضر هل تُعتبر خارج مكة، أو تُعتبر من مكة؟
    طالب: من مكة.
    (1/3990)
    ________________________________________
    الشيخ: الظاهر أنها من مكة، ولهذا نحن نقول للحجاج من أهل مكة: الأحوط لكم ألا تقصروا في منى، كما هو المشهور من مذهب الحنابلة أيضًا؛ مذهب الحنابلة الآن والشافعية، ومن يشترط المسافة يرى أنه لا يجوز لأهل مكة أن يقصروا، ولا أن يجمعوا في عرفة، ولا مزدلفة، ولا منى؛ لأن كل هذه لا تبلغ المسافة.
    لكن إذا قلنا: إن الصحيح أن السفر ما تأهب الناسُ له؛ فإنا نقول في الوقت الحاضر: إن منى لأهل مكة حي من أحياء هذا ( ... ).
    ***
    نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    سبق لنا أن الإنسان إذا دفع من عرفة بات في المزدلفة، وله أن ينصرف منها على ما مشى عليه الفقهاء رحمهم الله بعد منتصف الليل مطلقًا؛ أي: سواء كان قويًّا أم ضعيفًا.
    وسبق لنا أن القول الراجح في هذا أنه لا يدفع إلا إذا مضى أكثرُ الليل، وأن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما كانت ترقُب غروب القمر، فإذا غرب دفعت، وأن هذا هو الصحيح، وهو الذي يحصل به الْمُكث في مزدلفة أكثر الليل.
    وسبق لنا أيضًا أنه إذا وصل إلى منى فإنه يبدأ برمي جمرة العقبة، ثم أيش؟
    طلبة: نحر الهدي.
    الشيخ: ثم نحر الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، ثم السعي.
    وتُرتب هكذا على وجه الندب، فإن قدَّم بعضها على بعض فالصحيح أن ذلك جائز، سواء كان لعذر -كالجهل والنسيان- أو لغير عذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يُسأل في ذلك اليوم عن التقديم والتأخير فيقول: «افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ» (12).
    وتأمل قوله: «افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ»، ولم يقل: «لَا حَرَجَ» فقط، بل قال: «افْعَلْ»، وافعل فعل أمر للمُستقبل، يعني أنك إذا فعلت في المستقبل فلا حرج.
    وقد أبدى بعضُ العلماء المحققين -كابن دقيق العيد وغيره- أن هذا إنما يكون لمن كان معذورًا؛ لأن في بعض ألفاظ الحديث: لم أشعر، فظننتُ أن كذا قبل كذا، فقال: «افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ».
    (1/3991)
    ________________________________________
    ولكن لما كان النبي عليه الصلاة والسلام قال: «افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ»، وهي للمستقبل، ولم يقتصر على قوله: «لَا حَرَجَ»؛ عُلم أنه لا فرق بين الناسي والجاهل، وبين الذاكر والعالم.
    وهذا كما أنه ظاهر الأدلة؛ فهو الموافق للدين الإسلامي في مثل هذه الأزمان؛ لأن ذلك أيسر على الناس.
    بقي السعي قبل الطواف، فإن من العلماء من أنكر هذا، وقال: لا يمكن السعي قبل الطواف؛ لأن الله قال: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، فالطواف لا يمكن أن يتقدمه السعي.
    فمنهم من طعن في صحة الرواية: سعيتُ قبل أن أطوف (13).
    ومنهم من قال: المراد بذلك سعي الحج لمن كان قارنًا أو مُفرِدًا، فأما الأول فالحديث صحيح، ولا مطعن فيه، وأما الثاني: فإن هذا الرجل لم يسأل عن سعي سبق منذ أيام، إنما سأل عن سعي حصل في ذلك اليوم، ولا يصح أن نقول: إن هذا السعي الذي كان بعد طواف القدوم؛ لأن ظاهر حال السائل لا تقتضي هذا.
    وسبق لنا أنه يحصل التحلل الأول إذا رمى وحلق أو قصَّر، وأن النحر لا علاقة له بالتحلل، ولكن الفقهاء -رحمهم الله- توسعوا وقالوا: يحصل التحلل الأول بفعل اثنين من ثلاثة، وهي: الرمي، والحلق، والطواف، قالوا: إذا رمى وطاف حل التحلل الأول، إذا حلق وطاف حل التحلل الأول، إذا رمى وحلق حل التحلل الأول.
    المهم إذا فعل اثنين من ثلاثة، والسنة إنما جاءت بالرمي وحده، أو بالرمي والحلق، ولكنهم قالوا: إذا كان الطواف مُؤثرًا في التحلل الثاني فإنه يكون مُؤثرًا في التحلل الأول، وذلك أن الإنسان إذا رمى وحلق وطاف: حل التحلل الثاني، فإن كان مُتمتعًا فيحل التحلل الثاني بعد السعي، وإن كان قارِنًا أو مُفرِدًا، ولم يكن سعى مع طواف القدوم فكذلك، فلهذا ألحقوا الطواف بالرمي والحلْق، وقالوا: إذا فعل اثنين من ثلاثة. وسبق لنا أن القول الراجح أن الحلْق والتقصير إطلاق من محظور.
    (1/3992)
    ________________________________________
    الطلبة: لا، نُسك.
    الشيخ: نُسك، أنه نسك، وليس إطلاقًا من محظور.
    والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا للمُحلقين والْمُقصرين، والدعاء لا يكون إلا على فعل مأمور به، وإذا كان مأمورًا به فهو نُسك.
    وسبق لنا أن المذهب، يرون أنه لا بأس من تأخيره ولو سنوات، لكنه يبقى على التحلل الأول فقط، ما هو على إحرامه، يبقى على التحلل الأول فقط، فلا يحل له النساء، على القول بأنه لا بد للتحلل الأول من الحلق أو التقصير، ولكن الذي يترجح لي أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة؛ لقول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].
    ثم قال المؤلف: (فصل: ثم يفيض إلى مكة) (يفيض)؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: نعم، (ولا يلزم بتأخيره دم) يعني لا يلزم بتأخير الحلق أو التقصير عن أيام منى دم، بل ولا عن شهر ذي الحجة، بل لو أخَّره إلى عشر سنوات فليس عليه شيء، ولكن هنا مسألة لو كان جاهلًا أنه يجب الحلق أو التقصير، ثم علم، فنقول: احلق وقصِّر الآن، ولا حرج عليك فيما فعلت من المحظورات قبل ذلك؛ لأنك فعلتها جاهلًا.
    قال: (ولا بتقديمه على الرمي والنحر) يعني ولا يلزم بتقديم الحَلْق أو التقصير على الرمي والنحر دم، بل له أن يُقدمه على الرمي والنحر، وليس عليه شيء، وقد سبق البحث في هذه المسألة، وبينا أدلة ذلك من سُنَّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
    ثم قال: (فصل، ثم يفيض إلى مكة) (يفيض) مأخوذ من فاض الماء، يعني يفيض الحاج أو الحجيج، يفيضون إلى مكة، أي: ينزلون من منى إلى مكة، ومتى هذا؟
    في ضحى يوم النحر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفاض إليها في الضحى.
    (ويطوف القارنُ والمفردُ بنية الفريضة طواف الزيارة) يطوف المفرد والقارن بنية الفريضة طواف الزيارة.
    أفادنا المؤلف رحمه الله أن هذا الطواف فرض؛ لقوله: (بنية الفريضة)، وأنه لا بد من نيته، وأنه فرض.
    (1/3993)
    ________________________________________
    وسبق الخلاف في هذه المسألة، وبينا أن الطواف والسعي والرمي وما أشبهه كلها تعتبر أجزاء من عبادة واحدة، وأن النية في أولها كافية عن النية في بقية أجزائها؛ لأن هذه العبادة -الحج- عبادة مُكونة أو مركبة من هذه الأجزاء، فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع، كما لو نوى الصلاة من أولها.
    وأفادنا في قوله: (يطوف المفردُ والقارنُ) أن المتمتع لا يطوف، وليس كذلك، وإنما أراد -رحمه الله- بالنص على المفرِد والقارِن دفْع ما قيل: إن المفرِد والقارِن يطوفان للقدوم أولًا إذا لم يكونا دخلا مكة من قبل، ثم يطوفان للزيارة، فيلزمهما على هذا طوافان: الطواف الأول للقدوم، بشرط ألا يكونا دخلاها من قبل، والثاني للزيارة.
    كيف لم يكونا دخلاها من قبل؟ هل يمكن هذا؟ هل يمكن للقارن والمفرد ألا يكونا دخلا مكة قبل طواف الإفاضة؟
    نعم، يمكن؛ لأنه من الجائز لهما شرعًا أن يذهبا من الميقات رأسًا إلى منى أو إلى عرفة، بخلاف المتمتع، المتمتع لا يتأتى في حقه ذلك؛ لأن المتمتع لا بد أن يدخل مكة ويُتم عمرته.
    فأراد المؤلف بالنص على المفرِد والقارِن دفع ما قيل من أنهما يطوفان للقدوم أولًا إذا لم يكونا دخلا مكة، ثم للزيارة.
    وما ذهب إليه المؤلف -رحمه الله- هو الصواب، بل هو المتعين، وذلك أنه اجتمع عند المفرِد والقارن اللذين لم يدخلا مكة من قبل، اجتمعا لديهما طوافُ قدوم وطوافُ فرض، فاكتُفي بطواف الفرض عن طواف القدوم، كما لو دخل الإنسانُ المسجد، وقد أُقيمت الصلاة، أو لم تُقم، وأراد أن يصلي الفريضة، فإن ذلك يجزئ عن تحية المسجد، والقياس هنا في غاية الوضوح، قياس جلي واضح.
    ثم إنه لم يُنقل عن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه أن أحدًا منهم طاف مرتين في يوم العيد، مع أن بعض أصحابه لم يكن دخل مكة، مثل: عروة بن مُضرس، فإنه لم يدخل مكة من قبل.
    (1/3994)
    ________________________________________
    وعلى هذا، فالصواب ما ذهب إليه المؤلف، أما المتمتع فلا بد أن يطوف طواف الإفاضة، ولا يطوف طواف القدوم؛ وذلك لأنه قد طافه من قبل في العمرة.
    على أن المذهب أن المتمتع أيضًا يطوف للقدوم، لكن يطوف بالقدوم بلا رمل. نقول: ولا اضطباع.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، لا نقول: ولا اضطباع؛ لأنه قد حل ولبس ثيابه -لبس قميصه- لكن بلا رمل، والصواب خلاف ذلك، وأنه لا طواف للقدوم، لا في حق المفرِد والقارِن مطلقًا، ولا في حق المتمتع كذلك.
    ثم قال المؤلف: (وأول وقته) الضمير في وقته يعود على؟
    طلبة: طواف ( ... ).
    الشيخ: طواف الزيارة، أول وقته بعد نصف ليلة النحر، ولكن بشرط أن يسبقه الوقوف بعرفة وبمزدلفة، فلو طاف بعد منتصف ليلة النحر، ثم خرج إلى عرفة ومُزدلفة؛ فإنه لا يجزئه، فلو أن المؤلف -رحمه الله- قيد ذلك لكان أوضح، على أنه ربما يقال: إن هذا معلوم من قوله في أول الفصل: (ثم يفيض)، لكن لا بد من ذكره.
    أول وقته بعد نصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة ومزدلفة؛ لقول الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، ولا يمكن قضاء التفث ووفاء النذور إلا بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة.
    ثم قال المؤلف: (ويُسن في يومه) (يُسن) أي: يُسن طواف الزيارة في يومه، أي: في يوم العيد؛ اتباعًا لسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنه طاف في يوم العيد.
    ثم قال: (وله تأخيره) أي تأخير طواف الإفاضة عن أيام منى، وله تأخيره عن شهر ذي الحجة، وله تأخيره إلى ربيع، وله تأخيره إلى رمضان، وله تأخيره إلى سنة، وله تأخيره إلى سنتين، وله تأخيره إلى عشر سنوات وأكثر؟
    طالب: وأكثر.
    الشيخ: وأكثر؛ لأن المؤلف قال: (وله تأخيره)، ولم يُقيده بزمن، لم يقل: له تأخيره إلى كذا، ولكن يبقى عليه أيش؟
    طالب: التحلل.
    الشيخ: التحلل الثاني، يبقى على الحل الأول حتى يطوف.
    (1/3995)
    ________________________________________
    وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله من أن له تأخيره إلى ما لا نهاية له ضعيف، والصواب أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة، إلا إذا كان هناك عُذر كمرض لا يستطيع معه الطواف، لا ماشيًا، ولا محمولًا، أو امرأة نفست قبل أن تطوف طواف الإفاضة أو طواف الزيارة، فهنا ستبقى لمدة شهر أو أكثر.
    أما إذا كان لغير عذر، فإنه لا يحل له أن يُؤخره، بل يجب أن يبادر قبل أن ينتهي شهر ذي الحجة.
    وعُلم من كلام المؤلف أنه لا يجب أن يطوف طواف الإفاضة يوم العيد؛ لقوله: (يُسن في يومه، وله تأخيره).
    وعُلم منه أيضًا أنه يبقى على حله الأول إذا أخَّر طواف الإفاضة عن يوم العيد، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، بل حُكي إجماعًا أنه لا يعود حرامًا لو أخَّر طواف الإفاضة حتى تغرب الشمس من يوم العيد.
    ولكن ذُكر في هذا خلاف عن بعض التابعين؛ لحديث ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، لكنه حديث شاذ، وفي صحته نظر، وهذا الحديث مُقتضاه أنه لو غابت الشمس يوم العيد، ولم يطُف فإنه يعود حرامًا كما كان بالأمس، ولكنه لا يُعوَّل عليه؛ لشذوذه، وعدم عمل الأمة به، وذلك أن الأمة لا يمكن أن تُخالف مثل هذا الحديث الذي تتوافر الهمم والدواعي على نقله والعمل به؛ لأنه من المعلوم أنه ليس كل الحجيج يطوفون طواف الإفاضة في يوم العيد.
    ثم إنه إذا انتهى من إحرامه فقد حل، ولا يعود للحرام إلا إذا عقد إحرامًا جديدًا، أما مجرد عدم المبادرة بطواف الإفاضة فإنه لا يمكن أن يكون سببًا لعودة التحريم بلا نية؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (14).
    قال المؤلف: (ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعًا) يسعى بين الصفا والمروة على صفة ما سبق، يبدأ بالصفا أولًا، ويختم؟
    طالب: بالمروة.
    الشيخ: بالمروة.
    (إن كان مُتمتعًا)، ومن المتمتع؟
    (1/3996)
    ________________________________________
    طالب: المحرم الذي أحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم فرغ منها، ثم أحرم بالحج في عامه.
    الشيخ: يقول: هو الذي أحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم حل منها، وأحرم بالحج من عامه، فيلزمه أن يسعى مطلقًا؛ وذلك لأنه يلزمه طوافان وسعيان؛ طواف للعمرة، طواف للحج، سعي للعمرة، سعي للحج.
    أما الْمُفرِد والقارِن قال المؤلف: (أو كان غيره) أي غير متمتِّع، وهو المفرِد والقارن، (ولم يكن سعى مع طواف القدوم)، فإن سعى فلا يُعيد السعي؛ لقول جابر رضي الله عنه: لم يطُف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بالصَّفا والمروة إلا طوافًا واحدًا، طوافه الأول (15).
    لم يطف ولا أصحابه إلا طوافًا واحدًا، طوافه الأول؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه سعوا بعد طواف القدوم.
    وظاهر هذا الحديث الذي سقته الآن أن المتمتع لا يسعى؛ لأن كثيرًا من الصحابة تمتعوا؛ لأنهم لم يسوقوا الهدي، وقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتمتع، ولكن هذا الظاهر يجب حمله على أن المراد بـ (أصحابه) الذين بقوا على إحرامهم لسوقهم الهدي، فهو عام أُريد به الخاص.
    ويدل لهذا ما رواه البخاري من حديثي عائشة وابن عباس رضي الله عنهما مما يدل على ذلك، وهذا هو الصحيح؛ أن المتمتع يلزمه سعي للحج، كما يلزمه سعي للعمرة.
    يقول: (ولم يكن سعى مع طواف القدوم)
    فهمنا من قول المؤلف: (ولم يكن سعى مع طواف القدوم) يعني غير المتمتع؛ أن القارِن والمفرِد يجوز لهما أن يُقدما سعي الحج بعد طواف القدوم، ويجوز أن.
    طلبة: يُؤخراه.
    الشيخ: يُؤخراه، كل هذا جائز، ولكن أيهما أفضل؟
    (1/3997)
    ________________________________________
    الأفضل -والله أعلم- أن يُقدَّم بعد طواف القدوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدمه، على أنه قد يقول قائل: أنا أنازِع في هذا الدليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدَّمه ليعلم أصحابه، وعامة أصحابه يحتاجون إلى السعي؛ لأنهم تمتعوا، فلا يدل تقديمه إياه على وجه قطعي؛ أن الأفضل تقديم السعي للمُفرِد والقارِن بعد طواف القدوم.
    لكن نحن نُجيب عن هذا الإيراد بأن الأصل أن ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام فهو سُنَّة، واحتمال أن يكون ذلك من أجل أن يُعلم أصحابه أو نحو ذلك، هذا أمر محتمل، لكن إبقاء النص على ظاهره أوْلى؛ ولأنه في الغالب إذا سعى بعد طواف القدوم يكون أسهل؛ لأن الزحام أسهل من الزحام في يوم العيد، وفي أيام التشريق.
    قال: (ولم يكن سعى مع طواف القدوم، ثم قد حل له كل شيء) (حل له) أي للحاج.
    (كل شيء) حتى شرب الخمر؟ !
    طلبة: لا.
    الشيخ: أيش كل شيء؟ هذا عام أُريد به.
    الطلبة: الخاص.
    الشيخ: الخاص، أي: كل شيء حرُم عليه بالإحرام فإنه يحل له إذا طاف وسعى، طواف الإفاضة، وسعى سعي الحاج، إذا كان متمتعًا، أو كان مفردًا، أو قارنًا، ولم يكن سعى مع طواف القدوم.
    وفي هذا إشارة، أو في هذا دليل على أن العام ولو كان بلفظ (كل) قد يُراد به الخاص، ما الذي يُعينه أن المراد الخاص؟
    طالب: السياق.
    الشيخ: السياق، ومن ذلك قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25]، أي: ريح عاد، فهل هي دمرت السماوات والأرض؟ لا، بل ولا المساكن لم تُدمرها. {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25]، فالمراد بـ {كُلَّ شَيْءٍ} أي: مما أُمرت أن تدمره، أو {كُلَّ شَيْءٍ} مما يتعلق بهؤلاء القوم الذين كذبوا هودًا.
    (ثم قد حل له كل شيء) حتى النساء؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: حتى النساء، إذن يمكن للرجل إذا كان أهله معه أن يستمتع بأهله في آخر يوم العيد أو لا يمكن؟
    الطلبة: يمكن.
    (1/3998)
    ________________________________________
    الشيخ: يمكن، يرمي، ويحلق أو يقصر، ويطوف، ويسعى.
    هل يمكن أن يستمتع بأهله ليلة العيد؟
    الطلبة: لا.
    الشيخ: انتبهوا يا إخواني، على ما قرأتُم في كلام المؤلف. إذا كان يجوز الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل، فدفع، ورمى، وذهب إلى مكة، وطاف، وسعى، قبل الفجر، يمكن؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: إي، واقع من ( ... )، ما فيه إشكال، خصوصًا أيامنا الآن، في أيامنا هذه المواصلات قليلة سهلة.
    المهم أنه يمكن، لكن على القول الذي اخترناه، وأنه لا يدفع إلا في آخر الليل؛ قد يكون هذا مُتعذرًا، لكن على ما مشى عليه المؤلف يكون ممكنًا.
    ثم قال: (حل له كل شيء).
    قال: (ثم يشرب من ماء زمزم)؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما طاف طواف الإفاضة شرب من ماء زمزم.
    وقوله: (لما أحب) أي ينويه لما أحب، إذا كان مريضًا، وشرب من أجل أن يذهب مرضُه فليفعل.
    إذا كان عطشانًا شرب لأجل الري فليفعل، إذا كان كثير النسيان فشرب ليقوى حفظُه فليفعل.
    وقد فعل ذلك بعضُ المحدثين؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» (16)، والحديث حسن، «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ».
    إذن ينبغي أن تنوي ما تُحب أن يكون حاصلًا بهذا الماء، ولهذا قال المؤلف: (لما أحب).
    قال: (ويتضلع منه) ما معنى يتضلع؟
    أي: يملأ بطنه حتى يمتلئ ما بين أضلاعه؛ لأن هذا الماء خير، وقد ورد حديث، لكن فيه نظر: أن آية ما بين الإيمان والنفاق التَّضلُّع من ماء زمزم (17)؛ وذلك لأن ماء زمزم ليس عذبًا حلوًا، بل هو يميل إلى الملوحة، والإنسان المؤمن لا يشرب من هذا الماء الذي يميل إلى الملوحة إلا إيمانًا بما فيه من البركة، فيكون التضلع منه دليلًا على الإيمان.
    (1/3999)
    ________________________________________
    فإن قال قائل: هل يفعل شيئًا آخر كالرش على البدن، وعلى الثوب، أو أن يغسل به أثوابًا يجعلها لكفنه، كما كان الناسُ يفعلون ذلك, نحن شاهدناهم قبل أن يكثُر الحجيج يشترون ثياب كثيرة بيضاء، ويغسلونها بماء زمزم، وينشرونها على الساحة، ويكون هذه مجالها أكفان لنا.
    نقول: لا، نحن لا نتجاوز في التبرك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا نتجاوز إليه، بل نقول: ما ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام من هذه الأمور أخذنا به، وما لا فلا.
    ثم قال: (ويدعو بما ورد) متى؟
    يدعو إذا شرب من ماء زمزم بما ورد.
    وعندنا يقول الشارح: فيقول: بسم الله، اللهم اجعله لنا علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وريًّا وشبعًا، وشفاءً من كل داء، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك.
    هكذا قال المؤلف إنه ورد، فمن يُخرج لنا هذا الحديث؟
    طالب: باقي الحديث: آية ما بين الإيمان والنفاق التضلع من ماء زمزم.
    الشيخ: ( ... ).
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: أيوه.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: نعم؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: هذا أشرنا إلى أنه ضعيف، وأن وجهه لو صح أن الماء ليس بعذب، ولا يتروى به إلا من آمن بفائدته، لكن فيه أيضًا: يرش على بدنه وثوبه، ويستقبل القبلة ويتنفس ثلاثًا، هذا أيضًا يحتاج إلى إثبات.
    ثم قال المؤلف: (ثم يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليال) يرجع متى؟
    ثم يرجع من مكة بعد أن يطوف ويسعى، يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليال، هذا إن تأخَّر، وإن تعجَّل فليلتان، ما هما الليالي الثلاث؟ الحادية عشرة، والثانية عشرة، والثالثة عشرة، هذا إن تأخر، وإن تعجل فالحادية عشرة، والثانية عشرة.
    (فيرمي الجمرة الأولى) متى؟
    بعد الزوال، وسيذكر المؤلف.
    (الجمرة الأولى -وتلي مسجد الخيف- بسبع حصيات متعاقبات، ويجعلها عن يساره، ويتأخر قليلًا، ويدعو طويلًا، ثم الوسطى مثلها، ثم جمرة العقبة):
    (1/4000)
    ________________________________________
    صفة الرمي على المذهب: يقول رحمه الله: (يرمي الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف)، وتُسمى الجمرة الصغرى.
    يقول: (ويجعلها عن يساره) حال الرمي، يستقبل القبلة، وتكون الجمرة عن يساره، فمثلًا الجمرة هنا، والقبلة هنا، يستقبل القبلة، ويرمي هكذا، ما يرمي تلقاء وجهه، يرمي هكذا، نحن نتكلم على ما يدل عليه كلام المؤلف، ثم نعود -إن شاء الله- ننظر.
    قال: (ويتأخر قليلًا) (يتأخر) بمعنى يبعد، إلى أي مدى؟
    إلى موضع لا يناله فيه الحصا، ولا يتأذى بالزحام.
    (ويدعو طويلًا) يستقبل القبلة، ويدعو دعاء طويلًا، وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه بقدر سورة البقرة، (18) وعلى هذا فيُطيل الدعاء، مستقبل القبلة، رافعًا يديه.
    (ثم الوسطى مثلها)، لكن يجعلها عن يمينه، على كلام الأصحاب رحمهم الله، الوسطى يرمي بسبع حصيات مُتعاقبات، ويجعلها عن يمينه.
    هكذا الجمرة هنا، والقبلة هنا، يجعلها عن يمينه، ( ... ) إذا رمي كذا، وهذا فيه صعوبة، والذي يمكن بسهولة إذا كان الرجل يعمل بيديه جميعًا، يعني بعض الناس تكون قوة يده اليسرى كقوة يده اليمنى، فهذا إن جعل الجمرة عن يساره رمى باليُمنى، وإن جعل عن يمينه رمى باليُسرى.
    (ثم جمرة العقبة، ويجعلها عن يمينه، ويستبطن الوادي، ولا يقف عندها) جمرة العقبة يرميها بسبع حصيات مُتعاقبات، ويستقبل القبلة، ويرمي من بطن الوادي، ويجعلها عن يمينه، كيف يفعل؟
    كالوسطى، يجعلها عن يمينه، والقبلة أمامه، ويرمي هكذا، ولكن الصحيح خلاف ما قال المؤلف.
    الصحيح أنه يرمي مستقبل القبلة في الأولى والوسطى، والجمرة بين يديه، وما ذكره من الصفة فهي أولًا: لا دليل عليها، والثاني: أن فيها صعوبة، والثالث: أنها في وقتنا غير ممكنة، عسى أن يحصل للإنسان أن يرمي الجمرة تلقاء وجهه.
    فالصواب أنه يرمي الجمرة -ولو كان في سعة- تلقاء وجهه، مستقبل القبلة، الأولى، والوسطى.
    (1/4001)
    ________________________________________
    أما الثانية: فيرميها مستقبل الجمرة، وتكون الكعبةُ عن يساره، ومنى عن يمينه؛ لأن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رماها كذلك، وقال: هذا مقام الذي أُنزلت عليه سورة البقرة (19)، يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحينئذٍ يُستثنى من استقبال القبلة في رمي الجمرات جمرة العقبة، يجعل الكعبة عن يساره، ومنى عن يمينه، ويستقبل الجمرة.
    وإنما كان الأمر كذلك؛ لأنه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن تستقبل القبلة، وترمي جمرة العقبة بحيث تكون بين يديك، لماذا؟ لأجل الجبل؛ لأنها هي ملصقة بالجبل، فلا يمكن، وفي هذا دليل واضح على أن المقصود هو استقبال أيش؟
    طلبة: الجمرة.
    الشيخ: الجمرة، سواء استقبلت القبلة أم لم تستقبل، لكن في الجمرة الأولى والوسطى يمكن أن تجمع بين استقبال القبلة واستقبال الجمرة، أما في العقبة فلا يمكن أن تجمع بين استقبال القبلة واستقبال الجمرة، ولذلك فُضل -أو اعتُبر- استقبال الجمرة.
    قال: (ولا يقف عندها) لا يقف عند جمرة العقبة، وإنما يقف بعد الأولى، وبعد الوسطى، ولا يقف بعد العقبة، لماذا؟
    قال العلماء: لأن الدعاء التابع للعبادة يكون في جوف العبادة، ولا يكون بعدها.
    انتبه، يكون في جوف العبادة، ولا يكون بعدها.
    وهذا على قاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية واضح، ولهذا يرى أن الإنسان إذا أراد أن يدعو في الصلاة، فليدعُ قبل أن يُسلم، لا بعد أن يسلم، لا في الفريضة، ولا في النافلة، وقد سبق لنا بيان هذا.
    وبه نعرف أيضًا أن الدعاء على الصفا والمروة يكون في أول الأشواط لا في آخرها، فيكون آخر شوط على المروة ليس فيه دعاء؛ لأنه انتهى السعي، ولا دعاء بعده، وإنما يكون الدعاء في مقدمة الشوط، كما كان التكبير أيضًا في الطواف في مقدمة الشوط.
    وعليه، فإذا انتهى من السعي عند المروة ينصرف، إذا انتهى من الطواف عند الحجر ينصرف، ولا حاجة إلى التقبيل، أو الاستلام، أو الإشارة.
    (1/4002)
    ________________________________________
    قال المؤلف: (يفعل هذا في كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال، مُستقبل القبلة مُرتِّبًا)
    (في كل يوم من أيام التشريق) واليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أو من طلوع الشمس إلى غروب الشمس، لكنه ليس كل اليوم، بل يقول المؤلف: (بعد الزوال).
    وعليه يكون وقت الرمي من زوال الشمس إلى غروبها، فلا يُجزئ الرميُ قبل الزوال، ولا يجزئُ بعد الغروب؛ لأن ذلك خارج عن اليوم.
    بعدَ الزوالِ مُستقْبِلَ القِبلةِ مُرَتِّبًا- فإن رَماهُ كلَّه في الثالثِ أَجْزَأَه ويُرَتِّبُه بنِيَّتِهِ، فإن أَخَّرَه عنه أو لم يَبِتْ بها فعليه دَمٌ، ومَن تَعَجَّلَ في يومينِ خَرَجَ قبلَ الغُروبِ، وإلا لَزِمَه الْمَبيتُ والرَّمْيُ من الْغَدِ، فإذا أرادَ الخروجَ من مَكَّةَ لم يَخْرُجْ حتى يَطوفَ للوداعِ، فإن أَقامَ أو اتَّجَرَ بعدَه أَعادَه، وإن تَرَكَه غيرُ حائضٍ رَجَعَ إليه فإن شَقَّ أو لم يَرْجِعْ فعليه دَمٌ، وإن أَخَّرَ طَوافَ الزيارةِ فطَافَه عندَ الخروجِ أَجْزَأَ عن الوَداعِ، ويَقِفُ غيرُ الحائضِ بينَ الركْنِ والبابِ داعيًا بما وَرَدَ، وتَقِفُ الحائضُ ببابِه وتَدْعُو بالدعاءِ، وتُسْتَحَبُّ زِيارةُ قَبْرِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ وقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ.
    و(صِفَةُ العُمرةِ) أن يُحْرِمَ بها من الْمِيقاتِ أو من أَدْنَى الْحِلِّ من مَكِّيٍّ ونَحوِه لا من الْحَرَمِ، فإذا طافَ وسَعَى وقَصَّرَ حَلَّ، وتُباحُ كلَّ وقتٍ وتُجزئُ عن الفَرْضِ.
    (1/4003)
    ________________________________________
    قال المؤلف: (مستقبل القبلة في كل يومٍ من أيام التشريق يفعل هذا)، يفعل هذا في كل يوم من أيام التشريق (بعد الزوال مستقبل القبلة مرتبًا في كل يوم من أيام التشريق) واليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أو من طلوع الشمس إلى غروب الشمس، لكنه ليس كل اليوم، بل يقول المؤلف: (بعد الزوال)، وعليه يكون وقت الرمي من زوال الشمس إلى غروبها، فلا يجزئ الرمي قبل الزوال، ولا يجزئ بعد الغروب؛ لأن ذلك خارج عن اليوم، ولهذا قال: في كل يومٍ من أيام التشريق بعد الزوال.
    طيب لا يجزئ قبل الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال وقال: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (1)، ولأنه لو كان الرمي قبل الزوال جائزًا لفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لما فيه من فعل العبادة في أول وقتها من وجه، ولما فيه من التيسير على العباد من وجهٍ آخر، ولما فيه من تطويل الوقت من وجهٍ ثالث، فلما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعمد أن يؤخر حتى تزول الشمس، مع أنه أشق على الناس، دل هذا على أنه قبل الزوال لا يجزئ، ويدل لذلك أيضًا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من حين أن تزول الشمس يبادر فيرمي قبل أن يصلي الظهر، وكأنه يترقب بفارغ الصبر زوال الشمس ليرمي ثم يصلي الظهر، وهذا هو القول الراجح، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزًا لفعله النبي عليه الصلاة والسلام بيانًا للجواز أو ليَسر الله مَن يفعله مِن الصحابة ويقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
    إذن الرمي قبل الزوال في الأيام الثلاثة أيام التشريق لا يصح، بعد غروب الشمس أيضًا لا يجزئ على المشهور من المذهب؛ لأنها عبادة نهارية فلا تجزئ في الليل.
    وذهب بعض العلماء إلى إجزاء الرمي ليلاً وقال: إنه لا دليل على التحديد بالغروب؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدد أوله بفعله ولم يحد آخره.
    (1/4004)
    ________________________________________
    وقد سئل الرسول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري (2) أن رجلاً قال: يا رسول الله، رميت بعدما أمسيت؟ قال: «لَا حَرَجَ».
    والمساء يكون في آخر النهار وفي أول الليل، ولما لم يستفصل الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقل: بعدما أمسيت في آخر النهار أو في أول الليل، عُلم أن الأمر واسع في هذا، ثم إنه لا غرابة أن يكون الليل تابعًا للنهار، فها هو الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج والليل فيه تابع للنهار، فإن وقت الوقوف يمتد إلى طلوع الفجر.
    ولهذا نرى أنه إذا كان لا يتيسر على الإنسان أو لا يتيسر للإنسان أن يرمي في النهار فله أن يرمي في الليل، وإذا كان يتيسر لكن مع الأذى والمشقة وأنه في الليل يكون أريح له وأكثر طمأنينة فإنه يرمي في الليل؛ لأن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من المتعلق بزمن العبادة، وما دام أنه ليس هناك دليل صحيح صريح يحدد آخر وقت الرمي فالأصل عدم ذلك، ولا ينبغي أن نلزم الناس بأن يرموا كلهم وهم مليون رجل يرمون كلهم في خلال ست ساعات.
    يعني لو فرضنا أن من الزوال إلى غروب الشمس ست ساعات، وذلك في وقت الاعتدال الربيعي والخريفي، اقسم ست ساعات على مليون نفر كم معدل الذين يرمون في كل ساعة؟
    الطلبة: مئة وستون ألفًا.
    الشيخ: اثنان وستون ألفًا.
    الطلبة: مئة وستون ألفًا.
    الشيخ: مئة وستون ألفًا، سبحان الله، ! مئة وستون ألفًا في الساعة هذا صعب، هذا إذا قلنا: إنهم مليون، فكيف وهم أكثر من ذلك، ولهذا كان من أحسن ما فعلت، أو أظن هيئة كبار العلماء، من أحسن ما فعلوا أنهم أصدروا فتوى بأنه لا بأس بالرمي في الليل في هذه الأزمنة وإن النفس مطمئنة والصدر منشرح للفتوى بذلك.
    يقول رحمه الله: (مستقبل القبلة مرتبًا).
    ما معنى الترتيب؟ أن يبدأ بالحصاة الأولى قبل الثانية؟
    طالب: ليس الترتيب كذلك.
    (1/4005)
    ________________________________________
    الشيخ: ليس هذا المراد؛ لأنه لا بد أن يرمي الحصاة الأولى قبل الثانية، المراد الترتيب بين هذه الجمرات بأن يرمي الأولى ثم الوسطى ثم العقبة، فإن نكَّث ورمى العقبة ثم الوسطى ثم الأولى.
    الطلبة: صحت الأولى.
    الشيخ: صحت الأولى فقط، ووجب عليه أن يرمي الثانية والثالثة.
    وقال بعض أهل العلم إن الترتيب ليس بشرط ولكنه ندب، وقال: إن هذا ليس أولى من عدم الترتيب في أنساك يوم العيد، وأنساك يوم العيد كما مر علينا لا يشترط فيها الترتيب، أليس كذلك؟ قال: هذا من باب أولى ألا يشترط.
    وعارضه آخرون فقالوا: ليس الأمر كذلك، فإن اشتراط الترتيب هنا أولى من اشتراطه في أنساك العيد؛ لأن هذا عبادة واحدة، بخلاف أنساك يوم العيد فإنها عبادات متنوعة، أما هذه فهي عبادة واحدة، فلا بد أن تُفعل كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    ولكن ما دام الإنسان في السعه فلا شك أن نقول: إنه يجب عليك الترتيب، وإنه لو سألنا في أيام التشريق فقال: إنه رمى منكسًا لسهل علينا أن نقول: اذهب وارم مرتبًا، لكن إذا كان الأمر قد فات في أيام التشريق وجاء يسأل فقال: إني رميت من غير أن أعلم بدأت بجمرة العقبة، وأنا رأيت أن جمرة العقبة تُرمى يوم العيد دون الجمرتين الأخريين، وهذا يدل على أنها أفضل منهما، والقاعدة الشرعية، وسيقيس هذا اليوم في مقابلة النص، القاعدة الشرعية أن الأفضل نعم يُبدأ به، فأنا رأيت أن هذا هو الصواب وفعلت كل أيام التشريق، في هذه الحال نرجو ألا يكون هناك بأس بإفتائه بأن رميه صحيح؛ لأنه ليس هناك قول عن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: رتبوا بينها، وليس هناك إلا مجرد الفعل وعموم: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (1).
    (1/4006)
    ________________________________________
    ولا سيما أن كثيرًا من العلماء قالوا: يسقط الترتيب بين أعضاء الوضوء بالجهل والنسيان، وقالوا: يسقط الترتيب بين الفوائت التي تفوت الإنسان بالجهل والنسيان، وقالوا: يسقط الترتيب بين الصلاتين المجموعتين بالجهل، فهذا يدل على أنه إذا اختل الترتيب لعذرٍ من الأعذار فإنه يسقط عن الإنسان؛ لأنه فعل العبادة، أتى بالعبادة لكن على وجهٍ غير مرتب، فإذا جاء الإنسان وقد مضت أيام التشريق وقال: إنه كان يرمي في أيام التشريق منكسًا فأرجو ألا يكون هناك بأس بإفتائه بأن رميه صحيح وأنه لا يجب عليه ما يجب على من ترك الرمي.
    (فإن رماه كله في اليوم الثالث أجزأه، ويرتبه بنيته): إن رماه: الضمير يعود على الحصى، حصى الجمار، كله في اليوم الثالث، الثالث أو الرابع؟
    الطلبة: الثالث.
    الشيخ: الثالث؛ لأن المؤلف يتكلم عن إن رمى أيام التشريق، إن رماه كله أجزأه، ولكن يقول: يرتبه بنيته، يرتب الأيام بنيته، فمثلاً يبدأ برمي أول يوم بالأولى ثم الوسطى ثم العقبة، ثم يعود فيرمي لليوم الثاني بالأولى ثم الوسطى ثم العقبة، ثم يعود فيرمي للثالث يبدأ بالأولى ثم الوسطى ثم العقبة.
    ولا يجزئ أن يرمي الأولى عن ثلاثة أيام، ثم الوسطى عن ثلاثة أيام، ثم العقبة عن ثلاثة أيام؛ لأن ذلك يفضي إلى التداخل، تداخل العبادات وإدخال جزء من عبادة يوم في عبادة يوم آخر.
    (1/4007)
    ________________________________________
    وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله من جواز جمع الرمي في آخر يوم فيه نظر، بل هو ضعيف؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمى كل يوم في يومه وقال: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (1)، ولأنه رخص للرعاة أن يرموا يومًا ويدعوا يومًا (3)، كلمة (رخص) تدل على أن مَن سواهم فإن وقت الرمي في حقه عزيمة. وهذا القول هو الصحيح، أنه لا يجوز أن يؤخر رمي الجمرات إلى آخر يوم إلا في حالٍ واحدة، لو فرضنا أن منزله بعيد؛ إذ ما يكون منزله في أقصى منى من الشمال أو من الشرق ويصعب عليه أن يتردد كل يوم، لا سيما في أيام الحر وأيام الزحام، فهنا نقول: لا بأس أن يؤخر الرمي إلى آخر يوم ويرميه مرة واحدة؛ لأن هذا أولى بالعذر ممن؟
    الطلبة: الرعاة.
    الشيخ: من الرعاة الذين رخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمعوا الرمي في يوم. وأما من كان قادرًا والرمي عليه سهل لقربه من الجمرات، أو لكونه يستطيع أن يركب السيارات حتى يقرب من الجمرات، فإنه يجب أن يرمي كل يومٍ في يومه.
    قال: (ويرتبه بنيته، فإن أخره عنه) أي: عن أيام التشريق (فعليه دم) ولو لعذر؟ نعم ولو لعذر، لكن إذا كان لعذر يسقط عنه الإثم، وأما جبره بالدم فلا بد منه. فلو فرض أن رجلاً من الناس لم يظن أن رمي الجمرات واجب، أو لم يظن أن الترتيب فيها واجب، وجاءنا يسألنا بعد أن مضت أيام التشريق، ماذا نقول له؟
    نقول: على ما مشى عليه المؤلف يجب عليك دم، يجب عليك دم، فإذا قال: أنا جاهل، قلنا: نعم أنت جاهل ويسقط عنك الإثم، لكن هذا العمل الذي فاتك بجهلك له بدل وهو الدم، فيجب عليك أن تذبح فدية توزعها على الفقراء في مكة.
    قال: (أو لم يبت بها) يعني لم يبت بها، الضمير يعود على منى، لم يبت بها ليلتين إن تعجل أو ثلاث ليال إن تأخر فعليه دم، والدم إذا أُطلق فهو ما يجزئ في الأضحية بأن يكون من بهيمة الأنعام وقد تم له السن المعتبر شرعًا وسلم من العيوب المانعة من الإجزاء.
    (1/4008)
    ________________________________________
    وقول المؤلف: (أو لم يبت بها) عُلم منه أنه لو ترك ليلة من الليالي فإنه ليس عليه دم، وهو كذلك، فإذا ترك ليلة من الليالي فعليه إطعام مسكين، وليلتين إطعام مسكينين، وثلاث ليال دم، وقيل: إن ترك المبيت فإنه ليس عليه دم مطلقًا، وهذا مبني على أن المبيت سنة وليس بواجب، واستدل هؤلاء لكون المبيت سنة وليس بواجب أن الرسول عليه الصلاة والسلام رخص لعمه العباس في السقاية أن يبيت بمكة من أجل سقي الناس ماء زمزم (4)، وهذا ليس بضرورة أن يبيت؛ إذ من الجائز أن تترك زمزم كل من جاء شرب منها، ولكن كون الرسول عليه الصلاة والسلام يرخص للعباس يدل على أن الأمر في ذلك واسع، ولكن الصحيح أنه واجب - أي المبيت - لأن كلمة رخص للعباس أن يبيت في مكة من أجل سقايته يدل على أن ما يقابل رخصة فهو عزيمة لا بد منه.
    ولكن لا نفعل كما يفعل بعض المفتين اليوم، يأتيه الرجل يقول: أنا لم أدرك الليل كله في منى، فات عليّ بعض الليل وأنا في مكة، نزلت إلى مكة أقضي الحج أطوف ثم تأخر بي السير، ولم أصل إلى منى إلا بعد الفجر مثلاً، فيقول: عليك دم، كل كلمة يمكن، كل كلمة يقول: عليك دم، وهذا غلط؛ لأن إلزام المسلمين بما لم يلزمهم الله به يعتبر عدوانًا.
    لكن ما ظنكم لو أن مفتيًا أفتى بغير علم وقال للحاج: عليك دم، فذهب الحاج واشترى دمًا بخمس مئة ريال وتصدق به على الفقراء، هل يمكن أن نقول بتضمين المفتي؟
    طالب: بلى وإي نعم.
    الشيخ: هو بغير علم.
    طالب: يضمن.
    الشيخ: نعم، نقول بضمانه، بتضمينه؛ لأنه هوالذي أفتاه بغير علم وألزمه بما لم يلزمه الله.
    ونحن نستفيد من هذا التضمين بأن هذا الذي أفتى بغير علم اليوم لا يفتي بمثله أبدًا، ولا يفتي بمسألة إلا وقد علمها أو غلب على ظنه أن هذا حكمها. قال المؤلف: نعم.
    طالب: انتهى.
    الشيخ: انتهى، هذا يقول.
    طالب: نعم ( ... ).
    (1/4009)
    ________________________________________
    الشيخ: أكثر الناس ينسب السعي بين الصفا والمروة للاقتداء بأم إسماعيل، وأن هذه الأَمة كذا أو الأُمّة.
    طالب: هذه الأُمّة.
    الشيخ: وأن هذه الأُمّة.
    طالب: اقتداؤها بالرسول صلى الله عليه وسلم.
    الشيخ: تتابع.
    الطالب: اقتداؤها بالرسول صلى الله عليه وسلم.
    الشيخ: تتابع ( ... ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ... ) رأي ( ... )؟ أيش، ويش الإشكال في هذا؟
    الطالب: الإشكال أن الناس ينسبون كل السعي والسعي بين ( ... ) إلى أم إسماعيل.
    الشيخ: أيوه
    الطالب: ( ... ) الرسول صلى الله عليه وسلم ( ... ).
    الشيخ: لا، على كل حال فعل الرسول هو الأصل، يعني نحن بالنسبة لنا نتبع الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن أصل المشروعية هو؟
    الطلبة: ما جرى لأم إسماعيل.
    الشيخ: ما جرى لأم إسماعيل، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام نفسه قال: «فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سَعَى النَّاسُ» (5).

    ***
    طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام ( ... ) على آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رحمه الله تعالى:
    ومن تعجل في يومين خرج قبل الغروب، وإلا لزمه المبيت والرمي من الغد، فإذا أراد الخروج من مكة لم يخرج حتى يطوف للوداع، فإن أقام أو اتجر بعده أعاده، وإن تركه غير حائضٍ رجع إليه، فإن شق أو لم يرجع فعليه دم، وإن أخر طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع، ويقف غيرُ الحائض بين الركن والباب داعيًا بما ورد، وتقف الحائض ببابه وتدعو بالدعاء، وتستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه.
    الشيخ: ( ... ) محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سبق لنا في الدرس الماضي ما يفعله الإنسان في يوم العيد وأنه خمسة أنساك، وأنها مرتبة كالتالي: الرمي، النحر، الحلق أو التقصير، الطواف، السعي. وأنه لو قدم بعضها على بعض فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن التقديم والتأخير فقال: «لَا حَرَجَ» (6).
    (1/4010)
    ________________________________________
    وسبق لنا أنه إذا طاف وسعى أنه يرجع إلى منى ويبيت فيها ليلتين إن تعجل، وثلاثًا إن تأخر، وفي هذه الأيام يرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، يرمي الأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، ويقف بين الأولى والوسطى وبين الوسطى والعقبة ولا يقف بعد العقبة، إذن العقبة ليس بعدها وقوف لا في يوم النحر ولا في أيام التشريق.
    وسبق لنا أنه يكبر مع كل حصاة؛ عند الرمي يقول: الله أكبر بدون بسملة، وسبق أنه يجب ترتيب هذه الجمرات الأولى ثم الوسطى ثم العقبة.
    قال المؤلف رحمه الله: (فإن رماه كله في الثالث أجزأه) أظن أخذنا هذا.
    نعم، وسبق لنا أن المذهب أنه يجوز تأخير الرمي إلى آخر يوم، ولكن يجب أن يرتبه بنيته؛ الثلاث عن اليوم الأول، والثلاث عن اليوم الثاني، والثلاث عن اليوم الثالث إن تأخر، وأن القول الراجح خلاف ذلك، وأنه لا يجوز أن يؤخر الرمي إلى آخر يوم إلا إذا كان هناك عذر، مثل أن يكون مريضًا، أو يكون مكانه بعيدًا، أو ما أشبه ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرخص في التأخير إلا للرعاة فقط (3).
    ***
    قال المؤلف رحمه الله: (ومن تعجل في يومين خرج قبل الغروب) هذا مبتدأ درس الليلة: من تعجل خرج قبل الغروب، وقول المؤلف: (في يومين) المراد باليومين الحادي عشر والثاني عشر؛ لقول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: 203] أي من هذه الأيام المعدودات، والأيام المعدودات هي أيام التشريق.
    وبعض العوام يظنون أن قوله: {مَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} يعني يومي العيد والحادي عشر، فيتعجلون في الحادي عشر، ولكن هذا غلط محض لم يقل به أحد من أهل العلم، وإنما المراد من تعجل في يومين من هذه الأيام الثلاثة أيام التشريق.
    (1/4011)
    ________________________________________
    يقول المؤلف رحمه الله: (ومن تعجل في يومين خرج قبل الغروب) خرج من أي مكان؟ من منى قبل أن تغرب الشمس، وذلك ليصدق عليه أنه خرج في اليومين؛ إذ لو أخر الخروج إلى ما بعد الغروب لم يكن تعجل في يومين؛ لأن اليومين قد فاتا، إذن لا بد أن يخرج قبل غروب الشمس، وإلا لزمه المبيت والرمي من الغد، وإلا يعني: وإلا يخرج قبل غروب الشمس لزمه المبيت إلا في الثالث عشر، والرمي من الغد بعد الزوال كاليومين قبله.
    الدليل أن الله قال: {فِي يَوْمَيْنِ}، و (في) للظرفية، والظرف لا بد أن يكون أوسع من المظروف، فلا بد أن يكون الخروج في نفس اليومين، وقد روي عن عمر رضي الله عنه ما يدل على ذلك، أنه إذا أدركه المساء فإنه يلزمه أن يبقى (7).
    ولكن هنا مسألة، لو أن الجماعة قوضوا الخيام وحمَّلوا العفش وركبوا، ولكن حبسهم المسير لكثرة السيارات، فغابت عليهم الشمس قبل الخروج من منى، فهل نقول: يجب عليكم أن ترجعوا وتبيتوا أو لهم أن يستمروا في الخروج؟
    الطلبة: الثاني.
    الشيخ: الثاني؛ لأن هؤلاء حُبسوا بغير اختيار منهم، وإلا فقد تعجلوا.
    قال: (فإذا أراد الخروج من مكة لم يخرج حتى يطوف للوداع) إذا أراد الخروج من مكة إلى أي مكان؟
    الطلبة: مزدلفة.
    الشيخ: ظاهر كلام المؤلف أنه إذا أراد الخروج من مكة لأي بلد كان، المهم أن يفارق مكة، فإنه لا يخرج حتى يطوف للوداع، وصرح بعض الأصحاب ومنهم صاحب الغاية - فيما أظن - قال: إذا أراد الخروج من مكة إلى بلده لم يخرج حتى يطوف للوداع.
    (1/4012)
    ________________________________________
    ووجه ذلك - التقييد بالبلد - أنه إذا أراد الخروج إلى بلدٍ آخر فإنه لم يزل في سفر ولم يرجع، فمثلًا لو كان في مكة وانتهى الحج ثم خرج إلى جدة وليس من أهل جدة أو خرج إلى الطائف وليس من أهل الطائف فإنه على هذا التقييد، تقييد إذا رجع، نعم تقييد أراد الخروج من مكة إلى بلده، فإنه في هذا الحال لا يطوف للوداع؛ لأنه لم يرد الخروج إلى بلده وهو في حكم المسافر، لا زال مسافرًا، وهذا التقييد تقييد حسن.
    والدليل على هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمر أصحابه أن يطوفوا للوداع حين خرجوا من مكة إلى المشاعر، وإن كان قد يقال: إن الرسول لم يأمرهم بذلك؛ لأنهم لم يتموا نسكهم حتى يُلزموا بالوداع.
    على كل حال اللي يظهر أن هذا التقييد أصح من الإطلاق، ولكن لو أن الإنسان عمل بالأمرين طاف إذا أراد الخروج من مكة إلى بلدٍ آخر، وإذا رجع إلى مكة طاف إذا أراد الخروج إلى بلده لكان خيرًا.
    لكن إذا كان الأمر فيه مشقة أن يطوف مرتين، فلا يظهر الإلزام بالطواف إذا أراد الخروج إلى غير بلده؛ لأنه في الواقع لم يغادر مكة، سوف يرجع إليها، أما لو أراد الخروج إلى بلدٍ آخر عبر سفره إلى بلده فهنا يطوف، كما لو أراد الخروج إلى بلده عن طريق المدينة فاتجه إلى المدينة وهو يريد السفر إلى بلده فإن هذا يلزمه الطواف لأنه حقيقة غادر مكة.
    ثم قال: (فإن أقام أو اتجر بعده أعاده) أفادنا المؤلف بقوله: (فإن أقام) إلى آخره أنه لا بد أن يكون هذا الطواف آخر أموره، وهو كذلك، فلا بد أن يكون آخر أموره؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض (8).
    (1/4013)
    ________________________________________
    آخر عهدهم بالبيت، وعلى هذا فلا بد أن يكون الطواف آخر شيء، وبه نعرف أن ما يفعله بعض الحجاج من كونهم يطوفون للوداع، ثم يخرجون إلى منى ويرمون الجمرات، ثم يغادرون، فإن فعلهم خطأ، لماذا؟ لأن آخر عهدهم بالجمار وليس البيت، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما طاف للوداع بعد الانتهاء من النسك كله.
    وقوله: (فإن أقام) ظاهره مطلقًا أنه إذا أقام بعد طواف الوداع، سواء كانت الإقامة طويلة أم قصيرة، إلا أنهم استثنوا من ذلك إذا أقام لانتظار الرفقة فإنه لا يلزمه إعادة الطواف ولو طال الوقت.
    فمثلًا إذا طاف وخرج ينتظر رفقته في البيت، أو ينتظر رفقته في السيارة، وتأخروا، فإنه لا يلزمه إعادة الطواف، وكذلك لو فرض أنه طاف ولما ركب وسار، صار في السيارة الخراب، فجلس في مكة من أجل إصلاح هذا الخراب، فإنه لا يلزمه إعادة الطواف، لماذا؟
    لأنه إنما أقام لشيء ينتظر متى انتهى واصل السفر.
    وقول المؤلف: (أو اتجر بعده أعاده)، أو اتجر يعني اشترى شيئًا للتجارة، أو باع شيئًا للتجارة، فإنه يعيده، وعلم من ذلك أنه لو اشترى حاجة في طريقه لا تجارة فإنه لا بأس به، فلو أنه خرج بعد أن ودَّع ثم مر بالبقالة واشترى أشياء يحتاجها في سفره، أو اشترى هدايا لأهله، فإن ذلك ليس بتجارة ولا يضر، على أننا نُرغِّب أن يكون شراؤه هذا قبل طوافه.
    وعُلم من كلام المؤلف أنه إذا طاف للوداع فإنه لا يرجع القهقرى إذا أراد أن يخرج من المسجد - القهقرى يعني على وراء - ولا يقف عند الباب فيكبر ثلاثًا، ويقول: السلام عليك يا بيت الله، فإن هذا كله من البدع، إذا ودعت فامض في سبيلك، واستدبر الكعبة، ولا شيء عليك؛ لأن تعظيم الكعبة إنما يكون باتباع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن يرجع القهقرى، ولم يكن إذا انتهى إلى باب المسجد وقف ونظر إلى الكعبة وودعها، بل كان عليه الصلاة والسلام ودع ومشى على المعتاد.
    (1/4014)
    ________________________________________
    (وإن تركه) غير حائضٍ (رجع إليه)، إن تركه أي الحاج، غير حائض يعني ولا نفساء، فإنه يرجع إليه، فإن تركته الحائض فإنه لا يلزمها الرجوع لو طهرت إلا إذا طهرت قبل مفارقة بنيان مكة، فإنه يلزمها الرجوع، أما لو طهرت بعد مفارقة البنيان ولو بيسير ولو داخل الحرم فإنه لا يلزمها أن ترجع، الدليل على هذا قول ابن عباس رضي الله عنهما: إلا أنه خُفف عن الحائض (8).
    قال: (وإن تركه) غير حائض (رجع إليه، فإن شق، أو لم يرجع، فعليه دم) إن شق الرجوع ولم يرجع فعليه دم، أو لم يرجع بلا مشقة فعليه دم، لكن الفرق أنه إذا تركه للمشقة لزمه الدم ولا إثم، وإذا تركه لغير مشقة لزمه الدم مع الإثم؛ لأنه تعمد ترك واجب.
    وقول المؤلف: (إن تركه رجع إليه فإن شق)، تركه إلى أين؟
    يقول: إذا تركه قبل مسافة القصر ولم يرجع قبل مسافة القصر فإن جاوز المسافة استقر عليه الدم، سواء رجع أم لم يرجع، وكذلك لو وصل إلى بلده فإن الدم يستقر عليه، سواء رجع أم لم يرجع.
    وعلى هذا فأهل جدة لو خرجوا إلى جدة قبل طواف الوداع ثم رجعوا بعد أن خَفَّ الحرم وطافوا فإن الدم لا يسقط عنه لأنه استقر في مسافة القصر أو بوصوله إلى بلده، حتى لو فرض أن أناسًا من بلد دون جدة كأهل بحرة مثلاً فإنهم إذا وصلوا إلى بلدهم استقر عليهم الدم؛ لأنهم تركوه وانتهوا منه.
    وقول المؤلف: (فعليه دم) إذا قيل: ما هو الدليل على وجوب الدم؟ قلنا: الأثر المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من ترك شيئًا من نسكه أو نسيه فليهرق دمًا (9).
    وهذا نسك واجب أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون في تركه دم، وهذا الحديث أو وهذا الأثر مشهور عند العلماء، واستدلوا به وبنوا عليه وجوب الفدية بترك الواجب وقالوا في تقرير هذا الدليل: إن هذا قول صحابي ليس للرأي فيه مجال، فوجب العمل به؛ لأن قول الصحابي الذي ليس للرأي فيه مجال يكون له الحكم؟
    الطلبة: الرفع.
    الشيخ: الرفع، يكون له حكم الرفع.
    (1/4015)
    ________________________________________
    وقال بعض العلماء: إن هذا قول صحابي لا شك، لكن يمكن أن يكون صادرًا عن اجتهاد ويكون للرأي فيه مجال، وجهه أن يقيس ترك الواجب على فعل المحرم، فعل المحرم محظورات الإحرام فيها دم، وجه القياس أن الكل في هذا وفي هذا انتهاك لحرمة النسك؛ ترك الواجب انتهاك لحرمة النسك وفعل المحظور انتهاك لحرمة النسك، فيكون ابن عباس رضي الله عنهما بنى هذا الحكم على أيش؟ على اجتهاد، وإذا بناه على اجتهاد فإنه يكون قول صحابي وليس مرفوعًا، ويبقى النظر هل قول الصحابي حجة؟
    فيه خلاف بين العلماء مشهور في أصول الفقه، وهو عند الإمام أحمد رحمه الله حجة ما لم يخالف نصًّا أو قول صحابي، فإن خالف نصًّا فلا عبرة به، العبرة بالنص، وإن خالف قول صحابي طُلب الترجيح بين القولين.
    إذن المسألة على هذا التقرير تكون من باب الاجتهاد، ونحن نفتي الناس بالدم وإن كان في النفس شيء من ذلك، لكن من أجل الانضباط، انضباط الناس وحملهم على فعل المناسك الواجبة يكون بإلزامهم بهذا الشيء - أي بالدم - لأن العامي إذا قلت له: ليس عليك دم وإنما عليك أن تستغفر الله وتتوب إليه، مو سهل، ما فيه إلا التوبة، يظن أن التوبة سهلة، والتوبة ما أصعبها، من الذي يتوب إلى الله توبة نصوحًا مسألة ما هي هينة، لكن عامي لا تأخذ منه قرشًا والباقي عنده سهل.
    على كل حال إلزام الناس بهذا الشيء وإن كان في النفس منه شيء من حيث الدليل فإنه من الحكمة، من أجل ألا يتهاون الناس بالواجبات.
    ثم قال: (وإن أخر طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأ عن طواف الوداع).
    نعم إن أخر طواف الزيارة، ما هو طواف الزيارة؟
    الطلبة: طواف الإفاضة.
    الشيخ: هو طواف الإفاضة، يعني طواف الحج، فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع، كيف يجزئه وطواف الوداع واجب وطواف الإفاضة ركن؟
    قلنا: لأن المقصود من طواف الوداع أن يكون آخر عهده.
    الطلبة: بالبيت.
    (1/4016)
    ________________________________________
    الشيخ: بالبيت، وقد حصل، فيكون مجزئًا عن طواف الوداع، وهذا واضح فيما إذا كان من قارن أو مفرد وسعى بعد طواف القدوم؛ لأنه في هذه الحال ليس عليه إلا طواف يطوف وينصرف، لكنه مشكل فيما إذا كان من متمتع؛ لأن المتمتع لا بد أن يطوف ويسعى، فكيف الحل؟
    قال بعض العلماء أو بعض طلبة العلم: الحل أن يقدم السعي على الطواف؛ لأن تقديم السعي على الطواف في الحج جائز؛ لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا حَرَجَ» (10)، فإذا قدم السعي على الطواف صار الطواف آخر شيء.
    وقال بعض العلماء: بل لا حاجة إلى ذلك، بل يقدم الطواف ويأتي بالسعي بعده، والسعي تابع للطواف فلا يضر أن يفصل بين الطواف وبين الخروج، واستدل البخاري (11) رحمه الله على ذلك بأن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لعائشة أن تأتي بعمرة بعد تمام النسك، فأتت بعمرة فطافت وسعت وسافرت (12)، فحال السعي بين الطواف والخروج، وبأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف للوداع وصلى صلاة الفجر وقرأ بالطور (13)، فهذا يدل على أن مثل هذا الفصل لا يضر، وهذا عندي أقرب من القول الأول الذي يقول بتقديم السعي؛ لأن هذا يحصل في الترتيب، ترتيب مشروع، وهو أن يُقدم الطواف على السعي.
    في هذه الصورة - أعني إجزاء طواف الإفاضة عن طواف الوداع - ربما نقول: لا تخلو من ثلاث حالات: أن ينوي طواف الإفاضة فقط، أن ينوي طواف الوداع فقط، أن ينويهما جميعًا، الصورة التي ذكرها المؤلف هو أن يؤخر طواف الإفاضة فيجزئ عن طواف الوداع بلا نية.
    فعلى هذا نقول: الصورة الأولى: إذا نوى طواف الإفاضة ولم يكن عنده نية طواف الوداع فما الحكم؟
    طالب: يجزئ عن طواف.
    الشيخ: يجزئ كما تجزئ الفريضة عن تحية؟
    الطلبة: المسجد.
    الشيخ: المسجد.
    الصورة الثانية إذا نواهما جميعًا.
    طالب: يجزئ.
    الشيخ: يجزئ أيضًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (14).
    (1/4017)
    ________________________________________
    الصورة الثالثة: إذا نوى طواف الوداع فقط ولم ينوِ طواف الإفاضة.
    الطلبة: لا يجزئه.
    الشيخ: فإنه لا يجزئه عن طواف الإفاضة، لا يجزئ عن طواف الإفاضة، وهذه مسألة يجب أن ينبه الناس لها؛ لأن أكثرهم يقول: إذا أخر طواف الإفاضة فطافه عند الوداع أجزأ فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع، يقول: أنا نويت الوداع فقط، ولا ترى على باله طواف الإفاضة، فنقول في هذه الحال: إنه لا يجزئه؛ لأن طواف الإفاضة ركن وطواف الوداع واجب، فهو أعلى منه، ولا يجزئ الأدنى عن الأعلى، لكن لو قال قائل: ألستم تقولون: إن الرجل إذا حج عن نفسه ونوى أنها نافلة، وهو لم يؤد الفريضة، ألستم تقولون: إن هذه النافلة تقع عن الفريضة؟
    الجواب: بلى نقول ذلك. وكذلك لو حج عن غيره وهو لم يحج عن نفسه مع وجوب الحج عليه، فإن الحج يقع عن نفسه؟
    أقول: لا يستقيم هذا؛ لأن مسألتنا جزء من حج، بخلاف الحج كاملًا، فالحج كاملًا، نقول فيه: إن ذمته مشغولة بالفريضة، فإذا أدى ما دون الفريضة صار للفريضة، وأما هذا فهو جزء من عبادة، فإن طواف الوداع إن قلنا: إنه من الحج فهو جزء منه، وإن قلنا: إنه مستقل فإنه لا يمكن أن يجزئ واجب عن ركن.
    قال: (ويقف غير الحائض بين الركن والباب).
    (يقف) يعني الحاج إذا ودَّع، يقف (بين الركن) أي الحجر الأسود (والباب) باب الكعبة، ومسافته كما تعلمون قليلة، فيقف يقول بالشرح: ويلصق به وجهه وصدره وذراعيه وكفيه مبسوطتين.
    وهذا يسمى الالتزام عند أهل العلم، والمكان هذا يسمى الملتزم.
    وهي مسألة اختلف فيها العلماء، مع أنها لم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام، إنما صحت عن بعض الصحابة، هل الالتزام سنة؟ ومتى وقته؟ هل هو عند القدوم أو عند المغادرة أو في كل وقت؟
    (1/4018)
    ________________________________________
    ووجه الخلاف بين العلماء في هذا أنه لم ترد فيه سنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفعلون ذلك عند القدوم، والفقهاء قالوا: يفعله عند المغادرة، فيلتزم في الملتزم - وهو ما بين الركن الذي فيه الحجر والباب - على الصفة التي سمعتم التي ذكرها الشارح ويقول ما ورد.
    ثم ذكر الشارح رحمه الله دعاءً طويلاً، نعم، ومنه: (اللهم هذا بيتك، وأنا عبدك، وابن عبدك، وابن أَمَتِكَ، حملتني على ما سخَّرتَ لي من خلقك، وسيَّرتني في بلادك حتى بلَّغْتَني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نُسُكي، فإن كنت رضِيتَ عني فازدد عني رضًا، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، وهذا أوان صلاتي، إن أنت أذِنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك، ولا عن بيتك، اللهم فأصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسِن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيت لي، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير. ويدعو بما أحب، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم). وهذا يحتاج إلى تخريج.
    طالب: الالتزام؟
    الشيخ: إي نعم، الالتزام لا بأس به، لا بأس أن يلتزم الإنسان ما لم يكن فيه ضيق وأذية فلا يفعل.
    طالب: ( ... ) هذا الموضع.
    الشيخ: في القدوم والذهاب الرجوع.
    الطالب: في جميع البيت؟
    الشيخ: لا، في هذا الموضع فقط، هذا الملتزم.
    قال: (وتقف الحائض ببابه) أي بباب المسجد (وتدعو بالدعاء) وهذا لا دليل عليه، كون الحائض تأتي وتقف بباب المسجد وتدعو بهذا الدعاء ليس له دليل إطلاقًا، والنبي عليه الصلاة والسلام لما قيل له: إن صفية قد أفاضت قال: «انْفِرُوا»، أو قال: «فَلْتَنْفِرْ» (15)، ولم يقل: فلتأت إلى المسجد وتقف ببابه. وعلى هذا فيكون هذا القول -أي أن الحائض تأتي وتقف بباب المسجد وتدعو بالدعاء- يكون هذا قولاً ضعيفًا لا يُعمل به.
    (1/4019)
    ________________________________________
    ثم قال: (وتستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما)
    طالب: (وقبري صاحبيه).
    الشيخ: عندنا (قبر) بدون ياء، إن كانت (قبري) فظاهر، وإن كانت (قبر) فهو مفرد.
    طالب: مضاف.
    الشيخ: مضاف فيعم، لكن لا شك أن (قبري صاحبيه) أصح، بل يتعين في هذا السياق، لماذا؟ لأنه إذا قيل: قبر صاحبيه يوهم أنه قبر واحد لاثنين، وليس كذلك، ولهذا الصواب النسخة اللي عندكم.
    (وقبري صاحبيه رضي الله عنهما) الدليل قال: لحديث: من حج فزارني بعد وفاتي.
    طالب: «فَزَارَ قَبْرِي».
    الشيخ: من حج نعم «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» رواه الدارقطني (16).
    لكن هذا لا يحتاج إلى تخريج الظاهر، نعم.
    الطلبة: ضعيف هذا.
    الشيخ: نعم موضوع.
    طالب: موجود يا شيخنا ( ... ) والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
    الشيخ: اللي عندي الدارقطني فقط.
    الطلبة: ( ... )
    الشيخ: طيب على كل حال حديث ضعيف هذا، موضوع لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن كلام النبي عليه الصلاة والسلام كله حق، وهل الذي يزور قبره بعد وفاته كالذي يزوره في حياته؟
    الطلبة: لا.
    الشيخ: أبدًا، ولا يشبهه بأي حال من الأحوال.
    طالب: مبسوط.
    طالب آخر: ( ... ) تخريج شيخ الإسلام.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: ( ... ) تخريج شيخ الإسلام ذلك.
    الشيخ: نعم، على كل حال هذا الحديث لا يصح.
    إذن ما هو الدليل على استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه؟
    الدليل عموم الأدلة الدالة على استحباب زيارة القبور، ولكن ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يشد الرحل إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبري صاحبيه.
    (1/4020)
    ________________________________________
    يعني أن الحاج إذا انتهى يشد الرحل إلى المدينة ليزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، فمنهم من قال: إن شد الرحل إلى القبور لا بأس به؛ لأنه شد لعمل صالح، فالرسول أمر بزيارة القبور ولم ينه عن شد الرحل لها، بل قال: «زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ» (17)، وخير قبورٍ يُشد لها الرحل.
    طالب: قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
    الشيخ: قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبرا صاحبيه.
    ومنهم من قال: إنه مكروه شد الرحل لزيارة القبور، ومنهم من قال: إنه محرم، وهو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقرره بأدلة إذا طالعها الإنسان تبين أن ما ذهب إليه هو الحق.
    قال المؤلف رحمه الله: (وصفة العمرة: أن يحرم بها من الميقات، أو من أدنى الحل من مكي ونحوه، لا من الحرم).
    صفة العمرة أن يحرم بها فهي إحرام وطواف وسعي وحلق أو تقصير، أربعة أشياء، الإحرام يقول: أن يحرم بها من الميقات، إن مر به أو من محاذاته إن لم يمر به أو مما دونه إن كان دون الميقات، المهم أن يحرم بها على حسب ما سبق في المواقيت.
    وقول المؤلف: (أو من أدنى الحل من مكي ونحوه) وأدنى الحل بالنسبة إلى مكة إلى الكعبة التنعيم هو أدنى الحل، أما بالنسبة لمن أراد العمرة فقد يكون التنعيم، وقد يكون غير التنعيم، فالذي في مزدلفة مثلًا أدنى الحل إليه عرفة، والذي في الجهة الغربية من مكة أدنى الحل إليه الحديبية وهكذا، المهم أنه يحرم من أدنى الحل.
    ولا يلزمه أن يقصد التنعيم الذي عينه الرسول عليه الصلاة والسلام لعائشة أو الجعرانة التي أحرم منها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين رجع من غزوة حنين (18)، لا يلزمه ذلك؛ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تحرم من التنعيم (18) لكونه أقرب الحل إليها، وإحرامه من الجعرانة لكونه نازلًا بها.
    وقوله: (من مكي ونحوه).
    (1/4021)
    ________________________________________
    المكي هو ساكن مكة، ونحوه هو الآفاقي المقيم بمكة، فكلاهما يحرم من أدنى الحل، وقد سبق لنا تقرير ذلك وبيان شبهة من قال من أهل العلم: إن المكي يحرم من مكة لعموم الحديث.
    قال: (لا من الحرم).
    يعني: لا يحرم للعمرة من الحرم، فإن فعل انعقد إحرامه، ولكن يلزمه دم لتركه الواجب، وهو الإحرام من الحل.
    قال: (وتباح كل وقت، فإذا طاف وسعى وحلق أو قصر حل)؛ لأن العمرة مكونة من إحرام وطواف وسعي وحلق أو تقصير، من أربعة أشياء. نعم.
    طالب: عندي: حلق أو قصر.
    الشيخ: نعم: وحلق أو قصر.
    الطالب: تصحيحه.
    الشيخ: عندي متن.
    قال: (وتباح كل وقت).
    تباح العمرة في كل وقت، أما الحج فهو أشهُر معلومات، العمرة تباح في كل وقت حتى في يوم عيد النحر، وحتى في يوم عرفة، وحتى في أيام التشريق، فمثلاً لو أن أحدًا قدم إلى مكة في يوم عرفة هل نقول: إن العمرة لا تصح لأن الوقت للحج؟ لا، نقول: تصح، لكن الحاج هو الذي ينبغي أن يقال له: اذهب إلى عرفة ولا تتمتع؛ لأن وقت التمتع قد فات، ولكن انو القران أو الإفراد.
    وقول المؤلف: (تباح كل وقت) لم يذكر رحمه الله هل يُسن أن يعتمر كل وقت أو في السنة مرة أو في الشهر مرة أو ماذا؟
    ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى رحمه الله اتفاق السلف على أنه يكره تكرارها، أي تكرار العمرة، وقال الإمام أحمد: لا يعتمر إلا إذا حمم رأسه - حمم يعني اسود - من الشعر.
    وبناءً على هذا يكون ما يفعله العامة الآن من تكرار العمرة، ولاسيما في رمضان كل يوم، إن لم يكن بعضهم في اليوم والليلة، في النهار عمرة وفي الليل عمرة.
    ( ... ) عندي يقول: ويكره الإكثار والموالاة بينها باتفاق السلف، قاله في المبدع لابن مفلح، وقاله أيضًا شيخ الإسلام رحمه الله قبله: إنه يكره.
    وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» (19) فهو مطلق مقيد بعمل السلف رضوان الله عليهم.
    طالب: ( ... ) ويستحب تكرارها.
    (1/4022)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم، إي نعم، قال: (ويستحب تكرارها في رمضان لأنها تعدل حجة)، هذا غلط، هذا ليس بصحيح؛ لأن كراهة السلف لتكرارها عام في رمضان وفي غيره.
    قال: (وتجزئ عن الفرض) ما الذي تجزئ عن الفرض؟ العمرة، تجزئ عن الفرض في أي وقتٍ أداها، عمرة المتمتع تجزئ عن الفرض، وعمرة القارن.
    الطلبة: تجزئه.
    الشيخ: تجزئ عن الفرض؛ لأن القارن أتى بعمرة وحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة: «طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَسَعُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» (20)، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم لها حجًّا وعمرة.
    لو جعل القارن عمرته لشخص وحجه لآخر يجزئ؟
    طالب: قارن؟
    الشيخ: قارن.
    الطالب: لا يجزئ.
    الشيخ: جعل عمرته لشخص وحجه لآخر.
    الطلبة: لا يجزئ.
    الشيخ: المتمتع جعل عمرته لشخص وحجه لآخر؟
    الطلبة: يجوز، يجزئ.
    الشيخ: المتمتع واضح أنه يجزئ لأن العمرة؟
    الطلبة: منفصلة.
    الشيخ: منفصلة.
    طالب: وتكون مفردة.
    الشيخ: والقارن قال الفقهاء رحمهم الله: إنه يجوز؛ لأن القران وإن كان فعلاً واحدًا لكنه نسكان، وإذا كان نسكين أجزأ أن يجعل واحدًا منهما عن شخص والآخر عن شخصٍ آخر.
    طالب: الصحيح؟
    الشيخ: والله أنا أميل إلى أنه لا ينبغي أن يجعل العمرة لشخص والحج لآخر، لكن لو فعل لا أقول: إنه حرام؛ لأن الرسول أثبت أنهما نسكان.
    طالب: النبي عليه الصلاة والسلام قال: «الْحَجُّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» (21).
    الشيخ: نعم.
    الطالب: وقال: «مَن أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» (22) ( ... ) يا شيخ ( ... ) هذه الأحاديث تدل على ( ... )، ما أدري ما رأيك؟
    (1/4023)
    ________________________________________
    الشيخ: وبهذا قال بعض أهل العلم، لكن الجمهور على خلاف ذلك، الجمهور قالوا: إنها لا تكفر إلا الصغائر، وأيدوا رأيهم هذا بقولهم: إن الصلوات الخمس أعظم من الحج، أعظم ثوابًا عند الله ومنزلة في الدين، ومع ذلك اشترط النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتكفيرها للذنوب أن تجتنب الكبائر، ولكن الإنسان يرجو من الله عز وجل إذا كان حجه مبرورًا أن يكفر عنه جميع السيئات.
    ويجاب عما ذكره الجمهور رحمهم الله بأن الحج أعظم مشقة وأكثر تعبًا من الصلاة، والإنسان الذي يقدم إليه من بلاد بعيدة، ولا سيما في الزمن الأول، يدل على رغبته الشديدة فيما يقرب إلى الله، فكان بهذا موجبًا لهدم كل ما سبق من الأعمال.
    فلو أن الإنسان رجا ربه عز وجل أن تكفر عنه جميع الذنوب تمسكًا بهذا الحديث فإن الله عز وجل أكرم من عباده.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، لازم.
    طالب: أحسن الله إليكم، وفي حديث أبي موسى لما قال: إني أهل بما أهل به.
    الشيخ: رسولك.
    الطالب: إني أهللت بما أهللت به يا رسول الله. فقال: «هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟ ». قال: لا. قال: «فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا واَلْمَرْوَةِ» (23). فطفت.
    الشيخ: «اجْعَلْهَا عُمْرَةً».
    الطالب: «وَاجْعَلْهَا عُمْرَةً».
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: ما فيه دليل على وجوب سوق الهدي، فيه دليل على أن من لم يسق الهدي وهو قارن فإنه يجعلها عمرة.

    طالب: ( ... ) هذا أحرم بالعمرة ثم وطأ امرأته أثناء إحرامه قبل التحلل، أقول: ما الذي يجب عليه؟
    الشيخ: ما تقولون فيه؟ رجل أحرم بعمرة وجامع زوجته قبل أن يتحلل، فماذا عليه؟
    الطلبة: ( ... ).
    الشيخ: عليه فدية أذى ( ... ) حصرنا لكم فيما سبق الفداء، وذكرنا أن محظورات الإحرام تنقسم:
    ما ليس فيه فدية، وما فديته بدنه، وما فديته جزاء، وما فديته فدية الأذى. وهذا الحصر الذي ذكرنا سابقًا اعتمده لأجل ألا يُشكل عليك شيء.
    (1/4024)
    ________________________________________
    طالب: شيخ، إذا قلنا: إن الدليل عند القول بزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لعموم الدليل ( ... ) العناء زيارة غيره من القبور.
    الشيخ: نعم وهو كذلك.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، هو على كل حال الزيارة للقبور سواء قبر النبي عليه الصلاة والسلام أو قبر صاحبيه كلها من أجل أن تذكر الآخرة، لكن لا شك أنه يكون في قلب الإنسان إذا زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يكون في قلبه إذا زار قبر شخصٍ آخر، وأما الأحاديث الواردة «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» (24)، أو «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» (25) فكلها ضعيفة، بل موضوعة.
    طالب: أيهما أفضل العمرة في رمضان أو في الحج؟
    الشيخ: أو في أشهر الحج يعني في أشهر الحج عمومًا، هذا يقول: أيهما أفضل: العمرة في رمضان أو في أشهر الحج؟
    تردد ابن القيم رحمه الله في ذلك أيهما أفضل: العمرة في رمضان لأنها تعدل حجة، أو في أشهر الحج؛ لأن جميع عمر النبي صلى الله عليه وسلم كانت في أشهر الحج؟ والظاهر أنها في رمضان أفضل، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر في أشهر الحج من أجل دفع العقيدة التي كانت عند العرب بأن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ويقولون: إذا عفا الأثر، وبرأ الدَّبَر، ودخل شهر صفر؛ حلت العمرة لمن اعتمر (26). ولَّا قبل حرام في مذهبهم.
    طالب: هل يجوز لرجل شيخ أن ينيب عن نفسه أكثر من رجل يحج عنه في عام واحد؟
    الشيخ: إي نعم، يجوز ذلك، لكن إذا أناب اثنين فأكثر في فريضة فأيهما يقع حجه عن الفريضة؟
    الطلبة: الأول.
    طالب: من أحرم أولًا.
    الشيخ: من أحرم أولًا فهو الذي يقع حجه عن الفريضة، والثانية تكون نفلًا.
    طالب: شيخ، عفا الله عنك، ذكرت بأن بعض العلماء قال بأن الترتيب ما بين الجمرات ليس بشرط، وأنه إذا نكس فنقول: إن رميك جائز.
    الشيخ: نقول ( ... ) والرمي صحيح.
    (1/4025)
    ________________________________________
    الطالب: فيكون بذلك العادة الشرعية بأنه مجرد فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله العام: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (1)، وفي نفس الوقت استدلوا بنفس الدليلين على عدم الرمي قبل الزوال، وأنه لو رمى قبل الزوال، فإنه ملزم بغير علة. يعني لو نفس الدليلين فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله العام، وفي الموضعين وموضع يثبت وموضع ..
    الشيخ: لا، بينهما فرق؛ لأن كون الرسول عليه الصلاة والسلام يختار ما بعد الزوال للرمي مع كونه أشق وأعظم يدل على أنه ليس بجائز قبل ذلك، وقول ابن عمر: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا (27).
    الطالب: في نفس الإيراد يَرد أن نتعلم الترتيب.
    الشيخ: لا، ما يَرد على هذا الترتيب، ما هناك فرق بين أن تبدأ بالأخيرة أو بالأولى من جهة المشقة، بل أحيانًا إذا كنت من جهة الغرب يمكن بدؤك بالأولى أسهل.

    طالب: شيخ، من حج تطوعًا قال: بيسقط الفريضة نقول: تكون فريضة، ومن صلى قبل صلاة الظهر ولم يصل الظهر أربعًا نقول نحن: ما تقع فريضة، ما الفرق بين الصورتين؟
    الشيخ: يسأل يقول: لو صلى قبل الظهر، يعني قبل الزوال.
    الطالب: لا في وقت الظهر قبل الفريضة.
    الشيخ: في وقت الظهر قبل الفريضة. صلى أيش؟
    الطالب: أربع ركعات.
    الشيخ: بنية؟
    الطالب: بنية تطوع.
    الشيخ: إي نعم، الفرق بينهما أن الصلاة وقتها موسع، بخلاف الحج فإن وقته مضيق.
    طالب: إذا قلنا بتحريم زيارة الأضرحة والقبور، كيف نرجح حديث «فَزُورُوهَا».
    الشيخ: أيش؟
    الطالب: الحديث الثاني: «فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ».
    الشيخ: نعم.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: الذين أجازوا شد الرحل لزيارة القبور استدلوا بهذا الحديث الذي ذكرت: «زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ» (17).
    (1/4026)
    ________________________________________
    والذين منعوا ذلك قالوا: لأن زيارة القبور عبادة متعلقة بمكان، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» (28).
    وقالوا: إن قوله: «زُورُوا الْقُبُورَ» يعني فحوى الخطاب والحالة التي تكلم فيها الرسول عليه الصلاة والسلام تدل على أنها القبور التي في بلدك، لا تحتاج إلى شد رحل، وقالوا أيضًا: إن شد الرحل إلى جهات القبور تؤدي إلى شد الرحل للمغالاة فيها والتعلق بها، والشيطان من هذه الناحية يدخل على الإنسان حتى يوقعه في الشرك.
    كلام شيخ الإسلام رحمه الله استدل بأدلة أكثرها غالبها أدلة عقلية وتعليلات، لكن إذا راجعتها اطمأننت إلى هذا القول.
    طالب: فضيلة الشيخ، النص «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» عام لا ( ... ) ولكن هذا عام مخصص إذا جاء عامان ( ... ) نقدم ( ... ).
    الشيخ: لا، كل واحد يخصص الآخر، هذا إذا قلنا: إن قوله: «زُورُوا الْقُبُورَ» للعموم، فهذا عام وهذا عام، فيُنظر أيهما أولى بتخصيص الآخر، نقول: هذا نهي، لا تشد الرحال إلا إلى كذا، فهو نهي عام في كل شيء.
    طالب: إذا قلنا: ستر العورة في السعي سنة.
    الشيخ: أيش؟
    الطالب: ستر العورة في السعي سنة، فلماذا نقول: ستر العورة؟
    الشيخ: ستر العورة سنة؟
    الطالب: في السعي.
    الشيخ: في السعي، إي نعم.
    الطالب: فلماذا لا يكون واجب ( ... ) في غير السعي سترها واجب ( ... ).
    الشيخ: لا، فائدة قولنا: إن ستر العورة في السعي سنة أنه لو فرض أن الرجل سعى وقد انكشف شيء من عورته كانشقاق الثوب، وهو لم يعلم بذلك، فإننا لو قلنا: إنه شرط لزم من ذلك إعادة السعي، وإذا قلنا: ليس بواجب لم يجب إعادة السعي، ولكن ليس معنى قولنا هذا أنه لا يجب ستر العورة، ستر العورة واجب لكنه ليس شرطًا بالنسبة للسعي فقط.
    طالب: شيخ ( ... ).
    (1/4027)
    ________________________________________
    الشيخ: إي نعم، الذي يجب إعادة الطواف فيما لو تأخر عن طواف الوداع نية الإقامة، ولو ساعة لغير ما استثني، مثل انتظار رفقة، الاتجار مطلقًا، حتى ولو كنت في طريقك تمشي مع صاحبك واشتريت منه شيئًا للتجارة فإنك تعيد.
    طالب: قارن يجب عليه أن يسوق الهدي أنه حتى لا ( ... ) السيارة حتى لا يجب أن يمشي بها من الميقات والآن سئلت ..
    الشيخ: هل قلنا: إن القارن يجب أن يسوق الهدي؟
    الطلبة: لا.
    الشيخ: قلنا: ما ساق الهدي لزم أن يقرن.
    الطالب: يعني يجوز له أن يشتري شيئًا من مكة؟
    الشيخ: إي، معلوم، كالمتمتع؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: ( ... ) سكتت.
    الشيخ: إي نعم، يقول: إذا قلنا: إن عمل القارن كعمل المفرِد، فما الفائدة من تقسيم الأنساك إلى ثلاثة؟
    الجواب: الفائدة ظاهرة؛ لأن القارن يحصل له؟
    الطلبة: نسكان.
    الشيخ: نسكان: عمرة وحج، والقارن عليه هدي، والمفرِد؟
    الطلبة: ليس عليه.
    الشيخ: ليس عليه هدي.
    طالب: ( ... )
    الشيخ: لا، يختلف أيضًا؛ لأن القارن يحصل على نسكين، والمفرِد على نسك واحد.
    طالب: في نفس ( ... )؟
    الشيخ: نعم.
    الطالب: في نفس ( ... ).
    الشيخ: في نفس الرحال، صحيح الأفعال واحدة.
    طالب: إذا فقد النية فقط.
    الشيخ: النية والعمل، إذا كان مفردًا وجب عليه أن يعتمر؛ لأن العمرة ما سقطت حتى الآن، وإذا كان قارنًا لم يجب أن يعتمر.
    طالب: ذكرنا فيما سبق أن الملبي بعمرة يستمر نعم، الملبي بعمرة يستمر في التلبية حتى يستلم الحجر الأسود
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: الملبي بعمرة سواء كان متمتعًا أو قارنًا قلنا: إنه يستمر في التلبية حتى يستلم الحجر الأسود.
    الشيخ: مَن؟
    الطالب: الملبي بعمرة إذا أحرم بعمرة.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: يستمر في التلبية حتى يستلم الحجر الأسود.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: لكن ثبت في البخاري (29) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا دخل أدنى الحرم قطع التلبية.
    الشيخ: في البخاري؟
    الطالب: نعم.
    (1/4028)
    ________________________________________
    الشيخ: عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: ثبته الآن.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: بأن المتمتع يقطع التلبية إذا شرع في الطواف، لكن ثبت في صحيح البخاري (29) من حديث نافع عن ابن عمر: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبي حتى إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية.
    وثبت هذا من فعل ابن عمر رضي الله عنهما كما في حديث عُبيد بن جُبير عنه أنه إذا وصل أدنى بيوت مكة قطع التلبية (30). وأما ما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبي حتى استلام الحجر الأسود (31) فقد ذكر بعض المحدثين أن في سنده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ جدًّا.
    على كل حال يكون المعتمد إذا وصل إلى أدنى الحرم فإنه يمسك عن التلبية؛ لأنه إذا ثبت عن الرسول ما أبدًا.
    طالب: ما ثبت يا شيخ أنه كان لا يقطع التلبية إلا عند جمرة العقبة.
    الشيخ: هذا إذا كان في حج.
    طالب: ( ... ) قارنًا يا شيخ؟
    الشيخ: نعم؟
    الطالب: قارنًا.
    الشيخ: القارن ما يقطع التلبية إلا إذا كان شرع في الرمي، وكذلك المفرد، وكذلك المتمتع، لكن الرسول اعتمر عدة مرات، اعتمر في الجعرانة، اعتمر عمرة القضاء فلعل ابن عمر أراد إحدى العمرتين.
    طالب: شيخ، بارك الله في عمرك، قلت: الدعاء في آخر شوط على المروة لا يُشترط.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: لأنه ليس في جوف العبادة، فيا شيخ الآن إذا سقطنا هذا الشوط، إذا سقطنا شوط السعي آخر شوط
    الشيخ: إذا أيش؟
    الطالب: إذا أسقطنا هذا الشوط، آخر شوط الذي على المروة.
    الشيخ: نعم، يعني الدعاء، الدعاء والرقي يعني.
    الطالب: قلت: الدعاء على آخر شوط على المروة.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: على المروة لا يشرع فيه الدعاء.
    الشيخ: قلنا: إذا وصل إلى المروة في آخر شوط لا يشترط الدعاء، وأما آخر شوط على المروة فإنه يدعو.
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: فهمت؟
    الطالب: إي نعم معاك يا شيخ، يعني إذا وصل المروة نفسها ..
    الشيخ: يعني مثلًا آخر شوط وصل إلى المروة.
    (1/4029)
    ________________________________________
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: خلاص انتهى السعي.
    الطالب: انتهى الدعاء.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: شكرًا يا فضيلة الشيخ.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليكم يا شيخ، ما هو الدليل على أنه من غابت عليه الشمس يلزمه الانضباط عليه؟ إذن الرجوع إلى منى.
    الشيخ: المبيت.
    الطالب: يلزمه المبيت.
    الشيخ: ما هو الرجوع إلى منى إذا ( ... ) الرجوع.
    يقول: ما هو الدليل على أنه إذا غربت الشمس وهو في منى لزمه البقاء إلى اليوم الثالث عشر.
    ذكرنا الدليل، وذكرنا أيضًا فيه أثرًا عن عمر رضي الله عنه: أن من أدركه المساء فإنه يجب عليه المبيت (32).
    طالب: ذكرتم أنه في جمرة العقبة ورمي الجمار في أيام منى أن الليل تابع النهار.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: ذكرتم بأن جمرة العقبة إن صح الوقوف فيها ليلاً أنها تابع النهار.
    الشيخ: نعم، هذا إذا تبع النهار نقول: دل الحديث على أن منتهى جواز الدفع من منى هو ما كان في نفس اليومين، وأما ما بعد الغروب فهو خارج عن اليومين.
    طالب: طواف الوداع واجب؟
    الشيخ: نعم.
    الطالب: والدليل على هذا عن ابن عباس في ( ... ) حتى ( ... ) عنه الشيء.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، في حديث: أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف (33) هذا الطواف صح في رواية أبي داود للحديث نفسه.
    طالب: إذا نزل الحاج في نمرة.
    الشيخ: إذا أيش؟
    الطالب: إذا نزل الحاج في نمرة.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: ولم يدفع إلى عرفة إلا قبيل الغروب بساعة، هل يجمع؟
    الشيخ: فهل.
    الطالب: هل يجمع بين العصر والظهر ( ... ) إتمامه؟
    الشيخ: لا يجمع بينهما؛ لأن الفائدة من الجمع هو أن على ما قال العلماء أن يتسع الوقت للدعاء وهو في مكان ليس فيه دعاء في نمرة، الدعاء إنما يكون في عرفة، وهذا لم يصل إليها.
    طالب: أحسن الله إليكم، ذكرتم أنه إذا طاف للوداع ولم يكن طاف طواف الزيارة.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: فإنه لا يجزئه عن طواف الزيارة.
    الشيخ: نعم، إذا نوى طواف الوداع.
    (1/4030)
    ________________________________________
    الطالب: نعم، وقد تقدم أنه إذا كان متلبسًا بالنسك.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: أخذنا في الدروس السابقة.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: أنه لا يلزمه تجديد النية عند كل الواجبات أو الأركان؟
    الشيخ: نعم.
    الطالب: كيف ذلك؟
    الشيخ: الجواب واضح؛ لأن هذا نوى خلاف ما يراد به النسك؛ لأنه هو لم يطف فقط وسكت، لو أنه طاف ولم يعين أنه للوداع.
    الطالب: لأجزأ عليهم.
    الشيخ: أجزأ.
    يقول: في رمي الجمرات وقت أول التشريق ثبت أنه بسبب رمي إبراهيم عليه السلام الشيطان (34) عن ابن عباس موقوفًا ورجاله ثقات في مجمع الزوائد (35) عن أبي الطفيل، هل هو صحيح؟
    يعني يقول سبب رمي الجمرات هو أن إبراهيم رمى الشيطان عن ابن عباس.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: تقدم لنا أن ابن عباس رضي الله عنهما ممن عُرف بالأخذ عن بني؟
    الطلبة: إسرائيل.
    الشيخ: إسرائيل، ومثل هذا الخبر لا يدخله الاجتهاد، وعلى هذا فيكون من أخبار بني إسرائيل فلا يكون له حكم الرفع.
    الطالب: أظنه مرفوعًا في مسند ( ... ).
    الشيخ: لا بد أن تصححه لنا.
    يقول: آخر الزمان يصير يُعير الرجل بدينه كما تُعير الزانية بزناها، وفي الوقت الحاضر نرى الواقع كما ذُكِر، حتى إن بعض الدول يضيقون على رَجل الدين الذي لا يعرف يمكن (فيهم) أو (عليهم) إلا اتباع السنة، نرجو إيضاح العبارة وما يترتب عليها من المفاسد؟
    طالب: الإسلام ما فيه رجال دين.
    الشيخ: إي، لك وش هذا؟ وش؟
    طالب: صحيح ولا مانو صحيح؟
    الشيخ: وش؟
    الطالب: أقول: أستفيد هذه العبارة أقول: صحيحة ولا موضوعة.
    الشيخ: ما أدري، ما سمعته بحديث.
    طالب: حديث عائشة رمي الجمرات أن رمي الجمرة في جمرة العقبة يكون فيه التحلل الأول (36).
    الشيخ: يكون أيش؟
    الطالب: يكون فيه التحلل الأول.
    الشيخ: إي نعم. على كل حال الحديث الذي ذكرت يدل على أن التحلل الأول يحصل بالرمي فقط، هذا أخذناه. التلبية.
    طالب: الراجح في المسألة يا شيخ؟
    (1/4031)
    ________________________________________
    الشيخ: والله إلى الآن ما بعد تقرر عندي الرجحان، لكن أنا أقول لكم: إذا ثبت الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام فوهو العمدة لا شك ولا في راجح ومرجوح.
    يقول: إذا أصيب الثوب بدم يغلب على الظن نجاسته، فحاول لابس الثوب إزالته بالماء والفرك، فلم يزل كله، بل بقي له أثر، فماذا يفعل؟
    على كل حال الدم إذا كان يغلب على الظن نجاسته ولم يتيقن فإنه لا يلزمه الغسل؛ لأن لا بد من اليقين، وإذا تيقن أنه دم نجس وغسله فإنه لا يضره بقاء اللون إذا زالت عين النجاسة طهر.

    طالب: أحسن الله لك يا فضيلة الشيخ، بعض الناس في شوطه السابع من السعي عندما يحاذي الباب يخرج من عليه ( ... ) هذا يكون تام وصحيح يا شيخ؟
    الشيخ: هو المسعى الذي يجب الذي به المشايات.
    طالب: الباب دونها.
    الشيخ: لا، فوقها.
    طالب: الباب فوقها.
    الشيخ: الباب فوقها.
    الطالب: قدمنا السابع وخرج مع الباب.
    الشيخ: ( ... ) بس ( ... ) لأن الباب تصوري الآن أن الباب يعني ما تقدمها كثيرًا ولا تأخر عنها كثيرًا تقريبًا، هي تكون في نصفها أو قريبًا منه، فليلاحظ هذا الشيء.
    ***
    طالب: والرمي والحلاق والوداع والباقي سنن، وأركان العمرة: إحرام وطواف وسعي، وواجباتها: الحلاق والإحرام من ميقاتها، فمن ترك الإحرامَ لم ينعقد نسكه، ومن ترك ركنًا غيره أو نيته لم يتم نسكه إلا به، ومن ترك واجبًا فعليه دم أو سنة فلا شيء عليه).
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. قال المؤلف: وأركان الحج وواجباته وأركان العمرة وواجباتها.
    وقد سبق في أول المناسك شروط الحج، شروط وجوبه وشروط صحته وشروط إجزائه، وقد اعترض بعض الناس على هذا التقسيم على الشروط، على الأركان، على الواجبات، على السنن وقال: أين هذا في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
    (1/4032)
    ________________________________________
    وإذا لم نجد ذلك في كتاب الله أو سنة رسوله فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (37) فيرد على صاحبه.
    والجواب عن ذلك أن يقال: الأمور قسمان: أمور غائية وأمور وسيلة.
    فأما الأمور الغائية التي هي غاية ومقصودة لذاتها فإنها لا تُفعل إلا بإذنٍ من الشرع، ولا يمكن لأحدٍ أن يشرعها أو يتعبد لله بها.
    والثاني: أمور وسيلة يقصد بها الوصول للغاية، فهذه ليس لها حد شرعي، بل لها القاعدة الشرعية، وهي أن الوسائل لها أحكام المقاصد، والوسائل تختلف باختلاف الأزمان واختلاف الأحوال واختلاف الأماكن واختلاف الأمم، وإذا كان كذلك فالوسائل بابها مفتوح.
    فالعلماء رحمهم الله رأوا أن من وسائل تقريب العلم إلى الأذهان وإلى الحصر أن يكتبوا مثل هذا، أن يقولوا: هذه شروط، هذه أركان، هذه واجبات، هذه سنن، وقالوا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد فعل هذا المبدأ، فنجده أحيانًا يقول: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ» (38)، «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ» (39) مع أنهم لا ينحصرون في سبعة ولا ينحصرون في ثلاثة، لكن هذا من باب التقريب؛ تقريب العلم للأفهام.
    يبقى النظر إذا قال: هذا شرط أو هذا واجب فهنا يُطالب بالدليل، يقال له: من أين لك أن هذا شرط، وأن هذا واجب، وأن هذا ركن، وأن هذا سنة؟ هذا هو الذي يطالب فيه الإنسان بالدليل، أما تقسيم الأشياء إلى هذا وهذا وهذا تقريبًا للأفهام، فإنه من باب الوسائل.
    (1/4033)
    ________________________________________
    لو أردنا أن نسقط هذه المسألة لقلنا أيضًا: تقسيم العلم إلى توحيد وطهارة وصلاة وزكاة وصيام وحج وبيوع ورهان وما أشبه ذلك أيضًا هذا بدعة، أين في السنة أنها قُسمت هكذا، أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قسمها، فيقال: ينبغي للإنسان أن يكون فهمه واسعًا، وأن يعرف مقاصد الشريعة، وألا يجعل الوسائل مقاصد، فإنه بذلك يضل ويُبدِّع أناسًا كثيرين من أهل العلم المحققين، حينئذ نقول: تقسيم العلم إلى أبواب ليس به بأس، تقسيم الأبواب إلى شروط وأركان وواجبات ومستحبات ليس به بأس؛ لأننا لسنا نتعبد لله بذلك، ولكننا نريد أن نقرب العلم كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يستعمل تقريب العلم لكن بأساليب مختلفة.
    يقول: (أركان الحج الإحرام) الأركان جمع ركن، والركن هو جانب البيت الأقوى، وهي التي تسمى عندنا بالزاوية، مثل هذه الزاوية ركن، هذا أقوى ما في الجدار، هذا الركن لماذا؟ لأن بعضه يسند بعضًا حيث يتلاقى طرفا الجدار فيسند بعضهما بعضًا، ولهذا يسمى ركنًا؛ لأنه جانب الشيء الأقوى يسمى ركنًا
    و(أركانُ الْحَجِّ): الإحرامُ، والوُقوفُ، وطَوافُ الزيارةِ، والسعيُ.
    و(وَاجِبَاتُه): الإحرامُ من الْمِيقاتِ الْمُعْتَبَرِ له، والوُقوفُ بعَرفةَ إلى الغُروبِ، والْمَبيتُ لغيرِ أَهلِ السِّقايةِ والرعايةِ بِمِنًى ومُزدَلِفَةَ إلى بَعدِ نِصفِ الليلِ، والرميُ، والْحِلاقُ، والوَداعُ، والباقي سُنَنٌ.
    و(أَركانُ العُمرةِ): إحرامٌ، وطَوافٌ، وسَعْيٌ.
    و(واجباتُها): الْحِلاقُ، والإحرامُ من مِيقاتِها، فمَن تَرَكَ الإحرامَ لم يَنعقِدْ نُسُكُه، ومَن تَرَكَ رُكْنًا غَيرَه أو نِيَّتَه لم يَتِمَّ نُسُكُه إلا به، ومَن تَرَكَ واجبًا فعليه دمٌ، أو سُنَّةً فلا شيءَ عليه.
    وهي أنَّ الوسائل لها أحكامُ المقاصدِ، والوسائلُ تختلفُ باختلافِ الأزمان، واختلافِ الأحوال، واختلاف الأماكن، واختلاف الأُمَم، وإذا كان كذلك فالوسائلُ بابُها مفتوحٌ.
    (1/4034)
    ________________________________________
    فالعلماء -رحمهم الله- رَأَوْا أنَّ من وسائل تقريبِ العلم إلى الأذهان وإلى الحصْرِ أنْ يكتبوا مِثْلَ هذا؛ أنْ يقولوا: هذه شروطٌ، هذه أركانٌ، هذه واجباتٌ، هذه سُنَنٌ.
    وقالوا: إنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قد فَعَل هذا المبدأ؛ فنجده أحيانًا يقول: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ» (1)، «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ» (2) مع أنهم لا يَنْحصِرون في سبعةٍ ولا يَنْحصِرون في ثلاثةٍ، لكن هذا من باب التقريبِ؛ تقريبِ العلم للأفهام.
    يبقى النظر؛ إذا قال: هذا شرطٌ أو هذا واجبٌ. فهُنا يُطالَب بالدليل؛ يُقال له: مِن أينَ لك أنَّ هذا شرطٌ، وأنَّ هذا واجبٌ، وأنَّ هذا ركنٌ، وأن هذا سُنَّةٌ؟ هذا هو الذي يُطالَب فيه الإنسانُ بالدليل، أمَّا تقسيمُ الأشياءِ إلى هذا وهذا وهذا تقريبًا للأفهامِ فإنه من باب الوسائل، لو أردْنا أنْ نَسْلُك هذا المسلكَ لقُلْنا أيضًا: تقسيمُ العلم إلى توحيدٍ وطهارةٍ وصلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وحجٍّ وبيوعٍ ورهانٍ وما أشْبَهَ ذلك أيضًا هذا بدعةٌ؛ أين في السُّنة أنها قُسِّمت هكذا أو أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قسَّمها؟
    فيُقال: ينبغي للإنسان أنْ يكون فَهْمُه واسعًا، وأنْ يعرف مقاصدَ الشريعة، وألَّا يجعل الوسائلَ مقاصدَ؛ فإنه بذلك يَضِلُّ ويُبدِّع أُنَاسًا كثيرين من أهل العلم المحقِّقين. حينئذٍ نقول: تقسيمُ العلم إلى أبوابٍ ليس به بأسٌ، تقسيمُ الأبوابِ إلى شروطٍ وأركانٍ وواجباتٍ ومستحبَّاتٍ ليس به بأسٌ؛ لأننا لَسْنا نتعبَّد لله بذلك، ولكنَّنا نريد أنْ نُقَرِّبَ العِلْم، كما كان الرسولُ عليه الصلاة والسلام يستعمل تقريبَ العلم لكنْ بأساليب مختلفة.

    ***
    يقول: (أركان الحج: الإحرام).
    (1/4035)
    ________________________________________
    الأركانُ جمع رُكْن، والرُّكْن هو جانب البيتِ الأقوى، وهى التي تُسمَّى عندنا بالزاوية؛ مثلًا هذه الزاوية رُكْن، أقوى ما في الجدار هذا الرُّكْن، لماذا؟ لأن بعضه يسند بعضًا؛ حيث يتلاقى طَرَفَا الجدارِ فيسند بعضُهما بعضًا، ولهذا يُسَمَّى رُكْنًا؛ لأنه جانبُ الشيءِ الأقوى يُسَمَّى رُكْنًا.
    وقوله: (الإحرام) سبق لنا أن الإحرام هو نيَّةُ النُّسُك وليس لباسَ ثوبِ الإحرام؛ لأنَّ الإنسان قد ينوي النُّسُك فيكون مُحْرِمًا ولو كان عليه قميصُهُ وإزارُهُ، ولا يكون مُحرِمًا ولو لَبِس الإزارَ والرداءَ إذا لم يَنْوِ، فالإحرامُ نيَّةُ النُّسُك، والنيَّة محلُّها القلب، فيكون داخلًا في النُّسُك إذا نوى أنه داخلٌ فيه.
    ولكنْ يجب أنْ تعرف الفرقَ بين مَن نوى أنْ يحجَّ ومَن نوى الدخولَ في الحجِّ، أيُّهما الركن؟
    طلبة: الثاني.
    الشيخ: الثاني؛ مَنْ نوى الدخولَ في الحجِّ، أمَّا مَن نوى أنْ يحجَّ فلم يُحرِم، ولهذا ينوي الإنسانُ الحجَّ من رمضان، من رجب، من قبل ذلك، ولا نقول: إنَّ الرجُل تلبَّس بالنُّسُك أو دخلَ في النُّسُك أو أَحْرَمَ. الإحرام نيَّة الدخولِ في النُّسُك.
    طيب، وهلْ يُشترط مع النيَّة لفظٌ؟
    الصحيح أنه لا يُشترط، ومِن العلماء مَن قال: لا بدَّ من التلبية مع النيَّة. وجَعَل التلبيةَ بمنزلة تكبيرةِ الإحرامِ في الصلاة.
    (الإحرام) الدليلُ على أنَّ الإحرامَ ركنٌ قولُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (3).
    (1/4036)
    ________________________________________
    الثاني: (الوقوف) يعني بعرفة؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ» (4)، ولقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]، فقوله: {إِذَا أَفَضْتُمْ} يدلُّ على أنَّ الوقوف بعرفة لا بدَّ منه وأنَّه أمْرٌ مُسَلَّمٌ، وأنَّ الوقوفَ بمزدلفة بعد الوقوف بعرفة.
    الثاني: (الوقوف).
    الثالث: (طوافُ الزيارة) ويُقال له طوافُ الإفاضةِ، وهو الطوافُ الذي يقعُ في يوم العيد أو ما بعده، والمرادُ بالطوافِ البيت؛ ودليل ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، الشاهد قوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا}؛ لأنَّ الجملةَ هذه أمْرٌ، فِعْلٌ مضارعٌ مقرونٌ بلام الأمرِ فيكون أمرًا.
    والرابع: (السَّعي)؛ لقول النبيِّ عليه الصلاة والسلام: «اسْعَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» (5)، ولقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، ولقول عائشة رضي الله عنها: واللهِ ما أتَمَّ اللهُ حجَّ رجُلٍ ولا عُمْرتَه لم يَطُفْ بهما (6) أي: بالصفا والمروة.
    فإنْ قال قائل: كيف تقولون: إنَّ السعي بين الصفا والمروةِ ركنٌ. وقد قال الله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، ونَفْيُ الْجُناح لا يدلُّ على الوجوبِ، يدلُّ على رفْعِ الإثم فقط، فكيف تجعلونه رُكْنًا لا يصِحُّ الحجُّ إلَّا به؟
    هذا إيرادٌ واردٌ؛ كيف تجعلون السعي بين الصفا والمروةِ من أركانِ الحجِّ والله عز وجل يقول: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، وهذا يدلُّ على رفْع الإثم عمَّن اطَّوفَ بهما ولا يدلُّ على أنه رُكن؟
    (1/4037)
    ________________________________________
    قلنا: إنَّ قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} يكفي دليلًا في مشروعيَّة السعي؛ حيث جعلهما من شعائر الله، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، والطواف بهما تعظيمٌ لهما، وأمَّا قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فهذا رفْعُ توهُّمٍ وَقَع مِن بعض الناس حين نزولِ الآية؛ وذلك أنه كان على الصفا والمروةِ صَنَمانِ يُعبدانِ من دون الله، فتحرَّجَ المسلمون مِن أنْ يطوفوا بالصفا والمروةِ وعليهما صَنَمانِ قبل أنْ يدخُل الإسلام، فنفى اللهُ سبحانه وتعالى ذلك الْجُناح ليرتفع الحرَجُ عن صدورهم، فكان الغرض من نَفْي الْجُناح أيش؟ رفْع الحرج عن صدورهم حتى لا يبقى فيهم قَلَقٌ.
    وأما أن يقال إنه رفْعُ الْجُناح، إنه رفعٌ للإثم فقط. لا، رفْعُ الحرَجِ عمَّا في صدورهم، وإلَّا فبمجرَّد قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} يكون ذلك دليلًا على أنه لا جُناح على مَن طاف بهما، بلْ مَن طاف بهما فقد عظَّمَ شعائرَ الله. هذه أربعة أركان.
    (1/4038)
    ________________________________________
    زاد بعض العلماء المبيتَ بمزدلفة، واستدلُّوا لذلك بقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} إلى آخره {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 198، 199]، وبقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عروة بن الْمُضَرِّس: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ -يعني الفجر- وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» (7)، ففُهِم منه أنَّ مَن لم يقِفْ بمزدلفة لم يَتِمَّ حجُّه، وإلى هذا ذهبَ بعضُ السَّلَف والخلَفِ، وهو لا شك قَوِيٌّ؛ القولُ بأنَّ المبيتَ بمزدلفة ركنٌ من أركان الحج قويٌّ.
    لكن الذين قالوا بأنه ليس بركنٍ قالوا: إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الفَجْرُ -يعني يوم عرفة- فَقَدْ أَدْرَكَ» (4).
    وأجابوا عن حديث عُروة بأنَّ الإتمامَ يكون على وجوهٍ: تارةً يكون إتمامَ ما لا يصِحُّ الشيءُ إلا به، وتارةً يكون إتمامًا يصِحُّ الشيءُ بدونه مع التحريم، وتارةً يكون إتمامًا يصِحُّ الشيءُ بدونه مع نفْي التحريم. والمرادُ بالإتمام في حديث عروة بالنسبة لمزدلفة: إتمامُ الواجبِ الذي تصِحُّ العبادةُ بدونه، وهذا هو رأيُ الجمهور.
    ومِن العلماء مَن قال: إنَّ الوقوفَ بمزدلفة سُنَّةٌ وليس بركنٍ ولا واجبٍ؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ» (4).
    لكن أَعْدل الأقوالِ وأَصْوبها أنه واجبٌ وليس بركنٍ، والإنسانُ يتحرَّجُ أنْ يقول لشخصٍ وقفَ بعرفة وطاف وسَعَى ولكنه لم يقِفْ بمزدلفةَ، يتحرَّج أنْ يقول: إنه لا حجَّ لك. ولكن يقول: لك الحجُّ وعليك دمٌ. كما سيأتي في الواجبات.
    ***
    (1/4039)
    ________________________________________
    ثم قال المؤلف: (وواجباتُهُ) يعني واجبات الحجِّ (الإحرامُ من الميقاتِ المعتبَرِ له).
    القيدُ المعتبر هنا قوله: (من الميقاتِ المعتبَرِ له)، أمَّا أصل الإحرامِ فهو رُكن، ولو قال المؤلف: كونُ الإحرامِ من الميقات. لو قال هكذا لكان أوضح.
    الأول: أنْ يكون الإحرامُ من الميقاتِ المعتبَرِ له، وقد عرفتم فيما سبق أنَّ المواقيت خمسةٌ، وأنَّ مَن مَرَّ بها يريد النُّسُكَ وجبَ عليه الإحرامُ، ومَن كان دونها فمِن حيث أنشأَ، حتى أهلُ مكة يُحرِمون من مكة، إلَّا في العمرة فيُحرِمون من أدنى الحلِّ، وقد سبق.
    طيب إذَن ما هو الميقات المعتبَر؟
    نقول: الميقاتُ المعتبَر هو المواقيت الخمسة، وأهلُ مَن كان أيش؟
    طالب: دونها.
    الشيخ: دونها، ومكة لأهل مكة، إلَّا في العمرة فلا بدَّ أنْ تكون من الحِلِّ.
    الثاني: (الوقوف بعرفة إلى الغروب) يعني: أنْ يستمِرَّ في عرفة إذا وقفَ نهارًا إلى أنْ تغرب الشمس، وعلى هذا فلا يحِلُّ أنْ يخرج الإنسانُ من عرفة قبل غروب الشمسِ لأنه واجبٌ؛ لأن البقاء فيها حتى تغيب الشمسُ أمرٌ واجبٌ.
    وزعم بعض العلماء أنه لا يجب الوقوفُ إلى الغروب؛ لحديث عروة بن مُضَرِّس حين قال عليه الصلاة والسلام: «وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ» أيش؟
    طلبة: «لَيْلًا أَوْ نَهَارًا».
    الشيخ: «لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» (7)، فمَنْ وقف نهارًا ودَفَع قبل الغروب صَدَق عليه هذا الحكْم الذي نَطَقَ به النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه قد؟
    طالب: وقفَ.
    الشيخ: لا، قد تمَّ حجُّه، الوقوفُ فِعْلٌ، الحكْم: تَمَّ حجُّه وقَضَى تَفَثَهُ.
    ولكن الصحيح أنَّ الوقوفَ بعرفة إلى الغروب واجبٌ بأدلةٍ:
    (1/4040)
    ________________________________________
    أولًا: مُكْثُ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فيها إلى الغروبِ، مع أنه لو دَفَع في النهار لكانَ أَرْفقَ بالناس؛ فإنه إذا دَفَع في النهار كان ضوءُ النهارِ مُعِينًا للناس على السير، وإذا دَفَع بعد الغروب حلَّ الظلامُ، ولا سِيَّما في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام والناسُ يمشون على الإبلِ والأقدامِ، فينتشر الظلام قبل الوصول إلى مزدلفة.
    فإنْ قال قائل: في تلك الليلة يكون القمرُ مضيئًا، فلا يحصُل بالسير بعد الغروبِ مشقَّةٌ.
    فالجواب أنْ نقول: أفلا يمكن أنْ يكون في تلك الليلة سحابٌ؟ أجيبوا.
    الطلبة: بلى.
    الشيخ: بلى، يمكن أنْ يكون هناك سحابٌ؛ إمَّا في السَّنة التي حجَّ فيها رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإمَّا في غيرها، والنبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أنَّ مفاتيح السماءِ بيد الله عز وجل، هو الذي يُنْشِئُ السحابَ، وإذا لم يكنْ سحابٌ في تلك السَّنة فيمكن أنْ يكون في السنوات الأخرى.
    إذَنْ فتأخيرُ الرسولِ عليه الصلاة والسلام الدفعَ مِن عرفة إلي ما بعد الغروبِ وتَرْكُهُ للأَيْسَرِ يدلُّ على أنَّ الأَيْسر ممتنعٌ، ودليل ذلك أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام ما خُيِّرَ بين أمْرينِ إلَّا اختارَ أَيْسَرَهما مَا لَمْ يكنْ إثمًا (8).
    ثانيًا: أنَّ الدفعَ قبل الغروبِ يكون فيه مشابهةٌ لأهل الجاهليةِ؛ لأن أهل الجاهلية يدفعون قبل غروب الشمس؛ إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كعمائمِ الرِّجالِ على رؤوسِ الرِّجال دفعوا، فلوْ دَفَع إنسانٌ في مِثْل هذا الوقتِ لَشابَهَهُم، ومُشابهة الكفارِ في عباداتهم مُحَرَّمة.
    (1/4041)
    ________________________________________
    ثالثًا: أنَّ تأخيرَ الرسولِ عليه الصلاة والسلام الدفعَ إلى ما بعد غروبِ الشمسِ ثم مُبَادرتُهُ به قبل أنْ يُصلِّي المغربَ مع أنَّ وقتَ المغربِ قد دخلَ يدلُّ على أنَّه لا بدَّ من البقاء إلى هذا الوقتِ، وكأنَّه عليه الصلاة والسلام ممنوعٌ حتى تغرب الشمسُ، ولذلك بادَرَ، فلو كان الدفعُ قبل غروب الشمس جائزًا لدَفَع قبل غروب الشمس ووصلَ إلى مزدلفة في وقت المغربِ وصلَّى فيها المغربَ مطْمئنًّا، لكن كَوْنه يرتقبُ غروبَ الشمسِ ومِن حين أنْ غربتْ يدفع قبلَ أنْ يُصَلِّي المغربَ يدلُّ على أنه؟
    طالب: ممنوع.
    الشيخ: نعم، أنه ممنوعٌ من الدفْعِ قبل الغروب، وعلى هذا فيُقال: إنَّ القولَ الراجحَ وجوبُ البقاءِ في عرفةَ حتى تغربَ الشمسُ.
    فإنْ قيل: ما الجواب عن حديث عروة؟
    قلنا: الجواب عن حديث عروة رضي الله عنه ما أَسْلَفْنا؛ أنَّ تمامَ الشيءِ قد يكون تمامَ واجب أو رُكْن أو سُنَّة.
    الثالث: (المبيتُ لغيرِ أهلِ السِّقايةِ والرِّعايةِ بِمِنًى وبمزدلفة إلى بعد نصفِ اللَّيل).
    قوله: (المبيت بمنى) يعني به المبيتَ في ليالي أيامِ التشريقِ دون المبيتِ في ليلة التاسع؛ فإنَّ المبيتَ في ليلة التاسع ليس بواجبٍ بلْ هو سُنَّة، لكن مبيت ليالي أيامِ التشريقِ بِمِنًى واجبٌ، فما هو الدليل؟
    الدليل ما ثبتَ في الصحيحينِ أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخَّصَ لعمِّه العباسِ أنْ يبيتَ في مكة لياليَ أيامِ التشريقِ من أجْل السِّقاية (9)؛ لأن السقاية كانتْ بيَدِ العباسِ، أيُّ سِقَايةٍ هي؟
    طلبة: سِقاية الحجَّاج.
    الشيخ: سِقايةُ الْحُجَّاج، فكان رضي الله عنه يَسْقي الحجَّاجَ ماءَ زمزم مَجَّانًا؛ تعبُّدًا لله عز وجل، وكَرَمًا، وإظهارًا لكَرَم الضيافة، وفي الجاهليةِ استجلابًا للناس أنْ يحجُّوا؛ لأنَّ أهل مكة ينتفعون اقتصاديًّا من الحجاج، فيُسهلون لهم الأمورَ ويخدمونهم من أجْل تشجيعهم على الحجِّ.
    (1/4042)
    ________________________________________
    المهمُّ أنَّ قوله: رخَّصَ لعمِّه العباسِ، يدلُّ على أنَّ البقاءَ في مِنًى عزيمةٌ؛ لأنها هي التي تكون في مقابلةِ الرُّخْصةِ، ويُرشِّح هذا -يعني يُقَوِّيه- قولُ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (10)، وقد بات في منى.
    وقول المؤلف: (لغيرِ أهْلِ السِّقايةِ والرِّعايةِ) هذا مستثنى، (أهل السقاية) أيُّ السقاية؟ سقاية الحجاج مِن زمزم.
    (والرِّعاية) رعايةُ إبلِ الحجاج؛ وذلك أنَّ الناسَ فيما سبق يحجُّون على الإبل، فإذا نزلوا يوم العيد في مِنًى احتاجوا إلى مَن يرعى إبِلَهم؛ لأن بقاءها في مِنًى فيه تضييقٌ، وربما لا يكون لها العلف الكافي، لهذا يذهبُ بها الرُّعاةُ إلى محلَّاتٍ أُخرى من أجْل الرَّعْي، وقد رخَّصَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم للرُّعاةِ أنْ يَدَعُوا المبيتَ في مِنًى لياليَ مِنًى، لماذا؟ لاشتغالهم برعاية الإبل.
    طيب، هلْ يَلْحق بهؤلاء مَن يُماثلهم مِمَّن يشتغلون بمصالح الحجيجِ العامَّةِ كرجال المرور مَثَلًا وصيانةِ الأنابيب؛ أنابيبِ المياهِ وغيرِها والمستشفيات أو لا؟
    الجواب: بلى، يَلْحقون بهؤلاء؛ لتمامِ أركانِ القياسِ؛ فإن القياس إلحاقُ فَرْعٍ بأصْلٍ في حُكْمٍ .. أَتِمُّوا.
    طلبة: لِعِلَّةٍ
    الشيخ: لِعِلَّةٍ جامعةٍ. وهذا موجودٌ تمامًا فيمَن يشتغلون بمصالح الحجيج، وعليه فيُقاس على الرُّعاةِ والسُّقاةِ مَنْ يشتغلون بمصالح الناس في هذه الأيام ويُرخَّص لهم أن يبيتوا خارجَ مِنًى.
    طيب، ومَنْ له عُذرٌ خاصٌّ كمريضٍ يُنقَل للمستشفى خارجَ مِنًى هلْ يُقاس على هؤلاء أو لا يُقاس؟
    قال بعض أهل العلم: إنه يُقاس بجامعِ العُذرِ في كلٍّ منهم.
    (1/4043)
    ________________________________________
    وقال بعض العلماء: إنه لا يُقاس على هؤلاء؛ لأنَّ هذا عُذره خاصٌّ، والسُّقاةُ والرُّعاةُ عُذرهم عامٌّ للمصلحة العامةِ، فهو يُشبه الرعاية والولاية، وأمَّا الذي عُذره خاصٌّ فهذا يُنظَر في أمْرِهِ هلْ يُرخَّص له في تَرْكِ المبيت، ويُقال: إنَّ عليك فِديةً لِتَرْك المبيت. أو يُقال: لا فِديةَ عليك. لكن قياسه على الرُّعاةِ والسُّقاةِ قياسٌ مع الفارق.
    ولكنْ لِيُعلَمْ أنَّ المبيت في مِنًى ليس بذاك المؤكَّد كالرمي مَثَلًا، والدليلُ على هذا أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُسقِط الرميَ عن الرُّعاةِ وأَسْقَطَ المبيتَ عنهم، فدلَّ هذا على أنَّ المبيتَ في منًى وإنْ عدَدْناه من الواجباتِ أهونُ مِن الرمي.
    ولهذا يُخطئ بعضُ الناس فيما نرى أنَّه إذا قيل له: رجُلٌ لم يَبِتْ بمنًى ليلةً واحدةً؟ قال: عليه دمٌ. مَن يقول هذا! عليه دمٌ بليلةٍ واحدة! هو لو قال: عليه دمٌ إذا تَرَك الليلتينِ، لَكان له شيءٌ من الوجْهِ؛ لأنه تَرَك جنسًا من الواجبات، أمَّا إذا تَرَك ليلةً من الليالي نقول: عليك دمٌ، مع أنَّ الوجوب فيه نَظَر!
    ثم الوجوبُ إنما يكون إذا تَرَك هذا الجنسَ من الواجب، أمَّا إذا تَرَك جزءًا منه فإيجابُ الدم عليه فيه نَظَرٌ واضحٌ، ولهذا كان الإمام أحمد -رحمه الله- أحيانًا يقول: عليه قبضةٌ مِن طعامٍ. قبضة يعني مِلء اليدِ، بعضُ العلماء يقول: دِرهمٌ أو درهمانِ أو ما أشْبَهَ ذلك.
    طالب: أقلُّ المبيت؟
    الشيخ: هو يقول: إلى نصفِ الليل؛ المؤلف.
    طالب: ( ... ) المؤلف قصة الفضل بن العباس أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام معروف أنه كان في ذهابه إلى مزدلفة هذه يا شيخ ..
    الشيخ: في ذهابه إلى مزدلفة، الفضل؟ ! أُسامة اللِّي في ذهابه إلى المزدلفة (11).
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: إي، أسامة كان في مجيء الرسول من عرفة إلى مزدلفة، والفضل من مزدلفة إلى مِنى.
    (1/4044)
    ________________________________________
    طالب: طيب يا شيخ أشكلَ علينا قصة المرأة أنها لما أتتْ قالت: إنها ( ... )، مع أن الحج انتهى يوم عرفة، سألته عن ..
    الشيخ: هل تحجُّ عنه؟ إي نعم.
    الطالب: طيب يا شيخ، هل المقصود القادم.
    الشيخ: إي معلوم، ما فيه شك أنَّ المقصود القادم، أمَّا الآن ما يمكن يُجعَل للأب.
    طالب: عفا الله عنك يا شيخ، أن رجال الشرطة والمستشفيات يقاسون على أهل السِّقاية والرعاية لتمام القياس، ولكن من المعروف أن المستشفيات موجودة بكثرة في مِنى، وأن رجال الشرطة ( ... ) يتواجدون في مِنى وغيرها من المناسك، فما هو وجه القياس طالما أنه يعني استُعين ..
    الشيخ: لا، أحيانًا ما يمكنهم هذا، أحيانًا يكون المصاب يحتاج إلى إسعاف لا يوجد في المستشفيات المؤقتة هذه، فيحتاج الطبيب إلى أنه يذهب معه، وكذلك بالنسبة للشرطة، رجال المرور، رجال الإطفاء.
    طالب: شيخ، ( ... ) الراجح فيمَنْ له عُذرٌ خاصٌّ، هل يُلْحق بـ .. ؟
    الشيخ: واللهِ أنا أتوقف فيه، لكن لو قيل بأنَّ مَن له عُذر خاص أنَّه يسقط عنه الدم مع بقاء المبيت واجبًا، لو قيل بذلك لكان له وجهٌ؛ لأنه كالمحصور، ويلتحق بهذا -بالعُذر الخاص- ما يَحصُل لكثيرٍ من الناس الآن؛ يذهب في أول الليل أو بعد العصر إلى مكة ليطوف، فيتأخر في مكة لشدة الزحام في المطاف وفي المسعى ولشدة الزحام في السيارات حتى يأتي في آخِر الليل، فهل نقول: إنه يُجزِئ، أو نقول: إن هذا لم يَبِتْ في الواقع؟
    نحن نتسامح في هذه المسألة ونقول: إذا كان الإنسان قد بَذَل الجهد ولكنه لم يتيسَّر له فإنه إذا وصلَ قبل الفجر كفى، وإلا فالواجبُ أن يكون مُعْظم الليل في مِنًى، ولذلك نختار ألَّا ينزل إلى مكة ليطوف في أول الليل أو فيما بعد العصر، بل نقول: إمَّا أن تنزل مبكرًا إلى مكة، وإمَّا أن تجعل نزولك بعد منتصف الليل لتكون قد بِتَّ في مِنى أيش؟
    طلبة: مُعْظم الليل.
    الشيخ: مُعْظم الليل.
    طالب: الرمي قبل الزوال؟
    الشيخ: أظن ما وصلناها يا أخي.
    (1/4045)
    ________________________________________
    طالب: شيخ صرفنا رُكنيَّة المبيت في المزدلفة والأمر بقوله صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»، ولم نصرفْ رُكنيَّة الطواف بالبيت؟
    الشيخ: نعم، صحيح، هذا وارد إيرادًا تامًّا، أفهمتم ما قال؟ يقول إننا صرفنا القولَ برُكنية المبيت في مزدلفة بقول النبي عليه الصلاة والسلام: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»، ولم ندفع القولَ برُكنية طواف الإفاضة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»، وهذا إيرادُ فحلٍ جيِّدٍ.
    لكنْ يجاب عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا قيل له: إنَّ صفية قد حاضت. قال أيش؟
    طلبة: «أَحَابِسَتُنَا».
    الشيخ: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ» (12)، فدلَّ ذلك على أنه لا بدَّ منه؛ مِن طواف الإفاضة، وأنه رُكن بكل حال.
    طالب: والسعي يا شيخ؟
    الشيخ: والسعي كذلك.
    طالب: أحسن الله إليك، الذين يقولون: إنَّ المبيت في مِنى سُنَّة، قالوا: إنَّ النبي صلى الله عليه ..
    الشيخ: سُنَّة، ولَّا في مزدلفة؟
    الطالب: لا، المبيت في مِنى يقولون: إنه سُنَّة. قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّصَ للعباس (9)، وقالوا: لو كان واجبًا لم يرخِّص له ذلك، كيف الجواب عليه؟
    الشيخ: فهمتم كلامه؟ يقول: الذين قالوا بأن المبيت في مِنى سُنَّة، وقد قيل به كما قال؛ قالوا: إنَّ الرسول رخَّص للعباس، ولو كان واجبًا لم يرخِّص له.
    والذين قالوا بالوجوب استدلُّوا بكلمة (رخَّصَ) وقالوا: إن المستحبَّ مُرخَّصٌ فيه في الواقع؛ لأن الإنسان في سَعَةٍ منه إنْ شاء فَعَل وإن شاء لم يفعل، فالتعبير بـ (رخَّصَ) يدلُّ على الوجوب؛ لأن المستحبَّ الإنسانُ في سعةٍ سواءٌ فَعَله أو لم يفعله، هذا وجْه الدلالة.
    وأمَّا كَوْنه رخَّص له ولو كان واجبًا لم يرخِّص له، فيقال: إنَّ المصلحة العامة مقدَّمة على المصلحة الخاصة وهي مصلحة المبيت ( ... )
    ***
    طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد.
    (1/4046)
    ________________________________________
    قال رحمه الله تعالى: والمبيتُ لغير أهْلِ السِّقايةِ والرعايةِ بِمِنًى وبمُزدلفةَ إلى بَعْدِ نصفِ اللَّيلِ، والرَّمْيُ، والحِلاقُ، والوداعُ. والباقي سُنَنٌ.
    وأركان العُمرة: إحرامٌ، وطوافٌ، وسَعْيٌ.
    وواجباتُها: الحلاقُ، والإحرامُ مِن ميقاتِها. فمَنْ تَرَكَ الإحرامَ لم ينعقِدْ نُسُكُهُ، ومَنْ تَرَكَ رُكنًا غيرَه أو نيَّتَه لم يتمَّ نُسُكُهُ إلَّا به، ومَنْ تَرَكَ واجبًا فعليه دمٌ، أو سُنَّةً فلا شيءَ عليه.
    الشيخ: الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلي يوم الدين.
    ما الجواب عمَّنْ قال: إن تقسيم الماهيَّة في العبادة إلى أركانٍ وشروطٍ وواجباتٍ من البدع؛ لأنها لم تكن معروفةً في عهد الرسول؟
    طالب: أحسن الله إليك، الجواب عن هذا أن نقول: إن هذا تقريبٌ للعلم، وقد جاءت السُّنة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يأتي بأحاديث يقول: «ثَلَاثَةٌ»، ويقول: «سَبْعَةٌ»، وما أشبهَ ذلك للتقريب الذهني ( ... ).
    الشيخ: نعم، الجواب أنَّ هذا ليس من باب التعبُّد بذلك، ولكن من باب تقريب العلم، وقد جاء نظيره في السُّنة.
    طيب، أركان الحجِّ كم؟
    طالب: أربعة.
    الشيخ: ما هي؟
    الطالب: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الزيارة؛ طواف الإفاضة.
    الشيخ: نعم، والسعي.
    الطالب: والسعي.
    الشيخ: طيب، أربعة. ما هو الإحرام؟
    طالب: نيَّة الدخول في النُّسُك.
    الشيخ: نيَّة الدخول في النُّسُك، أو نيَّة النُّسُك؟
    الطالب: نيَّة الدخول في النُّسُك.
    الشيخ: أو نيَّة النُّسُك؟ أجِبْ، نعم ولَّا لا؟
    طالب: هو نيَّة النُّسُك.
    طلبة: نيَّة النُّسُك.
    طالب: (نيَّة النُّسُك) لا يصح.
    الشيخ: لماذا؟ ما الفرق بين نيَّة الدخول ونيَّة النُّسُك؟
    الطالب: الإنسان ينوي أن يؤدي النُّسُك منذ سنوات، ولكن الإحرام الذي ينوي ..
    الشيخ: ينوي الدخولَ فيه فِعْلًا.
    الطالب: نعم.
    (1/4047)
    ________________________________________
    الشيخ: طيب، كما نحن الآن ننوي إنْ شاء الله أن نُصَلِّي العِشاء الآخِرة، لكن هل نيَّتُنا هذه نيَّةُ الدخول في الصلاة؟ لا.
    ما هو الدليل على أن الإحرام رُكن؟
    طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (3).
    الشيخ: وعلى أن الوقوف ركن؟
    طالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ».
    الشيخ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ».
    الطالب: وقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ}.
    الشيخ: نعم، وعلى أن الطواف ركن؟
    طالب: قول الله سبحانه وتعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].
    الشيخ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}. طيب، فيه دليل من السُّنة؟
    طالب: فِعْل النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (10).
    الشيخ: ما يكفي.
    الطالب: في الطواف؟
    الشيخ: نعم، أن طوافَ الإفاضةِ ركنٌ لا يتمُّ الحجُّ إلا به؟
    الطالب: نعم، لحديث صفية.
    الشيخ: صفية.
    الطالب: عندما حاضتْ.
    الشيخ: حين حاضتْ.
    الطالب: فقال: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ».
    الشيخ: فقال «أَحَابِسَتُنَا هِيَ» (12)، تمام.
    السعي، الدليل على أنه رُكن؟
    طالب: قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158].
    الشيخ: بس هذا يقول: {مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ}.
    طالب: مِن باب رفْعِ الحرج عنهم؛ لأنهم كانوا يتحرَّجون من أُناسٍ بين الصفا والمروة؛ لأنه كان في الجاهلية صنمانِ على الصفا والمروة، ونزلت الآية للإباحةِ لهم بالخارج وأنه لا حرجَ عليهم.
    (1/4048)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم، أحسنت، صار نَفْي الحرجِ ليزول تَحَرُّجهم من الطواف بهما من أجْل أنه كان فيهما صنمانِ في الجاهلية، طيب.
    طالب: وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اسْعَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ».
    الشيخ: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اسْعَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» (5)، تمام.
    ***
    طيب، انتهينا من الكلام عن الأركان أظن.
    طالب: نعم.
    الشيخ: الواجبات، أخذْنا كلمةً واحدةً منها.
    طالب: اثنتين.
    طالب آخر: ثلاث.
    الشيخ: نعم، طيب، أولًا: ما هو الدليل على أن الإحرامَ من الميقات المعتبَر واجبٌ؟
    طالب: توقيف الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه المواقيت، وقوله: «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ» (13).
    الشيخ: لكن هذا يدلُّ على الوجوب! أظن ما ذكرناها لكم، نبدأ من الآن.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    (واجباتُه: الإحرام من الميقات).
    (واجباتُه) أي: واجبات الحج (الإحرامُ من الميقات المعتبر له). قلنا: لو عبَّر المؤلف فقال: أن يكون الإحرامُ من الميقات. لأنه إذا قال: الإحرامُ من الميقات، فقد يظنَّ الظانُّ أن الإحرامَ أيضًا من الواجبات، وليس كذلك، الإحرامُ من الأركان، لكن الواجب أنْ يكون الإحرامُ من الميقات المعتبَر له.
    والمواقيت كما عرفتم سابقًا خمسةٌ؛ المعيَّنة، وما دون ذلك فمِن حيثُ أَنْشأ، دليل ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» (14)، وهذا خبرٌ بمعنى الأمر، والدليلُ على أنه بمعنى الأمر لفظٌ آخَرُ عن ابن عمر في هذا؛ قال: فَرَضهُنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، لأهل المدينةِ ذو الحليفة. (فَرَضَهُنَّ)، والفرض يقتضي الوجوب، صار الدليل على هذا حديث ابن عمر؛ حيث وردَ بلفظ «يُهِلُّ» وهو خبرٌ بمعنى الأمر، وبلفظ (فَرَضَهُنَّ) والفرضُ بمعنى الوجوب.
    (1/4049)
    ________________________________________
    الثاني: (الوقوفُ بعرفة إلى الغروب)، وذكرنا دليله بالأمس في الدرس الماضي؛ أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم وَقَفَ بعرفةَ ولم يدفع حتى غاب القُرص (15)، وكَوْنه يختار هذا الوقتَ الذي هو أشدُّ وأشقُّ على الناس مما لو كان الدفعُ قبل الغروب يدلُّ على أيش؟ وجوبه، هذا واحد.
    ثانيًا: كونه بادَرَ بالدفع قبل أن يصلِّي المغربَ يدلُّ على أنه ينتظر غروب الشمسِ بفارغ الصبر، ولهذا من حين غربتْ دَفَع.
    فيه ثالث: أنه لو تقدَّم ودَفَع قبل الغروب لشابَهَ أهلَ الجاهلية، والتشبُّه بالكفار -ولا سِيَّما في الشعائر الدينية- مُحَرَّمٌ. طيب (الوقوف بعرفة إلى الغروب).
    وبهذا نُجيب عن حديث عروة بن مُضَرِّس: «وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا» (7)، فيقال: قوله: «أَوْ نَهَارًا» مُطْلَق، فيُحمل على أنه إذا وقف نهارًا يجب أن ينتظر حتى تغرب الشمسُ؛ لأن المطلق يحكم عليه المقيَّد.
    الثالث من الواجبات قال: (والمبيتُ لغير أهْلِ السِّقايةِ والرعايةِ بِمِنًى وبِمزدلفةَ إلى نصف الليل).
    مزدلفة تكلَّمنا عليها أيضًا، وبيَّنَّا أن للعلماء فيه ثلاثة أقوال: الرُّكنيَّةُ والوجوبُ والسُّنيَّة، وأنَّ أَعْدلَ الأقوالِ وأقربَها أنه واجبٌ وليس برُكن، وبيَّنَّا الدليلَ لذلك وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ».
    وأَوْرد علينا بعضُ الإخوة أننا إذا أخذْنا بهذا الاستدلال لَزِمَ من ذلك ألَّا يكون الطوافُ رُكْنًا؛ لأنه بعد عرفة، وأجبْنا عن ذلك بأيش؟
    طلبة: حديث صفية.
    الشيخ: بحديث صفية؛ فإنه يدلُّ على أن الطواف ركنٌ.
    (1/4050)
    ________________________________________
    وقول المؤلف: (لغير أهْلِ السِّقايةِ والرعايةِ) يُفهم منه أنَّ أهل السِّقايةِ والرعايةِ يجوز لهم تَرْك المبيت بمزدلفة، ولا أعلمُ لهذا دليلًا من السُّنة أنَّ الناس يسقون ليلة المزدلفة، ولا أنَّ الرُّعاة يذهبون بالإبل ليلة المزدلفة؛ أولًا: الرُّعاة لا حاجةَ لهم إلى الرَّعي في ليلة المزدلفة، بل الرواحلُ عند مَن؟ عند الناس؛ لأنهم سيرتحلون، فكيف تذهب ترعى في الليل، هُم جاءوا بها من عرفة وأناخُوها في مزدلفة، وستبقى تنتظر ارتحالَهم في صباح تلك الليلة، هل في هذا حاجةٌ للرُّعاة؟ لا.
    السُّقاة أيضًا؛ أليس الناس يذهبون إلى مكة يشربون ماء زمزم قبل أنْ يستوطنوا في مِنى؟ ! فاستثناء السُّقاةِ والرعاةِ من المبيت أو من وجوب المبيتِ في مزدلفة فيه نَظَرٌ ظاهرٌ؛ أولًا: لعدم ورود السُّنة به، والثاني: أنه لا حاجةَ لذلك.
    لكنْ قد يقول قائل: ما رأيكم في جنود المرور، جنود الإطفاء، الأطباء، الممرضين، هل ترخِّصون لهم؟
    نقول: لا، لا نُرخِّص؛ لأن المبيت في مزدلفة أَوْكد من المبيت في مِنًى بكثير؛ فإن مِنًى لم يقُل أحدٌ من العلماء: إن المبيت بها ركنٌ من أركان الحج، ومزدلفة قال به بعض العلماء، وهو قولٌ قويٌّ كما عرفتم، إلَّا أنَّ أقوى منه أنه واجبٌ وليس برُكن، وعلى هذا فلا بدَّ من المبيت في مزدلفة.
    ثم يُفرَّق بينه وبين ليالي مِنًى أنه ليلةٌ واحدةٌ، أو بعضُ ليلةٍ للإنسان الذي يحتاج إلى الدفع مبكرًا في آخِر الليل؛ يعني لا يقضي ليلَه كلَّه، فلا يصح قياسُه على ليالي مِنًى.
    قال المؤلف: (بِمِنًى). هذا الرابع ولَّا الخامس؟
    طلبة: الرابع.
    الشيخ: كَوْن الإحرام من الميقات، استمرارُ الوقوف إلى الغروب بعرفة، المبيتُ بمزدلفة، الرابع: المبيت بِمِنى.
    (1/4051)
    ________________________________________
    وهُنا يُشكِل على بعض الإخوة يقول: المبيت بِمِنى، لازم أَبِيت وأضطجع. وقد بيَّنَّا فيما سبق أنَّ ذلك ليس بلازم وأنَّ المراد بالمبيت الْمُكْثُ في مزدلفة ليلةَ العيدِ سواءٌ باتَ أو صارَ يقظانًا، لكن المبيت كما سبق .. يعني النوم أفضل من إحيائها بقراءةٍ أو بحثٍ في علمٍ أو تهجُّدٍ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وقد أَثَرْنا -وكنا نتكلم على صفة الحج- مسألةَ الوتر في تلك الليلة وقُلنا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يَدَعُ الوتر حَضَرًا ولا سَفَرًا، وهذا عامٌّ يشمل حتى ليلة العيد في مزدلفة.
    وأَوْرد علينا بعض الناس أو أوردْناه نحن على أنفسنا حديث جابر: ثم اضْطَجَعَ حتى طَلَعَ الفَجْر (15)، وقُلنا: إن هذا مَبْلغ علم جابر، هذا مَبْلغ علمِه، وإلَّا فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعثَ أهْلَه من مزدلفة بِلَيْلٍ (16)، وهذا يقتضي أن يكون في آخِر الليل مستيقظًا، بعثَ أهْلَه، فعلى هذا نقول: إن الوتر في تلك الليلة كغيرها من الليالي مشروعٌ، لكن التهجُّد وإحياء الليلة غير مشروع.
    (المبيتُ لغير أهلِ السِّقايةِ والرعايةِ بِمِنًى). المبيت في مِنى -وهو الواجب الرابع- ذكرْنا دليلَه في الدرس الماضي، ما هو؟
    أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخَّصَ لعمِّه العباسِ بن عبد المطلب أنْ يبيتَ في مكة من أجْلِ سِقايتهم (9)، قالوا: والترخيص لا يكون إلا في مقابل العزيمة، نعم، ولأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام باتَ في مِنى لياليَ أيامِ التشريقِ وقال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ».
    طيب في هذه العصور الأخيرة صار إشكالٌ بالنسبة للمبيت بِمِنى، وهو أن الناس لا يجدون مكانًا، فماذا يصنعون؟
    نقول: ينزلون عند آخِر خيمةٍ من خيام أهل مِنى؛ استدلالًا بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
    (1/4052)
    ________________________________________
    فإن قال قائل: لماذا لا تجعلون هذا من جنس الحصْرِ، والحصْرُ عن الواجب فيه دمٌ كما قاله الفقهاء؟
    قلنا: لأن المكان هنا ممتلئٌ، فلا مكانَ أصلًا، أمَّا الحصْرُ فالمكانُ باقٍ لكنْ يُمنع منه، أمَّا هُنا فلا مكانَ، وهو مِثْل قطعِ اليدِ، يسقطُ غسلُها في الوضوء أو تُغسَل العضدُ بدلَ الذراع؟ أجيبوا.
    طلبة: يسقط.
    الشيخ: يسقط، فلهذا نرى أنه يسقط المبيتُ في هذه الحال، وأنَّ الإنسان يجب أن يكون عند آخِر خيمةٍ.
    أمَّا فِعْل بعض الناس؛ كَوْنه إذا لم يجد مكانًا في مِنى ذهبَ إلى مكة أو إلى الطائف أو ما أشبه ذلك وقال: ما دام سقطَ أو لم نجدْ مكانًا في مِنى فلْنَبِتْ حيث شِئنا. فإنَّ هذا ليس بصحيح، هذا غير صحيح؛ لأننا نقول: إنَّ المسجد إذا امتلأ وجبَ اتصال الصفوفِ، وجبَ أنْ يكون الناس صفوفًا متَّصلة، ولا تصِحُّ الصلاةُ من بعيدٍ، فهذا كذلك، نقول: يجب عليك أن تكون عند آخِر خيمةٍ في مِنى.
    وإذا سألَنا سائلٌ: هل يجب أنْ أكون عند آخِر خيمةٍ في الجهة البُعدى من مكة أو في أي جهة؟
    الجواب: في أيِّ جهةٍ، وعلى هذا فيصِحُّ أن تكون في الجهة التي تلي مكة من وراء جمرة العقبة، ولا حرجَ عليه ما دامت الخيام متَّصلة.
    وقول المؤلف: (إلى بعد نصفِ الليل) هذا منتهى وجوب المبيت على المشهور من المذهب؛ (إلى بعد نصفِ الليل)، فإذا انتصفَ الليلُ في مزدلفة انتهى الوجوب فلَكَ أن تدفع، ولا فرقَ بين العاجز والقادر، فمنتهى الواجبِ انتصافُ الليل مِن متى؟ مِن غروب الشمس إلى طلوع الفجر، أو إلى طلوع الشمس؟ أيُّهما أحوط؟
    طالب: الفجر.
    طالب آخر: الشمس.
    الشيخ: الأحوط الشمس؛ لأنه أطول، أليس كذلك؟ يزيد ساعة ونصف تقريبًا، فنقول: انتظِر زيادة ساعة إلا ربع على انتصاف الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فالأحوط إذَن اعتباره بطلوع الشمس، وبعد ذلك لك الدفع.
    (1/4053)
    ________________________________________
    ولكن القول الصحيح أنَّ الدفع إنما يكون في آخِر الليل كما سبق، وكانتْ أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنها تنتظر غروب القمر، فإذا غاب دفعَتْ، ثم ذهبَتْ إلى مِنًى ورَمَتْ، ثم عادتْ إلى مكانها في مِنًى وصلَّت الفجر (17).
    والمعتبر في ليالي مِني خاصَّة؛ لأنه ما فيها نص، المعتبر أنْ تبقى فيها مُعْظم الليل من أوله أو وسطه أو آخِره، فإذا قدَّرْنا أن الليل اثنتا عشرة ساعة، كمْ مُعْظمه؟
    طلبة: سبع.
    الشيخ: سبع ساعات من أوله أو وسطه أو آخِره، المهمُّ أنْ تبقى مُعْظم الليل.
    الخامس: (الرَّمْي) أي: رَمْي الجِمار؛ في يوم العيد جمرة واحدة، وفي الأيام الثلاثة التي بعد العيد ثلاث جمرات، ولا بدَّ أن تكون مرتَّبةً، وسبق شروط ذلك في صفة الحج، لكن الرمي من الواجبات.
    الدليل على أنَّ الرمي من واجبات الحج أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرمي: «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ» (18)، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» (19)، وقوله: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، ولأنه عَمَلٌ يترتَّب عليه الحِلُّ، فكان واجبًا ليكون فاصلًا بين الحِلِّ والإحرام.
    ولا بدَّ في الرمي أن يكون مرتَّبًا، ولا بدَّ أن يكون بحجرٍ، ولا بدَّ أن يكون بسبعِ حصياتٍ، وسبق الكلام على هذا مُفَصَّلًا في صفة الحجِّ فلا حاجة لإعادته.
    (والحِلاق) الحِلاق يعني الحلْق، وينوب عنه التقصير، ولهذا قال المؤلف في الشرح: (أو التقصير)، فهذه سبعة واجبات.
    طالب: ستة.
    الشيخ: ستة ولا سبعة؟
    طلبة: ستة.
    الشيخ: لا، نعُدُّ، ما فيه مانع؛ الإحرام من الميقات، الوقوف بعرفة، المبيت بمزدلفة، المبيت في مِنى، الرمي، الحِلاق، هذه ستة.
    السابع: قال المؤلف: (والوداع) يعني طواف الوداع.
    طالب: دليلُ الحلق.
    (1/4054)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم، دليل الحلْق فِعْل النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وأن الله تعالى جعله وصفًا في الحج والعُمرة فقال: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27]
    قال العلماء: وإذا عبِّرَ بِجُزءٍ من العبادة عن العبادة كان دليلًا على وجوبه فيها. إذا عبر عن العبادة بجزءٍ مما فيها كان ذلك دليلًا على أنه واجب.
    (الوداع) وهو الطواف بالبيت فقط بدون سعيٍ وبدون إحرام، وهو من واجبات الحج، هكذا عدَّهُ المؤلف وكثيرٌ من العلماء.
    والصحيح أنه ليس من واجبات الحج؛ لأنه لو كان من واجبات الحج لَوجبَ على المقيم والمسافر، وهو لا يجب على المقيم في مكة، وإنما يجب على مَن؟ على مَن سافر، وعلى هذا فلا يتوجَّه عَدُّهُ من واجبات الحج، إذْ إنَّ واجبات الحج لا بدَّ أن تكون واجبةً على كلِّ مَن حجَّ.
    لكن قد يقول قائل: إنه واجبٌ مقيَّدٌ بالخروج، ولا مانع من أن نُقيِّد بعض الواجبات بقيدٍ فيكون واجبًا على مَن أراد الخروج من مكة، ودليل هذا حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أُمِرَ الناسُ أنْ يكون آخِرُ عهدهم بالبيت، إلَّا أنه خُفِّفَ عن الحائض (20). وهذا الأمر للوجوب، ودليل كَوْنه للوجوب قوله: إلَّا أنه خُفِّفَ عن الحائض. لأنه لو كان للاستحباب لَكان؟ أجيبوا.
    الطلبة: ( ... ).
    الشيخ: لَكان مُخَفَّفًا على كلِّ أحد؛ لأن المستحبَّ يجوز تَرْكه، ولقوله أيضًا في اللفظ الآخَر: «لَا يَنْصَرِفْ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» (21).
    (والباقي) الباقي منين؟ الباقي من أقوال الحج وأفعاله (سُنَنٌ).
    وسيأتي حُكم كلًّ من الركن والواجب والسُّنة.
    ***
    ثم قال: (وأركان العُمرة: إحرامٌ، وطوافٌ، وسَعْيٌ).
    والإحرام: نيَّة الدخولِ في العُمرة، والطواف معروف، والسعي معروف.
    (وواجباتُها: الحِلاق، والإحرام من ميقاتها).
    (1/4055)
    ________________________________________
    فصار أركان العُمرة ثلاثة، وواجباتها اثنان. ( ... )
    ***
    طالب: المعروف أن حدود مِنى سَفْح الجبال من جهة مِنى.
    الشيخ: إي، سفوح الجبال من جهة مِنى، من مِنى.
    الطالب: شيخ بعض الناس يكون مثلا ( ... )؟
    الشيخ: لا، ما يجوز هذا، إلا إذا كان معه نساء، يمكن اللي معه نساء يَصْعب عليه أنْ يسكن في الجبل.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: إي، لكن يصعب عليه سُكنى الجبل، يجيء بحريم وأطفال ويُصعِّدهم الجبل! صَعْب.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: يجب عليه أنْ يبيت فيها، يضرب خيمته هناك.
    ***
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: ( ... ) الآية {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة: 198].
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، أجبنا عنها؛ قلنا لكم: أن يكون المراد بها لا تَقِفوا في هذا، لا تَقِفوا في المشعر الحرام كما كنتم تقفون في الجاهلية، ولكنْ إذا أفضتم من عرفات فقِفُوا به، فيكون في الآية بيانُ وقتِ الوقوف في مزدلفة أنَّه بعد الإفاضة من عرفة؛ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 198، 199].
    كانت قريش في الجاهلية لا يقفون في عرفة؛ يوم عرفة ما يقفون في عرفة، لماذا؟ يقولون: نحن أهلُ الحرم فلا نقف في الحِلِّ، وعرفة من الحِلِّ، فقال الله تعالى: {إِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}؛ يعني اجعلوا وقوفكم عند المشعر الحرام بعد أن تُفيضوا من عرفة، فيكون في الآية الكريمة بيانُ ترتيب وقت الوقوف في مزدلفة.
    طالب: شيخ، قُلنا: إن الراجح يا شيخ جواز الدفع من مزدلفة في آخِر الليل. لو أن إنسانًا أتى قبل آخِر الليل بقليل؛ بدقائق، هل يجوز الانتهاء أو يستمر حتى طلوع الفجر؟
    (1/4056)
    ________________________________________
    الشيخ: لا بأس إذا جاء، لكن ينبغي أن يستقر قليلًا، وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا كان في آخِر الليل بعثَ أهْلَه فوقفوا عند المشعر الحرام وذكروا الله ثم انصرفوا (22).
    طالب: في مِنى يكون إذَن الشوارع يكون فيها فراغ.
    الشيخ: إيش؟
    الطالب: يكون في ( ... ) الشوارع في مِنى يكون فيها فراغ، فهل لإنسانٍ ليس معه نساء ويستطيع أن ( ... ) بأن يأتي بفِراشه وينام على الرصيف؟
    الشيخ: أين متاعه؟
    الطالب: خارج مِنى.
    الشيخ: لا، يبقى في متاعه، لا بأس؛ لأنه مشقَّة عليه أنه يجيء بـ ( ... ) في فراشه وينام في الشوارع، مشقَّة عليه، ولا ينام نومًا هادئًا.
    ***
    طالب: قال المصنف رحمه الله تعالى: فمَنْ تَرَكَ الإحرامَ لم ينعقِدْ نُسُكُهُ، ومَنْ تَرَكَ رُكنًا غيرَه أو نيَّتَه لم يتمَّ نُسُكُهُ إلَّا به، ومَنْ تَرَكَ واجبًا فعليه دمٌ، أو سُنَّةً فلا شيءَ عليه.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
    سبق لنا ذِكْر الواجبات في الحج، فلْنُعِدها الآن.
    طالب: الإحرام من الميقات.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: الوقوف بعرفة إلى الغروب.
    الشيخ: الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الغروب.
    الطالب: والمبيت بمزدلفة.
    الشيخ: والمبيت بمزدلفة إلى ما بعد نصف الليل.
    الطالب: المبيت في مِنى.
    الشيخ: المبيت بِمِنى إلى ما بعد نصف الليل.
    الطالب: وطواف الزيارة.
    الشيخ: طواف الزيارة!
    الطالب: وطواف الوداع.
    الشيخ: وطواف الوداع. وغيره؟
    الطالب: والحِلاق.
    الشيخ: الحلق أو التقصير.
    الطالب: والرمي.
    الشيخ: ورمي الجمرات، سبعة.
    طيب، أركان العمرة؟
    طالب: أركان العمرة ثلاثة.
    الشيخ: وهي؟
    الطالب: الإحرام، والطواف، والسعي.
    الشيخ: نعم، وواجباتها؟
    طالب: اثنان: الإحرام من ميقاتها، والحِلاق؛ والحلق أو التقصير.
    الشيخ: والحلق أو التقصير.
    طيب وأظن وقفْنا على هذا.
    طالب: نعم.
    (1/4057)
    ________________________________________
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
    ذَكَر المؤلف رحمه الله أنَّ واجبات العمرة اثنان: كَوْن الإحرام من الميقات، والثاني: الحلق أو التقصير. ولم يذكر طوافَ الوداعِ، فظاهر كلامه أنه لا يجب لها طوافُ وداعٍ؛ لأن عدم الذِّكْر في سياق البيان يدلُّ على أنه لا عبرة به، وعلى هذا فيكون طواف الوداع في العمرة ليس بواجبٍ على المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
    وهذه المسألة فيها خلافٌ؛ فمِن أهل العلم من يقول: إن العمرة يجب لها طوافُ وداعٍ. ومنهم مَن يقول: لا يجب، ولكنه سُنَّة. ولم نعلم أن أحدًا من الناس قال: إن طواف الوداع للعُمرة بدعة. فالأقوال فيها منحصرة في قولينِ: إمَّا أنه واجبٌ وإمَّا أنه سُنَّة، والراجح عندي أنه واجبٌ؛ أنه يجب على المعتمر أنْ يطوف للوداع كما يجب على الحاجِّ؛ لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا يَنْفِرْ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» (21).
    فإنْ قال قائل: هذا القول قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجَّة الوداع في الحجِّ، ولم يقُلْه في العُمرة.
    قُلنا: نعم، نُسَلِّم ذلك، ولكن لأنه لم يوجبه الله إلا في ذلك الوقت، وما قبل ذلك فهو لم يجبْ أصلًا، والشرع كما نعلم يتجدَّد، تجبُ الشرائع متجدِّدة؛ فقد يجب في هذا الوقتِ ما لم يكنْ واجبًا مِن قَبْل.
    (1/4058)
    ________________________________________
    ونقول أيضًا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ليعلى بن أُمَيَّة: «اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّكَ» (23)، وهذا العموم يشمل؛ كل ما يُفعل في الحجِّ يُفعل في العمرة إلا ما قام النصُّ أو الإجماعُ على أنه مستثنى؛ كالوقوف بعرفة، والمبيتِ بمزدلفة أو بِمِنى، ورمْيِ الجمار، هذا مستثنى بالإجماع، وإلَّا فالأصل مشاركة العمرةِ للحجِّ في أفعاله، ويؤيد ذلك -أنَّ هذا هو الأصل- أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سَمَّاها في حديث عمرو بن حزمٍ الذي تلقَّته الأُمَّة بالقبول، سَمَّاها: الحج الأصغر؛ قال: «الْعُمْرَةُ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ» (24)، فسمَّاها حجًّا، وإذا سُمِّيت باسمه فالأصل موافقتُها له في الأحكام إلا ما استُثنِي.
    ولكنْ لو أنَّ أحدًا قدمَ مكة وطافَ وسعى وقصَّرَ وانصرفَ، خرج؛ فإنَّ هذا يُجزئه عن طواف الوداع كما ذَكَر ذلك البخاري في صحيحه بأنَّ المعتمِر إذا طافَ وسعى فإنه يكفيه عن طواف الوداع، لا يُقال: إن هذا لم يكنْ آخر عهده بالبيت.
    نقول في الجواب: لأن السعي تابعٌ للطواف، ولهذا ذكر الفقهاء أنه لو أخَّر طواف الإفاضة فطافه عند الوداع وسَعَى فإنه يُجزِئه، ولم يعتبروا هذا السعي فاصلًا؛ لأنه يَثْبت في الأتباع ما لا يَثْبت في الاستقلال، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام طافَ للوداع في حجَّة الوداع، وبعد أنْ طافَ صلَّى الفجر ثم انصرف؛ لأن الفصل يسيرٌ، وإنْ كانت هذه الصلاة فيما يَظهر ليستْ تابعةً للطواف؛ بمعنى أنَّ الرسول لم يَنْوِ بها أنها عن صلاة الركعتينِ بعد الطواف، فهذا هو الذي نراه.
    وعلى كلِّ حالٍ إذا طافَ الإنسانُ فإنه مُثَابٌ على القولينِ جميعًا، لكن إذا تَرَك فهلْ يأثم أو لا؟ ينبني على القول بالوجوب أو عَدَمه؛ إنْ قُلنا بالوجوب فهو آثِمٌ، وإلَّا فليس بآثِم.
    ثم قال المؤلف رحمه الله: (فمَنْ تَرَكَ الإحرامَ لَمْ ينعقِدْ نُسُكُهُ).
    (1/4059)
    ________________________________________
    ما معنى (تَرَك الإحرام)؟ يعني مَن لم يلبس الثياب؛ مَن لم يلبس الإزار والرداء؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: لا، (مَن تَرَكَ الإحرامَ) يعني النيَّة؛ أي: نيَّة الدخول في النُّسُك، فإنَّه لا ينعقد نُسُكه، حتى لو طافَ وسعى فإنَّ هذا العمل لاغٍ؛ كما لو تَرَك تكبيرةَ الإحرام في الصلاة، لو تَرَكها وأتمَّ الصلاة بالقراءة والركوع والسجود والقيام والقعود لكنَّه لم يُكَبِّر للإحرام فصلاتُه لاغية لم تنعقِدْ أصلًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (3) وهذا الرجل لم يَنْوِ الدخولَ في النُّسُك فلا يكون داخلًا فيه.
    ولكن تصوير هذه المسألة قد يكون صعبًا يا جماعة؛ كيف نقول لرجلٍ اغتسَلَ عند الميقات في الميقات، ولبس ثيابَ الإحرامِ، وصلَّى ركعتينِ، ولَبَّى، ونقول: إنه لم يَنْوِ؟ ! هذا من أَبْعَدِ البعيدِ، لكن المسألة فرضية؛ إذا قُدِّر أنَّ شخصًا فَعَلَ جميع ما يتعلَّق بالنُّسُك إلَّا أنَّه لم يَنْوِ فإنَّه لا ينعقد نُسُكه، وكلُّ أفعاله ذهبتْ هَدَرًا، وإلَّا من المعلوم أنَّ الإنسان إذا فَعَلَ أفعالَ العبادةِ لا بُدَّ أنْ يكون قد نواها.
    وذكروا عن ابن عَقيل -عليِّ بن عَقيل، مِن أصحاب الإمام أحمد؛ يعني مِن أتباعه- أنَّ رجُلًا جاءه وقال له: يا سيدي، تُصيبني الجنابةُ، فأذهبُ إلى دِجلة فأغتسل؛ أنغمِسُ فيها ثم أخرج، وأرى أني لم أكنْ يرتفع حَدَثي. فقال له ابن عقيل: لا تُصَلِّ. قال: لا أُصلي! سبحان الله! أنا ما اغتسلتُ إلا للصلاة. قال: لا تُصَلِّ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» (25)، وأنت مجنون؛ تذهب وتخلع ثيابك وتنغمس في الماء ثم تقول: ما نويتُ. هذا معقول؟ ! ليس بمعقول.
    (1/4060)
    ________________________________________
    فالظاهر أن الرجُل انتقد نفْسَه، عرف أنه أخطأ خِطْئًا كبيرًا، ولهذا قال الموفَّق رحمه الله في كتابه ذم الموسوسين أو الرد على الموسوسين قال: إن بعض العلماء قال: لو كَلَّفَنا اللهُ عملًا بلا نيَّةٍ لكان مِن تكليف ما لا يُطاق. صحيح هذا؟
    طالب: ما هو صحيح.
    الشيخ: صحيح؛ لو قيل لك: تَوَضَّأ، لكن ( ... ) تنوي الوضوء، صلِّ ولكنْ لا تَنْوِ الصلاة. ما يُمْكن.
    صحيحٌ أنَّ الإنسان قد يغيب عنه التعيين، ما هو نيَّة الفِعل، هو ينوي الفِعل، لكنْ يغيب عنه التعيين؛ يجيء يصلي، يدخل المسجد مَثَلًا لصلاة الظهر ثم يُكَبِّر ويصلِّي، لكنْ يغيب عن ذهنه أنه نوى الظهر مَثَلًا، لكنْ في نيَّته أنه نوى فَرْض الوقت، ما فيه إشكال، ما نوى صلاة الضحى، نوى فَرْض الوقتِ، إلا أنه غاب عن قَلْبه تعيينُ الصلاة، فهل يُجزِئ أو لا؟
    قال بعض العلماء: لا تُجزئه الصلاةُ؛ لأنه لا بدَّ من التعيين.
    وقال أحد أصحاب الإمام أحمد وهو ابن شاقِلَّا -رحمه الله- قال: إنه يكفيه أن ينوي فَرْضَ الوقتِ. وهذا -والحمد لله- فيه سَعَةٌ للناس؛ لأنه كثيرًا ما يأتي الإنسان ويصلِّي -لا سِيَّما إذا كان الإمامُ راكعًا- فإنه يأتي بسرعةٍ وقد لا ينوي التعيين، لكنْ لو سألتَهُ: ماذا نويتَ؟ قال: نويتُ أؤدِّي الفرض. ما فيه إشكال.
    يقول: (ومَنْ تَرَكَ رُكنًا غيرَه لم يتمَّ نُسُكُهُ إلَّا به).
    (مَنْ تَرَك رُكنًا غيرَه) أي: غير الإحرام (لم يتمَّ نُسُكه إلا به) لو تَرَك الطواف؛ نسي ولم يطُفْ طوافَ الإفاضة، نقول: إلى الآن لم يتمَّ حجُّك، لا بدَّ أن تطوف. فإنْ كان الركن مما يفوت فالحجُّ لاغٍ؛ كما لو تَرَك الوقوفَ بعرفة حتى خرج فجر يوم العيد، فإنَّ الحجَّ انتهى، ما عاد يُمْكنه الآن.
    (1/4061)
    ________________________________________
    لو قال: أقِفُ يوم العيد أقضي، وأنا أسعدُ بالدليل منكم؛ أنا ناسٍ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» (26)، وأيُّما أَوْكَد الصلاة أو الحج؟ نقول له.
    طلبة: الصلاة.
    الشيخ: الصلاة. قال: إذَنْ نسيت أن اليوم تسعة، فأقف يوم عشرة. قلنا: لا يُجزئ. قال: هذا قياسٌ صحيحٌ، أنتم الآن أقررتم بأن الصلاة أَوْكد، فإذا كان يصح قضاءُ الصلاة فلْيصِحَّ قضاءُ الوقوف بعرفة. ماذا نقول له؟
    نقول: هذا قياسٌ فاسدُ الاعتبارِ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَتَى لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ الصُّبْحِ فَقَدْ أَدْرَكَ» (4)، مفهومه: مَن أتى بعد الصبح فإنه لم يُدركْ. وهذا نصٌّ، فلا يُقاس مع وجود النص، إذنْ (مَنْ تَرَك رُكنًا لم يتمَّ نُسُكُهُ إلا به)، لكن إنْ كان الركن يفوت، ولا يصح التمثيل إلَّا بالوقوف فقط، فإنه في هذه الحال أيش؟ يفوته الحجُّ، وسيأتينا إن شاء الله باب الفوات والإحصار.
    طيب، وقوله: (أو نِيَّتَهُ)، ما هو الركن الذي يُشترط له نيَّة؟ هو الطواف والسعي، أمَّا الوقوف عند الفقهاء فإنه لا يُشترط له النية، والطوافُ والسعيُ تشترط له النية.
    والصحيح أن الطواف والسعي لا تُشترط له النية؛ لأن الطواف والسعي جزءٌ من عبادةٍ مكوَّنةٍ من أجزاء، فتكفي النية في أولها كالصلاة؛ بدليل أنَّ المصلِّي هل يُشترط أن ينوي الركوع؟ أجيبوا.
    طلبة: لا.
    الشيخ: ولا السجود، ولا القيام، ولا القعود، فليس الطوافُ شيئًا مستقلًّا، الطواف رُكنٌ في عبادةٍ فلا تُشترط له النية كأيش؟ كالركوع في الصلاة.
    (1/4062)
    ________________________________________
    ويقال أيضًا: إذا كنتم لا تشترطون النيةَ في الوقوف وهو أعظم أركانِ الحجِّ، حتى قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»، فما مِثْلُه أو دونه مِن باب أَوْلى. وهذا القول هو الذي رجَّحه الشنقيطي في تفسيره، وهو الصواب، وفيه مصلحةٌ للناس؛ لأن كثيرًا من الناس عند الطواف لو سألتَهُ: ماذا نويتَ بالطواف؟ قال: نويتُ الطواف، ولا على بالي أنه للحج أو للعمرة، لكنْ أنا متلبِّس بالحج. علي رأي مَن يشترط النية يقول: طوافُه غير صحيح. وعلى هذا القول الثاني طوافه صحيح، وهو الصحيح.
    طيب، إذَنْ نحذف كلمة: (أو نِيَّتَهُ)، لأنه ليس فيه ركن تُشترط فيه النية إلا أيش؟ الطواف والسعي.
    الإحرام هو نيَّة النُّسُك، وسبق أنه لا ينعقد النُّسُك بفواته، والوقوف يقول: لا يُشترط له نيَّة. بقي الطوافُ والسعيُ، والصحيح أنه لا تُشترط لهما نيَّة؛ أي: نيَّة التعيين، وإلَّا ( ... ) ما جاء يطوف إلا ينوي. نعم (لم يتمَّ نُسُكُه إلا به).
    يعني إذَن الذي لا يُشترط نيَّة التعيينِ أنَّه طوافٌ للحج، أمَّا نيَّة الطواف فلا بدَّ منها؛ لأنه لا بدَّ من أن ينوي الطواف، لكنْ كَوْنه للحج ما هو شرط؛ لو طافَ ولا على قلبه نيَّة أنه للحج أو للعمرة فطوافه صحيح، أمَّا لو أنه حُمِل غصبًا عليه وطِيفَ به وهو لا ينوي، هل يصِحُّ طوافه؟
    طلبة: لا يصح.
    الشيخ: هذا لا يصح، معلوم؛ لأنه ما نوى.
    يقول: (لم يتمَّ نُسُكُهُ إلا به. ومَنْ تَرَكَ واجبًا) عندي بالشرح: (ولو سهوًا)، (فعليه دمٌ).
    (ومَنْ تَرَك واجبًا فعليه دمٌ) والواجباتُ ذَكَرْنا أنها سبعةٌ، ما هو الدليل؟
    وقَبْلًا نذهبُ إلى الأركان؛ ما هو الدليل على أنَّ تارك الركن لا يصِحُّ حَجُّه؟
    (1/4063)
    ________________________________________
    لأنَّ الركن هو الماهيَّة التي تنبني عليها العبادة، ولقوله عليه الصلاة والسلام في الوقوف: «مَنْ أَتَى لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ الصُّبْحِ فَقَدْ أَدْرَكَ»؛ يدلُّ على أنه إذا فاته فاته الحجُّ، أمَّا مَن تَرَك واجبًا فعليه دمٌ.
    (دمٌ) إذا أُطْلِقَ الدمُ في لسان الفقهاء فهو: سُبع بَدَنة، أو سُبع بقرة، أو واحدة من الضأن أو المعز، ولا بدَّ فيها من شروط الأُضحية وأنْ تكون قد بلغت السِّنَّ المعتبَر؛ وهو في الإبل خمس سنين، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن نصف سنةٍ؛ ستَّة أشهر، ولا بدَّ أيضًا أنْ تكون سليمةً من العيوب المانعة من الإجزاء كالعَوَرِ البيِّنِ ونحوه.
    وهذا الدمُ دمُ جُبْرانٍ لا دمُ شُكرانٍ، وعليه فيجب أنْ يتصدَّق به جميعه على الفقراء؛ فقراء الحرم، ويُذبح في الحرم، ويُوزَّع في الحرم. فإنْ ذبحه خارجَ الحرمِ لم يُجزِئ.
    لو ذبحَ هَدْيَ المتعةِ أو القِران في عرفة، يُجزئ أو لا؟
    طلبة: لا يجزئ.
    الشيخ: ذبحه فى عرفة وفرَّقه في مكة؟
    طلبة: لا يجزئ.
    الشيخ: لا يُجزِئ؛ لأنه في غير المكان المعتبَر شرعًا.
    ولهذا سأل سائل قال: ها السَّنة وجدنا راحة، ذَبَحنا في عرفة بسَعَة، ووزَّعنا اللحم على ما نبغي. قلنا ليش؟ قال: هذا فِعْلنا كلَّ سَنَة. إذَن الدليل أنَّه فِعْلُه كلَّ سَنَة، مُشْكِل، أوقَعَنا في حيرة، يعني لا بدَّ أنْ نقول: يَلْزمكم أن تقضوا جميعَ ما فات؛ لأنكم ذبحتموه في مكانٍ لا يحلُّ فيه الذبح، فإذا ذبحتموه في عرفة فكأنما ذبحتموه في الصين. نعم لو ذبح في الصين وجاء به إلى الحرم لا يُجزِئ، فالحِلُّ واحدٌ من عرفة إلى أبعدِ الدُّنيا فلا يُجزئ.
    لكنْ فيه قول لبعض الشافعية أنَّه إذا ذبحه في الحِلِّ وفرَّقه في الحرم فلا بأس؛ لأنه أدَّاه إلى أهْله؛ لأن أهْله هم أهل الحرم وقد أدَّاه إليهم.
    (1/4064)
    ________________________________________
    ولكنْ قد يُقال: إن هذا غير صحيح؛ لأنه يفرق بين ذَبْحه في الحرم وذَبْحه في الحِلِّ؛ حيث إنه عبادة، والعبادة في الحرم أفضل منها في الحِلِّ، فإذا ذَبَح في الحِلِّ فاته الأفضلية، وحينئذٍ لا يصِح، وإنْ كان المقصود من التصدُّق على فقراء الحرم أنْ يَصِل إليهم، لكنْ أيضًا الذبح نفسه عبادة، فكَوْنه يُنقل من محلٍّ فاضلٍ إلى محلٍّ مفضولٍ يقتضي عدم الإجزاء، كما لو نَذَر أن يصلِّي ركعتين في المسجد الحرام فإنه لا يصح أنْ يصلي الركعتين في المسجد النبويِّ؛ لأن المسجد الحرام أفضل، فالقول بعدم الإجزاء هو الراجح نَظَرًا.
    لكنْ إذا سألَنا أناسٌ مِثْل هؤلاء وليس في المسألة دليلٌ واضحٌ ينهى عن ذبح هذا في الحِلِّ فينبغي أن يقال: لا تُعيدوا ولا تعودوا. المعنى واضح؟
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: ويش معنى (لا تُعيدوا)؟
    طلبة: لا تذبحوا مرَّةً ثانيةً.
    الشيخ: لا تذبحوا مرَّةً ثانيةً. و (لا تعودوا) يعني لا تعودوا لِمِثْلها، خصوصًا إذا كان أُناسٌ يَغْلِب عليهم الجهلُ وسلامةُ القلب وأنَّهم ما تعمَّدوا المخالفة، والمقصود حَصَل بإعطاء اللحم إلى أهله.
    ومِثل هذه الأمور التي ليس فيها نصٌّ والأمر قد انقضى وانتهى؛ لا حَرَجَ على الإنسان أنْ يُراعيَ أحوالَ المستفتي فلا يشقَّ عليه في أمرٍ لم يجدْ فيه نصًّا.
    يقول: (عليه دمٌ). ما هو الدليل على أنَّ تارك الواجب يجب عليه دمٌ؟ وهذا أيضًا محتاجٌ إلى دليلٍ مهمٍّ، دليلٍ واضحٍ يستطيع أنْ يواجه الإنسانُ ربَّه به إذا أوجبَ على عباد الله ما لم يوجبْه الله عليهم؛ لأن إيجابَ ما لم يجب كإسقاط أيش؟
    طلبة: ما وجب.
    الشيخ: ما وجب أو أشدُّ؛ لأنَّ إسقاط ما يجب تخفيفٌ، وإيجاب ما لم يجب تشديدٌ، وأيُّهما الموافق للإسلام أو لروح الدين الإسلامي؟
    طلبة: التخفيف.
    (1/4065)
    ________________________________________
    الشيخ: الأول؛ التخفيف. فإيجابُ ما لم يجب بلا دليلٍ أشدُّ من إسقاطِ ما يجب؛ لأنه أعظم؛ فيه قولٌ على الله بلا عِلْم، وفيه إشقاقٌ على العباد، وإسقاطُ ما وجبَ -والمراد ليس إسقاطًا عن عَمْد، لكنْ إسقاط ما وجبَ بمقتضى الاجتهاد، ليس فيه إلَّا شيءٌ واحدٌ وهو إسقاطُ ما عسى أن يكون واجبًا، لكنْ هل فيه التكليف على العباد؟
    طالب: ما فيه.
    الشيخ: ما فيه.
    فأقول مرَّةً ثانيةً: إيجابُ ما لم يجب أشدُّ من إسقاط ما وجبَ؛ يعني إذا لم يكنْ هناك نصٌّ يدلُّ على الوجوب بحيث يواجه الإنسانُ به ربَّه، فإنَّ إسقاطَ ما وجبَ -أي: ما يُمكن أنْ يكون واجبًا- أهونُ. وكذلك نقول في التحريم والتحليل.

    (بابُ الفَواتِ والإحصار)
    مَن فَاتَه الوُقوفُ فاتَه الْحَجُّ، وتَحَلَّلَ بعُمرةٍ ويَقْضِي، ويَهْدِي إن لم يكنْ اشْتَرَطَ، ومَنْ صَدَّه عَدُوٌّ عن البيتِ أَهْدَى ثم حَلَّ، فإن فَقَدَه صامَ عَشرةَ أَيَّامٍ ثم حَلَّ، وإن صُدَّ عن عَرفةَ تَحَلَّلَ بعُمرةٍ، وإن حَصَرَه مَرَضٌ أو ذَهابُ نَفَقَةٍ بَقِيَ مُحْرِمًا إن لم يَكُنْ اشْتَرَطَ.

    (بابُ الهديِ والأُضْحِيَةِ)
    أَفْضَلُها إِبِلٌ، ثم بَقَرٌ، ثم غَنَمٌ، ولا يُجْزِئُ فيها إلا جَذَعُ ضَأْنٍ، وثَنِيٌّ سِوَاهُ، فالإِبِلُ خَمْسٌ، والبَقَرُ سَنَتَانِ، والْمَعْزُ سَنَةٌ، والضأْنُ نِصْفُها، وتُجْزِئُ الشاةُ عن واحدٍ، والبَدَنَةُ والبقرةُ عن سبعةٍ، ولا تُجْزِئُ العَوراءُ والعَجْفاءُ والعَرجاءُ
    للإسلام أو لروح الدين الإسلامي؟ الأول التخفيف، فإيجاب ما لم يجب بلا دليل أشد من إسقاط ما يجب؛ لأنه أعظم؛ فيه قول على الله بلا علم، وفيه إشقاق على العباد، وإسقاط ما وجب، والمراد ليس إسقاط عن عمد، لكن إسقاط ما وجب بمقتضى الاجتهاد ليس فيه إلا شيء واحد وهو إسقاط ما عسى أن يكون واجبًا، لكن هل فيه التكليف على العباد؟
    طالب: ما فيه.
    (1/4066)
    ________________________________________
    الشيخ: ما فيه، فأقول مرة ثانية: إيجاب ما لم يجب أشد من إسقاط ما وجب؛ يعني: إذا لم يكن هناك نص يدل على الوجوب بحيث يواجه الإنسان به ربه فإن إسقاط ما وجب -أي: ما يمكن أن يكون واجبًا- أهون.
    وكذلك نقول في التحريم والتحليل: تحريم ما كان مباحًا أشد من إباحة ما عسى أن يكون حرامًا.
    نقول: ما هو الدليل على وجوب الدم لمن ترك واجبًا؟
    نقول: الدليل على هذا قول صحابيٍ جليل وهو ابن عباس رضي الله عنهما؛ حيث قال: من ترك شيئًا من نسكه أو نسيه فليهرق دمًا (1)، ومبنى هذا الاستدلال على أن مثل هذا القول لا يقال بالرأي، فيكون له حكم المرفوع؛ لأن الصحابي إذا قال قولًا أو فعل فعلًا لا يقال بالرأي ولا يفعل بالرأي حُمِلَ على أنه مرفوع حكمًا.
    ولا يَرِدُ على هذا القول الشبهة التي أثيرت حول ما يخبر به عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن بني إسرائيل، وأنه ممن عرف في التساهل بالنقل عنهم، مع أن الأمر ليس بصحيح، بل هو يشدد في النقل عنهم، كما مر علينا في البخاري في عدة مواضع.
    لماذا لا يَرِد؟ لأن هذا حكم وليس خبرًا، فعليه نقول: هذا الحكم صدر من عبد الله بن عباس وأيش؟
    طلبة: له حكم الرفع.
    الشيخ: وله حكم الرفع؛ لأن مثله لا يُقَال بالرأي.
    ثانيًا: على فرض أن مثله يقال بالرأي، وأن ابن عباس رضي الله عنهما اجتهد، فأداه اجتهاده إلى وجوب الدم، فإنه قول صحابي لم يظهر له مخالف، فكان أولى بالقبول من قول غيره، وهذا الاحتمال على تقدير أنه لم يثبت له حكم الرفع وأنه قاله بالاجتهاد.
    كيف يكون بالاجتهاد؟ لأنه رضي الله عنه قال: إن ترك ما يجب كفعل ما يحرم؛ كلاهما انتهاك لنسك، وفعل ما يحرم ثبت بالنص القرآني أن فيه نسكًا، قال الله تعالى {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].
    (1/4067)
    ________________________________________
    وابن عباس رضي الله عنهما اختار أكمل الثلاثة فقال: من ترك شيئًا من نسكه أو نسيه فليهرق دمًا، فيكون هذا الرأي مبني على أيش؟ على اجتهاد؛ وهو قياس انتهاك النسك بترك الواجب على انتهاكه بفعل أيش؟
    طالب: محرم.
    الشيخ: بفعل محظور، فوجب الدم.
    ونحن نقول: إن ثبت هذا من جهة النظر؛ يعني: إن سلم الدليل من جهة النظر وأن في ترك الواجب دمًا فذاك، وإن لم يسلم وقيل: الأصل براءة الذمة وقول الصحابي المبني على الاجتهاد كقول غيره من الناس فإننا نقول في إيجاب الدم بترك الواجب مصلحة؛ وهي حفظ الناس عن التلاعب.
    أنت لو قلت: ليس في ترك الواجب دم أكثر الناس لا يهتمون به بأنه واجب وأن في تركه الاستغفار والتوبة ما يهمه، يقول: إذا شئت أن أملأ لك أجواء مكة كلها وإلى المدينة استغفارًا وتوبة فأنا ما عندي مانع، لكن لا تجعلني أخسر ولا خمسين ريالًا، تقول له: تُبْ إلى الله، قال: ما يخالف، كم مرة؟ ! ما عندي مانع، لكن لا تلزمني بشاة؛ يعني: كثير من الناس -ما نقول: إن أكثرهم، إن شاء الله- كثير من الناس لا يهمه، يهمه المال أكثر مما يهمه انتهاك النسك.
    لو قيل: إن هذا واجب ومن تركه فهو آثم وعليه التوبة والاستغفار، فهل يحترم الناس هذا النسك كما لو قلنا: إن فيه الدم تذبحه ولو كنت في بلدك، وكل من يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء؟
    الجواب: لا يكون نظر الناس إلى الواجب سواءً؛ لهذا نرى إلزام الناس بذلك، وإن كان ثبوته من حيث النظر والاستدلال فيه مناقشة وفيه اعتراض، فنقول: إن هذا من باب التربية؛ تربية المسلمين على التزامهم بالواجب، وما دمنا مستندين إلى قول صحابي جليل دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل فإننا نرجو أن نكون أبرأنا ذمتنا بذلك، والله يعلم المفسد من المصلح.
    لهذا نحن نفتي بأنه يجب على من ترك واجبًا أن يذبح فدية يوزعها على الفقراء في مكة؛ لهذا النظر الذي ذكرناه.
    (1/4068)
    ________________________________________
    لكن إذا لم يجد هديًا إذا لم يجد دمًا فما الواجب؟
    المذهب الواجب عليه أن يصوم عشرة أيام؛ ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يتمكن من صيامها في الحج صامها ببلده، ولكن هذا القول لا دليل عليه؛ لا من أقوال الصحابة، ولا من القياس، ليس هناك دليل على أن من عدم الدم في ترك الواجب يجب عليه أن يصوم عشرة أيام؛ لا من أقوال الصحابة، ولا من القياس؛ لأن قياس ذلك على دم المتعة قياس مع الفارق؛ لأن دم المتعة دم أيش؟
    طالب: شكران.
    الشيخ: شكران، وأما دم الواجب فدم جبران؛ لذلك نرى أن القياس غير صحيح، وحينئذٍ نقول لمن ترك واجبًا: اذبح فدية في مكة ووزعها على الفقراء بنفسك أو بمن تثق به من الوكلاء، فإن كنت غير قادر فتوبتك تجزئ عن الصيام، تُبْ إلى الله يكفي، هذا هو الذي نراه في هذه المسألة.
    طالب: أحسن الله اليك، الفرق بين ( ... )؟
    الشيخ: نعم.
    الطالب: ( ... ) يمكن فيه احتمال الاجتهاد؟
    الشيخ: كيف الاجتهاد؟
    الطالب: ممكن يجتهد الصحابي.
    الشيخ: كيف يجتهد؟ على أي شيء نقيسه؟
    الطالب: بالعموم.
    الشيخ: أي عموم؟
    الطالب: عموم ..
    الشيخ: هل هناك عموم أن الإنسان كلما كبَّر يرفع يديه؟
    الطالب: في كل ( ... ).
    الشيخ: ما فيه عموم؛ ولهذا رفع ابن عمر يديه في كل تكبيرة في صلاة الجنازة ثابت عنه موقوفًا (2)، بل ومرفوعًا، كما رجحه الشيخ عبد العزيز بن باز في حاشيته على الفتح قال: إنه صحيح؛ لأن السبب في تضعيفه مرفوعًا الاختلاف في أحد الرواة؛ لأن اسمه مشترك بين ضعيف وثقة؛ فمنهم من حمله على الضعيف فقال: الحديث مرفوعًا ضعيف، ومنهم من حمله على الثقة وقال: الحديث مرفوعًا صحيح، وهذا هو الظاهر؛ لأن ابن عمر ما كان ليرفع يديه في كل تكبيرة إلا مستند إلى مرفوع.
    طالب: بالنسبة للطواف يا شيخ، المحمول الذي يطاف به أحيانًا أنه يعني لا يؤشر عند الحجر وأحيانًا يكون نائمًا، هل نقول: لا يصح طوافه أم ماذا؟
    (1/4069)
    ________________________________________
    الشيخ: ما تقولون في هذا؟ يقول: بعض الناس الذين يُحملون في الطواف والذين يركبون العربية في السعي يجد الراحة والهز، فينام ( ... ) فينام هل يجزئه الطواف؟
    نقول على القول بأن النية شرط: إذا نوى في ابتداء الطواف، ثم نام، فطوافه صحيح، وإن نام قبل أن يبتدئ -وهذا في الظاهر لا يكون- فإن طوافه ليس بصحيح.
    طالب: شيخ، بالنسبة لمن ذبح في عرفة أَلَا يشكل عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما عذر الصحابي الذي ذبح قبل الوقت يوم العيد وهذا مجتهد وسليم القلب حينما ذبح؟
    الشيخ: هذا يقول: إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لم يعذر الصحابي الذي ذبح الأضحية في غير الوقت، أفلا نقول: إن من ذبحها في المكان الذي لا يذبح فيه ولو كان معذورًا بجهل تلزمه الإعادة، وهذا لا شك أنه إيراد قوي؛ لأن المخالفة في المكان كالمخالفة في الزمان، لكن الذي يمنع من إلحاق هذه بهذه أنه ليس هناك نص على أن الذبح لا بد أن يكون في الحرم إذا كان المقصود نفع الفقراء، لو كان هناك نص ما في المسألة إشكال.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: إي نعم، صحيح، هذا يدل على أن فجاج مكة كلها منحر، وفجاج مكة طريق ومنحر، لكن لا يدل إلا بالمفهوم على أن غيرها ليس بمنحر.
    على كل حال نحن نقول: هذه المسألة ما دامت وقعت وفيها خلاف فإننا لا نلزمه، لكن نقول: لا تعودوا ولا تعيدوا، ثم يجب على طلبة العلم أيضًا أن ينبهوا الناس على هذه المسألة.
    كان الناس في الأول مِنَى ما فيها زحمة، ولا أحد يفكر أن يذبح في عرفة أو يذبح في الشرايع مثلًا، لكن الآن من أجل الزحمة صار الناس قد يضطرون إلى ذلك؛ فلهذا أنا أرى أن الواجب على طلبة العلم أن ينبهوا على هذا؛ لأنها مهمة.
    طالب: شيخ، لو قال قائل: ندرك القاعدة على قول ابن عباس ونقول: من ترك واجبًا فعليه دم في غير الحج؟
    الشيخ: في غير الحج؟
    الطالب: إيوه، يعني لو ترك واجبًا.
    (1/4070)
    ________________________________________
    الشيخ: يعني حتى مثلًا لو ترك التشهد الأول في الصلاة قلنا: عليك دم، مشكل، لا، هذا لم يقل به أحد.
    طالب: شيخ، دم التمتع هل هو دم شكران أم دم جبران ( ... ) فيه أم غيره؟
    الشيخ: دم التمتع دم شكران، وإذا قلنا: دم جبران فإنه لا يأكل منه؛ لأن دم الجبران يجبر ما فات، وإذا أكل منه لم يجبر، إي نعم.
    طالب: قلنا القول الراجح في العمرة: إن طواف الوداع فيها واجب، وقلنا أيضًا ( ... ) إن طواف الوداع في الحج ليس بواجب؟
    الشيخ: لا.
    الطالب: في الحج.
    الشيخ: كلا، لكن قلنا: ليس من واجبات الحج، إي، فرق بين قلنا: ليس بواجب، وليس من واجبات الحج، فالإنسان لو حج وبقى في مكة ما عليه طواف وداع، لكن لو قلنا: إنه واجب للحج لقلنا: يجب، على أننا اعترضنا هذا الرأي ويش قلنا؟ قلنا: قد يكون واجبًا في الحج بشرط أن يغادر مكة، وحينئذٍ يصح أن يُعَد من واجبات الحج.
    طالب: بارك الله فيكم، على ما رجحنا لو أتانا آتٍ وهو ترك واجب، ولكن لو عرف أنه أذنب لكان أكبر عليه أن يفدي بشاة، هل نقول بالتوبة فقط؟ وهل يجزئ بالهدي؟
    الشيخ: نقول بالتوبة والفدية.
    الطالب: شيخ، المسألة ليس فيها دليل صريح والتعليل منتهٍ؟
    الشيخ: لا، نأخذ القاعدة؛ لأن أيضًا هذا يوجب التشويه على العامة؛ فلان أوجبتم عليه وفلان ما أوجبتم، ويش الفرق؟ وربما يكون الذين قلنا: لا يجب عليك ربما يكون غنيًّا فيحصل مشكلة.
    الطالب: القول في مزدلفة أنه يكفي فرض الوقت في الصلاة.
    الشيخ: أيش؟
    الطالب: أنه يكفي نية فرض الوقت المسافر.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: لكن -يا شيخ- إذا قصر الصلاة وأتى المسجد تصح الصلاة في كل حال؟
    الشيخ: في كل أيش؟
    الطالب: في كل حال نوى الصلاة.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: ولكن يا شيخ ..
    الشيخ: لا، نوى الفريضة.
    الطالب: نوى الفريضة، ولكن يا شيخ ( ... ) وهو مسافر جمعوا بين الظهر والعصر ودخل معهم ولم ينوِ التعيين.
    الشيخ: نعم، على نيته هو.
    الطالب: هو لم ينوِ التعيين.
    (1/4071)
    ________________________________________
    الشيخ: على نيته، لو سألناه بعدما سلم ويش نيتك؟ ويش قال؟ ما نوى شيئًا؟
    الطالب: نوى الصلاة، نوى الفريضة.
    الشيخ: إي، لكن هو جامع، هو ربما ينسى، قد يكون نسي أنه جامع؛ يعني: تقصد؟
    الطالب: أو ( ... ).
    الشيخ: إذا قصد أنه جامع، ففي نيته التي في قلبه أنه سيبدأ بالأولى.
    الطالب: وأين المقبول نية فيها؟
    الشيخ: أما إذا قال: واللهِ لا ما أدري، واللهِ ويش نويت ونسيت أني ما جمعت، نقول له: أعد هذا؛ لأنه ما نوى.
    طالب: شيخ.
    الشيخ: سألت يا شيخ ما أكملت؟
    الطالب: لا ما أكملت.
    الشيخ: ليش ما سألت.
    طالب: يا شيخ، ما هو القول الراجح في ( ... ) ليس بواجب في الميقات ( ... )؟
    الشيخ: وهو.
    الطالب: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت.
    الشيخ: نجيب عنها باللفظ الثاني؛ كان الناس ينصرفون من كل وجه فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا يَنْفِرْ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» (3).
    الطالب: النية المعينة التفريق، لو قال قائل: إن التفريق بين الصلاة والحج بأن الحج تتجزأ بعض أفراده والصلاة لا تتجزأ بعض أفرادها؟
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: يعني الحج ممكن يطوف الإنسان كطواف مستقل، لكن الصلاة لا يمكن أن ..
    الشيخ: لا، لا بد أن ينوي الطواف لهذا النسك؛ يعني: لو فرضنا أنه نواه عن طواف مطلق ما أجزأه.
    طالب: لا بد من التعيين.
    الشيخ: لا بد على الأقل ينوي الطواف بدون أن يقول: هذا طواف نافلة مثلًا، لو نوى أنه طواف نافلة ما صح.

    ***
    [باب الفوات والإحصار]
    طالب: بسم الله الرحمن الرحيم قال رحمه الله تعالى:
    باب الفوات والإحصار

    من فاته الوقوف فاته الحج وتحلل بعمرة ويقضي، ويُهدي إن لم يكن اشترط، ومن صده عدو عن البيت أهدى، ثم حَلَّ، فإن فقده صام عشرة أيام، ثم حَلَّ، وإن صُدَّ عن عرفة تحلل بعمرة، وإن حصره مرض أو ذهاب نفقة بقي محرمًا إن لم يكن اشترط.
    (1/4072)
    ________________________________________
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
    فقد سبق الكلام على الأركان والواجبات والسنن وبيان حكم كل منها، وأن من ترك الإحرام لم ينعقد نسكه، ومن ترك ركنًا غيره لم يتم نسكه إلا به، ومن ترك واجبًا فعليه دم، ومن ترك سنة فلا شيء عليه، وسبق بيان الأدلة على ذلك.
    وقد توهم بعض الناس في مسألة الواجبات فظن أن الإنسان مخير بين أن يأتي بالواجب أو يأتي بالدم، حتى سمعنا أن بعض الناس إذا وقف بعرفة وبات بمزدلفة إلى نصف الليل نزل، ثم طاف وسعى وحل التحلل كله، ثم بقي في بيته وقال: أذبح فدية عن المبيت بمنى وعن رمي الجمرات، فيظن أن المسألة على التخيير وليس كذلك، ولكن من ترك الواجب لعذر أو نحو ذلك فإنه يجب عليه أن يفدي، أما أن الإنسان مخير بين هذا وهذا فإن هذا لا شك إخلال بهذه النسك العظيم.
    يعني لو قال إنسان: أنا أقف بعرفة إلى غروب الشمس وبمزدلفة إلى منتصف الليل، ثم أنزل إلى مكة وأطوف وأسعى، ثم أرجع إلى أهلي، متى يرجع إلى أهله؟ في ليلة العيد، ويوكل من يرمي عنه، ومن يذبح عنه، عن طواف الوداع، وعن المبيت، هذا تلاعب بأحكام الله.
    فقول الفقهاء رحمهم الله: (من ترك واجبًا فعليه دم) يعني أن ذلك جبرٌ لما ترك، وليس المراد به التخيير، وإلا لقالوا: يخير بين هذا وبين الدم.
    أما السنة فمن تركها فلا شيء عليه؛ لأن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، فلو ترك الإنسان الوقوف بعد الجمرة الأولى أو بعد الجمرة الوسطى فلا شيء عليه، وكذلك لو ترك الاضطباع في الطواف أو الرمل فلا شيء عليه، فالقاعدة أن من ترك سنة فلا شيء عليه.
    ثم قال المؤلف: (باب الفوات والإحصار) هذا الباب يتضمن مسألتين؛ المسألة الأولى الفوات، والمسألة الثانية الإحصار.
    (1/4073)
    ________________________________________
    أما الفوات فهو مصدر (فَاتَ يَفُوتُ فَوْتًا وفَوَاتًا)، ومعناه: أن يُسبق فلا يدرك، يقال: فاتني الشيء؛ أي: سبقني فلم أدركه، هذا هو الفوات سبقٌ لا يدرك.
    أما الإحصار فهو من: حصره؛ إذا منعه، فالإحصار بمعنى المنع؛ يعني: أن يحصل للإنسان مانع يمنعه من إتمام النسك، والفوات: أن يفوت الإنسان شيء من النسك.
    وسيأتي في هذا الباب أن من الأركان ما له وقت محدد، ومنها ما ليس له وقت محدد، فالوقوف -الذي هو الحج كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْحَجُّ عَرَفَةُ» (4) - له وقت محدد، حده متى؟
    طلبة: طلوع الفجر.
    الشيخ: طلوع الفجر يوم النحر، فيقول المؤلف في حكم ذلك: (من فاته الوقوف فاته الحج)، وإذا فاته الحج فماذا يصنع؟
    يُنظر؛ إن كان الإنسان قد اشترط عند إحرامه أن محله حيث حبس فإنه يحل ولا شيء عليه؛ يعني: يخلع ثياب الإحرام ويلبس الثياب ويرجع إلى أهله؛ لأنه قال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وهذا حابس.
    وقد سبق هل الأولى أن يشترط أو الأولى ألَّا يشترط؛ إما مطلقًا، أو بتفصيل، وذكرنا أن الصواب ألَّا يشترط إلا إذا كان يخاف من عدم إتمام النسك.
    قال: (فاته الحج وتحلل بعمرة) يعني: إذا فاته الوقوف وطلع الفجر قبل أن يصل إلى عرفة تحلل بعمرة؛ ذهب وطاف وسعى وحلق أو قصر، وإن شاء أن يبقى على إحرامه إلى الحج القادم فله ذلك، ولكن أيهما الذي يختار؟
    طلبة: الأول.
    الشيخ: سيختار الأول بلا شك، لكن الفقهاء يقولون: إن اختار أن يبقى على إحرامه إلى أن يأتي الحج الثاني فلا بأس، ولكن يقال: الأولى أن يتحلل؛ لأن ذلك أيسر وأسهل، وكيف يمكن للإنسان أن يدع محظورات الإحرام لمدة سنة كاملة؟ ! هذا بعيد، ومشقة شديدة.
    (1/4074)
    ________________________________________
    قال: (ويقضي ويُهدى إن لم يكن اشترط) (ويقضي) يعني: يقضي هذا الحج الفائت، وظاهر كلام المؤلف أنه يقضي؛ سواء كان الحج واجبًا، أم تطوعًا؛ لأنه إن كان واجبًا فوجوب القضاء ظاهر؛ سواءٌ كان واجبًا بأصل الشرع بأن يكون هذا فريضة الإسلام، أو واجبًا بالنذر فإن قضاءه أمر واضح أنه يجب عليه القضاء، ولكن إذا كان تطوعًا فهل يجب القضاء؟
    نقول: نعم، يجب القضاء؛ وذلك لأن الإنسان إذا شرع في النسك صار واجبًا، وهذا من خصائص الحج والعمرة؛ أن نفلهما يجب المضي فيه بخلاف غيرهما، فهو لما شرع وأحرم بالحج أو بالعمرة صار ذلك واجبًا في حقه كأنما نذره نذرًا، وإلى هذا يشير قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].
    وعلى هذا فيجب القضاء؛ سواء كان ذلك تطوعًا، أو واجبًا بأصل الشرع وهو الفريضة، أو بالنذر؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (5).
    وقول المؤلف: (إن لم يكن اشترط) فإن كان اشترط فلا قضاء عليه ولا هدي عليه، إلا إذا كان الحج واجبًا بأصل الشرع أو واجبًا بالنذر فإنه يلزمه القضاء ولو كان اشترط.
    وعلى هذا فيكون قوله: (إن لم يكن اشترط) فيما إذا كان الحج نفلًا، أما إذا كان واجبًا بأصل الشرع أو واجبًا بالنذر فيلزمه القضاء، وعلى كل حال لأنه قد وجب عليه قبل أن يشرع فيه.
    تعرَّض المؤلف رحمه الله إلى مسألة إذا أخطأ الناس في يوم الوقوف؛ بأن وقفوا، ثم ثبت ثبوتًا شرعيًّا أن وقوفهم كان في غير يوم عرفة فهل حجهم صحيح أو حجهم باطل؟ أنتم فاهمين؟ وعلى كل حال في الوقت الحاضر هذا شيء قد يكون متعذرًا، لكن فيما سبق ربما يكون وقف الناس، ثم ثبت ببينة أن وقوفهم كان في اليوم العاشر، وأن الهلال هلَّ قبل أن يراه الناس في مكة، فهل يلزمهم القضاء؟
    (1/4075)
    ________________________________________
    الجواب: لا يلزمهم القضاء؛ لأن الهلال اسم لما اشتهر عند الناس، ولأنهم فعلوا ما أُمروا به؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» (6)، فهؤلاء غم عليهم هلال ذو الحجة، فيلزمهم أن يتموا ذا القعدة ثلاثين يومًا، ومن فعل ما أمر به على وجه أمر به فإنه لا يلزمه القضاء؛ لأننا لو ألزمناه بالقضاء لأوجبنا عليه العبادة مرتين.
    وإن وقف يسير منه فأخطؤوا فإن حجهم غير صحيح، بل نقول: إنهم إذا وقف اليسير منهم فهم مخطئون بكل حال؛ لأن الواجب عليهم الرجوع إلى ما كان عليه الجماعة، فلو تعنت أناس وقالوا: ما يمكن أن يكون الهلال هلَّ البارحة، منازل الهلال ضعيفة ولا نقبل أن يكون اليوم التاسع عند هؤلاء هو اليوم التاسع، بل هو اليوم الثامن، وسنقف في اليوم العاشر، العاشر عند الناس التاسع على زعمهم.
    فإننا نقول لهؤلاء: إن حجهم غير صحيح، يقول: إن أخطأ الناس فوقفوا في الثامن أو العاشر أجزأهم، وإن أخطأ بعضهم فاته الحج.
    قال: (ومن أحرم فصده عدو) انتقل المؤلف الآن إلى الإحصار، فصار الفوات حكمه سهلًا، نقول: إذا فات الوقوف فات الحج، وأنت الآن بالخيار بين أن تبقى على إحرامك إلى العام القادم وبين أن أيش؟
    طلبة: تتحلل بعمرة.
    الشيخ: تتحلل بعمرة، هذه واحدة، ثانيًا: هل عليه القضاء؟
    نقول: إن كان نفلًا وقد اشترط عند ابتداء الإحرام أن محله حيث حبس فلا شيء عليه؛ لا هدي، ولا قضاء، وإن كان واجبًا بأصل الشرع أو واجبًا بالنذر أو تطوعًا ولم يشترط فعليه القضاء من العام القادم.
    (ويهدي) والهدي يكون وقته في القضاء؛ لأنه الآن فاته الحج، فيكون الهدي في القضاء.
    (1/4076)
    ________________________________________
    ثم تكلم المؤلف عن الإحصار فقال: (ومن صده عدو عن البيت أهدى، ثم حل) من صده عدو عن البيت؛ يعني: عن الوصول إلى البيت سواءٌ في عمرة أو في حج فإنه يهدي؛ يعني: يذبح الهدي، ثم يحل؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] أي: فعليكم ما استيسر من الهدي، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أصحابه في الحديبية أن ينحروا ويحلوا (7)، (أهدى ثم حل).
    وقوله: (من صده عدو) (مَنْ) اسم شرط أو اسم موصول؟
    طالب: اسم موصول.
    الشيخ: يجوز أن تكون موصولة وأن تكون شرطية، وعلى كل تقدير فهي للعموم، فيعم ما إذا كان الصد عامًّا أو كان خاصًّا؛ العام أن يُصد كل الحجيج، لا قدَّر الله ذلك، والخاص أن يُصد واحدٌ من الناس أو جماعة من الناس، فماذا يصنعون؟
    لنفرض أن أناسًا تسللوا وجاؤوا بلا جواز فمنعوا هؤلاء، نقول: أُحصروا، لكن لا ينطبق على قول المؤلف هنا؛ لأن المؤلف يقول: (من حصره عدوٌّ) فيرى أن الحصر خاص بالعدو، وأن الحصر بغير العدو ليس له حكم الحصر بالعدو، وسنتكلم على هذا إن شاء الله.
    يقول: (أهدى ثم حل، فإن فقده صام عشرة أيام ثم حل) إن فقد أيش؟
    طلبة: الهدي.
    الشيخ: الهدي، (صام عشرة أيام ثم حل)، ما هو الدليل؟
    الدليل القياس على هدي التمتع، وهذا القياس فيه نظرٌ من وجهين:
    الوجه الأول: أن ظاهر حال الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم ألف وأربع مئة نفر أن فيهم الفقراء، ولم يرد أن الرسول قال لهم: من لم يجد الهدي فليصم عشرة أيام، والأصل براءة الذمة.
    وأما الوجه الثاني: فلأن الهدي الواجب في التمتع هدي شكران للجمع بين النسكين، أما هذا فهو عكس التمتع؛ لأن هذا حرم من نسكٍ واحد، فكيف يقاس هذا على هذا؟ فلذلك لا يصح القياس ونقول: من لم يجد هديًا إذا أُحصر فإنه يحل ولا شيء عليه.
    (1/4077)
    ________________________________________
    وظاهر كلام المؤلف رحمه الله هنا أنه لا يجب الحلق ولا التقصير؛ لأنه لم يذكره، بل قال: (أهدى ثم حل)، ولكن الصحيح أنه يجب الحلق أو التقصير؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بذلك، بل إنه غضب لما توانى الصحابة في عدم الحلق (7)، والصحيح أن الحلق واجب على من؟ على من أحصر، بدلالة القرآن أو بدلالة السنة؟
    طلبة: السنة.
    الشيخ: بدلالة السنة، القرآن ليس فيه إلا قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} فيه إشارة إلى أنه لا بد من حلق؛ لقوله: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، لكن السنة صرَّحت بذلك؛ بأنه لا بد من الحلق أو التقصير.
    إذن الإحصار: منع الإنسان من إتمام النسك، ولكنه على المشهور من المذهب خاص بمنع العدو، وأما غير العدو فإنه لا إحصار فيه؛ كضياع النفقة والمرض ونحو ذلك.
    ولكن من حبس بغير حق فهل هو كمن حصر بعدو؟ يقولون: إنه كَمَنْ حُصِرَ بالعدو؛ وذلك لأن هذا الذي حبسه بغير حق اعتدى عليه، فيكون كالذي منعه العدو.
    قال: (وإن صُد عن عرفة تحلل بعمرة) إن صُدَّ عن عرفة من أحرم بالحج تحلل بعمرة، والكلام في الأول من صُد عن أيش؟
    طلبة: عن البيت.
    الشيخ: عن البيت؛ لأن من صد عن البيت لا يمكن أن يتحلل بعمرة؛ لأن العمرة لا بد فيها من طواف، لكن من صُدَّ عن عرفة فقط؛ بأن يكون في عرفة عدوٌّ يمنع الناس من الوصول إليها فهنا يتحلل، يقول: (تحلل بعمرة) يتحلل بعمرة، ولا شيء عليه؟
    نقول: إن كان قبل فوات وقت الوقوف فلا شيء عليه، وإن كان بعده -بعد فوات الوقوف- فإنه يقضي؛ لأنه فاته الحج، والأول الذي حصر عن عرفة، ثم لما رأى أنه لا يمكن أن يقف جعلها عمرة لا شيء عليه.
    (1/4078)
    ________________________________________
    وعللوا ذلك بأنه يجوز لمن أحرم بالحج أن يجعله عمرة ولو بلا حصر ما لم يقف بعرفة أو يسق الهدي، كما مر علينا في التمتع، هكذا قالوا رحمهم الله بأنه إذا صد عن عرفة تحلل بعمرة قبل فوت الوقوف، فإن لم يتحلل إلا بعده صار كمن فاته الوقوف يتحلل بعمرة ويقضي من العام القادم.
    (وإن حصره مرض أو ذهاب نفقة بقي محرمًا إن لم يكن اشترط) إن حصره مرض، أحرم وهو صحيح يستطيع أن يكمل النسك، فمرض ولم يستطع إكمال النسك، نقول: تبقى محرمًا إلى أن تبرأ من المرض، ثم تكمل، لكن إن فاتك الوقوف فتحلل بعمرة.
    وكذلك إذا حصره ذهاب نفقة؛ رجل سرقت نفقته ولم يتمكن من إتمام النسك فإنه يبقى على إحرامه حتى يجد نفقة، ويتمم النسك إذا كان يمكن إتمامه، وإن كان حجًّا وفاته الوقوف فقد فاته الحج.
    وكذلك لو ضل الطريق -ضل الطريق؛ يعني: ضاع- فلم يهتد إلى عرفة فإنه يكون كما قال المؤلف: يبقى، أو لا يكون محصرًا إذا فاته الوقوف فاته الحج وتحلل بعمرة.
    والصحيح في هذه المسألة أنه إذا حُصِرَ بغير عدو فكما لو حصر بعدو؛ لعموم قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} يعني عن أيش؟ عن إتمامهما ولم يقيد الله تعالى الحصر بعدو.
    وأما قوله: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} فهذا ذكر حكم بعض أفراد العام، وهذا لا يقتضي التخصيص، وهذه القاعدة أظن مرت علينا: إذا ذُكِرَ حكم عام، ثم عُطِفَ عليه حكمٌ يختص ببعض أفراده فإنه لا يقتضي التخصيص؛ ألم تروا إلى قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] هل هذا الحكم يشمل كل المطلقات أو بعضًا منهن؟
    طلبة: بعضًا.
    الشيخ: من هي؟
    طلبة: الرجعية.
    (1/4079)
    ________________________________________
    الشيخ: الرجعية، مع أن المطلقة طلاقًا رجعيًّا أو غير رجعي تتربص ثلاثة قروء، فذِكْرُ حكمٍ لبعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص.
    لكن هذه القاعدة تنتقض على المذهب بمثال آخر؛ وهو قول جابر رضي الله عنه: قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصُرِّفَت الطرق فلا شفعة (8)، الحديث أوله عام ولَّا لا؟
    طلبة: عام.
    الشيخ: في كل ما لم يقسم؛ كل مشترك لم يقسم ففيه الشفعة، فإذا وقعت الحدود وصُرِّفت الطرق، هذا حكم لا يتعلق بكل شيء وإنما يتعلق بالعقار، الفقهاء رحمهم الله خصوا الشفعة بالعقار ولم ينظروا إلى عموم أول الحديث، وهذا ينتقض عليهم في مسألة المطلقات.
    في الحصر خصوا الحصر بالعدو؛ لقوله: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]، فهذا إشارة إلى أن الحصر في قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} يراد به الحصر؛ حصر العدو، ولكن الصحيح أنه يشمل الحصر عن إتمام النسك بعدوٍ أو بغير عدو فإنه كما سمعتم.
    إذا حُصِرَ عن واجب -ما هو عن ركن- كأن يُمْنَع من الوقوف في مزدلفة فهل يتحلل؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: لا، لماذا؟ لأنه يمكن جبره بالدم، فلا حاجة إلى التحلل، نقول: تبقى على إحرامك وتجبر الواجب بدمٍ.
    ثم قال: (بقي محرمًا إن لم يكن اشترط) فإن اشترط بأن قال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، يحل بدون شيء.
    طالب: في مسألة العدو لو قالوا: إن المراد لأن العدو لا يتمكن الإنسان من الوصول إلى البيت بينما غير ذلك، فإذا انكشف الضلال عن مكة أو وجد نفقة يمكن الوصول إلى البيت؟
    الشيخ: إي، لكن إذا فاته الحج؟
    الطالب: يتحلل بعمرة، على أساس أن هذا سيتحلل بعمرة.
    الشيخ: هو إذا حُصِرَ عن شيء لا يفوت ما يهم.
    الطالب: لا يفوت، لا بعد ..
    الشيخ: مثل الطواف والسعي لو حُصِرَ عنهما أمكنه أن يقضيهما بعد فوات الحصر.
    الطالب: أنا أقصد فاته الوقوف بعرفة، فالآن العدو حصره فلا يمكن أن يصل ..
    (1/4080)
    ________________________________________
    الشيخ: حصره أيش؟
    الطالب: عن الدخول إلى مكة، فلا يمكن أن يأتي إلى البيت ليطوف للعمرة، بينما لو كان ضالًّا أو ضاعت النفقة، ثم وجدها بعد الوقوف ..
    الشيخ: لا، هو على كل حال اللي ما له وقت مسألة الضلال أو المرض الخفيف، هذا يمكن تداركه، لكن إذا كان المرض ثقيلًا.
    الطالب: بعمرة يعني؟
    الشيخ: بعمرة أو لطواف وسعي الحج، نعم ( ... ).
    طالب: ( ... )؟
    الشيخ: إي، بس هذا غير صحيح.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: أقول: لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حُصِرَ في الحديبية وذبح في الحديبية (7).
    الطالب: لكن يقول هو ما ( ... ) استطاع.
    الشيخ: من؟
    الطالب: ما استطاع بمثل ذلك.
    الشيخ: إي، يعني ما أنه يرى أنه إذا استطاع فإنه يجب أن يوصله هذا له وجه؛ لقوله: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]، وهذا فيمن ساق الهدي فحصر فلا بد أن يصل الهدي إلى محله؛ لأنه ساقه للحرم.
    طالب: ( ... )؟
    الشيخ: لا، هو الآن -الحمد لله- يعني الحصر هذا قليل.
    طالب: الحصر ( ... )؟
    الشيخ: إن حصر إذا أمكن في الحرم ما فيه شك أنه أفضل.
    طالب: الذي فاته حج التطوع لماذا لا يقاس على الحصر ولا يقضي؟
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: ما يقضي.
    الشيخ: لا، هذا قد يكون بتفريطٍ منه.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: حتى بدون تفريط! كيف يكون بدون تفريط؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: إذن هذا ينبني على أنه هل هناك حصر بغير العدو؟
    طالب: السؤال يا شيخ.
    الشيخ: يقول: الإمام فاته الوقوف بعرفة وهو في تطوع لماذا لا نجعله حصرًا؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: يتحلل بعمرة أو ( ... ).
    الطالب: ( ... ) الحاج إذا حصر يبرأ قبل يوم النحر.
    الشيخ: قبل يوم النحر ولَّا قبل عرفة؟
    الطالب: لا، قبل يوم عرفة وقبل يوم النحر.
    الشيخ: يعني بعدما انصرف من عرفة حُصِر؟
    الطالب: لا، قبل ما حُصِرَ ما وصل مكة ( ... ) حال.
    الشيخ: إي.
    الطالب: أرجح ( ... ).
    الشيخ: في مكان حصره.
    الطالب: لو قبل يوم عرفة وقبل ..
    (1/4081)
    ________________________________________
    الشيخ: إي نعم؛ لأن هذا الهدي عن الإحصار، حتى لو لم يكن معه هدي فإنه لا بد من هدي.
    الطالب: ولو قبله، بس أنا اللي يشكل عليَّ الوقت؛ يعني: يوم النحر ويوم عرفة.
    الشيخ: لا، هذا دم الإحصار حيث وجد سببه؛ من زمان، أو مكان.
    طالب: إذا بدأ في طوافه من المروة.
    الشيخ: في طوافه من المروة أو في سعيه؟
    الطالب: في السعي.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: من المروة.
    الشيخ: يلغى الشوط الأول.
    الطالب: ( ... ) جاهل ما يدري إلا بعدما وصل.
    الشيخ: معناه ما طاف إلا ستة أشواط فقط.
    الطالب: لا بد أن يتم؟
    الشيخ: إي، يلزمه أن يرجع فيتم السعي من أوله.
    طالب: شيخ، ( ... ) من أحرم لحج أن يحرم لعمرة ما لم يقف بعرفة؟
    الشيخ: لا، أن يجعله عمرة ما لم يقف بعرفة.
    الطالب: طيب إذا كان ( ... ) وهو محرم ( ... ) يذهب إلى مكة ويطوف ويسعى.
    الشيخ: لا، هذا ما يجوز إلا إذا أراد أن يحج؛ يعني: إن فسخ الحج إلى العمرة جائز بشرط أن يحج.
    الطالب: أن يحج، كيف هذا؟
    الشيخ: إي، أن يكون متمتعًا؛ يعني: لا يجوز لإنسان أن يفسخ نية الحج إلى عمرة وقد أحرم به إلا إذا كان يريد التمتع.
    ***
    طالب: ( ... ) والإبل خمسة، والبقر سنتان، والمعز سنة، والضأن نصفها، وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    ما هو الإحصار؟
    طالب: الإحصار: أن يُحْصَر عن دخول مكة؛ يمنع من دخول مكة.
    الشيخ: لا.
    طالب: الإحصار هو: مانع صاحبه أن يتعرض للحج ..
    الشيخ: لا.
    طالب: المنع من إتمام النسك.
    الشيخ: نعم، منع الإنسان من إتمام النسك، هذا الإحصار، سواء بعدو.
    طالب: أو بغيره.
    الشيخ: أو بغير عدو، ولا فرق بين أَحْصَرَه وحَصَرَه.
    إذا حصل إحصارٌ فما العمل؟
    طالب: في الحج إذا حصل إحصار إن اشترط تحلل.
    الشيخ: تحلل مجانًا بلا شيء.
    الطالب: وليس عليه هدي، أما إذا كان لم يشترط فعليه الهدي.
    (1/4082)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم، إذا لم يشترط فعليه الهدي.
    وهل عليه الحلق؟
    الطالب: لا، ليس عليه.
    الشيخ: ليس عليه الحلق، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به وغضبه على تأخر الصحابة (7) لا يدل على الوجوب؟
    الطالب: لا، غضب النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة؛ لأنهم لم يحلقوا يدل على الوجوب.
    الشيخ: طيب، إذن يجب الهدي، ويجب أيضًا الحلق أو التقصير.
    هل إذا أُحْصِر وتحلل هل يجب عليه القضاء أو لا؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: أُحْصِر ما هو فات، أُحْصِر وتحلل هل يلزمه قضاء النسك الذي أُحْصِر فيه وتحلل منه؟
    طالب: لا، ما يلزمه.
    الشيخ: لا يلزمه.
    الطالب: إن كان فاته.
    الشيخ: ما فاته، بارك الله فيك، افرض أنه أحرم بعمرة الآن في هذا الشهر وأُحْصِر وتحلل هل يلزمه القضاء؟ لا يلزمه، ولا فيه خلاف؟ ولا فيه دليل؟
    طالب: ( ... ) في حال الصحابة ( ... ) عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم أحصروا ولم يقضوا (7).
    الشيخ: أليس الرسول قضى من العام القادم؟
    الطالب: ولكن الصحابة لم يقضوا.
    الشيخ: كلهم ما قضوا؟
    الطالب: بعضهم، ولو كان وجوبًا لقضوا كلهم.
    الشيخ: إي، طيب هذا القول الذي ذهب إليه، ويش تقول؟ يقول: إنه لا يجب القضاء، والدليل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر من كانوا معه في الحديبية أن يقضوا.
    الطالب: هذا قول يا شيخ.
    الشيخ: هذا قول.
    الطالب: وهو الراجح.
    الشيخ: وهو الراجح.
    الطالب: وهناك قول يقول: إنه يجب القضاء.
    الشيخ: يجب القضاء.
    الطالب: نعم؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، فإن حُصِرَ يهدي ويستكمل القادم ( ... ).
    الشيخ: القول الثاني وجوب القضاء؛ لأنه لما تلبس به صار كالنذر؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] فيجب عليه القضاء.
    طالب: التفصيل، الحج أو العمرة واجب بأصل الشرع أو بإلزام نفس النذر يجب عليه القضاء إن كان.
    (1/4083)
    ________________________________________
    الشيخ: لكن هل يسمى هذا قضاءً، أو يسمى هذا أداءً بالخطاب الأول؟
    الطالب: لا، هو يسمى أداء بالخطاب الأول.
    الشيخ: طيب، وإن لم يكن واجبًا؛ إن كان تطوعًا ففيه الخلاف الذي سمعتم، والصحيح أنه لا يجب القضاء كما قلنا، الصحيح أن القضاء ليس بواجب، وأن عمرة القضاء ليس معناها العمرة المقضية، وإنما معنى القضاء: المقاضاة؛ وهي المصالحة التي حصلت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، هذا دليل.
    الدليل الثاني ولم نذكره أثناء الشرح، وهذا من الإضافات الذي أشار بعضكم تو إلى أنها تفيد، الدليل الثاني: أن الله لم يفرض الحج والعمرة إلا مرة في العمر، فلو أوجبنا عليه القضاء لأوجبنا عليه العمرة أو الحج مرتين أو ثلاثًا أو أكثر.
    بماذا يكون الفوات فوات الحج؟
    طالب: العمرة لا يتصادف فيها فوات، أما الحج يفوت.
    الشيخ: أنا سألتُ: متى يفوت الحج؟
    الطالب: بطلوع فجر يوم النحر ولم يقف الحاج بعرفة.
    الشيخ: إذا طلع فجر يوم النحر قبل الوقوف بعرفة.
    ما هو الدليل على أن الحج يفوت بطلوع الفجر يوم النحر قبل الوقوف بعرفة؟
    طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ».
    الشيخ: كمِّل.
    طالب: «الْحَجُّ عَرَفَةُ».
    الشيخ: إي، «الْحَجُّ عَرَفَةُ»، وقف يوم عاشر صار الحج عرفة، «مَنْ وَقَفَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ» (4)، هذا هو الشاهد.
    إذا فاته الوقوف ماذا يصنع؟
    طالب: ( ... ) اليوم ( ... ) الليلة.
    الشيخ: طلع الفجر وهو ما وصل عرفة وهو محرم بالحج ماذا يصنع؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: ماذا يصنع الآن؟
    الطالب: يتم الحج.
    الشيخ: يتم الحج؛ يعني: يمشي مع الناس؛ يعني: يذهب إلى منى، ويرمي الجمرات، ويبيت في منى؟ !
    طالب: يتحلل بعمرة.
    الشيخ: نعم، يتحلل بعمرة يعني؟
    الطالب: يحجب الحج بعمرة
    الشيخ: إي، وماذا يصنع؟
    الطالب: يعمل عمل العمرة.
    الشيخ: يعمل عمل العمرة فيطوف.
    طالب: ويسعى.
    (1/4084)
    ________________________________________
    الشيخ: يطوف ويسعى، ويحلق أو يقصر، طيب وهل يلزمه القضاء؟
    طالب: تفصيل؛ إن كان واجبًا فعليه القضاء، وإن كان ..
    الشيخ: إن كان واجبًا فعليه القضاء بالخطاب الأول أو قضاء ما فات؟
    الطالب: بالخطاب الأول.
    الشيخ: طيب، صحيح، كالإحصار.
    وإن لم يكن واجبًا؟
    الطالب: إن لم يكن واجبًا فليس عليه قضاء، على القول الراجح.
    الشيخ: فليس عليه القضاء؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: على القول الراجح، ولا فيه تفصيل قبل هذا الكلام؟
    طالب: قيل: إنه يبقى على إحرامه.
    الشيخ: لا، قبل هذا.
    الطالب: القول الثاني: أنه يبقى على إحرامه للعام القادم.
    الشيخ: لا، إن اختار، لكن هو ما اختاره.
    طالب: إن كان الحج واجبًا.
    الشيخ: انتهينا منه، إن كان واجبًا فعليه القضاء بالخطاب الأول. إن كان تطوعًا؟
    الطالب: ليس يجب عليه القضاء.
    طالب آخر: إن كان واجبًا يجب عليه.
    الشيخ: قضينا من هذه لا تجيبونها.
    الطالب: وإن كان نفلًا؛ فإن لم يكن اشترط لزمه أن يقضي ..
    الشيخ: فإن كان قد اشترط؟
    الطالب: لزمه القضاء.
    الشيخ: فإن كان قد اشترط؟
    الطالب: لا يلزمه القضاء.
    الشيخ: نعم، تحلل، ولا شيء عليه. وإن لم يشترط؟
    الطالب: فعليه.
    الشيخ: فعليه القضاء.
    طالب: نعم، صحيح، عليه القضاء.
    الشيخ: إذن لا فائدة من الشرح، اتفقتم على هذا؟ إذا كان لم يشترط فقلنا: إن فيه قولين؛ المذهب: وجوب القضاء، والقول الثاني: لا قضاء عليه، ويقال في تعليله ما قيل في تعليل الإحصار؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يلزم الناس بقضاء العمرة، ولأننا لو ألزمناه بالقضاء لأوجبنا عليه الحج أكثر من مرة.
    وبناءً على هذا التعليل ينبغي أن يقال: إن فاته بتفريطٍ منه فعليه القضاء، وإن فاته بغير تفريط منه -كما لو أخطأ في دخول الشهر فظن أن اليوم الثامن وهو التاسع ولم يعلم بثبوته- فإنه لا قضاء عليه.
    (1/4085)
    ________________________________________
    وهذا القول الذي الآن فصلنا فيه قولٌ وسط بين قول من يقول: يلزمه القضاء ومن يقول: لا يلزمه القضاء، إذن المذهب وجوب القضاء، والقول الثاني: لا قضاء، وهو الذي قدمه الموفق في المقنع، والقول الثالث الوسط الذي ذكرناه؛ وهو إن كان الفوات بتفريطٍ منه فعليه القضاء، وإن كان بغير تفريط فلا قضاء عليه، وهذا هو القياس التام مع الإحصار، هذا هو القياس التام على الإحصار؛ لأن المحصر مُنع من إتمام النسك بدون اختياره.
    هل يكون الحصر بغير العدو؟
    طالب: نعم، يكون بضياع النفقة.
    الشيخ: يعني بمعنى أنه إذا حُصِرَ بغير العدو يتحلل.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: يتحلل، فإذا حُصِرَ بغير العدو هل يتحلل؟
    الطالب: لا.
    الشيخ: إلى متى؟
    الطالب: متى يزول الرجوع ( ... ).
    الشيخ: يعني يقف بعرفة في تاسع محرم.
    الطالب: لا، إذا كان في فترة الطواف يكون له الرجوع، أما إذا لم يطف فإذا زال عذره أتمه.
    الشيخ: إذا زال عذره وأمكنه إتمام الحج أتمه، وإلا صار حكمه حكم ما فاته الحج، أما العمرة فليس لها وقت يبقى محرمًا حتى يجد النفقة أو ما أشبه ذلك، ثم يتم.
    القول الصحيح أنه كالإحصار بالعدو؛ إذا حصر بمرض أو ذهاب نفقة فإنه كالإحصار بالعدو يتحلل ويذبح الهدي.
    [باب الهدي والأضحية]
    ثم قال المؤلف رحمه الله: (باب الهدي والأضحية) الهدي: كل ما يهدى إلى الحرم من نَعَمٍ أو غيرها؛ يعني: قد يهدي الإنسان نعمًا إبلًا أو بقرًا أو غنمًا، وقد يهدي غيرها كالطعام، وقد يهدي اللباس.
    فالهدي أعم من الأضحية؛ لأن الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام كما سيأتي، وأما الهدي فيكون من بهيمة الأنعام ومن غيرها فهو كل ما يهدى إلى الحرم.
    والأضحية: ما يذبح في أيام النحر تقربًا إلى الله عز وجل، هذه الأضحية، وسميت بذلك؛ لأنها تذبح ضُحًى حيث تذبح بعد صلاة العيد.
    (1/4086)
    ________________________________________
    ثم قال المؤلف: (أفضلها إبل) ولم يبين رحمه الله حكم الأضحية، ولكن الأضحية سنة، أجمع المسلمون على مشروعيتها، وهي في كل ملة؛ لقول الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 34].
    فهي مشروعة في جميع الملل، وهي سنة بإجماع المسلمين، لكن هل هي واجب، أو سنة يكره تركها، أو سنة لا يكره تركها؟
    في هذه أقوال للعلماء؛ المذهب أنها سنة ويكره للقادر أن يدعها، والقول الثاني: أن الأضحية واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ حيث قال: إن الظاهر وجوبها، وإن من قدر عليها فلم يفعل فهو آثم؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكرها مقرونة بالصلاة في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، وفي قوله: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]، وأبدى فيها وأعاد في ذكر أحكامها وفوائدها ومنافعها في سورة الحج، وشيء هذا شأنه ينبغي أن يكون واجبًا، وأن يُلزم به كل من قدر عليه، ويكون التارك آثمًا بذلك.
    وهو في نفس الوقت أيضًا مع كونه واجبًا -على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية- هي أيضًا من نعمة الله على الإنسان أن يشرِّع الله له ما يشارك به أهل موسم الحج؛ لأن أهل موسم الحج لهم الحج والهدي، وأهل الأمصار لهم الأضحية.
    ولهذا نجد من فضل الله ورحمته أنه جعل لأهل الأمصار نصيبًا مما لأهل المناسك، مثل اجتناب الشعور؛ الأخذ من الشعر، والأخذ من الظفر في أيام العشر؛ من أجل أن يشارك أهل الأمصار أهل الإحرام بالتعبد لله تعالى بترك الأخذ من هذه الفضلات، ولأجل أن يشاركوا أهل الحج بالتقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي؛ لأنه لولا هذه المشروعية لكان ذبحها أيش؟
    طلبة: بدعة.
    (1/4087)
    ________________________________________
    الشيخ: بدعة، ولنُهِيَ الإنسان عنه، لكن الله شرعها لهذه المصالح العظيمة، فالقول بالوجوب أظهر من القول بعدم الوجوب، لكن بشرط القدرة، أما العاجز الذي ليس عنده إلا مؤونة أهله أو المدين فإنه لا تلزمه الأضحية، بل إن من عليه الدين ينبغي له أن يبدأ بالدين قبل الأضحية.
    ثم هل الأضحية مشروعة عن الأموات أو عن الأحياء؟
    الجواب: الثاني؛ مشروعة عن الأحياء؛ إذ لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن الصحابة -فيما أعلم- أنهم ضحوا عن الأموات استقلالًا، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات له أولاد من بنين وبنات في حياته ومات له زوجات ومات له أقارب يحبهم ولم يضحِّ عن واحدٍ منهم، فلم يضحِّ عن عمه حمزة، ولا عن زوجته خديجة، ولا عن زوجته زينب بنت خزيمة، ولا عن بناته الثلاث، ولا عن أبنائه، ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبينه الرسول عليه الصلاة والسلام في سنته قولًا أو فعلًا، وإنما يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته.
    أما إدخال الميت تبعًا فهذا قد يستدل عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عنه وعن أهل بيته (9)، و (أهل بيته) يشمل زوجاته اللاتي متن واللاتي في قيد الحياة، وكذلك ضحى عن أمته (10)، وفيهم من هو ميت، وفيهم من لم يوجد، لكن استقلالًا لا أعلم لذلك أصلًا في السنة؛ ولهذا قال بعض العلماء: إن الأضحية عن الميت استقلالًا بدعة يُنْهَى عنها.
    ولكن القول بالبدعة قولٌ صعب؛ لأن أدنى ما نقول فيها: إنها من جنس الصدقة، وقد ثبت جواز الصدقة عن الميت، وإن كان الأضحية في الواقع لا يراد بها مجرد الصدقة بلحمها أو الانتفاع بلحمها؛ {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا} [الحج: 37]، ولكن أهم شيء فيها التقرب إلى الله بالذبح، هذا أهم شيء، وذكر اسم الله على هذا الذبح.
    ثم قال المؤلف في بيان ما تكون به الأضحية؛ يعني: بأي شيء يضحي، هل بكل شيء أو بأشياء خاصة؟ نقول: الأضحية لا بد فيها من شروط.
    (1/4088)
    ________________________________________
    الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام؛ وهي الإبل والبقر والغنم؛ لقوله تعالى: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28]، فلا بد أن تكون من بهيمة الأنعام؛ الإبل والبقر والغنم، فلو ضحَّى الإنسان بحيوانٍ آخر أغلى منها لم يجزئ، لو ضحَّى بفرسٍ تساوي عشرة آلاف ريال عن شاة تساوي ثلاث مئة ريال لم يجزئه؛ لأنه لا بد أن تكون من بهيمة الأنعام؛ وهي الإبل والبقر والغنم.
    ثم أيها أفضل الإبل أو البقر أو الغنم؟ أما الهدي فالأفضل فيه الإبل بلا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى إبلًا.
    كم أهدى؟ أهدى مئة بعير، وأشرك عليًّا رضي الله عنه في هديه (11).
    وأما الأضاحي فقال المؤلف: إن الأفضل الإبل، ثم البقر، ثم الغنم، ومراده إن أخرج كاملًا فالبعير أفضل من الشاة، أما لو أخرج بعيرًا عن سبع شياه، فسبع شياه أفضل من البعير، لكن إذا أخرج كاملًا فالبعير أفضل، وعللوا ذلك بأنها أكثر نفعًا، إلا في العقيقة فالشاة أفضل من البعير؛ لأنها التي وردت بها السنة، فتكون أفضل من الإبل.
    وعلى هذا فالدماء التي يُتقرب بها إلى الله الهدي والأضحية والعقيقة، أما الهدي فأفضله الإبل بلا شك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أهدى إبلًا كما أهدى غنمًا (12)، أيضًا وأهدى غنمًا بعث بها من المدينة، لكن في حجة الوداع أهدى إبلًا.
    الأضحية نقول: الأفضل فيها الإبل إن أخرج؟
    طلبة: كاملًا.
    الشيخ: كاملًا؛ لأنها أكثر نفعًا، أما إذا ضحى بسبع بدنة أو بقرة فالشاة أفضل، أما في العقيقة فالأفضل الشاة، حتى لو ذبح بعيرًا كاملة فالأفضل الشاة؛ لأنها هي التي جاءت بها السنة.
    (1/4089)
    ________________________________________
    (أفضلها إبل، ثم بقر، ثم غنم) والغنم يشمل الضأن والمعز، ثم قال (ولا يجزئ فيها إلا جذع ضأن) وهذا الشرط الثاني من شروط الأضحية؛ أن تكون قد بلغت السن المعتبر شرعًا، فإن كانت دونه لم تجزئ؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ تَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ» (13)، فقوله: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً» أي: مثنية ثنية، «إِلَّا أَنْ تَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»، هذا شرط أن تبلغ أيش؟ السن المعتبر شرعًا.
    فإن كان دون ذلك فإنها لا تجزئ؛ ولهذا لما قال أبو بردة بن نيار رضي الله عنه: يا رسول الله، إن عندي عناقًا هي أحب إلي من شاتين أفتجزئ عني؟ قال: «نَعَمْ، وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» (14)، والعناق هي: الصغيرة من المعز التي لها نحو أربعة أشهر، قال: «نَعَمْ، وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»، وهذا يدل على أنه لا بد من بلوغ السن المعتبر شرعًا.
    وهذا يدلنا –يعني: اشتراط أن تكون من بهيمة الأنعام وأن تبلغ السن المعتبر شرعًا- على أنه ليس المقصود من الأضحية مجرد اللحم/ وإلا لأجزأت للصغير والكبير، فما هو السن في الإبل؟
    قال المؤلف: (ولا يجزئ فيها إلا جذع ضأن وثني سواه) ودليله ما ذكرته آنفًا حديث جابر أخرجه مسلم: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ تَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ».
    فالإبل يعني السن المعتبر لإجزاء الإبل خمس سنين، فما دون الخمس لا يجزئ؛ لأن الإبل لا تثني إلا إذا تم لها خمس سنين.
    (ولبقر سنتان ولمعز سنة ولضأنٍ نصفها) يعني: نصف سنة؛ ستة أشهر، فهل يجزئ لو سألك سائل: هل يجزئ من الغنم ما له ثمانية أشهر؟
    طلبة: فيه تفصيل.
    الشيخ: فيه تفصيل، ما هو؟
    طالب: إن كان من الضأن.
    الشيخ: إن كان من الضأن فنَعَمْ.
    الطالب: ( ... ) من المعز.
    (1/4090)
    ________________________________________
    الشيخ: وإن كان من المعز؟
    طلبة: فلا.
    الشيخ: فلا؛ لأنه لا بد أن تكون ثنية.
    وذكر بعض العلماء أن من علامات إجزاء الضأن أن ينام الشعر على الظهر؛ لأن الخروف الصغير يكون شعره واقفًا، فإذا بدأ ينام فهذا علامة على أنه صار جذعًا.
    فإذا قال قائل: إذا كان الإنسان هو الذي ولَّد هذه البهائم فسيعلم المدة، لكن إذا كان الذي ولَّدها غيره واشتراها من السوق، فهل يكتفي بقول البائع أو لا بد أن يقول للبائع: ائتِ بشهود؟
    طلبة: الأول.
    الشيخ: فيه تفصيل؛ إن كان البائع ثقة فإن قوله مقبول؛ لأن هذا خبرٌ ديني، كالخبر بدخول وقت الصلاة أو غروب الشمس في الفطر، وما أشبه ذلك.
    وإن كان غير ثقة وهو من البدو الجفاة الذي يقول: أُقسم بالله أن لها سنة وشهر المعز، وأتى بالشهر؛ للدلالة على الضبط وليكون أقرب للتصديق، لكننا لا نثق به فإنه لا يُصَدَّق، لا سيما إذا وجدت القرينة تدل على كذبه؛ كصغر البهيمة.
    فصار إخبار البائع عن بلوغ السن المعتبر شرعًا إن كان البائع ثقة قَبِلْنَاه؛ لأنه خبر ديني يقبل فيه خبر الواحد، وإن لم يكن ثقة فإننا لا نقبل، ولكن لو كان الإنسان نفسه يعرف السن بفر أسنانها والاطلاع على أسنانها أو ما أشبه ذلك فإنه كافٍ، كم شرطًا ذكرنا؟
    طلبة: اثنان.
    الشيخ: شرطين؛ الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام، والثاني: بلوغ السن المعتبر شرعًا. والشرط الثالث: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء. والشرط الرابع في الأضحية: أن تكون في وقت الذبح. الشروط في الأضحية أربعة.
    أما الهدي فإنه لا يشترط له وقت معين إلا من ساق الهدي في الحج فإنه لا يذبحه قبل يوم النحر، وأما من ساق الهدي في العمرة فيذبحه حين وصوله.
    قال المؤلف: (وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة) (تجزئ الشاة عن واحد) يعني: يضحي الإنسان بالشاة عن نفسه، وتجزئ عنه وعن أهل بيته أيضًا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته.
    (1/4091)
    ________________________________________
    وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة، ما هو الدليل للأول؟
    الدليل للأول: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته (15).
    والدليل للثاني: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: نحرنا في عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة (16).
    وقول المؤلف: (عن سبعة) أي: سبعة رجال، فإذا كان الإنسان يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته فإنه يضحي بالسُّبع عنه وعن أهل بيته؛ لأن هذا تشريك في الثواب، والتشريك في الثواب لا حصر له، فها هو النبي عليه الصلاة والسلام ضحَّى عن كل أمته، وها هو الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ولو كانوا مئة، أما التشريك في المُلك فلا تزيد على سبعة؛ يعني: لو اشترك ثمانية في بعير قلنا: لا يجوز، لا بد أن يخرج واحد منكم، ولكن بماذا يخرج؟
    إن رضي أحد منهم أن يخرج فهذا هو المطلوب، وإلا فالأخير هو الخارج، فإن لم يُعلم الأخير فالقرعة، لكن لو ذبحوها فبانوا ثمانية فماذا يصنعون؟ قيل: يذبحون شاة واحدة لتكمل للثامن.
    ويحتمل أن يقال: يقترعون، فمن خرج بالقرعة خرج وذبح شاة وحده.
    البدنة والبقرة تجزئ عن سبعة رجال أو تجزئ عن سبع شياه؟
    طالب: الثاني.
    الشيخ: الثاني، وإذا قلنا بالثاني قلنا: إذا كانت الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته في الثواب فكذلك يجزئ سبع البدنة وسبع البقرة عنه وعن أهل بيته.
    وقوله: (البدنة والبقرة عن سبعة) يستثنى من ذلك العقيقة، فإن البدنة لا تجزئ فيها إلا عن واحد فقط، ومع ذلك فالشاة أفضل، لماذا؟ قالوا: لأن العقيقة فداء نفس، والفداء لا بد فيه من التقابل والتكافؤ، فتفدى نفس بنفس.
    ولو قلنا: إن البدنة عن سبعة لفديت النفس بسبع نفس؛ ولهذا قالوا: لا بد من العقيقة بها كاملة، وإلا فلا تجزئ.
    وإذا كان عند الإنسان سبع بنات وكلهن يحتجن إلى عقيقة فذبح بدنة عن السبع؟
    طلبة: لا تجزئ.
    الشيخ: لا تجزئ؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: نعم، لا تجزئ، ولكن هل تجزئ عن واحدة؟
    (1/4092)
    ________________________________________
    طلبة: نعم.
    الشيخ: أو نقول: هذه عبادة غير مشروعة لهذا الوجه، فتكون بعير لحم، ويذبح عقيقة لكل واحدة؟
    الثاني هذا أقرب؛ أن نقول: إنها لا تجزئ عن الواحدة منهن؛ لأنها على غير ما وردت به الشريعة، فيذبح عن كل واحدة شاة، وهذه البعير التي ذبحها تكون ملكًا له؛ له أن يبيع لحمها؛ لأنه تبين أنها لم تصح على أنها عقيقة.
    ذكرنا الشرط الثالث السلامة من العيوب المانعة في الإجزاء، فما هذه العيوب؟
    قال: (ولا تجزيء العوراء ولا العجفاء ولا العرجاء ولا الهتماء ولا الجداء ولا المريضة ولا العضباء) كم هذه؟ سبع، ومعلوم أن رفع الإجزاء عن البهيمة يحتاج إلى دليل؛ لأن البهيمة إذا توافرت فيها أوصاف القبول فإننا لا نرفع حكم هذه الأوصاف -وهو القبول- إلا بوجود مانع من الشارع صحيح، فلننظر قوله: (لا تجزيء العوراء ولا العجفاء ولا العرجاء ولا المريضة) أسقطنا الهتماء، هذه الأربع عيوبها نص عليها النبي عليه الصلاة والسلام؛ فقد سئل ماذا يتقى من الضحايا؟ فقال: أربع، وأشار بأصابعه؛ العوراء (17)، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيدها بأنها بينة العور العوراء البين عورها، وهل هناك عورة غير بين عورها؟ نعم، لو فرضنا أنها لا تبصر بإحدى عينيها، ولكن إذا نظرت إلى العين ظننتها سليمة.
    ولا تُجْزِئُ العَوراءُ والعَجْفاءُ والعَرجاءُ والْهَتْمَاءُ والْجَدَّاءُ والمريضةُ والعَضْبَاءُ بل الْبَتْرَاءُ خِلْقَةً والْجَمَّاءُ وخَصِيٌّ غيرُ مَجبوبٍ وما بأُذُنِه أو قَرْنِه قَطْعٌ أَقَلُّ من النِّصْفِ.
    و(السُّنَّةُ) نَحْرُ الإبِلِ قائمةً مَعْقُودَةً يَدُها الْيُسْرَى فيَطْعَنُها بالْحَرْبَةِ في الْوَهْدَةِ التي بينَ أَصْلِ العُنُقِ والصدْرِ، ويَذْبَحُ غَيْرَها، ويَجوزُ عَكْسُها، ويقولُ " باسمِ اللهِ واللهُ أَكْبَرُ،
    (1/4093)
    ________________________________________
    فلننظر قوله: (لا تجزئ العوراء، ولا العجفاء، ولا العرجاء، ولا المريضة) أسقطنا الهتماء، هذه الأربع عيوبها نص عليها النبي عليه الصلاة والسلام، فقد سُئل ماذا يُتَّقى من الضحايا؟ فقال: «أَرْبَعٌ»، وأشار بأصابعه (1).
    (العوراء) لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيَّدها بأنها بَيِّنة العور، «الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا». وهل هناك عوراء غير بَيِّن عورها؟ نعم، لو فرضنا أنها لا تبصر بإحدى عينيها، ولكن إذا نظرت إلى العين ظننتها سليمة، فهذه عوراء ولم يتبيَّن عورها.
    (فتجزئ) لكن السلامة من هذا العور أولى، وهل يقاس عليها العمياء؟
    طلبة: من باب أولى.
    الشيخ: من باب أولى، لأنه إذا كان فقد العين الواحدة مانعًا ففقد العينين الاثنتين من باب أولى.
    وقال بعض العلماء -أهل الاستحسان بالعقول- قالوا: إن العمياء تجزئ، وإن كانت العوراء لا تجزئ؛ لأن العوراء إنما مُنع منها لكون رعيها ناقصًا ترعى من جانب واحد، أليس كذلك؟ وأما العمياء فإن صاحبها سوف يُغدق عليها العلف فلا يلحقها نقص فتكون كالبصيرة.
    وهذا قياس غريب، ومعنى عجيب، يقال: هل هذه الشاة مثلًا؟ هل هي معيبة أو غير معيبة؟
    طلبة: معيبة.
    الشيخ: كل الناس يقولون: معيبة، بعيب أقبح من العور أو دون العور؟
    الطلبة: أقبح.
    الشيخ: أقبح، انتهى هذا قياس أوْلى؛ يعني تامًّا فيه أركان القياس. فالصواب: أن العمياء لا تجزئ.
    (ولا العجفاء) وهذه جاء بها النص، العجفاء هي الهزيلة التي لا مُخَّ فيها، عرفتم؟ المخ مع الهزال يذوب، ويبقى داخل العظم أحمر ما فيه مخ، هذه لا تجزئ؛ لأنها ضعيفة البنية كريهة المنظر؛ فلا تجزئ.
    الهزيلة التي فيها مخ؛ يعني إلى الآن لم يصل الهزال إلى ما داخل العظم، هزيلة، لكن فيها مخ، تجزئ أو لا؟ نعم، تجزئ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «وَلَا الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» (1)، قال العلماء: معنى (لا تنقي) أي ليس فيها نِقيٌ، والنِّقْي المخ.
    (1/4094)
    ________________________________________
    يقول أهل الخبرة: إنه إذا جاء الربيع بسرعة، وكانت الغنم هزالًا ورَعَت من الربيع فإنها تبني شحمًا قبل أن يتكون فيها المخ، فهل هذه التي بنى الشحم عليها دون أن يكون لها مخ، هل تجزئ؟
    طالب: لا، ما تجزئ.
    الشيخ: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي». وهذه الآن ليست عجفاء، هي سمينة الآن، لكن لم يدخل السمن إلى داخل العظم حتى يتكون المخ، فنقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام وصفها بوصفين: عجفاء، وليس فيها مخ، وهذه ليست بعجفاء فتجزئ.
    (ولا العرجاء) ( ... ).

    ***
    هذا أعطاني السؤال يقول بالنسبة للصدقة هكذا؟
    طالب: الصدقة عن الأموات ..
    الشيخ: عن الأموات عندنا في السودان تخصيص يوم كذلك.
    الطالب: يخصص لها يوم.
    الشيخ: إي نعم، يخصص لها يوم كذلك آخر جمعة من رمضان، فهل يشرع هذا؟
    لا، هذا غير مشروع؛ لأنك لا تخصص يومًا أو مكانًا لعبادة إلا بدليل.

    طالب: شيخ، السن في الضأن.
    الشيخ: أيش؟
    الطالب: السن المجزئ في الضأن لحديث المغيبة للعذر، وهنا أطلق هنا ..
    الشيخ: إي، هذا إشكال جيد، لكن قال العلماء: إنها تقيدها بعسر من جهة الأفضل، أن الثنية أفضل، ولو كانت الجذعة ليست محلًّا قابلًا للأضحية، ما أجزأت عند العسر، ولهذا لو كان عند الإنسان أقل من الجذع وهو مُعسِر لم يجزئه، فقالوا: إن تقييدها بالإعسار هو من باب الأفضلية فقط.
    الطالب: إذا كان غير معسر يجزئه؟
    الشيخ: يجزئه، لكن الأفضل الثنية.
    طالب: في الحج والعمرة.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: هذا مجرد ( ... ).
    الشيخ: لا، إذا اشترط ما فيها شيء يتحلل مجانًا في الإحصار، وفي الفوات.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليك- ذكرنا لو شخص يريد أن يشتري ضأن غنم، لا بد أن ننظر للبائع، ولكن في هذا الزمان مستحيل، هذا الشرط يكون في مشقة على الناس.
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: أقول: قلما نجد الآن ثقة في البائع، يعني يكون فيه مشقة على الناس؟
    الشيخ: يعني الإخبار بالسن؟
    (1/4095)
    ________________________________________
    الطالب: إي نعم، يكون فيه مشقة في هذا الزمان.
    الشيخ: ليش؟
    الطالب: أقول: يكون فيه مشقة.
    الشيخ: لماذا؟
    الطالب: إلا من رحم الله نجد الآن ثقة.
    الشيخ: يعني مشقة الثقة بس؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: إي، إذا كان شككت في ثقته، فإن كان عندك خبرة أنت فافتح فمها وتعرفها.
    الطالب: ولكن لو كان الشخص ما عنده خبرة؟
    الشيخ: لا يمكن أن تعتمد على قول ليس بثقة أبدًا.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: هذا قول أن يراد به سنة، إذا اجتمع ( ... ) في بدنة.
    الشيخ: في أيش؟
    الطالب: في بدنة، هل يشرع ( ... )؟
    الشيخ: لا.
    الطالب: إذا أخذه على أنه سُنة.
    الشيخ: أيوه، الأضحية سُنة؛ لأن الأضحية لها شروط، من شرطها أن تكون في العدد المحدد.
    طالب: شيخ -بارك الله فيك- ذكرت هزيلة، ولو ما خرجت، قلت: تجزئ؟
    الشيخ: ما تجزئ.
    الطالب: ما تجزئ؟
    الشيخ: لا.
    الطالب: ذكرت ( ... )، لكن تجزئ الهزيلة؟
    الشيخ: تجزئ.
    الطالب: أليس عيبًا الهزل؟
    الشيخ: لا، الهزال عيب في البيع والشراء، وليس عيبًا في الشرع في التضحية، ولذلك تجد العور عيب في الشراء، العور اللي غير بين عيب في الشراء، وليس عيبًا في الأضحية.
    طالب: في بعض البلدان الإسلامية قبل أداء الأضحية يزينون الشاة كجعل الحناء على رأسها، وكذا.
    الشيخ: يزينون أيش؟
    الطالب: الشاة مثلًا يزينونها بالحناء وبعض اللون.
    الشيخ: سبحان الله!
    الطالب: هل يجوز هذا يا شيخ؟
    الشيخ: ويلبسونها الحلي؟
    طالب آخر: الحناء فقط.
    الطالب: ما حكم هذا يا شيخ؟
    الشيخ: هذه -بارك الله فيك- تُفعل عندنا على أنها للتمييز، إذا اجتمعت أضاحٍ لزيد وعمرو وبكر وخالد، وضعوا الحناء للتمييز فقط، هذا ما فيه بأس، أما للتجميل لا، ما هو مشروع.
    الطالب: يزينون الأضحية لهذا يعني؟
    الشيخ: لا، غير مشروع.
    طالب: شيخ، إذا وصَّى الميت؟
    الشيخ: إذا وصى الميت بها فإنه يُضحى له.
    الطالب: ولم يترك مالًا؟
    الشيخ: لا، ما يلزمهم شيء.
    طالب: إذا ( ... ) فلا بأس.
    (1/4096)
    ________________________________________
    الشيخ: لا، كما قلت لك، يُضحي عن نفسه وأهل بيته ومنهم الميت هذا.
    طالب: العوراء -يا شيخ- ذهاب الرؤية هنا بالعين؟
    الشيخ: البين عورها؟ البين عورها هي التي تكون عينها ناتئة أو غائرة.
    الطالب: إن كانت موجودة يا شيخ، لكن لا ترى.
    الشيخ: هذه عوراء، لكن ليس عورها بينًا.
    طالب: الأضحية هي الناتئة، والتي لا مخ لها، كيف يتبين لنا؟
    الشيخ: الناتئة، كيف الناتئة؟
    الطالب: التي لا مخ لها.
    الشيخ: إي، العجفاء، اللي ما فيها مخ، يتبين، لا يمكن أن تتبين إلا بعد الذبح، لكن الغالب أن التي لا مُخَّ فيها وهي هزيلة، الغالب أنك تجدها ضعيفة مشيها رديء وكأنها مريضة.
    الطالب: ممكن يظن أن هي هزيلة.
    الشيخ: هي هزيلة، ما فيها لحم، ما فيها إلا جلد على عظم، لكن هي اللي ما فيها مخ، تكون نفسها أيضًا، ما تمشي وتعبانة دائمًا.
    طالب: وهو شكلها شكل المريض ( ... ).
    الشيخ: ويش تقولون فيها؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: يقول: هل الحولاء كالعوراء؟
    طالب: الحولاء؟
    الشيخ: إي، الحولاء.
    الطالب: ليست كالعوراء.
    الشيخ: لا، ما هي كالعوراء.
    طالب: لو كان الاثنتين.
    الشيخ: لو الاثنتان نعم، إي نعم.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: أولًا: ما أظن بتثبت لي أن شاةً حولاء!
    طالب: شيخ -بارك الله فيك- حتى لو انخسفت، لكنها ترى؟
    الشيخ: ترى وانخفست؟
    الطالب: لا، ناتئة أو منخسفة؟
    الشيخ: هذه ليست عوراء؛ لأنها ترى بعينيها.
    الطالب: ألسنا نميز بعدم الرؤية؟
    الشيخ: لكن الحديث قيدها: «الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا» (1).
    ***
    طالب: بسم الله الرحمن الرحيم.
    (1/4097)
    ________________________________________
    ولا تجزئ العوراء، والعجفاء، والعرجاء، والهتماء، والجداء، والمريضة والعضباء، بل البتراء خِلقة والجماء، وخصي غير مجبوب، وما بأذنه أو قرنه قطع أقل من النصف، والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، ويذبح غيرها، ويجوز عكسها ويقول: باسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، ويتولاها صاحبها.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
    فقد سبق أن للأضحية شروطًا: الأول؟
    طالب: الأول تكون من بهيمة الأنعام.
    الشيخ: وهي؟
    الطالب: وهي الإبل، والبقر، والغنم، وتشمل الماعز والضأن.
    الشيخ: نعم، هل تجزئ الأضحية بالفرس؟
    طالب: لا، ما تجزئ.
    الشيخ: لماذا؟
    الطالب: لأنها ليست من بهيمة الأنعام.
    الشيخ: هل هناك دليل على أنها إذا لم تكن من بهيمة الأنعام لا تجزئ؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: ما هو؟
    الطالب: ولكلٍّ جعلنا.
    الشيخ: حديث عائشة أصل من أصول الدين: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا».
    الطالب: «لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا».
    الشيخ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (2)، الشرط الثاني؟
    طالب: السلامة من المرض، وما أشبه ذلك.
    الشيخ: السلامة من المرض، وما أشبه ذلك، ما يكفي هذا.
    الطالب: أقول: ما ثبت فيها عن السن المحدد لها شرعًا.
    الشيخ: عدلت عن الشرط هذا؟ عن السلامة، نحن نريد أن نأخذها شرطًا شرطًا.
    الطالب: نقول: السن المحدد لها شرعًا.
    الشيخ: أيش ما؟
    الطالب: يعني.
    الشيخ: الشرط الثاني أن تبلغ.
    الطالب: السن المحدد لها شرعًا.
    الشيخ: نعم، ما هي؟
    الطالب: أربعة، لها ستة أشهر.
    الشيخ: كمِّل.
    الطالب: والمسنة.
    الشيخ: لها سبعة شهور.
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: طيب، والثَّنيَّة لها تسعة شهور.
    الطالب: لا.
    الشيخ: كم؟ سنة.
    الطالب: سنة.
    الشيخ: أن تبلغ السن المعتبر شرعًا.
    (1/4098)
    ________________________________________
    طالب: وهو ما كان للظأن ما بلغ ستة أشهر؛ يعني الجذع من الضأن، وفي البقر.
    الشيخ: والثني مما سواه.
    الطالب: إي نعم، والبقر.
    الشيخ: طيب الإبل؟
    الطالب: الإبل ما كان له أو ما تم له خمس سنين.
    الشيخ: والبقر؟
    الطالب: سنتان.
    الشيخ: والمعز؟
    الطالب: سنة.
    الشيخ: تمام، والضأن نصف سنة، ما هو الدليل على هذا؟
    طالب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن ( ... ).
    الشيخ: لا، نريد أمر الرسول، أول الحديث.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: ويش هو الحديث؟ وأين المستثنى منه: «إِلَّا أَنْ تَعْسُرَ»، هذا استثناء، أين المستثنى منه؟
    طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ تَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً» (3).
    الشيخ: «جَذَعَة» منين؟
    الطالب: «مِنَ الضَّأْنِ».
    الشيخ: نعم، الشرط الثالث؟
    طالب: تكون خالية.
    الشيخ: أن تكون سالمةً.
    الطالب: سالمةً من العيوب المانعة.
    الشيخ: أن تكون سالمة من العيوب المانعة من الإجزاء شرعًا. هل هناك ارتباط بين العيب العرفي والشرعي في هذه المسألة؟
    طالب: لا، ليس هناك ارتباط.
    الشيخ: لا ارتباط؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: مَثِّل بمثال يتضح به الافتراق.
    الطالب: مثل العور قد تكون الشاة عوراء عرفًا التي يكون في عينها بياض قليل، ولكنها ليست عوراء شرعًا، لكنها ترى.
    الشيخ: العوَر الذي ليس بِبيِّن عيب عرفي تُرد به البهيمة، وليس عيبًا.
    الطالب: شرعيًّا.
    الشيخ: شرعيًّا، فتقبل فيه البهيمة، تمام.
    العيوب المانعة من الإجزاء هو الشرط الثالث، الشرط الرابع؟
    طالب: أن تكون في الوقت المحدد.
    الشيخ: أن تكون في الوقت المحدد للأضحية، وما هو؟
    الطالب: للأضحية، الوقت المحدد شرعًا.
    الشيخ: إي، ما هو الوقت؟
    الطالب: تكون بعد الصلاة.
    الشيخ: من بعد صلاة عيد الفطر.
    الطالب: عيد الأضحى.
    الشيخ: عيد الأضحى، طيب إلى؟
    الطالب: أيام التشريق.
    الشيخ: إلى آخر أيام التشريق، هذا الصحيح.
    (1/4099)
    ________________________________________
    نرجع الآن إلى العيوب التي تَمنع من الإجزاء: العوراء البَيِّن عورها، متى يكون العور بيِّنًا؟
    طالب: إذا كانت العين، إما ناتئة أو غائرة.
    الشيخ: طيب، فإن كانت قائمة، لكن لا تُبصر بها.
    الطالب: ليس بيِّنًا.
    الشيخ: فتجزئ؟
    الطالب: تجزئ في الأضحية.
    الشيخ: نعم، لكن غيرها أكمل منها. (العجفاء) ما معناها؟
    طالب: الكبيرة.
    الشيخ: الكبيرة؟
    الطالب: هرمة.
    الشيخ: الهرمة؟
    الطالب: التي لا مخ فيها، الهزيلة!
    الشيخ: الهزيلة.
    الطالب: التي لا مخ فيها.
    الشيخ: التي لا مخ فيها، طيب أحسنت، هل المراد لا مخ في رأسها أو في قوائمها؟
    طالب: في عظمها.
    الشيخ: القائمة، والرأس؟
    الطالب: إن لم يكن في قوامها، ففي رأسها من باب أولى!
    الشيخ: لا، ما يصح، ما تقولون أنتم؟ في القوائم ولا في الرأس؟
    طلبة: في القوائم.
    الشيخ: في القوائم؛ لأنه لا يمكن أن يخلو الرأس من المخ، لو خلا من المخ لهلكت.
    إذا كانت سمينة ولا مخ فيها، وهذا يحدث -كما يقول أهل الخبرة- فيما إذا أجدبت الأرض، ثم جاء الربيع بسرعة؛ فإنها إذا أكلت الربيع بنت الشحم، ولكن يبقى عظمها خاليًا من المخ، هل تجزئ أو لا؟
    طالب: تجزئ.
    الشيخ: تجزئ، الدليل من الحديث.
    الطالب: من اشترى شاة عجفاء، لكن لا مخ فيها، هذه ليست عجفاء، ليس ( ... ).
    الشيخ: قال التي: «الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» (1) طيب، وهذه؟
    الطالب: هذه ليست عجفاء.
    الشيخ: ليست عجفاء، هي لا تُنقي صحيحة، لكنها ليست عجفاء، أحسنت.
    ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولا العرجاء)، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترط أن يكون عرجها بينًا، وما هو الضابط للعرج البين؟
    قال العلماء: إذا كانت لا تطيق المشي مع الصحيحة، فهذه عرجها بَيِّن، أما إذا كانت تهمز، لكنها تمشي مع الصحيحة، فهذه ليس عرجها بينًا، لكن كلما كملت فهو أحسن.
    (1/4100)
    ________________________________________
    إذن العرجاء ليس على إطلاقها كما قال المؤلف، المراد: العرجاء البَيِّن ظلعها بحيث لا تطيق المشي مع الصحيحة. والحكمة من ذلك أن البهيمة إذا كانت على هذه الصفة فإنها قد تتخلف عن البهائم في المرعى، ولا تأكل ما يكفيها، ويلزم من ذلك أن تكون هزيلة في الغالب.
    قال: (ولا الهتماء) (الهتماء) هي التي ذهبت ثناياها من أصلها، أسنانها ذهبت من أصلها الثنايا فقط؛ وذلك لأنها إذا ذهبت ثناياها من أصلها تشوهت خلقتها من وجه، وصارت غير مستطيعة لخرط الورق من الشجر؛ لأنها ليس لها ثنايا فلا تكاد تأخذ حظها من الرعي، وما ذهب إليه المؤلف في الهتماء قول مرجوح.
    والصواب أنها تجزئ، لكن كلما كانت أكمل فهو أفضل، ووجه إجزائها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل: ماذا يُتَّقى من الضحايا؟ فقال: «أَرْبَعٌ». وأشار بيده أربع (1)، وليست هذه -أعني الهتماء- من الأربع، ولا بمعنى واحدة منها، وعليه فالصواب الإجزاء، لكن كلما كانت أكمل فهي أفضل، وقبل أن نذهب بعيدًا ننظر إلى أن نُفرِّع على العرجاء، العرجاء لا تجزئ، لكن مقطوعة إحدى القوائم، أتجزئ؟
    طلبة: لا تجزئ من باب أولى.
    الشيخ: نعم، لا تجزئ من باب أولى، الزمنى تجزئ؟
    طلبة: لا تجزئ.
    الشيخ: الزمنى؟
    طلبة: من باب أولى.
    الشيخ: الزمنى التي لا تستطيع المشي إطلاقًا.
    طالب: لا تجزئ.
    الشيخ: لا تجزئ، لكن يقال فيها ما يقال في العمياء، فالذين قالوا بإجزاء العمياء -وقولهم ضعيف جدًّا- يقولون بإجزاء الزمنى؛ لأن الزمنى يؤتي إليها بعلفها، فلا يكون عليها قاصر، لكن هذا قول ضعيف، وخلاف القياس الصحيح؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ينبه بالأدنى على ما هو أعلى منه، فإذا كانت العرجاء لا تجزئ، إذا كان عرجها بينًا، فمقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين، أو الزمنى التي لا تمشي إطلاقًا من باب أولى، أما كون السهل تجزئ معه الأضحية فلأن هذا لا يسلم منه غالبًا شيء فسُمح فيه.
    (1/4101)
    ________________________________________
    قال المؤلف: (ولا الجداء) الجداء لا تجزئ أيضًا، والجداء: هي التي نشف ضرعها، يعني مع الكبر صار لا يُدر، فضرعها ناشف فلا تجزئ، وإن كان الضرع باقيًا بحجمه لم يضمر فإنها لا تجزئ.
    ولكن هذا القول مرجوح أيضًا؛ لأنه لا دليل على منع التضحية بها، وإذا لم يكن على ذلك دليل فالأصل الإجزاء، ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة أنها تُجزئ.
    (ولا المريضة) (المريضة) لا تُجزئ، ولكن هذا الإطلاق مقيد بما إذا كان المرض بيِّنًا، وبيان المرض إما بآثاره وإما بحاله؛ أما آثاره فأن تظهر على البهيمة آثار المرض من الخمول، والتعب السريع، وقلة شهوة الأكل، وما أشبه ذلك، هذا مرض بَيِّن، هذه آثار، وأما الحال فأن يكون المرض من الأمراض البينة كالطاعون وشبهه، وإن كانت نشيطة فإنها لا تُجزئ.
    ولهذا قال العلماء -علماء الحنابلة-: إن الجرب مرض، مع أن الجرب لا يؤثر تأثيرًا بَيِّنًا على البهيمة، ولا سيما إذا كان يسيرًا، لكنهم قالوا: إنه مرض بَيِّن، ثم إنه مفسد للحم فلا يجزئ.
    وعدم إجزاء المريضة بالنص والمعنى؛ النص: قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا» (1)، والمعنى: لأن اللحم لحم المريضة يُخشى على الإنسان من أكله أن يتأثر به. المبشومة، هل تجزئ أو لا؟ المبشومة تجزئ؟
    طلبة: نعم، تجزئ.
    الشيخ: هل تعرفون المبشومة، ما هي؟
    طالب: التي تأثرت بالأكل.
    الشيخ: صحيح، بعض الغنم إذا أكل التمر انبشم، انتفخ بطنه، ولم تخرج منه الريح، ولا يُعلم أنه سلم من الموت إلا إذا ثلط؛ يعني إذا تبرز، ولهذا نقول: المبشومة مرضها بَيِّن ما لم تثلط.
    من أخذها الطلق، هل مرضها بَيِّن؟
    الظاهر أنها ليست ببين؛ لأن هذا الشيء معتاد، اللهم إلا أن تصل إلى حالة خطِرة كأن تتعسر الولادة، ويُخشى من موتها، فحينئذٍ تُلحق بذات المرض البَيِّن.
    المغمى عليها، سقطت من أعلى فأُغمي عليها؟
    طالب: لو أفاقت تجزئ.
    (1/4102)
    ________________________________________
    الشيخ: إذا أفاقت لم تكن مغمى عليها، لكن ما دامت في إغمائها فإنها لا تجزئ؛ لأن مرضها بَيِّن.
    قال المؤلف: (ولا العضباء) العضباء: هى التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها، هذه هي العضباء؛ يعني: ما ذهب أكثر أذنها طولًا أو عرضًا أو قرنها كذلك فإنها لا تجزئ؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن أعضَب الأُذُن والقَرْن (4)، والنهي يقتضي الفساد وعدم الإجزاء، فإذا ضحى بعضباء -عضباء الأذن أو عضباء القرن- فإنها لا تجزئ.
    وقال بعض العلماء: إنها تجزئ، لكنها مكروهة، وهذا القول هو الصحيح؛ لأن في صحة الحديث نظرًا، والأصل عدم المنع حتى يقوم دليل على ذلك، إلا أنها تكره؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر أن نستشرف العين والأذن، وألا نضحي بالمقابلة، ولا المدابرة، ولا الخرقاء (5).
    يقول: (ولا العضباء، بل تجزئ البتراء خِلقة) أو مقطوعًا أنا عندي (خلقة) بالمتن، أو مقطوعًا بالشرح.
    تجزئ البتراء التي ليس لها ذنب، لكن الماتن قيدها بأن يكون ذلك خلقة؛ يعني خُلقت بلا ذَنب فإنها تجزئ، ومفهوم كلام الماتِن أنه لو قطع فإنها لا تجزئ قياسًا على مقطوعة الأذن، بل أوْلى من قطع الأُذن؛ لأنها تستفيد من الذيل أكثر مما تستفيد من الأذن، وإن كان لكل منهما مصلحة ومنفعة، لكن الذيل له منفعة كبيرة، فلهذا فرق بعض العلماء بين ألا يكون لها ذنب خلقة أو مقطوعًا.
    وقال: أما ما ليس لها ذنب خلقة فإنها تجزئ كما تجزئ الصمعاء -وهى صغيرة الأذن- والجماء وهي التي ليس لها قرن، فكذلك البتراء خلقة، وأما ما قطع ذنبها فلا تجزئ.
    ولكن الصحيح أنها تجزئ البتراء التي لا ذنب لها خلقةً أو مقطوعًا كالأذن تمامًا.
    فأما مقطوع الأَلْية فإنه لا يجزئ؛ لأن الألية ذات قيمة ومرادة مقصودة، وعلى هذا، فالضأن إذا قطعت أليته لا يجزئ، والمعز إذا قطع ذنبه يجزئ.
    (1/4103)
    ________________________________________
    ولكن هنا إشكال؛ وهو أن بعض أهل الخبرة يقولون: إن قطع الألية من مصلحة البهيمة؛ لأن الشحم التي يتكدس في الألية إذا لم يكن لها ألية عاد إلى الظهر، وانتفعت البهيمة به مع الخفة؛ خفة البهيمة وعدم تعرضها للتعب؛ لأن بعض البهائم -الضأن تكبر أليتها كبيرة جدًّا حتى تنفعص -كما يقول أهل الخبرة- تدمر رجلاها من ثقل هذا الشحم، ولكن ظاهر كلام الفقهاء أنها لا تجزئ مطلقًا، أعني مقطوعة الألية، وبناءً عليه نسأل عن الأسترالي، الأسترالي تعرفونه ليس له ألية مقطوعة، هل يجزئ أو لا؟
    طالب: يجزئ.
    الشيخ: كيف يجزئ؟ قررنا الآن أن مقطوع الألية لا يجزئ.
    طلبة: هذا خلقته.
    الشيخ: لا، ما هو خلقه.
    طالب: الذيل يا شيخ.
    الشيخ: هذا هو الواقع، الواقع أن الأسترالي ليس له ألية، له ذيل كذيل البقرة، ليس به يعني شيء مراد فيشبه ما قاله الفقهاء من البتراء؛ أنها تجزئ خلقة كانت أو مقطوعة، وقد شاهدنا ذلك، شاهدناه من وجهين:
    الوجه الأول: إنه أحيانًا يرد فيما يرد ما لم يُقطع ذيلها من الأستراليات، وأحيانًا يكون فيه أنثى أسترالية فينزو عليها الذكر من الضأن هنا، وتلد ولدًا ليس له ألية، وإنما له ذيل فقط، وهذا يدل على أنه ليس لها ألية خلقة، وإنما لها ذيل.
    يقول: (والجماء) أيضًا تجزئ، الجماء: هي التي لم يخلق لها قرن، لكن أيهما أفضل ذات القرن أو الجماء؟
    طالب: ذات قرن.
    الشيخ: ذات القرن، ولهذا جاء في الحديث فيمن تقدم إلى الجمعة: «فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ» (6)، ولولا أن وصف القرَن مطلوب لكان الأقرن وغيره سواء.
    قال: (والجماء) التي لم يُخلق لها قرن.
    (1/4104)
    ________________________________________
    (وخَصِيّ غير مجبوب)، الخصي: ما قُطعت خصيتاه فيجزئ مع أنه ناقص الخلقة، وحينئذٍ يُطلب الفرق بين الخصي وبين مقطوع الأذن، فإن مقطوع الأذن -كما عرفتم- على المذهب لا يجزئ، فلماذا أجزأ الخصي مع أن الخصيتين فيهما منافع كثيرة، وهو الإنجاب والفحولة في البهيمة، ولهذا تجد الفرق بين الفحل والخصي؟
    قالوا: لأن ذهاب الخصيتين من مصلحة البهيمة؛ لأنه أطيب للحم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحَّى بكبشين موجوءين (7) أي: مقطوعي الخصيتين.
    فإن قُطع الذكر مع الخصيتين، فقد قال المؤلف رحمه الله: (غير مجبوب) خصي غير مجبوب؛ أي: غير مقطوع الذكر، وذلك أن قطع الذَّكَر لا يفيد في زيادة اللحم وطيبه، وهو قطع عضو فيشبه قطع الأذن.
    والخصي بواحدة يجزئ أو لا؟
    طلبة: يجزئ من باب أولى.
    الشيخ: يجزئ من باب أولى، وعلى هذا فما قُطعت خصية واحدة منه أجزأ، وخصيتان أجزأ، ومع الذكر لا يُجزئ؛ لأنه قال: (خصي غير مجبوب).
    فإذا قال قائل: هل يمكن أن تحيا البهيمة مع الخصاء؟
    فالجواب: نعم، يمكن، وهذا كثير، لكن بشرط أن يكون المباشر لذلك من أهل الخبرة؛ لأنه قد يُباشر الخصاء من ليس من أهل الخبرة فتهلك البهيمة، لكن إذا كان من أهل الخبرة فإنها لا تموت، وسبحان الله هذا الأمر موجود من قبل أن تظهر وسائل الراحة الحديثة؛ كالبنج وشبهه، لكن بالتجارب، أما الآن فالأمر أسهل، يمكن أن تخصى البهيمة بدون أن تشعر بألم إطلاقًا.
    قال: (وخصي غير مجبوب، وما بأذنه أو قرنه قطع أقل من النصف) ما بأذنه أو قرنه قطع أقل من النصف فإنه يجزئ، لكن مع الكراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نستشرف العين والأذن، وألا نضحي بمقابلة، أو مدابرة، أو شرقاء، أو خرقاء (4).
    وقول المؤلف: (أقل من النصف) مفهوم كلامه أنه لو كان النصف فإنه لا يُجزئ.
    (1/4105)
    ________________________________________
    فإذا قال إنسان: أليس في كلامه تناقض؛ لأنه قال بالأول: (ولا العضباء) وهنا قال: (وما بأذنه أو قرنه قطع أقل من النصف)؟
    فنقول: لا تناقض في كلامه؛ لأن العضباء في كلامه الأول؛ تعني: التي قطع منها النصف فأكثر -على كلام المؤلف- وما دون النصف فإنه مجزئ، ولكن المذهب لا يرون ذلك، يرون أن النصف مجزئ، وأن الذي لا يجزئ هو إذا ذهب أكثر الأذن وأكثر القرن.
    لننظر الآن أي القولين أرجح؟ نقول: نحن رجحنا في الأول أن العضباء مجزئة، لكن على القول بأنها لا تجزئ، أيما أرجح قول من يقول: إن ما ذهب نصف قرنها أو نصف أذنها غير مجزئة، أو قول من قال: إنها مجزئة؟
    نقول: ننظر للأصل، ما الأصل هل هو الإجزاء أو عدمه؟ الإجزاء، وما هو الحكم؟ هل هو للأغلب أو للأقل؟
    طلبة: للأغلب.
    الشيخ: للأغلب، فإذا كان أكثر الأذن موجودًا فإنه لا يمنع من الإجزاء، وإذا كان أكثر الأُذن معدومًا فإنه يمنع من الإجزاء، وهذا لا إشكال فيه.
    بقينا إذا كان النصف ذاهبًا والنصف الثاني باقيًا، فهنا تعارض أمران؛ إن نظرنا إلى وصفها بالعضباء قلنا: لا يصح؛ لأنه لم يذهب أكثر الأذن أو القرن، وإن نظرنا إلى السلامة قلنا: لن تسلم؛ لأن السلامة لا بد أن يكون الأكثر هو السليم، فتعارض أصلان، لكن نقول: أحد الأصلين مؤيد بأصل، وهو أن الأصل الإجزاء حتى يقوم دليل على عدم الإجزاء، فيكون الصحيح خلاف ما ذهب إليه المؤلف في هذه المسألة.
    وتبين الآن أن المؤلف -رحمه الله- خالف المذهب في مسألتين: المسألة الأولى: البتراء التي قُطع ذنبها، فالمذهب تجزئ، وعلى رأي المؤلف: لا تجزئ، المسألة الثانية: العضباء بالنصف على المذهب تجزئ، وعلى كلام المؤلف: لا تُجزئ.
    (وما بأذنها أو قرنها قطع أقل من النصف) ثم قال: (والسنة نحر الإبل) وعلى كل حال الآن ينبغي أن نقسم العيوب إلى ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: ما دلت السنة على عدم إجزائها، وهي أيش؟
    طالب: أربعة.
    (1/4106)
    ________________________________________
    الشيخ: أربعة: العوراء البَيِّن عورها، والمريضة البَيِّن مرضها، والعرجاء البَيِّن ظلعها، والعجفاء التي لا تُنقِي.
    هذه أربع منصوص على عدم إجزائها، ويُقاس عليها ما كان مثلها أو أوْلَى منها، أما ما كان مثلها فإنه يقاس عليها قياس مساواة، وأما ما كان أوْلى منها فيقاس عليها قياس أولوية.
    القسم الثاني: ما ورد النهي عنه دون عدم الإجزاء؛ وهو ما في أذنه أو قرنه، بل ما في أذنه أخص ما يكون الأذن عيب من خرق، أو شق طولًا، أو شق عرضًا، أو قطع يسير دون النصف، هذه ورد النهي عنها في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن هذا النهي يُحمل على أيش؟
    طلبة: الكراهة.
    الشيخ: يُحمل على الكراهة لوجود الحديث الحاصر لعدم المجزئ بأربعة.
    القسم الثالث: عيوب لم يرد النهي عنها، لكنها تنافي كمال السلامة، فهذه لا أثر لها، ولا تكره التضحية بها ولا تحرم، وإن كانت قد تُعد عند الناس عيبًا، مثل: العوراء التي عورها غير بَيِّن، ومثل مكسورة السِّن في غير الثنايا، وما أشبه ذلك، ومثل العرجاء عرجًا يسيرًا، كل هذه عيوب، لكنها لا تمنع الإجزاء، ولا تُوجب الكراهة لعدم وجود الدليل والأصل البراءة.
    ولكن ما رأيكم فيما لو فُقدت جميع أسنانها العليا، أتجزئ أم لا؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: جميع الأسنان العليا مفقودة، ما هو بس الثنايا فقط، ما تقول؟ الأخ سؤال خاص.
    طالب: تجزئ مع الكراهة.
    الشيخ: أقول: جميع أسنانها العليا مفقودة، طبعًا إلا الأضراس، لكن الثنايا والرباعيات كلها مفقودة، تجزئ؟ الثنايا من الأسفل لا تجزئ، ومن أعلى تجزئ؟ ما تقول؟
    طالب: تجزئ.
    الشيخ: لماذا تجزئ؟
    الطالب: لأن طحن الطعام يكون أشد بالأسفل.
    الشيخ: لأن طحن الطعام في الأسفل أكثر، الظاهر أن هذا تعليل عليل يعني!
    طالب: ما لها أسنان.
    الشيخ: ما لها أسنان، لها أضراس وليس لها.
    الطالب: أسنان.
    الشيخ: ولا أضراس.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: اللي فوق.
    الطالب: ( ... ).
    (1/4107)
    ________________________________________
    الشيخ: معروف أنها ما لها أضراس فوق.
    طالب: لها أضراس بس ما لها ثنايا.
    الشيخ: لها أضراس وليس لها ثنايا ولا رباعيات، وهذه مسألة يمكن يلغز بها، أما الأخ فعلَّل تعليلًا جيدًا لو كان مصيبًا، يقول: لأن طحن الطعام في الأسفل أقوى، لكن أصلًا ما لها شيء.
    وأنا قد أجبت بجواب الأخ أنها لا تجزئ حينما سألنا شيخنا -رحمه الله- عبد الرحمن السعدي فقلت له: إنها لا تجزئ بناءً على أن ما سقطت ثناياه فإنه لا يجزئ، فقلت: لا فرق بين الثنايا العليا والسفلى، لكني أخطأت في أن لها ثنايا، لو كان لها ثنايا لكان لها فرق، لكن ليس لها ثنايا.
    طالب: ما وضحت.
    الشيخ: ما وضحت؟
    الطالب: ما وضحت.
    الشيخ: ليس لها أسنان، لها أضراس، وليس لها أسنان، كيف تقول: ما وضحت؟
    الطالب: شيخ، تقول: أسنان والأضراس والثنايا، ما هي الأسنان، وما هي الأضراس، وما هي الثنايا؟
    الشيخ: إي: قل ما تعرفه.
    الطالب: الثنايا هي المقدمة.
    الشيخ: السنتان المتجانبتان هذه ثنايا.
    الطالب: في المقدمة هذه.
    الشيخ: وما وراءها رباعيات، أربعة وأربعة، البهائم ما لها رباعيات؛ يعني بهيمة الأنعام؛ الإبل، والبقر، والغنم ما لها رباعيات، ولا لها ثنايا إلا من أسفل، أما من أعلى فلها أضراس، وكذلك من أسفل، الآن لو فريت فم البعير أو البقرة أو الضأن والمعز لم تجد ثنايا، ولا رباعيات فوق، لكن تجد في شفة البعير شقًّا في الشفة العليا، لماذا؟ لأنها تمسك الشجرة وتدخلها بهذا الشق، ثم تجلب الورق تسرد السرد في هذا الشق.
    طالب: قلنا في تعليلنا عن عدم الإجزاء في مقطوعة اليد إنها مرغوبة، وأنها تطلب.
    الشيخ: أنها أيش؟
    الطالب: أنها مرغوبة في البهيمة.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: قلنا: إن المذهب ما تجزئ، ذكرنا أن المذهب لا تجزئ.
    الطالب: والراجح؟
    الشيخ: والله أنا أتوقف فيها.
    (1/4108)
    ________________________________________
    طالب: عفا الله عنك يا شيخ، ذكرتم أن الأصل الإجزاء؛ ولذلك كانت، فلما كان ذهب نصف أذنها أو أقل لما يعني كان الأصل الإجزاء، لما ما يقال مثلًا: أن الأصل في كل عيب يعني صغيرًا أو كبيرًا عدم الإجزاء؟
    الشيخ: ما دام الرسول قال: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ» (1)، وسئل: ماذا يتقى؟ قال: «أَرْبَعٌ» (8)، صار ما عدا ذلك؛ فالأصل فيه الإجزاء.
    طالب: قلنا: يا شيخ الراجح في قطع الأذن ( ... )، والمجبوب لا يجزئه هذا، قطع الأذن يجزئ ( ... ) للحديث، والمجبوب ليس أيضًا، ولا يصلح.
    الشيخ: المجبوب يقولون: لأن هذا قطع عضو مهم جدًّا؛ لأنه هو آلة التناسل، الذَّكَر آلة التناسل، فكان قطعه مؤثرًا في البهيمة بخلاف الأذن.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: صحيح، ما تجزئ، لكن يقال: إذا كانت العرجاء البين ضلعها، والمريضة، وما أشبه ذلك هذه من جنسها، أو العوراء البين عورها.
    الطالب: يعني تقاس ( ... ).
    الشيخ: إي نعم، لا، هو ما ذكر في الحديث.
    طالب: يحدث تناسل إذا كان مجبوبًا يحدث تناسق إذا كان في الخصي.
    الشيخ: أحيانًا وهو نادر، لكن الخصى يفتر، ويقلل الرغبة في النكاح.
    طالب: أحسن الله إليك، ذكرتم فيما سبق في أن الأضحية في الإبل أفضل؛ لأنها أكثر نفعًا للإنسان.
    الشيخ: إذا أخرج كاملة.
    الطالب: إذا أخرج كاملة، ما الجواب عن أضحية النبي عليه الصلاة والسلام بكبشين؟
    الشيخ: أيش؟
    الطالب: النبي عليه الصلاة والسلام ضحى بكبشين (9) ولم يضحِّ بالإبل، أقول: ما الجواب عن هذا مع أننا في العقيقة قلنا: إن الشاة أفضل من الإبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم؟
    (1/4109)
    ________________________________________
    الشيخ: لا، الفرق بينهما ظاهر؛ ضحى بكبشين النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يضحِّ ببعير، وهذه قضية عين، ما ندري ويش السبب، وأما العقيقة فقال: «عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ» (10)، نص على ذلك، على أن في النفس شيئًا في كون البعير أفضل من الشاة حتى في الأضحية، في الهدي ثبت أن الرسول أهدى إبلًا وأهدى غنمًا، والإبل أفضل يعني أنفع للفقراء، ولهذا أمر علي بن أبي طالب أن يتصدق بلحمها (11)، لكن في الأضحية متردد، يعني قد يكون الإنسان مترددًا في ذلك؛ لأن يحتمل أن الرسول ترك الأضحية بالبعير؛ يعني لعدم كثرة المال في يده، ولهذا مات ودرعه مرهونة (12)، ويحتمل أنه ترك ذلك تشريعًا للأمة، أما العقيقة فواضح لأنه أَمَر: عن الغلام شاتان.
    طالب: ذكرنا أن من بها قطع يسير في الأذن تجزئ مع الكراهة.
    الشيخ: أيش؟
    الطالب: ما بها قطع يسير في الأذن أقل من النصف تجزئ مع الكراهة، وأن النهي للكراهة بدليل الحصر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ» (1)، وكنا ذكرنا قبل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا يذكر الحصر، ولا يراد به حصر.
    الشيخ: لا، هذا يُراد به الحصر؛ لأنه قال: سئل ماذا يُتَّقى من الضحايا؟ فقال: «أَرْبَعٌ».
    طالب: بالنسبة في الإبل والبقر هذا يراعى فيه -يا شيخ- الذكر والأنثى؟
    الشيخ: أيش؟
    الطالب: هل يراعى الذكر والأنثى يجب أن يكون الإبل ذكرًا، أو ماذا يسن فيه؟
    الشيخ: قال العلماء: الأفضل في الأضحية، كلما كان أكبر وأسمن وأبهى وأحسن لونًا وجمالًا فهو أفضل ( ... ).
    ***
    طالب: وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    قال المصنف رحمه الله تعالى: والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، ويذبح غيرها، ويجوز عكسها، ويقول: باسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، ويتولاها صاحبها أو يوكل مسلمًا ويشهدها.
    (1/4110)
    ________________________________________
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    تقدم لنا أن من شروط الأضاحي: أن تكون البهيمة سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء، وأن العيوب التي تمنع من الإجزاء هي التي جاءت في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وهي أربعة فقط، وما كان مثلها أو أولى منها فإنه يحكم له بحكمها، كالعمياء مثلًَا؛ فإنها أوْلى بعدم الإجزاء من العوراء، وكمقطوعة اليد أو الرجل فإنها أوْلى بعدم الإجزاء من العرجاء البَيِّن ظلعها، وكذلك العجفاء التي لا تُنقِي، وكذلك المريضة البين المرض، وما عدا ذلك فإنه إن كان عيبًا نُص على النهي عنه فهو مكروه، وإن كان فوات كمال فغيره أفضل منه، ولا كراهة فيه.
    ثم قال المؤلف رحمه الله: (والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى)
    هذه السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، ويدل لهذا قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] وجبت يعني سقطت على الأرض، وتكون اليسرى هي المعقولة؛ لأن الذابح سوف يأتيها من الجهة اليمنى، وسيمسك الحربة بيده اليمنى، ولو عقلت اليد اليمنى لضربت الناحر بركبتها إذا أحست تضربه بركبتها، ويكون عليه خطر، لكن إذا كان المعقول هو اليسرى واليمنى قائمة فإنها لا تستطيع أن تتحرك باليد اليمنى، ولذلك نقول: يأتيها من الجانب الأيمن، وتكون اليد اليسرى معقولة، فإذا نحرها فهي سوف تسقط على أي الجنبين؟
    طلبة: الأيسر.
    الشيخ: على الجنب الأيسر الذي به اليد معقولة، هذا هو السنة، ولكن إذا كان الإنسان لا يستطيع ذلك كما هو المعروف عندنا الآن في بلادنا هذه لا يعرفون هذه الطريقة، ولو أنهم فعلوا هذه الطريقة ما استطاعوا، ولكنهم يبركونها ويعقلون يديها ورجليها، ويلوون رقبتها، ويشدونها بحبل على ظهرها، ثم ينحرونها.
    (1/4111)
    ________________________________________
    فنقول: إذا لم يستطع الإنسان أن يفعل السنة، وخاف على نفسه أو على البهيمة أن تموت حرجًا فإنه لا حرج أن يعقلها، وأن ينحرها باركةً.
    فيقول المؤلف في كيفية النحر: (فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر).
    (يطعنها بالحربة) يعني على سبيل التمثيل، وإلا بالحربة، بالسكين، بالسيف، بأي شيء، المهم أن ينهر الدم، يجرح وينهر الدم.
    ويقول: (في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر) وهي قريبة أن تكون بين يديها، وهي معروفة، فإذا طعنها جرَّها من أجل أن يقطع الحلقوم والمريء، وفي هذه الحال ..
    قال: (والسنة أن يذبح غيرها) أي: غير الإبل، والذبح يكون في أعلى الرقبة لا في أسفلها، والنحر يكون في أسفلها، ولهذا تموت الإبل أسرع من موت الضأن والماعز والبقر؛ وذلك لأن النحر قريب من القلب فيتفجر الدم من القلب بسرعة، ولو أنها ذُبحت الإبل من عند الرأس لكان يعني تتألم من الذبح؛ لأن الدم سيكون مجراه ما بين القلب إلى محل الذبح سيكون بعيدًا، فيتأخر موتها، فكان من الحكمة أن تنحر، ويخرج الدم بسرعة، ثم تموت بسرعة، أما غيرها فإنها تُذبح من عند الرأس.
    (ويجوز عكسها) طيب (يذبح غيرها) يعني والسنة أن يذبح غيرها. هنا نقول: يذبحُ أو يذبحَ؟
    طلبة: يذبحَ.
    الشيخ: يذبحَ، ليش؟
    طالب: معطوفة.
    الشيخ: على أيش؟
    الطالب: ينحر.
    الشيخ: ما فيها ينحر.
    طالب: على ما يذبح.
    الشيخ: ما عندنا نحر؟
    الطالب: تكون ( ... ).
    الشيخ: على النحر؟
    الطالب: على نحر.
    الشيخ: ليش؟
    الطالب: لأنه ليس مستعملًا.
    الشيخ: إي نعم؛ لأنه مصدر، فإذا عُطف عليه الفعل المضارع فإنه ينصب بـ (أن) مضمرة ليكون عطف مصدر على مصدر.
    (فالسنة نحر الإبل ويذبح غيرها)؛ يعني وذبح غيرها، ومنه:
    وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي
    أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ

    وتقرَّ عيني.
    (1/4112)
    ________________________________________
    إذن نقول في كلام المؤلف: (ويذبحَ غيرها) ويكون على الجنب الأيسر؛ لأنه أيسر للذابح؛ إذ إن الذابح سوف يذبح باليد اليمنى، فيضجعها على الجنب الأيسر، ثم يضع رجله على رقبتها، ثم يمسك برأسها، ويذبح، هذا هو السُّنة.
    ولكن إذا كان الرجل لا يعمل باليد اليمنى، وهو الذي يسمى أعسر؛ فإنه يضجعها على الجنب الأيمن؛ لأن ذلك أسهل له، ثم إن الأفضل أن تبقى قوائمها مطلقة؛ يعني اليدين والرجلين الأفضل أن تبقى مطلقة، لا تقيد ولا يمسك بها؛ وذلك لوجهين:
    الوجه الأول: أنه أريح للبهيمة؛ أن تكون طليقة تتحرك، والثاني: أنه أشد في إفراط الدم من البدن؛ لأنه مع الحركة يخرج الدم كله، ومعلوم أن تفريغ الدم أطيب للحم، ومن ثم صارت الميتة حرامًا؛ لأن الدم يحتقن بها فيفسد اللحم، وكلما تفرَّغ اللحم من الدم فهو أحسن وأكمل.
    ويقول المؤلف: (ويقول: باسم الله) وجوبًا (والله أكبر) استحبابًا.
    يقول: (باسم الله) وجوبًا؛ لأن من شرط حِلّ الذبيحة أو النحيرة التسمية، وأما (الله أكبر) فهي تُقال: استحبابًا، وكان أحد الخطباء يخطب يوم العيد ويقول: السُّنة أن يقول عند الذبح باسم الله وجوبًا، والله أكبر استحبابًا، فذهب العامة، وصار الواحد منهم إذا ذبح يقول: باسم الله وجوبًا، والله أكبر استحبابًا، ظن أن هذا هو المشروع، ولهذا ينبغي للخطيب أن يكون عنده انتباه؛ لأن العامة ليسوا كطلبة العلم، يقول: باسم الله والله أكبر، أما باسم الله فواجبة، وأما الله أكبر فمستحبة حتى لا يختلط الأمر على الناس.
    (1/4113)
    ________________________________________
    يقول: (باسم الله) وجوبًا، والتسمية على الذبيحة شرْط من شروط صحة التذكية، ولا تسقط لا عمدًا ولا سهوًا ولا جهلًا، وذلك؛ لأنها من الشروط، والشروط لا تسقط عمدًا ولا سهوًا ولا جهلًا؛ ولأن الله قال: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]، فقال: {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ولم يُقيِّد ذلك بما إذا ترك اسم الله عليه عمدًا.
    وهنا يلتبس على بعض الناس فيقول: أليس الله قد قال: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]؟ فنقول: بلى، قال الله ذلك، وعلى العين والرأس، ولكن هنا فعلان: الفعل الأول: فعل الذابِح، والثاني: فعل الأكل، وكل واحدٍ منهما يتميز عن الآخر، ولا يلحق هذا حكم هذا، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن سألوه عن قوم حديثي عهد بكفر يأتون باللحم ولا يُدرى أُذكر اسم الله عليه أم لا، قال: «سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا» (13). لأن الإنسان مطالب بتصحيح فعله لا بتصحيح فعل غيره، فإن الفعل إذا وقع من أهله فالأصل السلامة والصحة.
    نقول: على العين والرأس {لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}. فإذا أكلنا نسيانًا أو جهلًا، فليس علينا شيء {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، لكن عمدًا ونحن نعرف أن هذه الذبيحة لم يُسمَّ عليها لا يجوز.
    بقينا في فعل الذابح، إذا نسي التسمية، فقد قال الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.
    فإذا قال قائل: كيف تؤاخذونه وقد نسي؟
    قلنا: لا نؤاخذه، نقول: الآن ليس عليك إثم في عدم التسمية، ولو تعمدت ترْك التسمية لكنت آثمًا لما في ذلك من إضاعة المال وإفساده، أما الآن فلا شيء عليك؛ لأنك ناسٍ.
    ويظهر ذلك بالمثال الْمُناظِر تمامًا لهذا، أو النظير لهذا تمامًا، لو صلى الإنسان وهو محدِث ناسيًا، فهل عليه إثم؟
    (1/4114)
    ________________________________________
    طلبة: لا، ليس عليه.
    الشيخ: وصلاته؟
    الطلبة: باطلة.
    الشيخ: باطلة، يجب أن تعاد؛ لأن الطهارة من الحدث شرط، وإذا كان من الحدث شرط، فإنها لا تسقط بالنسيان، ولكن يُعذر الفاعل بعدم الإثم، وهذا واضح.
    وهذه المسألة -أعني التسمية على الذبيحة أو على الصيد- اختلف فيها العلماء؛ فمنهم من يرى أن التسمية لا تجب لا على الصيد ولا على الذبيحة، وإنما هي سنة، واستدلوا بحديث موضوع: «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا» (14) وهذا حديث لا يصح.
    وقال بعض العلماء: التسمية واجبة، وتسقط بالنسيان والجهل في الذبيحة والصيد؛ هذان قولان.
    والقول الثالث: التسمية شرْط في الذبيحة والصيد، وتسقط سهوًا في الذبيحة، ولا تسقط في الصيد، وهذا هو المشهور عند فقهاء الحنابلة؛ أنه إذا ترك التسمية في الصيد ولو سهوًا فالصيد حرام، وإن ترك التسمية سهوًا في الذبيحة فهي حلال، أيش الدليل؟
    قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعدي بن حاتم وأبي ثعلبة الخشني، قال في إرسال السهم: «إِذَا أَرْسَلْتَ سَهْمَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» (15) فجعل لحل الأكل شرطين: القصد، وهو إرسال السهم، والثاني: التسمية، فنقول: وقد قال أيضًا في الذبيحة: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» (16). فاشترط شرطين: إنهار الدم، والثاني: التسمية، ولا فرق.
    ثم نقول: إذا كنا نعذره بالنسيان على الذبيحة، فعلى الصيد من باب أوْلى؛ لأن الصيد يأتي بغتة، ويأتي بعجلة وسرعة، وأهل الصيود يذهلون إذا رأوا الصيد، يذهل حتى إنه أحيانًا يركب وراه ربما يسقط في حفرة أو يضربه يعني نخلة أو شجرة، وهو لا يشعر يمشي وكأنه يعني سكران من شدة شفقته على الصيد، مثل هذا أحق بالعُذر من إنسان أتى بالبهيمة بتأنٍّ، وأضجعها ونسي أن يقول: باسم الله.
    (1/4115)
    ________________________________________
    القول الرابع: أن التسمية شرط في الذبيحة، وفي الصيد، ولا تسقط بالنسيان والجهل، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الذي تدل عليه الأدلة.
    فإن قال قائل: أرأيتم لو نسي أن يسمي على بعير قيمتها خمسة آلاف ريال، وقلنا: لا تحل، كم ضاع عليه؟
    الطلبة: خمسة آلاف.
    الشيخ: نعم، خمسة آلاف ريال، وهذا من جملة ما يقدر عن الإنسان أن يضيع عليه.
    فإن قال قائل: وبهذا تتلفون أموال الناس؟
    قلنا: هذا التقدير كقول من قال: إذا قطعتم يد السارق أصبح نصف الشعب أشل ما عنده يد، مع أننا إذا قطعنا يد السارق قَلَّت السرقة، لم يسرق أحد، كذلك إذا قلنا لهذا الرجل الذي نسي أن يسمي على الذبيحة: ذبيحتك حرام، إذا جاء يذبح مرة ثانية يمكن يسمي عشر مرات، ما ينسى أبدًا؛ لأنه قد اكتوى بنار النسيان، فلن ينسى أبدًا، وبهذا نحمي هذه الشعيرة، وأنه لا بد من ذِكر اسم الله على المذبوح.
    بقي علينا لا بأس أن نعرض لشروط الذكاة.
    الذكاة من شرطها التسمية، التسمية متى؟ عند إرادة الفعل التسمية، وليس عند شحذ الشفرة -يعني السكين- وليس عند وضع السهم في القوس، وليس عند وضع السطن في البندق، لا، عند الفعل ولهذا جاءت (على) {اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] إشارة إلى أن هذا الفعل هو الذي لا بد أن تكون التسمية عليه.
    الثاني: إنهار الدم؛ يعني تفجيره حتى يكون كالنهر؛ يعني يندفع بشدة، وهذا لا يتحقق إلا بقطع الودجين، وهو الذي يعرف عند الناس بأيش؟ بالشرايين أو بالشريان، بعضهم يسميها الأوراد، أوراد الشاة، وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم، معروفان، لا يمكن إنهار تام إلا بهذا، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ» (16)، ولم يتعرض لذكر الحلقوم والمريء.
    (1/4116)
    ________________________________________
    ولهذا كانالقول الصحيح أنه إذا قطع الودجان حلَّت الذبيحة، وإن لم يقطع الحلقوم والمريء؛ لأنه لا دليل على اشتراط قطع الحلقوم والمريء، بينما قطع الودجين فيه، الدليل: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ»، وفي حديث أخرجه أبو داود لكن في سنده مقال أن الرسول نهى عن شريطة الشيطان (17)، وهي التي تُذبح ولا تُفرى أوداجها، وهذا نص في الموضوع.
    وفي الرقبة أربعة أشياء إذا قُطعت كلها، فهذا تمام الذبح؛ الودجان، والحلقوم: وهو مجرى النفس، والمريء: وهو مجرى الطعام والشراب؛ الحلقوم: مجرى النفس، ولهذا يكون دائمًا مفتوحًا لتسهيل النفس، وجعله الله عز وجل عظامًا لينة لتسهل الحركة؛ حركة الرقبة، وجعلها سبحانه وتعالى أشقطة مثل: الياي، كذلك لتسهل، ولهذا ترفع رأسك وتنزله، ولا تجد كلفًا، هذا الحلقوم هو مجرى النفس.
    المريء: مِن ورائه؛ يعني بينه وبين الرقبة، هذا مجرى الطعام والشراب، وليس كالحلقوم مفتوحًا، بل إن استأذن أحد فتح الباب له، وإن لم يستأذن فالباب مغلق، هذا المريء.
    قطْع الأربعة، هذا هو الأكمل، فإن قطع واحدًا لم يُجزئه، وإن قطع اثنين الحلقوم، والمريء أجزأ على ما ذهب إليه الفقهاء والحنابلة -رحمهم الله- قالوا: يُجزئ إذا قطع الحلقوم والمريء، وإن لم يقطع الودجين ولا واحدًا منهما يجزئ، ومن المعلوم أنه لو قطع الحلقوم والمرئ ولم يقطع الودجين فإن الدم سوف يكون باقيًا ما يخرج؛ لأن الدم اللي يخرج من الحلقوم والمريء سيكون ضعيفًا جدًّا كما يخرج من أي عرق يكون في اليد أو في الرجل أو ما أشبه ذلك.
    والقول الثالث: لا بد من قطع ثلاثة من أربعة.
    والقول الرابع: لا بد من قطع الودجين، هما أهم شيء، وهذا القول هو الذي تدل عليه الأدلة.
    لا بد أيضًا أن يكون الذابح عاقلًا، فإن كان مجنونًا فإنه لا تصح تذكيته، ولو سمى؛ لأنه لا قصد له، ليس له قصد.
    (1/4117)
    ________________________________________
    ومن شروطها: أن يكون مسلمًا أو كتابيًّا، المسلم ظاهر، والكتابي؛ لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، قال ابن عباس رضي الله عنهما طعامهم: ذبائحهم (18)، وهذا متواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام، كان يأكل مما ذبحه اليهود.
    واختلف العلماء: هل يشترط في هذا أن يكون كذبح المسلمين؟ أو نقول: ما عدوه ذبحًا وتذكية فهو ذكاة، وإن لم يكن على طريق المسلمين؟
    في هذا قولان؛ أحدهما -وهو قول الجمهور-: أنه لا بد أن ينهر الدم -أعني ذبح الكتابي- كما أنه لا بد أن ينهر الدم في ذبح المسلم، وهذا قول جمهور العلماء.
    وذهب بعض العلماء -وهو وجه في مذهب مالك- إلى أن ما عدوه ذكاة فهو ذكاة، وإن كان بالخنق؛ لعموم قول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وهذا طعامٌ عندهم فيكون حلالًا.
    ولكنا نقول: في الرد على هذا كلمة {طَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} مطلق يقيد بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» (16). فإذا كان إنهار الدم شرطًا في ذبيحة المسلم، وهو خير من اليهودي والنصراني فكونه شرطًا في ذبيحة اليهودي والنصراني من باب أوْلى، وهذا هو الحق.
    ولكن هل يجب علينا أن نعلم أن الكتابي ذبحه على هذا الوجه؟ لا، لا يُشترط.
    هل يجب أن نعلم أنه سمَّى عليه؟ لا، والدليل على هذا ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن قومًا سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول الله، إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم الله؟ قال: «سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا». قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر (13)، وحديث العهد بالكفر يُشك في كونه يسمي؛ لأنه لم يعرف أحكام الاسلام، ومع ذلك قال: «سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا». سموا على الذبح ولا على الأكل؟
    طلبة: على الأكل.
    (1/4118)
    ________________________________________
    الشيخ: أو على الذبح؟ الذبح لا يمكن، انتهى كأنه قال: الإنسان لا يُسأل إلا عن فعل نفسه، وفعلكم أنتم هو الأكل؛ فسمُّوا عليه، أما فعل غيركم، فليس عليكم منه شيء.
    وقد ترجم المجد بن تيمية -رحمه الله- على هذا الحديث بأن الفعل إذا صدر من أهله فالأصل فيه الصحة والسلامة، ولو أننا كُلفنا أن نبحث عن كيفية الذبح، وهل سمى الذابح أم لا؟ للحقنا في ذلك حرج شديد لا يحتمل حتى المسلم يمكن أنه لم يسمِّ، حتى المسلم يمكن أنه خنق، كل شيء محتمل، لكن الأصل في الفعل الواقع من أهله أنه على السلامة، وبهذا يستريح الإنسان، ويَسلم من القلق الذي يحصل فيما لو ذبح الكتابي اليهودي أو النصراني ذبيحة وأهدى له، نقول: الحمد لله على التيسير {طَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}.
    وقد أخبرني بعض الإخوة اللي في أمريكا أنهم الآن رجعوا إلى الشرط الاسلامي؛ وهو إنهار الدم، لكن كيف؟ يقول: إنهم يشقون الودج، ثم يدخلون آلة مع الودج الثاني، وينفخونها بشدة من أجل أن يخرج الدم مندفعًا بشدة من الودج الأول الذي فروه؛ يعني أنهم أشد منا، يتعجلون أن يخرج الدم؛ لأنه إذا جاءه ما يدفعه من أحد الودجين اندفع من الآخر، لكن نحن -ولله الحمد- لا يكلفنا الله عز وجل مثل هذا، ذبحنا يسير، أمر السكين على الودجين وهذا كافٍ.
    (1/4119)
    ________________________________________
    ومن الشروط أيضًا -شروط الذكاة-: ألا يكون الحيوان محرمًا لحق الله، كالصيد في الحرم، أو الصيد في الإحرام، فلو ذبح الإنسان صيدًا، أو صاد صيدًا في الحرم فإنه حرام حتى لو سمى وأنهر الدم؛ لأنه محرمٌ لحق الله، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للصعب بن جثامة قال: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» (19)، وهذا يتبين بالتعبير القرآني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، ولم يقل: لا تصيدوا الصيد، فدل هذا على أن صيد الصيد والإنسان مُحرِم، ويش يعتبر؟ يعتبر قتلًا لا صيدًا، والقتل لا تحل به المقتولة.
    فإن كان مُحرَّمًا لحق الغير كالمغصوب مثلًا، فهل يكون كالمحرَّم لحق الله ويحرم أو لا يحرم؟
    الصحيح أنه لا يحرم، وهو المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله، وفرقوا بينهما بأن الغير حقه يمكن ضمانه، ويمكن إرضاؤه، ويمكن أن يسمح بخلاف حق الله عز وجل، هكذا فرقوا بينهما.
    وفيه وجه آخر أو رواية أخرى في المذهب: على أن المحرَّم لحق الغير كالمحرم لحق الله، لا تصح تذكيته، فلو رأينا مثلًا من بعد التعديل والتوجيه أن نقول لمن غصب شاة وذبحها: إن الشاة لا يحل لك أكلها ولا غيرك، وعليك ضمانها، لو رأينا أن هذا من باب التعذير لحرمانه هذا المال الذي تعجله على وجه محرم لكان هذا متوجهًا.
    هل يشترط أن يكون الذبح في وقت يحل فيه الذبح بالنسبة للأضاحي؟
    طلبة: لا يشترط.
    الشيخ: تأنوا.
    طالب: ما تكون فيه ( ... ).
    الشيخ: لا، هو لا يشترط لحل الذبيحة، لكن اللي يشترط لوقوعها أضحية أما لحل الذبيحة فتحل، ولو كانت كذلك.
    نرجع الآن إلى كلام المؤلف يقول: (باسم الله) وجوبًا (والله أكبر) استحبابًا.
    لو قال باسم الرحمن، باسم فاطر السماوات والأرض، باسم الخلاق العليم، هل يقوم مقام باسم الله؟
    (1/4120)
    ________________________________________
    قال بعض أهل العلم: يقوم إذا أضاف الاسم إلى ما لا يصح إلا لله، فهو كما لو أضافه إلى لفظ الجلالة، ولا فرق؛ لأنه يصدق عليه أنه ذكر اسم الله، لو قال: باسم الرؤوف الرحيم، يجزئ أو لا؟
    طلبة: لا يُجزئ.
    الشيخ: ليش؟
    الطلبة: لأنه ( ... ).
    الشيخ: لأن هذا الوصف يصدق لغير الله، قال الله تعالى في وصف النبي: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، لو قال: باسمك اللَّهُم أذبح هذه الذبيحة، يجزئ ولَّا لا؟ يجزئ نعم؛ لأن هذا مثل قوله: باسم الله.
    لم يذكر المؤلف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ( ... ).
    طالب: لكن من المعروف الآن يا شيخ أن النصارى -لعنهم الله- لا يذكرون اسم الله، بل يذكرون اسم غير الله، يقولون باسم الصليب القوي أو باسم الآب، فهل يعني ( ... )؟
    الشيخ: لا، الأصل يحل حتى نعلم أنهم ذكروا اسم غير الله.
    طالب: شيخ -بارك الله فيكم- لو ذكر قال: باسم الرؤوف الرحيم، لكن نيته الله سبحانه وتعالى.
    الشيخ: نعم، فالأعمال بالنيات، لكن ذِكر الرأفة والرحمة هنا لا تناسب، ولهذا قالوا: لا ينبغي أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم في هذا المقام.
    هل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام؟
    طالب: لا، بدعة.
    الشيخ: لا يصلي على النبي، أولًا: لأنه لم يرد، والتعبد لله بما لم يرد بدعة، والثاني: أنه قد يتخذ وسيلة فيما بعد إلى أن يذكر اسم الرسول على الذبيحة؛ فلهذا كره العلماء أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم على الذبيحة.
    طالب: هل يمكن أكل الذبيحة التي تصعق أولًا بالكهرباء، ثم تذبح؟ هذا يعني نحن نقصد إذا لا يشترون بعض الناس لا يستطيعون أن يكون عندهم لحم، لا يستطيع أن يشتري لحمًا من السوق مثلًا، ماذا يمكن أن نفعل؟
    الشيخ: فهمتم السؤال؟ يقول: لو كانت تصعق البهيمة أولًا، ثم تنحر، أوتذبح ثانيًا، هل يجزئ أو لا؟
    الطالب: يصعق بالكهرباء؟
    (1/4121)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم، بالكهرباء، إذا أدركها وفيها حياة حلَّت، وعلامة الحياة أنه إذا ذبح انبعث منها الدم، ودليل هذا قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} في النهاية {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3].
    ويقولُ " باسمِ اللهِ واللهُ أَكْبَرُ، اللهمَّ هذا منكَ ولكَ " يَتَوَلَّاهَا صاحبُها أو يُوَكِّلُ مُسْلِمًا ويَشْهَدُها، ووَقْتُ الذبحِ بعدَ صلاةِ العيدِ أو قَدْرُه إلى يومينِ بعدَه، ويُكْرَهُ في ليلتِهما، فإنْ فاتَ قَضَى واجِبَه.
    (فصلٌ) ويَتَعَيَّنَانِ بقَولِه: " هذا هَدْيٌ أو أُضْحِيَةٌ " لا بالنِّيَّةِ، وإذا تَعَيَّنَتْ لم يَجُزْ بَيْعُها ولا هِبَتُها إلا أن يُبْدِلَها بِخَيْرٍ منها، ويَجُزُّ صُوفَها ونحوَه إن كان أَنْفَعَ لها ويَتَصَدَّقُ به، ولا يُعْطِي جَازِرَها أُجْرَتَه منها، ولا يَبيعُ جِلْدَها ولا شيئًا منها بل يَنْتَفِعُ به، وإن تَعَيَّبَت ذَبَحَها وأَجْزَأَتْه إلا أن تكونَ واجبةً في ذِمَّتِه قبلَ التعيينِ.
    و(الْأُضْحِيَةُ) سُنَّةٌ، وذَبْحُها أَفضلُ من الصدَقَةِ بثَمَنِها، وسُنَّ أن يَأْكُلَ ويُهْدِيَ ويَتَصَدَّقَ أَثلاثًا
    الشيخ: يقول: لو كانت تُصْعَق البهيمة أولًا، ثم تُنْحَر أو تُذْبَح ثانيًا هل يجزئ أو لا؟
    طالب: تُصْعَق بالكهرباء؟
    الشيخ: نعم بالكهرباء، إذا أدركها وفيها حياة حَلَّت.
    (1/4122)
    ________________________________________
    وعلامة الحياة أنه إذا ذبح انبعث منها الدم؛ ودليل هذا قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} في النهاية {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وهذه كالمنخنقة تمامًا؛ فإذا ذُكِّيَت وفيها حياة حَلَّت، لكن هل يشترط أن ترفس برجلها أو يدها أو تمصع بذنبها أو لا يُشْتَرط؟
    قال بعض العلماء: يشترط؛ لأننا لا نعلم حياتها إلا بذلك، ولكن الصحيح ما اختاره شيخ الإسلام في هذه المسألة أنه لا يشترط إلا أن يخرج الدم الأحمر المعروف الذي يجري بخلاف الدم الأسود الذي يَخْرُج من الميتة فهذا لا عبرة به.
    طالب: شيخ -بارك الله فيك- إذا رأيتُ شخصًا يذبح ذبيحة في مسمط مثلًا، إذا رأيته لم يسمِّ؟
    الشيخ: رأيته لم يسم؟ !
    الطالب: ما سمعته يسمي.
    الشيخ: ما سمعته، وهل من شرط التسمية الإسماع؟
    الطالب: لا، يا شيخ، بس كنت بجواره.
    الشيخ: إي، ولو كان، ما هو شرط.
    الطالب: كيف ما يسمي؟
    الشيخ: نعم، ما هو شرط، لكن لو أنه لم يسمِّ فسميت أنت بدلًا عنه هل يجزئ وأنت صاحب البهيمة؟
    الطالب: لا ما يجزيه.
    الشيخ: ما يجزيه.
    طلبة: ما يجزيه.
    الشيخ: ما هو أنت صاحب البهيمة؟ ! وهذا الجزار لا يعرف فلما أَمَرَّ السكين وانفجر الدم قلت أنت: بسم الله.
    طلبة: ما يجزيه.
    الشيخ: صحيح، لا يجزيه؛ لأنه لا بد أن تكون التسمية من الذابح.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليكم- ذكر صاحب المبدع رواية عن الإمام أحمد بأن الإبل لو ذبحت فإنه يوقف فيها.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: رأيكم؟ أحسن الله إليكم.
    الشيخ: لا، رَأْيُنا أنها تحل.
    الطالب: تحل.
    الشيخ: كما قال المؤلف: (يجوز عكسها)؛ لعموم قوله: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» (1).
    (1/4123)
    ________________________________________
    طالب: شيخ، إذا كان الغالب فيمن يتولى الذبح لا يُصَلِّي، وأهل البلد يقولون بأن ترك الصلاة ليس بكفر؛ فالإنسان يأكل أم .. ؟
    الشيخ: يأكل؛ لأن مسائل الاجتهاد ما يُنْكَر فيها، والعامة على دين علمائهم؛ ولهذا لو أن إنسانًا أكل لحم إبل أمام أعيننا، ونحن نرى أنه ينقض الوضوء فقام هذا الرجل وصلى بنا فإننا نصلي خلفه، ولا نقول: والله هذا صلاته باطلة لأن صلاته في نظرنا باطلة، لكن صلاته في نظره صحيحة.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليك- مسألة الصلاة المحرمة في البيت المغصوب على المذهب أنها تصح فكيف هم يقولون في مسألة إن صلى في أرض مغصوبة: فصلاته لا تصح، ومن توضأ في إناء من ذهب أو من فضة فإنها تصح؟ فهنا يتناقض مع هذه القاعدة التي ( ... ).
    الشيخ: لا، هذه ربما يفرض بأن أصل الفعل إذا سمح فيه صاحبه فإنه يجوز، لكن لو قالوا: هذا ما ينفكون عن الإيراد، الإيراد الذي ذكرت وارد.
    الطالب: لو كان صاحب الأرض المغصوبة رضي، على قول المذهب هل .. ؟
    الشيخ: ما يصح إلا بعد أن يأذن.
    الطالب: لو أذن نفسه.
    الشيخ: لو أذن بعد ذلك ما يصح، لا بد أن يعيد الصلاة.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: وهنا يكون صحيح أصلًا صحيح.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: هل ذكرنا أنه يشترط أن يكون باليد اليمنى؟
    الطالب: لا، ( ... ).
    الشيخ: قلنا: إذا كان الإنسان لا يعرف إلا باليد اليسرى فليضجعها على الجنب الأيمن.
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: ذكرت أنا هذا؛ قلت: إذا كان الإنسان أعسر ما يعمل باليد اليمنى فإنه يضجعها على الجنب الأيمن لأنه أسهل له.
    طالب: عفا الله عنكم، يا شيخ، ذكرتم أنه نحن غير مطالبين بأن نسأل هل سَمَّى أو لا، أو حتى هل ذبح أو لا؛ لأن الأصل الحل .. ؟
    الشيخ: لأن الأصل أن الفعل الصادر من أهله صادر على وجه الصحة.
    الطالب: فلو أن إنسانًا اجتهد من عنده، وذهب وتحرى وسافر وأتى بالخبر اليقين بأنها ما ذبحت، فهل نحن ملزمون بقوله؟
    الشيخ: بأنها ما ذبحت، ويش لونه؟
    (1/4124)
    ________________________________________
    الطالب: بأنهم لا يُسَمُّون، وأنها تُقْتَل، وأتى باليقين وأتى بالبراهين.
    الشيخ: إي، ما يخالف إذا شهد على هذه بعينها فإنها لا تحل.
    الطالب: مثلًا، لو ذهب إلى هذه الشركة المعينة للدجاج؛ قال: هذه الشركة أنا ذهبت إليها ورأيت أنهم يصعقونها، تُدْخَل في ماء ويُدْخَل الكهرباء في الماء ويموت، فهل نحن ملزمون به ولَّا نقول: نحن الأصل الحل؟
    الشيخ: لا، هذا عبث، ثبت عندنا أنها بطريقة محرمة، لكن لسنا مُلْزَمين بأن نسأل، والسؤال في هذا من باب التنطع والتشديد على الناس، لكن إذا علمنا أن هذه الدجاجة أو هذه الشاة بعينها لم تُذْبَح ذبحًا شرعيًّا فهي حرام ما فيها شك.
    طالب: شيخ، قلنا: إن الذبح الأكبر هو قطع الأربعة، وقلنا: إن القول الذي يقول بأن قطع الودجين هو الأسهل في الدليل، ولكن إذا قطع ودجًا واحدًا من الودجين يسقط عليه ( ... )، فهل نقول بصحة ذبحه؟
    الشيخ: هذه ( ... ) يرى بعض العلماء إذا قطع ودجًا واحدًا مع الحلقوم والمريء حلت، لكن قول رسول الله: «تُفْرَى الْأَوْدَاجُ» (2)
    يدل على وجوب فريها كلها، ثم إنه أيضًا إذا قطع أحد الودجين ما يحصل إنهار الدم الكامل فيما إذا قطع الودج الثاني.
    الطالب: السؤال عن الحل يا شيخ؛ لو قطع ودجًا واحدًا؟
    الشيخ: ما تحل.
    الطالب: ما تحل؟
    الشيخ: ما تحل.
    الطالب: حديث أبي داود ( ... ).
    الشيخ: إي ما يخالف، لكن ما أنهر الدم، نقول: لا يمكن إنهار الدم على وجه الكمال إلا بهذا.
    طالب: هناك بعض النصارى يهدون إلى الناس من اللحم، وهم يُسَمُّون باسم المسيح والشيء الثاني أنهم لا ( ... )، وإنا نعلم هذا، نأكله أو لا؟
    الشيخ: لا، لا تأكل إذا علمت أنه لم يذكر اسم الله عليها لا تأكل سواء ذكروا اسم المسيح أو ذكروا اسم المسيح مع اسم الله أو لم يذكروا شيئًا.
    الطالب: طيب، إن هم ذبحوا وهم نصارى، وذبحوا بسم الله، وقالوا: بسم الله.
    (1/4125)
    ________________________________________
    الشيخ: لكن شوف، لاحظ إنه لا بد تشهد أن هذه الذبيحة بعينها سموا عليها اسم المسيح أو لم يسموا الله عليها.
    الطالب: يسموا اسم المسيح أقول.
    الشيخ: تشهد أن الشاة هذه ما ..
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: لا تأكل، حرام عليك.
    الطالب: وإذا سموا للمسلمين يقولون: إذا ذبحنا للمسلم نقول: بسم الله.
    الشيخ: تحل.
    الطالب: بارك الله فيك، أما تكون هذه شبهة؟
    الشيخ: وهي؟
    طالب: يعني: أتى بعض الناس كما قال الأخ -جزاه الله خير- أن هناك تصعق بالكهرباء، والبعض يقول: لا يُذْكر اسم الله عليها وأتوا وهم شهود عيان، رأوا هذا الأمر، أصبح لنا يلتبس الأمر؛ يعني أصبح فيه شبهة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ» (3). فما رأيكم؟
    الشيخ: الذين كانوا حديثي عهدٍ بالكفر وأتوا لنا بلحم ذبحوه، هل فيه شبهة؟
    الطالب: كانوا حديثي عهد بالكفر، وأسلموا؟
    الشيخ: أسلموا.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: إي لكن ..
    الطالب: هؤلاء غير مسلمين.
    الشيخ: أنا فاهم.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: لكن هؤلاء كالمسلمين في حل الذبيحة، كلهم تحل ذبيحته، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يكلف نفسه بالسؤال، سَمِّ الله وكُل.
    الطالب: يعني: آكل يا شيخ كل .. ؟
    الشيخ: أبدًا، كل.
    الطالب: كل اللحوم اللي في السوق.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: حتى المعلبة.
    الشيخ: حتى المعلبات؛ لأنهم لا يأتون بالشيء إلا وهم عارفون أن الأمة الإسلامية ما تأكل إلا ما ذبح، وحتى نذكر أن وكلاء وزارة التجارة حضروا إلى مجلس هيئة كبار العلماء وناقشهم المجلس وقالوا: أبدًا ما يمكن، وفيه مراقبين لنا، ما يمكن يأتي شيء إلا مذبوح على الطريقة الإسلامية.
    طالب: شيخ -جزاك الله خيرًا- إحنا ( ... ) لو إنسان سمى فذبح بهيمة، ولم يقطع الودجين ثم أتى آخر وأكمل الذبح؟
    الشيخ: ما تحل.
    الطالب: ولكننا نبتدأ الذبح.
    (1/4126)
    ________________________________________
    الشيخ: إي، لكن الثاني ما سمى.
    الطالب: هو كان ( ... ) يا شيخ.
    الشيخ: ما سمى.
    الطالب: يعني المعتبر بالذبح قطع ..
    الشيخ: المعتبر قطع الودجين بالتسمية من الفاعل.
    الطالب: ولو سمى.
    الشيخ: ما يصح من اللي سمى الثاني؟
    الطالب: إي.
    الشيخ: الثاني لو سمى وأدرك الحياة يجزي.
    الطالب: حتى لو لم يسمِّ الأول.
    الشيخ: إي نعم، كل ما أصابه سبب الموت خليها عندك قاعدة كل ما أصابه سبب الموت وأدركته حيًّا فإنه يجوز ( ... )؛ لقوله {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3].

    ***
    الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المصنف رحمه الله تعالى: ويقول: باسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، ويتولاها صاحبها أو يوكَِّل مسلمًا ويشهدها، ووقت الذبح بعد صلاة العيد، أو قدْره إلى يومين بعده ويكره في ليلتيهما، فإن فات قضى واجبه.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    رجل ذبح ناقته ذبحًا ولم ينحرها نحرًا، فما الحكم؟
    طالب: جائز، إذا تعسر عليه النحر.
    الشيخ: لا لم يتعسر عليه، سهل.
    الطالب: لكن إذا حصل المقصود من الذبح أو النحر جاز.
    الشيخ: سؤال رجل ذبح بعيره ذبحًا ولم ينحرها نحرًا، فما الجواب هل تحل أو لا؟
    الطالب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ».
    الشيخ: سؤال؛ هل تجزئ أو لا؟ قبل أن تستدل.
    الطالب: تجزئ.
    الشيخ: تجزئ؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: تمام، ما الدليل؟
    الطالب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا».
    الشيخ: أحسنت، تمام، رجل نحر شاةً؟
    طالب: جائزة.
    الشيخ: تحل؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: الدليل.
    الطالب: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا».
    (1/4127)
    ________________________________________
    الشيخ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» تمام.
    حكم التسمية على الذبيحة والنحيرة؟
    طالب: واجبة ولا تسقط بالنسيان.
    الشيخ: واجبة ولَّا شرط؟
    الطالب: شرط لأيش؟
    الشيخ: شرط للحل.
    الطالب: شرط للحل.
    الشيخ: ما الدليل؟
    الطالب: الدليل ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أن «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوا».
    الشيخ: تمام.
    طالب: وإذا لم يذكر ( ... ).
    الشيخ: الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» فدل على أن ما لم ينهر الدم أو ما لم يذكر اسم الله عليه لا يؤكل، فإذا كان لو قتل خنقًا لا يحل ولو جهلًا أو نسيانًا، فكذلك متروك التسمية، طيب ومن القرآن؟
    طالب: قول الله عز وجل: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121].
    الشيخ: نعم، قول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، وقوله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 118]
    هل التكبير سُنَّة على الذبح والنحر؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: الدليل؟
    الطالب: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185].
    الشيخ: هذه في عيد الفطر، {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} في عيد الفطر،
    الطالب: ورد الحديث عند البزار رضي الله عنه.
    الشيخ: حديث أنس.
    الطالب: قال في حديث عند البزار، أخرجه البزار ( ... ) الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح الذبيحة قال: بسم الله، ثم كبر، قال: الله أكبر.
    الشيخ: إي، حديث أنس في الصحيحين: أنه «سَمَّى وَكَبَّرَ» (4)، طيب التكبير واجب أو سنة؟
    الطالب: التكبير سنة.
    الشيخ: ما هو الدليل؟
    طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا».
    (1/4128)
    ________________________________________
    الشيخ: قوله: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» ولم يقل: وكبر الله عليه.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ويقول) أيضًا: (اللهم هذا منك ولك).
    قال: (ويقول): (اللهم هذا منك ولك) (هذا) المشار إليه المذبوح أو المنحور، (منك) عطاءً ورزقًا، (ولك) تعبدًا وشرعًا؛ فهو من الله، هو الذي منَّ به، وهو الذي أمرنا أن نتعبد له بنحره أو ذبحه فيكون الفضل لله تعالى قدرًا والفضل لله تعالى شرعًا، إذ لولا أن الله تعالى شرع لنا أن نتقرب إليه بذبح هذا الحيوان أو نحره لكان ذبحه أو نحره بدعة.
    ولهذا نقول: إن الله أنعم علينا بنعمتين: نعمة قدرية ونعمة شرعية؛ أما القدرية فكونه يَسَّرَه لنا وذلله لنا حتى إن الرجل يقود هذه البعيرة الكبيرة ليذبحها لينحرها وتنقاد له، قال الله تعالى: {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: 72] ولك إخلاصًا وتعبدًا فيكون الإنسان في هذا الحال متذكرًا لنعمة الله تعالى متقربًا إليه بالتعبد له.
    وفي هذه الحال ينبغي أيضًا أن يقول: اللهم تقبل مني، اللهم هذا عني وعن أهل بيتي، وتكون تسمية المضحي له عند الذبح.
    وأما ما يفعله بعض العامة عندنا يسميها في ليلة العيد ويمسح ظهرها من ناصيتها إلى ذنبها وربما يكرر ذلك؛ هذا عني، هذا عني، هذا عني، هذا عن أهل بيتي، هذا عن أمي، هذا عن أبي، وما أشبه ذلك، فهذا من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما كان يسمي من هي له عند الذبح.
    قال: (ويتولاها صاحبها أو يوكل مسلمًا ويشهدها)
    (1/4129)
    ________________________________________
    (يتولاها صاحبها) الضمير في (ها) يعود على الأضحية؛ يعني: أن الأفضل أن يتولاها صاحبها، والمهم من ذلك هو نحرها أو ذبحها، أما بقية العمل -عملية الذبح- فهذه ليست مهمة، فإذا ذبحها وأعطى آخر ليكمل سلخها وتوزيعها فقد حصل على السنة، ولكن المهم أن يذبحها أو ينحرها بنفسه وهذا مشروط بما إذا كان قادرًا، أما إذا كان عاجزًا أو جاهلًا لما يجب في الذبح فلا ينبغي أن يخاطر ويذبح بل يُوَكِّل غيره؛ ولهذا قال: (أو يوكل مسلمًا ويشهدها).
    (يوكل مسلمًا) يذبح هذه الأضحية، (ويشهدها) أي: صاحبها فيكون حاضرًا عنده، ومن الذي يسمي صاحبها أو الذابح؟
    الطلبة: الذابح.
    الشيخ: الذابح؛ لأنه فعله فهو يسمي على فعله.
    وقول المؤلف: (أو يوكل مسلمًا) عُلِمَ منه أنه لا يصح أن يوكل كتابيًّا مع أن ذبح الكتابي حلال، لكن لما كان ذبح هذه الذبيحة أو نحر هذه النحيرة لما كان عبادة لم يصح أن يوكل فيه كتابيًّا؛ وذلك لأن الكتابي ليس من أهل العبادة والقربة لأنه كافر ولا تقبل عبادتهم، أما لو وَكَّل كتابيًّا يذبح له ذبيحة أو ينحر له نحيرة للأكل فإن ذلك لا بأس به، لكن للتضحية أو الهدي لا يجوز وذلك لأنه ليس أيش؟
    طالب: من أهل العبادة.
    الشيخ: ليس من أهل القُرْبَة، فإذا كان لا يصح ذلك منه لنفسه فلا يصح منه لغيره، ولهذا اشترط المؤلف أن يوكل مسلمًا.
    (ويشهدها)، ثم قال المؤلف: (ووقت الذبح بعد صلاة العيد أو قدره إلى يومين بعده)
    (وقت الذبح) يعني الوقت الجائز فيه الذبح يوم العيد بعد الصلاة بعد صلاة العيد، (أو قدره) أي: قدر زمن الصلاة لمن ليس عندهم صلاة عيد، إلى آخر يومين بعده، فتكون أيام الذبح ثلاثة فقط؛ يوم العيد ويومان بعده.
    وليس في المسألة دليل على أن الذبح يكون في يومين بعد العيد، لكن إما أن نقول: إن الذبح يوم العيد فقط أو أيام التشريق كلها.
    (1/4130)
    ________________________________________
    أما وجه الأول الذي يقول: لا نحر إلا يوم العيد فلأن الذي يسمى من هذه الأيام يوم النحر هو يوم العيد فيختص النحر به، وقد قال بذلك بعض أهل العلم أن يوم الذبح هو يوم العيد فقط.
    وأما من قال: إنها أيام التشريق بالإضافة إلى يوم العيد فتكون أيام الذبح أربعة فله دليل سنذكره بعد إن شاء الله تعالى.
    وأما تخصيصه بيومين فلا أعلم في ذلك أصلًا من السنة، لكنه ورد عن الصحابة رضي الله عنهم تخصيصه بيومين بعد العيد.
    نرجع الآن إلى قوله: (ووقت الذبح بعد صلاة العيد) وعُلِمَ من كلامه رحمه الله أنه لو ذبح قبل الصلاة فإن ذلك لا يجزئ لأنه قبل الوقت، فكما أنه لو صلى الظهر قبل زوال الشمس لم تجزئه عن صلاة الظهر، كذلك لو ضحى قبل الصلاة فإنه لا يجزئه لأنه قبل الوقت، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث العام الذي يعتبر قاعدة عظيمة في الشريعة «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (5)، وثبت في هذه المسألة بخصوصها أن «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ وَلَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ» (6)، ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلنه في خطبة صلاة عيد الأضحى.
    (1/4131)
    ________________________________________
    وقد أورد عليه أبو بردة بن نيار رضي الله عنه أورد عليه قصة وقعت له، وهو أنه أحب أن يكون بيته يأكل اللحم قبل أن يصلي في أول النهار فذبح أضحيته قبل أن يصلي، فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال له: «شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍِ» (7) مع أن الرجل جاهل، لكن الأوامر لا يعذر فيها بالجهل بخلاف النواهي؛ فالنواهي إذا فعلها الإنسان جاهلًا عذر بجهله، أما الأوامر فلا، ولهذا لم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال: «شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ»، وقال: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى» (8) فقال أبو بردة: إن عندي عناقًا هي أحب إلي من شاتين - والعناق الصغيرة من المعز - لها نحو أربعة أشهر، يعني فهل أذبحها وتجزئ عني؟ قال: «نَعَمْ، وَلَنْ تُجْزِئ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» (9) مع أن هذه العناق لا تجزئ في الأضحية، ما الذي فات منها؟
    الطلبة: السن.
    الشيخ: السن المعتبر شرعًا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أذن له، وقال: «إِنَّهَا لَا تُجْزِئ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»، فهذا هو الدليل على أنه لا بد أن يكون الذبح بعد صلاة العيد، فإذا كان في مكان ليس فيه صلاة عيد فليعتبر ذلك بمقدار صلاة العيد ولا يعتبر ما حوله.
    يعني: لو فرض أنه في بادية قريبًا من عنيزة مثلًا، فهل نقول: المعتبر صلاة عنيزة؟ لا، المعتبر قدر الصلاة؛ لأنه في مكان لا يُصَلَّى فيه العيد فيعتبر قدر الصلاة.
    فإذا كانت صلاة العيد تحل بعد ارتفاع الشمس قِيد رمح، وعيد الأضحى يُسَنُّ فيها التبكير في الصلاة فليقدر بعد ارتفاع الشمس قدر رمح نحو ربع ساعة لأن ربع ساعة تتم فيها الصلاة، وإذا كان ارتفاع الشمس قدر رمح مقداره ثلث ساعة أو ربع ساعة فيكون ابتداء الذبح بعد طلوع الشمس بنحو نصف ساعة أو خمس وثلاثين دقيقة.
    يقول: (إلى يومين بعده) يعني: إلى آخر يومين، ودليل ذلك ما روي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم حددوا الوقت بذلك.
    (1/4132)
    ________________________________________
    وقال بعض أهل العلم: إن وقت الذبح يوم العيد فقط؛ لأنه اليوم الذي يُسَمَّى يوم النحر، وقال بعض العلماء: بل أيام التشريق الثلاثة تبعًا ليوم العيد، وقال آخرون: بل شهر ذي الحجة كله وقت للذبح، فالأقوال إذن؟
    طلبة: أربعة.
    الشيخ: أربعة أو ثلاثة؟
    طلبة: أربعة.
    الشيخ: الأول.
    الطلبة: يوم العيد.
    الشيخ: يوم العيد. والثاني؟
    الطلبة: يومان بعده.
    الشيخ: يوم العيد ويومان بعده. والثالث؟
    الطلبة: يوم العيد ..
    الشيخ: يوم العيد وثلاثة أيام بعده. والرابع؟
    الطلبة: شهر.
    الشيخ: كل شهر ذي الحجة.
    ولكن أصح الأقوال أن أيام الذبح أربعة؛ يوم العيد وثلاثة أيام بعده، والدليل على هذا أمور:
    أولًا: أنه قد رُوِيَ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» (10)، وهذا نص في الموضوع، ولولا ما أُعِلَّ فيه من الإرسال والتدليس لكان فصلًا في النزاع.
    ثانيًا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (11)، فجعل حكمها واحدًا أنها أيام أكل -يعني: مما يذبح فيها- وشرب وذكر لله عز وجل.
    ثالثًا: أن هذه الأيام الثلاثة كلها تتساوى في تحريم صيامها لقول عائشة وابن عمر رضي الله عنهم: لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن يُصمْن إلا لمن لم يجد الهدي (12).
    رابعًا: أن هذه الأيام كلها أيام للرمي؛ لرمي الجمرات، فلا يختص الرمي بيومين بعده، بل كل الأيام الثلاثة.
    (1/4133)
    ________________________________________
    خامسًا: أنها كلها يُشْرَع فيها التكبير المطلق والمقيد، أو المقيد على قول بعض العلماء، ولم يفرق أحد من العلماء فيما نعلم بين هذه الأيام الثلاثة في التكبير فهي مشتركة في جميع الأحكام، وإذا كانت كذلك فلا يمكن أن نُخْرِج عن هذا الاشتراك وقت الذبح، بل نقول: إن وقت الذبح يستمر من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، وهذا هو القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
    هل يجزئ الذبح من حين الصلاة أو لا بد من الخطبة وذبح الإمام؟
    الصحيح أنه يكتفي بالصلاة، ولكن الأفضل أن يكون الذبح بعد الخطبة وبعد ذبح الإمام، وهذا إن فعل الإمام السنة في الذبح؛ وهو أن يخرج بأضحيته إلى مصلى العيد ويذبحها في مصلى العيد؛ لأن هذا هو السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخرج بأضحيته إلى مصلى العيد ويذبحها هناك إظهارًا للشعيرة وتعميمًا للنفع؛ لأنها إذا كانت هناك في مصلى العيد حضرها الفقراء وحضرها الأغنياء أيضًا، فيعطى الفقراء منها صدقة ويعطى الأغنياء منها هدية.
    لكن عمل الناس اليوم أن الإمام وغير الإمام لا يذبح في المصلى، وعلى هذا فتكون مراعاة ذبح الإمام مشقة عظيمة يعني: يحتاج إلى أن نزهم على الإمام إذا رجع إلى بيته، ونقول: هل ذبحت؟ إن قال: نعم. ذبحنا، وإن قال: لا. انتظرنا استحبابًا لا وجوبًا، لكن هذا في الوقت الحاضر فيه مشقة.
    وقد يُنازَع في استحبابه؛ لأن تأخر الذبح عن ذبح الإمام فيما إذا أعلنه الإمام وتبين للناس، ولكن مراعاة انتهاء الخطبة أمر سهل، فيقال للناس: لا تذبحوا حتى تنتهي الصلاة والخطبة؛ لأن هذا هو الأفضل، وكما قد جاء في بعض روايات الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بانتظار الخطبة.
    (1/4134)
    ________________________________________
    قال المؤلف: (ويُكْرَه في ليلتهما) أي: ليلتي أيام التشريق، لكن المؤلف يرى أن أيام الذبح يومان؛ ولهذا جاءت بالتثنية (في ليلتهما) أي: ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر يكره أن يذبح، لماذا؟
    قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ»، وقال: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وهذا يدل على أن محل الذبح هو اليوم، وعلى هذا فيُكْرَه الذبح في الليل، ولأن الذبح في الليل ربما يعمد إليه البخلاء من أجل أَلَّا يتصدقوا فلهذا كُرِه.
    وقيل في علة الكراهة: خروجًا من الخلاف؛ أي: خلاف من قال من العلماء: إنه لا يجزئ الذبح ليلًا لأن الله تعالى قال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28].
    والتعليل بالخلاف فيه خلاف، والصحيح أنه لا تعليل في الخلاف، ولو أننا أخذنا بهذا القول -أي: بالتعليل بالخلاف- ما بقي مسألة مباحة؛ لأنه لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف.
    فإذا قلنا: إن مراعاة الخلاف لازمة، وإنه يجب أن ندع ما فيه الخلاف من باب دع ما يريبك إلى ما لا يريبك لم يبق مسألة إلا وهي مكروهة، فالصواب أنه لا تعليل في الخلاف.
    ولكن يقال: إن كان الخلاف له حظ من النظر -أي من الدليل- فإننا نراعيه، لا لكونه خلافًا ولكن لما يقترن به من الدليل الموجب للشبهة، وهذا هو الصحيح، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأنكر التعليل بالخلاف، وما ذكره صحيح؛ فإن الخلاف إذا لم يكن له حظ من النظر فإنه لا عبرة به، ولهذا قيل:
    وَلَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ جَاءَ مُعْتَبَرا
    إِلَّا خِلَافًا لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ

    فما هو الصواب إذن؟ الصواب أنَّ الذبح في ليلتهما لا يُكْرَه إلا أن يُخِلَّ ذلك بما ينبغي في الأضحية، فيُكْرَه من هذه الناحية لا من كونه ذبحًا في الليل.
    (1/4135)
    ________________________________________
    (فإن فات) أي: وقت الذبح (قضى واجبه) وفعل به كالأداء، إن فات الذبح؛ وذلك بغروب الشمس من اليوم الثاني من أيام التشريق على ما ذهب إليه المؤلف، أو بغروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق على ما رجحناه.
    (قضى واجبه) واجب أيش؟ واجب الهدي والأضحية، والمراد: ما وجب قبل التعيين.
    مثال ذلك: رجل قال: لله عليَّ نذر أن أضحي هذا العام، ولكنه لم يضحِّ حتى غابت الشمس، فنقول: اقض هذه الأضحية.
    ولكن الصواب في هذه المسألة أنه إذا فات الوقت، فإن كان تأخيره عن عمد فإن القضاء لا ينفعه ولا يؤمر به لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
    وأما إذا كان عن نسيان أو جهل أو انفلتت البهيمة وكان يرجو وجودها قبل فوات الذبح حتى انفرط عليه الوقت، ثم وجد البهيمة ففي هذه الحال يذبحها؛ لأنه أَخَّرها عن الوقت لعذر، فيكون ذلك كما في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» (13).
    وإذا كانت وصية ليست له، فهل تدخل في عموم قوله: (قضى واجبه)؟
    فالجواب: لا، الوصية تُعْتَبر تطوعًا من الموصي، والواجب على الموصى إليه هو التنفيذ، والآن نقول: إن الموصى إليه قائم مقام الموصي، والموصي لو أَخَّرها إلى ما بعد غروب الشمس إلى ما بعد فوات الوقت فإنه لا يلزمه القضاء لأنها في حقه تطوع وليست بواجبة.
    وعلى هذا فإذا قُدِّر أن الوصيَّ لم يضحِّ هذا العام لعذر مثلًا قلنا له: أَخِّرْها إلى العام القادم واذبحها في أيام الذبح؛ فيذبح على هذا أضحيتين: أضحية قضاءً عن العام الماضي، والثانية أداءً لهذا العام.
    طالب: شيخ، هل نقول: الأَولى لغير الإمام في الأضحية أن يُضَحِّي في المصلى أو في الأسواق أو في البيوت؟
    (1/4136)
    ________________________________________
    الشيخ: في الوقت الحاضر نقول: لا تضحِّ في المصلى إلا إذا ضحى الإمام، ولا تضحِّ في الأسواق؛ لأنك إذا ضحيت في الأسواق لوَّثتها على الناس وصار في ذلك قذر ونجاسة.
    طالب: شيخ، كثير من العلماء يستدلون بقول الله عز وجل: {ولِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] على استحباب التكبير. أيش وجهه؟
    الشيخ: ( ... ) هذه الآية في أي عيد؟
    طالب: في الحج، {ولِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}.
    طالب: في رمضان.
    الشيخ: قلناها: في الأول، أكثر ما تَحَدَّث الله تعالى عن التسمية أو عن ذكر الله على الذبيحة في سورة الحج. تأملها.
    طالب: عفا الله عنك، إذا كان الإنسان غائبًا، وما حضر هذا الذبح إلا بعد أن انقضى أيام التشريق في الليل يجب أن يذبح ولّا لا؟
    الشيخ: ما يذبح، فات الوقت.
    طالب: شيخ -بارك الله فيك- {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] ما فيها دليل على اسم الله؟
    الشيخ: إي نعم، {صَوَافَّ}، وفي قراءة {صَوَافٍ}، وهي التي رفعت إحدى قوائمها.
    طالب: شيخ، بعض الناس إذا أراد أن يضحي وهو ليس في الحج؛ يعني: في بلده، ما يقص شيئًا من شعره ولا من أظفاره إلى أن يذبح الذبيحة في الوقت، يعني: بعدما يذبح، هل هذا من السنة؟
    الشيخ: صحيح، هذا من الواجب؛ «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يُضَحِّيَ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ شَعَرِهِ وَلَا ظُفْرِهِ وَلَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا» حتى يضحى. هذا ثبت في صحيح مسلم (14) عن أم سلمة رضي الله عنها.
    واختلف العلماء في هذا النهي؛ هل هو للتحريم أو للكراهة، والمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه للتحريم.
    طالب: بارك الله فيك، رجل يسكن في مكان بين مسجدين، المسجد هذا يبعد عن المسجد هذا كيلو مترات، وهذا المسجد انتهى من الصلاة وهذا لم ينتهِ، يذبح على هذا ولا ذاك؟
    الشيخ: يذبح على الأول.
    الطالب: الأول؟
    الشيخ: نعم.
    الطالب: بارك الله فيك.
    (1/4137)
    ________________________________________
    طالب آخر: إذا كان الإنسان حاجًّا سواء كان متمتعًا أو مفردًا، فهل يضحي عن أهل بيته إذا كانوا في بلدٍ آخر، وأهل بيته في بلدهم؟
    الشيخ: في بلدهم، نقول: وَصِّ أهل البيت ليضحوا عن أنفسهم.
    طالب: لا، إذا كان عنده هدي، هل يضحي ويهدي ولّا لا؟
    الشيخ: لا، الصحيح أنه يُهْدِي فقط.
    طالب: فتكون تجزئ كأضحية مع الهدي.
    الشيخ: لا، هذه هدي إن كان تمتعًا أو قرانًا فهو هدي واجب، وإن كان إفرادًا فهو هدي تطوع، أما الأضحية فتكون في غير مكة.
    طالب: يعني: تسقط في حق الحاج أو حق أهل بيته؟
    الشيخ: في حق الحاج نعم، في حق الحاج ما هو في حق أهل مكة.
    طالب: لا، أهل بيته.
    الشيخ: لا، نقول: مُرْهُم فليضحوا، إذا كان عندهم مال يأمرهم فيضحوا.
    طالب: شيخ، دليل مَنْ قال إن ( ... ) وهو في سفر.
    الشيخ: الظاهر أن دليلهم قوله تعالى: {الْحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] فجعل الله تعالى كل الأشهر وقتًا للحج، والأضحية من جنس الحج كلها عمل يذكر عليه اسم الله.
    طالب: ( ... ) صحيح؟
    الشيخ: إي، لأن الرسول أخبر بأنه لا أضحية قبل الصلاة.
    طالب: شيخ، هل ذكاة السكران صحيحة؟ وهل يُسأل عن حاله حين الذبح إذا لم تُعلم؟
    الشيخ: ويش تقولون؟ يقول: هل ذكاة السكران حلال تحل الذبيحة؟
    الجواب: لا، لأنه لا قصد له.
    طالب: وهل يُسأَل عن حاله؟
    الشيخ: ولا يُسأَل، الأصل الحل.
    طالب: شيخ -بارك الله فيكم- في حديث أبي بردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» بَعْدِيَّة الحالية أم بعدية الشخصية؟
    الشيخ: إي، هذا سؤال مهم، هل المراد بقوله: «لَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» يعني: عينًا وشخصًا؟ أم المراد: «لَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» حالًا؟
    أكثر العلماء على الأول، والصحيح الثاني، وأن من وقع له مثل ما وقع لأبي بردة فلا حرج أن يذبح
    العناق
    (1/4138)
    ________________________________________
    طالب: أحسن الله إليكم، ذكرتم قبل قليل بأن البعدية بعدية حال، وعلى هذا فمن حصل له مثل ما حصل لأبي بردة فإن له أن يذبح عناقًا، لكن قول النبي عليه الصلاة والسلام: «لَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». أقول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَنْ تُجْزِئَ»، كيف قلنا ( ... ) بأنها تجزي إذا قلنا بأن البعدية بعدية حال؟
    الشيخ: إي، يعني: بعدك بعد حالك، مثلما تقول ما بعد ها لحال شيء، وذلك أن القاعدة الشرعية أن التكاليف لا تتعلق بالشخص لشخصيته؛ لأن الله تعالى لا يحابي أحدًا، وإنما تعلق الأحكام بالمعاني والعلل، حتى خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام ليست خصائص له شخصية لكن من أجل أنه رسول ولا يتصف بهذا الوصف سواه.
    وهذا الذي نراه هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الحق، كيف الله يَخُصُّ هذا الإنسان بخصيصة من بين سائر الناس؟ ! الأحكام الشرعية معلقة بالأوصاف والمعاني لا بالأشخاص.
    الطالب: لكن أحسن الله إليكم، الإشكال عندي أن النبي قال لأبي بردة: «لَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ».
    الشيخ: إي، ويش معنى بعدك؟ البعدية قد تكون بعدية حال وبعدية زمن، فهذه بعدية حال، وإنما عَدَلْنا عن ظاهر اللفظ إلى هذا؛ لأن القاعدة الشرعية أن العبادات لا يمكن أن تعلق أو أن تعلل بالشخص، لا بد أن يكون هناك علة أوجبت هذا الحكم فالناس في حكم الله سواء.
    الطالب: هو -أحسن الله إليكم- هذا واضح لا غبار عليه، لكن الإشكال عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم يعني تركيبة بعدية الحال هذا مع قوله «لَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»؟
    الشيخ: بعدك؛ يعني: بعد حالك، المعنى لن تجزئ عن أحد.
    الطالب: بعد حالك مثلك.
    الشيخ: مثلك.
    طالب: طيب، كيف نقول: لمن لم يجد عناقًا لمن لم يجد شاةً اذبح.
    الشيخ: نقول: إذا كان الإنسان ذبح شاةً قبل صلاة العيد جاهلًا، ثم ليس عنده إلا عناق، ما عنده دراهم يشتري، فنقول: اذبح العناق وتجزئ عنك.
    (1/4139)
    ________________________________________
    طالب: شيخ، حتى لو كان ما يكون ( ... ) العناق.
    الشيخ: لا، أيش؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: هذا إيراد جيد؛ يقول: حتى لو كانت العناق ليست غالية عنده؛ لأن أبا بردة يقول: عندنا عناق هي أحب إلينا من شاتين، فيقول: إذا كان عنده عناق، لكن ما يحبها، ما يهمه، العناق يعني: العنزة الصغيرة والكبيرة عنده سواء، فهذا قد يقال: إنه محل نظر، هل إننا نقول: إنه لكون هذه العناق قيمتها في قلب أبي بردة تساوي شاتين هو الذي برر أن يذبحها أو نقول: إن محبة الإنسان للشيء لا ترفعه إلى أن يجزئ وهو على وصف لا يجزئ؛ ولهذا لو كان الإنسان عنده عناق ولم تحدث له هذه الحالة وقال: إن هذه العناق أحب إلي من شاتين. نقول: لا تجزئ، فليس العلة هي كونه يحب، هذا وصف طردي لا يؤثر في الحكم.
    طالب: شيخ، إذا كان –مثلًا- رجل يرى أن التسمية بعد الذبيحة ( ... ) فالابن –مثلًا- لا يرى هذا فهل إذا أمر والده ( ... )؟
    الشيخ: ما مر علينا هذا! ( ... ) سأله بعض الإخوة، وقلنا: العبرة بما يراه الذابح.
    طالب: يعني: يجوز هذا؟
    الشيخ: إي نعم.
    طالب: إن نذر أن يضحي هذا العام، ثم ترك الأضحية حتى خرج الوقت متعمدًا، فهل الواجب عليه كفارة يمين أم يقضيها من العام القادم؟
    الشيخ: العلماء يقولون: يجب عليه أن يذبح الأضحية التي نذر، لكن مو بهذا العام على القول الراجح، ويجب عليه لتركه الوقت كفارة يمين.
    طالب: يجب الأمرين؟
    الشيخ: نعم.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليك- ذكرنا في باب صلاة العيدين إذا أنه صلى العيد في المسجد، وذكرنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإمام يجوز له أن يضحي في المصلى، فلو قال قائل: هل نُجَوِّز للإنسان أن يذبح في المسجد شاة؟
    الشيخ: يقول: قوله: إن الرسول نحر بالمصلى، هل يجوز أن ينحر الإنسان بالمصلى فيلوث المسجد؟
    (1/4140)
    ________________________________________
    لا، ومعنى أنه ذبح بالمصلى أي: هناك خارج حدود المسجد، مثلما تقول مثلًا، لو أحد خرج بأضحيته وذبحها أمام مصلى العيد أو عن يمينه أو شماله؛ قيل: ذبح بالمصلى لقربه منه وليس في نفس المصلى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْأَذَى وَالْقَذَرِ» (15) وهذا أذى وقذر.
    طالب: ( ... ) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَذَبْحٍ».
    الشيخ: «وَذِكْرٍ».
    طالب: «وَذِكْرٍ»، بالنسبة يا شيخ، هذا التقييد الرسول صلى الله عليه وسلم ( ... ) قيد أيام التشريق بثلاثة أيام.
    الشيخ: لا ويش معنى «ذِكْر»، قال: أيش؟
    الطالب: ذبح ..
    الشيخ: على الذبائح.
    الطالب: نعم التي بعد ثلاثة أيام التشريق، فكأن الشيخ يؤيد هذه الأيام، يعني ما في دليل على سوى هذا؟
    الشيخ: أصلها الذكر؛ الذكر على الأضحية {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} في أيامٍ معلومات {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الَْانْعَامِ} [الحج: 34].
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: يشمل حتى على الأضاحي، ثم الحديث الذي ذكرنا اللي فيه محمد بن إسحاق أُعِلَّ بالتدليس قال: «كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ»، ثم إن أيام التشريق متفقة في جميع الأحكام، فما الذي يُخْرِج هذا عنه، ما في دليل يخرج هذا.
    ***
    الطالب:
    فصل

    ويتعينان بقوله: هذا هدي أو أضحية لا بالنية، وإذا تعينت لم يجز بيعها ولا هبتها إلا أن يبدلها بخير منها، وَيَجُز صوفَها ونحوه إن كان أنفع لها ويتصدق، وإن تعيبت ذبحها وأجزأته إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين والأضحية سنة، وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها.
    الشيخ: (ولا يعطى جازرها) ما قرأتها، (ولا يعطى جازرها أجرته منها ولا يعطى جلدها ولا شيئًا منها بل ينتفع به)، ألحقها بعد.
    (1/4141)
    ________________________________________
    الطالب: وسُنَّ أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثًا، وإن أكلها إلا أوقية تصدق بها جاز.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    قال المؤلف في زاد المستقنع: (ويتعينان) أي: الهدي والأضحية بقوله: هذا هدي بالنسبة للهدي، أو أضحية بالنسبة للأضحية.
    يتعينان بالقول ولا يتعينان بالنية ولا بالشراء؛ يتعينان بالقول بقوله: هذا هدي بالنسبة للهدي، أو هذه أضحية بالنسبة للأضحية، ولا يتعينان بالنية، فلو اشترى شاة بنية أن يضحي بها فإنها لا تتعين ما دامت في ملكه، إن شاء باعها وإن شاء فسخ النية، وإن شاء تصدق بها، وإن شاء أهداها، المهم أنها لا تتعين إلا بالقول.
    كذلك لو اشترى شاة يريد أن تكون هديًا كهدي متعة مثلًا، اشتراها وفي أثناء الطريق قبل أن يقول: هي هدي، أراد أن يبيعها فلا بأس، وهنا فرق بين أن يقول: هذا هدي أو هذه أضحية على سبيل الإخبار وبين أن يقول: هذا هدي أو أضحية على سبيل الإنشاء، ويظهر الفرق بينهما بالمثال؛
    فرجل يجر شاة فقال له مَن رآه: ما هذه؟ قال: هذه شاة للأضحية؛ يعني: أنها شاة يريد أن يضحي بها، هذا خبر وليس بإنشاء.
    بخلاف ما إذا قال: هذه أضحية لله، وأنشأ أن تكون أضحية فإنها حينئذ تتعين.
    وعُلِمَ من كلام المؤلف أنها لا تتعين بالفعل، أي: لا يتعين الهدي ولا الأضحية بالفعل، ولكن في هذا نظر، فإنهم نصوا على أن الهدي إذا قلده أو أَشْعَره بنية أنه هدي فإنه يكون هديًا وإن لم ينطق به.
    والتقليد هو أن يُقَلِّد النعال وقِطَع القرب والثياب الخَلِقة وما أشبه ذلك في عنق البهيمة؛ فإنه إذا عَلَّق هذه الأشياء في عنقها فَهِمَ من رآها أنها لمن؟ أنها للفقراء.
    وهذا كان معتادًا في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعهد من بعده، حتى تضاءل سَوْق الهدي بين الناس، وصار لا يُعْرَف هذا الشيء.
    (1/4142)
    ________________________________________
    إنما التقليد إذا قال: ما هو التقليد؟
    أن يُقَلِّد في عنق البهيمة شيئًا يدل على أنها للفقراء، قالوا: مثل أنها قطع النعال القديمة، أو قطع القرب القديمة، أو الثياب الخلقة حتى يعرف من رآها أنها للفقراء؛ هدي.
    وأما الإشعار فإن الإشعار هو أن يشق سنام البعير حتى يخرج الدم ويسيل على الشعر، فإن من رآه يعرف أن هذا مُعَدٌّ للنحر.
    فالآن نقول: الهدي يتعين بالقول وبالفعل مع النية؛ القول قوله: هذا هدي، والفعل الإشعار أو التقليد مع النية، يكون هديًا بذلك، ويترتب على التعيين وعدمه مسائل ستذكر فيما بعد.
    واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه إذا اشتراه بنية الأضحية أو بنية الهدي أنه يكون هديًا أو يكون أضحية، وأنه لا يُشْتَرط لذلك لفظ؛ لأن المقصود أن يتعين هذا أضحية أو هديًا وهذا يحصل بالنية لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لُكِلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (16).
    ولكن الأظهر ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله المشهور من المذهب أنه لا بد من القول، وأما النية فلا يحصل بها التعيين؛ بدليل أن الإنسان لو اشترى عبدًا ليعتقه في كفارة أو غيرها فهل يعتق؟
    لا، أو اشترى بيتًا ليوقفه على الفقراء أو المساكين أو طلبة العلم أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يكون البيت وقفًا بمجرد الشراء حتى يفعل ما يختص بهذا الشيء، ولهذا قلنا في الهدي لما كان يشرع تقليده أو إشعاره قلنا: إن تقليده أو إشعاره بالنية يعتبر تعيينًا.
    يقول المؤلف: (لا بالنية)؛ يعني: لا يتعين بالنية، كما لو أخرج الإنسان دراهم ليتصدق بها فهل تتعين صدقة؟
    لا، لا تتعين إن شاء أمضاها وإن شاء أبقاها؛ لأنه لم يدفعها للفقراء.
    (1/4143)
    ________________________________________
    فالحاصل أننا إذا سئلنا بماذا تتعين الأضحية؟ قلنا: بالقول. وبماذا يتعين الهدي؟ قلنا: بالقول وبالفعل، وإنما زاد الهدي بالفعل لأن له فعلًا خاصًا وهو التقليد أو الإشعار، أما الأضحية فليس لها فعل خاص، ولهذا لا تكون أضحية إلا بالقول.
    ثم قال: (وإذا تعينت لم يجز بيعها) هذه الأحكام التي تترتب على تعينها؛ إذا تعينت لم يجز بيعها لأنها صارت صدقة لله؛ كالوقف لا يجوز بيعه، وكالعبد إذا أعتق لا يجوز بيعه، فلا يجوز بيعها بأي حال من الأحوال، حتى لو ضعفت وهزلت فإنه لا يجوز له بيعها، ولكن لا بد من الشروط السابقة شروط الأضحية.
    (ولَا هِبَتُهَا) ولا يجوز أن يهبها لأحد، والفرق بين البيع والهبة أن البيع بعوض، والهبة تبرع بلا عوض.
    وهل يجوز أن يتصدق بها؟
    لا؛ يعني: ولا يجوز أيضًا أن يتصدق بها، لا بد أن يذبحها، ثم بعد ذبحها إن شاء وهبها وتصدق بما يجب التصدق به، وإن شاء أبقاها، وإن شاء تصدق بها كلها، لكن لا بد أن يتصدق منها بجزء كما سيأتي إن شاء الله ذكره.
    المهم إذا تعينت يترتب على ذلك أحكام:
    أولًا: تحريم بيعها وهبتها والصدقة بها، وينبني على ذلك وجوب ذبحها ولا بد، وعلى هذا فلو أن الإنسان يقود هَدْيَه فلقي فقراء وقالوا: أعطنا إياه فأعطاهم إياه، فهل يجزئه عن الهدي؟
    لا، لا يجزئه، فإن قالوا: نذبحه لك، ووكلهم في ذلك، فهل يجزئ؟
    طالب: لا يجزئ.
    الشيخ: لا، فيه التفصيل؛ إن كان يثق بهم وأنهم سوف يذبحونه فلا بأس ويكونون وكلاء له، أما إذا لم يثق بهم بحيث يخشى أنهم يأخذونه ثم يذهبون يبيعونه فهذا لا يجزئه.
    قال المؤلف: (إلا أن يبدلها بخير منها) فيجوز؛ قال: (إلا أن يبدلها بخير منها)، والإبدال نوع من البيع، لكن الغالب أن البيع يكون بنقد ثم يشتري بدلها أضحية.
    (1/4144)
    ________________________________________
    لكن إذا أبدلها بخير منها مثل أن يكون عَيَّن هذه الشاة أضحية، ثم وجد مع شخص آخر شاة خيرًا منها في السمن والكبر والطيب، وأراد أن يبدلها بخير منها، فإن ذلك لا بأس به؛ لأنه زاد خيرًا ولم يتهم برد شيء من ملك هذه الأضحية إلى نفسه؛ وربما يستدل لذلك بحديث الرجل الذي قال: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أُصَلِّيَ في بيت المقدس، قال: «صَلِّ هَا هُنَا» فأعاد عليه، قال: «صَلِّ هَا هُنَا» -يعني: في مكة لأن مكة أفضل من بيت المقدس- فأعاد عليه الثالثة، فقال في الثالثة أو الرابعة: «شَأْنَكَ إِذَنْ» (17).
    فدل ذلك على أن الإنسان إذا أبدل العبادة بما هو خير منها فإن ذلك جائز ولا بأس به، وعلى هذا فإذا أبدلها بخير منها فلا حرج؛ أولًا: للدليل الأثري والدليل النظري؛ الدليل الأثري: قصة الرجل الذي نذر أن يصلي في بيت المقدس، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلِّ هَاهُنَا».
    وأما النظري: فيقال: إنه زاد خيرًا، زاد خيرًا لأن هذه أفضل وأنفع للفقراء وأثمن في الغالب.
    وعُلِمَ من قوله: (إلا أن يبدلها بخير منها) أنه لو باعها ليشتري خيرًا منها فإن ذلك لا يجوز؛ لأن المؤلف استثنى مسألة واحدة وهي الإبدال، وعلى هذا فلو قال: أنا أريد أن أبيعها ثم أشتري خيرًا منها، قلنا: لا يجوز.
    وقال بعض العلماء: يجوز؛ لأن الأعمال بالنيات، وهذا الرجل باعها بنية أن يبدلها بخير منها فيكون جائزًا، كما لو أبدلها رأسًا بخير منها.
    ولكن الأَوْلى سد الباب وأن لا يتصرف فيها ببيع؛ لأنه ربما يتصرف فيها ببيع ليشتري خيرًا منها ثم لا يتيسر له أن يشتري أو يأخذه الطمع أو ما أشبه ذلك، وعليه فلا يُسْتَثْنَى إلا أيش؟
    طلبة: الإبدال.
    الشيخ: إلا الإبدال فقط.
    (1/4145)
    ________________________________________
    ثم قال المؤلف: (ويجز صوفها ونحوه) هذا أيضًا مما يترتب على التعيين؛ أنه لا يأخذ منها شيئًا لا صوفًا ولا لبنًا إذا كان لها ولد يضره أخذ اللبن؛ لأنها الآن أصبحت خارجة عن أيش؟ عن ملكه، فلا يجز الصوف.
    لو قال: أنا أريد أن أجز صوفها؛ لأني سأذبحها، فأجز الصوف لأنتفع به.
    قلنا: لا يجوز إلا إذا كان أنفع لها، إذا كان أنفع لها فلا بأس، وكيف يمكن أن يكون أنفع لها؟
    يمكن إذا كان عليها صوف كثير يؤذيها، وكان في جزه راحة لها، أو نبت فيها جرح وجز الشعر من أجل إبراز الجرح للهواء حتى ينشف ويبرد، المهم إذا كان جز الصوف أنفع فإنه يجزه، وإن كان أضر؟
    طلبة: لا يجوز.
    الشيخ: وإن لم يكن فيه نفع ولا ضرر؟
    الطلبة: لا يجوز.
    الشيخ: فلا يجوز؛ لأن المؤلف استثنى، ذَكَر إذا كان أنفع.
    وقوله: (صوفها ونحوه) ما الذي نحو الصوف؟
    طلبة: الشعر.
    الشيخ: الشعر والوبر؛ قال الله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] الشعر يكون للبقر وللإبل وأيش؟
    طالب: الغنم.
    الشيخ: الإبل لها الأوبار، والضأن لها الأصواف، والماعز والبقر الشعر.
    (ويتصدق به) يتصدق بهذا الذي جزه، وظاهر كلام المؤلف أنه لا ينتفع به، وأنه يجب أن يتصدق به، فلو قال: أريد أن أجعله ثيابًا أو أجعله حبالًا. قلنا: لا يجوز، بل يجب أن تتصدق به.
    وقال بعض العلماء: لا يجوز أن ينتفع به؛ لأنه إذا كان له أن ينتفع بالجلد كاملًا فالشعر من باب أولى، وهذا هو الصحيح أنه لا يجب عليه أن يتصدق به، لكن يجب أن نلاحظ الشرط الأول وهو أنه لا يجزه إلا إذا كان ذلك أنفع لها، فإذا كان أنفع لها وجزه فنقول: إن شئت تصدق به، وإن شئت فهبه، وإن شئت فانتفع به؛ لأن انتفاعك بالجلد والصوف بل وبالشحم واللحم والعظام جائز ولا يلزمك أن تخرج إلا ما يصدق عليه اسم اللحم كما سيأتي.
    قال: (ولا يعطي جازرها أجرته منها، ولا يبيع جلدها ولا شيئًا منها)
    (1/4146)
    ________________________________________
    لا يعطي الجازر أجرته منها، من الجازر؟
    طلبة: الذي يذبح.
    الشيخ: الذابح والناحر، الناحر للإبل والذابح لغيرها لا يعطيه أجرته منها؛ لأن هذا الجازر نائب عنه، وهو ملزم بأن يذبحها هو بنفسه، فإذا كان ملزمًا بأن يذبحها من أجل أن تكون قربة فإنه لا يمكن أن يعطي الجازر منها أجرته وهو وكيل عنه.
    قد يقول قائل: ألستم تجيزون أن يُعْطَى العامل على الزكاة من الزكاة، فلماذا لا يجوز أن نعطي الجازر؛ جازر الأضحية والهدي من الهدي كما نعطي العامل على الزكاة؟
    قلنا: الفرق ظاهر؛ لأن هذا الجازر وكيل عمن؟ عن المالك، ولهذا لو وكل الإنسان شخصًا يفرق زكاته، لو وكل شخصًا يفرق زكاته فإنه لا يجوز أن يعطيه من سهم العاملين عليها.
    يعني: إنسان أرسل لشخص عشرة آلاف ريال، قال: خذ هذه وزعها زكاة، فهذا الذي أخذ العشرة آلاف لا يجوز أن يأخذ لنفسه منها شيئًا؛ لأن العامل عليها هو الذي يتولاها من قبل وليِّ الأمر، إذن لا يعطي الجازر أجرته منها.
    وهل يجوز أن يعطيه شيئًا من الأجرة؟
    الجواب: لا، يعني: لو قال: اذبحها لي وكانت تذبح بعشرة ريالات، وقال: أعطيك خمسة من لحمها وخمسة نقدًا، أيجوز؟
    الطلبة: لا يجوز.
    الشيخ: لا يجوز؛ لأنه في ذلك يكون قد باع ما تَقَرَّب به إلى الله، قد باع اللحم؛ لأن عوض الأجرة بمنزلة عوض المبيع، فيكون قد باع لحمًا أخرجه لله، وهذا لا يجوز.
    وهل يجوز أن يعطي الجازر هدية أو صدقة؟
    طلبة: يجوز.
    الشيخ: نعم.
    طلبة: لا يجوز.
    الشيخ: يجوز كغيره، يجوز أن يعطيه صدقة، يجوز أن يعطيه هدية؛ إن كان فقيرًا أعطاه صدقة، وإن كان غنيًّا أعطاه هدية.
    قال: (ولا يبيع جلدها ولا شيئًا منها) كما سبق أنه لا يبيعها إذا تعينت، فكذلك إذا ذبحت فإنها تتعين بالذبح، هي ذبحت انتهى الأمر تعينت بالذبح، ويحسن أن نضيف هذا أيضًا إلى ما سبق من أنها تتعين بالقول وبالفعل الدال عليه -على التعيين- وبالذبح؛ لأنها إذا ذبحت ما عاد يتصرف فيها، انتهت.
    (1/4147)
    ________________________________________
    (لا يبيع جلدها) بعد الذبح لماذا؟ لأنها تعينت لله بجميع أجزائها، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه، ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه حمل على فرس له في سبيل الله -ويش معنى حمل؟ يعني: أعطى شخصًا فرسًا يجاهد عليه- ولكن الرجل الذي أخذه أضاعه، أضاع الفرس ولم يهتم به، فجاء عمر يستأذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شرائه؛ حيث ظن أن صاحبه يبيعه برخص، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا تَشْتَرِهِ، وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» (18).
    والعلة في ذلك أنه أيش؟ أخرجه لله، وما أخرجه الإنسان لله فلا يجوز أن يرجع فيه، ولهذا كان الذي يهاجر من بلد الشرك لا يجوز أن يرجع إلى هذه البلد التي هاجر منها ليسكن فيها؛ لأنه أيش؟ خرج لله من بلد يحبها فلا يرجع فيما يحب إذا كان قد تركه لله عز وجل.
    قال: (ولا شيئًا منها) يعني: لا يبيع شيئًا منها؛ من أجزائها؛ كيد، أو رجل، أو رأس، أو كرش، أو كبد أو ما أشبه ذلك، والعلة ما سمعتم.
    وظاهر كلام المؤلف أنه لا يبيع شيئًا من ذلك ولو صرفه فيما ينتفع به، وعلى هذا يمكن أن يُلْغَز بهذه المسألة يقال: شيء يجوز الانتفاع به، ولا يجوز بيعه ليشتري ما ينتفع به بدله.
    الجلد لو أراد المضحي أن يدبغه، ويجعله قِربَة للماء، أيجوز؟
    نعم، يجوز، لكن لو أراد أن يبيعه ويشتري بدلًا من القربة وعاءً للماء كالترمس مثلًا فهل يجوز؟
    طلبة: لا يجوز.
    الشيخ: لا يجوز، كل هذا حماية لما أخرجه لله أن يرجع فيه ولا شيئًا منها، وكذلك أيضًا نعم.
    ثم قال: (وإن تعينت ذبحها وأجزأته إلا أن تكون واجبة)، عندكم تعينت ولَّا تعيبت؟
    الطلبة: تعيبت.
    الشيخ: بالباء ولا بالنون؟
    الطلبة: بالباء.
    الشيخ: بالباء، إي نعم.
    طالب: أيهما صحيح.
    الشيخ: لا، الظاهر أن الصواب بالباء.
    (وإن تعيبت ذبحها وأجزأته إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين)
    (1/4148)
    ________________________________________
    (إن تعيبت) الفاعل يعود على المتعيِّن من هدي أو أضحية، وهذا مما يترتب على قولنا: إنها تتعين، أنها لو تعيبت بعيب يمنع من الإجزاء فإنه يذبحها وتجزئ.
    مثال ذلك: اشترى شاة للأضحية ثم انكسرت رجلها، وصارت لا تستطيع المشي مع الصحاح بعد أن عينها، فإنه في هذا الحال يذبحها وتجزئه؛ لأنها لما تعينت صارت أمانة عنده فإذا تعيبت بغير فعله أو تفريطه لم يلزمه الضمان وأجزأه أن يذبحها، أفهمتم يا جماعة؟ هذا هو تعليل الحكم؛ لأنها لما تعينت صارت عنده أيش؟
    طلبة: أمانة.
    الشيخ: أمانة كالوديعة، وإذا كانت أمانة ولم يحصل تعيبها بفعله أو تفريطه فإنه لا ضمان عليه فيذبحها وتجزئه.
    وربما يستدل لذلك بقصة الرجل الذي اشترى أضحية فعدا الذئب على أليتها فأكلها فأذن له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يضحي بها (19)؛ وذلك لأن فقد الألية عيب يمنع الإجزاء، لكنه لما كان هذا العيب بعد التعيين وليس بتفريط منه ولا بفعله فإنه يكون أمينًا ولا ضمان عليه.
    إذن قوله: (وإن تعيبت ذبحها وأجزأته) يستثنى من ذلك إذا تعيبت بفعله أو تفريطه بفعله بأن تكون بعيرًا حمل عليها ما لا تستطيع أن تحمله ثم عثرت وانكسرت، ففي هذه الحال يضمنها بمثلها أو خير منها، وكذلك لو كان بتفريطه كأن كانت في ليلة شاتية باردة وتركها أي ترك الأضحية في مكان بارد فتأثرت من البرد، ففي هذه الحال يجب عليه ضمانها بمثلها أو خير منها، لماذا؟
    طلبة: للتفريط.
    الشيخ: لأنه فرط، فلتفريطه يجب عليه الضمان.
    قال: (إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين) فهنا يجب عليه البدل.
    مثال ذلك: رجل عليه هدي تمتع، هدي التمتع واجب في ذمته أو واجب بالتعيين؟ واجب في ذمته، لكن هدي التطوع لا يجب عليه إلا إذا عينه وجب عليه ذبحه؛ الواجب في الذمة قبل التعيين يطالب به الإنسان كاملًا، والواجب بالتعيين وأصله تطوع فيه هذا التفصيل الذي سمعتم وهو أنه لا ضمان عليه إلا أن يكون ذلك بفعله أو أو تفريطه.
    (1/4149)
    ________________________________________
    المثال الواجب قبل التعيين؛ قلت لكم: مثاله هدي التمتع؛ اشترى رجل هدي تمتع وعيَّنه، ثم بعد ذلك عثر هذا الهدي وانكسر، فهل يجزئه أن يذبحه ولو كان منكسرًا؟ لا؛ لأنه قد وجب في ذمته قبل التعيين أن يذبح هديًا لا عيب فيه، وهذا الهدي فيه عيب فليزمه أن يبدله بمثله.
    لو أنه عين هذه الأضحية ثم هربت ولم يحصل عليها، فهل يلزمه بدلها؟ إن كانت واجبة قبل التعيين لزمه البدل، وإن لم تكن واجبة قبل التعيين نظرنا؛ إن فرط فعليه ضمان، وإن لم يفرط فلا ضمان عليه.
    الهدي؛ اشترى هديًا، ثم هرب الهدي ولم يمسكه وعجز عنه بعد أن عينه، فهل يلزمه الضمان؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: نعم؟ !
    الطلبة: نعم.
    الشيخ: هدي، أنا أقول هدي واجب، هدي تمتع؟
    الطلبة: يلزمه.
    الشيخ: يلزمه بدله، لماذا؟
    الطلبة: واجب عليه.
    الشيخ: لأنه واجب في ذمته قبل التعيين، أما إن كان هدي تطوع فإنه لا يلزمه.
    وإذا قلنا: يجب عليه بدله، فاشترى البدل وذبحه، وبعد ذبحه وجد الضال الذي هرب، فهل يلزمه أن يذبحه، أو يُكتفَى بالبدل؟
    الطلبة: يكتفى بالبدل.
    الشيخ: يكتفى بالبدل، هذا القول هو الراجح أنه في هذه الحال يكتفى بالبدل؛ لأن الرجل ضمن ما هرب وأدى الواجب عليه بدلًا عن الذي هرب، وإذا كان يجوز أن يبدلها بخير منها وهي حاضرة، فكذلك إذا كانت هاربة من باب أولى، ولكن المذهب أنه لا يسترجع الضال إذا وجده بل يذبحه؛ قالوا: لأن هذا الضال تعين بالتعيين فيجب عليه أن يذبحه لأنه عينه، لكن هذا التعليل كما سمعتم عليل، هو تَعَيَّن بالتعيين، ولكن أقام مقامه البدل فبرئت ذمته، فإذا عاد هذا الذي ضل فإنه يعود على ملك صاحبه يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه.
    ثم قال المؤلف رحمه الله: (والأضحية سُنَّة) الأضحية هي: ما يذبح من النعم في أيام الأضحى تقربًا إلى الله عز وجل. هذه هي الأضحية.
    (1/4150)
    ________________________________________
    فقولنا: (ما يذبح في أيام الأضحى) خرج به ما يذبح في غير أيام الأضحى، فإنه ليس بأضحية حتى ولو ذبح ضحى، فالعقيقة مثلًا إذا ذبحناها في الضحى في غير أيام الأضاحي لا تُسَمَّى أضحية؛ لأن الأضحية إنما تكون في أيام الأضحى.
    وقولنا: (تقربًا إلى الله) خرج به ما لو ذبح وليمة عرس في أيام الأضحى فإنها ليست بأضحية، لا بد أن ينوي بذلك التقرب إلى الله عز وجل بهذا الذبح.
    قال: (سُنَّة) سنة مؤكدة جدًّا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم داوم عليها وضحى عشر سنوات، وحثَّ عليها صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى قال: «مَنْ وَجَدَ سِعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» (20)، وكان يظهرها على أنها شعيرة من شعائر الإسلام، حتى إنه يخرج بأضحيته إلى المصلى ويضحي بالمصلى، ولهذا اختلف العلماء هل هي سنة أو واجبة؟
    فذهب أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه إلى أنها واجبة، وأن القادر يأثم إذا لم يضحِّ، ومال شيخ الإسلام رحمه الله إلى هذا، وأن القادر إذا لم يضح فهو آثم؛ لأنها شعيرة ظاهرة قرنها الله تعالى بالصلاة في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، وفي قوله: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
    والقول بالوجوب قوي للقادر؛ لكثرة الأدلة الدالة على عناية الشارع بها، واهتمامه بها، ولكن على من تُسَنُّ؟ أعلى الأحياء أم على الأموات؟
    (1/4151)
    ________________________________________
    الجواب: أنها على الأحياء، سنة للأحياء وليست سنة للأموات؛ ولهذا لم يضحِّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن أحد ممن مات له، لا ضحى عن زوجته خديجة وهي من أحب النساء إليه، ولا عن عمه حمزة وهو من أحب أعمامه إليه، ولا عن أحد من أولاده الذين ماتوا في حياته وأولاده بضعة منه، وإنما ضحى عنه وعن أهل بيته، ومن أراد أن يدخل الأموات في العموم فإن قوله قد يكون وجيهًا، ولكن تكون التضحية عن الأموات هنا تبعًا لا استقلالًا؛ ولهذا لا يشرع أن يضحى للإنسان الميت استقلالًا لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    فإن ضُحِّي عنه فقيل: تكون أضحية، وقيل: تكون صدقة، والفرق بينهما ظاهر، فإن الأضحية لها أجر أكثر من أجر الصدقة، المهم أن الأضحية سنة لمن؟
    طلبة: للأحياء.
    الشيخ: سنة للأحياء، أما الأموات فإن أوصوا بأن يُضحى عنهم نفذت الوصية لأنهم أوصوا بمباح، وإذا لم يوصوا بذلك فإنهم إن أراد الإنسان إدخالهم في لفظ أهل البيت فذلك وجيه، وإلا فإنه لا يضحى إلا عن الأحياء.
    قال: (وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها) ذَبْحُ الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها.
    فلو قال شخص: أنا عندي خمس مئة ريال، هل الأفضل أن أَتَصَدَّق بها أو أن أضحي بها؟
    قلنا: الأفضل أن تضحي بها.
    فإن قال: لو اشتريت بها لحمًا كثيرًا أكثر من قيمة الشاة أكثر من الشاة أربع مرات أو خمس مرات، فهل هذا أفضل أو أن أضحي؟
    قلنا: الأفضل أن تضحي؛ فذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، وأفضل من شراء لحم بقدرها أو أكثر يتصدق به؛ وذلك لأن المقصود الأهم في الأضحية هو التقرب إلى الله تعالى بذبحها. هذا هو الأهم قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37]
    (1/4152)
    ________________________________________
    فإن قال قائل: لو كان في المسلمين مَسْغَبة، وكانت الصدقة بالدراهم أنفع تَسُد ضرورة المسلمين، ففي هذه الحال نقول: دفع ضرورة المسلمين أولى؛ لأن فيها إنقاذًا للأرواح، وأما الأضحية فهي إحياء للسنة، لكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل.
    ثم قال المؤلف: (سُنَّ أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثًا) يعني: كيفية توزيع الأضحية.
    ***
    طالب: قلنا بقول: (إن كان أنفع لها ويتصدق بها). قلنا: القول الراجح.
    الشيخ: يتصدق بها؛ أي: بالصوف.
    الطالب: قلنا: القول الراجح هو مخير إما يتصدق بها أو يأخذها، لو باعها.
    الشيخ: لو باع هذا؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: ما فيه بأس.
    الطالب: يجوز ذلك؟
    الشيخ: يجوز.
    طالب: أحسن الله إليك، إذا ضُحِّيَ عن الميت استقلالًا ألا يقال: إنها بدعة؛ لأنه لم يرد عن الشرع أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، فالتقيد بالحديث أولى يا شيخ.
    الشيخ: بعض العلماء قال: إنها بدعة، وبعضهم قاسها على الصدقة، فالصدقة قد جاءت بها السنة.
    الطالب: هو نوى أضحية يا شيخ.
    الشيخ: إي نعم، هو نوى أضحية، فيكون الأضحية من جملة المقصود بها نفع الفقراء.
    طالب: شيخ -أحسن الله إليكم- ذكركم باليوم بأنه لا بأس أن يبيع الإنسان صوفها، الفقهاء منعوا بيع الجلد؛ أي: الفرق بين الصوف والجلد.
    الشيخ: نعم.
    وسُنَّ أن يَأْكُلَ ويُهْدِيَ ويَتَصَدَّقَ أَثلاثًا وإن أَكَلَها إلا أُوقِيَّةً تَصَدَّقَ بها جازَ وإلا ضَمِنَها ويَحْرُمُ على مَن يُضَحِّي أن يَأْخُذَ في العَشْرِ من شَعَرِه أو بَشَرَتِه شَيْئًا.
    (فصلٌ)
    تُسَنُّ العَقيقةُ: عن الغلامِ شاتان وعن الجارِيَةِ شاةٌ تُذْبَحُ يومَ سابعِهِ.
    فإن فاتَ ففي أربعةَ عَشَرَ، فإن فاتَ ففي أَحَدٍ وعشرينَ، تُنْزَعُ جُدُولًا ولا يُكْسَرُ عَظْمُها, وحُكْمُها كالأُضْحِيَةِ إلا أنه لا يُجْزِئُ فيها شِرْكٌ في دَمٍ، ولا تُسَنُّ الفَرَعَةُ ولا العَتيرةُ.
    (كتاب الجهاد)
    (1/4153)
    ________________________________________
    وهو فَرْضُ كِفايةٍ، و (يَجِبُ) إذا حَضَرَه، أو حَصَرَ بلدَه عَدُوٌّ، أو اسْتَنْفَرَه الإمامُ، وتَمامُ الرِّباطِ أربعون يَوْمًا، وإذا كان أبواه مُسلِمَيْنِ لم يُجاهِدْ تَطَوُّعًا إلا بإذْنِهِما،
    هذا هو الأهم، قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37].
    فإن قال قائل: لو كان في المسلمين مسغبة، وكانت الصدقة بالدراهم أنفع، تسد ضرورة المسلمين، ففي هذه الحال نقول: دفع ضرورة المسلمين أوْلى؛ لأن فيها إنقاذًا للأرواح، وأما الأضحية فهي إحياء للسنة، لكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل.
    ثم قال المؤلف: (وسن أن يأكل ويُهدي ويتصدق أثلاثًا) يعني كيفية توزيع الأضحية، أفاد المؤلف بقوله.
    الطالب: قلنا في قوله: إن كان أنفع لها ويتصدق بها.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: قلنا: القول الراجح.
    الشيخ: (يتصدق به) أي بالصوف.
    الطالب: إي نعم، قلنا القول الراجح: هو مخير إما يتصدق بها أو يأخذها.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: لو باعها.
    الشيخ: لو باع هذا؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: ما فيه بأس.
    الطالب: يجوز ذلك؟
    الشيخ: يجوز نعم.
    طالب: أحسن الله إليك، إذا ضُحي عن الميت استقلالًا، ألا يقال إنها بدعة، فإنه لم يرد عن الشرع النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعلها، نتقيد بالحديث أو لا يجوز؟
    الشيخ: بعض العلماء قال: إنها بدعة، وبعضهم قاسها على الصدقة، فالصدقة قد جاءت بها السنة.
    الطالب: وهو نوى أضحية يا شيخ.
    الشيخ: إي نعم، هو نوى أضحية، فيكون الأضحية من جملة المقصود بها نفع الفقراء.
    طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، ذكرتم في اليوم بأنه لا بأس بأن يبيع الإنسان صوفها، الفقهاء منعوا بيع الجلد، أي فرق بين الصوف والجلد؟
    (1/4154)
    ________________________________________
    الشيخ: تعرف أن الفقهاء يقولون: حتى الصوف ما يجوز بيعه. يقول: إذا جز صوفها؛ لأنه أنفع، فهل يجوز أن يبيعه؟ المذهب لا يجوز، يتصدق به، ولا يجوز بيعه، لكن القول الراجح أنه يجوز أن يتصدق به.
    طالب: والجلد؟
    الشيخ: الجلد جزء من اللحم، تدخله الحياة، وليس في حكم المنفصل بخلاف الصوف فهو يشبه اللبن، لو كان فيها لبن وحلبه فله أن يبيعه، وله أن يتصدق به، وله أن يشربه.
    طالب: بارك الله فيكم، قول المؤلف: (ويتعينان بقوله: هذا هدي أو أضحية)، يخرج منه الهدي الواجب؟ هدي التمتع الواجب؟
    الشيخ: لا، يدخل في هذا.
    الطالب: لا بد من تعيينه.
    الشيخ: كيف لا بد؟ لا، ما هو لا بد، قلنا: كل أضحية أو هدي إذا ذبحها بالنية تعيَّنت.
    الطالب: بمجرد الشراء يا شيخ قلنا قبل ..
    الشيخ: لا، بمجرد الشراء ما يكون، لا بد أن يعين.
    الطالب: قبل التعيين يا شيخ ( ... ) (وإن تعيبت بعد تعينها ذبحها وأجزأته إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين) مثلنا بالهدي.
    الشيخ: إي نعم، صحيح.
    الطالب: مثلنا بالهدي.
    الشيخ: هذا صحيح، هذه واجبة في ذمته؛ يعني معناها أنه في ذمته يجب أن يذبح شاة.
    الطالب: بمجرد الشراء؟
    الشيخ: لا، ما هي بالشراء، ما هي بالشاة المعينة، أن يذبح شاة غير معينة.
    طالب: ( ... )؟
    الشيخ: قد يدفع، وقد لا يدفع.
    الطالب: يدفع ( ... ).
    الشيخ: إذا دفع، لا بأس طيب.
    الطالب: هذا يعتبر بيع؟
    الشيخ: لا، ما باعك، هو دفع للذي أعطاه خيرًا منها.
    الطالب: ( ... )؟
    الشيخ: إي، لكن ما دخل عليه الآن، ما هو بيع، هذا شراء، اشتراط زائد.
    طالب: قلنا: يا شيخ القول الراجح أنه يجوز لصاحب الأضحية أن يبيع صوفها، فهل يعطيه الجزار؟
    الشيخ: الجزار؟
    الطالب: الجازر.
    الشيخ: منين؟
    الطالب: من الصوف؟
    الشيخ: إي، إذا قلنا: بجواز بيعه ملكه، يعطي الجازر، ويشتري بها خبز زي ما هو ( ... ).
    (1/4155)
    ________________________________________
    طالب: قلنا: يا شيخ، يجوز الانتفاع بالصوف، إذا جاز الانتفاع بالجلد، فبالصوف أوْلى، لكن هذا يا شيخ بعد الموت ما هو قبل الموت.
    الشيخ: أيوه.
    طالب: والانتفاع بالصوف ..
    الشيخ: الصوف أصله ما يُجَز، لا يمكن جزه إلا إذا كان أنفع لها.
    الطالب: فإذا كان أنفع لها؟
    الشيخ: إذا كان أنفع لها وجزه، وأراد أن يبيعه أو يتصدق به أو ينتفع به فله ذلك.
    طالب: الدليل على جواز الانتفاع به؟
    الشيخ: أنه جزء منفصل كاللبن كما أنه إذا حلبها بعد التعيين، فإن اللبن له، يتصرف فيه كما شاء.

    ***
    الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: وإن تعيبت ذبحها وأجزأته إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين، والأضحية سنة، وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، وسُن أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثًا، وإن أكلها إلا أوقية تصدق بها جاز، وإلا ضمنها، ويحرم على من يضحي أن يأخذ في العشر من شعره وبشرته شيئًا.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    قل لنا بماذا يتعين الهدي؟
    طالب: يتعين الهدي أولًا: بالقول، بأن يقول: هذا هدي، ثانيًا: يتعين بالفعل المختص به كالإشعار والتقليد.
    الشيخ: إذن يتعين بالقول، وبالفعل الدال عليه، الدال على التعيين، والأضحية، الأخ؟
    طالب: الأضحية ..
    الشيخ: بماذا تتعين؟ قل بارك الله فيك بماذا تتعين؟
    طالب: من الأنعام.
    الشيخ: لا، لست أسأل ما الذي يُضحَّى به، أسأل بماذا تتعين الأضحية؟ إنسان عنده شاة متى تكون أضحية لازمة؟
    طالب: تتعين بقوله: هذه أضحية.
    الشيخ: بقوله: هذه أضحية؛ يعني بالقول، تتعين بالقول، وهل تتعين بالفعل؟
    طالب: لا تتعين.
    الشيخ: ليش؟
    الطالب: لا إشعار ولا تقليد.
    (1/4156)
    ________________________________________
    الشيخ: لأنه لا يسن لها إشعار ولا تقليد، لكن لو فُرض أن هناك علامة خاصة في الأضحية يضعها الناس، ويرون أن ما حصل له هذه العلامة فهو أضحية تعيَّنت؛ يعني معناه كل فعل يدل على التعيين فإن التعيين به.
    هل يجوز بيع الأضحية؟
    طالب: فيه تفصيل يا شيخ.
    الشيخ: ما هو؟
    الطالب: إن باعها للانتفاع بثمنها فلا يجوز، أما إن باعها ليشتري خيرًا منها، فهذا جائز.
    الشيخ: إي؟
    طالب: لا يجوز بكل حال يا شيخ.
    الشيخ: لا يجوز بكل حال، على القول الصحيح. هل يجوز إبدالها؟
    طالب: يجوز إبدالها بخير منها.
    الشيخ: يجوز إبدالها بخير منها. ما هو الدليل على منع البيع؟
    طالب: الدليل من الأثر والنظر، فأما النظر بأنه زاد ( ... )، وأما الأثر ..
    الشيخ: هذا الدليل على إبدالها بخير منها. ما الدليل على تحريم بيعها؟
    الطالب: الدليل على تحريم بيعها بأنها تعينت لله عز وجل.
    الشيخ: أخرجها لله فلا يجوز له الرجوع فيها.
    الطالب: كمن هاجر لله من مكان من بلاد كفر، فلا يجوز له أن يرجع إلى هذا البلد ..
    الشيخ: ولا فيه دليل؟
    الطالب: نعم، يوجد دليل.
    الشيخ: ما هو؟
    الطالب: الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر لا، عندما ..
    الشيخ: حين حمل على فرس ..
    الطالب: حين حمل على فرس في سبيل الله فقال له: «لَا تَشْتَرِهْ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ؛ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ ( ... )» (1).
    الشيخ: والبيع نوع؟
    الطالب: من العود.
    الشيخ: نوع من الرجوع في الصدقة، إبدالها بخير منها، ما هو الدليل على جوازه؟
    طالب: عندما قال أحد الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: لئن فتح الله على يديك بيت المقدس.
    الشيخ: لا، فتح الله عليك؟
    الطالب: أيوه، بيت المقدس.
    الشيخ: الرسول ما فتح له بيت المقدس.
    الطالب: بلاد الشام.
    الشيخ: ولا بلاد الشام.
    طالب: لأصلين في بيت المقدس.
    (1/4157)
    ________________________________________
    الشيخ: قال: إني نذرت أن أصلي في بيت المقدس إن فتح الله عليك مكة، فماذا قال له؟
    الطالب: «صَلِّ هَاهُنَا».
    الشيخ: «صَلِّ هَاهُنَا». كمل.
    الطالب: «صَلِّ هَاهُنَا».
    الشيخ: فأعاد فقال؟
    الطالب: «صَلِّ هَاهُنَا».
    الشيخ: فأعاد ثلاثًا فقال: «شَأْنكَ» (2). هل يجوز أن يعطي الجازر شطره منها؟
    طالب: لا.
    الشيخ: لا، كيف؟ ! ما هو الدليل أو التعليل؟
    طالب: التعليل بأنها معاوضة؛ ولأنها لله خالصة.
    الشيخ: وإعطاؤه أجرته منها نوع من البيع؛ لأنه كأنه باعها في الواقع، باعها بالمنفعة التي انتفعها من هذا الجزار. هل يجوز أن يُهدي له؟
    طالب: نعم، يجوز.
    الشيخ: يجوز.
    طالب: يجوز الهدية إن كان غنيًّا يهدي، وإن كان فقيرًا فلا يجوز، استحق عليه الإثم.
    الشيخ: بشرط ألا ينقص ذلك من الأجرة شيئًا، كذا؛ لأنه اشترط ألا ينقص من الأجرة من أجل هديته أو صدقته.
    يترتب على قولنا: إنها تتعين بالتعيين ما سمعتم أنه لا يجوز بيعها، ولا إبدالها إلا بخير منها، ولا يجز صوفها إلا إذا كان أنفع لها، ومما يترتب عليه لو تعيبت؟
    طالب: التعيب فيها فيه تفصيل، إذا كان التعيب بإهمال منه فإنه يضمنها.
    الشيخ: إذا كان بفعله أو تفريطه.
    الطالب: بفعله أو تفريطه يضمنها؟
    الشيخ: نعم.
    الطالب: إن كان تركها في يوم بارد بدون مأوى يقيها من البرد، والثاني: تعيبت بغير فعله.
    الشيخ: ولا تفريطه.
    الطالب: ولا تفريطه، فإنه لا يضمنها، وتجزئه حتى لو اختل شرط من شروط الأضحية.
    الشيخ: لماذا يكون بالأول يضمنها، وفي الثاني لا يضمنها؟
    طالب: لأن الأول يضمنها؛ لأنها بتفريطه وبفعله واختياره، والثاني لا يضمنها؛ لأنها بغير إرادته.
    الشيخ: وهي عنده أمانة، هي عنده بمنزلة الأمانة. لو كانت واجبة في ذمته قبل التعيين، هل تجزئ إذا تعيبت؟
    طالب: لا تجزئ.
    الشيخ: لا تجزئ، لماذا؟
    الطالب: لأنها واجبة من الأصل.
    (1/4158)
    ________________________________________
    الشيخ: لأنها واجبة في ذمته سليمة، فيجب أن يذبحها سليمة، إذا ذبح بدلها، فهل له أن يسترجعها هي؟
    طالب: فيه خلاف.
    الشيخ: وما هو الصحيح؟
    الطالب: الصحيح أن له أن يستفيد منها.
    الشيخ: أن له أن يسترجعها، صحيح، وكذلك لو ضاعت فإنه يذبح بدلها إذا كانت واجبة في ذمته قبل التعيين، فإن رجعت فهي ملكه على القول الراجح.
    يقول المؤلف: إن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها، فلماذا؟
    طالب: لأن في ذبح الأضحية تقرب إلى الله عز وجل بإظهار شعيرته.
    الشيخ: بالذبح. وإذا تصدق بثمنها هل يجزئ عن الأضحية؟
    الطالب: لا.
    الشيخ: لا يجزئ، أحسنت؛ لأن {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37].
    ***
    قال: (وسُنَّ أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثًا)
    (سُنَّ) أي شرع، لا على وجه الوجوب، بل على وجه الاستحباب، أن يقسمها -أي الأضحية- أثلاثًا، فيأكل الثلث، ويهدي الثلث، ويتصدق بالثلث، والفرق بين الهدية والصدقة، أن ما قُصد به التودد والألفة فهو هدية، لما جاء في الحديث: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» (3)، وما قُصد به القربة إلى الله فهو صدقة، وعلى هذا فتكون الصدقة للمحتاج، والهدية للغني.
    وقوله: (أثلاثًا) أي ثلث للأكل، وثلث للهدية، وثلث للصدقة؛ لأجل أن يكون انتفاع الناس على اختلاف طبقاتهم في هذه الأضحية، يعني يكون الانتفاع بهذه الأضحية شاملًا لجميع الطبقات، وقدَّم الأكل؛ لأن الله قدمه، فقال: {كُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28].
    (1/4159)
    ________________________________________
    وقول المؤلف: (يُسن أن يأكل)، ظاهره أنه لو تصدق بها كلها فلا شيء عليه، ولا إثم عليه، وهذا بناء على أن الأكل من الأضحية سُنَّة كما هو قول جمهور العلماء، وقال بعض أهل العلم: بل الأكل منها واجب يأثم بتركه؛ لأن الله أمر به، وقدمه على الصدقة؛ ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعة، فجعلت في قدر فطُبخت، فأكل من لحمها، وشَرب من مرقها (4).
    قالوا: وتكلف هذا الأمر أن يأخذ من مئة بعير مئة قطعة، تطبخ في قدر، ويأكل منها تدل على أن الأمر في الآية الكريمة للوجوب؛ ولأن هذا من باب التمتع بنعم الله عز وجل، فيدخل في قوله: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (5).
    وعلى كل حال لا ينبغي للإنسان أن يدع الأكل من أضحيته، واستحب بعض العلماء أن يأكل من كبدها، وعلل ذلك بأن الكبد أسرع نضوجًا؛ لأنها لا تحتاج إلى طبخ كبير، فإذا اختار أن يأكل منها وطبخها، صار من الذين يبادرون بالأكل من أضاحيه، والمبادرة بالمأمور به أفضل من التأخر.
    (1/4160)
    ________________________________________
    وقول المؤلف: إنه يُهدي ويتصدق ويأكل أثلاثًا، هو ما اختاره أصحاب الإمام أحمد رحمهم الله، وقيل: بل يأكل ويتصدق أنصافًا؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28]، {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36]، ولم يذكر الله تعالى الهدية، والهدية من باب جلب المودة، وتحصل بهذا أو بغيرها، وهذا أقرب إلى ظاهر القرآن والسنة، لكن مع ذلك إذا اعتاد الناس أن يتهادوا في الأضاحي، فإن هذا من الأمور المستحبة لدخولها في عموم الأمر بما يجلب المودة والمحبة بين الناس، ولا شك أنك إذا أهديت من لحم الأضاحي في أيام الأضحية إلى غني أنها تقع في نفسه موقعًا أعظم مما لو أعطيته ما يقابلها من الطعام كالتمر والبر وما أشبه ذلك، وإذا كان في هذه المصلحة فهي مطلوبة، لكن تحديدها بالثلث يحتاج إلى دليل من السنة، وقد عرفتم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتصدق، بل تصدق بكل لحم الإبل في الهدي إلا القطع التي اختارها صلى الله عليه وسلم أن تجمع في قدر وتطبخ.
    وقوله: (يسن أن يأكل ويهدي ويتصدق) ظاهر كلام المؤلف أن هذا الحكم في كل أضحية، حتى الواجبة بالنذر، فإنه يأكل منها ويُهدي ويتصدق، وهو صحيح بخلاف الواجب في الهدي فإنه لا يأكل منه إذا كان جبرانًا، ويأكل منه إذا كان شكرانًا، فدم الهدي التمتع والقِران يأكل منه، والدم الواجب لترك الواجب أو فعل المحظور لا يأكل منه، والفرق أن الثاني كفَّارة، والأول شكر؛ فلذلك أكل النبي عليه الصلاة والسلام من هديه وهو واجِب بالقِران، إذن الأضحية يأكل منها سواء كانت واجبة بالنذر، أو غير واجبة، وأما الهدي ففيه التفصيل.
    ما وجب لفعل محظور أو ترك واجب فإنه أيش؟
    طلبة: لا يأكل ..
    (1/4161)
    ________________________________________
    الشيخ: لا يأكل منه؛ لأنه يقع موقع الكفارة، وما وجب لشكر النعمة كهدي التمتع والقران فإنه يأكل منه كما جاءت بذلك السنة، أما التطوع فلا شك، ولا إشكال فيه؛ أنه يأكل منه، ويتصدق ويهدي.
    ظاهر كلام المؤلف أيضًا أنه لو كانت الأضحية ليتيم فإنه يأكل منها ويهدي ويتصدق. وقال بعض العلماء: إذا كانت ليتيم فإنه لا يأكل منها، ولا يهدي، ولا يتصدق إلا مقدار الواجب فقط، وهو أقل ما يقع عليه اسم اللحم؛ لأن مال اليتيم لا يجوز التبرع به، ولكن الصحيح أنه متى قلنا بجواز الأضحية في حق اليتيم فإنه يُعمل فيها ما جاءت به الشريعة فيُؤكل منها ويُهدى ويُتصدق، ولكن هل يُشرع أن نُضحي من مال اليتيم؟
    في هذا تفصيل: إن جرت العادة بأنه يُضحَّى من أموال اليتامى، وأنه لو لم يُضَحَّ من أموالهم لانكسرت قلوبهم، فهنا ينبغي أيش؟ أن يُضحَّى من ماله كما أننا نشتري له للعيد ثوبًا جديدًا مع أن عنده ثوبًا يكفيه، لكن نشتري له الثوب الجديد من أجل أن يواسي غيره من الناس؛ فهي إذن -أعني الأضحية- من باب النفقة بالمعروف، فإذا كان من المعروف عند الناس أنه يضحى للأيتام فليضحِّ ولو من ماله، وهذا يقع في الصورة التالية؛ مثلًا إذا قلنا: هذا البيت أيتام، ليس عندهم إلا أمهم، وأمهم فقيرة، ولكن الأيتام لهم أموال ورثوها من إخوانهم، أو من أعمامهم، أو من أي إنسان، المهم عندهم مال، فهل نضحي من أموالهم لهم وندفع إليهم الأضحية ليضحوا بها، ويفرحوا بها مع الناس أو نقول: هذه أموال يتامى لا يجوز أن نتبرع منها بشيء؟ أيهما؟
    طلبة: الأول.
    الشيخ: الأول؛ لأن المال يخدم الإنسان، فإذا كان هؤلاء اليتامى، لو لم تدخل عليهم شاة الأضحية، ولم يأكلوا اللحم مع الناس لانكسرت قلوبهم؛ فإنه يُضحَّى عنهم من مالهم.
    ثم قال المؤلف: (وإن أكلها إلا أوقية تصدق بها جاز) (إن أكلها): الضمير يعود على الأضحية؛ يعني أكلها كلها، ولم يتصدق بمقدار أوقية.
    (1/4162)
    ________________________________________
    فإنه يضمن الأوقية، والأوقية معيار معروف من الكيلو أو نحو ذلك، المهم أنه معيار؛ يعني صنجة يُوزن بها، وهي أقل ما يكون من التقدير في الموزونات، وعبَّر بعض العلماء بقوله: وإن تصدق بها إلا أقل ما يقع عليه اسم اللحم؛ فإنه لا حرج عليه، لكن لو أكلها جميعًا فإنه يضمن أقل ما يقع عليه اسم اللحم، مثال ذلك: رجل ضحى بشاة، وجعلها في الثلاجة كلها، وأكلها، ماذا نقول له؟ نقول: يجب عليك الآن أن تتصدق بأقل ما يقع عليه اسم اللحم، اشترِ اللحم من السوق، وتصدَّق به من أجل حق مَنْ؟
    طلبة: الفقراء.
    الشيخ: الفقراء (فإن أكلها إلا عضدها أجزأه ذلك)؛ لأن العضد يقع عليه اسم اللحم.
    يقول رحمه الله: (ويحرم على من يضحي أن يأخذ في العشر من شعره أو بشرته شيئًا) قال المؤلف: (يحرم على من يضحي).
    طالب: وإلا ضمنها.
    الشيخ: إي نعم، ذكرناها (وإلا ضمنها) ومثَّلنا بها، قلنا: (وإلا ضمنها) أي ضمن الأوقية على تقدير المؤلف أو أقل ما يقع عليه اسم اللحم، على ما ذكرنا.
    قال: (ويحرُم على من يضحي أو يضحى عنه) إلى آخره. الحرام: هو الذي يُثاب تاركه لله، من تركه لله أُثيب، وإن فعله أيش؟
    طالب: عُوقب.
    الشيخ: استحق العقاب على فعله.
    وقوله: (يحرم على من يضحي)، إذا قال: ما هو الدليل؟ نقول: الدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ بَشَرِهِ، وَلَا مِنْ ظُفُرِهِ شَيْئًا» (6).
    فقال: «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذَنَّ». والأصل في النهي التحريم، هذا الدليل.
    (1/4163)
    ________________________________________
    لكن ما هي الحكمة؟ الحكمة أن الله سبحانه وتعالى برحمته لما خص الحجاج بالهدي، وجعل لهذا النسك -أعني نسك الحج- محرمات ومحظورات، وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان لله أُثيب عليها، الذين لم يحرموا بحج ولا عمرة شُرع لهم أن يضحوا في مقابل أيش؟
    طالب: الهدي.
    الشيخ: في مقابل.
    طلبة: الهدي.
    الشيخ: الهدي، وشُرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة؛ لأن المحرم لا يأخذ من شعره شيئًا؛ يعني لا يترفه. فهؤلاء أيضًا مثله، وهذه من عدل الله عز وجل وحكمته، كما أن المؤذن يُثاب على الأذان، وغير المؤذن يثاب على المتابعة، شرع له أن يتابع.
    إذن الدليل الحديث: «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذَنَّ»، والتعليل أن يعطى أهل الأمصار شيئًا مما يعطاه أهل المشاعر.
    وقول المؤلف: (يحرم) هذا أحد القولين في المسألة، والقول الثاني أنه يكره، وليس بحرام، ولكن الذي يظهر أن التحريم أقرب؛ لأنه الأصل في النهي؛ ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكد النهي بقوله: «فَلَا يَأْخُذَنَّ» والنون هذه للتوكيد؟
    وقول المؤلف: (على من يُضحِّي)، يفهم منه أن من يُضحَّى عنه، فلا حرج عليه أن يأخذ من ذلك، وهذا هو ظاهر الحديث أن التحريم خاص بمن؟
    طالب: بمن يضحي؟
    الشيخ: بمن يضحي، وعلى هذا فيكون التحريم مختصًّا برب البيت، وأما أهل البيت فلا يحرم عليهم ذلك، وهذا القول هو الراجح، ودليله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علق الحكم بمن؟
    طلبة: بمن يضحي؟
    الشيخ: بمن يضحي؟ فمفهومه أن من يضحى عنه لا يثبت له هذا الحكم، ودليل آخر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يضحي عن أهل بيته، ولم ينقل أنه كان يقول لهم: لا تأخذوا من شعوركم وأظافركم وأبشاركم شيئًا، ولو كان حرام عليهم ذلك لنهاهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه.
    فإن قال قائل: ما وجه قول من يقول: إنه يحرم على من يُضحي أن يضحى عنه؟
    (1/4164)
    ________________________________________
    قلنا: وجهه أنهم قاسوا الْمُضحَّى عنه على المضَحِّي لاشتراكهم في الأجر، قالوا: كما أن المضحي يؤجر فالْمُضَحَّى عنه يؤجر أيضًا، فلما اشتركا في الأجر اشتركا في الحكم، فيقال: هذا القياس لا يصح؛ لأنه في مقابلة؟
    طلبة: النص.
    الشيخ: النص، وكل قياس في مقابلة النص فإنه فاسد الاعتبار؛ يعني غير معتبر ولا يُرجع إليه، ثم إن التساوي ممنوع؛ فإنهما وإن أُجِرا على هذه الأضحية فإن أجر من بذل المال، وتعب في ذبحها لا يساويه أجر من ضُحِّي عنه فقط، بل من بذل المال أكثر أجرًا ممن لم يبذله.
    وقول المؤلف: أن يأخذ في العشر، ما المراد بالعشر؟ عشر ذي الحجة، إلى متى؟ إلى أن يضحي، فإن ضحى يوم العيد انفك ذلك عنه يوم العيد، وإن تأخر إلى اليوم الثاني أو الثالث لم ينفك عنه ذلك إلا في اليوم الثاني أو الثالث، المهم حتى يضحي.
    وقول المؤلف: «مِنْ شَعْرِهِ أَوْ بَشْرَتِهِ». الشعر معروف، وهو شامل للشعر المستحب إزالته والمباح إزالته، فلا يأخذ منه شيئًا. مثال المستحب إزالته أيش؟
    طلبة: الشارب.
    الشيخ: الشارب، الإبط، العانة، لا يأخذ منها شيئًا في هذه الأيام، والمباح إزالته؟
    طالب: الرأس.
    الشيخ: كالرأس، فلا يحلق رأسه، ولا يقص منه شيئًا حتى يضحي.
    وقوله: (أو بشرته) يعني جلده، لا يأخذ منه شيئًا، وهل يمكن للإنسان أن يأخذ من جلده شيئًا؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: كيف يأخذ؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: نعم.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: نقول: يمكن يأخذ إذا كان لم يختن، وأراد الختان في هذه الأيام، ماذا نقول له؟
    طالب: لا ( ... ).
    الشيخ: نقول: لا تختتن؛ لأنك ستأخذ من بشرتك شيئًا.
    (1/4165)
    ________________________________________
    ثانيًا: بعض الناس يكون عنده غفلة، فتجده يأخذ من جلده، يقطع من جلده من عقب الرجل، هذا كثيرًا ما يكون، والإنسان الذي يعتاد هذا الشيء لا بد أن يصاب بتشقق العقب، فإن تركه سكن، وإن حارشه فتن عليه؛ يعني إن حركت هذا الجلد -جلد العقب- فثق بأنه سيتشقق، وإن تركته حتى ولو كان فيه جلد ميت، اتركه حتى لا يتشقق ويزيد.
    سكت المؤلف عن شيء جاء به الحديث؛ وهو الظفر، ولا أعلم أن أحدًا من العلماء أهمل حكمه، ولعل المؤلف -رحمه الله- تركه اختصارًا؛ يعني ذكر شيئين مما جاء به الحديث وأسقط الثالث، ولكن الحكم واحد، فلا يأخذن من ظفره شيء، لو أنه انكسر الظفر وتأذى به، فهل يجوز أن يزيله؟
    طلبة: نعم.
    الشيخ: كل الظفر، أو ما يحصل به الأذية؟
    طلبة: ما يحصل به الأذية.
    الشيخ: ما يحصل به الأذية، ولا شيء عليه، وكذلك لو سقط في عينه شعرة، بعض الناس ينبت في داخل الجفن شعر، وتتأذى به العين، فيؤخذ بالمنقاش، فهل هذا حرام أو جائز؟
    طالب: جائز.
    الشيخ: لأنه لدفع أذاه، وعلم من كلام المؤلف أنه إذا أخذ شيئًا من ذلك، فلا فدية عليه، وهو كذلك، ولا يصح أن يُقاس على المحرم؛ لأن الاختلاف ظاهر، فالمحرم لا يحرُم عليه إلا أخذ الرأس، وما سواه فإنهم بالقياس، وهذا الحديث عام الرأس وغير الرأس.
    ثانيًا: المحرِم، لا يحرم عليه أخذ شيء من بشرته، وهذا يأخذ.
    ثالثًا: المحرِم عليه محظورات أخرى غير هذا؛ فالإحرام أشد وأوكد؛ فلذلك وجبت الفدية فيه، أما هذا فإنه لا فدية فيه، وهل لو أخذ الإنسان وتجاوز، هل تقبل أضحيته؟
    طالب: نعم، تقبل.
    الشيخ: نعم، تقبل، لكنه يكون عاصيًا، وأما ما اشتهر عند العوام أنه إذا أخذ الإنسان من شعره أو ظفره أو بشرته في أيام العشر فإنه لا أضحية له، فهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا علاقة بين صحة التضحية، والأخذ من هذه الثلاثة. وإذا قُدِّر أن الرجل لم ينوِ الأضحية إلا في أثناء العشر، وقد أخذ من شعره وبشرته وظفره، فهل يصح؟
    طلبة: نعم.
    (1/4166)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم، يصح، ويبتدئ تحريم الأخذ من حين نوى الأضحية.

    [باب العقيقة]
    ثم قال المؤلف رحمه الله: (فصل تسن العقيقة) إلى آخره.
    العقيقة (فَعِيلة) بمعنى (مَفْعُولة)، فهي عقيقة بمعنى معقوقة، والعَقُّ في اللغة: القطع، ومنه عق الوالدين أي: قطع صلتهما، والمراد بالعقيقة هنا الذبيحة التي تُذبح عن المولود سواء كان ذكرًا أم أنثى، وسميت عقيقة؛ لأنها تقطع عروقها عند الذبح، وهذه التسمية لا تشمل كل شيء؟
    لأنه لو قال قائل: والذبيحة العادية تقطع عروقها، فهل يصح أن تسمى عقيقة؟
    نقول: لا، لكن مناسبة التسمية، لا تنسحب على جميع ما وجد فيه هذا المعنى، ولهذا نسمي مزدلفة أيش؟
    طالب: جمعًا.
    الشيخ: جمعًا، ولا نسمي عرفة جمعًا، ولا نسمي منى جمعًا، فما سمي لمعنى من المعاني فإنه لا يقاس عليه ما شاركه في هذا المعنى، فيسمى بهذه التسمية، ولهذا لا نقول: مثلًا الأضحية عقيقة، ولا الهدي عقيقة، ولا ذبيحة الأكل عقيقة مع أن سبب تسمية العقيقة بذلك موجود في هذه.
    وعندنا في لغتنا هنا في القصيم -وأظن في كل المملكة فيما أعلم- يسمون العقيقة تميمة، يقولون: لأنها تتمم أخلاق المولود، وأخذوا هذا من قوله في الحديث: «كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ» (7)، فإن المعنى أنه محبوس ما هو عن شفاعة والديه كما ذكره الإمام أحمد رحمه الله، ولكن محبوس عن الانطلاق والانشراح، وكذلك عن الحماية من الشيطان. إذن العقيقة ما تعريفها شرعًا؟ الذبيحة عن؟
    طلبة: المولود.
    الشيخ: عن المولود ذكر أو أنثى. وقوله: (تُسن) تُسن لمن؟ للأب للأم، لمن؟ هي سنة في حق الأب، فإن لم يكن الأب موجودًا، فهل تسن في بقية العصبة أو في حق الأم؟
    الظاهر أنها إذا لم يكن الأب موجودًا كما لو مات وهو حمل؛ يعني مات وابنه حمل، فإن الأم تقوم مقام الأب في هذه المسألة.
    (1/4167)
    ________________________________________
    وقول المؤلف: (تسن العقيقة) هل يشترط في ذلك القدرة أو حتى للفقير؟ نقول: إذا كانت الواجبات الشرعية -وهي واجبات- يشترط فيها القدرة فالمستحبات من باب أولى، فالفقير لا نلزمه ونقول: اذهب واقترض، لكن إذا كان الإنسان لا يجد الآن إلا أنه في أمل الوجود كموظف ولد له ولد في نصف الشهر، وراتبه على قدر حاجته فهو الآن ليس عنده دراهم، لكن في آخر الشهر يجد الدراهم، هل نقول: اشترِ العقيقة أو اقترض ثمنها واشترِ به؟ يعني اشترها دينًا، أو اقترض ثمنها، واشترِ به حتى يأتيك الراتب، أو نقول: انتظر حتى يأتي الراتب؟
    طالب: الثاني.
    الشيخ: الثاني أحسن؛ لأنه يحصل به إبراء الذمة، ولا يدري الإنسان ربما فيما بين ولادة الشخص وبين حلول الراتب ربما يحصل أشياء تستلزم الأموال، يجي مرض، يجي لأهله مرض ينكسر عليه السيارة، وما أشبه ذلك، فالأولى أن يقال: لا تقترض حتى وإن رجوت الوفاء عن قرب انتظر في العقيقة ما هو لازم في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين ما هو لازم.
    ثم قال: (عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة) الغلام الذكر شاتان، وعن الجارية شاة، هكذا جاءت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتفريق بين الذكر والأنثى، وهذا أحد المواضع التي يفضل فيها الذكر على الأنثى بالضعف.
    وقوله: (عن الغلام شاتان) ينبغي أن تكون الشاتان متقاربتين سِنًّا وحجمًا وشبهًا وسِمنًا، كلما كانتا متقاربتين فهو أفضل، فإن لم يجد الإنسان إلا شاة واحدة أجزأته، وحصل بها المقصود، لكن إذا كان الله قدرنا فالثنتان أفضل.
    (وعن الجارية شاة) الأنثى، وهذا أحد المواضع التي يكون الرجل فيها ضعف المرأة، فيه موضع آخر؟
    طلبة: الفرائض.
    الشيخ: الفرائض.
    طالب: الدية.
    الشيخ: الدية.
    طالب: الشهادة.
    الشيخ: الشهادة، الصلاة.
    طلبة: ( ... ).
    (1/4168)
    ________________________________________
    الشيخ: ذكرنا ( ... ) الصلاة؛ لأن أكثر الحيض خمسة عشر يومًا، هذا المشهور عند أكثر العلماء، فإذا كانت امرأة تحيض أكثر الحيض كم لها من الصلاة؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: في كل شهر نصف شهر، يزيد الإنسان عليها بنصف شهر. كذلك أيضًا في العطية، إذا أعطى الإنسان أولاده فإنه يُعطي الذكر مثل حظ الأنثيين.
    طالب: العتق.
    الشيخ: العتق أيضًا ورد به الحديث، أن عتق الذكر عن عتق جاريتين (8)، ثم قال: (تُذبح يوم سابعه) يعني يسن أن تذبح في اليوم السابع، فإذا وُلد يوم السبت فتذبح.
    طالب: يوم الأحد.
    الشيخ: لا، يوم الأحد كيف؟ هذا التاسع؟ !
    طلبة: الجمعة.
    الشيخ: تُذبح يوم الجمعة؛ يعني قبل يوم الولادة بيوم، هذه القاعدة، إذا ولد في الخميس فهي يوم.
    طلبة: يوم الأربعاء.
    الشيخ: الأربعاء، وهلم جرًّا. والحكمة من أنها تكون في اليوم السابع؛ لأن اليوم السابع تختم به أيام السنة كلها، أليس كذلك؟ إذا وُلد يوم الخميس مر عليه الخميس والجمعة والسبت والأحد والإثنين والثلاثاء أيش؟ والأربعاء، فبمرور هذه الأيام أيام السنة يتفاءل هذا الطفل ويطول عمره.
    فلهذا كانت في اليوم السابع، وبناءً على هذا التعليل إن صح والعلة الشرعية لو مات الطفل قبل اليوم السابع فإنها تسقط العقيقة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «تُذْبَحُ يَوْمَ سَابِعِهِ» (7)، ولكن هذا التعليل قد يكون الإنسان في شك منه، ويقول: إن الرسول اختار اليوم السابع؛ لأن فيه أشياء كثيرة معلقة بالسبعة، ولنا بهذه الحكمة أولى، ولهذا تُسنُّ العقيقة ولو مات قبل اليوم السابع.
    ولكن هل يُشترط أن يخرج حيًّا، أو يشترط أن تُنفخ فيه الروح فقط؟
    من العلماء من قال بالأول، وقال: إذا نفخت فيه الروح، ثم خرج من بطن أمه ميتًا فإنه لا عقيقة له.
    (1/4169)
    ________________________________________
    ومنهم من قال: بل يعق عنه وإن خرج ميتًا إذا خرج بعد نفخ الروح؛ لأنه بعد نفخ الروح سوف يبعث؛ فهو إنسان، ترجى شفاعته يوم القيامة بخلاف من كان قبل نفخ الروح، فإنه لا يُعق عنه؛ لأنه ليس بإنسان، ولهذا لا يُبعث يوم القيامة، الجنين إذا سقط قبل نفخ الروح فيه فإنه لا يبعث؛ لأنه ليس فيه روح حتى تعاد إليه يوم القيامة. إذن عندنا الآن ثلاث مراتب، بل أربع: خرج قبل نفخ الروح فيه؟
    طلبة: لا عقيقة له.
    الشيخ: فلا عقيقة له، خرج ميتًا بعد نفخ الروح؟
    طلبة: فيه قولان.
    الشيخ: فيه قولان للعلماء. خرج حيًّا ومات قبل اليوم السابع، فيه أيضًا قولان، لكن القول بالعق أقوى من القول بالعق في المسألة التي قبلها. بقي إلى اليوم السابع ومات في اليوم الثامن.
    طلبة: يُعق عنه.
    الشيخ: يُعقُّ عنه قولًا واحدًا.
    ذكر المؤلف الشارح أنه يسمى في هذا اليوم، يوم السابع، ومحل ذلك ما لم يكن الاسم قد هُيِّئ قبل الولادة، فإن كان قد هيئ قبل الولادة فإنه يُسمى في يوم الولادة، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دخل ذات يوم على أهله فقال: «وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ وَلَدٌ وَسَمَّيْتُهُ إِبْرَاهِيمَ» (9)، فسماه من حين ولادته؛ لأنه قد هيأ الاسم.
    طالب: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذَنَّ» (6) والأمر قلنا: إذا كان من باب الآداب فهو للاستحباب إلا بقرينة، ما هي القرينة التي جعلت الأمر للتحريم؟
    الشيخ: النهي، ذكرنا أن التأكيد: «لَا يَأْخُذَنَّ» يدل على ذلك، ثم إن هذا من باب التعبد؛ لأن تركك إياها امتثالًا لأمر الله تعبد بخلاف الآداب التي تكون بين الناس من أجل احترام الناس بعضهم لبعض وما أشبه ذلك، فالأقرب التحريم، وإن كان الكراهة محتملة.
    طالب: هل يسن أن يذبح الإنسان عقيقة عن نفسه إذا ما عق عنه والداه؟
    الشيخ: إي، تأتي إن شاء الله تعالى.
    (1/4170)
    ________________________________________
    طالب: شعر المسلم الأصل فيه جواز إزالته أو لا؟
    الشيخ: الشعور ثلاثة أقسام: ما يحرم إزالته، وما يُشرع إزالته، وما سُكت عنه، فالذي يشرع إزالته الشارب، ويش بعد؟
    طالب: والإبط.
    الشيخ: والإبط.
    طالب: والعانة.
    الشيخ: والعانة. والذي تحرم إزالته اللحية.
    طالب: والحاجبين.
    الشيخ: لا، ما تحرم، اللي يحرم النمص الذي هو النتف، وما سُكت عنه فهو ما سوى ذلك، فقال بعض العلماء: إنه لا تجوز إزالته؛ لأنه من تغيير خلق الله، والأصل في تغيير خلق الله، أيش؟
    طلبة: التحريم.
    الشيخ: التحريم؛ لأنه من أوامر الشيطان {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119]. وقال بعض العلماء: إن هذا مما سُكت عنه، وإنه لا يدخل في الآية، والدليل على أنه لا يدخل في الآية أن الشارع قسَّم أخذ الشعر إلى أقسام، أمر بأخذ الشارب والعانة والإبط، مع أنه من تغيير خلق الله، وأباح حلق الرأس، النص: احْلقه كله أو اتركه كله (10). ونهى عن حلق اللحية، فدل ذلك على أن أخذ الشعر لا يُعد من تغيير خلق الله، وعلى هذا فيقال: الأولى ألا يُزال، وأن يبقى على ما هو عليه إلا أن يكون في ذلك تشويه؛ لأنه يوجد مثلًا بعض النساء يكثر معها الشعر في الذراعين أو في الساقين، ولا ترغب ذلك، هذه نقول: لا بأس تأخذ، ما فيها شيء.
    طالب: إذا وكل شخصًا ليذبح الهدي أو الأضحية، فهل هذا الموكل يلزمه ألَّا يأخذ من شعره؟
    الشيخ: الوكيل عنه؟
    الطالب: إي الوكيل.
    الشيخ: لا، ما يلزمه، إذا وكَّل شخصًا يذبح له الأضحية، أو يشتريها ويذبحها أيضًا فلا يتعلق به الحكم؛ لأنه وكيل محض.
    طالب: بارك الله فيكم، بالنسبة للترديد خلف المؤذن.
    الشيخ: متابعة المؤذن.
    الطالب: متابعة المؤذن، هل الأفضل أن يسمع الإنسان جميع الأذان أم يكفي أن يسمع البعض؟
    الشيخ: الظاهر أنه إذا سمع البعض، قال ما سبق، ثم تابع.
    الطالب: يا شيخ، والحديث يقول: «إِذَا سَمِعْتُمْ» (11).
    (1/4171)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم، هذا سمع المؤذن، سمع آخر الأذان.
    طالب: هل يجزئ يا شيخ غير الشاة في العقيقة؟
    الشيخ: يعني يقول: هل يجوز أن أعق ببعير؟ نقول: نعم، يجوز، لكن الشاة أفضل، لكنها البعير لا تجزئ إلا عن واحد، ما تجزئ عن سبع عقائق. ( ... )
    ***
    يسأل، يقول: رجل قتل الآخر، وكانت زوجة المقتول من أقرباء القاتل، فطلب أولياء المقتول القصاص، وطلبت هي الدية، فهل يُنفَّذ به القصاص أم الدية؟ إحنا ما ذكرنا هذه؟
    طلبة: نعم، ذكرناها.
    الشيخ: ذكرناها وقلنا لكم: إن الله يقول: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء} [البقرة: 178] وشيء نكرة في سياق الشرط، وقلنا لكم: لو أنه لا يستحق من الميراث إلا واحدًا من ألف، وعفا سقط القصاص.
    طالب: هي متهمة يا شيخ؛ لأنها من أولياء القاتل.
    الشيخ: ولو اتهمت ما علينا، حتى لو صرحت قالت: عفوت ليسقط عنه القصاص ما فيه بأس.
    أيش تسأل يقول: التكبير في الصلاة، هل يكون فعل التكبير أولًا أو النطق بالتكبير، وأيش الفرق بين فعل التكبير والنطق بالتكبير؟
    طالب: هل يكون قبل النطق أم بعده؟
    الشيخ: التكبير قبل النطق! ! التكبير هو النطق.
    طلبة: رفع اليدين يا شيخ.
    الشيخ: إي، رفع اليدين، رفع اليدين هذا له ثلاث صفات: تكبر ثم ترفع، أو ترفع ثم تكبر، أو يكون الرفع مع التكبير، كلها جاءت بها السنة.
    ***
    (1/4172)
    ________________________________________
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا ومحمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبق لنا بيان حكم العقيقة، وأنها سُنَّة مؤكدة، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله قال: يقترض إذا لم يكن عنده مال، وأرجو أن يخلف الله عليه؛ لأنه أحيا سُنَّة، ولكن الصحيح -كما سبق- أنه إذا كان يرجو الوفاء عن قرب فلا بأس كموظف ليس عنده في الوقت الحاضر دراهم يقترض حتى يأتي الراتب، هذا لا بأس، وأما رجل لا يرجو الوفاء عن قُرب، وليس له مورد فلا ينبغي أن يقترض، وسبق لنا أنها عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، وسبق أن وقت ذبحها هو اليوم السابع، فإن فات ففي أربعة عشر، فإن فات ففي واحد وعشرين، ثم لا تعتبر الأسابيع بعد ذلك، وسبق لنا أنها تطبخ أفضل منها نية بخلاف الأضحية، وذلك أنها طعام، فإذا أعطي صاحبه وهو جاهز مطبوخ كان أحسن، وسبق لنا أنه لا يُكسر لها عظم، وقد ورد فيه حديث، لكنه من مراسيل أبي داود ضعيف إلا أنه وردت آثار عن الصحابة أنه لا يُكسر لها عظم، وسبق لنا أنها كالأضحية في الأكل، والشرب، وغير ذلك؛ ولهذا قال المؤلف: وحكمها كالأضحية.
    (1/4173)
    ________________________________________
    إذا كانت كالأضحية فإنها لا تُجزئ إلا من بهيمة الأنعام، فلو عق بفرس لم يجزئ، ولا تجزئ حتى تبلغ السن المعتبر شرعًا، هذا الشرط الثاني، وهو في الضأن ستة أشهر، وفي الماعز سنة، وفي البقر سنتان، وفي الإبل خمس سنين، ولا تجزئ إلا سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء، مثل: العور البين، والمرض البين، والعرج البين والهزال، ولكن في الأضحية سبق أن الإبل أفضل إذا أخرجها كاملة، أما في العقيقة فإن الأفضل شاة أو شاتان؛ شاة للأنثى، وشاتان للذكر أفضل من البعير أو البعيرين؛ لأن ذلك هو الذي وردت به السنة، وفي هذا الحكم تخالف الأضحية، وسبق أيضًا أنها تخالفها في أنها تُوزع بعد الطبخ، وتنزع جدولًا، كذلك أيضًا تخالف الأضحية في قولهم (إلا أنه لا يجزئ فيها شِرْك في دم)، (إلا أنها) -أي العقيقة- (لا يجزئ فيها شرك في دم)، يعني فلا تجزئ البعير عن اثنين، ولا البقرة عن اثنين، وإذا لم تجزئ عن اثنين لا تجزئ عن ثلاثة، ولا عن أربعة من باب أولى.
    قال العلماء: ووجه ذلك، أولًا: أنه لم يرد التشريك فيها، والعبادات مبنية على التوقيف.
    ثانيًا: أنها فداء، والفداء لا يتبعض؛ لأنها فداء عن النفس، فإذا كانت فداء عن النفس، فلا بد أن تكون نفسًا، والتعليل الأول لا شك أنه هو الأصوب؛ لأنه لو ورد التشريك فيها بطل التعليل الثاني، فيكون مبنى الحكم على أيش؟
    طالب: على النص.
    الشيخ: على عدم ورود ذلك.
    (1/4174)
    ________________________________________
    قال: (ولا تُسنُّ الفرَعة ولا العتيرة)، هاتان ذبيحتان معروفتان في الجاهلية، وقد اختلفت الأحاديث في إثباتهما أو نفيهما، ومن ثم قال المؤلف: (لا تسن الفرعة) الفرعة هي ذبح أول ولد للناقة، إذا ولدت الناقة أول ولد، فإنهم يذبحونه لآلهتهم تقربًا إليها، ومعلوم أن الإنسان لو ذبح على هذا الوجه لكان شِرْكًا أكبر، ما فيه إشكال، لكن لو ذبحها شكرًا لله على نعمته لكون هذه الناقة ولدت، فيذبح أول نتاج لها شكرًا لله عز وجل من أجل أن يبارك الله له في النتاج المستقبل، فهنا لا شك أن النية تُخالف ما كان أهل الجاهلية يفعلونه تمامًا، ولكنها توافق ما كان أهل الجاهلية يفعلونه في الفعل، وإن اختلفت النية، فهل يقال: إنها من أجل ذلك ينهى عنها كما نهي عن الذبح لله بمكان يُذبح فيه لغير الله، لكن هذا هو التعليل الصحيح؛ أنها مكروهة لولا أنه ورد في السنة ما يدل على الجواز.
    وعلى هذا فنقول: إن ذبح الإنسان الفرَعة بقصد كقصد أهل الجاهلية فهو شرك محرم لا إشكال فيه، وإن ذبحها من أجل أن يكون ذلك شكرًا لله على هذا النتاج الذي هذا أوله، ولتحصل البركة في المستقبل، فهذا لا بأس به، ولكن هل هو سُنَّة؟ يقول المؤلف: (لا تُسنُّ الفرعة).
    كذلك: (ولا العتيرة) (العَتِيرة) (فعِيلة) بمعنى (مفْعُولة) من العَتْر، وهي ذبيحة تُذبح في أول شهر رجب، وكانوا في الجاهلية يعظمون رجبًا؛ لأن رجبًا أحد الأشهر الأربعة الحرم التي هي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، فكانوا يُعظِّمون هذا الشهر، وكانوا يخصونه بالعمرة أيضًا؛ فلذلك لهم عبادات في هذا الشهر؛ منها العتيرة، يذبحونها في أول رجب.
    والمؤلف يقول: (لا تُسنُّ)، واستدل بالحديث المتفق عليه (12) وهو قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» وفي رواية للنسائي: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ فِي الْإِسْلَامِ» (13). وتخصيص ذلك بالإسلام يوحي بأنها من خصال.
    طلبة: الجاهلية.
    (1/4175)
    ________________________________________
    الشيخ: الجاهلية، ولهذا كره بعض العلماء، كره العتيرة بخلاف الفرعة؛ لأنه وردت بها السنة، أما العتيرة فكرهها وهي جديرة بأن تكون مكروهة. لا، يعني الذبيحة في أول رجب لا سيما وأنه إذا ذُبح في أول رجب وقيل للناس: إن هذا لا بأس به، فإن النفوس ميَّالة إلى مثل هذه الأفعال، فربما يكون شهر رجب كشهر الأضحية، كشهر ذي الحجة، ويتكاثر الناس على ذلك، ويبقى مظهرًا ومشعرًا من مشاعر المناسك، وهذا لا شك أنه محظور، فالذي يترجح عندي أن الفرعة لا بأس بها لورود السنة بها، وأما العتيرة فإنها أقل أحوالها الكراهة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نفى ذلك وقال: «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ». وبهذا انتهى باب الأضاحي، وباب الهدي، وبه يتبين لنا أن الدماء المشروعة ثلاثة أقسام: هدي، وأضحية، وعقيقة.
    هذه هي الدماء المشروعة، وأما وليمة العرس كقول النبي عليه الصلاة والسلام: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» (14)؛ فإنها لا تختص ببهيمة الأنعام، تكون وليمة بهذا، وتكون وليمة بغير ذلك.
    الذبائح المسنونة هي الهدي والأضاحي والعقيقة، وأما الوليمة التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الرحمن بن عوف: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»، فهذا ليس خاصًّا ببهيمة الأنعام تكون وليمة بهذا، وتكون بالطعام، وتكون بالتمر، وبالحيس الذي يُخلط التمر وأقط وسمن، فهي لا تختص بهذا، لكن إذا أولم بشاة فلا بأس.
    ما يفعله بعض الناس إذا نزل بيتًا جديدًا ذبح ودعا الجيران والأقارب، هذا لا بأس به ما لم يكن مصحوبًا بعقيدة فاسدة كما يُفعل في بعض الأماكن إذا نزل أول ما ينزل البيت يأتي بشاة، ويذبحها على العتبة -عتبة الباب- حتى يسيل الدم على العتبة، ويقول: إن هذا يمنع الجن دخول البيت، هذه عقيدة فاسدة، ليس لها أصل، لكن من ذبح من أجل الفرح والسرور، فهذا لا بأس به.
    (1/4176)
    ________________________________________
    أيضًا ما يفعله بعض الناس الآن إذا كان في رمضان، ذبحوا ذبائح، وقالوا: هذا عشان الأب، عشان الجد، عشان الأم، عشان الخالة، عشاء الوالدين جميعًا، هذا أيضًا ليس بمشروع إلا إذا ذبح الإنسان هذا من أجل اللحم، لا من أجل أن يتقرب إلى الله بالذبح، فإن كان هذا الثاني فإنه لا بأس به، قد يقول: أنا لا أريد أن أذهب إلى المجزرة، أريد أن أذبح الشاة عندي، وآكل لحمها فقط، لا تقربًا إلى الله بالذبح، ولا افتخارًا فيقال: ذبح عن أبيه شاة أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به.
    الهدي منه واجب، ومنه تطوُّع، الواجب هدي المتعة والقران، والتطوع أن يتقرب الإنسان إلى الله عز وجل بذبح شاة أو بقرة أو بعير في مكة ليتصدق بها على الفقراء بدون سبب، وأما الدم الواجب لفعل محظور أو ترْك واجب، فهذا يسمى فدية، ولا يأكل منه صاحبه شيئًا.
    ***
    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى:
    [مدخل]
    (كتاب الجهاد)

    (الجهاد) مصدر (جَاهَد) الرباعي، وهو بذل الجهد في قتال العدو، هذا الجهاد، وينقسم الجهاد إلى ثلاثة أقسام: جهاد النفس، وجهاد المنافقين، وجهاد الكفار المبارزين المعاندين، أما الأول -وهو جهاد النفس- فهو إرغامها، ومخالفتها في معصية الله؛ أي: إرغامها على طاعة الله ومخالفتها في الدعوة إلى معصية الله، وهذا الجهاد يكون شاقًّا على الإنسان مشقة شديدة لا سيما إذا كان في بيئة فاسقة؛ فإن البيئة قد تعصف به حتى ينتهك حرمات الله، وحتى يدع ما أوجب الله عليه، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه حينما رجع من غزوة تبوك قال: «رَجَعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ» يعني جهاد النفس، لكن هذا الحديث غير صحيح.
    (1/4177)
    ________________________________________
    أما النوع الثاني فهو جهاد المنافقين، وجهاد المنافقين يكون بالعلم لا بالسلاح؛ لأن المنافقين لا يُقاتَلون؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استؤذن أن يقتل المنافقون الذين عُلم نفاقهم، فقال: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَضْحَابَهُ» (15) وهم لهم جهاد، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التوبة: 73]، ولكن جهادهم بالعلم، ولهذا يجب علينا أن نتسلح بالعلم أمام المنافقين الذين يوردون الشبهات على دين الله ليصدوا عن سبيل الله، فإذا لم يكن لدى الإنسان علم فإنه ربما تكثر الشبهات والشهوات والبدع، ولا يستطيع أحد أن يردعها.
    الثالث: جهاد المبارزين المعاندين المحاربين وهم الكفار الذين أعلنوا، وصرحوا بالكفر، وهذا يكون بماذا؟
    يكون بالسلاح، وقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]. قد يقال: إنه يشمل النوعين؛ جهاد المنافقين بالعلم، وجهاد الكفار بالسلاح، ولكن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» (16) يؤيد أن المراد بذلك؟
    طالب: السلاح.
    الشيخ: السلاح في المقاتلة، الجهاد يقول المؤلف: (فرض كفاية)، وفرض الكفاية هو الذي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وصار في حقهم سنة، وهذا حكمه، أما مرتبته في الإسلام فقد سماه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ذُرْوَة سَنَامِ الْإِسْلَامِ» (17)، ذروة سنامه، والسَّنام: هو الشحم النابت فوق ظهر الجمل، وذروته أعلاها، وإنما جعله النبي عليه الصلاة والسلام ذروة سنام الإسلام؛ لأنه يعلو به الإسلام، ويرتفع به الإسلام، كما أن سنام البعير كان فوق مرتفعًا فهو له مرتبة، وله حكم، حكمه؟
    طلبة: فرض كفاية.
    الشيخ: ومرتبته؟
    طلبة: ذروة سنام ..
    الشيخ: أنه ذروة سنام الإسلام.
    (1/4178)
    ________________________________________
    وقوله: (هو فرض كفاية) لا بد فيه من شرط؛ وهو الكفاية؛ أي بأن يكون عند الإنسان أو عند المسلمين قدرة يستطيعون بها القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة، فإن إقحام أنفسهم بالقتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة؛ ولهذا لم يُوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة؛ لأنهم عاجزون ضعفاء، فلما هاجروا إلى المدينة، وكونوا الدولة الإسلامية، وصار لهم شوكة أُمروا بالقتال، وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط أن يكون عند المسلمين قوة يستطيعون بها الجهاد وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات؛ لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] إذن لا بد من القدرة.
    قال: (ويجب) يعني يجب الجهاد (إذا حضره) يعني يكون فرض عين إذا حضر الإنسان القتال؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16].
    وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن التولي يوم الزحف من الموبقات، حيث قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» (18) وذكر منها التولي يوم الزحف إلا أن الله تعالى استثنى حالين:
    الأولى: أن يكون متحرفًا لقتال؛ بمعنى أن يذهب لأجل أن يأتي بقوة أكثر.
    والثاني: أن يكون منحازًا إلى فئة؛ بحيث يُذكر له أن فئة من المسلمين من الجانب الآخر تكاد تنهزم، فيذهب من أجل أن يتحيز إليها تقويةً لها، وهذا الأخير يشترط فيه ألا يخاف على الفئة التي هو فيها، فإن خاف على الفئة التي هو فيها فإنه لا يجوز أن يذهب إلى الفئة الأخرى.
    (1/4179)
    ________________________________________
    إذن يكون في هذه الحال إذا حضر أيش؟
    طالب: واجبًا.
    الشيخ: واجبًا فرض عين، لا يجوز عنه الانصراف.
    الثاني: إذا حصر بلده العدو يجب عليه القتال دفعًا عن البلد، وهذا يشبه من حضر الصف في القتال؛ لأن العدو إذا حصر البلد فلا بد من الدفاع؛ إذ إن العدو سيمنع الخروج من هذا البلد، وسيمنع الدخول إلى هذا البلد، وسيمنع ما يأتي لهم من الأرزاق، وغير ذلك مما هو معروف، ففي هذا الحال يجب أن يُقاتل أهل البلد دفاعًا عن بلدهم.
    الثالث: قال: (أو استنفره الإمام) استنفر؛ أي: قال: انفروا، والإمام هو ولي الأمر الأعلى في الدولة، ولا يُشترط أن يكون إمامًا عامًّا للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت منذ أزمان متطاولة، والنبي عليه الصلاة والسلام، قال: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ تَأَمَّرْ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ» (19). فإذا تأمر إنسان على جهة ما صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذًا، وأمره مطاعًا، وأنتم تعلمون أنه مِنْ عَهْد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه والأمة الإسلامية بدأت تتفرق، فابن الزبير في الحجاز، وبنو مرْوان في الشام، والمختار بن عبيد وغيرهم في العراق، تفرَّقت الأمة، وما زال أئمة الإسلام يَدِينون بالولاء والطاعة لمن تأمر على ناحيتهم، وإن لم تكن له الخلافة العامة، وبهذا نعرف ضلال مَنْ؟
    ضلال ناشئة نشأت تقول: إنه لا إمام للمسلمين اليوم، فلا بيعة لأحد، نسأل الله العافية، وهؤلاء لا أدري هل يريدون أن تكون الأمور فوضى، ليس للناس قائد يقودهم؟ ! هل يريدون أن يقال: كل إنسان أمير نفسه؟ !
    (1/4180)
    ________________________________________
    هؤلاء إذا ماتوا من غير بيعة فإنهم يموتون ميتة جاهلية والعياذ بالله؛ لأن عمل المسلمين منذ أزمنة متطاولة على أن من استولى على ناحية من النواحي، وصار له الكلمة العليا فيها فهو إمام؛ إمام فيها، وقد نص على ذلك العلماء، مثل صاحب سبل السلام وقال: إن هذا لا يمكن الآن تحقيقه، وهذا هو الواقع الآن في البلاد التي في ناحية واحدة تجدهم يجعلون انتخابات، ويحصل صراع على السلطة، ويحصل رشاوى، وبيع ذمم، وإلى غير ذلك، فإذا كان البلد الواحد لا يستطيعون أن يولوا عليهم واحدًا إلا بمثل هذه الانتخابات المزيفة، فكيف بالمسلمين عمومًا؟ ! هذا لا يمكن.
    إذن نقول: (إذا استنفره الإمام) وإمام كل ناحية من كان واليًا عليها الذي له السلطة العليا في هذه الناحية، إذا استنفره الإمام وجب عليه الخروج؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [التوبة: 38، 39] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» (20). هذا من ناحية أدلة سمعية.
    دليل عقلي: لأن الناس لو تمردوا في هذا الحال على الإمام لحصل الخلل الكبير على الإسلام؛ إذ إن العدو سوف يقدم، ويتقدم إذا لم يجد من يقاومهم ويدافع.
    (1/4181)
    ________________________________________
    بقي مسألة رابعة أو صورة رابعة: إذا احتيج إليه صار فرض عين عليه، كيف يحتاج إليه؟ يعني مثلًا هذا الرجل عندنا دبابات أو طائرات لا يعرف قيادتها إلا هذا الرجل، حينئذٍ يجب عليه أن يقاتل؛ لأن الناس محتاجون إليه، وهذا ربما نقول: إن هذه الصورة الرابعة أو المسألة الرابعة تُؤخذ من قولنا: إنه فرض كفاية؛ لأنه إذا لم يقم به أحد واحتيج إلى هذا الرجل، فهذا هو فرض الكفاية، يكون فرض عين عليه، والحاصل أن الجهاد يجب في أربع مسائل، يجب وجوب عين في أربع مسائل:
    المسألة الأولى: إذا حضر القتال.
    والثاني: إذا حصر بلده العدو.
    والثالث: إذا استنفره الإمام.
    والرابع: إذا احتيج إليه.
    وما عدا ذلك فهو فرض كفاية. ثم هل الجهاد يكون بالنفس أو بالمال أو بهما؟
    طالب: بهما.
    الشيخ: يكون بهما؛ تارة يجب بالمال في حال من لا يقدر على الجهاد ببدنه، وتارة يجب على البدن في حال من لا مال له، وتارة يجب بالمال والبدن في حال القادر ماليًّا وبدنيًّا، وكما تقرؤون القرآن، يذكر الله عز وجل الجهاد بالمال، والجهاد بالنفس، وربما يقدم الجهاد بالمال في الآيات كلها، أو أكثرها يقدم الجهاد بالمال؛ لأن الجهاد بالمال أهون على النفوس من الجهاد بالنفس، وربما يحتاج الجند إلى المال أكثر مما يحتاجون إلى الرجال.
    يقول: (وتمام الرباط أربعون يومًا) أفاد المؤلف أن هناك رباطًا، فما هو الرباط؟
    الرباط مصدر رابط والرباط هو لزوم الثغر، الثغر: هو المكان الذي يُخشى دخول العدو منه إلى أرض المسلمين، وأقرب ما يقال فيه بالنسبة إلى واقعنا أنه الحدود، هذه الثغور، الثغور هي الحدود التي بين الأراضي الإسلامية والأراضي الكفرية.
    (1/4182)
    ________________________________________
    يُسن للإنسان أن يرابط؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [آل عمران: 200]، وأول ما يدخل في الآية الرباط على الثغور، يرابط الإنسان ليحمي بلاد المسلمين من دخول الأعداء، ويجب على المسلمين أن يحفظوا حدودهم من الكفار؛ إما بعهد وأمان، وإما بسلاح ورجال حسب ما تقتضيه الحال.
    الرباط أقله ساعة؛ يعني لو ذهب الإنسان بالتناوب مع زملائه ساعة واحدة، حصل له أجره وتمامه أربعون يومًا، هكذا جاء في الحديث الذي يقول: رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب، لكن لو زاد على الأربعين، هل له أجر؟
    طالب: نعم.
    الشيخ: نعم، له أجر لا شك، ثم هل يذهب بأهله إلى هذه الثغور ليسكنوا معه أو الأوْلى ألا يذهب بهم خوفًا عليهم؟
    طالب: الثاني.
    طالب آخر: فيه تفصيل.
    الشيخ: فيه تفصيل؛ إذا كان الثغر مخوفًا، فلا ينبغي أن يذهب بأهله، وإذا كان غير مخوف؛ فالأولى أن يذهب بهم ليزداد طمأنينة؛ لأن الإنسان إذا كان بعيدًا عن أهله فإنه سوف يكون مشوش البال بالنسبة لحال أهله.
    وتمام الرباط أربعون يومًا، إذن ما هو الرباط؟
    طلبة: لزوم الثغور.
    الشيخ: لزوم الثغور؛ أي الحدود بين المسلمين والكفار.
    (وإذا كان أبواه مسلمين لم يجاهد تطوعًا إلا بإذنهما) (إذا كان أبواه) أي أبوا الشخص؛ يعني أمه وأباه، وأطلق عليهما الأبوان من باب؟
    طلبة: التغليب.
    الشيخ: التغليب كما يقال: القمرانِ للشمس والقمر، ويقال: العمران لأبي بكر وعمر رضي الله عنهم، فإذا كان الإنسان له أبوان مسلمان، وأراد الجهاد تطوعًا فإنه لا بد من إذنهما، فإن أذِنا له وإلَّا حرم عليه الجهاد.
    (1/4183)
    ________________________________________
    (كتابُ الْجِهادِ)
    وهو فَرْضُ كِفايةٍ، و (يَجِبُ) إذا حَضَرَه، أو حَصَرَ بلدَه عَدُوٌّ، أو اسْتَنْفَرَه الإمامُ، وتَمامُ الرِّباطِ أربعون يَوْمًا، وإذا كان أبواه مُسلِمَيْنِ لم يُجاهِدْ تَطَوُّعًا إلا بإذْنِهِما، ويَتَفَقَّدُ الإمامُ جَيْشَه عندَ الْمَسيرِ، ويَمْنَعُ الْمُخَذِّلَ والْمُرْجِفَ، وله أن يُنَفِّلَ في بِدايتِه الربُعَ بعدَ الْخُمُسِ، وفي الرَّجْعَةِ الثلُثَ بعدَه، ويَلْزَمُ الجيشَ طاعتُه والصبرُ معَه , ولا يَجوزُ الغزوُ إلا بإذنِه - إلا أن يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخافونَ كَلَبَه.
    وتُمْلَكُ الغَنيمةُ بالاستيلاءِ عليها في دارِ الحربِ، وهي لِمَنْ شَهِدَ الوَقعةَ من أَهْلِ القِتالِ،

    [مدخل]
    الطالب:

    كتاب الجهاد
    وهو فرض كفاية، ويجب إذا حضره أو حصر بلده عدو، أو استنفره الإمام، وتمام الرباط أربعون يومًا، وإذا كان أبواه مسلمين لم يجاهد تطوعًا إلا بإذنهما، ويتفقد الإمام جيشه عند المسير، ويمنع المخذل والمرجف، وله أن ينفل في بدايته الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعده، ويلزم الجيش طاعته والصبر معه، ولا يجوز الغزو إلا بإذنه، إلا أن يفجأهم عدو يخافون كَلَبَهُ.
    وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب، وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال، فيخرج الخمس ثم يقسم باقي الغنيمة للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت ويشاركونه فيما غنم، والغال من الغنيمة يحرق رحله كله إلا السلاح والمصحف وما فيه روح.
    وإذا غنموا أرضًا فتحوها بالسيف خير الإمام بين قسمها ووقفها على المسلمين، ويضرب عليها خراجًا مستمرًّا يؤخذ ممن هي بيده.
    والمرجع في الخراج والجزية إلى اجتهاد الإمام، ومن عجز عن عمارة أرضه أجبر على إجارتها، أو رفع يده عنها، ويجري فيها الميراث. وما أخذ من مال مشرك كجزية وخراج وعشر، وما تركوه فزعًا، وخمس خمس الغنيمة ففيء يصرف في مصالح المسلمين.
    (1/4184)
    ________________________________________
    الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: (كتاب الجهاد)، الجهاد مصدر (جاهد) الرباعي، وهو بذل الجهد في قتال العدو، هذا الجهاد، وينقسم الجهاد إلى ثلاثة أقسام: جهاد النفس، وجهاد المنافقين، وجهاد الكفار المبارزين المعاندين.
    أما الأول -وهو جهاد النفس- فهو إرغامها ومخالفتها في معصية الله، أي: إرغامها على طاعة الله ومخالفتها في الدعوة إلى معصية الله، وهذا الجهاد يكون شاقًّا على الإنسان مشقة شديدة، لاسيما إذا كان في بيئة فاسقة، فإن البيئة قد تعصف به حتى ينتهك حرمات الله، وحتى يدع ما أوجب الله عليه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه حينما رجع من غزوة تبوك قال: «رَجَعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ» (1) يعني جهاد النفس، لكن هذا الحديث غير صحيح.
    أما النوع الثاني فهو جهاد المنافقين، وجهاد المنافقين يكون بالعلم، لا بالسلاح؛ لأن المنافقين لا يقاتلون؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استؤذن أن يُقتل المنافقون الذين علم نفاقهم فقال: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» (2)، وهم لهم جهاد، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التحريم: 9]، ولكن جهادهم بالعلم، ولهذا يجب علينا أن نتسلح بالعلم أمام المنافقين الذين يوردون الشبهات على دين الله ليصدوا عن سبيل الله، فإذا لم يكن لدى الإنسان علم فإنه ربما تكثر الشبهات والشهوات والبدع ولا يستطيع أحد أن يردعها.
    (1/4185)
    ________________________________________
    الثالث: جهاد المبارزين المعاندين المحاربين، وهم الكفار الذي أعلنوا وصرحوا بالكفر، وهذا يكون بماذا؟ يكون بالسلاح. وقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] قد يقال: إنه يشمل النوعين: جهاد المنافقين بالعلم، وجهاد الكفار بالسلاح، ولكن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» (3) يؤيد أن المراد بذلك.
    طالب: المقاتلة.
    الشيخ: السلاح، المقاتلة.

    [وجوب الجهاد]
    الجهاد يقول المؤلف: (فرض كفاية) وفرض الكفاية هو الذي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وصار في حقهم سنة، وهذا حكمه، أما مرتبته في الإسلام فقد سماه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ذُرْوَة سَنَامِ الْإِسْلَامِ» (4) ذروة سنامه، والسنام هو الشحم النابت فوق ظهر الجمل، وذروته أعلاه، وإنما جعله النبي عليه الصلاة والسلام ذروة سنام الإسلام لأنه يعلو به الإسلام، ويرتفع به الإسلام، كما أن سنام البعير كان فوق، مرتفعًا، فهو له مرتبة، وله حكم.
    حكمه؟
    طالب: فرض كفاية.
    الشيخ: ومرتبته؟
    أنه ذروة سنام الإسلام.
    وقوله: (هو فرض كفاية)، لا بد فيه من شرط، وهو الكفاية، أي: بأن يكون عند الإنسان أو عند المسلمين قدرة يستطيعون بها القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم بالقتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، ولهذا لم يوجب الله -سبحانه وتعالى- على المسلمين القتال وهم في مكة؛ لأنهم عاجزون ضعفاء، فلما هاجروا إلى المدينة وكونوا الدولة الإسلامية وصار لهم شوكة أمروا بالقتال، وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط؛ أن يكون عند المسلمين قوة يستطيعون بها الجهاد وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات؛ لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، إذن لا بد من القدرة.
    (1/4186)
    ________________________________________
    قال: (ويجب) يعني يجب الجهاد (إذا حضره) يعني يكون فرض عين إذا حضر الإنسان القتال؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16]، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن التولي يوم الزحف من الموبقات؛ حيث قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»، وذكر منها «التولِّي يَوْمَ الزَّحْفِ» (5)، إلا أن الله تعالى استثنى حالين:
    الأولى: أن يكون متحرفًا لقتال، بمعنى أن يذهب لأجل أن يأتي بقوة أكثر.
    والثانية: أن يكون منحازًا إلى فئة بحيث يذكر له أن فئة من المسلمين من الجانب الآخر تكاد تنهزم، فيذهب من أجل أن يتحيز إليها تقوية لها، وهذا الأخير بشرط، هذا الأخير يشترط فيه ألا يخاف على الفئة التي هو فيها، فإن خاف على الفئة التي هو فيها فإنه لا يجوز أن يذهب إلى الفئة الأخرى. إذن يكون في هذه الحال إذا حضره واجبًا، فرض عين، لا يجوز عنه الانصراف.
    الثاني: إذا حصر بلده العدو: يجب عليه القتال دفعًا عن البلد، وهذا يشبه من حضر الصف في القتال؛ لأن العدو إذا حصر البلد فلا بد من الدفاع؛ إذ إن العدو سيمنع الخروج من هذا البلد، وسيمنع الدخول إلى هذا البلد، وسيمنع ما يأتي لهم من الأرزاق، وغير ذلك مما هو معروف، ففي هذا الحال يجب أن يقاتل أهل البلد دفاعًا عن بلدهم.
    (1/4187)
    ________________________________________
    الثالث: قال: (أو استنفره الإمام)، (استنفره) أي: قال: انفروا، والإمام هو ولي الأمر الأعلى في الدولة، ولا يشترط أن يكون إمامًا عامًّا للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت منذ أزمان متطاولة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ» (6)، فإذا تأمر إنسان على جهة ما صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذًا، وأمره مطاعًا، وأنتم تعلمون أنه من عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه والأمة الإسلامية بدأت تتفرق، فابن الزبير في الحجاز، وبنو مروان في الشام، والمختار بن عبيد وغيرهم في العراق، تفرقت الأمة، وما زال أئمة الإسلام يدينون بالولاء والطاعة لمن تأمر على ناحيتهم وإن لم تكن له الخلافة العامة.
    وبهذا نعرف ضلال ناشئة نشأت تقول: إنه لا إمام للمسلمين اليوم، فلا بيعة لأحد -نسأل الله العافية- وهؤلاء لا أدري هل يريدون أن تكون الأمور فوضى، ليس للناس قائد يقودهم؟ هل يريدون أن يقال: كل إنسان أمير نفسه؟ هؤلاء إذا ماتوا من غير بيعة فإنهم يموتون ميتة جاهلية والعياذ بالله؛ لأن عمل المسلمين منذ أزمنة متطاولة على أن من استولى على ناحية من النواحي وصار له الكلمة العليا فيها، فهو إمام، إمام فيها، وقد نص على ذلك العلماء مثل صاحب سبل السلام وقال: إن هذا لا يمكن الآن تحقيقه، وهذا هو الواقع، الآن في البلاد التي في ناحية واحدة تجدهم يجعلون انتخابات، ويحصل صراع على السلطة، ويحصل رشاوى، وبيع ذمم إلى غير ذلك، فإذا كان البلد الواحد يعني لا يستطيعون أن يولوا عليهم واحدًا إلا بمثل هذه الانتخابات المزيفة فكيف بالمسلمين عمومًا؟ هذا لا يمكن.
    (1/4188)
    ________________________________________
    إذن نقول: (إذا استنفره الإمام) وإمام كل ناحية من كان واليًا عليها، الذي له السلطة العليا في هذه الناحية، (إذا استنفره الإمام) وجب عليه الخروج؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُو يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [التوبة: 38، 39]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اسْتُنْفِرتُمْ فَانْفِرُوا» (7)، ولأن هذا دليل عقلي؛ لأن الناس لو تمردوا -في هذا الحال- على الإمام لحصل الخلل الكبير على الإسلام؛ إذ إن العدو سوف يقدم ويتقدم إذا لم يجد من يقاومه ويدافعه.
    بقي مسألة رابعة أو صورة رابعة: إذا احتيج إليه صار فرض عين عليه، كيف يحتاج إليه؟ يعني مثلًا هذا الرجل: عندنا دبابات أو طائرات لا يعرف قيادتها إلا هذا الرجل، حينئذ يجب عليه أن يقاتل؛ لأن الناس محتاجون إليه، وهذا ربما نقول: إن هذه الصورة الرابعة أو المسألة الرابعة تؤخذ من قولنا: إنه فرض كفاية؛ لأنه إذا لم يقم به أحد واحتيج إلى هذا الرجل فهذا هو فرض كفاية يكون فرض عين عليه، والحاصل أن الجهاد يجب في أربع مسائل، يجب وجوب عين في أربع مسائل:
    المسألة الأولى: إذا حضر القتال.
    والثاني: إذا حصر بلده العدو.
    والثالث: إذا استنفره الإمام.
    والرابع: إذا احتيج إليه.
    وما عدا ذلك فهو فرض كفاية.
    ثم هل الجهاد يكون بالنفس أو بالمال أو بهما؟
    طالب: بهما.
    (1/4189)
    ________________________________________
    الشيخ: يكون بهما، تارة يجب بالمال في حال من لا يقدر على الجهاد ببدنه، وتارة يجب على البدن في حال من لا مال له، وتارة يجب بالمال والبدن في حال القادر ماليًّا وبدنيًّا، وكما تقرؤون القرآن يذكر الله عز وجل الجهاد بالمال والجهاد بالنفس، وربما يقدم الجهاد بالمال في الآيات كلها أو أكثرها، يقدم الجهاد بالمال؛ لأن الجهاد بالمال أهون على النفوس من الجهاد بالنفس، وربما يحتاج الجند إلى المال أكثر مما يحتاجون إلى الرجال.
    يقول: (وتمام الرباط أربعون يومًا)، أفاد المؤلف أن هناك رباطًا، فما هو الرباط؟ الرباط مصدر رابط، والرباط: هو لزوم الثغر، الثغر: هو المكان الذي يخشى دخول العدو منه إلى أرض المسلمين، وأقرب ما يقال فيه -بالنسبة لواقعنا- أنه الحدود، هذه الثغور، الثغور هي الحدود التي بين الأراضي الإسلامية والأراضي الكفرية، يسن للإنسان أن يرابط؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]، وأول ما يدخل في الآية الرباط على الثغور، يرابط الإنسان ليحمي بلاد المسلمين من دخول الأعداء، ويجب على المسلمين أن يحفظوا حدودهم من الكفار؛ إما بعهد وأمان، وإما بسلاح ورجال، حسب ما تقتضيه الحال.
    الرباط أقله ساعة، يعني: لو ذهب الإنسان بالتناوب مع زملائه ساعة واحدة حصل له أجر، وتمامه أربعون يومًا، هكذا جاء في الحديث الذي يقول: رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب (8).
    ولكن لو زاد على الأربعين هل له أجر؟ نعم له أجر، لا شك. ثم هل يذهب بأهله إلى هذه الثغور ليسكنوا معه، أو الأولى ألا يذهب بهم خوفًا عليهم؟
    طالب: الثاني
    طالب آخر: فيه تفصيل.
    (1/4190)
    ________________________________________
    الشيخ: نعم، فيه تفصيل، إذا كان الثغر مخوفًا فلا ينبغي أن يذهب بأهله، وإذا كان غير مخوف فالأولى أن يذهب بهم ليزداد طمأنينة؛ لأن الإنسان إذا كان بعيدًا عن أهله فإنه سوف يكون مشوش البال بالنسبة لحال أهله.
    (وتمام الرباط أربعون يومًا)، إذن ما هو الرباط؟ لزوم الثغور، أي الحدود بين المسلمين والكفار.
    (وإذا كان أبواه مسلمين لم يجاهد تطوعًا إلا بإذنهما)، (إذا كان أبواه) أي: أبوا الشخص، يعني أمه وأباه، وأُطلق عليهما الأبوان من باب التغليب؛ كما يقال: القمران للشمس والقمر، ويقال: العمران لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فإذا كان الإنسان له أبوان مسلمان وأراد الجهاد تطوعًا فإنه لا بد من إذنهما، فإن أذنا له وإلا حرم عليه الجهاد.
    فإن قال قائل: هل يلزم استئذان الأب والأم في كل تطوع قياسًا على الجهاد، بمعنى إذا أراد أن يقوم الليل يشترط إذن الأبوين؟ إذا أراد أن يصلي الراتبة يستأذن الأبوين؟ إذا أراد أن يطلب العلم يستأذن الأبوين؟
    نقول: لا يشترط، والفرق أن الجهاد فيه خطر على النفس، وسوف تتعلق أنفس الأبوين بولدهما الذاهب إلى الجهاد، وسوف يحصل لهما قلق، بخلاف ما إذا سافر لطلب علم في بلد آمنة، أو إذا تطوع في بلده بشيء من التطوع، فإن ذلك لا ضرر على الأبوين فيه، وفيه له منفعة.
    ولهذا نقول: ما فيه منفعة للإنسان ولا ضرر على الأبوين فيه فإنه لا طاعة للوالدين فيه؛ منعًا أو إذنًا، لماذا؟ لأنه ليس فيه ضرر، وفيه مصلحة، وأي والد يمنع ولده من شيء فيه مصلحة له وليس على الوالد فيه ضرر فإنه مخطئ فيه، وقاطع للرحم؛ لأن الذي ينبغي للأب أن يشجع أولاده -من بنين أو بنات- على فعل كل خير.
    ونظير هذا بعض النساء تمنع ابنتها من الصوم، من صوم أيام البيض، أو من صوم يومي الإثنين والخميس، تقول: يا بنية هذا يكلف عليك، يا أمي ما فيه كلافة، قالت: يا بنتي فيه كلافة، من الذي يحس بالكلافة؟
    طلبة: الصائمة.
    (1/4191)
    ________________________________________
    الشيخ: البنت الصائمة، لكن بعض النساء يكون عندها تعنت، ولا يحل للوالد أن يمنع ولده من فعل طاعة -سواء ذكر أو أنثى- إلا إذا كان على الوالد في ذلك ضرر، كما لو كان الأب محتاجًا إلى تمريض مثلًا، أو الأم محتاجة إلى تمريض، وإذا اشتغل ابنه أو البنت بهذه الطاعة ضر الأب أو الأم فحينئذ لهما أن يمنعاه، ويجب عليه هو أن يمتنع؛ لأن بر الوالدين واجب والتطوع ليس بواجب.
    (إذا كان أبواه مسلمين لم يجاهد تطوعًا)، قوله: (أبواه مسلمين) ظاهر كلامه أنه ولو كانا رقيقين، ولو كانا رقيقين، فإنه لا يجاهد تطوعًا إلا بإذنهما؛ لأنه لم يقل: مسلمين حرين، بل قال: (أبواه مسلمين) وأطلق، فلو كانا رقيقين ومنعاه من جهاد التطوع فلهما ذلك، ويجب عليه أن يمتنع.
    طيب، وإذا كان أبواه كافرين فمنعاه من جهاد التطوع هل يلزمه طاعتهما؟
    طلبة: لا.
    الشيخ: لا؛ لقوله: (إذا كان أبواه مسلمين)، ولأننا نعلم أن الأبوين الكافرين إنما يمنعان ولدهما من جهاد الكفار لا رأفة بالولد ولكن وقاية للكفار من الجهاد.
    طيب، إذا كان الأبوان فاسقين يكرهان الجهاد، ويكرهان الملتزمين، ويكرهان أن تعلو كلمة الحق، لكنهما مسلمان، هل يشترط إذنهما في جهاد التطوع؟ لأن بعض الناس في أيام الذهاب إلى جهاد أفغانستان يمنع ولده من الذهاب، لا خوفًا عليه، يقول: اذهب لما شئت، اذهب لأمريكا، لفرنسا، لندن، اللي تِبِّيه، لكن للجهاد لا تروح، ونعلم أنه ليس ذلك من أجل الخوف عليه ولكن من أجل كراهة الجهاد. فهل في هذه الحال نقول: لا يجاهد تطوعًا إلا بإذنهما؟ ظاهر كلام المؤلف نعم، ونيته إلى الله، لكن في النفس من هذا شيء، إذا علمنا أنه منعه ليس شفقة عليه لكن كراهة لما يقوم به من جهاد الكفار ومساعدة المسلمين، فهذا في طاعته نظر.
    (1/4192)
    ________________________________________
    يقول: (ويتفقد) بدأ المؤلف الآن بذكر ما يلزم الإمام والجيش، قال: (يتفقد الإمام جيشه عند المسير)، الآن ما فيه جيش، فيه طائرات، دبابات، صواريخ، نقول: إذا ذهب الجيش المكون من إبل وخيل فما ينوب منابه؟ مثله نقول للإمام: تفقد إما بنفسك -إن كنت ذا خبرة- أو بمن تثق به من ذوي الخبرة، يتفقد الجيش وينظر الصالح فيمضيه، والفاسد فيمنعه حتى يكون صالحًا، واضح؟ لماذا؟ لأنه لو ترك وأهمل فربما يكون في السلاح أو في المجاهدين من تكون الهزيمة بسببه، لو ذهب إلى المعركة بالسلاح ثم وجده غير صالح، ماذا تكون النتيجة؟
    طالب: الهزيمة.
    الشيخ: يهزم، فلا بد أن يتفقد الجيش.
    (ويمنع المخذل والمرجف)، ولو قال المؤلف: ويمنع كل من لا يصلح للجهاد لكان أعم. من المخذل؟ المخذل: الذي يزهد الناس في القتال، يخذلهم، يقول: ما له داع، ويش لون نجاهد؟ ما دام دوله ما جاؤوا إلينا نتركهم، ما له داع. إذا قال: ما له داع يفت في عضد الجيش، ما فيه شك.
    أو المرجف الذي يهول قوة العدو، يهول القوة، أو يضعف قوة المسلمين، يقول مثلًا: والله السرية اللي ذهبت قبلنا هزمت وأكلت، ويش يصير هذا؟ مرجفًا، يبدأ القلب يرجف، أو يقول: الله، العدو جيشهم كثير، عندهم قوة، عندهم صواريخ، عندهم قنابل، عندهم كيماويات، ويش يكون هذا؟ هذا مرجف أيضًا، مثل هؤلاء يجب على الإمام أن يمنعهم، يجب على الإمام أن يمنعهم، ولا يأذن لهم بالجهاد؛ لأن ضرر هؤلاء أكثر من نفعهم، إن كان فيهم نفع، ولهذا قال: (يمنع المخذل والمرجف).
    كذلك أيضًا يجب أن ينظمهم، يعقد لهم الرايات والألوية، ويجعل كل إنسان عريفًا على طائفة من الجيش، ويرتبهم: أنت مثلًا تكون قائدًا عامًّا، أنت تكون قائدًا للميمنة، للميسرة، وهكذا، لا بد أن يرتبهم لئلا تكون المسألة فوضى إذا تقابل الصفان، فلا بد من ترتيب.
    طيب، وهل له أن يبعث العيون؟ يعني الجواسيس الذين يتطلعون إلى العدو ويعرفون أخباره؟
    (1/4193)
    ________________________________________
    الجواب: نعم، بل يجب عليه إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن هذا من جملة ما يستعين به على القتال.
    (وله) أي للإمام (أن ينفل في بدايته الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعده)، معنى (ينفل) أن الإمام يبعث سرية، إذا دخل أرض العدو بعث سرية -يعني دون أربع مئة نفر- يبعثهم يبدؤون القتال، هؤلاء له أن يقول: لكم بعد الخمس الربع؛ لأن هذه السرية إذا ذهبت فإنها تذهب، وهي أقل خوفًا من السرية التي تبعث بعد رجوع الإمام؛ لأنهم يقولون: الجيش خلفنا ردء لنا، فيقول: اذهبوا وقاتلوا وما تغنمون نأخذ الخمس منه، ولكم بعد ذلك الربع خاصة لكم، ثم يقسم الباقي مع الجيش.
    كذلك أيضًا له أن ينفل الثلث بعده، كيف الثلث بعده؟ يعني: بعد الرجوع، بعد انتهاء القتال، يبعث سرية ربما تتفقد من بقي من العدو، ويجعل لها الثلث، ولماذا زاد على ذاك؟
    طلبة: أشد خوفًا.
    الشيخ: لأنها أشد خوفًا، فلذلك تعطى مقابل هذا الخوف تعطى واحدًا من اثني عشر، يعني تزاد على الأخرى واحدًا من اثني عشر؛ لأن الأولى لها ثلاثة من اثني عشر، وهذه لها أربعة من اثني عشر.
    طالب: أحسن الله إليكم، إذا كان الجيش الذي أعد للقتال تربيتهم الجهادية ضعيفة، وغالبهم مخذل ومرجف وخائف، هل يقاتل بهم على علاتهم أو .. ؟
    الشيخ: لا، إذا كان الجيش على ما وصفت يعني عندهم عدم استعداد، والمخذل كثير والمرجف كثير، فإننا لا نجاهد؛ لأن الجهاد لا بد أن يغلب على الظن أننا منتصرون، أما إذا غلب على الظن الهزيمة فلا يجوز أن يغرر بالمسلمين، المسألة ليست هينة، وليست مسألة أشخاص يفقدون، بل هذا يعتبر ذلًّا حتى على الإسلام.
    الطالب: لكن اضطررنا للقتال، اضطر الإمام إلى أن يخوض المعركة؟
    الشيخ: هذه مثل حوصر؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: هذا لا بأس، في الحال التي يجب؛ لأن هناك جهاد في الواقع، جهاد هجوم وجهاد دفاع، أما الدفاع فيجب بكل حال، وأما الهجوم فهو الذي سمعت.
    (1/4194)
    ________________________________________
    طالب: يا شيخ إذا كان الأبوان كافرين ولكن متبلدين بالنسبة للأديان، كافرين ولكن كافرين بس متبلدين.
    الشيخ: ويش معنى متبلدين؟
    الطالب: من ناحية الدين ما همهم؛ انتصر فئتهم أو لم تنتصر، انتصر المسلمون أم لم ينتصروا، فهل يؤخذ إذنهما أم لا؟
    الشيخ: لا، ما لهم إذن.
    الطالب: حتى لو كان هذا حالهم؟
    الشيخ: الأبوان الكافران ليس لهما إذن.
    الطالب: حتى على هذه الحال؟
    الشيخ: حتى على هذه الحال.
    طالب: ما العلة يا شيخ؟
    الشيخ: العلة لأنه مهما كان لا نأمن شرهم، ولا تفكر أن الكافر ولو كان أبلد من حماره، لا تفكر أنه يحب انتصار المسلمين، أبدًا.
    الطالب: متبلد.
    الشيخ: ولو تبلد، أبدًا مهما كان، أنا قلت لك: لو كان أبلد من الحمار.
    طالب: شيخ لو كان أبوان في بلد يفتى فيه بأن ترك الصلاة ليس بكفر، وكانا تاركي صلاة يعني، فهل يجب إذنهم مع العلم بأنهما يكرهان الجهاد ياشيخ وهم إلى العلمانية أقرب، كما ذكرت في الأول، ولم ترجح، فزيادة على ذلك لو كانا تاركي صلاة، فهل يجب على الشاب؟
    الشيخ: تاركي صلاة، وتعرف أنهما يكرهان الجهاد في سبيل الله فلا طاعة لهما.
    الطالب: فلا طاعة لهما.
    الشيخ: إي نعم؛ لأن هذا يقوي هذا، حتى وإن كانا في بلد لا يحكم علماؤهم بكفر تارك الصلاة فإنه أدنى ما يقال أنهم فسقة.
    الطالب: والفسقة يا شيخ ترجح أن كلامهم.
    الشيخ: لا، الفسقة في هذه المسألة فقط.
    الطالب: طيب، والأولى؟
    الشيخ: لا، ما نرجحها، نقول: أمره إلى الله.
    طالب: أحسن الله إليك، ولمن حضر هو للحدود اللي بين المسلمين والكفار، ولَّا على بلاد المسلمين ( ... )؟
    الشيخ: ينظر، هو الأصل أن الحدود التي بين بلاد الإسلام ما هي حدود بين عدو وعدو؛ لأن المسلمين بعضهم أولياء بعض، خصوصًا المؤمنين منهم، ولا عاد المسلم اللي مسلماني كما يقولون هذا الله أعلم بحاله.
    الطالب: ما يسمى مرابطة يا شيخ؟
    (1/4195)
    ________________________________________
    الشيخ: ما يسمى مرابطة، لكن يجب الدفاع عن النفس حتى لو صال عليك إنسان غير مسلم فيجب أن تدافع عن نفسك.
    طالب: شيخ، في إذا كان يترتب على أن يلتحق بالجيش بعض المفاسد، مثل أن يؤمر بحلق الذقن والجيش بأمس الحاجة إلى ( ... ) في مجال من المجالات هل يحلق أم يمتنع؟
    الشيخ: ما تقولون؟
    طلبة: السؤال غير واضح.
    الشيخ: يقول: رجل الجيش في أمس الحاجة إليه، ولكنهم لن يمكنوه إلا إذا حلق لحيته، كذا؟
    نقول: إذا كان الجيش محتاجًا إليه فالأمر يسير، يقول: أنا لن أدخل إلا بما أطيع الله به من إعفاء اللحية.
    الطالب: هم بيفرضوا عليه: يا يلتحق في الجيش وإذا ما حلق لحيته ..
    الشيخ: لا، هذا كلامنا في إنسان يحتاج إليه الجيش، يعني عنده خبرة ليست عند غيره، فأقول: إذا كان الجيش صادقًا فإنه يقبلونه ولو كان له لحية.
    الطالب: عارفين عنده خبرة بس يقولون: يا تحلق لحيتك يا تتحط في السجن أو الحبس.
    طالب آخر: يعني: يجبرونه على الالتحاق.
    الشيخ: طيب، إذا قالوا هكذا صار مكرهًا على حلقها؛ لأن من هدد بالسجن إلا أن يحلق لحيته صار مكرهًا.
    الطالب: قلنا يا شيخ: من الأصول التي يتعين فيها الجهاد أن يحضر الصف، فبعض الناس الآن -بعض الطلبة- يسافر مثلًا في الإجازة للبوسنة والهرسك للجهاد مدة شهر أو شهرين ثم يعود، فهل هؤلاء يتعين عليهم؟ ويحرم عليهم العودة؟
    الشيخ: الظاهر أن قتال البوسنة والهرسك ما هو قتال صفوف، يعني ما هو بيقابلوا الكفار، إنما هو قتال يعني عصابات.
    طالب: أليس حربًا ياشيخ؟
    الشيخ: لا، ما هو بالحرب اللي إذا حضر الصف {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا} [الأنفال: 15] وهم ما يأتون هناك زحفًا، لكن تجد مثلًا المسلمين يهجمون على جهات من الجهات وما أشبه ذلك، ثم هو أيضًا قد وطن نفسه على أنه سوف يقاتل في هذه المدة فقط، ثم يهدأ القتال.
    (1/4196)
    ________________________________________
    طالب: شيخ، أحسن الله إليك، فيه مقولة سمعناها يقولون: إن الجهاد فرض عين منذ أن سقطت الأندلس. هذه المقولة صحيحة؟ وما رأيكم فيها؟
    الشيخ: لا، غير صحيحة، هذا غير صحيح.
    الطالب: ( ... ) على الولاة يا شيخ؟ أم على، غير صحيحة على ولاة الأمر أم على ( ... ).
    الشيخ: على كل القادة، يعني ولاة الأمور عليهم الآن أن يجهزوا المسلمين بالسلاح الكافي، يجب عليهم، والمسلمون يجب عليهم أن يجاهدوا إذا توفرت الشروط، فلا بد من القوة، يعني نقول: اذهب أنت قاتل ليس معك إلا عصا الراعي أو سكين المطبخ أمام أناس عندهم قنابل وعندهم دبابات ورشاشات؟ ما يمكن نقول هذا.
    طالب: شيخ، إذا كان الأبوان كافرين لكنهم محتاجون إلى هذا الولد فمنعوه لأنهم محتاجون إليه.
    الشيخ: لا يطاعون، يعني يقول: إذا كان أبواه كافرين لكنهما محتاجان إليه فمنعاه للحاجة إليه لا كراهة للقتال، نقول: لا يطاعان.
    طالب: شيخ بارك الله فيكم، ما رأيكم فيمن يقول: الإعداد الآن فرض عين، ويبدأ أنه يتعين إن لم يكن الإعداد الآن فرض عين فلم يتعين في وقت آخر، الآن الأعداء يحيطون بنا من كل جانب، أصبحنا كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا». قَالُوا: أومِن قِلَّة نحن يارسولَ اللهِ يوم ذاك أو حينذاك؟ قال: «بَلَى إِنَّكُمْ كَثِيرُونَ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ» (9) إلى آخر الحديث. يعني أنا أقول: هل الإعداد الآن فرض عين؟
    الشيخ: بس من يعد؟ هذا على الحكومات.
    الطالب: ( ... ) يعد نفسه حتى على ( ... ).
    الشيخ: كيف يعد؟
    الطالب: يعني إنسان.
    الشيخ: تستطيع الآن أن تعد نفسك لقيادة الطائرات؟
    الطالب: ما هو تصل لهذه الدرجة، يعني الإنسان حتى لو يعد نفسه، يعني أصبح الآن معظم طلبة العلم -ما شاء الله- الأجسام بدينة، يعني ما يستطيع يجري من هنا لبيتكم ياشيخ.
    (1/4197)
    ________________________________________
    الشيخ: صحيح، ترى هذا حق، يعني الآن الترف -مع الأسف- شمل الناس إلا من شاء الله، الآن لو نختبر أنفسنا: هل منكم أحد يستطيع يأخذ البندقية ويصيد بها صيدًا؟
    طالب: قليل.
    الشيخ: نعم قليل، هو موجود لكن قليل، وهذا مما يحتاج إليه، ولهذا نسأل الله سبحانه وتعالى أن الله يهدي ولاة الأمور يجعلون فرضًا على كل شاب أن يتعلم.
    طالب: بالنسبة لجهاد الدفع قلنا: إنه يتوجب في جميع الأحوال.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: حتى ولو كان الإنسان يعني ما يستطيع ألا يجاهد كما يفعل الآن في فلسطين بالحجارة.
    الشيخ: لا، هو تعرف حتى جهاد الدفع -دفع النفس- واجب بأي وسيلة، لكن مسألة الفلسطينيين هذه تحتاج إلى نظر بعيد وتعمق؛ لأن اليهود إذا قتل منهم واحد كم يقتلون؟
    طالب: اثنين
    طلبة: عشرة.
    الشيخ: يعني يقتلون عشرة.
    طالب: كثير.
    الشيخ: ويفسدون أكثر، فلهذا لا بد من الحكمة في هذه الأمور.
    طالب: نقول: يلزمهم الهجرة كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- هاجر من مكة إلى المدينة؟
    الشيخ: لا، هم لو يتركون هذا ما أقاموا دينهم، المساجد الآن مفتوحة وسواء الأذان يقام، ما هو مثل مكة.
    طالب: شيخ، ذكرت أن الأبوين يجوز أن يسافر الابن لطلب العلم بدون إذنهما.
    الشيخ: بدون إذنهما نعم، إلا مع الحاجة.
    أم خالد: بسم الله الرحمن الرحيم، عن والدها: هل يقتل حر بعبد؟
    والجواب: نعم، على القول الصحيح.
    لو صلى رجل العشاء وأراد أن يؤخر راتبتها إلى ما قبل منتصف الليل أو قبل أن ينام مع الوتر الساعة إحدى عشرة ليلًا، فهل يصح؟
    الجواب: نعم يصح.
    من خفف من شعره وحلق ما على العلباة -قفا الرأس- هل يجوز ذلك؟
    العلباة ليست من الرأس، فلا تدخل في القزع.
    طالب: شو شكل العلباة؟
    الشيخ: مؤخر الرقبة. من السائل؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: ما تعرف العلباة؟
    الطالب: شعر الرقبة يدخل في ..
    الشيخ: لا ما يدخل.
    (1/4198)
    ________________________________________
    يقول: ذكرتم في باب مفسدات الصوم أن الأصحاب لا يعذرون بالجهل في مفسدات الصوم، فما جوابهم عن حديث أسماء؟
    جوابهم عن ذلك يقولون: إنهم أمروا بالقضاء، لكن لا دليل على ذلك.
    يسأل يقول: رجل تعود أن يفعل كبيرة من الكبائر، وكلما عزم على تركها رجع إليها مرة أخرى، فأقسم وقال: إن رجعت إلى هذه المعصية أكون كافرًا بدين الإسلام -أعوذ بالله- وهو يريد بذلك زجر نفسه عن الوقوع في هذه المعصية، ثم رجع إلى الذنب مرة أخرى، فهل يكفر بذلك؟
    ما دام نيته زجر النفس فلا يكفر، لكن عليه كفارة يمين، ولا يتعود بهذا.
    ***
    طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال -رحمه الله تعالى- في كتاب الجهاد:
    ويلزم الجيش طاعته والصبر معه، ولا يجوز الغزو إلا بإذنه إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلبه.
    وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب، وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال فيخرج الخمس، ثم يقسم باقي الغنيمة للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه. ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت، ويشاركونه فيما غنم. والغال من الغنيمة يحرق رحله كله إلا السلاح والمصحف وما فيه روح.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    عرف الجهاد؟
    طالب: الجهاد من المجاهدة، مصدر رباعي جاهد ( ... ).
    طالب آخر: بذل الجهد لله -سبحانه وتعالى- ( ... ) هذا الجهاد.
    الشيخ: في قتال الأعداء، طيب، متى يكون الجهاد في سبيل الله؟
    طالب: إذا كان لإعلاء كلمة الله.
    الشيخ: إذا قاتل لإعلاء كلمة الله، طيب، فإن قاتل للوطنية ( ... )؟
    طالب: ليس في سبيل الله.
    الشيخ: ليس في سبيل الله؟ لماذا؟
    الطالب: النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ جَاهَدَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ» (10).
    الشيخ: وهذا قاتل وطنية، طيب لو قال: أنا وطني، وطني الإسلام، فأقاتل عنه لأحمي حوزة الإسلام في هذا الوطن؟
    (1/4199)
    ________________________________________
    الطالب: فهو في سبيل الله.
    الشيخ: فهو في سبيل الله ( ... ).
    المرسوم عليه من القفا جملة اعتراضية. حكم الجهاد؟
    طالب: الأصل فرض كفاية.
    الشيخ: فرض كفاية. وما معنى فرض كفاية؟
    الطالب: إذا قام به البعض سقط عن الباقين.
    الشيخ: نعم، ومتى يكون واجبًا؟
    الطالب: يكون واجبًا في أربع حالات، الحالة الأولى ..
    الشيخ: الحال الأولى.
    الطالب: الحال الأولى.
    الشيخ: هذه فائدة نعطيكها. الحال: مذكرة لفظًا، مؤنثة معنًى، فهمتها؟
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: الحال مذكرة لفظًا، مؤنثة المعنى، أي أنك تقول: الحال الأولى، ولا تقول: الحالة الأولى، ولا تقول أيضًا: الحال الأول؛ لأنها مذكرة لفظًا، مؤنثة معنى.
    طالب: الحال الأولى: إذا حضر القتال.
    الشيخ: إذا حضر القتال، ما دليلها؟
    الطالب: دليلها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16].
    الشيخ: طيب، ومن السنة؟
    الطالب: ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: من السبع الموبقات، ومنها التولي يوم الزحف (5).
    الشيخ: أحسنت، وذكر منها التولي يوم الزحف. الحال الثانية؟
    طالب: إذا احتيج إليه يا شيخ.
    الشيخ: إذا احتيج إليه.
    الطالب: كأن يكون -مثلًا- ممن يعرف تشغيل السلاح كالطائرة والدبابة.
    الشيخ: يكون سلاح ما يعرفه إلا هو.
    الطالب: إذ لا يوجد غيره، فهنا يجب عليه، هذا ودليله يؤخذ من قولنا: فرض كفاية، فإذا فعله البعض سقط عن الكل.
    الشيخ: وفرض الكفاية.
    الطالب: وهنا لم يفعله البعض إلا هو فيكون واجبًا عليه.
    (1/4200)
    ________________________________________
    الشيخ: أحسنت، أعرفتم هذه؟ إذا احتيج إليه بمعنى أنه يختص بشيء لا يقوم به غيره، فهنا يجب عليه، وهو واضح؛ لأن فرض الكفاية صار الآن فرض عين عليه؛ لأنه لا يوجد غيره.
    الحال الثالثة؟
    طالب: إذا استنفره الإمام.
    الشيخ: إذا استنفره الإمام، ما الدليل؟
    الطالب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59].
    الشيخ: غير هذا، هذه عامة؟
    طالب: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله فانفروا.
    الشيخ: خطأ، مو هكذا الآية.
    طالب: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [التوبة: 38].
    الشيخ: استمر.
    الطالب: فما متاع الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
    الشيخ: لا، {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} طيب.
    الحال الرابعة؟
    طالب: الحال الرابعة: إذا حصر، إذا دهم العدو بلده.
    الشيخ: إذا حصر العدو بلده، الدليل؟
    الطالب: الدليل من قولنا: فرض كفاية؛ لأنه إذا حصره العدو فإنه يكون بمثابة من كان في الصف. فإذا كان في الصف يلزمه.
    الشيخ: ولوجوب الدفاع عن.
    الطالب: ولوجوب الدفاع عن البيضة.
    الشيخ: عن النفس، طيب.
    قال المؤلف: (إن الإمام يمنع صنفين من الناس)، من هما؟
    طالب: المخذل والمرجف.
    الشيخ: المخذل والمرجف، ما الفرق بينهما؟
    الطالب: المخذل هو الذي يزهد في الجهاد، والمرجف الذي يعني.
    الشيخ: يزهد في الجهاد، يقول: ما له داع، فيه من يقوم مقامنا، وما أشبه ذلك، والمرجف؟
    الطالب: المرجف يعني الذي يخيف المسلمين أو يهول من أعداد الكفار أو من يخوف من الكفار.
    الشيخ: يعني يهول الكفار وجيشهم. هل منعه هذين الصنفين واجب؟
    طالب: نعم واجب.
    الشيخ: واجب؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: إذا قالوا: نريد أن نجاهد في سبيل الله؟
    الطالب: نقول: لا.
    الشيخ: نقول: لا؟ كيف؟
    الطالب: لأنه سبب في الهزيمة.
    (1/4201)
    ________________________________________
    الشيخ: إي.
    الطالب: ( ... ) واجب، والأسباب المؤدية للنصر يجب على الإمام أن يوفرها للجيش.
    الشيخ: إذن نقول: يجب عليه درءًا.
    الطالب: للمفسدة.
    الشيخ: للمفسدة التي تحصل منه.
    يقول المؤلف: إن له أن ينفل في بدايته الثلث، ويش معنى صورة المسألة هذه؟ هذا الذي ذكر: (وله).
    الطالب: ( ... ).
    الشيخ: إي نعم، (وله أن ينفل في بدايته الربع، وفي الرجعة الثلث) هذه المسألة ما هي؟
    الطالب: المرابط يا شيخ.
    الشيخ: لا، ينفل.
    طالب: نعم يا شيخ، إذا بعث سرية قبل الجيش فإنه ينفلهم الربع.
    الشيخ: قبل بدء القتال.
    الطالب: قبل بدء القتال.
    الشيخ: فيعطيهم؟
    الطالب: فيعطيهم الربع بعد الخمس.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: وأما الثانية فبعد ذهاب الجيش تعود سرية لموقع المعركة.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: فينفلهم الثلث بعد الخمس.
    الشيخ: لماذا؟ ما الفرق بين الأولى والثانية؟
    الطالب: لأن الثانية أكثر خوفًا من الأولى.
    الشيخ: الثانية أكثر خوفًا وخطرًا من الأولى، طيب، وهل هذا التنفيل واجب؟ هل هذا التنفيل واجب، أو سنة، أو جائز؟ كونه ينفل الربع بالبداية والثلث في الرجعة، هل هو واجب عليه؟
    الطالب: لا، سنة.
    الشيخ: أو سنة؟ أو مباح؟
    الطالب: يعني الله أعلم ( ... ) ما هو واجب، ما هو واجب عليه أنه، لكن يستحب أنه يعني ( ... ) واجب.
    الشيخ: يعني إذن هو مستحب؟
    الطالب: يعني ما هو واجب ( ... ).
    الشيخ: إي لكن مستحب.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: ما الدليل؟
    الطالب: الدليل الترغيب ( ... ).
    الشيخ: الترغيب.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: توافقون على هذا؟
    طالب: من السنة يا شيخ.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: لحديث حبيب بن مسلمة، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نَفَّل الربع في البدأة والثلث في الرجعة (11)، ولحديث ابن عمر أيضًا، ولأن من الترغيب في هذا الأمر.
    الشيخ: إذن قول المؤلف: (وله أن ينفل) لماذا عبر باللام الدالة على الإباحة؟
    (1/4202)
    ________________________________________
    الطالب: لأن ظاهر الأمر أن يكون فيه زيادة لبعض الجيش عن الآخرين، وهذا يكون فيه إجحاف.
    الشيخ: نعم، يعني إذن الإباحة هنا في مقابلة.
    الطالب: مقابلة المنع.
    الشيخ: المنع، فلا ينفي أن تكون سنة أو واجبة أحيانًا، ربما يجب عليه أن ينفل إذا رأى أن السرية لن ترجع إلا بإعطاء شيء زائد، أو لن تتقدم إلا بإعطاء شيء زائد، ورأى من المصلحة إرسال السرية فإنه يكون واجبًا.
    ***
    يقول المؤلف: (ويلزم الجيش طاعته والصبر معه)، (طاعته) أي: طاعة أميرهم الذي هو نائب عن الإمام، وهو ما يسمى في عرفنا الآن القائد أو الضابط أو حسب ما يعرف، يلزم الجيش طاعته فيما أمر، ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، ولكن هذه الطاعة يشترط لوجوب طاعته فيها ألا يخالف أمر الله ورسوله، فإن خالف أمر الله ورسوله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ويدل لهذا:
    أولًا: الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}، انتبه كيف الدلالة، {أَطِيعُوا اللَّهَ} هذا فعل، {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} فعل أيضًا، فأعاد الفعل بالنسبة لطاعة الرسول؛ لأن طاعته مستقلة، يجب أن يطاع بكل حال، ولا يمكن أن يأمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بما يخالف أمر الله أبدًا، هذا شيء مستحيل، بل أمره من أمر الله.
    (1/4203)
    ________________________________________
    أما الثالث قال: {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ولم يقل: أطيعوا؛ لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، ولهذا لو أمر ولي الأمر بمخالفة أمر الله ورسوله قلنا: لا سمع ولا طاعة. وظاهر كلام المؤلف أنه تجب طاعته ولو كان فاسقًا، وهو كذلك، فيجب طاعة ولي الأمر ولو كان من أفسق عباد الله؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب طاعة ولاة الأمور والصبر عليهم وإن رأينا منهم ما نكره، لو رأينا منهم ما نكره في أديانهم، لو رأينا منهم ما نكره في عدلهم، لو رأينا منهم ما نكره في استئثارهم، فإننا نسمع ونطيع، فنؤدي الحق الذي أوجب الله علينا، ونسأل الله الحق الذي لنا، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهكذا جرى عليه سلف هذه الأمة، فإن أمر بمعصية فإنه لا طاعة له؛ لأنه هو نفسه عبد لله، مأمور لله، فكيف يأمرنا بما يخالف أمر الله؟ نقول: ربنا وربك الله، ولا طاعة لك في معصية الله أبدًا.
    (1/4204)
    ________________________________________
    ويدل لهذا قصة السرية الذين بعثهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمر عليهم رجلًا، وأمرهم أن يطيعوا هذا الرجل، أن يطيعوا أميرهم، وفي يوم من الأيام أغضبوه فأمرهم أن يجمعوا حطبًا، فقالوا: سمعًا وطاعة، جمعوا الحطب، وأمرهم أن يوقدوا فيه النار، قالوا: سمعًا وطاعة، أوقدوا النار، قال: ألقوا أنفسكم فيها، فتردد القوم؛ النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يطيعوه، ولكن لماذا آمنوا؟ آمنوا خوفًا من النار، فقال بعضهم لبعض: كيف نلقي أنفسنا في النار ونحن إنما آمنا فرارًا منها، شوف القياس، قياس، لكنه قياس صحيح، فأبوا أن يلقوا أنفسهم في النار، ثم لما رجعوا إلى المدينة، وأخبروا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا، قال: «لَوْ دَخَلُوا فِيهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا». أعوذ بالله، لأنهم قتلوا أنفسهم، ومن قتل نفسه بالنار عُذب بها في نار جهنم؛ لأن كل من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم، لو قتل نفسه بخنجر فهو يوم القيامة يعذب بهذا الخنجر في نار جهنم، لو قتل نفسه بالتردي من شاهق فإنه يخلق له في النار شاهق فيتردى منه يعذب به في نار جهنم، بسمّ، قتل نفسه بسم يتحسى هذا السم معذبًا به في نار جهنم، لو دخلوا النار عذبوا بها في نار جهنم. نسأل الله العافية. ثم قال: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» (12)، الذي ليس بمنكر، أما هذا فإنه منكر، إذن إذا أمر بالمعصية فإنه لا سمع له ولا طاعة.
    يقال: إنه في بعض البلاد الإسلامية لا يمكن أن يدخل الإنسان الجيش حتى يحلق لحيته، فيأمرونه بحلق اللحية، فهل يلزمهم طاعتهم؟
    لا، بل يقولون وبكل صراحة: لا سمع ولا طاعة، ولا نوافقك على معصية الرسول عليه الصلاة والسلام، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «أَعْفُوا اللِّحَى» (13)، وأنت تقول: احلقوا اللحى! مصادمة، فلا قبول.
    (1/4205)
    ________________________________________
    وليت أن الجيش في البلاد الإسلامية يتفق على هذا ويمانع، لكن مشكلتنا أن أكثرهم لا يهتم بمثل هذه الأمور، فيبقى الإنسان منفردًا إذا أراد أن يمتنع عن المعصية، وحينئذ تبقى المسألة مشكلة، لكن لو أن الجيش كله قال: نحن لا نطيعك في معصية الله وصمموا على هذا، لم يستطع الضابط ولا من فوق الضابط أن يجبرهم على ذلك، لكن مشكلتنا التخاذل، وعدم الاهتمام بمثل هذه الأمور، والناس يتهاونون في هذه المعصية، ولا يهتمون بعظمة من عصوه، ولا يرون أن الإصرار على الصغيرة يكون كبيرة، ولا يرون أيضًا أن المعاصي سبب للفشل والهزيمة؛ لأن العزة لمن؟
    طلبة: لله ولرسوله.
    الشيخ: لله ولرسوله وللمؤمنين. وانتبه قال: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ولم يقل: وللمسلمين؛ لأن الإيمان أخص من الإسلام، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا، {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14].
    فإذن بلانا من أنفسنا، لو أن الجيش قال: لا نقبل، نحن وأنت عبيد لله، والرسول الذي أمرنا باتباعه يقول: «أَعْفُوا اللِّحَى» (13)، وأنت تقول: احْلِقُوا، كيف هذا؟ لا سمع ولا طاعة، ثم نقول أيضًا: المعصية سبب للهزيمة، ولا أدل على ذلك من جيش هزم بمعصية، مع أنه أفضل جيش مشى على الأرض منذ خلق آدم إلى قيام الساعة، وهم.
    طلبة: الصحابة.
    (1/4206)
    ________________________________________
    الشيخ: الصحابة، وقائدهم محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة أحد، قال الله تعالى فيهم: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152]، يعني حصل كذا وكذا، حصل هزيمة بسبب هذه المعصية، وهي معصية واحدة، على أنها معصية كان فيها نوع من التأويل، ما هو نوع من التأويل؟ أنهم لما رأوا انهزام المشركين، وأن المسلمين بدؤوا يجمعون الغنائم ظنوا أن الأمر انتهى، فنزلوا من المكان الذي جعلهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه حتى جاء المشركون من الخلف وحصل ما حصل.
    إذن يلزم الجيش طاعته بشرط ألا يأمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله فلا سمع له ولا طاعة.
    إذا قلنا: لا سمع له ولا طاعة، هل المعنى: لا سمع له ولا طاعة مطلقًا؟ أو في هذه المعصية التي أمر بها؟
    طلبة: في هذه المعصية.
    الشيخ: الثاني، نعم، الثاني هو المراد، يعني في هذه المعصية التي أمر بها لا نطيعه، أما في الأمور الأخرى التي لا تخالف الشرع فنطيعه.
    قال: (والصبر معه) يلزم الصبر معه، وألا نتخاذل وننصرف؛ لأن في هذا كسرًا لقلوب المسلمين، وإعزازًا لقلوب الكافرين، فالواجب أن نصبر، وهذا غير ما إذا تقابل الصفان، أما إذا تقابل الصفان فهو واجب لكل حال؛ لأن الانصراف محرم، من كبائر الذنوب، التولي يوم الزحف، لكن هذا نصبر معه حتى وإن لم يتقابل الصفان، ونتداول الرأي فيما بيننا حسب ما تقتضيه الحال.
    (1/4207)
    ________________________________________
    قال: (ولا يجوز الغزو إلا بإذنه إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلبه) يقول: (ولا يجوز الغزو إلا بإذنه) غزو من؟ غزو الجيش إلا بإذن الإمام، مهما كان الأمر؛ لأن المخاطَب بمثل هذه الأمور بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس أفراد الناس، أفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام، إلا على سبيل الدفاع، إذا فاجأهم عدو يخافون كلبه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعين القتال إذن، وإنما لم يجز ذلك لأن الأمر منوط بالإمام، هذه واحدة، فالغزو بلا إذنه افتيات عليه، وتعدٍّ على حدوده، ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى، كل من شاء ركب فرسه وغزا، ولأنه لو مُكن الناس من ذلك لكنا لا نعلم ما في القلوب، قد يتجهز قطعة من الناس على أنهم يريدون العدو، وهم يريدون الخروج على الإمام، أو يريدون البغي على طائفة من الناس، كما قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها أيضًا لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام.
    يقول المؤلف: (إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلبه)، لو سكنا اللام يصلح؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: لماذا؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: ويش ها الكلب اللي يخاف منه، لكن المراد (كلبه) ضبطها بالشرح يقول عندي: بفتح اللام، أي: شره وأذاه.
    ثم انتقل المؤلف رحمه الله إلى مسألة الغنيمة، وإذا رأيتم أن نقرأ ما في الشرح لأن فيه فوائد كثيرة أهملها الماتن رحمه الله.
    يقول المؤلف في الشرح: (ويجوز تبييت الكفار)، ويجوز تبييت الكفار يعني مباغتتهم بالليل، ولكن هذا مشروط بأن يقدم الدعوة لهم، فإذا دعاهم ولم يستجيبوا فإنه لا بأس أن يباغتهم، ويدعوهم إلى أمور ثلاثة:
    الأمر الأول: الإسلام، والأمر الثاني: الجزية، فإن أبوا فالقتال.
    هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يبعث البعوث على هذا الأساس.
    (1/4208)
    ________________________________________
    يقول: (ورميهم بالمنجنيق)، المنجنيق عندنا بمنزلة المدفع، وكانوا في الأول يضعون المنجنيق بين خشبتين، وعليهما خشبة معترضة، وفيها حبال قوية، ثم يجعل الحجر عل كبر الرأس أو نحوه في شيء مقبب في هذا السلك، ثم يأتي الرجال الأقوياء ويرمون به ثم يطلقونه، إذا انطلق الحجر ينطلق بعيدًا، فكانوا يستعملونه في الحروب، فيجوز أن يرمى الكفار بالمنجنيق، وفي الوقت الحاضر ما فيه منجنيق، لكن فيه منجنيق في الطائرات والمدافع وغيرها.
    طالب: والصواريخ.
    الشيخ: والصواريخ.
    يقول: (ولو قُتل بلا قصد صبيٌّ ونحوه) معلوم أنا إذا رميناهم بالمنجنيق فإنه سوف يتلف من مر عليه من مقاتل وشيخ كبير لا يقاتل، وامرأة وصبي، لكن هذا لم يكن قصدًا، وإذا لم يكن قصدًا فلا بأس، أما تعمد قصد الصبيان والنساء ومن لا يقاتل فإن هذا حرام، ولا يحل، لكن يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا، وقد رمى النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف بالمنجنيق (14)، فالسنة جاءت به، والقتال قد يحتاج إليه.
    قال: (ولا يجوز قتل صبي ولا امرأة وخنثى وراهب وشيخ فان وزمِن وأعمى لا رأي لهم ولم يقاتلوا أو يحرضوا) هؤلاء سبعة أجناس: صبي، امرأة، خنثى، راهب، شيخ فان، زمن، أعمى، هؤلاء لا يجوز قتلهم إلا إذا كان لهم رأي وتدبير، فإن بعض الكبار الشيوخ ولو كان الشيخ فانيًا لا يستطيع أن يتحرك، يكون عنده من الرأي والتدبير ما ليس عند الشاب المقاتل.
    الشرط الثاني: لم يقاتلوا، فإن قاتلوا كما لو اشترك النساء في القتال فإنهن يقتلن.
    والثالث: أو يحرضوا، فإن حرضوا على القتال حرضوا من؟ حرضوا الرجال المقاتلين على القتال، وصاروا يغرونهم: افعلوا، اضربوا كذا، اذهب مع هذا إلى آخره، فإنهم يقتلون؛ لأن لهم تأثيرًا في القتال، فصار هؤلاء الأصناف السبعة لا يجوز قصد قتلهم إلا بواحد من أمور ثلاثة: الأول؟
    طلبة: أن يكون لهم رأي.
    الشيخ: أن يكون لهم رأي في الحرب والتدبير، والثاني؟
    طلبة: أن يقاتلوا.
    (1/4209)
    ________________________________________
    الشيخ: أن يقاتلوا، يشاركوا بالقتال. والثالث؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: أن يحرضوا.
    قال: (ويكونون أرقاء بسبي) يكونون: أي هؤلاء السبعة أرقاء بسبي، الباء للسببية، أي: بمجرد السبي يعني بمجرد أخذهم يكونون أرقاء، ولا يخير فيهم الإمام، الإمام لا يخير فيهم، يكونون أرقاء في الحال، وإذا كانوا أرقاء صاروا تبع الغنيمة؛ لأنهم صاروا مماليك، فإذا كانوا مماليك صاروا كجملة المال الآخر يضافون إلى الغنيمة.
    وأما إذا سبي البالغ المقاتل، فإن الإمام يخير فيه بين أمور ثلاثة: إما القتل، وإما أخذ الفداء، وإما الاسترقاق، وإما المن بدون شيء، والفداء قد يكون بمال، أو منفعة، أو أسير مسلم، معلوم هذا ولَّا لا؟
    طلبة: معلوم.
    الشيخ: يعني مثلًا لو أننا أسرنا أحد المقاتلين، نأتي به للإمام، الإمام إن شاء قتله هذه واحدة، وإن شاء منّ عليه مجانًا وقال: اذهب إلى أهلك، وإن شاء استرقه، يعني جعله رقيقًا، وإن شاء طلب الفدية منه؛ إما مالًا وإما منفعة، وإما بأسير مسلم. وهذه التخييرات الأربعة هل هي حسب اختيار الإمام أو حسب المصلحة؟
    طلبة: حسب المصلحة.
    الشيخ: حسب المصلحة؛ لأن القاعدة الشرعية أن كل من يتصرف لغيره -انتبهوا للقاعدة هذه مفيدة- أن كل من يتصرف لغيره إذا خير بين شيئين فإن تخييره للمصلحة وليس للتشهي، أما من لا يتصرف لغيره فإذا خير بين شيئين فهو للتشهي؛ إن شاء هكذا وإن شاء هكذا، ولهذا نقول في كفارة اليمين: يخير بين إطعام، وكسوة، وعتق رقبة، ينظر للمصلحة؟ ولا يفعل ما شاء؟
    طلبة: يفعل ما شاء.
    الشيخ: يفعل ما شاء؛ لأن هذا التخيير للإرفاق بالمكلف، فيختار ما يشاء.

    [باب قسمة الغنائم]
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب)، يعني أنه إذا قاتل المسلمون أعداءهم وهزم الأعداء، واستولى المسلمون على المال، فإن المال يكون ملكًا للمسلمين ولو كانوا في دار الحرب، ويش معنى في دار الحرب؟ أي: في ديار الكفار.
    (1/4210)
    ________________________________________
    مثلًا: بيننا وبين الكفار حد فقاتلناهم، ودخلنا عليهم أرضهم، وهربوا، وتركوا الأموال، فإننا نملك الأموال ولو كانت في دار الحرب، ولا يلزم أن نحوزها إلى بلاد الإسلام، هذا معنى قول المؤلف: (في دار الحرب)، يعني: لا يشترط أن نحوزها إلى ديار الإسلام، بل مجرد الاستيلاء تكون ملكًا لنا. وإذا كانت ملكًا فهل يجوز أن تقسم هناك؟
    الجواب: نعم يجوز أن تقسم هناك؛ لأن ما دامت ملكت فلا حرج من قسمتها، ويعطى كل إنسان ما يناله منها، وينصرف به يمينًا وشمالًا، لكن إن خيف هنا من شر، إن خيف من شر فللإمام أن يقول: لا نقسمها إلا في بلاد الإسلام.
    قال: (وهي) أي الغنيمة (لمن شهد الوقعة من أهل القتال) يعني من شهد الوقعة من أهل القتال وهم الرجال الذين يقاتلون، فمن شهد منهم فإنه يقسم له، وأما من جاء بعد انتهاء الحرب فإنه لا شيء له منها، وكذلك من انصرف قبل بدء الحرب فإنه ليس له منها شيء، وإنما هي لمن حضر الوقعة من أهل القتال، استدل المؤلف في الشرح بقول عمر رضي الله عنه: الغنيمة لمَن شَهِد الوقعة (15)، وأما من لم يشهدها فإنه لا حظ له فيها.
    طالب: ما معنى ياشيخ قوله (زمِن).
    الشيخ: أحسنت، أنا يفوتني بعض الكلمات لأني احسب الناس مثلي. الزمن: الذي لا يستطيع الحركة، يعني الأشل.
    طالب: جزاك الله خيرًا يا شيخ، إذا رجحنا بجواز الاستعانة بالكافر أو المشرك في الجهاد هل يكون له نصيب من الغنيمة يا شيخ؟
    الشيخ: جوزنا أيش؟
    الطالب: نقول على القول إذا أجزنا الاستعانة بالكافر أو .. يكون له نصيب من الغنيمة ياشيخ؟
    الشيخ: لا، ليس له نصيب، لكن يعطى حسب رأي الإمام.
    طالب: يا شيخ بالنسبة للغنيمة إذا غنمت وكان الجهاد حقًّا، وجاء قوم آخرون.
    الشيخ: بعد الوقعة؟
    الطالب: إي نعم. وقال قائل يا شيخ: إنه له نصيب من الغنيمة، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ» (16).
    (1/4211)
    ________________________________________
    الشيخ: يقول: لو أن أحدًا أعطى الذين أتوا بعد انتهاء الوقعة واستدل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ» قلنا: هذا أفق واسع، لو استدللنا على هذه المسألة بمثل هذا الحديث لتوسعنا توسعًا عظيمًا، ولكن حتى نتنزل معك: هل هذا جليس لهم؟ هذا الذي جاء بعد انتهاء الوقعة هل هو جليس؟ أجب.
    الطالب: لا.
    الشيخ: لا، الحمد لله.
    طالب: شيخ، عفا الله عنك، إذا جاء بحرب ناس ينتمون للإسلام على ناس ينتمون للإسلام ويش تصير المسألة؟
    الشيخ: هاتان طائفتان باغيتان {إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9].
    الطالب: لو كان المبغي عليهم هؤلاء.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: يقاتلون في سبيل الله ويقاتلون يعني من يريدون الدفاع.
    الشيخ: يعني أن الطائفة المقاتلة تدافع عن نفسها؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: أمر الله، قال الله تعالى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} نكون مع المبغي عليها.
    طالب: بارك الله فيكم، قلتم من قبل: إن حلق اللحية إذا كان بالقوة، يعني إذا كان يعني يصيب هذا الإنسان ضررًا فيجوز حلقها.
    الشيخ: إي.
    الطالب: من قبل قلتم ذلك، اليوم يعني نرى رأيكم ..
    الشيخ: أقول: بارك الله فيك، فرق بين الإنسان يكره ويقال: تعال احلق لحيتك.
    الطالب: طيب، ما هو مكره على الجيش يا شيخ، البلاد الإسلامية الآن في بعض البلدان إذا لم يكن ..
    الشيخ: استمع، استمع، فرق بين أن يقال لشخص: يا فلان، احلق لحيتك وإلا قتلناك أو عذبناك أو حبسناك، وبين إنسان يقال له في الجيش يقول: احلق لحيتك وإلا فصلناك.
    الطالب: ما يشترط، ما فيه فرق، إذا كان البلد هذه ما فيها فصل.
    الشيخ: كيف ما فيها فصل؟
    الطالب: يتمنى الناس أن يكون فيها فصل، يعني الإنسان يتمنى أن يكون فيها فصل ويخرج من الجيش.
    الشيخ: طيب.
    (1/4212)
    ________________________________________
    الطالب: بعض الناس يدفعون فلوسًا ويخرجون من الجيش.
    الشيخ: لا، يقول: إذن أنا ما أحلق اللحية.
    الطالب: ما يحلق اللحية يسجن.
    الشيخ: إي، أحسنت، حينئذ صار الإكراه.
    الطالب: طيب، يعني يحلق؟
    الشيخ: إي بس فرق بين إن قال: احلق لحيتك، وإذا قال: لا؛ تركوه، أو يقول احلق وإلا حبسناك، إذا قال هكذا صار مكرهًا.
    الطالب: طيب وإذا كان: اترك الصلاة؟
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: إذا كان: اترك الصلاة؟
    الشيخ: يقول: اترك الصلاة؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: يقول: اترك الصلاة؟
    الطالب: يوجد يا شيخ.
    الشيخ: ما يوجد.
    طلبة: لا ياشيخ.
    طالب: أحيانًا.
    الشيخ: هذا حلم هذا.
    طالب: أحيانًا.
    طلبة: صحيح.
    الشيخ: لا، ما هو أحيانًا.
    طالب: لا ياشيخ.
    الطالب: يا شيخ، بعضهم يفعل، أنا إن شاء الله أنقل على شيء قد تكون مئة في المئة. أحيانًا يأتي بالصلاة وقت الصلاة، يقول يروح يصلي، يقول: قف مكانك أنت يعني أوامر حسب الأوامر، يعني هو يريد أن يحرجه مع الصلاة، يقول: لا، بعدين الصلاة هذه بعد ما نخلص ويكون دخل العصر.
    الشيخ: هذا يجوز الجمع.
    الطالب: يجوز لهذه الحالة؟
    الشيخ: إي نعم يجوز؛ لأن يشق عليه.
    الطالب: يعني يجمع؟
    الشيخ: إي يجمع.
    طالب: يا شيخ، هذه المسألة وقعت في.
    الشيخ: وهي؟
    الطالب: أن.
    الشيخ: وهي التي وقعت، ما هي؟
    الطالب: أقول ( ... ) بعض الإخوة جاهدوا مع ناس -قوات- بعض البلاد اللي فيها الجهاد، فيرون الجهاد المجاهدين الذين يجاهدون معهم أن سبي النساء ..
    الشيخ: خلها بعد خلها.
    طالب: يا شيخ، يرون المجاهدون هؤلاء أن سبي النساء من الوحشية، فيقول الأمير: لا نسبي النساء، ويعني بعض المجاهدين يحتاج إلى يعني يحتاج إلى النساء، يخشى على نفسه مثلًا العنت، هل يجوز له أن يأخذ بعض النساء ويستمتع بها بدون إذن الأمير؟
    الشيخ: لا، لا يجوز.
    الطالب: شيخ هذا حرم شيء أحله الله سبحانه وتعالى.
    (1/4213)
    ________________________________________
    الشيخ: لا، قد يكون هذا يرى أنه ما هو حرام، أحله الله لكن لم يوجبه، لم يوجبه الله عز وجل.
    الطالب: شيخ، طاعة، يعني تحريم ما أحل الله سبحانه وتعالى ..
    الشيخ: لا، ما هو هذا تحريم، ما قال: إنه حرام، قال: نرى أن من المصلحة ألا نسبي النساء.
    الطالب: يستخفي بها، ما يدري عنها.
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: لا يدري القائد، ولا يدري الجيش أيضًا، أقول: يأخذ يعني.
    الشيخ: لا، هذا لا يجوز، هذا غلول، ثم هذه المرأة اللي أخذ ليس له حق في أن يصطفيها لنفسه، هي مشتركة بين كل الحاضرين، فيكون معناه جامع فرجًا لا يحل له، حتى لو فرض أنه جاز هل يمكن لأحد أن يستمتع بامرأة قبل أن تكون من سهمه؟
    الطالب: ما يجوز، لكن إذا كان ما يقصد هذا.
    الشيخ: لا يجوز.
    طالب: يا شيخ، في بعض الدول التي تكون بينها وبين الدول الكافرة حدود، هذه الدولة الإسلامية لا تحكم بشرع الله عز وجل، وبعض الموظفين في سلك الحدود ينوي أو يعمل في الدولة هذه، هل يسمى مرابطًا؟
    الشيخ: إي، يعني الحدود بينه وبين .. ؟
    الطالب: دولة كافرة، يعني هذه الدولة لا تبالي في هذا، يعني بالأمور الشرعية.
    الشيخ: ما فهمت هذه، يعني مثلًا الحدود بين المسلمين وبين دولة حربية؟
    الطالب: كافرة.
    الشيخ: حربية.
    الطالب: لا، تكون غير حربية.
    الشيخ: لا، هو الأصل -بارك الله فيك- أن اللي بيننا وبينهم عهد، الوفاء بالعهد، والله -عز وجل- يقول: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58].
    الطالب: إذن المرابط لا بد أن ( ... ).
    الشيخ: إي نعم، لا بد ( ... ) الرباط بين حدود المسلمين والكفار.
    الطالب: الدولة الحربية؟
    الشيخ: إي، لأن اللي بيننا وبينهم عهد ما نخاف منهم، لكن إن خفنا منهم صار المرابط ..
    طالب: يا شيخ مثل لو في معركة بين المسلمين والكفار ( ... ) المعركة أنه قتل عدد كبير من جيش المسلمين، هل الجيش الباقي من المسلمين يرجع؟ يرجع مثلًا عن الحرب؟
    (1/4214)
    ________________________________________
    الشيخ: ينظر للمصلحة، إذا كان الجيش الذي قابلهم أكثر من مثليهم فلا بأس، يعني لو فرض جيش العدو عشرة آلاف، وجيش المسلمين ألفين فلا حرج؛ لأن الله أباح لنا أن نفر من مثلين، من أكثر من مثلين.
    طالب: يشترط في ذلك إذن الإمام؟
    الشيخ: أيهم؟
    الطالب: في الفرار إذا كان أكثر من مثلين، يشترط في ذلك إذن الأمام؟
    الشيخ: معلوم، يجب على الإمام إذا رأى أن البقاء هلكة يجب عليه أن يأمرهم بالانصراف، لكن -على كل حال- إذا أمكن أن يحرزهم في جبل أو ما أشبه ذلك كما يذكر عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يخطب الناس يوم الجمعة فسمعوه يقول: الجبلَ يا سارية (17)، فتعجب الناس؛ كيف الجبل يا سارية، فلما انتهى من الصلاة قال: إن سارية بن زنيم كان قد أحاط به المشركون فكنت أوجهه أقول له: الجبل يا سارية. ما فيه تليفون، أو فيه؟
    طلبة: لا.
    فيُخْرَجُ الْخُمُسُ، ثم يُقَسَّمُ باقيَ الغَنِيمةِ، للراجِلِ سَهْمٌ وللفارِسِ ثلاثةُ أَسْهُمٍ؛ سَهْمٌ له وسَهمانِ لفَرَسِه، ويُشارِكُ الجيشَ سَراياهُ فيما غَنِمَتْ، ويُشارِكونَه فيما غَنِمَ.
    و(الْغَالُّ) من الغَنيمةِ يُحْرَقُ رَحْلُه كلُّه إلا السلاحَ والْمُصْحَفَ وما فيه رُوْحٌ، وإذا غَنِمُوا أَرْضًا فتَحُوها بالسيْفِ خُيِّرَ الإمامُ بينَ قَسْمِها ووَقْفِها على المسلمينَ، ويُضْرَبُ عليها خَراجًا مُسْتَمِرًّا يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ بيدِه، والْمَرْجِعُ في الْخَراجِ والْجِزيةِ إلى اجتهادِ الإمامِ، ومَن عَجَزَ عن عِمارةِ أَرْضِه أُجْبِرَ على إجارتِها أو رَفْعِ يدِهِ عنها، ويَجْرِي فيها الْمِيراثُ، وما أُخِذَ منْ مالِ مُشْرِكٍ كجِزيةٍ وخَراجٍ وعُشْرٍ,
    الشيخ: إذا كان الجيش الذي قابلهم أكثر من مِثْلَيْهِم فلا بأس، يعني لو فُرِض أن جيش العدو عشرة آلاف، وجيش المسلمين ألفين فلا حرج؛ لأن الله أباح لنا أن نَفِرَّ من أكثر من مِثْلَيْن.
    طالب: يشترط في ذلك إذن الإمام؟
    الشيخ: أيهم؟
    (1/4215)
    ________________________________________
    طالب: في الفرار إذا كان أكثر من مِثْلَيْن، يُشترط في ذلك إذن الإمام؟
    الشيخ: معلوم، يجب على الإمام إذا رأى أنَّ البقاء هَلَكَة أن يأمرهم بالانصراف، لكن -على كل حال- إذا أمكن أن يُحْرِزَهُم في جبل أو ما أشبه ذلك كما يُذْكَر عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يخطب الناس يوم الجمعة فسمعوه يقول: الجبلَ يا سارية، فتعجب الناس، كيف الجبل يا سارية! فلما انتهى من الصلاة قال: إن سارية بن زنيم كان قد أحاط به المشركون، فكنت أُوَجِّهُه، أقول له: الجبل يا سارية (1)، ما فيه تليفون، أو فيه؟
    طلبة: ما فيه.
    الشيخ: ( ... )
    طالب: تليفون؟
    الشيخ: إي.
    طالب: هذا الموجود في ( ... ).
    الشيخ: لا، تليفون آخر، نُقِل كلام عمر لهذا الرجل وسمعه فانحاز إلى الجبل فَسَلِم.
    طالب: يا شيخ، هل المعتبر الآن في جواز انهزام المسلمين أمام الكفار ( ... ) العدد أم العُدَّة؛ لأن الواقع أن ..
    الشيخ: في الوقت الحاضر أصبح الاعتماد على العُدَّة أكثر، إلَّا في مقابلة السيوف.
    طالب: العدد ليس له قيمة للحكم.
    الشيخ: حسب الحال، قد يكون القوة تقوم مقام العدد.
    طالب: قوله: (وَهْيَ لِمَنْ شَهِدَ الوَقْعَةَ مِنْ أَهْلِ القِتَالِ)، قال: (يقصدها قاتَلَ أو لم يُقاتِل، حتى تجَّار العسكر وأُجَرَائِه الْمُسْتَعِدِّين)، تجَّار العسكر أيش لون؟
    الشيخ: يعني هم كانوا يخرج أُناس معهم بضائع: طعام وغيره.
    طالب: يبيعون.
    الشيخ: يبيعون.
    طالب: ها دول ياخدون من الغنيمة؟
    الشيخ: يُعْطَوْن لأنهم مستعدون.
    طالب: مستعدون للقتال ..
    الشيخ: للقتال، إي نعم.
    ( ... ): هل الرُّبُع ( ... ) أربعة أخماس الباقية بعد إخراج الْخُمُس؟
    (1/4216)
    ________________________________________
    التنفيل سبق أنه يُنَفَّل في البداية الرُّبُع بعد الخُمُس، في الرجعة الثُّلُث بعد الخُمُس، بمعنى أن السرية إذا ذهبت وقاتلت وغنِمت وجاءت بغنيمة نأخذ منها الخُمُس يُصْرَف مَصْرَف الخُمُس، وأربعة أخماس نعطيها -إذا كان في البداية- رُبُع الأربعة أخماس، والباقي يُضَم إلى غنيمة الجيش العامَّة، في الرجعة الثُّلُث بعد الخُمُس.
    طالب: ( ... ) الغنيمة إذا كانت كثيرة أو قليلة.
    الشيخ: قليلة أم ( ... ) لا فرق.
    يقولهل صحيح أن كل ما كان فيه إفزاع للعدو فهو جائز وإن كان محرَّمًا؟ ومثال ذلك كأن يطيل الرجل شعره إلى حد يصل إلى عجزه، ويقول بعض الذين يفعلون هذا: إن هذا من إرهاب العدو، العدو يجي من ( ... ) ولَّا من وراء؟ أيش تقول؟ العدو من وراء بيشوف رأسه ولَّا من ( ... )؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، لا.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: أبدًا، وأيضًا إطالة الأظافر؟ إن كانوا يتقاتلون بالأظافر لا بأس يطيلها، وإلَّا فلا يُطِلْها.
    طالب: الجواب يا شيخ.
    الشيخ: الجواب: لا.
    طالب: ما يجوز فعله؟
    الشيخ: ما يجوز؛ لأنه ما فيه فائدة.
    طالب: المشية ( ... ) التي أجازها صلى الله عليه وسلم.
    الشيخ: إي نعم، هذه إغاظة لهم، لكن هل الكفار يَغيظهم إذا صار الرجل أظفاره طول أصابعه؟
    طالب: ممكن الرجل يا شيخ يعني يجعل شعره هذا أمامهم.
    الشيخ: شو هذا؟ يغطي وجهه؟ ما يجوز، على كل حال إطالة شعر الرأس ما فيه شيء، بالأصل إنه يصير إلى الكتفين أو إلى شحمة الأُذُن، لكن كونه يطيله أنا ما أعتقد أن العدو بيرهب من إطالته، أنا أخشى إنه بالعكس.
    طالب: لو قال قائل: يا شيخ، شعيرة الجهاد الآن معطَّلة، والآن الآيات والأحاديث ليس لها واقع عملي، وخاصة مثلًا بعد هذا الصلح الأخير مع اليهود، كأنه بالحقيقة بصورة أو بأخرى نسخٌ لما جاء عن الله وعن رسوله من آيات الجهاد، كيف نوجه يا شيخ هذا القول؟
    (1/4217)
    ________________________________________
    الشيخ: والله ( ... ) جهاد الناس اليوم يُسأل أولًا: هل هو في سبيل الله أو لا؟ قبل كل شيء، خصوصًا مع اليهود، أما مع الآخرين -مثل البوسنة والهرسك مع الصرب والكروات- فالظاهر أنه في سبيل الله؛ لأنه دفاعًا عن المسلمين على الأقل، أما مع اليهود فأنتم تعرفون أنه صارت -يعني- قبل حوالي عشرين سنة خمسة عشر سنة لا يعرفون أن الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، إنما هو قومية عربية، عرب يقاتلون إسرائيليين، ولهذا لمَّا بُنِيَ على هذا الأساس الفاسد الباطل الجاهلي فَشل، وتلاشى، والحمد لله وزالت، ونرجو ألَّا تعود، فهذه يُسأل أولًا عن النية والإخلاص، وهل الذين يخلُفُون اليهود هل سيجعلون كلمة الله هي العليا؟ أيضًا هذا يُنظَر، واقع المسألة ( ... ) نسأل الله السلامة.
    الطالب: لكن السؤال يا شيخ: شعيرة الجهاد الآن هل هي معطَّلة أو مُقامَة؟

    الشيخ: الآن هي في بعض الجهات قائمة، قامت في أفغانستان وحصل هزيمة الروس والحمد لله، وهذه هي الآن في البوسنة والهرسك -إن شاء الله- سيُهزم الصرب والكروات ومَنْ ساعدهم، والصومال أيضًا انهزموا الآن بدؤوا يسحبون قواتهم، يجرون أذيال الخيبة، وهكذا.

    الطالب: لكن الآن يا شيخ في جانب ما يتعلق بالجهاد والعلاقة مع اليهود، علاقة المسلمين باليهود.
    الشيخ: نسأل الله تعالى أن يوفِّق المسلمين، يصلح ولاة أمور المسلمين.

    ***
    طالب: بسم الله الرحمن الرحيم ( ... ).
    الشيخ: .. وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    حكم الجهاد في الإسلام؟
    طالب: فرض كفاية.
    الشيخ: فرض كفاية؟
    الطالب: نعم.
    الشيخ: ما هو الدليل من الكتاب والسُّنَّة والإجماع؟
    الطالب: كثيرة.
    الشيخ: الأدلة كثيرة، منها:
    الطالب: منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 38].
    الشيخ: لا، هذا إذا سُئِل.
    الطالب: نعم {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78].
    الشيخ: غيره.
    (1/4218)
    ________________________________________
    الطالب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123].
    الشيخ: نعم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123]، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]، {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36]، {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190]، آيات كثيرة، ومن السُّنَّة؟
    طالب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنْ قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ» (2).
    الشيخ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» (3).
    الإجماع منعقد عليه أنه فرض كفاية، متى يكون فرض عَيْن؟
    طالب: يكون فرض عَيْن في أربع حالات.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: الحال الأولى: إذا كان في الصف، فلا يجوز له.
    الشيخ: والثانية؟
    الطالب: والثانية أن يحاصَر بلده.
    الشيخ: إذا حاصر العدو بلده، والثالثة؟
    الطالب: الثالثة: إذا كان ممن يُحْتاج إليه.
    الشيخ: نعم، إذا كان ممن يُحْتاج إليه، والرابعة؟
    الطالب: الرابعة.
    الشيخ: أما أجبت عنها أولًا؟
    الطالب: إذا استنفره الإمام.
    الشيخ: إذا استنفره الإمام، تمام.
    ما هو الدليل من الحال الأولى، إي نعم؟
    طالب: إذا حضر ..
    الشيخ: إذا حضر الصف.
    طالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنَّ من الموبِقات التولي يوم الزحف (4).
    الشيخ: حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ من الموبِقات التولي يوم الزحف، وله دليل من القرآن.
    (1/4219)
    ________________________________________
    طالب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ} [التوبة: 38] ..
    الشيخ: نعم؟
    طالب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16].
    الشيخ: أحسنت، دليل الحال الثانية؟
    طالب: إذا حُوصِر.
    الشيخ: إذا حاصر بلدَه عدو.
    الطالب: لأن الدفاع عن النفس واجب، ( ... ) عن النفس والمال.
    الشيخ: لوجوب الدفاع ..
    الطالب: عن النفس والمال والعِرْض.
    الشيخ: عن النفس والمال والعِرْض، وهذا منه، الحال الثالثة؟
    الطالب: وهي يا شيخ؟
    الشيخ: إذا احتيج إليه.
    الطالب: إذا احتيج إليه يدخل تحت فرض الكفاية، ( ... ) فرض الكفاية، إي نعم.
    الشيخ: إذا احتيج إليه؟
    طالب: إذا احتيج إليه.
    الشيخ: صار فرض عَيْن.
    طالب: إي نعم.
    الشيخ: لأن فرض الكفاية لا يسقط إلَّا إذا قام به مَنْ؟ مَنْ يكفي، دليل الرابعة؟
    الطالب: قوله في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} [التوبة: 38].
    الشيخ: نعم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 38، 39]، طيب.
    (1/4220)
    ________________________________________
    ما الفرق بين المُخَذِّل والمُرْجِف؟
    طالب: المُخَذِّل الذي يقول: لا داعي لقتال العدو.
    الشيخ: يعني يُثَبِّط.
    الطالب: يُثَبِّط العزائم.
    الشيخ: العزائم والْهِمَم عن القتال.
    الطالب: عن القتال.
    الشيخ: والمُرْجِف؟
    طالب: الذي يقول: إن قوتهم كثيرة، وإنَّا لا طاقة لنا بهم ..
    الشيخ: يُخَوِّف الأعداء.
    طالب: يُخَوِّف الأعداء.
    الشيخ: نعم، يُخَوِّف الأعداء، أي يُخَوِّف منهم، أحسنت.
    لماذا نمنعهم وهم يريدون أن يجاهدوا؟
    الطالب: لأنَّ فيهم ضررًا على المسلمين.
    الشيخ: لأنَّ فيهم؟
    الطالب: ضررًا على المسلمين ولا يتم ..
    الشيخ: هل هناك قاعدة تومئ إلى هذا؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: وهي.
    الطالب: ما لا يتم الواجب إلَّا به فهو واجب.
    الشيخ: لا.
    الطالب: درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح.
    الشيخ: نعم، صحيح، درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح.
    يقول المؤلف: (وَلَهُ أَنْ يُنفِّلَ فِي بِدَايتِهِ الرُّبُع) إلى آخره، قوله: (وَلَهُ) اللام هنا للإباحة؟ أم ماذا؟
    طالب: نعم للإباحة ( ... ).
    الشيخ: أو لبيان الجواز، بمعنى أنه لا يمتنع عليه ذلك.
    طالب: للإباحة يا شيخ.
    الشيخ: يعني معناه: يجوز للإمام أن يفعل وأن لا يفعل.
    طالب: نعم.
    الشيخ: على حد سواء.
    طالب: نعم.
    الشيخ: إي، توافقون على ذلك؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: نعم؟
    طالب: حسب الحال.
    الشيخ: لا، اللام، في قوله: (وَلَهُ أَنْ يُنفِّلَ)؟
    طالب: يعني: ضد المنع.
    الشيخ: هل هي لمُطلق الإباحة بمعنى أنه على حد سواء؟ أو لبيان الجواز ثم إن اقتضت المصلحة ذلك فعل وإلَّا لا؟
    طالب: لبيان الجواز.
    الشيخ: إي، لبيان الجواز.
    طالب: ضد المنع.
    الشيخ: بمعنى أنه إذا رأى من المصلحة التنفيل فَعَل، وإن لم يرَ فيه مصلحة لم يفعل، هذا هو.
    لماذا فُرِّق بين البداية والرجعة؟
    طالب: لأن البداية يا شيخ إذا حصلت المصلحة ..
    الشيخ: يعني يُنَفِّل في البداية الرُّبُع، وفي الرجعة الثُّلُث.
    (1/4221)
    ________________________________________
    طالب: لأن المصلحة يا شيخ تكون عظيمة، إذا انتصرت هذه السرية ( ... ).
    الشيخ: مثل معناه إن كان على كلامك يكون العكس.
    طالب: لأنها أعظم خطراً وأكثر مشقَّة.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: لأنه في الرجعة أعظم خطراً وأكثر مشقَّة.
    الشيخ: وأكثر مشقَّة، أعظم خطراً؛ لأن الجيش قد؟
    الطالب: قد تقدمهم.
    الشيخ: في الرجعة.
    الطالب: في الرجعة قد تقدمهم، والجيش ( ... ).
    الشيخ: لا، قد انصرف عنهم، في الرجعة، رجعوا.
    الطالب: إي رجع ( ... ).
    الشيخ: إذن ما يتقدم ( ... ) انصرف عنهم فليس لهم مَنْ يحميهم، هذه واحدة، ثانيا؟ أظن عَلَّلْنا بثلاث تعليلات.
    طلبة: لا يا شيخ تعليل واحد.
    الشيخ: لا نقبل، كلكم تشهدون لأنفسكم.
    طلبة: تعليل واحد يا شيخ.
    الشيخ: سبحان الله، كم عَلَّلْنا؟
    طالب: واحد.
    الشيخ: واحدا؟ إي أجل أنا يمكن نسيت، هو أشد؛ لأن الجيش قد
    انصرف، هذه واحدة، ولأن العدو قد انتبه، في البداية ربما يكون العدو على غفلة، وعلى غِرَّة، وهنا العدو قد انتبه وربما يكون في قلبه حَنَق، يريد أن ينتقم، وثالثا: أن الجيش لمَّا فرغ من القتال صار متشوفاً ومتشوقا إلى
    أهله، رجع الناس، كَوْن الإنسان يرجع يبقى الآن انفتح صدره للقاء أهله، فيه مشقة شديدة، ولهذا كان التنفيل في الرجعة أكثر من التنفيل في أيش؟
    في البَدأة، واضح يا جماعة؟ أما البَدأة فهي أهون؛ لأن الجيش؛ كمل ( ... ).
    طالب: ( ... ) الجيش متقدم.
    الشيخ: ( ... )، هذه واحدة.
    طالب: ولأنهم غير متشوِّفين لأهلهم.
    الشيخ: يعني تعاكس العِلَل.
    ولأن العدو، أهم شيء أن العدو ربما يكون في غفلة، يعني لم يستعد.
    كيف ذلك؟ يعني هذا التنفيل كيف هو؟ لأنه أشكل على بعض الناس كيف -يعني- صورة المسألة؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: يعني أن الجيش إذا دخل دار العدو -دار الحرب- أرسل سرية تبدأ القتال.
    طالب: إذا غنيمة يؤخذ الخُمُس ( ... ) أربعة أخماس، يؤخذ الرُّبُع، الرُّبُع لهم خاصة والباقي يُضَم إلى ( ... ).
    (1/4222)
    ________________________________________
    الشيخ: ثلاثة الأرباع، يضم إلى الجيش ويشاركون الجيش أيضا، واضح يا جماعة الآن؟ صار الرُّبُع ما هو رُبُع المغنم كله، رُبُع ما غنِموه فقط؛ لأنه هو الذي كان من عملهم، وقد يغنمون كثيرا فيؤُخَذ رُبُع ما غنموه يُعْطَى السرية، وثلاثة أرباع يضم إلى أيش؟ إلى مغنم الجيش.
    هل يجوز لأحد من الجيش أن يغزو بدون إذن الإمام؟
    طالب: نعم يجوز إذا فاجأهم العدو.
    الشيخ: إذن لا يجوز، إلَّا؟
    الطالب: إذا فاجأهم.
    الشيخ: إي، لا يجوز إلَّا إذا فاجأهم، لماذا؟
    الطالب: لأن الإذن واجب يؤخذ من الإمام، أما إذا فاجأهم لا يستطيعون أن يذهبوا إلى الإمام ليأخذوا الإذن؟
    الشيخ: إي نعم؛ لأن الواجب ألَّا يتحركوا بأي شيء إلَّا بإذن الإمام، ولأنه لو أُبيح ذلك لحصلت الفوضى، وصار كل جزء من الجيش يقول: أنا سأحارب، أما إذا فاجأهم العدو فهنا القتال من باب الدفاع لا بد منه.
    مَنْ هم الذين لا يجوز قتلهم؟ -هذا تراه في الشرح ما هي في المتن- الذين لا يجوز قتلهم من الكفار؟
    طالب: المرأة، والصبي، والشيخ الكبير، والزَمِنْ، والمجنون، ومَن لا رأي له.
    الشيخ: كيف ( ... ) كم ذكرنا الآن؟
    طالب: سبعة.
    الشيخ: سبعة، عدَّهم.
    الطالب: المرأة.
    الشيخ: هذه المرأة.
    الطالب: والصبي.
    الشيخ: والصبي.
    الطالب: والشيخ الكبير الفاني الذي لا رأي له.
    الشيخ: خَلِّي لا رأي له ( ... ) والشيخ الكبير الفاني الذي لا يستطيع، يكفي ثلاثة.
    الطالب: الأنثى، والراهب، والأعمى، والزَمِنْ.
    الشيخ: لماذا؟
    الطالب: لماذا؟
    الشيخ: إي.
    الطالب: ( ... ) في القتال.
    الشيخ: يعني ليس لهم أثر في القتال.
    لو كان هذا الشيخ الكبير الفاني ( ... ) لو كان رجلًا ذكيَّا، ممارس للحروب، عنده رأي، يصدر الجيش عن رأيه، هل يُقتَل أو لا؟
    طالب: نعم يُقتَل.
    الشيخ: لماذا؟
    الطالب: لأن له رأيًا في الحرب.
    الشيخ: لأن له أثرًا في الحرب، هؤلاء الذين لم يُقْتَلوا ماذا يكون حكمهم إذا سُبُوا؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: في الحرب.
    (1/4223)
    ________________________________________
    طالب: يُرْجَع فيه إلى رأي الإمام.
    الشيخ: يُرْجَع فيه ( ... ) هؤلاء.
    طالب: يكونون مع الغنائم.
    الشيخ: أرِقَّاء.
    الطالب: أرِقَّاء.
    الشيخ: يكونون أرقَّاء بمجرد السَّبي، صحيح.
    إذا سُبِيَ البالغ العاقل المقاتل؟
    طالب: للإمام فيه أربعة اختيارات؛ إما أن يقتله.
    الشيخ: يُخَيَّر فيه الإمام.
    الطالب: نعم، إما أن يقتله، وإما أن يفدي نفسه بمالٍ أو بنفس، وإما أن ..
    الشيخ: بمال أو نفس، زِدْ.
    الطالب: بمال أو مصلحة أو مسلم، أو أسير مسلم.
    الشيخ: بمال، أو أسير، أو منفعة.
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: طيب.
    الطالب: وإما أن يمُنَّ عليه مجانًا، وإما أن يسترقَّه، وفي الآخِر ( ... ).
    الشيخ: هذا التخيير تَشَهٍّ أو مصلحة؟
    الطالب: لا، تبع المصلحة.
    الشيخ: تبع المصلحة.
    الطالب: لِما يرى الإمام من المصلحة.
    الشيخ: أحسنت، ما هو الضابط لتخيير التشهِّي وتخيير المصلحة؟
    الطالب: كلما خُيِّر للغير فإنه يراعي المصلحة، أما ( ... ) لنفسه فإنه للتشهي ( ... ).
    الشيخ: إذا كان مُخَيَّرًا ومتصرِّفًا للغير فهو مصلحة، وإذا كان لنفسه فهو تخيير تَشَهٍّ، يعني أي شيء أراد يفعل.
    متى تُملَك الغنيمة؟ هل يُشترط حيازتها إلى دار المسلمين؟ أو تُملَك ولو في دار الحرب؟
    طالب: تُملَك ولو في دار الحرب.
    الشيخ: حتى في دار الحرب؟
    الطالب: إي نعم.
    الشيخ: يعني لو أن المسلمين ما نقلوا الغنائم إلى دار الإسلام، هل يملكونها؟
    الطالب: إي نعم يملكونها، إذا كانوا يخافون عليها -يخافون على الغنيمة- من العدو لهم أن يدخلوها ..
    الشيخ: هم لا بد أن ينقلوها، إذن تُمْلَك بالاستيلاء عليها ولو في دار الحرب، أحسنت.
    قال: (فَيُخْرِجُ الخُمُسَ)، (يُخْرِجُ) الضمير يعود على الإمام أو نائبه، يعني: يُخْرِجُ الإمام الذي هو الرئيس الأعلى في الدولة أو من ينيبه كقائد الجيش مثلًا.
    (1/4224)
    ________________________________________
    (يُخْرِجُ الخُمُس)، (الخُمُسَ) أي: خُمُس الغنيمة؛ لقول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41].
    (يُخْرِجُ الخُمُسَ)، ويُصْرَف على ما ذَكَر الله في القرآن: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}، هذا واحد، {وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}؛ خمسة، إذن الخُمُس يُقْسَم خمسة أسهم، فيكون: لله ورسوله من أصل الغنيمة جزء من خمسة وعشرين جزءًا، أليس كذلك؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: إذ إننا إذا أخرجنا الخُمُس ثم قَسَمْناه خمسة أسهم صار لله ورسوله من أصل الغنيمة جزءٌ من خمسة وعشرين جزءًا.
    أين يُصْرف هذا؟ كما ذَكَر الله، الذي لله ورسوله -وهو خُمُس الخُمُس- يكون فَيْئًا في مصالح المسلمين، هذا هو الصحيح، وقيل: ما لله فيء، وما للرسول فللإمام؛ لأن الإمام نائب من هذا الرسول في الأمة، فيكون ما لله في مصالح المسلمين، وما للرسول يكون للإمام، ولكن الصحيح أن ما لله والرسول فإنه يكون فيئًا، يُدْخَل في بيت المال ويُصْرَف في مصارف المسلمين.
    {وَلِذِي الْقُرْبَى}، قُرْبَى مَنْ؟ قربى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهم: بنو هاشم، وبنو المطلب، هؤلاء هم أصحاب الخُمُس، يعني خُمُس الخُمُس لذي الْقُرْبَى، وكيف يُقْسَم بينهم؟
    قيل: يُقْسَم بينهم بحسب الحاجة، وقيل: بل للذكر مثل حظ الأُنثيين، وقيل: بل للذكر والأنثى سواء.
    أما مَنْ قال: بحسب الحاجة، قال: لأن من مقاصد الشرع دفع الحاجات، لكن خَصَّ ذوي القربى؛ لأنهم أحق الناس بمثل هذا الفيء، أو هذه الغنيمة، وأما مَنْ قال: هم سواء، فقال: لأنهم يستحقونه بوصف وهو القرابة، وهذا يستوي فيه الذكور والإناث، كما لو وقَّف على قريبه فإنه يستوي الذكر والأنثى.
    (1/4225)
    ________________________________________
    وأما مَنْ قال: إنه يُفَضَّل الذكر على الأنثى، فقال: لأن الإرث في القرابة يكون هكذا، للذكر مثل حظ الأُنثيين.
    والأقرب الأول أننا نراعي الحاجة، فإن كانوا كلهم في حد سواء أعطيناهم سواءً، سواءٌ في الغنى أو في الحاجة يُعطَون سواءً، المهم أن لهم حقًّا خاصًّا في الْمَغْنَم.
    {وَالْيَتَامَى} من؟ مَن مات أبوه قبل أن يبلغ، أي قبل أن يبلغ الأب؟
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: الضمير يعود على أقرب مذكور.
    طلبة: ( ... ).
    الشيخ: إذن مَنْ مات أبوه ولم يبلغ هو، واضح؟ سواءٌ كان ذكرًا أو أنثى، وهل يختص بالفقراء منهم أو لا يختص؟ الصحيح أنه لا يختص؛ لأننا لو جعلناه خاصًّا بالفقراء لم يكن لعطف المساكين عليهم فائدة، والصواب أن اليتيم يستحق خُمُس الخُمُس من الغنيمة ولو كان غنيًّا؛ جبرًا للنقص الذي حصل له بفقد أبيه، ولا سيَّما إذا كان اليتيم مترعرعًا في الشباب، يعني يعرِف قَدْر وجود أبيه، ويعرِف ما يفوت بفقد أبيه، فاليتامى إذن يُعْطَون وإن لم يكونوا في حاجة، لكن لا شك أنه مَن كان أحوج فهو أحق، لو قدَّرنا أن خُمُس الخُمُس قليل فإننا نبدأ بمَنْ؟ بالأحق فالأحق.
    {وَالْمَسَاكِينِ} المساكين هم الفقراء، وهنا يدخل الفقراء في اسم المساكين.
    {وَابْنَ السَّبِيلِ} هم المسافرون الذين انقطع بهم السفر، فيُعْطَوْن ما يوصِلُهم إلى سفرهم، يُعْطَون تذكرة أو متاعًا أو ما أشبه ذلك مما يحتاجون إليه.
    وهل هو كالزكاة؟ بمعنى أنه يجوز الاقتصار على واحد من هؤلاء؟ أو يجب التعميم؟ المشهور من المذهب أنه يجب التعميم، يعني أننا نعمِّم بحسب القدرة والطاقة، فمثلًا: اليتامى في البلد لا نقول: إنه يجزئ أن نعطي ثلاثة منهم؛ لأن هذا أقل الجمع، بل نبحث عن كل يتيم في البلد ونعطيه من هذا الذي هو خُمُس الخُمُس، أما مستحق الزكاة فقد عرفتم أنه يكفي أيش؟ يكفي واحد، يجوز الاقتصار على واحد.
    (1/4226)
    ________________________________________
    فإن قال قائل: ما الفرق؟ قلنا: الفرق هو أنه ثبت بالسُّنَّة جواز الاقتصار على واحد، في حديث معاذ بن جبل: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» (5)، ولم يذكر بقية الأصناف، مع أن هذا بعد نزول الآية، وأما هنا فقال الله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]، فكل مَنْ قام به هذا الوصف استحق.
    ثم قال المؤلف: (ثُمَّ يَقْسِمُ بَاقِي الغَنِيْمَة)، كم الباقي؟
    طلبة: أربعة أخماس.
    الشيخ: أربعة أخماس، (لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، وَلِلفَارِسِ ثَلَاثَةُ أسْهُمٍ؛ سَهْمٌ لَهُ، وَسهْمَانِ لِفَرَسِهِ)؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك في خيبر، جعل للراجل -يعني الذي على رِجْله- سهمًا واحدًا، وللفارس ثلاثة أسهم (6)، لماذا فُرِّق بينهما؟ لأن غَناء الفارس ونفعه أكثر من غَناء الراجل، أكثر بكثير.
    فإذا قال قائل: فما تقولون في حروب اليوم، فالناس لا يحاربون على خيل وإبل وأرجل، بالطائرات والدبابات وما أشبهها؟
    قلنا: يقاس على كل شيء ما يُشْبِهه، فالذي يُشْبِه الخيل أيش؟
    الطائرات؛ لسرعتها وتزيد أيضًا الخطر فيها، والذي يُشْبِه الإبل؟
    الدبابات والنقليات وما أشبهها، هذه يكون لصاحبها سهم ولها سهم، يعني سهمين، والراجل الذي برجله -مثل القناصة هؤلاء- لهم سهم واحد.
    فإن قال قائل: الطائر لا يملك الطائرة، الطائر لا يملكها، فهل تجعلون له ثلاثة أسهم؟
    نقول: نعم، نجعل له ثلاثة أسهم؛ سهم له وسهمان للطائرة، وسهم الطائرة يرجع إلى بيت المال؛ لأن الطائرة غير مملوكة لشخص معين، بل هي للحكومة، وإذا رأى ولي الأمر أن يُعْطِي السهمين لقائد الطائرة فلا بأس؛ لأن في ذلك تشجيعًا له على هذا العمل الخطير.
    طالب: هل يكون للمسلم حق ( ... )؟
    الشيخ: المسلم؟
    (1/4227)
    ________________________________________
    الطالب: للمسلم حق؟
    الشيخ: كل مسلم له حق.
    الطالب: ولو لم يعمل؟
    الشيخ: ولو لم يعمل، لكن ما نعطي كل واحد، نبدأ بالأحوج فالأحوج.
    طالب: يا شيخ، لو قال قائل إنما جعل للفارس ثلاثة أسهم لشدة خطورته على العدو، ولذلك –في الوقت الحاضر- نرى أي المعدات أشد على العدو نعطيه هذا السهم.
    الشيخ: هي الطائرات.
    الطالب: نعم.
    الشيخ: في الوقت الحاضر الطائرات.
    الطالب: الصواريخ يا شيخ.
    الشيخ: الصواريخ جالس الواحد، ما عَمِل.
    طالب: أخطر يا شيخ
    طالب آخر: بس هي أشد على العدو.
    الشيخ: ما يخالف هي أشد ضررًا في العدو لكن بالنسبة لعمل المجاهد ما هي شيء، الواحد جوة غرفة مكندشة، وعنده ( ... )، والله أعلم ( ... ) كان عنده شيء آخر، يضغط الزر وتنطلق القذيفة.
    طالب: ما هي محتملة؟
    الشيخ: أيش لون محتملة؟
    الطالب: أنها لشدتها على العدو؟
    الشيخ: لا، شدة الخطر، وشدة الغنائم للمسلمين كلها.
    طالب: هل نقطع الآن بأن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة؟
    الشيخ: إي هو ماضٍ شرعًا.
    الطالب: لكن الجهاد المسلح ولَّا الجهاد .. ؟
    الشيخ: كل أنواع الجهاد.
    الطالب: لكن: «لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ» (7)، هل نحمل هذا على الجهاد المسلَّح ولَّا على غيره؟
    الشيخ: لا، ما دام «يُقَاتِلُونَ» هذا الجهاد المسلَّح، لكن لا يمنع أنه في وقت من الأوقات لا يستطيعون هذا.
    الطالب: لكن الجهاد فيه قتال، في كل سنة وفي كل عام وفي كل قرن فيه قتال.
    الشيخ: قد يكون وقد لا يكون؛ لأنه منوط بالقدرة.
    الطالب: هذا إخبار من الرسول ماضٍ إلى يوم القيامة.
    الشيخ: صحيح هو ماضٍ شرعًا، لا ماضٍ قدرًا، والماضي شرعًا قد يتخلف.
    الطالب: يعني ربما يكون في بعض الأعوام ما فيه جهاد.
    الشيخ: إي نعم، ربما، وقد كان.
    طالب: ( ... ) قلنا: إن التولي يوم الزحف هذا كبيرة من الكبائر، ( ... ) الحكم، فإنهم في بعض البلاد يُقْتَل رميًا بالرصاص، فهل هذا العمل .. ؟
    الشيخ: كيف؟
    (1/4228)
    ________________________________________
    الطالب: إحنا قلنا الحكم؛ هل يُسجَن؟
    الشيخ: ما الحكم؟
    الطالب: حكم الذي تولى من الزحف.
    الشيخ: أيش فيه؟
    الطالب: في بعض البلاد الذي يتولى من الزحف يُقْتَل رميًا الرصاص.
    الشيخ: مَنْ يقتله؟
    الطالب: الدولة، هذا في القوانين.
    الشيخ: ما يجوز، هذا ما يجوز، نقول: لا يجوز قتل مَن تولى مِن الزحف.
    الطالب: كيف يتصرفون معه؟
    الشيخ: إذا لم يكن له عذر فهذه من جملة المعاصي التي قال العلماء: إن فيها التعزير، لكن التعزير بالقتل لا يجوز.
    طالب: في أثناء المعركة ( ... ).
    الشيخ: نعم.
    طالب: في درس من دروس السياسة الشرعية قررنا أن ولي الأمر له أن يجعل للعامل، ولو كان أقل عمل له راتب أعلى، فالآن بالنسبة لموجِّهِين الصواريخ قد يكون نَفْعُهم أعظم، وإن كان عملهم أقل ومريح أكثر، لكن نفعهم يا شيخ أكثر بكثير.
    الشيخ: ما هو بجهدهم، بجهد الصاروخ.
    الطالب: لا يا شيخ، في بعضهم قد يوجهون الصواريخ إلى أماكن معينة تحتاج إلى دراسات و ..
    الشيخ: على كل حال، يُنظَر.
    الطالب: حسابية.
    الشيخ: إذا كان يحتاج إلى جهد وعمل فيُنظَر فيه.
    طالب: شيخ، العمليات الانتحارية التي يقوم بها بعض الجنود، ما رأيك؟
    الشيخ: كيف هي؟
    الطالب: يا شيخ يتسلَّحون بأسلحة متفجرات، ويدخلون على العدو، ما رأيك فيها يا شيخ؟
    الشيخ: رأيي أنهم قتلوا أنفسهم.
    الطالب: لا، إذا كانت لضرورة.
    (1/4229)
    ________________________________________
    الشيخ: ما هي ضرورة، لكن شيخ الإسلام -رحمه الله- قال: إنه إذا كان فيه نفع عظيم للمسلمين ما هو قَتْل عشرة من العدو أو عشرين، نفع عام للمسلمين، فلا بأس به، واستدل بقصة الغلام الذي كان يدعو الناس إلى توحيد الله، وكان فيه مَلِك يقول إنه ربهم، وأخذ هذا الغلام وألقاه من شاهق، وألقاه في البحر، وكل يأتي، فقال له هذا الغلام: اجمع الناس، وإذا اجتمعوا فخُذْ سهمًا من كِنانتي ثم قل: باسم ربِّ هذا الغلام، وارمني به، فإنك سوف تقتلني، ففعل الملِك، فصاح الناس: باسم ربِّ الغلام باسم ربِّ الغلام (8)، وعَرَفوا أن الرب حقيقةً هو رب هذا الغلام.
    وأما البراء بن مالك (9) فإنه ليس منتحرًا، هذا الرجل اللي بتقول مُنْتَحِر يقين به الموت، والبراء بن مالك ما هو بيقين.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: إي ولو مهلكة، ما هو بيقين، ولذلك نجا
    طالب: ورد حديث –وأظنه في صحيح مسلم (10) - أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القتال تحت راية عُمِيَّة، فما معناه يعني؟
    الشيخ: يعني المراد بذلك: التي لا يُعرَف وجهها، مأخوذة من العَمَى.
    الطالب: أو التي لا يُعرَف إمامها؟ لأننا اشترطنا في ..
    الشيخ: لا، التي لا يُعرَف وجهها، حتى لو عُرِف الإمام وما يعَرِف وجهه، بس قال: روحوا قاتلوا جهة معينة.
    طالب: جزاك الله خيرًا يا شيخ، إذا كان تَعَدَّد الأئمةُ –مثلًا- كما حصل في بعض البلاد يقاتلون، فِرَق أكثر من ثلاث أو أربع ولا يُعرَف إمام لهم عام، بل لكل إمام فِرقته وجماعته، فما حكم الجهاد؟
    الشيخ: الظاهر أن هذا ( ... ) ما لهم إمام.
    الطالب: لكن لكل إمام جماعته.
    الشيخ: ما يصير هذا، لازم يتفقون؛ لأن فيه ضررًا.
    طالب: شيخ ( ... ) في كتاب الزكاة يا شيخ أن الزكاة لا تُعْطَى لِمُطَّلِبي.
    الشيخ: إلَّا؟
    الطالب: لِمُطَّلِبي.
    الشيخ: لا تُدْفَع لهاشمي الزكاة، والذي مشى عليه في المختصر: المُطَّلِبي، والصحيح أنها تُدفع له.
    الطالب: إلى الهاشمي والمُطَّلِبي؟
    (1/4230)
    ________________________________________
    الشيخ: لا، إلى الْمُطَّلِبي فقط.
    الطالب: ولا تُدفع للهاشمي.
    الشيخ: ما تُدفع لهاشمي.
    الطالب: ( ... ) الغنيمة يا شيخ تُدفع للهاشمي؟
    الشيخ: إي نعم، الغنيمة؛ لأن الرسول شَرَّك بني عبد الْمُطَّلِب، وقال: «إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ» (11)؛ لأن بني عبد الْمُطَّلِب هم الذين وقفوا معه -مع بني هاشم- لَمَّا حصر قريشٌ بني المطلب وبني هاشم، ولذلك أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخُمُس، وأما الزكاة فإنه لم يَرِد، قال: «الزَّكَاةُ لَا تَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ» (12) فقط.
    طالب: يا شيخ، بالنسبة في بعض الحروب يرسِل الإمام أحد الجواسيس يتجسس على الحرب، على الأعداء يعني، فهذا يأخذ منه، يكون بأي قسم من أقسام المسلمين؟
    الشيخ: أيش؟
    طالب: يكون بأي قسم؟ يعني يأخذ كم سهم؟ هو يعني مهمته صعبة.

    الشيخ: إي نعم، هذا يعطيه الإمام نفلًا، يزيده من عنده، وله سهمه الأصلي.

    طالب: شيخ، بالنسبة للشظايا الآن، يعني شظايا القنابل والقذائف لها ثمن، وهي كثيرة ومنتشرة في بلاد ( ... )، فهل للإمام أن يقول: كل من التقط الشظايا فإنه يملكها؟
    الشيخ: إي نعم، إذا رأى المصلحة في ذلك فلا بأس.
    طالب: شيخ، ما دليلنا عندما رجَّحنا أن مال الرسول صلى الله عليه وسلم في بيت المال؟
    الشيخ: الدليل فعل الصحابة والخلفاء الراشدين.
    طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، إذا كانت عملية الانتحار لقتل رئيس كافر فاسد يفسد في الأرض، هل للمصلحة العامة يا شيخ؟
    الشيخ: لا؛ لأنه يأتي بعد الكلب كلبان.
    طالب: قد يأتي خير منه.
    الشيخ: وقد يأتي أَكْلَب منه، قد وقد، والانتحار مَفْسَدَة ظاهرة؛ لأن النصوص: مَن قتل نفسه بحديدة، ومَن قتل نفسه بِسُم (13)، عامَّة، ولولا قصة الغلام لقلنا: ما يجوز حتى ولو كان فيه نفع عظيم للمسلمين.
    (1/4231)
    ________________________________________
    طالب: بالنسبة للأسلحة، إن المقاتل يستخدم أسلحة، والأسلحة مملوكة لبيت مال المسلمين، الأسلحة مهما ( ... ) تكون غالية جدًّا فتكون لبيت مال المسلمين، إذا كان سلاح يدوي.
    الشيخ: لا يجوز استعمال أي سلاح إلَّا بإذن الإمام.
    الطالب: لا، يعني الأسلحة بإذن الإمام، السهم هل يكون لهذه الأسلحة نصيب؟
    الشيخ: كيف؟
    الطالب: فمثلًا ( ... ) الأسلحة التي تُحمَل على اليد، إذا كانت مدافع صغيرة أو سواء كانت بنادق مثلًا.
    الشيخ: ويش فيها؟
    الطالب: هل يُجْعَل النصيب من السهم لبيت مال المسلمين باعتبار السلاح من بيت مال المسلمين؟
    الشيخ: إي، لا، ما هو بلازم، لكن لأن الإمام له أن يقول: مَنْ حمل هذه فله سهم، مع أن هذه ما لها سهم، السهم مثل الطائرات بمنزلة الخيل، ( ... ) بمنزلة الإبل، أما هذه فهي مثل السهم.
    طالب: هل نقول: إن قصة الغلام شَرْعُ مَنْ قَبْلَنا، وشَرْعُنا أتى للعموم، بأنه لا يقتل شخص نفسه، وشَرْعُ مَنْ قَبلَنا هل ( ... ) شرع؟
    الشيخ: نعم، إذا ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام فهو على سبيل
    العبرة.

    طالب: شيخ، هل يُقْبَل هذا الدليل؟
    الشيخ: إي نعم، وقد استدل به شيخ الإسلام رحمه الله، استدل بهذه القصة على جواز هذا العمل.
    طالب: شيخ، القائد لو أمر واحدًا ينتحر ( ... ) المسلمين هل يطيعه ولَّا لا؟ للمصلحة العامة.
    الشيخ: إي، الظاهر أنه ما يلزمه أن يُطيعه.
    طالب: حتى لو ( ... ) ولي أمر؟
    الشيخ: إي نعم، الظاهر أنه لا يلزمه أن يقتل نفسه، لكن إن اختار هو ذلك فلا بأس.
    طالب: بارك الله فيكم يا شيخ، من المعلوم –كما أخذنا في درس الزكاة- أن بني هاشم لا يأخذون من الصدقات؛ لأنهم يأخذون من الخُمُس، ولكن الآن عصور طويلة مضت وما حصل غنائم ولا حصل جهاد، فتعطَّل هذا الباب، فهل نعطيهم من الصدقات؟
    الشيخ: ويش تقولون في هذا؟
    طالب: نقول: يؤخذ من بني هاشم ويُعْطَى لبني هاشم، تؤخذ الزكاة من بني هاشم وتُعْطَى لبني هاشم.
    (1/4232)
    ________________________________________
    الشيخ: إن كانوا كلهم فقراء؟
    الطالب: ما يصير.
    الشيخ: يصير، إذا صار ما باقي من بني هاشم في هذا البلد إلَّا رجلان؟
    الطالب: نقول: إن شيخ الإسلام أجاز إعطاءهم للضرورة.
    الشيخ: نعم، صحيح، شيخ الإسلام يقول: إذا لم يكن خُمُس فإنه يجوز إعطاؤهم للضرورة، يعني لدفع فقرهم وقضاء دَيْنهم. ( ... )
    ***
    أخرج مسلم في صحيحه (14) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أُتِيَ بِضبٍّ فأبى أن يأكله، فقال: «إِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ مِنَ الْقُرُونِ الْأُولَى الَّتِي مُسِخَتْ»، فهل نقول: إن العلة في عدم أكل الرسول صلى الله عليه وسلم للضبِّ هي هذه العلة؟
    العلة علَّتَان: العلة هذه، وهي متردد فيها الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو على سبيل الاحتياط، كقوله في التمرة التي وجدها: «لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا» (15)، والعلة الثانية: هو أنه ليس في أرض قومه، قال: «فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» (16) وهذا ( ... ).
    يقول: إذا أُسِرَ مسلم في أيدي الأعداء، وخَيَّرُوه بين أمرين: أما أن يُقْتَل، وإما أن يُفشي أسرار الجيش الإسلامي، فماذا يعمل جزاكم الله خيرا؟
    هذا أظنه سهلًا، يخبرهم بأخبار يُضرِّبْهُم يمينًا وشمالًا، وهم لا يعلمون ما في قلبه، والكذب في الحرب جائز، إذا قالوا: ماذا تقول؟ قال: والله جيش عظيم، قوة عظيمة، صواريخ فتَّاكة، وهكذا، وهذا طيب، يؤجَر عليه ويُثاب عليه ولو كان كذبًا، وهم لا يعلمون الغيب ( ... ).
    ***
    طالب: .. والصلاة والسلام على رسول الله.
    (1/4233)
    ________________________________________
    قال المصنف رحمه الله: وَيشَارِك الجَيْشُ سَرَايَاهُ فِيمَا غَنِمَت، وَيُشَارِكُونَهُ فِيمَا غَنِمَ، وَالغَالُّ مِن الغَنِيمَةِ يُحَرَّقُ رَحْلُهُ كُلُّهُ إِلَّا السِّلَاحَ وَالمُصْحَفَ، وَمَا فِيهِ رُوحٌ، وَإِذَا غَنِمُوا أَرْضًا فَتَحُوهَا بالسَّيْفِ خُيِّرَ الإِمَامُ بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ويضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا يُؤْخَذُ مِمَّن هِي بِيَدِه، والمَرْجِعُ فِي الخَرَاجِ والجِزْيَةِ إِلَى اجْتِهَاد الإِمَامِ، وَمَنْ عَجَزَ عَن عِمَارَةِ أرْضِهِ أُجْبِرَ عَلَى إِجَارَتِهَا، أوْ رَفْعِ يَدهِ عَنْهَا، وَيَجْرِي فِيهَا المِيرَاثُ، وَمَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ كَجِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ وَعُشْرٍ، وَمَا تَرَكُوهُ فَزَعًا، وَخُمْسِ خُمْسِ الغَنِيْمَةِ، فَفَيءٌ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ المُسْلِمِينَ.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    كيف تُقسَم الغنيمة؟
    طالب: يؤخذ منها الخُمُس.
    الشيخ: أولًا أخماسًا.
    الطالب: يؤخذ الخُمُس، وهذا الخُمُس يُقسَم خمسة أسهم؛ سهم لله ورسوله، وسهم ذوي القربى، وسهم اليتامى، وسهم المساكين، وسهم ابن السبيل، والأربعة أسهم تُقسم على الجيش، للراجِل سهم، ولصاحب الفرس ثلاثة أسهم؛ سهم له، وسهمان لفرسه.
    الشيخ: سمعتم؟ يقول: تُقْسَم أولًا خمسة أسهم، فيؤخذ الخُمُس يوزع أيضًا خمسة أسهم؛ سهم لله ورسوله، وسهم لذوي لقربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، فإلى أي شيء يُصْرَف سهم الله ورسوله؟
    طالب: الصحيح أنه يكون فيئًا يُصْرَف يُجْعَل في بيت المال يُصْرَف في مصالح المسلمين.
    الشيخ: يُصْرَف؟
    الطالب: في مصالح المسلمين.
    الشيخ: في مصالح المسلمين، وما المراد بذوي القربى؟
    طالب: ذوي القربى؟ هم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم.
    (1/4234)
    ________________________________________
    الشيخ: من أين يبدؤون؟
    الطالب: يبدؤون من بني طالب.
    الشيخ: بني طالب؟
    الطالب: المُطَّلِبِي والهاشمي.
    الشيخ: فسِّر المطَّلِبي، لو قلت: الْمُطَّلِبِي أخذناه على القبول، لكن ما ندري شو تعريف الْمُطَّلِبِي هذا.
    الطالب: المسلمين من ذوي قرابته، من بني طالب وبني هاشم، من الْمُطَّلِبِي والهاشمي.
    الشيخ: من هو الْمُطَّلِبِي؟
    الطالب: بني عبد الْمُطَّلِب.
    الشيخ: بنو عبد الْمُطَّلِب، والهاشمي؟
    الطالب: بنو هاشم.
    الشيخ: بنو هاشم وبنو الْمُطَّلِب هل يُمْنَعُون من الزكاة؟ أو هل تحل الزكاة لهم؟
    الطالب: لا، لا تحل الزكاة لهم، ولكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا لم ..
    الشيخ: كلهم ( ... ).
    الطالب: نعم، بنو هاشم لهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم.
    الشيخ: وبنو الْمُطَّلِب.
    الطالب: بنو عبد الْمُطَّلِب لا تحل لهم الزكاة.
    الشيخ: وبنو عبد شمس؟
    الطالب: لا، تحل لهم؛ بنو أمية وبنو عبد شمس وغيرهم تحل لهم الزكاة.
    الشيخ: إي نعم.
    الطالب: الصحيح أن بني هاشم هم الذين لا تحل لهم الزكاة، أما بنو عبد الْمُطَّلِب فتحل لهم.
    الشيخ: تحل لهم الزكاة، ولهم من الخُمُس.
    الطالب: ولهم من الخُمُس.
    الشيخ: وبنو الْمُطَّلِب؟
    الطالب: تحل لهم الزكاة، ولهم من الخُمُس.
    الشيخ: لا فرق إذن على كلامك.
    الطالب: نعم؟
    الشيخ: بنو هاشم أنت قلت: تحل لهم الزكاة ولهم من الخُمُس.
    الطالب: بنو هاشم لا تحل لهم الزكاة.
    الشيخ: ولهم من الخُمُس؟
    الطالب: ولهم من الخُمُس.
    الشيخ: وبنو الْمُطَّلِب؟
    الطالب: تحل لهم الزكاة، ولهم من الخُمُس.
    الشيخ: تمام، وبنو عبد شمس وبنو نوفل؟
    الطالب: تحل لهم الزكاة فقط.
    الشيخ: وليس لهم من الخُمُس شيء؟
    الطالب: وليس لهم من الخُمُس شيء.
    (1/4235)
    ________________________________________
    الشيخ: مع أن هؤلاء الأربعة إخوان، لكن لمَّا كان بنو عبد شمس وبنو نوفل معادين للرسول عليه الصلاة والسلام لم يستحقوا من الخُمُس شيئًا، على أن بني عبد الْمُطَّلِب فيه خلاف، يقول أبو طالب في قصيدته المشهورة، اللامية المشهورة التي قال ابن كثير فيها: هذه أقوى من المعلَّقات السبع -المعلَّقات السبع قصائد للعرب مشهورة اختاروا أن تكون معلَّقة في جوف الكعبة، عَلَّقوها في جوف الكعبة وسمَّوْها المعلَّقات- يقول: هذه اللامية أقوى من المعلَّقات، وأحق بأن تكون معلقة في الكعبة، يقول فيها أبو طالب:
    جَزَى اللهُ عَنَّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا
    عُقوبَةَ شَرٍّ عاجِلٍ غَيْرِ آجِلِ

    لأنهم قاطَعُوهم مع قريش، ( ... ) قرأتم في التاريخ أن قريشًا قاطَعُوا بني هاشم، وأن بني المطَّلب انضموا إلى بني هاشم وحُصِروا في الشِّعب -شِعْب عامر- بمكة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ» (11)، فجعل لهم من الخُمُس، لكن الصحيح أن الزكاة تحل لهم، وأن الذين تحرم عليهم الزكاة هم بنو هاشم فقط.
    هل يجب استيعاب هذه الأصناف؟
    طالب: نعم، يجب استيعاب هذه الأصناف، والفرق بينها وبين الزكاة أنه ورد الدليل في الزكاة على أنه لا يجب استيعابها، وهو حديث معاذ، قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» (5)، أما الغنيمة ( ... ) دليل.
    الشيخ: أسمعتم؟ يعني: يجب أن تُسْتَوعَب هذه الأصناف، ويُعْطَى كل فرد قَدَرْنَا على إعطائه، هذا هو المذهب.
    والقول الثاني في المسألة: أنه لا يجب الاستيعاب، وأن حكم هذه حكم الزكاة، وأن الله تعالى إنما ساقها لبيان المستحقين فقط.
    (1/4236)
    ________________________________________
    هذا القول هو الراجح، القول الراجح أنه لا يجب استيعابهم، كالزكاة تمامًا، ويمكن أن نقول هذا، أعني قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» يدل على أن الاستيعاب ليس بواجب.
    طالب: والآية يا شيخ؟
    الشيخ: أي آية؟
    طالب: آية الزكاة.
    الشيخ: لبيان المستحقين فقط.
    لماذا جُعِل للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم واحد؟
    طالب: لأنه مُعَرَّض للخطر أكثر من غيره.
    طالب آخر: له ثلاثة أسهم للفارس؛ لأن وجود المنفعة أكثر من الراجل؛ لأن الراجل منفعته أقل منه.
    الشيخ: تمام؛ لأنه أكثر نفعًا في الحرب، فيعطيه ثلاثة أسهم.
    طالب: شيخ، تحديد الفارس بالفارس العربي؟
    الشيخ: نعم، التفريق بين الفرس العربي والهجين ظاهر؛ لأن الهجين ( ... )، ما فيه خير.
    طالب: لكن الآن يا شيخ الدبابات.
    الشيخ: لا، انتهينا، تكلمنا عنها، بيَّنَّاها.
    بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف: (وَيشَارِك الجَيْشُ سَرَايَاهُ فِيمَا غَنِمَت، وَيُشَارِكُونَهُ فِيمَا غَنِمَ)؛ لأن الجيش واحد، (سَرَايَاهُ) التي يَبُثُّها إذا دخل دار الحرب، وسبق أنه يمكن أن يبعث سرية في ابتداء القتال، وسرية في الرجوع بعد القتال، ما غنمته السرايا يُضَمُّ إلى أيش؟ إلى غنيمة الجيش، وكذلك غنائم الجيش تُضَمُّ إلى غنائم السرايا، لكن سبق أن للإمام أن يُنَفِّل الثُّلُث في الرجعة، والرُّبُع في البَدأة، أو بالعكس؟ .
    (وَيشَارِك الجَيْشُ سَرَايَاهُ فِيمَا غَنِمَت، وَيُشَارِكُونَهُ فِيمَا غَنِمَ)، عندي قال ابن المنذر: رُوِّينَا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعَدِهِمْ» (17)، وعلى كل حال العلة واضحة؛ أن هذا جيش واحد انطلق في وجه واحد فصاروا شركاء.
    (1/4237)
    ________________________________________
    ثم قال المؤلف: (وَالغَالُّ مِنَ الغَنِيمَةِ يُحَرَّقُ رَحْلُهُ) الغالّ: هو مَن كتم شيئًا مما غنمه واختصه بنفسه، والغلول من كبائر الذنوب، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161]، وحذَّر النبي عليه الصلاة والسلام من ذلك، وبيَّن أن الإنسان يأتي بما غلَّ يوم القيامة، إن كان شاة أو بعيرًا أو أي شيء يأتي به حاملًا إياه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، فهو إذن من كبائر الذنوب، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أن رجلًا غلَّ نعلَيْن من الْمَغْنَم، وأخبر أنهما نارٌ على هذا الغالِّ (18)، والعياذ بالله.
    فماذا يُصنع به في الدنيا؟
    قال المؤلف: (يُحَرَّقُ رَحْلُهُ كُلُّهُ إِلَّا السِّلَاحَ وَالمُصْحَفَ، وَمَا فِيهِ رُوحٌ)، (يُحَرَّقُ) ظاهر كلامه أن هذا واجب، يعني: يجب أن يُحَرَّقَ رَحلُه.
    (إِلَّا السِّلَاحَ) كالسيف والبُنْدَق وما أشبه ذلك، (وَالمُصْحَفَ) لاحترامه.
    (وَمَا فِيهِ رُوحٌ)؛ لأن ما فيه الروح لا يعذَّب بالنار، مثل: البعير والفرس، ما الذي بقي؟ بقي الدراهم التي كدراهمنا الآن، وهي أوراق، وبقي الرَّحْل أوعية الأواني، وبقي الشِّداد اللي على البعير، وبقي السَّرْج، والمِقْوَد، وما أشبه ذلك، المهم يُحَرَّق.
    وهنا نقول: لماذا يُحرَّق؟ أفلا يكون من الأحسن أن يضاف إلى الغنيمة؟ أو من الأحسن أن يؤدَّب صاحبه بالضرب مثلًا، ويكون المال له؟
    (1/4238)
    ________________________________________
    فنقول: لا، أما قولنا: إن الأحسن أن يضاف إلى الغنيمة لأن إحراقه إضاعة مال، فالجواب عنه أنَّ المقصود بهذا التحريق هو أيش؟ التنكيل بهذا الرجل، ومصلحة التنكيل أكبر من مصلحة ما يُضَمُّ إلى بيت المال أو إلى الغنيمة من المال، فيكون بهذا مصلحة أكبر من مصلحة المال الذي يحصُل لو لم يُحَرَّق، وأما كونه يُحَرَّق ولا يُتْلَف بنوع آخر أو يُتصَدَّق به فلأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم، وقال يزيد بن جابر: السُّنَّة في الذي يَغُلّ أن يُحْرَقَ رَحْله (19).
    ولكن هل كلام المؤلف صحيح في أنه يجب إحراقه؟ أو نقول: إن الإحراق راجع إلى اجتهاد الإمام؟
    المذهب أنه يجب إحراقه، والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا راجع إلى اجتهاد الإمام، فإن رأى من المصلحة أن يُحَرَّق حَرَّقَه، وإن رأى أن يُبقِيَه أبقاه، ولكن لا بد أن يُنَكِّل بهذا الغالِّ.
    قال: (وَإِذَا غَنِمُوا أَرْضًا)، (وَإِذَا غَنِمُوا) الواو، وهي الفاعل، تعود على المسلمين، (أَرْضًا) يعني: من الكفار فَتَحُوهَا (بالسَّيْفِ) ويسمى الفتح بالسيف: عَنْوة؛ لأنهم أخذوها قهرًا.
    فإذا فتحوا أرضًا بالسيف يقول: (خُيِّرَ الإِمَامُ بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، ويضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا) إلى آخره.
    مثال ذلك: قاتل المسلمون قرية ففتحوها، وجلا عنها أهلُها، وصارت بأيدي المسلمين كالغنائم من الأمتعة وغيرها مما يُنقَل، فماذا نصنع؟
    نقول: يُخيَّر الإمام بين شيئين: إما أن يقسِمَها بين الغانمين، وإما أن يوقِفها على المسلمين عمومًا، ويضرب عليها خَراجًا مستمرًَّا، فإن قَسَمَها على المسلمين فله في ذلك سَلَف، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قَسَمَ أرض خيبر بين المسلمين (20).
    (1/4239)
    ________________________________________
    وإن لم يقسِمْها وجعلها وقفًا للمسلمين، وأعطاها الناس وضرب عليها خراجًا مستمرًَّا، فله في ذلك سَلَف، وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإن عمر بن الخطاب قال: إذا قسمتُ الأرض بين المقاتلين الآن لم ينتفع بها مَنْ بعدهم، وهي أرض ليست شيئًا منقولًا تتلف بممرِّ الزمن، بل هذه ستبقى أبد الآبدين، فكَوْني أقسمها بين الغانمين، وتبقى ملكًا لهم يتوارثونها فيما بينهم، ويتبايعونها فيما بينهم، هذا يَحْرِم مَنْ؟ يَحْرِم بقية الأجيال -أجيال المسلمين- فأنا أُبْقِيهَا وَقْفًا، وأضرب عليها خراجًا.
    الخراج يعني مثلًا يقول: كل -مثلًا- كذا وكذا من الأمتار -مثلًا- ألف متر عليه خراج ألف ريال -مثلًا-، هذا الخراج يضع عليه ألف ريال، يؤخذ مِمَّن؟ مِمَّن هو بيده، فإن كانت بيد من عَمَرَها بيتًا أُخِذ من صاحب البيت، إذا كانت بيد مَن زرعها وغرسها أُخِذت من الزارع والغارس، تُشْبِه ما يسمى عندنا هنا: بالصُّبْرَة، وما يسمى بالحجاز: بالحِكْرَة أو الْْحُكُوْرَة، يعني تبقى الأرض لا تُمْلَك، للمسلمين، لكن مَن هي بيده فهو أحق بها من غيره، وعليه مقابل كونه ينتفع بها دراهمُ يُقَدِّرها الإمام، ولهذا قال: (بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ).
    وهذا التخيير هل هو تخيير تشهِّي؟ بمعنى أن الإمام له أن يفعل ذلك، سواء كان لمصلحة أو لغير مصلحة؟ أو هو تخيير مصلحة؟
    طلبة: الثاني.
    الشيخ: الثاني، لماذا؟ للقاعدة التي سبقت؛ أنَّ مَن خُيِّر بين شيئين وهو يتصرف لغيره وَجَبَ عليه فِعْلُ الأصلح، وإِنْ كان لنفسه فله أن يَعْدِل إلى الأسهل، سواءٌ أَصْلَح أو غير أَصْلَح.
    ولذلك نقول: مَنْ عليه كفارة يمين فهل يجب عليه أنْ يعْدِل إلى الأصلَح وهو عِتق الرقبة، ومِن بعده الكسوة، ثم الإطعام؟ أو هو مُخَيَّر بأيها شاء؟
    طلبة: الثاني.
    الشيخ: نعم، الثاني، حتى لو اختار الأقل -وهو الإطعام في الغالب- فإن له ذلك.
    (1/4240)
    ________________________________________
    إذن يجب على الإمام أن يستشير ذَوِي الرأي، ما رأيكم؟ هل نقسم الأرض بين الغانمين، ونجعل كل إنسان أرضه له يتصرف فيها، وتورَث مِن بعده؟ أو نقول: هي وقف للمسلمين وليست مُلكًا، ولا يدخل فيها الإرث، ويُضْرَب عليها خراج مستمر تؤخذ ممن هي بيده؟ قد يقولون: الأفضل كذا، وقد يقولون: الأفضل كذا، حسب الحال.
    قال: (ويضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا يُؤْخَذُ مِمَّن هِي بِيَدِه) يعني بمعنى أنها تكون كالأجرة، كأجرة على مَن هي بيده كل عام.
    يقول: (والْمَرْجِعُ فِي الْخَرَاجِ والجِزْيَةِ إِلَى اجْتِهَاد الإِمَامِ).
    (المَرْجِعُ فِي الخَرَاجِ) يعني: الذي يوضَع على الأرض المغنُومة، المَرْجِعُ إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام، أما الجزية فقدَّمها المؤلف هنا -وإن لم يكن أتى بابُها- استطرادًا.
    الجِزْيَةِ: هي التي تُوضع على كل فرد من أفراد أهل الذمة عِوَضًا عن إقامتهم في دارنا وعن حمايتهم، وهذه أيضًا مرجعها إلى الإمام، ومعلومٌ أن هذه تختلف باختلاف الأراضي، واختلاف الأزمان، واختلاف الأشخاص في باب الجزية، فيُرجَع فيها إلى اجتهاد الإمام.
    لكنهم قالوا: إذا وضعه مَنْ سَبَقَه فإنه لا يجوز للثاني تغييره ما لم يتغير السبب، يعني مثلًا ما وضعه عمر على الأرض الخَراجية وإن كان الأمر راح الآن اندرس، لكن ما وضعه لا يجوز أن نغيره بزيادة أو نقص إلَّا إذا وُجِد السبب -سبب التغيير- بأن تكون الأراضي رَخَصَت فنُنَزِّل، الأراضي زادت فنرفع الخراج، حسب الحال، أما إذا لم يوجد سبب فالواجب اتِّباع ما ضربه الإمام الأول على هذه الأرض وعلى أهل الذمة.
    كيف الخراج؟
    الخراج إذا غَنِم المسلمون أرضًا، قال الإمام: لا تَقْسِمُوها، والأموال اللي فيها تُقسَم أو لا تُقسَم؟
    (1/4241)
    ________________________________________
    تُقْسَم كما سبق، لكن الأرض لا تُقْسَم، أبقُوها، واجعلوا كل إنسان له أرض، لكن يكون عليها أجرة تؤخَذ منه كل سنة، هذا نسميه أيش؟ نسميه الخراج، مَنْ يُقَدِّر هذا الخراج؟ يُقَدِّره الإمام، ومعلوم أنه يختلف إذا كانت الأراضي غالية -مثلًا- مرتفع قيمتها، فإذن نرفع أيش؟ نرفع الخراج، وإن كان الأمر بالعكس نُنَزِّله، حسب رأي الإمام.
    إذا ذهب هذا الإمام وجاء من بعده آخر هل يُغَيِّر ما حَكَم به الأول ويقول: أنا أريد أن أرفع الخراج؟
    طلبة: لا، إلَّا إذا ..
    الشيخ: إن قلتم: لا، أخطأتم، وإن قلتم: نعم، أخطأتم.
    طلبة: إذا تغير السبب.
    الشيخ: نقول: إن لم يوجد سبب يقتضي التغيير فإنه لا يجوز أن يغيره؛ لأن وضع الإمام الأول لَهْ حُكْم، والحُكْم لا يُنقض إلَّا لوجود سبب، فتبقى على ما هي عليه.
    الجزية، قلت لكم توضع على مَنْ؟ على أهل الذمة على رؤوسهم، بدلًا عن إقامتهم بدارنا وحمايتهم، هذه أيضًا ترجع إلى رأي الإمام، قد يقول: على كل رأس مئة ريال في السَّنَة، أو خمسون ريالًا، أو عشرة ريالات، حسب ما تقتضيه الحال.
    هذه الأرض الخراجية هل تنتقل بالإرث؟ الجواب: نعم تنتقل، ويكون الورثة أحقَّ بها مِن غيرهم، ولكن الخراج الذي وُضِع على مُوَرِّثِهِم يكون عليهم، هذا بحث.
    البحث الثاني: هل يتعلق الخراج بذمة الْمُوَرِّث ويكون دَيْنًا في ذمته تتعلق به نفسه بعد موته؟ أو هو على مَن انتقلت إليه؟ الثاني، إلَّا إذا كان بقي من الخراج الذي أدركه الأول حيًّا شيءٌ فإنه يتعلق بذمته.
    مثلًا: لو مضى عليه خمس سنوات ما أدَّى الخراج ثم مات، فهذا يتعلق بذمته كم؟ خمس سنوات، وما بعدها مما انتقلت فيه الأرض إلى الورثة يكون على الورثة.
    وبهذا أيضًا -بهذا التقرير- يطمئن الإنسان الذي اشترى بيتًا فيه صُبْرَة، ثم أدى الصُّبْرَة التي حلَّت في حياته ومات، فهل نقول: هذه الصُّبْرَة تتعلق بذمة الميت؟
    الجواب: لا، لا تتعلق؛ لأنه برئت ذمته في حياته.
    (1/4242)
    ________________________________________
    وكذلك أيضًا لو أن الأرض المُصَبَّرة بِيعَت على شخص، فهل للذي صبَّرَها الأول أن يرجع على البائع؟ أو يرجع على المشتري الذي هي بيده؟
    طالب: على المشتري.
    الشيخ: أنا تصَبَّرت أرضًا ثم بِعْتُها على زيد، فهل الذي صبَّرني إياها يرجع عليَّ وأنا أرجع إلى زيد، أو يرجع إلى زيد؟
    طلبة: الثاني.
    الشيخ: يرجع إلى زيد، إلى الثاني، لماذا؟ لأنه جرت العادة أن الصُّبْرَة يُطالَب بها مَن كانت العين في يده، فلا يُطالَب بها البائع، قد يقول المُصَبِّر الأول: أنا صَبَّرتُك أنت، أعطني صُبرَتي؟ أقول: لا؛ لأنه جرت العادة أنني إذا بعتها فأنت تطالب مَن؟ المشتري، كالأرض الخراجية سواء.
    يقول: (وَمَنْ عَجَزَ عَن عِمَارَةِ أرْضِهِ أُجْبِرَ عَلَى إِجَارَتِهَا، أوْ رَفْعِ يَدهِ عَنْهَا)، هذا رجل من الناس اقتطع أرضًا من الأرض الخراجية يريد أن يزرعها، يعني جاء لولي الأمر وقال: أعطني من هذه الأرض الخراجية مساحة كيلو -مثلًا- يريد أن يزرعها، فالإمام يجب عليه أن يعطيه؛ لأن هذا من مصلحة المسلمين؛ إذ سيعود الدخل هذا إلى بيت مال المسلمين، أخذها ثم عجز عن عمارتها، نقول له: يجب عليك أحد أمرين؛ إما أن ترفع يدك ليأخذها غيرُك، وإما أن تؤجرها، لماذا؟ لأنه إذا عجز عن العمارة وبقيت أرضًا بيضاء، وأردنا أن نطالبه بالخراج فمن أين نأخذ؟ يضيع حق المسلمين، فنقول: إما أن تَعْمُرَها، وإما أن تُؤْجِرَها.
    وهل يُعْطَى مهلة؟ نعم يُعْطَى مهلة، لو قال: أمهلوني شهرًا، فإننا نعطيه مهلة شهر، بشرط ألَّا يَفُوت وقت الزرع، فإن طلب مهلة يفُوت بها زرعُها لم يعطَ؛ لأنه إذا فات الزرع ثم قال: الآن ما أستطيع أزرع؛ لأنه فات الزرع؛ لأن الزرع له وقت معروف، فما حجتنا عليه؟
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، ما فيه فائدة الآن، ذهب موسم الزرع، المهم أنه إذا طلب منا مهلة أعطيناه مهلة، أنتم متصورون المسألة ولَّا لا؟
    طلبة: نعم.
    (1/4243)
    ________________________________________
    الشيخ: ما أدري ما أنتم فلاحين الظاهر، فاهمين زين؟
    طلبة: فاهمين يا شيخ.
    الشيخ: إن جاء رجل لولي الأمر: أعطني قطعة أرض أريد أن أزرعها في أرض خراجية، قال: طيب، قدَّرَ له أرضًا وأعطاها إياه، بناءً عليه يريد أن يزرعها، لكن الرجل عجز عن زرعها، ماذا نقول؟
    نقول: إما أن تُؤْجِرَها أو ترفع يدك عنها، قال: أمهلوني أنظر في أمري، قلنا: لا بأس، نمهلك، لكن نمهله مدةً لا يفوت بها موسم الزرع، يعني -مثلًا- لو بقي على البث في الأرض وزرعها لو بقي شهر، وقال: أمهلوني شهرين، ماذا نقول؟ لا؛ لأنه إذا أمهلناه شهرين فات الموسم ولم تُزرَع، نقول: نمهلك خمسة عشرة يومًا، نمهلك عشرين يومًا، نمهلك شهرًا، لا بأس، إذا طلب أكثر قلنا: لا، إذا كنت لا تستطيع أن تُدْرِك زرعها إلَّا بعد الشهرين فارفع يدك؛ لئلَّا تتعطل الأرض ثم يتعطل خراجها.
    قال: (وَيَجْرِي فِيهَا المِيرَاثُ)، (يَجْرِي فِيهَا) أي في أيش؟ في الأرض الخراجية يجري فيها الميراث، فإذا مات إنسان قد استولى على أرض خراجية عن وَرَثة، انتقلت الأرض بخراجها إلى الورثة.
    إذا قال الورثة: لا نريدها، ما دام قد ضُرِبَ عليها خراج فنحن لا نريدها، ماذا نقول؟
    نقول: أهلًا وسهلًا، ارفعوا أيديكم عنها، نعطيها أُناسًا آخرين، ما نجبرهم؛ لأن الذي التزم بها هو الأول –أبوهم- هؤلاء نورِّثهم على الأصح.
    يقول: (وَمَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ كَجِزْيَةٍ)، (مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ) يعني: أو غيره ممن لا يَدِين بالإسلام.
    (مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ) المراد بذلك مَنْ لا يَدِين بالإسلام، سواء كان يهوديًَّا، أو نصرانيًَّا، أو وثنيًَّا، أو غير ذلك، المهم أنه كافر لا يَدِين بالإسلام.
    (كَجِزْيَةٍ) التمثيل بالجزية وما عُطِف عليها يدل على أنه أُخِذ بغير قتال، وذلك أنَّ ما أُخِذ من مال الكفار بالقتال فهو غنيمة كما سبق، لكن هذا أُخِذ بغير قتال.
    (1/4244)
    ________________________________________
    (كَجِزْيَةٍ) وهي ما يوضع على مَنْ؟ على أفراد أهل الذمة؛ من يهود ونصارى وغيرهم على القول الراجح.
    وكذلك أيضًا الخراج، ما هو الخراج؟ المال المضروب على الأرض الخراجية التي غُنِمَت ثم وُقِفَت على المسلمين.
    (وَعُشْرٍ) العُشْر يؤخَذ من كل كافر اتَّجَر إلى بلاد الإسلام، انتبهوا، كل كافر يُوَرِّد تجارة على بلاد الإسلام يؤخذ منه العُشْر، إن كان حربيًّا أخذنا منه العُشْر، إن كان ذِمِّيًّا أخذنا منه نصف العُشْر، حق لنا، ليس هذا بمَكْس، حق لنا نحن المسلمين؛ لأنه إذا أورد التجارة إلينا مَنْ المستفيد؟ المستفيد أولًا هو، فنأخذ منه العُشْر إن كان حربيًّا، لكن كيف يكون حربي ويُوَرِّد علينا تجارة؟
    طلبة: مستأمن.
    الشيخ: يكون مستأمنًا؛ لأنه يجوز أن يطلب الأمان ليدخل التجارة ويبيعها ويمشي، فهذا حربي أخذ الأمان، أما لو كان حربيًّا دخل بغير أمان، إيش نعمل فيه؟ نأخذه هو وماله؛ لأنه حربي، لكن إذا كان حربيًّا طلب الأمان ودخل بأمان نقول: نأخذ عليك العُشْر، عُشْر التجارة، عرفتم؟
    إذا كان ما معه يساوي عشرة آلاف نأخذ ما يساوي؟ ألفًا، أما إذا كان ذميَّا فهو نصف العُشْر؛ لأن الذمي له شيء من الحق، وإن كان مسلمًا؟ لا نأخذ شيئًا.
    إذن الناس ثلاثة أقسام: ذمي، وحربي، ومسلم؛ الذمي نأخذ منه نصف العُشْر، يعني واحد في العشرين، والحربي نأخذ منه العُشْرَ كاملًا، يعني: واحد من عشرة، والمسلم لا يحل لنا أن نأخذ منه شيئًا؛ لأنه محترَم بماله ونفسه.
    الآن جاء السؤال.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: العُشْر.
    طالب: ( ... ).
    الشيخ: لا، دخل بأمان، أوردنا هذا السؤال وأجبنا عنه، قلنا: كيف يدخل وهو حربي؟ إن دخل وهو حربي بدون أمان أخذناه كله، بأمان نأخذ منه العُشْر.
    (1/4245)
    ________________________________________
    طالب: شيخ ذكرتم -بارك الله فيكم- مسألة وأوضحتموها ولكن ما فهمتها، وهي إذا كان -يعني الأرض الخراجية- كانت لأحد ولم يدفع الخراج لمدة خمس سنوات مثلًا ثم عجز فأُعْطِيَتْ لغيره، فهل مال الخمس سنوات على غيره ( ... )؟
    الشيخ: لا.
    الطالب: الأول ما استطاع أن يدفع.
    الشيخ: إذا لم يستطع ليس عليه شيء، قد نقول: القائم على ولاية الأرض إذا كان مُفَرِّطًا فربما نُضَمِّنْهُ إياها.
    الطالب: كيف كان مُفَرِّطًا، يعني مثلًا ..
    الشيخ: الذي يَجْبِي الخراج مُفَرِّط، يرى هذا لكنه قريب منه ولَّا صاحبه يتركه، نُضَمِّنْهُ، أما إذا لم يكن الأمر كذلك، ولو كل سنة نرجو أن يكون هذا قادرًا هذا ( ... ).
    طالب: ما هو دَيْن عليه نلزمه به إن استطاع في يوم من الأيام .. ؟
    الشيخ: لا، ما يستطيع هذا.
    الطالب: يعني ليس في ذمته، انتهى ما عنده؟
    الشيخ: ما يستطيع.
    طالب: شيخ، هل يجوز التجارة مع الكافر الحربي مع القدرة على الاستغناء عنه؟ والتجارة مع ..
    الشيخ: إي، هو على كل حال وَلِيُّ الأمر لا بد أن ينظر: هل من مصلحة المسلمين أن تدخل أموال هذا الرجل إلى المسلمين لينتفعوا بها؟ افرض إن هذا يُهَرِّب سلاحًا للمسلمين يقاتلون به عدوهم، هذا فيه مصلحة، ولهذا يوجد الآن -مثلًا- في البوسنة والهرسك أُناس كروات وصرب يُهَرِّبون السلاح للمسلمين، ليش؟ لأن المسلمين يأخذون السلاح بأكثر، قيمة كبيرة، فهذا فيه مصلحة لنا.
    طالب: قلتم يا شيخ حفظكم الله: إن الحربي إذا لم يستأذن نأخذه ونأخذ ماله.
    الشيخ: نعم.
    الطالب: نأخذ ماله إلى بيت مال المسلمين؟
    الشيخ: هذا عاد إذا كان على وجه الغنيمة -كما لو كان بقتال- فهو غنيمة، وإلَّا فَفَيْء لبيت مال المسلمين.
    الطالب: طيب وإذا ..
    الشيخ: أو لمن أخذه إذا أخذه على وجه شرعي.
    طالب: ( ... ) للإمام أن يزيد على العُشْر من التاجر الحربي أو نصفه من التاجر الذمي؟
    (1/4246)
    ________________________________________
    الشيخ: هذا ينبني على أنه هل ما رتَّبه الخلفاء الراشدون في هذه المسألة هل هو سُنَّة، أو حكم قضاء مؤقَّت؟ إن قلنا بالأول فليس لنا أن نزيد، وإن قلنا بالثاني فللإمام أن يزيد وينقص أيضًا.
    الطالب: الراجح يا شيخ؟
    الشيخ: والله اللي يظهر لي أن المسائل هذه إذا لم تكن صادرة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها من أمور القضاء الوقتي، يعني الذي رأى الخلفاء في ذلك الوقت أنها من الأنسب.
    طالب: شيخ، مَنْ زرع يا شيخ الأرض الخراجية ففسد الثمر، فلم يستطع إعطاء خراج، هل يسقط عنه، أم يكون دَيْنًا عليه؟
    الشيخ: نعم، سمعتم؟ يقول: إذا فسد الزرع في الأرض الخراجية فهل يسقط الخراج؟ نقول: لا يسقط، كالأجير، إلَّا على قول مَنْ يقول -وهو اختيار شيخ الإسلام-: إن الجوائح تُعْتَبَر حتى في مثل هذه الحال، وأنه يقدَّر النقص، فشيخ الإسلام يرى أن الجوائح لا تختص بالثمار.
    الطالب: ولكن الخراج يؤخذ منه إذا -مثلًا- لم تسقط؟
    الشيخ: إذا قلنا: لا تسقط، يؤخذ منه.
    الطالب: يؤخذ من نفس الثمرة؟
    الشيخ: لا، يؤخذ من الرجل؛ لأن الخراج دراهم مضروبة في ذمة صاحب الأرض.
    طالب: شيخ، بالنسبة ( ... ) أي إنسان يدخل إليها بتجارة، سواء ذمي أو حربي أو مسلم، يطلبون عليه أرسمة الجمارك، فلو كان استعماله الشخصي فهل هذا جائز أو غير جائز؟
    الشيخ: جائز لمن؟
    الطالب: للدولة، الدولة تفرض عليه ذلك.
    الشيخ: ما ذكرنا هذا يا جماعة؟
    طلبة: نعم ذكرنا.
    الشيخ: ذكرناها قريبًا.
    الطالب: في السياسة الشرعية.
    الشيخ: لا، في غير السياسة، هنا، ذكرناها الآن.
    طلبة: المسلم لا.
    الشيخ: قلنا: المسلم لا يجوز أن يُؤخذ من ماله شيء، والذمي يؤخذ نصف العُشْر.
    طالب: هو ماذا يفعل؟ يترك تجارته ولَّا ( ... )؟
    الشيخ: لا، يتَّجر ويصبر على ظلم الوُلاة.
    الطالب: يرفع السلعة على ..
    الشيخ: ويش نعمل، ماذا يصنع؟
    الطالب: هذا التصرف جائز ولَّا غير جائز؟
    (1/4247)
    ________________________________________