المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشمس في ليل النقب


AshganMohamed
01-13-2020, 12:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

رواية
الشمس في ليل النقب
بقلم
أ . هشام عبد الرازق



إهــــــــــداء
إلى والدتى الحبيبة وإلى روح والدى الطاهرة
إلى زوجتى وأبنائى
إلى أخوتي الأسرى الذين تقاسمت معهم
ألم القيد وحلم المستقبل...
للجرحى والشهداء

وزملائي/ معاذ الحنفي وأبو سليم جاد الله/ الذين ساهما في هذا الإنتاج المتواضع...



تقديم

لم يسبق لأدب المعتقلات أن تعرض لهذا الجانب من حياة الأسر القدر من الوضوح، ولعل ذلك يعود لإعراضهم عن الخوض في الجانب المظلم من حياتهم وانهماكهم في رصد حركة النهوض الوطني الذي ميز أنشطتهم ووسمها بميسره، وإغفال هذا الجانب على أهميته لم يكن مقصودا بقدر ما كان الو لوج فيه يعتبر ضرباً من العبث أو الجنون في مرحلة من المراحل هذا عن كون هذا الجانب يمثل حقيقة جزئية لا ترقي إلى الحقيقة الكلية إذا ما كانت النظرة أكثر شمولية، ولكنه موجود رغم هامشية الخير الذي يشغلها هذا الوجود ولا يمكن نفيه او التغاضي عنه، لهذا كان اختيار الأخ/ هاني لهذا الموضوع بالذات في روايته- الشمس في ليل النقب- اختياراً موفقاً وناجحاً بكل المقاييس والمعايير إن كنت أخذ على زميلي تحيزه الواضح لبطل روايته " ناجي" بشكل جعله يغفل عن ا لمكونات النفسية التي حكمت تصرفات شخوص الهيئة التنظيمية غير أنني أعزو ذلك الانفعال الكاتب وتفاعله م ع الظلم الواقع على " ناجي" ورفضه له، وناجي هنا لا يمثل شخصاً بل قصية أصبحت تشغل خيراً من حياتنا الكفاحية، ويستدل من لدراسات النفسية على أن العنف الداخلي هو نتاج القهر والاضطهاد الذي يمارسه الاحتلال وقد تعرض الكاتب فرانز قانون في كتابة " معذبو الأرض" لهذه المسألة بشيء من التفصيل يجعلنا نتثبت من صدق هذه المقولة.....
والتحيز هنا مطلوب وهو يعكس مدى الرفض لهذا الظلم الناشئ عن الجهل وقلة التجربة، لكن متطلبات الرواية تستلزم الدخول إلى مسارب نفس حسن وشعبان والكشف عن الدوافع والنوازع التي دفعته على ارتكاب تلك الجريمة القانعة التي هم ضحاياها أيضاً..
كلما قلت، لم يسبق أن طرق هذا الموضوع أحد من الأسرى في كتاباته الأدبية، للأسباب التي ذكرتها سابقاً ولعدم الإلمام به من كافة جوانبه، وما طرق الأخ / هشام لهذا الموضوع إلا تعبيرا عن التفاعل الحيّ معه، وخطوة ثابتة على طريق طوي لنحو صحوة وطنية وأمنية في مواجهة الآثار النفسي التي يكرسها الوجود ألاحتلالي في بلادنا وسيكون لهذه الرواية صدى واسع في نفوض القراء لارتباطها بمادة لم تكن معرفة لدى الكثير م أبناء شعبانا والتزام الكابت ب جانب الواقعية في الكشف عن حقيقة الجانب المظلم في حياه الأسر وإن كانت نقطة سوداء في صفحة ناصعة البياض...........
هذا أتقدم من الأخ هشام بجزيل الشكر والعرفان حيث خصني بهذه أللفتة الطبية، وأصر على أن أكتب تقديما لروايته وه شرف أعتز به ما حييت متمنياً للأخ هشام المزيد من التقدم والانجاز في هذا المجال الواســـع....

سليم الزر يعي " أبو حسين "
معتقل نفحة الصحراوي
9/6/1990م

الفصل الأول
كان ألم الضربة المفاجئة التي وجهت إلى المعدة أقوي من إمكانية احتمالية، ... حتى الأنين لم يساعده على استيعاب المهان الرهيبة ، فقد عن ناجي انه أقر ما تكون إلى الصرخة المكتومة، رغم وجود قطعة القماش التي تملا تجويف فمه عن ا خره، كانت الأنة عالية، استطاع تمييزها السجان القابع في الممر على الرغم من الضجيج المنفعل داخل غرفه رقم (9) في قسم –ج-
تصرف السجان بصورة حاذفة تجاه ما طرق مسامعه، لم يبد أي إشارة يمكن أن تثير انتباه الأخ المكلف بالمراقة أو أي من ساكني الغرفة، حالوا أن يقطع ما تبقى لديه من شك فمر أمام الغرفة وقد أصاخ السمع ليتسنى له التقاط أي إشارة قد تزيد من يقينه، وأجال نظرة يقرأ بعينة ما يرتسم على تقاطيع وجو السجناء ملاحقاً زوغان عيونهم الذي يتركز على زاورة الغرفة المحجوبة عنه.

- "لا بد أن هناك شيئاً غير عادي لديهم"
هذا ما استقر في ذهنه،ودون أن يكلف نفسه أكثر من المفروض عليه عمله في مثل هذه الحالات..... رفع سماعة الهاتف وتقيم فيها دعا إلى حركته لمعتادة قاطعاً الممر ذهاباً وإياباً وقد عقد يديه خلف ظهره.
لم يشك أحد في حركة السجان المراقب للمر- عبر مرآه صغيرة يخرجها من الفتحة الصبرة الموجودة في منتصف باب الغرفة- لم يتمكن من تقديره خطورة استخدام السجان للهاتف، فقد تمكن السجان من التمويه على كل تحركاته والظهور بمظهر اللامبالي مما أبعد أي احتمال يشكل خطورة في نظر لجنة التحقيق معاونها المراقب بحيث تهيأت الفرصة تماما للمفاجأ"
أرتبك ا لأخ المراقب عندما امتلأت مرآته بخيال السجانين المدججين بالهراوات ومدافع الغاز وصرخ منبهاً:-
- توقفوا، إدارة السجن قادمة بالغاز والهراوات... أسرعوا ....... هيا
ساد التوتر والإرتبااك المحققين، وتصاعد القلق في الغرفة مع تهيؤ البعض غريزياً للدفاع عن أنفسهم،
حاول المحقق الأول إنهاء الوضع بسره كبيرة، ففك قيد يدي ناجي وأزال العصابة عن عينية وبينما هو أخذ بالانتهاء من فك قيد قدميه، فتح باب الغرفة وتفرس الضابط وجوه بعض الأسرى حتى استقر نظره أخيراً على ناجي الواقف في الزاوية لم يكن من الصعب ملاحظة التغيرات الواضحة على منظرة الخارجي ورأي الضابط بوضوح الخدوش التي في وجهه ورقبته،
تقدم ناجي ولطب مرافقته إلى مكاتب الإدارة، وأحاط به السجانون واقتادوه حيث المكاتب،
لم يستطع ناجي المقاومة، حتى لن يفكر بها ولعله لم يعرف أهو حلم أم لا ..
أتحابت قدمها قدماه فانساق معهم مسلوب الإرادة، مشتت الفكرة لا يلعم من هم هؤلاء الممسكون بذراعيه أو إلى أين وجهتهم، كل ما جال بخاطره .. كلمة وحيدة سمعها وه و يخرج من الغرفة... حيان.. حيان..
أخذت الكلمة تتردد في دماغه، حاول أن يتجاهلها ولكنه لم يستطع...
اسعفاف على صوت باب يفتح، الصرير ظن في رأسه، كطنين نخلة ، أحس بيد تدفعه إلى الداخل والباب يقفل بعنف، نظر حوله وعرف أنه الآن في زنزانة انفرادية،
لم يستطع ناجي استعينا ما حصل معه وكأنه يعيش كابوساً مزعجاً ورواح يحدث نفسه:
- أهذا هو مصيري، هنا لوجدي، في هذه الزنزانة الحقيرة... لماذا ما الذي فعلته ليحدث معي كل هذا، الان سيسعون لتدميري.... وهذه فرصة ساخنة لهم, ولا داعي لبقائي هنا،...؟؟؟!!!

اقتنع أخيرا بأن عليه المطالبة بالعودة إلى السجن، لا بد مجر بقائه عندا لإدارة سيدمر حياته بأكملها وربما حياه أهله.
استدعى الضابط المناوب..... وطلب منه مقابلة مدير السجن فأخذه ... معتقداً أن لديه شيئاً يريد أن يبلغه به.
عقد ناجي العزم على أ، يتردد في قررارة مهما حصل دخل مكتب مدير السجن قال:
- أنني أريد العودة للسجن ,إنني مستبعد للتوقع على ورقة تشاء مقابل إرجاء نظر إله المدير غير مصدق ما سمعه وقال له باستهزاء:
.. أنت مجنون ولن تعود إلى السجن، إنهم سيقتلونك
.. لا لن يقتلني احد، اتركني اصعد عندهم ، وسترى،
وقف المدير وقد اشتد به الغضب، وضرب بقضيته حافة المكتب وقال:
- حتى لو علقت نفسك في السقف.. لن نعيدك للسجن.
* * * * * * *
لم تفقده الإحداث القدرة على تميز السلوك الصحيح من السلوك الخاطئ، الوعي للمخاطر ضروري خوفا من الانزلاق أكثر، فلن تكون نهنئك أي مهادنة أو تهاون نحو مساومات إدارة السجن أو تعلقان رجل الاستخبارات، ألم يكن صاحب تجربة مريرة مع ( أبو رامي ) لم ينقذه منها إلى إدارته في العيش بكرامة.....
يا لهذا الظلم ما أمضّه !!
مازال يشعر بظلم العالم كله يبعث برأسه وتداهمه حالات ذهول وشرود تعزله عن حركة الواقع وتحشره في زمن لم يتمن أن يخلق فيه.
كان استدعاؤه للزاوية معاول تهدمه، تلهب تفكيره كالنار تحقر دماغه والإحداث متلاطم في ذاكرته وراح يفكر، لما ذ فعلو ذلك؟؟ ماالذي فعلته لهم فأنا لم أكن خائناً أبداً، أه ما أفظع الظلم وما اقبتح العذاب، هل ي ترى كل الذي حدث معي هو صدفة؟؟ أم انه مقدر ومكتوب وهل أنا أستحق ذلك ...
وفجاه شعر برغبة جارفة في الصراخ وبدافع قوي يحثة أن يخبط رأسه بالجدار، وأخذ يهز رأسه وبصوت عالي نسبياً قال محدثا نفسه:
- أنا برئ.... برئ... والله شريف لم أكن يوماً جباناً كما يعتقدون، هكذا راح يحدث نفسه وقد إغروقت عيناه بالدموع، ثم نظر إلى سقف الزنزانة محاولا اختراقها بنظراته وكأنه يقصد السماء، مرسال عبر عبراته تأوهات احتجاج حزينة، ولم تعد مفراً تمدد على الأرض يحاول الاسترخاء جاهداً، رغم توتر أعصابه، أغمض يعينه واسترجع الماضي بكل شارة ووارد بالدقائق والتفاصيل...

في صباح يوم صيفي استيقظ ناجي على صوت الضجيج المعتاد الذي يحدثه استعداء إخوته واخوانة الصغار للذهاب إلى المدرسة، نهض مشتاق ليذهب إلى مدرسة الثانوية....
كان ناجي يبلغ من العمر السابعة عشر عاماً، متوسط القامة، قوي البنية، نظراته حادة تشي من عينيي سوداوين جميل الملامح، وابن بكر لأسر كبيرة يقطنون منزلاً متواصل في احد أحياء المخيم.
بعد أن تناول إفطاره مع إخوته، والذي غالباً ما يتكون من الشاي وقطعة خبر وعبرة بالرغم تناول كتبة غاب الأزقة..
ما أن دلف إلى الشارع حتى شاهد مجموعات من الشبيبة يتراكمون ويتجمعون ثم يتفرقون بهذا الاتجاه وذاك.
تابع ناجي طريقة وسط هتاف وسط عشرات الشبان إلى قلب الشارع العام... تحولت التجمعات إلى جمهرة تتعاظم وسرعان ما انقلبت إلي مسيرة صاخبة تحول ضجيجها إلى هتاف ضد الاحتلال وتنديد بممارساته القمعية .
وجد نفسه في قلب المظاهرة، لم يكن يعلم منا سبتها لكنة خلال السميرة تذكر أن اليوم يصادف الذكرى الأليمة لإعلان قيام الكيان الصهيوني استمر الهتاف وعلا مع انضمام المئات من الشباب المتحمسين , وأزداد العدد الصخب الذي اختلط بدوي هدير حاملات الجنود وهي تسير جنبنبة وما أن اقتربت حتى انهال عليهم المتظاهرون بالحجارة وردّ الجنود بإطلاق العيارات النارية وأصيب العديد من الجموع الثائرة وتحولت الأزقة إلى الشوارع إلى ساحات مطاردة بين الجنود والشبيبة، ألقى القبض على بعض منهم وكان ناجي منهم، والأول مر في حياته يعرف طعم الاعتقال..
تعرض المعتقلون للضرب المبرح من قبل جنود الاحتلال ونقلوا فيما بعد إلى مركز التحقيق حيث كان في انتظارهم العديد من رجال المخابرات...
اقتيد ناجي للاستجواب بعد انتظار ساعات طويلة من القلق والتوتر إلى إحدى غرف التحقيق... أوفقه الجندي وترع الكيس عن رأسه، فألقى نفسي قبالة رجل تتسم تقاطيع وجهه بالضراوة.. جبينه مقطب.. ينم عن البغضاء المتأججة في صدره عضلات سواعده ضخمة وقوية.. طول القامة ضخم الجثة على خده الأيمن أثر جرح قديم غائر يصفي على ملامحه نوعاً من الوحشية، كل كلمة يخرجها من فيه يهز لها كيان ناجي، الذي إصابة الرعب فكل شي في الغرفة يضغط على أعصابه ويزيد من توتره نطق معرفا نفسه:
- أبو رامي....
وبدون سابق انذرا أنهال بسيل من أسئلة التي لا آخر لها ...
- لماذا اشتركت في المظاهرة؟؟ وما هو دورك فيها بالضبط؟؟
- أنت منظم... أليس كذلك... من هم شركاؤك؟؟؟
وصمت ثم دفع قبته تجاه صدر ناجي، كاد أن ينكفئ لها على ظهره، لو لا ان أمسك بحافة الطاولة التي إمامة..
وأضافت وزاد لعابة يتطاير:
- قل لا تخف... إذا تعاونت معنا لن يصيبك أي أذى ...
وصمت منظراً الإجابة....
أخبرة ناجي والتوتر باديا من لعثمة لسانه وتقلبات لون أبشرته ابالحققي من بداية خروجه من البيت وانتهاء بإثقاله وكان وجهه محنقنا وأوب راسم يدبجه بنظرات أن تكان تقتلعه من الأرض...
كرر ابو رامي أسئلة بعصبية ظاهرة محاولاً استغلال بلبله ناجي وتشتت أفكاره كان أبو رامي رجلا مجرماً، فكرة القضايا التي حقق فيا أكسبته مع طول الوقت الحنكة ولتجربة فإذا كانت حالة المعتقل توصف بأنة حديقة التجربة فما أكثر الأساليب في هذه الحالة، نفسية كانت ام جسدية فالتحقيق بالعيون مروراً باستعراض العضلات وذرع الغرفة ذهاباً وإياباً شارحاً مهم رجل المخابرات وعقليته العبقرية، وما يعرفونه عن كل شخص في المخيم ,أنت السلطات طويلة وقدرتها على البطش تفوق كل تصور وعند ما يتحدث عن كل هذا يتقص شخصية الرجل الجاد الصارم فتارة يرفع يديه مهددا وتارة يخفض صوته ولكنة يصر على اسنانة ويخرج الكلمات من بينها قوية وما أسرع ما تتبد هذه الحالة لينقصم شخصية أخرى وكأنة لم يكن منذ قليل يملاً الدنيا رزعيقا وصراخ، وهذا الأسلوب لا نفصل عن الأسلوب الأول فكلاهما يكمل الأخر فالترهيب والغيب ضروريان لكي حصل رجل المخابرات على أي معلومة مهاما صغيرة فترها ف بحالة التغيب تترج أساريره وتلين اللهجة وكأ،ة لم يكن قبل لحظات منتجهم الوجه، وترسم على محياه معالم الرضي الزائف خصوصا عندما يذكر الأشخاص الذين يتعاونون معهم وما يورفونة لهم من تسهيلات وإمكانه يتسطتعون من خلالها تحقيق كل رغباتهم موحيا بذلك لناجي بأن ينتبه فلن يستطيع أن يخفي شيئا وإلا حسين اله إن يتعاون ... ولغا لن ينجد منا إلا ما يسوءك..
كل هذا أثر على ذهن ناجي وزاد عمن تشويش الأفكار الملاحقة في دماغه الصغير ولم يجد جواباً .
أخد أبو رامي يصعد من وتيرة التهديد وقدرته على هدم حياة ناجي وتدميره داخل السجن ويبدأ السجناء أنفسهم.
أحس ناجي أنه ذاهب للمجهول وأن الخطر يحييقبه من كل الجوانب وشعر بأن النجاة بيد هذا العملاق الذي يقف إمامة ..واختلطت عليه الأوراق وسيطرة عليه خوف العاجز فوجد نفسه نندفع بأتجاها أبو رامي قائلا:
- أنا في عرضك، ساعدني في الخروج من هذه الورطة، فأنا لم أفعل شيئا تهللت أساير أبو رامي بالفرحة المشوبة بالشماتة وارتسمت على شفتيه ابتسامة صفراء وبصوت كفحيح أفعى يرتب على كتفه وقد تصنع دور الأب الحنون.. قال :
- -لا تخف .... سأساعدك
وبمراوغة الثعلب أكمل كلامه وهو ينظر إلى ناجي من رأسه إلى أخمص قدميه وكأنة يراه لأول مرة:
- أنا لست ذكاءك ورجاجة عقلك من وقت عليك عينيان والذكي والعاقل ينجح دائما في الوصول إلى مصلحته نحن لانريد شيئا سوى راحة الناس باقتلاع من يسبوا الشعب والمتاعب، مصلحتنا مشتركة وما عليك إلى مساعدتنا ليس إلا فالماسة بسطيه إذن للخوف منها كل ما في الأمر أن تسميع كلامنا ونحن سنحافظ عليكم ومن اجل ذلك يجب أن يتكون علاقتنا سرية، فسلامتك تهمنا من أجل هذا سنحدد ميعاد المقابلة في مكان بعيد عن الأنظار حتى لا تلفت انتباه احد...
- توقف أبو رامي قليلا وتفرس ناجي أمليا ثم تابع كلامه وكأنه يريد الانتهاء من المقابلة...
- ألان بإمكانك العودة إلى البيت.
أصابت ناجي حالة من الذهور بحيث أنه لم يسمع الجملة الأخيرة إلا بعد أن أعادها رجل المخابرات وهو بتصنيع الوداعة.
نهض ناجي مسرعا لغي الباب وفتحة لم يلتفت خلفه لكنه سمع صوت الضابط يقول:
- الآن بإمكانك العودة إلى البيت أصابت ناجي حلة من الذهول بحيث أنه لم يسمع الملة الأخيرة إلا بعد أن أعادها رجل المخابرات وهو يتصنع الوداعة.
- نهض ناجي مسرعا إلى الباب فتحه لم يلتفت خلفه لكنة صوت الضابط يقول:
- لاتنس يوم السبت على البحر ... في عسقلان.
- ترك المركز، حاول إن يملأ رئتيه بالهواء النقي وتوجه إلى البيت بسرعة لم بعهدها من قبل.. لا يلوي على شيء.. يخالجه شعور المجروح الكبرياء.. المثقل بإحساس غريب لم بعهده.
- شعر بجفاف حلقة... وقد ازدادت خناقات قابع شعر بعذاب خفي عندما تذكر تقاطيع وجه أبو رامي..
عندما وصل البيت وجد عائلته تنتظره بقلق شديد.. ساحة المنزل قد امتلأت ببعض الشبان ونسوة الحارة.
ما ان دخل ناجي عتبه المنزل حق تهللت أسارير الجميع وعلت الوجوه البسمة، أسرعت إليه والدته وأخذته في حضنها معطرة إياه بسيطا من الأسئلة سبب غيابة الطويل:
أجاب ناجي الجميع باقتضاب:
- كنت مع الذين امسكوهم .. وقد أخذونا للمركز
وتعالت الأصوات من هنا وهناك.
- الحمد لله على سلامتك ... ولا بهمك
- هم وزال..
وبعد أن هنأ الجميع أسرة ناجي تفرقوا كل إلى بيته كان مرهقاً في حاجة ماسة إلى الوحدة، للجلوس مع نفسه وما أن تنال طعاما العشاء حتى دخل غرفته وأغلق خلفه واستلقى على فراشة محاولاً النوم.. طارداً شريط اليوم عن مخليته ولك ن هيهات فالشريط يدور والأحداث تتلاحق وأفكاره تتضارب، ووجه أبو رامي البشع يطل عليه كالاطلاله موت سريع فتخفق نبضات قلبه ويكاد ينخلع فؤاده من شدة الجزع.
وعندما تذكر أنه طلب المساعدة دمنه أحسن بأن شيئا غريباً يطبق على أنفاسه وشعر بالمهانة والاحتقار.
ماذا سأفعل يوم السبت؟؟
هل أذهب إلى الموعد؟؟
كان خوفه شديدا فالحث أكبر من قدرته على مواجهته...
هل أخبر أحداً من أهلي؟؟
هل اخبر أحد أصدقائي؟؟
تلاقفته الهواجس وتفاذفتة الأفكار التي لم تفسح له مجالاً للنجاة سوى غرفة النوم...
استيقظ فزعا على صوت طرقات والدته.. مهموماَ تنطق تقاطيع وجه مما بوالدته الاستفسار عن صحته..
- ما حدث لك يا ناجي؟؟
فأجابها وهو يشيح بنظراته بعيدا عن عينها:
- لا شيء يا أماه... أنا تعب فقط.
- وأقنعها أن الأمر طبيعي وليس هناك شيء جديد..
تمضى الأيام سريعاً ويتلاحق الوقت تسابقه خطوات الزمن القاسي لنرسم بمقادير معالم شخصية أخى بشخصية كاريكاتورية هزيلة معالمها ممسوخة..
التغير بدا جليها واضحا للعيان...أصبح ساهماً متوتراً، أصابه الانطواء والخوف بات يماً قبله الصغير لا أحد يشعر به آن احد يمد له يد العون وكأن الدنيا تلفظه...
أصبح شديد العصبية قليل الكلام، حائراً... خائر القوى.
- هل تكتب لي النجاة من براثن الموت.؟؟
* * * * * *
الموعد يقترب، كل دقيقة لها ثمنها الآن، الوقت فيما مضى ليس له أهمية ولم يكن له ثمن أم الآن فالوقت أغلى من أي شيء.
يقترب الأوان، وتقترب المقادير إلى المذبح ليكون قرباناً للإلهة الشرود الكراهية،..
خطى الليل خطواته الثقيلة واقتراب الصباح، وبزغت الشمس تشرق على الدنيا بأشعتها الدافئة..
اليوم هو السبت والموعد أزق، استيقظ ناجي وقد اجتاحه حالة من التوتر الشديد هزت أعصابه فأنتا به القلق لم يستقر بعد على شيء رغم نومه المتقطع، إلا انو لم يستطع أن يحسم أمره أو يتحدي ضربات القدر راحت الأوهام تتواثب داخل صمته...
أحياناً يكون من الصواب اختيار الصمت... فهل حالته تسمح بهذا الاختيار؟؟
قضيته كانت لهب تفكيره...
هل أذهب إلى عسقلان ؟؟
ماذا يريد منى...؟؟
لا يوجد مفر... أين المفر هو محاصر بأفكار مشوشة، ارتدي ملابسة على عجل وخرج من البيت هائما، الخوف يملاً كيانه يربك خطواته، يزعزع ثقته...
لقد غدا مسلوب الادارة وسيطرته على نفسه ضعيفة وكأن هناك قوي خفية وتوجهه إلى المجهول، تقوده حيث مصير غير معلوم له، بقى على هذه الحالة من شرود الذهن، ,أخيرا تنفس بعمق، يستنشق عبير البحر فها هوه وصل إلى عسقلان وإزدات ضربات قلبه قوة وأزداد خوفه وحشه نزل من السيارة وسار باتجاه الشاطئ.
داهمه شعور غريب وهو يقترب من الماكان فاللحظات هنا طويلة كالدهر.....
بصره يجوس خلال الأشياء أفكاره نتيجة صوب أعين الناس يحدق كالمهووس في الجميع، الخوف يقتلوا والشك يملأ كيانه رعباً، إذا كان هناك أحد يعرفه إذن فهذه هي نهايته ...
أحس أن نظرات الناس تلهبه كالسياط، وأن أمره على وشك الافتضاح قطرات من العرق تنساب على جبينه.. متعثر الخطوات.. لا يعرف أين وجهته بالتحديد.. الوجه كلها متشابهة ..
هل تشأ به الوجوه يأتي اعتباطا؟؟
تزايد قلقة.. حتى كادت قسمات وجهه تنطق بما يعمل في سريرة لم ينتبه للسيارة البيضاء التي وقفت بجانبه...
سمع صوتاً:
- ناجي ... ناجي .... تعال أصعد للسيارة نظر خلفه وشاهد رأس أبو رامي يطل من شباك السيارة...
- تقدم مسرعاً.... لكن حركته تسمرت عند باب السيارة حاول أن يمد يده ليفتح السيارة.. لم يستطع
مد يده أبو رامي من الداخل وفتح الباب قائلا:
- تفضل أركب... أهلا ناجي.
ألقى بجسده المنهك على المقعد.. ببطء أغلق الباب ..
كان في إغلاقه انفصالاً عن ماضيه الطيب...
أخد ابو رامي يتحدث معه.. لكنة لم ينبس بينت شقه حيث بدا سائما واجما... داخلة يغلي، وجيب قلبه يقرع بعنف كطبل حرب فيزيد فزعه وحشه...
توقفت السيارة وكذلك حديث أبو رامي الذي نزل من السيارة قائلا:
- هيا
أجال النظر حوله ليجد نفسه أمام بيت في حي هادئ بالقرب من الشاطئ لحق به... وبعد أن دخلا البيت دلنا إلى غرفة صغيرة نسبياً...
قال أبو رامي بلهجة جافة :
- ماذا جرى لك يا ناجي؟.. لماذا أنت صامت؟؟ ألا تريد الحديث ...؟ لماذا جئت إلى هنا إذن؟؟
واستطرد:
- أليس هنا أفضل من السجن..؟؟
- اندفع ناجي تلقائياً في الحديث:
- لا، لا .......لا أريد الذهاب إلى السجن لقد جئت حسب طلبك
نهض أبو رامي واختفى لحظات ليعود حاملا زجاجتين من المشروبات الخفيفة تأمل خلالها ناجي الغرفة بضعة مقاعد.. طاوله خشبية خزانة حديد مقفلة.. مكتب صغير عليه رفوف ملئه بالكتب العبري..
انتبه حين وضع أبو رامي إمامة الزجاجة، وأمسك بيده أخرى.. ثم أخد يرتشف منها...وبدا يتحدث بهدوء قائلا:
- أنت يا ناجي شاب في متقبل العمر وأمامك المستقبل..
ونحن مستعدون لمساعدتك في إكمال تعليمك في أي جامعة تختارها سواء هنا أو في الخارج وسنتكفل بكل مصاريفك..."
واخرج قليلاً من النقود ووضعها على الطاولة إمامة وتابع:
- هذه قليل من النقود.. ضعها في جيبك، فأنت شاب وتحتاج مصروف لتعيش مثل باقي الشباب وتعيش حياتك كما يحلو لك لن نطلب منك شيئاً لاقتدر عليه، لان كل ما نرديه هو الحفاظ على المواطنين من عبث المحرضين ومثيري الشغب، وما عليك إلا ان تبلغ عن هؤلاء المشاغبين الذين لا يريدون أن يعيش الناس بهدوء وطمأنينة... ونحن لا نريد منك أكثر من ذلك....... هل فهمت؟
بينت الأمور في نظر ناجي سهوله وبسيطة، حاول أن ينطق الأمور على عكس حقيقتها، وأن يصور قبوله لعرض أبو رامي أمرا بسيطاً، ليس فيه إساءة لشعبه بل حفاظاً عليهم.
هز رأسه... دلاله على موافقته القيام بهذا العمل تهال وجه الضابط:
- اتفقنا إذا كان لديك أي معلومة بإمكانك القدوم إلى هذا المكان حسب مواعيد سنتفق عليها... لا أريد أن ارق في أي مكان آخر للحفاظ عليك... اتفقنا.. إلى اللقاء في موعدنا القادم .
- خروج بعد أن سلم على أبو رامي..مودعاً ...تمشى في عسقلان...
في الشارع العام استوقفته معروضات المحلات والألوان الخالبة التي تزينه، فجاه توفق أمام واجه زجاجية نطر جديدا أغمض عينيه وفتحها .. راعية أن ينظر إلى المرآة.. الوجه ليس وجهة. دقق النظر...
كأنه يرى شخصاً جديداً .. أجفل منه.. أفزعه الوجه الآخر الذي يعكسه الزجاج.. دارت الأسئلة بدماغه وأثقلت عليه تفكيره وتوجه نحو موقف السيارات وأعتره شعور بالاشمئزاز من ذاك الوجه الأخر.. * * * * *
ما أنه خطت قدمه عتبه باب البيت .. حتى وصل إلى سمعة صوت والدته
- أين كنت... ولماذا التأخير؟؟
- كنت مع أصدقائي.. خرجنا في رحلة...
- من أين لك النقود لتدفع تكاليفها؟
- أصدقائي دفعوا عني...
- ولماذا لم تخبرنا مسبقاً؟؟
- تلعثم ناجي.. ولم يجد جواباً سريعاً... وبعد هنية قال:
- فتنس الموضوع يا أمي... لقد خرجت للرحلة وانتهي الأمر.. دخل غرفته وراح يفكر بعمق... كان لا بد له أن يضع النقاط على الحروف وإلا فسيسبقه الزمن وحينها لن ترحمه ضربات القدر وقد تجعله في النهاية حطاماً ليس إلا...
- وفجاه أخد السؤال الأخير يصارع مخيلته، لماذا لم تخبرنا مسبقاً...؟ حاول طردة ولكنه عاد وألح عليه ... وبقوه أكبر وشعر كأن غير مرئية تدفعه للإجابة،
قال لماذا...... لماذا..... لمـــاذا....
وتهرب من الإجابة حين أسلم نفسه للهواجس..
ماذا سيقول الناس عني؟؟
ماذا سكون مصيري؟؟
يا للعار الذي سيلحق إذا انكشف أمري
ماذا افعل؟ أرشدني يا ربي، أنا تائه ضل الطريف لا أعرف أين وجهتي،
الهواجس تغمره، تقض مضجعه، كأن في عالم أخر في وجد اللاوجود،
- لينني أعيش في الخيال، ويختفي كل ما حولي......
...... لكن الواقع شيء والخيال شيئ آخر..
انتبه من غفلته على صوت حنان الحبيب ينادي
- مرحبا ياناجي... كيف حالك؟؟
أعتدل في الجلسة وأخذ يتأملها بعمق.... نظر في عينيها السواد وين، وتلك اللمعة الغريبة يشع منها البراءة والصفاء، وتلك الابتسامة الخلابة التي تنقله معها إلى مكان ساحر، لا أحد فيه سواه، أحست حنان بنظراته.. فحنت رأسها خجلاً وأرادت أن تغادر.. فقال بلهفه:
- رجاء .. لا تذهبي.
- واستطرد تأمله .....
يا لها تين العينين .. حنان .... حب ... براءة . .. سوادهما كالليل. أ؛سن كأنني أريد العيش عينها بعيداً، بعيداً في عمقها المتناهي.. أهرب من الدنيا كلها إلى عينتيها... ألجأ إليها .. أريد أن اختفي هناك... أحيا ملكاً على عرش عينيها.. دعيني أسكن ليلك .. دعيني رجاء.. فأنا أحبك بملء جوارحي أين أنت يا ناجي أفاق على صوتها العذب فإتاحة رعشة خفيفة اهتزت لها أو صالة....
وداعها أن تشاهد الدموع تترقرق في عينيه.... سألته بلوعة:
- ماذا جرى لك ... ماذا هنالك؟؟
للحظات شعر أنها تعرف كل ما يختبيى في ثنايا نفسه هروب من عينيها، وقال لها بصوت منخفض:
- لا شيئيا حنان.. لا شيئ...
خرجت على شفتيها ترتسم تلك الابتسامة الساحرة، معتقدة أنا سر دموعه...
لم يستطع أن يبتا حبة وأن يخبرها بما يعتمل في وجدانه من حب طاهر ولقد فكر للحظات لو يخبرها بكل شيئ حصل له مع ( أبو رامي ) ولكنه تخوف أن شيئ فهمه ولا تقدر موقفه..
وتمر الأيام تحمل معها الذكريات، ليصبح الحاضر ماضيا والماضي حاضر وتبقى الذكريات تحمل في طياتها روائع عفنة، كلما وجه الأحمق أبو رامي، ينتابه الفزع والخوف ثم يتلاشى تدريجيا ليحل محلة التقزز حتى من نفسه...
لم يحد حلا إلى العزلة والانطواء .. والابتعاد مسافة كبيرة عن الأصدقاء فالخوف يتمكن منه ويكبل أو صالة بالقيود...
رغم الحصار... رغم كل الآلام في هذا الواقع المرير.. لا بد أن تكون بارقة أمل.. فإذا وجد الضمير، وعذابه هذا هو وخزات متتالية من ضميره الحي...
كان له صديق منذ الطفولة.. دائما وجد بصداقة، كم تبادلا الأسرار، والثقة بينهما أكبر من أن يزعزعها طف طارئ ومعه يشعر بالأمان والضمانية،....
مازال الوقت مبكرا اقتراب شخص طويل القامة عريض المنكبين خطواته جريئة، أقترب ووشوش بعض الكلمات ... ثم غادر على عجل تساءل ناجي:
- ماذا يريد منى حسام؟؟ هل عرف شيئاً مما أخفيه، ثم لماذا أخبرني بصوت منخفض بعد أن تلفت حوله أنه يريدني في موضوع ما لما لم يخبرني به بسرعة إذا كان مهماً لهذه الدرجة ملامحمة توحي بالجدية..
مر الوقت ثقيلاً عليه ينتظر انتهاء اليوم الدراسي ليلتقي حسام عند باب المدرسة كما تواعدا.
حاول أن يطرد التفكير في سؤال يلح عليه:
هل أتهرب من مقابلته.؟؟
ما أن دق الجرس معلنا انتهاء اليوم الدراسي حتى أنطلق إلى بوابة المدرسة.. ووقف جانباً ينتظر حسام...
- هيا بنا
- إلى أين ؟؟ سأل ناجي
- سنذهب إلى البحر فالطقس جميل هذا اليوم، والجلوس على الشاطئ سيكون رائعا..
- لماذا؟؟ هل هناك شيئ ما يستدعى هذه الحيطة؟؟
- سأل ناجي وقد ألهب تفكيره الفضول أمام هذا أللعز وعندما لم يجب حسام استطرد ناجي:
- وهل الأمر يتحقق أن تشغلني به بمنذ الصباح ؟؟ ولماذا الآن بالذات؟؟ سكت قليلا ثم أضاف وقد غلبه الخوف:
- أريد العودة للبيت.. فأهلي سيقلقون على إذا تأخرت...
- لا بأس.. بإمكانك الذهاب إلى البيت وإبلاغهم أنك ذاهب إلى مشوار وأنك ربما تأخرت وسأنتظرك هنا نظر في عينيه وسأله بجدهة :
- أحقاً تريد أن أذهب معك للبحر فقط.. بدون أسباب ؟.. ابتسم حسام وأجاب:
- سنذهب إلى البحر وهناك سنتحدث في بعض الأمور الهامة..
- حماك به ناجي وفي مندهشاً:
- أمور هامة ... ( وقد زادت هذه الكلمات شعور الرابية لديه )
ثم أكمل :
أي أمور هذه.. ؟؟ وعن ماذا سنتحدث؟؟
بأعصاب هائه أجاب حسام:
- ستعرف هناك... لا داعي للحديث هنا ... هيا بنا..
الوقت العصر.. الشاطئ خالي من ازدحام المستجمين الشمس ترسا أشعته لدفئ الكون والهواء العليل يحمل نسمات رطب، وزرقة المياه غريبة من نوعها ..
جلس حسام وناجي في ظل أحد أحديد الجرف حيت ثلاث الأمواج الصغير نظر كلمنه في عيني الأخر متفحصا ما يختبئ بداخلها.. قطع حسام الصمت قائلا:
- اسمع يا ناجي .. أنت صديق وانا أثق بك وسأبوح لك بسر، أرجو أن تحفظه جيدا وتحافظ عليه ..
تملكت ناجي الدهشة ، فحدق به بصوت منخفض قال:
- سر .. وأي سر هذا الذي تغنيه ؟؟
واصل حسام حديثه بلهجة جادة:
- أنا منظم .. وأريدك إن تكون معي لنعمل سويا من أجل قضيتنا وشعبنا ضد المحتل الذي يغتصب أرضنا .. فماذا تقول؟؟
- نظر إليه وقال باستغراب شديد:
- - هل حقا أنت منظم ؟؟
كان دماغه يعمل كلمح البصر، ألم يبحث عن سبيل للخروج من ورطة.. ها هي بارقة الأمل.. الم يقولوا أن في أشد ساعات الضيق قد يفتح باب الرجاء ها هو رجائي يأتي إلىّ ولطالما انتظرته على أحر من الجمر، الفرصة ساخنة لا ستعيد كرامتي المهدورة.. وفجاه فقز إمام مخيلته صورة الوجه الأخر الذي أطل عليه من زجاج حوانيت عسقلان، الآن سيتمكن من صفع ذاك الوجه القذر وحينها فقط سيصبح بمنأى عن يد أبو رامي سأكيل له الصاع صاعين...
أكمل حديثة:
- أنني على استعداد تام أن أعمل معك وأن أنفذ كل ماتريد قل لي ما تريد منى وسأنفذ على الفور لننتقم من هؤلاء الأوغاد.
تهللت أسارير حسام وقال وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة عريضة
- اتفقنا إذن ...
- اتفقنا..
وأقسم ناجي يمين الولاء وأن يحفظ السر ويصونه.. ولم يصدق مايدور حلوه وغمره شعور بالمساعدة والرضي وصمم في دخيلته على اقتطاع زمن ( أبو رامي) من حياته إلى الأبد، ولا ول مرة منذ فترة طويلة يشعر أن القيد تحطم وأنه الآن حر من كل الكوابيس اللعينة، لا يخاف ضربات القدر فكل شيئ قد عاد لأصله، أنا عدت لفلسطين، وهو بقى كمان هو صهيوني.. نذل ما بيني وبينه وهو صراع وجود، صراع حضاري شامل، ووجودي أقوى.. أ,و ليس صاحب الحق قوى.
نهضا سويا ليعودا إلى المخيم قبل أن يخيم الظلام واستقلال إحدى السيارات التوجه إلى المخيم والصمت رفيقهما..
وهناك على امتداد الطريق حيث ينتهي الشارع العام لتلتقي معه ساحة رملية واسعة، نزل الاثنان وتواعدا على أمل اللقاء القريب، افترقا،
واصل ناجي سيرة تجاه بيته بخطى واسعة كأنه يريد أن يطير الفرح والابتسامة ترسم على شفتيه تنطق ملامحه بسرور عظيم ما يحثة أن يصرح:
نعم أنا ناجي أن فدائي .. .فدائي أتعلمون ما معنى ذلك ..
دلفت إلى المنزل.. حيا والدته التي نظرت إليه بدهشة وهزت رأسها علامة الرضى.. لانها ترى ابنها سعيداً اليوم فأخذت تدعو الله أن يوفه ويسدد خطاه... وينجيه من المخاطر..
دخل ناجي الغرفة مسرعاً.. وأسلم عقله للتفكير كيف يكون الانتقام من أبو رامي؟؟
وماذا سيفعل إذا عرف؟؟
وأحسن فجاه برغبة جارفة لرؤية حنان، لم تكن مجر رغبة كانت جوعاً بل عطشاً، كم هو بحاجة لقربه الأ،، لكي ترى ناجي الجديد يستحق تلك الابتسامة الساحرة...
وبدون إرادة منه مندفعا، تمشى في الأزقة حتى وصل إلى نهاية الشارع المطل من الجهة الأخرى على بوابة منزل فتاته..
توقفت... انتظر قليلا... مرت لحظات لا يدري ماذا يفعل؟؟
فكر أو يهجم على الباب ويدق عليه بعنف حتى رأي حنان قادمة من أحدى الأزقة تحمل فوق رأسها فرش العجين..
وابتسمت له...
كم تزيده جمالا هذه الابتسامة؟؟!! شعر برغبة الاندفاع إليها أقترب منها و الشوق يملأً حركاته...
ود لحظتها لو يتحدث لها بشكل.. أو ...تبخرت الكلمات كأنها لم تداعب رأسه قبل رؤيتها، حياها بابتسامة عريضة، وأسرعت يعدو مختفياً في الأزمة، ما زال وجه أبو رامي يقفز بين الفنية والفنية أمام مخيلته فتصيبه قشعريرة حادة وينصبب منه العرق غزيراً.. فيصبح كالمحموم، الوساوس والأوهام..
أحسن بشي يقبض على صدره وبقلبه ينقبض وهو يتذكر صديق الطفولة كان يجب أن أحكي له.. كان لا بد من أن أخبره قصتي من بدياتها لنهايتها... هل خدعته كلا، لم أخدعه..
لا بد أن أخبره بكل شيئ فهو يثق بي وسيقدر موفقي، أنا و الحمد لله لم أفدم لهم أيه خدمات، لم أقدم لهم أيه خدمات، ولن أخون شعبي ولن أساعد أعدائي طالما بي عرق بنبض.....
التردد هو حالة نفسية مؤلفته، التفكير قبل الإقدام على أي عمل هو سبب التردد، والتفكير لا بد وأن يننبعه قرار ثم ينفذ، إذا تم التنفيذ تموت حالة التردد،
فكر كثيراً وجاءته بارقة الأمل سريعاً، الآن هو على الطريق الصحيح والقرار هو أن يخبر حسام، التردد في هذه الحالة خيانة لكل القيم وبالتالي في المحطة الأخير ستكون مصيبة على دماغه لقد اتخذ القرار وجاءت لحظة الحسم التي سيصفع بها الوجه الأخر صفعة يتردد صداها لتصيب أبا رامي في الصميم،
- يجب أن أخبر حسام بكل شيئ فهو الوحيد القادر على مساعدتي هذه أخر جملة رددها قبل أن يغيظ في نومه بعد أن أحس براحة كبرى الفكرة..
- خرج في الصباح اليوم التالي بدون أن يتناول إفطار متوجهاً إلى بيت حسام ليرافقه إلى المدرسة، وفي الطريق أخبره أنه يريد لقائه بعد الدوام.
ما انتهى اليوم لدراسي حتي ى لنقيا وسارا باتجاه أحد التيارات التي تقع بالقرب من المخيم وهناك جلسوا تحت شجرة برتقال كثيفة الأغصان أستجمع ناجي قواه، وبلهجة حازمة قال:
- اسمع يا أخي، لقد حدث معي أمر أريد فعلا أن أقول لك وبالتفصيل ألن لك كل الحق في أن تعرفه الآن وما أريده منك أن تسمعني جيداً أخذ ناجي والانفعال بادٍ على قسماته ويداه ترتعشان من شده العصبية ويسرد تفاصيل ورطته مع أبي رامي.
وبعد انتهائه تند كمن أنزل حملا ثقيلاً عن ظهره وشعر براحة نفسية غامرة،
فوجئ حسام من هذه القصة التي لم يتوقعها، ولم يجد جواباً، ماذا يقول..؟؟ كيف يرد .. ؟؟ أخذته الحيرة ولكن نظرات ناجي كانت توحي بالبراءة والحاجة للنصيحة والتوجيه.
قال متلعثما:
- لا تهتم يا ناجي.. أنني أثق لك وإنشاء الله خير، دعنا تذهب الآن فقد تأخرنا.
غادر ليعود كل إلى بيته..
وصل حسام إلى بيته وخلا بنفسه، تلاقفته الهواجس وأنتابه خوف شديد لشعور أنه تورط.
أخذ يفكر بما قال ناجي من جميع الزوايا وأدرك فعلاً إن صديقه قد تورط.
أخذ يفكر بما قال ناجي من جميع الزوايا وأدرك فعلا أن صديقة قد تورط باستغلال رجل المخابرات والمهم أنه لم يقدم لهم أي شيئ، لذا لا بد أن أقف بجواره ومساعدته قدر الإمكان واجبني يعوني لذلك فلا داعي للخوف إذن
وراودته فكره أن يجهز زجاجة حارقة ( ملوتوف) ومن ثم قذفها على أحدي سيارات الإحتلال ..
استحسن حسام الفكرة..
أما ناجي فقد تاه في حيرته يسائل نفسه...
هل فعلت الصواب.؟؟ هل سيفهمني حسام.؟؟ وسرعان ما انتهت حيرته فهو لم يخن حسام، لقد باح له بكل شيئ بالتالي فهو في الطريق الصحيح، وغمره شعور الراحة والرضي.
تمر الأيام تحمل في طياتها رياح التغير فالأحوال تبدلت حيث أصبح ناجي شخصاً أخراً تملؤه الثقة بنفسه وبمن حوله..
التقى حسام وناجي في أحد شوارع المخيم وخلال سيرهما طرح حسام فكرة قذف زجاجة حارقة على سيارة عسكرية فوافق ناجي على الفور وأبدى استعداد عالياً لإلقائهما بنفسه، وافترقا على أن يلتقيا فيما بعد ليدرسا معا عملية النتفيذ.
حاول إعداد خطة في ذهنية ليدرساها في لقائهما، تأخذ في الحسبان توزيع الأدوار ورسم طريق الانسحاب،
اتفقنا على الخطة، حسام يجهز الزجاجة الحارقة ويوصلها للمكان المحدد سلفاً في حين يكون ناجي قد راقب المنطقة جيداً وراجع بدقة نقطه قذف الزجاجة وتفحص الأزمة التي سينسب منها،
أصبح كل شيئ الآن وتواعدا على ان يلتقيا قبل التنفيذ بعشرة دقائق...
عاد حسام إلى منزلة واعد الزجاجة الحارقة في حجرته بعد أن أغلق الباب على نفسه جيداً، أما ناجي فقد كان عائدا إلى بيته، ينتابه مزيج من الخوف والقلق والفرح وبينما هو سائر .. سمع صوتاً رقيقاً خافتاً يناديه:
- ناجي.... ناجي....
إلتفت جهة الصوت، فألقى حنان واقفة عند باب البيت، ورغم الابتسامة التي أصبحت من حقه كلما شاهدها، كانت عيناها تشع جبا ودفئاً لم يخف مسحة الحزن،
... ولكن هذه ليست الابتسامة التي تعودت عليها،....
وما أن اقترب منها حتى لاحظ التجهم يغطى جزءاً من وجهها الذي خلق للابتسام.
- ماذا جرى لك يا حنان؟؟ هل حدث شيئ؟؟
- نظرت إليه وقالت له وكأنها تنسه حبها.
- أجل يا ناجي، لقد حضر بالأمس أحد أقاربي لخطبتي من والدي كان يخر صريعا بعد أن سمع ذلك.. وبصوت يفضحه الألم قال:
- ماذا تقولين ...؟؟ وهل قبلَتِ ؟؟
ولم ينتظر الإجابة..
- رجاءً لا تقبلي يا حنان.. فأنا .. فأنا..
وسكت فجأة وحدق في عينيها ليستعد الجرأة...واصل:
- أنا ... أنا أحبك يا حنان.. أحبك منذ أمد طول...
سادت لحظات صمت تخللها تأوهات حزينة.. قطعتها حنان والدمع يملأ عينيها:
- أعرف أنك تحبني.. قلت لوالدي .. إنني أريد إكمال تعليمي ولا أريد الزواج الآن ... فأنا...أنا ... أحـ...
أمسك ناجي يدها وشد عليها بشوق ... ثم نظر إليها...
وأدار ظهره ليختفي...

أعد حسام الزجاجة الحارقة وجهزه وما أن قارب حلول الموعد حتى وضعها في الكيس وسار باتجاه المكان المتفق عليه، وهناك وجد ناجي ينتظره والسرور يغمره، ناوله الكيس وبينما هما واقفين إذ بدورية عسكرية مترجلة تسير بإتجاهمها..
وما وصل الجنود حتى طلب أحدهم فحص ما بداخل الكيس مشتبها ولم يستطع ناجي الرفض وعندا رأي ما بدخله أنقض الجندي عليه يمسك به، وطلب من الجنود إلقاء القبض على حسام..
لفت المنظر انتباه المارة فتجتمر الناس يسألون عما يحدث؟؟
* * * *
إنهال عليهم الجنود بالضرب المبرح خلال اقتيادهم لمكتب ضابط المخابرات الذي تولى التحقيق الابتدائي معهما... وأعترف كل منهما عن نية بقذف الزجاجة الحارقة على السيارة العسكرية..
وعلى وجه السرعة تم نقلهما إلى زنازين التحقيق، ومرت الأسابيع ثقيلة تعرضا خلالها إلى أبشع أنواع التعذيب اللاإنساني،
حضر ابو رامي لمقابله ناجي وما أن دخل عليه المكتب ورفع الكيس النتن عن رأسه حتى آخذت ناجي بالمفاجأ، إلا أنه اخذ يتعبد رباط جأشه بسرعة هز أبو رامي رأسه وقال متصنعا:
- إجلس يا ناجي.... ماذا فعلت يا أحمق... لقد دمرت نفسك وأضعت مستقبلك، لكن لأبأس.. أستطيع تخفيف الحكم عنك، فهم سيحكمونك سنتين على الأقل وبإمكاني مساعدتك... إذا... قاطعه ناجي...:
- لا أريد مساعدتك... أنت الذي دمرت حياتي.. أنت السبب في كل شيئ أخذت ملامح الغضب تطفو وجه أبو رامي.. قال محاولا ضبط أعصابه- إنك تهذي... أنت في ورطة ألان ... وإذا لم تفهم ما أقول سيقتلونك لأننا سنشيع عنك في السجن عنك في السجن بأنك كنت تتعاون معنا..
سكت قليلاً ليلتقط أنفاسه .. وأضاف متصفا الهدوء:
- كل ما أريده منك أن تأخذ جهاز تسجيل وتنزل إلى الزنازين التي تختارها لك وتسجل ما يقوله المعتقلون عن قضاياهم..وزبد فترة تتوقف عن هذه العملية وتشتغل عندنا في غرف التحقيق تقدم لنا الشاي والقهوة وبعد فترة بسيطة سنطلق سراحك ... ولن نجعلك تصد عندهم.. كي لا يقتلوك هناك أخذ ناجي يعمل بسرعة فإغراءات الأحمق لن تكون مجدية والمؤمن لا يلدغ من حجر مرتين.. وأنا لن أعاود الكرة مره اخرى لن أغفر لنفسي أبدأً هذه المرة إذا أخطأت لذلك يجب أن أكون حازماً... قال بحزم:
- إن ما يرتده لي هو طريق الدمار والهلاك والخيانة لهذا لن أساعدكم أبداً، سأبقى نظيفاً... سأبقى إبن فلسطين، لا أخوان ابدأ وكل ما أريده هو أن تبتعد عن طريقي للأبد..
صرخ أبو رامي بعصبية:
- أنت مجنون....
- مجنون إذا سمعت كلامك الذي سيجعلني عدواً لأهلي وشعبي وقف أبو ارمي وقد على ظهر على حقيقته، الحقد يملأ صدره، ثم وجه بصقه إلى وجه ناجي ولطمه على وجه بقوه وصرخ كالمعتوه:
- أذهب إلى الجحيم يا كلب..
وخرج مسرعاً لا يلوي على شيئ.. يجرجر أذيال الهزيمة..
وسرعن ما صعد إلإثنان إلى أقسام السجن بعد انتهاء فترة التحقيق ... لقد سمعنا كثيراً عن المعتقلات الأمنية التي تعج بمجموع الفدائيين، وهناك تنظم كامل هذه السجود أصبحت أشبه بقواعد ثورية ... والتطام فيها أساس حياتهم... فالعلاقات بين جموع الأسرى تضبطها قوانين وأعراف تنظميه أكسبتها لهم التجربة الطويلة،
الحياة المشتركة هي جوهر العلاقة بين الجميع، واللجان التنظيمية والوطنية بنتيجة من قبل الأسرى وهي تشرف على تطبيق القوانين والأعراف لدى كل المناضلين وهناك اللجان والهيئات التنظيمية المتفرعة، كاللجنة الإدارية العامة واللجان الفرعية، وأيضاَ اللجنة الثقافية.. هناك لجنة العلاقات العامة التي تنسق.
العلاقات بين الفصائل وتدير الحوارات مع إدارة السجن وتخطط لمواجه أساليب العدو، واللجنة الأمنية التي تشرف على المحافظة على أمن التنظيم ومجموع الأسرى، والمرحلة الطويلة من الأسر ضاعت خر الأسر الفلسطيني وعندما يصعد المعتقل الجديد إلى هذه الأقسام يقوم بعد استقباله والترحاب، بكتابه تقرير مفصل عما حصل معه بالتحقيق،
هذا ما حصل مع ناجي وحسام، كتب ناجي في التقرير المفصل كل ماحدث بينه وببين المدعو أبو رامي وكذلك فعل حسام وبعد أن تلقت الجهات المسألة في التنظيم التقرير تم تحويل ناجي إلى اللجنة الأمنية لمتابعة موضوعة والوقوف على حقيقة أمره، وقد راجع مسئول الأمن ناجي ببعض تفاصيل قضيته ليطلع بنفس وعن طرب على موضوع، وقد أن استمع للتفاصيل طلب من لجنة الأمن حفظ تقرير ناجي في الأرشيف..
دخل ناجي عالم مختلفاً يحوى بداخله جامعة الحياة، وتشرب العادات والتقاليد الجديدة سريعاًن ومع مرور الوقت تشعبت علاقاته مع زملائه ف يانتظيم وتفاعل بشكل إيجابي مع الجميع وكسب ثقة العديد منهم، ولكن القلق كان يصيبه دائماً عندما يسمع البيانات التي تتحدث عن تحقيقات مع العملاء وإعترافتهم التي تقشعر لها الأبد أن.. وسرعان ما يستبد به الخوف والفزع عندما يتذكر ما حصل معه في الماضي مع ابو رامي وكثيراً ما يسائل نفسه:
- هل يعرف هؤلاء الزملاء الذين يثقون بي قصتي؟؟ وهل سيحدثهم المسئولون بما كتبه التقرير ؟؟؟ وإذا عرفوا.. هل سيغرون موقفهم من صداقتي؟؟ وهل سعيا ملونتي مثلما يعاملون هؤلاء الذين حقق معهم، والذين حقق معهم. والذين يضعونهم في غرفة واحدة يطلق عليها الأسرى الكراج وهناك اثنان من الشاب يشرفون على هذه الغرفة ومهمتهم الإصلاح...


وكثرة هذه التساؤلات جعلته ملتهب التفكير، مهموما أغلب الوقت فأثر ذلك على سلوكه، فعادته حالة الإنطواء، وكثيرا ما كان يصارح حسام بما يشعر به إلا أ، حسام كان دائما يرفع من عزيمته ويشجع ويطالبه بالكف عن أهذا التفكير المؤلم يؤكد له ثقة الجميع به..
* حكمت المحكمة العسكرية على ناجي بالسجن الفعلي لمدة سنتين وعلى حسام لمدة أربع سنوات...
لم يمضى وقت طويل حتى ترك حسام للعمل في المطبخ بينما بقى ناجي في قسم المحكومين وفي هذه الفترة شاهد الكثرة من علمان التحقيق مع العديد من العمال مم ألهب هوااجسة وتخوفاته من أن يأتي اليوم الذي يحصل معه مثلهم وبحينها الموت أفضل...
كان يهرب من أفكاره عندما يتذكر والدته وأسرته ويتذكر زيارته الأولى عندما لم سيطيع تمالك نفسه فأجهش بالبكاء..
كان واقع اعتقال ناجي صعبا على حنا ن التي كانت ترى في ه فتيي أحلامها ها هي تراه قابع خلف الأسوار... لا تعرف ماذا سيحدث له من الزمن سيبقى فيه؟؟ وما هي نظره أهلها له بعد اعتقاله؟؟
هم سيرفضون تزويج أبنتهم لسجين حتى إن كان مناضلاً.. هي تعرف أن قضية ناجي وطنية، لا بد للكل أن يفخر بها ,لكن أهلها لن يتفهموا هذا الأمر...
لقد باتت ترى في ناجي بطلها الشجاع الذي تحلم به كل الوقت، وقد عاهدت نفسها أن تبقى على وعدها معه..
كانت تذهب إلى والدته بعد كل زيارة وترسل له تحياتها بعد أن تطمئن عليه، والدته كانت تنقله سلامات حنان..
وكم تمنت لو استطاعت أن تراه خلف الأسلاك لترى ازدياد جماله داخل السجن، كما تتصوره في خيالها..
أما ناجي فقد كان ينتظر بشوق ولهفة كال زيادة ليعرف أخبارها من همس والدته وبات يحلم باليوم الذي يخرج لها...
ولكن الأيام لا تدع الأمور تسير كما نحب ونشتهي...
- اليوم الجمعة الوقت ظهراً، قبل قليل انتهت زيارات الأهل، توجه ناجي إلى مكان نمه من عناء الزيارة ورأي طيف حنان داعب مخيلته، ونام وهوا لا يدري... حتى أستيقظ على العدد المسائي..
ما أن أنتهي العدد حتى شاهد ثلاثة من أعضاء التنظيم يجلسون في أحدى زوايا الغرفة وبعد لحظات توجه له موجه الخلية طالبا ًمن التوجه إلى الأخوة حيث الزاوية أصيب ناجي بالذهور، لم يصدق ما طرق مسامعه.. همس بصوت مرتجف:
- أنا... لماذا.. ماذا تريدون مني؟؟
- إنهم يريدون التحدث معك قليلاً ، لا تخف يا ناجي..
جر رجليه متثاقلا... حتى وصل الزاوية المشئومة ، وجلس سرع فرجليه بالكاد تحملانه..
نظرا إليهم وجسده يرتعش، كان يبدو ‘لى سيمالئهم الوجوم والغضب قطع أكبر سناً الصمت:
- اسمع يا ناجي ... نحن لجنة مكلفة من التنظيم للتحقيق معك، كل منا ما نريده منك هو ان تخبرنا بالحقيقية وبهدوء... تنظيمنا رحيم والثورة إصلاح ... ولا داعي للإنكار..
صعق من هول المفاجأة وشعر كأن الأرض تقيد به تكاد تبتلعه ببطء أراد أن يرفع رأسه لينظر إلى وجه محدثة... لكنه لم يستطع..
مرت لحظات ، حتى أستجمع قواه أخيراً ورد بصوت تخنقه العبرات:
- يا أخواتي .. صدقوني ... أنا شريف... مثلكم.
وفجأة لطمه أحد أعضاء اللجنة على وجهه بقوة وقال بقوه وقال بغضب:
- لا تحدث عن الشرف وأنت منه براء.... ستتكلم وستخبرنا بكل شيء سواء رضيت أم أبيت..
- أجاب متلعثماً:
أنا بريء .. ومناضل مثلى مثلكم، فلا تظلموني رجاء، إذا أردتم أن تسمعوا كل ما حصل معي فسأقوله لكم...
أخذ يسرد قصته من البداية إلى النهاية، حدثهم عن كل شيء في حياته حتى عن قصة حبه لحنان...
صرخ في وجهه أحد أعضاء اللجنة، وقال وهو يمسك بتلابيبه:
- إنك تضيع الوقت، هل تعتقد أنك ستضحك علينا؟؟
أحضر حبلاً ... ربط به يديه وقدميه... وعصبه عينيه .. ومدده على الأرض وراح يكيل له الضربات....
حاول أن يقاوم .. ولكنه لم يستطيع وفجاه صرخ من شدة الألم:
- دعوني ... دعوني .. أنا بريء.. حرام عليكم...
وراحت صرخاته مدى... فلم تكن هناك إذن صاغية..
ها هو الآن يفيق من غفوته... على صوت المفتاح المزعج وهو يدور في كوة الباب.. برز سجان دميم الوجه:
- هيا معي يريدون التحدث معك ...
لا يدري كم من الوقت مر عليه وهو في هذه الزنزانة الصغيرة الرطبة..
جر قدميه متثاقلاً.. ومشى خلف السجان الذي قاده إلى مكاتب إدارة السجن، وما هي إلا لحظات حتى دخل شخص يعرفه جيداً:
- أبو رامي ... ( صرخ في أعماقه ) وتظاهر بعدم الإكثرات، خاطبة أبو رامي بلهجة المنصرم:
- أهلاً ناجي، ألم أقل لك أنهم سيقتلونك، ولولا تدخلنا في اللحظة الأخيرة لكنت الآن في القبر، والآن عليك أن تفكر جيداً، عليك أن تنتقم من كل هؤلاء الذين حققوا معك... وأنا سأساعدك، فقط قول لي من هم، وسأعمل على أن يفرج عنك قريباً، وعندما تخرج سأجعلك تتحقق كل رغباتك.. ساعدني وأخبرني من هم الذين حققوا معك..
نظر إلى وجه أبو رامي لحظة.. فقفز أمامه الوجه الأخر الذي أطل عليه من حوانيت عسقلان فارتعدت فرائضه، وتذكر حسام.. فقال سريعاً وبلهجة حادة:
- لن أساعدك... أتركني بحق الجحيم، لا أريد الجنة التي تختارها أنت، هل نسيت أنك السبب المباشر لكل هذا الذي يحدث لي....
حاول أبو رامي التأثير عليه جاهداً.. ولكنه فشل مرة أخرى في إقناعه ولم يعره ناجي أدنى اهتمام وكأنه غائب عن المكان...
وعندما أ؛سن بأن حديثة أصبح بلا جدوى حمل حقيبة وصرخ على الجندي وهو يغلى غضبا:
- أعد هذا الحيوان إلى زنزانته..
وفي اليوم التالي أضرب ناجي عن الطعام، وتم نقله إلى زنازين سجن بئر السبع وهناك أنهى إضرابه بعد أن تأكد بأنه لن ينفعه في شيء .. .لأن مشكلته.. معقده، فهم لن يعيدوه للسجن،...
أخد يفكر كيف سيقضي أيامه الأخيرة إذ لم يكن قد تبقى له سوى شهرين لإنهاء محكومتيه....