المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحاكم بأمر الله


AshganMohamed
10-28-2019, 10:42 AM
الحاكم بأمر الله
الحاكم بأمر الله
رواية تمثيلية من فصلين
د. نوال السعداوى



تقديم
قد يصدم معنى من معانى هذه المسرحية بعض القراء أو المشاهدين.. وخاصة ذلك الذى يتعلق منه بالنواحى الحساسة فى العلاقات الإنسانية وبالذات علاقة الرجل والمرأة ولكنى أعترف بأن الأفكار والحوادث التى وردت فى المسرحية ليست بالجديدة وليست من خيالى، فقد أخذتها من التاريخ. وأنا لست من حفظة التاريخ لكن الذى يرجع إلى قراءة التاريخ يجد أن الإنسانية مرت بأزمنة غريبة. كان هناك زمن الرقيق والعبيد.. وكان هناك زمن يخصى فيه العبد ليخدم حريم السلطان بغير خشية على الحريم.. وكان هناك زمن الحاكم بأمر الله الذى أدعى الألوهية وقدسه بعض الناس وكان هو يقدس الحمار.
وقد استهوانى التاريخ بحوادثه الغريبة التى تكشف عن بعض الخبايا والتناقضات التى تنطوى عليها النفس المعقدة لذلك المخلوق – الإنسان- ورغم دراستى للطب والجراحة وإدراكى العلمى لجسم الإنسان إلا ان فكرة إخصاء العبيد التى حدثت فى التاريخ ظلت بالنسبة لى غامضة وشاذة توحى إلى بان إخصاء الرجل ليس هو الجراحة أو ما ينتج عنها من عقم مادى بقدر ما هو الإخصاء الفكرى أو النفسى وما ينتج عنه من عقم فى الفكر أو النفس.
نوال السعداوى

الشخصيات:
رجل فى الأربعين. ضخم الجسم غليظ الملامح. صوته رفيع نوعا. : الحاكم بأمر الله امرأة شابة فى الخامسة والثلاثين. فارعة القوام ممشوقة الجسم. لها وجه معبر وعينان قويتان. فيها حيوية ولها شخصية قوية جذابة. صوتها قوى عذب. : الملكة جنات شاب فى الخامسة والثلاثين. طويل فارع القوام. قوى البنيان. ملامحه قوية فيه وسامة ونبل وطيبة. صوته قوى ممتلئ. : الرجل الغريب (ربيع) امرأة عجوز فى الخمسين أو الستين. : الأم العجوز شاب فيه قوة وطيبة : الجندى عبيد شاب قوى الجسم. شرس العينين. : الجندى عثمان رجل عادى. : رئيس الجند مروان تمثال لحمار يبدو كأنه حقيقى. : الحمار (مولود) رجل فى الستين أو الخمسين : رجل الكوخ العجوز عدد من الجنود والعبيد والجوارى من النساء
طفل صغير

الفصل الأول
المشهد الاول
يفتح الستار عن صاحب الجلالة "الحاكم بأمر الله" وهو جالس على كرسى العرش المرتفع وتستند قدماه على قاعدة خشبية وتكونان فى مستوى رؤوس العبيد الذين يجلسون على الأرض.
عن يمين صاحب الجلالة الحاكم يجلس واحد من العبيد يحمل فى حجره ورقة وقلم وعن يساره جندى من العبيد يحمل سيفا. هو رئيس الجند.
الصمت يخيم على الجميع. صاحب الجلالة ينظر إلى العبيد نظرة متعالية شرسة وهم جلوس على الارض مطأطئين الرؤوس.
صاحب الجلالة يقف على قاعدة الكرسى الخشبية.
يهب كل العبيد وقوفا.
يظل صاحب الجلالة واقفا يتفرس فيهم.
ثم يجلس فيجلس العبيد.
صاحب الجلالة يقف مرة أخرى.
الجميع يقفون ما عدا رجل واحد يظل جالسا.
تدور عينا صاحب الجلالة على كل الناس لتستقر على هذا الرجل الذى لم يقف.
كل الرؤوس تتجه إلى هذا الرجل الجالس.
يلكزه الرجل المجاور له ليقف لكنه لا يقف ويظل جالسا يتطلع إلى صاحب الجلالة بعينين لا ترمشان.
تصيب صاحب الجلالة نوبة غضب شديدة. يشير إلى رئيس الجند الواقف إلى يساره. يسرع رئيس الجند للمثول بين يدى الحاكم بعد أن يؤدى بسيفه التحية التقليدية.
مولاى. رئيس الجند يصيح صاحب الجلالة بصوت غاضب ويتضح أن صوته رفيع وحاد كصوت النساء ويبدو صوته متناقضا مع ضخامة جسمه وشراسة عينيه. يشير إلى الرجل الجالس. من هذا الرجل يا مروان. الحاكم لا أعرفه يا مولاى. هذه أول مرة أراه هنا. رئيس الجند أحضره إلى هنا. صاحب الجلالة سمعا وطاعة يا مولاى. رئيس الجند يسرع رئيس الجند فيقبض على الرجل الجالس ويسوقه إلى الحاكم. العبيد كلهم واقفين يراقبون المشهد فى صمت ورؤوسهم محنية فى ذل وخوف. اقترب صاحب الجلالة (مخاطبا الرجل) الرجل يقترب من الحاكم بخطوات ثابتة رافعا رأسه.
صاحب الجلالة يشتد غضبه فينزل من فوق كرسيه العالى ويقترب من الرجل وينظر فى عينيه بقوة وتحدى.
الرجل يقف أمامه لا يتحرك وعيناه ثابتتان فى عينى الحاكم. أخفض عينيك! صاحب الجلالة فى غضب شديد الرجل لا يرد ولا يخفض عينيه.
يشتد غضب الحاكم ويضرب الارض بقدمه ويصيح بصوت أكثر حدة: أخفض رأسك. الرجل لا يرد ولا يخفض رأسه. ينتفض الحاكم من الغضب ويلتفت إلى رئيس الجند صائحا:
من هذا؟ مجنون؟ أم أصم؟ إلا يسمع ما أقول؟ أنا أسمع جيدا ولكنى لا أفهم تماما ما هو المطلوب منى! الرجل (بصوت قوى شجاع) لا تفهم؟ ما معنى أنك لا تفهم؟ الملك (يثور) المطلوب منك أن تخفض رأسك فى حضرة مولانا الحاكم هيا أخفض رأسك وبسرعة.. رئيس الجند (يخاطب الرجل فى شدة) لا أستطيع أن أخفض رأسى الرجل ألا ترى الناس من حولك.. أفعل مثلهم بسرعة.. لا تقف هكذا منصوب القامة.. رئيس الجند هذا أعجب كلام سمعته فى حياتى.. لا أقف منصوب القامة؟!! لماذا؟ الرجل
(فى دهشة) ألا تعرف لماذا؟ ألا تعرف أن هذه هى المادة الاولى من دستورنا؟ كل الناس تعرف فكيف لا تعرف أنت؟ رئيس الجند الجهل بالقانون لن يحميك من العقاب الذى ستناله! الملك فى (غضب) الجهل بالقانون؟ وكيف لى أن أعرف أن هناك قوانين فى أى مكان من العالم يمكن أن تنص على الوقوف بدون نصب القامة؟ الرجل (ساخرا) أتجهل القانون؟! أتجهل دستورنا؟ الملك وكيف أعرفه وأنا لم يبق لى فى هذه المدينة سوى ساعات؟ الرجل كأنك لست من هنا؟ لست من مدينتنا؟ الملك
فى دهشة وغضب لا يا سيدى.. الرجل الملك يبدو عليه الذعر ويأمر بصرف العبيد ويبقى معه فقط مروان رئيس الجند والرجل.. وما الذى أتى بك إلى هنا؟ الملك
فى شئ من الذعر الصدفة وحدها هى التى اتت بى إلى هنا.. كنت سائرا فى طريقى فإذا بى أجد نفسى على حدود هذه المدينة. الرجل الصدفة وحدها؟ هذا شئ عجيب؟ ومن أين أتيت؟ ما هى بلدك؟ ما اسمك؟ من أنت؟ الملك
فى ذعر وغضب إسمى أعرفه وهو ربيع أما بلدى فلم أعرفها بعد. الرجل ليس لك بلد؟ الملك ليس لى بلد حتى الآن.. أنا رجل كثير السفر والترحال.. الرجل هذا غريب جدا! وما الذى أتى بك إلى هنا؟! الملك الصدفة وحدها.. لابد أننى ضللت طريقى. الرجل ضللت طريقك؟! وما هو طريقك؟ الملك طريقى طويل وشاق.. أننى متجه نحو وطنى. الرجل ولكنك قلت أنك ليس لك بلد. الملك نعم ليس لى بلد ولكنى ولدت فى مكان ما من الأرض.. الرجل ألا تعرف أيضا أين ولدت؟ الملك لا الرجل ألم تسال أمك أو أباك؟! الملك ليس لى أب أو أم الرجل الملك يبدو عليه شئ من الاضطراب.. يطلب من الرجل أن ينتظر بالخارج يبقى الملك ومروان على المسرح وحدهما هذا غريب جدا.. وكيف ولد إذن؟! هل يمكن أن يولد أحد بغير أب أو بغير أم؟ الملك (فى غضب واضطراب) (يخاطب مروان رئيس الجند) هل تصدق هذا يا مروان؟ قد يولد بغير أب ولكن بغير أم هذا مستحيل يا مولاى! مروان هذا رجل غريب كيف جاء إلى هنا ولماذا؟ الملك ربما ضل الطريق يا مولاى مروان اتصدق كلامه؟ أنا لا أصدقه.. إنه يكذب.. فى عينيه شئ غريب لا يبعث على الراحة أو الطمأنينة. الملك وماذا نفعل به؟ الملك مولاى أنت صاحب الأمر والنهى مروان فلننفذ عليه فورا القانون العام.. الملك سمعا وطاعة يا مولاى.. مروان يتحرك مروان لكن الملك يبدو مترددا يناديه مرة اخرى ويتشاور معه فى قلق. ولكن أتظن أنه سيخضع بعد العملية؟ الملك كل الرجال خضعوا بعد العملية يا مولاى فلماذا لا يخضع هو مروان نعم لماذا لا يخضع هو.. لماذا لا يخضع هو.. انه كالآخرين تماما.. خذه يا مروان ونفذ فيه القانون العام.. الملك يتحرك مروان لكن الملك يظل مترددا ويستبقى مروان ولكنى لا أظن أن هذا كاف.. لا أظن أن إخصاء هذا الرجل يكفى لإخضاعه.. فى عينيه شئ غريب لا أرتاح اليه.. إنه ليس كالآخرين.. لا.. لا.. إنه ليس كالآخرين.. الملك نعم يا مولاى.. إنه ليس كالآخرين مروان وما العمل يا مروان؟ الملك أأمر تطاع يا مولاى. مروان نتخلص منه وبسرعة. الملك سمعا وطاعة يا مولاى مروان يتحرك مروان. الملك يستبقيه إلى أين أنت ذاهب. كيف سنتخلص منه؟ الملك نقتله فى الحال يا مولاى. مروان نعم.. نعم اقتله فى الحال.. (مترددا مرة اخرى)
ولكن كيف ستقتله؟ الملك
(فى سرور) إرفع السيف فى وجهه واضرب راسه. مروان هذا جميل! هذا جميل.. (مترددا مرة اخرى)
ولكن لماذا وجهه يا مروان.. لماذا لا يكون فى ظهره.. إنه رجل غريب.. رجل خطير.. ليس من السهل أن نضربه فى وجهه.. ربما تكون له حيل لا نعرفها.. ربما يكون قويا جدا.. ربما يقاوم.. ربما.. ربما يستطيع أن.. لا أعرف تماما ما الذى يمكن أن يفعله مثل هذا الرجل الشاذ.. إنه نوع غريب من البشر.. ربما يتقمص روحا شريرة.. الأفضل أن نخلص منه فى هدوء ودون أن يعلم.. لابد من مؤامرة.. لابد ان نخدعه بشئ ثم نطعنه فى ظهره.. الملك
(فى سرور) نعم يا مولاى لابد أن نخدعه بشئ ثم نطعنه فى ظهره.. مروان هذه فكرة جميلة.. رائعة.. والآن دعه يأتى هنا مرة اخرى. الملك
(فى سرور شديد) مروان يخرج ثم يعود ومعه الرجل أننى أعتذر عما بدر منى من غضب كنت أظنك واحد من الناس هنا ولكن حيث أنك غريب عن هذه البلد وأنك ضللت الطريق فسوف آمر جنودى بأن يرشدوك إلى طريق الحدود ولا يتركوك حتى تكون خارج هذه البلد وفى أمان وسلام.. الملك (بصوت هادئ وتودد) شكرا يا سيدى. هذا فضل كريم منك. الرجل الملك يخاطب مروان بهلجة آمره. مروان. أحضر هنا أحد الجنود الملك حاضر يا مولاى مروان يخرج مروان ويعود ومعه جندى مسلح سترافق هذا الضيف الكريم حتى يخرج سالما آمنا من هذه البلد هل فهمت؟ الملك (يخاطب الجندى بلهجة آمره) سمعا وطاعة يا مولاى الجندى أشكرك كثيرا.. أشكركم.. الرجل مع السلامة الملك يخرج الرجل ومن خلفه الجندى المسلح من هو أشجع جنودك؟ الملك
(يخاطب مروان)
وحدهما على المسرح عثمان يا مولاى مروان أحضره إلى الملك سمعا وطاعة يا مولاى مروان يمثل الجندى عثمان بين يدى الحاكم وبعد أن يؤدى التحية أرايت الرجل الغريب؟ الملك نعم يا مولاى وقد أخذه عبيد إلى طريق الحدود كما أمرت يا مولاى عثمان جميل. الآن أريد منك أن تسير ورائهما من على بعد.. فاذا ما خلى الطريق وأظلمت السماء اقترب منه دون أن يراك واطعنه فى ظهره بسرعة.. إياك أن يلتفت وراءه قبل أن تصيبه الطعنة القاتلة.. الملك سمعا وطاعة يا مولاى.. عثمان يتحرك عثمان.. الملك يناديه مرة اخرى اسمع.. لا تاخذ الأمر ببساطة ككل مرة.. إنه ليس كهؤلاء الذين تقتلهم.. إنه مختلف.. إنه شاذ.. هل رأيته؟ الملك نعم يا مولاى عثمان هل رأيته وجها لوجه. أعنى هل نظرت فى عينيه؟ الملك لا يا مولاى.. عثمان هذا أفضل لك.. هذا يسهل عليك مهمتك.. أعنى أنك لو نظرت فى عينيه ربما.. ربما كنت تشعر بشئ من الخوف.. لا لا.. لا أقصد الخوف ولكن شئ آخر.. ارتياب مثلا.. قلق.. ذعر.. لا لا.. ليس ذعر على الإطلاق.. على أى حال أنا مطمئن لشجاعتك وقوتك.. هيا انطلق ولا تعود إلا برأسه.. الملك سمعا وطاعة يا مولاى عثمان يخرج عثمان الملك يجلس مفكرا. هل يريدنى مولاى؟ مروان لا إذهب أنت يامروان؟ الملك الملك وحده على المسرح يبدو عليه القلق والتفكير. يتمشى على المسرح ذهابا وإيابا يكلم نفسه: لا يستطيع أن يخفض رأسه؟ ليس له بلد.. ليس له أب ولا أم.. أيمكن لمثله أن يضل الطريق؟! تدخل الملكة جنات. يبدو عليها الاضطراب.. تتلفت حولها فى ذهول
الملك تبدو عليه الدهشة. ما الذى أتى بك إلى هنا فى هذه الساعة؟ الملك لا أدرى تماما.. ولكنى كنت أجلس فى الحجرة المجاورة.. الملكة
(فى اضطراب) كنت فى الحجرة المجاورة؟ وماذا كنت تفعلين فى الحجرة المجاورة.. لماذا خرجت من الحرملك؟ الملك
(فى اضطراب) كان الجو حارا وأردت أن أطل من النافذة.. الملكة الملكة تتجه نحو النافذة.. يبدو عليها الاضطراب.. كأنما تبحث عن شئ.. ماذا دهاك.. عم تبحثين؟ الملك (فى دهشة) لا شئ.. لا أدرى تماما ولكنى سمعت صوتا.. الملكة صوت؟ أى صوت؟ الملك
(فى اضطراب) لا أدرى تماما.. ولكنى سمعت صوتا غريبا الملكة صوتا غريبا؟ لم يكن هنا أى صوت غريب.. الملك لم يكن هنا صوت؟ شئ غريب.. شئ غريب جدا.. ولكنى سمعت صوتا.. سمعت صوتا لم تسمعه أذناى من قبل.. الملكة صوت لم تسمعه أذناك من قبل؟ وماذا يمكن أن يكون هذا الصوت؟ الملك لا أدرى.. الملكة لا تدرى.. لابد أنك تخرفين… الملك أخرف؟! الملكة (فى شى من الغضب) لا أقصد تخرفين ولكن ربما كنت جالسة إلى جوار النافذة ثم غفوت لحظة وحلمت.. الملك (يتراجع) حلمت؟! الملكة
(فى ذهول) نعم.. ربما حلمت بأنك سمعت صوتا.. إلا يحدث أحيانا أن تنامى وأنت جالسة وتحلمين.. الملك أكان حلما؟! الملكة هل نسيت ذلك الحلم الغريب الذى حكيته لى منذ ايام. الملك ولكن هذا شئ غريب.. هذا صوت لم أسمعه من قبل.. لم أكن نائمة.. أبدا أبدا لم أكن نائمة!! الملكة الملكة يبدو عليها الاضطراب.. تتلفت حولها كانما تبحث عن هذا الصوت. أنت لست فى حالتك الطبيعية يا حبيبتى.. ربما لم تنامى نوما كافيا.. أو لعل أعصابك مرهقة.. لأننى..
(يقترب منها فى تودد شديد وهى تبتعد عنه).. لأننى لم.. أقصد لأننا لم نجلس معا ليلة الأمس جلستنا الغرامية المعتادة.. ولكن ماذا أفعل يا حبيبتى كنت مشغولا جدا ليلة الأمس ولم يكن فى استطاعتى أن أترك مجلس البلاط مجتمعا ثم آتى اليك.. الملك (فى تودد) الملكة لا ترد ويبدو عليها أنها منشغلة بالبحث عن الصوت الغريب. ولكن هذه هى الليلة الوحيدة التى لم نجلس فيها معا.. الليلة الوحيدة التى مرت من حياتك دون ان تسمعى..
(يقترب منها وهى تبتعد عنه).. الليلة الوحيدة التى لم تسمعى فيها كلام الحب.. ولكن.. ولكنك ستغفرى لى حين أسمعك الآن.. لماذا تبعدين عنى هكذا يا جنات.. الملك (فى رقة) جنات تجلس بعيدا عنه. الملك يذهب إليها ويجلس إلى جوارها.. يفتش فى جيوبه لحظة ثم يخرج يده من جيبه بقطعة من الورق مطوية. ستهدأين تماما حيت تسمعين هذا الكلام الجميل.. استمعى يا حبيبتى إلى رسالة الليلة.. الملك
(يفتح الورقة) (يتأهب للقراءة).. حبيبتى جنات.. حياتى ونور عينى..
الملكة تقاطعه بشئ من الضيق. هل ستقرأها ككل ليلة؟ الملكة نعم يا حبيبتى.. نعم.. الملك لا أرجوك.. إعفنى الليلة.. لا أستطيع أن أسمع.. الملكة لا تستطيعين أن تسمعى؟ الملك (مندهشا) أنا متعبة. أريد أن أبقى وحدى.. لا أريد أن أسمع أى شئ الملكة وهل رسائلى أى شئ يا جنات؟ الملك قلت لك أننى متعبة.. اشعر بالآم فى اذنى.. لا أستطيع أن أسمع.. الملكة أؤكد لك أن ألم اذنيك سوف يضيع تماما بعد أن تسمعى كلماتى.. الملك لا.. لن يضيع الالم.. بل لعله سيزيد.. قلت لك لا استطيع أن أسمع.. لا أحب أن أسمع!! الملكة (تغضب) لا تحبين أن تسمعى رسائلى؟ أما كنت تحبين هذه الرسائل؟ الملك (فى رقة) كنت.. نعم كنت.. ولكنى.. ولكنى سمعتها مئات المرات وحفظتها عن ظهر قلب. الملكة هذه الرسالة مختلفة عن الرسائل الاخرى.. وعباراتها أكثر جمالا.. اسمعى.. الملك يتأهب للقراءة مرة اخرى لا أريد أن أسمع.. تعبت من السماع يا هوه! الملكة (فى ضيق)
تضع يديها على أذنيها هل هناك امرأة فى العالم تتعب من سماع عبارات الحب والغرام؟ الملك
(متصنعا الدهشة) نعم.. إنها أنا.. الملكة ولكنك كنت تحبين هذه العبارات؟ الملك كنت أحبها ولكنى سئمتها.. سئمت السماع أريد شيئا آخر غير الكلام.. الملكة وهل رسائلى كلام يا حبيبتى؟ رسائلى التى أكتبها لك بكل أحاسيسى وجوارحى.. رسائلى التى أنفقت فى كتابتها نصف عمرى.. رسائلى التى تملأ هذا الصندوق الكبير. الملك يشير إلى الصندوق الكبير فى الركن هل هناك امرأة فى العالم تلقت من زوجها كل هذه الرسائل؟ ولكن الرسائل لا تفعل شيئا. الملكة لا تفعل شيئا؟! هذه أول مرة أسمع منك هذه العبارة.. لا يمكن أن تكونى فى حالتك الطبيعية.. لا يمكن.. لست جنات التى كنت أعرفها.. ماذا حدث لك يا عزيزتى؟.. الملك
فى دهشة شديدة جدا لا ادرى.. ولكنى أحس أننى لست.. الملكة (تسكت لحظة فى اضطراب).. نعم أحس أننى لست كما كنت.. (تسير وحدها بعض خطوات كالحالمة).. لا يمكن أن يختلط على الأمر إلى هذه الدرجة.. انى متأكدة أنى سمعت.. نعم سمعت ذلك الصوت.. وأحسست أننى أرتجف.. كنت أرتجف فعلا.. واختفى الصوت فجأة.. وظننت أنه سيعود لكن وقتا طويلا مر دون أن يأتى.. أتعودين إلى هذه الهلوسة يا جنات؟ ألن تنسى هذا الحلم؟ الملك لن أستطيع أن أنسى.. لقد أحسست أننى.. كأننى كنت مدفونة تحت الأرض وفجأة رأيت شعاعا من النور.. كأننى كنت ميتة وفجأة بدأ شئ حى يتحرك فى كيانى الميت. الملكة ما هذا الهذيان الشديد؟! لقد بدأت أسأم هذا الحديث الخرافى.. لم أعد أفهمك.. لم أعد أفهم ماذا تريدين؟.. وما الذى يمكن أن تريديه؟ كل شئ عندك.. كل شئ عندك.. أجمل ملابس. أثمن جواهر.. أشهى طعام.. وفوق كل ذلك.. عندك (يشير إلى الصندوق الكبير) كل هذه الرسائل.. الملك
يبدأ يغضب قليلا وماذا يفعل لى كل هذا.. ماذا يفعل لى كل هذا؟ الملكة
(فى غضب) حتى رسائلى يا جنات لا تفعل لك شيئا؟ حتى رسائلى؟ الملك (فى عتاب) نعم إنها لا تفعل شيئا.. لم تعد تفعل شيئا.. إن الدم ينبض فى عروقى والحياة تسرى ساخنة فى جسمى ماذا تفعل رسائل؟ ماذا يفعل لى كلام كلام كلام!!! الملكة تبكى فى حرقة وتخفى وجهها بيديها وماذا تريدين إذن؟ الملك
(متصنعا الرقة) لا أدرى… الملكة
(تجفف دموعها) إذا كنت أنت لا تدرين فكيف أدرى أنا؟! الملك إنى مرهقة.. أريد أن أستريح.. الملكة
(فى ارهاق) نعم أنت فى حاجة إلى الراحة.. أنت فى أشد الحاجة إلى الراحة.. لابد أن تذهبى وتنامى فى سريرك.. الملك (يساعدها على النهوض).. اذهبى ونامى يا حبيبتى.. يخرجها من المسرح
يبقى الملك وحده على المسرح. يبدو عليه القلق والاضطراب فجأة. يكلم نفسه.. لابد أنها سمعته! لابد أنها سمعت صوته! ولكن أيمكن أن تتغير إلى هذا الحد؟ أيمكن أن تحس به إلى هذا الحد؟… وماذا يحدث لو أنها فتحت الباب ودخلت ورأته؟!.. آه ما الذى لأتى به الينا؟! أيمكن أن تكون الصدفة وحدها؟ أمجرد صدفة؟! أيمكن أن يضل هو الطريق؟! لست مطمئن.. لست مطمئن.. هناك إصبع يلعب فى الخفاء. نعم أحسست بمجرد أن نظرت فى عينيه أنه ليس كالآخرين.. إنه مختلف، مختلف.. وهى استطاعت من وراء الباب المغلق أن تحس أنه مختلف؟ كيف استطاعت أن تحس؟! كيف استطاعت هذه المرأة الغبية!! يسكت لحظة فى وجوم ثم يقول: ولماذا لم يعد عثمان برأسه حتى الآن؟! لماذا لم يعد عثمان؟! يصرخ بأعلى صوته فى انفعال وذعر: ماذا حدث يا عثمان؟!! ماذا حدث؟ يسدل الستار
* * * * *


المشهد الثانى
الملك جالس وسط حاشيته وأعضاء البلاط.. مروان وعدد آخر من العبيد.. بعض الجوارى من النساء.. الملك يشرب الشيشة وجارية من الجوارى تشرب شيشة أيضا.. الجو معبأ بدخان البخور مختلطا بالمخدرات والنساء. فى ركن المسرح البعيد حمار من الخشب له عجل.
إنى قلق يا مروان.. قلق الملك
يتحدث مع مروان لا داعى للقلق يا مولاى.. عثمان لم يتأخر مروان الدنيا أظلمت والليل كاد أن ينتصف وهو لم يعد؟! الملك لابد أنه عائد فى الطريق يا مولاى مروان أتظن أنه قتله؟ الملك إننى متاكد من عثمان يا مولاى.. عثمان أشجع جندى عندنا.. لا يهزمه أحد.. مروان الملك يسكت ويفكر فى وجوم. لا تشغل بالك يا مولاى.. سيدخل علينا عثمان بعد قليل ومعه الرأس.. مروان ومعه الرأس؟ كلامك مطمئن يا مروان. الملك (ينشرح قليلا) سيكون كل شئ كما يبغيه مولاى.. مروان أعرف هذا الملك (باسما) والآن أيرغب مولاى فى بعض الأغانى.. والرقص.. مروان (ينتهز فرصة انشراح الملك) لابد أن نحتفل مقدما بقدوم الرأس.. أجل يجب أن نحتفل.. هيا ابدأو..
جارية ترقص على وقع الطبول.. جارية أخرى تغنى. الملك يدخن الشيشة ويبدو عليه بعد قليل الانشراح والاندماج الكامل فى الجو. يبدو عليه السكر وهو يتحدث مع مروان. الملك
يضحك فى سرور وماذا نفعل يا مروان فى تلك المرأة؟ الملك بصوت مخمور أى امرأة يا مولاى؟ مروان زوجتى.. الملكة جنات.. الملك ماذا حدث لها يا مولاى؟ مروان لا أدرى.. ولكنى أشك فى أنها سمعت صوت الرجل من وراء الباب.. أو ربما رأته من النافذة ولكنها لا تعترف بشئ.. كل ما تقوله أنها سمعت صوتا غريبا.. صوتا جعل.. الملك (الملك يحاول أن يتذكر).. لا أذكر بالضبط كيف نطقت بهذه الجمل.. ولكنها قالت أن الصوت جعل شيئا فى جسمها ينبض بالحياة.. تصور يا مروان جنون النساء.. النساء ليس لهن أمان.. مهما فعلت فهم كالقطط يشمون الرائحة من بعيد.. الخيانة فى دمهم.. الملك
يضحك مخمورا سوف تنسى الملكة كل شئ بعد أيام. مروان لا أظن.. لا أظن أنها ستنسى.. إنى أعرفها.. لقد تغيرت يا مروان.. تغيرت تماما.. لم تعد هى جنات القطة المغمضة.. بدأت تتذمر. الملك تتذمر؟ إن كل نساء البلد يحسدونها.. إنها أسعد امرأة فى العالم. مروان ولكنه بطر النساء يا مروان.. بطر.. وعين فارغة.. الملك كل شئ له علاج يا مولاى.. مروان وما هو العلاج؟ الملك العلاج عند.. مروان يشير إلى جارية عجوز تجلس وسط الجوارى.. أحضرها إلى هنا الملك سمعا وطاعة يا مولاى مروان مروان يذهب إلى الجارية ويهمس فى أذنها ببضع كلمات فتنهض الجارية معه ويسيران نحو الملك. أنا تحت أمر مولاى الجارية هل شرحت لها يا مروان؟ الملك نعم يا مولاى مروان هل أنت قادرة على اخراج تلك الخزعبلات من رأسها؟ الملك كن مطمئن يا مولاى. أنا خبيرة بهذه الأمور.. الجارية خبيرة؟ أين تدربت على هذه الأشياء الملك فى الحياة يا مولاى.. الجارية وإذا لم تخرج الخزعبلات من رأسها.. الملك أفعل بى ما تشاء يا مولاى. الجارية إنها متمرنة يا مولاى مروان وماذا ستفعلين؟ الملك بعد أن تنام مولاتى سأدخل عليها ومعى البخور.. أبخرها سبع دقائق ثم أضع قطعة الشبة فى النار وأقص من شعرها سبع شعرات الفها مع فص لبان دكر وأعمل لها الحجاب وأضعه تحت المخدة.. بعد هذا تفتح مولاتى عينيها فى الصباح فتجد كل شئ قد ذهب من رأسها.. الجارية أريدها أن تنسى.. تنسى تماما ذلك الصوت الذى هوسها.. تنساه كأن لم يكن.. الملك لن يبقى منه فى رأسها شئ يا مولاى الجارية اطمئن يا مولاى.. مروان لست مطمئن.. لست مطمئن إلى أى شئ.
عثمان لم يعد حتى الآن.. الملك سيعود حالا يا مولاى.. مروان قلت لى هذا مئات المرات ولم يعد..
ينهض الملك (بغضب) يبدو عليه القلق والغضب (يطرد المغنيات والراقصات فى غضب): لا أريد أن أسمع غناء لا أريد أن أسمع أصواتكم المنفرة ولا أريد أن أرى وجوهكم العكرة.. هيا انصرفوا بسرعة.. بسرعة.. الجاريات يجمعن أشياءهن ويخرجن من المسرح مسرعات مذعورات يبقى الملك ومروان وحدهما على المسرح ما معنى هذا؟ ما معنى هذا يا مروان؟ الملك لعله قد صنع له كمينا ليطعنه فى ظهره الطعنة القاتلة. مروان ولكنه تأخر.. تأخر أكثر من اللازم.. الملك لم يتأخر كثيرا يا مولاى.. لابد أنه فى طريق العودة مروان كفى! لا اريد أن أسمع هذا الكلام المعسول.. اتركنى وحدى.. الملك سمعا وطاعة يا مولاى مروان يخرج مروان.. يبقى الملك وحده على المسرح.. يتمشى قلقا مفكرا.. يقترب من الحمار الواقف فى ركن المسرح.. يربت على الحمار فى رقة وحنان عثمان تأخر يا مولود.. ماذا حدث؟ خبرنى يا مولود.. خبرنى.. لم أعد أطيق الانتظار.. يخاطب الحمار (يضع أذنه إلى جوار فم الحمار كانه يسمعه).. ماذا تقول.. تريد أن تتمشى فى الصحراء ثم تخبرنى بكل شئ.. لماذا تحب الصحراء بهذا الشكل.. (يبتسم للحمار ويداعبه).. أنا أيضا أحب أن أتمشى فى الصحراء برفقتك.. هيا يا مولود هيا بنا إلى نزهتنا الخلوية معا.. هيا نتحدث معا فى هدوء بعيدا عن الآذان والعيون.. تحكى لى وأحكى لك.. تحكى لى وأحكى لك.. يسوق الحمار ويأخذه خارج المسرح. ستار

المشهد الثالث
تظهر الملكة جنات وحدها على المسرح..
ترتدى رداء طويلا أنيقا لا يخفى جسمها الممشوق.
تنظر الملكة جنات من النافذة فى قلق ثم تجلس على احدى الشلت وكأنما تنتظر أحدا.
تدخل من الباب الخارجى أم الملكة وهى امرأة عجوز تستند إلى عكاز.
الملكة جنات تقف وتستقبل أمها معانقة.
تأخرت يا أمى. الملكة ماذا أفعل يا ابنتى. خطواتى أصبحت بطيئة لم تعد بى قوة. الأم (تلهث) استريحى يا أمى استريحى. الملكة تجلس الأم على إحدى الشلت وتجلس إلى جوارها الملكة. طمنى قلبى يا ابنتى. ماذا حدث؟ كنت أتأهب للصلاة حين جاءنى خادمك برسالتك فتركت الصلاة وجئت مسرعة. الام تنظر إلى ابنتها. الملكة تطرق إلى الارض. ماذا حدث يا جنات؟ الام الملكة يبدو عليها الاضطراب والحرج. تكلمى يا ابنتى.. هل حدث شىء؟ الام لم يحدث شىء يا أمى .. ولكن. الملكة ولكن ماذا؟ الام ولكن.. لا أعرف كيف أعبر لك. أننى تعيسة يا أمى تعيسة!
تبدأ الملكة فى البكاء. الملكة (فى ارتباك) تعيسة؟.. لماذا يا أبنتى؟ ماذا حدث؟
الملكة تبكى ولا ترد. الأم (فى دهشة) كنت أظن أنك سعيدة يا جنات. صحيح أنه رجل مستبد وغليظ القلب ولكنه يحبك يا جنات.. وأنت نفسك قلت لى أنه يحبك.
الملكة تجفف دموعها. أنه يحبنى.. أو هذا ما أظنه على الأقل.. فهو ينادينى دائما يا حبيبتى.. وكل ليلة يسمعنى الكثير من عبارات الحب.. ولكن..
(تسكت وتطرق إلى الأرض) الملكة الأم تنظر إليها منصته فى أهتمام. ولكن ماذا يا جنات؟ الأم ولكن هذا كل شىء. الملكة كل شىء؟ الأم (فى دهشة) نعم يا أمى. كل شئ. الملكة أتقصدين أنه يسمعك فقط عبارات الحب؟ الأم (مرددة) كل ليلة يجلس إلى جوارى على هذه الشلتة ويقرأ لى رسالة غرامية. الملكة
(فى غضب) يقرأ لك رسالة غرامية؟ الأم (فى دهشة) نعم يا أمى يقرأها لى. الملكة وماذا بعد الرسالة؟ الام لا شىء. الملكة لا شىء! الأم (فى دهشة) الأم تنهض واقفة. تنظر إلى ابنتها متفحصة. هذا شىء عجيب! قفى يا جنات. الأم الملكة تقف أمام أمها. دورى يا جنات. الأم الملكة تدور والأم تتفحصها بعينين مدققتين ليس بك عيب يا ابنتى. شابة فى عز الشباب وجسمك فارع خصب كالأرض الطيبة. الأم تصورى يا أمى هذا؟ تصورى! ما أنا فيه من تعاسة! الملكة (تنفعل) تبكى الملكة مرة أخرى فى عصبية. هذا شىء عجيب ..
ولكن تقترب من ابنتها وتهمس فى أذنها. الأم (تهز رأسها متعجبة) ربما تكون له علاقة بامرأة أخرى. الام ليست هناك امرأة أخرى. الملكة وكيف تعرفى يا ابنتى. الرجال لهم أسرارهم. الرجال بير يا ابنتى .. بير. الأم أنا أعرف كل خطواته يا أمى .. (تهمس فى أذن أمها) أحد الحرس يقول لى كل خطواته. الملكة وإذا لم تكن هناك امرأة أخرى فماذا يكون يا ابنتى؟ الأم لا أدرى يا أمى .. لا أدرى! هذا ما يحيرنى! الملكة هذا شىء غريب .. والغريب أيضا أنك لم تفتحى فمك كل هذه السنين. الأم وماذا كنت اقول يا أمى؟ الملكة ماذا كنت تقولين؟ هل هذا شىء تخفيه امرأة؟ وإذا أخفته سنة أو سنتين. الام أو ثلاثة فكيف يمكن أن تخفيه عشرين سنة؟ ! (تجلس) عشرين سنة؟ ! الملكة
(فى ذهول) نعم .. عشرين سنة! ألا تعرفين أنها عشرين سنة؟ ! الأم
(فى غضب) لا أكاد أصدق .. أهكذا يمر الزمن دون أن أحس .. عشرون سنة فاتت من عمرى منذ تزوجت.. عشرون سنة فاتت من شبابى.. الملكة
(فى ذهول) أنا لا أفهم لماذا لم تقولى لى؟ لا أفهم كيف سكت كل هذه السنين؟ الأم لم أعرف ماذا اقول يا أمى. كنت أظن أنه ربما يكون شيئا طبيعيا. الملكة شىء طبيعى؟ ! الأم كنت أظن أنه يحدث لكل النساء مثلى. لم أكن أعرف شيئا آخر يا أمى .. لم أكن أعرف .. وكيف كنت أعرف؟ أنت لم تقولى لى شيئا قبل الزواج سوى أطيعى سيدك وقد أطعته يا أمى. الملكة طاعة الزوج واجبة يا ابنتى. هكذا قالت لى المرحومة أمى ولكنى لم أتصور أنك تطيعيه إلى هذا الحد. الام وكيف كنت أعرف إلى أى حد أطيعه؟ أنت لم تقولى لى إلى أى حد أطيعه. الملكة وهل هذه اشياء تقال يا أبنتى؟ الام وكيف أعرفها يا أمى؟ الملكة كيف تعرفيها؟ هذا سؤال غريب. وكيف عرفتها الآن؟ الأم لا أدرى .. ولكن سمعت صوته من وراء الباب فأحسست بشىء غريب يا أمى كأنما .. كأنما.. الملكة سمعت صوته؟ من هذا الذى سمعت صوته؟ الام لا أدرى يا أمى .. إنه صوت غريب.. صوت ملىء بالقوة... له نبرة خاصة .. نبرة قوية دخلت قلبى فى لحظة واحدة يا أمى .. وأحسست أننى أرتجف .. أحسست كأنما أنا ميتة وهناك من ينادينى ويقول لى اصحى يا جنات اصحى كفاك موتا .. ودق قلبى .. أخذ يدق بشدة وحاولت أن اقف وأسير تجاه الصوت لكنى لم أستطع .. أحسست أنى عاجزة عن الحركة من شدة الفرحة.. من شدة الانبهار.. وقد أختفى الصوت يا أمى .. لا أدرى كيف أختفى ولكنه لم يفارق أذنى (تتلفت حولها فى ذهول) .. لم يفارقنى.. الملكة من هو الذى لم يفارقك؟ الام الصوت الملكة (حالمة) صوت من؟ الأم لا أدرى ولكنه صوت رجل.. الملكة ومن أين أتى هذا الرجل؟ الام لا أدرى يا أمى. الملكة وأين ذهب؟ الأم لا أدرى .. ما أن أفقت إلى نفسى لم أعد اسمعه فاندفعت كالمجنونة نحو الباب .. ووجدت الحاكم وحده .. لم يكن معه أحد .. وسألته فاندهش وقال لى.. الملكة ماذا قال لك؟ الام قال أنه كان وحده وليس هناك أحد .. ولكنى لا أصدقه يا أمى لا أصدقه! إنه يكذب! الملكة الملكة جنات تبكى فى ألم. الأم تنظر إليها فى إشفاق وتواسيها. هذا شىء محير يا ابنتى. الام أهو محير فقط يا أمى؟ أهو محير فقط. إنه شىء قاتل .. قاتل .. تصورى يا أمى حياتى تضيع هكذا .. هباء .. هباء!! الملكة (تغضب) أنها تضيع يا ابنتى .. أعرف أنها تضيع ولكن ما العمل يا ابنتى؟ إنه لن يتركك يا جنات .. لن يحررك .. أنت تعرفيه. إنه لا يحرر أحدا فما بالك أنت. وخروجك من هذا القصر معناه نهايتك. الأم وبقائى هنا معناه نهايتى أيضا يا أمى. الملكة أعرف يا ابنتى. الأم إنى لا أنام يا أمى .. لم أعد أنام .. وكلما نمت .. (تسير إلى الأمام كالحالمة). هل تسمعى هذا الصوت يا أمى؟ الملكة
(فى اعياء) أى صوت؟ لا أسمع شيئا يا ابنتى. الأم (تتلفت فى دهشة) الملكة (كالحالمة تتقدم بخطوات بطيئة إلى الأمام ناظرة إلى أعلى): اسمعى
إنه ينادينى يا أمى.. يسمع صوت طفل يأتى من أعلى المسرح .. (صوت خافت يقول فى نداء ملح) .. ماما (الملكة تقترب من مصدر الصوت باسطة ذراعيها إلى الأمام) ..أنه ينادينى أنا آتية إليك يا حبيبى.. (الأم تنظر إلى ابنتها فى دهشة وتقول لنفسها فى ذهول).. أنا لا أسمع شيئا .. ماذا جرى لك يا جنات؟ الملكة تسير نحو مصدر الصوت كالحالمة وتركع على ركبتيها وكأنما هى تلتقط طفلا حقيقيا من الأرض وتحمله بين ذراعيها وتضمه بقوة إلى صدرها .. تجلس على الأرض محتضنة الطفل الوهمى وكأنها ترضعه. تهدهده فى حنان شديد وتكلمه. الأم تراقبها فى ذهول وتمسح دموعها من شدة الألم. أنت جائع يا حبيبى .. إن لبنى غزير .. غزير .. يضغط على صدرى من شدة غزارته ويفيض كالنهر .. الملكة (تكلم طفلها) يفيض كالنهر. (تضم الطفل) الأم تمسح دموعها وهى تنظر إلى ابنتها.. تقترب منها فى وجل ورهبة تضع يدها على كتفها فى حنان. جنات. ابنتى.. حبيبتى. الام الأم تجفف دموعها. أنت متعبة يا ابنتى .. أنت متعبة. الام تهزها فى كتفها برقة لتفيق. الملكة تفيق إلى نفسها. تنظر بين ذراعيها فلا تجد الطفل. تتلفت حولها فى فزع وذهول. تنهض مذعورة وتدور على خشبة المسرح كأنما تبحث عن طفلها الضائع. من أخذ منى طفلى؟ من أخذ منى طفلى؟! كان هنا! كان هنا بين ذراعى. تقبض الهواء بين ذراعيها وتلقى بنفسها على أمها باكية منتحبة. الملكة (بصوت مذعور) كان بين ذراعى يا أمى! كان بين ذراعى! أين ذهب يا أمى؟ الملكة (تبكى فى حزن) سيعود إليك يا ابنتى .. سيعود إليك طفلك يا ابنتى. الأم (تواسيها) طفلى؟! الملكة (تفيق) نعم طفلك يا جنات. الام طفلى أنا؟ هل يمكن أن يكون لى طفل. الملكة طبعا يا ابنتى يمكن أن يكون لك طفل. الأم كيف يكون لى طفل يا أمى وزوجى يريدنى طاهرة. الملكة لعنة الله عليه وعلى طهارته يا ابنتى. أهذه طهارة ؟! إنه الدنس.. أنه يخدعك بهذه الطهارة وهو يدنس حياتك .. يدنسها يا ابنتى.. وهل هناك دنس أكثر من فقد حياتك دون طفل .. دون ثمرة. الأم وماذا أفعل يا أمى؟ ماذا أفعل؟ ما هو الحل؟ الملكة رجل آخر يا ابنتى. الأم الملكة تنهض فزعة مندهشة. رجل آخر؟ الملكة (فى دهشة) نعم.. رجل آخر. هذا هو الحل الوحيد. الأم (بشدة) هل يوجد رجل آخر يا أمى؟ إنه الرجل الوحيد والباقى كلهم عبيد. الملكة ربما يكون هناك رجل.. الأم أقسم لك يا أمى أننى سمعت صوته. الملكة (فى أمل) ربما يكون هناك رجل يا ابنتى. الأم لابد أن هناك واحد .. اقسم لك يا أمى أنه موجود. الملكة لا يمكن أن تخلو الدنيا من رجل .. من رجل واحد على الأقل. الأم ماذا ستفعلين يا أمى؟ الملكة سأبحث عن هذا الرجل يا جنات .. سأبحث عنه فى كل مكان فى البلد .. قلبى يحدثنى بأنه موجود فى مكان ما .. لا يمكن أن تخلو الدنيا من رجل .. الأم تسير نحو الباب وهى تردد. الأم لا يمكن أن تخلو الدنيا من رجل واحد. الام الملكة تنظر إليها فى دهشة. الأم تخرج. الملكة تقف وحدها على خشبة المسرح .. تنظر إلى أعلى لحظة ثم تركع على ركبتيها فى خشوع وانبهار. يا رب! .. ساعدها يا رب! الملكة ستار
* * * * *


المشهد الرابع
فى طريق الحدود طريق صحراوى خال إلا من كوخ صغير بعيد خشبة المسرح مظلمة تماما.. تظهر الأم العجوز من أحد أطراف المسرح تحمل شمعة صغيرة فى يدها وتستند على عكازها وتسير فى الطريق تسير منحنية الظهر يبدو عليها التعب والارهاق وكأنما انهكها البحث والتجوال. رجل واحد يا عباد الله .. رجل واحد فقط يا عباد الله .. واحد فقط .. واحد فقط .. ألا يوجد رجل واحد فقط فى كل هذه البلد؟!... الأم (بصوت خافت فيه نداء) تخرج من الطرف الآخر لخشبة المسرح ومعها الشمعة.. يظلم المسرح تماما .. ثم تظهر شمعة صغيرة أخرى فى يد رجل عجوز مهلهل الثياب. الرجل العجوز يعلق الشمعة على باب كوخه الصغير ويجلس أمام الباب يمسك مزمارا وينفخ فيه .. ويغنى بصوت خافت. أنا صاحى والناس نايمين.
مولع شمعتى فى الضلمة وما اعرفش أنا مين الرجل العجوز الفقير يغنى عبد مخصى والا راجل مسكين. مالوش حاجة فى البلد وما يخافش على مليم. يظهر من الطرف الآخر للمسرح الرجل الغريب ومن خلفه الجنديان عبيد وعثمان كل منهما يحمل سيفه. عثمان يشير إلى الكوخ. هل نجد عندك ماء.. اسقنا بارك الله فيك. عبيد رجل الكوخ يأتى بقلة ماء ويسقى عبيد وعثمان ويقترب من الرجل الغريب ليسقيه وينظر إليه فى سرور وانبهار بوسامته وقوته. هذا رجل غريب. عثمان أهلا وسهلا تفضلوا .. تفضلوا.. رجل الكوخ رجل الكوخ يتأمل الرجل الغريب فى فرح وانبهار هل لك فى أن نستريح هنا قليلا .. عبيد (يخاطب الرجل الغريب) هذا الرجل الطيب .. ما أجمل أن نجلس معه قليلا. الرجل الغريب يجلس الرجل الغريب إلى جوار رجل الكوخ. عثمان يأخذ عبيد من يده ويسيران بعيدا عن الرجلين ثم يقفان فى الركن الآخر من المسرح يتهامسان. يجب أن نقتله. عثمان ولماذا نقتله يا عثمان؟ إنه لا ينطوى على شر وسوف يغادر حدودنا ولا نراه بعد ذلك أبدا. عبيد هذا أمر مولاى. عثمان مولاى أمرنى أن أخرجه من المدينة فقط. عبيد ثم أمرنى بأن أقتله. عثمان ولماذا يريد أن يقتله.. إنه رجل طيب. ولا ينطوى على شر. عبيد مولاى أعلم به منا. إنه غريب عنا. كيف تعرف أنه طيب أو غير طيب. عثمان إنى أعرف أنه طيب. عبيد كيف تعرف؟ عثمان ألم تنظر فى عينيه؟ أنظر فى عينيه وأنت تعرف أن هذا الرجل لا يمكن أن ينطوى على شر. عبيد ليس فى عينيه شىء يدل على شىء.. أنت تخاف منه هذا هو السبب .. أنت تخاف منه لأنك تحس أنه أقوى منك .. أنت تخشى أن يقتلك. عثمان أنا لا أخاف منه .. لقد سرت معه جزءا من الطريق وحدى قبل أن تلحق أنت بنا. وبينما أنا أسير تعثرت قدمى فوقعت ووقع منى سلاحى فإذا به يناولنى السلاح ويساعدنى على النهوض .. لو كان يريد أن يقتلنى .. لقتلنى .. ولكنه رجل لا ينطوى على شر. عبيد أنا لا استطيع أن أعصى أوامر مولانا. عثمان لقد أمرنى بقتله ولابد أن نقتله. أنا لا أستطيع أن أقتله. عبيد إذن دعنى أقتله أنا. عثمان عثمان يسكت لحظة مفكرا. يمكنك أن تبقى هنا مع رجل الكوخ بحجة أنك متعب ولا تستطيع مواصلة السير .. وآخذه أنا إلى الطريق ثم أقتله. عثمان عبيد مطرق إلى الأرض .. لا يرد. عثمان يشده من يده ناحية الرجلين الجالسين. زميلى متعب ولا يستطيع أن يواصل السير .. هل يمكن أن يستريح عندك حتى أذهب أنا لأوصل سيدى الضيف إلى خارج الحدود؟ عثمان (مخاطبا رجل الكوخ) تفضل يا سيدى تفضل. أنت فى بيتك. رجل الكوخ يمد يده لعبيد ويجلسه إلى جواره. هيا بنا يا سيدى. عثمان (مخاطبا الرجل الغريب) هيا بنا. الرجل الغريب (ينهض) يسير الرجل الغريب ومن خلفه عثمان. يخرجان عبيد جالس إلى جوار رجل الكوخ .. يبدو عليه القلق. ينهض ويتمشى على المسرح فى قلق وحيرة. ماذا بك يا سيدى. رجل الكوخ هذا ظلم .. هذا استبداد .. ماذا فعل الرجل ليقتله؟ ماذا فعل؟ ألا يكفيه ما يفعل بنا .. هذا الطاغية! عبيد (فى غضب) ماذا حدث يا سيدى. رجل الكوخ عثمان ذهب معه ليقتله. عبيد ولماذا يقتله. رجل الكوخ أمر مولانا .. عبيد هذا الرجل المجنون إلا كفيه عن سفك الدماء.. رجل الكوخ لن يكف أبدا.. عبيد وماذا فعل له هذا الرجل؟ .. إنه رجل ينطوى على خير وحب كبير .. هذه أول مرة فى حياتى أرى مثل هذا الرجل .. ولكن قلبى تفتح له بشكل غريب … لا يمكن أن تتصور يا إبنى كم فرحت بهذا الرجل.. رجل الكوخ هل نظرت فى عينيه؟ عبيد نعم يا ابنى .. فى عينيه نظرة لم نتعودها. رجل الكوخ نظرة من لا يخشى شيئا. عبيد نظرة الرجل يا ابنى. رجل الكوخ كم كنت أود أن تكون لى هذه النظرة .. كم كنت أود أن أكون رجلا ولكنى لا استطيع! لو كنت رجلا لمنعت عثمان من أن يقتله .. لو كنت رجلا لمنعته .. أو على الأقل نبهت الرجل الغريب ولكنى لم أستطع! لم أستطع!! عبيد يخفى وجهه بيديه ويتشنج فى ألم شديد. (يمسح دمعة ظهرت فى عينيه بطرف كمه) .. لا تحزن يا عبيد .. أنت لا ذنب لك فى هذا .. هذا الرجل المجنون جعل كل الرجل عبيد .. إنه يملك السلاح والسلطة والمال ... ماذا كنت تفعل أنت يا عبيد أمام كل هذا؟ رجل الكوخ كان يجب أن أقاوم حتى الموت.. عبيد ولماذا لم تقاوم؟ رجل الكوخ لم يكن معى أحد .. كنت وحدى .. وحينما كنت أهمس لأحد من زملائى بأننا يجب أن نرفض كان يتهمنى بالجنون .. كان ينظر إلى بعينيه الذليلتين ويقول لى: أيمكن أن تقاوم الطبيعة .. ورضيت بأن أكون عبدا كالجميع. عبيد كتب علينا أن نكون عبيدا. رجل الكوخ لا لا .... لم يكتب علينا أن نكون عبيدا .. هذا كذب .. كذب! لم أعد أصدق هذه الكلمات الذليلة! لم أعد أصدقها. عبيد ولماذا لم تعد تصدقها؟ وما الذى حدث؟ رجل الكوخ هذا الرجل! ألم تر هذا الرجل؟ لماذا تفتح له قلبك؟ لماذا بهرك؟ لأنه رجل .. لانه ليس عبدا .. لقد رفض أن يكون عبدا .. لقد رفض أن يخفض رأسه مرة واحدة فى حياته .. لو أننى رفضت مثله .. لو أننى قاومت مرة واحدة فقط.. عبيد ولكن سيدفع حياته ثمن هذا. رجل الكوخ يدفعها أو لا يدفعها المهم أنه قاوم .. أنه رفض .. أنه قال لا ... هذا يكفينى .. ليتنى استطيع أن أقولها ... ليتنى استطيع أن أقولها وأدفع حياتى .. ولكننى أصبحت عاجزا .. أصبحت عاجزا! عبيد كلنا عاجزين يا ابنى أمام هذا الجبار .. هذا هو الأمر الواقع وعلينا أن نقبله.. رجل الكوخ يظهر الرجل الغريب عائدا وحده بغير عثمان
رجل الكوخ وعبيد ينظران إليه بدهشة شديدة أنت الذى عدت؟! رجل الكوخ وعبيد (فى نفس واحد) يا إلهى .. كنت أحس أن مثلك لا يمكن أن يموت بهذه البساطة. رجل الكوخ كنت أحس أن عثمان لن يستطيع أن يقتلك. عبيد إجلس يا إبنى .. إجلس واسترح .. لابد أنك مرهق. رجل الكوخ الرجل يجلس معهما. ماذا حدث يا إبنى .. احكى لنا .. رجل الكوخ حين نظرت فى عينى عثمان وهو يسير إلى جوارى أحسست أنه يدبر شيئا .. وفى اللحظة التى رفع فيها سيفه ليطعننى فى ظهرى استدرت بسرعة فطعن الهواء وسقط فوق سيفه على الارض... الرجل هل قتلته؟ عبيد لا .. ساعدته على النهوض وسألته لماذا تقتلنى؟ فاعترف أنه ينفذ أمر الملك فصفحت عنه لكنه كان خائفا أن يعود إلى الملك بغير رأسى فيقتله الملك... الرجل وماذا فعل المسكين؟ رجل الكوخ قلت له إهرب لكنه قال لى أين أهرب؟ لا أعرف إلا هذه البلد إنها بلدى .. ثم طعن نفسه بسيفه قبل أن أصل إليه .. الرجل عثمان قتل نفسه؟ عبيد مسكين. رجل الكوخ لقد استراح .. المساكين هم الذين يعيشون الذل ولا يقتلون أنفسهم ولا هم يموتون.. عبيد تألمت كثيرا لعثمان .. وتألمت لأننى لم أصل إليه قبل أن يطعن نفسه .. ولكن هناك شىء لا أفهمه. الرجل ما هو؟ عبيد لماذا يقتلنى الحاكم؟ لم أفعل شيئا وما كنت سأبقى بالمدينة. الرجل أنت لا تعرف هذا الحاكم .. إنه لا يطيق أى رجل فى المدينة .. لا يطيق أى رجل سواه. عبيد وكل هؤلاء الرجال فى المدينة؟! الرجل (فى دهشة) أخصانا كلنا فأصبحنا عبيده. الجندى عبيد هذه مدينة العبيد يا سيدى.. ألم تكن تعرفها؟ الرجل العجوز لا .. الرجل خذنى معك يا سيدى ولا تتركنى هنا .. إننى عبد مخصى ولكننى أريد أن أتحرر. لم أعد أطيق الذل .. حررنى يا سيدى حررنى وخذنى معك. عبيد (فى ألم) (يبكى فى ألم) خذه معك يا سيدى فهو لن يستطيع أن يعيش هنا بعد الآن لقد تحرر .. نعم تحرر .. أنظر إلى عينيه ... رجل الكوخ (يواسيه) أنظر إلى عينيه ترى أنه تحرر .. لم تعد له نظرة العبيد .. لم يعد عبدا يا سيدى .. خذه معك إلى بلد الأحرار .. وأنا ... وأنا (يمسح دموعه) ليتنى أنا أتحرر أيضا ولكنى لا أستطيع .. لا أستطيع .. (يبكى) لو كنت شابا مثله ربما استطعت .. ولكنى أصبحت شيخا عجوزا .. (ينشج ببكاء مكتوم) الرجل الغريب يطرق إلى الارض فى حزن وألم ... (يرفع وجه عبيد بيده) تظهر الأم العجوز من الطرف الاخر للمسرح تحمل شمعتها الصغيرة تسير بعكازها وظهرها منحنى تنادى بصوتها الضعيف الخائر رجل واحد .. يا عباد الله .. رجل واحد فقط يا عباد الله .. ألا يوجد رجل واحد فى هذه المدينة ... رجل واحد فقط..
الرجل الغريب يهب واقفا يبدو أنها تحتاج إلى المساعدة. الرجل يسرع ناحية الأم العجوز ومن خلفه عبيد ورجل الكوخ. ماذا بك يا أمنا العجوز؟ الرجل ابحث عن رجل ينقذ ابنتى. الأم ماذا حدث لابنتك؟ الرجل إنها تموت شيئا فشيئا .. أما من رجل هنا ينقذها؟ الأم أين ابنتك يا سيدتى؟ الرجل فى القصر. الأم خذينى إليها. الرجل يمسك الرجل بيد الأم العجوز ويهم بالمسير معها. انت تخاطر بحياتك إذا ذهبت ناحية القصر. عبيد (يخاطب الرجل) أنا اخاطر بحياتى دائما يا عبيد ... انتظرنى هنا .. سأعود إليك.. يسير الرجل ممسكا بيد الأم العجوز. يبتعدان عن الكوخ .. الرجل (باسما) بارك الله فيك يا إبنى ... (تمسح دموعها) بارك الله فيك... قلبى كان يحدثنى بأن هناك رجل .. لا يمكن أن تخلو الدنيا من رجل واحد .. لا يمكن أن تخلو الدنيا من رجل واحد.. الام ستار
* * * * *

المشهد الخامس
فى قصر الحاكم
الدنيا ظلام دامس إلا من ضوء خافت يسقط على وجه الملكة جنات وهى جالسة على الأرض فى وسط الصالة. تحتضن طفلها الوهمى وتهدهده وترضعه.
أنت جائع يا حبيبى.. لبنى غزير.. غزير.. يضغط على صدرى من شدة غزارته ويفيض كالنهر.. (تضم الطفل بقوة).. ويفيض كالنهر يا حبيبى. الملكة
تكلم طفلها الموهوم تظهر الأم العجوز بالباب ومن خلفها الرجل..
الأم تشير إلى ابنتها فى حذر شديد ثم تختفى وراء ستار النافذة.
الرجل يقف لحظة ينظر إلى الملكة فى انبهار. يتقدم نحوها بخطوات بطيئة.
الملكة ترفع رأسها وتنظر اليه فى دهشة وانبهار.. أهو انت؟ الملكة أهى انت؟ الرجل تقف الملكة وتقترب منه فى خطوات بطيئة وكأنها مشدودة اليه بقوة خفية.. ثم يقفان وجها لوجه كل منهما يتأمل الآخر فى دهشة وانبهار..
يتعانقان بقوة.. أخيرا اتيت الملكة كان لابد أن أجئ الرجل لماذا تأخرت؟ الملكة لم اكن أعرف الطريق الرجل وهل عرفت؟ الملكة من بعد عناء المسير الرجل ولن تغيب؟ الملكة كان موعدنا فى الربيع. الرجل يسيران وهما متعانقان. ويدخلان غرفة نوم الملكة ويغلق خلفهما الباب.
الأم تهم بالخروج من وراء الستار ولكنها تسمع صوت الحاكم قادما من الخارج ومعه الحمار الأم تظل مختفية وراء الستار ويبقى الحاكم بأمر الله وحده فى الصالة.. يضع شلتة بجوار الحمار ويجلس إلى جواره يضع رأسه إلى جوار رأس الحمار ويغمض عينيه. آه يا مولود.. كم أنا متعب..
(يلصق رأسه برأس الحمار ويربت على رقبته).. هؤلاء العبيد كالحيوانات.. أجسام ضخمة بغير عقل.. أنت الوحيد الذى يمكن أن أكلمه فى هذه المدينة.. أنت الوحيد الذى يمكن أن يفهمنى.. الوحيد الذى يمكن أن يجادلنى.. أما هؤلاء العبيد.. كم أحتقرهم.. إن واحدا منهم لا يستطيع أن يجادلنى.. إن واحدا منهم لا يستطيع أن يقول لى لا.. كلهم يقولون نعم.. افندم.. سمعا وطاعة.. لا أحد يقول لا.. كم أحتقرهم!.. أنت الوحيد الذى أحترمك.. أنت الوحيد الذى تهز رأسك أحيانا وتقول لى لا.. هل تذكر حينما غضبت منى حينما نسيت أن اشترى لك العطر؟ هل تذكر حين رفستنى بقدمك حين نسيت أن آخذك معى فى نزهتك المعتادة فى الصحراء؟ كم أحبك وأنت تهز رأسك غاضبا.. وكم أحبك حين ترفسنى. الحاكم
(يكلم الحمار) (يتمسح فى الحمار ويربت على رأسه وعنقه) كم أستريح وانا أكلمك يا مولود.. كم استريح وأنا اكشف لك عن نفسى.. كم أحبك لأننى أتكلم معك بغير قيود.. أحكى لك بحرية انت تفهمنى وتعرف حقيقتى.. هؤلاء العبيد.. كم أكرههم.. كم اكره ضعفهم أمامى.. كم أكره ذلهم.. يتصورون أننى إله.. تصور يا مولود.. (يضحك ضحكة قصيرة).. تصور يعاملوننى معاملة الإله.. (يبدو عليه الإلم والتعاسة فجأة) آه كم أحب عينيك وأنت تنظر إلى بكل هذه الشفقة. أنت الوحيد الذى تشفق على.. فأنا إنسان وحيد تعيس.. كم أخاف حين يرفع واحد منهم عينيه وينظر فى عينى.. كم أخاف‍ كم اخاف ان يكتشف واحد منهم.. كم أخاف أن يعرف واحد منهم أننى.. (يلصق رأسه برجل الحمار وكأنه يحتمى به).. آه كم أصبحت أخاف من عينى جنات.. لقد بدأت ترفع عينيها فى عينى.. بدأت ترفع عينيها فى عينى.. (يتشبث بالحمار فى ضعف ومسكنة وخوف).. آه إنى خائف.. إنى اتعذب.. أنت الوحيد الذى تحس بعذابى.. أنت الوحيد.. (يبكى فى نشيج مكتوم) ينظر إلى الحمار فى استجداء وتساؤل: وهذا الرجل الغريب؟ ماذا تعرف عنه يا مولود؟ لماذا جاء إلى هنا؟.. لماذا؟ فكر.. فكر يا مولود فأنت الوحيد الذى يمكن أن يفكر.. الوحيد الذى له عقل يمكن أن يفكر.. هؤلاء العبيد كالحيوانات أجسام بغير عقول.. (يضع اذنه على فم الحمار).. خبرنى عن هذا الرجل خبرنى أنا خائف.. خائف.. له عينان غريبتان تقدحان شرا.. آه لو رأيت عينيه (يضع يده على عينيه ليخفيهما) إنى خائف.. عيناه لا تفارقنى.. قل لى ماذا أفعل.. ماذا أفعل.. أنت الوحيد الذى يمكن أن يقول لى.. أنت الوحيد الذى يقول لى الصدق.. لماذا تأخر عثمان؟ ما الذى حدث؟ (يجفف دموعه بكمه ويمخط فى منديله).. ينهض بعد لحظات قليلة.. يجفف دموعه بكمه..
(يستند إلى الحمار ويدفعه ناحية غرفة نومه).. احملنى إلى السرير يا مولود احملنى فأنا مرهق.. مرهق.. يسير الحاكم وهو مستند إلى الحمار ويدخلان غرفة نوم الملك ويغلق الباب خلفهما..
الأم العجوز تخرج من وراء الستار.. وعلى وجهها علامات الدهشة والذهول..
تفرك عينيها بيدها.. يا الهى‍.. حلم أم علم؟! لا أكاد أصدق عينى! الأم تسير إلى الركن حيث كان الحمار. تجد الركن خاليا. يا إلهى! الحمار ليس هنا يا إلهى!.. هذا الشئ لا يتصوره أحدا لا يتصوره احدا! الأم
(تبصق فى عبها) يخرج الرجل من حجرة نوم الملكة.. يبتسم يرى الأم العجوز ويسير اليها ويعانقها فى سعادة وحب. أشكرك يا أمى العزيزة. أشكرك الرجل لم أفعل شيئا يا ابنى الام أنقذت حياتى من الضياع يا أمى.. عثرت أخيرا على وطنى.. على الأرض الطيبة الخصبة. الرجل أنت الذى انقذت حياة ابنتى.. أنقذتها من هذا الرجل المريض المجنون.
(تشير إلى غرفة نوم الحاكم) الام أهو هنا؟ الرجل إنه هنا.. إنه هنا يا ابنى.. إنه رجل مجنون..
(تشير إلى سيف الملك الذى تركه خارج حجرة نومه) هذا هو سيفه يا ابنى.. خذ هذا السيف واقتله.. اقتله يا ابنى فهو مجنون.. مجنون.
(تمسك الأم رأسها فى عصبية وتكاد تبكى) الأم (فى غضب) لا يا أمى انا لا أقتل.. أنا أخلق. الرجل (يواسيها ويربت عليها) ولكنه سفاح ومجنون يا ابنى.. وسوف يخرج ويقتلك.. سوف يقتلك.. الام لو قتلنى وحدى فلن أبالى.. حياتى لا تهمنى بعد الآن.. لم تعد لى حياة.. فقد وهبتها لابنتك.. إنها معها.. إنها ملكها الآن. الرجل يقف لحظة مواجها الأم ويمسكها من كتفيها فى قوة. جنات يجب أن تعيش.. يجب أن تعيش حتى.. حتى يكون الطفل. الرجل أخشى أن يلحظ الملك شيئا عليها. الام لا تخشى شيئا يا أمى.. تعالى.. تعالى نرتب معا كل شئ بعيدا عن هنا.. يجب ألا يرانا هنا وإلا ضاع كل شئ.. الرجل تستند الأم العجوز على ذراعه يخرجان من المسرح.
يفتح باب غرفة نوم الحاكم بأمر الله. يخرج الحاكم بأمر الله حافيا بملابس النوم. يجر الحمار بحذر وهدوء حتى يضعه فى مكانه المعتاد من الركن.. يتلفت حوله فى خوف وحذر. ثم يدخل غرفته ويغلق الباب. ستار

الفصل الثانى
المشهد الاول
طريق الحدود.. الدنيا ليل.. كوخ الرجل العجوز وعلى بابه الشمعة الصغيرة.
الأم العجوز ورجل الكوخ واقفان أمام الكوخ يتطلعان إلى الطريق فى انتظار وقلق.
تأخروا.. أخشى أن يكون أحدا من الجنود قد رآهم.. إنى خائفة.. الأم لا تخافى .. الطريق طويل والدنيا ليل.. رجل الكوخ أخشى أن (تسكت لحظة) أخشى أن تلد فى الطريق. الأم فى قلق انصتى.. إنى أسمع صوت اقدام مقبلة. رجل الكوخ تظهر الملكة جنات ملتفة بعباءة واسعة يسندها من ناحية الرجل ومن الناحية الأخرى الجندى عبيد. يبدو على الملكة أنها منهكة القوى .. لا تكاد تقوى على المسير.. الأم تجرى نحوها. تعالى يا ابنتى.. تعالى إلى داخل الكوخ. الأم هل أعددت كل شىء؟ الرجل نعم يا إبنى.. اطمئن عليها اطمئن يا إبنى. الأم تدخل الملكة وأمها إلى داخل الكوخ. يجلس رجل الكوخ العجوز ويجلس إلى جواره الرجل وعبيد. الرجل العجوز يمسك مزماره.. ويرن فى هدوء الليل لحن راقص طروب.. الرجل العجوز يغنى.. سيعم الخير بلدتنا .. والعقم راح وزال الهم.. يسمع فى تلك اللحظة صوت بكاء طفل ينبعث من داخل الكوخ.. ينهض الجميع فى سرور ويرقصون على نغمات اللحن الراقص.. الرجل يسرع إلى داخل الكوخ... عبيد والرجل العجوز يرقصان ويغنيان معا.. سيعم الخير بلدتنا .. والعقم راح وزال الهم فالمرأة منا انجبتنا.. ولدا حرا يصرخ هم هم.. تخرج الأم العجوز من الكوخ تبتسم فى سعادة .. تنضم إلى عبيد والرجل العجوز فى الغناء والرقص. سيعم الخير بلدتنا .. والعقم راح وزال الهم
فالمرأة منها أنجبتنا .. ولدا حرا يصرخ هم هم. الكل يغنون ويرقصون يخرج الرجل من الكوخ حأملا الطفل بين يديه وإلى جواره الملكة جنات تستند إلى ذراعه. الغناء والرقص يتوقف.. ينظر إليهم الجميع فى دهشة وانبهار .. ثم ينطلقون إليهم فرحين بالطفل.. يقبلونه فى سعادة وحب.. وينظرون إليه فى انبهار.. علينا ألا نضيع الوقت .. فالصبح سيطلع ويستيقظ الحاكم بأمر الله ولا يجد الملكة فى القصر.. الرجل العجوز ماذا نفعل الان؟ الأم العجوز
(فى قلق) نخفى الطفل فى الكوخ. الرجل العجوز (يخاطب الرجل الغريب) وجنات؟ الرجل جنات لابد أن تعود إلى القصر قبل طلوع الشمس.. لو عادت الملكة الآن فسوف تصل إلى القصر قبل طلوع الشمس.. عبيد يعرف الطريق ويستطيع أن يوصلها حتى باب القصر ثم يلحق بك فى الطريق. الرجل العجوز جنات مرهقة .. وخطوتها بطيئة وأخشى أن يدركها الصباح وهى فى الطريق (يخاطب الملكة). الرجل إلا يمكن أن تبقى معنا يا جنات؟ الرجل الملكة تنظر إليه فى حيرة ولا ترد. لو بقيت معكما الملكة فسوف يستيقظ الحاكم بأمر الله ويكتشف الأمر. الرجل العجوز وإذا وصلت سيدتى إلى القصر قبل طلوع الشمس فلن يعرف الحاكم بأمر الله شيئا. عبيد وإذا سبقها النهار يا عبيد فسوف يقتلها. الأم العجوز وإذا لم تعد إلى القصر فسوف يقتل الطفل. الرجل العجوز علينا أن ننقذ الطفل بأى ثمن. عبيد الملكة تتقدم وقد دب فيها بعض النشاط والقوة. نعم .. علينا أن ننقذ الطفل بأى ثمن ولو كانت حياتى هى الثمن. حياتى لم تعد تهمنى بعد الآن (تنظر إلى الطفل) كنت أخاف قبل الليلة .. لكنى الآن لا أخاف لم أعد أخاف شيئا.. الملكة (تقترب من الطفل وتقبله فى حب وحنان) لم أعد أخاف الموت يا حبيبى لأنك ستعيش .. ستعيش.. (تكلم الطفل).. (تسير الملكة بضع خطوات) تردد لنفسها سأعود.. تلتفت مرة أخرى ناحية الطفل. تعانقه بقوة وتضمه. ثم تسير بخطوات سريعة ثابتة نحو عبيد وتعطيه ذراعها ويسيران معا مبتعدين عن الآخرين. سأعود إليك المهم أن تختفى أنت والطفل. عبيد يلتفت إلى الرجل قائلا اطمئن .. لن تستطيع قوة مهما كانت أن تمس الطفل بسوء. الرجل الأم العجوز تبكى بصوت مكتوم.. رجل الكوخ يمسح بكفه دمعة تساقطت على وجهه. الرجل يظل واقفا فى مكانه يحمل الطفل بين ذراعيه وينظر إلى ظهر الملكة وهى تبتعد حتى تخرج من الطرف الآخر للمسرح ومعها عبيد يمسك ذراعها... يستدير الرجل حأملا الطفل ويدخلان فى الكوخ.. ستار
* * * * *


المشهد الثانى
فى قصر الحاكم بأمر الله. الدنيا نهار. الحاكم فى حالة من الهياج والغضب الشديد. يروح ويجى فى الصالة ويكلم نفسه بعصبية شديدة.. غير معقول! غير معقول!... الحاكم (يكلم نفسه) (يقف مفكرا) .. أين ذهبت؟ .. أين ذهبت؟ أين يمكن أن تذهب؟! .. أول مرة تخرج من القصر .. أول مرة تخرج .. أول مرة تخرج منذ عشرين عاما.. (يسير نحو غرفتها ويطل داخل الحجرة) .. لا أكاد أصدق.. يظهر الخادم.. بحثت يا مولاى فى كل مكان من القصر والحديقة. الخادم إذن هى ليست فى أى مكان من القصر والحديقة إذن هى خرجت .. خرجت!! الحاكم
(فى غضب شديد) يقترب من الخادم (متسائلا فى غضب) .. خرجت ؟! لا أدرى يا مولاى الخادم (فى خوف) لا تدرى؟! ألست هنا؟ ألست هنا فى القصر؟ ألم ترها وهى خارجة؟ الحاكم لا يا مولاى الخادم لماذا؟ لماذا لم ترها؟ .. هل أنت أعمى؟ ! الحاكم ربما خرجت وأنا نائم يا مولاى. الخادم وأنت نائم؟ لماذا نمت يا أحمق.. الحاكم (يضغط بيديه على عنق الخادم كأنه سيخنقه).. لماذا نمت؟! لماذا نمت؟! تظهر الملكة جنات تتسند على الحائط من شدة الاعياء.. هذه سيدتى.. الخادم
(فى استنجاد) الحاكم يستدير ويرى الملكة .. ينظر إليها مندهشا ويقترب منها كالمذهول.. أهو أنت؟ أكاد لا أصدق عينى (يمد يده ليلمسها) الحاكم
(فى دهشة شديدة) لا تلمسنى! الملكة (تمنعه بحركة من يدها) هل فقدت عقلك؟ الحاكم لا لم أفقد عقلى.. الملكة (فى كبرياء) ماذا حدث إذن؟ .. أين كنت؟ الحاكم كنت هنا .. (تشير إلى أرض الصالة) .. كنت أصلى وكانت الدنيا ظلام دامسا.. وفجأة .. رأيت نورا يأتى من هنا (تشير إلى أعلى) نورا عجيبا لا هو قمر ولا هو شمس ولا هو نجم .. نورا عجيبا كاد يخطف بصرى .. وسمعت صوتا عجيبا ينادينى من بعيد ويقول: الملكة إتبعينى يا أيتها الزوجة الطاهرة. وهتفت وأنا مبهورة: إلى أين أتبعك؟ وجاءنى الصوت يقول: اتبعينى إلى الجنة. ولم أحس بنفسى إلا وأنا سائرة .. سائرة .. سائرة .. سائرة .. وإلى أين ذهبت؟ الحاكم إلى الجنة .. (تبتسم فى سعادة) الملكة جنة؟ جنة ماذا؟ إلى أين ذهبت؟ الحاكم (يبدو عليه الضيق والغضب) إلى الجنة .. ألا تعرفها؟ ألم تحدثنى عنها كثيرا .. ألم تصفها لى شبرا شبرا. الملكة هذه جنة السماء.. أما الأرض فلا توجد عليها جنة. الحاكم لا توجد على الأرض جنة؟ هذا شىء غريب أسمعه لأول مرة. آلم تقل لى مئات المرات أن الارض عليها جنة .. وأن هذه الجنة هى حياتنا .. زواجنا السعيد! الملكة
(فى اندهاش) زواجنا الطاهر .. (تضحك فى سخرية) .. طهارتنا الزوجية! ماذا تقولين؟ لا أفهمك الملك
(فى دهشة غضب) لا تفهمنى؟ لاداعى لان تفهمنى اليوم فقد عشت معك عشرين عاما لا أفهمك. الملكة (ساخرة) هل فقدت عقلك؟ الملك بل استرددت عقلى .. لأول مرة أحس أن لى عقل .. لاول مرة استطيع أن أفكر. الملكة عقلك مريض يهلوس انت تخترفين يا حبيبتى .. تخلطين بين الحلم والحقيقة الملك تقلده تعالى إلى جوارى واستمعى يا حبيبتى إلى رسالتى الغرامية..
عشرون سنة وأنا اصدقك .. عشرون سنة وأنت تخدعنى .. والآن انتهت المهزلة .. فتحت عينى ورأيت النور .. عرفت الحقيقة .. لم أكن أهذى ولم أكن أهلوس أنت الذى كنت تهذى وتهلوس .. أنت الكذب والخديعة .. الملكة
(تقول ساخرة)
تغضب تسير بعصبية تفتح الصندوق الخشبى الكبير وتلقى بالرسائل على الأرض وتدوس عليها بغضب واحتقار. رسائل الكذب والخديعة .. رسائل العجز والعقم! الملكة اخرسى سأعرف كيف أخرسك (يرفع سيفه مهددا).. الملك (يصفعها على وجهها بشدة) كنت تستطيع بالأمس ولكن اليوم. الملكة (ساخرة) (تضحك بسخرية) .. اليوم لن تستطيع.. (فى كبرياء وثقة) .. ورائى رجل! رجل؟! لا يوجد رجال فى البد؟ الملك (ساخرا) يوجد رجل وأحد .. ألا تذكره؟ الرجل الوحيد الذى لم تستطع أن تسلبه رجولته .. الرجل الذى رفع عينيه فى عينيك .. أيمكن أن تنساه؟! الملكة الملك يراجع خطوة إلى الوراء مذعورا.. هل .. هل .. هو .. هو... الملك (متلعثما) نعم هو.. الملكة الملك يسترد قوته.. يظهر عليه الغضب الشديد.. يمسك سيفه مرة أخرى.. يا فاجرة! يا أفجر امرأة فى العالم .. أهدرت القيم الشريفة .. انتهكت الطهارة والفضيلة .. أهدرت كل شرف المدينة !! الملك شرف المدينة؟ وما هو شرف المدينة؟ العبودية الخضوع والعقم الأبدى!! الملكة
(فى سخرية) الملك يقترب منها شاهرا سيفه حكمت عليك بالموت! الملك ميتة منذ عشرين سنة .. ولكنى بعثت اليوم من جديد .. ألا تصدق؟ جنات التى ماتت عشرين سنة ليست هى التى تقف أمامك بالتأكيد .. أنا جنات أخرى خصبة جديدة متجددة كالحياة.. الملكة ستموتين يا عاهرة! الملك سأعيش وأبعث كل يوم من جديد.. الملكة (تتراجع بضع خطوات) يرفع السيف ويضربها فتسقط على الأرض يدخل مروان وبعض الجنود فى حالة الاضطراب والتأهب للقتال.. مولاى مولاى .. رأى بعض الجنود رجلا يجرى هاربا من باب القصر.. مروان لابد أنه هو .. امسكوه! الملك
(يترك الملكة) الملك فى اضطراب .. يخاطب مروان والجنود امسكوه .. ارسلوا وراءه الجنود .. كل الجنود .. كل الأسلحة .. وأنت يا مروان اذهب فى المقدمة .. بسرعة .. بسرعة .. أنا أيضا ساتى معكم .. لن يفلت منى هذا الوغد. الملك يخرج مهرولا شاهرا سيفه مرددا فى اضطراب وحماس (لن يفلت منى هذا الوغد!) الملكة جنات وحدها على المسرح .. راكعة على ركبتيها فى إعياء من الضربة ترفع يديها نحو السماء.. إعمى عيونهم يا رب! إعمى عيونهم يا رب! الملكة ستار
* * * * *
المشهد الثالث والأخير
فى طريق الحدود .. كوخ الرجل الفقير .. الدنيا نهار. رجل الكوخ العجوز والأم العجوز جالسان. عبيد لم يعد .. تأخر عبيد.. الأم العجوز
(فى قلق) الرجل العجوز ينهض ويتطلع إلى الطريق ثم يبدو عليه الانشراح والأمل. ها هو قادم يجرى وكأن أحدا يطارده. الرجل العجوز الأم العجوز (تنهض بسرعة ويندفع عبيد إلى المسرح وهو يلهث من الجرى. ينظر خلفه وكأن أحدا يطارده.. تأخرت يا عبيد .. طمئنا .. ماذا حدث؟ هل وصلت الملكة قبل شروق الشمس؟ الرجل العجوز (فى لهفة) أدركنا النهار قبل أن نصل. عبيد (يجفف عرقه ويتلفت وراءه) وماذا حدث؟ الأم العجوز
(فى لهفة وقلق) لا أدرى.. دخلت الملكة إلى القصر وأطلقت أنا ساقى للريح. عبيد هل رآك أحد؟ الرجل العجوز لا أدرى.. كنت أجرى بسرعة .. ربما رآنى أحد الجنود من على بعد.. عبيد والملكة؟! وجنات ماذا حدث لها الأم العجوز عبيد يبدو عليه الإرهاق والألم .. يسكت لحظة شاردا حزينا .. يطأطىء رأسه فى أسى. لا أدرى يا أمى.. عبيد (تظهر الدموع فى عينيه .. لابد أنه قتلها.. (يخفى وجهه بيدها ويبكى) .. لابد أنها ماتت! الأم العجوز تجلس على الارض .. يبدو عليها الحزن الشديد والشرود .. (تكلم نفسها كالشاردة) .. جنات لا يمكن أن تموت.. لقد خلقت لتعيش.. الأم العجوز
(فى شرود) لا تقف هكذا يا عبيد .. لابد أنهم يطاردوك لابد أن تختفى. الرجل العجوز عبيد يظل واقفا لا يتحرك. اختفى يا بنى .. ماذا حدث لك .. كيف تقف هكذا فى الطريق. الرجل العجوز (يهزه فى كتفه) عبيد ينظر إليه نظرة ثابتة غريبة. لن أختفى. عبيد لن تختفى؟ أتريد أن يأتوا هنا ويقتلوك. الرجل العجوز إنهم يطاردوننى الآن .. إن لم يجدونى هنا فسوف يبحثون داخل الكوخ .. وهكذا يعثرون على الطفل .. إنهم حتى الآن يطاردونى وحدى ولا يعلمون شيئا عن الطفل .. عبيد أليس من الجائز أن الملكة .. (يسكت لحظة مفكرا) .. أليس من الجائز أن تكون كلمة قد أفلتت منها دون أن تدرى.. الرجل العجوز إذا كان ذلك قد حدث لأى سبب وعرفوا شيئا عن الطفل فإذن يجب أن أنتظرهم هنا وأقتلهم قبل أن يقتلوا الطفل. عبيد لا تحمل هما يا سيدى .. الطفل فى أمان مادام فى حمى الرجل. الرجل العجوز (فى كبرياء وثقة) يصاب الرجل العجوز بذعر مفاجىء إنى أسمع أصواتا قادمة.. الرجل العجوز إجلس أنت أمام كوخك وكن طبيعيا وأنت يا امى ضعى رأسك فى حجرك وكأنك نائمة.. لا تجعلى أحدا يرى وجهك وإلا عرفوك وقتلوك. عبيد (بسرعة) عبيد يختفى وراء صخرة .. الرجل العجوز يجلس أمام الكوخ ويمسك مزماره ويدندن بأغانية.. الأم العجوز تضع رأسها على ركبتيها كأنها نائمة وهى جالسة كعادة النساء العجائز. أنا صاحى والناس نايمين .. ألخ.. الرجل العجوز (يغنى) يظهر على المسرح الحاكم بأمر الله ممتطى سيفه وإلى جواره رئيس الجند مروان ومن خلفه عدد من الجنود المسلحين. يتوقف الملك لحظة ويتطلع إلى الطريق أمامه هذا هو طريق الحدود يا مولاى. مروان وما هذا الطريق؟ الملك (مشيرا إلى طريق اخر) هذا طريق القبور مروان لا أظن أنه سلك طريق الحدود لأنه يعرف أننا سنطارده فى هذا الطريق. الملك رأيك سليم يا مولاى مروان ولكن .. ربما فكر بنفس الطريقة التى فكرت بها وسلك طريق الحدود ليضللنا. الملك رأيك سليم يا مولاى مروان ولكن .. ربما خطرت له نفس الفكرة فسلك طريق القبور. الملك رايك سليم يا مولاى مروان ولكن طريق القبور مسدودا ولابد أنه سلك طريق الحدود ليهرب. الملك رأيك سليم يا مولاى.. مروان ولكن.. الملك (مترددا) يقف الملك بين الطريقين حائرا.. طريق الحدود أم طريق القبور؟ الملك يسأل مروان (بشىء من الغضب) طريق الحدود أم طريق القبور؟! مروان (فى اضطراب متلعثما) طريق الحدود أم طريق القبور؟ الملك (غاضبا) ط.. ط.. طريق.. مروان متلعثما فكر ! استعمل راسك! الملك (فى غضب) ط.. ط.. ط.. مروان
(متلعثما اكثر) ألا تستطيع أن تفكر ؟! أليس لك عقل ؟! ألا يمكن أن تعرف طريق الحدود أم طريق القبور. الملك مولاى أنت الذى .. أنت الذى تعرف كل شىء. مروان وانت؟ اليس لك مخ؟ ألا تفكر فى حياتك مرة وأحدة ويكون لك رأى.. الملك حاشا لله يا مولاى أن يكون هناك رأى غير رأى مولاى .. حاشا الله يا مولاى. مروان (مستغفرا) كالحيوانات تماما بغير عقل.. الملك أنت عقلنا يا مولاى .. أنت الذى تفكر لنا يا مولاى .. لسنا إلا عبيدك المطيعين! مروان كفى! لا تضيع الوقت... الملك أحد الجنود يرى الكوخ.. هذا كوخ يا مولاى .. وهذا صاحبه جالس أمامه أحد الجنود إذا كان الرجل قد سلك هذا الطريق فلابد أنه رآه .. اسأله بسرعة. الملك الجندى يسير ناحية الكوخ.. هل رأيت رجلا يجرى فى هذا الطريق؟ الجندى (مخاطبا رجل الكوخ) رجل يجرى؟ رجل الكوخ (متظاهرا بالبلاهة) نعم .. رجلا يجرى وكأنه خائف. الجندى لم أر فى حياتى رجالا يجرون وكأنهم خائفون. رجل الكوخ لا تضيع وقت مولانا الحاكم بأمر الله.. رئيس الجند (فى عصبية) مولانا الحاكم بأمر الله؟ ! .. أهذا هو مولانا الحاكم بأمر الله؟ .. أعذرنى يا سيدى لأننى لم أعرفه .. فأنا لم أراه أبدا .. هذا شرف عظيم يا مولاى الحاكم.. رجل الكوخ (يقطعه فى دهشة واضطراب) كفى ثرثرة أيها الرجل الأبله .. تكلم هل رأيت ذلك الرجل؟ الحاكم
(فى غضب) أى رجل؟ لا يوجد عندنا رجال يا مولاى! رجل الكوخ الحاكم ينظر إلى الأم العجوز النائمة وهى جالسة... ووجهها مختفى فوق ركبتيها. وما هذا الجالس إلى جوارك رجل أم امرأة؟ الحاكم (يشير إليها) أنها امرأتى العجوز يا مولاى. رجل الكوخ لعلها هى رأت شيئا يا مولاى. رئيس الجند (مخاطبا الحاكم) إرفعى رأسك يا أمرأة وجاوبى مولانا الحاكم بأمر الله. رئيس الجند (بلهجة إمرة) الأم العجوز لا ترفع رأسها. إنها نائمة يا سيدى .. إنها تنام دائما هكذا وهى جالسة إنها امرأة عجوز ضعيفة البصر.. الرجل العجوز الملك يلكزها بقدمه فى قسوة ليوقظها.. يظهر عبيد فى تلك اللحظة قبل أن ترفع الأم رأسها. عبيد؟ ! الملك (فى دهشة) إنت .. أيها العبد؟ ! (فى غضب واحتقار) الحاكم يرفع سيفه مستعدا للهجوم عليه عبيد يتراجع قليلا إنتظر يا مولاى لا تقتلنى قبل أن أدلك على الرجل عبيد الرجل ؟ !أين هو ؟ انطق بسرعة الملك ليس هنا يا مولاى.. أخذه عثمان ليقتله عبيد عثمان؟ وأين هما؟ الملك عثمان لم يستطع أن يقتله فقتل نفسه عبيد عثمان قتل نفسه؟ والرجل؟ الملك لقد حررنى.. عبيد ماذا تقول؟ الملك نعم .. تحررت يا مولاى .. لم أعد عبدا .. شفيت يا مولاى من العقم .. أصبح لى عقل يفكر .. أستطيع أن أنظر فى عينيك الآن .. أصبحت رجلا يا مولاى.. عبيد عبيد يصاب بنوبة من الفرح تشبه الجنون يردد فى سعادة أصبحت رجلا .. أصبحت رجلا.. عبيد يرفع سيفه ويضربه فيقتله.. الملك عبيد يسقط على الأرض ويبتسم فى سعادة قبل أن يموت وهو يردد أصبحت رجلا .. يخرج فى هذه اللحظة الرجل الغريب من الكوخ .. كل الأنظار تتجه إليه .. الملك يراه فيتراجع إلى الوراء خطوة فى ذعر واضطراب .. لكنه يسترد قوته بعد لحظة ويظهر عليه الغضب المجنون. أنت؟ الملك نعم أنا ... الرجل يرفع الملك سيفه ليضربه لكن الرجل يناوله بيده ضربة وأحدة فيقع الملك على الارض ويسقط سيفه بعيدا عنه.. إنهض. الرجل
(آمرا الملك) الملك ينهض الرجل يقف أمامه ينظر فى عينيه. إخفض عينيك. الرجل (آمرا الملك) الملك يخفض رأسه أمام الرجل فى خشوع وذل.. خذه يا مروان إلى طريق الحدود .. رافق هذا الضيف الغريب حتى يخرج سالما آمنا من بلدنا... الرجل مخاطبا مروان الأم العجوز وقد نهضت من مكانها منذ خروج الرجل من الكوخ.. اقتله .. اقتل سفاك الدماء .. اقتل عابد الحمار. الأم العجوز أنا لا أضرب فى جسد ميت يا أمى. الرجل هاتى الطفل من الكوخ يا أمى. الأم العجوز تتجه نحو الكوخ. وجنات؟ أين جنات؟ الرجل ماتت .. جنات ماتت. رجل الكوخ العجوز لا لا .. جنات لا تموت.. الأم تستدير قائلة جنات لا تموت .. امرأة مثل جنات لا يمكن أن تموت .. كالشجرة القوية فى الارض الخصبة تورق كل يوم ورقة ومن كل ورقة ثمرة.. الرجل يا الهى .. جنات تعيش .. هيا بنا نذهب إليها .. هيا رجل الكوخ (فى دهشة) الأم العجوز تخرج من الكوخ حأملة الطفل الصغير .. تحتضنه وتقبله.. الرجل والطفل ومن حولهم الأم العجوز ورجل الكوخ والجنود وكثير من أهل البلد وقد تجمعوا.. الحاكم بأمر الله ومروان اختفيا من فوق المسرح... الجميع ينشدون فى سعادة سيعم الخير بلدتنا والعقم راح وزال الهم فامرأة منا انجبتنا ولدا حرا يصرخ هم هم! ستار