المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ليلى والجنون


AshganMohamed
10-28-2019, 10:10 AM
ليلى والجنون

صلاح عبد الصبور

مسرحية شعرية

ليلى والجنون



الفصل الأول

المنظر الأول
غرفة تحرير في إحدى المجلات الصغيرة التي كانت تصدر بالقاهرة قبل عام 1952. في الغرفة مجموعة من المكاتب والمقاعد, ومائدة اجتماعات. على الجدران صور لبعض قادة النضال القومي. وعلى الجدار المواجه للمائدة لوحة دون كيشوت لدومييه..
الأشخاص: [سعيد ـ حسان ـ زياد ـ حنان].
سعيد: (وهو يمد أمامه بعض صحف اليوم)
انظرْ .. حسان
أسلوب كالطُرقات المتعرجة الوحِلة
يتسكع فيه فكرٌ مخمورٌ متعثرْ حسان :
أرجوك , سعيد ..
كفَّ, ولو يوما, لا غيرْ
عن صوْغ الكلمات وحَبْكِ الشعرْ
حقّا هذي صحف القصرْ وأبواقُ المستعمرْ
لكن ما أجملَها لو قارنّاها بصحيفتنا المحتشمة الرافعةِ لواءَ الطهرْ زياد :
هم يجتذبونَ عيونَ القراء
بإشاراتِ الكلماتِ البرّاقة
والقارئ قد يقرؤهم, قد يهوِي في شَرَكِ الإغواء لكن لابدَّ وأن يلعنهم إذ يطوي الصفحات. حسان :
الأرقام تحدِّق في وجهِكَ .. أزياد
ساخرةً قد مطّت شفتيها في استهزاء
نحن نوزع بضعةَ آلاف
وصحيفتهم عشرات الآلاف
أما اللعنة ..
فأنا أعرفهم يستجدون سحائبَها كالمؤمن إذ يستجدي البَرَكة
وشعارهم المعتاد
اقرأْنا ... والعننا
لكن لا أحد يلْعنُهم في عَلَنٍ أو في سر
انظُرْ .. سطح من أفكارٍ رخوهْ
كالطحلب فوق شطوط البَحر
والقراء يحبون الاسترخاء عليها
يلتذّون بشَمِّ العطن المتخثر
كمريضٍ يتشمَّم خَدَرًا من كفِّ طبيبٍ دجّال
ويضيقون بنا إذ نلقي بهِمُ في غابة صبّار
لنجرّب شيئا غير الكلمات سعيد :
ماذا نملك إلا الكلمات
هل نملكُ شيئا أفضل ? حسان :
ما تمْلكه يا مولايَ الشاعر
لا يُطعم طفلاً كسرةَ خبز
لا يسقي عطشانا قطرةَ ماء
لا يكسو عُرْي عجوزٍ تلتفُّ على قامتها المكسورةِ ريحُ الليل
لابدّ من الطلقة والطعنة والتفجير
إنى أحْمِلُ هذا في جيب [يخرج قلما]

حتى أتسكع معكم بين رياض الكلمات
إلى أن يأتي الوقت
لكني أحمل هذا في جيب آخر [ يخرج مسدسا ]

حنان :
ارفعْ هذا الشيءَ المزعجَ عن عيني يا حسّان
ولنتحدّث في الشعر ,
فالشعر أخفُّ الأضرار
فى العددِ الأسبوعيِّ من (الأزهارِ) اليومَ قصيدهْ
فى مدح الملك الصالح
للشاعر كامل طلعت
وهو يقول ... سعيد :
لا .. لا .. أرجوكِ حنان
لا تمتهني الشعرَ, فما هذا إلاّ كذب منظوم حسان :
أنا لا يشفي نفسي ألاّ أقرأ هذا الشاعر
أنا لا يشفي نفسي ألاّ أقرأ هذا الشاعر
بل يشفي نفسي ألا يكتب حين تطيرُ ذراعُهْ [تدخل ليلى ]

ليلى : (وهي داخلة )
أي ذراعٍ تتمنى لو طارت ... حسان حسان :
كلُّ ذراعٍ لا تحملُ قنبلةً يدويَّهْ
زياد :
أهلاً ... ليلى
ليلى : (وهي تجلس)
أهلاً .. كيف الحال أيا فرسانَ المستقبلْ حسان :
لا .. بل همْ فرسانُ المتحفْ زياد :
رفقاً حسّان
ما تذكُره ليس هو الثورهْ
الثورة أنْ تتحرك بالشعب حسان :
ماذا .. الشعبْ ..
إني لا أعرف معنى هذي الكلمة
لكنِّي أعرف معنى البيتِ, ومعنى الثوبِ, ومعنى اللقمه
أعرف معنى وَجْدِ امرأةٍ هرِمَهْ
تنتظر بقلبٍ ذائبْ
أنْ يرتفع الدلوُ بعائلها من بئر السُّلطة
أو أن يتثاءبَ بابُ السجنِ عن الولد الغائبْ
ليلى : حسّان
ما أخبار حُسام ?
هل زرتَ قريبا أمَّهْ ? حسان :
تلهو الشرطة بحسامٍ كما يلهو المجنون بدُمْيه
والقلق يحطم أمَّه سعيد :
لم يُسعدْني حظِّي بلقاء حسام ليلى :
جئتَ هنا في اليوم التالي للقبض عليه سعيد :
لكني كنتُ قرأتُ له موضوعا أو موضوعْين
لم يكُ يستهويني أسلوبُهْ
كانت فيه نفس الرنّهْ
رنة أسلوبِك يا حسان
أسلوبٌ يستأصلُ, لكن لا يلقي بذرَا حسان :
ستظل مريضا بالأسلوب إلى أن تدْهَم هذا البلد المنكوبْ
كارثةٌ لا أسلوبَ لها
ولقد تنسى عندئذٍ حين توزع ريحُ الكارثةِ المجنونهْ
نارَ النكبة كبطاقاتِ الأعيادْ
أن تنقذَ بضع قصاصات من شِعركْ
ولقد تتوسّد كومتهَ قدما الجلاّد
وهو يدحرجُ في أسلوبٍ همجيّْ
هذا الرأسَ العامرَ بالأسلوبْ سعيد :
آسف ... حسان
لم أكُ أعني إغضابَك حين ذكرتُ حسام حسان :
وأنا لم أغضبْ
لكن ... [ تدخل سلوى ]

سلوى :
طبعا , تلتهم حناجركم نفسَ الطبقِ اليوميِّ الساخنْ نفْسَ الجدلِ الممتدِّ كحبلٍ, تُشنقُ فيه الساعات الأولى من كلًّ صباحْ
الله ... الله !
أبشرْ حسان
جاءت شاعرة أخرى
تشبيهانِ بليغانِ بخيطٍ واحد
لابد إذن ما دمتم كلكمُ شعراءْ
أن أقرأ رائعة العددِ الأسبوعيِّ من (الأزهار)
فأنا في الحقّ
يملأ قلبي الإعجابْ
برقاعة شاعرها الكذَّابْ سلوى :
لا .. لا .. أرجوكِ حنانْ
غِثيَت نفسي بقراءتها قبل مجيئي الآنْ [تنتزع الجريدة من حنان التي تتمسك بها, حتى تتمزق بينهما قطعا, حنان تقرأ من قطعة بقيت معها]
حنان :
لا .. بل أقرؤها, أرجوك
سلوى .. انتظري .. هذا مطلعها
(ملك أطل على الوجود بهاؤه) .. سلوى :
( وهي تنزع الورقة )
لن أعطيك الفرصة زياد :
بل لن يسعفها الوقت
هذا ميعاد تجمعنا الأسبوعي , العاشرة تماما
والأستاذ سيدخل في لحظات (بلهجة من ينادي شخصا ما)
ادخُلْ يا أستاذ [يدخل الأستاذ, وكأنه يستجيب لنداء زياد].
الأستاذ :
صباح الخير [يجلس على رأس المائدة, [ بينما يجلس حوله المحررون]
الأستاذ :
هذا ميعاد تجمّعنا الأسبوعي
واليوم .. أحدثكم بحديثٍ قد يختلف قليلاً
عما اعتدتم من قبل
... من بضعة أشهر
ومجلّتنا تتألق كالوشم الناريِّ على ساعِدِ هذا البلد الممتدّ
أسدٌ لا يحمل سيفا,
بل يحمل بوقا يصرخ في صحراء الزمن اليابسْ
كي يحيي جثث المرضى المتكئين على سرر البلوى والخوفِ المقْعَدْ
الملتفين بأسمالِ اليأسِ كما تلتفّ البذره ..
فى قشر الموت الأسْود
من بضعة أشهر
وكتيبتها تتقدم في أفق الليل المربَدّْ
حاديها نجمان مضيئان بعيدان
الحريةُ والعدلْ
ينصب شعاعها في أعيننا, فيثير جنونا كجنون العشّاقْ
يتحول ما يتكسر من نورهما موجا تنحدر عليه الأشواقْ
نحو المستقبلْ
المستقبل
الزمن الآتي بالنجمين الوضاءين على كفَّيْه
الحرية والعدل
الزمن الكاسر للذلةِ والظلمِ كما تنكسرُ زجاجةُ سمّْ
تتفرق شظْياتٍ لا يلتمُّ لها شمْل
الزمن المْطِلقُ للأنسامِ لتحملَ حباتِ الخصْبِ السحرّية
وتفرقها في أرحامِ حدائقنا الجرداء المختومة بالعقمْ
وأنا حين اخترتكمو من بين شباب الكُتّابْ
لتصلُّوا جنْبي للزمن الآتي كيْ ينكشفَ ويتقدمْ
كنت - حزينا - أعلمْ
إني أسلبكم أياماً ماثلةً كيْ أعطيها للحلمْ
حلم قد لانشهده, خلجان قد لا نرسو فيها
رغم محبتنا للمدنِ الدافئةِ النائمةِ ببطن الخلجانْ
رغم أحبتنا, وضعوا الشمعة في الشباك, وناموا في اطمئنانْ
فى أعينهم ذكرانا كملائكةٍ رحلوا كي يأتوا بالغد
كي يأتوا بالمستقبل
حلم قد لا نشهده
ظلٌ قد يبلعنا الرمل , ولا نرقدُ في رغوته الرطبهْ
ونظل ظلالاً في أفق الصحراءْ
حتى نتبدَّدَ في صُفرتها الباهتةِ الملساءْ
عظاماً باهتةً صفراءْ زياد :
معذرة يا أستاذْ
هل لي أن أقطعَ حبلَ استرسالِكْ الأستاذ :
قلْ ما يحلو لك زياد :
فى صغري كان أبي يرحمه الله, ويبقيك إلى أن تشبعَ من أيامِكْ
لكني ما كنت أطيقُ الصبر
إذ كنتُ ذكيّا - من يومي -
أتوقّع ما سيبعثره من دُرّ
وخصوصا إن عاوده داء كان يعاوده مرّاتٍ خمسا في اليوم حنان :
ما اسم الداء ? زياد :
داء الحكمة
عندئذ كنت أعالجه بالكلماتِ فكان يعاجلني باللكماتْ الأستاذ :
لن ألكُمَك, فُقل زياد :
أعرف أنك سوف تقولْ
والآنْ ..
يا أصحابي الشجعانْ
يشتد ّعلينْا سيفُ السلطان وذَهَبُ السلطانْ
وأطالبكم أن تقفوا جنبي
لا أخشى أن يصرعَكم سيفُ السلطانْ
لكني أخشى أن يفسدَكم ذَهَبُهْ حنان :
زياد
لا تتظرّفْ , هذا كان حديثَ الأسبوع الماضي
إن كنت مصرّا أن تُبدي خفّة ظلّكْ
أنبئنا كيْ نضحكْ... زياد :
حقّا , هذا كان حديث الأسبوع الماضي
لكن هل جدَّ جديدٌ في دورة أسبوعْ
ما زال القصرُ هو القصرُ
والاستعمار الاستعمار
والأستاذ .. الأستاذ
وزياد المجنونُ زياد
وحنان العاقلة .. حنان الأستاذ :
والآن , وقد استعرضتَ ذكاءَك للزملاءِ , كما يتعرض للمارة عريان
هل لي أن أتكلمْ ? زياد :
لك ... الأستاذ :
لم ألْحَظ ما سوف أكاشفكم به
اليوم أو الأمْس
بل أوْرَق في نفسي هجْساً ونما إحساساً حتى مدّ ظلاله
حتى أصبحَ رؤيا تتمثل في أوجهكم كلَّ صباح
حين ألاقيكم في منحنيات الدرج العاري
منطلقين كما ينطلق السهم الأعمي
أو أنظركم فوق مكاتبكم
متكئين كما يتكئ السعفُ الأخضرُ فوق الماءِ الراكدْ
أيام الأسبوع تمرُّ , ويهوي نجمُ الليلِ المرهقُ في فجر الغدْ
وعيونكم شاخصةٌ , حتى يُكْمِل أسبوعٌ دورتَه, شهرٌ, شهرانْ
والأيدي تحفر في الأوراق , وتهبط بالأوراق
تلقيها في فتحِة مطبعةٍ جوعي
ثم تمجّ المطبعةُ الأوراقَ, لتلقيها للقراء ,
تتضور بعدئذٍ جوعا
وتمدُّ الأيدي للأوراقِ, لتبدأ نفسَ الدوره
لا نحكي إلا كلماتٍ متقطعةً كإشاراتِ البرْقْ
ثم يقطّبُ كلٌّ منَّا وجهه
ويدير المقعد كي ينكفئ على ذاتهْ
أو ينكبّ على مكتبه حتى تندمج الكتلةُ والإنسانْ زياد :
عذراً , لكنّي لا أملك أن أسكتْ
هل يعني هذا أنك تمنحنا عطله
الله , سأقضيها في النوم
ممدودًا في جوف سريري حتى تندمجَ الكتلةُ والإنسانْ
عنّى , عن أمي , عن جدّي يرحمه الله
قال :
منْ نام فشَفّ فمات
مات شهيدًا , وتحوَّلَ في أعطافِ الجنةِ مصطبةً يتكئ عليها رضوان الأستاذ :
لا .. لا عُطْله
بل شدوٌ وغناء
ستغَنّى مجموعُتنا كي نتعارفْ إذ تندمج الأصوات وتتآلفْ ..
نُلقي عن أوجِهنا أقنعةَ العَمل المعقودهْ زياد :
هل يعني هذا أنّا سنكونُ فرقة رقصٍ وغناءْ
ما أحلاها من فكرهْ
اسمعْ :
(أراك عصي الدمع شيمتُكَ الصبرُ .. )
هل يعجبكم صوتي ? الأستاذ :
بل فرقة تمثيل
يكفي أن تتجمع ساعاتٍ معدودة
في يوٍم أو يومين من الأسبوع
وبعيدًا عن جو العمل الصحفي
كي نجري تجربةَ الأدوار
فإذا أتقنَ كلُّ منّا دورَهْ
قدّمنا حفلاً ندعو فيه بعض الأصحاب الخُلَصَاء
والآنْ
فلنتخير عملاً فنيّا نبدأ به زياد :
موليير
الشيخ متلوف
فلدينا منه ألوف , وألوف حنان :
لا , بل إحدى كوميدياتِ الريحاني حسان :
لا يعجبني الموضوع جميعه
فأنا أتخيّل أنا لا نحتاج إلى أن نضحك أو نمرح
ضحكتْ هذي المدنُ المتبلدةُ الحسّْ
خمسةَ آلافِ سنهْ
ضحكتْ حتى استلقتْ ميتةً فاتحةً فاها
كالجرح الصديان
ظننت وخز الأيام النحس
دغدغة حنان
إنّا نحتاج إلى أن نغضبْ سعيد :
هذا حق .. حسان
لكن قل لي ...
ماذا نفعل في هذي الغرفة كلَّ صباح
إلاّ أن نشعلَ نارَ الغضب الحمراء
ونظل ندور حواليها , وندور , ندور ..
كمجذوبينَ إلى أنْ يتملكنا الإغماءْ الأستاذ :
لن نضحك أو نغضبْ
ما رأيكمُ في قصة حبّْ
أتذكَّرُ أنّا مثّلنا في صغرى قصةَ شوقي الحلوة
(مجنون ليلى)
أتذكَّرُ ـ ما زِلتُ ـ مشاهدَها ومناظرَها
وبما أنّي المخرجْ
فأنا أختار النص زياد :
لم أكُ أتصوّر يا أستاذ
أنك رومانتيكي حتى هذا الحدّ
لكن لا بأس
فالرومانتيكية واهنة أحيانا كالزبد الطافي فوق الموج
غاضبة أحيانا كالطوفان الهائج
لكن .. (مجنون ليلى)
أعلى درجات الرومانتيكية
لا أرضي إلا إنْ قمتُ بدور المجنون الأستاذ :
سيقوم سعيد بدور المجنون ... زياد :
لا بأس
فليذهب بالشهرة والمجد
لكني سأنافسه في ليلى
أنا ورد الأستاذ :
لا .. حسان هو ورد
فله سَمْتُ العقلاء ومظهرُ أولادِ الناس
وهو فدائيُّ, حتى في الحبّْ
هل ترضى يا حسان ? حسان :
سأحاول يا أستاذ
ولو أني لا يعجبني الموضوع جميعه ! سعيد :
لكنيّ لا أرضى يا أستاذ
فأنا لم أعْلُ الخشْبةَ قطّْ زياد :
لا تفزعْ
فستدخل فيها حين تموتْ
أو تعلوها إذ تُشنقْ سعيد :
لا .. لا .. أنا لا أصلح للدور حسان :
لا , بل إنك أنسبنا للدور
إذ وجهك يصلح للإغماء
وتجيد الشِّعر سلوى :
وتجيد الحُبّْ الأستاذ :
من ليلى ? سلوى :
ليلى هي ليلى وهنالك عشرة أسباب تجعلها أنسبنا للدور
منها خمسة أسباب ظاهرة كالشمْس وخمسة أسباب لا يعرفها إلا سلوى
زياد :
أو قيْسْ الأستاذ :
كُفَّا عن عرض ذكائكما المتوقّد
ليلى
أقَبِلْتِ الدور ? ليلى :
لا أدري يا أستاذ
فلعلني آخر من يتحدث
فأنا لا أعرف نفسي بعد الأستاذ :
لا , بل إنك ليلى
روحٌ ضائعةٌ بين الواقع والحلم زياد :
هل تنساني عمدًا يا أستاذْ الأستاذ :
لا , بل أنت زياد صاحب قيسْ زياد :
وا أسفاه
حلّت بي لعنة هذا الاسم الأستاذ :
والآن ... سلوى [يدخل الحاج علي عامل المطبعة, وفي يده سلخة لم تجف بعد]
الحاج علي :
معذرة يا أستاذ ! الأستاذ :
ماذا يا حاجّ
هل منعوه كالعادهْ ? الحاج علي :
اكتبْ موضوعاً آخرْ الأستاذ :
هذا ما كنت أظنّْ
أرجوكم أن تمضوا في توزيع الأدوار
جلستنا الأولى بعد غدٍ في نفس الموعد
هيا يا حاج علي
لنرى ما يمكننا عمله
هيه ... ماذا أكتبْ ?
فلأكتب في الحبّْ
إلاّ إن كان الحبُّ مثيرًا لحساسيةِ القانونْ
لا أتوقّع أنَّهمُو قد منعوه بعد زياد :
لا , بل منعوه
اسمع يا أستاذ [يقرأ في إحدى الصحف المنشورة أمامهم]
(لمحت عينا شرطي شابّا وفتاةً في إحدى المنحنيات الخافتة الضوء, فترصّد لهما حتى امتدت كفّ الشاب تداعب كفّ صديقته. فانقضّ كما ينقضّ الصقر, وساقهما للمخفر).
ويضيف الصحفي : (ونحن نحيّي لرجال الأمن مروءتهم وحماستهم للخلق الطيب, فالأمم بلا أخلاق لا تبقى أو تتقدم, والأعراض أمانة, تحميها الشرطة من عبث الأنذال. بل إنّا نتمنى لو خلَت الأمة من داء الفرنجة الطارئ مثل القبعة ولبس المايوهات ..)
الأستاذ : (مقاطعا)
عبثٌ, والأيام تجدّْ
لا أدري كيف ترعرع في وادينا الطيب
هذا القَدْر من السفلة والأودغادْ حسان :
يا أستاذ
لا تكتبْ في الحبّْ
اُكتبْ في النِّقْمةِ والبغضاءْ
هذا عصر البغضاءْ
لا تنْسَ .. اكتبْ في البغضاءْ . [ ستار ]
المنظر الثاني

حول مائدة الاجتماعات - بروفات تمثيل[ الأستاذ ـ سعيد ـ زياد ـ حسان ـ ليلى ]
الأستاذ :
والآن
دورك يا ليلى
لم نتقنْ هذا المشهدَ بعدْ ليلى :
أحقا حبيبَ القلبِ أنت بجـانبي أحلم سَرَى أم نحن منتبهانِ أبعْدَ تراب المهد من أرض عامرٍ بأرض ثقيفٍ, نحن مغتربانِ
الأستاذ :
حسنٌ جدا
فى كلِّ امرأةٍ عاشقةٌ بالفطرة زياد :
وممثلةٌ بالفطرةْ ليلى :
خير لكَ أن تُتقن دوركْ .. زياد :
لا أعرف لي دورًا حتى الآن
شبح يبحث عن جسمٍ يسكن فيهْ
فى لعبتنا, أنا ظلٌّ أو راويةٌ يحكي ما أنشده صاحبُه الموهوبْ
أما في لعبتنا الكبرى , ما يدعوه العقلاءُ
حياة أو أياما أو مستقبلْ
فأنا .. أنا لاشيء
رجل يهرب من صورة طفل حسان :
سيذكّرنا بطفولته التعسهْ
مجروحٌ يستعرضُ جرحَهْ زياد :
أرجوك
دعني أستعرضْ جرحى , لكن لا تستعرضْ أحقادك حسان :
أحقادي ?.. هه
إني أرثي للضَّعْف وللضعفاء
تُغني نفسي كلمات الذِلّهْ
لا تنسَ أن تستجدي بالفقر كما تستجدي امرأة بالعرُى
انظُر يا سيّد
ثوبي ممزوق يكشف عن إبطيْ نهديّْ
هَلاَّ لملمت الثوبَ بقرشٍ أو قرشين
وكأنكَ مثل المرأهْ
لا تستجدي قرشاً, بل تستجدي تبريرًا للهاوية المنتظرهْ
يوما ما ستخون لأنك مملوء بالضعف زياد :
بل أنت
يوماً ما ستخون لأنك مملوء بالحقد وبالبغضاء الأستاذ :
أوه, كُفّا عن هذا , لِمَ لا تصفو نفسُكما
لا . لن يهوي أحدكما في قاع الوحلْ
ستظلان شريفين
حسان وزياد وجهان لشيءٍ واحد
المبدأ إذ تفنى فيه النفس وتتصوف
قد يصبح دمعهْ
أو يصبح خنجرْ
لكن ما أحوجنا للحبّ
ما أحوجنا أن نسمع كلمات (بريخت) الطيب:
(أنا حين أردنا تمهيد الأرض لينبت فيها الحب
ما استطعنا من وطأة ميراث الماضي ..
أن نعرف حُبَّ رفيقٍ لرفيقه ... ) حسان :
هيه يا أستاذ
الحبُّ ... الحُبّْ
لن يصنع مستقبلَ هذا البلد الحبُّ المتأوّه
بل يصنعه العنفُ المتلهّب
مجموعة أشعار بريخت ورفاقه
من جوته حتى آخر ثرثارٍ عرفته اللغةُ الألمانيهْ
لم تمنع شرذمةَ النازيهْ
من أن تتربع فوق كراسي السلطهْ الأستاذ :
لكنَّ النازيةَ سقطتْ يا ولدي حسان :
لم تسقُط بالكلمات الأستاذ :
يا ولدي
تاريخ الإنسان صدَي خفقاتِ القلب الملهمْ
لا تاريخ القفازات السوداء وحمامات الدمْ
والآن ...
لنعُدْ لروايتنا
كم كنتُ مصيباً حين تلمّست سبيلاً كي نتلاقى في دائرة الفن
لكني كنتُ مصيباً أكثر
حين اخترتُ لكم هذا العمل الفني
( مجنون ليلى )
والآن
هات حديثَ الحُبّ
قل يا سعيد
( تعالى نَعِشْ يا ليلَ ) سعيد :
تعالى نعِشْ يا ليلَ في ظل قفرةٍ من البيـد لم تُنقَل بها قدمانِ تعـالى إلى وادٍ خليِّ وجدْولٍ ورَنَّةِ عصفـورٍ , وأيْكةِ بانِ
الأستاذ :
لا
غمغم بالكلمات كغمغمةِ النيرانِ إلى العشبْ
أرجحْ صوتَكَ , حتى يتمزق بين الجهرِ وبين الإيماءْ
حَبِّلْ وقفاتِك بالمعنَى , أثقلْ قافيَة الأبياتِ بألوان الإيحاءْ
هات من القلب , وقُل :
تعالىْ نعِشْ يا ليلَ في ظلّ قفرةٍ من البيـد لـم تُنقَل بها قدمانِ تعـالى إلى وادٍ خلىٍّ وجدول ورنّة عصفور , وأيْكةِ بـانِ
ماذا تبغي من ليلى في هذه الكلمات
إنك تبغي منها أن تكسرَ قشرَ مخاوفها , تخرج منه المرأة طفلهْ
متسربلةً بالشهوةِ والصمتْ
تتبعُكَ إلى جزر الحب الملعونْ
الجزرِ المتوحدةِ على أطراف الكون المنسيّهْ
أو ترقدَ تحت جناحِكَ ناشرةَ الشَعر كجنّيهْ
فى تابوت اللذةِ والموت إيــــــــه ... قُـــــــلْ سعيد :
تعـالى نعِشْ يـا ليـلَ فـي ظـلّ قفرةٍ مــن البيـد لـم تُنقَـل بهـا قدمـانِ تعــالى إلــى وادٍ خــليّ وجـدولٍ ورنــة عصفــورٍ , وأيْكَــةِ بـانِ تعــالى إلـى ذِكْـرِ الصبـا وجنونـهِ وأحـــلام عيشٍ مــن ددٍ وأمــانِ فكـم قبلـةٍ يـا ليـلَ فـي ميعة الصبا وقُبـل الهـوى ليسـتْ بـذاتِ معـانِ أخذنــا وأعطينــا إذ البُهـمْ تـرتعي وإذ نحــنُ خــلف البُهْـم مسـتترانِ ولـم نـكُ نـدري قبـل ذلك ما الهوى ولا مــا يعــودُ النفس مـن خفقـانِ منـى النفس ليـلى , قرِّبي فاكِ من فمي كمــا لــفَّ منقاريهمــا غَــرِدانِ نـذُق قبلـةً لا يعـرف البـؤسَ بعدها ولا السَّــقَم روْحانــا ولا الجسـدانِ فكــل نعيــمٍ فـي الحيـاةِ وغبطـةٍ عـــلى شــفتينا حــين تلتقيــانِ ويخــفق صدرانــا خفوقـاً كأنمـا مـع القلـبِ قلـبٌ فـي الجـوارحِ ثانِ
[ صوت من الخارج ]

حسام :
هـــل أدخـــل يــا ســادهْ ? ليلى :
هــــذا صــــوتُ حســــام
[ يدخـــــــل حســــــام ] الأستاذ :
أهــــــــلاً بحســـــــام
[ يعانقــــــــــــــــه ]
وأخــــيرا عــــدتَ إلينــــا
دعنـــــــي أنظـــــــرك
دعنـــي أمـــلأ عينــي منــك
فلكـــــم كنــــا نفتقــــدك
كــــــــل الـــــــزملاء
مـازلتَ كمـا أنـتَ ضحوكـاً وسميناً
لـــــــم تركـــــــوكْ ?
هـــل ضـــاقوا بطعـــامِكْ ? حسام : (وهو يصافح الآخرين معانقاً )
بـل لـم يجدوني أهلاً للسجن فطرودنى
واعتذروا عن غفلتهم إذ حبسوني شهرين
لمـا وَجَـدُوا الثـورة تشـتعلُ بـدوني الأستاذ :
هــذا آخــر مــن وفَــدَ إلينــا
ســـــــعيد .. شــــــاعر سعيد :
أهــــــــلا بــــــــك حسام :
أهــــــــــــــــــلاً
لـــــم أقـــــرأ لـــــكْ
لكـني ـ وأعـاهدكم ـ سـأثقِّفُ نفسى
أهــــــــلاً ليــــــــلى
قد زدتِ جمالاً حتى أصحبتِ مثالاً للحُسْنْ ليلى :
شــــــــــــــــــكراً الأستاذ :
حدثنـــا عمـــا فعلـــوا بــك حسام :
كــــــــانوا رفقـــــــاء
أخـــــــــــــــــــــذوا مني الساعةَ والنظاراتِ , ووضعو
حـتى أحيا في ظلماتِ العصر الحجريّ
فــــــــــــــــــأقدِّرُ حينَ خروجي ما منحوه للو
إذ نقلوه من ظلماتِ العصر الحجريِّ إلى بهجةِ عصرِ الشرطهْ الأستاذ :
يــــــــا أصحـــــــابي
يكـــفي هــذا التــدريبُ الليلــه
ولنحـتفل الآنَ بعـودة جـندىٍّ غـائبْ
هيـــــــا ... هيــــــا ...
فحســـامٌ قـــد عـــادَ إلينــا حسام :
أعَـــلَى ثقـــةٍ يـــا أســـتاذ
أنّ رجـوعي يسـتأهلُ أن تحتفلوا بِهْ ? الأستاذ :
هـــل فـــي ذلــك شــكّ ? حسام :
بـــلى .. فــي ذلــك شــكّ . [ ستار ]

المنظر الثالث

[ غرفة التحرير ـ ليلى وسعيد ]

سعيد :
ليـــــــلى أرجـــــــوكِ
لا تلتصقي بالصمت كما يلتصق اللبلابُ
الخــــــائفُ بالشــــــجرهْ
هــل كــنت تحــبين حســام ?
فلقــد أنهكـني شـهران مـن الشـك
منــذ بدأنـا التـدريب عـلى الأدوار ليلى :
شـبعت نفسـي مـن هـذا الاستجواب
لاَ , لـــــــن أتكـــــــلم سعيد :
بـــل قـــولي مـــا شــئت ,
فعنـــــــــــــــــــــدي القدرة حتى أن أسمع وقع
قـــــــــــــــــولي ,
لـــــــــــــــــــــن تجديني بركةَ ماءٍ راكدةً تطوى في
ما تلقف صفحتها من خبث وطحالب عكرهْ
بـل تجـديني بحـرًا , لا يتعكّـر أبـدا
يتمخَّـضُ فوّارًا حتى يلقى في الشطئان
مـا تلفظَـهُ دوامـاتُ الماء من القيعان
حـــــــــــــــــــــتى يهلكها وَقْدُ الشمسِ وتذروها ال
قـــــولي مــــا شــــئتِ
وسأِنســـاه كــأني لــم أســمعه
ســـــــــــــــــــــأطهِّرُ أذنى منه كما
إذا نطقــــــــــــــت ..
لــــم تغفــــل شــــيئاً ..
قــــــــــــــــــولي ليلى :
ســــــــــــــــــعيد
مـــــــاذا تبغـــــــي ?
ســـــــــــــــــعيد :
لا أبغــــي إلاّ مــــا كـــان ليلى :
بـل إنـك تبغي أنْ تُثبت شيئاً في نفسك
فـــــــــــــــــــــى نفسك ماء عكر تبغي سعيد :
ليـــــــلى .. أرجــــــوكِ
لـن أسـأل ثانيـة فـي هذا الموضوع
فلندفنـــــــــــــــه الآن
لكـــني أبغــي أن أتلمس جســده
أن أخنقه بيدي إن كانت ما زالت فيه حياهْ
أو أن يفنى في النور إن كان مجردَ شبحٍ أجوفْ
يتســـكع فــي ظلمــات الشــكّ
ليــلى .. هــل كــان يُحِــبّكْ ? ليلى :
لا أدري .. كــــان يغــــازلني سعيد :
بالكلمـــــــــــــات .. ? ليلى :
مــــاذا غـــير الكلمـــات ? سعيد :
مثـــــــــــــــــل ? ليلى :
لا أذكـــــــــــــــــر سعيد :
هـــل كــان خــفيف الظــل ? ليلى :
يـروي أحيانـاً بعـضَ النكت المكشوفهْ ويغني أحياناً سعيد :
لا يبعث أنغاماً إلا القصب الأجوف
هل أحببتهِ ? ليلى :
أوّل رجل غازلني سعيد :
ماذا أعطيتِهْ ليلى :
بعض الودّْ سعيد :
أين ?
هل أبْحَرَ ودّكما فوق سريرهْ
أم أغفى تحت سلالم بيته
وهل استفتح ودّكما ملهاة الحبِّ ببعض النكتِ القذرهْ ليلى :
أوه , سعيد
أرجوك
إما أن تسكت أو تتركني في حالي سعيد :
لا أقدرْ ليلى :
تعلم أني لم يلمسني أحد حتى الآن
صدقني , إلا إن كانت نفسك تتلذذ بالشك
كما يتلذذ خفاشٌ بالدمّْ
صدقني, أرجوك
كنت كأني أنتظرُكْ
حطّتْ عينايَ التائهتان على وجهكْ
كالطيرِ الهائمِ في الآفاق إلى أن صادفَ عُشَّه
ليلى والمجنون
هذي المأساة الحلوهْ ,
شهران من التدريب ,
رجرجةٌ في صوتك حين تناديني ..
كيْ أتبعك وأترك ماضيَّ كما تترك لؤلؤة علبتها السوداء
كي تبرز للشمس وللنور
صدقني
إنّ حساما لا يعني عندي شيئاً
لمّا غاب قليلاً
نزلق على ذاكرتي مثل الغَبَش على سطح الكأس الملساء سعيد :
ليلى
إنى رجل مرهَقْ
جاوزتُ العشرين ببضع سنين , لكني أشعر أني متغضّنْ
لا , وجهي , بل أعصابي وخيالي ودمائي
لا أبصر نفسي , بل أبصر مخلوقاً معروقاً هرماً
تتوكأ كتفاه على أقربِ حائط
ليلى
إنى أتعلق من رُسغي في حَبْلين
الحبلان صليبي وقيامة روحي
الحرية والحب
والحريةُ برقٌ قد لا يتفتّق عنه غيم الأيام الجهِمهْ
برْقٌ قد لا تبصره عينايَ , وعينَا جيلي المتْعَبْ
لكنَّ الحبَّ يلوحُ قريباً مني
ليلى
هل تدرينْ ?
ما معنى أن يمنح رجلٌ لامرأةٍ قلبَه ?
رجلٌ مثلي جافٌّ كالصبارْ
لا يملك إلا هذي الزهرهْ ليلى :
سعيد ... أرجوك
لا تجعلني أبكي
كم يسعدني حبك لي
كم يسعدني حبي لك سعيد :
حبّك لي
ماذا يعني الحب لديك ?
فلقد أصبح لفظا من كثرة ما يعنيه .. لا يعني شيئا ليلى :
لا تُدْخِلْني في تيهِ التفكير المعتمْ
دعني أتحدث عنه بإحساسي المفعمْ
لا معنى للحب لديَّ بدونكْ
أنت الحبّ
يبدو لي أن المرأة لا تعرف معنى للحب بدون المحبوب
ما أعرفه أني حين أراك
تلتف حواليك عيوني كالخيط على المغزل
ما أعرفه أني أتخيّلك كثيراً , في وحدتي الرطبهْ
أحيانا أتخّيلك كما أنت
وكأني أرسم صورتك بأنفاسي
جبهتك المشرقة الصلبهْ
عيناك الطيبتان المتعبتان , وإرخاء الهدب المثقلْ
خداك المنحدران إلى ذقنك
شاربك المهمل
كفاك المتكلمتان , وعيناك الصامتتان تنيران وتنطفئان
مشيتك المرهقة المتماسكة الخطوات , كمشية جندي بين قتالين مريرين سعيد :
هذا ليس أنا
هذا الرجل الملتف بجسدي ليلى :
أعرف أيضاً روحك
أعرف ما يثقلها أحياناً , ويميل بها نحو كآبة مغربها الداكن
أعرف ما يُسكرها أحياناً , ويؤرجحها في رغوة نور الفجر سعيد :
حقا يا ليلى تدرين شقائي ليلى :
وأقدّسه وأباركه يا حبي
وسأحمله في صدري طفلا منك سعيد :
أوه
ليلى .. ليلى [ يتقدم نحوها ]

[ يدخل زياد وحنان ]

زياد :
هل هذا في الدور ? سعيد :
أهلاً بكما يا أكبر كتّاب العصر
ماذا أبطأ بكما اليوم ? حنان :
كنا نجمع مادة موضوع عن سيدة بارّهْ
كاملة الأوصاف
مُثرية وجميلة
ومثقفة أيضاً
وتحب الموسيقى
لكن هذا كلّه
لا يشغلها عن واجبها في عمل المعروف
فهي تحب الأيتام وترعاهم , حتى تضمن مقعدها في الجنّه زياد :
ولقد ضمنتْ مقعدها في قلبي
أرأيت إذا طرحت معطفها فوق الكرسي الأزرق
والتفّت فيه شامخة يتألق مرمرها المشرق
كانت كبنفسجةٍ شبعت من وهج الشمس
واسترختْ إذْ خزنَتْ منه مايكفيها
كي تعكسه حين تشاء ليلى :
يبدو أنك أُعجبت بها حنان :
ثوري ومنافق
ينسى مبدأه .. في خُفَّيْ أولِ أنثى يلقاها زياد :
لا بل قد خالجني إحساس طبقي سعيد :
ماذا ? زياد :
قلت لنفسي
ماذا لو تلمس كفيّ الخشنه
هذا الجسدَ الشمعيَّ المتألق
حتى يتفتح لي كخليج ينتظر المركب
ماذا لو انتقِمُ لجمْع الفقراء المرهق
من عِزّة هذا التمثال الشاهق حنان :
ولماذا لم تبذل جهدك ? زياد :
انتابني الخوف حنان :
منها ? زياد :
بل منْكِ حنان :
بل أنت منافق
تبغي أن تُلبس إحساسك
ثوباً مسروقاً من أكفان الأفكار
وعلى أية حال , فلتسمع هذي الكلمة ولتتدبر معناها
لا يعنيني ما تفعله في شيء
بل إنك ـ شخصّيا ـ لا تعنيني
هيا لنُعِدَّ الموضوع [ يتجهان إلى أحد المكاتب, ويبدآن إعداد الموضوع. بينما تدخل سلوى وحسان. ويتجهان إلى أحد المكاتب وهما يذرعان الغرفة, وحسان يستأنف حديثه ]

حنان :
لكني لا أتصور
أن فتاةً متقدمةَ الفكر
تعترف لقسيسٍ أو توقد شمعاً للعذراء سلوى :
ماذا في ذلك ? حسان :
إنّا لا نحتاج ...
بل نحتاج إلى القوهْ سلوى :
إني ألتمس القوة من ديني حسان :
التمسيها من داخل نفسك سلوى :
لا وقت لكي أشرح لك [ يدخل الأستاذ ومعه حسام ]

الأستاذ :
ما هذا اليوم المشرق
كل اثنين على جانب
أقول صباحَ الخير
أم أتفاءل, وأقول
صباحَ الحب حسان :
أهلا يا أستاذ الأستاذ :
ما دمتم قد أصبحتم إلفاً وأليفة فلقد أصبحت الحفلة لا جدوى منها زياد :
لا ... لا تتفاءلْ يا أستاذ
ما زلنا ننتزع الأشواكَ من الورد
نحتاج إلى بضع بروفات أخرى الأستاذ:
لا ... فلقد قادكم التمثيل إلى الواقع
والواقع أكثر صدقا حسام :
أو أكثر تمثيلا
[ ستار ] الفصل الثاني

المنظر الأول

المنظر نصفان, نصف مضاء ونصف مظلم, في النصف المضاء الأيمن غرفة سعيد, ولها باب يؤدي إلى المطبخ, وأثاثها بسيط
[سعيد ـ ليلى]
ليلى :
واتتني الجرأة أنْ آتي لأزورك
بيتك يبدو أجمل مما تحكي عنه سعيد :
بل أصبح أجمل حين دخلِته
هل أصنع لك شاي ? ليلى :
شكراً يا حبّي
سلوى سألتني اليوم
متى نتزوج سعيد :
ماذا قلتِ لها ? ليلى :
قلت لها ما أعرف
أنى لا أعرف سعيد :
ماذا قالت ? ليلى :
سألتني أن أسألكَ سعيد :
هل يعنيها الأمر ? ليلى :
سلوى تتمني لي الخير سعيد :
هل أمك في خير ? ليلى :
أمي ? سعيد :
أفليست زوجهْ ? ليلى :
نعم سعيد :
وسعيدهْ ? ليلى :
لا أدري, لم أسألها عن هذا قَطّْ
أمي كالبركان المختومٍ
لا تتفتح أحياناً إلا مُلقية بالحممِ على رأس القدرِ المقسومْ
لكن الأيام تمرُّ, وقد شبِعَتْ منها
وابتسمت في أولها ما يكفيها زاداً لمرارة آخرها
فأبي يرقد في فرشته مشلولاً منذ سنين
أم لا تبرق عيناها إلا حين تميل عليه
حانيةً في شوق مكتوم
وأظن بأنهما قد نعما بالحب طويلا قبل هجوم العلّةِ والشيبْ سعيد :
هل أعجبك الشاي ? ليلى :
لا بأس سعيد :
أم ليست في خير ?
هل أنتِ سعيدهْ ? ليلى :
جدّا سعيد :
بمَ أنتِ سعيده ? ليلى :
بالحبِّ , وبِكْ
بحنانك ... بالأيام
وبأحلامي إن طافت في أفق الغد
عادت لي لتدغدغ قلبي في مرح وضّاء
بالنومٍ على صورتِك المرتسمةِ فوْق عيوني
كالزَّبدِ الطافي فوق الماء
بالصحوِ على أملِ اللقْيا
آه ما أسعدني
سأحدّثه ويحدّثني
فلينهمر الشعر المعقود على خدّي وعيني
ولأطلقه يغنِّي .. ويغنّي
ولأطرد ظلَّ الوَسَنِ النعسان
عن جسمي المثقل بالأحلام
ولأبرز مشرقة كي أتألق في بلورة عينيك الصافيتين
أتحطم ألفَ شعاع كي ألتمّ وأتحطم
لكن سعادتنا لا تكمل إلا ... سعيد :
هل حبّك ناقص ? ليلى :
أتمنى لو عشنا في عشٍّ واحد سعيد :
تعنين ... سريرٍ واحد ? ليلى :
كالأزواج جميعاً يا حبّي سعيد :
أهو الجنس إذن ? ليلى :
بل هو تحقيق الحب سعيد :
الحب إذن وهمٌ دونَ الجنس ? ليلى :
بل هو شوقٌ ظمآنٌ يبغي أن يتحقق سعيد :
هل كلُّ الزوجات يمارسن الجنس بشوْق الحب ? ليلى :
لا أدري سعيد :
أمي كانت تسْتلقي في كتفي رجل تبغضه بغض الموت
كانت حين ينام سعيدا بفتوته المنهوكة كل مساءْ
تهرع للحمام لتستفرغ ما في معدتها من زادٍ أو ماءْ
قد سمَّمَهُ ريقُه
لا أبغي أن أفتحَ غرفة تذكاراتي السوداءْ
لكن , لا بأس إذا لم يضجرك حديثي ليلى :
افتحْ إنْ كان يريحك سعيد :
لا أدري هل يشفيني هذا أم يشقيني
مات أبي, وأنا ابن سنين عشرة
أتذكر ما زلت النعش الملفوف, وقد أُسِند للحائط
هل كان زجاجا أو خشبا,
لا أدري
فأنا أتخّيل أني كنت أرى من داخله جثة من كان إلى ساعاتٍ يؤوينى بين ذراعيه ..
فأحسُّ بأني أنساب إلى الأمن كما ينساب الحيوان إلى جحره
لكن الجثة كانت غائمة, يتماوج حول ملامحها شيء.. هل كان هو الموت ?
كنتُ وحيداً تعساً وسط الحجرة
هل كنتُ أولولُ وأنوحُ, كما ناحت أمي والنسوةُ منذ الصبح الباكر
أم كنتُ أتابع بعضَ الأصوات المتسللة من الخارج
أتذكَّرُ هذا الصوتْ
بائع صحف يذكر مصرع طلاب شهداء
كانوا يحتجون على شيء ما, أعرفه الآن
مات أبي في فرشته مطحون الصدر من الإعياء
يوم استشهاد الجرَّاحى ورفاقه
جاءت أمي بعد قليلٍ إذْ هبط الليل
مسحت خدّى, قالت
أنا أمك وأبوك [يظلم الجزء الأيمن ويضىء الجزء الأيسر عن حجرة بالغة الفقر, لنرى سعيدا طفلاً وأمه نائمين]

الطفل : أمي
أنا خائف
أيعود الموتى يا أميّ, حين يجئ الليلُ, وتخلو الطرقُ من الناس الأم :
نَمْ يا حبيبي نَمْ
ويا زمان ابتسمْ
للولد الجميلْ
يأتي لكَ الصباحْ
بالخير والنجاحْ
والأمل الظليلْ الطفل :
أمي
جوعان الأم :
ويلي من أيامي
روحي مترعة بالحزن
وقد اجتثت شجرتنا الوارفة الظل
وانهدمت بوابتنا المنقوشة بالريحان وبالفل
قلبي مخلوع بالخوف ...
يلقيني الصبحُ المتجهم في سجنِ الليلِ القاتم
لا يحنو لي إلا سِنة النوم وتهويم الحلم
نمْ يا حبيبي نمْ ويا زمان ابتسمْ
للولد الجميلْ الطفل :
أمي
جوعان الأم :
بعْنا آنية البيت [يظلم المشهد الأيسر للحظة, ثم يضاء لنجد الطفل يدخل مسرعا, وقد كبر عاماً أو حول ذلك, قادماً من الشارع حيث كان يلعب]

الطفل :
أمي
جوعان
جوعان الأم :
أهلاً يا ولدي
ما أحلى قسماتك تضحك فيها شمس الصيف الطفل :
أمي
جوعان الأم :
بعنَا الدولابَ وإحدى المرتبتين [ يظلم الجزء الأيسر لحظة, ثم يضاء, لنجد سعيدا نائماً في حضن أمه وقد طال قليلا, والغرفة خاوية أو تكاد..]

الطفل :
أمي .. جوعان
جوعان الأم :
يا ولدي يا حبّة عيني
لم يبق لنا مما يعرض في السوق
إلا أنت بسوق الخدّامين
وأنا في سوق الحُبّ
نمْ يا حبيبي نمْ ويا زمان ابتسمْ
للولد الجميلْ [ يظلم المشهد الأيسر, وينير المشهد الأيمن]

سعيد :
ما زلنا في مدخل غرفة تذكاراتي السوداء ليلى :
(باكية) عانيت كثيراً يا حبّي
اسكُبْ ملح جراحك في قلبي سعيد :
قلبك ... لا يتسع لكلّ جراحي
هل نتقدم في الغرفة بعض الخطوات ? [يضاء المشهد الأيسر, ويظلم الأيمن, الأم في ثوب أحمر فقير. الطفل نائم إلى جوارها]
الأم :
سعيد
إنك ولد عاقل هل تذكر هذا الرجل الطيب. الرجل الطيب ذا الجلباب الأسود. يأتينا في بعض الأحيان. يحمل بين ذراعيه خبزا وإداما. ويحبّك. أحيانا يقرص خديك
الورديين. أحيانا يتحسس خصلة شعرك. هذا الرجل
الطيب يبغي. يبغي أن يتزوجني. هل تعلم ما معنى هذا
يا حبّي الأوحد. سوف ينام إلى جنبى في بعض الأحيان.
قد يقرص خدَّي كما يقرص خديك. قد يتحسس شعرى.
وسيأتينا في كل مساء, أو في كل مساءين. إذ إنّ له
امرأةً أخرى. وسيأتينا دوماً يحمل خبزاً وإداما..
أعطانى عشرين جنيهاً. هل تشعر بالجوع أيا نور عيوني ? [الضوء يخفت قليلا في النصف الأيسر لنرى رجلا فارع الطول, يرتدي جلباباً ومعطفاً. أبرز ما فيه, فضلا عن طوله, حذاؤه الغليظ ذو الرقبة وشاربه المبروم, يدخل بقدمه بين المرأة والطفل ]
الرجل :
الليلة نحْس من أوّلها
ولد لكع لا يبغي أن يتزحزح
يابن النجسهْ
أوسع لي شبرًا أتمدّد فيه الأم :
(وهي تمسك حذاء الرجل)
صبرًا حتى يأوي الطفل إلى النوم
وتروق لنا الدنيا الرجل :
لا وقت لدي لكي أستمتع بدلالك
لن يحميك الطفل, فأنت امرأة نكدهْ
أرسلت لك اليوم طعاماً, فهل امتلأت بطنك [يتحسس بطنها بحذائه]
وهل امتلأت بطنُك يا بن النجسه
نهم كالدوده
ورذيل أيضاً حين تبصبص بعيونك [يتحسس بطنه بحذائه]
الأم :
أرجوك
دعه وشأنه
إنك رجل طيب
لا تتحرش بغلام مسكين الرجل :
ها ! ها !
فى آخر زمن أتعلم من نجِسه
كيف أكون ـ كما قالت ـ رجلاً
لكني سأريك الآن
إني رجل , وزياده [يحاول نزعها مـن الأرض فتتشبث بها, يهوي الرجل فوقها ويظلم المسرح تماما, وبعد لحظة نسمع صوت المرأة تتأوه ألما]
الطفل : (باكيا بصوت مرتفع)
أمي .. أمي [ يضاء نور النصف الأيمن ]
سعيد :
هذا أنا أبكي
لم أبكِ كثيرا إذا علمني الزمن القاسي
فيما بعد
أن أبكي في أوراقي ليلى :
صنعتْ منكَ الأيام المرّة إنساناً حسّاسَا سعيد :
صنعتْ منّي الأيام المرة إنساناً مهزوماً ليلى :
لم لا تؤمن بالمستقبل? سعيد :
بل إني أخشاه لأني أومن به
أومن أنْ لابدَّ لكلِّ زمانٍ من مستقبل
أوشك أحيانا أن ألحظه لحْظ العين
ولهذا فأنا أبصره ملتفّا في غيمٍ أسود ليلى :
كيف ? سعيد :
فى بلدٍ لا يحكُم فيه القانون
يمضي فيه الناسُ إلى السجن بمحضِ الصدفهْ
لا يوجد مستقبلْ
فى بلدٍ يتمدّد في جثته الفقرُ, كما يتمدد ثعبانٌ في الرملْ
لا يوجد مستقبلْ
فى بلد تتعرى فيه المرأة كيْ تأكلْ
لا يوجد مستقبلْ ليلى :
سعيد
فكر في مستقبلنا نحن ... سعيد :
كانت أمي أيضاً تطمعُ في المستقبلْ ليلى :
سامحني أسعيد
إنك تتحدث عن حالَهْ
ليست أقدارُ الناسِ جميعاً في هذا السوءْ سعيد :
أنا لا أتحدث عن حالَهْ
بل أتحدث عن حالي ليلى :
فكّرْ في الحبّ سعيد :
بل إني لا أحيا إلا للحبّ ليلى :
سعيد
إني أتمناك سعيد :
أنا لك يا ليلى ليلى :
لي كي أحملك على أهدابي كالحلم المفقود
إنى أبغي أن أضعَكَ في عيني كالنور
سعيد
انظُر لي : والمسْني, وتحسّسني
إنى وتر مشدود
يبغي أن ينحلّ على كفَّيك غناءً وتقاسيمْ سعيد :
أوه ... الجنس
لعنتنا الأبديهْ
وجه الحب المقلوبْ ليلى :
لا , بل وجه الحب المبتسم
سعيد
جسمي يتمنّاك كما تتمنّى الطينة أن تُخْلَقْ
جسمي يتمنّاك كما تتمنّى النارُ النارْ سعيد :
وإذا انطفأتْ ليلى :
عادت فاشتعلتْ سعيد :
نار دنِسهْ
لا تنتج إلا دَنَسَا ليلى :
والأطفال ? سعيد :
أنجبَتِ النارُ الدنِسةُ من أمّي ستةَ أطفال ليلى :
سعيد .. حبيبي
وا أسفاه ..
إنّك خرِبٌ ومهدَّمْ
لا تصُلحُ إلاّ كي تتسكعَ في جدرانِ خرائبِك السوداءْ
وا أسفاه
أحببتُ الموت
أحببتُ الموت [تنصرف نحو الباب]
[ ستار ]

المنظر الثاني

[مقهى وحانة رخيصة ـ سعيد وزياد وحسان يجلسون على مائدة ـ النسوة يرحن ويجئن]

سعيد :
النسوة يتحدثن .. يرُحْن, يجِئْن
يذكُرْن مايكل أنجلو حسان :
ماهذا ? سعيد :
بيت للشاعر إليوت حسان :
ما معناه ? سعيد :
معناه أنّ العاهرةَ العصريَّهْ
تحشُو نصفَ الرأسِ الأعلى بالحذلقةِ البرّاقهْ
كي تُعلي من قيمةِ نصفِ الجُسمِ الأسفلْ زياد :
معناه أيضاً
أنّا لم نصبح عصريين إلى الآنْ
حتى في العُهْرْ [ تمرّ امرأة ]

هل تعجبك .. سعيد سعيد :
لا , هي أجمل مما أبغي
فتِّشْ لي عن أقبحِ وجهٍ لعجوزٍ في الخمسين
حَمَلتْ مراتٍ سبعَا
ستٌّ من هذه المرات سِفاحا زياد :
حدّثْني .. حسان
لمَ نهفو للعُهر كما يهفو الصرصار إلى الأوساخ حسان :
يبدو أن العالم عاهر
[ تمر امرأة فيجذبها زياد إليه, ويسألها ] زياد :
هل اسمك عالَمْ ? المرأة :
لا, بل اسمي دُنْيا حسان :
أرأيتْ ?
كم عمرك ? المرأة :
دعني أتذكّر
ولدتني أمي في عام الهوجهْ حسان :
أية هوجهْ ? المرأة :
هوجة سعد سعيد :
آه .. تعني ثورة سعد
لا .. لا تَصْلُح لكْ
هذا رجل يبغي امرأة وُلدت في هوجةِ حتشبسوتْ [ يدخل مغن ضرير, ومعه صبيّ يقوده. يجلس على كرسي قريب, ويصلح أوتار عوده]
المغني :
أسعدَ اللهُ الأماسي
يا ملوكاً يا ذواتْ زياد :
عفوًا يا مولانا
نحن صعاليك حقّا, لكنا نقدر أن نتحفَكَ بكأس [يصفق للخادم, فيجيئه]
زياد :
أعطِ الأستاذ المطرب كأساً مما نشربْ المطرب : (ينطلق مغنيا)
والله إن سعدني زماني لاسْكُنِك يا مصر
وابني لي فيكي جنينة فوق الجنينة قصر
وأجيب منادي ينادي كل يوم العصر
دى مصر جنّة هنيّة للي يسكُنها
واللى بنَي مصر كان في الأصل حلواني
يا ليلى .. يا عيني زياد :
آه .. قلبي الليلةَ مُثقَل ..
والخمرةُ تلسعه كاليودِ على الجرْحْ
أستأذنكم أن أمضي
فسأصبح أثقل ظلاّ بعد قليلْ سعيد :
لمَ .. ? زياد :
لا أقدر أنْ أنسَى
حسان :
تنسى ماذا ?
ما أبغي أنْ أنساهْ سعيد :
هل لك غرفة تذكارات سوداء ? زياد :
فُتِحَتْ تستقبل أسْوَدَ تذكاراتي الليلهْ سعيد :
ما القصة أزياد ? زياد :
لا شيء
قل شعرًا أسعيد
الليلة خمرٌ وغدا ... من يدرى
قُلْ شعرًا .. أرجوكْ حسان :
شعرٌ في مبغَى ? زياد :
مثل المبغى في الشعر
معذرةً أسعيد
قل شعرًا أرجوك سعيد :
هذي آخر أشعارى
العنوان طويل
(يومياتُ نبيٍّ مهزومٍ, يحملُ قلماً, ينتظر نبيّا يحمِلُ سيفا)
هذي يوميته الأولى:
يأتي من بعدي من يعطي الألفاظَ معانيها
يأتي من بعديَ من لا يتحدثُ بالأمثالْ
إذ تتأبّى أجنحةُ الأقوالْ
أن تسكنَ في تابوتِ الرمز الميتْ
يأتي مِنْ بعدي مَنْ يبري فاصلةَ الجملةْ
يأتي من بعدي من يغمس مدّاتِ الأحرفِ في النارْ
يأتي من بعدي من ينعي لي نفسي
يأتي من بعدي من يضع الفأس برأسي
يأتي من بعدي من يتمنطق بالكلمهْ
ويغني بالسيف
( هذا ما خطّ مساء اليوم الثاني ):
كُهّان الكلمات الكتبهْ
جهّال الأروقة الكذِبهْ
وفلاسفةُ الطلسمات
والبُلَداء الشعراء
جرذانُ الأحياء
وتماسيحُ الأموات
أقعوا ـ في صحن المعبد ـ مثل الدببهْ
حكّوا أقفيتهم, وتلاغوا كذبابِ الحاناتْ
لا يعرف أحدهمو من أمْر الكلماتْ
إلاّ غمغمةً أو همهمةً أو هَسهسةً أو تأتأةً أو فأفأةً أو شقشقةً أو سفسفةً أو ما شابه ذلك من أصوات
وتسلّوا بترامي تلك الفقّاعات
لما سكروا سُكْر الضفدع بالطين
لما سكروا سُكْر الضفدع بالطين
ضربوا بنعيق الأصوات المجنون
حتى ثقُلتْ أجفانهمُ, واجتاحتهم شهوةُ عربدةٍ فظَّهْ
فانطلقوا في نبراتٍ مكتظّهْ
ينتزعون ثياب الأفكارِ المومسِ والأفكارِ الحرّهْ
وتلوكُ الأشداقُ الفارغةُ القذرهْ
لحمَ الكلمات المطعونْ
حتى ألقوا ببقايا قيئهم العِنِّينْ
فى رحِم الحقّْ
فى رحِمِ الخيرْ
فى رحِمِ الحرّيهْ
(هذا ما خط مساء اليوم الثالث ):
لا أملكُ أنْ أتكلّمْ
فلتتكلم عنّى الريح
لا يمسكها إلا جدران الكونْ
لا أملك أن أتكلَّمْ
فليتكلم عني موج البحر
لا يمسكه إلا الموت على حبات الرمل
لا أملك أنْ أتكلَّمْ
فلتتكلم عني قممُ الأشجارْ
لا يحني هامتَهَا إلا ميلاد الأثمارْ
لا أملك أن أتكلمْ
فيتكلم عني صمتي المفعَمْ
(هذا ما خط مساء اليوم الرابع ):
لا .. لا .. لا أملك إلا أن أتكلم
يا أهلَ مدينتِنا
يا أهلَ مدينتِنا
هذا قوْلي :
انفجروا أو موتوا
رعبٌ أكبرُ من هذا سوف يجئ
لن ينجيَكُمْ أن تعتصموا منه بأعالي جبل الصمتْ أو ببطون الغاباتْ
لن ينجيَكُمْ أن تختبئوا في حجراتكمُ
أو تحت وسائدكمْ, أو في بالوعات الحمّاماتْ
لن ينجيَكُمْ أن تلتصقوا بالجدرانِ, إلى أن يصبحَ كلُّ منكم ظلاّ مشبوحاً عانق ظلاّ
لن ينجيَكُمْ أن ترتدّوا أطفالا
لن ينجِيَكُمْ أن تقصر هاماتكموُ حتى تلتصقوا بالأرض
أو أن تنكمشوا حتى يدخل أحدكمو في سَمِّ الإبرةْ
لن ينجِيَكُمْ أن تضعوا أقنعة القِرَدَهْ
لن ينجيكم أن تندمجوا أو تندغموا حتى تتكوّن من أجسادكم المرتعدهْ
كومةُ قاذوراتْ
فانفجروا أو موتوا
انفجروا أو موتوا
(وهذا ما خط مساء اليوم الخامس ):
يا سيَدنَا القادم من بعدي
- أصَفَفْتَ لتُنزل فينا أجنادَكْ ?
- لا , إني أنزل وحدي
- يا سيدنا القادم من بعدي
هل ألجمْتَ جوادكْ ?
- لا , ما زال جوادي مُرْخًى بعد
- يا سّيدنا ـ هل أشرعتَ حسامكْ ?
أو أحكمت لثامك ?
- لا, سيفي لم يبرح جفن الغمد
وأنا لا أكشف عن وجهي إلا في أوج المجد
أو في بطن اللحد
- يا سيدنا, هل أعددت خطابك أو نمَّقْتَ كلامَكْ ?
- لا .. كلماتي لا تولد أو تنفَد
- يا سيدنا ... الصبر تبدّد
والليل تمدّد
- أنا لا أُهبط إلا في منتصف الليل
فى منتصف الوحْشهْ
فى منتصف اليأس
فى منتصف الموت
- يا سيدنا, إما أن تدركنا قبل الرعب القادمْ
أو لنْ تدركَنَا بعدْ حسان :
نضجتْ أشعارُكَ أسعيد زياد :
أحلى ما قلت
أحلى ما فيها أنك تنعى هذا الجيلَ الآسنْ
جيل لا يصنع إلا أنْ ينتظر القادم
جيل قد أدركه الهِرَمُ على دككِ المقهى والمبغَى والسجن
جيل مملوء بالمهزومين الموتى قبل الموت سعيد :
هذا حقٌ أزياد
فأنا أشعر أنَّا جيل قد مات ولم يولَد بعد لا يقدر أنْ يصنع شيئاً, حتى في الحُبّ حسان :
بمناسبة الحُبّ
هل صفَحَتْ ليلى عنْكْ ? سعيد :
ليلى تبغي أن تعبر بي الجسَر إلى مُدنِ الأحياءْ
لكني لا أقدر إلا أن أثوى في الشط المهجورْ
فهنالك مقبرتي, وحُلَىَّ الزائفة, وأهرامي الوهميّهْ
ليلى تبغي رجلاً تتكئ على جذعِهْ
وأنا بضعةُ أحطابٍ طافحةٍ فوق الماء الراكدْ حسان :
سعيد
هل تنوي أن تنساها ? سعيد :
لا ينسى المرء بحسنِ النيَّهْ حسان :
حاول .. سعيد :
لا أنوي أن أنساها ..
بل أنوي أن أحياها مثل حياتي للمستقبل
مثل حياتي للحرية والعدل
مثل حياتي للحلم
حلم لا أقدر أن أتملكه, لكني أقدر أن أتمناه حسان :
سعيد
هل تعلم أنّ حسام
يتقرب من ليلى ? سعيد :
هو أيضا يتمناها زياد :
الدودة في أصل الشجرهْ حسان :
ماذا ? زياد :
هلوسة مخمورهْ المغني :
هل لي في كأس أخرى, أسقاكم ربّي من خمرِ الجنَّهْ? زياد :
تكفينا خمرُ الدنيا [ يصفق للخادم ]
كأس أخرى للأستاذ المغني : (يغني)
والله إن سَعَدْني زماني لأسكنك يا مصْر
وابني لي فيكي جنينة, فوق الجنينة قصْر
وأجيب منادي ينادي كل يوم العصْر
دي مصْر جنّة هنّيه للي يسكُنها
واللى بنى مصر كان في الأصْل حلواني حسان :
سعيد
لكنّ ليلى مالتْ لحسام في هذي الأيام
وحسام يعرف كيف يثير خيالَ امرأةٍ بالألفاظ الحلوهْ زياد :
الدودة في أصل الشجرهْ حسان :
ماذا ? زياد :
قلت لكم إني سوف أكون ثقيل الظل
فضلاً عن أني مخمور سعيد :
زياد
ماذا تطوى في قبضة فكرك ? زياد :
أشياء سعيد :
قُلْها زياد :
سأؤجلُّها للغدْ حسان :
أطلقْ ما في نفسك من أحزان أو أفكار
نحن صديقاك زياد :
وصديقاه سعيد :
مَن ? زياد :
الدوده .. حسان :
زياد .. لا تبك
حدّثني, أسمعْني صوتَكْ
ما الموضوع ? زياد :
حسام جاسوس حسان :
ماذا ? زياد :
جُنِّد في السجن حسان :
هات البرهان
هات البرهان, وإلا أظلمَتِ الدنيا في عينيك الكابيتين
قبل قيامِكَ من هذا الركن
لا تقْتُل صيْتَ زميُلٍ واسْمَ مناضل
فى جْهشةِ صوتٍ مبحوحٍ واهنْ
وكأنّك تنفخ مصباح صفيحٍ صدئ قبل النوم
قل إنك سكران
قل إن لسانَك قد زلّْ
قل إنك تكرَهُهُ في طينة أعماقك
حتى إنك قد تبصره في الحلم الآسِن
جاسوساً أو ما أشبه
هات البرْهان
أرأيت بعينيك الصاحيتين حساماً يتجسس ?
أسمعتَ بأذنَيْكَ ?
هل ضيّقْتَ عليه حبلَ الأسئلةِ فأفصحَ بعد تلعْثُمْ ?
قُل .. قُل .. زياد :
نعم .. نعم .. نعم .. نعم .. حسان :
نعم .. نعم
لا يثبت شيئاً أن تجهش وتتمتم سعيد :
رفقاً يا حسان, فإن زياداً متعبْ
دعه يتكلمْ زياد :
لم يكُ بالداخل إلاّهْ
حين دخلت حسان :
أين ? زياد :
فى غرفة مكتبنا بالدار حسان :
متى ? زياد :
قبل مجيئي بقليل
كنتُ نسيتُ النظاراتِ, فمِلْتُ لأبحثَ عنها .
كان يحدّثُ شخصاً ما بالتليفون, ويضحك أحياناً
أو ينصت
لم يشعر بوقوفي عند البابَ حسان :
ماذا كان يقول زياد :
كان اسمك أول ما سمعَتْهُ أذني, إذ كان يؤكد أنك إرهابيٌّ فعجبت وأطرقت
وسمعت اسْميَ واسْمَ سعيد واسْمَ الأستاذ
كان يخاطب مَنْ في الطرفِ الآخر بأفندمْ
يستمهله حتى يأتيه في صبح الغد في مبنى الأمنِ العام وبرفقته تقرير مكتوب حسان :
هل خاطبْتَهْ ? زياد :
لمّا وضع السماعه حسان :
ماذا قلت ? زياد :
قلت له في صوتٍ أنكرته
لما ارتدّ لسمعي
حسامْ ..
هل تعمل في الأمن العامْ ? حسان :
ماذا كان الرّدّْ ? زياد :
رجفت شفتاه قليلاً ثم استغرق في ضحكٍ فاتر
ودعاني أن أجلس
حدثني عن قسوة عيش السجن
هل كان يهدّدني.. أو يبحث عن تبرير
لا أدري
واستطرد حتى قال
إن مجابهة الأمر الواقع أعلى درجاتِ التكتيك الوطني سعيد :
ماذا ? زياد :
هذا ... ما قال سعيد :
ماذا يعني ? زياد :
حين استوضحت أجاب, وقد أشعل سيجارهْ
اسمع زيادْ
ما أسهل أن نتعرضَ للسلطةِ حتى نعطيها تبريراً للبطش
لكنّ العملَ الوطني
لا يحتاج إلى القوة والعزم فحسب
بل يحتاج إلى الحيلة والذهن
والتكتيك الأمثل
هو أن نلتف على السلطة في رفق, ثم نشد الجذر المتعطن
بل قد تستدعي الحكمة في بعض الأحيان
أن نتنازل عن بعض صلابتنا الثوريهْ
حتى تكسب ثقتهم فيما لايتعرض للمبدأ
عندئذٍ نهزمهم من داخل .. سعيد :
داخل ماذا ? زياد :
لا أدري حسان :
وغدٌ سافلْ
قلت له إني قد أنصتّ إليه
وهو يقدِّمُ للسلطة تقريراً عنّا
فأجاب, وقد مدّ ذراعيه في دهشهْ
لا .. لا .. أزياد
أنا أشرف مما تتصور
فالتكتيك :
هو أن نعطي للسلطة معلوماتٍ كاذبةً عن أنفسنا
حتى تهدأ عينُ الأعداء, فنكمل لعبتنا في إحكام سعيد :
أية لُعبة ? زياد :
لا أدري
كان الموقف مملوءاً بكآبته الوحشيهْ
وهواء مقرور يتسلل من نافذة ما, يجعلنا نلتف ونقعي مقرورين
كنا مشبوحين على كرسيين, عدوّين فجائيين قِناعين على كتلة جسدين
خوف وبرود مجروح في عينيهْ
ونفس فاترة ومعذبة في آنٍ واحد
والحجرة كانت تتأرجح في كونٍ خالٍ إلا منها
خالية إلا منّا مشبوحين على الكرسيين
والأصوات ترن على أسقفها الستة, ثم تعود إلينا
وتمنيت للحظهْ
أن يدخل من يقطع جلستنا حسان :
هل جاء أحد ? زياد :
الساعي يستعجلنا
ونزلنا فوق السلّمْ
كنت مشوقاً أن أبصر نور الشارع والمارّة والسيارات وماء النيل
أمسك بذراعي عند الباب, وحدّق في عينيّ, وقال:
زياد .. هل تكتم هذا السر ?
كانت عيناه كعيني ذئب مجروح
لو كانت في جيبي مرآة عندئذ لنظرت إلى عينيَّ
فلقد كان وجودهما يؤلمني
فجأة ...
وضع ذراعاً في كتفي, وقال :
أنا أملك أن أنفعك وأوذيك حسان :
وغدٌ وجبانْ
ماذا قُلتْ ? زياد :
لم أنطق كلمهْ
وبدون تحيّهْ
انحدرَتْ خطوتُه فوق رصيف الشارع حتى ضاعت في الميدان حسان :
ماذا قال لمندوب السلطهْ
لمّا ذُكر اسمي ? زياد :
إنك إرهابي حسان :
لم يخطئ فيما قال
وسأبدأ وطأةَ إرهابي به
الأخبار توافيكم في صبح الغد
[حسان ينهض مندفعا, ثم ينطلق إلى الطريق] زياد :
ماذا نفعل ? سعيد :
انظر أين مضى حسان ?
[يذهب, وينظر في الخارج, ثم يعود] زياد :
لا يظهر في الخارج سعيد :
هل تعرف بيت حسامْ ? زياد :
بالتقريب سعيد :
هيا نذهبْ زياد : (يصفق للخادم, فيأتي)
خذ هذا الآن ..
نتحاسب فيما بعد [ ستار ]
الفصل الثالث

المنظر الأول

بيت حسام. حسان على الباب الخارجي يدق الجرس. يخرج حسام من غرفة داخلية مزيحا عن عينيه آثار النوم.. يفتح الباب. يدخل حسان
حسام :
أهلاً حسان
ما الساعة ? حسان :
تقترب من الفجر
هل أدخل ? (يدخل)

حسام : (ضاحكا)
لكن لا أبعد مما أنتَ الآن
حدُّك هذا الباب, ولا ترفعْ من صوتِكْ حسان :
هل عندك زوّار ? حسام :
سيدة الزوّار
امرأة أحلى منْ أحلامي بالمرأهْ
أخشى أن تجرح منكبها العاري عيناك الجائعتان حسان :
تبدو مسرورًا حسام :
هذا حق
أشعرُ بعد تمامِ النشوةِ أني أبحرتُ إلى قلب الأشياءِ وعُدْتْ
بمناسبة الإبحار
أية ريح طيبةٍ حملتك ? حسان :
ريح الشوق حسام :
شكراً
أرأيت الزملاء الليلهْ ? حسان :
قضَّيْتُ الليلة في مأتمْ حسام :
يتضوع من أثوابك عطر الويسكي النفاذْ
هل كانوا يسقون الويسكي بَدَل القهوهْ ? حسان :
فعلاً حسام :
من كان الميت ? حسان :
أنت ... حسام :
حسان
لم جئتَ مع الفجر ? حسان :
جئتُ لقتلك حسام :
هل قابلتَ زياد الليله ? حسان :
وتحدثنا عنك حسام :
هل صدّقتَهْ ? حسان :
هل هو كاذب ? حسام :
بالطبع حسان :
فى ماذا ? حسام :
يتخيل أني أنقل أخباراً للشرطهْ حسان :
هل لا تفعلْ ? حسام :
قد كنت أحدّث أحد الضباط
رجل طيب ..
ممن حرسوني في السجن
فتوهّم أني أنقل أخبارا حسان :
هل جاء اسمي في معرض ثرثرتك
مع هذا الرجل الطيب حسام :
بالخير حسان :
حدثني أنك قلت لهذا الرجل الطيب إني إرهابي
مع أنك ظلي وصديقي. ورفيق الدرس,
وخدن الشارع والمقهى
لا تنقصنا إلا رابطة الدم .. حسام :
لا . بل هو كاذب
قلت له إنك مأمون ومسالم حسان :
من ذيلِك عضّتْكَ المصيدةُ المفتوحهْ
يافأرَ البالوعاتِ العطنهْ
نفسيّةُ جاسوس
تتوهم أنّك ترضيني حين تعرّيني من ثوبي الزاهي
كي تخلَع في أكتافي هذي المِزَق الباهتةَ الألوان
هيا استغفر ربكْ
إنْ كانت تصعد للعرشِ الأنفاسُ النتِنهْ [يخرج مسدسه]

حسام :
حسان لا تكُ مجنوناً واسمعْني حسان :
اركع, وامدد كفيك, وحدّثني
إنك تستجديني أيامك حسام :
حسان .. أرجوك
إنك لا تعرف ما السجن ...
لا تعرف معنى أن ينغرس القفل الصلب بأعصابك حتى تتحطم رأسك
أن تلقيك الأيام الفاقدة المعنَى والاسم
فى أيام فاقدة المعنَى والاسم
حتى تخشى أن تصحو يوماً لا تعرف من أنت حسان :
فى شهرين سقطت ?
يا للإنسانِ الورقة ! حسام :
ما كنت سجيناً, يحسب أيامه ...
يسقط يومٌ فيعدّ,
كم بقي على الموعدْ
تتعلق عيناه في حبل الغدْ
يتوقع يوما أن يأتي السجان, وفي عينيه
نظرة إنسان في عيني إنسان
بل معتقلاً
لا يدري هل يبقي عاماً أو أعواماً أو أجيالاً حتى يتحلل في الأسفلت الأسود
سيّان لديه اليوم الواحد والأبد الممتدّْ . حسان :
قتلوك وألقوا بك جثهْ
فأنا إذ أقتلك الآن
لا تحمل نفسي وزرا
إذ إني أقتل مقتولا [ جرس الباب الخارجي يرنّ في اللحظة التي يتأهب فيها لإطلاق الرصاصة, فيندفع حسام ليطيح بالمسدس, ولكن حسانا يطلق الرصاصة فلا تصيبه, ينطلق حسام عدوًا نحو الباب, ليطل منه وجها سعيد وزياد ]

[ تخرج ليلى من الغرفة الداخلية بملابس تحتية على صوت الرصاصة . ينطلق حسان خلف حسام ] .
حسان :
فرّ الجاسوس
لا بدّ وأن أتبعه حتى أقصى الأرض [ يصطدم حسام بسعيد وزياد, ثم حسان, كلاهما يعدو. وزياد ينادي من أعلى السلم]
زياد :
حسان ... حسان [ينطلق خلفهما, ويلمح سعيد وجه ليلى, يدخل]
سعيد :
ليلى ..!
ليلى (وهي تفتش عن بعض ملابسها) :
أبغي أن أخرج سعيد :
بل ظلّي بعضَ الوقت
فأنا أبغي أن أعرفْ ليلى :
ماذا تبغي أن تعرف
المشهد أثقلُ من أن يُثقَل بالشرح
بيتٌ, و امرأةٌ عاريةُ الكتفينِ وشعرٌ محلُولْ [ تلبس جوربها ]

سعيد :
هل نالك يا ليلى ? ليلى :
فى صدري رائحة منه حتى الآن سعيد :
اغتصبك يا مسكينة ليلى :
بل نام على نهديَّ كطفل
وتأملني في فرح فياض يطْفر من زاويتي عينيه
وتحسسني بأصابعَ شاكرةٍ ممتنهْ
فتملكني الزهوُ بما أملكُ من وردٍ ونبيذٍ وقطيفهْ
وتقلبت على لوحة فَرشته البيضاء
متألقة كالشمس على الجدول
فتمدّد جنبي, فمنحتُهْ
أعطاني, أعطيتُهْ
حتى غادرني متفرقة ملمومهْ
كالعنقود المخضلّ
[تتأمل نفسها في المرآة, وهي تبحث عن بقية ملابسها] سعيد :
قد خدعك يا مسكينهْ
الجاسوس ليلى :
وشوشَني في صدقٍ يخنقُه الوجْد
إنى أتملّك أحلى ما يحلو في عينيْ إنسان سعيد :
هل أحببتهِ ليلى :
أقسم أن يتزوجني سعيد :
آه .. يا للكابوس
خدرٌ ملعونٌ يهبط منْ رأسِي حتَّى قدميّْ
إنى أنهارْ
أتخلخل مقرورًا كالجبلِ الثلجيّْ
ليلى .. النور .. أمي .. أمي
هذا المصباح, أضيئيه, اللعنهْ
رأسي تسقط عن جسمي
ليلى .. ليلى .. أمي
(يغمي عليه . فتندفع إليه ليلى صارخة) ليلى :
سعيد .. سعيد
حبيبي [ ستار ]

المنظر الثاني

[سعيد وليلى في نفس الغرفة. يملؤها نور النهار الباهر. سعيد قد تمدد على الأرض متكئا بظهره إلى أحد المقاعد ورأسه نائم على ذراع ليلى تجلس بجانبه. على مظهرهما الإعياء الشديد]
سعيد :
هل نمتُ كثيرًا ? ليلى :
هذا نور الظهر الباهر سعيد :
سدّي هذا الشباك المزعج
عيني يجلدها النور [تقوم لتسد الشباك ثم تعود إلى نفس جلستها]
ليلى :
كنت تناديني في نومك
ليلى .. ليلى
وأميلُ عليكَ إلى أنْ تلسعَ أنفاسُك أذنيّْ
فإذا بك لا تفصحْ
أو تنشج في صمت
وتعود إلى إغمائك سعيد :
وقتٌ مفقودٌ بين الوقتين
عمرٌ مفقود ٌبين الماضي والمستقبلْ
ليلى .. أعطيني جرعة ماء
فالخمرة ما زالت في حلقي [تقوم لتحضر له الماء, ثم تعود إلى نفس جلستها]
آه لو أستفرغ ما في أمعائي
لو أستفرغ ما في نفسي ليلى :
سعيد
إنك تحتاج إلى الراحهْ
بعد قليل أصْحَبُك إلى البيْت
وهناك تنام إلى أن ترتاحْ سعيد :
بيتي ? ليلى :
إن شئت سعيد :
هل تبقين معي ? ليلى :
حتى ترتاح سعيد :
إشفاقا منك عليّ ? ليلى :
سعيد
كانت رأسُك تتوسّد صدريَ حين غفوْت
أحيانا كنتُ أُحس بقبضتِك العصبيّه
تتجوّل في لحْمي سعيد
إنى أتفتّح لك, لا جسمي
بل كل مغاور روحي, وكهوفي المنسيّهْ سعيد
هل تأخذني يوما ما ? سعيد :
( مدن كمدينتنا المفتوحهْ
لا تحمي ورد حدائقها من نقر الغربان
أو من قبلات الظل الهيمان )
أبيات من شعري ليلى :
سعيد
نم حتى ترتاح
ساعدني أن أنسى هذا اليوم المزعج سعيد :
صارت لك غرفة تذكارات سوداء
فليدخل كلَ منّا غرفة تذكاراتهْ
قد نخرجُ منها يوماً ما أطفالاً بيضاً كالثلج [يتمددان على الأرض, مسترخيين إلى المقعد]
الخمرة تنهش حلقي
ليلى .. هل لي في سيجارهْ ? [تقوم ليلى, لتبحث في معطفه الملقي عن سيجارة وتشعلها له]
مطفأة ... يا ليلى [تبحث ليلى حتى تجد تمثالاً صغيراً من الحجر في قاعدته مطفأة فتقدمها له, ثم تعود إلى جلستها الأولى]
فى صغري كنت أدخّن خِلْسهْ
كنت أكاد أطير مع الدخانْ
بل كنت أطير إلى أنْ يصدمني صوتٌ ما,
صوتُه
أوه .. لا طعم لشيءٍ, لا أفتح باباً إلا واجهتُه
آه .. روحي ممتلئه .. من يكسرها لي ?
ويبعثر ما تحويه في أركان الأرض ليلى
لو كنّا نملكُ أنْ نتخيّرْ
ما ننسَى أو نتذكرْ
لو كنّا نملكُ أن نصْنَعَ ماضينا ..
لا , هذا المشهد من عمري أبغي أن ألقيه للريح
لا .. هذا سأسوِّد جزءًا منه وأظلّل آخر
لا .. هذا المشهد أُبقيه
بل إني أبغي أن يتمدد في قمة ذاكرتي الطافية على سطح النسيان ليلى :
ماذا تبغي أن يبقَي في قمّةِ ذاكرتِك ? سعيد :
ليلى
لا أنسى منظرَكِ, وأنت تقولين
لما كنّا نجرى تجربة الأدوار
فى غرفة مكتبنا بالدار
أحقّا حبيب القلب أنت بجانبي أحلم سَرَى أم نحن منتبهانِ
أبعْد .. ليلى : (تستأنف)
أحقٌّا حبيب القلب أنت بجانبي أحلمٌ سَرَى أم نحن منتبهانِ أبَعْد تراب المهد من أرض عامرٍ بأرض ثقيف نحن مغتربانِ
سعيد :
حنانيك ليلى, ما لخلٍّ وخلِّهِ من الأرض إلا حيث يجتمعانِ فكل بلاد قرّبت منك منزلي وكلُّ مكان أنت فيه مكاني
ليلى :
فما لي أرى خديك بالدمع بلّلاً أمِنْ فرحٍ عيناك تبتدرانِ
سعيد :
فداؤك ليلى الروح من شرِّ حادثٍ رماك بهذا السقم والذوبانِ
ليلى :
تراني إذن مهزولة قيس, حبذا هزالي, ومن كان الهزال كساني
هو الفكر ............ سعيد :
ليلى, فيمن الفِكر ? ليلى :
فى الذي تجنَّى سعيد :
كفاني ما لقيت كفاني ليلى :
أأدركتَ أن السهم يا قيس واحدٌ وأنّا كليْنا للهوَى غرضانِ
سعيد : (يصفق لها محيياً)
ليلى
أوشك أن أرجع للإغماء
ليلى .. ضمّيني في حضنك
التصقي بي حتى أسمع نبض عروقك ليلى :
نَمْ أرجوك .. حبيبي
نَمْ .. نَمْ
فى رأسك بضع شعيرات بيضاء
لم أبصرها من قبل وسأنزعها يوما ما [سعيد يغمض عينيه, ويغفو.. يدخل حسام]
حسام :
ما هذا ? عجباً . تحتلاّن البيتَ كأنّي قد مِتّ.
أعجب من هذا
أن تنفلتي من بين ذراعي كي تنزلقي بين ذراعي رجل آخر [يتقدم حسام, ويقف بين أقدامهما الممتدة]
ليلى :
حسام
أرجوك .. سعيد نائم
بل ومريض يحتاج إلى الراحهْ
خفّض من صوتِك حسام :
ما شأني أنا به
ألقِ به جنب الحائط أو فوق العتبه
حتى يسترجع وعيه
فلقد كان صديقا للمجرم ليلى :
من ?
حسام :
حسان
أبلغت الشرطة عنه
هددني بالقتل, ولم أرجع إلا بعد القبض عليه
ألقِ بهذا الطفل المتماوت في أي مكانْ ليلى :
حسام
حسام :
كانوا يبغون دمي
دمهم سوف يسيل على أعينهم كالقيح
الكذابون .. القتلهْ [يدفعه بحذائه]
قُم .. يا كلب ليلى : (وهي تمسك بحذائه)
حسام .. رفقا
فسعيد متعبْ
لحظات . وسنمضي عن بيتِك حسام :
لا . بل يمضي وحده أنت تظلّين معي , نشرب كأسا أو نسمع بعض الموسيقى
نتسلق سلمها حتى نصل إلى آفاق الأمس [يقترب منها ليرفعها, فيفيق سعيد ليجده أمامه]
سعيد :
ماذا ? أنت ?
حسام :
قم يا طفلي الضائع فامضِ إلى الشارع
أو فاصْمت وتناوم
وأدِرْ وجْهَك للحائط
هيا .. يا ليلى [سعيد ينهض والتمثال في يده, وينهال به على حسام]
حسام : (عند أول ضربة)
غافَلَني المجنون ليلى :
مجنونْ .. مجنونْ .. مجنونْ [تهرع للشباك لتفتحه]
سعيد : (يسقط إلى الأرض, وهو يصيح)
لن تأخذَها مني
لن تأخذَها مني [صوت بائع صحف ينادي, ويصل صوته من الشباك المفتوح]
البلاغ.. المسائية.. القاهرة احترقت.. حريق القاهرة..
الأحكام العرفية.. حريق القاهرة.. حريق القاهرة.. [ ستار ]

المنظر الثالث

[غرفة التحرير]
[الأستاذ - زياد - حنان - سلوى]
الأستاذ
وكما كان الأبطال القدماء
ممن حفظت سيرتهم قصص الشعراء الجوالين وأسماء الفقراء
سنودع قتلانا, نتهشم فوق شواهدهم حزناً مكبوحاً وأنينا
ثم نلملم ما ذاب حنيناً من أنفسِنا, ونغني ونشُدّ الدرع, ونبري الأقواس, ونرحل فرساناً محزونين وحكماء
فالمعركة المحتدمهْ
لا تمهلُنا حتّى نمنحَ إخواناً شرفاءْ
ما هم أهلٌ لهْ
من دمعٍ وبكاءْ
والآن ...
لنودّع من ضاعوا منّا في طُرقِ الوحْشه
ولنذكر أنا قدّمناهم قرباناً للريح
كيْ تجتاز بنا البحرَ إلى مدنِ المستقبل زياد :
أستاذي الطيب
هل نرحل للمستقبل
فى سفن من ورق الصحف الأصفر ? الأستاذ :
رفقاً يا ولدي !
هذا ما نملك أن نفعل
لا بد وأن نؤمن في شيء زياد :
لكن يا أستاذي الطيب
من أي المدن سنرحل
فلعلك تعلم ..
أن مدينتنا احترقت الأستاذ :
أنت تعذبني يا ولدي المحبوب
ارفق بي .. أرجوك
أنا لا أبغي أن أتجادل
بل إني لا أبغي حتى أن أتكلم
ولقد كنت أسائل نفسي قبل مجيئي الآن
ماذا نفعل ?
ولماذا نتجمّع , نتفرّق
نتأمل أو نبكي , نضحك أو نتحذلق
نصرخ, وندخن
نتهلل ونئنّ
ما دمنا أغفينا ذات مساء
وتركنا حبَة أعيننا في كنف الغرباء
ممن زعموها ابنتهم
وصحونا لنراها انتهكت متمددة مستسلمة في فرشتها الخضراء
أنى لمّا كان القتلةُ يأتمرونَ وينقسمونَ إلى أشياعِ النارِ وأشياعِ السكّين
كنت أداعب طفلي
قل لي يا ولدي
فى أي مكانٍ كُنتْ
فى ليل الموت ? زياد :
فى دار بغاء
ولهذا لن أكتب حرفاً بعد الآن الأستاذ :
لا ... لا يا ولدي
لابدّ وأن نعْلُو فوق المأساة
نتجاوزها لكن لا ننساها
يوماً سنعيد بناء مدينتنا الحلوهْ
قاهرة الأيام, الحب الأول... زياد :
لا أعرف يا أستاذي كيف أحلّق فوق المأساهْ
والمأساة ردائي, وشْمٌ فوق جبيني, قيْدٌ في قدَميّ سلوى :
يكفي هذا .. أزياد
أستاذي
أنا قادمة لأودّعكم الأستاذ :
هل تتخلى عنا يا سلوى ? سلوى :
ذكراكم ستظل بقلبي
الفرسان الحكماء المحزونون .. كما قلت الأستاذ :
لكن .. لِمَ يا سلوى ? سلوى :
أتزوج ... يا أستاذ الأستاذ :
هل تنتظرينَه ? سلوى :
لا .. يا أستاذ
لن أتزوج حسان
بل أتزوج مصلوباً مثلي
كي تفنى أحزاني في أحزانِه
عالمنا, عالمكم, عالمُ حسانٍ قد مات
ولهذا فأنا أذهب للدير الأستاذ :
الدير
آخر ما يخطر في بال سلوى :
أول ما خطر ببالي حين احترق العالم
فى قريتنا دير, أذهب كيْ أطرق بابهْ زياد :
أنا أيضا أحمل أخباراً يا أستاذ
قد غيّرتُ طريقي
حدثني أحد أصحابي عن روضة أطفال في بلدتهم تطلب من يتعهدها
وسأجمعُ أمتعتي اليوم, وأرحلُ في الغد حنان :
هل تأخذني معك زياد ? زياد :
بل إني أرجو حنان :
أنا أيضاً مغرمةٌ بالأطفال زياد :
أنا أؤمن بالأطفال حنان :
أين أقيم ? زياد :
هاتي أمتعتك وامضي خلفي حنان :
اليوم ... زياد زياد :
اليوم الأستاذ :
لمِ هذا .. يا أبنائي ?
لا تدعوني وحدي في شيخوختي الصدئهْ
أحملُ عبْء الكلمهْ
أيئِسْتُم ? .. ستسير الأحوالُ إلى شطِّ الخيرْ سيعود سعيد .. وحسانْ
وسينضم إلينا فرسانٌ جددٌ, أصلبُ منّا عوداً, أكثرُ منا قُدرَهْ
وسنكتبُ .. ونمثِّلُ, ونحبّ
وستصبح هذي الأيام المرّهْ
ذكرى واهنة منطفئهْ [يدخل الحاج علي عامل المطبعة]
الحاج علي :
عفوا يا أستاذ
الشرطة في المطبعة يلمّون الأعداد الآن
ويقولون : الرخصة قد سُحِبت الأستاذ : (بعد برهة)
زوجك ينتظرك يا سلوى
والأطفال يريدونكما .. يا ولديَّ
انصرفوا يا أبنائي , دونَ وداع
وسأبقى وحدي لحظاتٍ كي أجمع أوراقى ثُمّ ..
أزور سعيداً في السجن
وأعودُ إلى بيتي
كي أنتظرَ غداً قد يأتي أو لا يأتي
لا .. لا .. دون وداعٍ .. أرجوكُم
دون وداعْ [يجلس على المكتب, يجمع أوراقَه, ثم ينادي] :
يا حاج علي
لا تنسَ أن تغلق باب المكتب
أن تغلق باب المبنى
هذا زمن لا يصلح أن نكتب فيه, أو نتأمل, أو نتغنى أو حتى .. نُوجَد
يا حاج علي
أغلق كلّ الأبواب
أغلق .. أغلق .. أغلق . [ ستار ]

المنظر الرابع

[سعيد في الحبس]
[الأستاذ ـ سعيد]
الأستاذ ":
سعيد , هل أنتَ بخير ?
أبْشِر ,
فالضربةُ ليستْ بمُميتهْ
ولقد وكّلت صديقاً من أبرعِ أهلِ القانون
وستخْرُج عن قرب سعيد :
من أنت
هل أنت السيّد ? الأستاذ :
من ? سعيد :
آه .. أنت رسوله
هل يأتي في هذه الأيام
هل أشرع سيفَه
أم ما زال السيفُ جنيناً في بطنِ الغِمْد الأستاذ :
سعيد
هل تبغي شيئا ? سعيد :
أبغي أن أبعث برسالة
للقادم من بعدي
لكني لا أعرف عنوانه
ما دُمْتَ رسوله
فاحملها له
هي بضعة أسطر [يخرج ورقة من جيبه, ويبدأ في القراءة]
يا سيدنا القادم من بعدي
أنا أصغر من ينتظرونك في شوق محموم
لا مهنة لي, إذ إني الآن نزيل السجن
متهما بالنظر إلى المستقبل
لكني أكتبُ لكْ
باسم الفلاحين, وباسم الملاحين
باسم الحدادين, وباسم الحلاقين
والحمّارة , والبحّاره
والعمال وأصحاب الأعمال
والأعيان وكُتّاب الديوان
والبوابين وصبيان البقّالين
وباسم الشعراء وباسم الخفراء
والأهرام , وباب النصر , والقناطر الخيرية ,
وعبد الله النديم , وتوفيق الحكيم, وألمظ ,
وشجرة الدر , وكتاب الموتى , ونشيد بلادي بلادي
نرجو أن تأتي وبأقصى سرعة
فالصبر تبدّد
واليأس تمدّد
إما أن تدركنا الآن
أو لن تدركنا بعد
حاشية : لا تنسَ أن تحمل سيفك [يعطيه الورقة]
الأستاذ :
سعيد
هل أرسلُ لك دخاناً وطعاما سعيد :
لا .. فتّش لي عن لُعبهْ
كنت أراها وأنا طفل
رجل في ثوبِ مهرّج
مخرومٌ ومعلَّق
فى عقلةِ سِلْك
تضغط ... يعلو
تضغط .. يهبط
طبعاً, في الأحوال العادية يهبِطْ
لكن لا يسقط أبدا أو يخرجْ
من برواز السلكْ الشرطي :
عندك زوار
[تدخل ليلى]
ليلى :
سعيد:
سعيد :
هل ما زلتِ أسيرهْ
فى أيدي الشركسِ والكَهَنهْ ? ليلى :
......
سعيد :
ماذا ? لسعوك بالنار ?
لا .. لا أخشى أن تنهاري , فتقصِّي قصَّتنا السرّيّة
لفضولِ الشركسِ والغرباء ليلى :
سعيد سعيد :
عوقبتِ بحرقِ ردائك
حين تركتِ فؤادَك لحماً في منقار الغربان ليلى :
.....
سعيد :
هل كنتِ تحبّينه ? ليلى :
.....
سعيد :
هل كنت تحبينه ? ليلى :
.....
سعيد :
ملتِ إليه قليلا
لا تخشيْ أنْ أغضب ليلى :
.....
سعيد :
يوماً ما ستحبّين سواه
رجلاً يعرف أن اسمك ليلى
ويناديك باسمك
أنا ... أنا ...
أنا وقتٌ مفقودٌ بين الوقْتيْن
أنا ...
أنا أنتظرُ القادم ... [ ستار ]










منتدى حديث المطابع
موقع الساخر
www.alsakher.com