المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشرح الصوتي لزاد المستقنع - جزء الثالث والثلاثون


gogo
10-22-2019, 12:23 PM
http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة



الكتاب: الشرح الصوتي لزاد المستقنع
المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
عدد الأجزاء: 2
هذا الكتاب: تفريغ مكتوب لشرحين صوتيين للعلامة ابن عثيمين - رحمه الله - على زاد المستقنع
1 - الشرح الأول/ الكتاب كاملا [299 ملفاً]
2 - الشرح الثاني/ ثلث الكتاب [132 ملفاً] أبواب/ صفة الصلاة، والمناسك، والبيع، والوقف والوصايا، والنكاح، والطلاق، والإيلاء والظهار واللعان والعِدَد والرضاع، والنفقات، والجنايات والديات، والحدود، والأطعمة، وجزء من الأيمان والقضاء، وجزء من الشهادات
مميزات ليست في (الشرح الممتع) المطبوع:
1 - إضافة مسائل كثيرة تعرّض لها الشيخ في الشرح , خلا منها الشرح المطبوع.
2 - إيراد مناقشة الشيخ رحمه الله للطلاب في الدورس , والتي تكون عادة قبل بداية الدرس , إضافة لأسئلة الطلاب للشيخ أثناء الشرح , وأسئلتهم بعد كل درسٍ , وإجابته عليها رحمه الله
3 - إضافة شرح ثانٍ جديدٍ. (لثلث زاد المستقنع).
4 - أنّ الرجوع للتفريغ فيه حل لبعض المواضع المُشْكِلة في الشرح المطبوع.
5 - أنّ الشيخ ربما زاد في شرحه للكتاب ما ليس منه إما لإتمام الفائدة، أو لحاجة الطلاب، أو لأسباب أخرى، ومن ذلك:
• زياداته في الشرح من كتب أخرى كزياداته في بعض الأبواب من كتاب (الروض المربع) وغيره، بل إنه أحيانًا: يزيد فصولًا بالكامل، ومثال ذلك شرحه لفصل في الأمان والهدنة، في كتاب الجهاد.
• شرحه لمؤلفات خاصة به كشرحه لرسالته في زكاة الحلي، وذلك في كتاب الزكاة.
• شرحه خلال الشرح الثاني "لمذكرة الجامعة" وذلك للأبواب التالية: (النفقات، والجنايات، والديات، والحدود، والأطعمة، والأيمان والقضاء، وجزءًا من الشهادات).
• شرحه لفصول لا تعلق لها بالكتاب لحاجة الطلبة، كشرحه لفصل في فضل العلم وآداب طالبه في كتاب الفرائض.
أعده للشاملة: ملتقى أهل الحديث
[مصدر النص تطبيق مجاني للأجهزة الذكية برعاية مؤسسة وقف فهد بن عبد العزيز السعيد وإخوانه , وكرسي الشيخ ابن عثيمين للدراسات الشرعية، وقد التزموا فيه بالتفريغ الحرفي لكامل الشرح]
الأصل عدم ذلك، هذا قَتْل نفسٍ، لكن لوجود القرينة -وهي العداوة الظاهرة بين القبيلتين- تُجْرَى القسامة، وإذا حلف أولياء المقتول خمسين يمينًا أن هذا الرجل هو الذي قتل صاحبهم قُتِل، فهذا حكم بالقرينة.
فينبغي أن يقال: إن إطلاق الفقهاء في مثل هذا ما لم تكن قرينة قوية تغلب على الأصل، فإذا وُجِدت قرينة قوية تغلب على الأصل فإنه يُعمَل بها، قد تكون قرينة أقوى من البينة؛ لأن مثل هذا مثالنا نرجع إليه مُعِير ومستعير.
المستعير رجل أمين صدوق حافظ ادَّعى أنه رد العاريَّة، وصاحب العاريَّة بالعكس، هنا يكاد الإنسان يشهد أن القول قول المستعير، وربما تكون هذه القرينة أقوى من أن يأتي بشاهد واحد ويحلف معه، أو يأتي بشاهِدَيْن أو شاهد وامرأتين.
فعلى كل حال ما ذكروه -رحمهم الله- في هذه المسائل ينبغي أن يقال: أن يُقيَّد بما إذا لم توجَد قرينة قوية تؤيد أحد المدَّعِيَيْن فيُعمل بها.

[باب الغصب]
ثم قال المؤلف رحمه الله: (باب الغصب)؛ (الغصب) مصدر غصب يغصب غصبًا.
وعرَّفه المؤلف بقوله: (هو الاستيلاء على حق غيرِه قهرًا بغير حق)، هذا الغصب.
فقوله: (على حق غيره قهرًا) خرج به السرقة، وخرج به الاختلاس، وخرج به الانتهاب، وما أشبه ذلك؛ لأن السرقة والاختلاس والانتهاب ليست قهرًا.
وقوله: (بغير حق) خرج به ما إذا استولى عليه بحق، فإذا استولى عليه بحق فإنه ليس بغاصب.
مثال ذلك: أَخْذ الولي أموال اليتامى وحفظها، والقيام عليها والاتجار بها، وما أشبه ذلك، هذا حق، فلا يُعَدّ الولي إذا أخذ مال اليتيم وتصرف فيه ببيع وشراء لمصلحة اليتيم لا يُعَدّ غاصبًا.
وقوله -رحمه الله-: (مِن عقار ومنقول) هذه بيان للحق، يعني: سواء كان الحق عقارًا كالأراضي والأشجار والبيوت، أو كان منقولًا؛ وهو ما يُنْقَل عادة، مثل: السيارات والأثاث من فُرُش وغيرها، وكذلك الأغراض اليدوية كالساعة والقلم وغيرها.
(2/1993)
________________________________________
المهم العقار كالدور والبساتين ونحوها، والمنقول ما يُنْقَل عادة.
ولم يُفصح المؤلف -رحمه الله- بحكمه الشرعي، حكمه الشرعي أنه حرام –أي: الغصب- بل من كبائر الذنوب؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
وإذا كان في حق اليتامى ونحوهم من القُصَّار صار أشد إثمًا، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].
ودليل من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب المسلمين في أوسع تجمُّع لهم في حجة الوداع، حيث قال: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ». (3)
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ». (4)
وثبت عنه أنه قال: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ». (5)
والعلماء مُجْمِعُون على هذا في الجملة -أي: على أنه يحرم على الإنسان أن يأخذ مال أخيه بغير حق- فصار حكم الغصب الشرعي حكمه أيش؟ أنه مُحَرَّم، بل من كبائر الذنوب.
أما الأحكام الوضعية من ضمان ونحوه فبيَّنها المؤلف.
قال: (وإن غَصَب كلبًا يُقْتَنَى أو خمر ذمي ردَّهُمَا)، (إن غصب كلبًا يُقتنى) وهو كلب الحرث والصيد والماشية، هذه هي الكلاب التي تُقْتَنَى، وما عداها يحرُم اقتناؤه.
(2/1994)
________________________________________
إذا غصب كلبًا يُقْتَنَى وطلبه صاحبه وجب رَدُّه، وإن لم يكن مالًا لكن لصاحبه حق الاختصاص به؛ لأنه أولى الناس به وأحق الناس بمنفعته.
وإن غصب كلبًا لا يُقْتَنَى فهدر؛ لأن صاحبه ليس له حق اقتنائه، فهو عنده غير مستحَق.
(أو خمر ذمي رَدَّهُمَا) إذا غصب خمر ذمي وجب عليه ردها وجوبًا، أليس الخمر حرامًا؟
الطلبة: بلى.
الشيخ: لكنه بالنسبة للذمي حلال، فإن قال قائل: أنا إذا أعطيته هذا الخمر فإني كما لو صنعت له تمثالًا يعبده.
قلنا: غلط، هذا ليس بصحيح، التمثال الذي يعبده محرَّم حتى في شريعته، لكن الخمر عنده حلال.
وقوله: (أو خمر ذمي) خرج به ما لو غصب خمر حربي، فإنه أيش؟ لا يضمنه، هدر.
ومتى يكون حربيًّا؟ يكون حربيًّا إذا نقض الذميُّ العهد صار حربيًّا انتقض عهده.
وإن غصب خمر مسلم؟
الطلبة: هدر.
الشيخ: هدر؟ ولو طلب المسلم ردَّه؟
الطلبة: لا يرده.
الشيخ: لا يرده، ولكن يُرِيقُه، هذا إذا كان له السلطة في التغيير باليد، وأما إذا لم يكن له ذلك فإنه لا يحل له أن يتجرأ على حق السلطان ويفتات عليه.
وبهذا التقييد اللي ذكره المؤلف -رحمه الله- يتبين خطأ أولئك الذين يعتدون على الذميين في بيوتهم ويدخلون عليهم ويريقون خمورهم فإن هذا لا يجوز؛ لأن الذمي له حق، يُبَاح له ما يعتقد إباحته، لكنه لا يُعْلِنُه، إذا أعلنه نمنعه، ولنا الحق أن نأخذه ولا نرده.
قال: (ولا يرد جلد ميتة)، لو أن شخصًا رأى شاة ميتة.
مثال هذا: رجل رأى شاة ميتة وسلخ جلدها وأخذه، فطالبه مالكها به، فهل يرده؟
الطلبة: لا يرده.
الشيخ: المؤلف يقول: لا يرد جلد الميتة؛ لأن جلد الميتة ليس بمال، وهو داخل في عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ» (6) فلا قيمة له شرعًا.
(2/1995)
________________________________________
ولكن إذا قال صاحب الجلد: أنا أريد أن آخذ الجلد لأدبغه، فإذا دُبغ صار -على القول الراجح- طاهرًا، فهو كالثوب النجس إذا غصبه غاصب يرده على صاحبه، فيقول: الشاة التي ماتت ملكي، والجلد يمكنني أن أنتفع به، وذلك بدبغه.
ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة أنه يجب عليه أن يرد جلد الميتة، وذلك لإمكان معالجته حتى يصبح طاهرًا.
(وإتلاف الثلاثة هدر)، الثلاثة يعني: الكلب، وخمر الذمي، وجلد الميتة، يعني لو أتلفها مُتْلِف فإنها لا تُضْمَن.
دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ» (7)، وهذا يدل على أن الكلب لا قيمة له شرعًا، فإذا أتلفه مُتْلِف فليس عليه ضمان.
الخمر أيضًا، دليله أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم بيعه، وهذا يدل على أنه لا عِوَض له شرعًا، فإذا أُتْلِف فلا ضمان.
أما جلد الميتة فيدخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْمَيْتَةِ» (6)، وهذا يدل على أن الميتة ليس لها قيمة شرعًا، فإذا أتلفها متلف فإنه لا يضمن.
ولكن هل يُعاقَب على تعديه على حقوق الغير المحترَمة؟ الجواب: نعم، يعاقَب ويؤدَّب حيث أتلف شيئًا محترَمًا.
إنما ذكر المؤلف هذه الأشياء الثلاثة في باب الغصب؛ لقوله: (وإتلاف الثلاثة هدر)، أما غيرها مما يُتلَف ففيه الضمان، وسيأتي إن شاء الله.
قال: (وإن استولى على حر لم يضمنه)، يعني أنه أخذ حُرًّا واستولى عليه حتى جعله كالرقيق له، ثم مات الحر ويد الغاصب عليه فإنه لا يَضْمَن، لماذا؟ لأنه حر، ليس بمال، والحر لا تثبت عليه اليد، وإن استولى على عبد؟
الطلبة: ضمنه.
الشيخ: إذا استولى على عبد ضمنه؛ لأن العبد مال، كما لو استولى على سيارة، أو على بيت، أو ما أشبه ذلك، فإنه يضمنه.
(2/1996)
________________________________________
يقول رحمه الله: (وإن استعمله كرهًا أو حبسه فعليه أجرته)، يعني: إن أكرهه على أن يخدمه، أو أكرهه على أن يبقى في الدكان فعليه أجرته؛ لأنه أتلف منفعته ظلمًا وعدوانًا.
فإذا قال قائل: وهل يمكن أن يستولي على حر ولا يستعمله؟
نقول: نعم يمكن، يستولي على حر، حتى إذا جاءه الضيوف وجدوا عنده هؤلاء على أنهم عبيده، أو أولاده أيضًا؛ لأن الإنسان يفخر بالأولاد، ولكنه لا يستعملهم، يكرمهم، إنما يريد أن يكون أمام الضيوف عنده أولاد أو خدم.
فهؤلاء لا يضمنهم؛ لأنه لم يستعملهم، بل كان يكرمهم، أما لو استعمله وقال: تعال خذ العصا، اذهب إلى الماشية كن راعيًا فيها، أو خذ الجرَّافة واذهب إلى الأرض احرثها، أو خذ الدفاتر قيِّد الداخل والخارج؛ فهنا يقول المؤلف: إن عليه أجرتهم.
فإن استعمله طوعًا فليس عليه أجرة.
وظاهر كلام المؤلف سواء كان هذا الحر صغيرًا أو كبيرًا فيما إذا استعمله طوعًا، وهو مسلَّم في الكبير، أما الصغير ففيه نظر؛ لأن الصغير ربما يُطِيع وهو لا يدري عن الأمور، فكيف نقول: إنه لا يُضمَن مع أن تصرفه لا يُعتبر تصرفًا؟ فينبغي أن يقال: إن استعمله كرهًا وهو أيش؟
طلبة: كبير.
طالب آخر: كبير أو صغير.
الشيخ: كبير أو صغير؛ إن استعمله طوعًا؛ فإن كان كبيرًا فلا أجرة له، وإن كان صغيرًا فله الأجرة.
(أو حبسه)، إذا حبسه فعليه أجرته، وظاهر كلامه -رحمه الله- أن عليه أجرته مطلقًا، حتى وإن كان حبسه في وقت لا ينتفع فيه، كما لو حبسه في الليل، فالليل ليس محلًّا للعمل، ومع ذلك نقول: عليه الأجرة.
إذا حبسه فمات من الحبس هل يضمنه بِدِيَة؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم يضمنه بدية؛ لأنه مات بحبسه، فإن حبسه فنزلت عليه صاعقة من السماء، يضمنه أو لا؟
طلبة: يضمنه.
طالب آخر: إذا كانت الصاعقة بسبب.
الشيخ: سبب أيش؟ ما تتصور، هذه اختلف فيها الفقهاء رحمهم الله؛ منهم من قال: إنه يضمنه؛ لأنه لولا أنه حبسه في هذا المكان ما نزلت عليه الصاعقة.
(2/1997)
________________________________________
ومنهم من قال: لا يضمنه، إلا إذا عُرِف أن هذا الموضع عادة تكثر فيه الصواعق، فإذا كان كذلك فإنه يضمنه.
ومثل ذلك لو لدغته حية ومات في مكان الحبس، فإنا نقول: لا يضمن، إلا إذا عُرِف أن هذا المكان تكثر فيه الحيات.
طالب: شيخ، قلنا: إن خمر الذمي تُرَدّ، فهل مثلها ما يعلقونه من الصلبان؟
الشيخ: إي نعم، حتى ما يعلقونه من الصلبان يُرَد إلا إذا كانوا يظهرونه، إذا أظهروه ما له حُرْمَة.
الطالب: هم يُظْهِرونه.
الشيخ: لا، أنا أسمع إنهم ما يظهرونه، يحطونه تحت الجيب، الصلبان يجعلونها تحت الجيب.
طالب: شيخ، إذا خِيفَ من أهل الذمة إذا شرب الخمر أن ينتشر بين المسلمين ولو كان بالخفية، هل يُمْنَعُوا من ذلك أو يُضيَّق عليهم؟
الشيخ: لا ما يُمنعون، يُمنع المسلمون من الاتصال بهم.
طالب: كيف نجمع بين إتلاف الخمر، قلنا: هدر، وبين وجوب رد ..
الشيخ: إي نعم؛ لأنه إذا تلف فليس له قيمة شرعًا، وإذا كان موجودًا بعينه فهو مضمون لصاحبه يجب رده إليه.
الطالب: ويُعَزَّر؟
الشيخ: مَن يُعزَّر؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ربما نقول: إنه يُعَزَّر من جهة أنه لا يجوز الاعتداء على أهل الذمة.
طالب: أحسن الله إليك، قلنا: إن الكلب الذي لا يُقْتَنَى يا شيخ فإنه هدر، هذا يؤدي إلى مفسدة بين الإنسان -الجار وجاره- فلو قلنا بالرد ممكن ده يا شيخ يحصل فيه قتال بسبب هذا.
الشيخ: ويش اللي حطه عند جاره أصلًا.
الطالب: ممكن يا شيخ، يحصل.
الشيخ: إن كان هو للحفظ فهو من جنس الماشية، من جنس كلب الماشية، وإن كان للزينة أو تقليدًا للكفار فليس له حُرْمة.
طالب: شيخ، إذا كانت لقطة محرَّمة، فهل على الإنسان أن يتلفها ولا ضمان عليه؟
الشيخ: ويش معنى لقطة محرَّمة؟
الطالب: يعني كمن وجد آلة موسيقى مثلًا، فهل له أن يتلفها ولا ضمان عليه؟
الشيخ: إي نعم، يتلفها ولا ضمان عليه؛ لأن صاحبها غير معروف، فلا يُخْشَى من فتنة.
(2/1998)
________________________________________
طالب: شيخ بارك الله فيكم، هذا الغاصب الذي مات هذا الطفل تحت يديه من صاعقة أو من حية، هذا يده يد ضمانات، يده مضمونة بكل حال يعني ..
الشيخ: لا، ما هي مضمونة، لكن هذا سبب، ولَّا الحر ما هو يُضْمَن؛ لأن اليد لا تستولي عليه على قواعد الفقهاء رحمهم الله.
الطالب: سبق معنا أن الغاصب يضمن ما تلف تحت يده بكل حال.
الشيخ: إي، بس هذا يقولون: لا تثبت عليه اليد، الحر لا تثبت اليد؛ لأنه ليس بمال.
طالب: شيخ، استعرت من أحد العمال غير الناطقين باللغة العربية كتابًا، وجدت فيه بعض الشِّرْكِيَّات؛ تمائم ونحوها، فأخذته، فلم أُعْطِه إياه خوفًا على دينه، وبَيَّنْتُ له الصواب، فأخاف إن رددت له الكتاب أنه يُصدِّق ببعض ما فيه، وأخاف أني أكون أخذت ماله حقه.
الشيخ: يعني مثلًا استعرتَ من شخص كتاب بدعٍ.
الطالب: إي نعم، وهذا الكتاب لَمَّا نظرت فيه فإذا فيه بِدَع، كلمته ونَبَّهْتُه، فأخاف أنه لم يفهم كلامي، بيَّنْتُ له الحجة وأن الصواب غير ما في هذا الكتاب، لأنه ..
الشيخ: هذا سهل يا أخي، الشيء اللي ما هو صواب، أو شرك، أو ما أشبه ذلك، حُطّ عليه خطًّا أحمر.
الطالب: بس اللغة ما يعرف عربية.
الشيخ: ما يفهم، أجيبه، وأقول: تعال، شوف الأحمر هذا؟ يقول: نعم، قل: هذا خراب، وانتهى.
الطالب: لكن يا شيخ الإشكال أن الكتاب ما هو باللغة العربية.
الشيخ: طيب، أنت فهمت الآن الذي فيه، هو إذا كان ليس لغة عربية وهو لغتك أنت فستفهم ما فيه.
الطالب: وفيه رموز كذا هذه فهمتها، أما الإشكال ( ... ).
الشيخ: المهم أنك تفهم، اللي تفهم ضع عليه خطًّا أحمر وبيِّن له.
طالب: شيخ بارك الله فيك، إذا مات المحبوس بمرض؟
الشيخ: لا؛ لأن المرض لا يختص بالبقعة، إلا إذا كانت هذه الأرض التي حبسه فيها وَبِيئَة معروفة به فنعم.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، قلنا: إنه لو استعمله يضمن أجرة المثل.
الشيخ: استعمل أيش؟
الطالب: استعمل الفرد.
الشيخ: نعم.
(2/1999)
________________________________________
الطالب: فكيف يقال: لو منعه أو عطَّله عن العمل استعمال.
الشيخ: كيف؟
الطالب: لو عطَّله عن عمله حتى خرج الوقت أو فاته بذلك شيء من المال، هل عليه الضمان؟
الشيخ: المذهب ليس عليه ضمان؛ لأنه لم ينتفع به، إلا إذا حبسه، فيفرِّقون بأنه إذا انتفع به فهو ضامن.
الطالب: هو حبسه، وبسبب الحبس فات عليه بعض المنافع.
الشيخ: إي نعم، ما عليه إلا الأجرة فقط، أما ما فات من المنافع فلا، لكن كما قلنا سابقًا: إن الظالم يجب أن يُغرَّم كل ما فات بسبب ظلمه.
طالب: المحبوس هل له أن يأخذ حقه قهرًا؟
الشيخ: كيف؟
الطالب: يقتص من غاصبه، هل له أن يأخذ حقه قهرًا؟
الشيخ: لا، ليس له، إلا إذا غصبه مالًا ووجد ماله عنده يأخذه قهرًا.
طالب: أحسن الله إليك، إن أتلف الكلب الذي يُقْتَنَى في بلد يباع ويُشْتَرى، هل يضمن؟
الشيخ: يضمنه، إذا كان في بلد يرى علماؤه أنه يجوز بيع الكلاب الْمُعَلَّمَة فإنه يضمنه.
طالب: شيخ، قلنا في الدرس الماضي: إذا اختلف المالك والذي ( ... ) الاستعارة، إذا كان بعد مُضِيّ مدة من الأجرة فعليه أجرة المثل، إذا تبين أن الأجرة أكثر من اللي بيدعيه صاحب الـ ..
الشيخ: إذا كانت أجرة المثل أكثر مما ادَّعاه، فالمذهب له أجرة المثل؛ لأن الإجارة انفسخت، والقول الثاني: إنه ليس له إلا ما ادَّعاه؛ لأنه مُقِرّ على نفسه بأن هناك عقدًا تم على هذا العِوَض.
طالب: المحبوس عند الغاصب، هل يلزم الغاصب أن يدفع أجرته على حسب العمل الذي استعمله، أم على ما فاته من منافع؟
الشيخ: لا، على حسب العمل الذي انتفع به فيه.
طالب: شيخ، بارك الله فيك، إذا قلنا: صاحب الميتة رماها، ثم لما رأى أن أحدًا أراد أن يأخذ الجلد قال: أنا آخذه، هل له ذلك أم يكون لما رماها .. ؟
الشيخ: إذا رمى الإنسان شيئًا ما طابت نفسه منه، وليكن مثلًا هيكل برَّادة، فجاء إنسان وأخذه، ثم عاد صاحبه ليأخذه، هل يُقْبَل؟
الطالب: لا.
(2/2000)
________________________________________
الشيخ: لا يُقْبَل، والأول كذلك، كل مَن رمى شيئًا زاهدًا فيه ورغبةً عنه فإنه يملكه آخِذُه.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، لماذا فرَّقنا بين الاستيلاء والحبس إذا مات الحابس؟
الشيخ: بأيش؟
الطالب: بين الاستيلاء والحبس، يعني استولى عليه وبقي عنده ثم مات فإنه لا يضمن لأن الحر لا .. وإذا حبسه فمات فإنه يضمن؟
الشيخ: لأن بينهم فرقًا، الحبيس لا يمكن أن يتعدى محبسه.
الطالب: والاستيلاء ما يُعَدّ حبسًا.
الشيخ: لا الاستيلاء معناه يقول: تعال أنت ابني، مثلًا، أو ما أشبه ذلك، ولكنه طليق يخرج بالأسواق، يخرج في المساجد، المدارس. ( ... )
***
طالب: .. الأرض أو غرس لزمه القَلْعُ وأرشُ نقصِها وتسويتها والأجرة، ولو غصب جارِحًا أو عبدًا أو فرسًا فحصل بذلك صيد فلمالكه.
وإن ضرب المصوغَ ونسج الغزلَ، وقَصَّر الثوبَ أو صَبَغَه، ونَجَر الخشبَ ونحوَه، أو صار الحبُّ زرعًا، أو البيضة فرخًا، والنوى غرسًا، رَدَّه وأرشَ نقصِه، ولا شيء للغاصب، ويلزمه ضمان نقصِه.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ما هو الغصب في اصطلاح الفقهاء؟
طالب: هو الاستيلاء على حق الغير بغير حق، من عقار أو ما يُنْقَل.
الشيخ: الاستيلاء على حق الغير بغير حق من عقار أو ما يُنْقَل.
طالب: الاستيلاء على حق الغير قهرًا.
الشيخ: قهرًا، لا بد أن يكون قهرًا؟
الطالب: لا بد يا شيخ.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لتخرج السرقة والاختلاس وغيرها التي بها أَخْذ حق الغير بغير قهر.
الشيخ: أحسنت، إذن لا بد أن نُقَيِّد قهرًا، حكمه من الناحية الشرعية؟
طالب: الحرمة، من كبائر الذنوب.
الشيخ: نعم، محرَّم، هل هناك دليل من القرآن؟
الطالب: نعم، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29].
الشيخ: ومن السنة؟
(2/2001)
________________________________________
الطالب: من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ». (3)
الشيخ: نعم، والإجماع أيضًا؟
الطالب: الإجماع؛ أجمعت الأمة على تحريمه.
الشيخ: على تحريم؟
الطالب: على تحريم الغصب.
الشيخ: على تحريم الغصب، وكذلك أيضًا المصلحة تقتضي أنه حرام، وما يحصل من ..
الطالب: من العدوان على أموال الناس.
الشيخ: من عدوان على أموال الناس، والفوضى، وكل إنسان يريد أن يأخذ بحقه، إي نعم، هو من كبائر الذنوب، ليس هناك نص عام على أن الغصب من كبائر الذنوب، لكن فيه أشياء من الغصب جُعِلَت شرعًا من كبائر الذنوب، مثل: اقتطاع الأرض، أكل أموال اليتامى، فهل نقتصر على ما وَرَد فيه الوعيد، ونقول: الباقي يدخل في عموم التحريم، أو نقول: إن ما ذُكِر على سبيل المثال، ويكون هذا عامًّا؟
طالب: فيه احتمال.
الشيخ: إي نعم، الإنسان يرى أنه محتمِل، قد لا يجزم بأنه من كبائر الذنوب على سبيل العموم، ويقول: ما ورد فيه التخصيص نقف عليه، {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10]، «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (5)، ونقتصر على ما ورد به الوعيد يكون من الكبائر، وما لم يَرِد يكون من المحرَّمات على وجه العموم.
قوله: (من عقار ومنقول) ما الفرق بين العقار والمنقول؟
طالب: العقار الأشياء الثابتة كالأراضي.
الشيخ: الأشياء الثابتة كالأراضي والعمائر والأشجار، وما أشبهها، والمنقول؟
طالب: الأشياء التي تُنْقَل كالسيارات.
الشيخ: نعم، التي تُنْقَل كالأواني والسيارات والساعات، وما أشبه ذلك.
رجل غصب كلبًا، هل يجب عليه رَدُّه؟
طالب: إن كان هذا الكلب مما يُقْتَنَى.
الشيخ: إن كان مما يُقتنى وجب رده، وإلا فلا.
ما هو الْمُقْتَنَى؟
(2/2002)
________________________________________
الطالب: الْمُقْتَنَى هو كلب الصيد أو الحراسة أو الماشية.
الشيخ: كلب الصيد.
الطالب: أو الحراسة.
الشيخ: الحراسة أي شيء؟
الطالب: يعني إنسان يخاف من عدو.
الشيخ: ويش اللي جاء في الشرع، ما الذي جاء في السنة؟ الماشية.
الطالب: الماشية.
الشيخ: والصيد.
الطالب: والصيد.
الشيخ: ويش بعد؟
طالب: الزرع.
الشيخ: الحرث، الحراسة ربما نأخذها من قوله: «إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ»، نأخذها من كلمة (ماشية) أن جميع الكلاب التي للحراسة يجوز اقتناؤها.
أتلف كلبَ الصيد، هل يضمنه أو لا؟
طالب: لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن، لماذا؟
طالب: لأنه لا قيمة له شرعًا.
الشيخ: ليس له قيمة شرعًا، دليل ذلك؟
الطالب: النهي عن أَخْذ ثمنه.
الشيخ: أحسنت، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ثمن الكلب (8)، بارك الله فيك.
لو غصب جِلْد ميتة أيرده أم لا؟
طالب: على المذهب ما يرده.
الشيخ: نعم، على ما مشى عليه المؤلف لا يرده، لماذا؟
الطالب: لأنه لا يُنْتَفع به.
الشيخ: لا، إذا دُبِغ يُنْتَفَع به.
الطالب: لأنه داخل في قول الله تعالى: إن الله حرم عليكم الميتة والخنزير ..
الشيخ: ليس نسأل عن ضمانه، لكن عن رَدِّه، المؤلف يقول: لا يرده، قل: ما فيه دليل.
الطالب: ما فيه دليل.
الشيخ: ويش الدليل؟ ما هو القول الراجح في هذه المسألة؟
الطالب: الراجح أنه يرده.
الشيخ: أنه يرده، لماذا؟
الطالب: لأنه يمكن الانتفاع به.
الشيخ: لأنه يمكن الانتفاع به، إذا دُبِغَ فإنه -على القول الراجح- يطهر، ويكون على هذا كالثوب الذي أصابته نجاسة.
لو أن رجلًا رمى بشاته في الشارع بعد أن ماتت، وهو لا يريدها ولا يريد جلدها، فلما رأى شخصًا سلخها وأخذ جلدها قال: إنه لي، ما تقول؟
طالب: ليس له ذلك.
الشيخ: ليست له؟ ليه؟
الطالب: لأنه رماها رغب عنها.
الشيخ: لأنه رماها زاهدًا بها راغبًا عنها، ومثل ذلك أي شيء يتركه صاحبه رغبةً عنه فإنه يملكه آخِذُه.
(2/2003)
________________________________________
هل نقول: مثل ذلك السيارات المشلَّحة، يعني يوجد الآن سيارات تُصاب بحوادث ما تصلح للاستعمال، لكن فيها بعض الآلات نافعة، هل نقول: إن هذا مما تركه صاحبه رغبة عنه؟
طالب: نعم يا شيخ إذا رماها.
الشيخ: هو ما رماها، حصل عليها حادث وخربت.
الطالب: الناس يختلفون في هذا، من يتركها في مكان الحادث كي يتسنى له جبرها فيما بعد، فهنا لا يجوز ( ... ) منها.
الشيخ: طيب.
الطالب: وأما إذا تركها في المحرقة ورماها فيجوز أخذها.
الشيخ: إذا رماها للمحرقة انحرقت، ويش عاد يأخذ فحمًا؟
الطالب: هذه ترجع للعُرف.
الشيخ: إي صحيح، إذن ترجع للعُرف، والناس يفرِّقون بين سيارة حادثها يسير، تركها صاحبها بنية ( ... ) عليها، وبين حادث كبير تحطمت السيارة تحطمًا تامًّا فالغالب أن صاحبها لا يريدها.
استولى رجل على عبد؟
طالب: يضمن.
الشيخ: ليش؟
الطالب: لأنه مال.
الشيخ: لأنه مال، إذا استولى على عبد ضمنه؛ لأنه مال، كما لو استولى على بهيمة؛ على بعير، على حصان.
وعلى حُرّ؟
الطالب: لا يجوز؛ لأنه ..
الشيخ: لأنه ليس بمال فلا تثبت عليه اليد.
استولى على الحر واستعمله؟
طالب: عليه أجرته.
الشيخ: عليه أجرته؟
طلبة: إي نعم.
الشيخ: إي، اضرب مثلًا لهذا.
الطالب: لو غصب حرًّا واستعمله فعليه أجرة المثل.
الشيخ: إي، ويش لونها أجرة المثل؟ أنت ذكرت كلام المؤلف فقط.
الطالب: لو جعله للخدمة.
الشيخ: يعني غصب حرًّا وقال له: تعال.
الطالب: استخدمه.
الشيخ: استخدمه، هذه الأرض احرثها وحرثها.
الطالب: فعليه أجرة المثل.
الشيخ: صحيح، حبسه بدون أن يستعمله؟
طالب: إذا كان الحبس لمدة لها أجرة يضمن، وإلا فليس له أجرة فلا ضمان.
الشيخ: إن حبسه مدة لها أجرة فعليه أجرته، وإلَّا فلا.
هل يُعَزَّر على حبسه الحر؟
طالب: يُعَزَّر.
الشيخ: يُعَزَّر؟
الطالب: مَن له الحق في تعزيره، الحاكم.
الشيخ: إي، هذا المحبوس رفع الأمر إلى القاضي أو إلى ولي الأمر، هل يعزِّره أو لا؟
(2/2004)
________________________________________
الطالب: يُعَزِّرُه.
الشيخ: يُعَزِّرُه، توافقون على هذا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: نعم يُعَزِّرُه، أي عدوان من أحد على أحد، إذا طالب المعتدَى عليه بحقه فإنه يُعَزَّر.
***
ثم قال المؤلف -رحمه الله-: (ويجب رد المغصوب بزيادته، وإن غَرِمَ أضعافه).
الطلبة: ويَلْزَم.
الشيخ: عندي: (ويجب)، نسخة ما يخالف، (ويجب رد المغصوب بزيادته وإن غَرِمَ أضعافه)، أفادنا المؤلف أنه يجب على الغاصب رد المغصوب، يجب شرعًا، ومؤونة رَدِّه على مَن؟
الطالب: الغاصب.
الشيخ: على الغاصب؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (9)، هذا لفظ الحديث، فيجب عليه رده، ومؤونة الرد على الغاصب.
المثال الثاني، قال: (وإن غَرِمَ أضعافه)، يعني: لو غصب شعيرًا فخلطه في بُرٍّ، عشرة آصُع من الشعير غصبها وخلطها في عشرة آصُع من البُرّ، فطالب المالِك، قال: أعطني شعيري، قال: أنا خلطته بالبُرّ، لو بقيت أخلصه من البُرّ أكل عليّ أضعاف القيمة، ماذا نقول؟
طالب: يلزم.
الشيخ: يلزم، نقول: هات أناسًا يُلَقِّطُون الشعير من البُرّ، ولو كان قيمة البُرّ والشعير خمسين ريال، واللي يجيؤون يميِّزُونه بخمس مئة ريال، لازم، ولهذا قال: (وإن غَرِم أضعافه).
وقوله: (بزيادته) يعني: لو زاد المغصوب فإن الزيادة لمالكه، سواء كانت متصلة أم منفصلة؛ لعموم قول المؤلف: (بزيادته) المتصلة والمنفصلة.
مثال المتصلة: إنسان غصب شاةً صغيرة، ثم قام عليها بالإرضاع والإعلاف وشبَّت، نمت، هل يرجع الغاصب على مالك الشاة بما زاد من قيمتها؟ لا، الزيادة لمن؟
الطلبة: للمالك.
الشيخ: للمالك، غصب هذه الشاة وولدت عنده وأنتجت، وصار يبيع من ألبانها وألبان نتاجها، فلمن هذه الزيادة؟
الطلبة: لمالكها.
الشيخ: لمالكها.
(2/2005)
________________________________________
فقول المؤلف رحمه الله: (بزيادته) يشمل الزيادة المتصلة؛ وهي التي لا يمكن انفكاكها كالسِّمَن، وتعلُّم الصنعة، وما أشبه ذلك، والمنفصلة كالولد واللبن وما أشبه ذلك.
غصب عبدًا، غلامًا صغيرًا، فعَلَّمَه الكتابة، وعلَّمَه علومًا عظيمة، فازدادت قيمته عشرة أضعاف، هل يرجع على مالك الغلام بالتعليم؟ لا؛ لأنه غاصب.
دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (10)، أيّ عرق ظالم فليس له حق. لو تلف، عليه ضمان؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم، عليه ضمانه، بقيمته الأصلية أو بزيادته؟ عليه الضمان بزيادته؛ لأن زيادة المغصوب تحدث على ملك المالك، فيجب عليه إذا أتلفه أن يَضْمَنَه بزيادته.
ثم قال المؤلف: (وإن بنى في الأرض أو غَرَسَ).
(إن بنى) أي: الغاصب.
(في الأرض) أي: المغصوبة.
(أو غرس) أي: في الأرض المغصوبة.
(لزمه القلع وأرشُ نقصِها وتسويتها والأجرة)، هذا مع الإثم، يلزمه أشياء:
أولًا: القلع، وهذا إذا طالَبه صاحب الأرض، وقال: اقلع الذي غرست في أرضي، يلزمه.
أو بنى فيها، وقال له: اهدم البناء، فإنه يلزمه أن يهدم البناء، وهذا مقبول إذا كان لصاحب الأرض غَرَض في تخليتها من الغِرَاس والبناء.
لكن إذا كان يريد أن يبني عليها، فهل نُلْزِم الغاصب بالقلع؟ لو قال الغاصب: أنا لا أريدها، الشجر لك، والبناء لك، ولا تكلفني أن آتي بالمعاول وآتي بالرجال يقلعون الشجر ويهدمون البناء.
نقول: إن كان يفوت بذلك غَرَض صاحب الأرض بأن يقول صاحب الأرض: أنا أريد أن أغرسها نخلًا، وهي الآن مغروسة برتقالًا، أو قال: أنا أريد أن أغرسها من النوع المعيَّن من النخل دون النوع الموجود فيها، فهنا له الحق بأن يُلزم أيش؟
طالب: الغاصب.
الشيخ: الغاصب بقلع الغَرْس.
(2/2006)
________________________________________
كذلك في البناء، لو قال: أنا أريد أن أبنيها فيلّا، لكنها ليس على هذا الوجه، هذا البناء لا يطيب لي، إما من حيث رداءة البناء، أو من حيث تصنيف البناء مثلًا، فهل له الحق أن يُجْبِرَه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، لكن إذا علمنا أنه ليس له غرض إلا الْمُضارَّة، وأن صاحب الأرض يريد أن يبنيها على ( ... ) هذه، أو يريد أن يغرسها بهذا النوع من الشجر، لكن يريد أن يُضَارّ بالغاصب، يكلفه، فهنا نمنعه ونقول: ليس لك أن تُجْبِرَ الغاصب على إزالة البناء أو الغِرَاس.
الدليل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (10)، وهذا لا شك إنه ضَرّ صاحبه وأضَرّ به أيضًا، هذا واحد.
دليل آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال (11)، وهذا فيه إضاعة مال على مَن؟
طلبة: على الغاصب.
طلبة آخرون: عليهما.
الشيخ: عليهما جميعًا، على الغاصب واضح، وعلى المالك؛ لأنه الآن يريد أن ينشئ هذا البناء من جديد، وكان البناء أو الغِرَاس موجودًا، فقد أضاع المال، وسيخسر المرة الثانية بإنشائه، فصار كلام المؤلف ليس على إطلاقه، بماذا نقيِّده؟ بما إذا لم يتبين أن المقصود به المضارَّة، فإن تبين ذلك فإنه يُمنَع، «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
بقينا قول (أرشُ نقصها)، أرش نقص الأرض، هل تنقص الأرض بالبناء عليها؟
طالب: نعم.
الشيخ: نعم، ربما تنقص، يكون مثلًا أخذ من تربتها وهي صلبة، أو ما أشبه ذلك.
وأما في الغَرْس واضح أنها تنقص؛ لأن الأرض يسمونها الفلاحون إذا لم تُغْرَس يسمونها أرضًا بكرًا، وإن ماتت الأرض وصارت غير جيدة، فهنا فيها نقص، فيلزمه أرش نقصها، وكيف ذلك؟
نقول: نقدر الأرض مغروسة وغير مغروسة، يعني أن نقدرها بكرًا أو مغروسة قد نُزِع غرسها، فالفرق بين القيمتين هو أيش؟
طالب: الأَرْش.
الشيخ: هو أَرْش النقص، فيُلْزَم الغاصب بأرش النقص.
(2/2007)
________________________________________
الثالث: قال: (وتسويتها)، تسوية الأرض، تعرفون أن الأرض بعد أن يُهْدَم البناء الذي عليها لا بد أن يكون فيها حُفَر، ولا بد أن يكون لبقية الأنقاض الجذور أساسات الحيطان، نقول: نُلْزِم الغاصب بأيش؟ بأن يسوي الأرض ويردها على ما كانت عليه.
الرابع: قال: الأجرة، أجرة الأرض مدة استيلاء الغاصب عليها، فإذا قَدَّرْنَا أنه استولى عليها لمدة أربع سنوات ألزمناه بأجرتها لمدة أربع سنوات.
لكن هل نُلْزِمه بأجرتها مسكونةً ومعمورةً، أو بأجرتها بيضاء ليس فيها عمران؟
ما دمنا قلنا: إن الزيادة تكون لصاحب الملك فإنها تُقَوَّم على أنها مسكونة، الآن هي جعلها عمارات تُسْكَن، فله الأجرة.
ويحتمل أن يُقال: الأجرة هذه حصلت ببناء الغاصب وبأرض المالك، فتُجْعَل الأجرة بينهما نصفين؛ لأنّا الآن سنعطي المالك أكثر من أجرة الأرض، لاحظوا يا جماعة، سنعطي المالك أكثر من أجرة الأرض، أجرة الأرض بيضاء يمكن أن تكون عشرة آلاف في السنة، تكون مستودعات، تكون مواقف، لكن إذا كانت مبنية مئة ألف في السنة.
لكن من أين حصلنا مئة ألف في السنة؟ من بناء الغاصب، ومن أرض المالك.
فهنا لو قال قائل بأن لكل من الغاصب والمالك قسطَه من الأجرة، لكان جيدًا.
قال المؤلف: (ولو غَصَبَ جارِحًا، أو عبدًا، أو فرسًا، فحصَّل بذلك صيدًا فلمالكه).
(إذا غَصَبَ جارحًا)، الجارح يُطْلَق على الكاسب، مثل كلب الصيد، طير الصيد، هذا يُسَمَّى جارحًا، قال الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]، فهذا إنسان غصب كلب صيدٍ وصاد به، لمن الصيد؟
طلبة: للمالك.
الشيخ: للمالك؛ لأن الكلب لمالكه، ولم يكن من الغاصب إلا أنه أَشْلَاهُ بالصيد (12) فصاد، فيكون الصيد للمالك، كذلك أيضًا عبدًا، غصب عبدًا وقال للعبد: يلَّا روح صِدْ لنا طيورًا ..
(2/2008)
________________________________________
ولو غَصَبَ جارحًا أو عَبْدًا أو فَرَسًا فحَصَّلَ بذلك صَيْدًا فلِمَالِكِه، وإن ضَرَبَ الْمَصوغَ ونَسَجَ الْغَزْلَ وقَصَّرَ الثوبَ أو صَبَغَه ونَجَّرَ الخشبَ ونحوَه أو صارَ الحبُّ زَرْعًا , أو البيضةُ فَرْخًا , والنَّوَى غَرْسًا رَدَّه وأَرْشَ نَقْصِه، ولا شيءَ للغاصبِ، ويَلزَمُه ضَمانُ نَقْصِه وإن خُصِيَ الرقيقُ رَدَّه مع قِيمتِه، وما نَقَصَ بسعرٍ لم يضْمَنْ ولا بِمَرَضٍ عَادَ ببُرْئِه، وإن عادَ بتعليمِ صَنعةٍ ضَمِنَ النَّقْصَ، وإن تَعَلَّمَ أو سَمِنَ فزَادَتْ قِيمتُه ثُم نَسِيَ أو هَزِلَ فنَقَصَتْ ضَمِنَ الزيادةَ كما لو عادَتْ من غيرِ جِنْسِ الأَوَّلِ، ومن جِنْسِها لا يَضْمَنُ إلا أَكْثَرَهما.
(فصلٌ)
وإن خَلَطَ بما لا يَتَمَيَّزُ كزيتٍ، أو حِنطةٍ بِمِثْلِهما، أو صَبَغَ الثوبَ، أو لَتَّ سَوِيقًا بدُهْنٍ أو عكسُه - ولم تَنْقُص القيمةُ ولم تَزِدْ - فهما شَريكانِ بقَدْرِ مالَيْهِما فيه، وإن نَقَصَت القيمةُ ضَمِنَها، وإن زادَتْ قِيمةُ أحدِهما فلصاحبِه، ولا يُجْبَرُ مَن أَبَى قَلْعَ الصبْغِ، ولو قُلَعَ غرسُ المشترِي أو بِنَاؤُهُ لاستحقاقِ الأرضِ رَجَعَ على بائعِها بالغَرامةِ، وإن أَطْعَمَه لعالِمٍ بغَصْبِه فالضمانُ عليه , وعَكْسُه بعَكْسِه، وإن أَطْعَمَه لِمَالِكِه أو رَهَنَه أو أَوْدَعَه أو آجَرَه إيَّاه لم يَبْرَأْ إلا أن يَعْلَمَ، ويَبرأُ بإعارتِه،
يكون الصيد للمالك، كذلك أيضًا: عبدًا، غصب عبدًا، وقال: يا عبد، يلّا روح صِدْ لنا طيورًا، صد لنا حمار وحش، صد لنا ظباء. وذهب وصاد، فلمن؟ فللمالك، وذلك لأنه كسب ملكه فيكون له، كسب ملكه؛ أي: ملك المالك فيكون له.
(2/2009)
________________________________________
الثالث: فرسًا، الفرس ليس هو الذي يصيد، العبد يصيد، والجارح يصيد، الفرس لا يصيد، بل يُصاد عليه، والصائد هو الغاصب؛ لأن الغاصب صاده بسهمه أو صاده بوثبه، أما الفرس فليس له إلا العَدْو فقط، ولهذا ينبغي أن يُفرق بينه وبين الجارح والعبد؛ لأن الجارح والعبد حصل الصيد من فعلهما، وأما الفرس فليس من فعله.
ولهذا نقول: الراجح في مسألة الفرس أن الصيد للغاصب، لكن عليه أجرة الفرس، ربما تكون أجرة الفرس أكثر من قيمة الصيد، قد يصيد حمامة قيمتها خمسة ريالات، ولكن استعمال الفرس بخمسين ريالًا مثلًا، المهم أن في مسألة الفرس ينبغي أن يقال: الفرس لم يصد به، وإنما صاد عليه، فيكون الصيد للغاصب، وعليه لمالك الفرس الأجرة.
طالب: أكرمكم الله يا شيخ، لو غصب غاصب الأول ( ... ) صاحب الملك؟
الشيخ: لا، هذا قبل أن يطالب صاحب الملك، إذا طالب صاحب الملك إن طالب بإزالته أُزيل، إلا على ما وصفنا إذا كان فيه مضارة، وإذا لم يطالب فسيأتينا إن شاء الله تعالى حكم هل لمالك الأرض أن يقول: تبقى لي وأعطيك قيمة البناء؟ بيجينا إن شاء الله هذا.
طالب: لو كان هناك رجلان يا شيخ، فرأى أحدهما صيدًا فأخذ بندقية من صاحبه غصبًا، ثم صاد الصيد، لم يغصبه، إنما أخذه بدون ..
الشيخ: ( ... ) عليه.
الطالب: إي.
الشيخ: الصيد للصائد.
الطالب: ولكن لم يأذن لصاحبه.
الشيخ: وإن لم يأذن، كما لو أخذ سكينًا وذبح بها الشاة تكون الشاة لذاك ( ... )، المهم أن الصيد لصائده.
طالب: لو حصل الغصب بشبهة، هل يلزم من هذه الأمور ( ... )؟
الشيخ: هذه تأتي إن شاء الله في الدعاوي، تأتينا إن شاء الله في آخر الكتاب بعد عشر سنوات.
طالب: شيخ بارك الله فيك، لو رد إليه الشعير والبر -في المثال الذي ذكرناه- وقلنا: إنه يلزم أنه يرد إليه ( ... ) غرم مثله مضاعفُا، فلو قال: أرد إليك الشعير والبر جميعًا أيسر من أن أميز لك حقك؟
الشيخ: لا يلزمه القبول.
الطالب: لا يلزمه القبول؟
(2/2010)
________________________________________
الشيخ: إي نعم؛ لأنه يقول: أنا أحب أن يكون لي خبز شعير.
الطالب: ولو لم يكن له غرض صحيح في ذلك؟
الشيخ: لا، يقول: لي غرض صحيح ( ... )، وأجره ونيته فيما بينه وبين الله.
الطالب: لو لم يهدِ لغرض صحيح، فهل نفصل كما فصلنا ..
الشيخ: ربما نقول: إذا قصد المضارة، وهذاك يقول: وهبته لك، لكن مشكلتنا هذه بالنسبة للبر والشعير أنه إذا قال: أنا أريد أن أبيع، وإذا خلطت الشعير بالبر وعرضته للبيع اتهمني الناس بالغش، وأنا لا أريد أن أغير سمعتي.
( ... )

***
طالب: ... ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الغصب:
وَلَوْ غَصَبَ جَارِحًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ فَرَسًا، فَحَصَّلَ بِذَلِكَ صَيْدًا فَلِمَالِكِهِ وَإِنْ ضَرَبَ المَصُوغَ، وَنَسَجَ الغَزْلَ، وَقَصَّرَ الثَّوْبَ، أَوْ صَبَغَهُ، وَنَجَرَ الخَشَبَ وَنَحْوَهُ، أَوْ صَارَ الحَبُّ زَرْعًا، أو البَيْضَةُ فَرْخًا، وَالنَّوَى غَرْسًا، رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلغَاصِبِ، وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ، وَإِنْ خَصَى الرَّقِيقَ رَدَّهُ مَعَ قِيمَتِهِ وَمَا نَقَصَ بِسِعْرٍ لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بِمَرَضٍ عَادَ بِبُرْئِهِ، وَإِنْ عَادَ بِتَعْلِيمِ صَنْعَةٍ ضَمِنَ النَّقْصَ، وَإِنْ تَعَلَّمَ أَوْ سَمِنَ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ ثُمَّ نَسِيَ أَوْ هُزِلَ فَنَقَصَتْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ كَمَا لَوْ عَادَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَوَّلِ، وَمِنْ جِنْسِهَا لَا يَضْمَنُ إِلَّا أَكْثَرَهُمَا.
(2/2011)
________________________________________
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم هذه المسائل التي ذكرها المؤلف رحمه الله مبنية على حديث: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1)، فنذكر منها ما ذكر المؤلف، يقول: (وَلَوْ غَصَبَ جَارِحًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ فَرَسًا فَحَصَّلَ بِذَلِكَ صَيْدًا فَلِمَالِكِهِ) هذه ثلاث مسائل، غَصَبَ جَارِحًا -الجارح مثل الكلب المُعلَّم والصقر- وما أشبه ذلك، فحصل بذلك صيدًا فهو لمالكه، أي: لمالك الجارح، وليس للغاصب شيء؛ لأنه ظالم معتدٍ، والكسب حصل من ملك غيره.
العبد أيضًا لو أنه غصب عبدًا، وهذا العبد اصطاد صيودًا، فالصيود لمالك العبد، لماذا لا تكون للعبد؟ لأن العبد لا يملك، وما يملكه العبد فهو لسيده، وعلى هذا فيكون لمالك العبد.
كذلك لو حصَّل فرسًا يعدو عليه؛ ليصطاد عليه، فالصيد لمالكه؛ لمالك الفرس، ولا شك أن هذه الصور بينها فرق فالجارح يصيد بنفسه فيتضح كون الصيد لمالك الجارح العبد أيضًا يصيد بنفسه فيتضح كون صيده لمالكه، الفرس لا يصيد بنفسه، وإنما يصيد راكبه، فكون ما حصل على الفرس الذي غصبه لمالك الفرس فيه نظر، والصواب أنه للصائد، لكن يلزمه أجرة المثل للفرس فيقال مثلًا: الصيد للغاصب، وعليه لمالك الفرس أجرة المثل، وذلك لأن الفرس ليس هو الذي صاد، بل الذي صاد راكبه، فالفرق بين المسائل الثلاث واضح، وهذا هو الحكم.
إذا غصب جارحًا فاصطاد الجارح صيدًا فالصيد لمالك الجارح، عبدًا فاصطاد العبد صيدًا فالصيد لمالكه، فرسًا فاصطاد به صيدًا فلمن؟ فللغاصب، لكن عليه أجرة المثل، كما لو غصب سكينًا وصاد بها، فما صاد بالسكين فهو له، وعليه أجرة المثل لمالك السكين، أو مثلًا في الرمح أو غير ذلك.
(2/2012)
________________________________________
يقول رحمه الله: (وَإِنْ ضَرَبَ الْمَصُوغَ، وَنَسَجَ الغَزْلَ، وَقَصَّرَ الثَّوْبَ، أَوْ صَبَغَهُ، وَنَجَرَ الخَشَبَ وَنَحْوَهُ، أَوْ صَارَ الحَبُّ زَرْعًا، أَوِ البَيْضَةُ فَرْخًا، أَو النَّوَى غَرْسًا، رَدَّهُ وَرَدَّ أَرْشَ نَقْصِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلغَاصِبِ).
هذه عدة مسائل أيضًا:
إذا (ضَرَبَ الْمَصُوغَ) بأن غصب مثقالًا من الذهب وحوَّله إلى حلي، أو مثقالًا من الفضة وحوله إلى حلي، فلمن تكون هذه الزيادة التي زادت بالصنعة تكون لمن؟ تكون لمالك المصوغ، وليس للغاصب شيء؛ لأنه ظالم.
كذلك لو (نَسَجَ الغَزْلَ) غصب غزلًا من صوف أو وبر أو شعر، ثم حوله إلى نسيج فهو لمن؟ لمالكه، وليس للغاصب شيء؛ لأنه ظالم.
كذلك (قَصَّرَ الثَّوْبَ) أي: غسله بعد أن كان وسخًا غسله، ومن المعلوم أن قيمته ستزداد، لكن الزيادة لمالك الثوب، وليس للغاصب شيء، والعلة أنه ظالم.
(أَوْ صَبَغَهُ) إذا صبغ الثوب إلى صبغ مرغوب عند الناس بعد أن كان أبيض غير مرغوب فإن الصبغ يكون لمالك الثوب، هكذا قال المؤلف هنا، لكن فيه نظر؛ لأن الصبغ لا بد فيه من شيء يصبغه به، والشيء الذي صبغه به ملك للغاصب، فكوننا نقول: إن الصبغ يكون لمالك الثوب، مع أن في هذا الثوب عينًا للغاصب. فيه نظر، وينبغي أن يقال: للغاصب قيمة صبغه، لكن لو نقص الثوب بالصبغ بأن حوله إلى صبغ تنقص به القيمة فعلى الغاصب ضمان النقص.
قال: (وَنَجَرَ الخَشَبَ) إنسان أخذ أعمدة من الخشب ونجرها أبوابًا، فهنا لا بد أن تتغير القيمة وتزداد، فقيمته لمن؟ للمالك؛ لأن هذا ناتج عن فعل ظالم.
النجارة التي تتساقط عند النجر لتسوية الباب وما أشبه ذلك قد يكون لها قيمة، فمن يضمنها؟ يضمنها الغاصب، والنجارة كان الناس فيما سبق يتخذونها حطبًا، يشترون من النجار، يشترون منه هذه النجارة، أتعرفون هذه النجارة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نقول: هذه النجارة يضمنها الغاصب؛ لأنه ظالم.
(2/2013)
________________________________________
وقوله: (وَنَحْوَهُ) كما لو حول الحديد إلى أبواب غصب صاجات من الحديد، وحولها إلى أبواب فلمن تكون؟ تكون للمالك والغاصب لا يستحق شيئًا.
(أَوْ صَارَ الحَبُّ زَرْعًا) إذا صار الحب زرعًا فهو للغاصب كيف صار الحب زرعًا؟
الطالب: يزرعه يا شيخ.
الشيخ: يعني أيش؟ مثال.
الطالب: مثال لو أخذ حبًّا ..
الشيخ: لو غصب حبًّا.
الطالب: حبًّا من القمح ( ... ).
الشيخ: ثم زرعه.
الطالب: ألقى الحب ثم زرعه ..
الشيخ: ألقى الحب في الأرض، وصار زرعًا، فالزرع لمن؟
الطالب: الزرع للغاصب.
الشيخ: الزرع للغاصب؟
الطالب: لا هو على كلام المؤلف للمالك.
الشيخ: وهو كذلك، يكون الزرع لمالك الحب لا للغاصب؛ لأن هذا الزرع هو عين ملكه، لكنه تحول بإرادة الله عز وجل إلى هذا.
كذلك صارت (البَيْضَةُ فَرْخًا) فالفرخ لمالك البيضة؛ يعني: رجل غصب بيضة، ووضعها تحت طائر، وصارت فرخًا، فالفرخ هذا لمن؟ لمالك البيضة؛ لأن هو ملكه وعين ماله.
وهل يستحق الغاصب في هذه المسائل أجرًا؟
الجواب: لا، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).
أو صار (النَّوَى غَرْسًا) النوى معروف، وهو نواة التمرة، غَصَبَ نوى ووضعه في الأرض فصار غرسًا، فالغرس لصاحب النوى، فهذا الذي غصب مئة نواة ودفنها في الأرض صارت كم؟ مئة نخلة، تكون لصاحب النواة وليس للغاصب شيء؛ لأنه ظالم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ».
(2/2014)
________________________________________
يقول المؤلف: (إِنْ ضَرَبَ المَصُوغَ) إلى آخره، الجواب جواب (إن) في هذه المسائل كلها، (رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ) معلوم أن بعضه لا يمكن الرد، مثل: الحب يكون زرعًا، النوى يكون غرسًا، البيضة تكون فرخًا، لكن الثوب إذا قصره يمكن يرده أو لا؟ يرد الثوب ويرد نقصه؛ يعني: لو فرض أنه نقص بهذا، وأنه كان في الأول جديدًا لكنْ فيه وسخ، ثم لما غسله صار غسيلًا، ومعلوم أن قيمة الغسيل أنقص من قيمة الجديد، ولو كان وسخًا؛ لأن الذي يرى الجديد الوسخ يعلم أن استعماله قليل، لكن الذي يرى الغسيل يقدر أنه استعمل استعمالًا كثيرًا ثم غسل.
يقول: (رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلغَاصِبِ)، أما وجوب رده فظاهر؛ لأنه ملك لغيره، فيجب رده إليه، وأما كونه لا شيء له فلأنه ظالم، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).
(وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ) هذه مسألة جديدة، يعني يلزم الغاصب ضمان نقص ما غصب من أي شيء كان، إن كانت أرضًا فنقصت بحرثه إياها وتغييره إياها فهو ضامن.
إن كان كتابًا فاستعمله ونقص فإنه يلزمه ضمان نقصه وهذه مسألة مستقلة ليست مضافة على المسائل التي ذكرها؛ لأن المسائل التي ذكرها قال: (رَدَّهُ وَأَرْشَ نَقْصِهِ) وانتهت، (يَلْزَمُهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ) نقص أيش؟ المغصوب مطلقًا؛ حبر استعمله فنقص يلزمه ضمان نقصه.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وَإِنْ خَصَى الرَّقِيقَ رَدَّهُ مَعَ قِيمَتِهِ) رجل غصب رقيقًا فخصاه، وخصاء الرقيق حرام؛ لأنه يؤدي إلى قلة النسل، ولكن الغاصب خصاه من أجل أن تزيد قيمته؛ لأن الرقيق إذا كان خصيًّا كانت قيمته أكثر، لماذا؟ لماذا تكون قيمة الخصي من الرقيق أكثر من قيمة الفحل؟
طالب: قد يجالس النساء ( ... ).
الشيخ: لأنه أقل خطرًا على النساء من الفحل.
لكن يقول المؤلف: زادت قيمته، يقول: (رَدَّهُ مَعَ قِيمَتِهِ) قيمته خصيًّا أو قيمته فحلًا؟
(2/2015)
________________________________________
طلبة: فحلًا.
الشيخ: لا، قيمته خصيًّا؛ لأن هذا الخصاء زادت به القيمة، وهو فعل من ظالم، وليس له فيه حق مثال هذا: غصب رقيقًا فحلًا يساوي عشرة آلاف فخصاه، فصار يساوي عشرين ألفًا، يرده ويرد معه عشرين ألفًا، كذا؟
طالب: عشرة آلاف.
الشيخ: الصواب عشرة، لماذا يرد عشرة آلاف؟ لأنه أتلف منه ما فيه دية كاملة بالنسبة للحر، الإنسان لو خصى حرًّا ويش يجب عليه؟
طلبة: الدية كاملة.
الشيخ: الدية كاملة، الرقيق ديته قيمته، فهذا الرجل خصى الرقيق، لما خصى الرقيق نقول: عليك قيمته؛ لأنك أتلفت منه ما فيه دية كاملة بالنسبة للحر، وما فيه دية كاملة بالنسبة للحر ففيه قيمة العبد كاملة، فصار هذا الإنسان زاد صاحب العبد بضمان القيمة، وزيادة قيمته بالخصاء ويرد العبد أيضًا؛ لأن العبد ليس ملكًا له فإن قال قائل: هل خصاء الآدميين جائز؟
فالجواب: لا، لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى قطع النسل، إذ إن الخصي لا ينجب.
خصاء غير الآدميين هل يجوز أو لا يجوز؟ إذا كان لمصلحة البهيمة فهو جائز، ولو كان من أجل زيادة الثمن، ولا شك أن خصاء البهيمة يجعل لحمها أحسن وأطيب، وهذا في المأكول ظاهر، لو خصى خروفًا أو ثورًا أو جملًا أو فرسًا؛ يعني ذكرًا من الخيل، فهذا لا شك أنه يستفاد منه؛ لأنه يزيد اللحم، يطيب، لكن إذا كان لا يؤكل -كالحمار مثلًا- ما الفائدة من خصائه؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لا، الفائدة اتقاء شره؛ لأن الفحل من الحمير يتعب صاحبه، إذا رأى أنثى من الحمير ركب إليها، وربما يسقط صاحبه، وكذلك أيضًا يأخذ بالنهيق فيتعب فإذا خصي بردت شهوته ولم يحصل منه هذه المفسدة.
المهم، إذا خصى الرقيق رده مع قيمته (وَمَا نَقَصَ بِسِعْرٍ لَمْ يُضْمَنْ) (ما نقص بسعر) يعني: أن هذا الغاصب غصب هذه العين تساوي عشرة آلاف، ثم نزل السعر حتى صارت لا تساوي إلا خمسة، فهل يضمن الخمسة أو لا يضمن؟
(2/2016)
________________________________________
المؤلف يقول: إنه لا يضمن، وهو المذهب؛ لأن هذا النقص ليس عائدًا إلى عين المغصوب، بل لأمر خارج، وهي قيمته عند الناس، ومعلوم أن القيمة ترتفع أحيانًا وتنخفض أحيانًا، فلو غصب شاة قيمتها مئتا ريال، وبقيت عنده ولم تنقص عينها، بل ربما زادت، ثم نقص السعر حتى صارت لا تساوي إلا مئة ريال، فهل يرد الشاة ومئة ريال؟
على كلام المؤلف: لا، يرد الشاة ولا يضمن نقص السعر، مع أنه حين غصبها من مالكها كانت تساوي مئتين، وحال بينه وبينها حتى نقص السعر فلم تبلغ قيمتها إلا مئة، فالمذهب -وهو ما مشى عليه المؤلف- أنه لا يضمن، وعللوا ذلك بأن عين المغصوب لم تنقص، وإذا كانت لم تنقص فزيادة القيمة ونقصها لأمر خارج، وهو الطلب أو الجلب، إذا كثر الطلب لزم من ذلك ارتفاع القيمة، وإذا كثر الجلب لزم من ذلك نقص القيمة، أما عينها فلم تتغير.
قالوا: نظير ذلك لو استقرض صاعًا من بر من شخص يساوي ثلاثة دراهم، ثم ردَّه عليه وهو يساوي درهمين، هل يعطيه درهمًا؟ لا؛ لأنه رد عليه عين ماله أو رد عليه مثل ماله، وكذلك بالعكس لو استقرض صاعًا من البر يساوي درهمين، ثم ارتفعت القيمة فصار يساوي ثلاثة، يرد الصاع ويأخذ من صاحبه درهمًا؟ أجيبوا؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، يرد الصاع، فالنقص أو الزيادة في السعر لأمر خارج، لكن يقال: إن هذا الغاصب حال بين المالك وملكه حتى نزل السعر فهو ظالم، ونقص السعر في الواقع نقص صفة؛ لأن السعر قيمة السلعة، والقيمة تعتبر صفة في الواقع، ولهذا كان القول الصحيح أنه إذا نقص السعر فإن الغاصب يضمن النقص، فنقول: ردَّ العين إلى صاحبها ومعها نقص السعر.
رجل غصب كتابًا يساوي خمسين ريالًا، ثم بعد شهر أو شهرين رده وهو يساوي أربعين ريالًا، فماذا نقول؟
طالب: المذهب ( ... ).
الشيخ: لا يضمن نقص السعر، لكن إن كان الكتاب نقص بالاستعمال يضمن النقص، وعلى القول الثاني؟
طالب: القول الثاني: يضمن.
(2/2017)
________________________________________
الشيخ: يضمن نقص السعر فيردُّ الكتاب ويرد معه عشرة دراهم، ويرد أيضًا أرش النقص الذي حصل باستعمال الكتاب، وهذا القول اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، وشيخنا عبد الرحمن السعدي، وهو الصواب، وهذا القول ينبغي أن يكون هو المتعين؛ لأنه إذا قلنا: إن السعر لا يُضمن ربما يعتدي المعتدي على شخص، فيغصبه ماله ويحبسه عنده يريد أن تنقص الأسعار ثم يسلمه إلى صاحبه، وهذا لا شك في أنه يضمن؛ لأنه تعمد إدخال أيش؟
طلبة: الضرر.
الشيخ: الضرر على المالك فيضمن، يعني هذا ليس كالذي غصبه وحبسه ليستعمله أو لغير ذلك، ولم يخطر بباله أنه يريد إضرار المالك بنقص السعر، هذا أهون، لكن قد يعتدي المعتدي ويغصب الأشياء ويجعلها عنده، حتى إذا نقص السعر قال: يا رجل خذ مالك، على كل حال الصواب أن ما نقص بالسعر فإنه مضمون.
قال: (وَلَا بِمَرَضٍ عَادَ بِبُرْئِهِ) يعني: ولا يُضمن نقص بمرض (عَادَ) يعني: النقص (بِبُرْئِهِ) أي: ببرء المرض.
مثال ذلك: غَصَبَ شاة، مرضت الشاة نقص لبنها، ثم شُفيت الشاة وعاد لبنها على طبيعته، فهل يضمنها أو لا؟
يقول المؤلف: لا يضمن؛ لأن النقص الذي حصل عنده عاد، ورجعت إلى حالها الأولى، لكن لو فُرِض أنه كان رده إياها حين مرضها فإنه يضمن، أما بعد أن شُفيت فإنه لا يضمن؛ لأنه عاد على ما كان عليه حين الغصب، ولهذا قال: (وَلَا بِمَرَضٍ عَادَ بِبُرْئِهِ)، برء أيش؟
طلبة: المرض.
الشيخ: برء المرض، وصورتها كما سمعتم، غصب شاة فمرضت فنقصت قيمتها، نقصت هي عينها، ثم شفيت، فعادت على ما كانت عليه، ثم ردها بعد ذلك، فإنه لا يضمنها، لكن لاحظوا أن كل ما أخذه من لبن فإنه يضمنه؛ لأن المنافع مضمونة على الغاصب، والكلام الآن على ضمان الأعيان.
(وَإِنْ عَادَ بِتَعْلِيمِ صَنْعَةٍ ضَمِنَ النَّقْصَ)، (إِنْ عَادَ) يعني: النقص، لا ببرء المرض ولكن بتعليم صنعة؛ ضمن النقص؛ لأن عَوْدَه هنا ليس هو عودة النقص الذي حصل.
(2/2018)
________________________________________
مثاله: غَصَبَ عبدًا، ومرض العبد وهُزِل، تنقص قيمته لا شك، لكنه علَّمه صنعة ارتفعت بها قيمته، كم يساوي هذا العبد قبل أن يمرض؟ يساوي عشرة آلاف، مرض فصار يساوي خمسة آلاف، تعلم صنعة فصار يساوي عشرة آلاف؛ يعني عاد الآن إلى القيمة الأولى، فهل يضمن نقصه؟
الجواب: نعم؛ لأن الغاصب ضامن للنقص، والزيادة للمالك، فنقول: الآن العبد يساوي ناقصًا غير متعلم للصنعة يساوي نصف قيمته قبل أن ينقص، فيرد العبد ونصف قيمته؛ وما زاد بتعلم الصنعة فإنه أيش؟
طلبة: للمالك.
الشيخ: للمالك.
غصب عبدًا كاتبًا فنسي الكتابة، لكنه تعلم صنعة الآلات الكهربائية مثلًا، وصار ما نقصه بنسيان الكتابة مجبورًا بما تعلمه من الصناعة الكهربائية، هل نقول: هذا يجبر هذا؟ لا، نقول: اضمن نقصه بالكتابة، وزيادة قيمته بالصناعة الكهربائية لمالكه.
ثم قال: (وَإِنْ تَعَلَّمَ أَوْ سَمِنَ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ ثُمَّ نَسِيَ) في مسألة التعلم (أَوْ هُزِلَ) في مسألة السمن (فَنَقَصَتْ) أي: قيمته (ضَمِنَ الزِّيَادَةَ).
رجل غصب عبدًا جاهلًا لا يعرف، فعلَّمه فتعلَّم فزادت القيمة، ثم نسي فنقصت، كانت قيمته قبل أن يتعلم عشرة، ولما تعَلَّم صارت قيمته عشرين، ولما نسي عاد إلى عشرة، فيقول المؤلف: فإنه يضمن الزيادة اللي حصلت بأيش؟ بالتعلم، يضمنها؛ لأنه لما زادت قيمته بالتعلم وهو على ملك صاحبه -أي: مالكه- نقصت الزيادة وهو في ضمان الغاصب، فيضمن الزيادة.
ومثله أيضًا لو أنه سَمِن بعد غصبه، سمن بأن يكون غصب شاة هزيلة، ثم علفها حتى صارت سمينة، ثم عادت وهزلت، هل يضمن الزيادة التي زادت؟ نعم، يضمنها؛ لأن زيادتها كانت في ملك مَن؟ في ملك صاحبها، والنقص صار في ضمان الغاصب فيضمن الزيادة.
(2/2019)
________________________________________
(كَمَا لَوْ عَادَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَوَّلِ) يعني كما لو عادت الصنعة من غير جنس الأول، بأن غصب عبدًا جاهلًا لا يعرف الصناعة، فتعلم النجارة وصار جيدًا ماهرًا في النجارة، ثم نسي فتعلم الحدادة وصار متقنًا لها، فهل يضمن نقصه حين نقص بنسيان النجارة؟ نعم، يضمنه؛ لأن الجنس الآن مختلف، نجارة وحدادة، فعَادَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَوَّلِ.
أما لو عادت من جنسها فإنه لا يضمن إلا أكثرها، كما لو تعلم الكمبيوتر في شيء معين، ثم تعلمه في شيء آخر، ونسي العلم الأول، فهنا الزيادة من جنس ما نسيه، فلا يضمن إلا أكثرهما، فإذا كانت الزيادة بعد النقص فلا ضمان عليه؛ لأنه زاده خيرًا، لكن إن كان ما نسيه أكثر فإنه يضمن الأكثر؛ لأنهما من جنس واحد.
طالب: شيخ بارك الله فيكم، هل للسلطان أن يعزر من غصب فرسا مثلًا، نحن قلنا: إذا غصب فرسًا أو سكينًا أصاب بهما، فإن الفعل فعل الغاصب، ولذلك فالصيد الراجح أنه له، فهل إذا قَلَّت خشية الله من الناس، وهل للسلطان أن يجعل مثلًا ما صاد به الغاصب للمالك تعزيرًا؟
الشيخ: هذا ينبني على جواز التعزير بالمال، وإذا قلنا بجواز التعزير بالمال فإن هذا المال الذي أخذ تعزيرًا يكون في بيت المال.
طالب: ليس للمالك.
الشيخ: ليس للمالك، لكن في الغالب أنه قد يقول المالك: مدة بقاء الفرس عند هذا الرجل تستحق الأجرة. فيطالب بالأجرة.
طالب: يا شيخ، مثلًا من غصب فرسًا فصاد إن الصيد للغاصب وللمالك أجرة المثل؟
الشيخ: إي نعم، هذا الراجح، هذا هو الراجح.
طالب: ما هي مسألة من غصب حبًّا حتى صار زرعًا فمثل هذه المسألة؟
الشيخ: لا.
طالب: ما الفرق؟
الشيخ: الفرق أن الحب هو عين ملك المالك، نفس الحب هذا.
طالب: أليس الزرع ( ... )؟
الشيخ: ما يخالف، بفعله كما لو نجر خشبًا، أرأيت لو جعل الخشب بابًا؟ فهو بفعله ومع ذلك نقول: إن الباب للمالك، وعليك ضمان ما نقص من الخشب.
(2/2020)
________________________________________
طالب: يا شيخ، أحسن الله إليك، ما حكم دخول المخصي ( ... ) على النساء؟
الشيخ: القاعدة كل من لا شهوة له فهو كالصبي، يعني يدخل على النساء ولا فيه شيء.
طالب: شيخ في ضمان النقص والزيادة بالنسبة للغاصب، هل هناك فرق بين الغاصب والسارق في هذا؟
الشيخ: لا فرق، الضمان واحد كل من أخذ مالًا من غيره بغير حق فإنه يعامل هذه المعاملة.
طالب: يا شيخ، نأخذ قياس يا شيخ على الشرح بغصب الفرس وصيد الصائد على أن الفرس له سهمان ..
الشيخ: على أنه أيش؟
طالب: على أن الفرس له السهام في المغازي والفارس له سهم واحد ( ... ) في الغنائم له سهمان.
الشيخ: إي، الفارس له ثلاثة أسهم.
طالب: إي نعم، وللفرس سهم زيادة عن حق ..
الشيخ: إي، معلوم؛ لأن منفعة الفارس أكثر من منفعة الراجل.
طالب: يمكن بعض الطلاب يستغرب ( ... ) أن غاصب الفرس له الصيد والمالك له ..
الشيخ: لا، بينهما فرق؛ لأن هذا انتفاعه بالفرس في القتال انتفاع في جهاد الأعداء أما هذه مسألة مالية.
طالب: لكن يا شيخ مقصدي أنا أني أقول: ( ... ) لها وجه نظر في الشرع.
الشيخ: أيهم؟
طالب: تنبيهكم على صيد الغاصب ( ... ).
الشيخ: إي نعم، هذا هو الراجح.
طالب: شيخ بارك الله فيك، قوله: (وَمِنْ جِنْسِهَا لَا يَضْمَنُ إِلَّا أَكْثَرَهُمَا) لو تعلم صنعة -مثلًا البناء- ثم نسي البناء، وتعلم مثلًا التلييس، وكان الأخيرة أكثر نفعًا هل يضمن أم لا.
الشيخ: لا، ما يضمن؛ لأن التلييس داخل في البناء فالظاهر أنه من جنسه.
طالب: قوله (لَا يَضْمَنُ إِلَّا أَكْثَرَهُمَا) يعني؟
الشيخ: يعني مثلًا لو كان البناء أكثر قيمة من التلييس ضمن الزيادة هذه.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، إذا غصب عبدًا فجنى العبد، العبد عند الغاصب، والعبد جنى على أحد ..
الشيخ: على الغاصب، تكون على الغاصب، الغاصب يتحمل جميع النقوص، وليس له شيء من الزيادة؛ لأنه ظالم.
(2/2021)
________________________________________
طالب: فيما ذكر المصنف: (إذا صار الحب زرعًا، والفرخة بيضًا) إذا قال المالك: ليس لي غرض في أن ينتقل إلى هذه العين، هل له أن يطالب الغاصب بمثل ماله الأول؟
الشيخ: هو الظاهر؛ لأنه تحول -في الواقع- تحوَّل إلى زرع، وهو يقول: أنا لا أريد الزرع، أنا أريد الحب، فله أن يطالبه بذلك.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، ( ... ) في إخراجنا للثوب المصبوغ يا شيخ، قلنا: إن الصحيح أنه يرجع بقيمته على المالك إذا كان الصبغ مرغوبًا فيه؛ لأن العين صبغ عين الزائد على الـ .. ، ما تبين الفرق بين إخراجنا هذه الصورة عن باقي الصور اللي ذكرها المؤلف.
الشيخ: الفرق لأن الغاصب أدخل في هذا عينا أخرى، وهو الصبغ.
طالب: لو قال قائل: في صياغة الحلي ..
الشيخ: في أيش؟
طالب: صياغة الذهب.
الشيخ: إي نعم.
طالب: أدخل شيئًا زائدا على ..
الشيخ: ما أدخل شيئًا.
طالب: غير الصناعة يا شيخ.
الشيخ: الصناعة خارجة عن نفس العين، غاية ما هنالك حَوَّل العين من شيء إلى آخر، فلا بينهما فرق، وسيأتي إن شاء الله في الفصل الثاني اللي بعده ما يبين أن المؤلف في هذا أخطأ، أن عندي عليه تعليق، الظاهر يقول: لو سبقه صريحه أنه لا شيء للغاصب وهذا خلاف المذهب ولعلها سبق قلم؛ لأني لم أجد ذلك في الفروع في المحرر ولا في الإقناع ولا في الممتع، وهو مخالف لكلامه الآتي في الفصل الذي بعده، وكلامه في الفصل الذي بعده هو المذهب الصحيح.
طالب: بالنسبة يا شيخ إذا حَوَّل النوى إلى غرس، إذا احتاج إلى مؤونة من الغاصب كأسمدة، وغير ذلك هل يرجع بها على المالك؟
الشيخ: لا أبدًا، لا يرجع بشيء إطلاقًا.
طالب: نحن قلنا في الثوب المغصوب ..
الشيخ: إي نعم؛ لأن الصبغ في نفس العين.
طالب: عين جديدة؟
الشيخ: في نفس العين، الثوب هذا أبيض وصبغه أسود، صار الثوب في نفس العين، لكن مسألة السماد خارجة عن الشجرة.
طالب: ولأنه اتخذ مؤونة ..
الشيخ: لا، ما يضر.
طالب: أبدًا؟
(2/2022)
________________________________________
الشيخ: أبدًا، حتى لو قلنا بهذا، وقلنا: إذا علمه الصنعة فله أجرة التعليم، وليس له أجرة.
طالب: بل يعلمه هو؟
الشيخ: حتى لو علمه، وحتى لو علمه هو أيضًا يحتاج إلى أجرة منفعته.
***
الطالب: قال المؤلف رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ

وَإِنْ خُلِطَ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ، أَوْ حِنْطَةٍ بِمِثْلِهِمَا، أَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ، أَوْ لَتَّ سَوِيقًا بِدُهْنٍ، أَوْ عَكْسُهُ وَلَمْ تَنْقُصِ القِيمَةُ وَلَمْ تَزِدْ، فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا فِيهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ القِيمَةُ ضَمِنَهَا، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا فِلِصَاحِبِهِ، وَلَا يُجْبَرُ مَنْ أَبَى قَلْعَ الصِّبْغ، وَلَوْ قُلِعَ غرْسُ المُشْتَرِي أَوْ بِنَاؤُهُ لاسْتِحْقَاقِ الأَرْضِ، رَجَعَ عَلَى بَائِعِهَا بِالغَرَامَةِ، وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِعَالِمٍ بِغَصْبِه، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ما تقول في رجل غصب بندقية وصاد بها صيدًا، فلمن يكون الصيد؟
طالب: يكون الصيد للغاصب.
الشيخ: للغاصب؟
طالب: نعم، وعليه أجرة البندقية لصاحبها.
الشيخ: وعليه أجرة البندقية لصاحبها.
لو زادت الأجرة على قيمة الصيد؟
طالب: لا يُلزم إلا بدفع الأجرة.
الشيخ: الأجرة أكثر من قيمة الصيد، الصيد يساوي خمسة ريالات وأجرة هذه البندقية تساوي خمسين ريالا؟
طالب: ما فهمت يا شيخ.
الشيخ: غصب بندقية وصاد بها صيدًا، صاد طيرًا يساوي خمسة ريالات، قلنا: عليك الأجرة، والصيد لك، الأجرة يقول: خمسون ريالا، والصيد خمسة ريالات.
طالب: لأن الغاصب يلزمه الأجرة إلى أن يرد المغصوب مهما بلغت.
الشيخ: نعم؛ يعني يلزمه الأجرة، ولو زادت على منفعته التي انتفع بها.
غصب فرسًا فصاد عليه صيدًا، فلمن يكون الصيد؟
طالب: الصيد لصاحب الفرس.
(2/2023)
________________________________________
الشيخ: لمالك الفرس، تمام، وتعب هذا في لحوق الصيد ومطاردته؟
طالب: يذهب هدرًا؛ لأنه غاصب.
الشيخ: يذهب هدرًا؛ لأنه غاصب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).
هل هناك قول آخر؟
طالب: نعم أنها تكون للغاصب وعليه الأجرة.
الشيخ: تكون للغاصب وعليه أجرة الفرس، كذا؟ وهذا هو الذي رجحناه.
لو غصب كلب صيد فصاد به؟
طالب: الصيد للمالك.
الشيخ: لمالك مَن؟ أو لمالك ما؟
طالب: صاحب الكلب.
الشيخ: لمالك الكلب، كذا؟ أجب.
طالب: لصاحب الكلب.
الشيخ: لصاحب الكلب، هنا صاحب الكلب يعني الذي غصبه ولّا المالك له؟
طالب: المالك.
الشيخ: وهل يُملك الكلب؟
طالب: لا يملكه.
الشيخ: إذن نعبر بأنه؟
طالب: صاحبه.
الشيخ: صاحب الكلب، بارك الله فيك، جيد.
رجل غصب بُرًّا وبذره وخرج زرعًا لمن يكون؟
طالب: الزرع لمالك البر.
الشيخ: لمالك البر؟ لماذا؟
طالب: لأنه ( ... ).
الشيخ: لأنه نماء ملكه، كما لو غصب شاة هزيلة ثم سمنت، فالسِّمَن لمالكه.
يضيع عمل الغاصب؟
طالب: يضيع.
الشيخ: الغاصب بقي ستة شهور يسقي هذا الزرع وتعب عليه؟
طالب: ولو، ليس له حق.
الشيخ: ليس له حق؟ الدليل؟
طالب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).
الشيخ: أحسنت.
غصب عبدًا فتعلم صنعة، ثم نسيها وتعلم أخرى، فهل يضمن الغاصب قيمة الصنعة التي نسيها أو لا؟
طالب: يضمن قيمة النقص.
الشيخ: يضمن قيمة نقصه بنسيان الصنعة الأولى، لكن هو تعلَّم صنعة أخرى سدت النقص.
طالب: ( ... ).
الشيخ: يعني كان نجارًا، علمه النجارة وصار نجارًا جيدًا ثم نسي أو أصابه شيء لا يستطيع معه أن ينجّر، لكن تعلم صنعة أخرى كالكمبيوتر مثلًا، وصار قيمته في الثاني أكثر.
طالب: يضمن الأولى.
الشيخ: يضمن الأولى، توافقون على هذا، على المثال خاصة، ما هو ضابط.
إذا عادت من جنس الزيادة الأولى؟
طالب: فإن كانت منه يضمن الأعلى.
(2/2024)
________________________________________
الشيخ: يضمن الأعلى فقط؛ لأن الجنس واحد فهي كأنها صفة واحدة.
***
قال المؤلف رحمه الله: (وَإِنْ خُلِطَ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ)، (وَإِنْ خُلِطَ) الضمير يعود على المغصوب، إذا خُلط المغصوب، فإما أن يُخلط بما يتميز، وإما أن يُخلط بما لا يتميز، فهذان قسمان:
الأول: إذا (خُلِطَ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ، أَوْ حِنْطَةٍ بِمِثْلِهِمَا) ما مِثْلُ الزيت؟
طالب: الزيت.
الشيخ: الزيت، الحنطة؟
طالب: الحنطة.
الشيخ: الحنطة، غصب إناء من الزيت، وخلطه بإناء عنده من الزيوت، هنا لا يمكن تمييز المغصوب من غيره، كيف يميزه؟ اختلط، حنطة بحنطة، اختلط، لا يمكن تمييز الحبة التي للغاصب من الحبة التي للمغصوب منه، فماذا يكون الحكم؟
قال المؤلف رحمه الله: (وَلَمْ تَنْقُصِ القِيمَةُ وَلَمْ تَزِدْ، فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا فِيهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ القِيمَةُ ضَمِنَهَا) لَمْ تَنْقُصِ القِيمَةُ وَلَمْ تَزِدْ فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ المال، مثال ذلك: غصب صاعًا من البر وخلطه بصاع من البر من جنسه، فهنا يكونان شريكين، بشرط أن لا تنقص القيمة ولم تزد، فإن نقصت القيمة بالخلط بأن كان الناس يختارون أن يشتروا شيئًا قليلًا من البر، وهو خلط مئة صاع بمئة صاع فتنقص القيمة، إذا نقصت فعلى الغاصب ضمان النقص، وأما إذا لم تنقص ولم تزد فهما شريكان بقدر ماليهما، فإذا كان للغاصب صاعان وللمغصوب منه صاع فكم تكون القيمة؟
طالب: أثلاثًا.
الشيخ: أثلاثًا، وهلم جرًّا.
هذا مثال، مثل أن يقول: (أَوْ صَبَغَ) الغاصب (الثَّوْبَ) صبغه بلون، ولم تزد القيمة ولم تنقص فهما شريكان، فللغاصب قيمة الصبغ، ولمالك الثوب قيمة الثوب، فإذا قُدِّر أن قيمة الصبغ عشرة وقيمة الثوب عشرة، وبِيع بعشرين فلكل واحد منهما ثَمَنُ ملكه، وهذا يتناقض مع ما سبق أنه إذا صبغ الثوب فهو لمالك الثوب، وقد أشرنا إليه في الشرح أمس.
(2/2025)
________________________________________
يقول: (أَوْ لَتَّ سَوِيقًا بِدُهْنٍ) غصب سويقًا ولتَّه بدهن، معنى لتَّه يعني: صب عليه الدهن، ومعلوم أن الدهن الآن لا يمكن أن يتميز، فهما شريكان، (أَوْ عَكْسُهُ) ويش معنى عكسه؟ لت دهنًا بسويق؛ يعني غصب دهنًا فأضاف إليه السويق.
(وَلَمْ تَنْقُصِ القِيمَةُ وَلَمْ تَزِدْ، فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا فِيهِ)، وعند التنازع فالأصل أن الغارم يُقبل قوله، (وَإِنْ نَقَصَتْ القِيمَةُ ضَمِنَهَا) مَن الضامن؟ الغاصب، لو أن هذا السويق الذي لتَّه بدهن نقصت قيمته؛ لأن الناس لا يرغبون الدهن، أو لَتَّه بدهن له رائحة كريهة أو ما أشبه ذلك، فعلى الغاصب أيش؟ ضمان النقص؛ لأنه ظالم.
(وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا فِلِصَاحِبِهِ) يعني مثلًا: هذا الدهن يساوي عشرة، والسويق يساوي عشرة، الدهن للغاصب لكنه لما لُتَّ بالسويق زادت قيمته؛ لأنه صار فيه نفع، فتكون الزيادة لمن؟
طالب: للمالك.
الشيخ: لا، الغاصب لته بالدهن؛ يعني الدهن من الغاصب، وزادت قيمة الدهن فلصاحبه، أما لو نقصت قيمة السويق بلته بالدهن والسويق هو المغصوب فعلى الغاصب ضمان النقص.
والخلاصة أن القاعدة عندنا الآن: كل نقص يترتب على فعل الغاصب أو على غير فعله في المغصوب فإنه مضمون على الغاصب.
قال: (وَلَا يُجْبَرُ مَنْ أَبَى قَلْعَ الصِّبْغ)، المؤلف -رحمه الله- ما ذكر القسم الثاني فيما إذا خلط بما يتميز، إذا خلط بما يتميز وجب على الغاصب تخليصه ولو ضاع عليه مال كثير، فإذا غصب برًّا وخلطه بشعير، فهل يتميز البر من الشعير يا إخوان؟
طلبة: نعم.
(2/2026)
________________________________________
الشيخ: يتميز، نقول للغاصب: خلِّص البر من الشعير، قال: يا جماعة هذا يتعبني ويكلفني، أبغي أبقى يومين أو ثلاثة وأنا أخلصها له، نقول: وليكن؛ لأن عين المال المغصوب الآن موجودة فيجب ردها إلى صاحبها، فإذا قال: هذا إضرار بي؟ فالجواب سهل، ماذا نقول؟ أنت الذي جنيت على نفسك، لماذا تغصب أولًا؟ ولماذا تخلطه ثانيًا؟ و «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1)، إذن يلزمه التخليص ولو غرم أضعافه.
لو قال الغاصب: الآن أنا خلطت البر بالشعير، والبر الذي خلطته خمسة أصواع، أنا أعطيك أيها المالك عشرة أصواع، ما تقولون؟ هل يجبر المالك أو لا؟ يقولون: لا يجبر، بل يقال: خَلِّص البر، أعطيكم أكثر من مثله، نقول له خَلِّص البر.
هذا في الحقيقة من جهة قد نقول: إنه قول جيد؛ لأن في ذلك ردعًا للغاصبين، يردعهم إذا علموا أنهم سوف يضمن إلى هذا الحد لا يغصب، وإن نظرنا إلى أن فيه إضرارًا، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (2)، قلنا: هنا يتوجه القول بأن المغصوب منه يجبر على قبول مثل بره الذي غُصِب، ويعد البر الآن كالتالف، وإذا أتلف شخص بُرًّا ضمنه بمثله، فالمسألة فيها تردد، وحينئذٍ ننظر -في مسألة القضاء والحكم بين الغاصب والمغصوب منه- ننظر إلى المصلحة، إذا رأى القاضي أن من المصلحة أن يُلزَم الغاصِبَ بتخليص مال المغصوب منه فليفعل، وإن رأى العكس فلا حرج؛ لأن المضارة في هذا واضحة.
(2/2027)
________________________________________
قال: (وَلَا يُجْبَرُ مَنْ أَبَى قَلْعَ الصِّبْغ) من أين؟ من الذي يأبى، الغاصب أو المغصوب منه؟ ما ندري هل المغصوب الصبغ، أو المغصوب الثوب؟ على كل حال سواء هذا أو هذا، إذا قيل: اقلع الصبغ، لا يمكن هذا؛ لأن الصبغ بعد أن صار في الثوب صار من جنس الصفة لا يمكن فصلها عن الموصوف، وكيف يمكن أن يقلعه؟ ! لا يمكن، اللهم إلا أن يُرَبَّص في الماء ثم يخرج الماء –مثلًا- ملونًا بلون هذا الصبغ، ويعود الثوب على ما كان عليه، وهذا فيه إفساد، حتى الثوب يتضرر بهذا، فلا يُجبر من أبى قلع الصبغ.
إذن كيف تكون الحال؟
نقول: الحال كما قال في الأول: إذا صبغ الثوب صار شريكًا لصاحب الثوب، هما شريكان.
فإن قال صاحب الثوب: أنا لا أريد مشاركته؛ ثمنوا صبغه وأسلم الثوب، فهنا نقول: نعم نجيبه إلى هذا، إذا قال: أنا لا أريد مشاركته هذا لو شاركته في هذا الثوب وأردت أن أبيعه قال: لا تبع. أردت أن أبقيه قال: لا، بعه. يحصل ولّا ما يحصل؟ يحصل نزاع لا شك، فنقول: إذا طلب صاحب الثوب أن يدفع قيمة الصبغ ويكون له الثوب مصبوغًا فإنه يتعين إجابته؛ لما في عدم الإجابة من الإضرار بالجميع، وربما يحصل نزاع لا ينتهي.
قال رحمه الله: (وَلَوْ قُلِعَ غرْسُ المُشْتَرِي أَوْ بِنَاؤُهُ لاسْتِحْقَاقِ الأَرْضِ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهَا بِالغَرَامَةِ) رجل باع أرضًا، والمشتري غرس فيها، أو بنى، ثم أقام مالك الأرض بَيِّنة على أن هذا غاصب، الآن الأرض مستحقة لمن؟ للذي أقام البيِّنة على أنها ملكه، تبين الآن أن الأرض التي باعها الغاصب مغصوبة لا يصح العقد عليها، صاحب الأرض قال للمشتري -الذي غرس أو بنى- قال: اقلع الغرس، اقلع البناء، فهنا المشتري يرجع على البائع؛ لأنه غَرَّه، حيث أظهر أنه مالك.
وهل يرجع المالك على الغاصب رأسًا؟ لأنه قد يكون من مصلحة المالك أن يرجع على الغاصب.
طالب: ( ... ).
(2/2028)
________________________________________
الشيخ: نعم، هو راجع على الغاصب، لكن الآن نقول: المشتري يرجع على الغاصب؛ لأنه غره، ويأخذ قيمة الشجر من أين؟
طلبة: من الغاصب.
الشيخ: من الغاصب.
لو علم المشتري أن الأرض مغصوبة، لكنه تجاهل الأمر وطمع في الأرض، وقال: لعل مالكها لا يكون عنده بينة، وغرس أو بنى، فهل يرجع على الغاصب أو لا يرجع؟
طلبة: لا يرجع.
الشيخ: لا يرجع؛ لأنه دخل على بصيرة، فلا يرجع على الغاصب.
(وَلَوْ قُلِعَ غرْسُ المُشْتَرِي أَوْ بِنَاؤُهُ لاسْتِحْقَاقِ الأَرْضِ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهَا) من هو بائعها؟
طلبة: الغاصب.
الشيخ: الغاصب، (بِالغَرَامَةِ) أي: فيغرمه ما نقص.
(وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِعَالِمٍ بِغَصْبِه فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ) (أطعمه) أي: الغاصب، أطعم المغصوب، (لعالم بغصبه فالضمان عليه) أي: على الآكل، (وعكسه بعكسه)، مثال ذلك: رجل غصب شاة، وذبحها وأطعمها شخصًا آخر، والشخص الآخر يعلم أنها مغصوبة، فالضمان على مَن؟ الضمان على الآكل؛ لأنه مباشر للإتلاف والغاصب متسبب، والقاعدة الشرعية عندنا في المتلفات: أنه إذا اجتمع متسبب ومباشر فالضمان على المباشر، وعليه فهنا نقول: إذا كان الآكل يعلم أن هذه هي العين المغصوبة فعليه الضمان، وإن كان لا يعلم فالضمان على الغاصب الذي أطعمه.
بقي علينا أن نقول: صاحب الشاة في هذه الحال، هل له أن يرجع على الغاصب مع أن الآكل قد علم أنها مغصوبة؟
(2/2029)
________________________________________
الجواب: نعم، له ذلك، فهو مُخَيَّر بين أن يرجع على مَن؟ على الغاصب أو على الآكل، لكن قرار الضمان على الآكل إن كان عالمًا بالغصب، وإن لم يكن عالمًا بالغصب فالقرار على الغاصب، حينئذٍ نقول: يخير المالك بين الرجوع على الغاصب -لأنه هو الذي غصب ملكه، باشر الغصب- والرجوع على الآكل؛ لأن التلف كان تحت يده، ولكن إذا رجع على أحدهما فعلى من يكون قرار الضمان عليه؟ نقول: على الآكل إن كان عالمًا بأنه مغصوب، وعلى الغاصب إذا كان الآكل غير عالم.
وقد ذكر ابن رجب -رحمه الله- في القواعد الفقهية: أن الأيدي المترتبة على يد الغاصب عشرة أيدي، وأنها كلها أيدي ضمان، يعني يصح أن نضمِّنَها، إلا ما دخل الذي انتقلت إليه على أنه لا ضمان عليه فلا ضمان عليه.
طالب: المسألة الأخيرة؟
الشيخ: وهي؟
طالب: ما ذكر ابن رجب.
الشيخ: المسألة الأخيرة ما ذكر ابن رجب، الآكل -الذي أطعمه الغاصب- دخل على أن الأكل مضمون عليه ولَّا غير مضمون؟
الطالب: غير مضمون.
الشيخ: غير مضمون، فهنا يكون قرار الضمان على؟
الطالب: الغاصب.
الشيخ: الغاصب، لكن المستعير –مثلًا- من الغاصب دخل على أنه ضامن أو غير ضامن؟
الطالب: ضامن.
الشيخ: ضامن، فيكون قرار الضمان عليه، حتى وإن كان جاهلًا؛ لأنه لو أعاره المالك لكان قرار الضمان عليه، فإذن يكون لو أنه ضمن الغاصب يرجع به على المستعير.
طالب: لو غصب غاصب برًّا وخلطه بشعير، وعند رَدِّه وافق المغصوب منه على أن يرد أكثر من النوع الذي اغتصب منه، هل له ذلك؟
الشيخ: إي نعم؛ يعني: لو غصب برًّا وخلطه بشعير، غصب صاعًا وخلطه بشعير، وقال لصاحبه: أصالحك على أن أعطيك صاعين، فلا بأس، هذه من باب المصالحة.
الطالب: مع أنه ربوي.
الشيخ: نعم، مع أنه مال ربوي، المصالحة لا بأس بها.
(2/2030)
________________________________________
طالب: بارك الله فيك يا شيخ، لو أن إنسانا غصب أرض مصلحة عامة كأرض مدرسة، وباعها على إنسان، الإنسان إذا أراد أن يبني في هذا الأرض المشتري يمنعه منها فيقول: أعد لي المال ..
الشيخ: كيف؟ غصب أرضًا معدة لمدرسة.
الطالب: ثم باعها على مشترٍ، هل نرجع على المشتري أو على البائع الأول؟
الشيخ: يعني الحكومة؟
الطالب: نعم الحكومة.
الشيخ: ترجع على من شاءت.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ترجع على من شاءت.
الطالب: المشتري دفع مالًا مقابل هذه ..
الشيخ: ما يخالف، ترجع على المشتري، وهو يرجع على البائع.
الطالب: إي نعم، البائع الآن يا شيخ يقول: نفد المال عنده ( ... ).
الشيخ: يبقى في ذمته.
طالب: شيخ، لو زادت قيمة المغصوب الذي أعاره الغاصب، المالك يرجع على من الآن في الزيادة هذه؟ يرجع على الغاصب ولّا على المستعير؟
الشيخ: كما لو تلف الأصل؛ يعني لو زاد فالزيادة لصاحب الملك؛ للمالك الأول، ولكن لو نقص فإنه يرجع إما على المستعير وإما على المعير، يُخيَّر.
طالب: شيخ ( ... ) جميع الملك ( ... ) صح في البيع ( ... ) المسألة الأخيرة ( ... ) صح في البيع؟
الشيخ: لا، بترجع لمالكها، العين المغصوبة سوف ترجع لمالكها، لكن لو تلفت فعلى المتلف المثل أو القيمة؟
طالب: شيخ ( ... ) إذا كان جاهلًا بأنها مغصوبة ( ... ).
الشيخ: لكن أكل على أنه غير مضمون عليه، على أن ذلك متبرع به.
طالب: ( ... ).
الشيخ: مِنه.
طالب: هو مباشر، يعتبر مباشرًا.
الشيخ: نعم، للمالك إن كان عالمًا فعليه.
طالب: وإن كان جاهلًا؟
الشيخ: وإن كان جاهلًا فعلى المؤكِّل على الغاصب، لكن نقول: إذا غَرَّم المالك الآكل فللآكل أن يرجع على الغاصب.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ، مثل ما مر علينا في الدرس من أكل من شاة غصبًا فالضمان على الآكل ما هي على الغاصب؟
الشيخ: على الآكل إن كان عالمًا.
(2/2031)
________________________________________
طالب: ولكن يا شيخ نفس الشاة هذه حية تساوي لها خمس مئة ريال، وميتة تساوي لها مئة ريال، وهذا هو الذي أتلف المصلحة العامة.
الشيخ: الآكل يضمنها لحمًا كما أكل، وإذا كانت تختلف القيمة -كما قلت- فالزائد على الغاصب؛ لأنه هو الذي ذبحها، أما لو أنه غصبها ثم أعطاها هذا الرجل وذبحها فهذا الرجل يضمن قيمتها على أنها حية.
طالب: شيخ، قلنا: الغاصب لو صبغ الثوب فإنه يكون شريكًا للمالك، لكن يا شيخ هذا الحديث «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1)، جعلنا له حقًّا؟
الشيخ: لا؛ لأن الغاصب الذي غصب الثوب قلنا: لك حق في الصبغ، الذي صبغ نقول: له حق في الصبغ؛ لأن الصبغ عين، وملكها باقٍ، لكن لو زاد الثوب بالصبغ قلنا: الزيادة لمالك الثوب، وليس لك حق في الزيادة، أما قيمة الصبغ لا بد أن أعطيه إياه.
هذا رجل غصب خشبًا ونجره بابًا، والمسامير من عنده، هل نقول: إن مالك الخشب يكون له الباب بمساميره؟
لا، المسامير للغاصب؛ لأنها ملكه، هذا مثله تمامًا، لأن الصبغ عين قائمة بنفسها، فتكون للغاصب، لكن كما قال المؤلف رحمه الله: من أَبَى قلع الصبغ فإنه لا يُجبر.
طالب: يا شيخ ( ... ) يفعلوا جميعًا، الغاصب أم الآكل ( ... )؟
الشيخ: مالك الطعام هو بالخيار، مالك الطعام إن شاء ضمن الغاصب، وإن شاء ضمن الآكل، لكن إن كان الآكل عالمًا فقرار الضمان عليه، وإن كان غير عالم فقرار الضمان على الغاصب.
طالب: ( ... ) الغاصب ( ... )؟
الشيخ: هذا عاد يرجع إلى ما يسمونه في عصرنا الحاضر الحق العام، وكلام الفقهاء - رحمهم الله- في الحقوق الخاصة، أما هذا الغاصب فلولي الأمر أن يؤدبه حتى لا يعتدي على الناس ويغصبهم.
طالب: يا شيخ، مثلًا إذا نجر بابًا ( ... ) لصاحب الخشب ( ... ) أصل الخشب ( ... ) يعني صاحب المال قال: هذه المسامير؛ يعني ( ... ) على الخشب ( ... ).
الشيخ: لكن هذه المسامير زادت قيمة الخشب بها.
طالب: ( ... ).
الشيخ: المسامير له، تثمن له.
***
(2/2032)
________________________________________
الطالب: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الغصب:
وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ آجَرَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَبْرَأْ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ وَيَبْرَأُ بِإِعَارَتِهِ وَمَا تَلِفَ أَوْ تَفيَّبَ مِنْ مَغْصُوبٍ مِثْلِيٍّ غَرِمَ مِثْلَهُ إِذن، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ يَوْمَ تَعَذُّرِهِ، وَيُضْمَنُ غَيْرُ المِثْلِيِّ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ، وَإِنْ تَخَمَّرَ عَصِيرٌ فَالمِثْلُ، فَإِنِ انْقَلَبَ خَلًّا دَفَعَهُ وَمَعَهُ نَقْصُ قِيمَتِهِ عَصِيرًا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق لنا أن جميع ما يحصل من نقص بيد الغاصب فهو مضمون عليه، وما حصل من زيادة فهو لمالكه، هذه القاعدة العامة، واستدللنا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).
ثم ذكرنا أنه إذا خلط المغصوب بغيره فعلى قسمين؟
طالب: إما أن يكون مما يتميز، فإن كان مما يتميز أُجْبِر على تمييزه.
الشيخ: أُجبر على تخليصه، إذا خلطه بما يتميز أُجبر على تخليصه، ولو غرم أضعاف أضعاف القيمة، والقسم الثاني؟
طالب: إن كان مما لا يتميز.
الشيخ: القسم الثاني: أن يخلطه بما لا يتميز، فما الحكم؟
الطالب: فهذا يُنظر إن لم تنقص القيمة فهما شريكان بقدر ماليهما، وإن نقصت القيمة أو زادت فالنقص على الغاصب والزيادة لصاحبها.
الشيخ: يعني يشتركان في هذا، يشتركان في المخلوط على حسب ماليهما، فمثلًا الصاع بصاعين صاحب الصاع له الثلث، وصاحب الصاعين له الثلثان، ثم إن نقصت قيمة المغصوب ضمنها الغاصب، وإن زادت فللمالك.
مثال المخلوط بما يتميز؟
طالب: مثل أن يخلط حنطة بشعير.
(2/2033)
________________________________________
الشيخ: مثل أن يخلط حنطة بشعير، فماذا يعمل؟
الطالب: يُجبر على التمييز.
الشيخ: يلقط الحنطة؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يلقطها؟
الطالب: نعم، يُجبر على تمييز الشعير.
الشيخ: إي، ما يتميز إلا بالتلقيط، يلقطها حبَّة حبَّة؟
الطالب: هو إما أن يقال: إنه ( ... ).
الشيخ: أسأله إما أن يقال أو ما يقال، الكلام على كلام المؤلف اللي إحنا شرحنا.
طالب: ( ... ).
الشيخ: يلقط حبَّة حبَّة، ولو كان وعاءً كبيرًا يبقى يومين، ثلاثة أيام.
الطالب: حتى ولو بقي.
الشيخ: ولو بقي، توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأن الملك معين الآن، وثابت لصاحبه.
إذا كان لا يتميز، مثل أيش؟
طالب: كما لو غصب زيتًا وخلطه بزيت.
الشيخ: كخلط زيت بزيت، أو بدهن مثلًا؟
طالب: نعم، ولا يكونان شريكين فيه، ويضمن المغصوب النقص إن نقص.
الشيخ: فهنا لا يمكن التمييز؟
طالب: نعم.
الشيخ: يكونان شريكين؟
طالب: يكونان شريكين بقدر ماليهما.
الشيخ: مَثِّل؟
طالب: غصب صاعين من زيت بصاع، هنا إذا لم تزد القيمة ولم تنقص ..
الشيخ: فلمالك الزيت؟
طالب: فلمالك الزيت صاعان.
الشيخ: إي، يعني: ثلثان.
طالب: يعني ثلثان، وللغاصب الثلث، إن نقصت القيمة ..
الشيخ: وإن نقصت؟
طالب: يكون للمالك الثلثان، ويضمن الغاصب النقص.
الشيخ: صحيح، واضح؟
رجل باع أرضًا على شخص وهي مغصوبة، فطُلِب من المشتري أن يخلص الأرض، يرجع المشتري على مَن؟
طالب: على الغاصب.
الشيخ: على الذي باعها؟
الطالب: إي نعم، الغاصب اللي باعها.
الشيخ: على الذي باعها، يرجع عليه بالغرامة؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأن الغاصب غبنه.
الشيخ: لأنه غبنه، فإن علم أنها مستحقة للغير فهل يرجع أو لا يرجع؟
الطالب: لا يرجع.
الشيخ: لا يرجع؛ لأنه دخل على بصيرة.
غصب طعامًا فأطعمه مالكه؟
طالب: إذا اجتمع يا شيخ مسدد وضامن ..
الشيخ: إلى الآن ما وصلنا للتعليل، إنسان غصب طعامًا خبزًا وأطعمه مالكه، هل يضمن أو لا يضمن؟
(2/2034)
________________________________________
طالب: يضمن ( ... ) آكله.
الشيخ: الآكل مالكه.
طلبة: ( ... ).
الشيخ: ( ... ).
***
بسم الله الرحمن الرحيم، قال: (وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ) فإنه (لَمْ يَبْرَأْ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ).
رجل غصب طعامًا كخبز ورز وغيره فأطعمه لمالكه، المالك أكله على أنه ملك الغاصب، فهنا نقول: إنه لا يبرأ -يعني: الغاصب- إلا إذا أعلمه، بأن قال: تفضل، أنا غصبت هذا المال منك، والآن أنا تائب فتفضل كُلْه. فإذا أكله برئ؛ لأنه علم.
كذلك لو رهنه إياه، استدان من المالك دينًا وأرهنه المغصوب، فإنه لا يبرأ، لماذا؟ لأن المرتهن داخل على أنه لا ضمان عليه، يده يد أمان، فلو تلف فإن الغاصب لا يضمن إلا إذا أعلمه بأن قال: إن الذي رهنتك هو مالك ..
طلبة: ( ... ).
الشيخ: نعم، الغاصب.
طالب: فلو تلف.
الشيخ: إذا رهنه شيئًا فيده –أي: يد المرتهن- يد أمانة، إذا تلف بغير تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه، فإذا رهنه -أي: رهن المغصوب لمالكه- فإنه لا يبرأ لو تلف، إلا إذا علم مالكه أن هذا ملكه فإنه يبرأ الغاصب؛ لأنه الآن مكَّنه منه وسلَّطه عليه.
(أَوْ أَوْدَعَهُ) (إِيَّاهُ)، (أَوْدَعَهُ) أي: أودع المغصوب (إِيَّاهُ) أي: المالك أودعه إياه، يقول: (لَمْ يَبْرَأْ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ)، والوديعة هي الاستحفاظ؛ يعني: استحفاظ المالك بأن تعطي الشخص مالًا يحفظه لك، ويُسمى عند الناس أمانة، وهو في الحقيقة وديعة، فإذا أودعه عنده فمن المعلوم أن المُودَع لا يضمن إلا إن تعدى أو فرط، فإذا أعلمه -أي: الغاصب- أن هذا ملكه برئ منه سواء تلف أم لم يتلف؛ لأنه إذا تلف فهو بيد مالكه، وأما إذا أودعه إياه ولم يعلم فإنه يضمنه إذا أودع الغاصب المال المغصوب لمالكه، ومالكه لم يعلم فالضمان على مَن؟ على الغاصب، حتى لو تلف تحت يد المُودَع بلا تعدٍّ ولا تفريط، فإن الغاصب يضمنه؛ لأنه معتدٍ، والمالك أخذه على أنه ملك لمن؟ للغاصب.
(2/2035)
________________________________________
(أَوْ آجَرَهُ إِيَّاهُ) غصبه سيارة -مثلًا- وآجره إياها يومًا أو أكثر ولم يعلم، فالضمان لو حصل عليها تلف -ولو بلا تعدٍّ ولا تفريط- الضمان على الغاصب؛ لأن يده يد عدوان، و «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1).
يقول: (أَوْ آجَرَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَبْرَأْ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ) يعني إلا أن يعلم مَن؟ المالك الذي أُودِع أو ارتهن أو أكل أو استأجر، فإذا علم، فمعلوم أن السلطة له على ماله والغاصب برئ.
قال: (وَيَبْرَأُ بِإِعَارَتِهِ)، (يَبْرَأُ) الفاعل الغاصب (بِإِعَارَتِهِ) يعود الضمير إلى المغصوب، لمن؟ إعارته لمن؟ لمالكه، يبرأ بإعارته لمالكه، مثال ذلك: رجل غصب كتابًا وأعاره مالكه، فهنا يبرأ، سواء علم المالك أم لم يعلم؛ وجه ذلك أنه إن علم أنه ملكه فقد تلف تحت يده، وإن لم يعلم فالمستعير ضامن بكل حال، فهو حتى وإن أخذه على أنه ملك للغاصب، فهو أيش؟ ضامن، ضامن بكل حال، وهذا مبني على أن المستعير ضامن بكل حال.
وقد سبق أن القول الراجح أن المستعير كغيره ممن يكون المال تحت يده بإذن من المالك أو إذن من الشارع، وأن يد المستعير يد أمانة، وعلى هذا لو تلف تحت يد مالكه في إعارة فالضمان على مَن؟ على الغاصب، إلا أن يعلم المالك أنه ملكه فيبرأ به، فكونه يبرأ بالإعارة وجهه أن المستعير ضامن بكل حال، وهنا نقول: إن أخذه المالك على أنه ملك للغاصب فهو مستعير، والمستعير ضامن، وإن أخذه عالمًا أنه ملكه فقد تم استيلاؤه عليه، فلا يضمن الغاصب، واضح؟
وعليه فيكون هذا مبني على القول بأن المستعير ضامن على كل حال سواء فرط أو تعدى أو لم يتعدَّ ولم يفرط، والصواب أنه كغيره من الأمناء؛ لأن المال حصل بيده أي بيد المستعير بإذن مِن، مِمَّن؟ من مالكه فإن تعدى أو فرط ضمن وإلا فلا.
(2/2036)
________________________________________
قال: (وَمَا تَلِفَ أَوْ تَفيَّبَ مِنْ مَغْصُوبٍ مِثْلِيٍّ غَرِمَ مِثْلَهُ إِذن) أي: حين تلفه، (وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ يَوْمَ تَعَذُّرِهِ، وَيُضْمَنُ غَيْرُ المِثْلِيِّ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ).
المغصوبات تنقسم إلى قسمين:
مغصوب مثلي؛ يعني له مثيل، ومغصوب غير مثلي.
المغصوب المثلي يُضمن بمثله، وغير المثلي يُضمن بقيمته، فلننظر ما هو المثلي؟
المثلي ضيق جدًا على المذهب، هو كل مكيل أو موزون يصح السلم فيه، وليس فيه صناعة مباحة، هذا هو المثلي، كل مكيل أو موزون يصح السلم فيه، وليس فيه صناعة مباحة.
فخرج بقولنا: "كل مكيل أو موزون" ما عدا المكيل أو الموزون، وعلى هذا فتعتبر البهائم مثلية أو غير مثلية؟
طلبة: غير مثلية.
الشيخ: غير مثلية، وخرج بقولنا: "يصح السلم فيه" المكيل المخلط الذي لا يصح السلم فيه لعدم انضباط صفاته، فهذا ليس بمثلي حتى ولو كان مخلطًا على وجه دقيق، بأن يكون فيه مثلًا جرام من كذا، وجرام من كذا، وجرام من كذا، فإنه لا يُعتبر مثليًّا؛ لأنه لا يصح السلم فيه، وخرج بقولنا: "ليس فيه صناعة مباحة" ما كان مصنوعًا صناعة مباحة، فليس بمثليٍّ، فالأواني كلها ليست مثلية، لماذا؟ لأن فيها صناعة مباحة، وأواني الذهب والفضة؟
طلبة: مثلية.
الشيخ: لا، غير مثلية، الصناعة حرام ولّا حلال؟
طلبة: حرام، نعم تكون على كلامهم مثلية؛ لأن هذه الصناعة ليس لها قيمة، فنعود إلى أصل الذهب والفضة، وهو الوزن، ويصح هذا على المذهب، كل مكيل أو موزون يصح السلم فيه وليس فيه صناعة مباحة.
الفناجيل الموجودة الآن مثلية ولّا غير مثلية؟
طلبة: على المذهب غير مثلية.
الشيخ: إحنا على المذهب الآن، ( ... ).
طلبة: غير مثلية.
الشيخ: غير مثلية، لماذا؟
طلبة: فيها صناعة مباحة.
الشيخ: لأن فيها صناعة مباحة، الأواني كلها -حتى ولو كانت طقمًا واحدًا وفي سنة واحدة- ليست مثلية؛ لأن فيها صناعة مباحة ..
(2/2037)
________________________________________
وما تَلِفَ أو تَغَيَّبَ من مغصوبٍ مِثْلَيْ غُرْمِ مِثلِه إِذْنٌ، وإلا فقيمتُه يومَ تَعَذُّرِهِ، ويَضْمَنُ غيرَ المِثْلِيِّ بقيمتِهِ يومَ تَلَفِهِ، وإن تَخَمَّرَ عصيرٌ فالمِثْلُ، فإن انْقَلَبَ خَلًّا دَفَعَه ومعَه نَقْصُ قِيمتِه عَصِيرًا.
(فصلٌ)
وتَصَرُّفَاتُ الغاصِبِ الحُكْمِيَّةُ باطلةٌ، والقولُ في قِيمةِ التالِفِ أو قَدْرِه أو صِفَتِه قولُه، وفي رَدِّه وعَدَمِ عَيْبِه قولُ رَبِّه، وإن جَهِلَ ربَّه تَصَدَّقَ به عنه مَضمونًا، ومَن أَتْلَفَ مُحْتَرَمًا أو فَتَحَ قَفَصًا أو بابًا أو حَلَّ وِكاءً أو رِباطًا أو قَيْدًا , فذَهَبَ ما فيه أو أَتْلَفَ شيئًا ونحوَه ضَمِنَه،
غير مثليَّة، الصناعة حرام ولَّا حلال؟
الطلبة: حرام.
الشيخ: حرام، إذن تكون على كلامهم مثلية؛ لأن هذه الصناعة ليس لها قيمة فنعود إلى أصل الذهب والفضة وهو الوزن ويصح هذا على المذهب كل مكيل أو موزون، أيش؟ يصح السلَّم فيه، وليس فيه صناعة مباحة.
الفناجين الموجودة الآن مثليَّة ولَّا غير مثلية؟ على المذهب؛ الآن نعرف المذهب قبل ..
الطلبة: غير مثلية.
الشيخ: غير مثلية؛ لماذا؟
الطلبة: لأنها مباحة.
الشيخ: لأن فيها صناعة مباحة.
الأواني كلها حتى ولو كانت طقمًا واحدًا، وفي سنة واحدة ليست مثلية؛ لأن فيها صناعة مباحة.
الأقلام؛ لو أنه غصب القلم وكسَّره نعم؛ ليس مثليًّا لماذا؟ لأن فيه صناعة مباحة، مع أن القلم صنف واحد وشكل واحد في اللون والحجم وكل شيء يقول: هذا ليس بمثليٍّ؛ لأن فيه صناعة مباحة.
ولكن القول الراجح في هذا أن المثليَّ ما له مثيل أو مشابه سواء كان مكيلًا أو موزونًا، مصنوعًا أو غير مصنوع، كل ماله مثيلٌ أو مشابه فإنه مثلي.
القاعدة الآن: المِثليُّ يُضمن بمثله، متفَق عليها ولا غير متفق؟ القاعدة هذه متفق عليها، المثلي يضمن بمثله، لكن ما هو المثلي؟
(2/2038)
________________________________________
هنا يأتي الكلام؛ وعلى هذا فلو أن شخصًا كسر فنجانًا لشخص، فهل نلزمه أن يأتي بفنجان مثله لصاحب الفنجان الأول؟
على المذهب لا، له قيمة الفنجان، وعلى القول الراجح يلزمه أن يأتي بفنجان.
لو أنه ذبح شاة ثنية التي صفتها كذا وكذا في السِّمَن والهزال واللون، وعنده أي عند ذابح الشاة شاة مثلها تمامًا، هل يضمن الشاة بهذه الشاة أو بالقيمة؟
طالب: المذهب، لا.
الشيخ: المذهب يُلزِمه بالقيمة، والقول الراجح في المسألتين جميعًا في الفنجان، يضمن بفنجان وفي الشاة يضمن بشاة.
لو أن رجلًا أخذ خبزة إنسان وأكلها، بماذا يضمنها على المذهب وعلى القول الراجح؟
على المذهب بالقيمة؛ ليش؟ لأن فيها صناعة، وأيضًا هي غير مكيلة، وعلى القول الراجح: يضمنها بمثلها، فإذا كان رجلان واقفين عند الفرَّان، فقدَّم الفران الخبزة لفلان وأخذها ثم خطفها الثاني من يده وأكلها فكيف يضمن؟
على المذهب بالقيمة، وعلى القول الراجح يقول: انتظر حتى يعطيني خبزتي، وخذها وينتهي كل شيء.
فالقول الراجح هو هذا أن المثلي أيش؟ كل ما له مثل أو شبه، وسواء كان مكيلًا أو موزونًا أو حيوانًا أو جمادًا أو مصنوعًا أو غير مصنوع، ويدلُّ لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف إبلًا فرد مثلها ولم يرد القيمة.
(2/2039)
________________________________________
وعلى المذهب لو استسلفت شاة من جارك تردُّ قيمتَها لا مثلها؛ لأنها غير مثلية ليست مكيلة ولا موزونة، ويدل لهذا أيضًا قصة الصحفة والطعام؛ حيث أرسلت إحدى أمهات المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا بصحفة مع رسول لها، فأتى الرسول بالطعام بالصحفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت إحدى نسائه، فغارت التي هو في بيتها، وضربت بيد الرسول حتى سقطت الصحفة وتكسَّرت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم صاحبة البيت أن تعطي هذه صحفتها وهو طعامها، وقال: «طَعَامٌ بِطَعَامٍ وَإِنَاءٌ بِإِنَاءٍ» (1) وهذا دليل واضح، ثم -سبحان الله- أيُّما أدق أن يضمن الإنسان فنجانًا بفنجان أو صاعًا بصاع؟
الطلبة: الأول.
الشيخ: الأول، بلا شك؛ لأن المماثلة في الفنجان بالفنجان متطابقة تمامًا، والمماثلة بين صاع وصاع لا بد أن تختلف، لا بد أن يكون هناك زيادة يسيرة فصارت القاعدة، أولًا القاعدة ما هي؟
أن المثليَّ يضمَّن بمثله؛ لأن مطابقة المثلي لمثله أقوى من مطابقة القيمة للشيء، القيمة تقدير وتخمين، والمماثلة مماثلة، لكن يبقى النظر ما هو المثلي؟ المذهب عرفتموه وأنه ضيق، والصواب أنه أعمُّ مما قالوا، إذا قدَّرنا أنه أتلف مثليًّا ولكن تعذر المثلي؛ مثل غصبه في مُحَرَّم وأتلفه، وما زال له نظير في السوق، وفي ربيع مثلًا فُقِدَ من السوق، ثم في جمادى طالبه المالك أن يضمَّن، فماذا يضمن الآن؟
الطلبة: القيمة.
(2/2040)
________________________________________
الشيخ: القيمة متى؟ وقت الضمان أو وقت التعذر؟ يقول المؤلف: (وإلَّا فقيمته يوم تعذره) ووجه هذا القول أنه لما تعذَّر ثبتت القيمة فلزمه الضمان بالقيمة وقت التعذر، ولو قيل: إن عليه الضمان بالقيمة وقت الاستيفاء منه لكان له وجه؛ وذلك أن الأصل ثبوت المثل في ذمته حتى يسلمه، هذا هو الأصل، وهو إذا تعذَّر فيما بين الإتلاف وبين الاستيفاء فقد لا يتعذر عند الاستيفاء، ربما يتعذر مثلًا في ربيع ولكن لا يتعذر في جمادى، لو قيل بهذا لكان أوجه وهو أن نضمنه المثل، فإن تعذَّر فقيمة المثل متى؟ وقت الضمان؛ لأن الأصل أن الذي ثبت في ذمة الغاصب هو المثل، والتعذر قد يكون في حين ولا يكون في حين آخر؛ فالصواب أنه يضمنه؛ يضمن المثلي إذا تعذر بقيمته وقت الضمان.
قال: (ويضمَّن غيرُ المثليِّ بقيمتِه يومَ تَلَفِه) غيرُ المثليِّ يضمنه بقيمته يوم تلفه؛ وذلك لأن غير المثلي تثبت القيمة من حين ما يغصبه من حين الغصب تثبت القيمة، وإذا كانت تثبت القيمة فإننا نقول: لو تلف هذا الذي ليس بمثلي فقيمته وقت التلف؛ لأنه قبل التلف لا يزال ملكًا لأيش؟ لصاحبه، فزيادته ونقصه على صاحبه، لكن المغصوب كما تعرفون اختلف العلماء هل يُضمَّن بنقص السعر أو لا؟ وسبق القول فيه.
قال: (وإن تخمَّر عصيرٌ فالمثل) إنسان غصب عصير عنب ثم تخمر، لما تخمَّر العصير زالت ماليته وصار الواجب إراقته، فيقول المؤلف: إنه إذا تخمَّر العصير ضمنه بالمثل أي: مثل أيش؟ مثل العصير لا مثل الخمر؛ وذلك لأن تخمره بمنزلة تلفه والعصير مثليٌّ؛ لأنه مكيل أو موزون؛ قال: (وإن تخمَّر عصير فالمثل) مثل أيش؟ مثل العصير؛ وذلك لأن تخمره بمنزلة التلف.
(فإن انقلبَ خَلًّا) (انقلب) يعني: بعد أن تخمر (انقلب خلًّا) يعني: زالت الشدة المسكرة فيه، (دفعه) أي: دفع الخل، (ومعه نقص قيمته عصيرًا)؛ لأنه إذا تخمَّر ثم تخلل، لا بد أن ينقُص فيضمن نقص قيمته عصيرًا؛ لأنه حصل النقص وهو في يد الغاصب.
(2/2041)
________________________________________
وكونه يضمَّن النقص الآن نقص القيمة قد يكون مؤيدًا لما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ وهو ضمان نقص السعر، لكن هم يقولون: إن النقص هنا ليس لمجرد السعر، لكن لنقص العين، ما هو لنقص السعر؛ لأنه لو بقي خمرًا فهو على قيمته، لكن نقصت قيمته؛ لأنه تخمَّر ثم عاد فصار خلًّا فصار هذا النقص في الحقيقة ليس عائدًا لمجرد نقص السعر، ولكنه لنقص العين، معلوم هذا فاهمين الصورة الأخيرة؟
الطلبة: لا يا شيخ.
الشيخ: لا إله إلا الله، كما يقول العامة: نسقي بلا ماء؛ رجل غصب عصير عنب، أتعرفون عصير العنب أو ما تعرفونه؟ ثم تخمَّر لما تخمر صار تحول الآن من عين حلال إلى عين حرام، لكنه في نفس الوقت عاد خلًّا؛ لأنه قد يتخلل الخمر بنفسه، وإذا تخللت الخمرة بنفسها فهي حلال، الآن عاد إلى كونه عصيرًا، لكنه عصير متخلل من خمر، هل يَنْقُص أو لا ينقص؟ ينقص طبعًا؛ لأنك لو أتيت بهذا الإناء الذي تخلل بعد التخمر وإناء مثله عصير لكانت قيمة الإناء العصير أكثر بلا شك، يقول المؤلف: يدفعه يعني الغاصب يدفع هذا الخمر الذي تخلل؛ لماذا؟ لأنه عين ملكه عين ملك صاحبه، فيدفعه المالك يقول: نقصت عينه غصبه عصيرًا يساوي مئة الآن، ما يساوي إلا ثمانين، هل يضمن النقص أو لا؟
الطلبة: يضمَّن.
الشيخ: يضمَّن النقص؛ ولهذا قال: (ومعه نقصُ قيمته عصيرًا) يعني: نقص قيمته عن كونه عصيرًا، واضح الآن، ولَّا ما هو بواضح؟
الطلبة: واضح.
الشيخ: الحمد لله، قلنا: هل يمكن أن يقال: إن هذا شاهد لما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية من أن نقص السعر مضمون على الغاصب؟
(2/2042)
________________________________________
نعم قلنا: لا يمكن، لماذا؟ لأن نقص السعر هنا لنقص العين، ليس للقيمة، بل لنقص العين، فلا يكون فيه رَدٌّ على من قالوا: إن النقص بالسعر لا يضمن، ولكن سبق لنا أننا فصَّلْنا في هذا، وأنه إن قَصَد تأخير تسليمه حتى يزول الموسم وينقص السعر فعليه الضمان وإلا فلا، ثم قال المؤلف رحمه الله: (فصل: وتصرفاتُ الغاصبِ الحُكْمِيَّةُ باطلة) تصرفات الغاصب الحكمية.
تصرفات الغاصب تنقسم إلى قسمين حُكْمِيَّة وغير حكمية، الحكمية هي التي توصف بالحكم صحة أو فسادًا، هذه الحكمية، البيع منه صحيح وفاسد، الإجارة منها صحيح وفاسد، الوقف منه صحيح وفاسد، الرهن منه صحيح وفاسد، جميع التصرفات الحكمية التي يلحقها حكم بالصحة أو الفساد تعتبر بقول المؤلف باطلة، فبيع الغاصب للمغصوب باطل، تأجيره للمغصوب باطل، ويظهر ذلك فيما لو غصب دارًا وآجرها شخصًا بعشرة آلاف ريال، ثم مَنَّ الله عليه بالتوبة ورَدِّ الدار إلى مالكها، فهل تأجيره هذا صحيح أو باطل؟ فهذا باطل، لو قلنا: إنه صحيح، لكان لمالك البيت الأجرة التي تم العقد عليها، كم هي؟
الطلبة: عشرة آلاف.
الشيخ: عشرة آلاف، وإذا قلنا: غير صحيح. فإنه يضمَّن -أي الغاصب- الأجرة، فإذا قدَّرْنا أنه يؤجر باثني عشر ألفًا فإنه يضمن الغاصب العشرة والألفين؛ لأن العقد الأول غير صحيح، ولو قلنا: إنه صحيح لم يلزمه إلا عشرة.
رجل غصب بيتًا وآجره بعشرة آلاف ريال، الإجارة تنقسم إلى صحيحة وفاسدة ثم مَنَّ الله عليه واهتدى وردَّ البيت إلى مالكه، وقد أخذ عشرة آلاف، الأجرة هل نقول: نمضي هذه الأجرة ونقول لمالك البيت: خذ عشرة آلاف؟ لأن الإجارة باطلة، إذن ما الذي يجب؟
يجب الأجرة، يقدِّر البيت بالأجرة قالوا: الأجرة باثنا عشر ألفًا نأخذ عشرة من المستأجر ونطلب من الغاصب كم؟ ألفين؛ لأن عقد الإجارة صار غير صحيح وهي باطلة، ويجب أن يُضمن لصاحب البيت الأجرة المعتادة. لو قلنا: إن الإجارة صحيحة، كم يلزم؟
(2/2043)
________________________________________
الطلبة: عشرة آلاف.
الشيخ: عشرة آلاف فقط، لكن الإجارة فاسدة، أما المستأجر الذي أخذها بعشرة آلاف، والبيت يساوي اثني عشر ألفًا، هل نضمنه اثني عشر ألفًا أو عشرة؟
طلبة: عشرة.
الشيخ: خطأ.
طالب: فيه التفصيل.
الشيخ: فيه التفصيل؛ إن كان عالمًا بأنه مغصوب نضمنه بكم؟
الطلبة: باثني عشر.
الشيخ: باثني عشر إن كان غير عالم نضمنه عشرة ( ... ).
طالب: لو غَصَب آلةَ صانع وردَّها إليه بعد فترة، وكان العامل الصانع منع العمل في هذه الفترة من أجل غصب الآلة، فهل يضمن ما كان يكسبه الصانع في هذه المدة؟
الشيخ: لا، يضمن الأجرة، أجرة الماكينة هذه.
الطالب: لكن يقول الصانع: إنه منع العمل بسبب الغصب.
الشيخ: من؟
الطالب: الصانع.
الشيخ: هو منع الصانع ولَّا غصب الآلة؟
الطالب: غصب الآلة التي يعمل بها.
الشيخ: ما عليه منه.
طالب: شيخ، ليس فيه صناعة مباحة.
الشيخ: ليس فيه صناعة مباحة، الحلي صناعة مباحة ولَّا غير مباحة للنساء؟
طالب: مباحة.
الشيخ: مباحة، هذا ليس بمثلي؛ لأن فيه صناعة مباحة، آنية الذهب صناعة غير مباحة، هذا مثلي لكن لا يضمنه بآنية، أفهمت؟
يعني: مثلًا إنسان غصب حليَّ امرأة مباحًا، وأتلفه نقول: عليك أيش؟
طالب: إذا كان فيه صناعة مباحة؟
الشيخ: إي، حلي، مباحة.
طالب: القيمة يا شيخ.
الشيخ: عليه القيمة. ورجل آخر غصب إناء من ذهب وأتلفه؟
الطالب: عليه المثل.
الشيخ: المثل، ويش المثل؟
الطالب: يعني: ( ... ).
الشيخ: يعني: إناء من ذهب يجوز الإناء من الذهب؟
الطالب: لا يجوز.
الشيخ: أيش نعمل؟
نقول: كم وزن هذا الإناء من الذهب؟ قالوا: وزنه مثلًا ثلاثين غرامًا نعطيه ثلاثين غرامًا من الذهب فإذا قال مالك الإناء: الإناء مصنوع، وأنا أريد قيمة المصنوع، قلنا: هذه الصناعة صناعة محرمة ليس لها قيمة شرعًا فنعطيك ذهبًا غير مصنوع، واضح ولَّا لا؟
(2/2044)
________________________________________
طالب: ( ... ) الغاصب تصرفاته الحكمية باطلة إذا غصب بيتًا مثلًا وأَجَّره مثلًا بعشرين ألف، وأجرة المثل عشرة آلاف، ثم قبض قيمته، المستأجر ماذا يدفع ( ... )؟
الشيخ: ( ... ) أمثلك يجهل هذا؟
طالب: قيمة المثل يا شيخ، عشرة آلاف.
الشيخ: إي نعم، يعني: قيمة المثل أنقص مما آجره به، أمثلك يجهل هذا؟ ألم يتقدمنا إِنَّ كَسْبَ المغصوب ونماءه لمن؟ للمالك.
طالب: ( ... ) المغصوب الغاصب.
الشيخ: سيأتينا إن شاء الله.
طالب: قول ( ... ) هل على المالك أن يقبلها أو له أن يقبلها وله أن يردها ويأخذ عين عصيره؟
الشيخ: سمعتك، كلام المؤلف واضح.
الطالب: ( ... ) قبوله.
الشيخ: يقول: يرده يا رجل نقص القيمة.
الطالب: بنقص القيمة، هل يلزم بهذا؟
الشيخ: من الذي يلزم؟
الطالب: المالك.
الشيخ: إي يلزم ( ... ).

***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رحمه الله تعالى:
فصل

وتصرفات الغاصب الحكمية باطلة، والقول في قيمة التالف أو قدره أو صفته قوله، وفي رده وعدم عيبه قول ربه، وإن جهل ربه تصدق به عنه مضمونا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين سبق لنا.
(وما تلف أو تعيَّب من مغصوب) إنها نسختان (تعيَّب) و (تغيَّب) لكن الشارح حلها على أنها (تغيَّب) بالْغَيْنِ، ومراده تغيب غيبة لا يمكن الحصول عليها؛ لأنه إذا تغيب غيبة لا يمكن الحصول عليه فكأنما تلف، فتصحح النسخ إلى تغيب.
قال المؤلف رحمه الله: (فصل: وتصرفات الغاصب الحكمية باطلة) (تصرفات) مبتدأ و (الحكمية) نعت لـ (تصرفات).
(2/2045)
________________________________________
(الحكمية) يعني التي يلحقها حكم من صحة أو فساد؛ لأن تصرفات الغاصب من حيث الحكم التكليفي كلها حرام من حيث الحكم الوضعي، وهو الحكم بالصحة والفساد، ما كان له حكم من صحة أو فساد فإن تصرفات الغاصب فيه باطلة، يعني أن وجودها كالعدم؛ فمثلًا إذا غصب ثوبًا فباعه، الغصب حكمه حرام البيع حرام، هل هو صحيح أو فاسد؟ ننظر؛ هل البيوع منها صحيح وفاسد؟
الجواب: نعم، منها صحيح وفاسد، وعلى هذا فيكون هذا البيع باطلًا، لا ينتقل به الملك إلى المشتري؛ لأن من شرط البيع أن يكون من مالك أو من يقوم مقامه، والغاصب لا يقوم مقام المالك.
وفُهِمَ من قوله: (الحكمية) أن غير الحكمية لا يُحكم لها بصحة أو فساد، فلو غصب ماءً فأزال به نجاسة، فهل نقول: إن الإزالة غير صحيحة؟
الجواب: لا؛ لأن إزالة النجاسة لا يقال: صحيحة وفاسدة، وعلى هذا فلو غصب ماء فأزال به نجاسة على ثوبه طهر الثوب؛ لماذا؟ لأن إزالة النجاسة ليس له حكم بالصحة ولا بالفساد.
لو غصب ماء فتوضأ به فهل يصح وضوؤه؟ ننظر هل الوضوء ينقسم إلى فاسد وصحيح؟
الجواب: نعم، إذن لا يصح وضوؤه بالماء المغصوب؛ لأنه تصرفٌ حكمي، أي: يلحقه الصحة والفساد. فصار الضابط الآن تصرفات الغاصب من حيث الحكم التكليفي حرام مطلقًا، من حيث الصحة والنفوذ تنقسم إلى قسمين؛ ما له حكم من صحة أو فساد يكون تصرفُّ الغاصب به باطلًا، وما ليس له حكمُ تصرفٍ فيه نافذًا؛ المثال: رجل غصب ماءً فأزال به نجاسة على ثوبه، فهل يطهر الثوب؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأنه لا يقال: إزالة النجاسة قسمان صحيحة وفاسدة. وآخر غصب الماء وتوضأ به نقول: وضوؤه ليس بصحيح، لماذا؟ لأن الوضوء ينقسم إلى صحيح وفاسد.
مثال آخر: رجل غصب ثوبًا فباعه، حكم البيع فاسد، لماذا؟ لأنه من التصرفات الحكمية التي يلحقها الصحة والفساد. هذا هو الضابط.
(2/2046)
________________________________________
وظاهر كلام المؤلف أن تصرفات الغاصب الحكمية باطلة سواء أجازه المالك أم لم يجزه، وسواء تضرر الغاصب وغيره بذلك أم لا.
ولننظر فالقول الراجح في هذه المسألة خلاف ظاهر المؤلف، وهو أنه إذا أجازه المالك فالتصرف صحيح؛ لأن تحريم التصرف لحق الغير لا لحق له، فإذا أجازه صاحب الحق زال المانع، وعلى هذا فإذا قيل للمالك: إن الغاصب قد باع ثوبك، فقال: أنا أجزته. فالبيع صحيح، والمشتري يملك الثوب، أما إذا لم يجزه فإن البيع لا يصح، ويجب على المشتري ردُّ الثوب وأخذ ثمنه الذي بذله فيه؛ لأن التصرف غير صحيح.
الآن فهمنا ظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح سواء أجازه المالك أم لا، والصحيح أنه إذا أجازه فهو صحيح نافذ؛ لأن تحريم التصرف فيه في حق الغير، فإذا أسقط حقه سقط.
القول الثاني في هذه المسألة يقول: إن كانت التصرفات يسيرة؛ مثل أن باعه على شخص ثم اطلع عليه المالك وطالب به فهو له ويأخذه من المشتري، أما إذا صَعُبَ وتعسَّر أو تعذر، مثل أن باعه الغاصب على واحد، والواحد على آخر، وهكذا تناقل الناس هذا المغصوب، فإن التصرفات صحيحة، بناء على الحرج والمشقة التي تلحق فيما لو حكمنا ببطلان التصرف؛ لأن فيه مشقة، وأيضًا ربما يكون المغصوب بعيرًا غصبه الغاصب وباعه على شخص وولدت البعير وكثُر نسلها، فكيف نقول: إنه باطل مع العسر والمشقة العظيمة؟ !
المخرج من هذه المشقة أن يجيزه المالك؛ إذا أجازه المالك على القول الراجح صح البيع وانتهى كل شيء، لكن إذا لم يجزه فالمذهب لا بد أن يرد إلى مالكه مهما كانت الظروف، والقول الثاني أنه مع العسر والمشقة يُحكَم بالصحة للضرورة، ويقال لمالكه: لك مثل بعيرك إذا قلنا بأن الحيوان مثلي أو قيمته إذا قلنا: إن الحيوان ليس بمثلي.
ظاهر كلام المؤلف: أن الغاصب لو ذكَّى الشاة التي غصبها صارت حرامًا؛ لأن التذكية تنقسم إلى صحيحة وفاسدة، فتكون تذكية الغاصب غير مبيحة للمذكاة.
(2/2047)
________________________________________
القول الثاني في أصل المسألة أن تصرفات الغاصب صحيحة، وهي رواية عن أحمد رحمه الله رواية مطلقة أن تصرفاته صحيحة، ولكن للمالك أن يستردها؛ فمثلًا إذا ذكى الشاة، فالتذكية على هذه الرواية صحيحة والشاة لمن؟ لمالكها ترجع لمالكها وإذا طالب بالمثل وقلنا: إنها مثلية ضمنها بمثلها، وإذا قلنا: إنها متقومة وطالب بمثلها حية، وقال: إن قيمتها حية أكثر من قيمتها لحما أعطيناه الفرق أو أعطيناه القيمة كاملة واللحم يكون للغاصب.
كذلك أيضًا لو توضأ بماء مغصوب فعلى هذه الرواية التي هي خلاف المذهب الوضوء صحيح وهو الصحيح أن الوضوء صحيح؛ لأن هذا التصرف لا يختص بالوضوء؛ إذ إن تصرف الغاصب بالمغصوب يشمل الوضوء وغير الوضوء، فالغاصب لم يُنه عن الوضوء، لم يُقل له: لا تتوضأ من الماء المغصوب، بل قيل له: لا تتصرف بالماء المغصوب، ولما لم يكن النهي خاصًّا بل كان عامًّا صارت العبادة صحيحة، هذا هو القول الراجح، ويدلُّ لهذا الغِيبة على الصائم حرام ولا حلال؟
الطلبة: حرام.
الشيخ: والأكل؟
الطلبة: حرام.
الشيخ: حرام، لو أكل فسد صومه، لو اغتاب لم يفسد؛ لماذا؟ لأن الأكل حرام على الصائم بخصوصه، والغِيبة ليست حرامًا على الصائم بخصوصها، عليه وعلى غيره، فتبين بهذا الفرق الواضح بين العموم والخصوص.
إذن خلاصة القول الراجح: تصرفات الغاصب أيش؟ صحيحة، أما إن أجازها المالك فهذا أمر واضح مثل الشمس، وأما إذا لم يجزها.
فالصحيح أيضًا صحتها، لكن إذا كان عين ماله باقيًا أي عين المالك باقيًا؛ فله أن يسترده ويقول: هذا عين مالي، وأنت أيها المشتري اذهب إلى الغاصب ومالي أريده.
ثم قال: (والقول في قيمة التالف، أو قدره، أو صفته قوله). أي: قول الغاصب.
(القول في قيمة التالف) يعني: لو غصب شيئًا فتلف -وكان متقومًا- فقال المالك: قيمته ألف، وقال الغاصب: قيمته خمس مئة، مَنِ القول قوله؟
الطلبة: الغاصب.
الشيخ: قول الغاصب، لماذا؟
(2/2048)
________________________________________
إن شئت فقل: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (2) والآن الغاصب والمالك اتفقا على أن القيمة خمس مئة وادعى المالك الزيادة، فيكون المالك مدعيًا، والبينة على من؟ على المدعي واليمين على من أنكر، ومن هذا الحديث أخذ العلماء القاعدة التي ذكرناها لكم، وهي أن كل غارم فالقول قوله.
لكن كل من قلنا: القول قوله -وهو يتعلق بحق الآدميين- فإنه لا بد من اليمين لقوله عليه الصلاة والسلام: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»، أما الذي يتعلق بحق الله فالقول قول المنكِر بلا يمين، فلو قال المحتسِب: يعني: الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لصاحب المال: أدِّ الزكاة، فقال: والله أنا زكيت مالي، فقال المحتسب: لا، الزكاة باقية عليك قال: أبدًا ما بقيت؛ فالقول قول مَنْ؟ المالك، بيمين أو بغير يمين؟
الطلبة: بغير يمين.
الشيخ: بغير يمين، ولو قيل له: صَلِّ، قال: صليَّتُ، لا يجوز أن نحلِّفَه، ولا يَلْزمه اليمين، لو قلنا: احلف، قال: ما أنا بحالف، لَكُنَّا نحن الآثمين؛ الذين نأمره باليمين هذا شيء بينه وبين ربه، والناس مؤتمنون على أديانهم، لكن بما يتعلق بحق الآدميين؛ المنكِر لا بد من اليمين على إنكاره ( ... ).
طالب: المساجد ( ... ) أحدًا ( ... ) المساجد، هل لنا أن نلزمه أو نحلفه أو نسكت عنه؟
الشيخ: لا، أبدًا نسكت عنه إذا قال: صلى؛ صلى، نعم إذا قلنا: صلِّ مع الجماعة، وقال: صليت مع الجماعة وهو لم يُصلِّ، نقول: نسأله في أي مسجد؟ حتى لو قال: صليت في أي مسجد ما نقول: عيِّن، لكن لكل مقام مقال، بعض الناس يقف على ظني أنه لم يصل مع الجماعة وبعض الناس لا.
طالب: ( ... ) أن الراجح ( ... ) فعل الغاصب أشكل عليَّ أنه قلنا في بداية شروط البيع أنه لا بد أن يكون البائع مالكًا أو من ينوب منابه، كيف صححنا؟
الشيخ: إي على هذا الرأي الغاصب مستثنى.
(2/2049)
________________________________________
طالب: هل إذا قُذف الإنسان فهل يُطالب بالإنكار ثم بالحلف؟
الشيخ: كيف يُطالب بالإنكار؟ يُقال للقاذف: إما أن تقيم بينة على قذفك فلانًا وإلا فثمانون جلدة.
الطالب: هل يطالب بالإنكار المقذوف؟
الشيخ: كيف يطالب؟
الطالب: يعني: يقال: أنكر بأنه وقع منك هذا الذي قُذفت به.
الشيخ: إذا كان المقذوف قد زنى، ما يجوز يُنكر؛ لأنه إذا أنكر جلد هذا.
الطالب: هل يطلب منه ابتداء أو لا يطلب أبدًا؟
الشيخ: أيش؟
الطالب: هل يطالب بهذا الإنكار أو لا يطالب أصلًا؟
الشيخ: من؟
الطالب: المقذوف.
الشيخ: إذا علم المقذوف أنه زان ما يجوز ينكر فضلًا عن أن يقال له: أنكرْ.
طالب: بارك الله فيك ( ... ).
الشيخ: ( ... ).
الطالب: ( ... ).
الشيخ: في أيش؟
الطالب: تصرفات الغاصب، ما قولكم؟
الشيخ: هو على كل حال تحتاج إلى القاضي، وأنا قلت لكم: إذا وَجد المالك عين ماله فله أن يأخذه ويقول للمشتري أو المستأجر: ارجع إلى الغاصب.
طالب: ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في المسألة وهي في الحقيقة أن لها وجهة أخرى وهو قرينة العدالة في المنكِر والمدَّعي.
الشيخ: منكر إيه؟
الطالب: المنكر الحق يعني قرينة العدالة يخاصمه اثنان؛ واحد صاحب عدالة، وواحد صاحب فسوق.
الشيخ: ما قال شيخ الإسلام؟
الطالب: قال إيه؟
الشيخ: لو ادعى مسلم على كافر، وأنكر الكافر ما حكمنا للمسلم.
الطالب: أذكر، مرت علينا.
الشيخ: دور وأعطيني إياها، لعلها في غير هذا، في غير المسألة هذه لعلها فيمن قُتِلَ للدفاع عن النفس وادعى أولياء المقتول أنه غير صائل، وكان القاتل الذي ادعى الصولة معروف بالصلاح والخير وكان الصائل المقتول معروف بالشر والفساد لعلك ذهب وهمك إلى هذا.
الطالب: الله أعلم يا شيخ، أتأكد هذا.
الشيخ: تعمله وتعطيني إياه جزاك الله خيرًا.
***
طالب: ( ... ) نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الغصب:
(2/2050)
________________________________________
(والقولُ فِي قيمة التالف أو قدره أو صفته قولُه. وفي ردِّه وعدم عيبه قول ربه، وإن جهل ربَّه تصدق به عنه مضمونًا.
ومن أتلف محترمًا أو فتح قفصًا أو بابًا أو حلَّ وكاء أو رباطًا أو قيدًا فذهب ما فيه أو أتلف شيئًا ونحوه ضمنه، وإن ربط دابة بطريق ضيق فعثر به إنسان ضَمِنَ).
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، ما حكم تصرفات الغاصب في الحكم التكليفي والحكم الوضعي؟
طالب: في الحكم التكليفي التصرفات الحكمية باطلة.
الشيخ: في الحكم التكليفي؟
الطالب: صحيحة.
الشيخ: إي.
طالب: تصرفاته حرام.
الشيخ: حرام، تصرفاته حرام؛ لأنه تصرف في غير ملكه؛ يعني: ليس له حق التصرف لا بملك ولا بالولاية، تصرفاتُه الوضعية؟
طالب: فيها تفصيل؛ إن كان مما يُحكَم فيه بصحة وفساد.
الشيخ: إن كان مما يحكم فيه بصحة وفساد فهي فاسدة وإلَّا ..
الطالب: فهي صحيحة.
الشيخ: وإلا فهي صحيحة.
توافقه على هذا ولَّا لا؟ توافقه؛ أيش قال؟
طالب: إذا كانت ( ... ) بالصحة والفساد فهي فاسدة.
الشيخ: إذا كانت مما يلحقه الحكم بالصحة والفساد وإلَّا ..
طالب: فهي صحيحة.
الشيخ: مثلٌ للأول؟
الطالب: كالبيع.
الشيخ: البيع؛ يعني؟
الطالب: إذا غصب ثوبًا وباعه فلا يصح البيع.
الشيخ: فإذا غصب ثوبًا وباعه فالبيع غير صحيح، هل ينتقل الملك إلى المشتري أو لا؟
الطالب: لا ينتقل.
الشيخ: لا ينتقل؛ مثال تصرفات الغاصب غير الحكمية؟
طالب: الرهن.
الشيخ: لا، الرهن ما فيه صحيح وفاسد؟
الطالب: فيه.
الشيخ: إذن لا يصح التمثيل به.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا.
طالب: إذا غصب طعامًا وأكله.
الشيخ: إي، صحيح، ماذا نقول: هل نقول: هذا الأكل صحيح ولَّا باطل؟
الطالب: ما فيه باطل وغير باطل.
الشيخ: يعني: ما فيه فاسد وغير فاسد، صحيح، مثال آخر؟
طالب: إزالة النجاسة، غصب ماء وأزال به النجاسة ..
الشيخ: مثل أن يغصب ماء فيزيل به النجاسة، فالثوب يطهر كذا؟ ثم إنا ذكرنا أن المسألة فيها رواية أخرى عن أحمد ..
(2/2051)
________________________________________
طالب: صلاة الغاصب صحيحة.
الشيخ: أنها صحيحة، وبناء على ذلك لو توضأ بماء مغصوب.
الطالب: فالوضوء صحيح.
الشيخ: فالوضوء صحيح، وعليه لصاحبه قيمة الماء أو مثله، فيه قول ثالث وهو أصح؟
طالب: إن كان في حقه مشقة ( ... ) قلنا له بأن البيع هذا التصرف صحيح ليس بفاسد ..
الشيخ: للضرورة يعني: إذا كان يشق أن تُبطل تصرفات الغاصب لكون المغصوب، انتقل من شخص لشخص وما أشبه ذلك، فهنا يُحكم بالصحة للضرورة، في قول رابع؟
طالب: قول ثالث.
الشيخ: لا، تكلم قول رابع، ولعله أحسنه.
طالب: قلنا: إن تصرفات الغاصب صحيحة، إن أجازها المالك وإذا لم يجزها.
الشيخ: أنه إذا أجازها المالك.
الطالب: فهي صحيحة.
الشيخ: فهي صحيحة، وإذا لم يجزها فهي باطلة، فلو غصب شاة فباعها فجاء مالكها فله أن يبطل البيع ويأخذ الشاة، ولكن على من يرجع المشتري بالثمن؟
الطلبة: على الغاصب.
الشيخ: يرجع على الغاصب؛ لأن قرار الضمان عليه، الصحيح أن أصح الأربعة هو إما أن يُوقف على إجازة المالك أو يقال: إنه إذا كان يلحق بذلك مشقة، فإنا نمضي التصرف للضرورة.
(2/2052)
________________________________________
قال: (والقول في قيمة التالف أو قَدْرِه أو صفته قولُه) (القول في قيمة التالف) يعني؛ لو غصب شيئًا فتلف؛ غصب مأكولًا فأكله، أو ملبوسًا فأبلاه، أو حيوانًا فهلك ثم اختلفا المالك والغاصب في قيمة التالف فالقول قول الغاصب؛ مثاله غصب شاة وهلكت؛ ماتت فأراد أن يضمنها لصاحبها فقال صاحبها: قيمتها مئة، وقال الغاصب: بل ثمانون، فالقول قول الغاصب، الدليل لذلك؛ قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (2) فهنا القيمة التي قدرها ثمانون متفق عليها، أليس كذلك؟ رب الشاة يقول: قيمتها ثمانون. والغاصب يقول: قيمتها ثمانون، العشرون الزائدة هذه بها مدع ومنكر، مَن المدعي؟ المالك، والمنكر الغاصب فنقول للمالك: ائت ببينة على أن قيمتها مئة وإلا فلك يمين الغاصب، هذا دليل من السنة، هذه السنة بنى عليها العلماء رحمهم الله قاعدة؛ وهي أن القول قول الغارم؛ ولهذا تجدون في كتب الفقهاء تعاليل كثيرة القول قوله؛ لأنه غارم وهذا التعليل مأخوذ من الحديث الذي سمعتم.
القول في قَدْرِه قول الغاصب؛ فرجل غصب شاة وتلفت ثم جاء صاحبها وقال: إنك غصبت شاتين أو شاة وولدها، فقال: بل غصبت واحدة لا ولد معها.
فالقول قول مَنْ؟
طالب: الغاصب.
الشيخ: ماذا قلت؟
الطالب: لو اختلفا في القدر فإن القول قول الغاصب.
الشيخ: لكن بماذا مثلت؟
الطالب: إذا قال: غصبت شاة ( ... ) الغاصب.
الشيخ: أو شاتين فالقول قول الغاصب الدليل «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».
ومن التعليل؛ أن الغاصب غارم وكل غارم فإنه يُقبَل قوله فيما غرم ولكن لاحظوا أن كل من قلنا القول قوله، فإنه لا بد من اليمين فيما يتعلق بحقوق العباد، أما حق الرب عز وجل فإن الإنسان لا يُحلَّف لو قيل له: صلِّ. قال: صليت، لا يجوز أن نحلفه، قيل له: أدِّ زكاة مالك. قال: أديتها. لا يجوز أن نحلفه، هذا شيء بينه وبين ربه.
(2/2053)
________________________________________
(أو صفته) صفة أيش؟ صفة المغصوب القول قوله، فإذا غصب من شخص شاة، وتلفت، فقال مالكها: إنها سمينة لبون بمعنى؟
الطلبة: ذات لبن.
الشيخ: ذات لبن، فقال الغاصب: بل هزيلة لا لبن فيها، فالقول قول الغاصب، والدليل والتعليل كما عرفتم.
(وفي ردِّه وعدم عيبه قول ربه) يعني: إذا اختلف الغاصب والمالك؛ فقال للغاصب: إني رددته عليك، وقال المالك: لم ترده، فهنا قد اتفقا على شيء وادعى أحدهما خلاف ما اتفقا عليه، اتفقا على أن العين كانت عند الغاصب، ثم ادعى الغاصب أنه ردَّها، وهذه دعوى فوق ما اتفقا عليه، فنقول: القول قول المالك، الدليل: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فالطرفان متفقان على أن العين المغصوبة كانت عند الغاصب، ثم ادَّعى الغاصب أنه ردَّها فنقول: عليك البينة، وإلا فيحلف المالك ويُحْكَم له بها، هذا من حيث الدليل.
من حيث التعليل؛ نقول: الأصل عدم الرد، ما دام الغاصب قد أقرَّ أنها عنده وأنه غصبها فالأصل عدم الرد، وهذا يقاس على قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَجَدَ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ، أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؛ فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» (3) فإن هذا الحديث أصل في بناء الأمور على ما كانت عليه، كذلك أيضًا.
(في ردِّه وعدم عيبه قولُ ربِّه) هنا يجب أن ننظر بعض الشيء؛ غصب شاة فتلفت فأراد أن يضمنها بقيمتها، لكنه -أي: الغاصب- قال: إنها معيبة، إنها تعرج وعرجها بَيِّن، وقال المالك: بل هي سليمة؛ ومعلوم أن السليمة أغلى من المعيبة، فهنا مَن القول قوله؟
تعارَضَ في الحقيقة أصلان، أو أصل وظاهر، الأصل الأول السلامة، وإذا أخذنا بهذا الأصل قلنا: القول قول المالك؛ لأن الأصل السلامة وعدم العيب، وتعارض أصل آخر وهو الغرم؛ لأن الغاصب -إذا قلنا: إنها سليمة- فسوف يَغرم زيادة على ما أقر به؛ أليس كذلك؟
(2/2054)
________________________________________
الطلبة: بلى.
الشيخ: لأنها إذا كانت معيبة سيغرم -مثلًا- ثمانين ريالًا، وإذا كانت سليمة سيغرم مئة، الآن زاد الغرم عليه، والأصل أن الغارم يُقبَل قوله.
فهل نقول: إن القول قول الغاصب؛ لأنه غارم، أو نقول: إن القول قول المالك؛ لأن الأصل السلامة؟
نقول: القول قول المالك؛ لأن الأصل السلامة، وهذا الأصل متقدم على الأصل الثاني؛ لأن العيب حادث على السلامة فقُدم هذا الأصل على أصل الغرم، وهذه في الحقيقة قاعدة ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها، أحيانًا يتعارض الأصل والظاهر، وأحيانًا يتعارض أصلان فيُقَدَّم بعضهما على بعض حسب ما تقتضيه الشريعة، وحسب ما تقتضيه قرائن الأحوال؛ لهذا -مثلًا- لو أن امرأة فارقت زوجها وأمسكت بيدها بالدلة؛ دلة القهوة -وقهوة البُنِّ يشربها غالبًا الرجال- وادعت أن الدلة لها، والزوج يقول: لي.
فعندنا أصل وظاهر، ما هو الأصل؟ الأصل أن ما بيد الإنسان فهو له، وعندنا ظاهر؛ أن ظاهر الحال أن هذا الدلة لمن؟
طالب: للرجال.
الشيخ: للرجال، فأيهما نقدم؟ ينظر الإنسان إذا كان الظاهر قويًّا أقوى من الأصل قدمنا الظاهر.
(وفي ردِّه وعدم عيبِه قولُ ربه) هذا النزاع الذي ذكره المؤلف وقال: قول الغاصب، أو القول قول ربه، من الذي يُحْكَم به؟ يوجه هذا إلى القاضي، أو إلى رجلٍ حُكِّم؛ أي حَكّمه الغاصب ورب المال، فيعطى هذه القواعد.
قال: (وإن جهل رَبَّهُ تَصَدَّقَ به عنه مضمونًا).
(إن جَهِلَ) الفاعل الغاصب (ربه) أي: رب المغصوب، أي: صاحبه، إذا جهل صاحبه، بأن يكون قد غصب هذا الشيء من زمان قديم ونسي، أو غصب شيئًا من عند باب المسجد، أخذ نعلًا ومشى به، أو أخذه من شخص معين لكنه لا يعرفه، المهم إذا جهل مَن ربه يقول المؤلف: (تصدق به عنه مضمونًا)، وهنا طريقان:
(2/2055)
________________________________________
الطريق الأول: أن يدفعه إلى الحاكم -أي: إلى القاضي- فيبرأ منه بلا نزاع، يعني: لم ينازع أحد من العلماء في ذلك أنه إذا جهل ربه يعطيه الحاكم، والحاكم يتصرف فيه، وهذا لا شك أنه أسهل على الإنسان.
لكن أحيانًا لا يكون الحاكم ثقة، اسمعوا إلى ما قال الإمام أحمد -رحمه الله- قال: أما حكامنا هؤلاء فلا أرى أن يُدْفَع إليهم شيئًا.
ومات الإمام أحمد في القرن الثالث يقول: حكامه لا يرى أن يدفع إليهم شيئًا؛ لأنهم ما هم ثقات، كيف عاد حكام الوقت؟ ! الثقة فيهم أندر من الكبريت الأحمر إلا أن يشاء الله، لكن على كل حال إذا كان الحاكم غير ثقة وخاف أنه إذا أعطاه إياه مشاه من جهة أخرى، أو أن الحاكم أبى، أحيانًا يأبى الحاكم يقول: لا، فالأول -يعني: إذا كان غير ثقة- لا يجوز أن يعطيه إياه.
والثاني: هل يلزم الحاكم أن يُقبَل أو لا يلزمه؟
هذا محل نظر وتفصيل، يقال: إذا كانت الدولة قد جعلت جهة معينة لاستقبال الضائع فللحاكم أيش أن يمتنع، ويقول: اذهب إلى الجهة الأخرى، لكن إذا لم يكن هناك جهات مسؤولة عن استقبال الضائع، فأرى أنه يجب على القاضي أن يقبل هذا.
وهذه المشكلة قد لا تكون في مسألة الغصب إلا قليلًا -والحمد لله- لكن تكون في لُقَطَة مكة كثيرًا، لقطة مكة تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ» (4) يعني: إلا لشخص يُنشِد عنها مدى حياته ويوصي بها بعد مماته؛ لأنه لا يمكن يملكها أبدًا، كل ما في الحرم آمن حتى الجمادات؛ فالإنسان الآن إذا رأى -مثلًا- دراهم، ألف ريال، ألفين ريال، عشرة آلاف ريال في سوق من أسواق مكة، إن تركها فيا ويلها من اللصوص، وإن أخذها مُشكل تعب فيها، ماذا يصنع؟
(2/2056)
________________________________________
إذا كان هناك جهة مسؤولة لاستقبال الضائع هذا واضح الآن الأمر سهل -والحمد لله- يأخذها ويُؤْجَر على إيصالها إلى هذه الجهة، لكن إذا لم يكن جهة فأرى أنه يجب على الحاكم الشرعي أن يستقبلها؛ لأن هذه من جملة ما يتولاه الحاكم، السلطان ولي من لا ولي له، ماذا يصنع الناس؟
الإنسان ليس مستعدًّا أن يأخذ هذه اللقطة من مكة وينشد عنها مدى الدهر، لكن يسهل عليه جدًّا أن يأخذها ويوديها إلى المحكمة مثلًا إذا لم تكن جهة مسؤولة عن ذلك.
المهم؛ إذا جهل الغاصب (ربه) رب أيش؟ أي:
الطلبة: مالكه.
الشيخ: مالكه، يقول المؤلف: يتصدق عنه، ولكننا ذكرنا طريقين؛ الطريق الأول: أن يسلمه إلى الحاكم فإن لم يفعل يقول: (تصدَّق به عنه) يعني: دفعه للفقراء.
(عنه) أي: عن ربه، عن المالك (مضمونًا) أي: بشرط الضمان إذا وجده، يعني: يعتقد أنه تصدق بهذا عن ربه مضمونًا عليه لو وجد ربه، فعندنا شيئان:
الشيء الأول: أن تكون الصدقة عن ربه لا عن نفس الغاصب.
والثاني: أن ينوي أنه ضامن له إذا وجد ربه وطالب به.
فإن تصدَّق به عن نفسه؛ فإن ذمته لا تبرأ وصدَقتَه لا تُقْبَل؛ لأنها صدقة غير طيبة، والله عزَّ وجل لا يقبل إلا ما كان طيبًا، وذمته لا تبرأ؛ لأنه لم ينو هذه الصدقة عن ربها ولم ينو الضمان، فلم يستفد الآن، لم يستفد التقرب إلى الله، ولم يستفد إبراء الذمة، بل أقول: إن ذلك لا يزيده إلا إثمًا؛ يعني: لو تصدق به عن نفسه فهو آثم.
إذا وجد ربها بعد أن تصدق فإنه يقول: أنت الآن مخيَّرٌ إن شئت فأمضِ الصدقة والأجر لك، وإن شئت ضمنت لك مالك، والأجر لمن؟ للغاصب؛ لأن الغاصب اتَّقى الله وهذا غاية ما يستطيع فيُؤجَر على تصرفه.
وهذه المسألة من مسائل تصرف الفضولي التي أجازها الفقهاء رحمهم الله؛ لأنها ضرورة، إذ إنه لا يعرف صاحبها فلا بد أن يتخلص منها بهذا.
(2/2057)
________________________________________
وقوله: (تَصَدَّق به عنه) لو أراد أن لا يتصدق بها أن يجعلها في مسجد فهل يجوز ذلك؟ ظاهر كلام المؤلف: لا، ولكن هذا الظاهر غير مراد، بل له أن يجعلها في طرق الخير من بناء مسجد، بناء أربطة للفقراء، شراء كتب لطلبة العلم، المهم أن يصرفها فيما يقرِّب إلى الله، وحينئذٍ هل يُخَيَّر بين جهات الخير أو يَنْظُر ما هو أفضل؟ نسأل: هل هو متصرف لنفسه ولَّا لغيره؟ فإذا كان يتصرف لغيره فماذا يصنع؟ ينظر للأصلح؛ قد يكون هذا البلد أهله ليسوا بذاك الفقراء لكنهم محتاجون إلى مسجد، فهنا نقول: صرفُه في بناء المسجد أفضل، وقد يكون العكس، المساجد كثيرة وأهل البلد فقراء، فنقول أيش: الصدقة أفضل.
فعلى كل حال كلام المؤلف -رحمه الله- غير مراد، وإن قلنا: إنه مراد فإن الراجح خلافه، وأن له أن يصرف هذا المغصوب في أي جهة خيرية. لو قُدِّرَ أن له أقارب محتاجين، هل يصرف هذا في أقاربه؟
الجواب: نعم، يصرف هذا في أقاربه، لكنه لا يجوز أن يحابيهم، فيرى غيرهم أحوج ويعطي أقاربه هذا لا يجوز، لكن إذا كان أقاربه مساوين لغيرهم أو أحوج من غيرهم فلا بأس أن يعطيهم.
وهل له أن يأخذه هو إذا كان فقيرًا؟
الجواب: فيه خلاف؛ من العلماء من قال: إنه إذا تاب إلى الله -وهو على كل حال تائب؛ لأنه الآن يريد أن يتخلص- وكان فقيرًا فله أن يأخذه، ومن العلماء من قال: لا يجوز سدًّا للباب؛ لأن الإنسان ربما يُفتِي نفسه بأنه فقير وليس كذلك، فيتهاون أو يتربص حتى يفتقر، وهذا القول بمنعه من أن يجعل نفسه مَصرفًا قول قوي، لكن لو سلمه إلى الحاكم وكان هو فقيرًا فأعطاه الحاكم منه، فهذا يجوز بلا شك؛ لأن التهمة الآن أيش؟ منتفية تمامًا، وعلى هذا فلو أعطاه الحاكم وهو من أهل الحاجة ودفع إليه ما غصبه فلا حرج عليه أن يقبله وذمته قد برئت.
(إن جهل رَبَّهُ) يعني: ربَّ المغصوبِ أي: مالكه، هل يقال هذا في كل مال مجهول صاحبه؟
(2/2058)
________________________________________
الجواب: نعم يقال، كوديعة أُودعها الإنسانُ ثم نسي الذي أودعها فنقول: إذا نسيت وأيست تصدق به مضمونًا.
كذلك إنسان خياط يخيط، أعطاه شخص ثوبًا ليخيطه، وذهب الرجل وأيسنا منه، فماذا يصنع الخياط في هذا الثوب؟
الطلبة: يتصدق به مضمونًا.
الشيخ: يتصدق به مضمونًا، أو يبيعه إذا رأى أن المصلحة في بيعه مثل أن يكون ثوبًا كبيرًا واسعًا لا يشتريه أحد فيبيعه ويشتري ثوبين -مثلًا- فله ذلك.
فالقاعدة إذن: كل مَنْ بيده مال جُهِلَ صاحبُه وأيس من العثور عليه؛ فله أن يتصدق به بشرط أيش الضمان.
هنا مسألة تشبه هذه من بعض الوجوه؛ وهي ما يؤخذ غرامة على المخالفين؛ هل يجوز أن يُشترى أو لا يجوز؟
يعني مثلًا في غرامة على المخالفين في بعض البضائع، إذا دخلوا فيها وصودرت منهم، فهل يجوز أن تُشتَرى من الجهات المسؤولة أو لا؟
الجواب: نعم يجوز أن تُشْتَرى؛ لأنها الآن خرجت عن ملك أصحابها بمقتضى أيش العقوبة، والعقوبة المالية جائزة في الشريعة ولها وقائع وقعت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؛ فيجوز أن يشتريها الإنسان وتدخل ملكه ولا حرج عليه في ذلك.
كالمغصوب إذ جُهِلَ مالكُه وبِيعَ وتُصُرِّف فيه على وجه جائز فلا حرج أن يشتريه.
فإن قال قائل: أنا أعلم رب هذه العين التي صودرت أنه فلان، فكيف يجوز لي أن أشتريها؟ !
(2/2059)
________________________________________
نقول: نعم؛ لأنها أُخِذَت بحق، أما لو جاءتك وهي مسروقة تعرف أنها سرقت فهنا لا يجوز أن تشتريها، لكن إذا صودرت عقوبة فقد أُخِذَت بحق؛ لأن لولي الأمر أن يعاقب من خالفَ ما يجب عليه بما يرى أنه أردع وأنفع، ولولا هذا لكانت الأمور فوضى، وصار كل إنسان يعمل على ما يريد، وهذا لا يمكن، ولذلك نرى أن الأنظمة التي ليس فيها مخالفة للشريعة وإنما هي اجتهادية أنه يجب اتباعها امتثالًا لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ولو لم نفعل وقلنا: لا يجب أن يطاع ولي الأمر إلا فيما أمر الله به، لقلنا: الجواب على هذا من وجهين:
الأول: أن طاعته في غير معصية أيش؟ مما أمر الله به.
الثاني؛ إذا قلنا: إنه لا يطاع إلا إذا أمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج وبر الوالدين، قلنا: هذا أمر لا فائدة منه؛ لأن هذه الأشياء قد أُمر بها من قِبَلِ الشرع، ويكون الأمر بطاعة ولي الأمر عبثًا؛ لأن طاعته في هذه الأشياء داخلة في قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ولهذا يغلط غلطًا عظيمًا من ظن أن أوامر ولاة الأمور لا يجب تنفيذها إلا إذا كان مأمورًا بها شرعًا لأننا نقول الجواب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن طاعتهم في غير المعصية مأمور بها شرعًا، وإن لم يكن في هذا الشيء بعينه.
والثاني: أننا لو قلنا بذلك لكان قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} عديم الفائدة؛ لأننا إذا قلنا: لا يطاعون إلا فيما أمر الله به ورسوله لم يكن لأمرهم فائدة إطلاقًا.
(2/2060)
________________________________________
ومثل هذه المسائل ينبغي لطلبة العلم أن يبيِّنوها لبعض الإخوة الذين ينطلقون في الكلام في الحكام من العاطفة دون التأمل والتأنِّي، وهذه مسألة خطيرة في الحقيقة؛ يعني: كون الإنسان ينطلق بمقتضى العاطفة، هذا غلط سواء في معاملة الحكام أو غيره حتى في الصلاة والزكاة، بعض الناس ينطلق من العاطفة ثم يوجب على المسلمين ما لا يجب، وكذلك بالعكس بعض الناس ينطلق من منطلق التأخر بمعنى أنه يقول: هذا غير واجب والدين يسر وما أشبه ذلك، وينفلت الزمام، كل هذا خطأ، الواجب الوسط، فالوسط هو الحق والغالب؛ أي: إذا تأملت خلاف العلماء وتأملت تصرفات الناس وجدت أن الصواب يكون غالبًا في أيش؟ في الوسط، حتى مسائل خلاف العلماء الآن -مثلًا- أهل التعطيل وأهل التمثيل في صفات الله، ما هو الوسط؟ الإثبات بلا تمثيل، وكذلك في القدَر، وكذلك في الإيمان وغير ذلك.
طالب: بعض المغاسل؛ يبدو أن المغسلة غير مسؤولة عن الثياب بعد مثلًا مرور شهر فهل هذا الشرط يصح؟
الشيخ: هذا صحيح، هذا شرط صحيح بعض المغاسل يقول لك: إلى شهر، بعد الشهر أبيع الثوب مثلًا، لا بأس به، كذلك أيضًا يوجد بعض المخازن ولا سيما على الموانئ يقدِّرُون المدة وبعد أن تمضي يخرج ويباع، إي نعم.
طالب: نسمع أن الخياط لو باع الثوب، ثم جاء المالك، فهل على المالك أن يدفع الراتب حق الخياط؟
الشيخ: نعم، يدفع الأجرة.
الطالب: وعلى الخياط أن يدفع حق القماش؟
الشيخ: نعم، وعلى الخياط أن يرد عليه القيمة قيمة الثوب اللي باع.
طالب: إذا أراد الغاصب أن يُرجِع المال إلى صاحبه ويعلم أن بإرجاعه المال سيستخدمه صاحبه في الحرام.
الشيخ: مثاله.
طالب: مثل مثلًا غصب مالًا، وصاحبه صاحب ..
الشيخ: غصب تلفزيونًا.
الطالب: لا، مالًا.
الشيخ: مالًا.
طالب: صاحب المال بيبع به مخدرات إذا أرجعه سيشتري به مخدرات.
الشيخ: ما عليه منه، ما دام أنه ماله يرده عليه والإثم على هذا ( ... ).
(2/2061)
________________________________________
طالب: قلنا يا شيخ: إنه يتصدق بنصيبه ( ... ) ولكن ألَا يتصدق أيضًا ( ... ) صدقات.
الشيخ: هذا شيء ثانٍ إذا جاء رَبُّه ضمَّنه ما ذكره إلا يتصدق به فقط.
طالب: هل يُعمل بالقرائن إذا عارضت أصل الغُرم؟ يعني: رجل غصب ساعة من شخص فادعى أن الساعة بعشرين ريالًا، ومعروف أن هذا الشخص لا يلبسها؛ يعني: مثله لا يلبس أقل من مئة ريال، وقال: أنا لو أعلم ( ... ) لوضعت ( ... ).
الشيخ: لا، ما يلزم؛ لأن ربما يكون هذا الرجل المغصوب منه لا يلبس مثل هذه الساعة لكن تكون ساعته مثلًا ضاعت ولبسها للضرورة، دائمًا الإنسان يفعل هذا، أليس كذلك؟
الطالب: في غير يعني ..
الشيخ: المهم، بطل هذا.
طالب: هل يجوز الاستئجار من الغاصب مع العلم بتعذر الرد؟ يعني: معلوم أن الغاصب غصب منزلًا أو بيتًا، ويقينًا أنه لا يعود إلى صاحبه كما يحصل في البلاد الشيوعية، هل يجوز للإنسان أن يستأجر من هذه الحكومة مع أنه يعلم أنه لن يعود إلى صاحبه أبدًا للحاجة؟
الشيخ: إي نعم، لا بأس؛ لأنه الآن إما أن يستأجر أو يتعطل الملك ولا تنتفع ضرورة هذا.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- القول بأن الغاصب يقبل قوله في التلف.
الشيخ: يعني: هذه قاعدة لو فرضنا أن الدولة الشيوعية تغصب أموال الناس وتؤجرها أو تبيعها ولا يمكن ترجع عليه فلا حرج.
الطالب: يا شيخ، بالنسبة للغاصب؛ قلنا بأنه يقبل قوله في ادعاء التلف والقدْر.
الشيخ: يقبل.
طالب: نعم يقبل.
الشيخ: يقبل أيش؟
الطالب: قوله.
الشيخ: قوله في؟
الطالب: في ادعاء التلف والقدر؛ قدر المال المغصوب.
الشيخ: لا، القول في قيمة التالف، لكن لو ادعى التلف ما يقبل قوله.
الطالب: نعم، قدر قيمة التالف، هل ( ... ) القبول مطلقًا يا شيخ؟
(2/2062)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، مطلقًا إلا إذا خالف العائد؛ يعني: لو اتفقوا على أن المغصوب شاة واتفقوا على وصفها، وقال: قيمتها كذا وذاك. قال: قيمتها كذا، ونعلم أنه ما يمكن هذا قال: قيمتها عشرة، وربُّها قال: قيمتها مئة، ونعلم إن ما يمكن تباع هذه بعشرة.
الطالب: لو كان يا شيخ معروف إن هذا الرجل ( ... ).
الشيخ: لا، الدعاوي ما فيها فسق ولا عدل؛ حتى الكافر مع المسلم يُعمل بما تقتضيه القواعد انتهى ( ... ).
***
طالب: وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
قال رحمه الله تعالى في باب الغصب: ومَنْ أتلف محترمًا، أو فتح قفصًا، أو بابًا، أو حَلَّ وِكاء، أو رباطًا أو قيدًا، فذهب ما فيه، أو أتلف شيئًا ونحوه ضمنه، وإن ربط دابة بطريق ضيق فعثر به إنسان ضُمِّنَ؛ كالكلب العقور لمن دخل بيته بإذنه أو عَقَره خارج منزله.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومَنْ أتلف محترمًا) إلى آخره (من) هذه شرطية، المعنى؛ أي إنسان (أتلف محترمًا) أي: شيئًا محترمًا واحترز به عما ليس بمحترم كالكافر الحربي، فالكافر الحربي غير محترم فمن أتلفه فلا ضمان عليه، الخمر في يد المسلم غير محترم، فمن أتلفه فعليه ضمانه؟
الطلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟ لأنه ليس بمحترم، وقوله: (من أتلف محترمًا) يعمُّ الصغير والكبير، والحيوان وغير الحيوان، ويعم -أيضًا- ما كان عن عمد وما كان عن غير عمد، إلا أن الفرق بين العامد وغير العامد هو أن العامد آثم، وغير العامد ليس بآثم، لكن حق الآدمي لا يسقط، يجب عليه ضمانه.
فلو أتلف الإنسان مالًا يظنه مال نفسه، فتبين أنه مالُ غيره فعليه الضمان؛ وذلك لأنه أتلف محترمًا، فإذا قال: إن الله يقول: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قلنا: نعم، قال الله هذا، لكن هذا في حق مَنْ؟ في حق الله تعالى فقط، أما في حق الآدمي فعليه الضمان.
(2/2063)
________________________________________
ولو أن رجلًا مُحْرِمًا قتل صيدًا مملوكًا جهلًا أو نسيانًا فعليه الضمان لصاحبه وليس عليه الجزاء، والفرق أن الجزاء حق لله، والضمان حق للآدمي، ولو أنه أتلفه عمدًا؛ قتله عمدًا وهو مملوك لزمه ضمانان؛ الضمان الأول للآدمي، والضمان الثاني الجزاء حق لله عز وجل.
إذن كل من أتلف محترمًا فعليه الضمان سواء كان عالمًا أو جاهلًا أو ناسيًا أو ذاكرًا أو عامدًا أو مخطئًا، فعليه الضمان بكل حال، وسواء كان هذا المحترم قليلًا أم كثيرًا.
(أو فتح قفصًا فذهب ما فيه أو أتلف شيئًا) القفص وعاء تُجعل فيه الطيور، ففتح القفص فطار الطائر فعليه ضمانه؛ لأنه متسبب، والمتسبب إذا لم يكن معه مباشر فعليه الضمان.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يهيج الطائر أو لا؛ يعني أنه لا فرق بين أن ينهر الطائر حين فتح القفص أو لم يفعل، وأنه لا فرق بين أن ينضم الطائر إلى جانب القفص لمَّا فُتِح عليه ثم يطير بعد أن يتولى هذا الذي فتحه، أو يطير وهو حاضر؛ لأن بعض الطيور إذا فتحت عليه الباب انحاز إلى جهة من القفص خوفًا من فتح الباب، فظاهر كلام المؤلف أنه متى فتح القفص وطار ما فيه فإنه ضامن.
نظير القفص في وقتنا الحاضر الشبك؛ لو كان هناك شبك فيه طيور وفتح الباب شخص ثم طارت الطيور فعليه الضمان؛ لأنه متسبب، فإن اجتمع معه مباشر فالضمان على المباشر، مثل أن يفتح الباب ثم يأتي آخر فيهيج الطائر فيطير فعليه الضمان؛ مَنْ؟ المباشر الذي أهاج الطائر.
(أو بابًا) يعني: فتح بابًا فذهب ما فيه، فتح بابًا عن مواش، عن شاة -مثلًا- ولما فتح الباب خرجت الشاة فتلفت، فعلى فاتح الباب الضمان؛ لماذا؟
لأنه متسبب، والمتسبب عليه الضمان، فإن اجتمع معه مباشر فالضمان على المباشر، يعني: لو فتح الباب وجاء إنسان وأخرج الشاة وتلفت فالضمان على الثاني؛ لأنه مباشر ولا ضمان على المتسبب مع المباشر إلا إذا كانت المباشرة مبنية على السبب.
(2/2064)
________________________________________
كذلك أيضًا: (حَلَّ وِكَاءً) يعني: دهن أو عسل في وعاء، فَحَلَّ هذا الوعاء، فاندفق الدهن أو العسل، فعليه الضمان؛ علِّلْ. لأنه متسبب.
وظاهر كلام المؤلف أنه ضامن ولو كان حين حلَّ الوكاء جامدًا ثم أذابته الشمس، أو كان حين حل الوكاء واقفًا ثم حرفته الريح فعليه الضمان؛ لأنه متسبب.
(أو رباطًا) يعني: وجد حيوانًا مربوطًا؛ فحل رباطه فذهب، فعليه الضمان.
وهذا الذي ذكره المؤلف -رحمه الله- أمثلة، ما هي قواعد، لكن القاعدة أن كل من أتلف شيئًا بسببٍ فعليه الضمان.
وما هذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله إلا أمثلة أو صُوَر فذهب ما فيه فعليه الضمان.
ثم قال المؤلف: (أو أتلف شيئًا ونحوه) زيادة على هذا؛ لو فُرِض أن هذه الشاة التي فُتِحَ الباب لها خرجت وأكلت زرع إنسان، فعلى مَنْ فَتَحَ الباب ضمان الشاة، وضمان ما أتلف من الزرع، وكذلك لو أن الطائر اصطدم بشيء وتلف هذا الشيء فعلى من فتح قفصه الضمان، وكذلك لو أن الدهن اندفق على شيء فأفسده فعليه ضمان الدهن وضمان ما أفسده، المهم أنه يضمن الشيء وما ترتب عليه.
ثم قال المؤلف: (وإن رَبَطَ دابةً بطريق ضيِّق فعَثَر به إنسانٌ ضمن).
في وقت المؤلف لا توجد السيارات، وفي وقتنا لا توجد الدواب لكن الشيء يقاس بالشيء، إذا ربط دابة بطريق ضيق فعثر بها إنسان انكسر هلك فعليه الضمان؛ لأنه متعدٍّ في ربطها في هذا المكان الضيق.
وعُلِم من كلام المؤلف: أنه لو ربطها بطريق واسع فلا ضمان عليه، وهذا متجه إذا لم يربطها في طريق المارة، فإن ربطها في طريق المارة فهو كما لو ربطها في طريق ضيق، يعني: عليه الضمان.
فإن قال قائل: الطريق الواسع -وإن كان مطرق الناس في وسطه مثلًا- يستطيع الإنسان أن ينحرف يمينًا أو شمالًا.
قلنا: لنسأل هل هذا الرجل الذي ربط الدابة في الطريق الواسع -في مطرق الناس- هل هو معتدٍ أو غير معتدٍ؟
(2/2065)
________________________________________
الجواب: معتدٍ لا شك، وإذا كان معتديًا فهو ظالم، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: 42] نعم لو ربطها في طريق واسع في أحد جوانبه فلا بأس؛ لا ضمان.
وإنْ رَبَطَ دابَّةً بطريقٍ ضَيِّقٍ فعَثَرَ به إنسانٌ ضَمِنَ، كالكلبِ العَقورِ لِمَن دَخَلَ بيتَه بإِذْنِه أو عَقَرَه خارجَ مَنْزِلِه، وما أَتلَفَت البهيمةُ من الزرعِ لَيْلًا ضَمِنَه صاحبُها، وعَكْسُه النهارُ، إلا أنْ تُرْسَلَ بقُرْبِ ما تُتْلِفُه عادةً وإن كانت بِيَدِ راكبٍ أو قائدٍ أو سائقٍ ضَمِنَ جِنايتَها بِمُقَدَّمها لا بِمُؤَخَّرِها، وباقي جِنايتِها هَدَرٌ كقْتَلِ الصائلِ عليه وكَسْرِ مِزمارٍ وصَليبٍ , وآنيةِ ذَهَبٍ وفِضَّةٍ , وآنيةِ خَمْرٍ غيرِ مُحترَمَةٍ.
ثم قال المؤلف: (وإن ربط دابةً بطريقٍ ضيق، فعثر به إنسانٌ ضمِن) في وقت المؤلف لا توجد السيارات، وفي وقتنا لا توجد الدواب، لكن الشيء يُقاس بالشيء؛ إذا ربط دابةً بطريقٍ ضيق فعثر بها إنسان وانكسر، هلك، فعليه الضمان؛ لأنه متعدٍّ في ربطها في هذا المكان الضيق.
وعُلِم من كلام المؤلف أنه لو ربطها بطريقٍ واسع فلا ضمان عليه، وهذا متجه إذا لم يربطها في طريق المارة، فإن ربطها بطريق المارة فهو كما لو ربطها في طريقٍ ضيق؛ يعني عليه الضمان.
فإن قال قائل: الطريق الواسع يستطيع الإنسان، وإن كان مطرق الناس في وسطه مثلًا، يستطيع الإنسان أن ينحرف يمينًا أو شمالًا؟
قلنا: لنسأل: هل هذا الرجل الذي ربط الدابة في الطريق الواسع في مطرق الناس، هل هو معتدٍ أو غير معتدٍ؟
طالب: معتدٍ.
الشيخ: الجواب: معتدٍ لا شك، وإذا كان معتديًا فهو ظالم؛ وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: 42]، نعم، لو ربطها في طريقٍ واسع في أحد جوانبه فلا بأس، لا ضمان.
(2/2066)
________________________________________
وقوله: (إن ربط) ظاهر كلامه -رحمه الله- أنه لو أوقفها بلا ربط فلا ضمان عليه؛ لأنه إذا أوقفها تمشي وتذهب، ولكن في هذا الظاهر نظر، والصواب أن إيقافها كربطها؛ لأن مجرد وقوفها في هذا المكان في الطريق الضيق أو الواسع إذا أوقفها في طريق الناس يُعتبر عدوانًا.
نعم، لو فُرض أنه أوقفها لتحميل متاعه عليها، أو لتنزيل متاعه منها، فعثر بها إنسان، فهذا لا ضمان عليه؛ وذلك لأنه غير معتدٍ، ولا متعدٍّ، وهذه عادة الناس، ولو قلنا بالضمان لكان حصل إشكال عظيم، لكان الإنسان لا يمكن أن يحمل متاعه على بعيره إلا إذا أدخلها إلى بيته، وهذا مشقة عظيمة.
إذن الضابط أنه إذا كان إذا أوقفها أو ربطها في مكانٍ يُعتبر متعديًا فعليه الضمان. طيب، السيارات الآن حُكمها حكم الدابة، إذا أوقفها في مكانٍ واسع وليس في طريق الناس، فعثر بها إنسان، فإنه لا ضمان على صاحب السيارة؛ لأنه لم يعتدِ، حيث إن العادة جرت بأن الناس يوقفون سياراتهم في الأمكنة الواسعة، ولا يُعدُّ هذا اعتداءً، فإن أوقفها في مكانٍ واسع في مطرق الناس، فعليه الضمان؛ لأنه متعدٍّ، وإن أوقفها في طريقٍ واسع في جانب الطريق فلا ضمان عليه، لكن ما هي السعة؟ السعة أن يُبقي مكانًا يمكن أن تمر به السيارات، فإذا ترك مكانًا يمكن أن تمر به السيارات، فهذا ليس بمعتدٍ، والعادة الآن جارية بذلك؛ كل الناس يُوقفون سياراتهم عند بيوتهم لكنهم يدعون ممرًّا واسعًا، لكن هل يجب أن نقول: لا بد أن يترك ممرًّا يستطيع أن ينفد فيه المتقابلان؟
(2/2067)
________________________________________
الظاهر أنه بلى، لا سيما في الطرقات النافذة، أما غير النافذة فهي إلى أصحابها، لكن في الطرقات النافذة، ولا سيما الطويلة يبقى إشكال إذا أوقفها بحيث يمر سيارة واحدة؛ لأنه كثيرًا ما تتلاقى السيارات في الطريق الطويل، ولا يمكن أن يجوز بعضها بعضًا إلا أن ترجع إحداهما إلى أعلى السوق، وهذا ضرر وتضييق على الناس، وما دُمنا نعتبر الاعتداء والضرر فلنُطبِّق كل ما يحصل على هذه القاعدة.
لو أنه أوقف سيارته في مكانٍ بارح واسع، وكان حوله فِتيان يلعبون كرة، ثم إن أحدهم لحق الكرة لما طارت واصطدم بالسيارة، فهل عليه الضمان؟ لماذا تتوقفون يا جماعة؟
طلبة: لا ضمانَ عليه.
الشيخ: لا ضمان عليه؛ لأن المكان واسع، والعادة جارية بذلك، وهذا هو الذي اصطدم بها كما لو اصطدم بالجدار؛ جدار البيت وما أشبهه.
(وإن ربط دابةً بطريقٍ ضيق فعثر به)، عندكم (به) ولَّا (بها)؟
طلبة: به.
الشيخ: به، كان مقتضى السياق أن يقول: عثر بها، (فعثر به إنسان ضمن)؛ أي رابط الدابة، وكذلك موقفها. طيب، لو لم يعثر بها، ولكنها رفسته، فعليه الضمان؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم؛ لأن هذا المكان يحرم عليه أن يُوقف الدابة فيه، فإن أوقفها في هذا المكان الضيق، وجاء إنسانٌ فنخسها فرفسته؟
طالب: ليس عليه ضمان.
الشيخ: رفست الرجل الذي نخسها؟
طالب: لا ضمان.
الشيخ: فنقول: لا ضمان على الرابط؛ لأن التلف الآن حصل بفعله، فهو مباشر، فلا ضمان على رابطها، وإن نخسها فضربت برجلها آخر؟
طلبة: على من نخسها.
(2/2068)
________________________________________
الشيخ: فعلى من نخسها، نعم، على القاعدة؛ مباشر ومُتسبِّب؛ كالكلب العقور لمن دخل بيته بإذنه أو عقره خارج منزله؛ يعني كما يضمن صاحب الكلب العقور؛ إذا عقر الكلب من دخل بيته بإذنه، أو عقر من كان خارج المنزل؛ وذلك لأن الكلب العقور، وهو الذي عُرِفَ منه العدوان على الناس، وعض الناس لا يجوز اقتناؤه بأي حالٍ من الأحوال، ويجب قتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» (1). فاقتناؤه حرام، وعلى هذا كل ما تلف به -أي بعقْره- فهو مضمون على صاحبه، إلا من دخل بيته بغير إذنه، إلا من دخل بيت صاحبه بغير إذنه فلا ضمان فيه؛ لأن الداخل معتدٍ؛ حيث دخل البيت بغير إذن صاحبه؛ والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27].
فإن أذن له ودخل الرجل، وصاحب المنزل في داخل المنزل، فعقره الكلب، فهل عليه الضمان أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: عليه الضمان؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لماذا؟
طلبة: دخل بإذنه.
الشيخ: لأنه دخل بإذن رب البيت، وقيل: إنه يضمن إلا أن يُعلِمه؛ لأنه عقره وهو لا يدري؛ الداخل، فإذا عقره فعليه الضمان، على مَنْ؟ على صاحب الكلب العَقُور، عليه أن يضمن إذا دخل. ففهمنا الآن الكلب العقور، إذا عقر إنسانًا خارج المنزل؟
طلبة: الضمان على صاحبه.
الشيخ: فعليه الضمان، على صاحبه الضمان على كل حال، إذا عقر إنسانًا في داخل المنزل، لكنه عقر من دخل بغير إذن رب المنزل؛ فعليه الضمان.
طلبة: ليس عليه ضمان.
الشيخ: لماذا؟ لأنه معتدٍ، طيب، هذان شيئان متقابلان؛ إذا دخل بإذنه؛ بإذن صاحب المنزل، فعقره؟
طلبة: عليه الضمان.
الشيخ: على مَنْ؟
طلبة: على صاحب الكلب.
(2/2069)
________________________________________
الشيخ: على صاحب الكلب؛ لأن الرجل الداخل غير معتدٍ، فيكون ضامنًا، وقيل: إن أعلمه؛ لأن الداخل في هذه الحال غير معتدٍ، فيكون صاحب الكلب ضامنًا ولَّا غير ضامن؟
طلبة: ضامنًا.
الشيخ: ضامنًا، وقيل: إنه إن أعلمه أنه عقور، فإنه لا ضمان عليه. غير الكلب العقور، هل يضمن صاحبه؛ يعني أن رجلًا عنده كلبٌ هادئ؛ ليس بعقور، فخرج الكلب فعقر إنسانًا، وليس من عادته العقر، فهل يضمن؟ لا؛ لأنه يقول: الكلب العقور، وهذا كلب غير عقور، فلا ضمان عليه. طيب، لكن لو كان غير عقور فأشلاه صاحبه بالرجل؟
طالب: ضمن.
الشيخ: عليه الضمان؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، عليه الضمان؛ لأنه معتدٍ بذلك.
على ذكر الكلب العقور، قال العلماء: الكلاب ثلاثة: عقور، وأسود، وما سواهما. العقور يجب قتلُه، والأسود يُباح قتله، وغيرهما لا يُباح قتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الكلاب إلا إذا آذى؛ إذا آذى فإنه يُقتل؛ لأن القاعدة هي أن كل مُؤذٍ يُسن قتله، سواءٌ كانت الأذية طبيعته أم حدثت له بعد ذلك.
ثم قال: (وما أتلفت البهيمة من الزرع ليلًا ضمنه صاحبها، وعكسه النهار إلا أن ترسل بقُرب ما تتلفه عادة).
(ما أتلفت البهيمة من الزرع ليلًا ضمنه صاحبها)، نقف على هذا؛ لأنه موقف.
طالب: أحسن الله إليك، إذا كانت سيارة في مكان واسع، فلحق بالطريق الأخرى واصطدم بالسيارة قلنا بأنه لا ضمان على صاحب السيارة، لكن إذا كان من نظام الدولة أن السيارات الكبيرة لا تدخل هذه المنطقة، ثم اصطدم ( ... )؟
الشيخ: هذه أقول: إذا كانت السيارة في مكانٍ واسع، لكن الدولة منعت إيقاف السيارات الكبيرة في هذه البرحة الكبيرة، فنقول: مخالفة النظام معصية، فيكون هذا الرجل معتديًا، فعليه الضمان.
طالب: أحسن الله إليكم، شخصٌ ركب سيارة شخصٍ آخر دون إذنه، وسقط فمات، هل يضمنه؟
الشيخ: سقط؟
الطالب: سقط فمات.
(2/2070)
________________________________________
الشيخ: يعني هو راكب؟ إي، وهل سقط مثلًا في وقتٍ يتمكن السائق -سائق السيارة- من إيقافها أو لا؟
الطالب: لا يتمكن.
الشيخ: لا يتمكن، لا ضمان فيه؛ لأنه معتدٍ بكونه ركب بدون إذنه، والرجل حينما سقط الراكب لا يتمكن من إيقاف السيارة، أما إن كان يتمكن من إيقاف السيارة فالواجب أن يُوقِف السيارة، فإن لم يفعل فهو معتدٍ.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- لو اصطدمت سيارتان، وكان الخطأ مئة في المئة على الثاني، ومات الثاني، فهل على الأول شيء؟
الشيخ: لا، ليس عليه شيء، وهذه مسألة ينبغي أن ننزلها على كلام المؤلف؛ الخط إذا كان فيه رائح وجاي، الخط، ثم خرج أحد السيارات عن مسارها، فهو معتدٍ، أي شيء يترتب على خروجه فالضمان عليه؛ لأنه معتدٍ، إلا لو أنه تعمد أن يخرج مثلًا إلى .. قصدي أنه خرج بدون عمد؛ يعني بمعنى أنه رأى الخط فارغًا، فهذه ينظر فيها، أما إذا كان خط يسلكه الناس وهو مساران، فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يخرج إلى مسار المقابل.
طالب: شيخ، لو كان الأول جزءًا بسيطًا جدًّا من الخطأ، مثلًا سرعة ودفع ( ... )؟
الشيخ: المعتدي غير مضمون.
الطالب: لكن الذين مع السائق الثاني، الذين ماتوا، بسبب الأول الذي اعتدى عليه؟
الشيخ: أقول: كل من خرج عن مساره فهو معتدٍ.
الطالب: شيخ، هذه المسألة يعني يحتاج الناس ( ... )
الشيخ: كيف؟
الطالب: بعض الناس يموت معه اثنان ثلاث أربع كل ..
الشيخ: نعم.
الطالب: مع أنه لم يتخطَّ إلا ثلاثين في المئة تقريبًا، ثلاثين في المئة بسبب سرعته مثلًا، أو ما أشبه ذلك، ويموت ( ... ) أيش يسوي؟ سقط؟
الشيخ: ما علينا.
الطالب: يصوم؟
الشيخ: يصوم هذا المعتدي، لكن المعتدي تقول: إنه مات.
الطالب: مات.
الشيخ: ما عليه صيام.
الطالب: ما عليه شيء.
الشيخ: مِنْ؟
الطالب: الثاني.
الشيخ: اللي غير معتدٍ؟ ما عليه شيء أبدًا ما فيه إشكال.
الطالب: يقولون: الخطأ على هذا نسبة ( ... ).
(2/2071)
________________________________________
الشيخ: هذه النسبة إحنا سألنا عنها، قالوا: من أجل ألا يتهور الناس، وإلا نعلم أنه ما عليه شيء؛ إن الخطأ من الأول.
الطالب: ما دام نسبة الجانب هذاك أكبر خلاص؟
الشيخ: لا، ما هي بأكبر؛ ما دام أنه ليس عليه نسبة مئة بالمئة، لكن حُمِّل خمسة وعشرين في المئة للغرامة فقط كما يقولون، مع أن هذا نرى أنه خطأ، لا يُحمل شيئًا، ما دام أنه ليس من الخطأ فلا يُحَمَّل؛ لأن المشكلة تأتي إذا جاء إلى المفتي وقال: إن عليه خمسة وعشرين بالمئة، بيقول له: صُم؛ الكفارة ما تتبعَّض؛ يعني بيقول: كَفِّر بعتقٍ أو صوم.
طالب: شيخ، قلنا: الكلب غير العقور إذا عقر شخصًا لم يضمن صاحبه؟
الشيخ: نعم، إلا؟ استثنينا؟ ويش استثنينا؟
الطالب: استثنينا أشياء، ولكن ألم نقل هذا الباب ( ... )؟
الشيخ: من باب أيش؟
الطالب: الخطاب الوضعي.
الشيخ: كيف الخطاب الوضعي؟
الطالب: ( ... ) وجب على صاحب الكلب ..
الشيخ: ما أتلفه، الذي أتلف الكلب، «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (2).
الطالب: وصاحب الشياه؟
الشيخ: ما عليه شيء.
الطالب: صاحب الشياه ..
الشيخ: سيأتينا أنه يفرق في الليل والنهار، على أن العلماء مختلفون؛ هل يفرق بين الليل والنهار في الزرع أو في كل شيء؟
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، أكبر حوادث البهايم ( ... )، وأتلف شيئًا بعدما أخدها من جانب المستعير، على من يكون .. ؟
الشيخ: المستعير، على الذي بيده.
الطالب: يعني صاحبه ما عليه ضمان؟
الشيخ: ما عليه شيء إلا إذا كان غرَّه.
الطالب: لا، علمه ..
الشيخ: لا، ما على صاحبه شيء. {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].
طالب: شيخ، إذا كان سائق سيارة معه أحد رديف، ثم تجاوز السرعة المحدَّدة، وأُصيب بحادث ليس عن طريق السرعة، وإنما جاء أحد ( ... ) فتوفي الرجل؟
الشيخ: توفي المقابل ولا المسرع؟
الطالب: لا المسرع.
(2/2072)
________________________________________
الشيخ: أنا ما أرى أن مخالفة النظام، لا أظن أننا نُثبت فيها الضمان؛ يعني مثلًا إذا قدروا السرعة بمئة وثلاثين، ثم حصل تلف، أنا أتردد في أننا نلزمه؛ لأن هذه معصية في مخالفة الأمر فقط، ولا يرد علينا مسألة السيارة؛ مسألة السيارة اللي في البرحة، هذه أصلًا ما يُؤذَن له إطلاقًا، أما مسألة السرعة فهم أحيانًا يتجاوزونها حتى أظن عشرة زيادة.
طالب: ما يُربط الضمان -يا شيخ- بالسرعة؟
الشيخ: لا، أنا أتردد فيها.
طالب: شيخ، قلنا: الكلب لا يُباح قتله إلا إذا آذى؛ غير الأسود والعقور.
الشيخ: نعم.
الطالب: هل من الأذية كثرة النبيح؟
الشيخ: إي، ما فيه شك، أن من الأذية كثرة النباح، إذا صار تحت بيتك ولا يجعلك تنام ويش تسوي، تضربه يرجع.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- بعض الجمال يعتدي على الناس بالقتل، والإنسان يتدافع، وهل إذا قتله الإنسان بمثل هذا يضمن؟
الشيخ: إذا دافعه ولم يندفع إلا بالقتل فلا ضمان عليه؛ يعني لو هاج الجمل عليه، ثم دافعه ولم يندفع إلا بالقتل، فلا ضمان عليه.
الطالب: وإذا قتله الجمل نفسه، هل يضمن صاحب الجمل؟
الشيخ: يأتينا إن شاء الله، لكن لا بد أن تعلم أنه إذا قتله لصوْله، ثم ادعى صاحبه أنه لم يصُل عليهن، فهنا يحتاج إلى بيِّنة، ومشكلة هذه، إلا على القول الراجح؛ أن من عُرِف منه الصدق والأمانة، فإنه لا يحتاج إلى بينة، ولكن يحلف؛ فيقول: والله إنه صال عليه، ولم يستطع مدافعته.
طالب: شيخ، إذا أوقف إنسانٌ سيارته في مكان سد على أخيه، فخرج هذا صاحب السيارة الأول، فاصطدم ( ... ).
الشيخ: كيف؟
الطالب: يعني أتلف بعضها؛ باحتكاكٍ أو بنحوه، فهل على صاحب السيارة الذي وقف ..
الشيخ: الذي أوقفها أولًا هو الضامن؛ لأنه معتدٍ، لا بد أن يدع في الطريق ما يمكن أن تمر به السيارة.
(2/2073)
________________________________________
الطالب: الأول أوقف سيارته في مكان بعيد؛ الْمُخصَّص له، الثاني أتى وسد عليه الطريق، أو جعل فتحة ضيقة لا يخرج ( ... )، فخرج هذا الأول؛ صاحب السيارة الأول.
الشيخ: يعني حاول الخروج؟
الطالب: حاول الخروج.
الشيخ: طيب.
الطالب: فاصطك بالثاني، فهل على .. ؟
الشيخ: المعتدي لا يضمن له.
طالب: صاحب البيت ( ... ) كلبه ليلًا للحراسة، والكلب لا يؤذي الذين يترددون على هذا البيت، فأتاه شخص غريب وآذاه الكلب، فهل على .. ؟
الشيخ: آذاه أو عقره؟
الطالب: ربما.
الشيخ: شقَّق ثيابه؟
الطالب: نعم، هل على صاحب البيت الضمان؟
الشيخ: لكن المعلوم اللي يأتي حول البيت هو الذي أخطأ، وهو لم يضع الكلب إلا لهذا، أما لو كان الكلب يعتدي على من كانوا بعيدًا عن البيت فعليه الضمان، ولا يجوز له أن يخرجه خارج البيت وهو يعرف أنه يعتدي على الناس حتى من بُعد.

***
طالب: وباقي جنايتها هدرٌ، كقتل الصائل عليه، وكسر مزمارٍ وصليبٍ، وآنية ذهبٍ وفضة، وآنية خمرٍ غير محترمة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
رجلٌ ربط دابةً بطريق، فعثر بها إنسان، فما الحكم؟
الطالب: إذا ربطها بطريقٍ متسع أو واسع فعثر بها إنسان فلا ضمان على الذي أوقفها فيه ..
الشيخ: فلا ضمان على الذي أوقفها فيه.
الطالب: نعم، يا شيخ الذي أوقفها فيه.
الشيخ: إي، ما هو قال: الذي أوقفها فيه.
الطالب: الذي أوقف الدابة.
الشيخ: يعني إذا ربطها بطريقٍ واسع، نعم.
الطالب: إذا ربطها بطريقٍ ضيق فاصطدم بها إنسان، أو أتلفت شيئًا فعليه الضمان.
الشيخ: طيب، الطريق الواسع، هل يحتاج إلى تفصيل؟
طالب: نعم، الطريق الواسع إذا كان مُنَفَّذًا ..
الشيخ: نافذ، هو نافذ.
الطالب: نعم، فيحتاج إلى تفصيل ..
الشيخ: ما هو التفصيل؟
الطالب: التفصيل؛ إذا أرادها بجانبه .. العادة أن الناس لا يمرون على هذا المكان.
(2/2074)
________________________________________
الشيخ: أحسنت.
الطالب: إذا أتلف في هذا الوضع شيئًا لا يضمن.
الشيخ: إذا ربطها بجوانب الطريق الواسع، فعثر بها إنسان فلا ضمان عليه، وإن ربطها في وسط الطريق؟
الطالب: وعثر عليها إنسان يضمن.
الشيخ: وإن ربطها في وسط الطريق؛ في وسط الطريق الواسع؟
الطالب: يضمن.
الشيخ: يضمن، تمام. طيب إذا وضع على الرصيف صندوقًا فيه مال، هل يضمن أو لا؟ على الرصيف، فعثر به إنسان من المارة؟
طالب: يضمن.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه ..
الشيخ: الطريق واسع، وهذا على الجانب؟
الطالب: لأنه ..
الشيخ: طريق واسع؟
الطالب: لأنه تعدَّى على الطريق.
الشيخ: أي طريق؟
الطالب: الرصيف.
الشيخ: لكن الطريق واسع؟
الطالب: هو ..
الشيخ: وفيه رصيفان وضع على أحدهما؟
الطالب: لكن الرصيف هذا للمارة، فإذا ..
الشيخ: يعني يُعتبر الرصيف كالطريق؟
الطالب: الضيق.
الشيخ: كالطريق الضيق، توافقونه على هذا؟ نعم، وهو كذلك. الكلب العقور إذا عقر إنسانًا، هل يضمن صاحب الكلب أو لا؟
طالب: الكلب العقور؟
الشيخ: كلب عقور نعم.
الطالب: نعم، يضمن.
الشيخ: على كل حال؟
الطالب: على كل حال يضمن.
الشيخ: كل حال؟
الطالب: نعم.
الشيخ: نعم.
طالب: إن دخل بدون إذن صاحب البيت.
الشيخ: إن عقره في داخل البيت، وقد دخل بإذن صاحبه؟
الطالب: إن دخل بإذن صاحبه فيضمن.
الشيخ: من اللي يضمن؟
الطالب: يضمن صاحب البيت.
الشيخ: يضمن صاحب الكلب.
الطالب: بإذن صاحبه.
الشيخ: إي، هو معلوم بإذن صاحبه، يضمن، وإن كان بغير إذنه؟ يعني إن دخل بغير إذنه فلا ضمان عليه، كذا؟ وإن دخل بإذنه فعليه الضمان؟
طالب: العكس.
الشيخ: طيب، إذا دخل بغير إذنه فلا ضمان عليه، وإن دخل بإذنه فعليه الضمان، تصور المسألة، تراها سهلة وواضحة.
طالب: إن دخل يا شيخ بإذنه يضمن.
الشيخ: إن دخل بإذنه فعليه الضمان، صاحب الكلب، طيب وإن دخل بغير إذنه؛ لم يضمن صاحب الكلب، لماذا؟
الطالب: لأنه متعدٍّ.
الشيخ: لأنه متعدٍّ، توافقونه؟
طلبة: نعم.
(2/2075)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، هذا هو. طيب إذا عقره بالسوق؟
طالب: نعم، إذا عقره بالسوق؟
الشيخ: نعم.
الطالب: يضمن.
الشيخ: من اللي يضمن؟
الطالب: صاحب الكلب.
الشيخ: صاحب الكلب، توافقونه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: صح.
قال المؤلف رحمه الله: (وما أتلفت البهيمة من الزرع ليلًا؛ ضمنه صاحبها، وعكسه النهار)، (ما أتلفت البهيمة) البهيمة هي الحيوان؛ من إبل، بقر، غنم؛ ضأنه ومعزه، وغير ذلك. وسُمِّيت بهيمة؛ لأنها لا تنطق، ولهذا تُسمى عجماء أيضًا؛ لأنها لا يُفهم نُطْقُهَا؛ قال الله تعالى: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} [النمل: 16]. فالبهيمة إذن تشمل جميع الحيوان الذي يُقتنى؛ من إبل، وبقر، وغنم، وحُمُر، وخيل، وظباء، وغير ذلك.
(ما أتلفت البهيمة من الزرع ليلًا ضمنه صاحبها) قوله: (من الزرع) يُفهم منه أن غير الزرع ليس هذا حكمه، فثمر النخل، وثمر التين والبرتقال وغيرها ليس هذا حكمه، الأطعمة من حبوب وغيرها ليس هذا حكمها؛ لأن المؤلف خصه بالزرع خاصة.
وقوله: (ليلًا) يدخل الليل بغروب الشمس، ويخرج بطلوع الشمس، فإنه يضمنه صاحبها. دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن على أهل المواشي حفظها في الليل، وعلى أهل الزروع حفظها في النهار (3)، وهذا واضح؛ ذلك لأن العادة جرت أن أهل المواشي يحفظونها في الليل؛ إما بقيودها، وإما بأحواشها أو غير ذلك؛ لأنها لا ترعى في الليل، وأهل المزارع يحفظونها في النهار وينامون في الليل، وهم مسؤولون عنها بالنهار، فكان هذا الحديث مطابقًا للحِكمة تمامًا؛ أن ما أتلفت البهائم من الزرع في الليل فالضمان على مَنْ؟ على أصحابها؛ لأنهم مأمورون بحفظها، ولأن العادة جرت بذلك، وما أتلفت بالنهار فليس على أصحابها شيء؛ لأن المسؤول عن المزارع هم أهلها، وهكذا جاءت السُّنَّة.
(2/2076)
________________________________________
نرجع إلى المفاهيم؛ قوله: (ما أتلفت من الزرع) لو أتلفت شيئًا من الثمار بأن انطلقت في النهار أو في الليل على نخلٍ قصير، فأكلت ثمرتها، فهل يضمن صاحبها أو لا؟ ظاهر كلام المؤلف أنه لا يضمن صاحبها، لا ضمان عليه، لا في الليل ولا في النهار؛ لأنه خص ذلك بالزرع، وهذه المسألة فيها للعلماء ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه خاص بالزرع كما هو ظاهر كلام المؤلف.
الثاني: أنه خاص بالزرع والثمار التي في الحوائط؛ لأن الثمار التي في الحوائط بمنزلة الزرع؛ إذ العادة جرت بأن الناس يحفظون زروعهم وثمارهم في النهار وينامون عنها في الليل، كما أن العادة جرت بأن أهل المواشي يحفظونها في الليل ويتركونها في النهار لترعى.
القول الثالث: أن جميع ما أتلفت من زرع وثمار وأموال وغيرها حُكْمه حُكم ما أتلفت من الزرع، فعلى هذا يكون عموم ما أتلفته البهائم إن كان في الليل، فعلى من؟
طلبة: أصحابها.
الشيخ: فعلى أصحابها الضمان، وإن كان في النهار فليس على أصحابها شيء؛ ودليل ذلك عموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (2)، وضمنَّا صاحبها في الليل قياسًا على الزرع؛ لأن العلة أيش؟
طالب: واحدة.
الشيخ: العلة واحدة؛ أن أهل المواشي يحفظون مواشيهم في الليل ويُطلقونها في النهار لترعى، وهذا القول أصح؛ أنه لا فرق بين الزروع وغيرها؛ لأن أهل الأموال في الليل ينامون عنها، لو أن إنسانًا كان عند بيته أكياس من القمح، فجاءت المواشي فأكلته، فهنا ماذا نقول؟
طالب: الضمان على صاحبها.
الشيخ: نقول: الضمان على صاحبها؛ لأن الناس في الليل ينامون ولا ينتبهون لأموالهم، وفي النهار؟
طالب: لا ضمان.
(2/2077)
________________________________________
الشيخ: لا ضمان على صاحبها؛ لأن الواجب على أهل الأموال حمايتها. وبعض العلماء فرَّق بين الْمُفَرِّط في حفظ البهيمة وغير المفرط؛ يعني أن الإنسان في الليل إذا حفظ البهيمة؛ إما برباط، أو قيد، أو شد، أو سور، ثم انطلقت مع تمام التحفُّظ فإنه لا ضمان على صاحبها، وهذا هو المشهور من المذهب؛ لأن الرجل لم يُفرِّط، والعادة جرت أن الناس يحفظون مواشيهم، ثم ينامون، فإذا انطلقت بأن عضت القيد حتى انقطع مثلًا، أو تسوَّرت الجدار الذي لا تتسور مثله البهائمُ فلا ضمان.
وهذا الحقيقة قد يُقال: إنه قولٌ لا بأس به؛ لأن الإنسان لم يُفرِّط ولم يتعدَّ، فإذا لم يُفرِّط ولم يتعدَّ فإنه لا ضمان عليه، ويدخل هذا في عموم قوله: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (2)؛ العجماء يعني البهائم، وجبار يعني هدر.
يقول: (وعكسه النهار، إلا أن تُرسل بقُرب ما تتلفه عادة) هذا مستثنى من قوله: (وعكسه) عكسه النهار يكون الضمان على صاحب الزرع؛ يعني ليس على صاحب البهيمة ضمان، إلا أن المؤلف –رحمه الله- استثنى معنى وجيهًا يؤيد ما نقلناه أخيرًا؛ وهو أنها إذا أرسلت بقُرْب ما تتلفه عادة فعليه الضمان، مثال ذلك: رجل يرعى إبله في النهار، فأطلقها قُرْب مزرعة، والمزرعة ليس عليها شبك، وليس عليها جدار، مثل هذا جرت العادة أن البهيمة تذهب وتأكل الزرع كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» (4).
وهذا الاستثناء الذي ذكره المؤلف وجيه وصحيح، يُرسلها على بُعد خمسة أمتار أو عشرة أمتار، أو على مرآها، ثم يذهب، من المعلوم أنها سوف تذهب إلى الزرع وتأكله، فيكون الضمان هنا على صاحبها؛ ولهذا قال: (إلا أن تُرسَل بقُرْب ما تُتلِفه عادة).
لو قال قائل: إذا انعكس الأمر، وصار الناس يحفظون أموالهم في الليل، والمواشي أيضًا تُطلَق في الليل، فهل انعكس الحكم؟
(2/2078)
________________________________________
قال بعض العلماء: إنه ينعكس؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وقال بعض العلماء: لا ينعكس؛ لأن هذه مسائل، مسألة نادرة؛ يعني يندر أن تكون المواشي تُرعَى في الليل، وأن يكون حفظ الأموال في الليل، والنادر لا حُكم له.
فإن قال قائل: ما هو الأصل فيما أتلفت البهيمة علشان نعرف ما خرج عن هذا الأصل؟ هل الأصل الضمان أو لا؟
قلنا: الأصل عدم الضمان، الأصل فيما أتلفت البهيمة عدم الضمان؛ الدليل: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (2)، ما لم يكن عدوان من صاحبها أو تفريط، فإن كان عدوانٌ أو تفريط عُمِل بما يقتضيه ذلك العدوان والتفريط؛ فمثلًا الكلب العقور يحرم اقتناؤه، فإذا أتلف شيئًا خارج منزل صاحبه، فعليه الضمان.
الكلب العادي إذا أتلف شيئًا خارج منزل صاحبه ليس فيه ضمان بناءً على القاعدة: أن الأصل فيما أتلفت البهيمة عدم الضمان، هذا هو الأصل.
قال: (إلا أن تُرسل بقُرب ما تتلفه عادة)؛ يعني فعلى صاحبها الضمان، لو كان ذلك في النهار.
(وإن كانت) الضمير يعود على البهيمة (بيد راكب، أو قائد، أو سائق؛ ضمن جنايتها) إلى آخره.
(إن كانت بيد) ومعنى بيد أي أنه متمكنٌ من التصرف فيها؛ ولهذا يقول الناس لما يخرج عن طاقتهم، يقول: هذا ما هو بيدي؛ فالمراد (بيد) أي يمكنه أن يتصرف فيها.
(بيد راكب) الراكب إذا لم تكن البهيمة شكسة يتصرف، فإذا أتلفت شيئًا -كما سيأتي- فعليه الضمان؛ لأنه يستطيع أن يتصرف، فإن انفلتت منه وشردت وعجز عن أن يتصرف فلا ضمان عليه، هذا نفهمه من كلام أيش؟ من قوله: (بيد).
(إن كانت بيد راكب أو قائد) قائد يقودها؛ لأن القائد يتصرف فيها، خصوصًا البهيمة الذلول التي تنقاد مع صاحبها، فهي ستتبعه، فأما إن شردت يعني نفرت وشردت وعجز؛ يعني أحيانًا تكون البعير تشرد ويعجز عن ضبطها، وربما تطؤه هو، فهذا ليس بيده.
(2/2079)
________________________________________
(أو سائق) والسائق أقل الرجلين تصرفًا في البهيمة، الراكب يتصرف، القائد يتصرف، السائق يتصرف، لكن تصرفه قليل؛ لأن السائق يتصرف في إيقافها إذا تكلم معها فيما يدل على الوقوف يتصرف في هذا، لكن فيما أمامها لا يستطيع أن يتصرف كما ينبغي، ومع ذلك جعلوا السائق مثل الراكب والقائد.
يقول: (ضمن جنايتها بِمقدَّمِها لا بِمؤخَّرها)؛ يعني ما عضت بفمها، أو وطئت بيدها فعليه ضمان، أما ما كان بالرجل فلا ضمان فيه؛ مثل: وطئت على شيء؛ فلا ضمان، أو نفحت برجلها شيئًا؛ فلا ضمان؛ لأنه لا يستطيع أن يتصرف برجلها، أما يدها يستطيع أن يحرفها يمينًا وشمالًا إذا أقبلت على شيء تتلفه، وكذلك السائق.
لكن هذا أيضًا في النفس منه شيء؛ لأن الراكب إذا كان راكبًا، ثم إن البعير رأت على رصيف الدكان؛ رأت طعامًا، هي على كل حال سوف تنقض عليه انقضاض الطير على اللحم، وتأكل هذا الطعام، هل نقول في هذه الحال: على صاحبها الضمان؟
ظاهر كلام المؤلف عليه الضمان، ولكن في النفس من هذا شيء؛ لأن صاحبها في هذه الحال لا يتمكن منها؛ فلهذا ينبغي أن يُقال: إذا كان بيد الراكب أو القائد أو السائق وأتلفت شيئًا بناءً على تفريطه أو تعديه فعليه الضمان، وأما إذا كان بغير تعدٍّ ولا تفريط، فلدينا قاعدة أسسها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ وهي «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (2)، فأما إذا كان يستطيع أن يتصرف فيها، ولكنه أهمل أو تعدى بأن مَرَّ بشيء يعرف أنها سوف تأكل منه، فحينئذٍ نقول: عليه الضمان، فينبغي أن نجعل مَناط الحكم في هذا؛ أي فيما يتعلق بالبهائم من الجنايات، أن نجعل مناط الحكم هو التعدي أو التفريط، فإذا كان متعديًا أو مفرطًا فعليه الضمان، وإلا فلا.
التعدي مثل أن يمر بها إلى جنب شجر مثلًا، أو إلى جنب أطعمة، يعرف أنها سوف تنهش من هذه الثمرة، أو من هذه الأطعمة، هذا مُتعدٍّ، التفريط أن يُمكنه كبح لجامها، ولكنه لا يفعل، هذا نقول: إنه مُفرِّط.
(2/2080)
________________________________________
قال: (وباقي جنايتها هدَر) باقي جنايتها أيش؟ جناية البهيمة، كل جنايتها هدر، ما عدا ما استُثني، وما استُثني -كما عرفتم- مبني على التعدي أو التفريط، فإن لم يكن تعدٍّ ولا تفريط، فلا ضمان على صاحبها. هذه القاعدة تطمئن إليها النفس وتركن إليها، وهي قاعدة منضبطة تمامًا، ومأخوذة من السُّنَّة، لا من قول فلان وفلان، فنقول: لا فرْق بين أن تكون بيد راكب، أو قائد، أو سائق، أو أي إنسان، فالحكم أنه إذا لم يكن تعدٍّ ولا تفريط ممن هي بيده فلا ضمان عليه، وإن كان هناك تعدٍّ أو تفريط؛ فعليه الضمان.
نحن الآن ليس عندنا بهائم فيما يتعلق بالراكب والقائد والسائق، عندنا سيارات، أيضًا السيارات الحكم فيها مبني على القاعدة؛ إن كان هناك تعدٍّ أو تفريط من السائق فعليه الضمان، وإن لم يكن تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه. هذه القاعدة، فلو فُرض أن شخصًا أتى مُسرِعًا، والسيارة ماشية في طريقها، ثم اصطدم بالسيارة، بالجنب أو بالمؤخَّر، فهل على السائق ضمان؟
طلبة: لا، ليس عليه ضمان.
الشيخ: والله جواب هش هذا، ليس عليه ضمان أبدًا، هل تعدَّى أو فرَّط؟ أبدًا، ما تعدَّى ولا فرَّط، يمشي بالطريق مشيًا معتادًا، وهذا هو اللي جاء مُسرعًا واصطدم بالسيارة، فلا ( ... ) عليه.
لو أن رجلًا يمشي في الطريق على العادة، وإذا بشخصٍ ينجز، ويكون بين عجلة السيارة؟
طالب: ليس عليه ضمان.
الشيخ: عليه ضمان أو لا؟
طلبة: ليس عليه.
الشيخ: ليس عليه ضمان؛ لأن الرجل لم يتعدَّ ولم يُفرِّط، أما لو رأى رجلًا نجز حتى صار في وسط الطريق، وهو يملك السيارة، ولكنه تهاون، أو ظن أنه سوف يجتاز؛ فهذا عليه الضمان، الفرْق أن هذا مُفرِّط، والأول غير مُفرِّط.
(2/2081)
________________________________________
قال المؤلف: (كقتل الصائل عليه)؛ قتل الصائل لا ضمان فيه، الصائل على أيش؟ على النفس، نقول: الصائل على النفس، الصائل على العِرْض، الصائل على الأهْل، الصائل على المال، هذا يُدافَع بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل فقتلَه فلا ضمان؛ لأن العدوان حصل من الصائل، فهو الذي قتل نفسه في الحقيقة، فلا ضمان على القاتل، ولكن يجب أن يدافعه بالأسهل فالأسهل، إذا اندفع بالتهديد فلا يضربه، إذا اندفع بالضرب الخفيف فلا يضربه ضربًا شديدًا، إذا اندفع بالضرب الشديد فلا يقتله، إذا لم يندفع إلا بالقتل فله قتله.
طيب، إذا كان لا يدري، هذا الصائل لا يدري، المصول عليه لا يدري، هل يُبادره بالقتل؛ لأن الصائل ربما يكون معه سلاح، فإذا رأى أنه قد علم به المصول عليه ربما يبادره بالقتل، فهل للمصول عليه في هذه الحال أن يبادره بالقتل؟
طلبة: نعم.
الشيخ: الجواب: نعم، إذا غلب ظنه غلبة قوية أنه إن سكت يدافعه بالأسهل فالأسهل قتله، فإنه يقتله ولا شيء عليه، وهذا فيما بينه وبين الله، لكن لو ادعى فيما بعد أولياء المقتول أنه لم يصُلْ على هذا الرجل، وأن الرجل هو الذي اعتدى عليه وقتله، ثم ادعى أنه صائل، فهنا تقع المشكلة، سيقال للقاتل: أثبِت أن الرجل صالَ عليك، قال: أُثْبِت ذلك في بيتي، هو لم يقتلْه في الشارع، قتلَه في بيته، قالوا: نعم، قتلته في بيتك؛ لأنك دعوته، فأجاب الدعوة، فاستغللت الفرصة، أيمكن هذا أو لا؟ يمكن، إذن ماذا نصنع؟
المشهور عند الأصحاب -رحمهم الله- على المذهب أنه يُقتَل القاتل، مع أنه مدافِع، إلا إذا أثبت أن هذا صائلٌ عليه فلا يُقتل.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجب أن ينظَر للقرائن في القاتل والمقتول، فإذا كان القاتل ممن عُرِف بالصلاح والاستقامة، وأنه لا يمكن أن يعتدي على أحدٍ بالقتل، وعُرِف الصائل بالشر والفساد والهجوم على الناس فالقول قول القاتل، لكن بيمينه، ولا حاجة للبينة.
(2/2082)
________________________________________
وما قاله شيخ الإسلام هو الذي لا يسع الناس العمل إلا به، للمشكِل، يأتي إنسان مجرم يصول على بيت الرجل، على أهله، على ماله، ثم نقول: إن قتلته ولم تُقِم بينة في الصول فإنك ستُقتل، هذا صعب جدًّا، فالصواب ما قاله الشيخ رحمه الله، وأهل الشر معروفون، وأهل الخير معروفون.
إذن فهمنا أن قتل الصائل لا ضمان فيه، ويشمل الصائل من بني آدم ومن غير بني آدم، فلو صالَ عليه جمل فقتَله دفْعًا للصول، فهل يضمن لصاحب الجمل؟ لا؛ لأن الجمل أصبح لا قيمة له.
طيب، ولو قتل صيدًا وهو مُحرِم صال عليه، فعليه الجزاء؟
طلبة: لا، ليس عليه الجزاء.
الشيخ: ليش؟
طلبة: لأنه صال.
الشيخ: لأنه صال عليه، فهو معذور.
وقول المؤلف: (كقتل الصائل عليه) هل يجب قتله إذا صال؟ بمعنى هل يلزم الإنسان أن يدافع عن نفسه أو لا؟
أما أهله وحُرمته ونفسه فيجب أن يُدافِع وجوبًا، وأما المال فمختلفٌ فيه، والصحيح أنه يجب أن يُدافِع عن ماله؛ لأن المال، وإن كان أهون من العِرْض وأهون من النفس، لكن الذل الذي يُصيب الإنسان بتمكين هذا المجرم من إتلاف المال أو سرقته أو ما أشبه ذلك، وقد سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، قال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: «لَا تُعْطِهِ». قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قَاتِلْهُ». قال: أرأيت إن قتلتُه؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ»، وإن قتلني؟ قال: «أَنْتَ شَهِيدٌ» (5).
(كقتل الصائل عليه، وكسر مزمار).
طالب: يا شيخ؛ لو أن مجرمًا هجم على ..
الشيخ: لو؟
الطالب: لو أن صائلًا صال على شخصٍ في بيته، ولم يكن عنده شهود، فأمكنه أن يسجل صوته تسجيلًا؛ يعني في أثناء المدافعة، ثم قتله فطُلبت منه بينة، فعرض التسجيل؟
الشيخ: الله المستعان، متى يجيب المسجل ويدخل الشريط .. ؟ !
الطالب: إذا أمكنه يا شيخ؟
الشيخ: لا، هذه مسألة فرضية، ثم تقليد الأصوات الآن سهل، وقد ذكرنا لكم أنه لا يمكن ينعقد البيع ولا النكاح ولا غيره بالصوت.
(2/2083)
________________________________________
طالب: إذا كان من الجائز عقلًا أن يُدفَع الصائل دون القتل، ولكن ..
الشيخ: إذا كان من الجائز عقلًا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ويش معنى الكلام هذا؟
الطالب: إذا ..
الشيخ: أو من الممكن.
الطالب: إذا كان من الممكن أن يدفع الصائل بدون القتل، ولكن المصول عليه قتله، ثم ادعى أولياؤه أنه كان يمكن ألا يقتله؛ يعني كان يمكن أن يدفع بدون القتل؟
الشيخ: إي، هو متى ثبت الصول فإنه لا يُلزَم بأن يُثبت أنه لم يندفع إلا بالقتل.
الطالب: إذن لا ضمان عليه؟
الشيخ: لا ضمان عليه؛ لأن هذه مسألة لا يمكن الإحاطة بها.
طالب: أحسن الله إليكم، لو كان عادة الناس أن الضمان على صاحب البهيمة سواء أتلفت الزرع مثلًا ليلًا أو نهارًا، فهل يجوز العمل بهذا .. ؟
الشيخ: أما ما خالف السُّنة فلا يجوز العمل به، وأما ما كان باجتهادٍ من العلماء فلكل اجتهاده، أما ما خالف السنة لا يمكن أن يعمل به حتى ولو كان النظام والقانون، فإنه لا يجوز العمل به، وإذا حُكِم على الإنسان بمقتضى القانون وهو مخالفٌ للشرع، فهو مظلوم، فيستسلم ويُوافق ويؤدي ما حُكم به عليه، والحساب غدًا.
طالب: شيخ؛ كثير من حوادث السيارات التي يذهب ضحيتها أناس تكون خارجة عن طاقة الإنسان، ومن غير تعدٍّ ولا تفريط، فهل نقول بسقوط الدية والصيام؟
الشيخ: إي معلوم، إذا لم يتعدَّ ولم يُفرِّط فليس عليه شيء.
الطالب: الصيام؟
الشيخ: كيف الصيام؟ ويش الصيام؟ قل: الكفارة سواء عتق ولَّا صيام.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- بالنسبة للبهائم إذا أتلفت زرعًا يعني قبل إكماله، ولا يُعرف ما أتلف، فكيف الضمان؟
الشيخ: هذا إما أن يقر صاحب البهيمة، وفي الصورة التي لا ضمان فيها ما فيه إشكال؛ في الصور التي ليس فيها ضمان ما فيه إشكال، سواء أكلت كثيرًا أو قليلًا، أليس كذلك؟
الطالب: بلى يا شيخ.
الشيخ: في الصور اللي فيها الضمان يصطلح صاحب البهيمة وصاحب الزرع.
(2/2084)
________________________________________
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- إذا تمكن المصول عليه من دفع الصائل بالتهديد أو بالضرب الخفيف، لكن المصول عليه طمع في أن يلقي القبض على هذا الصائل بالضرب الشديد، أو قد يقوم بإتلاف رجله أو يده ..
الشيخ: أيش؟
الطالب: يعني بالضرب الشديد الذي قد يؤدي إلى إتلاف بعضه، أو كل هذا الصائل، فهل له ذلك أو لا؟
الشيخ: لا؛ لأنه معنى (أتلفت) أنه إذا ضربه الضرب الخفيف هرب.
الطالب: يهرب، ولكنه يطمع في أن يلقي القبض عليه.
الشيخ: إلا إذا كان له حق الولاية، فلا بأس.
طالب: أحسن الله إليكم يا شيخ، في الوقت الحاضر يا شيخ أكثر الصائلين اللي يتسلطون على المحال يفاجأ أنه متسلح.
الشيخ: أيش؟ سلاح، نعم.
الطالب: وكثير ما يحدث القتل بالصفة هذه يا شيخ.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: في الوقت الحاضر.
الشيخ: نعم.
الطالب: كثير ممن حصل له القتل من الصائل على المصول عليه؛ لأنه ما ( ... ).
الشيخ: والسؤال؟
الطالب: السؤال يا شيخ؛ الإنسان يعني ( ... ) القتل ( ... ) والسؤال عن ..
الشيخ: يعني أنت تقول الآن: يجب أن يبادره بالقتل؟
الطالب: شيخ؛ يعني هل الأقرب ( ... )؟
الشيخ: يعني أنت تريد أننا نقول: إذا صال عليه يُبادر بالقتل؟
الطالب: لا يا شيخ؛ أنا أنتظر تفسيرك، لكن الزمن الحاضر ما ..
الشيخ: في الزمن الحاضر، يعني أنت ترى في الزمن الحاضر يبادر بالقتل؟
الطالب: يعني أحوط ما يكون ( ... )، الأقرب ما يكون ..
الشيخ: هذا الآن ما خرج عن القاعدة، نحن قلنا: القاعدة إذا خاف ألا يندفع، فإذا خاف أن يقتله قبل أن ينصرف فله قتله.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- حوادث الإبل ( ... ).
الشيخ: حوادث الإبل؟ كيف حوادث الإبل؟
الطالب: يعني يحصل كثيرًا، الإبل تطلع على الطرق الأسفلت ( ... ) السيارة.
الشيخ: هذه صدر فيها قرار من هيئة كبار العلماء فليُرجع إليه.
طالب: ما الفرق بين القائد والسائق؟
الشيخ: السائق من وراء.
الطالب: والقائد؟
الشيخ: والقائد من أمام.
(2/2085)
________________________________________
الطالب: هم واحد، في السيارة القائد والسائق واحد.
الشيخ: لا، بس السيارة على إطلاقها، الناس الآن القائد والسائق واحد، لكن في الإبل السائق اللي يكون خلفه، والقائد اللي يكون أمامه.
***
طالب: وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله تعالى في باب الغصْب: وباقي جنايتها هدر كقتل الصائل عليه، وكسر مزمار وصليب، وآنية ذهبٍ وفضة، وآنية خمرٍ غير محترمة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، ما هو الأصل فيما أتلفت البهائم، أمضمونٌ هو أم لا؟
الطالب: غير مضمون.
الشيخ: ( ... ).
الطالب: الأصل أنه غير مضمون.
الشيخ: الأصل أنه غير مضمون، ما هو الدليل؟
الطالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (2).
الشيخ: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ»، ما هي العجماء؟
الطالب: العجماء هي البهيمة.
الشيخ: والْجُبار؟
الطالب: يعني هدر.
الشيخ: يعني هدرًا، هذا الأصل، ومتى يكون ما أتلفته مضمونًا على مالكها؟
الطالب: إذا تعدَّى أو فرَّط على الصحيح.
الشيخ: إذا تعدَّى أو فرَّط، سواء كانت بيد الراكب أو السائق أو غير ذلك.
طيب، رجلٌ راكبٌ على بهيمة، فنفرت وعجز عن التصرف فيها، فدعست إنسانًا؟
طالب: ليس عليه ضمان.
الشيخ: ليس عليه ضمان، لماذا؟
الطالب: لأنه لم يتعدَّ، ولم يُفرِّط.
الشيخ: لأنه لم يتعدَّ ولم يُفرِّط، لماذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم ما أتلفت البهيمة من الزرع في الليل على صاحبها؟
طالب: لأن العادة أن أهل الحوائط يحفظون زروعهم في النهار.
الشيخ: لأن العادة أن أهل الحوائط يحفظون زروعهم في النهار.
الطالب: وأن أهل الماشية ..
الشيخ: وأن أهل الماشية يرسلونها لترعى، طيب، في الليل؟
الطالب: في الليل جرت العادة أن أهل المواشي ( ... ).
الشيخ: نعم، طيب، جرت العادة في الليل أن أهل البهائم يحفظونها؛ لأنه لا حاجة لإرسالها، وأما أهل الحوائط فهم ينامون؛ لأنهم يعملون في النهار فيريدون أن يناموا بالليل.
(2/2086)
________________________________________
طيب، إذن هل هذا الحكم الذي جاءت به السُّنة، هل توافقه القاعدة اللي ذكرنا؟
طالب: نعم.
الشيخ: كيف؟
الطالب: لأنه في حال النهار إذا أرسلها، وأتلفت شيئًا من الزرع، فإنه يكون صاحب الأرض مُفرِّطًا.
الشيخ: نعم؛ يعني لا تفريط من صاحب البهيمة إذا أرسلها في النهار؛ لأن هذا ما جرت به العادة، وهو مُفرِّط إذا أرسلها في الليل.
قول المؤلف رحمه الله: (إلا أن تُرسل بقُرب ما تتلفه عادة)، هل يمكن لقائل أن يقول: إن هذا خلاف الحديث؟
طالب: لا يا شيخ.
الشيخ: لا، لماذا؟
الطالب: لأن العادة ( ... ).
الشيخ: لأنه لما أرسلها قُربَ الزرع صار معتديًا؛ لأن العادة أن تذهب إلى الزرع، الدليل على أن هذا هو العادة؟
الطالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى».
الشيخ: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى .. » كَمِّل؟
الطالب: «يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ».
الشيخ: «يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» أو: «أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ» (4). الصائل إذا كان مجنونًا، فقتله المصول عليه، أيكون ضامنًا؟
طالب: لا يكون ضامنًا؛ لأن حكم الصائل عام بأنه قتله لدفع ضرره فلا عِبْرة ( ... ).
الشيخ: ما يحتاج لتفصيل؟
الطالب: لا يحتاج.
الشيخ: طيب، توافقونه على هذا؟ المجنون إذا صال على شخص وقتله، هل يضمن أو لا؟ يقول: إنه يضمن ولا حاجة للتفصيل؟
طالب: لا يضمن.
طالب آخر: فيه تفصيل.
الشيخ: ما هو التفصيل؟
الطالب: إن كان يغلب على ظنه أنه يندفع بدون قتل فإنه يدفعه.
الشيخ: يعني إن كان يندفع بدون القتل فقتَلَه فهو ضامِن، وإن كان لا يندفع إلا به فلا ضمان. طيب، إذا اختلف أولياء المقتول والقاتل، فقال القاتل: إنه صال عليَّ، وقال أولياء المقتول: إنه لم يَصُل، فأيهما نصدق؟
طالب: ننظر إلى أيهما أصلح.
(2/2087)
________________________________________
الشيخ: أيهما أصلح؟ ! أولياء المقتول يقولون: أصلح لنا أن يكون غير صائل. أيهما أصلح؟ ! أولياء المقتول يقولون: أصلح لنا أنه يكون غير صائل حتى نأخذ الدية أو القصاص.
طالب: ( ... ) القرينة تدل على أنه صادق إنه قاتل ( ... ) هو الكلام معه، وإن كان القرينة تدل على أنه أهل المقتول يعني يحلفون، وهم ..
الشيخ: وإذا صار ما فيه قرينة تصدق هذا ولَّا هذا؟
الطالب: تصير للقاضي يا شيخ.
الشيخ: القاضي! حضِّره هنا عشان نسأله.
طالب: أن يكون اليمين على ..
الشيخ: أولًا: ما هو المذهب في هذه المسألة علشان نعرفه؟ إن القول قوْل أولياء المقتول ولَّا قول القاتل؟
الطالب: إن القول قول أولياء المقتول.
طالب آخر: أن القول قول أولياء المقتول.
الشيخ: أن القول قول أولياء المقتول؛ لأن الأصل العِصمة.
الطالب: وعدم الصول.
الشيخ: وعدم الصول، طيب.
الطالب: إلا إن جاء ببينة.
الشيخ: إلا إن جاء ببينة، نعم.
الطالب: ولكن الشيء اللي وجدناه أنها إن لم تكن بينة ينظر للقرائن، إن لم تقرن بقرائن، ننظر إذا كان القاتل ( ... ) العدالة، وكان المقتول فيه ..
الشيخ: أصل هذه هي القرينة.
الطالب: أو هي القرينة.
الشيخ: يعني معناه أنا رجحنا أن القول قول من دلت القرائن على صلاحه، سواء القاتل أو المقتول، فلو أن المدعي للصول كان رجلًا فاسقًا، والمقتول معروف بالاستقامة والصلاح، فهنا لا نقبل قول القاتل، وإذا كان الأمر بالعكس، فالقول قول القاتل لكن باليمين، وإذا لم يكن هذا ولا هذا، فالأخ سليم يقول: نرجع للقاضي، ونحن نقول: الأصل الضمان وعدم الصول.
(2/2088)
________________________________________
قال: (وكسر مزمار)؛ يعني وكما لا يُضمَن كسر المزمار. المزمار هو من آلات العزْف، وآلات العزف كلها حرام، سواء اقترنت بالغناء أم لم تقترن، وإن كان الغالب أنها تقترن. والدليل على تحريمها ما ثبت في صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري أو أبي مالك الأشعري؛ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لَيَكُونَنَّ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» (6). هذه أربعة كلها تكاد تكون متلازِمة: المعازف يصحبها غناء في الغالب، والغناء يكون مع المعازف فيه الغزل والإغراء، ينبني عليه الزِّنا؛ حيث قال: «يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ»؛ أي الزنا.
الخمر والحرير؛ الحرير سببه الترف، وأن الإنسان يميل إلى أعلى ما يكون من الترف، وحينئذٍ يشرب الخمر ليُكمل على ما يزعم ترفه، فهذه الأربعة التي ذكرها الرسول عليه الصلاة والسلام في سياقٍ واحد تكاد تكون متلازمة، وهذا نصٌّ صريح بأن المعازف حرام؛ لأن قوله: «يَسْتَحِلُّونَ» يدل على أنها حرامٌ، وهل الاستحلال هنا اعتقاد أنها حلال أو ممارستها كممارسة الحلال؟
طلبة: الثاني.
(2/2089)
________________________________________
الشيخ: الثاني؛ لأن اعتقاد أنها حلال قد يُخرِج من الإسلام؛ إذا اعتقد أن الخمر حلال وهو في أمة الإسلام قد عاش وفهم ذلك كان مرتدًّا، لكن المراد يستحلونها أي يفعلونها فعل المستحل لها، فلا ينكرونها ولا يدعونها، وإذا كانت المعازف -أي المعازف عامة- كل آلات العزف، لكن هناك شيء مخصِّص للعموم؛ وهو استعمال الدُّفِّ في المناسبات، فإن السُّنَّة جاءت بجوازه؛ كاستعمال الدف في الأعراس، واستعمال الدف في أيام الأعياد، واستعمال الدف في قدوم الغائب الكبير الذي له إمْرة أو نحو ذلك، كل هذا جاءت به السنة؛ أما الأول فظاهر فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ» (7)، وإن كان هذا الحديث فيه ما فيه، لكنه له مؤيدات، وأما الأعياد فلأن أبا بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- رأى جاريتين تغنيان وتدفان عند النبي صلى الله عليه وسلم فانتهرهما، وقال: أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ ! فقال: «دَعْهُمَا؛ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ» (8).
وأما قدوم الغائب فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم غائبًا من سفر، فجاءت امرأةٌ إليه فقالت: يا رسول الله، إني نذرتُ إن ردَّك الله سالمًا أن أدف بين يديك، أو أن أضرب الدف بين يديك، قال: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ» (9).
وما عدا ذلك فالأصل التحريم، ما عدا ذلك؛ أي ما عدا الدف من آلات الزمر، فهو داخلٌ في العموم؛ أي أنه حرام، وما عدا ذلك أيضًا؛ ما عدا الأحوال التي رُخِّص فيها، فإنه حتى الدُّف يكون حرامًا؛ لأن ما خُصص بحال يجب أن يَتخصص بها.
(2/2090)
________________________________________
إذن المزمار من آلات العزف التي لا تُباح بحال، وعلى هذا فيجب إتلافه، فإذا أتلفه متلِف لم يكن عليه ضمان، ولكن من الذي يُخاطَب في إتلافه؟ يُخاطَب في إتلافه من هو بيده، من هو بيده هو الذي يخاطب بإتلافه، ويقال: يجب عليك أن تُكسِّر هذا. فإن قال: أُحرقه أو أُكسِّره؟ قلنا: إن كانت مادته يمكن أن يُنتفَع بها في شيء مباح فلا تحرقه؛ يعني بحيث نحولها إلى صندوق من خشب أو ما أشبه ذلك، فلا تتلفه؛ لأن هذا إنما حرم لا لأنه خشب، لكن لكونه استُعمل في حرام، فإذا كان يمكن أن يُحوَّل إلى حلال فإنه لا يجوز أن يُكسَّر؛ لأن في ذلك إتلاف مال، وأما إذا كان لا يمكن الانتفاع به فإنه يُحرق؛ لأن إحراقه أبلغ في التنفير عنه، ولئلا تدعوه نفسه فيما بعد إلى جمع المكسرات بعضها إلى بعض حتى يُكوِّن منها مزمارًا.
ويدلنا على أن التحريق أبلغ وأنكى أن الرسول عليه الصلاة والسلام حرَّق نخل بني النضير ولم يُقطِّعها، مع أنه يمكن أن تُقطَّع وينتفع بنبوعها وينتفع برماحها وأوراقها، لكنه حرَّقها؛ لأنه أبلغ في الإهانة.
طيب، إذن نُخاطب مَنْ؟ من هي بيده، ثم يجب على ولاة الأمور أن يُكسِّروها ويتلفوها؛ لأنهم مسؤولون عن الأمة في هذا الشيء، وهم قادرون على أن يُكسِّروها، وليسوا عاجزين، فيلزمهم أن يُكسِّروها لئلا يشيع المنكر في أمتهم، وهم إذا اتقوا الله تعالى في الأمة اتقت الأمة ربها فيهم، وإذا كان الأمر بالعكس صار الأمر بالعكس؛ لأن من أذل الخلق في طاعة الله أعزه الله بهذه الطاعة، وهذا شيء مُسلَّم؛ لذلك يجب على ولاة الأمور أن يكسروا هذه الآلات، أن يكسروها؛ لأنها ضرر على المجتمع عامة، وعلى الأمن، وعلى الولاة أيضًا؛ لأن النفوس إذا أبعدت عن الخالق لم ترحم المخلوق، وهذه الأشياء تُبعد الخلق عن الخالق؛ لأنها تلهي، وتصد عن سبيل الله، وعن ذكر الله، وعن الصلاة.
ثالثًا: هل يجب على الواحد من الناس أن يكسر هذه المزامير؟
(2/2091)
________________________________________
الجواب: لا؛ لأنه ليس له السلطة، هل يجوز أن يكسرها؟ يُنظر؛ إن كان يترتب على ذلك ضرر أكبر فإنه لا يكسرها، كما لو حصلت فتنة في تكسيرها بأن يقوم صاحبها على هذا وينازعه ويخاصمه، وربما يحصل بينهم شر فهنا لا يكسرها، ولكن إذا سمعها يهرب منها، وإن لم يكن فتنة بحيث أتى على حين غفلة ووجدها وكسَّرها فلا بأس، لكن مع هذا إذا كان يخشى أنه يمكن أن يتتبَّع حتى يُعرَف ويحصل الشر والفتنة فإنه لا يجب عليه؛ لا يجوز له أن يكسرها فضلًا عن كونه يجب.
قال: (وصليب) يعني كذلك كسر الصليب؛ الصليب هو عبارة عن خطين؛ أحدهما قائم والثاني معترِض، ادعت النصارى أن المسيح عيسى بن مريم قُتل وصُلب عليه، ولعل ذلك -والله أعلم- لقوة اليهود وظهورهم عليهم، ذلوا أمام اليهود، وإلا من المعلوم أن النصارى يُعظِّمون عيسى، والذين ادعوا أنهم قتلوه وصلبوه اليهود، كما قال الله عنهم: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: 157]. ولهذا يجب علينا نحن المسلمين أن نعتقد أن عيسى لم يُقتل، ولم يُصلب، ويجب علينا أن نعتقد أن اليهود باؤوا بإثم قتله وصلبه، لماذا؟ لأنهم هم أقروا بأنهم قتلوه وصلبوه، فباؤوا بالإثم لإقرارهم.
(2/2092)
________________________________________
هذا الصليب تُعظِّمه النصارى، وتُعلِّقه في أعناقها، وترسمه على أبواب بيوتها، وفي مجالسها، وفي كل شيء تُعظِّمه بحجة أن المسيح عليه الصلاة والسلام قُتل وصُلب عليه، ونحن نرى أنه منكر عظيم؛ لأنه شعار كُفْر، ولأنه مبني على كذب لا حقيقة له، والمبني على الكذب، والكذب باطل، يكون باطلًا، فإذا كسر إنسان صليبًا فإنه لا يضمنه؛ لأنه ليس له قيمةٌ شرعًا، ولكن هل للإنسان أن يكسر الصلبان التي ينصبها النصارى مثلًا؟
الجواب: لا؛ لأنه ليس له ولاية حتى يمكَّن من كسر هذه الصلبان، نعم، لو فُرض أن النصراني أظهر الصليب وأعلنه في لباسه أو غير ذلك، فهنا يجب على وُلاة الأمر في البلاد الإسلامية أن يمنعوهم من إظهار الصليب؛ لأنه شعار كفر، وهم يعتقدون تعظيمه دِينًا يدينون لله تعالى به.
(وآنية ذهبٍ وفضة) آنية الذهب والفضة إذا كسرها الإنسان فإنه لا ضمان عليه؛ لأن آنية الذهب حرام، وآنية الفضة حرام مطلقًا، سواء كان يستعملها صاحبها في الأكل والشرب أو للزينة أو لغير ذلك، بناءً على أن آنية الذهب والفضة يحرم استعمالها واتخاذها.
(2/2093)
________________________________________
وهذه المسألة فيها خلاف، وظاهر السنة أن المحرَّم الأكل والشرب بها فقط دون بقية الاستعمالات ودون اتخاذها للزينة، اللهم إلا أن يكون هذا من باب السرف فيُنهى عن ذلك للإسراف لا لذاتها؛ ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا» (10). فلم يذكر إلا الأكل والشرب، ولو كان الأكل والشرب وغيرهما لقال: لا تستعملوا، ولو كان الاتخاذ بدون استعمال حرامًا لقال: لا تتخذوا، فلا يمكن أن يدع النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أعم ويذكر ما هو أخص، وإذا كان كذلك فلا يُمكن أن نستدل بالأخص على الأعم؛ لأن الدليل لا بد أن يكون أعم من المدلول أو مساويًا له حتى يمكن الاستدلال، أما إذا كان الدليل أخص فالشارع قد وسع للأمة، ويدل لهذا أن أم سلمة، وهي ممن روى النهي عن آنية الذهب والفضة -بل الفضة خاصة- كان عندها جلجل من فضة؛ يعني مثلما نسميه نحن؟
طالب: قارورة.
الشيخ: قارورة أو طابوق، نعم، وابحثوا عن طابوق هل هو لغة عربية ولَّا لا؟ هي التي روت التحذير من الشرب في آنية الفضة كان عندها جلجل من فضة حفظت فيه شعراتٍ من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الناس يستشفون بهذه الشعرات؛ إذا مرض مريض صبَّت في هذا الجلجل ماء ورجَّته بالشعرات واستشفى به الناس.
بناءً على هذا القول الذي هو ظاهِر السنة، نقول: لا يجوز كسر آنية الذهب والفضة إلا لمن يستعملها في الأكل والشرب؛ لأن أصل الجواز كسر آنية الذهب والفضة، وعدم ضمانها بالإتلاف؛ أنها محرمة الاستعمال.
ماذا نقول على القول الراجح في هذه المسألة (وآنية ذهبٍ وفضة) عند من يستعملهما في الأكل والشرب.
(وآنية خمرٍ غير محترمة) آنية الخمر إذا كسرها الإنسان فلا ضمان عليه؛ لأن فيها ما لا يضمن؛ وهو الخمر، فإن الخمر لا يُضمن حتى لو كان يساوي آلافًا، فأتلفه الإنسان، فلا ضمان عليه؛ لأنه لا قيمة له شرعًا.
(2/2094)
________________________________________
قوله: (آنية). لو قال قائل: ما شأن الآنية؟ الآنية تحفظ الخمر وغيرها، فهي تُستعمَل في الخمر وغيره؟
نقول: لأنه لما كان الخمر فيها ذهبت حُرمتها بذهاب حرمة ما فيها، فلا تُضمن.
وقوله: (غير محترمة) أفادنا -رحمه الله- أن الخمر المحترمة إذا كسر آنيتها فهو ضامن، فما هي الخمر المحترمة؟ هي خمر الذمي؛ الذمي الذي يعيش في بلاد المسلمين بالجزية خمره محترمة؛ بمعنى أنه لا يحل لنا أن نريق خمره التي يشربها، لكن بدون إعلان، لا يعلنها؛ ذمي في بيته يشرب الخمر، لا يجوز لنا أن ندخل بيته ونكسر أوانيه أو نريق خمره، لماذا؟ لأنه يعتقد حله، ولم يعلن به، فيكون محترمًا كاحترام دم الذمي وماله، والخمر عند الذمي مال يُباع ويُشترى.
طيب، المعاهَد والمستأمِن حكمهما حكم الذمي؛ لأن المعاهَد والمستأمن قد عاهدا المسلمين على ألا يتعدى عليهما أحد، لكن لو أن الذمي أظهر الخمر، وخرج إلينا بكؤوسه يشرب في أسواقنا فهنا انتقض عهده، ولم يكن له عهد، وخمره محترمة ولَّا غير محترمة؟
طلبة: غير محترمة.
الشيخ: غير محترمة، ذكروا أيضًا أن من المحترم من الخمر؛ خمر الخلال؛ الخلال الذي يبيع الخل، فيُخلِّل، وفي يومٍ من الأيام تخمَّر الخل؛ إما لشدة الحر أو لسببٍ آخر، قالوا: إن خمر الخلَّال مُحترَم؛ وعللوا ذلك بأنه لو كان غير محترم لزم على الخلال ضرر عظيم، هذا ماله فيتضرر بهذا. وهذه المسألة تحتاج إلى نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الخمر تُتخذ خلًّا؛ قال: لا، وهذا الخلَّال سوف يحبس الخمر حتى تتخلل، وربما يخللها هو بنفسه، ففيما قاله الأصحاب في هذه المسألة نظر، فالله أعلم.

[باب الشفعة]
ثم قال المؤلف رحمه الله: (باب الشفعة) الشفعة مأخوذة من الشفع، وهو ضد الوتر. وسميت بذلك؛ لأن الشريك يضم نصيب شريكه إلى ملكه؛ فلذلك صار كجعل الوتر شفعًا.
(2/2095)
________________________________________
أما اصطلاحًا فيقول: هي استحقاق انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه -يعني الحصة- بعِوض مالي بثمنه الذي استقر عليه العقد، انتبه للشروط؛ للقيود التي فيها الاحتراز:
أولًا: يقول: إنها استحقاق انتزاع حصة شريكه، لا بد أن نأتي بالمثال أولًا: رجلان شريكان في أرض، فباع أحدهما نصيبه على ثالث، فللشريك الذي لم يبع أن ينتزع من المشتري هذا النصيب قهرًا عليه، ويضمه إلى ملكه، فتكون الأرض كلها لمن؟
طلبة: للشريك.
الشيخ: للشريك الأول الذي ..
(باب الشُّفْعة)
وهي استحقاقُ انتزاعِ حِصَّةِ شَريكِه مِمَّن انْتَقَلَت إليه بعِوَضٍ مالِيٍّ بثَمَنِه الذي اسْتَقَرَّ عليه الْعَقْدُ، فإن انْتَقَلَ بغيرِ عِوَضٍ أو كان عِوَضُه صَدَاقًا أو خُلْعًا أو صُلْحًا عن دمٍ عَمْدٍ فلا شُفعةَ،
ثم قال المؤلف رحمه الله: (باب الشُّفْعة)، الشُّفْعة مأخوذة من الشَّفْع، وهو ضد الوتر، وسميت بذلك؛ لأن الشريك يضم نصيب شريكه إلى ملكه؛ فلذلك صار كجعل الوتر شفعًا.
أما اصطلاحًا فيقول: (هي استحقاق انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه) يعني الحصة بعِوض مالي بثمنه الذي استقر عليه العقد، انتبه للقيود التي فيها الاحتراز.
أولًا: يقول إنها استحقاق وانتزاع حصة شريكه، لا بد أن نأتي بالمثال أولًا؛ رجلان شريكان في أرض، فباع أحدهما نصيبه على ثالث، فللشريك الذي لم يبع أن ينتزع من المشتري هذا النصيب قهرًا عليه، ويضمه إلى ملكه، فتكون الأرض كلها لمن؟ للشريك الأول الذي لم يبع، هذه الشفعة.
(2/2096)
________________________________________
المؤلف يقول: (استحقاق انتزاع) والحقيقة أن في هذا التعريف نظرًا؛ لأن الشفعة حقيقة انتزاع الحصة وليست الاستحقاق؛ لكن لا يستحق الانتزاع إلا بشروط، فالصواب أن يُقال في التعريف: الشفعة انتزاع حصة الشريك ممن انتقلت إليه .. إلى آخره، دون أن يُقال: استحقاق؛ لأن هناك فرقًا بين الاستحقاق وبين الانتزاع، ولهذا لو باع أحد الشريكين نصيبه فالشريك الأول مستحِق، فإذا أجاز البيع ولم يأخذه، فهل هناك شفعة؟ لا، إذن التعريف ليس بجيد، فالصواب أن يُقال: انتزاع حصة شريكه إلى آخره.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- بالنسبة لإجازتنا لضرب الدف عند قدوم الغائب.
الشيخ: لا، ما هو كل الغائب.
الطالب: عند قدوم الغائب الكبير المعظَّم، يعني هذا يا شيخ سوف يتخذوه ذريعة في كل من ذهب وأتى ( ... ) يعظم له، ونفعل كذا، ثم إن هذا قضية عين، هذه المرأة النبي صلى الله عليه وسلم إنما أجازها؛ لأنها نذرت، ثم لم يتكرر هذا مع قدوم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، كبار الصحابة، وأئمة العلم، يعني لا نُعلم إلا في قضية واحدة، شيخ، وسبق معنا مرارًا أن بعض الأحاديث والأدلة، وهذه قضية عين لا يُقاس عليها، تُحفظ بدون قياس ( ... ).
الشيخ: لا، ما هو صحيح، لو كانت كلما جاء الرسول دفوا له لكانت سُنَّة، لكن لما دفته هذه المرأة ونذرت، لو كان محرمًا لقال الرسول: لا وفاء لنذر في معصية الله، فدل ذلك على أنه جائز، وهذا أيضًا مما تدعو إليه النفوس؛ يعني إنسان أمير كبير ولَّا ملك يأتي إلى الناس النفوس لا بد أن تظهر الابتهاج به.
الطالب: شيخ، مثل قضية المرأة التي في حديث الفضل بن عباس لم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: في أيش؟
الطالب: في الحج في حجة الوداع.
الشيخ: لم ينكر عليها أيش؟
الطالب: أنها كانت سافرة.
(2/2097)
________________________________________
الشيخ: سافرة؟ هذه بها نزاع، هل هي سافرة ولَّا على الفضل رضي الله عنه كان ينظر إلى جسمها وهيكلها، كما اختاره بعض علمائنا المعاصرين الذين لهم قدم صِدْق في العِلم.
طالب: شيخ، الشريعة لا تُفرِّق بين المتماثلين، لو قال قائل: ما هو الفرق بين الطبل والدف؟
الشيخ: يقول: الشريعة لا تُفرِّق بين المتماثلين، فلو قال قائل: ما الفرق بين الدف والطبل؟
نقول: القول بأنهما متماثلان قول من لا يعرفهما تمامًا؛ لأن الرنة في الدف ليست كالرنة في الطبل، الطبل مختوم من الجانبين فيكون له رنة أبلغ في التأثير من الدف، والدف إنما يكون في جانب واحد؛ ولهذا يسمى أحيانًا الغربال، مثل الذي تغربل به الحبوب.
طالب: بارك الله فيكم، الذِّمِّية التي تحت مسلم من أهل الكتاب إن كان يجوز لها أن تشرب الخمر، فهل يجوز لزوجها إراقة الخمر أو كسر آنيته؟
الشيخ: لا، ما يجوز، الذمية تشرب الخمر عند زوجها المسلم لا بأس.
طالب: والصليب كذلك؟
الشيخ: والله الصليب، قد يُقال: في النفس منه شيء؛ لأن الصليب نوع عبادة، ما هو أكل أو شُرب، فقد يُقال: إن له أن يمنعها كما أنه له أن يمنعها من أن تلبس حليًّا معينًا حتى لو حلي مباح إذا كانت نفسه تتقزَّز منه فإنه يمنع الزوجة منه، كما يلزمها أيضًا بقص الأظافر وإزالة الوسخ، فهذه تكون من حقوق الزوجية، إذا قال لها مثلًا: أنا لا أريد أن تلبسي الصليب؛ لأن نفسي تتقزز منه، فله أن يمنعها من هذه الناحية.
طالب: ما حكم إتلاف كتب أهل البدع؟
(2/2098)
________________________________________
الشيخ: أحسنت، إتلاف كتب أهل البدع أولى من إتلاف المزمار؛ لأن هذه تغير الأديان، ولكن -كما قلت لكم- الذي يُؤمر بذلك هو الذي هي بيده، أعني صاحبها، ثم ولي الأمر، أما أن يُجعل هذا لكل واحد من الناس فإنه يحصل فيه من الفوضى والشر أعظم وأعظم، ولهذا لما أنكر أبو حنيفة على الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويفعلون أشياء تُنكَر عليهم، قيل له: إن هذا أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وهو فرْض، قال: لكن ما يفسدون أكثر مما يصلحون، وهذا من فقه أبي حنيفة رحمه الله؛ أن الإنسان يوازن بين المصالح والمفاسد، فإذا كان يترتب على هذا مفسدة أعظم؛ فإنه لا يجوز أن يتقدم الإنسان إلى إنكاره.
طالب: أحسن الله إليكم، ماذا تقولون في الأناشيد التي تُباح في ( ... )؟
الشيخ: أولًا: كلمة ماذا تقولون؟ في مخاطبة من يُعلِّمك هذه جافية جافة، السؤال: ما تقول؟ أو كلمة نحوها، يعني كلمة ما تقولون؟ يعني أنك جعلت من يعلمك ندًّا لك؛ فلذلك نعاقبك تعزيرًا بعدم الجواب.
طالب: شيخ -بارك الله فيك- شخص عنده إناء مكتوب فيها بعض الآيات القرآنية، ويغسل كل ما جاء عنده طفل مريض يغسل هذا ..
الشيخ: إي نعم، هذا سؤال جيد وإن كان ليس معنا، لكنه جيد، يعني بعض الآنية يُكتب فيها آيات من القرآن، ورأيي في ذلك أنه حرام؛ لأنه إن قصد الاستشفاء بها فليس ذلك من طريق السداد، وإن قصد التبرك فهو أشد وأبعد عن طريق السداد، فلم يبقَ إلا أن هذه الآيات الكريمة تُمتهن وتكون مبتذلة، والإناء قد يُرمى به، وقد يأخذه الصبيان ويعبثون به، فلهذا نرى أن كتابة الآيات في الأواني الكتابة المحفورة هذه، نرى أنها حرام، وأنه يجب على من هي عنده أن يسعى في طمس هذه بأن تُربَّ برباب من الرصاص أو نحوه حتى تزول.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- في الرياضيات والحساب هناك يوجد إشارة زائد، وهي تشبه تمامًا الصليب، وهي واردة من الغرب أصلًا، فهل نعملها نحن؟
(2/2099)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، يعني علامة زائد ما فيها شيء؛ لأن القرائن لها أثرها، الآن يوجد في بعض البُسط الكبيرة هذه عند الوشي والتزويق، يوجد مبنية على مربع يشبه الصليب، ثم اعلم أن أصل الصليب أن تكون الخط المعترض فوق، لكن تطور حتى صار مع التساوي يُسمَّى صليبًا، فلا أرى فيها شيئًا ( ... ).
طالب: بعض الناس يتقرب إلى الله عز وجل بشراء كتب المبتدعة ويحرقها، ويقول: إن هذا أفضل من شراء الكتب النافعة وتوزيعها.
الشيخ: من أجل أن يُكثر الأموال للمبتدعة حتى يطبعوا أكثر، أو ما فهمت؟
الطالب: فهمت.
الشيخ: هو إذا بثوا في السوق هذه الكتب يعرفون ربحهم، فإذا اشتراها ربحوا، ثم طبعوا أكثر.
طالب: كيف يتصور إتلاف كتب أهل البدع؟
الشيخ: يتصور إتلافها أن الإنسان يتلف ما قدر عليه، ما نقول: اشترها ودع كتب أهل السنة، ما يمكن نقول هذا.
طالب: إذن يرجع إلى الإمام أو ..
الشيخ: هو يرجع الحقيقة إلى المسؤولين في الأمة، يعني إلى ولاة الأمور، يجب أن يمنعوا جميع الكتب اللي فيها بدع أو التي فيها دعوة للشر.
طالب: هل يُشرع يا شيخ محو الصلبان ( ... ) السجاد و ( ... ) السيارات قد تكون غير مقصودة؟
الشيخ: والله -كما قلت في الجواب قبل قليل- يعني بَيِّن الشيء المقصود وغير المقصود، اللي غير مقصود، وإنما هو مثلًا تطريز مربعات، هكذا مثل الصليب يتبع بعضها بعضًا ما فيها شيء هذه.
طالب: قول المؤلف: الخمر غير محترم، ألا يمكن أن يتلف الخمر بدون كسر الآنية؟
(2/2100)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، هذا ما ذكرناه إيرادًا وذكرنا جوابه، قلنا: هذا الإناء في نفسه ليس حرامًا، ولكن لما صار فيه ما يجب إتلافه صار تبعًا له على أنه ربما يُقال: إن كلام المؤلف آنية خمر، أن هناك آنية خاصة بالخمر كما عندنا مثلًا القهوة، لها آنية خاصة ولَّا لا؟ ما هي الآنية الخاصة بالقهوة؟ الدلَّة، لو أتى إنسان لك بقهوة في إناء شرب ماء يصير مقبولًا عند الناس ولَّا لا؟ يعني ممكن أن يقال: إن كلام المؤلف رحمه الله: آنية الخمر؛ لا يقصد بذلك كل إناء، إنما يقصد الأواني المخصصة المعدة للخمر، وبهذا يزول الإشكال نهائيًّا.
طالب: إذا قال قائل: إن هذه المزمار والصليب المحرَّم منها ( ... )، أما ( ... ) فجائزة، الآن إذا قال: إنه غير مضمون هو ما يجوز ( ... )، أما ما زاد على ذلك من إتلاف فمضمون.
الشيخ: لا، لا بد أن يقول كما قال المؤلف؛ لأن كسرها فيه إهانة لصاحبها، لكن صاحبها إذا أراد أن يُتلفها -كما قلت لكم- إذا كان يمكن أن ينتفع بحطامها فإنه لا يُحرقها ( ... ).

***
وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أولًا: عرِّف الغصب.
طالب: هو الاستيلاء على حق غيره قهرًا بغير حق من عقار أو منقول.
الشيخ: حكم الغصْب.
طالب: مُحرَّم.
الشيخ: محرم، الدليل؟
طالب: قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29].
الشيخ: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
طالب: وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» (1).
الشيخ: هل إتلاف الكلب مضمون؟
طالب: إتلاف الكلب ليس بمضمون.
الشيخ: ليس مضمونًا، لماذا؟
طالب: لأنه لا قيمة له شرعًا.
الشيخ: لأنه ليس له قيمة شرعًا، الدليل أنه ليس له قيمة شرعًا؟
طالب: وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ» (2).
الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك.
(2/2101)
________________________________________
يقول المؤلف: إذا استولى على حُرٍّ لم يضمنه، ما مراده؟ أولًا: ما هي الصورة؟ ثم ما المراد؟
طالب: يغصب الحر، ويجعله عنده، ويموت عنده.
الشيخ: يجعله كالخادم عنده.
الطالب: نعم.
الشيخ: هذا الحر مات، يضمنه أو لا؟
الطالب: لا ضمان عليه.
الشيخ: لا ضمان عليه، لماذا؟
طالب: لأنه ليس بمال.
الشيخ: ليس بمال، تمام الحر ليس بمال. طيب لا أدري هل ذكرت لكم الاستثناء؟
طالب: نعم.
الشيخ: إذا حَبَسَ الحر عن العمل، فماذا؟
طالب: إذا حبس الحر عن العمل فإنه يضمن أجرته.
الشيخ: يضمن الأجرة؟ كيف قلنا في الأول: إنه لو استولى عليه ومات لم يضمن، وهنا نقول: إذا حبسه فعليه أجرته؟
طالب: لأنه إذا حبسه فوَّت عليه المنفعة والعمل.
الشيخ: لأن منفعة الحر مضمونة، وأما ذاته فغير مضمونة. طيب رجل غصب شاة فنمت الشاة، سمنت الشاة وولَّدت، فهل يضمنها أو لا؟
طالب: يضمنها.
الشيخ: يضمنها، ويُقوَّم له السمن؛ بمعنى أن الغاصب يُعطى ما زاد على قيمتها نحيفة، طيب أولادها؟
طالب: للمالك.
الشيخ: للمالك؟ إي نعم، هل عندك دليل على هذا؟
طالب: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ».
الشيخ: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (3). تمام، ذكر المؤلف أن الغاصب إذا بنى في الأرض لزمه أمور، فما هي الأمور؟
طالب: يلزمه القلع.
الشيخ: يلزمه القلع، يعني هدم البناء، هذه واحدة.
طالب: تسوية الأرض.
الشيخ: تسوية الأرض.
الطالب: وأرش نقصها.
الشيخ: أرش نقصها، كيف يعني؟
الطالب: إذا كانت تتضرر بالحفر.
الشيخ: إذا تضررت بالحفر أو البناء فإنه يلزمه أرش النقص. الرابع؟
طالب: الرابع؛ أجرتها.
الشيخ: الأجرة؛ أجرتها مدة بقائها في يده.
لو قُدِّر أن أجرتها تساوي قيمتها تلزمه؟ يعني الأجرة لمدة خمس سنين تساوي قيمتها تلزمه؟
طالب: نعم.
الشيخ: الدليل.
الطالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ» ..
(2/2102)
________________________________________
الشيخ: الدليل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (3).
رجل غصب فرسًا، فحصل عليه صيد؟
طالب: يكون الصيد للغاصب وأجرة الْمِثل للمالك، أجرة الفرس لمالكه.
الشيخ: يعني الصيد للغاصب، وعليه أُجرة الفرس لمالكه، هذا الذي في الكتاب؟
الطالب: لا، يا شيخ هذا الصحيح.
الشيخ: هذا الصحيح، والذي في الكتاب؟
الطالب: أن الصيد للمالك، مثل العبد والجارية.
الشيخ: إي، مثل العبد، توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب، رجل غصب بيضًا وصار فرخًا.
طالب: يرد أرش نقصه.
الشيخ: يرد أرش نقصه؟
طالب: إذا نقص.
الشيخ: إن نقص، وإن زاد؟
طالب: لا يرده.
الشيخ: إن زاد فلمالكه، وإن نقص فعلى الغاصب، توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ما معنى قول المؤلف: وما نقص بسعر لم يضمن؟
طالب: إذا نقص المغصوب بسبب نقص الأسعار؛ فإنه لا يضمن.
الشيخ: يعني إذا نقص سعر المغصوب ما هو بالمغصوب، سعره، مثِّل؟
الطالب: مثاله: غصبه وهو يساوي مئتين.
الشيخ: غصبه وهو يساوي مئتين.
الطالب: ثم نزلت الأسعار، وصار لا يساوي إلا مئة وخمسين، فلا يضمن النقص هذا.
الشيخ: فيرده على مالكه، وإن كان نقص خمسين ريالًا من مئتين، كذا؟ هل هناك قول آخر؟
طالب: القول الثاني: قول شيخ الإسلام رحمه الله أن نقص السعر يضمنه.
الشيخ: إن نقص السعر يضمنه، لكن لو قال قائل بقول وسط، قال: إن علمنا أنه حبسه لينقص السعر كما لو غصبه في أيام الموسم، ثم رده على صاحبه فهنا يضمن.
ما معنى قول المؤلف: (ولا بمرض عاد ببُرْئه)؟
طالب: قد يكون رجل أخذ.
الشيخ: لا ما أريد المثال، ما معنى الكلمة هذه (وَلا بِمَرَضٍ عَادَ بِبُرْئِهِ).
طالب: يمرض، ثم يعود.
الشيخ: ما معنى العبارة؟
الطالب: يعود بعد المرض سليمًا.
الشيخ: ما معنى العبارة؟
طالب: أي لا يضمن النقص الحاصل بسبب المرض إن عاد ببرء.
(2/2103)
________________________________________
الشيخ: يعني لا يضمن النقص الحاصل بالمرض إذا شُفِي من المرض، إذا عاد، أي عاد النقص.
(ببرئه) أي ببرء الشاة أو العبد أو ما أشبه ذلك، المعنى أنه لو مرض عند الغاصب، ونقصت القيمة بالمرض، ثم شُفي وعاد النقص فإنه لا يضمنه؛ لأنه لم يكن عليه ضرر. لو أنه نقص بالمرض، ولكنه تعلَّم صنعة زاد بها أكثر مما نقص، هل يضمن النقص بالمرض؟
طالب: نعم، يضمن.
الشيخ: لكن الغاصب علمه وزادت قيمته بالتعليم أكثر مما نقص بالمرض.
الطالب: لصاحب العبد هذا يقول: ما هو أريده يتعلم.
الشيخ: لا، ما يقول: ما أريده يتعلم، دا يريده يتعلم مرتين، تخاف يعني تظنه إذا تعلم ينتفخ عليه؟
الطالب: إذا لم يكن هذا التعليم، إذا لم يكن للمرض تأثير فيه فلا يضمن ما زاد.
الشيخ: يعين إذا عاد النقص بتعلم الصنعة فإنه لا يضمن النقص الذي حصل بالمرض، تمام؟ توافقونه؟
طلبة: لا.
الشيخ: ما يوافقونك، من يعرف التفصيل؟ سؤال: هل يضمن النقص بالمرض؟
طالب: نعم، يضمنه.
الشيخ: يضمنه، طيب لماذا لا نجبر هذا بهذا؟
طالب: لاختلاف الجنس، هنا صحة، وهناك تعلم، فنقول: إن هذا العبد كان عندما نقص بالمرض لزم الغاصب في ذمته ضمان النقص، فلما تعلم الصنعة كانت زيادة، وكان مستحقًّا لأن ..
الشيخ: والزيادة تكون لمن؟
الطالب: للمالك.
الشيخ: للمالك، إذن إذا عاد النقص بالمرض بتعلُّم، يعني بصفة أخرى مرغوبة فإنه يضمن النقص، ولا يقول الغاصب: أنا زدته من جهة ونقصته من جهة، فهذه بتلك، نقول: لأن النقص عليك والزيادة لمن؟ للمالك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب الشفعة: وهي استحقاق انتزاع) إلى آخره ذكرنا مثالًا أولًا: رجلان شريكان في أرض، فباع أحدهما نصيبه على ثالث، فللشريك الذي لم يبع أن يأخذ هذا النصيب الذي باعه شريكه على ثالث قهرًا أو باختيار؟ قهرًا، هذه الشفعة وسميت شفعة؛ لأن الشريك الذي لم يبع ضم نصيب شريكه الذي باعه إلى نصيبه فكأنه شَفعه؛ أي: قوَّاه وجعله منضمًّا إلى ملكه.
(2/2104)
________________________________________
يقول: (وهي استحقاق انتزاع) إذا تأملنا الشفعة على حسب المثال الذي ذكرنا تبين أن الشفعة ليست استحقاقًا، ولكنها انتزاع، ولهذا يحسن أن يُقال في التعريف: وهي انتزاع حصة شريكه.
وقوله: (انتزاع) تفيد أن الأمر ليس اختياريًّا، وأنه يُنزع منه قهرًا، وهو كذلك.
وقوله: (حصة شريكه ممن انتقلت إليه) أفادنا المؤلف أنه لا ينتزع ملك جاره، وأنه لا شُفعة للجار، وسيأتي الكلام عليه، لكن كلمة (شريك) تُخرج الجار؛ لأن الجار ليس بشريك.
وقوله: (ممن انتقلت إليه) يفيد أنه لا بد من نقل الْمُلك، فلو آجرها فإنه لا شُفعة، مثال ذلك: رجلان شريكان في أرض، أجَّر أحدهما نصيبه منها لشخص ثالث، فهنا لا شُفعة للشريك، لماذا يا إخوان؟ لأن ملكه لم ينتقل، وإنما انتقل النفع فقط، حتى ولو طالت المدة كالصُّبرة المعروفة بالحكورة، وهو أن يؤجره الأرض دائمًا وأبدًا، أو لمدة ألف سنة، أو ما أشبه ذلك، فظاهر كلام المؤلف: أنه لا شفعة في هذا؛ لأن الملك لم ينتقل، وإنما انتقل النفع.
وقوله: (بعوض) خرج به ما لو انتقلت بغير عوض، ولا فرق بين أن يكون انتقالها بغير عوض بملك قهري أو اختياري، فمثلًا: لو أن الشريك مات وله ابن يرثه، فهنا انتقل الملك إلى الابن، لكن بعوض ولَّا بغير عِوض؟
طلبة: بغير عِوض.
(2/2105)
________________________________________
الشيخ: بغير عِوض، إذن ليس لشريكه أن يُشَفِّع، وهذا الانتقال انتقال قهري، يعني أن الملك انتقل إلى الوارث قهرًا، فيدخل في ملك الوارث قهرًا عليه، حتى لو أراد الوارث أن يتخلى، وقال: أنا لا أريد نصيبي من التركة، فإنه لا يمكنه ذلك؛ لأن الله ملَّكه إياه {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]، {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، فلا يمكن أن يتخلى عن شيء ملَّكه الله إياه، فانتقال الملك بالإرث انتقال قهري، لا يمكن للوارث أن يرفضه، فلو مات ميت عن ابنين، فقال أحدهما: أنا لا أريد الإرث، أنا مغنيني الله ولا أريد الميراث، يمكنه هذا؟ لا يمكن، نقول: هو دخل عليك قهرًا بتمليك الله له إياك.
إذا انتقل بغير عِوض على وجه اختياري كالهِبة، فظاهر كلام المؤلف حسب المفهوم أنه لا شفعة، مثاله: شريكان في أرض وهب أحدهما نصيبه لشخص ثالث، فهل لشريكه أن يأخذ بالشفعة؟
أجيبوا على كلام المؤلف؛ لا؛ لأنه انتقل بغير عِوض، لكن هذا الانتقال اختياري، هو الذي قام بهبته، فعلى كلام المؤلف لا شُفعة؛ لأنه انتقل بغير عِوض، والصحيح أن فيها الشفعة؛ لأن الحكمة من إثبات الشفعة موجودة فيما خرج ملكه عن الشريك بالهِبة، والحكمة إذا ثبتت فإنه لا عبرة باختلاف الصور، يعني إذا وُجدت الحكمة فسواء كان ببيع أو بهبة.
إذن (بعِوَض) يخرج به أيش ما انتقل بغير عِوض، وهو نوعان:
أحدهما: أن يكون الانتقال قهريًّا، مثل الميراث، فلا شفعة، وهذا واضح؛ لأن الشريك لم ينقله باختياره.
(2/2106)
________________________________________
والثاني: أن يكون انتقال الملك فيه بالاختيار كالهِبة، فالمذهب أنه لا شفعة، والصحيح أن الشفعة ثابتة؛ لأن الحكمة من الشفعة موجودة في الهبة، إذ إن الحكمة من الشفعة إزالة الضرر عن الشريك الأول بالشريك الجديد؛ لأنه قد يكون شريكه الجديد شكسًا سيئ الخلق، فشرع الشارع الشفعة لإزالة هذا الضرر، ثم إن هذا الشريك الجديد قد لا يتلاءم مع الأول فتحصل المنازعات والخصومات والبغضاء، وهذا ما يريد الشرع البعد عنه.
وقوله: (بعوض مالي) أيضًا يشترط أن يكون العوض ماليًّا، فإن لم يكن ماليًّا فإنه لا شُفعة، الأعواض مالية وغير مالية؛ فالمالية كالنقود والثياب والسيارات وما أشبه ذلك، ويشمل العوض المالي الأعيان والمنافع، فمثال الأعيان: إنسان باع ملكه على شخص بسيارات، العِوض هنا مالي ولَّا غير مالي؟
طلبة: مالي.
الشيخ: العِوض هنا مالي، أعيان أو منافع؟
طلبة: أعيان.
الشيخ: أعيان، مثال المنافع؛ إنسان استأجر بيتًا وأعطى صاحب البيت نصيبه من هذه الأرض مثلًا، فهنا فيه عِوَض، لكن العِوَض عين ولَّا منفعة؟
طلبة: منفعة.
الشيخ: منفعة؛ لأنه أعطى نصيبه من هذه الأرض لشخص استأجر بيته واستوفى العِوض منفعة؛ والمنفعة لا شك أنها من الأعواض المالية.
لو أنه أعطاها مُصالحة عن دم عمد، القتل العمد فيه القصاص، أليس كذلك؟ فهذا الشريك قتل شخصًا عمدًا، نقول: عليك القصاص، تَصالح هو وأولياء المقتول بإسقاط القصاص بعِوض على قدْر الدية أو أقل أو أكثر، فهل للشريك الأول أن يأخذ النصيب بالشفعة؟ ! لا؛ لأن العِوض هنا ليس ماليًّا، العِوض قصاص، قتل نفس فلا تُؤْخذ بالشفعة.
(2/2107)
________________________________________
وقيل: بل تؤخذ بالشفعة ويأخذها الشريك بقيمتها التي تساوي عند الناس، وهذا القول أرجح؛ لأنها خرجت عن هذا باختياره، والذي نرى أنه كُلَّما خرج الشقص بالاختيار فإن للشريك أن يأخذ بالشفعة، سواء كان العِوض ماليًّا أو غير مالي، فإن كان العوض ماليًّا فواضح أنه يأخذه بعوضه، وإن كان غير مالي قُدِّر بقيمته في السوق.
قال: (بثمنه) الباء حرف جر، وكل مجرور فلا بد له من متعلق؛ لأن المجرور معمول لعامل، والمعمول لا بد له من عامل، كما أن المفعول به لا بد له من فعل ينصبه، المجرور أيضًا لا بد له من فعل يتعلق به، ولهذا قال ناظم القواعد:
لَا بُدَّ لِلْجَارِ مِنَ التَّعَلُّقِ
بِفِعْلٍ اوْ مَعْنَاهُ نَحْو مُرْتَقِي
واسْتَثْنِ كُلَّ زَائِدٍ لَهُ عَمَل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إلى آخره.
على كل حال الباء (بثمنه) تحتاج إلى متعلَّق، أين متعلقها، هل هو استحقاق ولَّا انتزاع، ولَّا انتقل، ولَّا أيش؟
طلبة: انتزاع.
الشيخ: نعم، (انتزاع)، وهي استحقاق انتزاع بالثمن، يعني أن الشريك يأخذ الشقص المبيع بالثمن لا بالقيمة.
واعلم أن هناك فرقًا بين القيمة والثمن عند أهل العلم، الثمن ما وقع عليه العقد، والقيمة ما يساوي عند الناس، فمثلًا اشترى رجل بيتًا بعشرة آلاف، ما الثمن؟ عشرة آلاف، لكن هذا البيت يُساوي بين الناس خمسة آلاف، فالقيمة إذن خمسة آلاف، أو يساوي عشرين فالقيمة عشرين، إذن القيمة هي ما يُساوي بين الناس والثمن ما وقع عليه العقد، قد يساوي القيمة، وقد يكون أقل وقد يكون أكثر.
هنا هل يأخذه بالقيمة أو بالثمن؟
طالب: بالثمن.
الشيخ: يقول المؤلف: بالثمن، وسيأتي إن شاء الله أن في هذا تفصيلًا في الدرس القادم.
طالب: ( ... ) المنفعة وطلب أن يؤجر هو.
الشيخ: يعني أراد أن يأخذه بالأجرة فلا حق له، لكن سيأتينا إن شاء الله بالتفصيل في كلام المؤلف.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- لو باع لشخص ثالث نصف يعني ..
الشيخ: نصف نصيبه؛ ثبتت الشفعة.
(2/2108)
________________________________________
طالب: ألا يكون الثالث شريكًا مثل الأول؟
الشيخ: لا، صاروا ثلاثة، الشركاء الآن، لكن للشريك الأول أن يأخذ بنصيبه مثلًا إذا باع نصف نصيبه صار يأخذ الربع نعم.
طالب: شيخ، من المقرر في الشرع أن العبرة في العقود بالمعاني ليست بالمباني، وإيجار الصبرة هو استئجاره مدى الحياة حتى قد يكون إلى ما بعد الموت وهذا الشريك ..
الشيخ: سيأتينا إن شاء الله.
طالب: إذا انتقل قهرًا إلى الشريك، فإن العلة قد تكون موجودة فيه، فهل يقال بأنه .. ؟
الشيخ: لا، ما يقال؛ لأنه ليس باختياره.
رجل غصب رزًّا ( ... ). بصاع من الرز، فما الحكم؟
طالب: يجب عليه أن يخلصه.
الشيخ: يجب عليه تخليصه لو شق عليه. إذا قال لصاحبه: أنا أعطيك صاعين من البُر مما غصبت؟
طالب: المذهب أنه لا يلزمه أن يفعل، وله أن يطالب بعين ماله.
الشيخ: إي نعم، يعني هو غصب بُرًّا وخلطه برز، نقول: لا بد أن يخلصه، فإن قال الغاصب للمالك: أنا أعطيك صاعين بدل الصاع، فإنه -على المذهب- لا يلزمه القبول لوجود عين ماله، والصحيح أنه يلزمه؛ لأن هذا إضرار -بلا شك- قصد الإضرار.
غصب رزًّا فخلطه برز، غصب صاعًا من الرز فخلطه بصاع من الرز، هل يلزمه تخليصه أو لا؟
طالب: لا يلزمه.
الشيخ: لا يلزمه، لماذا؟
طالب: لأنه خلطه بما لا يمكن تخليصه.
الشيخ: لأنه لا يمكن تخليصه؛ إذ لا يتميز هذا عن هذا، إذن ما الواجب؟
الطالب: ننظر إن نقصت القيمة فالغاصب ضامن.
الشيخ: أولًا: هل يكون هذا المال المخلوط مشتركًا بين الغاصب ومالكه؟
الطالب: إن لم تزد القيمة أو تنقص.
الشيخ: لا، هل يكون مشتركًا أولا؟
الطالب: نعم، يكون مشتركًا.
الشيخ: مشترك.
الطالب: نعم.
الشيخ: كيف؟ أنصافًا أو أثلاثًا أو أرباعًا؟
طالب: بحسب المالين.
الشيخ: بحسب المالين؛ يعني لو غصب صاعًا من الرز، فخلطه بتسعة أصواع من الرز، كم يكون نصيب المالك؟
طالب: النصف.
(2/2109)
________________________________________
الشيخ: لا إله إلا الله! غصب صاعًا من الرز فخلطه بتسعة أصواع من الرز، كم يكون للمالك؟
طالب: العُشْر.
الشيخ: العُشْر؟ توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، هذا قدر ماليهما. طيب لو زادت قيمة الصاع بسبب خلطه بالتسعة، فهل الزيادة للغاصب أو للمالك؟
طالب: للمالك.
الشيخ: للمالك، ماذا تقول؟
طالب: للغاصب إذا زادت قيمته بالخلط فلصاحبه.
الشيخ: إذا زادت قيمة التسعة لمن؟
طالب: للغاصب.
الشيخ: لأن التسعة ملكه.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: وإن زادت قيمة الصاع.
الطالب: فللمالك.
الشيخ: فللمالك إذا نقص الصاع بسبب الخلطة.
طالب: يضمن الغاصب.
الشيخ: يضمن أيش؟
الطالب: يضمن النقص.
الشيخ: يضمن النقص، تمام.
المؤلف يقول: (ولا يُجبر من أبى قلع الصبغ) معنى العبارة؟
طالب: لو غصب ثوبًا، ثم صبغه فإنه لا يُجبر على إزالة هذا الصبغ لما فيه من المشقة.
الشيخ: لما فيه من المشقة. طيب لو قال مالك الثوب الذي غُصب: إنه يمكن أن يزال الصبغ؛ لأن الآن فيه مواد كيماوية يمكن أن يزول الصبغ نهائيًّا؟
الطالب: شيخ، إن كان يريد بذلك التضييق على الغاصب فلا نمكنه.
الشيخ: إن أراد الإضرار بالغاصب.
الطالب: فلا نمكنه.
الشيخ: وإن كان له غرض في ذلك؟
الطالب: وإن كان له غرض صحيح في ذلك مكنَّاه.
الشيخ: هذا صحيح. طيب، رجل غصب طعامًا ودعا مالكه إليه فأكله؟
طالب: إن علم المالك أنه ملكه فلا ضمان على الغاصب، وإن لم يعلم فيضمن الغاصب.
الشيخ: كيف يضمن؟
طالب: يضمنه بقيمته.
الشيخ: قصدي ليش يضمن وصاحبه أكله؟
طالب: لأنه لم يعلم، وهذا متعدٍّ في الغصب.
الشيخ: لكن ( ... ) تعليل بَيِّن.
طالب: لأنه أكله على أنه ضيف، وأن الملك لغيره لم يأكله على أنه ..
الشيخ: تمام، أكله على أنه ضيف، وأن الطعام هالِك على ملك الغاصب فضمنه، فإن كان عالِمًا أنه طعامه؟
طالب: إن كان عالِمًا فلا ضمان على الغاصب.
(2/2110)
________________________________________
الشيخ: فلا ضمان على الغاصب، تمام؛ لأن هو عالم؛ إذ لو شاء لقال: هذا طعامي وأخذه ومشى.
رجل غصب قلمًا من شخص، وأعاره له، ثم تلف القلم، فهل على الغاصِب ضمان أو لا؟
طالب: على المذهب لا يضمن ( ... ).
الشيخ: أنت فاهم الموضوع؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: غصبت منه قلمًا، ثم جاء يستعيره منك فأعرته إياه، فتلف عنده، هل تضمن القلم أنت أو لا تضمن؟
طالب: الغاصِب لا يضمن.
الشيخ: ليش ما تقول: أنا لا أضمن؟ تخشى أن نلزمك؟ ! الغاصب لا يضمن، ليش؟
طالب: لأن أصلًا الأصل أن المستعار أصلًا هو الضامن حتى على ( ... ).
طالب آخر: ( ... ) لا يضمن ( ... ).
الشيخ: لماذا لا يضمن الغاصب إذا أعاره؟
طالب: لا يضمن ( ... ) بكل حال.
الشيخ: أحسنت؛ لأن العارية مضمونة على المستعير بكل حال، فإذا كانت مضمونة عليه فإن مالكها دخل على أنها مضمونة عليه، فإذا تلفت فلا ضمان على الغاصب. هل هناك قول آخر في هذه المسألة؟
طالب: أنه إذا كان مبنيًّا على ضمان العارية هي مضمونة، وإذا قلنا: لا تضمن إلا بتعدٍّ أو تفريط فلا ضمان.
الشيخ: ننظر إن تعدى أو فرَّط فلا ضمان على الغاصب.
الطالب: وإلا فعليه الضمان.
الشيخ: وإلا فعليه الضمان نعم.
رجل غصب ساعة فأتلفها، فقال صاحبها: اضمن لي ساعة مثلها، قال: لا، أعطيك القيمة، فما الحكم؟
طالب: الصحيح أنه يلزم بالمثل.
الشيخ: وغير الصحيح؟
الطالب: المذهب أنه يضمن القيمة.
الشيخ: توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: إذن على المذهب لا يلزم المتلف إلا قيمة الساعة، وعلى القول الثاني؟
طالب: يلزمه المثل.
الشيخ: يلزمه المثل إلا إذا رضي صاحبها بالقيمة فلا بأس، ما هو المثلي على المشهور من المذهب؟
طالب: كل مكيل، أو موزون، أو صنعة فيه مُباحة يصح السَّلَم فيه.
الشيخ: يصح السلم فيه، ما هو بلا يصح، يصح السلم فيه، هل الحيوان مثلي؟
الطالب: على المذهب لا.
الشيخ: على المذهب ليس بمثلي؛ لأنه؟
الطالب: لأنه ليس مكيلًا ولا موزونًا.
(2/2111)
________________________________________
الشيخ: ليس مكيلًا ولا موزونًا، وعلى القول الثاني؟
الطالب: أنه مثلي.
الشيخ: بناءً على أن المثلي؟
الطالب: هو ما قارب المتلف مثله أو قريب منه.
الشيخ: يعني ما له مثيل أو قريب من المثل. طيب أيهما أرجح؟
طالب: أنه مثلي يا شيخ.
الشيخ: إنه مثلي، عندك دليل؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ القعود من العارية ( ... ).
الشيخ: إي، صحيح هذا دليل، فيه أيضًا دليل آخر؟
طالب: ( ... ) النبي صلى الله عليه وسلم، أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع رسولها طعام في صحفة.
الشيخ: صحفة.
الطالب: في صحفة ( ... ) النبي صلى الله عليه وسلم ضربت على يد الرسول فكسرت الصحفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «طَعَامٌ بِطَعَامٍ .. ».
الشيخ: أعطى الرسول صحفة صاحبة البيت وطعامها وقال: «إِنَاءٌ بِإِنَاءٍ، وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ» (4) بارك الله فيك، تمام. رجل غصب عصيرًا فصار خمرًا، فماذا يضمن؟
طالب: يضمن القيمة.
الشيخ: القيمة؟
الطالب: إي.
الشيخ: أو المثل؟
الطالب: لا، القيمة؛ لأن العصير على المذهب ليس مكيلًا.
الشيخ: ما هو مكيل؟
الطالب: لا.
الشيخ: توافقون على هذا؟ نعم.
طالب: لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن أبدًا.
طالب: لا يضمن مثله.
الشيخ: مثله، العصير مثلي؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: مثلي؛ لأن القاعدة عندهم: كل مائع مكيل؛ اللبن مكيل، الدهن مكيل، كل مائع فإنه مكيل، وعلى هذا كما قال المؤلف: (إن تخمر عصير فالْمِثل).
أولًا: عرَّف المؤلف الشفعة بأنها؟
طالب: استحقاق انتزاع حصة الشريك ممن انتقلت إليه بالثمن الذي استقر عليه العقد.
الشيخ: بعِوَض مالي.
طالب: بعِوَض مالي.
الشيخ: وما هو القوْل الصحيح في تعريفها؟
الطالب: هي انتزاع.
الشيخ: هي انتزاع حصة الشريك، وليست استحقاقًا.
قول المؤلف رحمه الله: (بِعِوَضٍ مَالِيٍّ بِثَمَنِهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ) عندنا الآن مجروران، بماذا تعلق هذان المجروران؟
(2/2112)
________________________________________
طالب: متعلق بانتزاع.
الشيخ: كلا المجرورين؟
طالب: نعم.
الشيخ: خطأ.
طالب: بالباء.
الشيخ: لا، هما عندنا الآن بعِوَض وبثمن.
طالب: (بعِوَض) متعلق بـ (انتقلت).
الشيخ: (بعِوَض) متعلق بـ (انتقلت).
طالب: وبثمن متعلق بـ (انتزاع).
الشيخ: وبثمن متعلق بـ (انتزاع)، صحيح؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: الشفعة ذكرنا أنها من محاسن الشرع، ومما يدل على أن الشرع يحارب كل ما أدى إلى النزاع والخصومة، ما وجه ذلك؟
طالب: ( ... ) الشريك ( ... ) شريكه ( ... ).
الشيخ: من محاسن الشرع؛ لأن الشريك الذي لم يبع جعل له الحق في انتزاع الحصة من أجل راحته، وتدل على أن الشرع يحارِب ما يؤدي إلى النزاع والعداوة؛ لأن الشريك الجديد قد يحصل منه نزاع يؤدي إلى العداء والبغضاء. مر علينا أنه لا يجوز أن يؤخذ مال الإنسان منه كرهًا، فكيف جاز للشريك أن يأخذ من المشتري نصيب شريكه كرهًا؟
طالب: هذا الإكراه بحق.
الشيخ: نعم، هذا الإكراه بحق، كذا؟ والممنوع؟
طالب: الإكراه بظُلم.
الشيخ: بالظلم بغير حق، ولهذا نأخذ الحصة من المشتري كُرهًا عليه ونبيع مال المفلَّس كرهًا عليه.
(وَهِيَ اسْتِحْقَاقُ انْتِزَاعِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِمَّنِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ بِثَمَنِهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ العَقْدُ)
قوله: (بثمنه) يعني لا بقيمته، ويجب أن نعرف الفرق بين الثمن والقيمة، وقد عرفناه من قبل، ما الفرق؟
طالب: الثمن الذي وقع عليه العقد.
الشيخ: الثمن ما وقع عليه العقد.
الطالب: والقيمة ما يساوي عند الناس.
الشيخ: ما يساوي عند الناس صح.
وقوله: (الذي استقر عليه العقد) فُهم من كلام المؤلف أن العبرة بما استقر عليه العقد لا بما جرى به العقد؛ فمثلًا لو أن رجلًا اشترى حصة الشريك بعشرة آلاف ريال، وفي مجلس الخيار قال المشتري: إنه غالٍ بعدما أتم العقد، قال: إنه غالٍ وأنا لا أريد أن آخذه إلا بتسعة، فبماذا يأخذ الشفيع؟
طلبة: بتسعة.
(2/2113)
________________________________________
الشيخ: بتسعة، والعكس بالعكس، لو باعه بتسعة آلاف وفي مجلس العقد قال البائع: إن الثمن قليل، أريد أن يكون بعشرة، وإلا فسخت العقد، فوافق المشتري واشتراه بعشرة، فبكم يأخذ الشفيع؟ بعشرة، فالعبرة بما استقر عليه العقد لا بما جرى به العقد؛ لأنه قد يُزاد وقد يُنقص في خيار المجلس أو خيار الشرط.
ثم قال: (فإذا انتقل بغير عِوض فلا شفعة) انتقل بميراث فلا شفعة، مثاله: رجلان شريكان في أرض، مات أحدهما، فانتقل نصيبه في هذه الأرض إلى من؟ إلى ورثته، فهل للشريك أن يُشفِّع؟ الجواب: لا؛ لأنه انتقل بغير عِوَض على وجه قهري. هذا مثال.
مثال آخر: وهب الشريك نصيبه لشخص، فهل للشفيع أن يأخذه؟
طالب: لا.
الشيخ: على كلام المؤلف إلى الآن ما تعدينا كلام المؤلف. ليس له أن يأخذه؟
طلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟ لأنه انتقل بغير عِوَض.
تَصدَّق الشريك بحصته على الفقراء، هل لشريكه أن يُشفِّع؟
طلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟ انتقل بغير عِوَض.
أوقفه على الفقراء كذلك ليس له أن يأخذ بالشُّفعة؛ لأنه انتقل بغير عِوَض.
جعله أُجرة؛ يعني أن الشريك كان عليه أجور كثيرة، فقال لمن له الأجرة: أنا أُعطيك نصيبي من هذه الأرض فقَبِل، هل للشفيع أن يُشفِّع؟
طلبة: نعم.
الشيخ: أُجرة يا جماعة، نعم، له أن يشفع؛ لأن الأجرة دراهم انتقلت بعِوض.
ولكن القول الراجح أنه إذا انتقل بغير عِوَض، فإن كان قهريًّا فلا شفعة، وإن كان اختياريًّا ففيه الشفعة، وبناءً على هذا القول الراجح إذا انتقل بإرث، فهل للشريك أن يُشفِّع على الورثة؟
طلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟ لأنه انتقل على وجه قهري. وهب الشريك نصيبه لشخص، فهل للشريك أن يُشفِّع؟
طلبة: نعم.
(2/2114)
________________________________________
الشيخ: على القول الراجح نعم، له أن يُشفِّع، ولكن كيف يكون الثمن؟ إذا قال الموهوب له: لا يمكن أن تأخذ مني ما ملكته بالهبة بدون عِوض، أعطني عوضًا. نقول: تُقَدَّر قيمته من لدن أهل الخبرة، فإذا قالوا: قيمته كذا، قلنا للشريك: إن أخذتَه بهذه القيمة فلك الحق، وإلا فلا حق لك.
فصار على القول الراجح إذا انتقل بغير عِوض على وجه اختياري ففيه الشُّفعة للشريك أن يشفع، ولكن كيف يأخذه؟ نقول: يُقدِّره أهل الخبرة بما يساوي، ثم يقال للشريك إما أن تأخذه بهذا وإلا فدعه للموهوب له.
(أو كان عوضه صداقًا) كيف كان عوضه صداقًا؟ يعني أن الشريك أصدق نصيبه زوجة، فهنا العِوَض، ويش العوض؟ يعني جعله صداقًا، العوض غير مالي الآن، لم يعتض عنه شيئًا ماليًّا؛ ولذلك العبارة فيها شيء من الركاكة، والتقدير: وإن كان عوضه غير مالي بأن جُعل صداقًا؛ يعني أن الشريك أصدق امرأته نصيبه من المشترك، فليس لشريكه أن يُشفِّع؛ لأن هذا الشريك اعتاض عن حصته، ويش اعتاض؟ مالًا أو فرْجًا؟
طالب: فرْجًا.
الشيخ: فرْجًا، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» (5). فهنا يقول المؤلف: إنه لا شُفعة، ولكن القول الراجح أن فيه شفعة، أن له أن يُشفِّع، وحينئذٍ بماذا يأخذه الشريك الْمُشَفِّع؟ لأن القيمة غير مالية، الآن القيمة غير مالية، هل نقول: يأخذه بالمالية، يعني بما يساوي في السوق بمعنى يُقوَّم ويأخذه بذلك، أو يأخذه بمهر مثل المرأة؛ لأن هذا جُعل مهرًا؟
فيه قولان، والصحيح أنه يأخذه بقيمته؛ بمعنى أنه يُقوَّم فيؤخذ بقيمته سواء زاد عن مهر مثل المرأة، أو نقص، أو ساوى، كذلك إذا جُعل خُلعًا، الذي يبذل الصداق يا إخواننا من هو؟
طالب: الرجل.
طلبة: الزوج.
الشيخ: الزوج؟
طلبة: نعم.
الشيخ: والذي يبذل الخلع؟
طلبة: المرأة.
(2/2115)
________________________________________
الشيخ: المرأة، أو غيرها من الناس، المهم أن الزوج مُعطٍ في الصداق، وآخذ في الخلع، إذا جُعل خُلعًا بأن تكون امرأة شريكة لإنسان في أرض، وطلبت من زوجها المخالعة، فخالعها على نصيبها في هذه الأرض، فالعِوَض الآن ما هو؟ عِوض النصيب ما هو؟ مالي ولَّا غير مالي؟
طلبة: غير مالي.
الشيخ: غير مالي، وهو فداؤها نفسها من هذا الزوج وفراقها إياه، فليس للشريك أن يُشفِّع؛ لأن هذا النصيب، أو هذه الحصة انتقلت بغير عِوض مالي؛ فليس له أن يُشفِّع، والقاعدة عندنا أنه لا بد أن يكون انتقل بعوض مالي، وهذا أيضًا فيه خلاف، والصحيح أنه يشفع؛ لأن القاعدة التي تظهر لي من السُّنَّة أنه متى انتقل الْمُلك على وجه اختياري، ففيه الشفعة بأي حال من الأحوال.
إذا قلنا بهذا القول الراجح -وأظنكم إن شاء الله عرفتم المذهب في هذه المسألة- كيف يكون العِوض خُلعًا؟
بأن تكون الشريكة امرأة لها نصف هذه الأرض، وقالت لزوجها: اخلعني بنصيبي من هذه الأرض. ففعل، انتقلت الأرض إلى من؟ إلى الزوج، هل للشريك أن يُشفِّع؟
يرى المؤلف -وهو المذهب- أنه لا يُشفِّع؛ لأن العوض غير مالي، والقول الراجح أنه يُشفِّع، كما رجحنا ذلك فيما ( ... ) إلى صداق، وإذا قلنا بأنه يُشفِّع، فكيف يكون قيمة هذا؟ هذا واضح أن القيمة تكون بالتقويم، بمعنى أن نسأل أهل الخبرة كم يساوي هذا الشقص؟ فإذا قالوا: يساوي كذا وكذا أخذه الشفيع بذلك.
قال: (أو صُلحًا عن دم عمد فلا شُفعة) إذا أُخذ صُلحًا عن دم عمد، فما هو دم العمد؟
دم العمد هو ما يثبت بالقصاص، يعني أُخِذ عوضًا عن قصاص، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- شروط القصاص.
وعندنا القتل ثلاثة أقسام: عمْد، وشِبْه عمْد، وخطأ؛ فالعمد أن يقصد من يعلمه آدميًّا معصومًا فيقتله بما يغلب على الظن موته به.
(2/2116)
________________________________________
شبه العمد هو نفس العمد إلا أننا نُبدِّل بما يغلب على الظن موته به بكلمة أخرى: بما لا يغلب على الظن موته به، أو بما يغلب على الظن أنه لن يموت به، وإلا هو العمد، فمثلًا: رجل ضرب شخصًا على رأسه بالساطور هذا أيش؟
طلبة: عمد.
الشيخ: وآخر ضربه بعصا صغيرة شِبه عمد، العمد حاصل بالأمرين، لكن الآلة في العمد تقتل، وفي غير العمد لا تقتل.
الخطأ ليس فيه عمد؛ يعني ليس فيه قصد، بمعنى أن الإنسان يفعل ما له فعله، فيصيب آدميًّا لم يقصده، مثل أن يرمي صيدًا فوقع السهم على إنسان، فنُسمي هذا خطأً.
العمد يُوجِب القصاص، وشِبْه العمد والخطأ يُوجِب الدية، فإذا صُولح أولياء المقتول، وقيل لهم: نُصالِحكم عن قتل صاحبنا بكذا وكذا، أو نفس القاتل صالَح، صالح القاتل بنصيبه من هذه الأرض صالَح أولياء المقتول بنصيبه من هذه الأرض، وأخذوا نصيبه من الأرض، ثم عفوا عن القصاص، فهل للشريك؛ شريك القاتل أن يُشَفِّع؟
طلبة: لا، على المذهب؛ لا.
الشيخ: أولًا: لا بد نفهم كلام المؤلف.
طلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟
طلبة: لأن العِوض غير مالي.
الشيخ: لأن العوض غير مالي، القتل ما هو مال، وهو جعل هذا الشقص عِوضًا عن القصاص؛ فلا شفعة.
والقول الراجح الذي رجَّحناه أن فيه الشفعة، وتُقدَّر قيمته -أي قيمة هذا الشقص- عند أهل الخبرة، فإن كان صُلحًا عن دم شبه عمد, فإنه يُؤخذ بالشفعة على ما مشى عليه المؤلف، مثال ذلك: رجل قتل إنسانًا خطأً أو شِبه عمد، ما الواجب؟ الواجب الدية، والدية مال، فصالَح أولياء المقتول عن الدية بنصيبه من هذه الأرض، الآن للشريك أن يُشفِّع؛ لأن نصيبه؛ أي نصيب القاتل انتقل إلى أولياء المقتول وعوضه مالي.
(2/2117)
________________________________________
لكن هنا هل نأخذ بقيمة الدية التي صالح عنها، أو بقيمة الشقص؟ الثاني هو الصحيح، وقيل: بالأول، أن نقول مثلًا: دية المسلم مئة ألف، وهذا الشقص أُخذ عِوَضًا عن مئة ألف، فإذا أراد الشفيع أن يأخذه قلنا: هو عليك بمئة ألف، وعلى القول الراجح أنه يُؤخذ بقيمته، فيُسأل أهل الخبرة: كم يساوي؟ فإذا قالوا: يساوي كذا وكذا، قلنا: خذه.
طالب: شيخ، معنى الشقص؟
الشيخ: الشقص النصيب.
طالب: الموهوب له لو قال: ما تأخذ النصيب حتى يُقوَّم، هل التقويم يكون يوم الهبة أو يوم الشُّفْعة؟
الشيخ: لا، يوم الشفعة، يعني لو زاد أو نقص فهو على نصيب الموهوب له.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ، إذا خالعت المرأة زوجها عن ضرر من الزوج، يحل لها أن تأخذ من ماله اللي هو سلم يا شيخ؟
الشيخ: إي، إذا خالعت المرأة زوجها عن ضرر، فإن كان هو الذي ضيَّق عليها من أجل أن تُخالعه فالخلع حرام عليه، العِوض حرام عليه؛ لأنه لا يحل له ذلك، قال الله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19].
طالب: لو كان وَقَفَ نصيبه، ثم أخذه شفيعه على القول الصحيح، فأين تذهب القيمة؟
الشيخ: إذا أخذه تذهب للموقوف عليه.
طالب: يُشترط مثلًا مثلها.
الشيخ: مثلها أو أقل أو أكثر، المهم أنها تذهب للموقوف عليه.
طالب: ترجع للقاضي.
الشيخ: للقاضي أو للناظر إذا كان هو قد جعل نفسه هو الناظر، أو جعله وقْفًا على فلان وهو الناظر عليه، المهم يُصرف قيمته فيما وَقَّفَه عليه.
طالب: شيخ، إذا كانت القيمة تختلف بالنسبة للشخص الذي له أوقفت له عن غيره، يعني شخص وُهِبت له أرض بجانب أرضه؟
الشيخ: العبرة بالعموم، المسائل الشخصية لا عِبرة بها.
طالب: هو يقول: هذه الأرض لو وجدتها بمئة ألف أشتريها؛ لأنها بجانب أرضي وأستفيد منها.
الشيخ: العبرة بالعموم.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- هل يجوز الصلح عن قتل شبه العمد والخطأ؟
(2/2118)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، يجوز، إذا قالوا مثلًا الآن ليس عندنا إبل، نريد أن نصالحك، أو ما عندنا مال الآن ونريد أن نصالحك، أو على القول الراجح: نُعجِّل ونُسقِط.
الطالب: إذا صالح أولياء القاتل بجزء من الأرض، فكان هذا الجزء قيمته لما أخذه الشريك أقل من الدية، فهل لأولياء المقتول الخيار؟
الشيخ: لا، ليس لهم إلا قيمته.
الطالب: وإن كانت أقل.
الشيخ: وإن كانت أقل؛ لأنهم رضوا به من الأول، ما دام رضوا به مثلًا عن مئة ألف وهو يساوي خمسين ألفًا ليس لهم إلا ما رضوا به.
طالب: إذا كان الصلح في المنفعة ( ... ) عند راعي مثلًا مئة سنة، أو مئة يوم أو شهر ( ... )؟
الشيخ: المنفعة تُقوَّم، كل ما لا يمكن دفعه يُقوَّم.
طالب: انتقال الملك قهرًا.
الشيخ: انتقال الملك قهرًا.
الطالب: هل له صورة أخرى غير ( ... )؟
الشيخ: فيه إذا تنصف الصداق، لكن الشيء اللي صعب فهمه لا نحب أن نلقيه؛ لأنك تلقي على جماعة مثلًا ما يفهمون ها الأمور كثيرًا، تشوش عليهم، لكن مسألة الميراث سهلة.
طالب: انتقل النصيب بالوصية ( ... ).
الشيخ: إي نعم، يعني أوصى به أصلًا الوصية، ما تلزم إلا بعد الموت، لكن لو مات وانتقل الملك إلى الموصَى له وقبله يأخذه بالشُّفْعة.
طالب: أحسن الله إليك، انتقال الصداق يا شيخ، لو جعله صداقًا لزوجته، أليس للزوج أن يأخذ من مال زوجته وهي إن ماتت يرثها؟
الشيخ: للزوج أن يأخذ من مال زوجته؟ !
طالب: يعني يأخذ من مال زوجته.
الشيخ: أبدًا، وليس له يأخذ ولا قرش، الذي له أن يأخذ من مال غيره هو الأب فقط.
طالب: وإن ماتت يا شيخ ألا يرثها؟
الشيخ: لا، يرثها لكن وإن مات هو قبلها ما يدرى ( ... ).
طالب: ( ... ) شفعة ( ... ) رجل آخر فقال: شفع، ثم بع عليه، أليس الشريك هو الغاصب؟
الشيخ: الظاهر أن هذا لا يملكها، إذا شفَّع لأجل يبيعها فالظاهر أنه لا يملك هذا الشيء؛ لأن الآن الشفعة لمصلحة آخر، ما هو لمصلحته هو.
(2/2119)
________________________________________
طالب: ( ... ) المحجور عليه، إذا انتقل شقصه إلى غريمه بأمر القاضي، فهل فيه الشفعة؟
الشيخ: إي معلوم، فيه الشفعة؛ لأنه عوض عن الدَّيْن.
طالب: ما هو انتقل باختياره يعني؟
الشيخ: لا، ما هو باختياره، انتقل لكنه بحق، وإذا كان بحق فهو كغير المكره.
طالب: لو باع الشريك نصيبه، ثم شفَّع شريكه وقال: على فلان تشفع، أما على غيره فلك أن تبيع؟
الشيخ: ما يصح، بيجينا إن شاء الله هذا، لا يصح هذا؛ لأن الشفعة إما أن تأخذ أو تترك، أما إذا قلت: إن كان كذا وإن كان كذا، فهي ستبطل شفعته، ما عاد يمكن تأخذ بهذا.
طالب: لو قتل الجاني بما يقتل غالبًا، وادعى أنه لم يرد القتل، وإنما أراد الجناية والأذية فقط، فهل يعد عمدًا أو شبه عمد؟
الشيخ: لا، يكون عمدًا؛ لأنه قصد القتل بما يقتل غالبًا ضربه بما يقتل غالبًا.
طالب: ذكرنا الحكمة من مشروعية الشفعة، فلو أن هذا الضرر كان متيقنًا أنه غير موجود، فهل للحاكم أن يجتهد في إجبار الشريك على قبول الشريك الجديد؟
الشيخ: لا، يجب أن نعلم أن العلة المستنبطة لا تُخصِّص العموم؛ لأنه قد يكون الشارع قد حكم بهذا لعلة أخرى لا نعلمها؛ فالعلة المستنبطة لا يمكن أن تُبطل العموم.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، قول استحقاق وانتزاع، ويش الفرْق بينهما؟ أليس يكون .. ؟
الشيخ: إذا قلنا: استحقاق صار معناه أنه مستحق وقد يُشفِّع وقد لا يُشفِّع، وإذا قلنا: انتزاع؛ تحققت الشفعة.
الطالب: أليس قولنا: استحقاق بالحق؟
الشيخ: لا؛ لأنه قد يستحق الشيء ولا يأخذ به. واضح ولَّا لا؟
الطالب: واضح.
الشيخ: وهذا ( ... ) التي توصف.
طالب: بالصحة والفساد.
الشيخ: بالصحة والفساد.
الطالب: هذه باطِلة.
الشيخ: باطلة مثاله؟
الطالب: مثاله البيع، منه صحيح وفاسد، فإذا باع الغاصب عينًا مغصوبة فبيعه باطل.
الشيخ: نعم، إذا غصب شيئًا فباعه فالبيع؟
الطالب: باطل.
الشيخ: باطل لأنه؟
الطالب: يُوصف بالصحة والفساد.
(2/2120)
________________________________________
الشيخ: لأن العقد -عقد البيع- يُوصف بالصحة والفساد، وعكسه؟
الطالب: وعكسه ما لا يُوصف بالصحة والفساد فإنه يكون صحيحًا.
الشيخ: مثل؟
الطالب: مثل إذا غصب ماء وتوضأ به.
الشيخ: الوضوء فيه صحة وفساد.
طالب: الماء الذي يزيل به النجاسة، لو غصبه فإنه لا يصح.
الشيخ: كالماء الذي يزيل به النجاسة؛ فإنه لو أزاله بماء مغصوب.
الطالب: لا يُوصف بالصحة ولا بالفساد.
الشيخ: فإن المتنجِّس يطهر؛ لأن ذلك لا يوصف بصحة وفساد. طيب غاصب غصب شيئًا وأتلفه؟
طالب: يضمنه.
الشيخ: يضمنه، إذا ادعى مالكه أن قيمته ألف، وقال الغاصب: بل قيمته مئة، من القول قوله؟
طالب: الغاصب.
الشيخ: قول الغاصب، الفرق الآن تسعة من عشرة؛ يعني المسألة ما هي قريبة.
طالب: يعرض مثلًا على أهل الخبرة ( ... ) قولهما ويحكم ( ... ).
الشيخ: إذا كان كل واحد منهما ادعى ما لا يمكن يُعرَض على أهل الخبرة، أما إذا كان يمكن فالقول قول؟
طالب: الغاصب.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه غارم.
الشيخ: لأنه غارم، هذه القاعدة عند الفقهاء أن الغارم يُقبل قوله مبنية على أيش؟
الطالب: مبنية على أساس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».
الشيخ: على الحديث الصحيح: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (6) اشرح لي هذا بتطبيقه على القاعدة.
الطالب: القاعدة مثلًا أن الغاصب ادعى أنه ( ... ).
الشيخ: الغارم أي واحد.
الطالب: والآخر ادعى أنه خمس مئة ( ... )، ادعى مئة.
الشيخ: تمام، يعني أن الذي قال: القيمة أربع مئة، والمالك قال: القيمة خمس مئة، اتفقا الآن على أربع مئة، بقيت المئة زائدة، ادعاها هذا، فيكون مُدعيًا، والبينة على المدعي واليمين على من أنكر.
يقول المؤلف: (في رده وعدم عيبه قول ربه) ما معنى الجملة؟
في رده نبدأ بالأولى المسألة الأولى: إذا قال الغاصِب للمالك رددته عليك فقال.
(2/2121)
________________________________________
طالب: إذا قال المالك فالقول قول المالك.
الشيخ: القول قول المالك؛ لأن الأصل؟
الطالب: لأن الأصل عدم الرد.
الشيخ: عدم الرد. طيب (وفي عدم عيبه).
الطالب: وفي عدم عيبه يقبل قول الغاصب ( ... ) المالك.
الشيخ: لا، المالك ما يتعيب.
طالب: ( ... ).
الشيخ: في عدم عيبه.
طالب: ( ... ).
الشيخ: يعني الآن الغاصب رد المغصوب، وفيه عيب، فقال المالك: تعيَّب عندك، وقال الغاصب: أخذته معيبًا.
الطالب: فالقول قول المالك.
الشيخ: ما فائدة قول المالك: تعيَّب عندك؟
الطالب: ليضمن الغاصب.
الشيخ: ليضمن الغاصب النقص، توافقون على هذا؟ طيب ما معنى وإن جهل ربه تصدق عنه مضمونًا؟
طالب: أي إذا غصب هذا الشيء وطالت المدة، ثم ذهب صاحب هذا المغصوب، ولا يدري أين مكانه، ولا يدري أين ذهب، ففي هذه الحالة يتصدق بهذا المغصوب أو بقيمته عنه مضمونًا، ومضمونًا يعني على أنه لو جاءه يومًا من الدهر فإنه يرده، يدفع قيمته إليه.
الشيخ: واضح الجواب؟ يعني معناه إذا جهل ربه بأن طالت المدة، ونسي من مالكه وأيس منه، فإنه يتصدق به (عنه) أي عن المالك (مضمونًا) بمعنى أن المالك لو جاء يومًا من الدهر فإنه يضمنه الغاصب، إلا إذا قال: قد أجزت صدقتك.
ما معنى قول المؤلف: (ومن أتلف محترمًا)؟ يعني ما معنى المحترم؟
طالب: ما كان مالًا، هو ما كان في الشرع يصدق عليه أنه مال يُنتفع به شرعًا.
الشيخ: لا.
طالب: هو ما كان له قيمة في الشرع.
الشيخ: ما له قيمة في الشرع؟
طالب: ما كان محترمًا مصونًا بالشرع.
الشيخ: يعني أيش؟ المحترم ما كان محترمًا، ما زدنا شيئًا.
الطالب: ما يُمنع التعدي عليه.
الشيخ: يعني ما لا يجوز إتلافه، (محترمًا) يعني ما لا يجوز إتلافه، مثاله؟
طالب: مثال المال.
الشيخ: المال المحترم.
طالب: مثال المال المحترم كالماء مثلًا.
الشيخ: الماء؟ ما لقيت إلا الماء؟ !
الطالب: أو الزيت أو العسل، كل هذا من المال.
الشيخ: والثياب والأواني وغيره محترمة؟
الطالب: نعم.
(2/2122)
________________________________________
الشيخ: غير المحترم؟
الطالب: غير المحترم هو يعني عكس تعريف المحترم الذي ( ... ).
الشيخ: مثل أيش؟
الطالب: ما ليس مالًا.
الشيخ: مثاله؟
الطالب: مثال: ( ... ) الخمر.
الشيخ: كالخمر فإنه ليس محترمًا إلا إذا كان خمر ذمي مستورة؛ فإنه محترم. بماذا يُضمن؟
طالب: الضمان بالمثل إن كان مثليًّا.
الشيخ: الضمان بالمثل إن كان مثليًّا.
الطالب: أو بالقيمة إن كان مُتقَوَّمًا.
الشيخ: أو بالقيمة إن كان مُتقوَّمًا، ما الفرق بينهما؟
طالب: المثلي المذهب: كل مكيل أو موزون يصح السلم فيه، ولا صناعة فيه مباحة.
الشيخ: المثلي على المذهب ضيق: كل مكيل أو موزون يصح السلم فيه، وليس فيه صناعة مباحة، وعلى هذا جميع المصنوعات ليست؟
الطالب: مِثلية بل مُقوَّمَة.
الشيخ: مِثلية، وما هو المثلي على القول الراجح؟
الطالب: المثلي -على القول الراجح- كل ما له مثيل أو شبيه أو مقارب.
الشيخ: أيهما أصح المذهب أو هذا القول؟ يعني ما هو الدليل على أن هذا هو القول الراجح؟
طالب: القول الثاني.
الشيخ: إي، لكن ما هو الدليل على رجحانه؟
الطالب: لأنه ربما كانت أشياء.
الشيخ: هذا تعليل، الدليل؟
الطالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَاءٌ بِإِنَاءٍ، وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ» (7).
الشيخ: في أيش؟
الطالب: في قصة أن إحدى أمهات المؤمنين قامت ..
الشيخ: إحدى أمهات المؤمنين قامت؟
الطالب: بإرسال إناء وصحفة، إناء فيه طعام للنبي صلى الله عليه وسلم، فقامت إحدى أمهات المؤمنين الأخرى ..
الشيخ: قامت التي هو في بيتها.
طالب: في بيتها فكسرت هذا.
الشيخ: ضربت يد الخادم حتى سقط.
الطالب: حتى سقط هذا الإناء وبه الطعام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَاءٌ بِإِنَاءٍ، وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ».
(2/2123)
________________________________________
الشيخ: يعني أخذ إناء المرأة التي هو عندها وطعامها، ورده إلى المرأة الْمُهدِية، وقال: «إِنَاءٌ بِإِنَاءٍ، وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ» (7). وهذا القول هو الراجح. ما هو الأصل فيما تتلفه البهيمة، الضمان أو عدمه؟
طالب: الأصل عدم الضمان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: الأصل عدم الضمان لقوله؟
طالب: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» (8).
الشيخ: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ». على هذا الأصل أي بهيمة أتلفت شيئًا، فنقول: إن صاحبها لا يضمن إلا ما جاءت به السُّنة. مثال ما جاءت به السُّنة؟
طالب: ما أتلفته البهيمة من الزرع ليلًا.
الشيخ: ما أتلفته البهيمة من الزرع ليلًا.
الطالب: يضمن صاحبها.
الشيخ: يضمن صاحبها، ما وجه خروجه عن هذه القاعدة؟
الطالب: أن حفظ البهائم في الليل على صاحبها.
الشيخ: أن حفظ البهائم في الليل على صاحبها، وحفظ المزارع في النهار؟
الطالب: على صاحبها.
الشيخ: على صاحبها، أرأيت لو كان هذا الرجل صاحب البهيمة قد ضاعت البهيمة منه، ولا يدري أين هي؟
طالب: هذا لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن أو يضمن؟
الطالب: لا يضمن على الأصل.
الشيخ: لا، على الأصل؛ لأنه ليس متصرفًا فيها، ومثل ذلك لو جعلها في الحوش، ثم خرجت فلا ضمان عليه.
رجل قتل صائلًا عليه، فهل يضمن؟
طالب: لا يضمن.
الشيخ: قتل صائلًا عليه؟
طالب: فيه خلاف.
الشيخ: خلاف ولَّا تفصيل؟
الطالب: فيه تفصيل، أو فيه خلاف.
الشيخ: فيه خلاف أو تفصيل، اجزم على أحدهما.
الطالب: فيه خلاف.
الشيخ: خلاف، اذكره.
الطالب: الحنابلة يرون أنه يضمن بكل حال وقول شيخ الإسلام أنه يُنظر إلى القرائن.
الشيخ: لا، غلط.
طالب: أعد السؤال.
الشيخ: السؤال: إذا قتل الصائل عليه، رجل صال عليه آدمي فقتله، هل يضمن القاتل أو لا؟
طالب: يدافع بالأسهل فالأسهل.
الشيخ: سؤال: هل يضمن أو لا؟ قل نعم ولَّا لا؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: هذا غلط.
طالب: إذا صال عليه إنسان فإنه ..
(2/2124)
________________________________________
الشيخ: سؤال: هل يضمن أو لا؟
طالب: يضمن.
الشيخ: مطلقًا؟
طالب: لا، إذا كان الذي يُدافع بالأسهل فالأسهل، وبدأه بالقتل بدون مدافعة فإنه يضمن.
الشيخ: يعني إذا كان لا يندفع إلا بالقتل فإنه.
الطالب: لا يضمن.
الشيخ: صحيح، وإن كان يندفع بدونه؟
الطالب: وقتله.
الشيخ: وقتله.
الطالب: فيضمن.
الشيخ: فيضمن صحيح. رجل كسر آنية ذهب وفضة ما تقول؟
طالب: يضمن.
الشيخ: يضمن! تعرف آنية الذهب والفضة.
الطالب: نعم، إناء.
الشيخ: هذا إنسان عنده إناء كاس، فجاء شخص وكسره.
الطالب: لا يضمن؛ لأنها غير ..
الشيخ: محترمة.
الطالب: غير محترمة، لكن هناك قول ثان أنه يجوز اتخاذها لغير الأكل والشرب، فلا يضمن.
الشيخ: يجوز اتخاذها لغير الأكل والشرب وعلى هذا القول.
طالب: على هذا القول يضمن إذا أتلفه.
الشيخ: إذا كسره، توافقونه على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: إي نعم، نقول: أما على قول من يرى أنه لا يجوز اتخاذ آنية الذهب والفضة، ولا الأكل بها ولا الشرب فإنه ليس بضامن؛ لأنه لا يمكن أن تحل على هذا الوضع، وأما على القول الثاني -وهو الراجح- أنه يجوز استعمالها لغير الأكل والشرب يكون ضامنًا؛ لأن لها قيمة، قيمتها مصنوعة أكثر من قيمتها غير مصنوعة فيضمن النقص.
(2/2125)
________________________________________
ويَحْرُمُ التحيُّلُ لإسقاطِها، وَتَثْبُتُ لشَريكٍ في أرضٍ تَجِبُ قِسمتُها، ويَتْبَعُها الْغَرْسُ، والبناءُ , لا الثمرةُ والزرعُ فلا شُفعةَ لِجَارٍ، وهي على الْفَوْرِ وقتَ عِلْمِهِ، فإذا لم يَطْلُبْها إذنٌ بلا عُذْرٍ بَطَلَت، وإن قالَ للمشترِي: بِعْنِي أو صالِحْنِي. أو كَذَبَ العَدْلُ أو طَلَبَ أَخْذَ البعضِ سَقَطَتْ، والشفْعَةُ لاثنينِ بقَدْرِ حَقَّيْهِما، فإنْ عَفَا أحدُهما أَخَذَ الآخَرُ الكلَّ أو تَرَكَ , وإن اشْتَرَى اثنان حقَّ واحدٍ أو عَكْسُه , أو اشْتَرَى واحدٌ شِقْصَيْنِ من أَرْضَيْن صَفقةً واحدةً فللشفيعِ أَخْذُ أحدِهما، وإن باعَ شِقْصًا وسيفًا , أو تَلِفَ بعضُ الْمَبيعِ فللشفيعِ أَخْذُ الشقْصِ بحِصَّتِه من الثَّمَنِ، ولا شُفعةَ بشَركةِ وَقْفٍ، ولا غيرِ مِلْكٍ سابقٍ، ولا لكافرٍ على مُسْلِمٍ.
(فصلٌ)
وإن تَصَرَّفَ مُشتَرِيه بوَقْفِه أو هِبَتِه أو رَهْنِه لا بوَصِيَّةٍ سَقطَت الشُّفعةُ وبِبَيْعٍ فله أَخْذُه بأحَدِ الْبَيْعَيْنِ،
هذا إنسان عنده إناء كأس، فجاء شخص وكسره.
طالب: ( ... ) على قول المؤلف: إنه لا يضمن ( ... ).
الشيخ: محترم.
الطالب: نعم ( ... ) غير محترم. لكن هناك قول ثان: إنه يجوز اتخاذها الذهب لغير الأكل والشرب فلا يضمن.
الشيخ: يجوز اتخاذها لغير الأكل والشرب.
الطالب: نعم.
الشيخ: وعلى هذا القول؟
الطالب: على هذا القول يضمن البائع.
الشيخ: نعم، كسره. توافقون على هذا؟ إي نعم.
نقول: أما على قول مَن يرى أنه لا يجوز اتخاذ آنية الذهب والفظة ولا الأكل بها ولا الشرب: فإنه ليس بضامن؛ لأنه لا يمكن أن تحل على هذا الوضع.
وأما على القول الثاني وهو الراجح: إنه يجوز استعمالها في غير الأكل والشرب يكون ضامنًا؛ لأن لها قيمة؛ قيمتها مصنوعة أكثر من قيمتها غير مصنوعة، فيضمن النقص. انتهى، الحمد لله؛ انتهى باب الغصب، الآن نرجع إلى باب الشفعة.

***
(2/2126)
________________________________________
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الشفعة: ويحرُم التحيُّل لإسقاطها وتثبت لشريكٍ في أرض تجب قسمتها، ويتبعها الغرس والبناء، لا الثمرة والزرع.
الشيخ: عندنا (الغراس).
عندكم؟
طالب: الغرس.
الشيخ: نسخة (غراس).
طالب: ويتبعها الغراس والبناء، لا الثمرة والزرع، فلا شفعة لجار، وهي على الفور وقت علمه، فإذا لم يطلبها إذن بلا عذر بطلت.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سبق لنا أن الشفعة انتزاع حصة الشريك ممن انتقلت إليه بعوض ماليٍّ لثمنه الذي استقر عليه العقد، وسبق مفاهيم الشرح مفاهيم هذه الشروط.
قال المؤلف رحمه الله: (ويحرُم التحيل لإسقاطها) يعني: يحرُم على المشتري أن يتحيل لإسقاط الشفعة، والحيل صور كثيرة؛ فمن الحيلة أن نظهر أن ثمنها كثير، والشريك يقول: ما دام ثمنها كثيرًا فإنه لن يأخذ بالشفعة.
هذا مثلًا يشتريها بعشرة آلاف الحصة، ويظهر أنه اشتراها بعشرين ألف، والشريك لا يريدها بعشرين ألف؛ لأن الثمن لها غالٍ فهذا حرام.
ومتى تبيَّن أن الثمن عشرة آلاف فإن له أن يأخذ بالشفعة ولو طالت المدة؛ لأن حق المسلم لا يسقط بالتحيل.
ومن ذلك أيضًا أن يظهر البائع أنه وهبها للمشتري. وسبق أن المذهب أن ما انتقل بغير عوض ليس فيه شفعة. هذه حيلة لأيش؟ لإسقاطها.
ومن ذلك: أن يُظهِر المشتري أنه أوقفها يعني من حين ما يشتريها يقول: هي وقف للمساجد، لطلبة العلم، لأولادي، فإذا أوقفها سقطت الشفعة؛ لأن انتقال الملك عن المشتري إلى جهة لا يثبت فيها الشفعة ابتداءً يسقطها.
(2/2127)
________________________________________
المهم التحيل لإسقاطها حرام؛ التعليل لأنه يتضمن إسقاط حق المسلم، وكل ما تضمن إسقاط الحقوق الواجبة فهو حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» (1).
فإن قال قائل: ما هي الحيلة؟
قلنا: الحيلة هي أن يتوصل إلى شيء محرم بصورة ظاهرها الحل. هذه الحيلة، يتوصل إلى شيءٍ محرم بصورة ظاهرها الحل.
والحيل في أي شيء محرمة، كل حيلة على إسقاط واجب أو انتهاك محرم فهي حرام، وهي أبلغ من المخالفة الصريحة؛ لأنها تتضمن الوقوع في المخالفة الصريحة معنًى مع الخداع لله عز وجل والتلاعب بأحكامه؛ ولهذا قال أيوب السختياني رحمه الله: إن هؤلاء -يعني المتحيلين- يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، ولو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون.
وحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الحيل وقال: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» (2).
إذن الحيلة محرمة، والدليل الحديث الذي سقناه، والتعليل أن المخادعة لله أعظم من المخالفة الصريحة؛ لأن المخادعة فيها نوع من أيش؟ من التلاعب بأحكام الله عز وجل، فهي -أي: الحيلة- أشد.
والمُتحيِّل فيه خصلة من خصال اليهود، كما أن المٌخلِف للوعد فيه خصلة من خصال النفاق؛ ولهذا أي إنسان مسلم يقال له: إن فيك خلقًا من أخلاق اليهود سوف يغضب ويثور، ولكنه قد يكون فيه هذا الخلق من حيث لا يعلم.
التحيل لإسقاطها حرام، وإذا تحيل فهل تسقط؟ الجواب: لا تسقط، بل متى ظهر أن بالأمر حيلة فإن للشريك أن يُشفِّع.
قال: (وتثبُت) أي: الشفعة (لشريك في أرض تجب قسمتها)، فقوله: (لشريك) مفهومه أن الجار لا شفعة له، وصرَّح به في قوله: (فلا شفعة لجار).
قال: (في أرض) خرج بذلك الشريك في غير أرض، كالشريك في سيارة، والشريك في دكان، وما أشبه ذلك، فإنه لا شفعة فيما لو باع نصيبه على آخر.
(2/2128)
________________________________________
الشرط الثالث: (تجب قسمتها) احترازًا من الأرض التي لا تجب قسمتها، ومعنى قوله: (تجب قسمتها) أنه إذا طلب أحد الشركاء القسمة قُسِمَت إجبارًا. هذا معنى قوله: (تجب قسمتها) وإلا فإن الأرض لا تجب قسمتها، الشركاء متى شاؤوا قسموا، ومتى شاؤوا بقوا على الشركة.
لكن معنى (تجب قسمتها) أنه يُجبَر عليها الشريك إذا طلب شريكه أن تُقسم، ففهمنا من قوله: (تجب قسمتها) أن الأرض منها ما تجب قسمته ويُجبر الشريك عليه؛ على القسمة، ومنها ما ليس كذلك. فما هو الظابط؟
إذا كانت الأرض تنقسم بدون ضرر ولا ردِّ عِوض فالقسمة إجبارية، وإذا كانت لا تنقسم إلا بضرر، أو ردِّ عوضٍ فالقسمة أيش؟ اختيارية.
مثال ذلك: رجلان بينهما أرض مقدارها عشرة أمتار في عشرة أمتار، فطلب أحدهما القسمة، وأبى الآخر، فهل يُجبر؟ لا يجبر على القسمة؛ لأنه إذا قسمها لم تصلح لبناء شيء، هذه ليس فيها شفعة.
المثال الثاني: رجلان بينهما أرض واسعة إذا قُسمت لا يتضرر أحدهما بالقسمة، فقسمة هذه إجبار أو اختيار؟ إجبار؛ إذا طلب أحدهما أن تُقسَم وأبى الآخر أُجبر على ذلك. هذه فيها الشفعة، والأُولى ليس فيها شفعة.
رجلان بينهما أرض صغيرة لو قُسمت لفسدت ولم يُستفد منها بشيء، هذه الأرض قسمتها اختيارية ولَّا إجبارية؟ اختيارية؛ يعني معناه: إذا اتفق الجميع على القسمة، ورضوا بالضرر فلا بأس، وإلا فمن امتنع فله الحق أن يمتنع.
أرض واسعة يمكن قسمتها وينتفع كل واحد بنصيبه على الوجه الأكمل، قسمتها؟ إجبارية؛ يعني: أن مَن أبى قسمتها أُجْبِر.
(2/2129)
________________________________________
نعود مرة ثانية لكلام المؤلف؛ الشريك في الأرض الأُولى؛ الأرض الصغيرة باع نصيبه على شخص، فهل لشريكه في هذه الأرض أن يُشفِّع؟ المؤلف يرى أنه لا يشفع. والشريك في الأرض الواسعة إذا باع نصيبه فلشريكه أن يشفع. فأيهما أولى بالشفعة الثانية أو الأُولى؟ الأولى أولى بالشفعة يا إخواني؛ لأن الأولى لا يمكن قسمتها، ولا يمكن التخلص من الشريك الجديد، والثانية يمكن أن يتخلص من الشريك الجديد بالقسمة، بطلب القسمة، وتُقسَم، وينتهي الإشكال.
ولهذا كان الأَولى أن يقال: الأرض التي لا تجب قسمتها ولا تقسم إلا بالاختيار أولى بثبوت الشفعة من الأرض التي تُقْسَم إجبارًا. هذا هو المعقول.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على ما اشترطه المؤلف؟ لأن قوله: (لشريك في أرض) تخرج الجار؛ كلمة (شريك) تخرج الجار وقد صرح بها (لا شفعة لجار)، ما هو الدليل؟
قالوا: إن الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم، بل قول جابر رضي الله عنه: قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يُقْسَمْ (3) مفهومه: أن ما قُسِمَ ليس فيه شفعة، وإذا قُسِم صار الشريك أيش هو؟ صار الشريك جارًا.
أرض بين أرجلين اقتسماها كانت في الأول مشتركة، والآن صار الشريك جارًا، والحديث: قضى النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما لم يُقْسَم. هذا المنطوق، مفهومه لا شفعة فيما قُسِم، النتيجة لا شفعة للجار؛ لأنه إذا كان الجار الذي كان شريكًا بالأول لا شفعة له، فالجار الذي ليس بينه وبين جاره شركة من باب أَولى.
ولكن نقول: الاستدلال بهذا الحديث فيه نظر؛ لأنه يجب إذا استدللنا بالحديث أن نستدل به كاملًا، وإذا استدللنا بالحديث كاملًا لزم أن يكون الجار له شفعة في بعض الأحوال، وليس له شفعة في بعض الأحوال؛ يقول جابر رضي الله عنه: فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ.
(2/2130)
________________________________________
فالآن الحديث بيَّن أنه إذا حصلت القسمة ورسمت الأرض بحدودها وصُرِّفت الطرق بأن كان هذا الجانب له طريق والجانب الآخر له طريق فلا شفعة.
فيؤخذ من هذا أنهما لو اقتسما وبقي الطريق واحدًا لم يُصَرَّفْ فالشفعة باقية، وهذا هو القول الراجح أن الجار له الشفعة في حال، وليس له شفعة في حال.
إذا كانت الطريق واحدة أو الماء الذي يُسقى به الزرع واحدًا أو أي شيء اشترك فيه من حق الجوار فإن الشفعة ثابتة، وإذا لم يكن بينهما حق مشترك فلا شفعة. هذا هو القول الراجح في أيش؟ في ثبوت الشفعة للجار، وعليه يُحمل حديث: «الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» (4)؛ فصار الآن (لشريكٍ) لها مفهوم على كلام المؤلف، ما هو؟ أن الجار لا شُفعة له، وفهمتم استدلال الفقهاء رحمهم الله على ما ذهبوا إليه.
والصحيح أن له الشفعة أي: الجار، متى؟ إذا اشتركا في شيء من حقوق الملك كالطريق والماء وغير ذلك ممما يمكن الاشتراك فيه، فإن له أن يُشَفِّع.
قال: (شريك في أرض) خرج بذلك الشريك في غير الأرض كالشريك في السيارة، الشريك في السفينة، الشريك في السلعة، فإنه لا شُفعة له.
مثال ذلك: رجلان يملكان سيارة شركة، فباع أحدهما نصيبه على آخر، فعلى المذهب: لا شفعة؛ لأن الشركة الآن في غير أرض، ولا بد أن تكون الشركة في أرض.
وهذه المسألة فيها خلاف؛ فمن العلماء من قال كما قال المؤلف: لا شفعة في غير الأرض، ومنهم من قال: الشفعة في كل شيء. وهذا القول أرجح؛ لأن العلة التي ثبتت بها الشفعة للشريك في الأرض موجودة في الشريك في غير الأرض.
(2/2131)
________________________________________
إذا كان شريكك في السيارة رجلًا طيِّبًا سهلًا لا يعارضك في شيء؛ إذا احتاجتِ السيارة إلى إصلاح أصلَحَها، وإذا احتاجت إلى زيادة زادها، وإذا حصل عليها حادث تساهل في الأمر، ثم جاء هذا الشريك الجديد وكان من أشكس عباد الله، إذا خربت السيارة قال: انتظر. إلى متى؟ انتظر بكره، يسهل الله. جئنا بكره، قال: ما يخالف، مر على جميع الورش التي في المنطقة علشان نأخذ بأرخصها. ثم يؤذيه. أيهما أولى؟ الشريك الأول الذي باع ولَّا الشريك الثاني الجديد؟ الأول لا شك، فيتضرر الشريك بهذا الشريك الجديد، والشفعة إنما شُرعَت لدفع ضرر الشريك الجديد.
وعليه فالقول الراجح أن الشفعة تثبت في كل مشترك، سواء كان أرضًا أم أواني، أم فُرُشًا، أم أَيِّ شيء.
قال: (تجب قسمتها) خرج به أيش؟ ما لا تجب قسمته؛ كالدور الصغيرة، والأراضي الصغيرة، وما أشبه ذلك، فإنها ليس فيها شفعة.
ومعلوم أن هذا يحتاج إلى دليل؛ قالوا: الدليل: إذا وقعت الحدود وصُرِّفَتِ الطرقُ فلا شفعة. ووقوع الحدود لا يمكن إلا في أشياء واسعة يمكن قسمتها.
والجواب على هذا سهل؛ لأن قوله: إذا وقعت الحدود يشمل أيش؟ كل ما يمكن قسمته، سواء كان إجباريًّا أم اختياريًّا، حتى الذي قِسمته اختيارية يمكن أن تقع فيه أيش؟ الحدود، وتُصرف الطرق؛ وعلى هذا فلا دليل في الحديث.
فالصواب إذن أن الشفعة واجبة حتى في الأرض التي لا تقسم إلا اختيارًا، خلافًا لكلام المؤلف رحمه الله.
***
طالب: بارك الله فيكم، لو أن الشريك أراد بيع قِسْمَه، جُزْءَه، نصيبه، فقال لشريكه: نقسم، فلما قسم باع نصيبه، ولم يكن للجوار هناك حق مشترك، وإنما هو أراد بهذا إسقاط الشفعة.
الشيخ: نعم. فلا بأس؛ لأن الشفعة لا تثبت إلا بعد البيع.
الطالب: فهو تحيُّل يا شيخ.
الشيخ: لا، ما تثبت إلا بعد البيع، وهنا تَصَرَّف قبل وجود السبب.
طالب: ( ... ) الأرض الصغيرة ما فيها إشكال ( ... ) ضرورة يا شيخ.
(2/2132)
________________________________________
الشيخ: إي نعم؛ ولهذا قلنا: إن ثبوت الشفعة في الأرض الصغيرة أولى من ثبوتها في الأرض الكبيرة؛ لأن الكبيرة إذا رأى من الشريك الجديد ما يسوؤه طلب القسمة.
طالب: أحسن الله إليك، هل إذا كان الجاران مستأجرين ليسا مالكين، فهل لأحدهما ثبوت الشفعة إذا خرج الأول، وجعل مكانه مستأجرًا آخر؟
الشيخ: سبحان الله! هو ما مرت هذه؟
الطالب: بلى.
الشيخ: طيب، إذن ويش السؤال؟ ويش الفائدة منه؟
الطالب: إذ إن العلة قد توجد ..
الشيخ: ممن انتقلت إليه، والمستأجر مدته قليلة، لو كانت ( ... ) يعني مثلًا المدة طويلة، فهنا قد نقول: إنها تجب الشفعة.
طالب: قطعة أرض كبيرة يمكن إنشاء فيها الطرق والحدود، ولكن الماء مشترك، فيها شفعة؟
الشيخ: ما تقولون؟
الطلبة: نعم، فيها شفعة.
الشيخ: الماء مشترك والحدود مُيِّزَت، هذه ينبني على القول بأن الجار إذا كان مشاركًا لجاره في شيء من حقوق الملك فله الشفعة، وهذه فيها خلاف، وسمعت ما ذكرنا.
طالب: ( ... ).
الشيخ: أيش؟
الطالب: لو قال قائل: إن قول جابر: قضى بالشفعة ..
الشيخ: قضى بالشفعة في كل ما لم يُقْسم.
طالب: المراد هو ما لا يجوز قسمته شرعًا ( ... ) الضرر.
الشيخ: كيف؟
طالب: ما لا يجوز قسمته ( ... ) الضرر.
الشيخ: عامٌّ. (في كل ما لم يُقْسَم) عام، ولهذا قال: إذا وقعت الحدود وصُرِّفَت الطرق فلا شفعة.
طالب: يدخل في هذا العموم -يا شيخ- منع الشارع؟
الشيخ: كيف؟
طالب: ما يدخل في هذا العموم ما منع الشارع من قسمته.
الشيخ: مثل أيش؟
طالب: مثل ما فيه ضرر ( ... ).
الشيخ: لا، ما منع الشارع منه، الذي فيه ضرر إذا رضي الطرفان بالضرر ما فيه مشكلة، يجوز، إنما مُنِعَ لحق الشريك، لكن لو قال الشريكان في أرضٍ صغيرة: نقسمها ولا يضر، ما يهم، نقول: ما فيه مانع، وهذا ربما يقع؛ قد تكون الأرض الصغيرة بين ملكيهما، فيريدان قسمها، ويكون الجانب الذي يلي ملك أحدهما له، يوسع بها على بيته مثلًا، يمكن هذا ولا ما يمكن؟ ( ... ).
***
(2/2133)
________________________________________
الطالب: صالحني أو كذَّب العدل أو طلب أخذ البعض سقطت، والشفعة لاثنين بقدر حَقَّيْهما فإن عفا أحدهما أخذ الآخر الكل أو ترك.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ما هي العين التي تجب فيها الشفعة؟
طالب: الأرض.
الشيخ: كمل. كل أرض؟
الطالب: كل أرض تجب القسمة فيها ( ... ) الشفعة؛ الشفعة تجوز في كل أرض تجب قسمتها.
الشيخ: في كل أرض تجب قسمتها. قولك: (في كل أرض) احترازًا من أيش؟
الطالب: الإجارة.
الشيخ: لا، (في كل أرض)؟
الطالب: العقار والمنقول.
الشيخ: احترازًا من العقار؟
الطالب: والمنقول.
الشيخ: احترازًا من العقار والمنقول. أيش العقار؟
الطالب: العقار ..
الشيخ: الأرض ما هي من العقار؟ !
الطالب: ( ... ) المنزل، البيت.
طالب آخر: المراد بالأرض العقار ( ... ).
الشيخ: العقار وأصل الأرض، لكن احترازًا منين؟
طالب: من المنقول.
الشيخ: من المنقول، تمام.
قولنا: (تجب قسمتها)، ما هي التي تجب قسمتها؟
طالب: الأرض التي تجب قسمتها هي الواسعة.
الشيخ: التي ليس في قسمتها؟
الطالب: ضرر ولا رد عوض.
الشيخ: ضرر ولا رد عوض. ما معنى قول المؤلف: (تجب قسمتها)؟
الطالب: إذا طلب أحد الشركاء القسمة يُجبَر عليها.
الشيخ: يُجبر الطالب ولَّا الآخَر؟
الطالب: الآخر.
الشيخ: يعني: هي التي إذا طلب أحد الشركاء أن تُقسم وجبت إجابته؛ كالأرض الواسعة، احترازًا من أيش؟
الطالب: الأراضي الصغيرة.
الشيخ: الأراضي الصغيرة فليس فيها شفعة. ما هو القول الآخر في هذه المسألة؟
طالب: القول الثاني في المسألة أن الشفعة تجب في كل شيء.
الشيخ: أن الشفعة تجب في كل شيء؛ سواء كان منقولًا أو عقارًا أو أرضًا تجب قسمتها أو لا تجب، وهذا هو القول الراجح، لأن الحكمة واحدة، وبعض الألفاظ عام.
ما هو القول الراجح في شُفعة الجار؟
طالب: القول الراجح أنها في شفعة في حال دون حال.
(2/2134)
________________________________________
الشيخ: أن الجار له شفعة في حال دون حال. متى يكون له شفعة؟
الطالب: له شفعة إذا كان بينه وبين ( ... ) مشترك ( ... ).
الشيخ: يعني: اشتراك فيما يتعلق بالملك، إذا كان اشتراكًا كطريق مشترك أو ماء مشترك أو ما أشبه هذا.
***
قال المؤلف: (ويتبعها الغراس والبناء، لا الثمرة والزرع) يعني: إذا شَفَّع الشريك في أرض فيها غراس وبناء، فإن الغراس والبناء يتبعها، إذا كانت حين البيع موجودًا فيها الغراس والبناء، وأما الثمرة والزرع فلا يتبع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا» لمن؟ «لِلَّذِي بَاعَهَا» (5)، فكما أن الثمر والزرع لا يتبع في البيع، كذلك لا يتبع في الأخذ بالشفعة، بل يكون لمن اشتراه.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن تكون حين البيع مثمرة أو مزروعة أو كان الثمر والزرع بعد ذلك.
ولكن الصحيح أنه إذا كانت الثمرة موجودة حين البيع، وشفَّع الشريك والثمرة موجودة فإنها تتبع، وكذلك يقال في الزرع.
أما لو كانت النخيل حين البيع ليس فيها ثمر، ثم أثمرت بعدُ عند المشتري فإنها تكون لمن؟ تكون للمشتري لأنها ملكه، ونماء ملكه، فإنه قبل أن يؤخذ بالشفعة يكون للمشتري.
ثم قال المؤلف: (فلا شفعة لجار) هذا مفهوم قوله: (وتثبت لشريك).
(وهي على الفور) (وهي) أي: الشفعة، وسبق أن الشفعة هي انتزاع الحصة؛ يعني: أنه لا بد أن يبادر الشفيع في أيش؟ في الأخذ بالشفعة، فيقول: شفَّعت، أو أخذتها بالشفعة، أو ما أشبه ذلك، إلا أنهم استثنوا ما إذا كان مشغولًا بما لا يمكن فيه المطالبة، كما لو علم مثلًا وهو على قضاء الحاجة، ما يستطيع أن يُشَفِّع، أو جاءه الخبر وهو يتغدى أو يتعشى، هذا لا يمكن أن يشفع، أما إذا جاءه وهو غائب فإنه إن لم يُشهد على الأخذ بالشفعة سقطت شفعته.
(2/2135)
________________________________________
وعلى هذا إذا جاءه الخبر بأن شريكه قد باع وهو في مكان بعيد فإنه يُشْهِد رجلين أو رجلًا وامرأتين على أنه آخذ بالشفعة.
وقوله: (على الفور)، قد يقول قائل: إنَّ إلزامَنا إياه أن تكون المطالبة على الفور فيه مشقة؛ لأنه -أي: الشفيع- ربما يقول: أعطوني مهلة أفكر في الأمر، أعطوني مهلة أنظر، هل أحصِّل الثمن أو لا أحصله؛ فنقول: لا، لا مهلة لك، مع أن الشفعة حق من حقوقه لا يمكن أن يسقط إلا بما يدل على رضاه؟
لكنهم يقولون: إنها على الفور، إن لم يطالب على الفور سقطت؛ الدليل: «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» (6) هذا حديث، «الشُّفْعَةُ كَحَلِّ العِقَالِ» (7)، أيُّ عقال؟
طالب: عقال البعير.
الشيخ: عقال البعير؛ يعني: لازم بسرعة، لكنَّ الحديثين ضعيفان لا يحتج بهما ولا يمكن أن يُتوصل بهما إلى إسقاط حق المسلم، فلا اعتماد عليهما، وإذا لم يكن عليهما اعتماد رجعنا إلى الأصل، والأصل أن كل من ثبت له حق فإنه لا يسقط إلا بما يدل على رضاه؛ لأن هذا حق شرعي، قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يُقسم (3)، هذا قضاء نبوي، لا يمكن أن يسقط إلا بما يدل على الرضا؛ وعليه، فالقول الراجح الذي يتعين الأخذ به أن يقال: هي على التراخي، لا تسقط إلا بما يدل على الرضا.
فإذا قال المشتري: إلى متى أنتظر؟ ما أدري متى يرضى أو لا يرضى، ففي هذه الحال نضرب له أجلًا مناسبًا، فيقال للشريك الذي له الشفعة: لك ثلاثة أيام، لك يومان، لك أربعة أيام، حسب الحال؛ لأننا لو قلنا لك: إلى شهرين أو ثلاثة حتى ترضى صار في ذلك ضرر على من؟ على المشتري.
إذن القول الراجح: أنها ليست على الفور، بل هي على التراخي، ولا تسقط إلا بما يدل على الرضا؛ ووجه هذا القول -كما سمعتم- أنه حق جعله الشارع للشريك، فلا يسقط إلا برضاه.
(2/2136)
________________________________________
ثم إنه -أي: الشريك- قد يحتاج إلى تأمل؛ لأن المشكل أنه لا بد أن يأخذها بالثمن، وإذا كان حالًّا أخذها بالثمن الحالي، وقد لا يكون عنده دراهم في ذلك الوقت، يحتاج إلى أن يطلبها من يمين أو يسار، أو يستدينها، أو ما أشبه ذلك.
قال المؤلف رحمه الله بناءً على أنها على الفور: (وقتَ علمه، فإذا لم يطلبها إِذَن بلا عذر بطلت) (إذا لم يطلبها): (ها) تعود على أيش؟ الشفعة، والفاعل الشريك الذي هو الشفيع.
(إذن) أي: حال علمه (بلا عذر بطلت)، وعُلِمَ من قوله: (بلا عذر) أنه لو كان معذورًا في الفورية، فإذا زال عذره فلا بد أن يطلب بها على الفور، فلو جاءه الخبر وهو على فراشه يريد أن ينام، نقول: لا بد أن تذهب إلى المشتري وتقول: أنا مطالب بالشفعة؟ لا، هذا عذر، لكن إذا استيقظ، من حين أن يستيقظ ويقوم ويصلي الفجر يذهب إلى مَن؟ إلى المشتري، ويقول: أنا آخذ بالشفعة؛ فعلى هذا نقول: لا بد إذا زال العذر من أن يطالب بها على الفور.
(وإن قال للمشتري: بعني) القائل الشفيع وهو الشريك، إذا قال للمشتري: (بعني) -يعني: بع عليَّ الذي اشتريت- سقطت شفعته؛ لماذا؟ لأنه لم يُطالب على الفور، وكونه يقول: (بعني) إقرار للملك -أي: لملك المشتري- وإذا كان إقرارًا لملك للمشتري فلازم ذلك أنه لا يريد المطالبة بها.
(أو قال: صالحني) فكذلك تبطل؛ لأن طلب المصالحة يؤخِّر المطالبة على الفور، ويدل على أن الشريك قد أقرَّ بأنها ملك المشتري.
(أو كذَّب العدلَ) (كذب): الفاعل مَنْ؟ الشريك، (العدل) يعني: المخبر العدل؛ يعني أن الشريك أخبره رجل عدل، وقال له: إن شريكك باع على فلان. قال: كذبت، شريكي ما يمكن يبيع؛ لأنه له رغبة في البقاء، في بقاء ملكه، ولا يمكن. قال: يا رجل تتهمني؟ ! قال: ما أتهمك، لكن كلٌّ يخطئ. تسقط الشفعة؟
طلبة: تسقط.
الشيخ: ليش؟
طالب: ما طالب بعد ( ... ).
(2/2137)
________________________________________
الشيخ: لأن الرجل عدل، والأصل في خبر العدل أنه مقبول؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، فعُلِم منه أنه إذا جاءنا عدل نقبل خبره.
وعُلم من قوله: (أو كذَّب العدل) أنه لو كذب الفاسق فلا تسقط الشفعة؛ لأن الفاسق لا يجب قبول خبره، بل يتبين فيه، ولو كذَّب الكذوب؟
طالب: من باب أولى.
الشيخ: نعم، من باب أولى؛ لأن علة الكذوب هنا في أخباره، فيكون إخباره غير مقبول.
(أو كذب العدل، أو طلب أخْذَ البعض سقطت) طلب الشريك أخذ البعض؛ مثاله: شريكان في أرض لكل واحد منهما نصفها، فباع أحد الشريكين نصيبه على شخص، فقال الشريك: أنا لا أتحمل قيمة الأرض كلها، أريد أن آخذ بعضها ولك البعض، فتسقط الشفعة؛ لماذا؟ لفوات الفورية؛ ما بادر على طول.
لو أنه بادر وأخذ بالشفعة، ثم طالب المصالحة أو المقاسمة؟ لا بأس، لكنه لما طلب المصالحة أو المقاسمة قبل الأخذ بالشفعة سقطت.
إذن هذه المسقِطات مبنية على أيش؟ على أنه لا بد أن يطالب بها فور علمه.
لكن ينبغي أن يقال: إن اللوازم التي ذكروها من أنَّ طلبَ المصالحة أو طلب البعض أو ما أشبه ذلك تدل على أنه أقر البيع، ينبغي أن يقال: إذا وقع هذا من عالم فنَعَم، وإن وقع من جاهل لا يدري قال: أنا أريد المصالحة دفعًا للمطالبة وكسر قلبه وما أشبه ذلك فإنه لا ينبغي أن تسقط الشفعة، فيُفرق بين من يفهم ويعلم، وبين من لا يفهم ولا يعلم؛ فإذا قال: صالحني، أو لأننا نخليها أنصاف، لك النصف ولي النصف عن سلامة قلب وعدم معرفة فينبغي ألا تسقط الشفعة؛ لأنه في هذه الحال معذور، وكما عَذَرُوا مَن لم يطلبها على الفور بما عذروه به، فهذه مثلها.
(2/2138)
________________________________________
والخلاصة أن الشفعة حقٌّ للشفيع لا تسقط أيش؟ إلا بما يدل على رضاه؛ أما كونها حقًّا للشفيع فقد علمتم ذلك أنه قضاء نبوي؛ قضى بالشفعة في كل ما لم يُقْسَم (3)، وأما كونها لا تسقط إلا برضاه فلأنها حقه، ولا يمكن أن تؤخذ الحقوق من أصحابها كُرهًا.
قال: (والشفعة لاثنين بقدر حقَّيْهما، فإن عفا أحدهما أخذ الآخر الكل أو ترك) (الشفعة لاثنين) تستلزم أن يكون الشركاء ثلاثة، فتكون (بقدر حقيهما)، فإذا باع صاحب النصف، رجعت المسألة إلى ثلاثة، من ستة مثلًا، إذا باع صاحب النصف، رجعت إلى كم؟ ثلاثة، فيكون الملك الآن بين صاحب الثلث والسدس، أيش هو؟ أثلاثًا.
وإذا باع صاحب السدس رجعت إلى خمسة، فيكون الملك بين صاحب النصف والثلث؟ أخماسًا.
وإذا باع صاحب الثلث رجعت إلى أربعة، فيكون الملك بين صاحب النصف والسدس؟ أرباعًا. واضح؟
طالب: غير واضح.
الشيخ: لا إله إلا الله. هذه الأرض بين ثلاثة شركاء؛ أحدهم له النصف، والثاني له الثلث، والثالث له السدس، كم مسألتهم؟
الطلبة: ستة.
الشيخ: من ستة، لصاحب النصف؟
الطلبة: ثلاثًا.
الشيخ: وصاحب الثلث؟
الطلبة: اثنان.
الشيخ: وصاحب السدس؟
الطلبة: واحد.
الشيخ: واحد. إذا باع أحدهم صارت الشفعة لشريكين؛ فلنبدأ أولًا بالأكبر صاحب النصف، باع صاحب النصف، كم راح من الستة؟
الطلبة: ثلاثة.
الشيخ: إذن يكون الملك الآن؟
طالب: أثلاثًا.
الشيخ: أثلاثًا بين صاحب الثلث وصاحب السدس. هذا واضح ولا غير واضح؟
الطلبة: واضح.
الشيخ: واضح. باع صاحب الثلث، والثلث كم؟ اثنان، كم يبقى؟ أربعة. الملك؟ أرباعًا بين صاحب النصف وصاحب السدس.
باع صاحب السدس، كم يبقى؟ خمسة، يعود الملك الآن بين صاحب النصف والثلث؟ أخماسًا؛ لصاحب النصف ثلاثة، ولصاحب الثلث اثنان. واضح هذه ولَّا غير واضح؟
الطلبة: واضح.
الشيخ: والإخوان، واضح؟ هو سهل في الواقع.
إذا باع واحد منهم اقسم الملك على الباقيَيْن، ما يحتاج إلى تعب ولا شيء.
(2/2139)
________________________________________
إذا عفا أحدهما نقول للثاني: إما أن تأخذ الجميع، وإما أن تترك الجميع؛ لنفرض أن الذي باع صاحب النصف، ويش بقي؟ النصف، فإذا قال صاحب السدس: أنا لا أريد الشفعة، يكفيني نصيبي من هذه الأرض. نقول لصاحب الثلث الآن: إما أن تأخذ كل الثلاثة، ثلاثة هي النصف، ويكون له -أي: لصاحب الثلث- خمسة، ولصاحب السدس واحد، فإذا قال: ما أتحمل، قلنا: إذن سقطت الشفعة.
إذا قال صاحب الثلث: أنا لا أريدها، والذي باع صاحب النصف؛ يعني: المسألة هي الأولى، لكن الذي قال: لا أريدها هو صاحب الثلث، ماذا نقول لصاحب السدس؟ نقول: خذ نصيب صاحب النصف، يكون لك أربعة من ستة. إذا قال: ما أتحمل. قلنا: إذن لا شفعة.
ولهذا قال: (بقدر حقيهما، فإن عفا أحدهما أَخَذ الآخر الكلَّ أو ترك)، وهذا الاشتراك يسميه العلماء اشتراك تزاحم، بمعنى أنهم إذا طلب كل واحد منهما حقه زاحم الآخرين، وإن أسقط حقه لزم الآخرين؛ لأن هذا الاشتراك اشتراك تزاحم، وإذا كان اشتراك تزاحم فإنه إذا طلب كل واحد حقه ازدحموا فيه، وإن عفا عاد إلى الآخرين.
ثم قال: (وإن اشترى اثنان حقَّ واحد) اشترى اثنان حق واحد، (فللشفيع أخذ أحدهما)، كيف اشترى اثنان حق واحد؟
أرض بين رجلين؛ باع أحدهما نصيبه من الأرض على رجلين، فنقول: للشفيع أن يأخذ نصيب أحد الرجلين دون الآخر، لماذا؟ لأنه في هذه الحال لا ضرر على واحد منهما؛ إذ إن أحدهما أُخِذ حقُّه في الشفعة، وهو حق للشريك، والثاني بقي حقه كاملًا، فيكون الملك الآن بين اثنين ولا بين ثلاثة؟
طالب: اثنين.
طالب آخر: بين ثلاثة.
طلبة: بين اثنين.
الشيخ: بين اثنين، يا إخواني؛ لأن الثالث طلعناه بأخذ نصيبه بالشفعة.
(2/2140)
________________________________________
فإذا قال الذي لم يُؤْخذ نصيبه: في هذا ضرر عليَّ. نقول: ما فيه ضرر عليك، وين الضرر؟ الضرر لا ضرر عليك، أنت لك الربع من الأصل، والآن الربع باقٍ ولَّا غير باقٍ؟ باقٍ، ولم يتجدد لك شريك، الشريك الأول الذي لم يبع موجودٌ ما زال. واضح ولَّا؟
طلبة: واضح.
الشيخ: واضح؟
طالب: الأخير هذا غير واضح.
الشيخ: نعم، الآن أرضٌ بين رجلين، هذا واضح ولَّا غير واضح؟
الطلبة: واضح.
الشيخ: باع أحدهما نصيبه على رجلين، للشريك أن يُشَفِّع في الجميع، أليس كذلك؟
الطلبة: بلى.
الشيخ: فقال: أنا لا أريد أن أشفع إلا في واحد منكم؛ يقول للمشتريين، أخذ الشفعة من واحد، أيصح هذا أو لا يصح؟ يصح، هو ما فيه ضرر، وهذا ربما يحتاج إليه الإنسان؛ إما لكونه ليس عنده مال يدفعه للاثنين، وإما لكون أحد الشريكين سيء العشرة، والآخر طيب العشرة. هذا واقع ولَّا غير واقع؟ واقع، وإما لعدوانه، يريد أن يحرم المشتري الثاني نصيبه من الأرض.
المهم، أي سبب يكون، فله أن يأخذ من أحدهما دون الآخر، ولا ضرر، هذه واحدة، اشترى اثنان حقَّ واحد (أو عكسه)، (عكسه) اشترى واحد حق اثنين، هذا العكس؟
طلبة: نعم.
الشيخ: اشترى اثنان حق واحد، أو عكسه؛ اشترى واحد حق اثنين، إذن الأرض بين ثلاثة أطراف، فباع اثنان حقَّيْهِما على واحد، فللشفيع أيش؟ أن يُشَفِّع في نصيب واحد من شركائه دون الثاني.
التعدد الآن في المشتري ولَّا في البائع؟ في البائع، له أن يأخذ بنصيب أحدهما. والبيومي يبين لنا، يلَّا صور المسألة.
طالب: بيع اثنين نصيبهما على واحد.
الشيخ: إي، صوِّر المسألة، صورتها؟
الطالب: زيد وعمرو وخالد.
الشيخ: اترك زيدًا وعمرًا وخالدًا. قل: أرض بين كذا.
طالب: أرض بين ثلاثة أشخاص؛ باع اثنان من الشركاء نصيبهم على واحد ( ... ) أن يشفع في أحد ..
الشيخ: فللشريك؟
طالب: أن يُشَفِّع في أحد الشريكين.
الشيخ: أن يشفع في نصيب أحد الشريكين دون الآخر.
(2/2141)
________________________________________
يقول: (أو اشترى واحد شِقْصَين من أرضين صفقة واحدة)؛ مثال ذلك: أرضان فيهما شَرِكَة لشخصين، فباع أحد الشريكين نصيبَيْه من الأرضَينِ على واحد، فللشفيع أن يأخذ أحد الشقصين؛ لأن الآن تعدَّد المعقود عليه، الصورتان السابقتان تعدَّدَ البائع أو تعدَّدَ المشتري. هذا تعدَّد المعقود عليه، فللشفيع أن يأخذ بأحد الأرضين ويدع الأخرى، وهذا بخلاف ما إذا اشترك اثنان في شفعة، فإننا نقول: إما أن تأخذا جميعًا بالشفعة، وإلا فيسقط حق أحدكما، وهي اشتراك التزاحم.
قال: (أو اشترى واحد شقصين من أرضين صفقة واحدة، فللشفيع أخذ أحدهما) من يصور المسألة الثالثة؟
طالب: شريكان لديهما أرضين، فباع أحد الشريكين نصيبيه من الأرضين.
الشيخ: نعم، صفقة واحدة، يعني: بيعة واحدة.
الطالب: فأراد الشريك الثاني أن يشفع في أحد الأرضين، فله ذلك.
الشيخ: فله ذلك، تمام.
قال: (وإن باع شِقْصًا وسيفًا) يعني ما وجد يمثل إلا بالسيف؟ ! نقول: نعم، الفقهاء رحمهم الله دائمًا يتلقون العبارات بعضهم عن بعض، فهذا أول مَنْ مثَّل بهذا المثال، قال: باع شقصًا وسيفًا، ونحن نقول: إن باع شقصًا وكتابًا، يصلح؟
الطلبة: يصلح.
الشيخ: يصلح؟ !
الطلبة: يصلح.
الشيخ: يصلح، وهذا اللائق بطلبة العلم شقص كتاب، وبالمجاهدين شقص سيف، وبالنجارين شقص وباب، وبأصحاب المعارض شقص سيارة؛ إذن نمثل لكل إنسان بما يناسبه.
الآن ضابط المسألة إذا باع ما فيه الشفعة وما لا شفعة فيه، فالمراد بالشقص هنا الشقص الذي فيه الشفعة، والسيف ما لا شفعة فيه.
(2/2142)
________________________________________
إذا باع صفقة واحدة ما فيه الشفعة وما لا شفعة فيه، يقول: (فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن)، وأما الآخر الذي ليس فيه شفعة فلا يأخذه بالشفعة؛ مثاله: رجل صاحب معرض بِيعَ عليه شِقص وسيارة -شقص يعني: نصيب مشترك- شقص وسيارة، فللشفيع وهو الشريك في الأرض أيش؟ أن يأخذ بالشفعة في الأرض دون السيارة. كيف ذلك؟ نقول: الآن كم تساوي الأرض؟ قالوا: تساوي مئتي ألف، كم تساوي السيارة؟ خمسين ألفًا، كم الثمن الآن؟ مئتان وخمسون، صحيح، فنقول الآن: خذ الأرض بكم؟ بمئتين، والسيارة للمشتري؛ ولهذا قال: (فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن) ما قال: بحصته من القيمة؛ لأن الشفعة يرجع فيها إلى الثمن لا إلى القيمة.
ثم قال: (أو تلف بعض المبيع فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن) بمعنى: أنه باع أرضًا وسيفًا أو سيارة أو ما أشبه ما ذلك، وتلف البعض فللشفيع أخذ الباقي بالحصة.
(أو أرضًا باعها وتلف بعضها) كيف يتلف بعض الأرض؟ بأن؟
طالب: السيل.
الشيخ: لا، السيل ما يُتلِف الأرض، صحيح ربما يُفسِد الأرض لكن لا يتلفها.
طالب: ( ... ).
الشيخ: يعني: معناه أخذه مَن لا تمكن مطالبته، ربما نقول: هذا مثال صحيح، لكنه ما ينطبق تمامًا على كلام المؤلف، إنما إذا أخذه من لا تمكن مطالبته فللشفيع أخذ الباقي بحصته من الثمن.
(ولا شُفعة بشركة وقف) يعني: لو كان الشريك نصيبه موقوف وباع شريكه، فإن الموقوف عليه لا يأخذ بالشفعة، واضح؟
طالب: غير واضح.
الشيخ: غير واضح. أرض بين اثنين وهي على أحدهما وقف، وعلى الثاني طِلق؛ يعني أن نصيبه طلق ليس وقفًا، فباع صاحب النصيب الطلق، فهل لشريكه الموقوف عليه أن يُشَفِّع؟ يقول المؤلف: لا. اثنان شريكان في أرض، نصيب أحدهما وقف ليس ملكًا، فباع مَن نصيبُه طلق -يعني: غير وقف- فهل للشريك الموقوف عليه، هل له أن يأخذ بالشفعة؟ يقول المؤلف: لا. لماذا؟
(2/2143)
________________________________________
قال: (لأن الملك في الوقف قاصر) غير تام؛ لأن الموقوف عليه لا يستطيع أن يبيع الوقف، ولَّا لا؟ ما يمكن يبيعه، فملكه إذن غير تام، وإذا كان غير تام، فكيف نسلطه على أخذ مال المشتري؟
ولكن القول الراجح في هذه المسألة أن له الشفعة؛ أي: للشريك في الوقف، الذي نصيبه وقف أن يأخذ بالشفعة؛ لأن العلة الثابتة فيما إذا كان الملك طِلقًا، هي العلة الثابتة فيما إذا كان وقفًا، بل العلة فيما إذا كان وقفًا أوضح؛ لأن هذا الوقف لا يمكن أن يتخلص منه الموقوف عليه، ولو كان طِلقًا لكان إذا وجد الشريك الجديد سيء المعاملة يبيع نصيبه وينتهي؛ فالشُّفعة في شركة الوقف أحق منها في شركة الطلق.
وأما قولهم: إنه غير تام، فيقال: هو تام باعتبار أن الموقوف عليه يملك الوقف، حتى عند الأصحاب رحمهم الله قالوا: إن الوقف يملكه الموقوف عليه، لكن ملك قاصر.
القول الراجح أن الشريك في الوقف له حق الشفعة، وأن استحقاقه للشفعة أقوى من استحقاق صاحب الملك؛ لأن صاحب الملك إذا وجد من الشريك الجديد سوء معاملة يبيع وينتهي، لكن صاحب الوقف لا يمكن يبيعه، فيكون تَضَرُّر صاحب الوقف أشد من تضرر صاحب الملك الطِلق.
فلهذا نقول: إن الراجح أن الشريك -أي: الذي نصيبه موقوف- له الشفعة.
وإذا كان له الشفعة وأخذ بها، فهل يكون هذا النصيب تبعًا للوقف، أو يكون ملكًا للموقوف عليه؟ الثاني إلا إذا نوى، هو ملك للموقوف عليه ملك طلق إلا إذا نوى أنه تبع للوقف، فيكون تبعًا للوقف، وحينئذٍ نسأل: هل الأولى أن ينويه للوقف أو أن يبقيه على ملكه؟ يُنظر للمصلحة؛ إذا كان في الوقف ريع كثير يتحمل ثمن هذا الشقص فالأولى أن يجعله للوقف؛ لأجل أن ينمو الوقف ويزداد، ولأجل أن لا يكون نزاع فيما إذا مات الموقوف عليه؛ لأن الموقوف عليه إذا مات ما ينتقل انتقال ميراث، ينتقل حسب شرط الواقف.
(2/2144)
________________________________________
(ولا غيرِ مُلك سابق) يعني: لا بد أن يسبق ملك الشريك الشفيع ملك المشتري؛ فلو اشترى اثنان حق واحد أو اشتريا أرضًا مستقلة، فهل لأحدهما أن يشفع للآخر؟ اثنان اشتريا أرضًا صفقة واحدة، فهل لأحدهما أن يشفع للآخر؟ ليش؟
طالب: ليس له.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: ليس بسابق.
الشيخ: لأن ملكه ليس بسابق، هما ملكَا الأرض صفقة واحدة؛ فإذا قال زيد لعمرو -وهما المشتريان- قال زيد لعمرو: أنا أشفع عليك. يقول عمرو: وأنا أشفع عليك. فحينئذٍ نقول: لا شفعة لواحد على الآخر، وأنتما اشتريتما الأرض أو الشقص صفقة واحدة، فتساويتما، فلا حق لأحدكما على الآخر؛ إذن لا بد أن يسبق ملك الشفيع ملك شريكه.
لو أن أرضًا بين اثنين كانت لأحدهما دون الآخر في الأول؛ ثم اشترى نصفها منه، ثم إن الأول باع نصيبه على آخر، تثبت الشُّفعة أو لا؟
طلبة: لا تثبت.
طالب: تثبت الشفعة يا شيخ.
الشيخ: تثبت. أنتم فاهمين الصورة ولا ما فهمتوها؟ رجل يملك أرضًا، فباع نصفها على شخص، ثم إن المالك الأول باع نصيبه على آخر، فهل للمشتري الأول أن يُشَفِّع على الثاني؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: نعم؟ ! ملك البائع سابق على ملك المشتري! نقول: وملك المشتري سابق على الملك الذي فيه الشفعة.
(ولا غير ملك سابق، ولا لكافر على مسلم) يعني: لو كانت أرض بين مسلم ونصراني، فباع المسلم نصيبه على رجل مسلم، فهل للنصراني أن يشفع؟ يقول المؤلف: لا، ما يشفع؛ لأننا لو مكناه من الشفعة لسلطنا كافرًا على مسلم، والإسلام يعلو ولا يُعلى. وللبحث بقية إن شاء الله تعالى ( ... ).
***
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الشفعة: ولا شُفعة بشركة وقفٍ، ولا غير ملك سابق، ولا لكافر على مسلم.
فصل
(2/2145)
________________________________________
وإن تصرف مشتريه بوقفه أو هبته أو رهنه، لا بوصية سقطت الشفعة وببيع فله أخذه بأحد البيعين، وللمشتري الغلة والنماء المنفصل، والزرع والثمرة ظاهرة، فإن بنى أو غرس ..
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يقول المؤلف رحمه الله: (ولا شُفْعة بشركة وقف) يعني: لو كان الملك بين رجلين أحدهما الذي بيده وقف، والثاني الذي بيده ملك، وهذا واقع يعني: ليس صعبًا؛ يكون الرجلان الشريكان نصيب أحدهما ملك ونصيب الآخر وقف، فباع صاحب الملك، فهل لصاحب الوقف أن يُشَفِّع؟ يقول المؤلف: لا، ليس له أن يشفع؛ لأنه وإن كان مالكًا فإن ملكه غير تام؛ لأنه لا يملك -أي: الموقوف عليه- أن يتصرف في الوقف ببيع ولا رهن ولا غيرهما من نقل الملك. هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المذهب، والعلة كما سمعتم: أن الملك أيش؟ غير تام.
والصحيح أن له الشفعة؛ أن الشريك الذي يكون نصيبه وقفًا له أن يُشَفِّع، بل لو قيل: إنه أحق بالشفعة ممن نصيبه ملك لكان له وجه، لماذا؟ لأن صاحب الوقف لا يملك بيعه، ولو كان مالكًا لكان يملك البيع إذا تأذى من الشريك الجديد؛ فالصواب إذن أن لصاحب الوقف أن يُشَفِّع، ولكن إذا شَفَّع، هل يُضم إلى الوقف فيكون وقفًا، أو يكون ملكًا للمشفع؟
يُنظر؛ إذا كان نواه للوقف فهو للوقف، وهذا يتصور فيما إذا كان بيده ثمن الشقص المبيع من الوقف، أو أراد أن يتبرع؛ مثاله: الوقف الذي كان بيده، يريع ريعًا كبيرًا، وعنده الآن دراهم، فلما شَفَّع قضى الثمن من هذه الدراهم ونواه لأيش؟ للوقف، فيكون للوقف، أو يريد أن يتبرع هو بنفسه فيما أخذه بالشفعة لكون الوقف لوالده أو ما أشبه ذلك، المهم إذا نواه الشفيع للوقف صار للوقف، وإن نواه لنفسه صار لنفسه.
(2/2146)
________________________________________
فإن قال قائل: إذا صار لنفسه فإن الشركة لم تنتفع؛ لأنه لم يكن الملك مصرفه واحدًا. قلنا: نعم، هذا حق، إذا كان للمشتري فالواقف لم ينتفع به، لكن لا شك أن كون الإنسان مشاركًا بنفسه لنفسه خير من كونه يتلقى شريكًا جديدًا.
كذلك: (غير ملك سابق) (لا شفعة بغير ملك سابق)، ومثال ذلك: أن يشتري اثنان الملك معًا، بأن يكون هذه أرض اشتراها رجلان من رجل واحد، فليس لأحدهما أن يشفع؛ لماذا؟ لأن الحقين وردَا على هذه العين ورودًا واحدًا فتعارضَا، وإذا تعارضَا فإنه لا يمكن أن نفضِّل أحدهما على الآخر.
إذن لا بد من أن يكون ملك الشريك الذي يأخذ بالشفعة سابقًا على أيش؟ على على ملك أخيها الذي باع، أو موافقًا له، المهم سابق على ملك المشتري الذي انتقل إليه النصيب.
(ولا لكافر على مسلم) يعني: لو كان الشريك كافرًا، والمسلم باع نصيبه من هذه الأرض (على مسلم) فإنه لا يحق للشريك أن يأخذ بالشفعة؛ لماذا؟
طالب: فيه إهانة للمسلم.
الشيخ: نعم؛ لأن فيه إهانة للمسلم؛ حيث إنه سيؤخذ منه ما ملكه قهرًا، ففيه إذلال له، والإسلام يعلو ولا يعلى؛ شريكان في أرض أحدهما مسلم والثاني كافر، فباع المسلم نصيبه على مسلم فليس للكافر أن يأخذ بالشفعة.
لو كان الشريكان كافرين، وباع أحدهما على مسلم، هل يأخذ شريكه الكافر بالشفعة؟ لا؛ لأن العلة واحدة، وإن كان البائع على المسلم كافرًا فإنه لا يأخذ شريكه الكافر بالشفعة؛ لأن العلة هي إهانة المسلم.
وقال بعض أهل العلم: بل للكافر شفعة على المسلم؛ لأن الشفعة من حق التملك، وليس من حق المالك، إذا كان الكافر له الخيار؛ خيار المجلس، ويمكن أن يفسخ العقد غصبًا على المسلم؛ لأن هذا حق ملك، فكذلك الشفعة.
صورة المسألة الأخيرة: مسلم باع على كافر شيئًا، فهل للكافر ما دام في مجلس الخيار أن يفسخ البيع؟ نعم، له ذلك؛ لأن هذا من باب حق التملك، فله أن يفسخ، حتى وإن كره المسلم؛ لأن هذا حقه، وهذا مقتضى العقد.
(2/2147)
________________________________________
الشفعة حقٌّ، ومقتضى البيع -أي: بيع الشريك على أجنبي- أن يكون للشريك الأول حق الشفعة، فالمسألة فيها خلاف بين العلماء.
ولو قلنا برجوع هذا إلى نظر الحاكم القاضي لكان هذا جيدًا، ويظهر هذا بالقرائن؛ إذا عرفنا أن الكافر سوف يفتخر بأخذ الشفعة من هذا المسلم، ويرى أنه علا عليه، فحينئذ لا نمكنه، أما إذا علمنا أن الكافر مهادن، وأنه لم يأخذ بالشفعة إلا لأنه مضطر إليها لمصلحة ملكه فإننا نمكنه منها.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (فصل، وإن تصرف مشتريه بوقفه).
(مشتريه) أي: مشتري الشقص، (بوقفه) أي: تسبيله؛ يعني أنه حين اشترى الشقص وقَّفه، سواء على خاص أو على عام؛ فعلى الخاص مثل أن يقول حين اشترى الشقص: هذا وقف على فلان أو على ذريته، فإن الشفعة تسقط.
العام مثل أن يقول حين اشتراه هذا وقف على الفقراء، فتسقط الشفعة؛ لماذا؟ لأن الشقص انتقل بعقد لا تثبت فيه الشفعة، كيف لا تثبت فيه الشفعة؟ لأن الشفعة إنما تثبت فيما إذا انتقل بعوض مالي، وهنا انتقل الملك إلى الوقف، والوقف ليس فيه شفعة؛ يعني: لو أن أحد الشريكين وقَّف نصيبه من أرض مشتركة فليس للشريك أن يُشَفِّع؛ لأن انتقل ملكها بغير عوض مالي.
أو تصرف بـ (هبته) يعني أن الذي اشترى الشقص وَهَبَه لشخص آخر فتسقط الشفعة؛ لأنه لو انتقل الشقص بالهبة لم تثبُت الشفعة، فإذا انتقل من المشتري إلى جهة أخرى لا تثبُت الشفعة بانتقاله إليها فإن الشفعة تسقط.
(أو رهنه) يعني: أن المشتري -مشتري الشقص- رهنه، مثاله: أرض بين شريكين، باع أحدهما نصيبه على ثالث، الثالث استدان من شخص وأرهنه نصيبه الذي اشتراه، يقول المؤلف: إن الشفعة تسقط؛ لماذا؟
لأن الرهن ليس انتقالًا، ولكنه إشغال، الإنسان إذا رهن ملكه عند شخص، هل معناه أنه باعه عليه؟ وهبه له؟ لا، ولكن شغله، شغل الملك للتوثقة -توثقة صاحب الدين- فليس انتقال ملك.
(2/2148)
________________________________________
هذا ما ذكره المؤلف رحمه الله، والصحيح أنها لا تسقط بالرهن؛ لأن الملك لم ينتقل للمرتهن، لكن يقال: إن أوفى الراهن دينه أخذ الشريك بالشفعة، وإن لم يوف وبِيعَ الرهن حينئذ نرجع إلى انتقاله بالبيع، وسيأتي ذكره إن شاء الله؛ وذلك لأن الرهن لم ينتقل به الملك، فهو على ملك المشتري، إنما تعلق به حق الغير، فإذا تعلق به حق الغير، فإننا نُبْقِي حق الغير وحق الشفيع، ونقول: ما دام مرهونًا لا يمكن أن تأخذه بالشفعة؛ لأنه مرهون مشغول، لكن إن أوفى المدين دينه بقي الرهن الآن طِلقًا ليس مرهونًا فخذه بالشفعة، وإن لم يوفِ وبيع فخذه أنت بأحد البيعين كما سيأتي إن شاء الله تعالى. هذا القول هو الراجح؛ لأن الملك لم ينتقل، ومثل ذلك: لو آجر النصيب الذي اشتراه، فهل تسقط الشفعة أو لا؟
المذهب: تنفسخ الإجارة ويأخذه بالشفعة، والصحيح أنها لا تنفسخ الإجارة، وأنها باقية، ولكن للشفيع الأجرة من حين أخذه بالشفعة، مثال ذلك: باع أحد الشريكين نصيبه على شخص ثالث، الشخص الثالث آجره على طول، قال لواحد: أجَّرتك نصيبي تجعله معارض، تجعله أي شيء، أجَّرتك نصيبي لمدة خمس سنوات، فالإجارة على المذهب تنفسخ؛ لأن حق الشفيع سابق على حق المستأجر.
القول الثاني: لا تنفسخ، وللشفيع الأجرة من حين أخذ بالشفعة، فإذا قدَّرنا أنه أخذ بعد شهر، صار بقية الخمس سنوات أجرتها لمن؟ للشفيع؛ وذلك لأن المشتري آجر الشقص وهو على ملكه، فالإجارة صحيحة، وهي عقد لازم أو جائز؟ هي عقد لازم، وإذا كان هذا الرجل تصرف تصرفًا مأذونًا فيه بعقد لازم فإننا لا يمكن أن نضيع حق المستأجر، بل نقول للمستأجر: تبقى، ولكن الأجرة من حين أخذ الشفيع تكون للشفيع، وهذا لا شك أنه أقرب إلى العدل، القول بأن الإجارة لا تنفسخ أقرب إلى العدل بلا شك.
(2/2149)
________________________________________
قال: (لا بوصية) يعني: لا إن تصرَّف مشتريه بوصية فإنها لا تسقط، فيكون المؤلف رحمه الله ذكر ثلاثة أشياء تسقط بها الشفعة، وذكر شيئًا واحدًا لا تسقط به الشفعة؛ مثاله: اشترى الشقص؛ يعني: رجلان شريكان في أرض، باع أحدهما نصيبه على شخص، ومن حين اشتراه الشخص أوصى به، قال: أوصيت بنصيبي الذي اشتريت أن يكون وقفًا على طلبة العلم، فالشفعة لا تسقط؛ لماذا؟ لأن الوصية لا تثبت إلا بعد الموت، وقبل الموت يكون الموصى به مُلْكًا للموصي، له أن يتصرف فيه بما شاء، التعليل؛ لماذا؟ لأن الوصية لا ينتقل بها الملك إلا بعد موت الموصي وقبول الموصى له إن كان معينًا، أو جماعة يمكن حصرها. المثال؟
طالب: باع زيد نصيبه من الأرض ..
الشيخ: باع زيد نصيبه من أرض مشتركة على بكر.
الطالب: فقال الرجل: أوصيت بنصيبي من هذه الأرض وقفًا لطلبة العلم.
الشيخ: فقال بكر: أوصيت بنصيبي من هذه الأرض وقفًا على طلبة العلم.
الطالب: فإن الشفعة لا تسقط.
الشيخ: فإن الشفعة لا تسقط، وللشفيع أن يشفع، إذا شفع انتقل الملك من نصيب الموصي إلى نصيب الشريك، تبطل الوصية أو لا تبطل؟ تبطل الوصية؛ لأن محلها تعذر أن تُنفذ به الوصية.
ثم قال: (وببيع)، والخلاصة أن نقول: إذا تصرف المشتري تصرفًا لا تثبت به الشفعة ابتداءً على وجه التمليك فإن الشفعة تسقط، هذا الضابط؛ إذا تصرف المشتري في فيما اشتراه تصرفًا ينقل الملك على وجه لا تثبت فيه الشفعة فإن الشفعة تسقط، وإن تصرف فيه تصرفًا لا ينقل الملك فالشفعة باقية، حتى في الرهن على القول الراجح خلافًا لما قال المؤلف رحمه الله، إذا تصرف تصرفًا لا ينقل الملك فالشفعة باقية؛ مثل الإجارة، الوصية، الرهن، العارية، وما أشبه ذلك، فالشفعة باقية.
وإن تصرَّف فيه بنقل الملك على وجه تثبت به الشفعة ابتداءً فهو ما ذكره المؤلف رحمه الله: (وببيع فله أخذه بأحد البيعين)، إذا تصرف في الشقص ببيع فله أخذه بأحد البيعين.
***
(2/2150)
________________________________________
طالب: ( ... ) الوصية، فأوصى به، لو أنه مات بعد أن أوصى ( ... ).
الشيخ: نعم.
فلو مات بعد أن أوصى به، ( ... ) الموصى إليه إذا كان معينًا أو جماعة يمكن حصرهم، هل قبلوا الوصية أو لا؟ إذا قبلوا الوصية سقطت الشفعة؛ لأن الوصية تبرع بالمال بعد الموت، أما إذا ردوها بقيت الشفعة.
طالب: لو رهن أحد الشريكين نصيبه عند المرتهن، ثم عجز عن الإيفاء، فباع المرتهن الشقص، فالشفيع يأخذ ممن اشترى الشقص؟
الشيخ: يأتي. لأن اللي بيبيع ما هو بالمرتهن، اللي بيبيع نفس الراهن.
الطالب: لكنه لو باع المرتهن ما يمكن ..
الشيخ: حتى لو باع فهو بالنيابة عن الراهن.
طالب: وحينئذ يأخذ الشفيع؟
الشيخ: يأخذ الشفيع، نعم.
طالب: ( ... ) هذا؛ لأنه تصرَّف حال كونه مالكًا للتصرف هذا، لكن أليس حق الشفيع سابقًا على حق هذا؟
الشيخ: إي، لكن ما يمكن إبدال الوقف.
الطالب: هذا مقتضى ما مشينا عليه في أول الباب؛ يعني: حق الشفيع لا يمكن أن يسقط بحق.
الشيخ: لا، ما قلنا بهذا، لكن على قولنا مسألة الإجارة فقط؛ لأن الإجارة ما فيها نقل ملك، يكون التصرف صحيحًا، وللشفيع أن يأخذ، وله الأجرة من حين أخذه.
الطالب: أليس الشفيع حقه ما يسقط؟ لعلمْنا أنه تركه أو تصرف تصرفًا يدل على رضاه بالتصرف هذا.
الشيخ: إي، لكن سقطت هذه بتصرف المشتري، إلا إذا علمنا أنه حيلة، فعلى الحيلة لا تبطل الشفعة.
الطالب: ( ... ) أن هناك فرصة للشفيع يفكر أو يجمع مال أو ..
الشيخ: هذه المسألة فيها الفورية؛ هل تجب على الفور أو لا تجب؟ قلنا: إنها لا تجب على الفور.
الطالب: أليس هذا مما يترتب عليه، يا شيخ؟
الشيخ: لا، هذا يترتب عليه أن هذا الرجل لم يأخذ بالشفعة إلا بعد أن تصرف؛ يعني: بمعنى تصرف تصرفًا ينقل الملك على وجه لا شفعة فيه ولا يمكن أخذه.
(2/2151)
________________________________________
طالب: رضي الله عنك يا شيخ، مضى علينا أن للكافر على قولين في الشفعة؛ قول اللي هو الشفعة، والقول اللي رجحته أن ما فيها الشفعة، وعلى هذا إذا كان فيها الشفعة يا شيخ ( ... ) على بيع الخيار، العلة الموجودة في الشفعة هو الإذلال من الكافر على المسلم، ما هي موجودة في الخيار يا شيخ، موجودة في الشفعة، ولا هي موجودة ..
الشيخ: نعم، ولذلك قلنا: يرجع للقاضي، القاضي إذا رأى أن في هذا إذلال للمسلم وأنه ربما يتعالى الكافر، فحينئذ لا يمكنه من الشفعة، أما إذا كان الكافر رجلًا عاديًّا، ولا يهمه هذا الشيء، لكن من مصلحة ملكه أن يأخذ بالشفعة، فهذا كسائر المعاملات.
طالب: بارك الله فيك يا شيخ، في مسألة الإجارة -أحسن الله إليك- المذهب يقولون: تنعقد الإجارة، وتكون الشفعة، وعند مذهب ( ... ) قلنا: إن انتقلت ( ... ) انتقل الملك إلى آخر الإجارة ما ( ... ).
الشيخ: ولهذا بطلت.
الطالب: لكنهم يثبتون الشفعة.
الشيخ: لا، ما يثبتون الشفعة، في الإجارة ما يثبتونها.
الطالب: يقولون: تبطل الإجارة، وليس كذلك.
الشيخ: تبطل الإجارة من المشتري، المشتري أجَّر، وليس معناه أن الشريك هو الذي أجَّر، الشريك إذا أجر ما فيه شفعة، أصلًا ما فيه شفعة؛ لأنه ما انتقل الملك، لكن هذا الذي أجَّر هو المشتري.
طالب: مسألة ( ... ) الشفعة للكافر ( ... ) قضاء النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم (3) ( ... )، وقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] كيف يعني؟
الشيخ: هذا في المحاكمة يوم القيامة، الله قال: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} هذا ما هو بكل حق، هذا يوم القيامة، يكون الخصوم بين المسلمين والكفار، ولا يمكن أن يحكم الله للكافرين.
الطالب: ( ... ).
(2/2152)
________________________________________
الشيخ: لا، واضحة الآية، السياق {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}.
طالب: والحديث؟
الشيخ: أي حديث؟
طالب: أن الإسلام يعلو ولا يُعلى.
الشيخ: ما يخالف، الإسلام نفسه يعلو ولا يعلى، ومن عُلُوِّه أن نمكن الكافر من من الشفعة؛ لئلا يقال: إن الإسلام دين حَيْف وجور، قد يكون في هذا مصلحة للمسلمين أيضًا.
وبِبَيْعٍ فله أَخْذُه بأحَدِ الْبَيْعَيْنِ، وللمُشترِي الْغَلَّةُ، والنَّماءُ والْمُنْفَصِلُ والزرْعُ والثمرَةُ الظاهرةُ، فإن بَنَى أو غَرَسَ فللشفيعِ تَمَلُّكُه بقِيمتِه وقَلْعُه ويَغْرَمُ نَقْصَه , ولربِّه أَخْذُه بلا ضَرَرٍ وإن ماتَ الشفيعُ قبلَ الطلَبِ بَطَلَتْ وبعدَه لوارِثِه ويأخذه بكلِّ الثمَنِ، فإن عَجَزَ عن بعضِه سَقَطَتْ شُفعتُه، والْمُؤَجَّلُ يَأخُذُه المليءُ به وضِدُّه بكَفيلٍ مَليءٍ، ويُقْبَلُ في الْخَلَفِ مع عَدَمِ الْبَيِّنَةِ قولُ الْمُشْتَرِي، فإنْ قالَ: اشْتَرَيْتُه بأَلْفٍ أَخَذَ الشفيعُ به ولو أَثْبَتَ البائعُ بأكثرَ، وإن أَقَرَّ البائعُ بالبيعِ وأَنْكَرَ الْمُشترِي وَجَبَتْ، وعُهدةُ الشفيعِ على الْمُشترِي وعُهدةُ الْمُشترِي على البائعِ.
طالب: ( ... ) قضاء النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم ( ... )، وقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} كيف يعني؟
الشيخ: هذا في المحاكمة يوم القيامة، كما قال: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]، هذا ما هو بكل حق، هذا يوم القيامة تكون الخصومة بين المسلمين والكفار، ولا يمكن أن يحكم الله للكافرين.
الطالب: العبرة بعموم اللفظ يا شيخ؟
(2/2153)
________________________________________
الشيخ: لا، واضحة الآية، السياق: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}.
الطالب: والحديث؟
الشيخ: أي حديث؟
الطالب: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» (1).
الشيخ: ما يخالف، الإسلام نفسه يعلو ولا يُعلى، ومن علوِّه أن يمكِّن الكافر من الشفعة لئلا يقال: إن الإسلام دين حيف وجور، قد يكون في هذا مصلحة للمسلمين أيضًا، إذا مكَّنا الإنسان الذي له حق في عصمة ماله من أن يأخذ بالشفعة، قد يكون هذا من مصلحة المسلمين.
الطالب: قول السلف: لا شفعة ( ... )؟
الشيخ: ما يخالف، إذا قال هذا نقول: وقال الآخر له الشفعة.

***
طالب: ( ... ) وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الشفعة:
فصل

وإن تصرف مشتريه بوقفه أو هبته أو رهنه -لا بوصية- سقطت الشفعة، وببيع فله أخذه بأحد البيعين، وللمشتري الغلة والنماء المنفصل والزرع والثمرة الظاهرة، فإن بنى أو غرس فللشفيع تملكه بقيمته وقلعه، ويغرم نقصه، ولربه أخذه بلا ضرر.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سبق لنا أن تصرف المشتري في الشقص الذي به الشفعة ينقسم إلى ثلاثة أقسام، ما هي؟
طالب: القسم الأول ( ... ) ليتصرف فيه على وجه لا يثبت فيه الشفعة ابتداءً، ولا ينتقل فيه الملك.
الشيخ: أن ينتقل الملك على وجه لا تثبت فيه الشفعة ابتداءً. ما الحكم؟
الطالب: هنا تسقط الشفعة.
الشيخ: تسقط الشفعة، أحسنت. الثاني؟
طالب: أن ينتقل الملك على وجه لا تثبت الشفعة فيه.
الشيخ: هذا اللي قال.
الطالب: على وجه تثبت الشفعة، أو القسم الثاني إن انشغل الملك، عين الـ .. بالرهن.
الشيخ: لا، أعطنا قاعدة، الرهن مثال.
(2/2154)
________________________________________
طالب: رضي الله عنك يا شيخ، الثاني انتقال الملك بدون عوض.
الشيخ: إي نعم، هذا الذي ذكر الأخ.
طالب: أن يتصرف فيه تصرفًا لا ينقل الملك.
الشيخ: طيب، أن يتصرف فيه تصرفًا لا ينقل الملك، فما الحكم؟
الطالب: لا تسقط الشفعة.
الشيخ: أنها لا تسقط الشفعة.
طالب: أن يتصرف تصرفًا تثبت فيه الشفعة.
الشيخ: أن يتصرف تصرفًا ينقل الملك على وجه تثبت به الشفعة ابتداءً. ما الحكم؟
الطالب: ( ... )؟
الشيخ: تأتي، طيب. إذا تصرف به بإجارة؛ آجر الشقص الذي به الشفعة، أتسقط الشفعة أو لا؟
طالب: لا تسقط الشفعة.
الشيخ: لا تسقط؟ يأخذ بالشفعة؟
الطالب: نعم، يأخذ بالشفعة.
الشيخ: أجره، طيب أخذ بالشفعة، تنفسخ الإجارة أو لا؟
الطالب: لا تنفسخ الإجارة على القول الصحيح.
الشيخ: لا تنفسخ الإجارة على القول الراجح، تمام.
إذا قلنا: لا تنفسخ، فما الحكم؟
طالب: ( ... ) للشفيع ( ... ) ينتقل إليه ( ... ).
الشيخ: يعني: يكون للشفيع الأجرة من حين أخذ بالشفعة، كذا؟ يعني إذا مضى من الإجارة ستة أشهر من سنة، كم يكون له؟
الطالب: ( ... ) إنها ستة أشهر.
الشيخ: لكن كم يُعْطَى من الأجرة؟
الطالب: ( ... ) نصف الأجرة.
الشيخ: نصف الأجرة؟ ماذا تقولون؟ مضى من السنة ستة أشهر، وقلنا على القول الراجح: إنها لا تنفسخ الإجارة، كم للشفيع إذا أخذ بعد مضي ستة أشهر؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: من يعرف؟
طالب: ربع الأجرة.
الشيخ: كيف ربع الأجرة؟ أجر سنة، ومضى ستة أشهر، وقلنا: الصحيح أن الإجارة هذه لا تنفسخ، كم يستحق؟
طالب: النصف الباقي.
الشيخ: نصف الأجرة ولَّا ثلثيه ولَّا ثلاث أرباعه؟
الطالب: نصف الأجرة.
الشيخ: كما قال الأخ، لا، يجب أن تلاحظوا، يجب له من الأجرة بقسط، قد يكون ما بقي من المدة زمن موسم، وتكون الأجرة فيه أغلى، فإذا كانت أغلى فإنه لا بد أن يقدر هذا الشيء، مثلًا إذا كان في المدينة أيام الحج يكون الأجرة أكثر وأغلى فهنا يُعْطَى بقسطه، ويجب أن نعرف هذا الفرق.
(2/2155)
________________________________________
إذا رهنه -المشتري رهن الشقص- تسقط الشفعة أو لا؟
طالب: على المذهب تسقط.
الشيخ: وعلى غير المذهب؟
الطالب: لا تسقط.
الشيخ: وعلى ما مشى عليه المؤلف؟
الطالب: على ما مشى عليه المؤلف تسقط.
الشيخ: وعلى المذهب؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا.
الطالب: على قول المصنف تسقط الشفعة، والمذهب أنها لا تسقط.
الشيخ: المذهب أنها لا تسقط.
فإذا أخذ بالشفعة أينفسخ الرهن أو لا؟
طالب: ليس له أن يأخذه بالشفعة ( ... )، فنقول له: إن أوفى المدين الدين فله أن يأخذه بالشفعة بعد ذلك.
الشيخ: هذا على القول الراجح، أما المذهب فيأخذه؛ لأن ما دام أن الشفعة باقية فله أن يأخذها وينفسخ، كالإجارة تمامًا.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وببيع فله أخذه بأحد البيعين) يعني: إن تصرف فيه ببيع، من الفاعل؟ المشتري؛ يعني: المشتري باعه على آخر، (فله) أي: للشفيع؛ وهو الشريك الأول، (أخذه) أي: أخذ الشقص، (بأحد البيعين).
مثاله: باع الشريك -وهو زيدٌ- على عمرو نصيبه من الملك، ثم باع عمرو نصيبه على بكر، فعندنا الآن بيعان؛ بيع زيد على عمرو، وعمرو على بكر، فبم يأخذ الشريك؛ أيأخذ بالبيع على عمرو، ولَّا بالبيع على بكر؟ يقول المؤلف: (له أخذه بأحد البيعين)، أيهما يفضل؛ أن يأخذ بالأقل ثمنًا أو بالأكثر ثمنًا؟
طلبة: بالأقل.
الشيخ: إي نعم، الغالب بالأقل، وقد يأخذ بالأكثر إذا كان هناك مماطلة.
باع الشريك -الذي هو زيد- على عمرو بمئة ألف، ثم إن عمرًا باعه على بكر بمئتي ألف، الشريك -شريك زيد- يأخذ بأي البيعين هنا؟ بالأول، إذا أخذه بالبيع الأول سوف ينتزع ملكه ممن؟
الطلبة: من الشريك الثاني.
الشيخ: منين؟ لا، بيع -يا جماعة- سيأخذه من بكر، وسيعطيه مئة ألف، فأين تذهب مئة الألف التي سلمها بكر؟ نقول: يرجع بها على من باع عليه.
(2/2156)
________________________________________
أعيد المثال: باع زيد على عمرو نصيبه بمئة ألف، وباع عمرو ذلك النصيب بمئتي ألف على بكر، الشريك الأول يريد أن يأخذ بالشفعة، إذا أخذ بالبيع الأول، هو بيأخذ الآن من بكر، الملك الآن منتقل إلى بكر، سيأخذه الشريك من بكر، فكم يعطي بكرًا؟ مئة ألف. بكر يقول: أنا سلمت مئتي ألف، نقول: ترجع بمئة ألف على عمرو الذي باع عليك.
طالب: ( ... )؟
الشيخ: يرجع على عمرو بمئة، إحنا قلنا: مئة ومئتين.
إذا كان العكس: زيدٌ باعه على عمرٍو بمئتي ألف، وعمرٌو باعه على بكرٍ بمئة ألف، فالشريك الآن سيأخذ بأي البيعتين؟ بالثانية، لا شك أنه يأخذ بالثانية، إذا أخذ بالثانية سوف يعطي بكرًا مئة ألف وينتهي، بكرٌ لن يرجع على أحد، لماذا لا يرجع؟ لأنه ما ضمن شيئًا، سلَّم مئة ألف، وأخذ منه الشقص، وأُعْطِي مئة ألف.
المهم أنه إذا بيع فللشفيع أخذه بأحد البيعين، وإن بيع ثلاث مرات أو أربع مرات يأخذ باللي يبغي؛ باللي يرى أنه أنسب له، سواء أول بيعة أو آخر بيعة أو ما بينهما، والرجوع كل يرجع على من أخذه منه بما زاد على ما أعطي.
ثم قال المؤلف: (وللمشتري الغلة والنماء المنفصل والزرع والثمرة الظاهرة) (للمشتري) يعني: لمشتري الشقص، (الغلة والنماء المنفصل والزرع والثمرة الظاهرة)، (الغلة) مثل أن يكون هذا النصيب مؤجرة؛ يعني: رجلان شريكان في عمارة، وأجراها السنة بمئة ألف، ثم إن أحد الشريكين باع نصيبه على شخص، وخفي على الشريك أنه باع حتى مضى أربعة أشهر، فالغلة في هذه الأربعة أشهر لمن؟ للمشري.
التعليل: لأنه نماء ملكه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» (2)، فهو ملكه مضمون عليه، فتكون له غلته.
له أيضًا (النماء المنفصل)، مثاله: رجل باع نصيبه من النخل قبل أن يثمر؛ قبل أن تطلع فيه الثمرة، ولم يطالب الشريك إلا بعد أن خرجت الثمرة وجذها، الآن انفصلت الزيادة، أليس كذلك؟ من تكون له؟ تكون للمشتري؛ لأنها نماء ملكه.
(2/2157)
________________________________________
كذلك (الزرع والثمرة الظاهرة) لو أنه -أي: الشريك- باع على شخص وزُرِعَت الأرض، فالزرع لمن؟ للمشتري، ما دام أنه قد ظهر، أما إذا كان حبًّا مدفونًا في الأرض فإنه يتبعها، لكن إذا ظهر فإنه يكون للمشتري؛ لأنه بَرَزَ وبان وتعلقت به نفسه.
وكذلك (الثمرة الظاهرة) تكون أيضًا للمشتري حتى وإن لم تؤبر، ففي هذا الموضع لم يفرقوا بين المؤبر وغير المؤبر، وجعلوا الثمرة الظاهرة نماء منفصلًا.
ولكن الصحيح أنها إذا لم تؤبر فإنها تتبع؛ قياسًا على البيع، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا» (3).
وعُلِمَ من قول المؤلف: (النماء المنفصل) أن النماء المتصل يتبع وليس للمشتري منه شيء. مثاله؟
طلبة: الشاة.
طلبة آخرون: السمن.
الشيخ: الشاة والسمن ما فيها شفعة -بارك الله فيكم- وهذا ما أريد منكم، الآن عندكم مطب، لا يمكن أن نمثل بالسمن؛ لأن الغنم ما فيها شفعة إلا على القول الراجح.
لكن مثاله: اشترى نصيب زيدٍ من النخل، والنخل توه غراس صغيرة، وبقي الشريك لم يعلم أن شريكه قد باع، ونما النخل؛ كبر، فهل للمشتري هذا النماء أو ليس له؟
كلام المؤلف مفهومه يدل على أنه ليس له؛ لأنه نماء متصل، مع أن المشتري تعب عليه، وخسر في إصلاح حرث الأرض وفي جلب الماء له.
المهم أنه خسر عليه، يقولون: ليس له شيء؛ لأن هذا نماء متصل فيتبع.
لكن القول الراجح -بلا شك- أن النماء المتصل كالمنفصل يكون لمن انتقل عنه الملك، ولا فرق، وهذا هو العدل؛ لأن الرجل تعب عليه، ونما بسبب عمله، ومثل ذلك الشاة في غير الشفعة، إلا على القول الراجح إذا سمنت فإن النماء المتصل يكون للمشتري.
إذن الصواب خلاف مفهوم كلام المؤلف، كلام المؤلف يدل على أن النماء المتصل يتبع العين، وليس للمشتري شيء.
(2/2158)
________________________________________
والقول الراجح أنه لا يتبع -أنه يتبع العين ضروري؛ لأنه ما يمكن الفصل- لكن تُقَدَّر قيمته للمشتري، كيف يُقَدَّر؟ يُقَوَّم النخل وهو فسيل صغير، ويُقَوَّم وهو كبير قد نما، فتُقَوَّم الأرض وفيها النخل على صفته حين البيع، ثم تُقَوَّم وفيها النخل على صفته حين الأخذ بالشفعة، والفرق بين القيمتين يكون لمن؟ يكون للمشتري؛ لأنه قيمة النماء المتصل.
وهذا اللي ذكرته هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا شك أن هذا هو العدل؛ فالعدل أن يُعْطَى كل إنسان ما تعب عليه وعمل فيه.
(فإن بنى أو غرس فللشفيع تملكه بقيمته) هذه واحدة، (وقلعه ويغرم نقصه) ثنتين، (ولربه أخذه بلا ضرر).
أولًا: قال المؤلف: (فإن بنى أو غرس) مع قوله فيما سبق: إن الشفعة تكون على الفور. كيف يكون بناء وغراس والشفعة على الفور؟ نعم، يكون هناك حيلة؛ بأن يُخْفِي على الشريك البيع، يأتي المشتري وكأنه وكيل لشريكه ثم يعمل، والشريك يظن أن هذا وكيل ولا يدري أنه انتقل الملك، وبعد ذلك يدري أنه انتقل الملك، فحينئذٍ يُتَصَور أن المشتري يبني ويغرس.
إذا بنى أو غرس فيخير الشفيع بين أمرين: بين تملكه، أو قلعه ويغرم النقص، فإن اختار التملك فله ذلك.
ولكن كيف نعرف قيمة الغراس والبناء؟ نقدر الأرض خالية منهما، ثم نقدرها وهما فيها، والفرق بين القيمتين هو قيمة الغراس والبناء.
فإن قال قائل: لماذا لا نعطيه قيمة الغراس والبناء من أصله، ونقول: أعطنا الفواتير بما أصرفت ونعطيك؟
نقول: هذا لا يستقيم؛ لأن الأمور قد ترخص وقد تزيد، وقد يكون قيمة المواد قبل أن تبنى ويؤلف بينها شيئًا وقيمتها بعد البناء شيئًا آخر، والعدل هو أن تُقَوَّم الأرض خالية من الغراس والبناء، ثم تُقَوَّم وفيها الغراس والبناء، فما بين القيمتين يكون هو قيمة الغراس والبناء.
فإذا قال الشفيع: أنا أريد أن يبقى الغراس والبناء وأنا أعطيكم القيمة، قلنا: ما فيه مشكلة.
(2/2159)
________________________________________
وإن قال: أنا لا أريد أن يبقى الغراس والبناء؛ لأني أريد أن أبني الأرض على شكل آخر على غير الشكل هذا، فهل له الحق أن يقلعه؟ نعم، له الحق.
فإذا قال المشتري: هذه أدواتي وآلاتي، هذا حديدي، هذا لبني، هذه أبوابي، فلا تتصرف فيها، نقول له: تصرف فيها واقلعها، لكن يغرم النقص.
فإذا قدَّرنا أن الأبواب نقصت بعد قلعها يضمن نقصها؛ اللَّبِن نقص، يمكن هذا أو لا يمكن؟ يقولون: إن الأسمنت لا يمكن؛ لأنه إذا نقض خرب ما يصلح لشيء، لكن لَبِن الطين يمكن، ولهذا أنقاض الطين من اللبن تنفع. أنقاض من الأسمنت ما تنفع. على كل حال إن نفعت نفعت يضمن النقص.
الغراس يضمن النقص أو لا؟ يضمن النقص؛ إذا نقصت الشجرة بعد قلعها يضمن نقصها، فإن كانت الشجرة بعد قلعها لا يمكن أن تنمو يضمنها كلها.
فإذا قال قائل: لماذا تضمنونه النقص، وفي الغصب لا تجعلون للغاصب حقًّا؟
نقول: لأن المشتري غرسها وبنى بحقٍّ، والغاصب غرس وبنى بلا حقٍّ فلا شيء له.
يقول: (ولربه أخذه بلا ضرر) إذا تعارض رأي المالك -مالك الغراس والبناء- ورأي الشفيع؛ الشفيع يقول: أبغي آخذه، وذاك يقول: لا، أبغي أخذه أنا، من يُقَدَّم؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: رب الغراس والبناء؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: لماذا؟
طالب: لأنه صار ملكه.
الشيخ: لأنه ملكه.
فإذا قال الشريك الذي هو الشفيع: أنا أريد أن آخذه وثمنوها علي، وقال ربها: أريد أن آخذها، أنا لي -مثلًا- مكان آخر، آخذ الغراس هذا وأغرسه في مكانه، فالقول قول ربها؛ لأنه ملكه.
لكن المؤلف رحمه الله قيَّد هذا قال: (بلا ضرر) ولا بد من هذا؛ بلا ضرر ولا مضارة، فإن كان هناك ضرر فإنه لا يمكن أن يزال الضرر بمصلحة؛ لأن أخذ ربها له مصلحة له، لكن ضرر رب الأرض ضرر.
(2/2160)
________________________________________
ومن المعلوم أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، لا سيما إذا علمنا أن صاحبها -أي: المشتري- يريد أن يأخذ الغراس، والبناء مضارة لا لمصلحة، وهذا قد يقع؛ قد يأخذها مضارة وإن كان لا ينتفع بها، يقول: أنا أبغي أهدم البناء، وأنا أعرف الآن أنني لا أنتفع بالحديد ولا باللَّبِن، لكن أنا أريد أن أهدمه، نقول: هذا سفه، ولا يمكن أن نمكنك من السفه؛ فإن الله يقول: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]، فنمنعه.
إذن نمنعه في حالين: إذا كان على الأرض ضرر، وإذا كان هو -أي المشتري- لا ينتفع بها، فيكون زدنا على كلام المؤلف: (بلا ضرر)، والثاني: أن يمكنه الانتفاع بها؛ لأنه إذا كان ضرر فإنه لا يمكن أن يقع الإنسان في ضرر مع مصلحة؛ لأن دفع الضرر مقدم على المصلحة.
وإذا كان لا ضرر لكن يفسد هذا الغراس والبناء فإننا لا نُمَكِّن المشتري من ذلك؛ لأن هذا من باب إضاعة المال والسفه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال (4)، وقال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}.
الغريب أن المذهب رحمهم الله يخالفون كلام المؤلف يقولون: له أخذه ولو تضررت الأرض؛ ولو مع ضرر، لكن هذا القول -أعني: المذهب- ضعيف، وهذا يدلنا على أن صاحب الكتاب لم يلتزم بالمذهب في جميع المسائل، وهذا كثير لمن تدبره؛ يعني: لو أن أحدًا تدبَّر الكتاب هذا منطوقًا ومفهومًا وإشارة لوجد فيه أشياء كثيرة تخالف المشهور من المذهب.
طالب: ( ... ) وعلى البناء لا أريده؛ لأني أريد أن أبني على نسق معين، فلماذا تلزمونني بقاء هذا البنيان؛ لأن المشتري فقط يتضرر من ( ... )؟
الشيخ: نقول: هو وضعه بحق؛ المشتري وضعه بحق ..
الطالب: ( ... ) قلنا: إنه يأتي حيلة كأنه وكيل؟
(2/2161)
________________________________________
الشيخ: لا، هو على كل حال إذا كان حيلة ربما يكون للقاضي الحق أن يعامله بضد ما أراد، لكن إذا وقعت غير حيلة، أما إذا كان حيلة فيتوجه أن يقال: أنت فعلت هذا على وجه محرَّم فلا شيء لك.
الطالب: ( ... ) حتى لو كان بحق؟
الشيخ: لا، إذا كان بحق فمفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (5) أن العرق غير الظالم له حق، وهذا ربما يخسر آلاف.
الطالب: ( ... ) حق سابق على حقه؟
الشيخ: لا، بس هذا بحق.
الطالب: ( ... )؟
الشيخ: ما دام مشروع كبير بيكون الربح كثير، ويكون ضمانه يسير إن شاء الله.
طالب: كيف نعرف أنه أراد المضاربة أو لم يرد المضاربة؟
الشيخ: إي، إن أراد المضاربة إذا كان يريد أن يأخذها وهي لا تفيده شيئًا، الغالب أن مثل هذا أراد المضاربة أو يتحدث الرجل عند أصحابه يقول: واللهِ هذا الذي أخذها مني قهرًا لأضرنه -مثلًا- قد يكون هذا.
طالب: ( ... ) فيكون ثمنه رهنًا بدلًا منه؟
الشيخ: يمكن أن نقول هكذا، لكن الذي سيستفيد من الثمن هو المشتري، وربما يقول المرتهن: أنا لا أريد إلا رهني فقط، أنا لا أريد دراهم.
طالب: ( ... )؟
الشيخ: إي نعم، يقولون: إن المذهب هو ما جاء في المنتهى -منتهى الإرادات- فإن لم يكن صريحًا فيه فالإقناع، فإذا تعارض منطوق هذا ومفهوم هذا قُدِّم منطوق القناع على مفهوم المنتهى؛ يعني: لهم اصطلاحات العمدة عند المتأخرين في المذهب هو المنتهى.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- القول الصحيح الذي رجحناه لو اشترى ( ... )؟
الشيخ: الولد هل هو موجود حين البيع ولَّا نشأ بعد؟ أسألك: هل الولد موجود في بطنها حين البيع؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يتبع، إذا كَبُرَ فعلى القول الراجح أن النماء المتصل يتبع، فيُقَدَّر هذا الثور -مثلًا- وهو حمل ويُقَدَّر وهو ثور كبير.
الطالب: والبقرة يا شيخ؟
الشيخ: والبقرة أيضًا مثله. ما شاء الله، المهم المنفصل يكون للمشتري.
(2/2162)
________________________________________
طالب: يا شيخ، واحد الشريكين باع نصيبه لأحد، وهذا مشترٍ بنى الأرض، لكن في نفس الوقت ( ... ) باعه نصفه لأحد ( ... )؟
الشيخ: كيف؟
الطالب: المشتري الآن بنى ( ... ).
الشيخ: بنى، ثم باع بعد البناء ..
الطالب: شيئًا من الأرض.
الشيخ: أصلًا ما يمكن يبيع شيئًا من الأرض منفردة؛ لأن الأرض مشاعة الآن.
طالب: ( ... ) إذا تصرف المشتري .. ؟
الشيخ: إذا تصرف بنقل الملك على وجه لا تثبت فيه الشفعة ابتداءً تسقط.
الطالب: ( ... )؟
الشيخ: إي، بس الآن لا يمكن الأخذ به، والمشتري تصرف تصرفًا مأذونًا فيه.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا، دعنا من .. ، القول الراجح يأخذه حتى لو تصرف، حتى وإن لم يبع، القول الراجح شيء آخر.
طالب: على القول الراجح يأخذه يا شيخ؟
الشيخ: إي نعم، يأخذه ويُقَوَّم له.
طالب: أحسن الله إليك، لو أخفى أحد الشريكين البيع، فهل على المشتري ( ... )؟
الشيخ: الواجب على البائع، لكن المشتري إذا أراد أن يحتاط لنفسه قبل أن يتصرف فليبلغ الشريك؛ لأن هذا أحسن له حتى يكون كما يقول العوام: ( ... ).
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- لو أن الشفيع اختار قلع الغراس، ولكن المشتري ليس عنده ما يقلع به هذا الغراس، فهل للشفيع أن ينتفع به بالمعروف حتى يقلعه من أرضه؟
الشيخ: لا، هو يأخذه بالشفعة، ويبقى هذا للمشتري، إما يأخذه -إذا كان نخل- يأخذه مساقاة، وإذا كان بناء فله نصيبه من الأجرة، أو يقول: أنا أعطيك قرضًا أو أقلع.
الطالب: يعني: لا بد من أحد الخيارين؟
الشيخ: لا بد من هذا، ما يضيع حقه، وضمان القلع على المشتري؛ لأنه ملكه.
***
طالب: وإن مات الشفيع قبل الطلب بطلت، وبعده لوارثه، ويأخذه بكل الثمن، فإن عجز عن بعضه سقطت شفعته، والمؤجل يأخذه المليء به، وضده بكفيل مليء.
ويُقْبَل في الخلف مع عدم البينة قول المشتري، فإن قال: اشتريته بألف أخذ الشفيع به ولو أثبت البائع بأكثر، وإن أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري وجبت.
(2/2163)
________________________________________
وعهدة الشفيع على المشتري، وعهدة المشتري على البائع.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.
سبق الكلام على تصرف المشتري بالشقص الذي فيه الشفعة أنه على ثلاثة أقسام، وناقشنا فيها أيضًا.
وتقدم أيضًا أن المشتري لو بنى أو غرس فللشفيع الخيار بين تملكه بقيمته وقلعه، ويغرم نقصه، وأن خيار الغارس الذي هو المشتري مقدم، بشرط ألَّا يكون في ذلك ضرر.
فلو قال الشفيع: أنا أريد أن أتملكه، وقال الباني والغارس: أنا أريد أن آخذه فإنه يقدم قوله، لكن بشرط ألَّا يكون هناك ضرر على الأرض مثلًا.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وإن مات الشفيع قبل الطلب بطلت وبعده لوارثه) إذا مات الشفيع -وهو الشريك الأول- قبل أن يطالب بالشفعة فإن الشفعة تبطل، وليس لوارثه المطالبة بذلك، أما إذا كان بعده فإن الوارث يأخذ بها، المطالبة أن يقول: أنا أريد أن أشفع، ولي الحق في هذا، والأخذ أن يقول: أخذته بالشفعة، فيصرح بأنه تملكه.
يشبه من بعض الوجوه الخطبة والعقد؛ الخطبة إبداء الخاطب الرغبة في هذه المرأة، والعقد تملكه إياها بعقد النكاح.
فالشفيع إذا مات قبل أن يطالب فإنه لا شفعة له؛ لأنه لم يطالب، ولا لوارثه؛ لأن الشفعة حق للشفيع؛ حيث إن الخيار له، فلما مات ولم يختر لم يكن لوارثه أن يختار، كخيار الشرط.
ولكن القول الراجح في هذه المسألة أنه ينتقل حق المطالبة بالشفعة إلى الوارث؛ لأن هذا تابع للملك، فإذا مات الشفيع ولم يطالب، فللوارث أن يطالب؛ لأن هذا من حقوق الملك، فإذا كان من حقوق الملك فإن الملك ينتقل بحقوقه؛ ولهذا نجد في وثائق البيع يقول: فصار المبيع ملكًا للمشتري بجميع حقوقه وحدوده، ومنها الأخذ بالشفعة، وهذا هو الصواب؛ لأنه حق ثابت، فيورث عن الميت كما يورث المال، وكما يورث بقية الحقوق.
(2/2164)
________________________________________
قال: (ويأخذ بكل الثمن) (يأخذ) الضمير يعود على الشفيع وليس على الوارث، بل على الشفيع عمومًا؛ يعني: من أراد أن يأخذ الشقص بالشفعة فإنه يأخذه بكل الثمن؛ بدون مماكسة، وبدون أن يحاول تنزيل شيء من الثمن؛ لأن المشتري -مثلًا- اشتراه بألف، فيقال للشفيع: خذه بألف، فإذا قال: أنا آخذه بتسع مئة، قلنا: سقطت شفعتك، ولا تأخذه بأقل من ألف، نعم لو تم الأخذ ثم قال الشفيع للمشتري: أريد أن تسقط عني مئة من الألف، فهذا حكمه؟ هذا جائز، لكنه لا ينبغي أيضًا للشفيع أن يسأل المشتري إسقاط شيء؛ لأن هذا من المسألة المذمومة، ولأنه قد يحرج المشتري، فيضع من الثمن وهو لا يريد ذلك.
(فإن عجز عن بعضه سقطت شفعته) (إن عجز) الفاعل الشفيع، إذا قال: أنا ليس عندي إلا تسعة آلاف، والثمن عشرة آلاف، سقطت الشفعة؛ لأننا لو قلنا بثبوت الشفعة مع إعساره ببعض الثمن صار في ذلك ضرر على من؟ على المشتري، صار في ذلك ضرر على المشتري، والمشتري سيؤخذ منه الملك قهرًا، فكيف نضره من وجهين؛ من جهة أننا أخذناه منه قهرًا، ومن جهة أننا عاملناه بالأشد من جهة الثمن. (فإن عجز عن بعضه سقطت شفعته).
ثم قال: (والمؤجل يأخذه المليء به) (والمؤجل) يعني: الثمن المؤجل، فالمؤجل هنا صفة لموصوف محذوف، التقدير: الثمن المؤجل.
(يأخذه) الضمير يعود على الشفيع؛ وهو الشريك؛ يعني: الفاعل في (يأخذه) يعود على الشفيع؛ وهو الشريك.
وقوله: (الملي) الملي هو القادر بماله وحاله. هذا الملي؛ القادر بماله بمعنى أن يكون عنده مقدار الثمن، والقادر بحاله ألَّا يكون مماطلًَا.
فمثلًا إذا قُدِّر أن الشفيع فقير والثمن مؤجل؛ بأن يكون الشريك باع هذا الشقص بألف ريال إلى سنة، أراد الشريك أن يأخذ الشقص المبيع، نقول: خذه بثمن حاضر أو مؤجل؟
طلبة: حاضر.
طلبة آخرون: مؤجل.
(2/2165)
________________________________________
الشيخ: سبحان الله! نقول: إذا كان مليًّا أخذه بثمنه المؤجل، فإذا كان يحل بعد سنة أخذه المليء لمدة سنة، فإذا كان فقيرًا -أعني الشفيع- وقال: الثمن لم يحل، وسوف يرزقني الله عز وجل في هذه المدة وأوفي، نقول: نعم، إن الله على كل شيء قدير، لكن هات كفيلًا يضمن؛ ولهذا قال: (وضده بكفيل مليء) هات كفيلًا يضمن.
فإذا حَلَّ الأجل ولم يسلم الشفيع أخذنا من الكفيل، فإذا كان الكفيل معسرًا سقطت الشفعة، إذا كان الشفيع غنيًّا؛ عنده مال لكنه معروف بالمماطلة، فالمماطل كالمعسر تمامًا، وإن كان المماطل يمكن لصاحب الحق أن يطالبه ويحبسه عليه، لكن المشتري يقول: أنا ما لي وللمطالبة؟ فهذا رجل معروف بالمماطلة؛ فلا أقبل منه إلا إذا أقام كفيلًا مليئًا.
ويُشْتَرط أيضًا أن يكون المشتري الذي سيؤخذ منه الشقص قادرًا على مطالبته؛ أي: مطالبة الشفيع، فلو فُرِضَ أن الشفيع من ذوي السلطان الذين لا تمكن مطالبتهم والثمن مؤجل؛ بأن يكون الشريك باع نصيبه على شخص بألف ريال إلى سنة، فأراد الشفيع أن يأخذ الشقص بثمنه المؤجل، وكان هذا الشفيع من ذوي السلطان الذين لا تمكن مطالبتهم، فماذا يكون الحكم؟ أجيبوا يا جماعة.
طلبة: ( ... ).
الشيخ: نقول: أقم كفيلًا مليئًا تمكن مطالبته، وإلا فلا شفعة لك، من المعلوم أن مثل هذا المليء المماطل لكونه ذا سلطان لا يمكن لأحد أن يجرأ عليه، فيقول: أقم كفيلًا، هذا شيء متعذر حسب العادة، فللمشتري الآن أن يمنع من أخذه بالشفعة؛ وذلك لأنه لا يمكنه مطالبته عند حلول الأجل، ولا يمكنه أن يطالبه بكفيل مليء. أليس كذلك؟
الطلبة: بلى.
الشيخ: لا يمكن، كذلك إذا كان المشتري لا يمكن أن يطالب الشفيع لكونه أباه؛ لأن الابن لا يمكن أن يطالب أباه إلا بنفقته الواجبة، الابن إذا كان له على أبيه دين فإنه لا يمكنه مطالبته، حتى لو طالبه عند القاضي فالقاضي لا يسمع دعواه إلا في شيء واحد؛ وهي النفقة الواجبة.
(2/2166)
________________________________________
فإذا كان الشفيع في المثال الذي ذكرنا أبًا للمشتري، وقال المشتري: لا يمكن أن يأخذه أبي؛ لأن أبي لا يمكنني مطالبته، فهل نقول: إن له أن يمتنع، أو نقول: إذا كان الأب يتملك من مال ولده ما شاء فليس لولده أن يمتنع؟
طالب: الأول.
الشيخ: لا، الثاني؛ لأنه لو فُرِضَ أن الأب قال: أنا لا أريد أن آخذه بالشفعة، أنا أريد أن آخذه بالتملك، أيملك هذا أو لا؟ يملك، فإذا أخذه بالشفعة زاد الابن خيرًا؛ لأنه إذا أخذه بالشفعة فسوف يدفع الثمن، ولا يأخذه بالقوة.
إذن يشترط بالإضافة إلى قولنا: إن المليء هو الذي يقدر على الوفاء بماله وحاله، نضيف إلى ذلك: ويشترط ألَّا يلحق المشتري ضرر؛ لكونه لا يستطيع مطالبته، والمثال الذي ليس عليه توجيه اعتراض هو أن يكون الشفيع من ذوي السلطان الذين لا تمكن مطالبتهم.
(وضده بكفيل ملي) (ضده) ضد من؛ ضد المؤجل ولَّا ضد الملي؟ ضد المليء؛ يعني: إذا كان الشفيع غير مليء والثمن مؤجلًا فللشفيع أن يأخذه ولو كان فقيرًا، بشرط أن يقيم كفيلًا مليًّا.
وهنا نقول: هل المراد الكفيل بالبدن أو الكفيل بالمال؟ الثاني، وعلى هذا فالكفالة هنا بمعنى الضمان.
ولقد مرَّ عليكم فيما سبق أن الضمان والكفالة بينهما فرق، لكن هنا المراد بالكفالة الضمان، الذي يسميه العامة عندنا كفيلًا غرامًا؛ يعني: أنه ضامن، (وضده بكفيل ملي).
ثم قال: (ويُقْبَل في الخلف مع عدم البينة قول المشتري) يعني: إذا اختلف الشفيع والمشتري -والمثال لا يزال قائمًا- فقال الشفيع: قيمة الشقص ألف، وقال المشتري: بل قيمته ألف ومئة، فمن القول قوله؟ القول قول المشتري؛ لأن المشتري غارم؛ إذ إنه سيؤخذ منه الشقص -لو قُبِلَ قول الشفيع- بأقل مما غرم، فيكون القول قول المشتري.
لكن لو كان هناك بينة على أن البيع بألف، فالقول ما شهدت به البينة، وهنا يجب أن ننتبه إلى شيئين:
(2/2167)
________________________________________
الشيء الأول: كل من قلنا: القول قوله فلا بد من يمين عليه؛ لاحتمال صدق خصمه، فيحلف. هذه واحدة.
الشيء الثاني: ألَّا تكون دعواه مخالفة للعرف، فإن كانت مخالفة للعرف سقطت، فلو ادَّعى المشتري في المثال الذي ذكرنا أن قيمة الشقص عشرة آلاف وهو لا يساوي إلا ألفًا. قل لي يا أخي، ماذا تقول؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما هو المثال الذي ذكرنا؟
الطالب: ( ... ) ولا يساوي إلا ألفًا.
الشيخ: القول قول المشتري ..
الطالب: في هذا المثال ( ... ).
الشيخ: قول من؟
الطالب: قول الشفيع.
الشيخ: طيب، قول الشفيع، وهذا أيضًا إذا أمكن؛ لأن كل دعوى لا تمكن غير مقبولة، فإذا كان هذا الشقص لا يساوي عشرة آلاف؛ لا يساوي إلا ألفًا إن زادت قيمته، فالقول قول الشفيع ويحلف، وإذا كان يساوي خمسة آلاف فهنا لا نقبل قول الشفيع ولا قول المشتري؛ لأن المشتري زاد خمسة آلاف على المعتاد، وهذا نقص أربعة آلاف عن المعتاد فلا يُقْبَل. وهذه قاعدة عامة في كل الدعاوى. ما هي القاعدة العامة؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: طيب، قلها يا أخ.
طالب: ( ... ) القول قوله حلف ..
الشيخ: أن كل من قيل القول قوله فلا بد من يمينه، لاحتمال؟
الطالب: صدق خصمه.
الشيخ: والثاني؟
الطالب: أن ما ( ... ) العرف لا ( ... ) أصلًا.
الشيخ: أن هذا مشروط بما لا يخالف العرف، فإن خالف العرف فإنه لا يُقْبَل.
(ويُقْبَل في الخلف) (في الخلف) أي: في الاختلاف، اختلاف من؟ الشفيع والمشتري، (قول المشتري) فإن قال -أي المشتري-: اشتريته بألف، أخذ الشفيع به ولو أثبت البائع بأكثر.
إذا قال المشتري للشفيع: الثمن ألف ريال، فإن الشفيع يأخذه بكم؟ بألف ريال، لكن البائع قال للمشتري: قد بعت عليك بألفين، وأقام بينة، فهنا يثبت على المشتري ألفان بمقتضى دعوى البائع الثابتة بالشروط.
بقي علينا: هل يثبت على الشفيع ما ثبت على المشتري ونقول: يجب على الشفيع أن يدفع ألفين، أو نقول: لا يلزم الشفيع إلا ما أقر به البائع وهو ألف؟
(2/2168)
________________________________________
يقول المؤلف: (فإن قال: اشتريته بألف أخذ الشفيع به ولو أثبت البائع بأكثر) لماذا؟ التعليل: لأن البائع لما أثبت أنه بألف بالبينة لزم المشتري ما شهدت به البينة، أما بالنسبة للشفيع فالشفيع يقول: أنا لا يلزمني إلا ما أقر به المشتري، والمشتري أقر بأنه كم؟ بأنه بألف، فلا يلزمني أكثر مما أقر به، وكيف أعطيه ألفين وهو يقول: إني اشتريته بألف؟ ! فصار لدينا الآن حقان: الحق الأول حق البائع على المشتري، وثبت أنه بألفين. والثاني حق المشتري على الشفيع، وثبت بأنه بألف بإقرار المشتري. ومنها تتبعض الأحكام باختلاف أسبابها.
ولكن لو قال المشتري: أنا نسيت أو غلطت، أو أنا رجل لا أدري عن تجارتي؛ تجارتي بيد العمال، فظننت أنه بألف فقلت: بألف، فهل يُقْبَل قوله في هذه الحال أو لا؟ لا يُقْبَل، وقالوا: إن غلطك على نفسك، وإن جهلك على نفسك، وإن نسيانك على نفسك، ولا نقبل قولك، لا عذر لمن أقر، وهذا هو المشهور من المذهب كما علمتم.
والقول الثاني في المسألة: أنه إذا كان المشتري معروفًا بالصدق وقال: إني نسيت الثمن أو غلطت؛ أردت أن أقول: ألفين فقلت: ألف، أو أنا رجل لا أباشر أعمال التجارة، يباشرها غيري، وهذا الذي ظننته، فما المانع من أن نقبل قوله، ولكن باليمين؟
وهذا القول هو الراجح، بل المتعين؛ لئلا تضيع الحقوق، ولأننا أثبتنا أن على المشتري كم؟ ألفين بمقتضى الشهادة التي أتى بها البائع، والمسألة كلها صفقة واحدة تعتبر، فلا يمكن أن نبعضها، والسبب واحد.
إذن الصواب أنه إذا ثبت أن البيع بأكثر مما أقر به المشتري؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما هو القول الراجح؟
الطالب: إذا كان المشتري صادقًا ..
الشيخ: صادق بأيش؟
الطالب: بنفسه في الثمن ( ... ).
الشيخ: هو قال: بألف اشتريته، وثبت أنه بألفين، ثم قال: إنه غلط أو نسي أو جاهل؟
الطالب: نقبل قوله بيمينه.
(2/2169)
________________________________________
الشيخ: على القول الراجح؟ إي نعم، يُقْبَل قوله بيمينه؛ لأن ما قاله محتمل، وهو رجل معروف بالصدق، فتعين أن نعطيه ما ثبت دون ما أقر به.
قال: (ولو أثبت البائع بأكثر) فإن أثبت البائع بأقل -عكس المسألة- وهو قال: اشتريته بألف، وأثبت البائع أنه بثمان مئة، فماذا نقول؟
طلبة: قول البائع.
الشيخ: نقول: إن هنا يأخذه الشفيع بما أثبته البائع؛ لأنه ظهر كذب المشتري أو غلطه أو جهله. أفهمتم الصورة هذه؟
المشتري قال: إني اشتريته بألف، وأثبت البائع أنه اشتراه بثمان مئة، لدينا الآن دعوى المشتري أنه بألف، وثبوت أن الثمن ثمان مئة، فهل نأخذ بدعوى المشتري ونلزم الشفيع بألف، أو نأخذ بما ثبت؟ هنا نأخذ بما ثبت؛ لأنه تبين أن المشتري كاذب؛ إما متعمدًا الكذب، وإما غالط، وإما جاهل.
(وإن أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري وجبت) وجبت أي: الشفعة، إذا قال البائع: إني بعت نصيبي. والبائع هنا مشارك ولَّا مستقل؟
طلبة: مشارك.
الشيخ: إذا قال البائع للشريك: إني بعت نصيبي على فلان، وقال فلان: لم أشتره منه، يقول المؤلف: (وجبت) أي: الشفعة؛ لأن البائع الآن أقر بأن الملك انتقل إلى من؟ إلى المشتري، وبإقراره تثبت الشفعة، ولا نلزم المشتري بذلك؛ لأنه ليس عند البائع إلا الدعوى، أما لو أقام بينة بأنه باعه فالأمر واضح، لكن ليس فيه إلا دعوى البائع، فصار الكلام الآن إقرار ودعوى؛ إقرار بالنسبة للشفيع، ودعوى بالنسبة للمشتري.
أصل المسألة: أن البائع أقر بالبيع على فلان وفلان، قال: لم تبع عليَّ.
فهنا نقول: تضمن قول البائع إقرارًا ودعوى، إقرار أيش؟ أنه باع، وإذا أقر بالبيع فلزم هذا البيع ثبوت الشفعة.
(2/2170)
________________________________________
ودعوى على من؟ على المشتري؛ المشتري يقول: أبدًا، أنا ما اشتريت، المشتري بريء حتى يقيم البائع البينة، فالمشتري الآن ليس عليه شيء. والصواب أن نقول بالتعبير: المدعى عليه الشراء؛ لأنه لم يثبت أنه مشترٍ، هذا لا شيء عليه، ولكن تثبت الشفعة، فيقال للبائع: بكم بعت؟ قال: بعت بألف، يأخذ الشفيع بكم؟ بألف.
يقول رحمه الله: (وعهدة الشفيع على المشتري) العهدة هي ما نعرفه بالمسؤولية، هذه العهدة مسؤولية الشفيع على المشتري، وعهدة المشتري على البائع، كيف العهدة؟ يعني: لو ظهر أن الشقص مغصوب أو أنه ملك لغير البائع أو ما أشبه ذلك أو أن البائع باعه على شخص ثم باعه مرة أخرى -وهذا ربما يقع- فالعهدة على من؟
عندنا ثلاثة: بائع ومشترٍ وشفيع، عهدة الشفيع على المشتري، الشفيع ما يدور أحد إلا المشتري، لو أن الشفيع ذهب إلى البائع وقال: وجدت أن الأرض بها عيب؛ أن الأرض مملوكة، أن الأرض مرهونة، فهل يملك أن يطالبه؛ أعني: الشفيع يملك أن يطالب البائع؟ لا، سيقول البائع له: وجهك على المشتري، أنا ما بعت عليك ولا شيء. إذن عهدة الشفيع على المشتري بالتسلسل، عهدة المشتري على البائع.
فلو أن الشفيع طالب البائع بالعهدة فإنه ليس له حق، إلا في مسألة مرت علينا؛ إذا أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري، فهنا عهدة الشفيع على من؟ على البائع؛ لأن المشتري لم يثبت أنه اشترى، فعليه يحتاج أن يستثنى من هذا.
(عهدة الشفيع على المشتري، وعهدة المشتري على البائع) إلا فيما إذا ادعى البائع البيع وأنكر المشتري فإن الشفيع ليس له عهدة على المشتري.
(2/2171)
________________________________________
ومن هنا نعرف أن ما يفعله الآن بائعو السيارات غلط محض؛ تجده يشتري السيارة، ثم يبيعها، والثاني يبيعها، والثالث يبيعها، وتكتب السيارة باسم الرابع على أنه اشتراها من الأول، وهذا غلط؛ لأنه لو ظهر أن السيارة مسروقة، فالمشتري الرابع يطالب من؟ حسب الوثيقة يطالب الأول، وقد تكون مطالبة الأول صعبة، لكنه يجب في هذه الحال أن يقال: فلان باع السيارة على زيد، وزيد باعها على عمرو، وعمرو باعها على خالد، وخالد باعها على بكر، يجب التسلسل؛ من أجل أن يعود كل إنسان إلى من باع عليه حتى لا يقع الغلط.
(عهدة الشفيع على المشتري، وعهدة المشتري على البائع) قلنا: يستثنى منها أيش؟ إذا أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري.
العهدة فهمتوها الآن، ما هي؟
الطلبة: المسؤولية.
الشيخ: المسؤولية التي يُطَالَب بها الإنسان.
طالب: لو رجع ( ... ) لماذا لا نقول بالصحة ونقول يرجع الأول على الثاني، والثاني على .. ؟
الشيخ: ما يستقيم.
الطالب: لماذا يا شيخ؟
الشيخ: لأن الأول ما اشتراها من الثاني، بل بالعكس؛ الثاني هو الذي اشتراها من الأول.
الطالب: صحيح؟
طالب: إذا ( ... ) الشقص ( ... )؟
الشيخ: لا، يأخذه بأرشه، لكن فيما أظن أن بعض العلماء يقول: إنه إذا انتقل الشقص بشفعة فإن الملك يكون للشفيع من العقد الأول، لكن هذا القول ضعيف؛ لأنه سبق لنا أن نماءه للمشتري، فغرمه عليه أيضًا.
طالب: في مسألة إذا كان الشفيع أبًا للمشتري، فإن الشفيع يأخذ الشقص ( ... ) حتى ( ... )؟
الشيخ: لا، مستثنى هذا؛ يعني: لو فرضنا أنه تضرر وأنه لا يمكن للأب أن يتملكه، فهنا لا شك أنه ما له يتملك؛ لأن من شروط تملك الأب ألَّا يلحق على الابن ضررًا.
طالب: شيخ -بارك الله فيك- إذا كان الثمن مؤجلًا فما الحاجة ( ... )، لماذا لا يرجع الشفيع على البائع أولًا؟
(2/2172)
________________________________________
الشيخ: قد يكون البائع أولًا: مماطلًا أو معسرًا، فيقول الشفيع: أنا ما أعرف الأول، البائع الأول فقير، والمشتري غني، تبين أن الشقص مغصوب، أو أن البائع الأول قد باعه على شخص آخر ولكنه فقير، الشفيع يقول: ما أرجع على هذا.
الطالب: يا شيخ، أليس الشفعة حق للجار على جاره .. ؟
الشيخ: لا، ما هي للجيران.
الطالب: ( ... ) حق لشفيع، لماذا نقول: طالب من لك الحق عليه، حتى هذا الرجل الجديد، فلما أخرجناه في الشفعة يخرج؟
الشيخ: لا، ما يخرج؛ لأنه انتقل الملك من البائع الأول إلى المشتري، انتقال تام، وسبق لنا أن له نماءه المنفصل، والمتصل على القول الراجح؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ما يخالف، ولو كان لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعَ» (6).
طالب: ( ... ) قرينة، ( ... ) من البينة، لماذا ( ... ) ونقول .. ؟
الشيخ: ما فيه بينة، الشفيع يقول: المشتري ( ... ) العهدة على المشتري للشفيع، وعلى البائع للمشتري، فيقول الشفيع: ويش ذنبي؟ رجل أقر عندي بأنه اشتراها بثمان مئة، وذاك البائع أثبتها بألف، أنا ما أدري؛ ولهذا قلنا: إن القول قول المشتري في هذا الحال إذا كان معروفًا بالصدق وأنه لا يمكن أن يخالف.
طالب: ( ... )؟
الشيخ: يقول: أنا ما أعرف، يمكن يكون ثمان مئة تريد أن تسمح عني بالمئتين، لكن عند العلماء إذا أقر الإنسان فالاحتمال غير مقبول، حتى لو احتمال غلط.
طالب: إذا تعذر ( ... ) المشتري فهل تكون ( ... ) البائع؟
الشيخ: لا، يقال ( ... ) للمشتري في أي مكان، وهذه مشكلة، مثلًا إنسان باع على شخص سيارة في غير الشفعة باع عليه سيارة، ثم إن المشتري باع السيارة وهرب، ثم ظهر أن السيارة مملوكة، وثبت بالبينة أنها ملك فلان، فلان يأخذها، مشتري السيارة من يرجع عليه؟
طلبة: البائع.
الشيخ: على الذي باع عليه، الذي باع عليه وينه؟ هرب، يضيع حقه.
(2/2173)
________________________________________
طالب: رضي الله عنك يا شيخ، إنسان باع شقصًا من الأرض على إنسان بمجرد الانتقال للملك، جاء إنسان قابل الشفيع وقال: أكسبك ألفين ريال، قال: ما أني بايع ( ... ) سبعة آلاف مكسب خذها ( ... )، وجاء الشفيع وشفع، للمشتري حق ( ... )؟
الشيخ: لا، هذا ما له حق؛ لأنه ما باع، لكن لو باع بأكثر الشفيع يأخذ بالأحوط لنفسه، ما الأحوط الأقل ولَّا الأكثر؟ الأقل.
طالب: ( ... ) باع المشتري ( ... ) بأحد البيعين؟
الشيخ: إي نعم، لكن ما يرجع عليهم كلهم، يأخذ بأحد البيعين، وإذا أخذ بأحد البيعين صارت العهدة على من أخذه في صفقته.
الطالب: أيش ذنب البائع ( ... )؟
الشيخ: لا، هذه ما تعدد البيع، في المسألة التي ذكرها المؤلف الأخيرة ما تعدد، لكن لو تعدد البيع؛ مثلًا باع زيد على عمرو، وعمرو على خالد، وخالد على بكر، وأخذ الشفيع ببيع خالد؛ لأنه أنقصهم تكون العهدة على خالد دون الآخرين.
طالب: شيخ، في مسألة البناء في الأرض .. إذا بنى الشريك في الأرض التي بها الشركة فلم يستطع أن يشتريها يتملكها، فهل له أن يطالب بالمشاركة؟
الشيخ: لم يستطع الشفيع، يقول: أقلعه، يقلعه ويغرم النقص.
الطالب: فيه ضرر.
الشيخ: على من؟
الطالب: ضرر ( ... ).
الشيخ: ما هو مضار، أنا ما أقدر ( ... )، أقلعه وأضمن لك نقصه فقط، كما مر علينا ( ... ).
طالب: جزاك الله خيرًا، لو قال البائع: بعتك وكنت أنا المشتري، ثم قلنا: للشفيع أن يشفع، فلو قال البائع وجاء ببينة: إنه باع بألف، والآن يقول: ما أريد أن أبيع بألف، لكن بألف ومئة، هل يشفع للشفيع بألف ومئة ولَّا لا؟
الشيخ: البائع أثبت ببينة أنه باع بألف؟
الطالب: لكن الآن يريد أن يبيع بألف ومئة.
الشيخ: من اللي يريد؟
الطالب: البائع.
الشيخ: لا، ما له إلا ما أقر به.
طالب: أحسن الله إليكم، إن عجز الشفيع ( ... )؟
الشيخ: تسقط.
الطالب: لكن إذا أحضر -مثلًا- كفيلًا أو رهنًا؟
(2/2174)
________________________________________
الشيخ: لا، الرهن ما ينفع، والكفيل ما ينفع؛ لأن هذا حاضر ما هو مؤجل، فيقول: سلمني الآن ( ... )، لكن لو طلب الإمهال، أحيانًا يطلب الشفيع الإمهال، يقول: أنا الآن ما بيدي شيء، لكن أمهلني يومين أو ثلاثة، فهنا يمهل ما جرى به العرف؛ ويمهل يومين، ثلاثة، أربعة، إن رأى الحاكم هذا ..
طالب: شيخ، إذا ( ... )؟
الشيخ: فكما لو عجز تسقط الشفعة.
***
( ... ) ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هل ثبتت الشفعة في الشريعة الإسلامية؟ وما الدليل؟
طالب: قول جابر: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم (7).
الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك.
هل الشفعة من محاسن الشريعة أو فيها ظلم؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: حتى لا يتضرر الشريك السابق بهذا الشريك الجديد.
هل فيها ضرر على الشريك الجديد؟
طالب: قد يكون فيها ضرر.
الشيخ: كيف؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا، على الشريك الجديد الذي أخذ منه الشقص، هل فيها ضرر عليه؟ زيد باع على عمرو نصيبه من الأرض، هل على عمرو ضرر إذا أخذ شريكه زيد بالشفعة؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: السؤال: هل عليه ضرر أو لا؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: قد يكون وقد لا يكون. ما هو الضرر الذي يمكن أن يكون عليه؟
الطالب: ( ... ).
طالب آخر: أن يكون عليه ضرر ( ... ).
الشيخ: ( ... ) يثمن له، ما يخسر.
طالب: ليس عليه ضرر ( ... ).
الشيخ: نعم، ليس عليه ضرر إلا فوات الربح إن زادت القيمة، وهذا ليس بضرر، فاته ربح لكنه لم يخسر شيئًا.
وإذا قال قائل: إن فوات الربح كالخسارة، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ حَرْثٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» أو قال: «قِيرَاطَانِ» (8)، وهذا فوات؟
فالجواب: أن هذه المضرة إذا قُدِّر وجودها فهي منغمرة في جانب دفع الضرر عن الشريك الأول.
(2/2175)
________________________________________
تعريف المؤلف للشفعة فيه انتقاد؛ استحقاق انتزاع، لكن الشفعة هي استحقاق الانتزاع ولَّا الانتزاع؟ الانتزاع. إذن تكون العبارة فيها خطأ.
قوله: (وبعوض مالي) الجار والمجرور متعلق بأيش؟
طالب: ( ... ) بانتزاع.
الشيخ: بانتزاع.
طالب: متعلق بالانتقالات.
الشيخ: متعلق بالانتقالات؟
الطالب: نعم.
الشيخ: إذن عندنا قولان، رجح.
طالب: ( ... ).
الشيخ: متعلق بالانتقالات. ما تقول؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: انتقلت. ما معنى قوله: (أو كان عوضه صداقًا)؟
طالب: أن يكون ( ... ) يعني العوض أو الشقص الذي أخذ يكون صداقًا.
طالب آخر: شيخ، ( ... )؟
الشيخ: إي، إذن العبارة فيها ركاكة، كيف نعبر إذا أردنا التعبير الصحيح؟ ذكرتها لكم بالشرح يا إخوان! (أو كان عوضه غير مالي بأن جُعِلَ صداقًا) (أو كان عوضه غير مالي) أما عوض الشخص يكون صداقًا ما يمكن، الصداق لمن؟ للمرأة؛ للزوجة، ما هو للشقص، فيكون في العبارة شيء من الركاكة، والظاهر -والله أعلم- أن سبب هذا أن الفقهاء رحمهم الله يقلد بعضهم بعضًا في التعبير، وقد يختصر الإنسان -مثلًا- العبارة التي قلَّدها فيحصل الخلل.
قوله: (فلا شفعة لجار) هذه مفرعة على أي شيء؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما أقول: لأنها، أنا أقول: مفرعة على أي شيء؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: على أيش؟
الطالب: غير ..
الشيخ: غير شفعة؟
طالب: من حديث ..
الشيخ: لا، من كلام المؤلف.
طالب: قوله: (انتزاع حصة شريكه).
الشيخ: من قوله: (انتزاع حصة شريكه) بناء على اشتراط الشركة قال: (فلا شفعة لجارٍ)، هل في هذه المسألة خلاف؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: مطلقًا، فيه قول؟
الطالب: على القول الراجح ( ... ).
الشيخ: فيه قول: إنه يشفع. على كل حال؟
الطالب: على كل حال.
الشيخ: فيه أقوال هذا، لكن ما هو الراجح؟
الطالب: الراجح ( ... ).
الشيخ: على كل حال. والأخ ماذا يقول؟
طالب: ( ... ) يشتركان ( ... ) الشفعة.
(2/2176)
________________________________________
الشيخ: يعني: إن اشتركا في شيء من حقوق الملك؛ كالطريق والماء وما أشبه ذلك فله الشفعة، وإلا؟
الطالب: وإلا ( ... ).
الشيخ: هذا على القول الراجح ولَّا المرجوح؟
الطالب: القول الراجح ( ... ).
الشيخ: متأكد؟
الطالب: أيوة.
الشيخ: ما هو الدليل على هذا القول، وهو التفصيل؟
الطالب: الدليل على هذا القول ..
الشيخ: حديث جابر.
الطالب: نعم، حديث جابر: قضى النبي صلى الله عليه وسلم ( ... ) بالنسبة للشفعة ( ... ).
الشيخ: قوله: فإذا وقعت الحدود وصُرِّفَت الطرق فلا شفعة (7).
إذن القول الراجح أن الجار له شفعة إذا اشترك مع جاره في شيء من حقوق الملك؛ كالطرق، أو عين الماء تسقي الأرضين، وما أشبه ذلك.
إذا تعدد المشتري هل للشفيع أن يأخذ بأحد نصيب المشتريين؟
طالب: نعم، له ذلك.
الشيخ: له ذلك. مثاله؟
الطالب: إن اشترى شريكان أو اشترى واحد حق شريكين ..
الشيخ: إذا تعدد المشتريان، هل للشريك الأول أو يأخذ ببيع أحدهما؟
الطالب: نعم، مثاله: اشترى زيدٌ وعمرٌو حصة -مثلًا- محمد من الأرض، فللشريك أخذ حق واحد منهما.
الشيخ: توافقون على هذا، يقول: باع زيدٌ نصيبه على اثنين، فلشريكه عمرٍو أن يأخذ من أحد الاثنين ويترك الآخر.
لو تعدد البائعان، هل له أن يأخذ بأحد البيعتين؟ كيف صورتها؟
طالب: ( ... ).
لشيخ: هل للشفيع أن يأخذ بإحد البيعتين، مثاله؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ما يصير هذا.
طالب: يا شيخ، زيد وعمرو ( ... ) باع زيد وعمرو على واحد ..
الشيخ: على واحد، تعدد الآن البائعان والمشتري، هل للشفيع أن يأخذ بأحد البيعين؟
الطالب: له أن يأخذ بأحدهما.
الشيخ: إي نعم، صحيح.
ما معنى قول المؤلف: (ولا شفعة بشركة وقف)؟
طالب: أنه لو كان اثنان في أرض ( ... ) نصيبه وقف عليه، والثاني نصيبه طلق، وباع صاحب النصيب الطلق، فإنه ليس لصاحب النصيب المفروض أن يشفع على الطلق.
(2/2177)
________________________________________
الشيخ: أحسنت، أرض بين شريكين نصيب أحدهما وقف والثاني طلق، فباع من نصيبه طلق على شخص ثالث، فإن الشريك الذي نصيبه وقف لا يأخذ بالشفعة، التعليل؟
طالب: التعليل، القول الراجح؟
الشيخ: لا ما هي بالراجح ( ... ).
طالب: ( ... ) قاصر.
الشيخ: بأن ملك الموقوف عليه بالوقف قاصر؛ ولهذا لا يجوز أن يبيعه ولا يرهنه، والملك القاصر لا يقوى على انتزاع المشتري. هل في هذا قول آخر؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: أن للموقوف عليه الأخذ بالشفعة.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: اصبر، ما سألت عن الدليل، اثبت على هذا القول، فيه قول آخر أنه يجوز لشريك الوقف الذي نصيبه وقف أن يأخذ بالشفعة. هل هذا الراجح؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: هذا الراجح، الدليل؟
الطالب: الدليل ( ... ).
الشيخ: وهذا عام، التعليل؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: أن العلة -وهي الضرر- موجودة فيما إذا كان الشريك نصيبه وقف، بل هذا أشد ضررًا، لماذا؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: تمام، إذن معناه المشاركة إذا كانت الشركة وقفًا، فإثبات الشفعة فيها من باب أولى؛ لأن الشريك في الوقف إذا رأى الضرر من المشتري لا يتمكن من البيع، بخلاف الذي ملكه طلق، وهذا القول هو الراجح.
قوله: (ولا غير ملك سابق) كيف يكون المثال؟
طالب: اثنان اشتركا في شراء أرض من شخص واحد، فملكهما دخل معه ليس لأحد ( ... ) على الآخر، فلا يشفع أحدهما على الآخر.
الشيخ: بارك الله فيك.
قول المؤلف: (ولا لكافر على مسلم) صورتها؟
طالب: صورتها: لو كان اثنان شريكان؛ أحدهما مسلم والآخر كافر، فباع المسلم نصيبه فإنه ليس للكافر أن يشفع.
الشيخ: على من باع؟
الطالب: باع على كافر أو على مسلم.
الشيخ: ما يصير.
الطالب: باع المسلم نصيبه على مسلم، فليس للكافر أن يشفع.
الشيخ: فليس للكافر أن يشفع، فإن باعه على كافر؟
الطالب: له الشفعة.
الشيخ: له الشفعة، لو كان الشريك كافرًا؛ هذه أرض بين كافرين، فباع أحدهما نصيبه على مسلم؟
الطالب: أيضًا كذلك لا شفعة.
(2/2178)
________________________________________
الشيخ: لا شفعة، نعم، لا شفعة لكافر على مسلم، سواء كان شريكه الذي باع مسلمًا أو كافرًا.
إذا كان شريكه كافرًا وباع على مسلم، هل للكافر الشريك أن يشفع؟
الطالب: له أن يشفع.
الشيخ: انتبه. الشريك كافر، فباع على مسلم، فهل لشريكه الكافر أن يشفع المسلم؟
الطالب: لا، ليس له أن يشفع.
الشيخ: ليس له ذلك، أحسنت.
***

[باب الوديعة]
يقول المؤلف: (باب الوديعة) (الوديعة) وزنها الصرفي (فعيلة)، وثبتت الياء في الميزان؛ لأنها زائدة، وهذه قاعدة صرفية كل الحروف الزائدة في الميزان يؤتى بها بلفظها، كيف تزن قائم؟ فاعل؛ لأن الألف هذه زائدة. كيف تزن (يُقَام)؟
طالب: (يُفَال).
الشيخ: (يُفَال) غلط.
(باب الوديعة)
إذا تَلِفَتْ من بينِ مالِه ولم يَتَعَدَّ ولم يُفَرِّطْ لم يَضْمَنْ، ويَلْزَمُه حِفْظُها في حِرْزِ مِثْلِها، فإن عَيَّنَه صاحبُها فأَحْرَزَها بدونِه ضَمِنَ وبِمِثْلِه أو أَحْرَزَ فلا، وإن قَطَعَ العَلَفَ عن الدابةِ بغيرِ قولِ صاحبِها ضَمِنَ، وإن عَيَّنَ جَيْبَه فتَرَكها في كُمِّه أو يَدِه ضَمِنَ وعكسُه بعكسِه، وإن دَفَعَها إلى مَن يَحْفَظُ مالَه أو مالَ ربِّها لم يَضْمَنْ، وعَكْسُه الأجنبيُّ والحاكمُ، ولا يُطالَبانِ إن جَهِلَا، وإن حَدَثَ خَوفٌ أو سَفَرٌ رَدَّهَا على رَبِّها , فإن غابَ حَمَلَها معَه إن كان أَحْرَزَ وإلا أَوْدَعَها ثِقَةً، ومَن أُوْدِعَ دابَّةً فرَكِبَها لغيرِ نَفْعِها أو ثوبًا فلَبِسَه أو دَرَاهمَ فأَخْرَجَها من مَحْرِزٍ ثم رَدَّها , أو رَفَعَ الْخَتْمَ ونحوَه عنها أو خَلَطَها بغيرِ مُتَمَيِّزٍ فضاعَ الكلُّ ضَمِنَ.
يقول المؤلف رحمه الله:
(باب الوديعة)
(الوديعة) وزنها الصرفي: فعيلة، وثبتت الياء في الميزان؛ لأنها زائدة، وهذه قاعدة صرفية: أن الحرف الزائد في الميزان يُؤتَى به بلفظه، كل الحروف الزائدة في الميزان يؤتى بها بلفظها، كيف تزن (قائم)؟
طلبة: فاعل.
(2/2179)
________________________________________
الشيخ: فاعل؛ لأن الألف هذه زائدة.
كيف تزن (يُقام)؟
طلبة: يُفال.
الشيخ: يفال؟ ! غلط.
طلبة: يُعال.
الشيخ: يعال؟ ! غلط.
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لا، (يُقَام) أزنها (يُفعَل)، لماذا جعلْتُ الألف عينًا؟ لأنها أصلية ليست زائدة.
فالقاعدة إذن في الميزان: أن تأتي بالزائد بلفظه.
(الوديعة): فعيلة، حروفها الأصلية ما هي؟ الواو، والدال، والعين؛ ولهذا نقول في وزنها: فعيلة، فنأتي بالياء وبالتاء؛ لأنهما حرفان زائدان، وهي بمعنى مفعولة، أي: مُودَعة.
فلنسأل الآن: ما معنى الإيداع؟
الإيداع: إعطاء المال لمَن يحفظه لصاحبه، وهي بالنسبة للمودِع مباحة، يعني: يباح أن يُودِع الإنسانُ مالَه، وهي بالنسبة للمودَع سُنَّة، بشرط أن يكون قادرًا على حفظها وصيانتها.
مثال ذلك: رجل أعطى شخصًا بقرتَه وديعة، صاحب البقرة يجوز أن يعطيها وديعة لهذا الشخص أو لا يجوز؟ يجوز، المودَع الذي سيأخذ البقرة يجوز أن يقبل البقرة وديعة؟ يجوز بشرط أن يكون قادرًا على مؤونتها وحفظها، وإلا فلا يجوز.
كذلك أيضًا: لو فُرِض أن صاحب البقرة أراد أن يُودِعها على مَن يضيعها، فلا يجوز له أن يودعها؛ لأن هذه حيوان تحتاج إلى رعاية وعناية، بخلاف المال، المال الذي لا حياة فيه لا بأس أن يودعه عند شخص.
فهي بالنسبة للمودِع (بالكسر)؟
الطلبة: مباحة.
الشيخ: مباحة.
بالنسبة للمودَع؟
الطلبة: سُنَّة.
الشيخ: سُنَّة بشرط أن يكون قادرًا على حفظها والعناية بها.
إذا تمت الوديعة فعندنا: مودِع، ومودَع، ومودَع إليه.
المودِع: صاحب المال. والمودَع: المال. والمودَع عنده: مَن؟
طالب: المُؤتمَن.
الشيخ: المُؤتمَن.
المؤلف لم يتكلم على هذا، وكأنه رحمه الله علم أن المسألة واضحة فلم يتكلم عليه، وتكلم على الآثار الناتجة أو المترتبة على الوديعة.
(2/2180)
________________________________________
بهذا التعريف للوديعة يتبين لنا أن قول العامة الآن إذا جعلوا أموالهم عند البنوك أو ما يُلحَق بها؛ قالوا: هي وديعة. يتبين أن هذا القول غير صحيح؛ لأنهم لم يجعلوا الدراهم عند البنك -أو ما يقوم مقامه- لم يجعلوها للحفظ؛ إذ إن الدراهم ستُجعل في صندوق البنك وسيتصرف فيها، فهو في الحقيقة قرض وليس بوديعة؛ ولهذا نص الفقهاء رحمهم الله على أن المودِع إذا أذن للمودَع أن يتصرف في الوديعة صارت قرضًا.
فكلمة إيداع خطأ؛ لأن الإيداع أن يبقى المالُ لصاحبه على ما هو عليه، وهي في الحقيقة: إقراض وليست إيداعًا، ولذلك لو كانت إيداعًا لقلنا: يجب على البنك أن يجعلها في غلافها، وألا يتصرف فيها.
ماذا يترتب على هذه المسألة؟ يترتب لو أن البنك احترق بأمواله بدون تعدٍّ ولا تفريط، فإذا قلنا: إن وضع المال فيه وديعة؟
طالب: فلا ضمان عليه.
الشيخ: فلا ضمان عليه، وإذا قلنا: إنه بإذن صاحب المال للبنك أن يتصرف فيه صار ضامنًا، كما لو احترق مال المستقرِض فإن القرض ثابت في ذمته.
يقول المؤلف رحمه الله: (إِذَا تَلِفَتْ من بينِ ماله ولم يتعدَّ ولم يفرطْ لم يضمنْ، وإن تلفَتْ مع ماله فمِن بابِ أولى)
(إذا تلفت) يعني الوديعة (من بين ماله) بأن احترقت، أو أفسدها المطر، أو سرقها السراق دون أن يتأثر ماله بذلك: فلا ضمان على المودَع، ما الدليل؟
الدليل قول الله تبارك وتعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] والمودَع محسن، فإذا كان محسنًا فلا ضمان عليه، لكن إن تعدى أو فرط ضمن.
إن تعدى بأن أخذ الوديعة أو فك قَيْدَها، أو فرط بأن وضعها في غير حرز، والفرق بين التعدي والتفريط من حيث العموم؛ أن التعدي فِعْل ما لا يجوز، والتفريط ترك ما يجب، فلننظر إذا كان المودَع طعامًا فأكله المودَع عنده، فهذا أيش؟
طلبة: تعدٍّ.
(2/2181)
________________________________________
الشيخ: هذا تعدٍّ. إذا كان طعامًا وأبقاه في ليالي الشتاء خارج السقف، فهذا تفريط؛ لأنه ترك ما يجب. فصار تلَفُ الوديعة إن كان بتعدٍّ أو تفريط: ضمن المودَع عنده، وإلا فلا.
وإذا قال قائل: لماذا قال المؤلف: (من بين ماله)؟ لماذا لم يتركها مفتوحة: إذا تلفت ولم يتعدَّ ولم يفرط لم يضمن؟
قلنا: إنه قال هذا إشارة إلى قول بعض العلماء: إنها إذا تلفت من بين ماله فهي مضمونة مطلقًا؛ قالوا: لأن تلفها من بين ماله يدل على نوع تفريط، وإلا فما الذي جعلها تتلف دون ماله؟ !
ولكن الصحيح ما قاله المؤلف: أنه لا ضمان على المودَع عنده إلا بتعدٍّ أو تفريط.
ثم قال مبينًا ما يجب على المودَع عنده:
قال: (ويلزمُه) أي: المودَع عنده (حِفظُها في حرز مثلها)، الحِرْزُ: ما يَصُون الشيء ويحمي الشيء، فمثلًا الذهب أين يوضع؟
طلبة: في الصناديق.
الشيخ: في الصناديق المُغلقة الوثيقة، وكلما ازداد الخوف وكثُر السراق وجب التحفظ أكثر فأكثر.
إذا أودعه شاة أيضعها في الصندوق الوثيق؟ !
طلبة: لا.
الشيخ: لو فرضنا أنه وضعها لصار ضامنًا؛ لأنه تعدى إذ ليس هذا مكانًا لها.
وقول المؤلف: (في حرز مثلها) هذا يدل على أن كل مال معتبر بنفسه.
(فإن عيَّنه صاحبُها) أي: عيَّن الحرز، (فأحرزها) أي: حَفِظَها (بدونه ضَمِن، وبمثله أو أَحْرَزَ فلا).
(إن عيَّنه صاحبها فأحرزها بدونه): ولو كان الحرز الذي أحرزها به حرز مثلها عادة فإنه يضمن، فلو أعطاه كتابًا وقال: احفظ هذا الكتاب في الصندوق التجُوري، تعرفون الصندوق التجوري؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لا، خزانة الأموال، خزانة الذهب والفضة، وهي خزانة قوية ثقيلة، قال: احفظ الكتاب في الصندوق التجوري. فحفظه في شنطة عادية -أتعرفون الشنطة؟ قولوا: لا بعد! تعرفونها- حفظه في شنطة عادية، فجاء السارق فسرقه هو والشنطة، مع أن الشنطة عادة حرز للكتاب، فهنا عليه الضمان، لماذا؟ لأنه حفظها بأدنى مما عينه صاحبها.
(2/2182)
________________________________________
فإذا قال المودَع عنده: أنا حفظتها في حرز مثلها، كل الناس يجعلون الكتب في الشناط، وربما جعلوها في الرفوف بارزة. نقول: لكن صاحب الكتاب عَيَّنَ، لماذا لم تقل له: لا، حينما قال: ضعه في الصندوق التجوري؟ لماذا لم تقل: لا؟ أما أن تأخذها على أنك ستضعها فيما عيَّن، ثم تُحرِزها بما دونه فعليك الضمان.
(وبمثله) فلا ضمان، (أو أحرز) فلا ضمان.
مثل أن يقول له: خذ هذا الكتاب اجعله في هذا الصندوق، ويُعَيِّن، فأخذه وجعله في صندوق مثله، فهنا لا ضمان، إلا أن يتميز الصندوق الذي عينه بزيادة حرز، بكونه داخل البيت مثلًا أو نحو ذلك فهنا يضمن، إذا عينه فأحرزها بأقوى؟
طلبة: فلا ضمان.
الشيخ: فلا ضمان، مثل أن يقول: احفظها في هذا الصندوق، والصندوق صغير يمكن للسراق أن يحملوه، فأحرزها في صندوق أكبر، هل يضمن أو لا؟
طلبة: لا؟
الشيخ: لا يضمن؛ لأنه أحرزُ.
رجل عنده صناديق ستة مثلًا، وقال له: احرزها في آخر ما يكون. فأحرزها في أول ما يكون، يضمن أو لا يضمن؟
طلبة: لا يضمن.
طلبة آخرون: يضمن.
الشيخ: ما شاء الله، هي ستة من الباب إلى نهاية الحجرة، قال: احفظها في هذا؛ آخرها. فأحرزها في الأول، يضمن أو لا يضمن؟
طلبة: يضمن.
طالب: فيه التفصيل.
الشيخ: الظاهر إن اللي قال: فيه التفصيل، ذكي، فراسة فقط؛ لأنه لما رآني توقفت قال: لعل فيها تفصيلًا. نشوف الآن: أيهما أحرز: آخر واحد ولَّا أول واحد؟
طلبة: آخر واحد.
الشيخ: آخر واحد قد يكون أحرز؛ لأنه أبعد من أن يأخذ السارق الصندوق أو يكسره ويمشي على طول، وقد لا يكون أحرز؛ لأن السارق سيقع في نفسه أن الأبعد هو اللي فيه المال المهم، فهنا أحدهما أحرز من الآخر من وجه، فأيهما نُغَلِّب؟
الظاهر أن مثل هذه الحال يقال: إنه أحرزه بمثله؛ لأن كل واحد من الأعلى والأول أحرز من الآخر من وجه، فإن لم يكن كذلك فالقاضي عنده الأمر، يُرفع الأمر إلى القاضي ويحكم بما يراه صوابًا.
***
(2/2183)
________________________________________
طالب: شيخ بارك الله فيك، لو أن الشفيع أسقط شفعته قبل أن يتم البيع، ثم لما تم البيع قال: إن لي الشفعة، هل ( ... ) صاحب البيع؟
الشيخ: ما سبب ثبوت الشفعة؟
الطالب: البيع.
الشيخ: البيع، هل يصح أن يُقدَّم المسبب على السبب؟
الطالب: لا.
الشيخ: لا يصح، فعند الفقهاء لا يصح هذا الإسقاط، وله أن يطالب بعد البيع؛ لأن هذا من باب تقديم الشيء على سببه، ولكن ظاهر الحديث الوارد في هذا -أنه لا يحل للشريك أن يبيع حتى يُؤذِن شريكَه-يدل على أنه إذا أسقطها سقطت، وهذا هو الأصح؛ لأن ما دل عليه الدليل مقدم على القواعد، ثم إن هذا أسقط نصيبه، فلو طالب بالشفعة بعد أن أسقطها صار في ذلك تغريرٌ للبائع وللمشتري، فالصواب أنها تسقط.
طالب: أحسن الله إليك، يقول: (أو اشترى شقصين من أرض صفقة واحدة فللشفيع أخْذُ أحدِهما). طيب هذا الشفيع ..
الشيخ: لا، (شقصين من أرضين).
الطالب: من أرضين. إيه. ( ... ).
***
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، ما هو تصرُّف المشتري الذي يُبطِل حقَّ الشفيع؟
طالب: على قول المؤلف؟
الشيخ: الضابط على قول المؤلف؟
الطالب: الضابط على قول المؤلف: إنْ تصرَّف فيه بنقل ملك على وجه لا تثبت فيه الشفعة ابتداء.
الشيخ: نعم، أنْ يتصرَّفَ فيه المشتري بنقل الملك على وجه لا تثبت فيه الشفعة ابتداء، هذا هو الضابط، مثاله؟ صوِّر صورة المسألة.
طالب: مثال: اشترى المشتري من الشريك الأول ..
الشيخ: باع زيد.
الطالب: باع زيد على عمرو نصيبه، فوهب عمرو نصيبه إلى رجل آخر: تسقط الشفعة.
الشيخ: أحسنت، تسقط الشفعة، التعليل؟
الطالب: التعليل أنه انتقال بغير حق.
الشيخ: لأنه انتقل على وجه لا تثبت به الشفعة ابتداء، وإذا كان لا تثبت به الشفعة ابتداء فما تفرَّع على ذلك من باب أولى.
هل إذا أجَّر الشفيع الشِّقْص هل تسقط الشفعة؟
طالب: لا تسقط.
الشيخ: لا تسقط الشفعة، وكيف نصنع؟
الطالب: أجَّره؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: لأنه ( ... ).
(2/2184)
________________________________________
الشيخ: يعني هذه عمارة مثلًا فيها شركة مشتركة بين اثنين، لكل واحد نصفها، فأجَّر أحدُهما نصيبَه لشخص، هل تثبت الشفعة أو لا؟ اشترى واحد نصيب هذا الشريك ثم أجَّره، هل تسقط الشفعة أو لا؟
الطالب: لا تسقط الشفعة.
الشيخ: كيف نعمل إذا قلنا: لا تسقط؟
طالب: على المذهب: لا تثبت ابتداء.
الشيخ: يعني ويأخذ الشفعة.
الطالب: ويأخذ الشفعة، وعلى القول الراجح: يأخذ الشفيع أجرة في نصيبه بالشفعة.
الشيخ: يعني على القول الراجح: لا تنفسخ الإجارة، وللشفيع نصيبه من الأجرة من حين أخَذ بالشفعة، هذا القول هو الراجح. كيف تنزل هذا على الضابط؟ الضابط الذي قلنا: إنه يُسقِط الشفعة، كيف ننزل مسألة التأجير على هذا الضابط؟
طالب: ضابط سقوط الشفعة يعني؟
الشيخ: ما هو قلنا: لو أن المشتري الذي اشترى الشقص وهبه فليس للشريك أن يُشَفِّع، تسقط الشفعة، وذكرنا الضابط لهذا، قلنا: لو أجَّره المشتري انفسخت الإجارة والشفعة باقية ما تسقط، فما الذي يمكن أن نعرف أن هذا هو الحكم من الضابط اللي ذكرنا؟
الطالب: لأنه لم تثبت ابتداء الشفعة.
الشيخ: لا.
طالب: لأن الملك لم ينتقل.
الشيخ: لأن الملك لم ينتقل، وإحنا ذكرنا: لا يسقطها إلا انتقال الملك على وجه؟
طلبة: لا تثبت به الشفعة.
الشيخ: لا تثبت به الشفعة. خذوا هذا الضابط عشان كل مسألة تفرع عليه.
بناء على هذا الضابط: لو أنه تصرَّف برَهْنٍ؟
طالب: لا تسقط الشفعة.
الشيخ: لا تسقط بناء على هذا الضابط، خلاف اللي ما مشى عليه الماتن، الماتن يرى أن الرهن مثل الوقف، ولكنه قول ضعيف. فماذا نصنع؟
الطالب: له أن يأخذ بالشفعة، ولكن إذا سدَّد المدينُ الدينَ وفكَّ الرهن تخرج من يديه.
الشيخ: إحنا ذكرنا فيها القول الصحيح والقول المرجوح.
الطالب: المذهب يقولون: إنه يأخذ بالشفعة في الحال ويبطل الرهن.
الشيخ: يأخذ بالشفعة في الحال ويبطل الرهن. والثاني؟
الطالب: القول الراجح: أنه لا يبطل الرهن.
(2/2185)
________________________________________
الشيخ: أنه لا يبطل الرهن.
الطالب: فينتظر حتى يفك الرهن ويأخذه بالشفعة.
الشيخ: هذا القول الراجح.
قوله رحمه الله: (إن بنى أو غرس) مَن الفاعل؟
طالب: المشتري.
الشيخ: المشتري، إذا بنى أو غرس ثم أخذه الشريك بالشفعة فماذا يصنع؟
طالب: يخير الشريك يعني المشفع، يخير الشريك بأن يُبقى الغرس ويدفع قيمته للمشتري.
الشيخ: لكن هذا التخيير قبل أن يُخيَّر الباني أو الغارس، أو نقول: نبدأ بالباني والغارس ونقول: هل تريد أن تأخذ غرسك وبناءك؟
طالب: نبدأ بالباني والغارس؛ لأنه حق له.
الشيخ: لأن الملك ملكه، الغراس هو اللي أتى به، والبناء هو اللي أتى بمواده، فيقال للغارس والباني: هل تريد أن تأخذه فهو لك، إذا لم ترد نقول للشفيع: أنت مخير. أفهمت؟
المؤلف رحمه الله يقول: إن ربه يخير، وإذا اختار قلعه فهل له ذلك مطلقًا أو بشرط؟
طالب: قيَّده بعدم الضرر.
الشيخ: قيده المؤلف بعدم الضرر، والمذهب؟
الطالب: ما خالف.
الشيخ: لا، هذا خالف المذهب، المؤلف في هذا الفصل خالف المذهب في مسألتين: في مسألة الرهن، ومسألة الضرر.
المذهب: له أخذه ولو تضررت الأرض -عرفْتَ- لكن ما مشى عليه المؤلف هو الصحيح: أن له أن يأخذ بلا ضرر.
إذا قال ربُّها: أنا لا أريده، ما فائدتي من أن أنقض شيئًا بُني ولا يساوي عندي شيئًا؟ فماذا نقول؟
طالب: يقال: تُقيم.
الشيخ: نقول للشفيع أيش؟
الطالب: تأخذ القيمة ( ... ).
الشيخ: هو الآن انتهينا من الغارس والباني انتهينا منه، قال: أنا بخلي الغرس يبقى والبناء يبقى ما به. فماذا نقول للشفيع؟ أنت بالخيار بين أيش؟
الطالب: نعم يا شيخ، بين قبولها وتقييمها.
الشيخ: هذه واحدة، وبيْنَ؟ يعني بين أخْذِه بقيمتها وبيْنَ؟
الطالب: وبين بيعِها.
الشيخ: إيه! يُخيَّر بين أخْذِه بالقيمة وأيش؟
طالب: وبيْن قلْعِه ويضمن النقص.
(2/2186)
________________________________________
الشيخ: وبين قلعه ويضمن النقصَ، تمام، يعني يُخيَّر بين أمرين، نقول: إما أن تقلعه وتضمن النقص نقصه؛ لأنك قلعته لمصلحتك وظلمت مَن وضعه بحق، أو يأخذه بقيمته، كيف نعرف قيمته؟
طالب: بتقييمها؛ تقييم هذه الأرض خالية من هذا البناء، وتقييمها وفيها البناء، الفرق هو ..
الشيخ: الفرق هو قيمة البناء، فإذا كانت تساوي بيضاء مئة ألف، وبالبناء مئة وخمسين، كم قيمة البناء؟
الطالب: خمسين.
الشيخ: تمام طيب.
شفيع أخذ بالشفعة وقال للمشتري: كم القيمة؟ قال: ألف ريال. ولكن البائع قال: القيمة ألفان. وأثبت ببينة أن القيمة ألفان.
طالب: هنا يأخذ الشفيع بما أقر به البائع؛ وذاك لأنه أقر بنفسه.
الشيخ: أقر على نفسه بأنه لا يستحق أكثر من ألف.
الطالب: نعم، وهذا هو الذي مشى عليه المؤلف.
الشيخ: اصبر، والبائع؟
الطالب: البائع ما له شيء.
الشيخ: ما له شيء؟
الطالب: لا، البائع أصلًا أخذ إذا كان ..
الشيخ: افرض أنه ما أخذ إلى الآن؟
الطالب: يدفع.
الشيخ: ويش لون؟
الطالب: لأن المشتري يُلزَم بأن يدفع ألفين للبينة اللي مع البائع.
الشيخ: يعني إذا أقام البائع بينة بأن الثمن ألفان يُلزم المشتري.
الطالب: نعم.
الشيخ: نقول: سلِّم للبائع ألفين، وخذ من الشفيع ألفًا.
الطالب: نعم.
الشيخ: ويش يكون بهذا؟ ما هو ظلم هذا؟
الطالب: ليس بظلم من جهة أنه أقر على نفسه.
الشيخ: نقول: هنا تتبعض الأحكام ويُعطَى كل إنسان ما يقتضيه لفظُه، والله عز وجل يقول: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135]. هذا أقر على نفسه، شهد على نفسه أنه ما يستحق على الشفيع إلا ألفًا.
ماذا قلنا؟
طالب: قلتم في هذه الأخيرة: أنه لو قال المشتري: أنا أخذته بألف. وقال البائع: بل أنا بعته إليه بألفين. فإنه -الشفيع- يدفع للمشتري ألفًا، والمشتري يدفع للبائع ألفين؛ لأنه أقر على نفسه.
الشيخ: لكن ما هو بظلم؟
(2/2187)
________________________________________
الطالب: لأنه هو الذي تسبب في نفسه، وهنا تتبعض الأحكام.
الشيخ: تتبعض الأحكام صحيح، فنقول للمشتري: ليس لك إلا ما أقررت به، وهو الألف. ونقول للبائع: لك ما أقمت البينة عليه، وهو كم؟
طلبة: ألفان.
الشيخ: ألفان. وهذا واضح، مأخذ هذه المسألة واضح جدًّا، لكننا ذكرنا على هذا ملاحظة، مَن يعرفها؟
طالب: إذا كان المشتري ..
الشيخ: يعني لو قال المشتري: أنا غلطت.
الطالب: قال: أخطأت. يُقبل قولُه بعينه، يقول: نسيت، أو اشتريته بألفين. فنقبل قوله بعينه إذا كان ثقة.
الشيخ: يعني على كل حال المشتري الآن اللي بيقول: أنا اشتريته بألفين، والدليل البينة -هذه البينة اللي شهِدَتْ للبائع بأنه باعه بألفين- وأخَذَ مني ألفين، هذه البينة، أعطني ألفًا، يقول للشفيع: أعطني ألفًا مع الألف الذي أعطيتني.
الطالب: أولًا نقول له: أنت اعترفت على نفسك في البداية.
الشيخ: صحيح.
الطالب: فإذا قال: أنا نسيت. ننظر إليه؛ إذا كان ثقة قَبِلْنا قولَه بعينه.
الشيخ: طيب، إذن نقول له: أنت الآن تريد أن تحتج ببينة البائع، وأنت في الحقيقة كذَّبْتَ البينة ولَّا لا؟ كيف كذَّبها؟ لأنه أقر أنه بألف، فإقراره هذا يتضمن أنه كذَّب البينة التي قالت: إنه بألفين. واضح؟ لكن كما قلنا: إنه إذا ادَّعى الغلط أو النسيان فإنه على القول الراجح: إذا كان معروفًا بالصدق يُقبل قولُه، خصوصًا إذا عرفنا أن مثل هذا الشقص ليست قيمته ألف ريال، وأن قيمته أكثر من ألف ريال، فهنا لا شك أننا نأخذ بقول المشتري: إنه أخطأ أو نسي.
يقول: (عهدةُ الشفيعِ على المشتري، وعهدةُ المشتري على البائع) ويش معناه؟
طالب: يعني تبعاته والمسؤولية ..
الشيخ: التبعات والمسؤولية؟
الطالب: على المشتري.
الشيخ: على المشتري من قِبَل الشفيع.
الطالب: نعم.
الشيخ: (وعهدةُ المشتري على البائع)، ما يُستثنَى من هذا شيء؟
(2/2188)
________________________________________
طالب: صورة من الصور وهي: إذا قضى البائع بالبيع وأنكر المشتري، فهنا عهدة الشفيع على البائع.
الشيخ: تمام، إذا أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري، هنا عهدة المبيع على؟
الطالب: البائع.
الشيخ: على البائع؛ لأن المشتري ما أقرَّ.
كيف نأخذ بالشفعة والمشتري أنكر أن يكون اشترى، والشفعة فرع عن الشراء؟
الطالب: نقول يا شيخ: إن البائع قال بحقين: حق المشتري، وحق الشفيع. فلما أنكر المشتري حقه ثبت حق الشفيع.
الشيخ: تمام صحيح.
***
الآن نأخذ من الوديعة شُوَي.
بسم الله الرحمن الرحيم، نسأل: ما حكم الوديعة بالنسبة للمودَع وللمودِع؟
طالب: حكم الوديعة بالنسبة للمودِع: مباحة، وللمودَع: سُنَّة إذا استطاع حفظَها.
الشيخ: أحسنت، إذن هي للمودِع مباحة، وللمودَع سنة إذا كان قادرًا على حفظها.
ما هو الدليل على سُنيتها بالنسبة للمودَع إذا كان قادرًا؟
طالب: ينظر ( ... ).
الشيخ: لا، هذا ما هو صحيح؛ لأن هذا ما هو ببِرٍّ ولا تقوى، هذه معاملة عادية.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا، فيه آية أوضح من هذا، أخذتها أظن.
طالب: يقول الله عز وجل: {وَأَحْسِنُوا}.
الشيخ: أحسنت، عموم قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
ما هو الواجب أن يحفظها المودَع في أي مكان شاء؟ إذا أودعك إنسان شيئًا فما الواجب عليك أن تحفظه فيه؟
طالب: في الحرز يا شيخ، في شيء يحفظه.
الشيخ: حرز مثلِه ولَّا أَحْرَز ولَّا أدَوْن؟
الطالب: حرز يحفظ الوديعة.
الشيخ: إذا أودعه شاة يجعلها في الصندوق التجوري؟ !
الطالب: لا يا شيخ، في مثل ( ... ) بشروط.
الشيخ: صحيح، بارك الله فيك، جيد. وإذا أودعه ذهبًا؟
الطالب: في الصندوق التجوري.
الشيخ: صح، إذن يختلف الحرز باختلاف المال.
عيَّن المودِعُ حرزًا فأحرزه المودَع بآخَرَ؟
طالب: إن كان مثلَه فنَعَم، أو أحرزَ منه فنَعَم.
الشيخ: ويش معنى نَعَم؟
الطالب: يعني ..
الشيخ: يضمن؟
الطالب: ما يضمن.
(2/2189)
________________________________________
الشيخ: يعني إن كان مثلَه أو أكثرَ فلا بأس. وإن كان دُونَه؟
الطالب: إن كان دُونَه يضمن.
الشيخ: ولو كان حِرْزَ مثلِه؟
الطالب: وإن كان حرزًا مثلَه لا يضمن.
الشيخ: لا، شف، عيَّن حرزًا وأودعه بدونه حِفْظًا، لكن هذا الدُّونَ حرزُ مثلِه.
الطالب: هنا يضمن.
الشيخ: يضمن، لماذا؟
الطالب: لأنه عيَّن الحرز، وهو أودعه في غيره فيضمن.
الشيخ: لأن المودِع عيَّن الحرز، فلا بد أن يودعه في نفس المكان الذي عيَّنه. صحيح.
نأخذ الدرس الآن:
قال: (وإنْ قطع العلف عن الدابة بغير قول صاحبها ضَمِن)
(إنْ قطع) الضمير يعود على المودَع. وقوله: (عن الدابة) يعني: المودَعة، (بغير قول صاحبها ضمن): لأنه لا شك أنه مفرط.
ولكن إذا قال المودَع: أنا قطعت العلف عنها؛ لأني لا أريد أن أنفق عليها من مالي، العلف غالٍ، ولا أدري متى يأتي صاحبها؟
قلنا له: أنت مفرط بلا شك؛ لأنك إذا أنفقت عليها فسوف ترجع على صاحبها، فليس عليك ضرر.
وهنا المسألة لا تخلو من ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن يودعه الدابة ويقول: يا فلان أنفق عليها.
والثانية: أن يودعه ويقول: لا تنفق.
والثالثة: أن يودعه ويسكت.
فعليه الضمان في حالين، ولا ضمان عليه في حال.
الحالان هما؛ إذا قال: أنفق عليها ولم ينفق، أو سكت. ففي هذين الحالين إذا تلفت الدابة فإنه يضمن؛ لأنه مفرط، كما لو وضعها في برد قارس وهي لا تستطيع مقاومته، أو في حر شديد وهي لا تستطيع مقاومته، فإنه يكون ضامنًا.
وعُلِمَ من قول المؤلف -وكلمة عُلِم عند الفقهاء تعني المفهوم، إذا قالوا: عُلِم منه، يعني مفهوم الكلام، مفهومه: - أنه لو قال صاحبُها: لا تنفق عليها، فتلفت فإنه لا يضمن، لماذا؟ لأن صاحبها أذن له فيما يقتضي تلفها، فهو كما لو أذن له في ذبحها، فلا ضمان على المودَع. أنتم معنا؟
(2/2190)
________________________________________
إذا أودعه دابة وقال له: الإنفاق؟ قال: لا تنفق عليها. فتركها حتى ماتت، فلا ضمان عليه، لماذا؟ لأن صاحبها أذن له بما يقتضي تلفها فلم يضمن له، كما لو أذن له بذبحها فذبحها فإنه لا ضمان عليه، أظن التعليل واضح.
هذا ما قاله المؤلف رحمه الله، لكن فيه نظرًا؛ لأن ترك البهيمة تموت عطشًا وجوعًا إثم يعذب عليه الإنسان في النار، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنه رأى في النارِ امرأةً عُذِّبَتْ في هِرَّةٍ حبسَتْها لا هي أطعمَتْها ولا هي تركَتْها (1). ويكون صاحبها قد أذن له في شيء محرم، ولا يجوز الموافقة على شيء محرم، فيكون ضامنًا، عليه الضمان؛ لأنه لو شاء لقال لصاحبها -لما قال: لا تنفق عليها- لو شاء لقال له: إذَنْ لا أقبلها، يلحقني الإثم.
فالصواب أنه يضمن، ولكنه في هذه الحال يُجعل ما ضمنه في بيت المال، ويُحْرَمُ إياه صاحبها، صاحبها لا يُعطَى شيئًا؛ لأنها تلفت بقولٍ من صاحبها يقتضي تلفها، لكننا نُضَمِّنُ هذا الذي وافقه على المعصية ونجعل ما ضمنه نجعله في بيت المال، هذا هو القول المتعين، وعليه يُحمَل قولُ مَن قال من الأصحاب: إنه يضمن، يعني يُحمَل قولهم: إنه يضمن، على أنه يضمن، ولكن يُجعل في بيت المال، جزاءً لصاحبها وعقوبةً له.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، لو أعطى وديعة يعني دراهم وصَرَفها بدراهم أخرى، ولكنها لم يتصرف بعمل آخر.
الشيخ: ويش فائدته؟ ما فائدة أن يصرفها وهو لا يريد أن ينفقها؟
الطالب: كان يحتاج عنده خمس مئة ولَّا أعطاها مفكوكة يعني بأن صرفها.
الشيخ: يعني لمصلحة نفسه؟
الطالب: نعم، أعطى الرجل يعني خمس مئة متفككة، وهو عنده خمس مئة واحدة، فصَرَفها.
(2/2191)
________________________________________
الشيخ: لمصلحة نفسه، هذا لا يجوز، حتى لو أُعْطِيتَ زكاة توزعها أو صدقة توزعها خمس مئة، ما تصرفها إلا لمصلحة المُعطَى، عَرَفْتَ؟ إذن يكون ضامنًا بكل حال مع الإثم، إلا إذا علمْتَ أن صاحبك يرضى، والظاهر أن مثل هذه يرضى الناس بها، ما يعدونها جناية.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الوديعة:
وإنْ عيَّن جيبَه فتركها في كمه أو يده ضمن، وعكسه بعكسه، وإن دفعها إلى مَن يحفظ ماله أو مال ربها لم يضمن، وعكسه الأجنبي والحاكم، ولا يُطالَبان إن جهلا.
وإن حدث خوف أو سفر ردها على ربها، فإن غاب حملها معه إن كان أحرز، وإلا أودعها ثقة.
ومن أُودِعَ دابةً فركبها لغير نفعها، أو ثوبًا فلبسه، أو دراهم فأخرجها من محرز ثم ردها، أو رفع الختم ونحوه عنها، أو خلطها بغير متميز فضاع: الكل ضمن.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ما تقول في رجل أُودِعَ دابةً وقال له صاحبها: لا تنفق عليها، فماتت؟
طالب: المذهب: أنه لا يضمن.
الشيخ: أنه لا ضمان عليه. والقول الثاني؟
الطالب: يجب عليه الضمان؛ وذلك لأن صاحب الدابة قد أمره بفعل مُحرَّم، فيجب معصيته.
الشيخ: عليه الضمان؛ لأن صاحب الدابة أمره بشيء محرم، طيب إذن؟
الطالب: فعليه الضمان، لكن صاحب الدابة لا يستحق هذا الضمان، وإنما يكون في بيت المال.
الشيخ: يعني على هذا المودَع الضمان؟
الطالب: إي نعم، عليه الضمان.
الشيخ: ويكون في بيت المال؟
الطالب: نعم.
الشيخ: صحيح، هذا هو القول الراجح.
رجل أودع دابة وقال للمودَع: أنفق عليها بالمعروف. فأنفق عليها أكثر، هل يرجع بما زاد على صاحبها أو لا؟
طالب: لا يرجع بما زاد على صاحبها.
الشيخ: ليه؟
الطالب: لأنه عيَّن له.
(2/2192)
________________________________________
الشيخ: قال له: أنفق عليها بالمعروف.
الطالب: بالمعروف، فيكون الزائد عليه هو.
الشيخ: فيكون الزائد عليه هو؛ لأنه لم يؤذن له فيه. وإن لم يقل بالمعروف؟
الطالب: ينفق بالمعروف.
الشيخ: ينفق بالمعروف، تمام، فإن زاد لم يرجع على صاحبها.
ثم قال المؤلف رحمه الله -وهو درس الليلة-: (وإن عيَّن جيبه فتركها في كمه أو يده ضمن، وعكسه بعكسه)
(إن عيَّن جيبه فتركها في كمه أو يده) وتلفت (ضمن)، مَن الضامن؟
طلبة: المودَع.
الشيخ: المودَع.
(عيَّن جيبه) يعني قال: اجعلها في جيبك، يعني في المخباة التي في الجيب هنا مثل مخباتي هذه، هذه مخباة الجيب، لكن هو جعلها في كمه. كيف كمه؟ ! الكُم على قدر الذراع.
فيقال: هذا كان معروفًا عند الناس فيما سبق؛ أن الرجل له أكمام ضافية واسعة ما تدخل بها اليد، بل هي من جنس الغترة هكذا يجعلونها هنا، من أجل أن يقضوا حوائجهم بها.
ولهذا تجد أناسًا يلاقونك بالسوق، وهذه الكم هذا فيه شاي، وهذا سكر، وهذا قهوة، وهذا هيت، كانوا يفعلون هكذا. فهذا الرجل قال: اجعل هذه الدراهم في جيبك، يعني عيَّن الجيب، فربطها في كمه فسُرِقت، عليه الضمان؟
طلبة: نعم.
الشيخ: عليه الضمان؛ لأن الجيب أحفظ؛ لأن الجيب لا يكاد أحد يقدم عليه؛ لأنه أمام الإنسان وعلى صدره، وهذا يمكن أحد يتغافل الإنسان ويفكه ويمشي، على أن بعض السراق عندهم شطرة عظيمة جدًّا جدًّا؛ كما هو ( ... )، ولو طُبِّقَ الحد ما أقدم أحد على السرقة؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يُرخِص يدَه في شيء من المال.
على كل حال نرجع الآن إلى درسنا، إذا تركها في كمه وقد عيَّن صاحبُها جيبه فسُرقت ضمن.
(أو جعلها في يده)، قال: بدل ما إني أَخلِّيها في جيبي أخليها بيدي أضبط، فتلفت فعليه الضمان.
فإذا قال قائل: أليس كونها في يده أحرز من كونها في جيبه؟
(2/2193)
________________________________________
قلنا: لا؛ لأن الإنسان يعمل ويأخذ بيده، ويقبض ويسلم ويصافح، ربما ينسى ويضعها من يده في أي مكان وتضيع، فإذا عيَّن جيبه وتركها في يده فضاعت ضمن.
(عكسه بعكسه) يعني: لو عيَّن الكم فجعله في الجيب، عين الكم قال: خذ هذه اجعلها في كمك، فجعلها في جيبه فلا ضمان؛ للقاعدة السابقة: أنه إذا عيَّن الحرزَ صاحبُها، فأحرزها فيما هو أشد، أيش؟
طلبة: فلا ضمان.
الشيخ: فلا ضمان.
عيَّن يدَه قال: خد امسكها بيدك لا تُطْلِقها، فجعلها في جيبه، يضمن أو لا يضمن؟
طلبة: لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن، ليش؟ لأن الجيب أحفظ من اليد.
فإذا قال قائل: إذا كان خاتمًا وقال: اجعله في أصبعك، فجعله في جيبه، فأيهما أحرز؟
طلبة: اليد.
الشيخ: الظاهر اليد أحرز، اليد لا شك أنها أحرز؛ لأن الجيب ربما مع السجود مثلًا أو خفْضِ الظهر ربما يسقط الخاتم، لكن في الأصبع ما يمكن إلا إذا حاول خلعه، أو قُطعت الأصبع مع الخاتم!
إذن يكون إذا عيَّن الجيب فجعلها في اليد فهو ضامن، إلا فيما إذا كان وجوده في اليد أحرز كما لو عيَّن الجيب -وهو خاتم أي الوديعة- وجعلها في أصبعه، فهذا لا شك أنه أحرز.
(وإن دفعها إلى مَن يحفظ ماله أو مال ربِّها لم يضمن):
إذا (دفعها)، الفاعل مَن؟
طلبة: المودَع.
الشيخ: المودَع.
(إلى من يحفظ مالَه أو مالَ ربِّها لم يضمن):
(إلى من يحفظ ماله) يعني: المودَع عنده غلمان، عنده خدم، عنده أولاد يحفظون ماله، فدفعها إليهم فإنه لا ضمان عليه؛ لأن هذا ما جرت به العادة، والإنسان الكبير السيد الشريف لا يمكن أن يتولى حفظ الودائع بنفسه، بل لا بد أن يكون له أيش؟ من يحفظ ذلك: خدم، أولاد، عبيد، نساء، زوجات.
المهم إذا دفعها إلى من يحفظ ماله فتلفت فإنه لا يضمن، إلا إذا نصَّ صاحبُها عليه وقال: لا تعطها أحدًا، هي مني إليك ومنك إليَّ. فهنا يضمن، لماذا؟ لأنه عيَّن حرزًا أقوى من حرز العادة، وقد سبق أنه إذا عيَّن حرزًا؛ يتعين ولَّا ما يتعين؟
(2/2194)
________________________________________
الطلبة: يتعين.
الشيخ: يتعين، فإذا كان هذا الرجل اللي أعطاه الوديعة قال: شف لا تعطها أهلك، لا تعطها الخادم، لا الولد، هي مني إليك ومنك إليَّ. فحينئذٍ إذا دفعها إلى من يحفظ ماله فهو ضامن؛ لأنه أقل حفظًا من المودَع.
كذلك إذا (دفعها) إلى (مَن يحفظ .. مالَ ربِّها لم يضمن)، يعني: هذا المودَع كأنه مَلَّ من الوديعة وأراد أن يردها، فردها إلى مَن يحفظ مالَ صاحبِها فلا ضمان عليه، مثل أن يردها إلى خدم المودِع، أو إلى غلامه، أو إلى أهله فإنه لا ضمان عليه، مع أنه لم يقل له: ادفعها إلى أهلي، ولم يوكل أهله في قبضها.
وهذه المسألة فيها خلاف، فمن العلماء من يقول: إنه إذا دفعها إلى من يحفظ مال ربها بغير إذن ربها فإنه ضامن؛ لأنه لم يُوَكَّل في دفعها إلى غيره فهو ضامن، والذي ينبغي أن يُرجع في ذلك إلى العرف، ما جرى به العرف اتُّبِع، وما لم يجرِ به العرف لم يُتَّبع، فالأشياء الثمينة جرت العادة أنها لا تُرَدُّ الوديعة منها إلا؟
طلبة: لصاحبها.
الشيخ: إلى صاحبها بنفسه، والأشياء العادية كالأواني والفرش والبهائم جرت العادة أنه يتولى قبولها عند ردها من يحفظ مال ربها، فيُرجع في ذلك إلى العرف، فما جرى العرف بأنه يُدفع إلى مَن؟ إلى من يحفظ مال ربها، فدفعها إليهم فلا ضمان عليه، وما جرى العرف بأنه لا بد أن يُسلَّم إلى نفس المودِع فإن عليه الضمان.
الوثائق التي فيها إثبات الديون على الناس والمبيعات والمُؤْجَرَات وما أشبه ذلك، هل تُدفع إلى مَن يحفظ مال ربها؟
طالب: لا.
الشيخ: لا، جرت العادة لا تُدفع إليهم، إنما تُدفع إلى ربها، إلا إذا قال: رُدَّها إلى أهلي أو إلى مَن يحفظ مالي، فعلى ما قال.
يقول: (مالَ ربِّها لم يضمن، وعكسه الأجنبي والحاكم) (عكسه): عكس أيش؟ عكس دفْعِها إلى مَن يحفظ مال ربها، (الأجنبي): الذي لا يتولى حفظ مال ربها، ولا حفظ مال المودَع، هذا الأجنبي.
(2/2195)
________________________________________
وبهذا التفسير نعرف أن كلمة الأجنبي يختلف معناها باختلاف مواضعها، فتكون في موضع لها معنى، وفي موضع آخر ليس لها معنى، فإذا قيل: تصح الوصية لأجنبي ولا تصح لوارث، ما المراد بالأجنبي؟
الطلبة: غير الوارث.
الشيخ: من ليس بوارث. وإذا قيل: يحْرُمُ كشْفُ المرأةِ وجهَها لأجنبي ويجوز للمحارم. الأجنبي؟
الطلبة: غير المحارم.
الشيخ: غير المحارم، المهم أن الأجنبي في كل موضع بحسبه.
هنا يقول: (الأجنبي) من الأجنبي؟ مَن لا يحفظ مال ربها ولا مال المودَع، هذا الأجنبي، يعني دفَعها إلى جاره، نقول: عليه الضمان؛ لأن الجار أجنبي، ليس يحفظ مال ربها ولا مال المودَع، فيكون ضامنًا إذا تلفت عند الجار سواء تلفت بتفريط أو تعدٍّ، أو بغير تفريط ولا تعدٍّ.
(الحاكم) مَن؟ القاضي، وسُمِّي حاكمًا؛ لأنه يحكم بين الناس، وسُمِّي قاضيًا؛ لأنه يقضي بين الناس. إذا دفعها إلى الحاكم فهو ضامن؛ لأنه لم يؤمر بدفعها إليه، والحاكم إنما يكون نائبًا عن الغائب أو الميت أو نحوهما، لا عن كل الناس.
فمثلًا رجل في مدينة أُودِع دراهم، خذ هذه عشرة ملايين اجعلها عندك. فجعلها عنده، ثم أخذها وأعطاها القاضي، وصاحبها موجود، هل للقاضي الحق أن يأخذها؟ لا، وليس للمودَع الحق أن يسلمها للقاضي؛ لأن القاضي إنما ينوب عن مَن؟
طالب: عن الغائب.
الشيخ: عن الغائب أو الممتنع أو ما أشبه ذلك، أما هنا لا ضرورة، فيضمن، يضمن المودَع إذا تلفت عند الأجنبي أو عند الحاكم، مَن يطالِب المودِع؟ يعني صاحب الوديعة مَن يطالِب؟ يطالب المودَع.
وهل يطالب الحاكمَ والأجنبيَّ؟
يقول المؤلف: (ولا يُطالَبان إن جهلا) يعني: لا يُطالَب الأجنبي إذا جهل أنها وديعة عند مودَع؛ لأنه معذور، جاءه رجلٌ قال: خذ هذه اجعلها عندك وديعة. فأخذها على أنها ملك الرجل الذي أعطاه، وعلى أنه محسن فلا ضمان عليه، الحاكم كذلك لا ضمان عليه.
(2/2196)
________________________________________
أما إذا علما أنها وديعة فعليهما الضمان، ولصاحب الوديعة أن يطالب المودَع؛ لأن الحاكم أو الأجنبي حصل التلف تحت يده، وذاك حصل التلف بتسليطه هؤلاء على هذه الوديعة، فله أن يطالب هذا وهذا. وأما مع الجهل فلا يطالِب الحاكمَ ولا الأجنبيَّ، قال: (ولا يطالَبان إن جهلا).
لكن لو أن المودَع أُعطِيَ عشرة ملايين وديعة، وأودعها في البنك فهل يضمن؟
طلبة: لا يضمن.
طلبة آخرون: يضمن.
الشيخ: لا يضمن! يضمن!
طالب: البنوك أحرز.
الشيخ: البنوك أحرز لا شك، لكن هذا الرجل يعلم عن البنوك -المودِع- لكن لا يريد أن يعطيها البنوك تطوعًا وتدينًا، فكأنه نهاه أن يعطيها البنك، فكونه يختار أن يجعل عنده الدراهم وهو يشاهد البنوك وهو يعلم، كلنا يعلم أن البنك أحرز، إعطاؤه إياها بمنزلة نهيِه أن يعطيها البنك، فيعتبر هنا متعديًا، ولَّا لا شك أن البنك أحرز.
لكن مثل هذه الحال يقدر يقول: والله أنا ما أستطيع أني أحفظ هذه الدراهم الكثيرة، أتأذن لي إن اشتد معي القلق أو الخوف أن أجعلها عند البنك؟ إذا قال: نعم. يعمل بما أذن له فيه، وإن قال: لا. يقول: خذ دراهمك لا أقبل الوديعة؛ لأنه في حل.
يقول: (وإن حدث خوفٌ أو سفرٌ): لمن؟
طلبة: للمودَع.
الشيخ: للمودَع، (حدث خوف): بأن كثرت السرقات مثلًا، أو دخل البلد عدوٌّ وخاف عليها. (أو سفرٌ) مِمَّن؟
طلبة: من المودَع.
الشيخ: من المودَع، أراد أن يسافر.
(ردَّها على ربها) وجوبًا، ولا يجوز أن يبقيها عنده مع الخوف، أو في بيته مع السفر؛ لأنه في هذه الحال مفرط؛ إذ الواجب التخلص من الخوف، أو التخلص من إبقائها في بيت لا يسكنه أحد، (ردَّها على ربها).
(2/2197)
________________________________________
فإن حدث سفر منه، لكن البيت فيه الأهل والأولاد، فهل يلزمه أن يردها؟ يعني هل يضمنها في هذه الحال لو بقيت؟ الجواب: لا، خصوصًا وأنه سبق لنا أنه إذا دفعها إلى مَن يحفظ ماله فلا ضمان، فهنا نقول: لا ضمان، لكن ينبغي له -أي للمودَع- إذا أراد أن يسافر ولا سيما إذا كانت الوديعة كبيرة؛ أن يقول له: إني سأسافر، فهل تأذن أن أبقيها عند الأهل أو أردها؟
(ردَّها على ربها، فإن غاب): مَن الغائب؟ (إن غاب) أي: ربُّها، إن غاب أو تغيَّب، المهم إذا لم يجده عند السفر أو عند الخوف، لكن عند السفر؛ لأنه قال: (حملها معه إن كان أحرز):
إن غاب صاحبها فإنه يحملها معه، بشرط أن يكون سفره بها أحرز من إبقائها، والغالب أن السفر بها ليس بأحرز؛ لأن السفر يحصل فيه آفات، لكن مع ذلك يقول: (إن كان أحرز).
(حملها معه إن كان أحرز، وإلا) يعني: وإن لا يكن أحرز (أودعها ثقة) أي: جعلها وديعة عند ثقة، فمَن الثقة؟
الثقة مَن جمَع وصفين: القوة، والأمانة، وهذان الوصفان في كل عمل، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26]. وقال الجِنِّيُّ -العفريت- لسليمان: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} أي: بعرش بلقيس {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39]. فالمراد بالثقة هنا: القوي الأمين، فلا يودعها ضعيفًا، ولا يودعها غير أمين.
فإن قال قائل: أرأيتم لو أقرضها مليئًا أيجوز؟ فالجواب: لا؛ لأن القرض عقد لا يجوز إلا ممن يملك العقد أو نائبِه أو وكيلِه، وهذا المودَع لم يوكَّل في القرض.
ولاحظوا أن الإيداع عند البنوك من باب القرض، الناس يسمون -مع الأسف الشديد- يسمون إعطاء البنوك الأموال يسمونه إيداعًا، وهذه تسمية خطأ، بل هي في الحقيقة قرض، ولهذا ينتفع بها البنك ويُدخِلها في رأس ماله ويتَّجر بها ويضمنها لو تلف مالُه كله؛ لأنه أيش؟
طالب: قرض.
(2/2198)
________________________________________
الشيخ: لأنه قرض، والعلماء نصُّوا تصريحًا بأنه إذا أذن المودِع للمستودَع أو للمودَع أن ينتفع فهذا قرض، يعتبر قرضًا.
فيه بنوك تقبل الوديعة، بمعنى أن الدراهم التي تُعطَى إياها تجعلها في صناديق معينة محفوظة بنفسها لا يتصرف فيها البنك، هذا وديعة محضة.
قال: (وإلا أودعها ثقة)، وإن لم يجد ثقة؟ هو لا يأمن إن سافر بها، ولم يجد ثقة يودعها عنده، ماذا يصنع وربُّها غائبٌ؟
طلبة: الحاكم.
الشيخ: الحاكم، يعطيها الحاكم؛ لأن الحاكم وليُّ مَن ليس له ولي.
ثم قال: (ومَن أُودِع دابةً فركبها لغير نفعها) فهو ضامن.
(أُودِع دابةً فركبها): مثل؟
طالب: فرس.
الشيخ: فرس، حمار، بعير، أودعه عنده فركبه لغير نفعه فهو ضامن، ضامن إن تلف من هذا العمل أو من بعده أيضًا؛ لأنه بمجرد ما يخرج الوديع أو المودَع عن الأمانة يكون ضامنًا بكل حال، سواء تعدى أو فرط، وسواء تلف الشيء بنفس العمل أو بما بعده.
هذا رجل مشغوف بركوب الخيل، وأُودِع فرسًا، فجعل كل يوم يسابق عليه، أو كل يوم يُرَكِّضُه لغير نفع الفرس، يضمن أو لا؟
طلبة: يضمن.
الشيخ: يضمن إن تلف في نفس الاستعمال، أو في غير نفس الاستعمال.
طالب: الأول لا الثاني.
الشيخ: لا، أنا أقول: في هذا وهذا، أنا الآن أشرح ما أستفهم، يضمن في هذا وهذا، أما كونه يضمن في نفس الاستعمال فواضح، وأما كونه يضمن بعده حتى لو أدخله في الحرز يضمن؛ فلأنه باستعماله إياه صارت يده غير أمينة، فيبقى الفرس عنده في يد غير أمينة، فيضمن.
وعُلِم من قوله: (لغيرِ نفْعِها) أنه لو ركبها لنفعها فليس بضامن؛ لأنه محسن، لكن كيف يركبها لنفعها؟ يركبها -مثلًا- ليذهب بها إلى الماء تشرب، أو يُرَوِّضُها؛ لأنها إذا بقيت ربما تخمل ولا تكون قوية، فهو يركبها لنفعها، فلا ضمان عليه؛ لأن هذا خير.
(أو ثوبًا فلبسه) يضمن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لكن إذا قال: أنا أريد أن ألبسه للجمعة، الجمعة يُسَن فيها لبسُ أحسن الثياب. يضمن؟
طلبة: نعم.
(2/2199)
________________________________________
الشيخ: إذا قال: أنا أعطيت صاحبها خيرًا؛ لأنه يؤجَر، أنا أؤجر بلبس أحسن الثياب، وهو يؤجر؛ لأنه أعانني على هذا. نقول: أنت لا تؤجر، من قال: إنك تؤجر باستعمال مال غيرك؟ ! هذا ظلم فلا أجر لك، وإذا بطل أجرُك بطل أجرُه هو؛ لأن أجْرَه فرْعٌ عن أجرك.
فإن قال: إني لبسته من أجل ألا يتسفَّط ولا يتعرفط؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما هو صحيح؟ ! هذا صحيح: الثوب إذا غسلته وخليته هكذا يعني يتعرفط.
طلبة: ينشره.
الشيخ: نقول: الحمد لله، الآن عندنا المكواة، إذا اضْطُرَّ إلى غسله -وهو على كل حال في الغالب ما يُضْطَرُّ إلى الغسل؛ لأنه لا يستعمل لكن إذا اضْطُرَّ- ورأى من مصلحته غسلَه فإنه يكويه.
فإن قال: إنه لبسه لئلا يدخله السوس؛ لأن الحرير إذا لم يُبرَز في أيام الصيف أيام الحر يحترق ويتمزق، وقال: إنه يلبسه لئلا يلحقه السوس. فما الجواب؟
طلبة: لا يضمن، صحيح ( ... ).
الشيخ: لا، نقول: يمكن أن تُنَفِّهه تطلعه وتنشره بدون لبس.
طالب: لبس الحرير لا يجوز.
الشيخ: إذا جاز، ملك امرأة ما يجوز؟
الطالب: بلى.
طالب آخر: بارك الله فيكم، لو أنه أخرج الأمانة لغير نفْعِها -وديعة- ثم إنه بعد هذا تاب ..
الشيخ: إي بيجينا، هي المسألة اللي تلي مسألتنا هذه.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، المودِع أعطى للمودَع الخاتم، قال: احفظه في البنصر، فحفظه في الخنصر، ثم سقط وضاع.
الشيخ: ويش تقولون في هذا السؤال؟ يقول: إن صاحب الخاتم قال للمودَع: اجعله في بنصرك، ولكن المودَع جعله في الخنصر، إذا كان الخاتم ما يدخل في البنصر، ويش يُسَوِّي؟
طالب: يضعه في جيبه ( ... ).
الشيخ: لا، على كل حال إذا قال له: اجعله في البنصر، يقول: اصبر يا شيخ، نجرب الآن أمامك، إن أمكن فلا بأس، وإن لم يمكن فخذ خاتمك.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، صاحب العشرة ملايين الذي طلب إيداعها في منزل المودَع تدينًا وتورعًا، ما جرت عادة الناس أنهم يودعون عشرة ملايين في البيوت.
الشيخ: ما جرت؟ ! !
(2/2200)
________________________________________
الطالب: عادة الناس أنهم يودعون عشرة ملايين في البيوت؟
الشيخ: لا، ما تدري عن الناس أنت، لا، جرت العادة، لكن ما نريد أن نشرح أين يضعونها؟ ولَّا جرت العادة.
الطالب: عشرة ملايين؟ ! !
الشيخ: عشرة ملايين.
الطالب: قرش ولَّا .. ؟
الشيخ: لا، قرش ثقيل، عشرة ملايين ورق خمسين مئة.
طالب: لو أُودِعْتُ مالًا ثم احتجتُه فتصرفْتُ في جزء منه، فهل يجوز لي؟
الشيخ: بيجينا إن شاء الله، هي المسألة التي تلي هذا.
طالب: لو استعمل المودَع الثوب عرف أن المودِع يرضى بذلك، ثم تلف هل لا يضمن؟
الشيخ: هذا يرجع عادة إلى المودِع، إذا قال: أنا ما أسمح لك، مين قال: إني أسمح لك؟
طالب: شيخ، القاعدة اللي قلناها أن الفقهاء نصُّوا على أن المودِع إذا أذن للمودَع بالتصرف فإن هذا يعتبر قرضًا، على أي أساس بُني هذا يا شيخ، القرض معروف أن يأتي إنسان لآخر فيستقرض؟
الشيخ: الوديعة -بارك الله فيك- هي أن الإنسان يوكل شخصًا في حفظ ماله، هذه الوديعة، وهذا ما حفظ المال أنفقه، فإذا أذن له أن ينفقه فكأنما أقرضه إياه، بل هو إقراض حقيقي.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، أُودِع شخص سيارة، وإن السيارة إذا طالت وقوفُها تتأثر؛ لذلك أخرجها ..
الشيخ: تمشي، يمشي عليها.
الطالب: يمشي عليها ويرجعها أحيانًا، وتلفت.
الشيخ: ما هو هذا لنفعها ولَّا لا؟ هل هذا لنفعها ولَّا لا؟
الطالب: لنفعها.
الشيخ: وهل يلزم أن يُخرِجها، أو يكفي أنه يشغل السيارة؟ اللي أعرف أنه حتى إذا طالت المدة ما يحتاج يُمَشِّيها.
طالب: الكفرات ( ... ).
الشيخ: الكفرات؟ ما تتأثر.
طالب: يغطيها ( ... ).
الشيخ: لا ما تتأثر.
طالب: يطرحها على ( ... ).
الشيخ: إلى الآن ما أعرف إلا أن تشغيل السيارة وهي واقفة يكفي؛ لأن المقصود ألا تُجَيِّمها ويحصل هذا، أليس كذلك؟ لكن يمكن سيارات إفريقيا ما أدري عنها.
طالب: إذا امتنع صاحب الوديعة عن تسلُّمِها، ما تُسَلَّم للحاكم؟
(2/2201)
________________________________________
الشيخ: إي، بيجينا إن شاء الله، يمكن يأتينا في آخر الباب.
طالب: إذا كان -يا شيخ- المودَع له بيتان؛ بيت في مدينة، وبيت في مدينة أخرى يسافر إليها، فلاقاه المودِع -مالك الوديعة- وتركها عنده، فسافر بها إلى بيته في مكان آخر ووضعها في بيته.
الشيخ: أيهما أحرز؟
الطالب: كلاهما أحرز.
الشيخ: أجل، يبقى في البيت الذي ليس فيه سفر.
هذا يقول: هذه معلومة لطيفة: السنة الماضية أعلنت إحدى دول أمريكا الجنوبية أحكامًا لقطع يد السارق بعد تكاثر السرقات، وبعد شهر من الإعلان هبطت نسبة السرقة بشكل ملحوظ.
سبحان الله، الحمد لله، هذا أمر في الحقيقة بالنسبة لنا نؤمن به، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى أحكمُ الحاكمين وأرحمُ الراحمين، لا يمكن أن يوجب قطْعَ عضوٍ من عبدٍ من عبيده إلا والحكمةُ تقتضيه، وها هو الإنسان المريض نكويه بالنار من أجل مصلحته.
ولكن مع الأسف أن بعض الدول الإسلامية تنخنس وراء هذه الدعايات الباطلة، والتي يسمونها حقوق الإنسان، ثم تُلغِي هذا؛ قطْع يد السارق، قتْل القاتلِ، قتْل المفسدِ في الأرض، وما أشبه ذلك.
طالب: ذكر المؤلف يا شيخ أنه إذا غاب صاحبُ المال فليسلمها لما يسمى ثقة، لكن الشارح قدَّم الحاكم، قال: يُقدَّم الحاكم إذا انعدمت الثقة، أيهما المذهب يا شيخ؟
الشيخ: لا، المذهب اللي في الشرح، لكن ما قاله المؤلف أحسن، إذا وجد الإنسان ثقة ما تحتاج تروح للحاكم خصوصًا في وقتنا هذا، إذا ذهبت للحاكم تحتاج إلى كتابات في إدخالها وكتابات في إخراجها، وإذا كان يعني ثقة كفى.
طالب: شيخ بارك الله فيكم، وضْع المال سواء كان قرضًا أو إيداعًا فيما يتعامل بالربا من البنوك، هل هو من الأمور المباحة؟
الشيخ: إذا كانت البنوك مئة بالمئة ما تستعمل إلا الربا فلا يجوز، إلا إذا كانت وديعة حقيقية بمعنى أن دراهمي معينة بظرفها مختومًا عليها هذا لا بأس.
(2/2202)
________________________________________
وأما إذا كانت لها معاملات أخرى كمقاولات ومضاربات وما أشبه ذلك، فإن ذلك مما يُشتَبه فيه ويكون شبهة، فإن دعت الحاجة إليه جاز؛ لأن ما حرم للشبهة يزول بالحاجة، وما حرم بالقطع لا يجوز إلا بالضرورة.
وهذه من مهمات طالب العلم؛ أن يعرف الفرق بين ما كان تحريمُه تحريمَ شبهة فتبيحه الحاجة، وما كان تحريمُه تحريمَ قطْع فلا يبيحه إلا الضرورة.
الطالب: شيخ، إذا كان من القسم الثاني فما حكم الزائد على المال، إن كان فيه مضاربة وفيه ربًا فأودعته ألفًا فجاء ألف ومئة؟
الشيخ: لا بأس إذا كان استعماله في المضاربة خاصة، لكن ما ندري.
طالب: شيخ بارك الله فيك، ذكرنا أن المودِع إذا أذن للمودَع بالتصرف فإنه يكون قرضًا، لكن يا شيخ أشكل عليَّ أن القرض يكون له مدة محددة، يعني أن المُقرِض لا يستطيع أن يأخذ ماله إلا بعد انتهاء هذه المدة إن طالت أو قصرت، لكن الوديعة يستطيع أن يأخذها في أي وقت.
الشيخ: من أنبأك أن القرض لا بد له من مدة؟ من أنبأك؟ قل: أنبأني الكتاب والسنة، وإلا فاسحب هذا السؤال.
الطالب: هذا حسب علمي يا شيخ، ولا أدري.
الشيخ: لا، عِلْمُنا غير معلوم هذا، المذهب عكس كلامك بالضبط، لو أجَّل القرض ما صح التأجيل، يعني لو قال: خذ هذه سلفًا إلى سنة، ما صح التأجيل، له أن يطالب بها من الغد، ومر علينا هذا من قبل ولَّا ما مر؟ مرَّ وقلنا: إن القول الراجح أنه يتأجل إذا أجَّله، أما بدون تأجيل فهو حالٌّ، متى ما شاء طالب به، انتهى الإشكال.
الطالب: القول الراجح في القرض يبقى الإشكال؟
الشيخ: ما يبقى إشكال، إذا قال: خذ هذه وديعة، وإن احتجت فتصرفْ فيها، ولكن لا أجل بيننا، ما فيه إشكال، التأجيل ليس بشرط.
***
طالب: قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب الوديعة:
ومَن أُودِع دابة فركبها لغير نفْعِها، أو ثوبًا فلبسه، أو دراهمَ فأخرجها من محرز ثم ردها، أو رفَع الختْمَ ونحوَه عنها، أو خلطها بغير متميز فضاع الكل: ضمن.
(2/2203)
________________________________________
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إذا دفع الوديعة إلى مَن يحفظ مال ربِّها؟
طالب: إذا دفع الوديعة إلى مَن يحفظ مال ربها، ولم يأذن له ربُّها ففيها خلاف بين العلماء، قال بعضهم: إنه يضمن؛ لأنه لم يؤمر بدفعها إلى مَن يحفظ مال ربها. والقول الصحيح: أن يُرجع في ذلك إلى العرف، فإذا كان العرف متعارفًا أن تُدفع هذه الوديعة إلى مَن يحفظ مال ربها فلا يضمن، إذا كان عكس ذلك فعليه الضمان.
الشيخ: واللي مشى عليه المؤلف؟
الطالب: الذي مشى عليه المؤلف قال: إنه لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن، والراجح التفصيل؛ بين ما جرت العادة أنه يُدفع إلى مَن يحفظ مال ربها وما لم تجر العادة به.
إذا دفعها إلى من يحفظ ماله؟
طالب: ما يضمن يا شيخ.
الشيخ: ما عليه ضمان، إي نعم.
إذا كان اللي يحفظ ماله يحفظ الشيء اليسير دون الشيء الثمين؟
الطالب: يأخذها على قدْر حفظِه من المال الذي بيده ( ... ) على ماله ( ... )، القليل على القليل، والكثير على الكثير.
الشيخ: يعني معناه: إذا كان يودِع مثل هذه الوديعة إذا كان يدفع مثل هذه الوديعة إلى أهله فلا ضمان عليه، وإن كان لا يدفع مثل هذه الوديعة إلى أهله فعليه الضمان؛ لأنه مفرط، نعم صح.
نبدأ الدرس الليلة:
(أو ثوبًا فلبسه): إذا أُودِع ثوبًا فلبسه فإنه يضمن، سواء تلف الثوب من أجل اللبس، أو تلف لأمر آخر ولو بعد خلعه؛ وذلك لأنه بمجرد أنْ لبس الثوب انتقلت يدُه من كونها يدًا أمينة إلى كونها يدًا غير أمينة.
وعلى هذا فلو لبس الثوب يتجمل به للجمعة، ولما رجع ردَّه إلى محرزه فعليه الضمان إذا تلف من محرزه؛ لأنه تعدَّى حيث فعل ما لم يُؤذَن له به، لا شرعًا ولا عرفًا، لا مِن صاحبِها ولا من عند الله عزّ وجل، فيضمن.
(2/2204)
________________________________________
كذلك لو أُودِع دراهم فاستقرضها فإنه يضمن، حتى وإن احتاج فإنه يضمن؛ لأنه ليس له الحق في أن يستقرضها، أو يتصرف فيها بأي شيء، حتى لو باع أو اشترى فهو ضامن.
يقول رحمه الله: (أو دراهم فأخرجها من مَحْرَز ثم ردها)، وعُلِم من قوله: (من محرز) أنه لو لم يخرجها من المحرز لكن غَيَّر مكانها، مثل أن تكون في الرفِّ الأعلى من الصندوق، فجعلها في الرف الذي تحته، أو كانت في الرفِّ الأدنى فجعلها في الرفِّ الذي فوقه والصندوق واحد، فهنا لا شك أنه غيَّر مكانها، ولكن لم يخرجها من المحرز فلا ضمان عليه.
وقوله: (ثم ردها) يعني: فيضمن ولو أُخذت من الحرز، لكن لو رأى المصلحة في شراء سلعة، فأخرج الوديعة فاشترى السلعة لصاحبها -لصاحب الوديعة- من أجل ما يرجوه من الكسب فإنه يضمن؛ لأنه غير مأذون له بذلك، اللهم إلا إذا كان قد قال له صاحبُها: إن رأيت مصلحة في بيع أو شراء أو غير ذلك فتصرفْ. فيكون حينئذ غير ضامن.
(أو رفع الخَتْم ونحوَه فإنه يضمن): إذا رفع الختم فإنه يضمن حتى لو أعاد الختم مرة أخرى، والختْمُ ما جرت به العادة فيما سبق أنهم يضعون الدراهم في كيس، ثم يعقدونها بالخيوط، ثم يضربون على طرف الخيط يضربون شمعًا يُذاب في النار، ويُصَبُّ على طرف الخيط، ثم يُختَم عليه بالخاتم؛ لأجل ألا يعبث بها أحد.
فهذا إنسان رفع الختم ولكنه لم يَحُلَّها، فإنه يضمن، لماذا؟ لأن الختم لا شك أنه أقوى مما لو كانت خالية منه، فإذا رفعه فقد أخلَّ بحرزِها فيكون ضامنًا.
وقوله: (أو نحوه) كالقفل مثلًا، لو أنه رفع قفل الصندوق -ولو أعاده- فعليه الضمان، إلا إذا كان الصندوق ليس خاصًّا بالوديعة، مثل أن يكون هذا الصندوق فيه دراهم له، أو لغيره وليست دراهم المودِع، ثم صار يفتح هذا الصندوق ليخرج النفقة منه لنفسه، فإنه لا ضمان عليه؛ لأنه لم يتعدَّ ولم يفرط.
(أو خلطها بغير متميز فضاع الكلُّ: ضمِن):
(2/2205)
________________________________________
(خلطها بغير متميز): مثل أن يُودَع برًّا فيخلطه ببر، فهنا خلط الوديعة بشيء غير متميز؛ لأن حَبَّ البُرِّ أيش هو؟ واحد لا يختلف، فلو خلطها بغير متميز ثم (ضاع الكل) يعني: ضاع ما كان عنده أول وما خلطه به فإنه يضمن.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله: (فضاع الكل) فيما إذا أُودِع دراهم فأخرجها من محرز، أو رفَع الختم، أو خلطها بغير متميز، أي أنه راجع للمسائل الثلاثة.
وعُلِمَ من قوله: (خلطها بغير متميز) أنه لو خلطها بمتميز فلا بأس، لكن بشرط أن تكون بحرز مثلها، ولكن ينبغي أن يقال: في هذا تفصيل:
إن خلطها بغير متميز يسهلُ أخْذُها منه فلا بأس، ولا يقال: إن الرجل فرط أو تعدى، مثل أن يخلط حُلِيًّا بدنانير في صندوق مُحْرَز، فهنا خلطها بمتميز أو بغيره؟ بمتميز، بمتميز يسهل تخليصُه.
وأما لو خلط شعيرًا ببُر فهذا وإن كان متميزًا ويقال للمودَع: يجب عليك أن تُخَلِّص الوديعة من خليطها لكان فيه صعوبة، فربما يأبَى أن يخلص ذلك، ويتعب، ويحصل بذلك ضرر على الطرفين.
وعليه فينبغي أن يُقيَّد قولُه: (بغير متميز فضاع الكل) أن يُقيَّد المفهوم، وهو ما إذا خلطها بمتميز بماذا؟ بأن يكون يسهُل تخليصُه من خليطه، وإلا فيكون ضامنًا.
ثم قال المؤلف رحمه الله:
(فصْل: ويُقبل قولُ المودَع في ردِّها إلى ربِّها أو غيرِه بإذنه وتلفها وعدم التفريط)
هذه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: إذا ادَّعى المودَع أنه دفع الوديعة إلى ربِّها، بأن يكون شخص أودَع إنسانًا دراهم، ثم بعد حينٍ جاء يطلبه بها، فقال: إني ردَدْتُها إليك. فالقول قول مَن؟ المودَع؛ لقول الله تبارك وتعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]. والمودَع محسن لا شك، وإذا لم يكن عليه سبيل، فإن صاحبها إذا ادَّعى أنه لم يردَّها فالقول قوله؛ لأننا لو قَبِلْنا قولَ صاحبها لكان على المحسن سبيل، هذا وجه.
(2/2206)
________________________________________
وجه آخر: أن نقول للمودِع: أنت الآن ائتمنت الرجل على الوديعة، فيجب أن يكون أمينًا في دفْعِها إليك، كما جعلْتَه أمينًا في حفظها، وهذا قياس بَيِّن، فيكون في هذا دليل من السمع، ودليل من القياس. السمع؟
طالب: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}.
الشيخ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}. والقياس؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، إذا ائتمنته عليها في حفظها فيجب أن يكون أمينًا عندك في ردها.
لكن يقول: (إلى ربها) بأن يقول: رددتها عليك، (أو إلى غيرِه) أي: غيرِ ربِّها (بإذنه)، وهنا إذا ادَّعى ردَّها إلى غيره، وقال: إني ردَدْتُها، لكنني لم استأذنك. فهو ضامن؛ لأنه لم يوكله بدفْعِها إليه.
(فصلٌ)
ويُقبلُ قولُ الْمُودَعِ في رَدِّها إلى ربِّها أو غيرِه بإذنِه وتَلَفِها وعدَمِ التفريطِ، فإن قالَ: لم تُودِعْنِي. ثم ثَبَتَتْ ببَيِّنَةٍ أو إقرارٍ , ثم ادَّعَى ردًّا أو تَلَفًا سابِقَيْن لِجُحودِه لم يُقْبَلَا ولو بِبَيِّنَةٍ، بل في قولِه: ما لك عندي شيءٌ. ونحوَه، أو بعدَه بها، وإن ادَّعَى وارِثُه الردَّ منه أو من مُوَرِّثِه لم يُقْبَلْ إلا بِبَيِّنَةٍ , وإن طَلَبَ أحدُ الْمُودِعِينَ نصيبَه من مَكيلٍ أو مَوزونٍ يَنقسِمُ أَخَذَه، وللمُستودِعِ والْمُضارِبِ والْمُرْتَهِنِ والمستأْجِرِ مُطالبةُ غاصبِ العينِ.
(باب إحياء الموات)
وهي الأرضُ الْمُنْفَكَّةُ عن الاختصاصاتِ ومِلْكٍ مَعصومٌ، فمَن أَحياها مَلَكَها مِن مُسلِمٍ وكافرٍ بإذنِ الإمامِ وعَدَمِه في دارِ الإسلامِ وغيرِها
من القياس.
طالب: ما جعل الله.
الشيخ: وما جعل عليكم.
طالب: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].
الشيخ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}.
طيب، والقياس؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، ائتمنته عليها في حفظها، فيجب أن يكون أمينُا عندك في ردها، تمام.
(2/2207)
________________________________________
طيب، لكن يقول: (إلى ربها) بأن يقول: رددتها عليك، (أو إلى غيره) أي: غير ربها بإذنه، وهنا إذا ادعى ردها إلى غيره وقال: إني ردتها لكنني لم أستأذنك فهو ضامن؛ لأنه لم يوكله بدفعها إليه.
فإذا قال: دفعتها إليه بإذنك، أنت الذي قلت لي: يا فلان أعطِ الوديعة التي عندك إلى فلان، فأنكر صاحبها الإذن وقال: إني لم آذن لك، فهنا يُقَال: إن الرجل أمين عندك وهو محسن، وقد قال الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}، ولا يمكن أن يدعي أنك أذنت له وأنت لم تأذن، والنسيان وارد على من؟
طالب: على صاحبها.
الشيخ: على كل أحد، ومنهم صاحب الوديعة، وعليه فيكون إذا ادعى ردها إلى ربها قُبِل، إذا ادعى ردها إلى غيره بغير إذنه فهو ضامن، إذا ادعى ردها إلى غير صاحبها بإذنه فهو غير ضامن؛ لأنه أمين، وقد قال الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].
قال: ويُقْبَل قوله أيضًا (في تلفها) وهذه المسألة الثانية: يُقْبَل قول المودع في تلفها؛ إذا قال: واللهِ الوديعة تلفت، فقال: لم تتلف، فقال: إنها تلفت، فالقول قول المودَع.
لكن لو ادعاه -أي: ادعى التلف- بأمر ظاهر كالحريق؛ بأن قال: احترق الدكان وهي في الدكان، فهنا لا يُقْبَل قوله إلا إذا أثبت أنه احترق الدكان؛ لأن هذا أمر ظاهر لا يخفى على أحد، فإذا أثبت أنه احترق وقال صاحبها: نعم، الدكان احترق وليس عندي فيه شك، لكن أنا لا أقر بأن الوديعة تلفت بهذا الاحتراق، هل يقبل أو لا يقبل؟
طالب: لا يقبل.
الشيخ: لا يقبل؛ يعني: صاحبها لا يقبل قول المودع أنها تلفت بهذا الاحتراق.
(2/2208)
________________________________________
الثالث قال: (وعدم التفريط) بأن قال صاحبها: أنت فرطت ولم تحفظها في حرز مثلها، وقال: لم أفرط، فالقول قول المودع؛ لأنه مؤتمن، فإن أقر الجميع بالسبب لكن صاحبها ادعى أنه تفريط وهو يقول: ليس بتفريط، فنرجع إلى العرف؛ إذا قال الناس: نعم، الرجل الذي حفظها بهذا المكان غير مفرط فيرجع في ذلك إلى العرف.
طالب: أحسن الله إليك، في مسألة خلط المودع ( ... ) تصرف؟
الشيخ: كيف؟
طالب: ( ... ) المسألة السابعة قلنا: أي تصرف من المودع في وديعة تصرف لم يأذن به المودع، فنضمنه بذلك.
الشيخ: لا، ما قلنا هكذا، قلنا: أي تصرف لم يأذن به المودع وهو مما يخالف الحرز وهذا للمخالف.
طالب: طيب، شيخ ( ... ) بغير متميز فإن هذا أن يضر ( ... ) بالوديعة؟
الشيخ: إذا قال أهل الخبرة: إنه يضر صار ضامنًا.
طالب: أحسن الله إليك، أخرج الوديعة من الصندوق بقصد تغيير الصندوق أو تنظيفه فنسيها أو تلفت.
الشيخ: إذا كان لمصلحة الوديعة فلا يضمن، وإلا فهو ضامن، ومن مصلحة الوديعة -مثلًا- أن تأكل الأرضة التي هي دابة الأرض تأكل ما يلي الأرض من الصندوق فغيره، هذا لا شك أنه من مصلحتها، كالثوب إذا خاف أن يفسد بالحر وأخرجه ليخرج إلى الهواء حتى لا يفسد، فهذا من مصلحته.

***
طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله تعالى في باب الوديعة: ويُقْبَل قول المودع في ردها إلى ربها أو غيره بإذنه وتلفِها وعدمِ التفريط، فإن قال: لم تودعني، ثم ثبتت ببينة أو إقرار، ثم ادعى ردًّا أو تلفًا سابقين لجحوده، لم يُقْبَلا ولو ببينة، بل في قوله: ما لك عندي شيء ونحوه، أو بعده بها.
وإن ادعى وارثه الرد منه أو من مورثه لم يُقْبَل إلا ببينة.
وإن طلب أحد المودعين نصيبه من مكيل أو موزون ينقسم أخذه، وللمستودع والمضارب والمرتهن والمستأجر مطالبة غاصب العين.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
(2/2209)
________________________________________
هذه في مسائل الاختلافات في الوديعة، والاختلافات كلها في الواقع كل ما ذكر العلماء من الاختلافات ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في كلمتين فقال: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (1)، فجميع ما ذكره المؤلفون رحمهم الله في الاختلافات ومن يُقْبَل قوله ومن لا يُقْبَل، كله يعود إلى هذا الحديث، لكن لا بأس بالتفصيل.
يقول: (يُقْبَل قول المودع في ردها إلى ربها أو غيره بإذنه وتلفِها وعدمِ التفريط) سبق الكلام على بعض هذه الجملة، أليس كذلك؟
وقوله: (وعدم التفريط) أيضًا يُقْبَل قول المودع في عدم التفريط؛ يعني: إذا ادعى المودِع على المودَع أنه مفرط، وقال المودَع: لم أفرط، فإن أبهم التفريط أو ما ادُّعِيَ أنه تفريط فيُقْبَل قول المودَع؛ لأنه محسن، وإن لم يبهم بأن عين فيُعْرَض على أهل الخبرة؛ فإذا قالوا: إنه تفريط فهو تفريط، وإذا قال: إنه غير تفريط فإنه ليس بتفريط.
هذا التفصيل هو القول الراجح، وإن كان ظاهر كلام المؤلف أن قول المودَع مقبول في عدم التفريط مطلقًا، ولكن هذا فيه نظر.
فإذا قال قائل: إذا قُدِّر أنه عين العمل الذي اختلف فيه المودِع والمودَع هل هو تفريط أو لا؟ وقال المودَع: هذا في نظري أنه غير تفريط، فيقال: كون أهل الخبرة يقولون: إنه تفريط وأنت تعتقد أنه ليس بتفريط يدل على أنك غير فاهم، والمعاملات بين الخلق لا يُعْذَر فيها بالجهل، فكان الواجب عليك أن تسأل أولًا: هل هذا تفريط أو ليس بتفريط؟
(2/2210)
________________________________________
ولنضرب لهذا مثلًا: في ليلة شاتية أبقى المودع الشاة في العراء ظنًّا منه أن الشاة تقاوم، ولكن أهل الخبرة قالوا: إنها لا يمكن أنت تقاوم في هذا البرد الشديد والصقيع الشديد؛ لأنها -أي: هذه الشاة- ليست مما عاش في بلاد ثلجية، وهو سمع أن الإسكيمو يعيشون والثلج يتقاطر عليهم فقال: هذه الشاة في هذا المكان لو نزل عليها الثلج فإنها ستبقى حية، فعدَّ نفسَه غير مفرط، لكن أهل الخبرة قالوا: هذا تفريط، فحينئذٍ يُؤْخَذ بقول من؟
طلبة: أهل الخبرة.
الشيخ: نعم، بقول أهل الخبرة، قالوا: إنه تفريط، فيُقْبَل قول المودِع أو المودَع؟
طلبة: المودِع.
الشيخ: المودِع -بالكسر- يُقْبَل قول المودِع.
فإن قال: لم تودعني، إن قال مَنْ؟
طلبة: المودَع.
الشيخ: المودَع قال للمودِع: لم تودعني؛ يعني: أنكر الوديعة قال: أبدًا، لم تودعني، (ثم ثبتت ببينة) يعني: ثبت أنه أودعه، والبينة هنا؛ إما رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي؛ لأن المال وما يُقْصَد به المال هذه بينته.
طالب: ( ... ).
الشيخ: رجلان أو رجل وامرأتان في القرآن {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282]، رجل ويمين المدعي ثبت ذلك بالسنة؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالشاهد مع اليمين (2). المهم أن المودَع أنكر قال: لم تودعني، وثبت أنه أودعه.
(أو إقرار) كيف إقرار؟ يعني: بعد أن أنكر -هداه الله- وأقر ندم، أو كان أنكر ناسيًا للوديعة ثم تذكر، أو كان ناسيًا لها ثم وجدها في بيته، المهم أنه بعد أن أنكر أقر.
ثم بعد ذلك (ادعى ردًّا أو تلفًا سابقين لجحوده لم يُقْبَلا ولو ببينة).
(2/2211)
________________________________________
مثال ذلك: جحد يوم الخميس، وأقيمت الدعوى عليه يوم الجمعة، وثبتت الوديعة، وهو ادعى أنها تلفت يوم الأربعاء قبل جحدها، هو الآن جحد متى؟ يوم الخميس، وأقيمت الدعوى يوم الجمعة، ثم ادعى أنها تلفت يوم الأربعاء، فهنا لا تُقْبَل دعواه التلف، لماذا؟ لأنه يوم الخميس أنكر الوديعة، فيكون دعواه أنها تلفت يوم الأربعاء تُكَذِّب قوله؛ إذ يلزم التناقض.
الرجل أنكر الوديعة يوم الخميس، وأقيمت الدعوى عليه يوم الجمعة وثبتت عليه ببينة، ثم قال: إنها تلفت يوم الأربعاء، فهنا لا يُقْبَل قوله، لماذا لا يُقْبَل؟ لأن هو نفسه الآن كَذَّب نفسه؛ هو أنكر يوم الخميس قال: أبدًا، ما عندي وديعة، ولما ثبتت قال: هذه تلفت يوم الأربعاء، طيب كيف تلفت يوم الأربعاء وأنت يوم الخميس تقول: ما عندي لك وديعة؟ ! أفهمتم الآن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب، دعواه التلف لا يُقْبَل، دعواه الرد لا يُقْبَل؛ لأنه بإنكاره صار أمينًا أو خائنًا؟
طلبة: خائنًا.
الشيخ: صار خائنًا فلا يُقْبَل قوله؛ لا في الرد ولا في التلف، يلزمه الضمان.
لو أقام بينة على أنها تلفت يوم الأربعاء، أقام بينة شهود، قال: نشهد أن الوديعة الفلانية أنها تلفت يوم الأربعاء، هل يُقْبَل أو لا يُقْبَل؟
طلبة: لا يُقْبَل.
طلبة آخرون: يُقْبَل.
الشيخ: إي، لا، ما يُقبل.
استمع يقول: (لم يُقبلا ولو ببينة) يعني: (لم يُقبلا) أي: الرد والتلف، (ولو ببينة) حتى لو جاء بشهود قالوا: نشهد أن وديعة فلان تلفت يوم الأربعاء فإنها لا تُقبل؛ لأنه نفسه هو مكذِّب للبينة؛ لأنه لما قال يوم الخميس: أبدًا، ما أودعتني، ما صار وديعة، فيكون مكذِّبًا للبينة.
وأشار المؤلف رحمه الله بقوله: (ولو ببينة) إلى خلاف في هذا؛ فإن بعض أهل العلم قال: إذا ثبت ببينة أنها تلفت، فيكون إنكاره كذبًا وتصدق البينة، المذهب يقولون: تبين كذب البينة بقوله هو؛ يعني: هو أقر ضمنًا أن البينة كاذبة.
(2/2212)
________________________________________
لكن بعض العلماء يقول: إذا قامت البينة فليعمل بها؛ لأنه تبين أنه هو أيش؟
طلبة: كاذب.
الشيخ: هو الكاذب، لكن في هذه الحال ينبغي للقاضي أن يُحكم عليه بالتعزير؛ لكذبه وخيانته، وإتعابه المودع بإقامة الدعوى، وإشغال القاضي، وإشغال الشهود، فهو مستحق للتعزير من عدة أوجه، ولئلا يتلاعب أحد غيره؛ إذا قيل: ليس عليك إلا ضمان الوديعة لا يهمه، لكن إذا أُدِّب صار ردعًا له.
ثم قال المؤلف: (بل في قوله: ما لك عندي شيء ونحوه) انتبه لتحرير العبارة، الرجل في يوم الخميس قيل له: إن عندك وديعة، قال: أبدًا، ما لك عندي شيء، وثبت بالبينة أن عنده وديعة، ثم ادعى التلف يوم الأربعاء؛ يعني: قبل الإنكار، وأقام بينة بذلك، فهل تُقبل أو لا تُقبل؟ تُقبل، سواء ببينة أو بغير بينة؛ لأن الرجل قال: (ما لك عندي شيء).
ومعلوم أن الوديعة إذا تلفت بلا تعدٍّ ولا تفريط لم يثبت على المودع شيء، فيكون في قوله: ما لك عندي شيء صادقًا، بخلاف ما لو قال: لم تودعني، والفرق ظاهر؛ إذا قال: لم تودعني فقد أنكر أصل الوديعة، أما إذا قال: ما لك عندي شيء فإن قوله مقبول حتى لو ثبتت ببينة فقوله مقبول، لماذا يا إخوان؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لأنه لا يتنافى قوله وثبوت الوديعة، هو يقول: نعم، أنا قلت: ما لك عندي شيء؛ لأني لا فرطت ولا اعتديت، وإذا تلفت الوديعة بدون تعدٍّ ولا تفريط فليس علي شيء، أفهمتم؟
طلبة: نعم.
الشيخ: (أو بعده بها) يعني: أو ادعى التلف، (بعده) بعد الجحد، (بها) أي: بالبينة فإنه يُقبل إذا ادعى التلف بعد الجحد؛ لأن الذي لا يُقبل ولا ببينة إذا ادعى التلف قبل الجحد لتناقض الدعوى وقت التلف، لكن إذا ادعى بعده فهنا يُقبل ببينة، لماذا لا يُقبل مطلقًا؟ لأنه مودع، لأنه بجحوده زال عنه وصف الأمانة، فلا يُقبل قوله في التلف ولا في الرد إلا ببينة، واضح؟
طالب: ليس بواضح.
(2/2213)
________________________________________
الشيخ: هذا الرجل طُلِبت منه الوديعة، فقال للمودع: لم تودعني؛ أنكر، فأقام المودع بينة أنه أودعه، وكان إنكاره يوم الخميس، فادعى أنها تلفت يوم الجمعة، هل يُقبل قوله أو لا يُقبل؟ ببينة يُقبل، بغير بينة لا يُقبل، كونه يُقبل ببينة؛ لأنه أقام بينة، وهو وإن كان خائنا إذا أقام بينة قُبِل، لكن إذا لم يُقم بينة فإنه لا يُقبل.
فإن قيل: ألستم تقولون: إن المودَع يُقبل قوله في الرد؟
فالجواب: بلى، نقول بهذا، لكننا نقول: يُقبل قوله في الرد ما دام أمينًا، أما وقد خان بإنكار الوديعة فإنه لا يُقبل قوله إلا ببينة.
والحاصل أنه إذا أنكر الوديعة ثم ثبتت عليه الوديعة ببينة؛ لأنه لا بد من بينة؛ يعني: لو أنكر الوديعة وليس عند المودِع المدعي ليس عنده بينة، ما يستطيع أن يلزمه بها، لكن ثبتت الوديعة عليه ببينة، ثم ادعى ردًّا أو تلفًا؛ فإن كان الرد والتلف اللذان ادعاهما سابقين على جحوده فلا قبول له مطلقًا؛ لا ببينة ولا بغير بينة، وإن كان بعده؛ إن ادعى الرد والتلف بعده قُبِل ببينة، وبغير بينة لا يُقبل، هذا إذا أنكر.
أما إذا قال: ما لك عندي شيء فهو مقبول على كل حال؛ وذلك لأن قوله: ما لك عندي شيء لا ينافي ثبوت الوديعة، لماذا؟ لأنها إذا تلفت بغير تعدٍّ ولا تفريط فقد صدق، ليس له شيء؛ ليس لمدعي الإيداع شيء؛ لأنه يقول: نعم، أنت أودعتني وصادق، لكن تلفت، ولما تلفت لم يبقَ لك عندي شيء، فيكون هنا إقراره بالوديعة أو ثبوتها بالبينة لا ينافي قوله: ما لك عندي شيء، فيُقبل.
قال: (وإن ادعى وارثه الرد منه أو من مورثه لم يُقْبل إلا ببينة) (ادعى وارثه) أي: وارث المودَع.
(2/2214)
________________________________________
(الرد منه أو من مورثه) أي: بأن قال وارث المودَع: إننا رددناها عليك، (لم يُقبل) لماذا؟ لأن الوارث ليس هو المودَع حتى يُقبل قوله في الرد، أو ادعى وارث المودع أن مورثه ردها، مَنْ مورِّثه؟ مورثه المودَع، لما جاء صاحب الوديعة يطلبها بعد أن مات المودَع قال الورثة: إن مورثنا قد ردها عليك، فلا يُقبل قول الوارث؛ لأنه غير مؤتمن من قِبَل ربها؛ لأن ربها لم يودعها الوارث، إنما أودعها مَنْ؟ المورث، وحينئذٍ نقول للورثة: إن كان عندكم بينة أنكم رددتموها إلى صاحبها قبلناها، وإلا فعليكم الضمان.
لو ادَّعى الورثة قالوا: إن المورث لم يترك شيئًا، ما وجدنا عنده شيئًا؛ لا وديعتكم ولا غيرها، فيلزم المودِع حينئذٍ أن يثبت ببينة أن المورث تركها؛ وذلك لأن المورث قد يكون تصرف فيها وأنفقها، أو ردها وهم لا يعلمون، أو ما أشبه ذلك، واضح هذا ولَّا ما هو بواضح، واضح؟
طلبة: نعم.
الشيخ: الضمير في (وارثه) يعود على من؟
طلبة: المودَع.
الشيخ: المودَع، (الرد) على من؟
طلبة: المودِع.
الشيخ: المودِع، (منه) الضمير يعود على من؟ على الوارث.
(أو مِنْ مورثه) مَنْ مورثه؟ المودَع؛ يعني: أن الوارث قال لصاحب الوديعة: إنا قد رددناها عليك، هذا قوله منه أو من مورثه؟ قال: إن مورثنا ردها عليك لم يُقبل إلا ببينة.
(لم يُقبل إلا ببينة) لماذا؟ علل؟ لأن المودِع لم يأتمن الوارث، والوارث الآن مقرٌّ بالوديعة ما أنكر الوديعة، نعم فيه وديعة لكن مورثنا ردها عليك، أو قالوا: نحن رددناها عليك بعد موته، قال: أبدًا، فإنه في هذه الحال لا تُقبل دعوى الرد من الوارث أو من المورِّث إلا ببينة.
فإن قال قائل: إذا ترك الميت وديعة، هل يجب على الورثة أن يبلغوا صاحبها أو يردوها إليه فورًا؟
الجواب: نعم، يجب على الورثة إذا خلف المورث وديعة أن يبلغوا صاحبها فورًا أو يردوها عليه فورًا، لماذا؟
طالب: لأن المودِع ( ... ) الورثة ( ... ).
(2/2215)
________________________________________
الشيخ: لأن المودِع -ما هو بالمودَع- لأن المودِع لم يأتمن الورثة عليها، والورثة وجدوا مالًا لغيرهم غير مؤتمنين عليه، فيجب عليهم أن يبلغوه أو يردوها.
(وإن طلب أحد المودِعَيْن) ويجوز المودِعِينَ ونظيره في الحديث: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بَحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِِبَيْنِ -أو- الْكَاذِبِينَ» (3)، هنا يجوز الجمع ويجوز التثنية.
(وإن طلب أحد المودِعَيْن نصيبَه من مكيل أو موزون ينقسمُ أَخَذَه) يعني: فيه مكيل -ولنقل: مئة صاع- مشتركة بين اثنين، أودعاها إلى زيدٍ، بعد مدة جاء أحدهما وقال: إنا أودعناك مئة صاع برٍّ، وأنا أريد نصيبي منه، وهو يعلم أن نصيبه النصف، أو الثلث، أو الربع، فهل يلزمه أن يدفعه له؟ يقول المؤلف: يلزمه؛ يُعْطَى إياها، ويبقى نصيب الآخر، المثال الآن لا يزال في أذهانكم؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ما هو؟ مئة صاع برٍّ في كيس أودعها اثنان عند رجل، ثم جاء أحدهما بعد حين وقال: أعطني نصيبي منها، يلزمه أن يعطيه نصيبه؛ لأنه هنا ما فيه ضرر، وقد اتفق الطرفان على أن مئة الصاع هذه بينهما نصفين، فيعطيه نصفه، عللوا هذا بأنه ليس على شريكه الغائب الذي لم يطالب ضرر.
وقيل: لا يلزمه ما داما قد أودعاه إياها جميعًا فإنه لا يلزمه أن يسلم للشريك؛ لاحتمال أن هذا الشريك الذي طلب نصيبه قد باعه على شريكه، فيه احتمال.
وأيضًا ربما إذا أُخِذ نصيبه كاملًا ينقص نصيب الآخر؛ لأن الشيء إذا كيل ورُدَّد فإنه ينقص؛ ولهذا يقولون: كل شيء رددته فإنه ينقص إلا الكلام، صحيح هذا؟ كل شيء يتردد ينقص، املأ فنجالًا من الماء، ثم صبه في الفنجال الثاني، ثم في الثالث، والرابع، والخامس، تجده ينقص بلا شك، وكذلك أيضًا المكيل؛ مثلًا إذا قدرنا هذا الكيس مئة صاع وكِلْنا منه خمسين صاع وافية فإن ذلك يؤدي إلى نقص خمسين الصاع الباقية.
(2/2216)
________________________________________
والصحيح أنه لا يلزمه تسليمه، وأنه يُقال له: أحضر صاحبك، أو هاتِ منه موافقة، وإلا فلا.
وقوله: (أو موزون ينقسم) مثله أيضًا الموزون اللي ينقسم، كما لو كان بينهما جراب من عسل أحضراه إليه وقالا له: هذا وديعة، ثم بعد حين جاء أحدهما وقال: أعطني نصيبي، فعلى كلام المؤلف يُعْطى؛ يلزمه إعطاؤه، والصحيح ألَّا يلزمه إلا بموافقة صاحبه؛ لما ذكرنا من الاحتمالات.
وقوله: (ينقسم) احترازًا مما لا يمكن أن ينقسم، كما لو كان مخلوطًا فإنه لا يلزمه؛ لئلا يضر الآخر، أو كان لا تمكن قسمته لكونه متلبدًا لا يمكن قسمته بوزن ولا بكيل، ففي هذه الحال لا يلزم المودع أن يسلمه نصيبه؛ لما في ذلك من الضرر على شريكه، لكن على ما اخترناه لا يلزمه مطلقًا أن يسلم نصيب الشريك إليه حتى يأتي بإذن من صاحبه.
قال: (وللمستودع) ما المراد بالمستودع؟ المستودع يعني: المودع.
(والمضارِب) وهو من أُعْطِي المال مضاربة؛ بأن قيل له: خذ هذه عشرة آلاف ريال مضاربة؛ يعني: اتجر بها ولك نصف الربح، هذه مضاربة، وسميت مضاربة؛ لما سبق من كون التجار غالبًا يضربون في الأرض؛ يسافرون فيها، قال الله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20].
(والمرتهِن) وهو مالك الرهن أو من بيده الرهن؟
طلبة: من بيده الرهن.
الشيخ: نعم، من بيده الرهن؛ لأن مالك الرهن يسمى راهنًا، المرتهن الذي بيده الرهن.
(والمستأجِر) الذي بيده العين المستأجرة.
كل هؤلاء أربعة لهم (مطالبة غاصب العين) يعني: لو غصبت الوديعة، يعني نبدأ الآن بالمستودع وهو المودع، غُصِبَت الوديعة، هل للمودع أن يطالب غاصب العين؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم.
ثانيًا: المضارب بيده تجارة غُصِبَت؛ أخذها إنسان قهرًا، هل له أن يطالب؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم.
المرتهن أيضًا بيده الرهن فغُصِب، هل له أن يطالب؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم.
(2/2217)
________________________________________
المستأجر؛ مستأجر سيارة لمدة يومين أو ثلاثة، فجاء شخص فغصبها، فهل له أن يطالب؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، له أن يطالب.
فلو قال الغاصب: أنت لست بمالك؟ فجوابه أن يقال: لكنه نائب عن المالك.
بقي أن يقال: اللام في قول المؤلف: (للمستودع) هل هي للإباحة أو لرفع المنع؟ وإذا قلنا: لرفع المنع يترتب عليه أنه يلزمه أن يطالب، الأول ولَّا الثاني؟
طالب: الأول.
طالب آخر: الثاني.
الشيخ: طيب، اللام لرفع المنع وليست للإباحة، لو قلنا: إنها للإباحة لكان المستودع مُخَيَّرًا بين أن يطالبه وألَّا يطالبه، فإذا قلنا: لرفع المنع؛ بمعنى أنه لا يُمْنَع المستودَع من مطالبة الغاصب -وكذلك ما عُطِف عليه- صار ذلك لا ينافي أن نقول: يجب عليه أن يطالب، وهو كذلك، يجب على المستودَع أن يطالب بنفسه أو يبلغ فورًا مالك الوديعة، أما أن يسكت ويرى الغاصب يأخذها ويمشي هذا لا يجوز؛ لأن ذلك خلاف الأمانة، انتبه، فصارت اللام في قولنا: (للمستودع) وما عُطِفَ عليه لرفع المنع وليست للإباحة؛ لأننا لو قلنا: إنها للإباحة لكان المستودع وما عُطِف عليه مخيرًا بين المطالبة وعدم المطالبة، وليس كذلك، بل يجب بمقتضى الأمانة أن يطالب أو يبلغ فورًا المالك.
(2/2218)
________________________________________
وهذه اللام تأتي في كلام الفقهاء لمثل هذا؛ مثلًا عبَّر بعض العلماء في فسخ المفرد والقارن إذا لم يسوقا الهدي إلى عمرة فقالوا: وللمفرد والقارن أن يفسخا نيتهما إلى عمرة ليصيرا متمتعين، تُفْهَم من هذه العبارة أن اللام للإباحة، وليست كذلك؛ لأن الذين عبروا بهذا التعبير قالوا: يُسَن، فتكون اللام هنا لرفع المنع ودفعِ القول بعدم الجواز، وهذا لا ينافي أن يقال: إن فسخ الحج أو الحج والعمرة إلى تمتع مباح إباحة مستوية الطرفين، بل تحويل الحج إلى عمرة ليصير الإنسان متمتعًا سنة مؤكدة؛ إما وجوبًا، وإما تأكيدًا؛ يعني لها الوجوب، والصحيح أنها ليست واجبة؛ أن فسخ الحج إلى العمرة ليس بواجب لكنه مؤكد. ولا ينافي القول بالاستحباب أن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب على الصحابة لما تأخروا في التنفيذ (4)؛ لأن المخاطبة في المقابلة أشد من المخاطبة في الإبلاغ، ولو أن الصحابة امتنعوا في ذلك الوقت لفات بهذا تشريع هذه السنة؛ لأنه إذا امتنع منها الصحابة فمن بعدهم من باب أولى؛ ولهذا كان أحسن الأقوال، وأصح الأقوال، وأقربها للصواب في هذا أن الفسخ واجب على الصحابة، ومن أجل ذلك غضب الرسول عليهم لما تباطؤوا في الفسخ، وأما من بعدهم فإنه سنة، وليس هذا من تقديم قول أبي بكر وعمر؛ لأن أبا بكر وعمر لا يريان ذلك، بل يريان أن يحج الإنسان حجًّا مفردًا ويأتي بالعمرة في وقت آخر، لكن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أولى، فيقال: للإنسان أن يتمتع حتى في سفر حجه، إلا أن الفسخ ليس بواجب على غير الصحابة رضي الله عنهم.
(2/2219)
________________________________________
ولهذا لما سئل أبو ذر: ألكم هذه خاصة أم للناس عامة؟ قال: بل لنا خاصة (5)، ومراده بنفي العموم، مراده أيش؟ نفي الوجوب؛ يعني: يُحْمَل كلام أبي ذر رضي الله عنه على نفي الوجوب، وإلا فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سأله سراقة بن مالك بن جعشم وقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟ قال: «بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ» وشبك بين أصابعه (6)، وقال: «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (7).
طالب: ( ... ) الوديعة من أجل المودع إلا ( ... )؟
الشيخ: لا، ما ينافيها؛ لأن الأجير ما قَبِلَ الأجر وقال: خذه عندك وديعة، بل رفضه، ولما رفضه لم يدخل في ملكه. ما أنت بتريد الأجير؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: طيب، الأجير لما أعطاه الرجل الأجرة أبى أن يأخذها، هل دخلت ملكه؟ ما دخلت، إذن هذا أبقاها عنده لكنه لقوة أمانته صار يبيع ويشتري بها حتى نمت.
فيه جواب آخر؛ وهو أن الرجل لم يتصرف في الوديعة لنفسه وإنما تصرف فيها لمصلحة صاحبها، فهو محسن، وما على المحسنين من سبيل.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- قوله: (ثم ادعى ردًّا أو تلفًا سابقين لجحوده لم يُقبلا ولو ببينة)، ثم قال: (أو بعده بها) يعني: بعد الجحود بالبينة، كأن المسألة الأولى أولى بالقبول من الثانية؟
الشيخ: لا؛ لأن نفيه الجحد ثم إثباته أن التلف حصل قبل ينافي ذلك، أما الثاني فهو أقر؛ أقر بأنه جحد، ثم بعد ذلك ثبت أنه مودع، ثم قال: نعم، أنت أودعتني لكن حصل التلف بعد هذا بيوم، فيكون الآن جحده الأول، ثم ثبوتها بعد ذلك قد يكون هذا بعدما جحد أودع من جديد، ثم ادعى الرد وثبت ذاك ببينة.
طالب: الأول أولى يا شيخ.
الشيخ: لا، ما هو بأولى، ما تصورت الآن.
الصورة: ادعى التلف أنه صار يوم الأربعاء، أليس كذلك؟ هو متى جحد؟ الخميس، والدعوى أقيمت الجمعة، الآن كونه يوم الخميس يقول: ما أودعتني، ثم يقيم بينة أنها تلفت يوم الأربعاء، ويش يدل عليه؟ أنه كاذب ولَّا غير كاذب؟
(2/2220)
________________________________________
طلبة: كاذب.
الشيخ: كاذب، واضحة، لكن جحد يوم الأربعاء وأقيمت الدعوى يوم الجمعة وادعى أنها تلفت يوم الخميس، يمكن هذا ولَّا ما يمكن؟
طلبة: يمكن.
الشيخ: يمكن.
طالب: الإمكان في الحالين يا شيخ؟
الشيخ: لا، في الحالين ما يمكن؛ لأن الحال الأولى يقول: تلفت قبل أن يجحد، كيف تجحد وأنت ( ... ) عليه؟
طالب: إذا قال المودع: ما لك عندي شيء ناويًا بهذا أن (ما) موصولة ..
الشيخ: ما يقبل هذا التأويل في الخصومة على حسب ما ادعاه المدعي؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ» (8)، يكون بمعنى الجحد، لكن إذا قال: الذي لك عندي شيء، ما هو بمعنى الجحد في الواقع، غلط إذا قال هذا فقد أقر بالوديعة.
( ... ) مثاله.
طالب: ( ... ).
الشيخ: قال: ضع هذه الوديعة في الصندوق ( ... ).
الطالب: فوضعها على الرف.
الشيخ: فوضعها على الرف.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: الرف الآن هو حرز.
طالب: حرز للكتب.
الشيخ: حرز للكتب، وهو طلب منه أن يجعل الكتاب في ( ... )، موافقون على هذا؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ويش مثاله؟
طالب: أن يودعه شاة ولا يأمره بعلفها ولا ينهاه.
الشيخ: كيف؟
الطالب: أودعه شاة ولم يأمره لا بعلفها ولم ينهه عن علفها، ثم قطع العلف عنها حتى ماتت فإنه يضمن.
الشيخ: فإنه يضمن، لماذا وهو ما أمر بإعلافها؟
الطالب: لأن علفها من حفظها عادة.
الشيخ: لأن إعلافها من حفظها عادة. أين تذهب فلوسه؟
الطالب: في هذه الحال يأخذها صاحبها.
الشيخ: يرجع على صاحبها.
الطالب: صاحبها يرجع عليه لفعله.
الشيخ: لا، أقول: إذا أنفق فإلى من يرجع؟
طالب: يرجع على صاحبها.
الشيخ: يرجع على صاحبها. توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: حتى وإن لم يأذن له.
طالب: وإن لم يأذن له.
الشيخ: لأنه قام عنه بواجبه.
إذا قطع العلف عن الدابة بقول صاحبها بأن قال: لا تعلفها؟
(2/2221)
________________________________________
طالب: المؤلف يرى أنه لا يضمن؛ لأنه ( ... ) لا يضمن، والصحيح أن يضمن؛ لأنه محرم ( ... ) وتركها هكذا.
الشيخ: طيب، وإذا ضمن من نعطي القيمة؟ نعطيها صاحبها وهو يقول: لا تنفق عليها؟
طالب: تُعْطَى لبيت المال.
الشيخ: لبيت المال، صح؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: إذن صاحبها ليس له شيء؛ لأنه هو الذي ( ... )، ولكن هذا الذي فرط وتعدى يضمن ويُجعل في بيت المال.
***
الطالب: وإن دفعها إلى ( ... ).
الشيخ: (إن دفعها) الضمير يعود على من؟
طالب: الوديعة.
الشيخ: (هاء) تعود على الوديعة، لكن الفاعل؟
طالب: المودَع.
الشيخ: المودَع.
(إلى من يحفظ ماله) مال من؟
طالب: مال المودِع.
الشيخ: مال المودِع.
(أو مال ربها) من هو ربها؟
طالب: (مال ربها) المودِع.
الشيخ: المودِع، هل هذا القول على إطلاقه على القول الراجح؟
طالب: ( ... ) إلى ربها ..
الشيخ: لا، إذا دفعها إلى من يحفظ ماله.
طالب: إن عين المودِع.
الشيخ: لا، ما عَيَّن.
طالب: إذا لم يستأذن من صاحبها ففي هذه الحال يضمن.
الشيخ: يضمن مطلقًا؟
الطالب: إي نعم.
طالب آخر: يُنظر في ذلك للعرف؛ إذا كان العرف في تسليم رب المال فلا يضمن ( ... ).
الشيخ: تمام، معناه إذا دفع إلى من يحفظ ماله يُنظر إلى العرف؛ إذا جرت العادة بأن مثل هذا يحفظ عند الزوجة أو عند الولد أو ما أشبه ذلك لم يضمن، وإلا ضمن؛ لأنه -مثلًا- قد يستحفظ الإنسان زوجته في الأمور السهلة؛ كالطعام واللباس وما أشبه ذلك، لكن لا يستحفظها في النقود والذهب والفضة، وهي داخلة في كلام المؤلف؛ (إلى من يحفظ ماله) يعني: في الشيء الذي يُحْفَظ به هذا المال.
الطالب: قال رحمه الله تعالى: وإن حدث خوف أو سفر ردها على ربها، فإن غاب حملها معه إن كان أحرز، وإلا أودعها ثقة.
الشيخ: قول المؤلف رحمه الله: (ولا يُطَالبان إن جَهِلَا) نائب الفاعل يعود على من؟
طالب: على الحاكم والثقة.
الشيخ: الحاكم والثقة. وما معنى قوله: (جَهِلَا)؟
(2/2222)
________________________________________
طالب: جهلا أن هذا المال ليس للذي سلمه وديعة لهما.
الشيخ: يعني: إن ظن أن المال ماله.
طيب، فإن علما أنها وديعة ولم يأذن صاحبها؟
طالب: فإنهما يضمنان الوديعة.
الشيخ: يضمنان؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما معنى قول المؤلف: (وإن حدث خوفٌ أو سفرٌ رَدَّها على ربها)؟
طالب: فإن حدث في المكان الذي استودع فيه خوف ..
الشيخ: إذا حصل في المكان الذي استودع فيه خوف.
طالب: قطاع طرقٍ أو سرَّاق.
الشيخ: كقطاع الطرق والسراق؟
طالب: نعم، أو سفر بأن أراد يسافر المستودع أن يردها إلى ربها.
الشيخ: فإن لم يمكن بأن كان ربها غير حاضر.
طالب: حملها معه إن كان أحرز، وإلا أودعها ثقة.
الشيخ: أودعها ثقة، تمام.
***
الطالب: ومن أودع دابة فركبها لغير نفعها، أو ثوبًا فلبسه، أو دراهم فأخرجها من محرز ثم ردها، أو رفع الختم ونحوه، أو خلطها بغير متميز، فضاع الكل ضَمِنَ.
الشيخ: ما معنى قوله: (فأخرجها من محرز ثم ردها)؟
طالب: ( ... ) الدراهم أحرزها في صندوق ثم أخرجها.
الشيخ: ثم أخرجها، ثم ردها في الصندوق، يضمن؟
طالب: يضمن.
الشيخ: طيب ردها؟
طالب: لأنه متعدٍّ.
الشيخ: متعدٍّ بأيش؟
طالب: بإخراجها ( ... ).
الشيخ: بإخراجها من الصندوق.
لو أن هذا صاحب الصندوق فتح الصندوق وأراد أنه يرتب الصندوق، فأخرج الوديعة على أساس أنه يريد أن يرتب الصندوق ويجعل اللي فوق تحت واللي تحت فوق، ثم ردها؟
طالب: لا يضمن.
الشيخ: لا يضمن؛ لأن الناس لا يقولون: إن هذا متعدٍّ أو مفرط.
قوله: (أو خلطها بغير متميز) له مفهوم؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هو؟
طالب: إن خلطه بمتميز فإنه لا يضمن.
الشيخ: فإنه لا يضمن.
إذا خلط شعيرًا بالبر؟
طالب: هنا يتعذر.
الشيخ: يتعذر، ما يتعذر، وين يتعذر؟
طالب: لا، فيه مشقة.
الشيخ: فيه مشقة.
طالب: يضمن.
الشيخ: يضمن، أو يكلف بأن؟
طالب: يفصله، بالتمييز يعني.
الشيخ: بالتمييز.
***

[باب إحياء الموات]
(2/2223)
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال المؤلف رحمه الله: (باب إحياء الموات).
(إحياء) مصدر أحيا، و (الموات) بمعنى الميت، والمراد بالموات هنا الأرض، كما يفسرها المؤلف.
واعلم أن الأرض توصف بأنها ميتة وتحيا، فإحياء الله لها بإنبات الزروع والأشجار، وإحياء الإنسان لها يختلف لكنه قريب من إحياء الله عز وجل، قال المؤلف في تعريفها: (وهي الأرض) يعني: الموات، (هي الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم).
(الأرض المنفكة) يعني: الخالية عن الاختصاصات والملك، (الاختصاصات) كمجاري السيول، ومواضع الحطب، ومواضع المراعي، والمصالح العامة، وأفنية الدور -وهي ملقى زبالاتهم- هذه غير مملوكة لكنها مختصة لمصالح البلد عمومًا، أو لمصالح كل بيت، فناء الدار وهي البرحة أو الساحة التي أمامها تكون ملقى للكناسة، وما أشبه ذلك، هذه وإن لم تكن ملكًا لكنها مختصة لصاحب البيت ينتفع بها.
كذلك للمصالح العامة؛ كمسايل المياه، ومواضع الاحتطاب، والاحتشاش، والمراعي، وما أشبه ذلك، ومثله أيضًا الطرق، هذه نسميها اختصاصات ولا نسميها أملاكًا؛ لأنها ليست أيش؟ ليست ملكًا لأحد.
وقوله: (ملك معصوم) يعني أيضًا: ولم يسبق إحياءها ملكٌ، فإن سبق إحياءها ملكٌ فإنه لا يمكن لمن أحياها أن يملكها؛ لأنها ملك لمن؟ ملك للأول الذي أحياها، لكن اشترط المؤلف أن تكون ملكًا لمعصوم.
والمعصوم من بني آدم أربعة أصناف: المسلم، والذمي، والمعاهد، والمستأمن، هذه أربعة أنفس معصومة لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها.
بقي الحربي الذي ليس له عهد ولا ذمة وليس مسلمًا، هذا نسميه هذا حربي، ماله مباح للمسلمين.
هذا هو تعريف الأرض الموات: (الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم).
ومثله الأراضي الداثرة التي كانت قرى في قديم الزمان وارتحل الناس عنها وتركوها، هذه أيضًا لمن ملكها.
(2/2224)
________________________________________
نظير ذلك في الأعيان إذا ألقى الإنسان متاعه زاهدًا فيه وراغبًا عنه لا يريده، فهو لمن وجده، كما في حديث جابر رضي الله عنه أنه كان على جمل له فأعيا، فأراد أن يسيبه (9)، لو سيبه جابر ووجده آخر فهو له.
وكذلك ما يُلْقَى في البحر عند خوف غرق السفينة فإن من وجده فهو له؛ وذلك لأن الذي ألقاه قد تخلى عنه ولم يرد أن يكون ملكًا له.
كذلك الأراضي -كما قلت لكم- الأراضي أراضي القرى البائدة التي من قديم الزمان هذه أيضًا من أحياها ملكها؛ ولهذا الآن يوجد في بعض الأراضي التي تحيا يوجد فيها آثار إحياء سابقة، حتى إنه عندنا هنا قريب من الوادي عثروا مرة على سوق كله رماد وقطع حديد، مما يدل على أن هذا السوق كان سوق الصناع في هذا المكان، لكنه باد وذهب أهله ولم يعرف له مالك، فهذه تدخل في كلام المؤلف في قوله: (ملك معصوم)؛ لأن هذه الأراضي البائدة الآن ليس لها مالك فتدخل، هذا هو تعريف الأرض الموات.
والشح في الأراضي شديد؛ عقابه شديد، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (10) يُطَوَّق: يُجْعَل طوق في عنقه من سبع أرضين، ما هو من أرض واحدة؛ لأنه ظَلَمَ، حتى إن العلماء رحمهم الله قالوا: لا يجوز للإنسان أن يزيد في تلييس الجدار أكثر مما جرت به العادة؛ وذلك لأنه يأخذ بالزيادة هذه أيش؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، يأخذ من السوق، والسوق مشترك، إلى هذا الحد حذروا العلماء رحمهم الله من التعدي على الأرض، لكن على كل حال إذا وجدنا أرضًا منفكة عن الاختصاصات وملك معصوم فمن أحياها ملكها؛ ولهذا قال المؤلف: (فمن أحياها ملكها) (مَنْ) شرطية، وفي أصول الفقه أن أسماء الشرط من صيغ العموم، إذن فتعم كل من أحياها، وسيأتي -إن شاء الله- بيان الإحياء.
(2/2225)
________________________________________
(ملكها) أي: دخلت في ملكه قهرًا؟ نعم، تدخل في ملكه قهرًا؛ لأن ملكها عُلِّق بسبب متى وُجِدَ ثبت، كما قلنا في الميراث؛ الميراث إذا وُجِدَ سببه دخل في ملك الوارث قهرًا، حتى لو قال الوارث: أنا لا أريد الميراث، قلنا: هو لك قهرًا عليك؛ لأن الملك المعلق بسبب متى وُجِدَ سببه ثبت الملك شاء الإنسان أم أبى، نعم الإنسان هو حر مختار قبل أن يفعل السبب، أما إذا فعل السبب فإن الشارع رتب المسبب على وجود السبب فلا خيار للإنسان فيه.
(فمن أحياها ملكها؛ من مسلم وكافر) لكن المراد كافر أيش؟
طلبة: معصوم.
الشيخ: معصوم، من مسلم وكافر معصومٍ.
وأيضًا نزيد شرطًا ثانيًا في الكافر: أن يكون ممن يصح تملكه الأرض، فإن كان لا يصح فإنه لا يملكها، لكن إذا كان ممن يصح تملكه الأرض فإنه يملكها.
(من مسلم وكافر) طيب ذكر أو أنثى؟
طلبة: نعم.
الشيخ: صغير أو كبير؟
طلبة: نعم.
الشيخ: صغير أو كبير، لكن الصغير الذي لا يميز يتولى ذلك عنه وليه.
قال: (بإذن الإمام وعدمه) إذا قال الفقهاء: (الإمام) فمرادهم من له السلطة العليا في البلد، فالبلاد الملكية يكون الإمام فيها الملك، والبلاد الجمهورية يكون الإمام فيها الرئيس، لكن في بعض البلاد رئيس جمهورية ورئيس وزراء، أيش نعمل؟
طالب: رئيس الوزراء.
الشيخ: من هو الرئيس؟
طالب: رئيس الحكومة.
الشيخ: من رئيس الحكومة؟
طالب: رئيس الجمهورية.
الشيخ: هي تختلف، الآن حسب علمي أنها تختلف في بعض البلاد؛ رئيس الجمهورية له السلطة العليا، ورئيس الوزراء من دونه، وفي بعض البلاد بالعكس، على كل حال كلٌّ وعرفُه، لكن الذي له السلطة العليا في البلد هو ما يعنيه الفقهاء بكلمة (الإمام).
(2/2226)
________________________________________
(بإذن الإمام) الإمام هل يأذن مباشرة؟ نقول: بإذن الإمام أو نائبه؛ لأنه الآن اختلفت الأوضاع، واختلف أسلوب الحكم، فالإمام نفسه لا يباشر مثل هذه الأمور، لكن له نواب، ووزراء، هذا وزير داخلية، وهذا وزير بلديات، وهذا وزير عمال .. إلى آخره.
فالوزير ينوب مناب الإمام، وإذا جعل للوزير من قبل الإمام أن ينيب غيره في كل بلد للأمير أو المحافظ قام هذا الأمير أو المحافظ مقام من؟ مقام الإمام.
وقصدي من هذا الترتيب ألَّا يقول قائل: إنَّ إذنَ الأمير أو المحافظ أو الوزير أو رئيس البلدية أو ما أشبه ذلك غير معتبر؛ لأن المعتبر إذن الإمام، نقول: إن النواب عنه بمنزلته؛ يقومون مقامه.
وقول المؤلف: (بإذن الإمام وعدمه) لو قال قائل: ما لها داعٍ هذه (بإذن الإمام أو عدمه)؛ لأنه إذا قال: (من أحياها ملكها) ولم يذكر بإذن الإمام معناه: ألَّا يُشترط إذن الإمام، أليس كذلك؟
طلبة: بلى.
الشيخ: ولكن اعلموا أن الفقهاء إذا قالوا شيئًا لا داعي له من حيث العبارة فإنما يشيرون إلى رأي آخر، وهنا يريد المؤلف أن يشير إلى رأي آخر؛ وهو أن هناك قولًا بأنه لا تملك الأرض الميتة إلا بإذن الإمام أو نائبه؛ لئلا تحصل الفوضى والاعتداء، فإذا كانت بإذن الإمام أو نائبه صارت مرتبة مضبوطة، فقالوا: إنه لا يحصل الإحياء إلا بإذن الإمام أو عدمه.
وسبب اختلافِهم اختلافُهم في فَهمِ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» (11) هل هذا حكم تشريعي أو حكم تنظيمي؟
إن قلنا: إنه حكم تشريعي صار «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ»، سواء أذن الإمام أم لم يأذن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله على وجه التشريع للأمة.
وإن قلنا: إنه على وجه التنظيم، صار لا بد أن يقول الإمام: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» في كل زمان ومكان.
(2/2227)
________________________________________
ونظير هذا من بعض الوجوه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» (12) في الحرب، «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» هل هذا تشريع أو تنظيم؟ فيه خلاف؛ فبعض العلماء قال: إن الرجل إذا قتل قتيلًا في الحرب فله سلبه، سواء اشترط ذلك الإمام أم لا، وبعضهم قال: ليس له سلبه إلا بإذن الإمام، وهنا أمير الجيش ينوب مناب الإمام؛ لأن سلب القتيل غنيمة فيلحق بالغنيمة، ولا يملكه القاتل إلا بإذن خاص.
نرجع إلى مسألتنا، كلام المؤلف -وهو مذهب الحنابلة- يدل على أن من أحيا أرضًا ميتة فهي له، سواء كان ذلك برخصة من ولاة الأمر أم لا.
لكن لو أن ولي الأمر قال: لا يُحيِ أحدٌ أرضًا إلا بإذني وموافقتي، فهل يملك المحيي بعد ذلك الأرض بالإحياء بدون مراجعة ولي الأمر؟ لا؛ لأن المسألة انتقلت الآن، انتقلت من كونها داخلة في العموم إلى تخصيص من ولي الأمر، وقد قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
فإذا قال ولي الأمر: لا أحد يُحْيِ إلا بإذني وترخيص مني، فمن أحيا بعد أن بلغه هذا القول فإنها تنزع منه ولا حق له فيها؛ وذلك لأن ولي الأمر أمر بهذا، وقد تكون المصلحة أو الحاجة أو الضرورة في تقييد ولي الأمر الإحياء بهذا الشرط، قد تكون المصلحة أو الحاجة أو الضرورة حسب المنطقة؛ بعض المناطق يكون فيها ناس جهال إذا لم يُقَيدوا بإذن الإمام اعتدى بعضهم على بعض، هؤلاء يكون من الضروري أن يُقَيدوا بإذن الإمام، وقد تكون بعض المناطق أهون، عندهم خوف من الله وتقوى لا يعتدي أحد على أحد، فهنا قد تترجح أن تكون لحاجة، وقد يزول هذا كله وتكون المنطقة أغنياء، وكل عنده أرض كافيته، وكل إنسان عنده خوف من الله، فهنا تكون المصلحة؛ يعني: إما أن تقتضيها المصلحة أو؟
طلبة: الحاجة.
الشيخ: أو؟
طلبة: الضرورة.
(2/2228)
________________________________________
الشيخ: أو الضرورة.
في وقتنا الحاضر حسب ما نسمع أن تقييد الإحياء بإذن الإمام أمر لا بد منه، يدخل في قسم الضرورة مباشرة في بعض المناطق، ويدخل في الحاجة أو المصلحة في مناطق أخرى؛ لأنه لا يمكن أن يتبعض النظام، بمعنى أن نجعل هذه الجهة لا بد فيها من إذن الإمام، وهذه الجهة يملك فيها بدون إذن الإمام هذا لا يمكن؛ لأن الدولة واحدة؛ ولذلك لو قال قائل: لا حاجة إلى إذن الإمام في بلد أهلها أغنياء، وكل إنسان عنده مزرعته، وكل إنسان عنده خوف من الله، ولا يمكن أن يعتدي على أحد؟ نقول: نعم، هذه منطقة، لكن المناطق ليست كلها على هذه المنزلة، فيعمم النظام ولا بأس.
إذن المذهب أنه لا يُشترط للإحياء إذن الإمام، ولكن هل إذا أمر الإمام ألَّا يحيي أحد أرضًا إلا بإذنه، هل تجب طاعته؟
الجواب: نعم، تجب طاعته؛ لأن طاعة ولي الأمر واجبة في غير معصية الله، وهذا -أي: تنظيم الأراضي وكون الناس لا يعطون إلا بترخيص وحدود مضبوطة- ليس من معصية الله، بل هو من حفظ حقوق العباد.
طالب: أحسن الله إليك، اشترطنا شرطًا ثانيًا قلنا: ممن يصح منه الملك، ما المقصود بهذا؟
الشيخ: لو صالحناهم على ألَّا يتملكوا في أرضنا، مثلًا كفار صالحناهم على ألَّا يتملكوا في أرضنا لم يتملكوا فيها.
طالب: شيخ، هل يدخل في هذا الرقيق؟
الشيخ: واللهِ إذا كان الرقيق أرضًا دخل في العموم!
الطالب: لا، المقصود منه إذا العبد يعني أرضه، هل يقال: إنك لا يصح منك الملك؟
الشيخ: الرقيق يملك لكن ملكه لسيده.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- إذا وجدت المنطقة؛ يعني: أحياها رجل، ثم أتاه من يدعي أن بها آثارًا للأقوام السابقين وليس معه بينة؟
الشيخ: لآبائه وأجداده يعني؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ما يقبل إلا ببينة؛ ، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ» (13).
(2/2229)
________________________________________
طالب: بارك الله فيك، لو ادعى إنسان أنه أحيا أرضًا من قبل أن يصدر الإمام أن الأرض ( ... ) لا تقسم إلا بإذنه، فهل تنزع منه؟
الشيخ: لا تنزع، إذا كان أحياها قبل صدور الأمر فهي له؛ لأن اللي بيؤخذ من قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» (11)، اللي يظهر أنه تشريع، وهذا هو الأصل حتى يقوم دليل على أنه تنظيم.
طالب: ( ... )؟
الشيخ: في.
طالب: ( ... ).
الشيخ: القول الراجح أنه يملكها بدون إذن الإمام، إلا إذا أصدر الإمام أمره بألَّا يحيي أحدٌ أرضًا إلا بإذنه، فلا تُحْيَا إلا بإذنه.
طالب: أحسن الله إليك، إذا أحياها بعد صدور الإذن ولكن الأمر ( ... )؟
الشيخ: هذه ما هي مشكلة، إذا أحياها بعد صدور الإذن بلا إذن يقدم.
طالب: ( ... )؟
الشيخ: لا، يقدم، لازم يقدم، وإلا كان عاصيًا، ثم إنه ربما في غير بلادنا ربما يدعونه يعمل ويعمل ويعمل، فإذا نما الشجر وأقام الزرع هجموا عليه.
طالب: هكذا وقع.
الشيخ: هكذا وقع، ما بيقع هذا قبل أن يتعب يأخذ الإذن.
طالب: شيخ -بارك الله فيك- هناك ظاهرة ظهرت في كثير من دول الغرب؛ وهو أن بعض الطوائف تسرق الأشياء من المتاجر المحلات التجارية وتقول: إن هذه غنائم وإن هؤلاء حربيون، ثم إذا جاء الإنسان يناقشهم يقول: هؤلاء أعداء الإسلام ومالهم ونساؤهم حلال لنا، فهذه من الغنائم؟
الشيخ: قل: إذا قلتم هذا فلهم أن يقتلوكم؛ لأن الحربي يجوز أن يقتل المسلم في الحرب، شوف لاحظوا أن أموال المسلمين للحربيين مباحة، وأموال الحربيين للمسلمين مباحة، فإذا كانوا يقولون هذا نقول: إذن أموالكم أول ما تُؤْخَذ، ورقابكم أول ما تُقْطَع، ثم من يقول: إنهم حربيون تبقون عندهم في بلادهم بأمانهم هم، هم يحفظونكم.
طالب: ( ... )؟
(2/2230)
________________________________________
الشيخ: نعم ( ... ) أعوذ بالله، هذا جهل، والحقيقة أن هذا وأنا أرى أنه -واللهِ- إساءة للإسلام، إساءة عظيمة للإسلام، كيف أنت في دارهم وفي أمانهم، ثم تخونهم؟ ! وين الدين الإسلامي؟ هل يأمر بهذا الله يهدينا؟
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- إذا أحيا الأرض فجعل فيه الزرع، لكن تركه، فمر عليهم زمن طويل فأنبت؛ يعني: خربت كأن لم ( ... ) من قبل وملكها آخر، هل للأول أن -يعني أبناءه ونسله- يأتون يقولون: كان هذا عمل جدي ( ... ) يرد عليهم؟
الشيخ: إي نعم، هل إنه لما ترك الأرض جاء إليك وقال: يا فلان، أنا تعبت من هذه الأرض أكلت مالي وأتعبت جسمي، ولكن أشهدك أني تركتها ما أبغيها؟
طالب: ما قال.
الشيخ: ما قال هكذا، إذن الأصل بقاء ملكه، إلا إذا قام دليل على أنه تركها زهدًا فيها مرة.
طالب: كيف نميز أن الأمر تشريعي أو تنظيمي؟
الشيخ: ماذا قلت لك قبل قليل؟
الطالب: الأصل التشريع.
الشيخ: هذه.
طالب: كيف نعرف أنه تنظيمي؟
الشيخ: نعرف أنه متى بتقع واقعة مثل هذه ولا يعطي الرسول سلبه مثلًا.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- أي بعض الذي يعني الإحياء، هل هو يُعتبر بقرابة العمران والمباني أو بكل البلاد؟
الشيخ: ستأتينا إن شاء الله تعالى.
طالب: إذا جاء إنسان وأحيا أرضًا، ثم أزال الزرع اللي فيه ( ... )، ثم بنى على الأرض وكان قد قصد الأرض للبناء وجعل الزرع وسيلة للتملك ألا ( ... )؟
الشيخ: هذا عاد يرجع للإمام، يقول: إن إنسان أخذ مساحة كبيرة وجعل فيها زرعًا لا يريد أن يزرعه، لكن من أجل أن يتملكها وهو يريد أن يبني عليها، فهل نقول: إن هذه حيلة ويسد عليه باب الحيلة؛ لئلا يضيق على الناس، أو يقال: ملكها ويتصرف فيها كما يشاء؟ هذه محل نظر، وأرى أنه يرجع لولي الأمر.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- إذا سمحتم بالنسبة للموضوع الذي قاله الأخ أحمد هذا واقع ومشهور ..
الشيخ: اللي هو؟
(2/2231)
________________________________________
طالب: الذي هو أن بعض الشباب يأخذون أشياء في أوربا يقولون: إنها غنائم، شيخ قابلت بعضهم في مكة وناقشني في هذا الأمر، ونسب إليك وإلى الشيخ عبد العزيز، ومن خلال الكلام تجد أنهم طلبة علم يعرفون الفقه ويعرفون قواعد وما إلى ذلك، فأنا أقترح عليكم -يا شيخ- لو يسألكم أحد سؤالًا ويكون الجواب رسالة تنشر هناك؛ لأنهم يعرفونكم ويتداولون كتبكم، وهؤلاء طلبة علم يُلَبِّسون على غيرهم من أتباعهم ..
الشيخ: إي، صحيح.
الطالب: فيقولون .. ، يعني هي في الحقيقة كلامهم صحيح، لكن عمومات غير مرادة؛ كأن الحربي ماله حلال وهكذا وكذا، فيعني يجعلونها ويضعونها على موضع فهمهم هم، لكنها في العموم أقوال صحيحة ..
الشيخ: المشكلة نسبتها لنا.
الطالب: وينسبونها إليكم.
الشيخ: لا، المشكلة النسبة إلينا هذه، هذا هو المشكلة.
الطالب: طيب يا شيخ ما رأيكم لو ..
الشيخ: وهذه جربناها، جربناها بالنسبة لي وللشيخ عبد العزيز؛ أنه إذا واحد رغب القول وأراد يروجه قال: قاله فلان؛ علشان يُقبل، مثل واحد دلال يمشي بالسلعة قال: واللهِ ( ... ) فلان، وفلان معروف أنه صاحب تجارة وصاحب معرفة؛ علشان الناس تدومه، لكن ربما -إن شاء الله- يكون هذا الشيء يجيء سؤال ونكتب عليه جوابًا.
طالب: شيخ، هو الكلام صحيح؛ يعني فعلًا أنتم تقولون بأن مال الحربي .. ؟
الشيخ: المال الحربي ما دام الحرب قائمة.
طالب: نعم، لكن ليس ..
الشيخ: لا، ما هو مثل هذا عهد، أدنى ما نقول: إن فيه عهدًا، مع أن هؤلاء القوم الذين عند أولئك السلطة لمن؟
طالب: لهؤلاء.
الشيخ: لأهل البلاد.
( ... ) أو ليس بأمين؟
طالب: نعم، أمين.
الشيخ: أمين، ما هو ضابط الأمين؟
طالب: الأمين كل من حصل بيده مال بإذن من الشارع أو بإذن من المالك.
الشيخ: نعم، الأمين كل من حصل في يده مال بإذن من الشارع أو بإذن من المالك.
طيب، هل يُقبل قوله في ردها إلى ربها؟
طالب: يُقبل.
الشيخ: يُقبل. ما الدليل؟
(2/2232)
________________________________________
طالب: قوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].
الشيخ: قوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}، وهذا محسن.
طيب، أرأيت لو أن المستأجر ادَّعى رد العين إلى المؤجر أيقبل قوله؟
طالب: المستأجر ادعى؟
الشيخ: رد العين إلى المؤجر؛ يعني: شخص استأجر حاجة من الحوائج وانتهت مدة الإجارة، ثم ردها إلى صاحبها وأنكر صاحبها، هل يُقبل قوله بدون بينة؟
طالب: يُقبل.
الشيخ: يُقبل. الدليل؟
طالب: الدليل أنه أمين؟
الشيخ: أنه أمين، وكل أمين يُقبل قوله؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: في الرد، توافقون على هذا؟
طلبة: لا.
الشيخ: نعم.
طالب: لا يُقبل.
الشيخ: لا يُقبل؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لماذا؟ ما الفرق بينه وبين المودع؟
طالب: بين المودع؛ لأن المودع يحافظ لمصلحة غيره وهذا لمصلحته.
الشيخ: فهو قبضها لمصلحة؟
طالب: لمصلحة نفسه.
الشيخ: لمصلحة نفسه.
طالب: والأصل بقاؤها عنده.
الشيخ: نعم، صحيح، هو هذا؛ ولذلك عندنا قاعدة: من قبض العين لحظ مالكها قُبِلَ قوله في الرد، ومن قبض العين لمصلحته لم يُقبل قوله في الرد، ومن قبض العين لمصلحته ومصلحة صاحبها لم يُقبل أيضًا؛ تغليبًا لجانب الضمان.
لو ادعى المودع بل لو أنكر المودع الوديعة؟
طالب: إن أنكر الوديعة فإنه يقبل إنكاره.
الشيخ: يقبل إنكاره.
الطالب: لأن الأصل براءة ذمته.
الشيخ: براءة ذمته، نعم، وأيضًا عندنا دليل حديث: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ» (13).
بعد أن جحد ثبتت عليه ببينة فماذا يكون؟
طالب: إن ادعى ردًّا ..
الشيخ: لا أنكر الوديعة؛ قال: لم تودعني ولا أعرفك، ثم ثبت أنه أودعه؟
طالب: تلزمه.
الشيخ: يلزمه أيش؟
طالب: يلزمه ..
الشيخ: تثبت الوديعة.
طيب، ادَّعى أنها تلفت؟
طالب: إن كان قبل جحوده فهي لا تقبل، لا يقبل ..
الشيخ: لا تُقبل دعواه.
طالب: ولو ببينة.
الشيخ: ولو ببينة.
وإن كان بعد جحوده؟
(2/2233)
________________________________________
طالب: بعد جحوده يُقبل ببينة.
الشيخ: يُقبل ببينة.
لماذا لم يُقبل قوله بأنها تلفت بعد جحوده؟
طالب: لا يُقبل؛ لأنه بإنكاره صار خائنًا.
الشيخ: نعم؛ لأنه بإنكاره الوديعة ثم ثبتت عليه ببينة صار غير أمين، فلم يُقبل قوله.
طيب، وإذا جاء ببينة؟
طالب: ثبتت ببينة؟
الشيخ: لا، إذا جاء ببينة بأنها تلفت؟
الطالب: يُقبل قوله بالبينة.
الشيخ: نحكم بالبينة.
وإن كان التلف قبل الجحود؟
طالب: لا يُقبل قوله.
الشيخ: لا يُقبل قوله ولو ببينة؛ لأنه أيش؟
طالب: يكذب البينة.
الشيخ: يكذب البينة، تمام.
رجلان أودعا شخصًا كيسًا من البر وهو بينهما أنصاف، فجاء أحدهما يطلب نصيبه، فما تقول؟
طالب: لا يلزمه أن يعطيه نصيبه.
الشيخ: لا يلزمه؟
الطالب: لا يلزمه.
الشيخ: لكن يعلم أنهما أنصاف؟
الطالب: حتى ولو يعلم.
الشيخ: أيش الجواب؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ويش معنى ( ... ) يعني يعطى إياه؟
طالب: يعطى إياه ( ... ).
الشيخ: يعني: إذا طلب نصيبه أعطي إياه بشرط أن يكون؟
طالب: يكون على قدر المساهمة بين الطرفين.
الشيخ: إذا قال المودع: أنا لا أدري كم نصيبك منه، لا أدري ألك ثلثه أو ربعه أو نصفه، قال: لي نصفه هل يلزمه أن يسلمه؟
طالب: لا يلزمه.
الشيخ: لا يلزمه؛ لاحتمال أن يكون ما ادعاه؟
طالب: ليس صحيحًا.
الشيخ: غير صحيح، تمام.
ما هي الموات اصطلاحًا؟
طالب: الموات هي الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم.
الشيخ: الاختصاصات وملك معصوم، طيب، الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم وأتى ببينة.
اختصاصات ما هي؟
طالب: اختصاصات ما يتعلق بمصالح الناس؛ كالاحتطاب وملقى الزبالات والاحتشاش وما أشبه ذلك.
الشيخ: والمراعي؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: طيب، هذا هل يملك بالإحياء أو لا؟
طالب: لا يملك بالإحياء.
الشيخ: لا يملك، ليش؟
طالب: نعم -يا شيخ- يملك بالإحياء.
الشيخ: يملك بالإحياء؟
طالب: نعم.
الشيخ: إي.
طالب: لا يملك بالإحياء.
الشيخ: لا يملك بالإحياء، هذان قولان.
(2/2234)
________________________________________
طالب: لا يملك بالإحياء.
الشيخ: لا يملك بالإحياء.
طالب: لأنه لم ينفك عن الاختصاص.
الشيخ: لأنه لم ينفك عن الاختصاص.
طيب، لو قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» (11)، فماذا نقول؟ هل نقول: يملك هذه الاختصاصات أو لا يملك؟
طالب: الاختصاصات لا يملكها.
الشيخ: الحديث كيف نجيب عنه؟
طالب: أن هذا عام ليس خاصًّا به.
الشيخ: كيف؟
طالب: الأرض مملوكة.
الشيخ: لا، ما هي مملوكة الأرض ليس ملكًا لأحد، مراعي غنم أهل البلد.
طالب: هذه لا يصدق عليها ميتة؟
الشيخ: لا، ميتة وزيادة.
طالب: يقال: لتعلق حق الغير بها.
الشيخ: لتعلق حق الغير بها، وما قاله الأخ يصدق على كلام الفقهاء؛ لأن الأرض الميتة المنفكة عن الاختصاصات، وهذا غير منفكة عن الاختصاصات فلا تكون ميتة اصطلاحًا وإن لم يكن لها مالك الآن، لكن حسب تعريف الفقهاء لا تكون ميتة.
طيب، قوله: (فمن أحياها ملكها من مسلم) ماذا تقول في كلمة (من)؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: (ملكها من مسلم) ( ... ).
طالب: حرف جر.
الشيخ: حرف جر ما يحتاج، لكن ويش معناها؟
طالب: من أحياها من مسلم.
طالب آخر: (من) الشرطية وهي من صيغ العموم؛ أي: كل من أحياها ملكها.
الشيخ: لكن من مسلم.
طالب: من صيغ العموم، وكل ..
الشيخ: لا، ما هي من صيغ العموم، حرف.
طالب: بيانية.
الشيخ: بيان لأيش؟
طالب: بيان ( ... ).
الشيخ: بيان لقوله: (من أحياها) يعني: بيان لمن الشرطية وليست متعلقة بملكها؛ يعني: المال نفسه.
طيب، هل الكافر له مال محترم؟
طالب: نقول: الكافر ينقسم إلى قسمين؛ القسم الأول: الحربي، القسم الثاني: من له عهد وذمة، وهم أربعة أقسام، فمن كان من الأربعة أقسام وهم: المستأمن والذمي والمعاهد ..
الشيخ: والمسلم.
طالب: ثلاثة نعم، ثلاثة أقسام مالهم محترم ( ... ).
الشيخ: لكن هل يملك بالإحياء؟
طالب: نعم، يملك بالإحياء.
الشيخ: يملك بالإحياء؟
طالب: لعموم (من).
(2/2235)
________________________________________
الشيخ: لعموم (من)، «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» (14).
طالب: ( ... ) واحدة إلا تبينت ( ... ) سبب ( ... ).
الشيخ: مثل أيش؟
طالب: يعني: يملكها ويبني فيها بيوتًا للدعوة.
الشيخ: لا يمنع، هو يملكها الآن، لكن يمنع من إحداث ما يخالف العهد.
(بإذن الإمام وعدمه) هذه يمكن أن نسأل عنها، هل يُشترط للإحياء إذن الإمام؟
طالب: على المذهب لا يشترط.
الشيخ: لا يشترط، الدليل؟
طالب: الدليل لأنه قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا».
الشيخ: أن الرسول قال: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» (11) ولم يشترط شيئًا.
هل في هذا تفصيل؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هو، على القول الراجح ما هو؟
طالب: إن كان ( ... ) شرعيًّا فهي له مطلقًا، وإن كان الأمر تنظيميًّا فلولي الأمر لا يملكها حتى يأذن له ولي الأمر.
الشيخ: يعني نقول: إذا منع ولى الأمر من التملك إلا بإذنه فإن من تملك بغير إذنه فلا ملك له، هذا هو القول الراجح.
ثم قال المؤلف: (في دار الإسلام وغيرها) يعني: ملكها، سواء كان في دار الإسلام وغير دار الإسلام، وحينئذٍ ..
(2/2236)
________________________________________
في دارِ الإسلامِ وغيرِها، والعَنْوَةُ كغيرِها، ويَمْلِكُ بالإحياءِ ما قَرُبَ من عامرٍ إن لم يَتَعَلَّقْ بِمَصْلَحَتِه، ومَن أحاطَ مَوَاتًا أو حَفَرَ بِئْرًا فوَصَلَ إلى الماءِ أو أَجراهُ إليه من عينٍ أو نحوِها , أو حَبَسَه عنه ليَزْرَعَ فقد أَحياهُ، ويَمْلِكُ حريمَ البئرِ العاديةِ خمسينَ ذِراعًا من كلِّ جانبٍ، وحريمَ البديةِ نِصْفُها وللإمامِ إقطاعُ مَواتٍ لِمَن يُحْيِيهِ ولا يَمْلِكُه وإقطاعُ الجلوسِ في الطرُقِ الواسعةِ ما لم يَضُرَّ بالناسِ , ويكونُ أحقَّ بِجُلوسِها، ومن غيرِ إقطاعٍ لِمَنْ سَبَقَ بالجلوسِ ما بَقِيَ قُماشُه فيها وإن طالَ، وإن سَبَقَ اثنانِ اقْتَرَعا، ولِمَن في أَعْلَى الْمُباحِ السَّقْيُ وحَبْسُ الماءِ إلى أن يَصِلَ إلى كَعْبِه , ثم يُرسِلَ إلى مَن يَلِيهِ، وللإمامِ دونَ غيرِه حِمًى مَرْعًى لِدَوَابِّ المسلمينَ ما لم يَضُرَّهُمْ.
(باب الجعالة)
وهي أن يَجعلَ شَيئًا مَعلومًا لِمَن يَعْمَلُ له عَمَلًا مَعلومًا أو مَجهولًا مُدَّةً مَعلومةً أو مجهولةً، كرَدِّ عبدٍ ولُقَطَةٍ وخِياطةٍ وبِناءِ حائطٍ , فمَن فَعَلَه بعدَ عِلْمِه بقولِه اسْتَحَقَّه , ولجماعةٍ يَقتسمونَه،
بإذن الإمام وعدمه، هذه يمكن أن نسأل عنها هل يُشْتَرَط للإحياء إذن الإمام؟
طالب: على المذهب لا يشترط.
الشيخ: لا يشترط، الدليل؟
الطالب: من المعلوم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً» (1).
الشيخ: أن الرسول قال: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ»، ولم يشترط شيئًا، هل في هذا تفصيل؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هو، على القول الراجح؟
الطالب: إن كان حكم شرعي فهي له مطلقًا، وإن كان الأمر تنظيميًّا فلولي الأمر لا يملكها حتى يأذن له ولي الأمر.
الشيخ: يعني نقول: إذا منعه ولي الأمر من التملك إلا بإذنه فإن مَن تملك بعير إذنه فلا ملك له، كذا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: هذا هو القول الراجح.
(2/2237)
________________________________________
ثم قال المؤلف: (في دار الإسلام وغيرها)، يعني مَلَكَهَا سواء كان في دار الإسلام وغير دار الإسلام، وحينئذ نسأل: ما هي دار الإسلام؟ دار الإسلام هي التي غلب عليها الإسلام ظهورًا وشيوعًا، بحيث يؤذَّن فيها للصلاة، وتُقَام فيها جماعات، ويُصَام فيها رمضان، ويُعْلَن وتظهر فيها الشعائر، هذه هي دار الإسلام، حتى وإن كان فيها كفار، لو قُدِّر أن الكفار فيها خمسون في المئة أو أكثر، ما دام حكم الإسلام غالبًا عليها فهي دار إسلام، أما إذا لم يكن حكم الإسلام عليها غالبًا فهي دار كفر ولو كثر فيها المسلمون، والاعتبار بأيش؟ الاعتبار بالمظهر والظاهر، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غَزَا قومًا أمسك حتى يطلع الفجر، فإن أَذَّنُوا امتنع من قتالهم، وإن لم يُؤَذِّنُوا قاتلهم.
مثلًا بلاد أوروبا الآن بلاد كفر ولّا إسلام؟
طلبة: كفر.
الشيخ: كفر؛ لأن الحكم الشائع فيها الظاهر هو الكفر، وإن كان يوجد فيها جمعيات إسلامية، وربما يوجد في بعض البلاد هناك بلاد تقام فيها الجماعة، ويحضر الناس ويقيمون الجمعة، لكنها بلاد كفر؛ لأن الغالب عليها والمهيمن عليها هو حكم الكفار، فإذا قُدِّرَ أن شخصًا تملَّك في أوروبا، وأحيَا أرضًا فهي ملكه شرعًا، ولا أحد ينازعه فيها إذا تَمَّ الإحياء.
(والعَنْوَة كغيرها) العَنْوَة ما فُتِحَ بالسيف، يعني البلاد بلاد الكفر المفتوحة بالسيف كغيرها من البلاد التي فُتِحَت صلحًا، أي أن الإنسان إذا أحيا أرضًا ميتة في بلاد فُتِحَت عنوة فهي له، وكذلك فيما فُتِحَت صلحًا بأن صُولِحَ على أهلها أن يبقوا فيها وتكون الأرض أرضنا، ويبقون فيها بالجزية، أما ما صُولِحُوا على أنها لهم فإنها لا تُمْلَك بالإحياء؛ لأن الأرض أرضهم، لكن ما صُولِحُوا على أنها لنا ونُقِرُّهم فيها بالجزية أو بالعهد فإنها تُمْلَك.
(2/2238)
________________________________________
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين مكة وغيرها، ولكن هذا فيه خلاف، أما المدينة فأظن محل اتفاق أنها كغيرها من البلدان تُمْلَك بالإحياء، وأما مكة ففيها خلاف، وذلك لأن مكة مَشْعَر يجب على كل مسلم مقصدُه -أن يقصده- ليؤدي مناسك العمرة، مناسك الحج، فليست خاصة لأحد، ولهذا قال فقهاؤنا -رحمهم الله-: إنه لا يصح بيع مساكنها ولا إجارتها؛ لأنها تُعْتَبَر أرض مَشْعَر، ولا يملك الإنسان فيها شيئًا على وجه تام كما يملكه في غيرها، إلا المساكن التي بناها فهذه له أن يبيعها، لكن الأرض لا، لا تباع.
والمسألة هذه فيها خلاف، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى قولًا وسطًا في هذا، يقول: هي تُمْلَك بالإحياء وبالإرث وبالبيع، لكنها لا تُؤَجَّر، يحرُم تأجيرها، فمن استغنى عن مكان وجب بذله لغيره، ولو أن الناس مشوا على كلام شيخ الإسلام لحصل في ذلك سعة عظيمة للناس.
وجه ذلك أن الناس لا يبنون إلا ما يحتاجون فقط، وإذا لم يَبْنُوا إلا ما يحتاجون وقدم الحجاج فإن مَن وجد سكنًا مبنيًّا بالحجارة والطين سكنه، وإلا فالخيام.
والقول الثالث في المسألة: أن مكة كغيرها تُمْلَك بالإحياء وبالبيع، ويجوز بيعها وإجارتها، والعمل الآن على هذا القول؛ أنها تُمْلَك وتُبَاع وتُشْتَرَى وتُؤَجَّر وتُسْتَأْجَر، قالوا: وهذا هو الذي لا يمكن العمل بسواه في الوقت الحاضر؛ لأننا إن قلنا بالمذهب فهو قول ضعيف لا يمكن العمل به، وإن قلنا باختيار الشيخ صار فيها خصومات وعداوات وبغضاء، إذا قدم الحاج ووقف عند البيت وقال لصاحب البيت: البيت فيه حُجَر فارغة الآن، قال: ما فيه، قال: لا فيه، حصل أيش؟
طلبة: نزاع.
(2/2239)
________________________________________
الشيخ: حصل نزاع وخصام، ثم هل يمكن أن نُمَكِّن الذي جاء ليستأجر، هل يمكن أن نقول: لك الحق أن تسأل صاحب البيت: كم عائلتك؟ كم في البيت من حجرة؟ فالزائد لا بد أن تفضِّيه لنا، هذا فيه صعوبة، ولهذا مشى القضاة الآن على أنها تُمْلَك بيعًا وشراء، ويُمْلَك تأجيرها واستئجارها.
لكن على المذهب يقولون: إذا لم يجد مكانًا إلا بأجرة دفعها، والإثم على الآخذ، وهذا فيه فسحة، وعلَّلُوا ذلك بأن سكناه في هذا البيت حق له، فإذا قال صاحبه: لا يمكن أن تسكن إلا بأجرة، فمعناه أنه منعك أيش؟ حقك إلا بعِوَض، فابذل العِوَض وهو الآثم.
وبهذا التقرير نعرف أن بعض البلاد التي يقولون فيها: لا بد أن تؤمِّن على سيارتك، وأن تؤمِّن على حاجاتك، وأنت ترى أن التأمين حرام؛ لأنه من الميسِر، فلك في هذه الحال أن تعطيهم وهم الآثمون؛ لأنه لا يمكن أن نضيِّق على الناس ونفوِّت مصالحهم، نقول: اعقد معهم عقد التأمين، لكن أَضْمِر في نفسك أنك مظلوم، وأنك مُكْرَه على بذل ثمن التأمين، وفي هذه الحال إذا قُدِّر عليك حوادث أكثر مما دفعت فإنك لا تستحق هذا الزائد؛ لأنك تعتقد أن العقد باطل وحرام، خُذْ ما خسرت أو ما دفعت في التأمين والباقي امتنع منه، فإن أبوا إلا أن تأخذه فخذه وتصدق به تخلصًا منه.
وبهذا نسلم من الحرج الذي يصيب بعض الناس الآن، يقول: إنه في بلاد لا يمكن أن يشتري سيارة، ولا أن يعمل أي عمل إلا بتأمين، نقول: هذا المخرج، الحمد لله، الإثم على الآخذ.
قال: (ويُمْلَك بالإحياء ما قرُب من عامر إن لم يتعلق بمصلحته)، يعني أن الإحياء لا يُشْتَرَط أن يكون بعيدًا عن العمران، فيُمْلَك بالإحياء ما قرُب من عامر، حتى وإن لاصقه، فلو أن رجلًا قد بنى بيتًا، وما حول البيت فضاء ليس لأحد، فعَمَر هو بجنب البيت ليس بينهما إلا الجدار، فإنه؟
طالب: فإنه يصح الإحياء.
(2/2240)
________________________________________
الشيخ: نعم، يصح الإحياء ويملكه، لكن يقول المؤلف: (إن لم يتعلق بمصلحته)، فإن تعلق بمصلحة العامر؛ لكونه مرعى لدوابهم، أو فناء لإلقاء القمامة، أو مُحْتَطَبًا لهم، فإنه لا يُمْلَك؛ لأن هذه الأرض التي تتعلق بها مصالح الناس ليست منفكة عن الاختصاصات، فلا تكون مواتًا حسب التعريف الفقهي، واضح؟
طلبة: نعم.
الشيخ: إذا قَدَّرْنَا أن الرجل عَمَر، بنى بيتًا إلى جنب بيت كان قد أُحْيِي وسكن صاحبه، فهل يطالِب صاحبُ البيت هذا الذي أحيا من بعد بقيمة الجدار الذي بينهما؟
الجواب: لا، لا يطالبه؛ لأن هذا الرجل بنى الجدار على أنه حماية بيته، وأنه ملكه، وهذا تَجَدَّدَ إحياؤه، فلا يطالبه بقيمة الجدار الذي بينهما، لكن لو فُرِضَ أن الأرض مقطَّعة كل قطعة لبيت، وتأخر أحد الجارين في عمارة منزله حتى يَعْمُر الآخر فيسقط عنه قيمة الجدار؛ لأن بعض الناس قد يتحيَّل، يقول: بأسكت، خَلِّيه يبني، وإذا بنى بنيت وسقط عني، ففي هذه الحال يحسن قضاء أن يُلْزَم بما يُسْتَحَقّ عليه من قيمة الجدار سَدًّا لأيش؟ سَدًّا لِحِيَل المتحيِّلين.
أما إذا كان ليس له نية أن يعمر -أعني الجار- ثم عمر بعد ذلك، فإنه لا يلزمه أن يدفع شيئًا من قيمة الجدار، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً -أَوْ قَالَ: خَشَبَهُ- عَلَى جِدَارِهِ» (2)، قال أبو هريرة -رضي الله عنه- حين كان أميرًا على المدينة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لَأَرْمِيَنَّ بها بين أكتافكم، أرمين بأيش؟
طلبة: بالخشب.
(2/2241)
________________________________________
الشيخ: بالخشب، يعني: إذا لم تُمَكِّنُوا من وضع الجدار أضعه على الكتف؛ لأنه أمير، وهذا نظير قول عمر بن الخطاب لمحمد بن مسلمة مع جاره حين احتاج جارُه أن يقود الماء من ملكه عبر ملك محمد بن مسلمة أو بالعكس، وامتنع الجار، قال: ما يمكن تجري الساقي مع ملكي، الأرض أرضي، قال له صاحب الساقية: انتفع به، اغرس عليه، ابذر عليه، انتفع، تنتفع أنت وأنا، قال: أبدًا، ترافعَا إلى عمر -رضي الله عنه- فقال له: ليُجْرِيَنَّه وإلا أجريتُه على بطنك، رضي الله عنه؛ لأن هذا الذي امتنع يعتبر مُضَارًّا.
نعم لو قال: أنا لا أريد أن تجري الساقي في ملكي؛ لأني أريد أن أبنيه، فهنا له حق، أما إذا كان يريد أن يزرعه ويغرسه فمن مصلحته أن يجري الماء.
عل كل حال نقول: ما قَرُبَ من عامر، يعني من العامر، إذا أحياه الإنسان فإنه يملكه، إلا إذا تعلق بمصالحه، ولهذا قال: (إن لم يتعلق بمصلحته).
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ومَن أحاط مَواتًا، أو حفر بئرًا فوصل إلى الماء، أو أجراه إليه من عين أو نحوها، أو حبسه عنه ليُزْرَع فقد أحياه) هذا بيان لما يحصل به الإحياء، وهي مسائل:
المسألة الأولى: إذا أحاط مواتًا، يعني: ضرب عليها حائطًا يمنع الدخول منه، ليس حائطًا يسيرًا كحجر أو حجرين، حائط يمنع الدخول منه، مَلَكَها، ولو كبيرة؟
طالب: ولو كبيرة.
الشيخ: ولو كبيرة، ظاهر كلام المؤلف ولو كبيرة، نعم إذا كان في الأراضي شُحّ بأن كانت البلد في أرض محجوزة؛ إما بالأنهار، وإما بالجبال، فلِوَلِيّ الأمر أن يُحَدِّد، يقول: لا أحد يتملَّك أكثر من كذا وكذا قدرًا، وذلك من أجل ألَّا يحتكرها أحد الأقوياء، ويحوِّط أرضا كبيرة ثم يبيع على الناس بثمن غالٍ.
(2/2242)
________________________________________
(أو حفر بئرًا فوصل إلى الماء)، فإن هذا إحياء، لكن ما الذي يملكه بحفر البئر؟ إن كانت البئر للوِرْد ونحوه فإنه يملك حريمها، وسيأتي -إن شاء الله- بيان ذلك، وإن كانت لسَقْيِ الأرض كبئر الزراعة فإنه يملك ما أجرى عليه الماء، كل ما أجرى عليه الماء يملكه، أفهمتم؟
الثالثة: (أو أجراه إليه من عين أو نحوها)، (أجراه) أي: أجرى الماء إلى الموات، (من عين أو نحوها) كالنهر، فإنه يحصل به الإحياء، ولكن ما الذي يُمْلَك؟ كل ما جرى عليه الماء فهو إحياء.
هذه ثلاث مسائل.
الرابعة يقول: (أو حبسه عنه ليُزْرَع) فقد أحياه، كيف حبسه عنه؟ يعني: هذه أرض الماء فيها كثير لا تصلح للزرع، إذا زُرِعَ فيها غرق الزرع، فكيف يُحْيِيها؟ يُحْيِيها أن يحبس الماء عنها، إذا حبس الماء عنها لتصلح للزرع فكل مَن حبس عنه الماء فإنه يعتبر أيش؟ مُحْيًا يملكه صاحبه، فانظر الآن إجراء الماء إلى الأرض إحياء، ومنع الماء عن الأرض إحياء؛ لأن المقصود أن تتهيأ الأرض للزرع.
قال أهل العلم أيضًا، زادوا، قالوا: وكذلك لو كان فيها أشجار لا يمكن أن تُغْرَس معها أو تُزْرَع فأزال الأشجار فهو إحياء، وكذلك لو كان فيها أحجار متراكمة عليها لا تصلح مع هذه الأحجار للزرع، ثم أزال الأحجار ونقَّاها فهذا إحياء.
من العلماء مَن يقول: يُرْجَع في هذا إلى العُرف، ما عَدَّه الناس إحياء فهو إحياء، وما لم يَعُدُّوه إحياء فليس بإحياء، وعلَّلُوا هذا بعلة قوية، قالوا: إن القاعدة عندنا أن كل ما أطلقه الشارع وليس له حد في الشرع فمرجعه أيش؟
طلبة: إلى العرف.
الشيخ: إلى العرف، فما عَدَّهُ الناس إحياء فهو إحياء، وما لم يعدوه إحياء فليس بإحياء، وهذا القول لا يَبْعُد عما قاله المؤلف -رحمه الله- لكن ربما تتغير الأحوال وتختلف.
لو غرس على أرض واسعة كبيرة، غرس عليها أشجارًا كالجدار، هل يملك ما كان داخل هذه الأشجار؟
طلبة: نعم.
(2/2243)
________________________________________
الشيخ: لا، لا يملك؛ لأنه ما زرعها، ولا بنى، والأشجار عُرْضَة، لكنه يكون أحق بها، بمعنى أنه لا يزاحمه عليها أحد، ولكن إذا تأخر في إحيائها ووُجِدَ مَن يطلب إحياءها يُمْهَل، يقال له: يا فلان، إما أن تُحْيِيَ الأرض، وإما أن ترفع يدك؛ لأن فيه منتظرًا لإحيائها.
وقوله: (أو حبسه عنه ليَزْرَع فقد أحياه)، أما لو حبس الماء عن هذه الأرض لمجرد أن تيبس فقط فإن هذا ليس بإحياء، وفي هذا إشارة من المؤلف إلى أن النية معتبرة في الإحياء في مثل هذه الصورة.
طالب: أحسن الله إليك، إذا دفع التأمين؟
الشيخ: إذا ..
الطالب: رجل دفع التأمين على أنه جائز، كان يعتقد أنه جائز؟
الشيخ: يعتقد أنه جائز؟ ! نقول له: حرام.
الطالب: لا يعرف أنه قمار، ثم علم أنه مَيْسِر، فهل يعني ..
الشيخ: إذا دفع التأمين وهو لا يدري أقول: الأمر ( ... ) وأسهل، يذهب إلى شركة التأمين ويقول: أنا أريد أن أسحب تأميني.
الطالب: يأخذ ما دفع؟
الشيخ: إي، يأخذ ما دفع منه ويبطل التأمين.
طالب: شيخ، بارك الله فيك، بالنسبة لتعريف دار الإسلام، إذا كان البلد يحكمه كافر والبلد نفسه أو المدينة نفسها القسم الشرقي منها كفار، والغربي مسلمون، وتُقَام فيها الشعائر، فهل كل منطقة تأخذ حكمها، وأن تتعدد الأحكام في بلد واحد؟
الشيخ: نعم، وبهذا أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال: يمكن أن نقول: هذه بلاد إسلام، في الجانب اللي فيه المسلمون يُظْهِرُون الشعائر، وبلد كفر في الجانب الذي فيه الكفار الذين لا يقيمون الشعائر، وهذا حق، هذا هو العدل.
طالب: لو عملنا التأمين يا شيخ على شكل ( ... ) هل يجوز بيعه؟
الشيخ: ما حرُم الدخول فيه حرُم بيعه، لأنه إذا حرَّم شيئًا حرم ثمنه.
(2/2244)
________________________________________
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، إذا كل أنواع مصالح الناس في التأمين فعلى سبيل المثال الآن الدول الكافرة إذا أراد الإنسان أن يؤمِّن على سيارته مثلًا يقول: إذا دفعت خمسين دولارًا في الشهر، فنحتاج نؤمِّن على السيارة ضد الحوادث والصدام؛ حوادث الطرق، وأما إذا دفعت ستين دولارًا فالتأمين يكون شامل العواصف الثلجية والأعاصير ( ... ).
الشيخ: الجواب: إذا كانوا يُجْبِرُونك على التأمين فاسلك أخفّ النوعين، وإن كانوا لا يجبرونك فلا تؤمن أصلًا.
الطالب: لا هو الإجبار تُجْبَر.
الشيخ: فيه إجبار؟
الطالب: فيه إجبار.
الشيخ: أجل، يُسْلَك أقلها ضررًا وخطرًا.
الطالب: بمعنى أنه لا يؤمن على الثلج؟
الشيخ: لا، ما يؤمن على الثلج، يؤمن على الأسهل؛ لأن هذا مُحَرَّم فيُقْتَصَر فيه على قدر الضرورة.
طالب: بارك الله فيه يا شيخ، الإجبار الوحيد في هذا الحالات في الدول الأوربية والأمريكية هو ضد الغير فقط.
الشيخ: ضد الغير؟
الطالب: فقط.
الشيخ: يعني الصدام يعني؟
الطالب: نعم، ضد الشخص يعني شخص حي آخر.
الشيخ: كيف؟ اشرح لنا هذه.
الطالب: إيذاء شخص آخر، ضد الغير فقط، هذه الْمُجْبَر عليه.
الشيخ: يعني ألَّا يؤذي أحدًا؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ألَّا يؤذي أحدًا.
الطالب: الباقي اختياري.
الشيخ: كلٌّ يعتقد أنه ما يؤذي أحدًا، لكن يأخذون عليك لأجل إن آذيتَ أحدًا أخذوا من هذه الدراهم، وإذا لم يؤذِ أحدًا تمت السنة ما آذى أحدًا؟
الطالب: ما عليك شيء، بالنسبة للأمور الأخرى أنت تتكفل ( ... ).
الشيخ: لا، مثلًا اللي يدعي فيها إلى الغير، مثل قالوا: الآن نخشى أنك تصدم صبيًّا أو سيارة أو شيئًا، سَلِّم عشرة آلاف، سَلَّمَها ثم لم يصدم، هل تُرَد عليه؟
الطالب: لا، لا ترد عليه يا شيخ، يجب أن يدخل في هذا التأمين من أجل ما يسمى حماية الغير، وبالتالي شركة التأمين تغطي تكاليف ما يترتب عليه من إيذاء في هذا الحادث.
(2/2245)
________________________________________
الشيخ: على كل حال هو الشيء اللي يضطر عليه إنسان ما عليه شيء، لكن هذا بالحقيقة سفه منهم؛ لأنهم إذا فعلوا هذا يسهُل على الإنسان الحوادث، يسهل عليه أنه يدهس رجَّالًا أو امرأة، أو يكسر سيارة.
طالب: شيخ بارك الله فيك، رجل يعمل في إحدى الشركات، وهذه الشركة تدفع تأمينًا لأحد المستشفيات، ولكن الرجل إذا طالت فترة المرض لا يستطيع أن يجيب عذرًا إلا من هذا المستشفى، لا يقبل العذر إلا من هذا المستشفى.
الشيخ: إي، والله ما أدري المستشفى هذا أخشى أن يحابيه، أن يعطيه الشهادة بأنه مريض وهو غير مريض، لا سيما أننا نسمع في بعض الجهات المسألة سهلة، إذا كان الطبيب ممن يشرب الدخان أعطاه علبة باكيت وخلاص سوي اللي تبغي، هكذا سمعنا والله أعلم، لكنها أظن إن شاء الله غير صحيح هذا.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، في مسألة التأمين بعض الدول في مسألة التأمين في الحوادث مثلًا إذا سيارتك مثلًا ..
الشيخ: ضد الحوادث عليك ولّا منك؟
الطالب: شيخ، أحسن الله إليك، في بعض البلاد إذا كان الإنسان يملك سيارة أعطاها سائقًا، سيارة نقل تجاري، كل ما حدث من السائق إذا سقط أحد من الركاب أو صدم إنسانًا غير راكب نتائج ذلك يحملون صاحب السيارة، السائق لا يتحمل شيئًا ولو أخطأ، كل ( ... ) اللي يتحمل صاحب السيارة ولو كنت خارج البلاد، فكيف إذا أنت أَمَّنْت مثلًا، هل إذا كان التأمين يدفعون لك، فكيف تفعل؟
الشيخ: لا تفعل، لا تُؤَمِّن.
الطالب: أنت مُجْبَر.
الشيخ: شوف مسألة الإجبار لا تسأل عنها، الإجبار لا بأس به ما هو باختيارك، ولا يمكن تفوِّت مصالحك، فهمت؟ نظير ذلك في بعض بلاد الكفار أو ما أشبه الكفار لا يحكمون بالكتاب والسنة، وأنت الآن في حق معك حق، تريد أن تطالب خصمك، ولم تجد أحدًا تتقاضى عنده إلا هؤلاء، هل نقول: أَضِع حقك، ولّا نقول: خاصِم، واجعلهم بمنزلة الشُّرَط، يُخْرِجُون لك الحق، أيهما؟
طالب: الثاني.
(2/2246)
________________________________________
الشيخ: الثاني، ولا يقال: إن هذا الرجل رضي بالتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسول الله، أبدًا، إنما أراد أن ينقذ حقه، وهذه الطريق لا يرضاها، لكن يقول: أنا لو حُكِمَ لي بغير ما أنزل الله ما قبلت، لكن إذا كنت مُحِقًّا، ولا يمكن الوصول إلى حقي إلا بهذا فلا حرج، وقد أشار إلى هذا ابن القيم رحمه الله في أول كتاب الطرق الحكمية.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، كيف تدفع الدية لهؤلاء الناس اللي أحدث السائق، يُحَمِّلُونك الدية؟
الشيخ: إذا حَمَّلُوك فارجع إلى السائق، ارجع عليه.

***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب إحياء الموات:
ويملك حريمُ البئر العادية خمسين ذراعًا من كل جانب، وحريمُ البَدِيَّة نصفَها، وللإمام إقطاع موات لمن يحييه، ولا يملكه، وإقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ما لم يضر بالناس، ويكون أحق بجلوسها، ومن غير إقطاعٍ لمن سبق بالجلوس ما بقي قماشه فيها وإن طال، وإن سبق اثنان اقترعَا، ولمن في أعلى الماء المباح السقيُ وحبسُ الماء إلى أن يصل إلى كعبه، ثم يُرْسِل إلى مَن يليه، وللإمام دون غيره حِمَى مَرْعًى لدوابّ المسلمين ما لم يضرهم.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ما هي الموات؟
طالب: هي الأرض الْمُنْفَكَّة عن الاختصاصات وملكٍ معصومٍ.
الشيخ: الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم.
ما مُحْتَرَز قوله: وملك معصوم؟
طالب: ملك معصوم يشمل المسلم والذمي.
الشيخ: مُحْتَرَز، أنا لا أسأل عن المعصوم، أسأل عن الْمُحْتَرَز.
الطالب: لأنها غير مملوكة.
الشيخ: لا.
الطالب: كيف محترز؟
الشيخ: هو إذا وُصِفَ الشيء بوصف فمُحْتَرَزُه ضده.
الطالب: إذا كان ملكًا غير معصوم.
الشيخ: محترزه مثل؟
الطالب: الحرب.
(2/2247)
________________________________________
الشيخ: نعم، كأرض الحرب، فمن أحيا شيئًا فيها فهي له.
من هم المعصومون؟
طالب: مسلم.
الشيخ: مسلم.
الطالب: والمستأمِن.
الشيخ: مستأمن.
الطالب: والذمي والمعاهَد.
الشيخ: والمعاهد، أربعة.
المؤلف يقول: مَن أحياها ملكها، ما هو الدليل على هذا؟
طالب: قول النبى صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ». (1)
الشيخ: نعم، قوله: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ»، ألا يمكن أن يقول قائل: ميتة أي: ليس فيها نبات، بخلاف التي نزل عليها المطر ونبتت؟
طالب: لا؛ لأن أي إنسان يمكن يزرع أرض غيره ( ... ).
الشيخ: يقال: إنّ ما حيى بالمطر ليس من إحيائك أنت، ولكنه من عند الله.
ننتقل إلى درس جديد الآن، قال: (ويملك حريمُ البئر العادية خمسين ذراعًا من كل جانب، وحريم البَدِيَّة نصفَها).
(حريم) يعني: محارم الشيء، يعني: ما حوله.
وقوله: (حريم البئر العادية) يعني التي أُعِيدَت بعد أن كانت محفورة من قبل ثم طَمَّها الرمل، أو المطر، أو ما أشبه ذلك، ثم أعادها، يملك خمسين ذراعًا من كل جانب؛ وذلك لأنه حفرها أولًا ثم حفرها ثانيًا، فبالحفر الأول ملك خمسًا وعشرين ذراعًا، وبالحفر الثاني ملك خمسًا وعشرين، فيكون الجميع كم؟ خمسين ذراعًا.
ومراد المؤلف -رحمه الله- بذلك البئر المحفورة للسُّقْيَا، ما هي للزرع، المحفورة للسقيا، وهذا يقع كثيرًا في البر عند البادية، تجد الرجل يحفر بئرًا حتى يصل إلى الماء من أجل أن يسقي ماشيته، من إبل أو بقر أو غنم، فنقول: هذا الرجل يملك بهذه البئر خمسين ذراعًا إن كانت قد أُعِيدَت، أو أيش؟ خمسة وعشرين ذراعًا إن كانت بَدِيَّة، يعني مُبْتَدَأَة، ففعيل هنا بمعنى مفعول، أي: ابتدأ حفرها.
وظاهر كلام الفقهاء رحمهم الله أنه لا فرق بين أن يكون الحفر سهلًا، أو يكون الحفر شديدًا، كما لو كانت أرضًا صخرية، وأنه لا فرق بين أن يكون عمقها بعيدًا، أو عمقها قريبًا.
(2/2248)
________________________________________
وتعليل ذلك أن هذا الحريم هو الذي يتعلق به مصلحة البئر، فالرجل في البادية إنما حفر هذا البئر من أجل أن يسقي ماشيته، وخمسة وعشرون من كل جانب فيها كفاية، يعني: خمسة وعشرون، وخمسة وعشرون، وخمسة وعشرون، وخمسة وعشرون، كم من مربع؟
طلبة: مئة.
الشيخ: مئة، خمسة وعشرون أربع مرات هذه مئة، هذه تكفي، أما إذا كانت عادية بمعنى أنها انطمت ثم حفرها ثانية، فإنه يملك خمسين من كل جانب.
وظاهر كلامهم أيضًا أنه لا فرق بين أن يكون الحافر مرة أخرى هو الأول أو غيره، أما إذا كان هو الأول فإعطاؤه خمسين ذراعًا واضح؛ لأنه تعب عليها كم؟ مرتين، وأما إذا كان غيره فيقال: إن الأول ملك خمسًا وعشرين، والثاني ملك خمسًا وعشرين، فيكون خمسين ذراعًا من كل جانب، فيكون الخمس والعشرون الأولى باعتبار حفر الأول لها، والثانية باعتبار حفر الثاني لها.
ثم قال: (وللإمام إقطاع موات لمن يحييه) إذا قال الفقهاء: الإمام، فمرادهم السلطان الأعلى؛ يعني الذي له الكلمة على كل الدولة، كالملك مثلًا في البلاد الملكية، وكالرئيس في البلاد الجمهورية، وما أشبه ذلك.
المهم مَن له الكلمة العليا فهو عند أهل العلم هو الإمام؛ لأنه يُؤْتَمّ به ويُطاع فيما يأمر به في غير معصية الله، وكل مَن كان قدوة فهو إمام، ولذلك نسمي مَن يصلي بنا في الجماعة نسميه إمامًا؛ لأننا نأتمر بأمره، لا نُكَبِّر إلا إذا كَبَّر، ولا نركع إلا إذا ركع، وإذا قام قمنا، وإذا سجد سجدنا.
فالإمام إذن من هو؟ الإمام هو من له الكلمة العليا في الدولة، سواء سُمِّي إمامًا أو ملكًا أو رئيسًا أو غير ذلك.
له (إقطاع موات لمن يحييه)، إقطاعه يعني أن يقول: يا فلان، لك هذه الأرض أَحْيِهَا، فإذا أحياها الْمُقْطَع فإنه يملكها، وإذا لم يُحْيِها فإنه يكون أحق بها من غيره، فيكون الْمُقْطَع كالمتَحَجِّر، وليس كالذي أحيا، واضح؟
(2/2249)
________________________________________
وإذا قالوا: (وللإمام) فاللام للإباحة، ولكن هل يجب عليه الإقطاع، وهل يحرُم عليه الإقطاع؟ نقول: نعم، ربما يجب وربما يحرُم، يجب عليه إذا تقدم متشوفٌ لإحياء الأرض، وكان هذا المتقدم قادرًا على إحيائها، فالواجب على الإمام حينئذ أيش؟ أن يُقْطِعَه حتى لا تتعطل الأراضي، وحتى ينتفع هذا المتقدم، فيكون هنا الإقطاع أيش؟ واجبًا، يكون حرامًا إذا أقطعها شخصًا محاباة، بمعنى أنه قد تقدم من هو أولى منه وأقدر على إحياء الأرض، ولكنه أقطعها لهذا الرجل؛ لأنه قريبه، أو لأنه ذو جاه، أو ما أشبه ذلك، هذا أيش نقول فيه؟
نقول: هذا حرام، فيكون اللام في قوله: (وله) للإباحة، بمعني أنه لا يُمْنَع من إقطاع الموات، ثم قد يجب وأيش؟ وقد يحرُم.
(إقطاع مَوَاتٍ لمن يحييه) وفُهِمَ من قوله: (إقطاع موات) أنه ليس له الحق في أن يقطع أرضًا ذات اختصاص؛ لأن الموات هي الأرض المنفكة عن أيش؟ عن الاختصاصات وملكٍ معصوم، وعلى هذا فليس للإمام أن يُقْطِعَ أودية البلد، أو طرق البلد، أو ما أشبه ذلك؛ لماذا؟ لأنها مختصة، وإن لم تكن مملوكة لكن مختصة، وليس له أن يُقْطِع مراعي البلد ومُحْتَطَبَهُمْ، أي: محل جمع الحطب وما أشبه ذلك؛ لأن هذا أيش؟ من الاختصاصات، ليس مواتًا، الموات هي الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم.
وقول المؤلف: (وللإمام)، هل نقول: من قام مقام الإمام فهو مثله؟ في الوقت الحاضر الإمام لا يتولى هذا، وإنما يتولاه الوزراء أو الوكلاء، أو ما أشبه ذلك، فيُرْجَع في هذا إلى نظام الحكم، إذا كانت الدولة يتولى الإقطاع فيها الحاكم الأعلى فهو الحاكم الأعلى، إذا كان نوابه فنوابه.
قال: (ولا يملكه)، الضمير في قوله: (ولا يملكه) يعود على؟
طالب: الْمُقْطَع.
(2/2250)
________________________________________
الشيخ: الْمُقْطَع، يعني أن الْمُقْطَع لا يملكه لكن يكون أيش؟ أحقَّ به من غيره، بحيث لا يمكن لأحد أن يقوم بإحيائه، وقيل: إنه يملكه بإقطاع ولي الأمر، يعني بإقطاع الإمام؛ لأن إقطاعه إياه كالتمليك، بل هو تمليك على هذا القول، والإمام هو المسؤول عن أراضي دولته وعن أحوال الدولة، لكن الأقرب أنه لا يملكه، وأنه أحق به، ثم إن أحياه فهذا المطلوب، وإن لم يُحْيِه وتقدم مُتَشَوِّفٌ لإحيائه وجب على الإمام أن يقول للذي أقطعه: إما أن تُحْيِيَه، وإما أن ترفع يدك، ويضرب له مدة يمكنه أن يُحْيِيَه فيها.
قال: (وإقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ما لم يضر بالناس ويكون أحق بجلوسها)، يعني: وللإمام إقطاع الجلوس في الطرق الواسعة، بشرط ألَّا يضر بالناس، ولنضرب مثلًا سوق الخضار، هذا سوق، واسع ولَّا غير واسع؟ عادة يكون واسعًا، له أن يُقْطِعَ أحدًا مكانًا يجلس فيه، يقول: يا فلان، لك رأس السوق، وسط السوق، طرف السوق، وما أشبه ذلك؛ لأن المرجع في هذه الأمور إلى الإمام، لكن بشرط ألا يضر بالناس، والإضرار بالناس له صور، منها:
لو أقطعه مكانًا كبيرًا والناس مُزْدَحِمُون في هذا المكان، ولو لم يُقْطِعْهُ لوسع هذا المكان أربعة أو خمسة، فهنا لا يجوز له ذلك؛ لأن هذا أيش؟ إضرار بالناس، الناس محتاجون، وإذا أقطع قطعة كبيرة من هذا السوق لهذا الرجل فبدلًا من أن يكون في هذا السوق عشرون رجلًا لم يبقَ يتسع إلا لعشرة مثلًا، وهذا إضرار.
كذلك لو أقطعه مكانًا هو مدخل السوق ويُضَيِّق على الداخلين، فهنا نقول أيش؟ هذا ممنوع، ولا يحل له؛ لأن الإمام يجب عليه أن يراعي المصالح العامة، والمضارّ الخاصة تندرج في المصالح العامة؛ لأنه إذا راعى المصالح العامة فربما يضر آخرين لكن أفرادًا، وهذا يُغْتَفَر.
قال المؤلف: (في الطرق الواسعة ما لم يضر بالناس)، فإن أضر بالناس؟
طالب: فإنه لا يُقْطِعُه.
الشيخ: مثاله؟
(2/2251)
________________________________________
الطالب: مثل أن يُقْطِع الإمام طرقًا أو مدخلًا إلى السوق.
الشيخ: مثل أن يُقْطِعَه شيئًا في مدخل السوق فيضيِّق مدخل السوق، أو مساحة كبيرة تقلِّل انتفاع الناس بهذا السوق.
قال: (ويكون أحق بجلوسها)، ولكن لا يملكها؛ لأن السوق ملك للعامة، فإذا أقطعه مكانًا يبيع فيه فإنه لا يملكه، لكن يكون أحق بالجلوس.
قال: (ومن غير إقطاع)، يعني: لو جلس إنسان في مكان من السوق يبيع ويشتري فيه من غير إقطاع.
(لمن سبق بالجلوس ما بقي قماشه فيها وإن طال)، يعني لو تقدم إنسان إلى مكان ووضع بَسْطَته فيه، فما دامت بَسْطَته في السوق فهو أحق، وليس لأحد أن يُزَاحِمَه؛ لأنه سبق، حتى لو طال.
وقوله: (وإن طال) فيها إشارة خلاف؛ فمن العلماء مَن يقول: يُعْطَى مهلة يومين، ثلاثة، أسبوعًا، ثم يقال: ارفع يدك، ومنهم مَن قال: ما دام الرجل محتاجًا إلى هذا المكان فإنه أحق ولو طال جلوسه، وهذا القول أسلم من المشاكل والاضطرابات، فيقال: مَن سبق هو أحق به.
لكن إذا كان هذا المكان موسميًّا، وانتهى الموسم، فهل نقول: إن هذا الرجل له في الموسم الآخر هذا المكان؟ أو الموسم الآخر مَن سبق إلى مكان فهو أحق به؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: الثاني؛ لأنه انتهى الموسم، فإذا قَدَّرْنَا أن هذا المكان موسم يكون في زمن عيد الفطر، انتهى الموسم، يأتي موسم عيد الأضحى، لا نقول للذي جلس في المكان في موسم عيد الفطر: أنت أحق به في موسم عيد الأضحى؛ لأنه انتهى الموسم.
فإن كان من المقرَّر نظامًا أن كل مَن قام في بَسْطَة ارتحل عنها في آخر النهار، كما يوجد في بعض المحلات؛ يكون الإنسان يبقى في هذا المكان طول النهار فقط، وفي الليل تُنْقَل كل الأمتعة، فماذا نعمل في اليوم الثاني؟ هل نقول: نبتدئ من جديد ومَن سبق فهو أحق؟ أو نقول: من كان في مكان بالأمس فهو أحق به؟
طلبة: الأول.
(2/2252)
________________________________________
الشيخ: الأول، فما دام النظام يقول: الجلوس كل يوم بيومه، فإذا انتهى اليوم الأول وجاء الثاني فإن مَن سبق فهو أحق.
وقوله: (وإن طال)، ذكرت لكم أن هذا إشارة خلاف، وأن بعض العلماء يقول: إذا طال فإنه يُؤْمَر بتخلية المكان.
ولو قال قائل: إنه يُرْجَع في هذا إلى تنظيم المسؤولين، لو قال أحد بذلك لكان قولًا وجيهًا؛ لأن هذا قد تختلف الأحوال، قد تختلف الأماكن، قد تختلف الأزمان، فلو قيل: إن مسألة الطول يُرْجَع فيها إلى رأى المسؤولين لكان هذا قولًا وجيهًا.
قال: (وإن سبق اثنان اقترعَا)، كيف يسبق اثنان؟ يعني: سبقَا إلى مكان ليبيعَا فيه، لكن كيف يستبقان جميعًا؟ كل واحد وصل إلى المكان في نفس الوقت، هل نقول: يُنْظَر إلى الأكبر سِنًّا، أو إلى الأفقر؛ لأنه أحق بالمراعاة، أو إلى الأغنى؛ لأنه سوف يجلب إلى هذا المكان ما لا يستطيع الفقير أن يجلبه؟
نقول: كل هذه مسائل اعتبارية فيُرْجَع إلى الأصل، وهو أنهما تساويَا في الوصول إليه، ولا طريق إلى التمييز إلا بالقرعة.
ولكن كيف نُقْرِع؟ هل نجيب نصف قرش ونقول: واحد سيفين ونخلة وواحد نصف القرش، ولّا كيف؟
هو ما يحصل به التمييز، القرعة لا تتعين في شكل معين، كل ما يحصل به التمييز فهو قرعة، وهو يختلف، والناس يختلفون في هذا، يعني في كيفية الإقراع، فالمقصود التمييز.
ثم قال: (ولمن في أعلى المباح السَّقْي وحَبْس الماء)، (لمن) خبر مقدَّم، و (السقي) مبتدأ مؤخَّر، و (الماء المباح) يراد به ما ليس بمملوك؛ لأن الماء نوعان: نوع مملوك، ونوع مباح.
فالأنهار التي يُجْرِيها الله -عز وجل- هذه مباحة، والأودية التي يأتي بها المطر هذه مباحة، والبئر التي حفرها قوم واشتركوا فيها هذه مملوكة.
المملوك يكون توزيع الماء على حسب الملك؛ لأنهم مشتركون، ولا مزيَّة لواحد على الآخر، فمثلًا إذا كان لأحدهما النصف والثاني النصف، وُزِّعَ الماء كم؟
طلبة: نصفين.
(2/2253)
________________________________________
الشيخ: نصفين؛ لأحدهما الربع والثاني ثلاثة أرباع، يُوَزَّع ربعًا وثلاثة أرباع، حسب الحال.
وكيفية التوزيع أيضًا تختلف؛ إما أن يكون الساقي واحدًا ثم يوضَع خروق موزِّعة، مثلًا إذا كانوا نصفًا ونصفًا، كم نحتاج؟ إلى اثنين، إذا كان ثلاثة أرباع وربعًا نحتاج إلى أربعة، فتُوَزَّع بحسب الحال.
أما إذا كان مباحًا فيقول: (لمن في أعلى السَّقْيُ وحبسُ الماء إلى أن يصل إلى كعبه)، (السقي) يعني: أن يسقي زرعه أو نخله إلى أن يصل إلى الكعب، والأرض كما تعلمون ليست متساوية من كل وجه، ربما يكون يصل إلى الكعب في جانب، ويصل إلى نصف الساق في جانب آخر، أليس كذلك؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، العبرة بالمتوسط، وإلا من المعلوم لو كانت بعض الأرض نازلة مترًا أو أكثر لاستوعبت ماء كثيرًا قبل أن يصل إلى الكعب في العالي، لكن بالمتوسط والتقدير، إلى أن يصل إلى كعبه ثم يرسله إلى مَن يليه، يعني بعدما يسقي حتى يصل إلى الكعب يرسله إلى مَن يليه، إلا إذا كان الأعلى أتى أخيرًا، فإنه يُقَدَّم الأسفل.
مثال ذلك: هذا الوادي زرع فيه إنسان، وصار يسقي زرعه منه، ثم جاء إنسان وتقدَّم إلى أعلى الوادي، لا نعطي المتقدِّم، لماذا؟ لأن الأول أحق لسَبْقِه، لكن إذا قدَّرْنا أنهم أحيوا جميعًا، أو أننا لا نعلم مَن المتقدِّم، فإنه يقدَّم الأعلى.
ودليل ذلك ما جاء في الحديث الصحيح من تشاجر الأنصاري والزبير بن العوام -رضي الله عنهما- في شرج الْحَرَّة، حيث ينزل هذا الشرج إلى الحائطين جميعًا، فتخاصمَا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الزبير -رضي الله عنه- يسقي ثم يُرْسِل إلى جاره من غير تقدير، فقال الجار: لا، لا بد أن يكون السقي بالسوية، بمعنى أنه إذا سقيت زرعك وكان الماء لا يكفي إلا زرعك لا بد أن تجعل لي نصيبًا منه، فتخاصمَا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى للزبير؛ لأنه أحق، وقال له: «اسْقِ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ وَأَطْلِقْ» (3).
(2/2254)
________________________________________
وهذا يحصل، يعني لو أنه صار على هذا يحصل بأقل ما يسمى سقيًا، ولكن الأنصاري أخذته الحمية، وقال: أن كان ابن عمتك يا رسول الله؟ -عفا الله عنه- يعني كأنه ظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام راعَى القرابة، وصلة القرابة واجبة، فأراد عليه الصلاة والسلام أن يقدِّم قرابته؛ لأن صلة القرابة واجبة، فظن -رضي الله عنه وعفا عنه- ظن أن الرسول راعى هذا وحكم للزبير.
ويبعُد جدًّا أن يكون الأنصاري أشار إلى حَيْف الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن لفظه يحتمله لا شك، ولكننا علينا أن نحسن الظن به، وأن نقول: إنه ظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر الزبير أن يسقي؛ لأنه كان قرابته، وكان هذا من صلة الرحم، فاحتفظ النبي عليه الصلاة والسلام للزبير بحقه، فقال: «اسْقِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْجَدْرِ»، والجدر هي عبارة عن .. نسميها إحنا أيش؟
طالب: السلة.
طالب آخر: الجدول؟
الشيخ: لا، السلالي أو السلة هي التي تفصل بين الحِيَاض، قال: «حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْجَدْرِ، ثُمَّ أَرْسِلْهُ إِلَى جَارِكَ»، فقِيسَ هذا الجدر كم؟ فصار يَصِل إلى الكعب، فاعتبر العلماء -رحمهم الله- اعتبروا ذلك بالكعب؛ لأن الجدر أيضًا يختلف، قد يكون بعض الناس يُكَبِّر وبعض الناس يُصَغِّر، فكان الكعب هو الميزان، فيُحْبَس إلى أن يصل إلى الكعب، ثم يرسله إلى جاره.
ومعلوم أن وصول الماء إلى الكعب أكثر مَن أن يكون مجرّد سقي؛ لأن مجرد السقي قد يكون بنصف هذه المسافة، وهذا هو الذي أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام أولًا، لكن الأنصاري لما قال هذا احتفظ النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بحقه، وقال: «اسْقِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْجَدْرِ». (3)
إذا أرسله إلى مَن يليه وكانوا ثلاثة أو أربعة، فالثاني يسقي إلى الكعب، والثالث إلى الكعب، والرابع إلى الكعب، وإن لم يَبْقَ له شيء بأن كان الماء قليلًا فليس له شيء.
(2/2255)
________________________________________
طالب: ما مدى صحة تسمية بعض الناس لما حول الشيء المحرم حَرَمًا حَرَم الجامعة ..
الشيخ: لا بأس، حَرَم بمعنى حريم، أما إذا كان يُخْشَى أن يُفْهَم منه أنه حَرَم شرعًا فهذا لا يجوز، مثل قولهم في المسجد الذي يسمونه مسجد الخليل في فلسطين: إنه الحرم الإبراهيمي، هذا غلط، أو أن يقول عن المسجد الأقصى: إنه حَرَم، هذا غلط كبير، ولهذا فيه عبارة تُوهِم، وهي قولهم: ثالث الحرمين، هذا ليس بصواب؛ لأنه لو قيل: ثالث الحرمين صار حَرَمًا، أو أوهم ذلك، على الأقل يُوهِم، وهو ليس بحرَم، وقد أجمع العلماء أنه ليس هناك حَرَم إلا اثنان فقط؛ الحرَم المكي والحرَم المدني، واختلفوا في وَجّ، وهو وادٍ بالطائف هل هو حَرَم أو لا، والصحيح أنه ليس بحرَم.
طالب: والحرم الجامعي يا شيخ؟
الشيخ: والحرم الجامعي أيضًا ما يُفْهَم منه أنه مُحَرَّم شرعًا، مثل حريم البئر.
طالب: يقولون يا شيخ: ثاني القبلتين.
الشيخ: لا، يقولون: أولى القبلتين.
الطالب: نعم؟
الشيخ: يسمونه أولى القبلتين.
الطالب: غير صحيح؟
الشيخ: لا، غير صحيح.
الطالب: غير صحيح.
الشيخ: لأنه إذا كان أولى القبلتين معناه أن هناك قبلتين، ولو قيل: القبلة قَبْلَ النسخ، لكان هذا هو الصواب، وكل ما يُوهِم ينبغي تجنبه، لا سيما في وقتنا الحاضر حيث غلب الجهل على أكثر الناس، وغلبت العاطفة أيضًا على أكثر الناس.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، في الأماكن الصحراوية خاصة أماكن يُحْفَر البئر، يعني يوجد الماء فيه أماكن ضيّق مرة، ما يتسع لواحد نعطيه مئة متر مربع، أو مئة ذراع مربع، فلا نجد مثلًا مكانًا ..
الشيخ: كيف هذا، يعني ما يصل إلى الماء؟
الطالب: إي، يصل إلى الماء، لكن فيه بعض أماكن منخفضة، إذا حفرت تجد فيه الماء.
الشيخ: إي قريب الماء.
(2/2256)
________________________________________
الطالب: إي، غيرههم قد لا تجد ماء، فالناس يضطرون يحفرون قريبًا بعد، بحيث ما يهدم البئر الثاني، إذا أعطينا حرمة الواحد منهم مئة ذراع مربع ما يسع الآخرين علشان يحفرون البئر.
الشيخ: هنا تتدخل الحكومة، حتى أيضًا ربما يكون بعضهم ماشيته قليلة ما يحتاج إلى هذا المقدار، فهنا إذا ضاقت لا بد أن تتدخل الحكومة.
طالب: أحسن الله إليك، قلنا بأن المقصود بالبئر هنا هي بئر السقي، أحسن الله إليك، ما الجواب عن حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ» (4)، فذكر أربعين ذراعًا، وسبق أن ذكرنا خمسين وخمسة وعشرين.
الشيخ: المسألة فيها خلاف بناء على صحة الحديث، والفقهاء يُرَجِّحون الحديث الآخر.
طالب: إذا حفر بئرًا، وكان حفرُه لها أول مرة، صار له خمسة وعشرون ذراعًا، ثم دُفِنَت فجاء آخر وحفرها من جديد، يعني غير الأول، قلنا: يأخذ خمسين، ونحن عَلَّلْنَا بأن الخمسة وعشرين الأولى لمصلحة البئر ومقابل تعبه، كيف استحق الخمسين وهو أول مرة يحفرها، ولو كان ..
الشيخ: لأن الخمسة وعشرين استُحِقَّت بحفر الأول.
الطالب: يأخذها الثاني؟
الشيخ: يأخذها الثاني، مع أن الغالب أن الإعادة أهون، ومع ذلك يقولون: لما ملكت البئر خمسة وعشرين، لأن هذا من حقوق البئر، البئر ملكت خمسة وعشرين من الأول.
طالب: شيخ، بالنسبة للإمام هل له أن يبيع ويُقْطِع، أم ليس له إلا الإقطاع؟
الشيخ: لا، ما يمكن، يُقْطِع بلا بيع.
طالب: الأراضي اللي تؤخذ تكون أراضي كبيرة، لكن بعيدة عن البلد، ويُدْفَع فيها كما لو دُفِع شراءً وتُسَجَّل.
الشيخ: الْمُقْطِع يعني؟ الْمُقْطِع يشتريها شراء؟
الطالب: الشخص الذي أراده الإمام دَفَعَ له مالًا.
الشيخ: دفع لمن؟
الطالب: للإمام، يعني للوزارة.
الشيخ: يبقى للمُقْطِع.
الطالب: هل يُعْتَبَر يمكن أن يُعَدّ شراء؟
(2/2257)
________________________________________
الشيخ: يعني المقطَع يدفع، لا، ما يُعَدّ شراء؛ لأن الإمام ما ملكها، الأرض أرض الله عز وجل، لا يملكها الإمام ولا غيره، لكن الإمام يملك تصريفها وتوزيعها على الأمة حسب ما يرى.
تعرف الآن مسألة الحكام أكثرهم ما يُرَاعِي هذه الأمور، أكثرهم يقول: ما دامت الدولة محتاجة أبغي أجعل ضرائب، حتى على الخبز اللي ياكلوه لازم أحط عليه ضريبة؛ لأن الدولة محتاجة، كيف تصرف على الجيوش، على الآلات الحربية، على المصالح العامة، فبعض الناس قد يُفْتِي ولاة الأمور بجواز مثل هذه الحال، يقول: إن الدولة للدولة، فما دام الشعب محتاج إلى هذه المصالح العامة وليس هناك مَوَادّ للدولة تكتفي بها فلا بأس أن يجعل ضرائب.
لكن لا شك أن هذا خطأ، يعني أولًا هذه الضرائب قد تكون في غير وجهها، والثاني يجب أن تُقَدَّر هذه الأمور بقدر الحاجة، إذا جاء ضِيق يُبْسَط البساط ويقال: مَن أراد أن يتبرع، وإذا لم يتبرع أحد فللإمام أن ينظر في المصلحة، أما أن يُجْعَل هذا كنظام عام فهذا غلط.
طالب: شيخ بارك الله فيك، حريم البئر العادية خمس وعشرون، أو كون أن هذا التحديد راجع لعلة وهو مصلحة البئر.
الشيخ: العادية كم؟
الطالب: خمسين.
الشيخ: والبدية نصفها.
الطالب: نصفها، وهذا راجع لمصلحة البئر.
الشيخ: إلى؟
الطالب: مصلحة الحافِر من حيث الرِّشَا وكذا، قد نحتاج إلى أكثر، هل نقول بالزيادة، ( ... ) لعلة، أو نقول ..
(2/2258)
________________________________________
الشيخ: هذا يرجع .. الواقع إن ما ذكره الفقهاء رحمهم الله في مثل هذه الأمور يستندون فيها إلى قضايا من الخلفاء أو مَن دونهم، وهذه تختلف، فيُرْجَع في هذا إلى العرف، الذي أرى أن في هذه الأمور يُرْجَع فيها إلى العرف، حتى مثلًا المفقود قالوا: يُنْتَظَر أربع سنين إذا كان ظاهر غيبته الهلاك، تسعين سنة منذ وُلِد إذا كان ظاهر غيبته السلامة، هذه أيضًا تقادير اجتهادية تكون في وقتها، ربما يغلب على الظن موته في أقل من هذا، يمكن في شهرين في وقتنا الحاضر، كل شيء مُرَتَّب، وكل شيء مُنَظَّم ولا يخفى أحد، لا سيما الإنسان الذي له شهرة.
فعلى كل حال الفقهاء رحمهم الله يأخذون هذا على أنها تقديرات شرعية يجب السير عليها، لكن لو قال قائل بأننا نرجع في هذا إلى ما تقتضيه المصلحة إذا لم يخالف الشرع، لكان هذا أحسن.
طالب: إذا حفر البئر بناء على كلام المؤلف، إذا حُفِر، ثم دُفِن ثم حُفِر ثم دُفِن مرة ثانية، ثم حُفِر مرة ثالثة.
الشيخ: إي ما يزيد.
الطالب: ما يزيد على الخمسين؟
الشيخ: ما يزيد.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب إحياء الموات:
وللإمام دون غيره حِمَى مرعى لدواب المسلمين ما لم يضرهم.
باب الجعالة

وهي أن يجعل شيئًا معلومًا لمن يعمل له عملًا معلومًا أو مجهولًا مدة معلومة أو مجهولة، كردّ عبدٍ، ولُقَطة، وخياطة، وبناء حائط، فمن فعله بعد علمه بقوله استحقه، والجماعة يقتسمونه، وفي أثنائه يأخذ قسط تمامه، ولكلٍّ فسخُها، فمِن العامل لا يستحق شيئًا، ومن الجاعل بعد الشروع للعامل أجرة عمله، ومع الاختلاف في أصله أو قدره يُقْبَل قول الجاعل.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق لنا أن الإمام له إقطاع الموات، وأنه يملكه، يملكه الْمُقْطَع.
طالب: لا، لا يملكه.
الشيخ: لا يملكه.
الطالب: ما يملكه.
(2/2259)
________________________________________
الشيخ: الذي أعطاه الإمام؟
الطالب: نعم، ما يملكه.
الشيخ: لا يملكه.
الطالب: بل يكون أحق به.
الشيخ: بل يكون أحق به، صحيح كلامه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، لكن فيه قول ثاني؟
الطالب: نعم قيل: إنه يملك.
الشيخ: إنه يملك، إقطاع الجلوس، هل للإمام أن يُقْطِع الجلوس في الطرقات؟
طالب: بشرط واحد ألَّا يضر بالآخرين، ألَّا يُقْطِعهم مكانًا واسعًا، ويكون المكان بحيث يكون المكان ضيقًا فيأتي الإمام ويُقْطِع رجلًا مكانًا يكون ..
الشيخ: لكن هل الإقطاع هنا في الطرق سواء واسعة أو ضيقة، أو في الواسعة بشرط ألّا يضر.
الطالب: يكون في الواسعة بشرط ألّا يضر بالناس.
الشيخ: إذن شرطان؛ أن تكون الطريق واسعة، وألّا يضر بالناس.
اشتراط ألّا يضر بالناس يدل على أن مراعاة العموم أولى من مراعاة الخصوص، أليس كذلك؟
طالب: إي كذلك.
الشيخ: كذلك، مراعاة العموم ..
الطالب: أولى من مراعاة الخصوص.
الشيخ: أولى من مراعاة الخصوص.
قال بعض أهل العلم: وهذه هي حكمة الله، ولهذا قد يُنْزِل الله المطر على مكان فيه شخص يتضرر به، ولكن العبرة بأيش؟ العبرة بالعموم.
سبق اثنان إلى مكان للبيع، سبقَا جميعًا، وصلَا إلى المكان جميعًا، أيهما أولى؟
طالب: يُقْرَع بينهما.
الشيخ: يُقْرَع بينهما، حتى لو كان أحدهما أنفع للناس؟
الطالب: حتى لو كان أنفع.
الشيخ: حتى لو كان أنفع؛ لأن الطريق عام، أو مكان الجلوس الفُسَح الْمُعَدَّة للجلوس عامة، فيستوي فيها الأنفع وعدمه.
لو أن ولي الأمر رَتَّبَ هذا المكان الذي هو مكان البيع، وجعل هذا المكان للناس الأقوياء، وهذا للمتوسطين، وهذا للضعفاء، وسبق أحد من الضعفاء إلى مكان المتوسطين، يُمَكَّن أو لا؟
طالب: الأولى للمتوسط.
الشيخ: إي، لكن هذا الضعيف سَبَق إلى مكان المتوسط، هل له ذلك أو لا؟
الطالب: حسب ما وضع الإمام.
الشيخ: يعني حسب النظام لا، أَجِب؟
الطالب: نعم.
(2/2260)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، ما فيه شك، يعني مثلًا لو أن ولي الأمر الموكول إليه تدبير شؤون البلد رأى أن يصنِّف الناس فلا حرج؛ لأن هذا من المصالح العامة.
إذا تنازع اثنان في نهر، فأحدهما أراد أن يختص به والآخر بالعكس؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؟
الطالب: الأعلى يسقي إلى الكعب، ثم يرسل الماء إلى مَن يليه.
الشيخ: أحسنت، إذن لا يمكن لأحدهما أن يختص به مطلقًا، لكن مَن الأولى؟ يقال: الأولى الأعلى بشرط ألَّا يكون حادثًا بعد الأدنى.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وللإمام دون غيره حمى مرعى لدواب المسلمين ما لم يضرهم)، اشترط المؤلف -رحمه الله- ثلاثة شروط في حمى المراعي، تعرفون أن الأراضي تختلف؛ بعضها يكون فيه العشب الكثير، والزرع الكثير، وبعضها دون ذلك، وبعضها يكون فيها القليل، فهل يجوز لأحد أن يحمي شيئًا من هذه الأراضي؟
نقول: يجوز بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون الإمام، مَن هو الإمام؟ الولي العام على الدولة.
والثاني: أن يكون لدواب المسلمين، ودواب المسلمين هي دواب الصدقة، ودواب الفيء، ودواب الأرباب المجهولين، وما أشبه ذلك، المهم دواب المسلمين هي التي لعموم المسلمين ليست لشخص واحد.
الشرط الثالث: قال: (ما لم يضرهم)، الصورة هذه للإضرار، بحيث لا يوجد حول هذا البلد إلا هذا المرعى، وإذا حُمِيَ تضرَّر الناس.
فالشروط إذن ثلاثة؛ أن يكون الحامي؟
طلبة: الإمام.
الشيخ: وأن يكون؟
طلبة: لدواب المسلمين.
الشيخ: لدواب المسلمين، وألّا يكون فيه ضرر.
فلو أراد أحد من الناس أن يحميه لدواب المسلمين، ولكنه ليس له ولاية عليها فإنه لا يجوز؛ لأن هذا افتيات على الإمام، وتقدُّم بين يديه، كما أنه لو أراد أحد أن يُقِيمَ الحد على الزاني فإنه لا يملك هذا، لا يملكه إلا الإمام أو نائبه، كذلك حِمَى المرعى لدواب المسلمين لا يملكه إلا الإمام أو نائبه.
(2/2261)
________________________________________
لو أراد أحد من الأئمة أن يحمي لنفسه ودوابه مرعى رآه جميلًا وكثير الأعشاب، فأراد أن يحميه لدوابه، يجوز أو لا يجوز؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز؛ لأن الناس شركاء في ثلاثة: الماء، والكلأ، والنار، فلا يحل له أن يحميه ويمنع الناس من رعيه.
لو أراد الإمام أن يحميه لدواب المسلمين، لكن فيه ضرر على الناس، فإنه لا يملك ذلك؛ لأن الناس شركاء في هذا، فصار حِمَى المرعى يجوز بثلاثة شروط، ولعلكم تعرفون المرعى ويش معناه، يعني؟
طلبة: مكان الرعي.
الشيخ: مكان الرعي الذي يكثر فيه العشب، ويكثر فيه الحشيش، فلا يحل لأحد أن يختص به، ومثل ذلك منطقة في البحر كثيرة الحوت، لا يجوز لأحد أن يحميها، لأن الناس شركاء، ومثل ذلك المحتَطَب؛ مكان يكثر فيه الحطب، لو أن أحدًا حماه واختص به لا يجوز؛ لأن الناس في هذا شركاء.

[باب الجعالة]
ثم قال المؤلف رحمه الله: (باب الجعالة)، الجعالة فَعَالة من الْجَعْل، والْجَعْل معناه وضْع الشيء، فسَّرها المؤلف بقوله: (وهي أن يجعل شيئًا معلومًا لمن يعمل له عملًا معلومًا أو مجهولًا مدة معلومة أو مجهولة)، هذه الجعالة، عقد لا يُشْتَرَط فيه العلم بأحد العِوَضَيْن، وهو -أي عقد الجعالة- فيه عِوَض مدفوع، وعِوَض معمول؛ المدفوع لا بد فيه من العلم، والمعمول لا يُشْتَرَط فيه العلم، المدفوع منين؟ يكون من الجاعِل، والمعمول من العامل.
مثال ذلك: يقول شخص: إنه ضاع له بعير، فقال: مَن رَدّ بعيري فله مئة ريال، العِوَض من الجاعل معلوم ولَّا مجهول؟
طلبة: معلوم.
(2/2262)
________________________________________
الشيخ: معلوم، والعمل مجهول؛ لأنه لا يُعْلَم أيردها عن قريب أم عن بعيد، ربما يتعب ويظن أنه يردها في يومين، ولا يردها إلا في عشرة أيام، أو ربما لا يستطيع ردها مطلقًا، فنقول: العمل لا يُشْتَرَط فيه العلم بالنسبة للجَعَالة، وهذا من محاسن الشريعة؛ لأنه قد يصعب تعيين العمل في مثل هذه الحال، لو قال: مَن رد لُقَطَتِي -مثلًا- من عشرة كيلو، قد توجد في عشرة كيلو وقد لا توجد، لكن إذا جعل العِوَض عِوَضًا عن العمل مطلقًا، والعامل حظه ونصيبه كما يقولون، فهذا لا بأس به، وسيأتي أنها عقد جائز.
فإن جعل شيئًا مجهولًا بأن قال: مَن رد بعيري فله ما في هذا الكيس من الدراهم، فإنه لا يجوز، لماذا؟ لأنه مجهول، لا ندري أمئة أم مئتان أم أكثر؟ فلا بد أن يكون العِوَض المدفوع من الجاعل معلومًا؛ ليكون العامل على بصيرة.
لو قُدِّر أن الجاعل جعل جُعْلًا كبيرًا؛ لأنه يظن أن هذه البعير لا توجد إلا في مشقة وبُعْد شُقَّة، فيَسَّرَها الله للعامل، هل يطالب الجاعلُ العاملَ بنقص العِوَض أو لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا، نقول: هذا من رزق الله جاء للعامل، كما أنه لو لم يجدها إلا بعد مدة طويلة وشُقّة بعيدة فإنه لا يطالب الجاعل بزيادة.
لو قال: إذا رددت بعيري الشارد فلك نصفه، فهذا معلوم، لكن معلوم بأيش؟ بالنسبة، جزء مُشَاع، فلا بأس؛ لأنه معلوم، كالمضارَب تعطيه المال وتقول: اتَّجِر به ولك نصف الربح، ربما يتَّجِر به اتجارًا شاقًّا عظيمًا ولا يُحَصِّل ربحًا، وربما تظن أنه لن يربح إلا قليلًا فيربح كثيرًا.
فالمعلوم إذن إما بالتعيين بالعدد والوصف، وإما بالْمُشاع بالسهم.
قال: (كردِّ عبدٍ)، ماذا نقول في العبد؟ هارب ولّا شارد ولّا آبق؟
طلبة: آبق.
الشيخ: آبق، نقول: كرد عبد آبِق، يعني هرب من سيده، فجَعَل جُعْلًا لمن جاء به، وإن جعل جُعْلًا معلومًا لمن أحضر ولده الضائع، فجائز أو غير جائز؟
طلبة: جائز.
(2/2263)
________________________________________
الشيخ: جائز؛ لأنه عمل، وإن كان الحر في الأصل لا يُبَاع، لكن هذا ليس بيعًا له، ولكنه إحضار له.
(ولُقَطة)، رد لُقَطَة، هذا من باب: عَلَّفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا، أي: وسقيتها ماءً باردًا؛ لأن الماء ما هو يُعَلّف، اللقطة ما هي ترد إلا إذا كانت عند شخص وجدها فيردها، لكن مراده برد اللقطة يعني إيجادها وإحضارها إلى صاحبها، واللقطة مال ضائع، هذه اللقطة.
والثانية: (وبناءِ حائط)، يقول: مَن بنى لي هذا الحائط فله كذا وكذا، وهذا يسمى عندنا أيش؟ مقاولة، يقول: مَن بنى لي هذا الحائط فله عشرة آلاف مثلًا، نقول: هذا جائز، فإن تعاقد مع المقاول على أنه أجير صارت إجارة.
إذا قال: مَن بنى هذا الحائط فله عشرة آلاف ريال، ثم سبق واحد وشرع في البناء، فهل لأحد أن يأتي ويكمل غير الأول؟ لا؛ لأنه أحق به، إذن ما شرع صار لازمًا، وإلا فالأصل في عقد الجعالة أنه جائز.
(فمن فعله) عندكم (فعل) ولّا (فعله)؟
طلبة: فعله.
الشيخ: بضمير؟
طالب: فيها ضمير.
طالب: (وخياطة).
الشيخ: وين خياطة، ما عندي خياطة، قبل.
(2/2264)
________________________________________
(وخياطة) يعني: خياطة ثوب، قال: مَن خاط لي ثوبًا فله كذا وكذا، والثوب من الرجل ما هو من العامل، قال: مَن خاط لي ثوبًا صفته كذا وكذا فله الأجر المعلوم فهو جائز، أما إذا كانت القطعة من العامل فهذه تسمى عند العلماء استصناع الصنعة أو السلعة، وفيها خلاف بين العلماء، والصحيح أنها جائزة؛ لأنه يمكن ضبطها بالوصف، أفهمتم؟ يعني لو أتيت بالقماش إلى الخياط وقلت: خذ، خِطْ هذا القماش لي ثوبًا، هذا جائز، والعامل ويش وظيفته؟ العمل، الصنعة، لكن لو جئت إلى الخياط وقلت: أنا أريد ثوبًا صفته كذا وكذا اصنعه لي، هذا يسمى عند العلماء استصناع السلعة، وفيه خلاف؛ بعضهم يقول: لا يجوز؛ لأن هذا ليس بسَلَم؛ إذ السَّلَم لا بد فيه من التأجيل، وليس معيَّنًا؛ لأنه في الذمة الآن، والوصف قد لا يحيط به، ولكن الصحيح أنه جائز، وعمل الناس عليه قديمًا وحديثًا.
(فمن فعله بعد)، عندى أنا: (بعد عمله) والصواب: (بعد علمه بقوله استحقه)، استحق أيش؟ استحق الْجُعْل.
سمع رجل آخر يقول: مَن رَدّ بعيري فله مئة ريال، فبادر، وخرج، وطلبه فجاء به، يستحق العِوَض؛ لأنه عمل أيش؟ بعد أن علم، فأما لو وجد الضالة، الرجل وجد الضالة، ثم جاء بها إلى صاحبها، فإنه لا يستحق شيئًا؛ لأن المؤلف اشترط أن يكون بعد العلم؛ ووجه ذلك أن الثاني لم يعمل لك؛ لأنه لم يعلم أنك وضعتَ جُعْلًا، وما يفعله بعض الناس اليوم فهو من باب الإكرام فقط.
بعض الناس إذا وجد شيئًا وأتى به إلى صاحبه قال: أريد منك الحفاظ، يعني أني حفظته لك، ولا سيما إذا كان ثمينًا كالحلي، والساعات الغالية والأقلام الغالية، يقول: أريد الحفاظ، فيقول صاحب المال: ليس لك عليّ شيء؛ لأني لم أجعل جُعْلًا، أو لأني جعلت جُعْلًا ولم تعلم به أنت، فهل له أن يمنع ولا يعطيه أو لا؟ نقول: نعم، له أن يمنع؛ لأنه ليس بينه وبينه عقد، لكن من المروءة إذا كان الشيء ثمينًا أن تعطيه ما يطيب به قلبه.
(2/2265)
________________________________________
أولًا: أنه عمل معروفًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِؤُوهُ» (5).
ثانيًا: أن مثل هذا ينبغي أن يُشَجَّع؛ لأن كونه يأتي به بدون أن يُطْلَب يدل على أمانته، ومثل هذا ينبغي أن يُشَجَّع، فنحن نقول لصاحب المال: الوجوب لا يجب عليك، لكن لا شك أنه من المروءة والخير أن تعطيه، أولًا: امتثالًا لقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِؤُوهُ»، والثاني: التشجيع؛ تشجيع هذا وأمثاله على أنهم إذا وجدوا شيئًا أدوا الأمانة فيه، أما وجوبًا فلا، إلا بعد علمه.
(والجماعة يقتسمونه)، في نسخة: (ولجماعة)، يعني: وإن جعله لجماعة يقتسمونه، بالسوية ولّا بالاختلاف؟
طلبة: بالسوية.
الشيخ: (بالسوية)، يعني أن الجماعة لو أحضروا ما ذكر ما جُعِلَ عليه الْجُعْل فإنهم يقتسمون الْجُعْل، فإذا قال: مَن رَدَّ بعيري فله مئة ريال، فرده عشرة، نقول: كيف نُوَزِّع؟ السؤال قال: مَن رد بعيري فله مئة، ورده عشرة، هل نُقْرِع بينهم في المئة أم ماذا؟
طالب: ما يرده إلا واحدًا.
الشيخ: لا، هم عشرة، ردوا الجمل، الجمل كلما جاؤوا من جهة هرب، فاجتمعوا عليه العشرة ومسكوه، وجاؤوا به إلى صاحبه.
طالب: يشتركون.
الشيخ: يشتركون؟
الطالب: نعم.
الشيخ: متأكد؟ توافقون على هذا؟
طلبة: نعم
الشيخ: نعم، يشتركون؛ لأن كل واحد منهم عمل.
فلو أن أحدهم أنكر وقال: هؤلاء ما شاركوا، نسأل الذين أُنْكِرُوا نقول: هل هؤلاء شاركوكم؟ إذا قالوا: نعم، قبلنا قول الأولين؛ لأن الأولين ادَّعُوْا أيش؟ وشهد لهم الآخرون، لكن الآخرين لا نقبل قولهم إلا ببينة، أفهمتم ولّا ما بواضح؟
قال: مَن رد بعيري فله مئة ريال، فجاء بالبعير عشرة رجال، فقال خمسة منهم: إن هؤلاء ليسوا شركاء لنا، فهمتم؟ ماذا نعمل؟ نقول للذين أُنْكِرُوا: هل هؤلاء شركاء لكم؟ إذا قالوا: نعم، ثبت حق الأولين، بأيش؟
(2/2266)
________________________________________
طلبة: بشهادة الآخرين.
الشيخ: بدعواهم وشهادة الآخرين، لكن هل يثبت للآخرين حق المشاركة؟
طلبة: بالبينة.
الشيخ: لا، ما عندهم بينة.
طالب: لا يثبت.
الشيخ: لا يثبت، انتبهوا، وهذه ينبغي للقاضي أن يكون فطنًا في هذه المسألة؛ لأن كل العشرة كل واحد يدَّعِي أنه مشارك، فإذا أقر الأولون قالوا: نعم، نحن الذين أتينا به، ولكن هؤلاء لم يشاركونا، فنسأل الْمُنْكَرِين ونقول: هل هؤلاء شاركوكم؟ إذا قالوا: نعم، قلنا: الآن ثبت حقهم، وأنتم تَدَّعُون أنكم مشاركون، فإن أتيتم بالبينة وإلا فلا حق لكم.
(والجماعة يقتسمونه وفي أثنائه يأخذ قسط تمامه)، في أثناء أيش؟ في أثناء العمل، (يأخذ) أي: العامل، (قسط تمامه).
مثال ذلك: رجل وجد حائط صاحبه قد انهدم جانب من جداره، جدار الحائط، وبما أن بينه وبينه صحبة جعل يبنيه، فبنى ثلاثة صفوف من اللبن، وبعد أن بنى ثلاثة صفوف قال الرجل صاحب الحائط: من بنى حائط بستاني فله سبع مئة، هذا الرجل كم بنى؟
طلبة: ثلاثة صفوف.
الشيخ: ثلاثة صفوف من اللبن، والجدار يحتاج إلى سبعة صفوف، فعلم صاحبه أنه جعل جُعْلًا وهو سبع مئة لمن بنى هذا الجدار، فكمل، كم نعطيه؟
طلبة: أربع مئة.
الشيخ: أربع مئة، غلط.
طلبة: سبع مئة.
الشيخ: هي سبع مئة ريال، هو بنى ثلاث صَفَّات وباقي أربعة، فلما علم كمّل الأرض.
طالب: يأخذ ما عمل.
الشيخ: إي، كم؟
طلبة: أربعة أسباع.
الشيخ: غلط.
طالب: بالنسبة.
الشيخ: إي، ويش الآن النسبة كم؟
طلبة: أربع مئة.
وفي أثنائِه يَأْخُذُ قِسْطَ تَمامِه، ولكلٍّ فَسْخُها , فمِن العاملِ لا يَسْتَحِقُّ شيئًا ومِن الجاعلِ بعدَ الشُّروعِ للعاملِ أُجرةَ عَمَلِه , ومعَ الاختلافِ في أَصْلِه أو قَدْرِه يُقْبَلُ قولُ الجاعلِ، ومَن رَدَّ لُقَطَةً أو ضالَّةً أو عَمِلَ لغيرِه عَمَلًا بغيرِ جُعْلٍ لم يَسْتَحِقَّ عِوَضًا إلا دينارًا أو اثْنَي عشرَ دِرْهَمًا عن رَدِّ الآبِقِ , ويَرْجِعُ بنفقَتِه أيضًا.
(2/2267)
________________________________________
(باب اللقطة)
وهي مالٌ أو مُخْتَصٌّ ضَلَّ عن ربِّه وتَتَبَّعَه هِمَّةُ أوساطِ الناسِ، فأَمَّا الرغيفُ والسَّوْطُ ونحوُهما فيُمْلَكُ بلا تَعريفٍ، وما امْتَنَعَ من سَبُعٍ صغيرٍ كثَورٍ وجَمَلٍ ونحوِهما حَرُمَ أَخْذُه، وله التقاطُ غيرِ ذلك من حيوانٍ وغيرِه إن أَمِنَ نفسَه على ذلك , وإلا فهو كغَاصبٍ، ويُعَرِّفُ الجميعَ في مَجامِعِ الناسِ - غيرَ المساجدِ - حَوْلًا
مثال ذلك: رجل وجد حائط صاحبِه قد انهدم جانب من جداره -جدار الحائط-، وبما أن بينه وبينه صحبة جعل يبنيه، فبنى ثلاثة صفوف من اللبن، وبعد أن بنى ثلاثة صفوف قال الرجل صاحب الحائط: من بنى حائط بستاني فله سبع مئة، هذا الرجل كم بنى؟
طلبة: ثلاثة صفوف.
الشيخ: ثلاثة صفوف من اللبن، والجدار يحتاج إلى سبعة صفوف، فعلم صاحبه أنه جعل جُعْلًا وهو سبع مئة لمن بنى هذا الجدار، فكمَّل، كم نعطيه؟
طلبة: أربع مئة.
الشيخ: أربع مئة، غلط.
طلبة: سبع مئة.
الشيخ: هي سبع مئة ريال، هو بنى ثلاث صَفَّات وباقي أربعة، فلما علم كمّل الأرض.
طالب: يأخذ ما عمل.
الشيخ: إي، كم؟
طلبة: أربعة أسباع.
الشيخ: غلط.
طالب: بالنسبة.
الشيخ: إي، ويش الآن النسبة كم؟
طلبة: أربع مئة.
قد يبدو لبعض الناس أنه يُعْطَى أربعة أسباع، يعني أربع مئة، ولكن غلط؛ لأن البناء كلما ارتفع ازدادت مشقته، وعلى هذا فلا بد أن نقول بالنسبة، جدار بُنِيَ ثلاثة صَفَّات وهو يحتاج إلى سبعة صَفَّات، كم تقدر النسبة؟ قال: أقدّر النسبة الربع مثلًا، نعطيه الربع، مع أن هذه ثلاث، وتلك أربعة، فهذه لا بد أن يُنْتَبَه لها أيضًا.
طالب: قريب.
(2/2268)
________________________________________
الشيخ: يعني فرضًا، المهم لا بد أن يُنْتَبَه لها، بمعنى ألَّا نجعل أعلى الصف اللي هو السابع مثل آخر صف اللي هو الأول؛ لأن الأول ما فيه إلا بس يجي باللبنات يضعها، لكن هذه يحتاج إلى سلَّم، وإلى رجال يمد بعضهم لبعض، ثم أيضًا الموازنة، الموازنة أيضًا مهمة، موازنة صفوف اللبن مهمة جدًّا، ولهذا تجد الناس الحذاق تجدهم يجعلون خيطًا يقيسون عليه؛ لئلا يختلف اللبن بتقدم أو تأخر.
على كل حال مَن علم بالْجُعْل في أثناء العمل يُعْطَى؟
طلبة: قسط تمامه.
الشيخ: قسط تمامه، لكن هل هو بالأجزاء أو بالقيمة؟
طالب: بالأقساط.
الشيخ: بالقيمة؛ لأننا لو قلنا: بالأجزاء، لكان المثال الذي ذكرنا يستحق؟
طلبة: أربع مئة.
الشيخ: أربع مئة، وليس كذلك.
(وفي أثنائه يأخذ قسط تمامه ولكلٍّ فسخها)، (لِكُلّ) مِن؟
طالب: الجاعل والعامل.
الشيخ: الجاعل والعامل.
(لكلٍّ فسخُها) أي: الجعالة؛ لأن ما هي عقدًا لازمًا، لو فُرِضَ أن الرجل قال: مَن رد بعيري فله مئة ريال، وبعد يومين هَوَّن، وقال: يا أيها الناس، إني قد فسخت الجعالة، فله ذلك، ومَن عمل بعد أن عَلِم بفسخها فلا حق له؛ لأن الجعالة عقد جائز.
لكن في هذا المكان سنبين أن العقود ثلاثة أنواع: لازم من الطرفين، وجائز من الطرفين، ولازم من طرف جائز من طرف.
كل العقود، البيع؟
طلبة: لازم من ..
الشيخ: لازم من الطرفين، هذا هو الأصل فيه، ويمكن أن يكون جائزًا من أحدهما إذا جُعِلَ له شرط الخيار، ثلاثة أيام أو أربعة، دون الآخر، لكن الأصل فيه أنه لازم من الطرفين، فلا يجوز لأي واحد منهما فسخه، يعني اللازم من الطرفين لا يجوز لأي واحد منهما فسخه إلا برضا الآخر؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث عبد الله بن عمر: «فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» (1)، أي: لزم وثبت.
(2/2269)
________________________________________
الثاني: جائز من الطرفين، الجائز من الطرفين هو الذي لا يُلْزِم أحدُهما الآخر به، كالوكالة مثلًا، الوكالة جائز من الطرفين، يعني: لو وَكَّلْتَ شخصًا أن يشتري لك حاجة ثم فسخت الوكالة فلا حرج، أو هو نفسه فسخ الوكالة، أتى إليك وقال: لا أريد أن أتَوَكَّل في شراء هذا الشيء؛ لأني فَكَّرْت أنه سيكون عليّ مشقة في ذلك أيجوز أو لا يجوز؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز، لكن بعض العلماء قَيَّد العقود الجائزة بأنها جائزة ما لم تَضَمَّن ضررًا على الآخر، فإن تضمنت ضررًا على الآخر ضمن الضرر.
مثال ذلك: وَكَّلْتَ شخصًا يبيع لك حاجة في الموسم، والعادة أن السلع في المواسم أيش؟
طلبة: ترتفع.
الشيخ: تزيد قيمتها، أخذ السلعة على أنه سيبيعها، ولكنه فسخ الوكالة، عند حلول الموسم فسخ الوكالة والْمُوَكِّل لم يعلم، فهنا نقول؟
طلبة: يضمن.
الشيخ: يضمن ما ترتب على فسخ هذه الوكالة، كذلك أيضًا لو أخبر الْمُوَكِّل بأنه فسخ الوكالة، لكن في وقت لا يتمكن الموكِّل من توكيل آخر فهو ضامن، والعقد لا يثبت.
فإذا قال قائل: كيف تجعلون ما جعله الشارع جائزًا تجعلونه لازمًا؟
قلنا: لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (2)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ» (3).
ومعلوم أن أحدًا لو فعل بهذا الوكيل ما فعل الوكيل بالموكِّل ما رضي، فيكون هذا منافيًا لتمام الإيمان.
(2/2270)
________________________________________
القسم الثالث: ما كان جائزًا من أحد الطرفين لازمًا من طرف آخر، كالرهن مثلًا، الرهن في حق المرتهن جائز، وفي حق الراهن لازم، يعني: لو استقرضتُ منك ألف ريال وأعطيتك رهنًا، بالنسبة لي أنا –الراهن- العقد لازم، بالنسبة للمرتهن العقد جائز، لو شاء المرتهن الذي أخذ الرهن أن يرده إلى صاحبه وقال: خذ، أنا واثق بذمتك، فهو جائز، لكن الراهن اللي هو الْمَدِين الرهن في حقه لازم، ولا يمكن فسخه إلا برضى المرتهن.
طالب: شيخ، بارك الله فيك، قلنا فيمن أحاط أرضًا بالأشجار: إنه أحق بها من غيره، لكن مَن أحاط بحائط قوي ..
الشيخ: هذا إحياء، إذا أحاطها بحائط يملك، ولا يُدْخَل إليه إلا من الباب، فيملكها.
الطالب: ( ... ) لم يُنْبِت فيها شيء.
الشيخ: هذا عُرْفًا إحياء.
طالب: لو اشترك جماعة عشرة مثلًا في جمل وردوه إلى الجاعل، وإن ادَّعى خمسة أن هولاء لم يشتركوا معهم، والخمسة الآخرون ادعوا أن هولاء لم يشتركوا، وليس ثمة بينة؟
الشيخ: نَبَّهْنَاكم على هذا، قلنا: إذا قال هؤلاء: لم يشتركوا معنا، يرجع إليهم ويقول: هل هؤلاء شاركوكم؟
الطالب: قالوا: لا.
الشيخ: إذن لا بد حينئذ أن نقول: كل واحد منهم مُدَّعٍ ومُدَّعًى عليه، فأحسن شيء أن يقسم بينهم.
طالب: إذا قال لجماعة محصورة في عشرة: إذا رددتم بعيري فلكم مئة، فرده واحد منهم، وكلهم قد عملوا، فهل يستحقون .. ؟
الشيخ: هذا يُنْظَر إذا كانت جرت عادتهم أنهم يشتركون في شيء فهم شركاء، وإلَّا فلا.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، الرجل عَلِمَ مكان ضالة واحد وأبى أن يُخْبِر بدون جُعْل، هل له ذلك؟
الشيخ: لا، ما يجوز، إذا عَلِمَ مكان الضالة فالواجب عليه أن يبلغ أخاه.
الطالب: هو علم أن صاحبه ( ... ).
الشيخ: إي، ما يجوز؛ لأنه علم بها قَبْل أن يجعل الْجُعْل، نعم إن قال: أنا عالم بها، لكن بردي إياها، والجعل على الرد، فلا بأس.
(2/2271)
________________________________________
طالب: شيخ، ما وجه مَن يقول: إن عقد الجعالة عقد شبيه بالمقابضة، لولا تعليقًا على تَمَلُّك على الخطأ؟
الشيخ: نقول: هذا غير صحيح؛ لأنه ضامن، الْجُعْل مضمون له.
الطالب: قد يُطْلق يا شيخ الجاعل، ويعمل العامل عملًا عظيمًا ثم لا يجد هذا الْجُعل.
الشيخ: ويش يُطْلق؟
طالب: يعمل عملًا عظيمًا كثيرًا.
الشيخ: كيف يطلق الجاعل؟
الطالب: يقول: مَن رَدّ بعيري فله كذا.
الشيخ: له كذا، معلوم الآن.
طالب: أيوة لو كان معلومًا، لكن الجهد الآن الذي يبذله الرجل.
الشيخ: الآن الجاعل على كل حال غارِم، والقمار يكون أحد الطرفين إما غارم وإما غانم، أما هذا الجاعل غارم على كل حال.
الطالب: الطرف الآخر يا شيخ.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: هو الغارم والغانم قد ..
الشيخ: لا ما هو غانم ولا .. ، هو غانم على كل حال، لكن قد يُيَسَّر له الأمر ويغنَم بقليل وقد يتعب.
طالب: في المسجد الحرام يحصل أن يسبق بعض الناس إلى أمكنة فارغة فيأتي آخرون ويشترونها منهم بثمن، فهل يجوز لهولاء الحاجزين الأولين أخذ هذا العِوَض؟
الشيخ: لا، ما يجوز، هو ملكهم حتى يبيعوه؟
الطالب: هم سبقوا إليه، حقهم.
الشيخ: إي ما يجوز، هو أحق ما لم يُرِدْهُ، هذا حق انتفاع لا نَفْع، وفرق بين حق الانتفاع وحق النفع، وهذه مشكلة؛ لأني سمعت أن بعض الناس يفعلون هذا.
الطالب: كثير جدًّا في المسجد الحرام.
الشيخ: إي نعم، بعض الناس أيضًا أشد من هذا، يجيب الحاج ويقول: أبغي أبيع عليك هذا العمود، اجعله وقفًا لوالدك، فيشتريه المسكين، يقول: حبَّذْت هذا العمود لوالدي، لكن هل يكون وقفًا؟ نرجو من الله عز وجل بالنسبة لهذا الغبي المسكين أن الله يُثِيبُه على نيته، كما جاء في الحديث: «تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍّ وَعَلَى زَانِيَةٍ .. » (4).
المؤلف يقول: إن الموات اصطلاحًا هي الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك معصوم، ما معنى العبارة؟
طالب: معنى قوله ذكر فيها احترازين؛ الاحتراز الأول ..
(2/2272)
________________________________________
الشيخ: المنفكة عن؟
الطالب: عن الاختصاصات، وهي غير متعلقة بمصلحة أهل قرية ونحوهم، كأن تكون مزبلتهم، أو تكون مرعى لهم أو مُحْتَطَبًا لهم، وإن لم يملكها أحد، والاحتراز الثاني هو ملك معصوم.
الشيخ: اشترط ألَّا يكون باختصاص ولا ملك معصوم.
الطالب: المعصوم هو مَن كان من الأصناف الأربعة وهو ..
الشيخ: المعصوم هو الْمُسْلِم.
الطالب: المسلم والذمي والمؤتمن والمعاهد.
الشيخ: هذه هي الأرض الموات، هل يُشْتَرَط لملكها بالإحياء إِذْنُ الإمام؟
طالب: يُشْتَرط، لا يشترط ذلك.
الشيخ: يشترط لا يشترط؟
الطالب: لا يُشْتَرط.
الشيخ: لا يُشْتَرَط، الدليل؟
الطالب: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» (5).
الشيخ: قوله.
الطالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ»، فحكمنا شرعي يعم كل الناس.
الشيخ: وليس تنظيميًّا، إذن هذا هو الدليل، وأما التعليل لأنه لو لم يملكها بقي الناس في فوضى، وصار الناس كُلٌّ يعتدي على حق الآخر.
ما معنى قوله: (العنوة كغيرها)؟
طالب: العنوة هي الأرض التي أخذها المسلمون بالقوة، كغيرها من الأراضي التي صالَح أهلُها المسلمين عليها وأسلموا عليها، كالمدينة.
الشيخ: يعني العنوة هي ما أخذها المسلمون بقوة السلاح، فهي كغيرها، وكذلك أيضًا ما أُخِذَ صلحًا بين المسلمين وبين الكفار، فمَنْ أَحْيَا أرضًا في هذه الأرض فهي ملكه.
هل يُمْلَك بالإحياء ما قَرُب من العامر؟ يعني ما قَرُب من البلد والمزارع وما أشبهها.
طالب: يملك إن لم يتعلق بالمصلحة.
الشيخ: إي، يعني فيه تفصيل، إن كان يتعلق بمصالح العامر فإنه لا يُمْلَك، وإلا؟
الطالب: وإلا فيُمْلَك.
الشيخ: وإلا فيُمْلَك؛ لأنه داخل في العموم.
ما هي الأشياء التي إذا حصلت صار الإنسان أحق بها من غيره؟
طالب: إذا أحاط مواتًا أو حفر بئرًا.
الشيخ: كَمِّل.
الطالب: فوصل إلى الماء، أو أجرى إليه من عين، أو حبسه عنه ليزرع فقد أحياه.
(2/2273)
________________________________________
الشيخ: هذه أربعة أشياء.
ما معنى قوله: (حبسه عنه ليزرع)؟
الطالب: يعني حبس الماء ليطيل هذه الأرض حتى تكون صالحة للزراعة.
الشيخ: إي يعني مثلًا تكون الأرض يغشاها الماء.
الطالب: كثيرًا.
الشيخ: كثيرًا وتفسد، فيحبس الماء من أجل أن تصلح؟
الطالب: للزراعة.
الشيخ: للزراعة.
هل مثل ذلك لو كانت الأرض مكسوة بالأحجار بحيث لا تصلح للزراعة فأزال الأحجار؟
طالب: نعم.
الشيخ: مثلها؟
الطالب: نعم.
الشيخ: إي نعم.
ما هو حريم البئر؟
طالب: حريم البئر العادية خمسون ذراعًا، والبَدِيَّة على النصف.
الشيخ: أيش الفرق بين العادية والبَدِيّة؟
الطالب: العادية ما كان نُقِبَ عنها سابقًا ثم أُعِيدَ حفرها.
الشيخ: العادية ما أعيد حفرها، والبدية ما حُفِرَت ..
الطالب: ابتداء.
الشيخ: ابتداء.
إذا أَقْطَعَ الإمام أو نائبه أرضًا لشخص، فهل يملكها أو لا؟
طالب: قولان يا شيخ، منهم من قال: يملكها.
الشيخ: أريد اللي في المتن.
الطالب: لا يملكها.
الشيخ: لا يملكها، ولكن يكون أحق بها.
لو أقطعها رئيسُ البلدية في عصرنا هذا؟
طالب: إن كان النظام يسمح بهذا فإنه يُقْطِعُها.
الشيخ: يعني إذا عُرِفَ أنه نائب عن الإمام في هذا فيقطعه كإقطاع الإمام.
هل يجوز للإمام أن يُقْطِع الجلوس في الطرقات؟
طالب: إي نعم، يجوز إن لم يكن مضرة بالناس، إذا كان في أرض واسعة.
الشيخ: ما هو الشرط للجواز؟
الطالب: لجواز ذلك أن يكون في أرض واسعة.
الشيخ: أن يكون الطريق واسعًا.
الطالب: أن يكون الطريق واسعًا، ولا يضر بالمارة.
الشيخ: وألَّا يضر بالمارة.
الطالب: كرأس السوق مثلًا.
الشيخ: لماذا اشترطنا ألَّا يضر بالمارة؟
الطالب: لأن الضرر إيذاء.
الشيخ: يعني مراعاة المصالح العامة أولى ..
الطالب: من المصلحة الخاصة.
الشيخ: المصلحة الخاصة
إذا كان اثنان قد زرعَا على شاطئ نهر، أو على شاطئ وادٍ، فكيف يُوَزَّع الماء بينهما؟
(2/2274)
________________________________________
طالب: يُوَزَّع الماء بأن يأخذ الأعلى الماء فيسقي الأرض، ويحبسه إلى أن يصل إلى الكعب، ثم يرسل الماء إلى الثاني.
الشيخ: ثم يرسل الماء إلى الثاني.
إذا قُدِّر أن الأرض بعضها رفيع وبعضها نازل؟
الطالب: يؤخَذ بالوسط.
الشيخ: يؤخَذ بالوسط، توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: هل يجوز حِمَى المراعي للأمراء والوزراء والأغنياء؟
طالب: بثلاثة شروط.
الشيخ: هل يجوز أو لا؟
الطالب: نعم يجوز.
الشيخ: بدون شرط؟
الطالب: بشروط.
الشيخ: ما هي؟
الطالب: أن يكون إمامًا.
الشيخ: أن يكون الإمام.
الطالب: أن يكون المرعى لعامة المسلمين، وألَّا يكون فيه ضرر.
الشيخ: إذن الشروط ثلاثة؛ أن يكون الإمام، وأن يكون المرعى لدواب المسلمين؛ كإبل الصدقة، وإبل الجهاد، وخيل الصدقة، وخيل الجهاد، وما أشبهها، والثالث؟
الطالب: ألَّا يكون فيه ضرر عليهم.
الشيخ: ألَّا يضرهم، بارك الله فيك.
الجعالة لم نكملها الظاهر.
طلبة: نعم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتابه زاد المستقنع: (ولكل) أي: من الجاعل والمجعول له.
(فسخها) أي: فسخ الجعالة؛ وذلك لأنها عقد جائز من الطرفين، وكل عقد جائز من الطرفين فإن لكل منهما فسخه، إلا إذا قَصَد الإضرار بالآخر؛ لأن جميع المباحات من عقود وأفعال إذا تضمنت ضررًا على الآخرين صارت ممنوعة، فمثلًا لو تضمن ضررًا على الآخر فإنه لا يجوز أن يفسخ، فإن فسخ للضرورة فللعامل أجرة ما عَمِل.
ولكن هل تكون الأجرة منسوبة إلى الأجرة العامة، أو منسوبة إلى الْجُعْل الذي جُعِلَ له؟ هذا محل نظر، ولا أدري هل تصورتم المسألة أو لا؟
إنسان جاعَلَ شخصًا على أن يقوم بتصريف هذه السلعة، في أثناء العمل وَقَّفَهُ، وكان إيقافه إياه في أيام موسم، إذا وَقَّفَه في أيام الموسم صار عليه ضرر؛ لأن السلع في أيام المواسم تمشي، ففي هذه الحال نقول على ما اشترطنا ألَّا يتضمن ضررًا نقول: إنه لو فسخ فإنه لا يحل له.
(2/2275)
________________________________________
لكن هل تنفسخ؟ نقول: نعم تنفسخ، ولكن للمجعول له أيش؟ أجرة العمل.
وهل يُعْطَى الأجرة باعتبار أنه عامل كأجير، أو عامل كمجعول له؟
إذا قلنا بالأول فإننا نقول: ننسب الأجرة إلى هذا الزمن الذي تم التعاقد عليه، ونعطيه بقسط الأجرة، سواء زادت على حصة الجعالة أو لم تَزِد، وجه ذلك أنه لما انفسخت الجعالة رجعنا إلى أجرة المثل.
ولكن القول الراجح أن نعطيه بنسبة الجعالة؛ لأن هذا الرجل عمل كمُجَاعِل وليس كأجير، فنقول: لو عمل العمل كله واستحق الجعل كله، ولنقل: إن الجعل كله مئة ريال، الآن عمل الثلثين، نجعل له كم؟ ثلثي المئة؛ لأنه راضٍ بهذا.
ثم قال المؤلف رحمه الله -نشوف كلام المؤلف-: (فمِن العامل لا يستحق شيئًا)، يعني: فإن كان الفسخ من العامل لم يستحق شيئًا؛ لأنه هو الذي فَوَّت على نفسه الجعالة، فلو قيل مثلًا: مَن بنى هذا الجدار فله مئة ريال، فالتزم به أحد الناس، وفي أثناء البناء فسخ الجعالة، يعني أن المجعول له فسخ الجعالة، فنقول له: ليس لك شيء، لماذا؟
هذا رجل جُوعِلَ على أن يبني جدارًا، وفي أثناء البناء فسخ الجعالة، الذي فسخ العامل، هل يستحق شيئًا؟ يقول المؤلف: لا، لا يستحق شيئًا، لماذا؟ لأنه هو الذي فَوَّت على نفسه تمام العمل، فلم يستحق شيئًا، وهذا واضح.
قال: (ومن الجاعِل بعد الشروع للعامل أجرة عمله)، (من الجاعِل)، يعني: إذا وقع الفسخ من الجاعل بعد الشروع فللعامل أجرة عمله، فإذا قَدَّرْنَا أنه بنى نصف الجدار، وفسخ الجاعِل، فللعامل أيش؟ أجرة العمل.
ظاهر قوله: (أجرة) أنه تنفسخ الجعالة نهائيًّا، ولا يترتب عليها أثرها، ويُعْطَى أجرة العمل.
أجرة العمل منسوبة، فإذا قيل: هذا الجدار إذا استؤجر لبنائه يُبْنَى بخمس مئة، والآن بنى النصف، كم نعطيه؟
طلبة: مئتين وخمسين.
(2/2276)
________________________________________
الشيخ: لا، غلط، ما نعطيه مئتين وخمسين؛ لأنه إذا ارتفع زادت المؤونة، فنعطيه مثلًا مئتين من خمس مئة، وذلك لأنه كلما ارتفع البناء ازدادت الكلفة.
وظاهر كلام المؤلف أننا لا نعطيه بنسبة الجعالة، ولكن فيه نظر، والراجح أننا نعطيه بنسبة الجعالة، فإذا قُدِّرَ أنه لو استؤجر عليه لكان بمئة، ولو جُوعِل لكان بثمانين، نعطيه بالنسبة للثمانين ولَّا للمئة؟
بالنسبة للثمانين؛ لأن الجاعِل راضٍ بهذه الجعالة، وكذلك العامل راضٍ بهذه الجعالة، أفهمتم يا جماعة؟
نعيد المثال: هذا رجل جاعَلَ شخصًا على أن يبني له جدارًا، ثم إنه بعد أن شرع العامل فسخ الجاعلُ الجعالة، نقول: له أيش؟ له النسبة، نسبة ما عمل.
باعتبار الْجُعْل أو باعتبار الأجرة؟ ظاهر كلام المؤلف أنه باعتبار الأجرة، بمعنى أن نلغي عقد الجعالة ونقول: ما تقولون يا أصحاب الخبرة فيما لو بُنِيَ هذا الجدار، كم أجرته؟ فيُعْطَى العامل أيش؟ نسبة الأجرة؛ لأن الجعالة انفسخت، فعاد الأمر كأن لم يكن جعالة.
لكن الراجح أنه يعطي العامل نسبة الْجُعْل، ننسبه إلى الجعل؛ لأن العامل رضي بأن يكون مقابل عمله هو هذا الجعل، إذا قدَّرْنا أن الجعالة أكثر من الإجارة، وهذا هو الغالب؛ لأن الغالب أن الذي يعقد عقد جعالة يريد العَجَلة، إذا قدَّرْنَا أن الجعالة أكثر ماذا نعطيه؟ نعطيه نسبة الجعالة، وإذا قدَّرْنا الأجرة أكثر نعطيه أيضًا نسبة الجعالة على هذا الرأي.
(2/2277)
________________________________________
لكن لو فُرِضَ أن الجاعل سيتضرر كثيرًا؛ لأن العامل فسخ الجعالة في وقت لا يوجد فيه عُمَّال، العمال قد أخذهم الناس، مثلًا في أول السنة العمال كثيرون، في أثناء السنة العمال يَقِلُّون، وهذا سوف يكون فيه على الجاعل ضررٌ، ففي هذه الحال لو قيل بتضمين العامل ما يلحق الجاعل من الزيادة لكان له وجه، بمعنى أننا نقيم شخصًا يكمل الجدار، ويكون على العامل أجرة هذا الشخص؛ لأنه ربما يتحيل أو يكيد للجاعل، فإذا بدأ بالعمل وتفرق العمال، وصار العامل الذي بعشرة لا يوجد بخمسين فسخها.
فيه قول آخر: أنه إذا تضمن ضررًا أُلْزِمَ بإتمام العمل، إذا تضمن ضررًا على الجاعل يُلْزَم العامل بإتمام العمل إلا من عذر.
فالأقوال ثلاثة، على هذا القول نستريح، لا نحتاج نسبة ولا شيئًا، نقول: يلزمك أنت أيها العامل أن تكمل، إلا لعذر، مثل لو مرض، أو شُلّ أو ما أشبه ذلك، فهذا عذر.
الخلاصة: الجعالة على كلام المؤلف عقد جائز، يجوز للجاعل فسخها، ويجوز للعامل فسخها، إن فسخ العامل؟
طلبة: فلا شيء له.
الشيخ: فلا شيء له، لكن هل عليه شيء؟
ذكرنا أنه إذا تضمن ضررًا على الجاعل أُلْزِم بدفع الضرر، مثل أن يكون العمال الآن فُقِدُوا ولا يوجد عامل، فيُلْزَم العامل بإتمام العمل؛ لأنه لا عذر له، وهو الذي ضر الجاعل.
مِن الجاعل، إذا فسخ الجاعل؟ إذا كان قبل العمل فلا شيء للعامل؛ لأنه لم يعمل، وإذا كان بعد الشروع فللعامل أجرة المثل، لكن هل يكون ذلك أجرة؛ لأن الجعالة فُسِخَت، أو بنسبة الجعل كما هو القول الراجح.
قال: (ومع الاختلاف في أصله أو قدره يُقْبل قول الجاعل) مع الاختلاف في أصله أو في قدره فالقول قول الجاعل، أصل أيش؟ أصل الْجُعْل، هل جُعِلَ أو لا؟ فالقول قول الجاعل، هكذا قال المؤلف وأَطْلَق رحمه الله.
(2/2278)
________________________________________
فلو عمل العامل وأنهى العمل وقال: أريد جُعْلًا، قلنا: لا بد أن نسأل، إذا وافق الجاعل فلك ما ادعيت، إذا لم يوافق فالأصل عدم الجعالة، كذلك إذا اختلفوا في القَدْر، فقال الجاعل: القدر مئة، وقال العامل: القدر مئتان، فالقول قول الجاعل؛ لأنه غارم.
فمثلًا إذا قال العامل: إنها مئتان، وقال الجاعل: إنها مئة، فقد اتفقا على مئة، وبقيت المئة الزائدة مُدَّعًى بها، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» (6)، ولهذا أخذ العلماء من هذا الحديث قاعدة: أن القول قول الغارم.
لكن في هذا أيضًا تفصيل؛ إذا اختلفَا في القدر وادَّعَى الجاعل قدرًا لا يمكن أن يُقَام العمل بمثله، وادَّعَى العامل قدرًا يمكن أن يقام بمثله، فهنا نقول: إن دعوى الجاعل دعوى تُكَذِّبُها العادة والعرف، فلا يُقْبَل قوله، ويُقْبَل قول العامل.
ولو ادعى العامل شيئًا كثيرًا فإنه لا يُقْبَل؛ لأنه ادَّعَى ما يخالف العادة، ولأنه ادعى على الغارم ما لم يعترف به، يقبل قول الجاعل.
ثم قال: (ومن رد لُقَطَةً أو ضالة، أو عمل لغيره عملًا بغير جُعْل لم يستحق عِوَضًا إلا دينارًا أو اثني عشر درهمًا عن رد الآبق، ويرجع بنفقته أيضًا).
(من رد لقطة) يعني: ما سوى الحيوان، يعني الضائع الذي ليس بحيوان، هذه اللقطة، أتى بها لصاحبها.
(أو ضالَّة)، وهي الضائع من الحيوان، والفرق بين الضالة، أن الضالة يعني أن لها إرادة، تعرف، ولكن تضل، اللُّقَطَة ليس لها إرادة، فعليه نقول: مَن رَدَّ لُقَطَة، أي: ضائعًا غير حيوان، أو ضالة، أي: أيش؟
طالب: من الحيوان.
(2/2279)
________________________________________
الشيخ: أي: ضائعًا من الحيوان، فإن له أجرًا عند الله، وعلى هذا فإذا وجد لُقَطَة باهظة الثمن، وقال لصاحبها: أَعْطِنِي ما يسميه العوام إحفاظة، فإنه لا يلزمه أن يعطيه، ويُجْبَر الواجد على تسليمها لصاحبها مجانًا، إلا إذا كان قد جعل جُعْلًا، بأن قال: مَن رَدَّ لُقَطَتِي فله كذا وكذا، فيعطى ما ذَكَر.
كذلك الضالة، إذا رَدَّ ضالة مما يباح التقاطه فإنه لا يستحق عِوَضًا، إلا إذا كان قد جُعِل.
وقوله: (بغير جُعل لم يستحق عِوَضًا)، وذلك لعدم وجود عقد بينه وبين المالك، فيقال: لك الأجر عند الله، أما أن تستحق عليّ شيئًا أن لم أقل لك: اذهب دَوِّر، ولم أجعل جُعْلًا لمن أتى بها.
استثنى المؤلف مسألة جاء بها النص: (إلا دينارًا أو اثني عشر درهمًا عن رد الآبق)، الدينار هو النقد من الذهب، والدرهم هو النقد من الفضة، وإذا تأملت التقدير في هذا وفي الديات وفي نصاب السرقة تبيَّن لك أنه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام الدينار يساوي اثني عشر درهمًا؛ ولهذا تُقْطَع اليد بربع دينار أو بثلاثة دراهم، الديات ألف مثقال ذهبًا، أو اثنا عشر ألف درهم فضة، والدرهم مثقال.
نقول: (الآبق) هو العبد الذي شَرَدَ عن مالكه، هذا إذا رَدَّه أحد فله دينار أو اثنا عشر درهمًا من الفضة.
الدليل: السنة؛ جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لمن رَدَّ الآبق، والحكمة من هذا أن إباق العبد ليس بالأمر الهين؛ لأنه إذا أَبَقَ وكان أصله كافرًا فربما يرجع إلى أصله إلى بلاد الكفر، ويكون حربًا على المسلمين، أو إذا تُرِكَ وساح في الأرض فربما يحتاج ويُفْسِد في الأرض بالسرقات أو غيرها، فلذلك جعل الشارع لمن رَدَّهُ عِوَضًا، وإن لم يُظْهِر سيده ذلك العِوَض.
(2/2280)
________________________________________
يُسْتَثْنَى شيء آخر، وهو مَن أنقذ مال المعصوم من الهلكة، إذا أنقذ مال الإنسان من الهلكة فإنه يستحق أجرة المثل، مثل أن يرى الحريق قد اتجه إلى متاع شخص فينقذ المتاع، هذا يُعْطَى أجرة المثل، وذلك لتشجيع الناس على إنقاذ أموال المعصومين من الهلكة؛ لأننا لو قلنا: لا يُعْطَى شيئًا؛ لأنه لم يتفق مع صاحبه بعقد، تَوانَى الناس عن المبادرة في إنقاذ أموال المعصومين، فصار كل مَن عمل لغيره عملًا بلا عقد أيش؟
طالب: ليس له شيء.
الشيخ: فإنه ليس له شيء، إلا في حالين؛ إنقاذ مال المعصوم من الهلكة، والثاني؟
طلبة: رد الآبق.
الشيخ: رد الآبق.
فإن قال قائل: ألستم تُجَوِّزُون أن الإنسان يقف عل القَصَّار -وهو غَسَّال الثياب- أو الخياط، ويقول: خِطْ لي هذا الثوب، بدون أن يتَّفقا عل عقد أو أجرة، ألستم تقولون: إن له أجرة المثل؟
فالجواب: بلى، لكن هذا اتفق مع العامل، أتى إليه بالثوب ليغسله أو ليخيطه، والرجل هذا قد أَعَدّ نفسه للعمل.
ثم قال: (ويرجع بنفقته أيضًا)، يرجع بنفقة مَن؟ بنفقة الآبق؛ لأن نفقته واجبة؛ لما فيها من إحياء النفس، ولا يمكن أن يتخلف الذي رَدَّ الآبق عن الإنفاق عليه؛ لأنه لو تخلف عن الإنفاق عليه لهلك، فلهذا يرجع بنفقته، ومَن يُقْبَل قوله بالنفقة؟
إذا دل العُرْف على قول الذي رد الآبق، أو على قول سيده عُمِلَ بالعرف، وأما إذا زاد أو نقص فإنه يُرَدّ إلى العرف، فمثلًا لو قال مَن رد الآبق: أنفقت عليه ألف ريال، وقال سيده: بل خمس مئة، فلدينا الآن مُدَّعٍ ومُدَّعًى عليه، أيهما الغارم؟
طلبة: السيد.
الشيخ: السيد، فهل نقبل قول السيد، أو ننظر ماذا يدل عليه واقع الناس؟
طلبة: الثاني.
(2/2281)
________________________________________
الشيخ: الثاني، فإذا كانت من العادة أن مثل هذا الآبق يُنْفَق عليه ألف أخذنا بقول الذي رده، وإذا كان من العادة أنه لا يُنْفَق عليه إلا خمس مئة أخذنا بقول السيد، وإن اشتبه علينا الأمر رجعنا إلى الأصل، وهو أن يُقْبَل قول السيد لأنه غارم.
طالب: فسخ الجاعل للجعالة بعض الشروع، إذا كان العمل البحث عن اللُّقَطة، وبذل هذا الشخص مالًا في التنقل بسيارات أجرة ونحوها في البحث، فهل نقول: إنه إذا فسخ الجاعل يعطِي قيمة ما أنفقه؟
الشيخ: لا، ما يُعْطَى قيمة ما أنفقه، يعطى قيمة نسبة العمل، فمثلًا إذا قُدِّرَ أن هذه الضالة مثلًا أو اللقطة أنه يمكن العثور عليها في عشرة أيام، وهذا فسخ في خمسة أيام يُعْطَى النصف؛ لأنه ربما ينفق نفقات باهظة.
الطالب: ما يكون مَيْسِرًا؟
الشيخ: لا، أصلًا الجعالة ما يُشْتَرَط فيها العلم بالعمل.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، بالنسبة للعقود المعاصرة هل ( ... ).
الشيخ: أي العقود المعاصرة.
الطالب: العقود الحالية يعني المقاولات ..
الشيخ: الظاهر أنها إجارة، المقاولات وشبهها هذه إجارة؛ لأنه يتفق مع المقاول على شيء معيَّن معلوم، الأجرة معلومة، والعمل معلوم، ولهذا أحيانًا يضيفون إلى هذا أنه إذا لم يتمه في المدة خُصِمَ عليه، هذه أجرة ما فيها إشكال.
الطالب: لكن ما لها نظير يا شيخ؟
الشيخ: هي إجارة.
الطالب: لا الجعالة.
الشيخ: الآن العمل بالجعالة قليل، يشبه -والله أعلم- عقود الصيانة.
طالب: أحسن الله إليك، بالنسبة للضالة يا شيخ يُرْجَع الذي ردها على صاحبها من النفقة؟
الشيخ: لا، لا يرجع إلا إذا نوى الرجوع وتعذَّر استئذانه.
طالب: ذكرنا أن مَن رد مال المعصوم من الهلكة فإن له أجرة المثل، مَن يقدرها؟
الشيخ: أهل الخبرة يعرفونها.
الطالب: لماذا تكون له أجرة المثل؟
(2/2282)
________________________________________
الشيخ: يعني يقال: لو عمل الإنسان مثل هذا العمل، فأنقذ هذا المال من الهلكة، سواء من حريق، أو من غرق، أو غير ذلك، كم يُعْطَى؟ قالوا: يُعْطَى مثلًا ألف ريال، يُعْطَى ألف ريال.
طالب: أحسن الله إليك إذا سرق السارق مالًا، وهذا المال كان مُخْفِيه، أخفاه السارق، صاحب المال قال: مَن وجد أثر مالي، أو وجد السارق، أو علم موضعه، أعطيه كذا، هذا المال المطلوب هل يأخذه من السارق؟
الشيخ: لا، ما يأخذه، لكن السارق يأخذ منه المال الموجود اللي هو سرقه.
الطالب: إي، لكن هذا بسبب سرقته دفع هذا المال.
الشيخ: إي، ربما يقال: إنه يأخذ، لكن السارق بيؤخذ منه شيء أغلى هذا، وهو؟
طلبة: يده.
الشيخ: قطع يده.
طالب: إذا قدرنا أن شخصًا وجد الضالة لصاحبها، وصاحبها قد علم أنها عند الشخص، والشخص الأول قد تلفت منه بغير تفريط، هل يضمن؟
الشيخ: قال: مَن رد ضالتي فله كذا؟
الطالب: لا، رجل وجد ضالة إنسان، وصاحبها عَلِم أنه قد وجدها، في الوقت الذي يردها لصاحبها تلفت منه من غير تفريط، هل يضمن يعني الذي وجدها أولًا؟
الشيخ: بدون تفريط؟ لا ما يضمن؛ لأن يده يد أمينة، إلا إذا كان تأخر في إعلام صاحبها، أو في دفعها إليه.
طالب: أحسن الله إليك، هل مثل الآبق ( ... ) النساء أو من الأحداث الأولاد الذين ( ... ) آبائهم؟
الشيخ: لا، ليس كذلك، وذلك لأن الآبق مال، أما هؤلاء ليسوا مالًا، لكن لو قيل بأنه لو جعل جُعْلًا لمن أحضرهم أُلْزِمَ به هذا ليس عقد جعالة، ما فيه إشكال.
طالب: ما الفرق بين الجعالة وما يسمى اليوم بالقُطُوعَة؟
الشيخ: القطوعة الظاهر أنها أجرة، لكن القطوعة ليس للعامل نفقة، ما يُقَدَّر بالزمن.
الطالب: يقول: هذا الإيجار بكذا.
الشيخ: إي، لكن تعاقد مع شخص معين، ما فيه أجرة.
طالب: لو هذا العامل شرط، وأكمل جزءًا كبيرًا منه، ولكنه لم يكمله، لعذر أو لغير عذر، فهل الشرط على حاله؟
(2/2283)
________________________________________
الشيخ: والله هذا فيه نظر، إن قال ما له شيء، لكن لو قيل: يُخْصَم منه، لكان جيدًا، ثم الخصم ينبغي أن يكون بنسبة؛ لأنه ربما إذا كان بالقدر المحدد يستوعب كل الأجرة، ثم أيضًا لا بد أن يعيَّن مدة يمكنه أن يخلص فيها، ما تكون مثلًا مدة قياسية؛ لأن المقاول ربما يكون عنده شفقة في جمع المقاولات، وتكون المدة غير ممكن أن يأتي بها، فيطمع ويشترط على نفسه أنه إذا أخَّر خُصِمَ عليه، فهذه لا بد فيها من شرط أن تكون المدة يمكن أن ينتهي فيها العمل. ( ... )

***
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ما هو تعريف الجعالة؟
طالب: لغةً من الْجَعْل، وهو الوقف، وشرعًا: هي أن يجعل شيئًا معلومًا لمن يعمل له عملًا معلومًا أو مجهولًا مدة معلومة أو مجهولة.
الشيخ: أحسنت.
الفرق بينها وبين الإجارة من حيث العقد، ما هو من حيث الأحكام، من حيث العقد؟
طالب: الإجارة عقد لازم، والجعالة جائز.
الشيخ: هذا حكم، لكن عند العقد؟
الطالب: الإجارة لا بد من العلم.
الشيخ: لا.
طالب: الإجارة لعمل معيَّن، والجعالة مع غير معيَّن.
الشيخ: مع غير معين، هذا هو، الجعالة يطلِق: مَن فعل كذا فله كذا، ولهذا صارت عقدًا جائزًا.
إذا فعل المجعول عليه دون أن يعلم بقول الجاعل؟
طالب: لم يستحق شيئًا.
الشيخ: لم يستحق شيئًا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: العلة؟
الطالب: لأنه لم يستحق بالجائز.
الشيخ: لا، هذا تعليل بالحكم.
طالب: لأنه ما فيه عقد بينهما يا شيخ.
الشيخ: صحيح؛ لأنه لا عقد بينهما، فكيف يستحق؟
مَن أنقذ مال معصوم من هلكة؟
طالب: فله أجرة المثل.
الشيخ: له أجرة المثل؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ليس بينهما عقد، كيف تجعل له أجرة المثل؟
الطالب: ليس بينهما عقد، يُعْطَى تشجيعًا.

[باب اللقطة]
(2/2284)
________________________________________
الشيخ: أليس أخوك ( ... ) الحب من الأرض، أي: أخذته وجمعته، لكنها لها معنى خاص عند الفقهاء، فقال: وهي مال أو مُخْتَصّ ضَلَّ عن ربه، هذه اللقطة، والقيد المهم فيها قوله: ضَلَّ عن ربه، أي: ضاع منه، المال كالدراهم والأمتعة وما أشبهها.
المختص كل ما يختص به الإنسان بدون ملك، ويُضْرَب لذلك مَثَل بالكلب -كلب الصيد- كلب الصيد لا يُمْلَك، لكن صاحبه أخص به من غيره، فهو مختص وليس بمال، وربما أيضًا نُمَثِّل بالخمر للذمي إذا ضاعت منه، فإنها ليست بمال، لكنه يُمَكَّن من شربها، وقد لا يصح هذا المثال؛ لأنها صارت ظاهرة، حيث وُجِدَت في السوق مثلًا أو في البَرّ، لكن المثال الصحيح هو كلب الصيد.
وقوله: (ضل عن ربه) أي: عن صاحبه؛ لأن (رب) في اللغة العربية تطلق بمعنى صاحب، كما جاء ذلك في القرآن، وجاء ذلك في الحديث.
ففي القرآن قال الله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180]، رب العزة أي: صاحبها، ولا يمكن أن تكون {رَبِّ الْعِزَّةِ} بمعنى: خالقها؛ لأن العزة صفة من صفات الله غير مخلوقة.
وفي الحديث أيضًا: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّهَا» (7) في إحدى روايات البخاري.
(ضل عن ربه) أي: عن مالكه.
وقوله: (وتتبعه همة أوساط الناس)، هذا ليس قيدًا في التعريف؛ لأن اللقطة يصدق عليها التعريف وإن كانت لا تتبعها همة أوساط الناس، فمَن وجد رغيفًا لا يساوي درهمًا فهي لقطة، وإن كانت الهمة لا تتبعه.
لكن المؤلف -رحمه الله- أدمج الحكم في التعريف ليُبَيِّن أن الذي يجب تعريفه هو الذي تتبعه همة أوساط الناس، هذا الذي يجب تعريفه، وأما ما لا تتبعه همة أوساط الناس فهذا لا يُعَرَّف.
وعلى هذا فنقول: مَن وجد مالًا فعلى ثلاثة أقسام:
(2/2285)
________________________________________
القسم الأول: أن يعلم أن صاحبه تركه رغبة عنه، فهذا لواجده، كما يوجد الآن بعض الكراسي المكسرة تُرْمَى في الأسواق، أو بعض الزنابيل، أو بعض الأواني، أو ما أشبه ذلك، نعلم أن صاحبها تركها، أيش؟ رغبة عنها، هذه يملكها واجدها بدون شيء، حتى أيضًا لو علمنا أن هذا الرجل له متاع ثقيل في البَرّ، وعجز عنه وتركه رغبة عنه، كما أراد جابر بن عبد الله أن يُسَيِّب جمله، فهذا لمن وجده.
وهل من ذلك السيارات اللي يكون عليها حوادث وتبقى في الطرق؟ هل نقول: هذه مما تركها أهلها رغبة عنها، فيجوز للإنسان أن يُشَلِّحَها -وأقول بلغة القوم- أو لا يجوز؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: لا، الواقع ننظر إلى حال السيارة، إذا كان فيها معدات نعلم أنها غالية، وأن صاحبها سوف يعود إليها فإنها لا يجوز أخذها، أما إذا كان هيكلًا محترقًا ما فيه إلا حديد يحتاج إلى أن يُصْهَر بنار النيران، فهذا أيش؟ لمن وجده؛ لأننا نعلم أن صاحبه لن يعود إليه.
القسم الثاني: أن يكون مما لا تتبعه الهمة؛ لكونه زهيدًا، كقلم يساوي درهمًا، هذا زهيد لا تتبعه همة أوساط الناس، أليس كذلك؟ بلى، لا تتبعه همة أوساط الناس، أي إنسان يجده فهو له، إلا إذا كان يعرف صاحبَه فعليه أن يوصله إلى صاحبه أو يبلِّغه به؛ لأنه أصبح الآن غير لُقَطَة؛ لأن صاحبه أيش؟
طلبة: معلوم.
الشيخ: معلوم، فعليه أن يبلغ صاحبه به أو أن يذهب به إليه.
وقول المؤلف: (أوساط الناس)، وكذلك قولنا: أوساط الناس، هل المراد أوساط الناس بالمال، أو أوساط الناس بالشح، أو بهما جميعًا؟ بهما جميعًا، يعني أن أوساط الناس الذين ليسوا من الأغنياء، ولا من الفقراء، ولا من الكرماء، ولا من البخلاء، لا يهتمون به، ولا عبرة بالبخيل، البخيل همته تتبع حتى قلامة الظفر، كما قال الشاعر:
بَلِيتُ بِلَى الْأَطْلَالِ إِنْ لَمْ أَقِفْ بِهَا
وُقُوفَ شَحِيحٍ ضَاعَ فِي التُّرْبِ خَاتَمُهْ

فالشحيح اللي ضاع خاتمه بالتراب متى يروح؟
(2/2286)
________________________________________
طلبة: ما يروح.
الشيخ: ما يروح، بيقعد سنين يدوِّر بها التراب، كلما راحت حبة تراب قال ( ... ) في الثانية، فالشحيح لا عبرة به، الفقير أيضًا لا عبرة به، لماذا؟ الفقير أي شيء يضيع منه تتبعه الهمة، اعرف نفسك الآن، لو ضاع منك عشرة ريالات ما تهتم بها، لكن لو ضاعت من فقير اهتم بها، ولهذا لو أعطاك شخص عشرة ريالات ما تهتم بها، ولا تفرح بها، ولا ترى أن هذا قدر لك، لكن لو يعطيها فقيرًا فَرِحَ بها.
إذن أوساط الناس أيش؟ خُلُقًا ومالًا، خُلُقًا يعني ليس من الكرماء الذين لا يهتمون بالأمور، ولا من البخلاء الذين همتهم تتبع كل شيء، وكذلك يقال في المال.
هذا لمن وجده، إذا كان لا تتبعه الهمة، دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجد تمرة في الطريق، فقال: «لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا» (8)، صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن الصدقة محرَّمة على الرسول عليه الصلاة والسلام نفلها وفرضها، وآل محمد يحرُم عليهم الصدقة الواجبة دون النافلة، وسائر الناس إذا كانوا من أهل الزكاة يستحقون هذا وهذا؛ النافلة والواجبة.
المهم الرسول قال: «لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا»، في هذا الحديث إشكال؛ كيف يمتنع الرسول عليه الصلاة والسلام منها مع أن الأصل الحِلّ، وأنها ليس من الصدقة؟ فيقال في الجواب: إن هذا لكمال وَرَعِه عليه الصلاة والسلام، ولعل هناك قرينة تدل على أنها من الصدقة، مثل أن تكون في المكان الذي حوله فُرِّقَت الصدقة، فسقطت منها هذه التمرة، لكن بالنسبة لنا لو وجدناها ونحن ممن تحرُم عليه الصدقة الواجبة فلنا أن نأكلها، حتى نتيقن أنها من الصدقة الواجبة.
بقينا بأيش؟ الآن أخذنا قسمين: الأول: ما تُرِكَ رغبة عنه فهو أيش؟
طلبة: لواجده.
الشيخ: لواجده.
والثاني: ما لا تتبعه همة أوساط الناس فهو لواجده أيضًا، إلا إذا كان يعلم صاحبها.
(2/2287)
________________________________________
القسم الثالث، وهو الذي أشار إليه الماتن: هو الذي تتبعه همة أوساط الناس، فهذا يجب تعريفه، يجب أن يُعَرَّف لمدة سنة، وسيأتي إن شاء الله ذكرها.
كم يُقَدَّر في وقتنا الذي تتبعه همة أوساط الناس؟ هو يختلف باختلاف الأحوال والأماكن والأزمان، فيما سبق الدرهم الواحد تتبعه همة أوساط الناس؛ لأنه يحصل به شيء كثير، يعني يمكن الدرهم الواحد يشتري به الإنسان شاة، ويشتري به أيضًا حَبًّا يطبخه ويكفي ضيفه، الدرهم هذا في ذلك الوقت يُعْتَبَر مما تتبعه همة أوساط الناس، الآن والحمد لله الدرهم لا يهتم به أحد، خمسة دراهم؟
طلبة: لا يهتم بها أحد.
الشيخ: لا يهتم بها أحد؟
عشرة؟
طلبة: ما يهتم بها أحد.
الشيخ: ما يهتم بها أحد.
خمسون؟
طلبة: يهتم بها أوساط الناس.
الشيخ: يهتم بها أوساط الناس، إذن يقدَّر هذا بحسب الأحوال، والأحوال يختلف فيها الناس.
لكن لو قال قائل: لعل هذا الذي لا تتبعه همة أوساط الناس لعلها تتبعه همة فاقده؟
فيقال: العبرة بالأغلب، يعني رب قلم لا يساوي درهمًا، عند صاحبه يساوي مئة درهم؛ لأنه أخذ عليه، وكتابته به سهلة وجميلة، وهذا شيء مشاهَد، بعض الأشياء تكون عند صاحبها غالية، وعند الناس ليست غالية، فيقال: العبرة؟
طلبة: بالأغلب.
الشيخ: بالأغلب.
قال: (فأما الرغيف والسوط ونحوهما فيُمْلَك بلا تعريف) لأنها أيش؟ لا تتبعها همة أوساط الناس، الرغيف يعني القرص، هذا لا تتبعه همة أوساط الناس، مَن وجد قرصًا ساقطًا في السوق فليأخذه وليأكله ما لم يكن يعلم صاحبه.
كذلك السوط السوط، يعني عصا رقيقة صغيرة، ما هي ذاك التي لها قيمة، مَن وجدها فهي له.
وقوله: (ونحوهما) مثل أيش؟ قلم، إذا كان قلمًا ما هو من الأقلام الغالية، فيه قلم بخمسة ريالات، وقلم بخمسين ريالًا.
طالب: بمئتين.
الشيخ: مئتي ريال؟ أو مئتي ريال، إذن القلم الرخيص، سلسلة المفاتيح؟
طالب: مِن هذا.
الشيخ: مِن هذا النوع.
(2/2288)
________________________________________
(فيُمْلَك بلا تعريف) بمجرد ما يجده الواجد يكون ملكًا له.
ثم قال: (وما امتنع) إلى آخره، انتقل الآن مما ضاع من الأموال إلى ما ضاع من الحيوان.
الحيوان يقول: (وما امتنع من سبع صغير كثور وجمل ونحوهما حرُم أخذه، وله التقاط غير ذلك من حيوان وغيره) إلى آخره.
الحيوان الضائع قسمان:
الأول: ما يمتنع من صغار السباع، مثل الثور، قبل أن نمثل لما يمتنع، صغار السباع مثل الذئب والكَلْب الكَلِب وما أشبهها، وأما كبار السباع فإنها لا يمتنع منها ولو الجمل، حتى الجمال لا تمتنع منها، لكن الذي يمتنع منها، يعني التي تُعْتَبَر من صغار السباع مثل الذئب والكلب إذا صار كَلِبًا يعني يَفْرِس.
(كالثور)، الثور يمتنع من صغار السباع أو لا؟
طلبة: يمتنع.
الشيخ: الكبير يمتنع لا شك، والصغير لا يمتنع، فيُلْحَق بالشاة ونحوها، لكن الكبير يمتنع؛ لأنه إذا أتى إليه الذئب ليأكله نطحه بقرونه، أو وطئه برجليه، ولا يستطيع، الجمل كذلك لا يستطيع الذئب أن يأكله، يفرسه، نعم لو اجتمع الذئاب على جمل يمكن أن تقدر عليه، لكن العبرة بالغالب.
وقوله: (ونحوهما) مثل أيش؟
مَثَّلَ بعضهم بالحمار، قال: إن الحمار يمتنع من صغار السباع، والواقع أنه لا يمتنع، الحمار جبان، إذا شم رائحة الذئب فَرَّجَ بين رجليه وقام يبول؛ لأنه يفزع ولا يمكن يمتنع، نعم إن كان يوجد حمير على زمن مَن مَثَّلُوا بها تمتنع ما ندري، أما الحمار المعروف عندنا الحمار الأهلي فإنه لا يمتنع.
البغل؟
طلبة: يمتنع.
الشيخ: الحصان؟
طلبة: يمتنع.
الشيخ: يمتنع، فالضابط إذن الحيوان الذي يمتنع من صغار السباع يقول المؤلف: (حرُم أخذه)، يحرُم التقاطه، ولا يَحِلّ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن ضالة الإبل، فغضب عليه الصلاة والسلام وقال: «دَعْهَا، مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا». (9)
(2/2289)
________________________________________
انظر كلام الرسول عليه الصلاة والسلام كأنما هو بين رعاة الإبل، مع أنه ما رعى الإبل وإنما رعى الغنم، اتركها، «مَعَهَا سِقَاؤُهَا»، يعني: بطنها؛ لأنها إذا شربت تبقى مدة حتى في أيام الصيف ما احتاجت إلى الشرب، «وَحِذَاؤُهَا»، يعني: خُفَّها، «تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ»، ولا أدل من البعير على الماء، حتى إن الناس فيما سبق إذا خافوا على أنفسهم من العطش ربطوا أنفسهم على الإبل، ثم البعير تَشَمّ الماء من بعيد وتقف عليه، فمعها سقاؤها، ومعها حذاؤها، تَرِدُ الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها.
وظاهر الحديث العموم، أنه لا يجوز التعرض لها، تُتْرَك حتى يجدها ربها. لكن إذا رجعنا إلى أصول الشريعة وقلنا: إنه إذا كان يُخْشَى عليها من قُطَّاع الطرق، ففي هذه الحال له أن يأخذها إن لم نَقُل بالوجوب.
ويمكن أن يؤخذ من الحديث، وهو قوله: «حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا»، فإن هذا التعليل يشير إلى أنها إذا كانت في مكان يُخْشَى أن يأخذها قُطَّاع الطرق فإنه يلتقطها ولا بأس؛ لأنه في هذه الحال اللي يغلب على الظن أن صاحبها يجدها أو لا يجدها؟
طلبة: لا يجدها.
الشيخ: أنه لا يجدها، وعلى هذا فنقول: هذا الحديث إن كان لا يدل على أنه يأخذها فإنه يقيَّد بالنصوص العامة، وإن كان يدل على أنه إذا كان لا يؤمَن ألَّا يجدها فإنه يأخذها.
ثم قال: (وله التقاطُ غيرِ ذلك) إن شاء الله الدرس القادم.
طالب: شيخ، بارك الله فيك، بالنسبة للقسمين الأولين للقطة، ما تُرِكَ رغبة عنه، أو ما لم تتبعه همة أوساط الناس، إذا أخذه الواجد، ثم عرف صاحبَه، هل يجب عليه أن يُرْجِعَه؟
الشيخ: أما الذي لا تتبعه همة أوساط الناس يجب أن يوصله إلى صاحبه، أو يبيِّن له ذلك، أما ما أُخِذَ رغبة عنه فهذا صاحبه تركه، ولا يريد أن يتملك.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، ما حكم اللقطة التي لا تتبعها همة أوساط الناس وجدها الإنسان في مكان محصور؟
الشيخ: محصور؟
(2/2290)
________________________________________
الطالب: إي نعم كالمسجد مثلًا، أو في القاعة في المدرسة أو كذا، هل يجب تعريفها؟
الشيخ: هي له، ولا يلزمه التعريف.
طالب: شيخ، إذا قال قائل: إننا قلنا في تعريف اللقطة: مال أو مختص ضَلَّ عن ربه، فكيف تجعلون من أقسامه مَا تُرِكَ رغبة عنه؟
الشيخ: لا، هذا لتمام التقسيم، ما ذكرنا أنه لقطة، هو لقطة بالمعنى العام.
طالب: شيخ حفظك الله، معروف اليوم في بعض الأماكن أنه ليس هناك موارد عامة للإبل، بل الموارد خاصة، وبمجرد أن ( ... ) الإبل فربما تؤذي ولا تجد من يطعمها؛ لأنه الاعتماد اليوم على صاحب البهائم، فالإنسان لو تركها ربما آلت إما صدمها بسيارة تؤذي الناس أو ربما تفسد الزروع، فلو أنها دخلت على الإنسان.
الشيخ: في هذه الحال ربما يقال: إنه يأخذها ليسلمها لولي الأمر، لا على أنها لقطة إن جاء صاحبها وإلا فهي له، يعني إذا خاف من شرها فإنه يأخذها ويسلمها إلى ولي الأمر.
طالب: حفظك الله يا شيخ، بالنسبة لسجادة ( ... ) نقول يا شيخ: بأنها لو علم أن صاحبها تركها وسَيَّبَها قصدًا فهل يؤخذ؟
الشيخ: يؤخذ إي.
الطالب: يدخل في قول النبي ..
الشيخ: بخلاف ما إذا سَيَّبَها عجزًا، يعني مثلًا لو ترك هذا المال عجز أن يحمله، مثل أن تكون السيارة تعطلت ولا يستطيع يحمله قال: أخليه بهذا وأرجع عليه، هذا نعلم أنه لصاحبه، مثل ما ذكرنا قبل قليل في مسألة السيارات التالفة.
الطالب: لكنه يا شيخ يترك شيئًا عجز عنه هو يريده لكن تركه عجزًا ولا يرجع له.
الشيخ: إذا علمنا هذا فهو للموجِد.
طالب: أراد أخذ اللقطة ( ... )؟
الشيخ: حرام عليه.
الطالب: ولا يلزم ..
الشيخ: يكون ضامنًا على كل حال، مع المعصية.
الطالب: لكن الآن يا شيخ ( ... ).
الشيخ: هذا يتصرف نيابة عن الدولة ما هو يريدون أن يأخذوه عن أنه لقطة.
(2/2291)
________________________________________
طالب: النعال الموجودة في الحرَم بعض الناس يأخذ منها الغالي، وبعضهم يقول: إن الرخيص منها لقطة. الشيخ: سيأتينا إن شاء الله تعالى أن لُقَطة الحرَم هل هي كغيرها أو لها حكم خاص.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، بالنسبة للبقرة قد تمتنع من السباع، لكنها لا تصبر على العطش.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: وكذلك الحمار لو قلنا: إنها تمتنع.
الشيخ: لا، الحمار ما يمتنع، الحمير عندنا أكثر من اللي عندكم، ما تمتنع.
الطالب: عندنا كثير يا شيخ.
الشيخ: عندكم بقر، على كل حال هذا الذي أوردت وارد، لكن تعلم أن أصحاب الإبل يتركونها ترعى، تروح وتيجي، أصحاب البقر ما يجعلون لها الحرية، من حين ما يفقدها على طول يذهب يدوِّرْهَا، إي نعم، واضح؟
الطالب: نعم.
طالب آخر: شيخ بارك الله فيك، قلنا: رعاة الإبل إذا عطشوا خافوا على أنفسهم ربطوا نفسهم على البعير، والبعير يشم الماء، هناك فرقة أخرى ذبحوا البعير، شربوا ما في بطنها، كيف هذا الشراب؟
الشيخ: إذا نحرها طيب، نحرها على وجه شرعي، ثم شرب ما في بطنها، هكذا؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: ما فيه شيء، وهذه أيضًا تقع، ولكن ما ذكرته لكم أمر واقع، فيه جماعة حوالي ثلاثة عشر أو أربعة عشر نفرًا في مكان يسمى الدَّهْنَة ليس حوله ماء، وتاهوا فيه وعطشوا، منهم واحد ربط نفسه على البعير، ويمكن يُغْمَى عليه أو ما يغمى عليه ما يدري عنه، والبقية ما ربطوا أنفسهم، فصار البقية اللي ما ربطوا أنفسهم كل ما حصل يعني مدة طاح واحد، ميتًا، أما هذا فما أحس إلا والبعير ترد على الماء والرواد اللي عليها يُنَخُّون البعير ويعالجون هذا الرجل، وحي، أدركته أنا حَيًّا يُرْزَق، وهذه حيلة طيبة.
طالب: أحسن الله إليك، لو وجد لقطة، وشكّ هل تتبعها همة أوساط الناس أم لا، ماذا يفعل؟
الشيخ: فهنا تنازع أصلان؛ الأصل أنها لا تتبع، والأصل احترام مال المسلم، فنُغَلِّب الثاني؛ لأنه أقرب للورع.
(2/2292)
________________________________________
طالب: الأمر الذي جعل الصدقة لآل البيت الواجبة لا تجوز، والنفل تجوز، ما الضابط؟
الشيخ: هذا الضابط.
الطالب: ما الذي جعل ..
الشيخ: التطوع يجوز، والزكاة ما تجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّلَ للعباس عدم إعطائه أنها أوساخ الناس، والأوساخ هي الواجبة؛ لأنها كما قال عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
طالب: إذا وجد شيئًا لا تتبعه همة أوساط الناس ثم أتى رجل ثانٍ فقال له ( ... )؟
الشيخ: إي نعم، إذا ادَّعى أحد أنه له فيطالبه ببينة، لكن لا شك أن الورع أن يعطيه إياه.
طالب: شيخ بارك الله فيك، إذا وجد الإنسان لقطة وكانت ( ... )، ثم عَرَّفَها إلى سنة، بعد سنة ماذا يفعل بها؟
الشيخ: تكون له.
الطالب: حتى ولو كانت ( ... )؟
الشيخ: ولو كانت.
طالب: شيخ بارك الله فيكم، ما الفرق بين إذا أخذ مالًا تتبعه همة أوساط الناس، وبين القاعدة التي تقول: إن كل مال لا يُعْرَف صاحبه يُتَصَدَّق عنه بنية وجوده.
الشيخ: بينهما فرق؛ المال المجهول لأنه بيدك واجب عليك أنت كدَيْن مثلًا، أو عين استعرتها من شخص ولم تعرفه، فأنت تعلم الآن أنه ملك لشخص معين، ولكنك جهلتَه، أما هذا أصل اللقطة صاحبها ما يُدْرَى مَن هو، هذاك أصله معلوم عندك، ولكن في ثاني الحال جهلته.
طالب: أحسن الله عليك يا شيخ، من ترك متاعًا رغبة عنه، فأخذه شخص وهو يعلم أن صاحبه لا يريده، ثم بعد ذلك أراد صاحبه استرجاعه، هل يرده؟
الشيخ: لا، ليس له ذلك.
سبق لنا أن اللقطة حيوان وغير حيوان، وأن غير الحيوان ينقسم؟
طالب: ثلاثة أقسام: ما لا تتبعه همم أوساط الناس، ما تتبعه أوساط الناس، وما تركه رغبة عنه.
الشيخ: هذه كم؟
الطالب: ثلاثة.
الشيخ: الأول؟
الطالب: ما تركه رغبة عنه.
الشيخ: والثاني؟
الطالب: ما لا تتبعه همم أوساط الناس
الشيخ: والثالث؟
الطالب: ما تتبعه ..
(2/2293)
________________________________________
الشيخ: ما تتبعه همة أوساط الناس، بمعنى؟ ويش معنى ما تتبعه همة أوساط الناس؟
طالب: لها نظرتين؛ الأول: غني ..
الشيخ: لا، ما أقصد (أوساط)، ما معنى (تتبعه الهمة)؟
الطالب: أي: تتوق إليه وتبحث عنه.
الشيخ: تتعلق به النفس وتبحث عنه.
ما المراد بأوساط الناس؟
طالب: أوساط الناس من حيث الغنى والفقر.
الشيخ: فقط؟
الطالب: لا، ومن حيث الأخلاق.
الشيخ: أيش، الإخلاص؟
الطالب: الأخلاق، الْخُلُق يعني.
الشيخ: الخلق؟
الطالب: إي.
الشيخ: يعني؟
الطالب: يعني من الشح و ..
الشيخ: والبخل.
الطالب: البخل هو الشح.
الشيخ: هيجرى أيش؟
الطالب: الكرم والبخل، يعني الوسط.
الشيخ: لا بأس، أفهمنا هذا؟
إذن أوساط الناس في الْخُلُق، وأوساط الناس في المال.
مثال ذلك؟
طالب: مثال ذلك؟
الشيخ: الذي لا تتبعه الهمة.
الطالب: الشيء الزهيد مثل الرغيف والسوط ونحوهما.
الشيخ: مثال الثالث؟
طالب: بعض الناس ترمي باقي الأشياء مثل ترك الكراسي المكسَّرة في الشوارع.
الشيخ: هذه من الذي تركه رغبة عنه، على كل حال يكفي.
الحيوان؟
طالب: الحيوان نصفان؛ ما يمتنع من صغار السباع وما لا يمتنع.
الشيخ: ما لا يمتنع ما حكمه؟
الطالب: هذا لقطة.
الشيخ: ما لا يمتنع؟
الطالب: ما لا يمتنع؟
الشيخ: نعم.
الطالب: أن يأخذه ويعرِّفه.
الشيخ: ما لا يمتنع؟ يعني الذي لا يمتنع أيش يعمل فيه؟
الطالب: هذا له أو لأخيه أو للذئب.
الشيخ: يعني بمعنى: يجوز أخذه، وإذا أخذه ماذا يصنع به؟
الطالب: يعرِّفه سنة.
الشيخ: نعم، فإن جاء صاحبه؟
الطالب: وإلا فشأنه فيه.
الشيخ: وما يمتنع؟
الطالب: لا يجوز أخذه.
الشيخ: لا يجوز أخذه، نعم، ما هو الدليل على تحريم أخذه؟
طالب: الدليل على تحريم أخذه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لما سُئِل عن ضالة الإبل قال: «مَا لَكَ وَلَهَا، دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا سِقَاءَهَا وَحِذَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» (9).
الشيخ: أحسنت.
(2/2294)
________________________________________
وما لا يمتنع قال الأخ: إنه لُقَطَة، يُعَرِّفها سنة، ما هو الدليل؟
الطالب: الدليل حديث ( ... ).
الشيخ: قال: «هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئِبْ»، من أخوه؟
الطالب: أخوه صاحبها.
الشيخ: صاحبها، أو آخر يجدها، يعني أعم من كونه صاحبها، بارك الله فيك.
إذا كان هذا النوع من الحيوان، أعني به ما لا يمتنع، يحتاج إلى نفقة؟
طالب: ينفق عليه ويرجع على ربها.
الشيخ: ينفق عليه ويرجع على ربها.
الطالب: نعم.
الشيخ: إذا كان يريد أن ينفق عليه ربما تستوعب النفقة أكثر من قيمته مرتين أو ثلاثة، فماذا يصنع؟
طالب: يتركها لغيره.
الشيخ: ما هو تاركها.
الطالب: ينفق عليه ويعود على ربها.
الشيخ: إذا كان ينفق أكثر؟
الطالب: ما أخذها لنفسه؟
الشيخ: إي نعم، لكن هذا ضرر على صاحبها، إذا وجدها صاحبها قال: والله أنفقت عليها عشرة آلاف، وهي ما تسوى مئتي ريال، أيش نعمل؟
طالب: يبيعها ويحفظ ثمنها لربها.
الشيخ: تمام، هنا على المصلحة أن يبيعها، ويحفظ الثمن لمن؟ لربها إذا وجده.
الذي لا يمتنع من صغار السباع، كالضأن والمعز وصغار الإبل وما أشبهها، هذه نقول: إنه يجوز التقاطها، وينفق عليها، ويرجع بها على ربها إن وجده، فإن خَشِيَ أن تزيد النفقة على قيمتها فإنه يضبط صفاتها، ثم يبيعها ويحفظ ثمنها لربها، فإذا جاء ووصفها وانطبقت الأوصاف على الموجود فإنه يعطيه الثمن.
ذكرنا فيما سبق على قول المؤلف أنه يحرُم التقاطها ما لم تكن أيش؟ في موضع الهلاك والتلف، كما لو كان حولها قُطَّاع طريق، أو ما أشبه ذلك، فهنا لا يحرُم عليه أخذها، بل له ذلك.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وله التقاطُ غيرِ ذلك من حيوان وغيره إن أَمِنَ نفسه على ذلك، وإلا فهو غاصب).
قوله: (وله)، اللام هنا للإباحة، وهي في ضد المنع؛ لأنه لما قال: (حرُم أخذه) قال: (وله)، فهي في مقابل المنع، أي: لا يحرُم عليه التقاط غير ذلك.
(2/2295)
________________________________________
لكن هل الأفضل أن يلتقطه، أو الأفضل ألَّا يلتقطه؟ أو نقول: يحرُم عليه أن يلتقطه؟
يقول المؤلف: يحرُم عليه إذا لم يأمن نفسه على ذلك، إن كان لا يأمن نفسه أنه لو أخذه أنفقه إن كانت دراهم، أو ذبحه إن كانت شاة، فإنه يحرُم عليه أخذه، ويكون حكمه حكم الغاصب.
أما إذا كان يعرف من نفسه أنه قادر على إنشاد الضالة، فهنا نقول: فيه تفصيل؛ إن كان له قوة وقدرة على التعريف فالأفضل أخذها، وإن كان يخشى ألَّا يقدر، أو أن يشق عليه فالأفضل تركُها.
وعلى هذا فقوله: (له) اللام للإباحة التي في مقابل المنع، وإلا فإنه قد يكون الأفضل تركها، وقد يكون الأفضل أخذها.
(وله التقاط غير ذلك من حيوان وغيره إن أمن نفسه على ذلك، وإلا) أي: وإلّا يأمن نفسه على ذلك (فهو كغاصب).
وظاهر كلام المؤلف -رحمه الله- أنه لا فرق بين لقطة مكة وغيرها؛ لأنه لم يُفَصِّل، وهذا هو المشهور من المذهب.
والصحيح أن لقطة مكة لا تحلُّ إلا لمنشِدٍ، إلا لمن يريد أن يعرِّفها مدى الدهر، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ» (10)، وهذا من خصائص الحرَم.
والحكمة في ذلك أنه إذا علم الإنسان أنه لا يحل له التقاط لقطة الحرَم إلا إذا كان مستعدًّا لإنشادها دائمًا فإنه سوف يدعها، وإذا كان هذا يدعها والآخر يدعها ومَن بعده يدعها، بقيت في مكانها حتى يجدها ربها، وهذا -أعني القول بأن لقطة مكة ليست كغيرها- هو القول الراجح، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه يدل الحديث.
لكن إذا خاف الإنسان أن يأخذها مَن لا يُعَرِّفها فهنا نقول: إما أن يجب أخذها، وإما أن يُبَاح، وماذا يصنع بها؟ نقول: يعرِّفها دائمًا وأبدًا، فإن شقَّ عليه ذلك فالأمر -والحمد لله- واسع، فيه محاكم شرعية تتلقى مثل هذا، فليأخذها وليدفعها للحاكم، وهو إذا أخذها ودفعها للحاكم -يعني للقاضي- برئت بذلك ذمته.
(2/2296)
________________________________________
ثم قال المؤلف: (ويعرِّف الجميع)، (الجميع) يعني جميع ما يجوز التقاطه، (يعرِّف الجميع في مجامع الناس غير المساجد حولًا).
(مجامع الناس غير المساجد) مثل؟
طالب: الأسواق.
الشيخ: أسواق البيع والشراء، بل وما كان خارج باب المسجد عند خروج الناس من الصلاة، لا سيما صلاة الجمعة مثلًا، فيعرِّف الجميع.
وكيفية التعريف أن يقول: مَن ضاع له المال؟ ولا يعيِّن؛ لأنه لو يعيِّن ويقول: مَن ضاع له كذا وكذا، ويفصِّل، لكان ذلك سبيلًا إلى أن يدعيه أي واحد، ولكن يعمم.
وهل يجب عليه أن يذكر النوع عند الإنشاد، يعني مثلًا يقول: من ضاعت له الدراهم، بدل أن يقول: من ضاع له مال؟
الظاهر أنه يجب عليه؛ لماذا؟ لأنه إذا قال: مَن ضاع له المال؟ فقد يتصوره الإنسان غير الذي ضاع له، لكن إذا قال: من ضاعت له الدراهم؟ صار هذا أقرب لفهم المقصود، واضح؟
وكذلك يقال: لو أنه وجد حُلِيًّا، لو قال: من ضاع له الذهب؟ ماذا يظن الناس؟ يظنون أول ما يقع في قلوبهم أنه الدنانير، لكن إذا قال: من ضاع له الحُلي؟ صار هذا أقرب إلى فهم المخاطب، فيذكر أقرب ما يكون من إدراك الناس له، لكن لا يذكر كل الأوصاف حتى لا يدعيه مَن ليس له.
فمثلًا إذا وجد دراهم قال: مَن ضاعت له الدراهم، يجوز أو لا يجوز؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأنه إذا قال أحد: أنا، سيقول له: كم عددها؟ ما نوعها؟ هل هي من فئة خمسة، من فئة ريال، من فئة عشرة، من فئة خمسين، من فئة مئة، من فئة خمس مئة؟ هل هي دراهم سعودية؟ هل هي دراهم بلد آخر؟ ثم العدد، ثم الكيس إذا كانت في كيس، كل هذا يحددها، إنما يذكر أقرب وصف يمكن للمخاطب أن يعرفها بدون أن يفصِّل؛ لئلا يدعيها من ليست له.
(2/2297)
________________________________________
وقوله: (غير المساجد) المساجد لا يجوز إنشاد الضالة فيها، بل قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم مَن سمع الذي ينشُد الضالة في المسجد فليقل: «لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» (11)، ولو فُتح المجال للناس أن ينشدوا الضوالّ في المسجد لامتلأت المساجد من أصوات الناشدين، وألهوا الناس عن ذكر الله وعن الصلاة، فصار الدليل في هذا أثريًّا وأيش؟
طلبة: ونظريًّا.
الشيخ: ونظريًّا.
وقوله: (غير المساجد) يعم كل ما كان مسجدًا، وأما المصليات فلا تدخل في هذا، كما لو نشد الضالة في مصلى في دائرة من الدوائر فلا حرج عليه؛ لأن هذا المصلى ليس مسجدًا؛ ولهذا لا يصح فيه الاعتكاف، وليس له تحية مسجد، ولا يحرم على الجنب المكث فيه، ولا على الحائض، فهو بمنزلة مصلى الإنسان في بيته.
وقوله: (حولًا) يعني: عامًا كاملًا، واعلم أنه إذا أطلق العلماء -رحمهم الله- الحول أو العام أو السنة فمرادهم بالهلال، السنة الهلالية؛ لأن السنة الهلالية هي السنة الحقيقية التي وَقَّتَها الله لعباده، قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [التوبة: 36].
ويَمْلِكُه بعدَه حُكْمًا، لكن لا يَتَصَرَّفُ فيها قبلَ مَعرِفَةِ صِفاتِها، فمَتَى جاءَ طالبُها فوَصَفَها لَزِمَ دَفْعُها إليه، والسفيهُ والصبِيُّ يُعَرِّفُ لُقَطَتَهما وَلِيُّهما، ومَن تَرَكَ حيوانًا بفَلاةٍ لانقطاعِه أو عَجْزِ ربِّه عنه مَلَكَه آخِذُه، ومَن أُخِذَ نَعْلُه أو نحوُه ووَجَدَ مَوْضِعَه غيرَه فلُقَطَةٌ.
(باب اللقيط)
(2/2298)
________________________________________
وهو طِفْلٌ لا يُعْرَفُ نَسَبُه ولا رِقُّه نُبِذَ أو ضَلَّ، وأَخْذُه فَرْضُ كِفايةٍ، وهو حُرٌّ وما وُجِدَ معَه أو تَحْتَه ظاهرًا أو مَدفونًا , طَرِيًّا أو مُتَّصِلًا به كحيوانٍ وغيرِه , أو قَريبًا منه فله، ويُنْفَقُ عليه منه , وإلا فمِن بيتِ المالِ، وهو مُسلمٌ، وحَضانتُه لوَاجِدِه الأمينِ , ويُنْفِقُ عليه بغيرِ إذْنِ الحاكمِ، ومِيراثُه ودِيَتُه لبيتِ المالِ، ووَلِيُّه في العَمْدِ الإمامُ يَتَخَيَّرُ بينَ الْقِصَاصِ والدِّيَةِ،
فلا تدخل في هذا، كما لو نشد الضالة في مُصلًّى في دائرة من الدوائر، فلا حرج عليه؛ لأن هذا المصلى ليس مسجدًا؛ ولهذا لا يصح فيه الاعتكاف، وليس له تحية مسجد، ولا يحرم على الجُنُب المكث فيه، ولا على الحائض؛ فهو بمنزلة مُصلَّى الإنسان في بيته.
وقوله: (حولًا) يعني عامًا كاملًا.
واعلم أنه إذا أطلق العلماء -رحمهم الله- الحول أو العام أو السنة فمرادهم بالهلالي؛ السنة الهلالية؛ لأن السنة الهلالية هي السنة الحقيقية التي وقتها الله لعباده.
قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]، وهذه التواريخ التي بُنيت على أشهر هي في الحقيقة أوهام غير منضبطة بشيء معين، ولهذا تيجي بعضها يصل إلى واحد وثلاثين يومًا والثاني ثماني وعشرين يومًا مثلًا.
هذه ليست مبنية على أصل، لكن الأشهر الهلالية مبنية على أصل، أصل جعله الله تعالى للناس {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]، وقال تعالى: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5]، فكلما رأيت في كلام أهل العلم حولًا أو سنة أو عامًا فالمراد بالهلال.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أنها تُعرَّف حولًا؟
(2/2299)
________________________________________
قلنا: ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، أنه قال في اللقطة: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً» (1). فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن تُعرَّف سنة.
إذا وجدها -اللقطة- في مكان بين قريتين، هل يُعرِّفها في واحدة منهما أو فيهما كلتيهما؟ يُنظر، إذا كانت هذه السلعة مثلًا معروفة في البلد الشرقي، وليست معروفة في البلد الغربي، ففي أيهما يُعرِّف؟
طلبة: الشرقي.
الشيخ: الشرقي ولَّا الغربي؟
طلبة: الغربي.
الشيخ: نعم؟
طلبة: المعروفة فيهما.
الشيخ: أنتم فاهمين جيدًا؟
طلبة: نعم، في الغربي.
طالب: الشرقي.
الشيخ: هذه معروفة كثيرًا في الشرقي غير معروفة في الغربي، هل جرت العادة أن الناس يجلبون السلع على المكان الذي تتوفر فيه أو على المكان التي تقِل فيه؟
طلبة: على المكان الذي تقل فيه.
الشيخ: متأكدون؟ طيب إذن نقول: هذه السلعة اشتراها مَنْ في البلد الغربي مِن البلد الشرقي وعلى هذا نُعرِّفها.
طالب: في الغربي.
الشيخ: في الغربي، بارك الله فيكم، واضح.
(2/2300)
________________________________________
إذا كانت السلعة موجودة في القريتين جميعًا على حد سواء، فهل ننظر للأقرب أو للأبعد؟ إن تساويا فنقول: عرِّف فيهما جميعًا في هذه وهذه؛ لأن احتمال أنه من هذه وارد واحتمال أنه من هذه وارد، والقرعة هنا لا تتأتى، عرِّفها في هذه وهذه؛ فإن كانت إلى إحداهما أقرب، فالظاهر أنه يلزمه أن يُعرِّفها في الأقرب ولا يلزمه في البُعدى؛ لأن القرب في المكان له حكم ما قرب منه؛ ولهذا لما حضرت الوفاة من كان قتل مئة نفس، وسأل عالمًا من العلماء هل له توبة؟ قال: نعم لك توبة، من يحول بينك وبين التوبة؟ وكان قد سأل عابدًا من قبل وقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، وسأل العابد: هل له من توبة؟ قال: لا، تسعة وتسعون نفسًا وتبغي تتوب إلى الله؟ ما لك توبة. قال: إذن أكمل بك المئة، فقتله، ثم سأل عالمًا فقال له: لك توبة، من يحول بينك وبين التوبة؟ ولكنه أرشده إلى بلد آخر، ليس بلد ظلم، وسافر مهاجرًا إلى الله، ونزل به الموت في أثناء الطريق، فأرسل الله إليه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، حِكمة من الله عز وجل؛ وإلا الله يعلم عز وجل. تخاصما الملائكة، هؤلاء وهؤلاء؛ ملائكة الرحمة تقول: نقبض روحه؛ لأنه تاب، وخرج، وغادر بلده، وملائكة العذاب تقول: لا، نقبض روحه؛ لأنه لم يصل إلى بلد التوبة، فأرسل الله ملَكًا يفصل بينهما، وقال: قيسوا فإلى أيها أقرب كان من أهلها، فقاسوا، فوجدوه إلى القرية التي هاجر إليها أقرب بقليل جدًّا، حتى قال بعض العلماء: إنه لما حضره الموت جعل يندفع وهو في سياق الموت إلى البلد التي قد كان قصدها، فصار أقرب إليها بشبر، فتولت روحه ملائكة الرحمة (2).
ربما يُؤخذ من هذا أن البلد الأقرب يُعطى الحكم، ويُمنع البلد الأبعد.
قال المؤلف رحمه الله: (ويملكه بعده حكمًا) (يملكه) مَنِ الفاعل؟
طالب: اللاقط.
(2/2301)
________________________________________
الشيخ: الواجد، (بعده) أي: بعد الحول، (حُكْمًا) أي قهرًا، بدون أن يختار (يملكه بعده) أي: بعد تمام الحول حُكمًا؛ كما يملك الوارِث مال مُورِّثه؛ أي: بدون اختيار يملكه حكمًا.
طيب، لو تلف هذا الموجود بعد الحول أو قبل الحول، هل يختلف الحكم؟ يختلف الحكم.
إن تلف قبل الحول بتعدٍّ منه فعليه الضمان، وبغير تعدٍّ، لا ضمان عليه، وإن تلف بعد الحول فعليه الضمان مطلقًا سواء تعدى أم لم يتعدَّ، أفهمتم؟
أقول: إذا تلف قبل الحول بتعدٍّ منه؛ يعني هو الذي أتلفه فعليه الضمان، وإن لم يكن متعديًا فلا ضمان عليه، لماذا؟ لأنه إذا كان متعديًا فهو كغيره من المعتدين يضمن، وإذا كان غير متعدٍّ فهو أمين؛ لأن اللُّقطة الآن بيده على أنها لمن؟ لصاحبها إذا وجدها، فيده يد أمانة، فإذا تلف المال بيده بلا تعدٍّ فلا ضمان عليه؛ واضح هذا ولَّا غير واضح؟
الطلبة: واضح.
الشيخ: إذا تلفت بعد الحول فعليه الضمان سواء تعدى أم لم يتعدَّ، لماذا؟ لأنها دخلت في ملكه الآن، وصارت في ضمانه؛ لأن الشيء الذي في ملكك هو في ضمانك، فإذا دخلت في ملكه وصارت في ضمانه فإن عليه ضمانها بكل حال إذا وُجِد صاحبها.
وقيل: لا يضمنها إذا لم يتعدَّ أو لو لم يفرط، فيكون الحكم واحدًا، وهذا هو الأقرب؛ لأن الرجل دخلت في ملكه قهرًا عليه بغير اختياره فهي في الحقيقة كأنها ما زالت في ملك صاحبها، إذا كان لا يريدها، هو يقول: أنا لا أريد أن تدخل ملكي وأبرأ إلى الله منها، ونقول: لا بد هي في ملكك، وبضمانك في شيء من الصعوبة. فالقول الراجح في هذه المسألة أنه لا ضمان عليه إذا لم يتعدَّ أو يُفرِّط.
قال: (لكن لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها) (لا يتصرف فيها) أي: لا يتصرف واجدها (فيها) أي في الموجود؛ اللُّقطة. (قبل معرفة صفاتها) لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا» (1). العِفاص: الوعاء، والوكاء: الحبل الذي تُربط به، ويشد عليها.
(2/2302)
________________________________________
فلا بد أن يعرف ذلك، وينبغي أن يُشهِد على صفاتها، لكن يُشهد من يثق به، لا أي واحد؛ لأنه إذا أشهد سلِم من صاحبها لو ادَّعى أنها على وجه أكمل. وهذا مِن -أعني: الإشهاد- وسائل الضبط.
يُذكر أن لصوصًا أرادوا أن يسرقوا شخصًا بالحيلة، فقال أحدهما للآخر: هذا الرجل غني يمشي أمامنا، تقدَّم عليه أنت وارمِ المحفظة؛ محفظة الدراهم، واجعل فيها مثلًا عشرة ريالات أو عشرين ريالًا؛ شيئًا يسيرًا، وسوف يقول لك هذا الغني: خُذ المحفظة؛ يعني من باب الإحسان إليه يأخذ محفظته ويقول: يا فلان، تعالَ، سقطت منك هذه المحفظة، وادَّعي أن الدراهم التي فيها أكثر من الحقيقة، وأنا وراءك، فإذا قال: من يشهد لك؟ أقول: أنا أشهد، فاهمين الصورة الآن؟
طلبة: نعم.
(2/2303)
________________________________________
الشيخ: رمى المحفظة فقال له الرجل من باب الإحسان، أخذها، ويا فلان، خُذ، شكر له، جزاك الله خيرًا، وهذه هي الأمانة، وإلا لو شئت لأخذتها ولا علمت بها، لكن جزاك الله خيرًا، ففكها كذا قال: الدراهم فيها عشرة واللي فيها مئة، قال: أنا أخذتها وأعطيتك إياها مباشرة. قال: لا، لا بد لكنك أخفيتها، قال له: من يشهد لك؟ قال: هذا، صاحبي، والآن ورائي ويبين حقي، هذا صاحبي يشهد، وشهد، قال: نعم إن فيها مئة، زاد كم؟ تسعين، تشاجروا فيما بينهم، قالوا: إلى الحاكم، ذهبوا إلى الحاكم، لما ذهبوا إلى الحاكم ادعى صاحب المحفظة أن فيها مئة ريال، وأنه بعد أن أعطاه إياها هذا الرجل لم يجد إلا عشرة، قال: عندك شهود؟ قال: عندي ها الرجَّال، قال: تشهد؟ قال: نعم، أشهد، قال: تحلف أنت؟ قال: أحلف، الثاني المدَّعى عليه أقسم إقسامًا كبيرًا بأنه ما أخذ شيئًا، وأنها سقطت محفظته وأخذتها وأعطيته إياها مباشرة، فلما رأى كأن القاضي فهم، فلما رأى هذا حلف أيمانًا مغلظة أنه ما أخذ منها شيئًا، قال لهم: إذن المحفظة الآن ما هي محفظتكم، هذه ما محفظتك، هذه المحفظة لواحد ثاني سقطت منه ما فيها إلا عشرة، خليها عندي، فقطع عليهما الحيلة.
فيقال: إنهما الآن تورطا؛ تبغي تروح المحفظة والدراهم اللي فيها، ولا حصل شيء، كما يقول العوام: طيحات وشفاعات ( ... ) إي نعم.
أقول: لا بد من معرفة الصفات، والأحسن أن يُشهد عليها، لكن من؟
طالب: من يثق به.
الشيخ: من يثق به.
طالب: ما الفرق بين التعريف في المسجد وبين النشدان في المسجد؟
الشيخ: ويش؟
الطالب: نشدان الضالة في المسجد وتعريفها في المسجد؟
(2/2304)
________________________________________
الشيخ: نعم، أما إنشادها فأن يقول: من رب الجمل الفلاني أو اللقطة الفلانية، هذا حرام، وأما أن يقول: من ضاعت له هذه، فالفقهاء قالوا: إن هذا مكروه؛ لأن بينهما فرقًا عظيمًا؛ الثاني: محسِن يقول: من ضاع له هذا، لكن نحن نقول: ما دام الحديث: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ الضَّالَّةَ فَقُولُوا: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ» (3). فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يكون المسجد محلًّا لهذه الأمور، فأنت اكتب إعلانًا عند الباب، وإلا أنت قل عند الباب: من ضاعت له الشيء الفلاني.
بعض الناس الآن صاروا يتخذون طريقًا طيبًا يُعلقونها، يكون فيه مثلًا مكان تُعلَّق فيه الأشياء الضائعة، لكن أكثر ما أشوف في المساجد المفاتيح؛ اللي ما تنفع صاحبها، وما رأيت قط شيئًا معلقًا فيه دراهم.
طالب: شيخ -أحسن الله إليك- لو التقط ماشية مثلًا شاة أو بقرة صغيرة، لكنها موسومة عليها وسم.
الشيخ: إي نعم، ما تقولون في هذا؟ إذا التقط شاةً موسومة بوسم معروف صاحبه، هذه المسألة الذي يعلم صاحبها، ولكن المشكلة الآن أن الوسم قد يكون للقبيلة كلها، والقبيلة متفرقة فيُجعل الْحُكم كغيره، تُلحق بغيرها بأن ينشد عنها.
طالب: أحسن الله إليك، من عرَّف اللقطة حولًا تامًّا، وبقت اللقطة في ملكه قهرًا لو جاء بعد ذلك صاحب اللقطة، هل عليه أن يعود إلى صاحب اللقطة؟
الشيخ: إي، يعني ترجع إلى صاحبها.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: هذا ملك مشروط؛ لأن الحديث: «إِنْ جَاءَ رَبُّهَا» عام، «وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا» (1).
لكن الفرق، شوف لاحظ الفرق، أنه قبل الحول لا يمكن أن يتصرف فيها إلا عند الضرورة كما ذكرنا لكم فيما إذا وجد حيوانًا، وكان الإنفاق عليه كثيرًا فلا يتصرف، لكن بعد الحوْل له أن يتصرف فيها ببيع وشراء وهِبة وغير ذلك، هذا هو الفرْق، واضح الفرق ولَّا غير واضح؟ واضح.
(2/2305)
________________________________________
طالب: أحسن الله إليكم، لو وجد أغراضًا مجتمعة وهي في آحادها لا تتبع همة أوساط الناس، وباجتماعها تتبعها عامتهم، فهل يأخذها جميعًا؟
الشيخ: لا، هذه جملة واحدة.
الطالب: المعنى هنا ما يدري هي لواحد أو لمتعدد.
الشيخ: ما دام في وعاء واحد.
الطالب: ليست كذلك هي في مكان متقارب جدًّا، يعني على طاولة أو شيء، لكنها مجتمعة تتبعها همة أوساط الناس.
الشيخ: فإذا غلب على ظنه أنها لواحد يُعرِّفها، أما إذا غلب على ظنه أنها ليست لواحد حكمها المجتمعة كالمنفردة.
طالب: ( ... ) إذا كان فيه لقطة منفعة، هل يستنفع بها، ثم يعود على .. ؟
الشيخ: إي نعم، أما بعد تمام الحوْل فله أن ينتفع بها؛ لأنها ملكه، وأما قبل فإن احتاجت إلى نفقة كالحيوان يحتاج إلى علف، وسقي فله أن ينتفع بقدرها وإلا فلا، يعني لو كان إناء ليس له حق أن ينتفع بها.
طالب: ( ... ) لو وجد ضالة، ثم أخَّر إنشادها حتى يئس صاحبها من وجودها، فهل نقول: إنه يقضي بعد هذه السنة أم نقول إنها تحرم عليه؟
الشيخ: لا، نقول: هو آثم في هذا، يعني لو أخَّر التعريف؛ لأن التعريف يجب أن يكون فورًا، فلو أخَّره فهو آثم، ويضمنها ضمان غصب.
طالب: ( ... ) الشخص غني، وما انتبه أن المبلغ هذا سقط منه، فمن أخذها قبل السنة ( ... ) لو مضت سنة ( ... ).
الشيخ: ما يجوز؛ لأن رقم التليفون قد تكون انتقلت عن صاحب الرقم هذا إلى آخر، ما يكفي هذا، لا بد أن يعلن عنها، وهذه مهمة برأسها، وأخطأ في كونه لم يردها إلى أصحاب المفقودات؛ لأن ها دول مكلفون من قِبَل الدولة، وما وصلهم موصول؛ يعني أنت إذا أعطيتهم برئت ذمتك.
طالب: أحسن الله إليك، رجل سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك سرًّا أم جهرًا، وإذا قال: لا ردها الله عليك، يترتب على هذا مفسدة.
(2/2306)
________________________________________
الشيخ: هذا تعزير له، يعني كون الرسول أمر بالدعاء عليه من باب التعزير، كما أمر بعدم تشميت العاطس إذا لم يحمد، فإذا رأى أنه لو أقام هذا التعزير عُزِّر هو، فلا يقول، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
طالب: أحسن الله إليك، لو أخَّرها؛ اللقطة لم يُعرِّفها، ثم بعد الحول أراد أن يُعرِّفها ولم يجد صاحبها.
الشيخ: لا، هذا ظالم معتدٍ.
الطالب: ماذا يصنع بها؟
الشيخ: يصنع بها على أن يبيعها، ويتصدق بثمنها مع الإثم.
طالب: أشكل عليَّ الجمع بين حديثين.
الشيخ: أيش؟
الطالب: أشكل عليَّ الجمع بين حديثين ( ... ) الجهني ( ... ) لما أراد أن يعرفها ثلاث سنوات.
الشيخ: أيش.
الطالب: ( ... ) فقال: عرِّفها ( ... ).
الشيخ: يعني هذه قضية عين؛ لأنه إذا ورد هذا الشيء في شخص معين مثل إجابة عن سؤال، فهذه قضية عين نأخذ بالألفاظ العامة: «عَرِّفْهَا سَنَةً».
طالب: متى يا شيخ تلزم اللقطة؟ هل بأخذها أو مغادرة المكان؟
الشيخ: أيش لون؟
الطالب: لو أخذ اللقطة.
الشيخ: متى تلزم؟
الطالب: ما هي أحكام اللقطة بالتعريف وغيره، لو أخذ اللقطة فغادر بها، ثم ردها؟
الشيخ: إي نعم، إذا أخذها بنية الالتقاط لزمه، فلو ردها صار ضامنًا، وإذا أخذها بنية دفعها إلى جهة مسئولة فليس بملتقطها.
الطالب: يردها.
الشيخ: أو مثلًا أخذها يريد أن يزيلها عن الطريق مثلًا، هذا ليس بملتقط.
الطالب: هل يردها يا شيخ؟
الشيخ: نعم.
الطالب: يردها إلى مكانها يا شيخ؟
الشيخ: متى؟
الطالب: متى أخذها يريد أن يردها إلى الجهة المسئولة، فلم يجدهم، فهل يردها إلى مكانها؟
الشيخ: لا، ينتظر إذا ردها إلى مكانها يكون ظالمًا.

***
طالب: قال المصنف رحمه الله تعالى في باب اللقطة: فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه، والسفيه والصبي يعرف لقطتهما وليهما، ومن ترك حيوانًا بفلاة لانقطاعه أو عجز ربه عنه ملكه آخذه، ومن أُخِذ نعله ونحوه ووجد موضعه غيره فلقطة.
(2/2307)
________________________________________
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. رجل وجد لُقَطة فأخذها وهو غير آمن نفسه عليها.
طالب: يكون كالغاصب.
الشيخ: يكون كالغاصِب، يكون ضامنًا.
رجل آخر وجد لُقطة فأخذها، يظنها لا تتبعها همة أوساط الناس، فإذا هي ذهب، وظن أنها صفر، فإذا هي ذهب، هل يردها بمكانها أو لا؟
طالب: لا يردها لمكانها ( ... ).
الشيخ: يعني لا يردها إلى مكانها وإلا ..
الطالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، اتفضل.
طالب: أخذها يا شيخ ..
الشيخ: هو أخذها على أنه صفر، ما تسوى ولا ريال، وإذ بها ذهب هل له أن يردها إلى مكانها أو لا؟
طالب: لا يردها.
الشيخ: لا يردها.
الطالب: لأنه؛ ربما في هذه المدة التي أخذها جاء صاحبها ولم يرها.
الشيخ: لا، هو في الحال واقف، أخذها من الأرض ونظر إليها وذهب ردها؟
الطالب: لا يردها.
الشيخ: لا يردها.
طالب: إن كان في مكان يأمن عليها من أن يأتي من بعده، يأمن أن يسرقها أو يأخذها من بعده، ولا يُعرِّفها فإنه في هذه الحال له أن يردها، أما إن كان يخاف عليها أن يأتي أحد فيأخذها لنفسه فلا يُعرِّفها.
الشيخ: هذا حتى وإن لم يأخذها إذا كان في مكان مهلكة فإنه يأخذها.
الطالب: ففي هذه الحالة.
الشيخ: هل أخذه إياها يُعتبر إلزامًا لنفسه بها أو لا؟ هذا هو السؤال.
طالب: ( ... ).
الشيخ: هو أخذها على أنها ما تساوي شيئًا على أنه يملكها بالأخذ، لو علم أنها ذهب ما أخذها.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ ( ... ) هو يأخذها ويعرفها إذا آمن نفسه.
الشيخ: هو آمن نفسه.
الطالب: يأخذها ويُعرِّفها، وإن كان هو ما آمن نفسه.
الشيخ: هو -بارك الله فيك- أخذها، شوفوا المسألة يا جماعة، وجد شيئًا أصفر فظنه من الأشياء الزهيدة هذه، فأخذه، فلما رآه وإذا هو ذهب، قال: هذا بيتعبني بالإنشاد عنه؟ هل له أن يرده أو يلزمه أخذه، أو يلزمه أن يأخذه ويدفعه إلى الحاكم؟
(2/2308)
________________________________________
طالب: يأخذها ويُعرِّفها.
الشيخ: لا، على كل حال، ما يأخذها، له أن يردها؛ لأنه إنما أخذها على وجه أنها لا تساوي شيئًا، وأنه يملكها، فإذا ردها في الحال فليس عليه شيء.
هل يحوز أن يتصرف في اللُّقطة بغير مصلحتها قبل الحول وبعده أو لا؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: إي نعم، قبل الحول وبعده؟
الطالب: قبل الحوْل وبعده.
الشيخ: وبغير مصلحتها؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، ويش تقولون؟
طالب: صحيح.
الشيخ: صحيح، إي نعم، ومع ذلك بعد الحول لا يتصرف فيها حتى، كمِّل.
طالب: حتى يُعرِّفها.
الشيخ: هو عرَّف، انتهى الحول.
طالب: يُشهِد عليها.
الشيخ: نعم.
الطالب: يُعرِّف أوصافها ويُشهد.
الشيخ: لا يتصرف فيها حتى يعرف أوصافها ويضبطها، أحسنت.
بقينا فيما سبق، وأنه يملكه بعده حكمًا، هذا ما قررناه وهو المذهب، لكن وجدت قولًا آخر أنها لا تدخل في ملكه إلا إذا شاء، وعلى هذا القول تبقى في يده أمانة إذا تلفت من غير تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه، هذه واحدة.
الثانية: ذكرنا لكم أن هناك قولًا آخر أنها إذا تلفت بعد الحول فهي غير مضمونة إذا لم يتعدَّ أو يفرط، كما لو كان ذلك قبل الحول والمذهب يضمن على كل حال.
فيه قول آخر؛ أنه لا يضمن على كل حال عكس المذهب، يقول: لأنه ما دام دخلت ملكه فهي ملكه، لو ذبح الشاة مثلًا أو أنفق المال فليس عليه شيء؛ لأنه ملكه، وإذا جاء صاحبها قال له: أنا أنشدتها لمدة سنة، وتمت السنة فملكتها.
ثم قال المؤلف: (فمتى جاء طالِبُها فوصفها لزم دفعها إليه) (متى) اسم شرْط جازم؛ والمعنى في أي وقت أتى صاحبها فإنه إذا وصفها تُدفع إليه.
وقوله: (طالبها) أي من طلب هذه اللُّقطة.
(فوصفها) أي: ذكر صفاتها، وكان ما ذكره طبق الواقع لزم دفعها إليه، يلزم مَنْ؟ يلزم الواجد.
(دفعها إليه) أي: إلى الواصف؛ لأن هذه يد لا يدَّعيها أحد حتى الذي هي في يده لا يدعيها.
(2/2309)
________________________________________
وقول المؤلف: (لزم دفعها إليه) ظاهر كلامه أنه يلزم الدفْع إليه فورًا وهو كذلك، إلا إذا قال: أبقِها عندك وسأرجع؛ فتبقى عنده أمانة، وظاهر كلامه أنه يلزم الدفْع إليه بدون بينة ولا استحلاف؛ يعني بمعنى أن الواجد لا يقول للمدَّعي أنها له، هاتِ بينة، وذلك لأنه لا منازع له؛ أي لا منازع للواصف لها، وكذلك أيضًا لا يلزمه اليمين؛ لأنه لا منازِع له.
إذن نقول: لزم دفعها إليه ببينة أو لا؟
طلبة: بغير بينة.
الشيخ: بيمين أو بغير يمين؟
طلبة: بغير يمين.
الشيخ: لماذا؟
طلبة: لأنه لا منازع له.
الشيخ: لأنه لا منازع له، وهل له أن يمتنع حتى يُشهد أو لا؟
الجواب: ليس له ذلك؛ لأنه سيُقبل قوله في دفعها إلى ربها؛ لأنه مُتبرِّع؛ والمتبرع يُقبَل قوله في رد العين إلى مالكها، وهذا هو المشهور.
وقد يُقال: له أن يمتنع حتى يُحضِر بينة لتسليمها؛ لأنه ربما يأتي واصفها يومًا من الدهر ويقول: إنه قد ثبت أنك وجدت هذه اللقطة التي هذه صفتها وأعطينيها.
هو على كل حال لو قال: أعطينيها سيُقبل قوله في الدفع، لكن هو يقول: أنا أريد أن أُشهِد لأسلم من الإحضار إلى الحاكم أو توجه اليمين إليَّ، فإذا كان يُلاحظ ذلك فله الحق أن يقول: لا أدفع حتى يحضر شهود يشهدون أني دفعت إليك هذه اللُّقطة لئلا يعود فيدَّعي عليه أنه لم يقبضها منه.
(لزم دفعها إليه)، قال: (والسفيه).
قوله: (فمتى جاء طالبها) عمومه يشمل إذا جاء قبل الحول أو بعد الحول.
قال: (والسفيه والصبي يُعرِّف لُقطتهما وليهما)، (السفيه) هو الذي لا يُحسن التصرُّف في ماله، ولو كان بالغًا ما بلغ من السنين ما دام لا يُحسن التصرف في ماله فإنه يجب إقامة ولي له؛ أي لماله. وسبق هذا في باب الحجر.
(2/2310)
________________________________________
(الصبي) من دون البلوغ، ولم يذكر المؤلف المجنون، لكنه لا شك أنه من باب أولى، لو أن شخصًا مجنونًا أتى إلى أهله يومًا من الدهر وبيده ذهب، فسألوه، فجعل يشير إلى السوق، فهذه تُعرَّف على أنه ربما يقال: إن المجنون يختلف عن الصبي، الصبي يُعرف إذا قيل: من أين؟ قال: وجدتها في المكان الفلاني، والمجنون؟
طالب: لا يعرف.
الشيخ: لا يعرف، فقد يكون سرقها من بيت، أو استلبها من لابسته؛ استلب الحلي من لابسته، وعليه فلا يكون لُقَطة، لكنه بالحقيقة في حكم اللُّقطة.
(يُعرِّف لقطتهما وليهما) وجوبًا؟ نعم، وجوبًا فيُنشد من ضاع له المال الفلاني؟ فإذا جاء طالبه ووصفه لزم دفعها إليه.
وظاهر كلام المؤلف: أنه لو عرَّفها الصبي لم يُجزئ، لو عرَّفها السفيه لم يجزئ؛ وذلك لأن الناس لا يثقون بقول الصبي، فقد يُحجم صاحبها عن ادعائها؛ لأنه يظن أن الصبي يلعب؛ فلذلك نقول: يجب أن يُعرِّفها الولي، وتعريف السفيه أو الصبي لا يكفي؛ أما الصبي فواضح، وأما السفيه ففي النفس منه شيء؛ لأن السفيه ليس كالصبي؛ كل الناس إذا رأوا هذا الرجل البالغ الملتحي يُعرِّف لُقطة فإنه يبعد أن يظن أنه يتلاعب.
(ومن ترك حيوانًا بفلاة لانقطاعه أو عجز ربه عنه ملكه آخذه) ألحقه المؤلف بباب اللقطة؛ لأنه شبيه بها، إنسان معه حيوان بعير، بقرة، شاة، انقطع، صار لا يمشي، فتركه ربه رغبة عنه فهو لآخذه؛ لمن وجده، وأصل هذا حديث جابر أنه كان على جَمَل له فأعيا، فأراد أن يُسيِّبَه (4).
ولكن لو ادعى مالكه أنه لم يتركه رغبة عنه، لكن تركه ليرجع إليه بأن يُعالجه حتى يقوى ويسير بنفسه، فالأصل حُرمة المال.
(2/2311)
________________________________________
وعلى هذا فمن وجده، وأخذه على أنه ملكه؛ يضمن إذا ادعى صاحبه أنه تركه ليرجع إليه، لكن إذا علمنا بالقرائن القوية أنه تركه رغبة عنه، وأنه لا حاجة له فيه كما لو كان الحيوان هزيلًا جدًّا، لا يصلح للذبح ولا للركوب إن كان من المركوبات، ولا يصلح لشيء أبدًا، فهنا نقول: يأخذه مالكه.
وقوله: (أو عجز ربه عنه) يعني أن الحيوان لم ينقطع نشيط، لكن عجز كبعير تمرَّد على صاحبه، وأبى أن يذهب فإنه يملكه آخِذه؛ لأن صاحبه تركه عجز وخلَّاه.
القول الثاني: في هذه المسألة أن واجده لا يملكه، فليبقَ على ملك صاحبه، ولكن للآخذ أُجرة الْمِثل، وهذا مبني على ما سبق أن من أنقذ مال شخص من هلكة فله أُجرة الْمِثل.
القول الثالث: أنه يُفرَّق بين من تركه عجزًا، ومن تركه لانقطاعه، فمن تركه لانقطاعه ملكه آخِذه، ومن تركه عجزًا لم يملكه آخذه ( ... ).
طالب: يا شيخ -أحسن الله إليك- إذا قيل: اللقطة، التقطها المجنون لا تُملك بعد الحول لاحتمال كونها مسروقة أو كونها ..
الشيخ: إي نعم، إذا قيل: إن لُقطة المجنون لا تُعرَّف؛ لأنه ربما يكون قد سرقها.
الطالب: أو تعرَّف، لكن ( ... ) بعد الحول لاحتمال كونها ( ... ).
الشيخ: وهذا، الظاهر أن المؤلف أسقط المجنون لهذا السبب.
طالب: ( ... ) عجز عنه هو لو أعطاني قيمة ثمينة ما أعطاه إياه، أيش لون هذا يا شيخ؟
الشيخ: كيف يعني؟
الطالب: يعني بعض الناس ( ... ) أن قولين: قول: ( ... ).
الشيخ: لمن أخذها.
الطالب: والقول الصحيح أن يردها عليه.
الشيخ: نعم.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: هذا مما يؤيد أنه إذا تركه لعجزه عنه فهو باقٍ على ملكه.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ما فيها شك، الزمن والنياق.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: والناقة التي تبغي تريدها ما.
الطالب: الناقة ما تهوش.
الشيخ: ما تهوش.
الطالب: ما تهوش من ولدها، بس من ولدها الصغير تهوش، وغيره ما تهوش.
طالب آخر: ( ... ).
الشيخ: أيش؟
الطالب: ( ... ).
(2/2312)
________________________________________
الشيخ: هذا يحتاج إلى دليل، كل من ذكر شيئًا محددًا يحتاج إلى دليل، إحنا نقول: يُعرَّف حسب العادة وحسب العرف.
طالب: الإعلان في الجرائد عن اللُّقطة، هل ( ... )؟
الشيخ: لا، الإعلانات في الجرائد أعم من وجه وأخص من وجه؛ من جهة أن الجرائد تنتشر في البلاد تكون أعم؛ أعم من أنك تتحرك في البلد بنفسك، ومن جهة هو ليس كل واحد يقرؤها يكون التعريف أعم؛ لأن ..
طالب: أخص.
الشيخ: أعم -بارك الله فيكم- لأن التعريف كل أهل البلد يسمعونه، لكن الجريدة يمكن نصفهم ما يقرؤها، فكل واحد أعم من وجه، والظاهر أنه لا تكفي، لكنها نعم من طرق أو من وسائل الإنشاد، لكنها لا تكفي، لا بد أن يسمع الناس. نعم، قل يا أخي.
طالب: ( ... ) حديث زيد بن خالد الجهني، لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في ( ... ) الشاة، وإنما ذكره في الأول .. سبعون ألف سنة، شاة.
الشيخ: إي نعم؛ لأن الغالب أن الشاة ما تبقى، ولهذا قال: «لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» (1).
تخيل أن إنسانًا قاعدًا يكد على شاة لمدة سنة، قد تُتعبه يبيعها مثلًا أو تكون نفقتها كبيرة.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى في باب اللقطة: ومن أُخذ نعله أو نحوه ووجد موضعه غيره فلقطة.
باب اللقيط: وهو طفل لا يُعرف نسبه، ولا رقه نُبذ أو ضل، وأخذه فرض كفاية، وهو حر، وما وجد معه أو تحته ظاهرًا أو مدفونًا طريًّا، أو متصلًا به كحيوان وغيره، أو قريبًا منه فله، ويُنفق عليه منه وإلا فمن بيت المال.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إذا وجد السفيه أو الصبي لُقطة، فمن الذي يُعرِّفها؟
طالب: وليهما.
الشيخ: وليهما، وجوبًا.
الطالب: وجوبًا.
الشيخ: وجوبًا، هل يلزمه أخذها منهما؟
طالب: يلزمه.
(2/2313)
________________________________________
الشيخ: يلزمه؟ لماذا؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: أيش؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لأنه لا يأمن أن تتلف أو تضيع بأيديهم. إذا تركها بأيديهم، هل يضمن أو لا يضمن؟
طالب: يضمن.
الشيخ: يضمن، لماذا؟
الطالب: لأنه يجب عليه ( ... ).
الشيخ: لأنه مُفرِّط بترْك ما يجب عليه من أخذِها منهما. طيب رجل ترك حيوانًا بفلاة، فما الحكم؟ فصل.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: نعم.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: إذا تركه رغبةً عنه فهو لواجِده، وإن تركه عجزًا.
الطالب: لواجده.
الشيخ: لواجده أيضًا. توافقونه على هذا؟ نعم.
طالب: ( ... ).
الشيخ: كيف يعني؟ يعني أنه ليس لواجده، بل هو لربه وعليه أجرة الْمِثل، فيه ثالث تقول؟ ما هو؟
الطالب: إذا كان تركه ( ... )، وإذا كان ما قدر عليه ..
الشيخ: عجزًا.
الطالب: عجزًا.
الشيخ: فهو لمالكه، وعليه أجرة الْمِثْل، هذا القول الأخير هو الصحيح؛ لأنه فرَّق بين الذي انقطع، وصار لا يصلح للاستعمال وبين شيء عجز عنه ربه.
فالثاني نقول: هو لربه ولواجده أجرة المثل؛ لأنه أنقذه من هلكة؛ إذ إن الفلاة لا يُؤمَن عليه فيها.
ثم قال المؤلف: (ومن أُخذ نعله أو نحوه ووجد موضعه غيره فلقطة).
قوله: (من أُخذ نعله) معروف النعل؛ أو غيره: كعصاه، مشلحه، كتابه، وما أشبه ذلك، ولهذا قال: (ونحوه) ولم يحدد المؤلف.
لكنه (وجد موضعَه) أي: في موضِعه، فموضع هنا منصوبة على أنها ظرف مكان.
(وغيره) مفعول (وجد).
(فلقطة) أي: فهو لقطة، ما هو اللقطة؟ الموجود في مكانه يكون لُقطة.
مثال ذلك: هذه الرفوف التي للنعال وضع نعله في رف، ولما خرج من المسجد وجد في مكان نعله نعلًا غيرها، ونعله مأخوذة فنقول له: هذا الذي وجدته لُقطة، وأما نعالك فابحث عنها، وذلك لاحتمال أن يكون سارقٌ سرقها، ثم جاء آخر، ووجد هذا المكان ليس فيه نعل، فوضع نعله فيه، هذا احتمال وارد ولَّا غير وارد؟
طلبة: وارد.
(2/2314)
________________________________________
الشيخ: وارد، ومن باب أولى إذا وضعت النعال عند باب المسجد، ثم خرج ولبس نعليه، لكن وجد فيه نعالًا أخرى فإنا نقول: نعلك ضائع، وما وجدتَ موضعه فإنه لقطة.
لو قال قائل: ليس في المسجد إلا أنا وآخر دخلنا جميعًا، أو دخل قبلي، أو دخلت قبله، لكن ما فيه أحد إلا نعلي ونعله، ثم إن الرجل خرج وأخذ نعلي، ولما خرجت لم أجد إلا هذا النعل، فهنا قد يجزم الإنسان مئة بالمئة أن الرجل الذي كان في المسجد غلط، وأخذ نعليه؛ نعلي الرجل الآخر أو تعمَّد، فكيف نقول: إنها لقطة؟
لأن الحكم بأنها لُقطة يستلزم أحد أمرين: إما أن يدعها الإنسان ويذهب إلى أهله حافيًا، وإما أن يأخذها ويُعرِّفها، وفيها صعوبة، ولكن هذا كلام الفقهاء رحمهم الله، يقولون: لأنه إذا كان فيه احتمال من مئة احتمال، فإن الأصل حُرمة مال الغير، ولا يمكن أن يأخذها ويتصرف فيها.
لكن إذا غلب على الظن أن المسألة فيها خطأ كالمثال الذي مثَّلته أخيرًا، رجلانِ في المسجد نعالهما تتشابهان، خرج أحدهما، وأخذ نعل صاحبه وأبقى نعله، هنا تكاد تقول: إنه مئة بالمئة، هذا النعل الباقي هو نعل صاحبي، وأن صاحبي أخذ نعلي.
ففي هذه الحال نرى أن يبحث عن الرجل؛ لأن مالك هذا النعل معلوم، فإن لم يجده فلينظر الفرْق بين قيمة نعله وهذا النعل الذي وجده، فإن كان نعلُه أحسن من هذا النعل أخذه واكتفى، وإن كان النعل الموجود أحسن من نعله فإنه يجب أن يتصدَّق بالزائد في ثمن هذا الموجود لصاحبه؛ لأن صاحبه الآن غير موجود، هذا إن أيس من صاحبه، أما إذا لم ييئس فهنا نقول: انتظر، ربما يرجع، لأن أحيانًا يغلط الإنسان، فإذا وصل إلى بيته مثلًا عرف أنه غلطان، فرجع يطلب نعليه، فنقول: انتظر، فإذا أيست من صاحبها فخذها، على أن الغالب -بالنسبة للنسيان- أنه لا يقع؛ لأن الرِّجل التي اعتادت على نعل مُعيَّن تعرف نعلها، الإنسان من يوم يلبس النعل يعرف أن هذا نعله أو نعل غيره.
(2/2315)
________________________________________
لكن عندنا الآن حصر المسألة: المذهب: أنه إذا أُخذ نعله أو نحوه ووجد موضعه غيره فهو لُقطة مطلقًا.
القول الثاني: أنه يُنظر للقرائن، فإذا وُجدت قرائن تدل على أن صاحب النعل أخذ نعلك، وأبقى لك هذا النعل فإنه لا يكون لُقَطة؛ وإنما يكون لواجِده، ولكن في هذه الحال ينبغي أن يتأنَّى بعض الشيء لعل صاحبه يرجع، فإذا أيس منه أخذه، فإن كان أدنى من نعله اكتفى به، وإن كان أعلى وجب عليه أن يتصدق بالفرْق بين قيمتي النعلين.

[باب اللقيط]
ثم قال المؤلف رحمه الله: (باب اللقيط)، أعقبه بباب اللُّقطة والمناسبة واضحة؛ لأن اللُّقطة ضياع الأموال، وهذا ضياع الأبدان والآدميين؛ فلذلك ناسب أن يجعلوا باب اللقيط عند باب اللقطة، وإلا فله مناسبات أخرى كمناسبة باب ما يلحق من النسب، وما لا يلحق، وكذلك في الميراث تحقق أنه وارث أو غير وارث، لكنه أشبه ما يكون بأيش؟
طالب: باللقطة.
الشيخ: باللقطة؛ فلذلك جعلوه تابعًا له.
(اللقيط) في اللغة العربية (فعيل) بمعنى (مفعول)؛ لأن فعيلًا في اللغة العربية تأتي بمعنى (مفعول) في مواطن كثيرة، يُقال: قتيل بمعنى (مقتول)، وجريح بمعنى (مجروح)، وإلا فالأصل أن فعيلًا بمعنى (فاعل)، لكنها قد تأتي بمعنى (مفعول) حسب السياق والقرائن.
قال: (وهو طفل) هذا التعريف الاصطلاحي، (طفل)، والطفل من دون التمييز.
(لا يُعرف نسبه) أي لا يُدرى لمن هو. (ولا رِقه) فلا يُدرَى أهو حُرٌّ ينتسب إلى فلان بن فلان أو رقيق يملكه فلان أو فلان ما يدري.
يقول: (نُبِذَ أو ضل) أما قوله: (نُبِذ) فنعم يعني نعرف أنه نُبِذ، لكن كيف نعرف أنه نُبِذ؟
بالقرائن، نعرف أنه منبوذ؛ يعني أن صاحبه -أي: صاحب هذا الطفل- قد نبذه وطرحه لا يريده، وهذا من المعلوم أنه لا يُتصوَّر غالبًا إلا فيمن لا يستطيع المشي كطفل في المهد وجدناه مثلًا في المسجد، وجدناه في الحمَّامات، وجدناه على الأرصفة، وغلب على ظننا أنه أيش؟
(2/2316)
________________________________________