المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشرح الصوتي لزاد المستقنع - جزء التاسع والعشرون


gogo
10-22-2019, 12:19 PM
http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة



الكتاب: الشرح الصوتي لزاد المستقنع
المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ)
عدد الأجزاء: 2
هذا الكتاب: تفريغ مكتوب لشرحين صوتيين للعلامة ابن عثيمين - رحمه الله - على زاد المستقنع
1 - الشرح الأول/ الكتاب كاملا [299 ملفاً]
2 - الشرح الثاني/ ثلث الكتاب [132 ملفاً] أبواب/ صفة الصلاة، والمناسك، والبيع، والوقف والوصايا، والنكاح، والطلاق، والإيلاء والظهار واللعان والعِدَد والرضاع، والنفقات، والجنايات والديات، والحدود، والأطعمة، وجزء من الأيمان والقضاء، وجزء من الشهادات
مميزات ليست في (الشرح الممتع) المطبوع:
1 - إضافة مسائل كثيرة تعرّض لها الشيخ في الشرح , خلا منها الشرح المطبوع.
2 - إيراد مناقشة الشيخ رحمه الله للطلاب في الدورس , والتي تكون عادة قبل بداية الدرس , إضافة لأسئلة الطلاب للشيخ أثناء الشرح , وأسئلتهم بعد كل درسٍ , وإجابته عليها رحمه الله
3 - إضافة شرح ثانٍ جديدٍ. (لثلث زاد المستقنع).
4 - أنّ الرجوع للتفريغ فيه حل لبعض المواضع المُشْكِلة في الشرح المطبوع.
5 - أنّ الشيخ ربما زاد في شرحه للكتاب ما ليس منه إما لإتمام الفائدة، أو لحاجة الطلاب، أو لأسباب أخرى، ومن ذلك:
• زياداته في الشرح من كتب أخرى كزياداته في بعض الأبواب من كتاب (الروض المربع) وغيره، بل إنه أحيانًا: يزيد فصولًا بالكامل، ومثال ذلك شرحه لفصل في الأمان والهدنة، في كتاب الجهاد.
• شرحه لمؤلفات خاصة به كشرحه لرسالته في زكاة الحلي، وذلك في كتاب الزكاة.
• شرحه خلال الشرح الثاني "لمذكرة الجامعة" وذلك للأبواب التالية: (النفقات، والجنايات، والديات، والحدود، والأطعمة، والأيمان والقضاء، وجزءًا من الشهادات).
• شرحه لفصول لا تعلق لها بالكتاب لحاجة الطلبة، كشرحه لفصل في فضل العلم وآداب طالبه في كتاب الفرائض.
أعده للشاملة: ملتقى أهل الحديث
[مصدر النص تطبيق مجاني للأجهزة الذكية برعاية مؤسسة وقف فهد بن عبد العزيز السعيد وإخوانه , وكرسي الشيخ ابن عثيمين للدراسات الشرعية، وقد التزموا فيه بالتفريغ الحرفي لكامل الشرح]
قال: (ولا سمك في ماء) يعني: ولا بيع سمك في ماء، ولو كان مرئيًّا فإنه لا يجوز بيعه، وظاهر كلام المؤلف ولو كان مرئيًّا بمكان يمكن أخذه منه؛ لأنه أطلق، قال: (سمك في ماء)، ولكن الصحيح الذي مشى عليه الشارح، أنه إذا كان بمرئي يسهل أخذه فإنه يجوز بيعه، كالسمك الذي يكون في البِرك الآن، في بِرك بعض البساتين يكون فيها سمك لكنها في مكان محوز، وهي مرئية، يسهل أخذها، فهذه يصح بيعها، لكن سمك في بحر أو في نهر لا يصح بيعه، أو في مكان ليس بحرًا ولا نهرًا لكن يصعب أخذه فإنه لا يصح بيعه؛ وذلك لأن هذا السمك ربما ينغرز في الطين ولا يقدر عليه.
(ولا مغصوب من غير غاصبه أو قادر على أخذه)، لا يصح بيع مغصوب من الغاصب أو من المالك؟
طلبة: من الغاصب.
طلبة آخرون: من المالك.
الشيخ: من المالك، يعني: لو أن مالك المغصوب باعه على طرف ثالث فإنه لا يصح؛ لأنه المؤلف استثنى قال: (من غير غاصبه أو قادر على أخذه) فإن كان من غاصبه بأن قال المالك للغاصب: اشتر مني ما غصبتني، فاشتراه فهذا صحيح؛ لأن العلة وهي القدرة على التسليم، أعني علة الصحة موجودة؛ إذ إن هذا المغصوب عنده، فيصح البيع، لكن بشرط ألا يمنعه إياه بدون البيع، فإن منعه إياه إلا بالبيع فالبيع غير صحيح؛ لأنه بغير رضا، ومن شرط البيع الرضا؛ يعني: بأن قال الغاصب: أنا لا أرده عليك، وأريد أن تبيعه عليَّ، فالمالك باعه عليه اضطرارًا؛ لأنه يقول كما قال العامة: العوض ولا القطيعة، يعني: آخذ العوض ولا يروح مالي وعوض مالي.
فإذا قال الغاصب: أنا لا أعطيك إياه ولكن أريدك أن تبيعه عليَّ، أعطيك الثمن، وباعه عليه فإن البيع لا يصح.
فإن بذل الغاصب ثمنًا أكثر من قيمته أضعافًا مضاعفة، وباعه المالك عليه فهل يصحُّ أو لا؟
(2/710)
________________________________________
لا يصح، ما دام لم يرضَ حتى لو أعطي أضعافًا مضاعفة؛ لأن المالك ربما لا يرضى أن يبيعه على الغاصب ولو أعطاه أضعاف أضعاف قيمته؛ لأنه يريد أن يتشفى منه، هو يعرف -المالك- أنه لو أخذ هذه القيمة اشترى عشرة من جنس ما أخذ منه، لكن يريد أن يحول بين الغاصب وبين جشعه وطمعه، فيقول: أنا لا أبيعه أبدًا، فهذا نقول: لا يصح البيع ولو كان بأضعاف مضاعفة.
وقول المؤلف: (أو قادر على أخذه) على أخذ أيش؟
طالب: أخذه من الغاصب.
الشيخ: على أخذه من الغاصب، مثل أن يغصبه شخص، فيبيعه المالك على عمِّ هذا الشخص القادر على أخذه منه، أو على أبيه فإنه يصح؛ لأن العلة -أعني علة صحة البيع وهي القدرة على أخذه- موجودة.
فإن كان المشتري اشتراه بناء على أنه قادر على أخذه ولكنه عجز فيما بعد فله الفسخ؛ لأنه تعذَّر الحصول على مقصوده.
إذن هذا الشرط مأخوذ من القرآن والسنة والاعتبار.
من القرآن؟
طالب: قال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}.
الشيخ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}.
الطالب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}.
الشيخ: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ}.
الطالب: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}.
الشيخ: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ}.
الطالب: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
الشيخ: وجه الدلالة؟
الطالب: أن ( ... ) غير مقدور عليه فهو ( ... ) تراض.
الشيخ: أنه لو حصل الغبن على أحدهما لم يكن راضيًا به. ومن السنة؟
طالب: نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر (5).
الشيخ: نعم، وهذا غرر؛ لأنه قد يحصل وقد لا يحصل. ومن الاعتبار؟
طالب: أن المسلمين ( ... ) قلبًا واحدًا، وهذا ..
الشيخ: أنها سبب ..
الطالب: للبغضاء والعداوة.
الشيخ: للعداوة والبغضاء والتنازع والخلاف؛ لأن كل إنسان لا يريد أن يُغْبَن، مَثِّل ( ... ).
أنت تسأل ولَّا نسأل؟
طالب: اسأل ( ... ).
(2/711)
________________________________________
الشيخ: نريد أمثلة لما لا يُقْدَر على تسليمه.
الطالب: مثل عبد أبق ولا يستطيع أن يحصل عليه، أو كجمل شرد ( ... ) لا يستطيع أن يحصل عليه، أو كطير طائر في الهواء، طير يطير في الهواء ولا يألف الرجوع، أو أَلِف على المذهب.
الشيخ: المذهب: ولو أَلِف الرجوع.
الطالب: أو سمك في الماء ولا يمكن حيازته.
الشيخ: إلا بمحوز يسهل أخذه منه.
طالب: (وإن اشترى له في ذمته)؛ (في ذمته) أي: ذمة المشتري أو المشترى له؟
الشيخ: لا، ذمة المشتري؛ لأن ذاك ما وَكَّله.
طالب: شيخ -بارك الله فيك- قررنا في الدرس الماضي أنه لا يجوز بيع الماء في البئر.
الشيخ: بيع نقعه، نقع الماء في البئر.
الطالب: نقع الماء في البئر، لكن لو أنفق رجل على بئر مثلًا مئة ألف أو مئتين ألف، فخرج الماء أشكل علينا يا شيخ، هل يجوز بيعه أو لا؟
الشيخ: المذهب ما يجوز.
الطالب: التكلفة هذه التي دفعها كلها.
الشيخ: جعلته أحق به من غيره.
الطالب: لكن ما يجوز بيعه.
الشيخ: على المذهب، المسألة فيها خلاف.
طالب: بارك الله فيكم، إذا وقع العقد على عين ( ... )، فقلنا له: الترجيع ( ... ) فإذا أجاز المالك جاز، ( ... ) أليس يا شيخ أصلًا يعني غير صحيح لأنه وقع على عين المال، فرضًا حتى لو أجازه فالبيع غير صحيح لأن ما صح بالأول.
الشيخ: هو صحيح، ما صحَّ بالأول، موقوف على الإجازة، حتى لو باع ملك غيره بلا إذن ثم أجازه صح البيع.
طالب: قلنا يا شيخ: ( ... )، إذا قلت: إذا كان البائع قادرًا على ( ... )، قلنا: إنه ( ... ) ذلك أنه مقدور عليه، هذا يا شيخ ( ... )؟
الشيخ: لا، أصل الحكم لعدم القدرة، الحكم لا يصح، حكمه عدم الصحة، التعليل عدم القدرة.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- ( ... ) حظيرة ( ... ) بالنسبة لو باعه، ( ... ) رجع الحمام إلى حظيرته، فيعني يجوز بيعه ( ... ) في القول الآخر، فإذا باعه للرجل وطار منه، ذهب ( ... ).
الشيخ: طار منه بعد القبض ولَّا لا؟
الطالب: بعد القبض.
(2/712)
________________________________________
الشيخ: إي، يكون على نصيب المشتري.
الطالب: نعم، ( ... ) ليس له أن ( ... ).
الشيخ: بعد ما قبضه.
الطالب: له؟
الشيخ: بعد ما قبضه ( ... ).
الطالب: ( ... ).
الشيخ: طيب، هذا ( ... ).
قال المؤلف: (من شروط البيع أن تكون العين مباحة النفع بلا حاجة)، اشرح هذا: (وأن تكون العين مباحة النفع من غير حاجة)، ما الذي يستفاد من هذا الشرط؟
طالب: أنه لا يجوز.
الشيخ: أن يكون في العين نفع.
الطالب: نعم ( ... ).
الشيخ: منين أخذته؟
الطالب: (وأن تكون العين مباحة النفع).
الشيخ: هذه واحدة.
الطالب: وأن تكون تلك المنفعة مباحة.
الشيخ: تكون مباحة، أخذها من قوله؟
الطالب: (وأن تكون العين مباحة)، وأن تكون (من غير حاجة) ( ... ).
الشيخ: أن تكون (من غير حاجة)، خرج به؟
الطالب: ما كان لحاجة.
الشيخ: ما كان مباح النفع للحاجة؛ مثل الكلب.
ما مثال الذي لا نفع فيه؟
طالب: آلات اللهو.
الشيخ: لا، الذي لا نفع فيه؟
الطالب: الحشرات.
الشيخ: كالحشرات، أحسنت، وما فيه نفع غير مباح؟
طالب: آلات اللهو.
الشيخ: كآلات اللهو، هل يجوز أن يبيع آلة اللهو ليكسِّرَها ويحولها إلى آلة مباحة؟
الطالب: نعم، يجوز له إذا اشتراها بنية أن يحولها إلى آلات مباحة.
الشيخ: يجوز حال كونها آلة لهو؟
الطالب: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز؛ لأنه قد يحولها وقد لا يحولها، فنقول للبائع: حولها ثم بعها.
اشترى غرابًا ليصيد عليه؟
الطالب: الغراب ما يصاد به.
الشيخ: لا يصاد به، من أين تأخذ من كلام المؤلف؟
الطالب: من غير حاجة.
الشيخ: لا، ما تدخل في هذا.
الطالب: (أن تكون العين مباحة النفع)، وهذا لا يباح نفعه.
الشيخ: لا ( ... ).
طالب: ( ... ).
الشيخ: من قوله: (التي تصلح للصيد)، والغراب لا يصلح للصيد. لماذا خرج الكلب من هذا مع أنه يُصطاد عليه؟
طالب: ورد النص في الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ» (8).
الشيخ: نعم، صحيح الجواب؟
(2/713)
________________________________________
لورود النص به، والنص حاكم لا محكوم عليه.
اشترى فِيلًا، يجوز؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ويش الفايدة منه؟
الطالب: يصلح للصيد.
الشيخ: الفيل يصلح للصيد؟
الطالب: ( ... )
الشيخ: كيف؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ( ... ) يلَّا يمشي الفيل، ما عمرك شفت الفيل؟
الطالب: بلى.
الشيخ: طيب.
الطالب: إذا كان الناس يستخدمونه في المباح فيجوز.
الشيخ: مثل أيش؟
الطالب: مثل الحمل.
الشيخ: صح.
وأن يكونَ مَعلومًا برؤيةٍ أو صِفةٍ، فإن اشْتَرَى ما لم يَرَه أو رآه وجَهِلَه , أو وُصِفَ بما لا يَكْفِي سَلَمًا لم يَصِحَّ، ولا يُباعُ حَمْلٌ في بطْنٍ , ولَبَنٌ في ضَرْعٍ مُنفرِدَيْنِ , ولا مِسْكٌ في فَأْرَتِه ولا نَوًى في تَمْر , وصوفٌ على ظَهْرٍ , وفُجْلٌ ونحوُه قبلَ قَلْعِه. ولا يَصِحُّ بيعُ الْمُلامَسَةِ والْمُنابَذَةِ، ولا عبدٌ من عبيده ونحوُه، ولا استثناؤُه إلا مُعَيَّنًا، وإن اسْتَثْنَى من حيوانٍ يُؤْكَلُ رأسُه وجِلْدُه وأطرافُه صَحَّ، وعكسُه الشحْمُ والحَمْلُ، ويَصِحُّ بيعُ ما مَأكولُه في جَوْفِه
لماذا خرج الكلب من هذا مع أنه يُصْطَاد عليه؟
طالب: ورد النص في الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ» (1).
الشيخ: نعم، صحيح الجواب؟ لورود النص به، والنص حاكم لا محكوم عليه.
اشترى فِيلًا؟
طالب: نعم.
الشيخ: يجوز؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ويش الفائدة منه؟
الطالب: يصلح للصيد.
الشيخ: الفيل يصلح للصيد؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: كيف؟
الطالب: إذا كان ..
الشيخ: ما أدري والله ( ... ) يمشي الفيل!
الطالب: يكاد.
الشيخ: ما عمرك شفت الفيل؟
الطالب: بلى.
الشيخ: إي، طيب.
الطالب: إذا كان يستخدمه في مباح فيجوز.
الشيخ: مثل أيش؟
الطالب: مثل الحمل.
الشيخ: صحيح، صح؛ لأنه يستخدم لحمل الأثقال.
اشترى ثعلبًا مُصَبَّرًا؟
الطالب: ما يجوز.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: تصبير البهائم ما يجوز.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: ( ... ) نفع، يستخدم في ..
(2/714)
________________________________________
الشيخ: هو يقول: فيه نفع، أخليه عندي يشاهده الناس، بدل ما يبحث عن الثعلب ويروح ويشوف صورته في المنجد هذا غير مصور، هو من خلق الله عز وجل، فليس بصورة.
الطالب: مُصَبَّر ( ... ) هذا الصيد.
الشيخ: مُصَبَّر، تعرف المُصَبَّر؟ مُحَنَّط.
الطالب: ما يجوز.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه يجوز إذا كان للصيد.
الشيخ: هو ما هو بصايد، هو محنط الآن.
الطالب: لكن وليس مباح النفع.
الشيخ: الآن محنط، ميت، ما فيه إلا الجلد والهيكل فقط.
الطالب: ما فيه منفعة.
الشيخ: لا، فيه منفعة؛ يشاهده الناس بدل ما يروح يبحث عنه في المنجد على طول يطالعه.
الطالب: ليست مباحة المنفعة.
الشيخ: ما فيه نص؟ يعني غير التعليل؟
طالب: هو ميتة -يا شيخ- ما دام محنطًا.
الشيخ: هو ميتة، المحنط ميتة، والميتة؟
الطالب: منهي عن بيعها.
الشيخ: نهى النبي عن بيع الخمر والميتة (2)، وعلى هذا فالذي يوجد الآن في الأسواق يحرم شراؤه ويحرم بيعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الخمر والميتة.
فإن كان أرنبًا محنطًا؟
طالب: نفس الشيء.
الشيخ: تأمل.
الطالب: هو يباح أكله؟
الشيخ: إي، هو يباح أكله.
الطالب: بس هذا محنط، ما فيه فائدة.
الشيخ: لا، فيه فائدة؛ يشوفونه الناس، بدل ما أروح أدور أرنب أجيبه لولدي يعرف الأرنب قلت: شوفه يا بني.
الطالب: فيه تبذير للمال.
الشيخ: طيب.
الطالب: أقول: أيضًا ميتة.
الشيخ: طيب، إذا حُنِّط من دون تذكية؛ بأن ضرب بإبرة أماتته وبقي هكذا فهو حرام؛ لأنه ميتة، وإن ذُكِّي ذكاة شرعية ولكنه لم يسلخ جلده وبقي، فينظر: هل فيه فائدة أو لا؟ إن كان فيه فائدة جاز شراؤه وبيعه، وإلا فلا، أما إذا حُنِّط بدون ذكاة شرعية فهو حرام؛ لأنه ميتة.
رجل عنده مصحف بخط اليد على المصحف العثماني، أيجوز بيعه؟
طالب: على المذهب لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، لماذا؟
الطالب: لأنه بخس لقيمة المصحف.
الشيخ: ها؟
الطالب: أقول: تنقص قيمة المصحف.
(2/715)
________________________________________
الشيخ: لا، أبدًا، غَالٍ هذا، مخطوط باليد.
الطالب: معنوية ( ... ).
الشيخ: يعني: ابتذال له؟
الطالب: ابتذال له.
الشيخ: لأنه ابتذال له، ويُرْوَى عن ابن عمر أنه قال: وددت أن الأيدي تقطع في بيعه (3)، ففيه أثر ونظر. وهل هناك رأي آخر؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: بيعه جائز.
الشيخ: نعم.
الطالب: هذا هو الصحيح، وهذا عليه عمل المسلمين.
الشيخ: وعليه عمل المسلمين من غير نكير.
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب، ما جوابك عن التعليل والأثر؟
طالب: التعليل؟
الشيخ: إي نعم، الذين قالوا: إن بيعه فيه ابتذال له، وكأن البائع رغب عنه ولا يريده ولا ..
الطالب: هو لا .. ، يعني لا يمكن للناس الحصول عليه إلا بالبيع والشراء.
الشيخ: إي؛ يعني كأنك تقول: إنه يجوز للضرورة؟
الطالب: لا، ليس كذلك.
الشيخ: مقتضى التعليل الذي عللت أنه لا يمكن الحصول عليه إلا بالشراء.
طالب: عفا الله عنك، ( ... ).
الشيخ: نعم؟
طالب: أما إن كان بائع المصحف رغبة عنه واستغناءً فهذا لا يجوز.
الشيخ: طيب، إذا كان رغبة عنه -بارك الله فيك- حتى لو وهبه؟
الطالب: نعم، لا يجوز.
الشيخ: إي، هو باعه رغبان، لكنه يريد ثمنه.
الطالب: نعم، هذا المذهب: لا يجوز.
الشيخ: هو على كل حال الصحيح أنه جائز؛ لأن المسلمين ما زالوا يتبايعون ذلك من غير نكير، لكن الكلام على الجواب من يقول: إن هذا ابتذال له.
الطالب: لا، نقول: ليس ابتذالًا؛ لأن البائع لا يقصد من ذلك العوض؛ أن هذه القيمة مقابلة لما في المصحف، وإنما لطباعته ولأوراقه.
الشيخ: يعني: لا نسلم أن بيعه؟
الطالب: ابتذال.
الشيخ: ابتذال له، بل قد يبيعه الإنسان وهو من أغلى الأشياء عنده، ولا شك أن الإنسان إذا باع المصحف لا يعني أنه نقص قدره عنده، وأما أثر ابن عمر رضي الله عنه فلعله في وقت كانت المصاحف فيه قليلة، وكان يجب على الإنسان إذا استغنى عن المصحف أن يعيره، فإذا باعه تقطع يده؛ يعني يكون كالسارق.
(2/716)
________________________________________
رجل عنده دهن أذابه من ميتة، هل يجوز أن يبيعه؟
طالب: لا يجوز أن يبيعه.
الشيخ: لا يجوز؟
الطالب: نعم.
الشيخ: الدليل؟
الطالب: أن الله عز وجل حرم بيع الميتة، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى ..
الشيخ: لكن هذا أذاب الشحم؟
الطالب: النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ( ... )، «لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ شُحُومَ الْمَيْتَةِ جَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا» (4).
الشيخ: ما فيه شيء بيِّن ونص في الموضوع؟
الطالب: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» (5).
طالب آخر: قوله صلى الله عليه وسلم عندما سألوه عن شحوم الميتة قال: «لَا، هُوَ حَرَامٌ» (2).
الشيخ: لما قالوا: إن شحوم الميتة؟
الطالب: عن بيع شحوم الميتة.
الشيخ: أرأيت شحوم الميتة فإنه ..
الطالب: يُسْتَصْبَح بها.
الشيخ: تُطْلَى بها السفن ..
الطالب: ويُدْهَن بها الجلود -قَبْلَ الجلودِ- يستصبح بها الناس؟ قال: «لَا، هُوَ حَرَامٌ».
الشيخ: نعم، فمنع منه مع أنهم ذكروا له فائدته.
يقول المؤلف: إنه (يجوز الاستصباح بها في غير مسجد) (بها) الضمير يعود على؟
طالب: الأدهان.
الشيخ: أي الأدهان؛ النجسة أو المتنجسة؟
الطالب: الأدهان النجسة.
الشيخ: النجسة؟
الطالب: المتنجسة.
الشيخ: إي، ستعرف ما دام الجماعة رفعوا أيديهم لما قلت. أيهما؛ النجسة أو المتنجسة؟
الطالب: المتنجسة.
الشيخ: المتنجسة. طيب، ما الفرق بينها وبين النجسة؟
الطالب: المتنجسة ( ... ).
الشيخ: ها؟
الطالب: النجسة طبعًا .. المتنجسة هي ..
الشيخ: هو ما دام فرقت بينهما في الحكم لازم أن تفرق بينهما في العلة.
الطالب: القاذورات؛ بقايا .. المتنجسة.
الشيخ: ما هو بواضح.
طالب: النجسة التي أصلها نجس.
الشيخ: إي.
الطالب: الميتة ..
الشيخ: طيب.
الطالب: المتنجسة ( ... ) ما دهنت بشيء غير جائز.
طالب آخر: التي طرأ عليها النجس.
(2/717)
________________________________________
الشيخ: طرأت عليها النجاسة، الفرق أن النجسة نجسة ذاتية؛ من الأصل، والمتنجسة أصلها طاهر، فطرأت عليها النجاسة، هذا هو الفرق. إذن يجوز الاستصباح بالمتنجسة دون النجسة، فما هو القول الراجح؟
طالب: الراجح أنه يجوز الاستصباح بالنجس والمتنجس.
الشيخ: النجس؟
الطالب: إي نعم، ( ... ).
الشيخ: الاستصباح بالنجس يجوز؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: الدليل؟
الطالب: لأن حديث جابر: لما سأل الصحابة: أرأيت شحوم الميتة يا رسول الله؟ فقال ..
الشيخ: لما سئل: أرأيت شحوم الميتة؛ فإنها تُطْلَى بها السفن ..
الطالب: وتطلى بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ قال: «لَا، هُوَ حَرَامٌ». الراجح أن النفي يعود على البيع لا على الانتفاع.
الشيخ: إي.
الطالب: المذهب يحملونه على الانتفاع ( ... ).
الشيخ: توافقون على هذا يا جماعة؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب، إذا قلنا بجواز الاستصباح بها -أي بالنجسة- كالمتنجسة، فهل يجوز أن نستصبح بها في المسجد؟
طالب: على المذهب: لا.
الشيخ: ما يجوز، وعلى القول الثاني، كأنك يعني فيه قول؟
الطالب: على القول الثاني: يجوز.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنا إذا قلنا بالاستحالة فإنه يجوز.
الشيخ: إذا قلنا بأن النجس إذا استحال طهر فإنه يجوز؛ لأنه حتى الدخان هذا يكون طاهرًا، تمام، بارك الله فيك.
يقول المؤلف: من شروط البيع أن يكون من مالك أو من يقوم مقامه، فما هو الدليل على اشتراط أن يكون من مالك؟
طالب: قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
الشيخ: طيب. ما وجه الدلالة؟
الطالب: وجه الدلالة: أنه لا يرضى أحد أن يبيع ملكه لآخر.
الشيخ: أن يبيع ملكه رجل آخر.
الطالب: أن يبيع ملكه رجل آخر، حتى لا تشاع الفوضى ويحدث ..
الشيخ: طيب، صحيح، هذا من القرآن. من السنة؟
(2/718)
________________________________________
الطالب: من السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» (6).
الشيخ: أحسنت. من النظر؟
الطالب: من النظر كما قلنا: إنه لا ..
الشيخ: لو جاز للإنسان أن ..
الطالب: لو جاز للإنسان أن يبيع ملك غيره لانتشر الفساد وانتشرت الفوضى والحيل، ولحصل ..
الشيخ: والعدوان، بارك الله فيك.
(أو من يقوم مقامه) من الذي يقوم مقام المالك؟
طالب: الوصي والناظر.
الشيخ: الناظر والوصي.
الطالب: والولي.
الشيخ: والولي. والرابع؟
طالب: الوكيل.
الشيخ: الوكيل، طيب.
فرِّقْ لي بين هؤلاء الأربعة؟
طالب: الوكيل هو: من أذن له في التصرف في حال الحياة. وأما الوصي فهو: من أذن له في التصرف بعد الموت. والناظر: من جعل ناظرًا ووكيلًا على وقف.
الشيخ: طيب.
الطالب: والولي: هو من جُعِلَ ..
الشيخ: من استفاد التصرف بإذن من الشرع، طيب.
الولاية تنقسم إلى؟
طالب: إلى قسمين: ولاية عامة، وولاية خاصة.
الشيخ: الولاية العامة ما هي؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، كولاية القاضي.
الطالب: القاضي؟
الشيخ: نعم.
الطالب: الولاية الخاصة كولاية القائم على اليتيم.
الشيخ: أحسنت، كولاية القائم على اليتيم، طيب.
هل يجوز أن يبيع الإنسان ما يساوي مئة بخمسين؟
طالب: وهي ملكه؟
الشيخ: ما أدري.
الطالب: نعم، من ملكه يجوز أن يبيع بما شاء.
الشيخ: من ملكه يجوز؟
الطالب: نعم.
الشيخ: وإن كان ملك غيره؟
الطالب: ملك غيره لا يجوز أن يبيعه حتى بقيمته على المذهب.
الشيخ: إذا صار يقوم مقام المالك.
الطالب: لا يجوز؛ لأنه لا بد أن يكون التصرف لصالح المالك.
(2/719)
________________________________________
الشيخ: سمعتم يا جماعة؟ يعني إذا باع ملك نفسه فله أن يبيعه بأقل من ثمنه، إذا باع ما له ولاية عليه أو وكالة أو نَظارة أو ولاية فإنه لا يجوز أن يبيعه بأقل، وهذه القاعدة حتى في العبادات: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، وَإِنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» (7)، وهذه قاعدة مفيدة؛ وهي التفريق بين تصرف الإنسان لنفسه وتصرفه لغيره؛ ولهذا يجب على الإمام أن يؤم الناس بأقرب ما يكون إلى السنة؛ تطويلًا وتخفيفًا، أما إذا صلَّى لنفسه فله أن يخفف بأقل من السنة، وله أن يطول بأكثر من السنة.
رجل صديق لآخر، فرأى شخصًا يريد أن يشتري سيارة صديقه بأضعاف ثمنها، فباعها عليه، فهل يجوز؟
طالب: نعم، يجوز.
الشيخ: أنت فاهم السؤال؟ إنسان يريد أن يشتري سيارة صديقه بأضعاف ثمنها، فباعها عليه -أي: الصديق- بدون إذن مالكها.
الطالب: يجوز إن علم أن مالكها سيوافق.
الشيخ: يجوز إن علم أنه سيوافق؟
الطالب: إي نعم.
طالب آخر: إن كان يعلم أنه يريد بيعها جاز.
الشيخ: هذا كلام الأخ.
الطالب: هو قال: إذا كان يرضى.
الشيخ: طيب.
طالب: على المذهب: لا يجوز.
الشيخ: على المذهب: لا يجوز؛ إن باع ملك غيره فهو ما يصح مطلقًا، ولو كان يعلم أنه يحب أن يبيعها، وأن بيعها غبطة ومصلحة له فإنه لا يجوز، وقولك: (على المذهب) يعني: أن هناك قولًا؟
الطالب: آخر.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: الصحيح: أنه يجوز إذا علم أن صاحبه يرضى أن فيه له مصلحة، والدليل حديث عروة بن الجعد: أنه اشترى للنبي صلى الله عليه وسلم .. ، النبي صلى الله عليه وسلم أذن له بشراء شاة، اشترى شاتين، ثم باع أخرى بدينار، وعاد بشاة ودينار (8).
الشيخ: أحسنت، فهنا باع ملك غيره، ولَّا لا؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: طيب، باع ملك غيره، وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم تصرفه، وهذا القول هو الراجح.
(2/720)
________________________________________
ما معنى قول المؤلف: (أو اشترى له في ذمته بلا إذنه ولم يسمه في العقد)، صورة هذه المسألة؟
صورة المسألة: إن اشترى له في ذمته بلا إذنه ولم يسمه في العقد صح له بالإجازة، ويش معنى العبارة؟
طالب: إذا أجازه واشترى له ورضي.
الشيخ: إي، فيه شروط ها الحين، ما هي المسألة (اشترى له في ذمته)؟
الطالب: أي في ذمة المشتري.
الشيخ: نعم.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ولم يسمه في العقد.
الطالب: يشترط أنه ما يسميه، إن سماه لا يصح البيع.
الشيخ: صح له، لمن؟
الطالب: للمشتري نفسه.
الشيخ: صح للمشتري ولَّا للمشترى له؟
الطالب: لو ما سمَّاه صح للمشترى له.
الشيخ: للمشترى له.
الطالب: وإن سمَّاه ما يصح.
الشيخ: لا، هو ما سماه، اشترى له في ذمته ولم يسمه في العقد بلا إذنه صحَّ له بالإجازة، (له) لمن؛ للمشترى له ولَّا للمشتري؟
الطالب: للمشترى له.
الشيخ: طيب، قوله: (بلا إذنه) هل هذا شرط؟
طالب: ليس بشرط.
الشيخ: ليس بشرط، إذن ما هو؟
الطالب: بأن يكون ..
الشيخ: نعم؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: إي، هذا بيان للواقع؛ لأنه لو كان بإذنه ما فيه إشكال، صار وكيلًا.
اشتريت لشخص حاجةً أعرف أنه يريدها، فقلت للبائع: إني اشتريتها لزيدٍ، وأخذتها وذهبت بها إلى زيد ووافق؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: كيف؟
الطالب: لا يصح.
الشيخ: ليش؟
الطالب: لأنه سماه.
الشيخ: لأنه سماه في العقد، ما الفرق بين أن يسميه أو لا يسميه؟
الطالب: إذا ما سماه يجوز، إذا -مثلًا- قَبِل هذه المشترى له قَبِل هذه السلعة فهذا يجوز، فأما إذا ..
الشيخ: لماذا إذا سماه لا يصح، وإذا لم يسمه صح؟
الطالب: إذا سماه صح؛ لأن ..
الشيخ: لا، إذا سماه لم يصح.
الطالب: أقول: إذا لم يسمه صح؛ لأن حديث عروة بن الجعد، النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا سمى ..
طالب آخر: لأنه إذا سماه جعل نفسه كالوكيل وهو لم يوكله.
(2/721)
________________________________________
الشيخ: أحسنت، إذا سماه جعل نفسه كالوكيل وهو لم يوكله، أما إذا لم يسمه فإنه جعل نفسه كأنه هو الذي اشترى لنفسه.
ما معنى قول المؤلف: (ولزم المشتريَ بعدمها ملكًا)؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: (لزم المشتريَ بعدمها ملكًا).
الطالب: يعني: بعدم الإجازة ..
الشيخ: (لزم) ( ... ) الأول.
الطالب: لزم المشتري بعدم الإجازة من المشترى له أن يتملكه المشتري.
الشيخ: (لزم) الضمير يعود على أيش؟
الطالب: على المشتري.
الشيخ: (لزم المشتري) (لزم) يعني: أي المشتري، المشتري يلزم غيره؟ (لزم) الضمير يعود على أيش؟
الطالب: هذه السلعة التي ( ... ).
الشيخ: لزمت.
الطالب: لزمت المشتري تملكًا، يتملكها المشتري.
الشيخ: إي، لكن الضمير، اشرح (لزم)، على أي شيء يرجع الضمير؟
الطالب: لزم هذا البيعُ المشتريَ.
الشيخ: إي، أو العقد، طيب، (بعدمها)، (ها) يعود على إيش؟
الطالب: بعدم الإجازة.
الشيخ: طيب، (ملكًا)؟
الطالب: ملكًا للمشتري.
الشيخ: للمشتري، طيب.
هل يملكه من حين الرد ولَّا من حين العقد؟
الطالب: من حين العقد.
الشيخ: من حين العقد، طيب، أحسنت.
نناقش في الدرس الأخير وهو أن يكون مقدورًا على تسليمه؟
طالب: أن يبيع البائع ما يملك، ولا ..
الشيخ: أن يكون أيش؟
الطالب: أن يكون له؛ يعني: يملكه.
الشيخ: لا، الضمير في (أن يكون) يعود على أيش؟
الطالب: يعني: السلعة نفسها يكون مقدورًا ..
الشيخ: المبيع يعني؟
الطالب: المبيع نفسه.
الشيخ: طيب.
الطالب: يكون مقدورًا على تسليمه.
الشيخ: طيب، الدليل على اشتراط هذا الشرط؟
طالب: قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ} [المائدة: 90]، فمدلول الآية: أن الميسر من الغرر؛ فلهذا حُرِّم، فهو بمثابة الغرر؛ الميسر.
الشيخ: ما فهمنا جيدًا.
الطالب: فيه دليل ثانٍ.
الشيخ: هات دليلًا ثانيًا.
(2/722)
________________________________________
الطالب: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
الشيخ: وهؤلاء متراضون؟
الطالب: لا، فيه غرر هنا.
الشيخ: طيب، هات الدليل.
الطالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر (9).
الشيخ: أحسنت، الدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، وهذا الحديث من أعظم الأحاديث وأكثرها فائدة وقواعد؛ قواعد عظيمة في المعاملات.
هل يصح بيع الآبق؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: ومن هو الآبق؟
الطالب: هو العبد الذي أبق من سيده.
الشيخ: الذي هرب من سيده، العبد إذا هرب من سيده فهو آبق، هل يصح بيعه؟
الطالب: لا يجوز.
الشيخ: مطلقًا؟
الطالب: حتى يتمكن من تسليمه.
الشيخ: لا، هو ما تمكن إلى الآن، ما نعلم.
الطالب: لا يجوز بيعه.
الشيخ: ما فيه قول ثانٍ؟
الطالب: يجوز بيعه إذا تمكن ..
الشيخ: إذا كان يتمكن من؟
الطالب: من رده.
الشيخ: من رده، طيب إذا اشتراه المشتري على أنه يتمكن من رده، ولكن لم يتمكن، المذهب -كما قلت أولًا- لا يصح أصلًا، لكن إذا قلنا بالقول الثاني: إنه يصح أن يشتري الآبق إذا كان يغلب على ظنه القدرة على حصوله، ولكنه لم يحصل؟
طالب: يُفْسَخ العقد بين أن يأخذ ..
الشيخ: له.
الطالب: له أن يفسخ العقد ويأخذ ثمنه.
الشيخ: تمام، صح.
هل يصح بيع المغصوب؟
طالب: لا، ما يصح.
الشيخ: مطلقًا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: مطلقًا؟
طالب: ( ... ).
طالب آخر: ( ... ) للغاصب.
الشيخ: بس للغاصب فقط؟
الطالب: أو من يقدر على الأخذ منه.
الشيخ: أو قادر على أخذه منه، طيب.
الغاصب هل يصح بيع المغصوب عليه مطلقًا أو فيه تفصيل؟
طالب: يعني: من يُرْجَى فائدة من مطالبته.
الشيخ: ويش لون؟ ما فهمت.
الطالب: يعني: إما أن يبيعه، وإما لا يصح البيع.
الشيخ: إي، يعني -مثلًا- إذا قال الغاصب: أبغيك تبيعه عليَّ ولَّا أنكر.
طالب: ( ... ).
(2/723)
________________________________________
الشيخ: قال: إما أن تبيع عليَّ، وإلَّا أنكرت، وأنت ما عندك بينة أني غاصب، يصح البيع ولَّا ما يصح؟
طالب: نعم.
الشيخ: يصح؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؟
الطالب: لأنه فقد شرطًا.
الشيخ: ما هو الشرط؟
الطالب: التراضي بين ..
الشيخ: إي، التراضي، أحسنت، تمام؛ يعني لو قال الغاصب: أنا ما أعطيك، أبغيك تبيعه عليَّ، وإلَّا أنكرت وليس عندك بينة، فقال المالك: إذن ما لا يُدْرَك كله لا يُتْرك كله، أبيعه عليك، ففي هذه الحالة لا يصح البيع؛ لأنه فقد شرطًا من شروط البيع وهو الرضا.
طالب: بالنسبة للعبد الآبق هل يجوز بيعه على من أراد عتقه؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: فقط، ولا يهمه أن يرجع أو لا يرجع؟
الشيخ: نعم.
الطالب: إذا ( ... ) أنه حرٌّ.
الشيخ: المذهب: ولو أراد ذلك.
الطالب: ويش العلة يا شيخ؟
الشيخ: العلة أنه يقول: لا يصح العتق إلا إذا صح الملك، والآبق لا يصح ملكه.
الطالب: بس المالك الأول ( ... ).
الشيخ: إي، ما يصح، على المذهب ما يصح، لكن على القول الثاني يمكن أن يكون صحيحًا.
طالب: الحقيقة -يا شيخ- أسأل عن الكفارة ( ... ).
الشيخ: لا يا أخي، أنا بسألك: هل يجوز بيع السمك في الماء؟
الطالب: فيه تفصيل؛ إذا كان في غير محوز ولا يمكن ( ... ) فلا يجوز.
الشيخ: إذا كان في غير محوز فإنه لا يجوز، مثل؟
الطالب: السمك في البحر.
الشيخ: السمك في البحر، وإن كان بمحوز يمكن أخذه؛ جاز، مثل؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، مثل السمك في بركة يسهل أخذه، طيب، لكن السمك إذا خرج سيموت، فيكون ميتة؟
طالب: ميتة السمك حلال.
الشيخ: حلال، وبيعها؟
الطالب: حلال.
الشيخ: بيعها حلال؟
الطالب: نعم.
الشيخ: متأكد؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ويش تقولون؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: صحيح، إي نعم.
ما هو الشارد؟
طالب: ( ... ) من صاحبه كالجمل.
الشيخ: الجمل الذي هرب من صاحبه، هل يصح بيعه؟
الطالب: لا، ما يصح بيعه.
الشيخ: مطلقًا؟
الطالب: ( ... ).
(2/724)
________________________________________
الشيخ: إي نعم، على المذهب مطلقًا، والقول الثاني؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: أن من استطاع رده جاز بيعه عليه.
هذا صبي عنده حمام يطير في الهواء، هل يصح بيعه؟ قل.
طالب: إذا استطاع أن يمسكه.
الشيخ: كيف؟
الطالب: إذا كان في يده.
الشيخ: يطير في الهواء، في الجو ..
هذا حمام في الهواء باعه الصبي؟
طالب: المذهب -يا شيخ- أنه ( ... ) لو ألف الرجوع.
الشيخ: نعم، طيب فإن كان عنده وفي يده؟
الطالب: يجوز.
الشيخ: يجوز؟ تأمل.
الطالب: لأنه -يا شيخ- ما هو بيع غرر.
الشيخ: ما فيه غرر.
طالب: الصبي لا يصح تملكه فلا يصح بيعه.
الشيخ: إي، إذن لا يصح البيع، ما هو لأنه غرر، لكن لأن الصبي لا يتصرف إلَّا بإذن وليه.
طالب: شيخ، ( ... ) إنسان في البيع في الذمة إذا سمى المشترى له قلنا: إنه يبطل البيع، طيب -شيخ- ما ذنب البائع؟
الشيخ: إي، إحنا قلنا: إنه باع بيعًا غير صحيح.
الطالب: هو باع على أساس أنه بيع صحيح، ( ... ).
الشيخ: إي.
الطالب: والحكم بالظاهر.
الشيخ: هو سماه.
الطالب: إي، هو سماه.
الشيخ: سماه، لماذا لم يحتط بنفسه؟ يقول: هات إثباتًا أنك وكيل له.
طالب: شيخ، هنا البائع ما فيه ضرر عليه، عليه ضرر؟
الشيخ: إي، هو يمكن عليه ضرر.
الطالب: ( ... ) يلزمه البيع المشتري؟
الشيخ: لا، ما يصح أصلًا.
طالب: بالنسبة للعبد الآبق هو سيده عليه كفارة قتل ( ... )؟
الشيخ: لا.
الطالب: لماذا؟
الشيخ: لأن كفارة القتل واجبة، وهذا ملكه لم يسيطر عليه.
الطالب: ولكن يا شيخ ..
الشيخ: وهذه هي مسألة عبدُ ابنِ غنام إن كنت تعرفه، ما تعرف عبدُ ابنِ غنام؟
الطالب: لا.
(2/725)
________________________________________
الشيخ: إي، ما تعرف، إذن ما تعرف أنت أهل البلد، هذا عبدٌ لرجل يسمى ابن غنام، كان سيده يؤذيه ويشق عليه بالأمر والنهي، ويمكن يجوعه أيضًا، في يوم من الأيام وقف على البئر وقال: قعر، أو قال: الركية، تسمى ركية، ولد ابن غنام ألقى نفسه في البئر، فلما رآه سيده صاح: أنت حرٌّ لوجه الله، أنت حرٌّ لوجه الله، بعدما هلك الرجل، إي نعم، هذا لا يصح؛ لأنه يشترط أن يكون المحرَّر ينتفع بحريته.
طالب: شيخ، جرى بين الناس الآن أن الأطفال يشترون الحمام ويبيعونه، هل نقول: هذا العقد غير صحيح؟
الشيخ: لا، هذا مما أجيز عرفًا، والعرف كالشرط، إذا كان مطردًا فهو كالشرط.
الطالب: إذن القاعدة يُسْتَثنى منها ما كان ..
الشيخ: إي، معروف، ( ... ) قالوا: بلا إذن، هذا إذن عرفي.

***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: وأن يكون معلومًا برؤية أو صفة، فإن اشترى ما لم يره، أو رآه وجهله، أو وصف له بما لا يكفي سَلَما؛ لم يصح، ولا يُبَاع حملٌ في بطن ولبنٌ في ضرع منفردين، ولا مسكٍ في فأرته، ولا نوًى في تمره، وصوفٌ على ظهرٍ، وفجلٌ ونحوه قبل قلعه.
ولا يصح بيع الملامسة والمنابذة، ولا عبد من عبيده ونحوه، ولا استثناؤه إلا معينًا، وإن استثنى من حيوانٍ يُؤْكَل رأسَه وجلدَه وأطرافَه صح.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإننا نعود -بإذن الله وحوله وقوته وتيسيره- إلى قراءة الفقه، ونسأل الله أن يجعله عودًا حميدًا مباركًا نافعًا.
ما تقول في رجل باع مغصوبًا، أيصح البيع أو لا؟
طالب: لا يصح البيع؛ بيع المغصوب؛ لأنه ليس يملكه.
الشيخ: لا يصح بيع المغصوب؛ يعني: لو أن مالكه باعه، مالكه، ما هو الغاصب، لو أن مالكه باعه؟
الطالب: الأرض المغصوبة؟
الشيخ: أرض أو غير أرض، المغصوب؛ أرض، سيارة، قلم، ساعة، كتاب.
(2/726)
________________________________________
الطالب: مغصوب من غير غاصبه.
الشيخ: المالك باع ملكه المغصوب، هل يصح أو لا؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: نعم؟
طالب: إن باعه، على كلام المؤلف ..
الشيخ: دعني من كلام المؤلف، أعطني اللي عندك بس، زبدة.
الطالب: إن كان باعه لغاصبه فيصح بشرط ألَّا يمنعه إذا أراده.
الشيخ: نعم، هذا واحد.
الطالب: أن يبيعه إلى من يستطيع أخذه من الغاصب.
الشيخ: تمام، يعني إذن لا يصح إلا في حالين؛ إذا باعه على الغاصب بشرط ألَّا يمنعه الغاصب إلا بالبيع، والثاني: إذا باعه على قادر على أخذه. لماذا لا يصح؟
طالب: لأنه إذا باعه على غير قادر على أخذه أو باعه .. ، إذا باعه سيكون غررًا، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر.
الشيخ: يعني: داخل في الغرر، ما تقولون؟ صحيح؟ نعم؛ لدخوله في الغرر؛ لأنه قد يحصل عليه وقد لا يحصل؛ ولهذا ستجد أن ثمنه أقل مما لو كان حاضرًا بين يديه، وبهذا نعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أُعْطِي جوامع الكلم؛ حيث نهى عن بيع الغرر، وهذا يشمل مسائل عظيمة كثيرة.
متى يصح البيع الفضولي؟
طالب: إذا كان يعلم صاحب .. ، إذا كان ( ... ).
الشيخ: متى يصح بيع الفضولي؟
طالب: إذا قَبِلَ الرجل الذي اشتُرِيَ له.
الشيخ: مطلقًا أو بشروط؟ أجب، قل: مطلقًا أو بشروط، ثم بينها، أو قل: لا أدري؛ عشان ما نبقى.
طالب: على المذهب يا شيخ؟
الشيخ: نعم.
الطالب: ألَّا يسميه في العقد.
الشيخ: بس قل: بشروط، أو بغير شروط؟
الطالب: بشروط، نعم.
الشيخ: طيب، على المذهب بشروط.
الطالب: نعم.
الشيخ: وكأن قولك: (على المذهب) يشير إلى رأي آخر.
الطالب: نعم.
الشيخ: فما هو؟
الطالب: فما رأيكم؟
الشيخ: طيب، رأيي ما سبق ( ... )، ما هو؟
الطالب: أنه إذا قبلها صح.
الشيخ: يعني: إذا أجازه.
الطالب: صح البيع.
الشيخ: صح البيع.
الطالب: ولو سماه في العقد.
الشيخ: صح، طيب، المذهب: بشرط أن يشتري له في ذمته وألَّا يسميه في العقد.
ما الذي يدخل في قول المؤلف: (أو من يقوم مقامه)؟
(2/727)
________________________________________
طالب: يدخل فيه أربعة أصناف.
الشيخ: من هم؟
الطالب: يدخل الوكيل.
الشيخ: الوكيل.
الطالب: والوصي.
الشيخ: والوصي.
الطالب: والولي.
الشيخ: والولي.
الطالب: والناظر.
الشيخ: والناظر، طيب.
ما الفرق بين هؤلاء الأربعة؟ أولًا: الوكيل؟
طالب: الوكيل هو: الذي يوكله صاحب العين، أو صاحب الأرض؛ يعني: رجل صاحب أرض ..
الشيخ: الوكيل: من أذن له بالتصرف في حال الحياة.
الطالب: نعم.
الشيخ: كذا؟ طيب. والوصي؟
طالب: هو من أُذِن ..
الشيخ: أُذِنَ له.
الطالب: أُذِنَ له في التصرف بعد الموت.
الشيخ: طيب. وسليم يبين لنا من هو الناظر؟
طالب: الناظر الذي ينظر على الوقف.
الشيخ: أحسنت، المتصرف في الوقف؛ سواء بعد الموت ولا قبله.
بقي عندنا الولي؟
طالب: هو من يتصرف في ملك غيره بإذن الشارع.
الشيخ: صح، من يتصرف لغيره بإذن الشارع، بارك الله فيك.
هل لنا دليل على صحة تصرف الوكيل؟ فيه دليل؟
طالب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث عروة بن الجعد ليشتري له شاة بدينار، فاشترى ..
الشيخ: وكَّل عروة بن الجعد بالشراء، انتهى، بارك الله فيك.
يقول المؤلف: إنه لا يصح بيع نقع البئر؟
طالب: ما أعرف.
الشيخ: ما تعرف، نعم؟
طالب: إذا ..
الشيخ: لا، ما معناه، ما معنى هذا؟
الطالب: يعني: الماء الذي في البئر.
الشيخ: لا يصح بيعها.
الطالب: لا يصح بيعها.
الشيخ: طيب.
الطالب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ..
الشيخ: دقيقة، كلمة (نقع البئر) هل يفهم منها أن هذا الماء لو أنه غُرِفَ بساقية أو غيرها جاز بيعه؟
الطالب: إي نعم، إذا حازه يجوز.
الشيخ: أحسنت، تمام. ما هو الدليل على عدم الجواز؟
طالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْمَاءُ، وَالْكَلَأُ، وَالنَّارُ» (10).
الشيخ: طيب، تمام.
هل مثل ذلك الأنهار؟
طالب: نعم.
الشيخ: مثلها الأنهار، طيب، لو جلب بساقية من النهر إلى بركة عنده هل يبيعه؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه احتازه.
(2/728)
________________________________________
الشيخ: طيب؛ لأنه حازه.
***
قال المؤلف رحمه الله تعالى: الشرط السادس: (أن يكون المبيع معلومًا برؤية أو صفة)
هذه الشروط التي يذكرها العلماء أو الأركان أو الواجبات ادَّعى بعض الأدعياء أنها بدعة، وأنه لا يجوز التصنيف على هذا الوجه، فيقال لهم: إنْ تعبَّدْنَا لله تعالى بذلك التصنيف فهذا بدعة، وإن أردنا بذلك تقريب العلوم إلى طالبها فهذا ليس ببدعة، وما زال الناس يؤلفون بالأبواب والفصول والكتب، كل هذا هو الموجود، فهل نقول: إنه بدعة؟ لا؛ لأن هذا وسيلة لتقريب العلم، نعم، إذا وُضِعَ شرط لا دليل عليه فحينئذٍ يُرَد، أما مع الدليل فليس في ذلك إشكال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانًا يذكر ما يدل على ذلك، أحيانًا يقول: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ» مع أن هناك آخرين يظلهم الله في ظله غير هؤلاء السبعة، «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ»، وما أشبه ذلك.
المهم الشرط السادس: (أن يكون معلومًا) عند من؟ عند البائع والمشتري، فلا يكفي علم أحدهما، والجهل؛ إما أن يكون منهما جميعًا، أو من البائع وحده، أو من المشتري وحده، وفي كلا الصور الثلاث لا يصح البيع، لا بد أن يكون معلومًا عند المتعاقدَيْن.
ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع الغرر (9)، والمجهول بيعه غرر لا شك.
فإن قيل: لماذا نُهِيَ عن الغرر؟
قلنا: لما يحصل به من العداوة والبغضاء والكراهية؛ لأن المغلوب منهما سوف يكره الغالب؛ فلذلك نُهِيَ عن بيع الغرر.
العلم، المؤلف رحمه الله قال: (أن يكون معلومًا برؤية أو صفة) يعني: أن طرق العلم؛ إما الرؤية، وإما الصفة، ولكن هذا فيه قصور، طرق العلم متعددة: الرؤية، والسمع، والشم، والذوق، واللمس، والوصف، كم هذه؟
طالب: ستة.
الشيخ: الرؤية، والسمع، والشم، والذوق، واللمس، هذه ما تخفى على أحد، حواس خمس، والسادس؟
طالب: الوصف.
(2/729)
________________________________________
الشيخ: الوصف، الرؤية فيما يكون الغرض منه رؤيته، والسمع فيما يكون الغرض منه سماعه، والشم فيما يكون الغرض منه ريحه، والذوق فيما يكون الغرض منه طعمه، واللمس فيما يكون الغرض منه ملمسه؛ هل هو لين أو خشن؟ أو ما أشبه ذلك، والوصف سيأتي إن شاء الله.
وقوله: (أن يكون معلومًا برؤية) لم يشترط أن تكون الرؤية للجميع، وعلى هذا فإذا كان رؤية بعضه دالة على الجميع اكْتُفِيَ بها، ولا بد من هذا؛ لأن فومة الطعام -مثلًا- التمر أو البُر هل نحن نرى كل حبة منها؟ أجيبوا.
طلبة: لا.
الشيخ: لا، لكن نرى بعضها الدال على بقيتها، إذن المؤلف أطلق، ما قال: برؤية جميعه، فيشمل رؤية الجميع ورؤية البعض الدال على الكل.
يقول: (برؤية) هذه الرؤية متى تكون؟ تكون حين العقد؛ يعني: لا بد أن يراه حين العقد، أو يراه بزمن لا يتغير فيه المبيع تغيرًا ظاهرًا بعد الرؤية، انتبه، فمثلًا لو رأى رطبًا قبل يومين وعقد عليه البيع الآن، فهل تكفي الرؤية السابقة قبل يومين؟
طالب: لا، الرطب لا.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه يتغير.
الشيخ: لأنه يتغير، لو رأى بطيخة قبل يومين، ثم عقد عليها البيع اليوم، فكذلك لا يصح؛ لأنه في خلال هذه المدة يتغير. إذن الرؤية محلها عند العقد، أو قبله بزمن لا يتغير فيه المبيع.
الثاني يقول: (أو صفة) وهذا الوصف؛ لا بد أن يكون معلومًا بالوصف، ودليل الاكتفاء بالوصف، حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (11). فالعلم بالمسلم فيه هنا بالرؤية أو بالوصف؟
طلبة: بالوصف.
الشيخ: انتبهوا يا إخوان، لا تستعجلوا بالإجابة، بالوصف ولَّا بالرؤية؟
طلبة: بالوصف.
الشيخ: ليش؟
طالب: لأنه ( ... ) السنة والسنتين.
(2/730)
________________________________________
الشيخ: لأنه السنة والسنتين، وفي الثمار، الثمار كيف يراها وهي لم تخلق الآن؟
إذن يكون العلم بالوصف، ولكن لا بد أن يكون الموصوف مما يمكن انضباطه بالصفة، هذا شرط، ولا بد أن يضبط بالصفة، هذا الشرط الثاني؛ يعني: البيع بالصفة أضيق من البيع بالرؤية أو ما يشبهها، لا بد أن يكون مما يمكن انضباطه بالصفة، ولا بد أن يضبط بالصفة أيضًا.
أما ما لا يمكن انضباطه بالصفة -كالجواهر واللآلئ وما أشبه ذلك- فإنه لا يجوز أن يُبَاع بالوصف؛ لأنه يختلف اختلافًا عظيمًا، ربَّ خرزةٍ من اللؤلؤ تساوي -مثلًا- ألف ريال، وأخرى لا تساوي عشرة ريالات، ولا يمكن ضبطها، فلا بد أن يمكن انضباطه بالصفة، ولا بد أن يضبط أيضًا بالصفة؛ بحيث تحرر الصفة تحريرًا بالغًا، حتى لا يحصل اختلاف عند التسليم.
هل يمكن انضباط المصنوعات؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يمكن، ومن أضبط ما يكون؛ كالأباريق والفناجيل والأقلام، وما أشبهها، هذا يمكن انضباطه، وقد يكون انضباط المصنوعات أكبر بكثير من انضباط البُر والتمر، كما هو ظاهر.
لكن إذا قال قائل: الناس يسلمون في الثمار في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن انضباطه بالصفة على وجه دقيق جدًّا أمر لا يمكن؛ إما متعسر، وإما متعذر؟
قلنا: ما يغتفر فيه الجهالة اليسيرة فإنه لا يضر.
بيع الأنموذج، تعرفون الأنموذج؟
طلبة: نعم.
الشيخ: آتي -مثلًا- بصاع أو ربع الصاع أو فنجال من البُر، وأقول: أبيع عليك مثل هذا الصاع بكذا وكذا، هل يصح؟ يعني هذا ضبط بالصفة عن طريق الرؤية، أنا ما رأيت الكل، لكن رأيت فنجالًا، قال: عندي من الطعام مثل الذي في هذا الفنجال؟
في هذا خلاف بين العلماء؛ منهم من يرى أنه لا يصح، والصحيح أنه صحيح؛ أن البيع صحيح؛ لأن العلم مدرك بهذا، وما زال الناس يتعاملون به، العمل عليه عند الناس الآن، ويسمى في لغتنا العامية أيش؟
طالب: النمونة.
(2/731)
________________________________________
الشيخ: النمونة، هذه نمونة الشيء الفلاني، والظاهر أن هذه لغة تركية، الله أعلم.
إذن المهم أننا نشترط فيما بيع بالوصف شرطين؛ أولهما: أن يمكن انضباطه بالصفة، والثاني: أن يُضْبَط بالصفة.
قال: (فإن اشترى ما لم يره، أو رآه وجهله، أو وُصِفَ له بما لا يكفي سلمًا؛ لم يصح) لعدم العلم بالبيع، (إن اشترى ما لم يره) قال: بعت عليك السيارة الفلانية، بعت عليك سيارة بكذا وكذا، وهو لم يرها، بعت عليك كتابًا بكذا وكذا، وهو لم يره، فإنه لا يصح البيع.
طيب، لو وصفه؟
طالب: صح.
الشيخ: صح إذا كان مما يمكن انضباطه بالصفة؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله في الشرح: (ما لم يره بلا وصف)، وقد يقال: إن المؤلف -الماتن- قصَّر، وقد يقال: إنه لم يقصر بناءً على أن العلم يكون بالرؤية وبالصفة.
(أو رآه وجهله) بأن قال: بعت عليك ما في هذا الكيس، وهو لا يدري: هل هو رمل أو سكر، أيصح البيع؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا؛ لأنه ما يدري.
فإن كان يجهل منفعته ولا يجهله هو؛ بأن باع عليه آلة ميكانيكية، لكن لا يدري ماذا يصنع بها، فهل يقال: إن هذا علم فيصح، أو يقال: إنه ليس بعلم فلا يصح؟
هذه يحتمل فيها هذا وهذا، قد يقال: إنها معلومة، لكن جهل المشتري بكيفية استعمالها -مثلًا- هذا ليس في ذات المبيع، بل هو نقص في المشتري؛ في العاقد، لا في المعقود عليه.
وقد يقال: بل لا بد من العلم بهذا؛ لأنه يأتي إنسان غرير ويشوف الآلات هذه، ولا يشغله أمامه قامت الآلة هذه تتحرك، يقول: هذا شيء يصنع القنابل ولَّا الطيارات، فيشتريه بغالي الثمن، وإذا هو لا يصنع ولا الإبرة، فيكون هذا جهلًا عظيمًا؛ فلذلك نرى أنه لا بد أن يعلم الإنسان كيف ينتفع بهذا الشيء، وإلا حصل غرر كبير.
(2/732)
________________________________________
قال: (أو وُصِفَ له بما لا يكفي سلمًا لم يصح) ويأتينا -إن شاء الله- السَّلَم ما الذي يمكن انضباطه والذي لا يمكن، إذا وُصِفَ بما لا يكفي سلما فإنه لا يصح البيع، وقيل: إنه يصح أن يبيع ما لم يره ولم يُوصَف له، وله الخيار إذا رآه، فيقول -مثلًا-: بعت عليك سيارتي، قال: ويش السيارة هذه؟ قال: إن شاء الله تشوفها وتعرفها، بكم؟ بخمسة آلاف، طيب، اشتريت. على المذهب: لا يصح؛ لأنه لم يرها ولم تُوصَف له، ومذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه يصح البيع، ويكون للمشتري الخيار إذا رآه، وهذا هو الصحيح، وهو شبيه ببيع الفضولي.
فإذا كان له الخيار إذا رآه فهل عليه نقص؟
طلبة: لا.
الشيخ: ليس عليه نقص.
إذا قيل: كيف الطريق إلى تصحيح البيع على القول الأول؟
نقول: الطريق أنه إذا رآه عقد عليه من جديد، وهذا هو الذي تظهر به ثمرة الخلاف بين القولين؛ فعلى القول بالصحة يكون نماء هذا المبيع ما بين عقد البيع ورؤيته لمن؟
طالب: للمشتري.
الشيخ: للمشتري، وعلى الرأي الثاني؟
الطالب: للبائع.
الشيخ: يكون النماء للبائع؛ لأن البيع لم يصح.
يقول: (ولا يصح بيع حمل في بطن، ولبنٌ في ضرع منفردَيْن) الحمل في البطن لا يصح بيعه إذا بِيعَ منفردًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع الغرر، وهذا غرر؛ فإن الحمل قد يكون واحدًا أو أكثر، وقد يكون ذكرًا أو أنثى، وقد يخرج حيًّا وقد يخرج ميتًا، فالجهالة فيه كبيرة؛ ولهذا نقول: إنه داخل في العموم، وهو قول أن النبي؟
طالب: نهى عن بيع الغرر.
الشيخ: طيب، وورد النهي عنه بخصوصه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحامل أو الحوامل (12).
(2/733)
________________________________________
وكذلك لا يصح بيع اللبن في الضرع، لماذا؟ لأنه مجهول، أولًا: قد تدرُّ الدابة وتوافق على أن تحلب، وقد لا تدرُّ ولا توافق على أنها تحلب، فيه بعض البقر إذا أرادوا أن يحلبوها منعت؛ إما برفسها برجلها، وإما بأن تنطح بقرنها، وإما أن تمنع اللبن، يسمونه الرفض، ما تحلب أبدًا؛ فلذلك يكون مجهولًا، ثم إذا قُدِّرَ أنه انتفت هذه الموانع فكم مقداره؟ حلبناه، كم مقداره؟ يكون مجهولًا.
والمسألة بسيطة، نقول: بدل أن تشتريه في الضرع انتظر حتى يُحْلَب، أحسن وأسلم.
وقول المؤلف: (منفردين) مفهومه أنهما إذا بيعا مع الأم في الحمل ومع ذات اللبن في اللبن فالبيع صحيح بشرط ألَّا يُفْرَد بعقد، فيقول: بعتك هذه الشاة الحامل وما في بطنها؛ لأن المؤلف اشترط أن يكونا منفردين، فمفهومه: إذا كانا تبعًا جاز.
وهل إذا قال: بعتك هذه الحامل وما في بطنها، هل هذا بيع انفراد؟
نقول: نعم؛ لأنه نص عليه، وهو إنما يجوز إذا كان تبعًا للأم، وكذلك يُقَال في اللبن، وقد أخذ الفقهاء من هذا قاعدة، وهي: يَثْبُتُ تبعًا ما لا يثبت استقلالًا.
قال: (ولا يُبَاع مسك في فأرته) المسك لا يُبَاع في فأرته، ويش الفارة هاذي؟ الفأرة: الوعاء، وعاء المسك يسمى فأرة؛ وذلك أنه مجهول، والمسك غالٍ، إن قدرته بالوزن فهو قد تكون الفأرة سميكة، إن قدرته بالحجم فكذلك، فلا يُبَاع المسك في فأرته، والفأرة غير الزجاجة، الفأرة وعاؤها وعاء المسك المنفصل من غزال المسك؛ وذلك أن من الغزلان ما يُسَمَّى بغزال المسك، وكيفية ذلك -على ما حدثنا به شيخنا رحمه الله عبد الرحمن السعدي- أن هذه الغزال تركض، ومع شدة ركضها وشدة تعبها ينزل من بطنها صرة من الدم، ثم تربط هذه الصرة برباط قوي جدًّا بحيث لا يصل إليها الدم –الدم اللي هو دم الغذاء- وإذا مضى عدة أيام انفصلت من الجلد فأخذوها، فإذا هذا الدم الذي احتقن بهذه الصرة هو المسك، وفي ذلك يقول المتنبي:
(2/734)
________________________________________
فَإِنْ تَفُقِ الْأَنَامَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ
فَإِنَّ الْمِسْكَ بَعْضُ دَمِ الْغَزَالِ

هذا ما قاله المؤلف: إنه لا يصح بيع المسك في فأرته، والقول الثاني في هذه المسألة: إنه يصح بيعه في فأرته؛ لأن هذه الفأرة وعاءٌ طبيعيٌّ، فهي كقشرة الرمانة، ومن المعلوم أن الرمانة يصح بيعها، ووعاؤها قشر، هذا القشر قد يكون فيه -مثلًا- شيء من الشحم كثير، وقد يكون فيه شيء قليل.
ثم إن أهل الصنف وأهل الخبرة في هذا يعرفون؛ إما باللمس والضغط عليه، أو بأي سبب، المهم أن القول الثاني صحة بيع المسك في فأرته، وهذا هو الصحيح.
ما هو المسك والفأرة؟
طالب: المسك هو الذي يخرج من دم الغزال.
الشيخ: إي، وفأرته؟
الطالب: هو الغطاء الذي يكون حول.
الشيخ: وعاؤه.
الطالب: وعاؤه.
الشيخ: طيب، يقول: (وكذلك لا يصح بيع نوى في تمر)، تعرفون النوى؟
طلبة: نعم.
الشيخ: معروف، طيب، لو أن إنسانًا عنده إناء فيه تمر وقال له آخر: بعني نوى هذا التمر، أنت ستأكله فبعني نواه، قال: نعم، أبيعك النوى، فإن البيع لا يصح؛ لأنه كالحمل في البطن، ويصح بيع التمر بنواه، كما يصح بيع الحامل بحملها.
لماذا لا يصح بيع النوى في التمر؟ لأنه مجهول، فيكون داخلًا في بيع الغرر، وتعرفون النوى أنه يختلف، حتى في النوع الواحد؛ ربما تأكل تمرة فتجد فيها نواة كبيرة، وربما تأكل تمرة من هذا النوع، بل من الإناء نفسه فتجد فيها نوى صغيرة؛ لذلك لا يصح بيع النوى في التمر.
وفُهِمَ من قوله: (بيع النوى في التمر) أنه لو أخرج النوى من التمر وباعه فالبيع صحيح؛ لأنه معلوم.
(ولا صوف على ظهر) الصوف على الظهر لا يجوز بيعه؛ لحديث ورد في النهي عنه (13)، ولأنه جزء من الحيوان أو متصل بالحيوان فلم يجز بيعه كبيع الجزء من الحيوان، فإذن عندنا دليل وعندنا تعليل.
(2/735)
________________________________________
الصوف على الظهر: إنسان -مثلًا- عنده شاة، فجاءه شخص يغزل الصوف، فقال: بعني ما على شاتك من الصوف، فباعه عليه، نقول: لا يجوز، ويش فيه؟ فيه يقول: لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ولأنه متصل بالحيوان فلم يجز بيعه كالجزء من أجزائه؛ كما لو باع اليد، أو باع الرجل، أو ما أشبه هذا.
والقول الثاني أنه يصح بيع الصوف على الظهر؛ لأنه مشاهَد معلوم، ولا مانع من بيعه، لا يشتمل بيعه على محظور. وهذا القول هو الصحيح.
فإن قال قائل: ما الجواب على الحديث الذي استدل به، وهو حديث ابن عباس؟
قلنا الجواب: إن صح الحديث فإنما نُهِيَ عنه؛ لأنه قد يتأذى الحيوان بجزِّه، ولا سيما إذا جز في أيام الشتاء، فيكون النهي ليس لعلة الجهالة، ولكن لعلة الأذى. هذا إن صح الحديث.
وأما القياس -وهو أنه متصل بالحيوان فهو كجزء من أجزائه- فجوابنا على ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أننا لا نسلم منع بيع الجزء المعلوم المشاهد، كبيع الرأس -مثلًا-، وبيع الرقبة، وبيع اليد من العضد؛ يعني: لا نسلم أن بيع هذا حرام؛ لأنه أيش؟
طالب: مشاهد.
طالب آخر: معلوم.
الشيخ: مشاهد ومعلوم، وليس فيه غرر ولا جهالة.
الشيء الثاني أنه لا يصح القياس؛ لأن الشعر أو الصوف في حكم المنفصل، فكيف يجعل الآن في حكم الجزء؟ والعجب أن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إن مس المرأة لشهوة ناقض للوضوء، ومس شعرها لا ينقض الوضوء، قالوا: لأنه في حكم المنفصل، ما هذا التناقض؟ !
فالقول الراجح في هذه المسألة: أن بيع الصوف على الظهر جائز، لكن نشترط ألَّا يلحق الحيوان أذى، فإن لحق الحيوان أذًى مُنِعَ، لا لأنه مجهول ولكن لأذى الحيوان.
يقول رحمه الله: (ولا فجل ونحوه قبل قلعه) الفجل معروف، كذا؟
طالب: إي نعم، معروف.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: ( ... ).
(2/736)
________________________________________
الشيخ: فهمتم الفجل؟ طيب، لا يصح بيع الفجل حتى يُقْلَع من الأرض ويشاهد؛ لأنه مدفون في الأرض، فلا يصح، قد يكون كبيرًا، وقد يكون متوسطًا، وقد يكون صغيرًا.
وقوله: (ونحوه) مثل أيش؟
طلبة: البصل.
الشيخ: البصل.
طالب: والجزر.
الشيخ: والجزر، وأمثال هذا كثير.
طالب: البطاطس.
الشيخ: البطاطس؟ ! عجيب، البطاطس مدفون؟
طلبة: إي نعم.
الشيخ: إي، على كل حال، كل ما المقصود منه في الأرض فإنه مجهول لا يصح بيعه حتى يُقْلَع، إذا قُلِعَ وصار بارزًا ظاهرًا على الأرض فإنه يُبَاع، وهذا أيضًا فيه خلاف بين العلماء.
والقول الثاني في هذه المسألة أنه يصح بيعه؛ لأنه وإن كان المقصود منه مستترًا فإنه يكون معلومًا عند ذوي الخبرة، يعرفونه، وهذا هو الذي عليه العمل، فيمكن أن تأتي للفلاح وتقول: بعْ عليَّ هذه القطعة من الأرض التي فيها البصل أو الثوم أو الفجل بكذا وكذا، وذلك بعد تكامل نمائه، بعد تكامل النماء يصح بيعه. وهذا القول أصح، وهو الذي عليه العمل من زمان قديم، ونحن أدركنا الناس يأتون إلى الفلاحين ويقول: بعْ عليَّ -مثلًا- هذه الأحواض من البصل، فيبيعها عليه، ولا يرون في هذا جهالة، ثم إذا قُدِّر أن هناك جهالة فهي جهالة يسيرة لا تكون غررًا.
***
قال: (ولا يصح بيع الملامسة) الملامسة: مفاعلة، والمفاعلة تكون غالبًا من طرفين، والملامسة أن يقول: أي ثوب تلمسه فهو عليك بكذا، يقوله البائع للمشتري، فلا يصح البيع، لماذا؟ لأن المشتري قد يلمس ثوبًا يساوي مئة أو ثوبًا لا يساوي إلا عشرة، فهو مجهول وغرر، وهو يشبه القمار بلا شك إن لم يكن منه.
فيه أيضًا ملامسة أخرى: أي ثوب تلمسه فهو عليك بعشرة، ولو كانت الثياب من نوع واحد وعلى تفصيل واحد، وهذا الوجه مبني على عدم صحة تعليق البيع بالشرط؛ لأن (أي ثوب تلمسه) هذه جملة شرطية.
(2/737)
________________________________________
ولكن هذا المثال الأخير إنما يصح على قول من يقول: إن تعليق البيع بالشرط لا يصح، وهي مسألة خلافية، والصحيح أنه يصح تعليق العقد بالشرط.
وكذلك لا يصح بيع المنابذة؛ مثل أن يقول المشتري للبائع: أي ثوب تنبذه علي فهو بعشرة، ما الذي يختاره البائع في هذه الحال؟ أقل ما يمكن، فيكون مجهولًا، ربما إذا نبذ إليه ثوبًا يساوي عشرة وهو ظن أنه ينبذ إليه ثوبًا يساوي مئة قال: ما أريد ذلك، قال: أنبذ ثانيًا، خذْ عشرين، قال: ما يكفي، يبقى دائمًا معه في دوامة؛ فلهذا لا يصح بيع المنابذة.
إذا قال قائل: ما هو الدليل؟
قلنا: الدليل عام وخاص؛ أما العام فحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر (9)، وهذا الحديث -سبحان الله- قاعدة عظيمة، وفيه أيضًا نهي خاص أن الرسول نهى عن بيع الملامسة والمنابذة (14).
بيع الحصاة مثله، بيع الحصاة لا يصح، وله صورتان:
الصورة الأولى: أن يقول: احذف حصاة فعلى أي شيء تقع فهو بعشرة، فحذف الحصاة، فوقعت على علبة كبريت فارغة، بكم تكون؟
طلبة: بعشرة.
الشيخ: بعشرة، وحذف حصاة أخرى فوقعت على حلي مرصع بالجواهر يساوي آلافًا، إذن فيه جهالة ولَّا لا؟ فيه جهالة، هذه صورة.
الصورة الثانية: أن يقول: احذفْ هذه الحصاة فأيَّ مدًى بلغته من الأرض فهو لك بكذا، هذا أيضًا مجهول؛ لأنه يختلف الحال؛ رجل نشيط وقوي وإذا رمى أبعد، ورجل آخر دونه، فتختلف الحال، ثم تختلف الأحوال باعتبار الريح؛ قد تكون مقابلة، قد تكون على جنب، وقد تكون مدابرة، فتختلف.
إذن بيع الحصاة منهي عنه ولا يصح؛ لأنه غرر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.
أجد في بعض الدكاكين: كل شيء بخمسة، كل شيء بعشرة، هل هذا من هذا النوع؟
طلبة: لا.
الشيخ: ليش؟
طالب: سعر واحد.
الشيخ: لأنه لن يشتري إلا وهو قد علم ما أراد، يقول: أخذت الحقيبة، أخذت الكتاب، أخذت القلم، أخذت الساعة، شيء معلوم.
(2/738)
________________________________________
إنسان عنده .. ، أتى -مثلًا- بكرتون فيه ثياب وفنايل وطواقي وغتر ومشالح ونعال، كلها مخلوطة، فقال: كل فرد منها بدرهم، يصح ولَّا ما يصح؟
طلبة: يصح.
الشيخ: قلت لك: هذا كرتون فيه كل الأنواع اللي قلت لكم.
طالب: جملة؟
الشيخ: جملة، يقول: بعت عليك هذا الكرتون؛ كل حبة منه بعشرة.
الطالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؛ لأنه مجهول، لكن لو قال: فيه عشرة من النعال، عشرة من الأثواب، عشرة من الطواقي، عشرة من الغتر، عشرة من المشالح، وكل واحد بكذا؟
طلبة: يصح.
الشيخ: هذا يصح، لماذا؟ لأنه معلوم، لكن بس يحتاج إلى حساب، فهو معلوم، أما إذا كان لا يُعْلَم قدر كل شيء فهذا لا يصح.
***
قال: (ولا عبد من عبيده ونحوه) لا يصح أن يبيع عبدًا من عبيده، إنسان عنده مئة عبدٍ، يمكن يصير عند الإنسان مئة عبدٍ؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، فيما مضى كان الزبير عنده ألف عبد، قرية كاملة، وكان يخارجهم أن يعطيه كل واحد منهم كل يوم درهمًا، فكانوا يأتون كل يوم بألف درهم، ويقول: الباقي لكم (15)، هذه تسمى مخارجة؛ يخارج السيد عبده فيقول: ائتني كل يوم بدرهم وما زاد فهو لك، لكن إذا لم يحصل الدرهم لا يلزمه به؛ لأنه لو ألزمه به لكان غير جائز، أما إذا قال: ائتني بدرهم وما زاد فهو لك، فهذا جائز.
(عبد من عبيده) لا يصح، ( ... ).
فيه سؤال؟
طالب: شيخ، لو قال: بعتك كذا، وإذا رميت هذه الحصاة وجب البيع، أَلَا ( ... ) في بيع الحصاة المنهي عنه؟
الشيخ: يعني -مثلًا- يقول: بعتك هذه السيارة إذا حذفت الحصاة.
الطالب: وجب البيع.
الشيخ: هذا ينبني على جواز تعليق العقد من عدمه.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- بيع الحصاة بأن يحذف، فما وصلت الحصاة فهو له بكذا، إذا كان -مثلًا- هذا الرجل حصاة معلومة بالثقل والجو الريح معلومة فيه ويعلم قوة حذفه، والغرر يسير جدًّا؟
الشيخ: أنت الآن بنفسك تحذف حصاة وتبلغ ما بلغت والهواء ساكن، وتحذف مثلها بالضبط حجمًا وثقلًا وتختلف.
(2/739)
________________________________________
الطالب: شيخ، يعني شيء نادر؟
الشيخ: ما هو نادر.
الطالب: يكون مقاربًا جدًّا.
الشيخ: واللهِ ما هو بنادر، ما هو بنادر أبدًا، هو نادر يا جماعة؟
طلبة: لا.
الشيخ: ما هو نادر.
طالب: كلامك صحيح.
الشيخ: بس انتهينا خلاص، نفي وإثبات.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- فيه بعض الناس إذا أراد أن يشتري تمرًا، فيلزم الذي يبيع من هذا التمر يلزمه أن يبرئه في التمر أو ( ... )، فهل له ذلك؟ إحنا قلنا: يكفي أن ( ... ).
الشيخ: إي نعم.
الطالب: فهل له ( ... )؟
الشيخ: إذا اتفقوا على هذا ما يمنعون، لو قال: أنا أشك بأنه من نوع واحد، أريد أن تفرغه في الأرض حتى يتبين، ما فيه، بشرط ألَّا يكون فيه إفساد له، إن كان فيه إفساد له فالرسول نهى عليه الصلاة والسلام عن إضاعة المال (16).
طالب: شيخ، القول بأن بيع الشيء المستتر إذا كان يعلمه ذوو الخبرة ( ... ) فهذه العلة موجودة؟
الشيخ: كيف؟
الطالب: يعني هذه العلة.
الشيخ: إي.
الطالب: موجودة عند ( ... ) يعلم.
الشيخ: لا، سبحان الله! يعلم هو ذكر ولَّا أنثى؟
الطالب: مثلًا يعلم حجم النواة أو غير ذلك.
الشيخ: أنت الآن عندك إناء فيه سكري، تعرف السكري؟ تمر سكري، أحيانًا تكون النواة في هذه التمرة كبيرة، وأحيانًا تكون صغيرة، بل بعض الأحيان نجد فيه نواتين، إي نعم، هذا توأمين يعني!
طالب: شيخ، المنابذة هل يشترط أن يكون النابذ هو البائع؟
الشيخ: لا، ما هو شرط، قد ينبذ المشتري الثمن.
الطالب: والملامسة أيضًا؟
الشيخ: كلها، ما هو بشرط، المثال لا يقتضي الحصر.
طالب: شيخ -بارك الله فيك- هل اشتراطكم بالنسبة لبيع صوف الحيوان ألَّا يتأذى الحيوان نفسه، هل هو احتياطًا للحديث إذا صح، أم لشيء آخر؟
الشيخ: أولًا أنا أريد أن تصحح السؤال، إذا قلت: هل اشتراطكم؛ يعني: أنك قمت مقام المناظر لأستاذك.
الطالب: لا، يعني قصدي هل اشتراط من اشترط؟
الشيخ: لماذا لا تقول: اشتراطنا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب.
(2/740)
________________________________________
الطالب: طيب، هل اشتراطنا بيع صوف الحيوان إذا كان لا نخشى عليه الأذية؛ لأجل الاحتياط من حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا صح؛ حديث ابن عباس، أم لأجل شيء آخر؟
الشيخ: لا، من استدل بعموم الحديث قد يقول: هذا يدخل العموم إذا صح، لكن نحن نقول: إذا صح فالمراد مع أذية الحيوان.
طالب: بيع الحمل حتى مع الخيار لا يصح؟
الشيخ: ما يصح.
الطالب: ولا مع الخيار؟
الشيخ: نقول: اصبر ما دام أنك الآن لك الخيار إذا نزل اصبر؛ لأنه ما يترتب على هذا شيء، حمل نماؤه بيصير مستمرًا، ولا هو الإنسان كاسب منه شيئًا.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولا يصح بيع الملامسة والمنابذة، ولا عبد من عبيده ونحوه، ولا استثناؤه إلا معينًا، وإن استثنى بائع من حيوان يُؤْكَل رأسُه وجلده وأطرافه صح.
الشيخ: كيف؟ ويش هذا الكلام؟ (يُؤْكَل رأسُه) عندنا شيء يُؤْكَل رأسه ولا يؤكل بقيته؟ !
الطالب: وإن استثنى بائع من حيوان يَأْكُل رَأْسَه وجلده وأطرافه.
الشيخ: وهذا أردأ، الحيوان ما يأكل رأسه!
الطالب: مكتوب.
الشيخ: لا، ما يصلح مكتوب، أعد.
الطالب: وإن استثنى بائع من حيوان يُؤْكَل.
الشيخ: طيب، ما يخالف، (يُؤْكَل)، امشِ.
الطالب: رأسُه وجلدُه.
الشيخ: خطأ، هنا شيء ما يؤكل إلا رأسه وجلده؟ لأنك إذا قلت: (رأسُه) صار نائب فاعل، معناه: أنه يؤكل رأسُه، وغير رأسه وجلده؟ مثلًا إذا قلت: يُؤْكَل رأسُه، معناه: اللي غيره ما يؤكل.
الطالب: يمكن (رأسَه).
الشيخ: (رأسَه) صح، ما الذي نصبه؟
الطالب: مفعول به.
الشيخ: ليش؟
الطالب: (يُؤْكَل).
الشيخ: لا يا أخي، (يؤكل) مبني للمفعول، أو لما لم يسمى فاعله.
الطالب: لـ (استثنى).
الشيخ: أحسنت، مفعول به لـ (استثنى).
الطالب: وإن استثنى بائع من حيوانٍ يؤكل رأسَه وجلدَه وأطرافَه صح.
طالب آخر: ما عندنا (بائع) يا شيخ.
(2/741)
________________________________________
الشيخ: شرح، الظاهر أنه جاء بها لعلها تصح العبارة.
الطالب: لا يا شيخ ( ... ).
الشيخ: متن؟
الطالب: إي نعم ( ... ).
الشيخ: متن؟
الطالب: وإن استثنى بائع من حيوان يؤكل رأسَه وجلدَه وأطرافَه.
الشيخ: لكن كلمة (بائع) داخلة المتن عندك؟
الطالب: عندي.
الشيخ: هي صحيح، الشرح عندي مدخله.
الطالب: وعكسه الشحم والحمل، ويصح بيع ما مأكوله في جوفه.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ما هو بيع الأنموذج، وهل هو صحيح؟
طالب: بيع الأنموذج أن يأتي بصاع من البُر ( ... ) من البُر، فيقول: أبيع عليك صاعًا من هذا البُر.
الشيخ: نعم، أن يأتي بشيء من المبيع ويقول: أبيع عليك ما هذا بعضه، مثلًا، زين.
الطالب: والمذهب: لا يصح هذا البيع.
الشيخ: المذهب: أنه لا يصح، والصحيح.
الطالب: أنه يصح.
الشيخ: أنه يصح، كما أنه لو رأى أعلى الكومة أجزأ عن بقيتها، فهذا مثله.
يُشْتَرط أن يكون المبيع معلومًا وكذلك الثمن -كما سيأتي-، فما هو الدليل على هذا الشرط؟
طالب: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر.
الشيخ: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، والجهالة -جهالة المبيع- غرر ولَّا غير واضح؟
طالب: غرر.
الشيخ: غرر، تمام.
باع صوفًا على ظهر؟
طالب: المذهب أنه لا يصح.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لحديث عن ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُبَاع الصوف على الظهر.
الشيخ: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع الصوف على الظهر (13)، والتعليل أيضًا؛ لأن فيه دليل وتعليل؟
الطالب: التعليل لأنه ( ... ).
طالب آخر: لأنه متصل بالحيوان فهو كجزء من أجزائه.
الشيخ: أحسنت، أنه متصل بالحيوان فهو كجزء من أجزائه.
هل هناك خلاف؟
طالب: نعم، هناك قول آخر أنه يجوز بيعه.
الشيخ: يجوز بيع الصوف على الظهر.
(2/742)
________________________________________
الطالب: وعلل القائلون بالجواز ..
الشيخ: لو قال قائل: ما الدليل على الجواز؟
الطالب: الدليل على الجواز عدم الدليل.
الشيخ: الدليل عدم الدليل، طيب، هل عدم الدليل يكون دليلًا؟
طالب: لا، يعتبر هنا منفصلًا ..
الشيخ: لا اصبر، أسألك: هل عدم الدليل يسمى دليلًا؟
الطالب: إذا عدم الدليل يعتبر دليلًا.
الشيخ: كيف؟ عدمه، الدليل عدم الدليل، كيف؟
طالب: ( ... ) الدليل هو على الأصل.
الشيخ: أحسنت، نعم، يعني: الدليل عدم الدليل على المنع.
على هذا القول يقولون: إنه معلوم يُشَاهد، فهو كالزرع -مثلًا- يُبَاع فيحصد ولا فرق.
ولا عبدٌ من عبيده ونحوُه، ولا استثناؤُه إلا مُعَيَّنًا، وإن اسْتَثْنَى من حيوانٍ يُؤْكَلُ رأسُه وجِلْدُه وأطرافُه صَحَّ، وعكسُه الشحْمُ والحَمْلُ، ويَصِحُّ بيعُ ما مَأكولُه في جَوْفِه كرُمَّانٍ وبِطِّيخٍ وبيعُ الباقِلَّاءِ ونحوِه في قِشْرِه, والحبِّ الْمُشْتَدِّ في سُنْبُلِه، وأن يكونَ الثمَنُ مَعلومًا , فإن باعَه برَقْمِه أو بألْفِ درهمٍ ذهبًا وفِضَّةً , أو بما يَنقطِعُ به السعْرُ أو بما باعَ زيدٌ - وجَهِلَاهُ أو أَحَدُهما - لم يَصِحَّ.
وإن باعَ ثوبًا أو صُبْرَةً أو قَطيعًا كلَّ ذراعٍ أو قَفِيزٍ أو شاةٍ بدِرهمٍ صَحَّ، وإن باعَ من الصبرةِ كلَّ قَفيزٍ بدِرهمٍ أو بمئةِ دِرْهَمٍ إلا دينارًا، وعَكْسُه، أو باعَ معلومًا ومَجهولًا يَتَعَذَّرُ عِلْمُه ولم يَقُلْ كلٌّ منهما بكذا لم يَصِحَّ , فإن لم يَتَعَذَّرْ صَحَّ في المعلومِ بقِسْطِه , ولو باعَ مَشاعًا بينَه وبينَ غيرِه كعبدٍ أو ما يَنْقَسِمُ عليه الثمَنُ بالإجزاءِ صحَّ في نَصيبِه بقِسْطِه، وإن باعَ عَبْدَه وعبدَ غيرِه بغيرِ إِذْنِه , أو عبدًا وحُرًّا أو خَلًّا وخَمْرًا، صَفْقةً واحدةً , صَحَّ في عَبدِه وفي الْخَلِّ بقِسْطِه، ولِمُشْتَرٍ الخيارُ إن جَهِلَ الحالَ.
أنه متصل بالحيوان فهو كجزء من أجزائه. هل هناك خلاف؟
(2/743)
________________________________________
طالب: نعم، هناك قول آخر أنه يجوز بيعه.
الشيخ: يجوز بيع الصوف على الظهر.
الطالب: وعلل القائلون بالجواز ..
الشيخ: طيب لو قال قائل: ما الدليل على الجواز؟
الطالب: الدليل على الجواز عدم الدليل.
الشيخ: الدليل عدم الدليل، هل عدم الدليل يكون دليلًا؟
طالب: لا، هنا يعتبر منفصلًا.
الشيخ: لا اصبر، أسألك: هل عدم الدليل يسمى دليلًا؟
الطالب: إذا لم يوجد دليل يعتبر دليلًا.
الشيخ: كيف؟ عدم الدليل عدم ( ... ) الدليل، كيف؟
طالب: إذا لم يوجد دليل فهو على الأصل.
الشيخ: أحسنت، نعم، يعني: عدم الدليل على المنع، الدليل: عدم الدليل على المنع، على هذا القول يعني يقولون: إنه معلوم يُشاهد، فهو كالزرع -مثلًا- يباع فيحصد، ولا فرق.
كيف نجيب عن أدلة القائلين بالتحريم؟
طالب: أما الحديث فإنه على ( ... )، ويحمل على تأذي الحيوان.
الشيخ: نعم، أحسنت، والتعليل؟
الطالب: والتعليل نقول: إنه ليس كجزء من الحيوان؛ لأن هذا من حكم المنفصل، وأما ( ... ) متصل.
الشيخ: طيب، جيد. عنده عشرة أَعْبُدٍ قِيَمُهم واحدة، صفاتهم واحدة، أجسامهم واحدة، ألوانهم واحدة، سِنُّهم واحدة، وكأنهم أولاد توم، فباع واحدًا منهم غير معين.
طالب: على المذهب يقول: لا يصح إلا معينًا.
الشيخ: نعم.
الطالب: وفيه قول آخر أنه إذا كان نفس الصفات فيجوز ولو ( ... ).
الشيخ: إذا كان نفس الصفات والقيمة فيجوز، طيب، وهنا نطبق الحديث: نَهَى عنْ بَيْعِ الغَرَرِ (1). هل فيه غرر إذا كان قِيَمُهم متساوية وصفاتهم وأحوالهم؟
عنده عشرون سيارة، كلها موديل واحد، ولون واحد، فباع واحدة منها، قال: بعتك إحدى هذه السيارات بعشرين ألفًا، ما تقول؟
طالب: لا يصح؛ لوجود الغرر.
الشيخ: وين الغرر؟ كلها موديل واحد، كلها اسم واحد.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: وين الغرر؟
طالب: على المذهب: لا يصح؛ للجهالة.
الشيخ: طيب؛ لأنه لا بد من التعيين. وعلى القول الصحيح؟
الطالب: أنه يصح.
(2/744)
________________________________________
الشيخ: أنه يصح، واحد، ولو مثلًا عشرة فناجين الآن في كرتون، كلها واحدة الفناجين، قلت: بعت عليك فنجانًا من هذه الفناجين بريال، يصح؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: يصح؟
الطالب: وعلى السيارة؟
الشيخ: السيارة نفس الشيء.
الطالب: يمكن ما تشتغل يا شيخ.
الشيخ: ها؟
الطالب: يمكن ما تشتغل.
الشيخ: عيب هذا، هذا يُرد.
طالب: ( ... ).
الشيخ: ها؟
طالب: مستعملة؟
الشيخ: لا، كلها جديدة قرطاس، ما فيها.
المهم أنه إذا لم يكن فرق فالصواب الصحيح أن التعيين ليس بشرط، المقصود العلم، والمنهي عنه هو بيع؟
طالب: الغرر.
الشيخ: الغرر.
باع عليه عشرين عبدًا واستثنى واحدًا منهم.
طالب: يصح البيع.
الشيخ: استثنى واحدًا، لكن ما عيَّن، ما قال: العبد الفلاني.
الطالب: لا يصح البيع، بدون تعيين لا يصح.
الشيخ: والقول الثاني؟ أنت إذا قلت: المذهب، لا بد أن فيه قولًا آخر.
طلبة: ما شُرِح هذا.
الشيخ: ما شُرِح؟ لا، شرحناه.
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: ما يخالف.

***
بسم الله الرحمن الرحيم
قال المؤلف رحمه الله تعالى في جملة ما لا يصح لعدم العلم: (ولا عبدٍ من عبيده)؛ يعني: ولا يصح بيع عبد من عبيده؛ وذلك لعدم التعيين؛ إذ لا بد أن يكون المبيع معينًا فإذا لم يُعيَّن فإن البيع لا يصح.
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله: أنه لا يصح البيع ولو تساوت القيم؛ يعني لو كانت القيمة واحدة، وهذا فيه خلاف بين أهل العلم؛ فإن منهم من يقول: إذا تساوت القيم صح البيع. وفي هذا القول أيضًا شيء من النظر؛ لأنها قد تتساوى القيم مع اختلاف الصفات، فمثلًا هذا قيمته مئة لأنه سمين، والثاني قيمته مئة لأنه حامل، والثالث قيمته مئة لأنه كبير الجسم، أليس كذلك؟
إذن تساوي القيم في الواقع لا يرفع الجهالة إذا كان المقصود عين المبيع، أما إذا كان المقصود التجارة فإنه إذا تساوت القيم فلا جهالة؛ لأن التجارة يراد بها أيش؟
طلبة: ( ... ).
(2/745)
________________________________________
الشيخ: الثمن أو القيمة، فإذا تساوت القيم فنعم، لا بأس أن نقول: إنه يصح البيع إذا كان المقصود التجارة، أما إذا كان المقصود عين المبيع فإنه لا بد أن يُعيَّن، وتساوي القيم قد يحصل مع اختلاف الأغراض.
وأنا ضربت لكم مَثَلًا شمل ثلاث صور: هذه شاة حامل لكنها هزيلة، وهذه شاة سمينة لكنها صغيرة الجسم، وهذه شاة كبيرة الجسم ولكنها هزيلة، القيم واحدة:
الحامل رفع قيمتها الحمل، والصغيرة السمينة رفع قيمتها السِّمَن، والكبيرة الجسم القليلة اللحم رفع قيمتها كبر الجسم، لكن قد يكون الإنسان له غرض، قد يكون له غرض في الحامل دون السمينة، أو بالسمينة دون الحامل، أو بالسمينة دون الكبيرة الجسم.
فالعبرة إذن بما يمكن أن نقول: يجوز أن يبيع عبدًا من عبيده إذا لم يفُتِ الغرض، وأما إذا فات الغرض فلا بد من التعيين.
قال: (ولا استثناؤه إلا مُعَيَّنًا): يوجد الآن بيع يتبايعه الناس، يكون عنده كومة من الحبحب، أتعرفونه؟ ويسمى باللغة العامية: الجِحّ.
لو قال لك: بعت عليك واحدة من هذه الكومة بريالين، تخيَّرْ. عادة الناس الآن أن البيع صحيح نافذ، وأن المشتري إذا أخذ الحبة التي يريدها أجازها البائع أو منع، لكن البائع قد عرف أن أعلى ما يكون من ثمن هذه المجموعة أن يبلغ إلى؟
طالب: ريالين.
الشيخ: إلى ريالين، عارف أنه غير مغبون، فمثل هذا ينبغي أنه يقال بالصحة؛ لأن الناس تعارفوا على هذا البيع، ولا يرون فيه جهالة ولا غررًا، والأصل في المبايعات والعقود، الأصل فيها أيش؟
طالب: الصحة.
الشيخ: الحِلُّ والصحة، وكل واحد من الناس لا يرى في هذا شيئًا.
وكذلك أيضًا شاة من قطيع، يأتي مثلًا إلى قطيع من الغنم ويقول له: اختر ما شئت بمئة ريال من هذه الغنم. هذا أيضًا جرى به العرف، ولكنه إذا اختار فإن البائع قد علم أن أعلى ما يكون أن يبلغ؟
طالب: مئة ريال.
الشيخ: مئة ريال، إي نعم.
(2/746)
________________________________________
قال: (ولا استثناؤه إلا مُعَيَّنًا) يعني: لا يصح استثناء عبد من العبيد إلا معينًا، فلو قال: بعتك هؤلاء العبيد إلا واحدًا، فالبيع؟
طالب: صحيح.
الشيخ: البيع؟
طالب: غير صحيح.
الشيخ: ليش؟ إي نعم، لماذا؟
طلبة: للجهالة.
الشيخ: للجهالة، كيف كان هناك جهالة؟ قالوا: لأن جهالة المستثنى تستلزم جهالة المستثنى منه، المستثنى منه الآن معلوم، أمامي، عبيد عشرة، لكن إذا استثنيت إلا واحدًا أصبح المبيع أيش؟ مجهولًا؛ لأن هذا الواحد ربما تكون قيمته نصف قيمة هذا المجموع، وعلى هذا فلا يصح هذا الاستثناء.
كيف الخلاص إذا أردنا أن نستثني واحدًا؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: أُعَيِّن، أقول: إلا العبد المسمَّى محمدًا، أو العبد المسمى عبد الله، أو ما أشبه ذلك، وبهذا يرتفع المحذور.
لو قال: بعتك هؤلاء العبيد إلا هذا، وأشار إليه؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: كيف؟ هذا معين؟
الطلبة: معين.
الشيخ: بماذا؟
الطلبة: بالإشارة.
الشيخ: بالإشارة، تمام طيب.
(وإن استثنى من حيوان يُؤكَل رأسُه وجلدُه وأطرافُه صح)، يصح؟
طلبة: ما يصح.
الشيخ: إي، (وإن استثنى من حيوان يؤكل رأسَه)، (رأسَه): مفعول لاستثنى؛ ولهذا لو قال المؤلف رحمه الله: (وإن استثنى رأس حيوان مأكول) لكان أحسن للعبارة وأوضح؛ ولهذا غلط بها جهبذٌ من جهابذة الطلبة.
فنقول: (وإن استثنى من حيوان يؤكل رأسَه)، رأسَ: مفعول استثنى، (وجلدَه وأطرافَه) يعني: الأكارع مثلًا، فإنه يصح هذا الاستثناء، لماذا؟ لأنه معلوم، الرأس أمامنا كأنه كومة من لحم، والأطراف كذلك، والجلد كذلك، الجلد وإن كان يختلف أحيانًا بالرقة واللين، أو الثخانة والشفافة، لكنه اختلاف يسير، مغتفر.
فإذا قال: بعتك هذه الشاة إلا رأسَها؛ فالبيع؟
طالب: صحيح.
الشيخ: صحيح، ولكن المشكل إذا طالب البائع بالرأس وأبى المشتري أن يذبحها، فماذا نعمل؟
(2/747)
________________________________________
نقول: إن كان اشترط ذبْحَها أُجبِر عليه، وإن كان لم يشترط ذبْحَها فإنه يبقى له، وإذا أراد المشتري أن يبيعها يقول: مَن يَسُومُ الشاةَ إلا رأسَها؟ لماذا؟ لأن رأسها ليس له.
في هذه الحال لو قيل: إذا أبى أن يذبحها فإن إبقاء الشراكة ضرر، يبقى النزاع دائمًا، فهل نقول: إننا في هذه الحال نُقَوِّمُه ونُجبِر البائع على قبول التقويم؟ نعم أو لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: نُقَوِّمُه، نقول: يا جماعة هذه الرأس لو انفرد كم يساوي؟ قالوا: يساوي ريالين، وقيمة الشاة مئة ريال، في هذه الحال نجبر البائع، المشتري هو اللي يطالب الآن، يريد أن تبقى الشاة خالصة، ويقول: لا أريد أن أذبح الشاة، وهو لم يشترط عليه ذبحها، نقول للبائع: لا، خذ هذه قيمة الرأس وتبقى الشاة كلها لمن؟
طلبة: للمشتري.
الشيخ: للمشتري. وكذلك يقال في الأكارع والجلد.
لو استثنى من حيوان يؤكل أليته، والألية تكون في الضأن، هل يجوز أو لا؟ على قياس الرأس.
طلبة: يجوز.
الشيخ: أنه يجوز؛ لأن هذا عضو مستقل، معلوم بالمشاهدة فيصح.
ولو استثنى من العنز ذيلها.
طالب: يصح الاستثناء.
الشيخ: هل له قيمة؟
طلبة: ما له قيمة.
الشيخ: نعم؟
الطلبة: ( ... ).
الشيخ: الآن ليس له قيمة، فعلى كل حال إذا استثنى صح، لكن ليس له قيمة.
وقوله: (إن استثنى من حيوان يؤكل)، (يؤكل): صفة للحيوان، لو أنه استثنى من حيوان لا يؤكل، مثل أن يقول: بعت عليك هذا الحمار إلا رأسه.
طلبة: ما يصح.
الشيخ: ما يصح؟
الطلبة: ما يصح.
الشيخ: لماذا؟
الطلبة: لأنه غير مأكول.
الشيخ: لأنه لا يستفيد من الرأس شيئًا، لا يستفيد من الرأس إلا الأكل، والأكل محرم، والمحرم لا قيمة له، وعلى هذا فلا بد أن يكون الذي استثنى منه رأسه وجلده وأطرافه مما يؤكل.
المشتري اشترى الشاة إلا رأسها استثناه البائع؛ الرأس، فلما ذهب المشتري بالشاة وجد أن الشاة عوراء، والعَوَر عيب ولَّا لا؟
طلبة: عيب.
الشيخ: تنقص به القيمة؟
الطلبة: تنقص.
(2/748)
________________________________________
الشيخ: قال: أنا بفسخ البيع، يقول المشتري: أنا أريد أن أفسخ البيع؛ لأنها عوراء. فقال البائع: العَوَر في الرأس، والرأس لي، وليس لك الفسخ. فماذا نقول؟ هل له الفسخ أو لا؟
طلبة: لا، ليس له الفسخ.
طالب: فيه تفصيل.
الشيخ: ما فيه تفصيل، أبدًا، له الفسخ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ» (2).
فلا بد أن يكون هذا العيب مؤثرًا في بقية البدن، وإذا قُدِّر أنه لم يؤثر لكونه برأ وانتهى -كالعور مثلًا- فإنه يؤثر في القيمة، وأنا اشتريتها منك بمئة على أنها سليمة، وإذا كانت عوراء فستكون بثمانين، فتنقص القيمة.
وعلى هذا نقول: للمشتري الفسخ بعيب يختص بالمستثنَى، ولا يمكن للبائع أن يقول: هذا فيما استثنيت، ولا يمكن أن ترجع؛ لأن الدليل -كما قلت لكم- من جهة الحديث، وإذا قُدِّر أنه قد زال أثر هذا العيب فنرجع إلى أيش؟ التعليل بإيه؟
طالب: بالقيمة.
الشيخ: إلى التعليل بالقيمة.
(وعكسه): يعني عكس استثناء الأطراف، الآن الرأس يصح استثناؤه، الألية، الأكارع.
طلبة: يصح.
الشيخ: الشحم يقول المؤلف: (عكسه الشحمُ والْحَمْلُ): فلا يصح استثناء الشحم إذا باع الحيوان؛ وذلك لعدم العلم به؛ لأنه مجهول، مهما كان فهو مجهول، الشحم مختلط باللحم، ولا يمكن العلم به إلا بعد أن تُذبح ويُكشط ويُميَّز، أما وهي كذلك فإنه لا يمكن العلم به.
ولهذا إذا قال: بعت عليك هذه الشاة إلا شحمها، فالاستثناء غير صحيح، وإذا لم يصح الاستثناء أيش؟
طلبة: لم يصح البيع.
الشيخ: لم يصح البيع.
(2/749)
________________________________________
(والحملُ) يعني: يقصد أيضًا استثناء الحمل، استثناء الحمل لا يصح، مثل أن يبيع عليه شاةً حاملًا، وقال: بعتك هذه الشاة الحامل إلا حملها؛ لأن البائع يعرف أنها شاة طيبة، وسيكون نتاجها طيبًا، فقال: بعتك الشاة إلا حملها. فالاستثناء لا يصح، لماذا؟ لأن الحمل مجهول، فلا يصح استثناؤه، وهذا هو المذهب، وهو أحد القولين في المسألة.
والقول الثاني: صحة استثناء الحمل؛ لأن الحمل جزء منفصل، وإذا استثنيت الحمل فكأنني بعت عليك شاة حائلًا ليس فيها حمل.
فإن قال قائل: هذا يضاد نهي النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن بيع الحمل، قلنا: لا يضاد، وحاشا لله أن نقول قولًا يضاد قول الرسول عليه الصلاة والسلام مع علمنا بذلك.
ولكن الفرق: أن بيع الحمل بيع معاوضة، كل يشاح الآخر. أما الاستثناء فهو استبقاء؛ لأن البائع لم يبع شيئًا، والمشتري لم يشتر شيئًا، غاية ما فيه أن البائع أيش؟ استبقى الحمل، والاستبقاء معناه: عدم نقل الملك في الحمل، وهذا لا يضر المشتري شيئًا. فالصواب: جواز استثناء الحمل.
فإن قال قائل: يمكن أن يكون الحمل اثنين أو ثلاثة. قلنا: ولا يضر؛ لأن ما فيه معاوضة، غاية ما هنالك كأنما باع عليه أيش؟ حيوانًا حائلًا، وهذا -أعني استثناء الحمل- يقع كثيرًا في الخيل، ويقع أيضًا في البقر، ويقع في الإبل، وربما يقع في الغنم، تكون هذه الأم كثيرة الإنتاج، كثيرة اللبن. في الخيل: سريعة العدو، فيريد أن يأخذ من نتاجها. فالصواب أن استثناء الحمل جائز.
إذا استثنى شيئًا معينًا منه، قال: بعتك هذه الشاة إلا رطلًا من لحمها، فهل يجوز؟
طالب: لا.
الشيخ: الفقهاء يقولون: لا يجوز؛ لأن الرطل معلوم واللحم مجهول، واستثناء المعلوم من المجهول يُصَيِّرُه؟
طلبة: مجهولًا.
(2/750)
________________________________________
الشيخ: مجهولًا، ولكن الصحيح أنه إذا كان قد عُلِم أن هذا المستثنَى قليل بالنسبة لبقية الحيوان فإن البيع يصح؛ لأن رطلًا من اللحم والحيوان يكون مئة رطل، ما فيه ضرر، ولا فيه غرر.
لكن لو قال: بعت عليك هذه الشاة إلا ثلاثين رطلًا من اللحم، واللحم قد يكون ثلاثين رطلًا وقد يكون أقل، فهنا الاستثناء غير صحيح؛ لعدم التمكن من استيفائه.
أما إذا كان يمكن استيفاؤه، رطل اللحم يمكن قطعة من الفخذ أو قطعة من العضد ويحصل المقصود؛ ولهذا نقول: إذا استثنى شيئًا معينًا يمكن إدراكُه وتحصيلُه فلا بأس به.
لو استثنى الكبد: بعتك هذه الشاة إلا كبدها.
طلبة: يصح.
طالب: لا يصح.
الشيخ: المذهب: لا يصح، والصحيح: أنه يصح؛ لأن هذا الاستثناء؟
طالب: معلوم.
الشيخ: استبقاء، فإذا قال: ربما تكون الكبد كبيرة أو صغيرة، قلنا: هذا نعم وارد، لكن هذا استبقاء، وهو جزء منفصل منفرد معلوم.
يقول: (ويصح بيعُ ما مأكولُه في جوفه كرمانٍ وبِطِّيخٍ، وبيعُ الباقِلَّاءِ ونحوِه في قِشره)، (يصح بيعُ ما مأكولُه في جوفه كالرمان)، فيه غير الرمان؟
طالب: نعم، البطيخ.
الشيخ: البطيخ، فيه غير البطيخ.
طالب: البرتقال.
الشيخ: ها؟
الطلبة: البرتقال.
الشيخ: البرتقال، فواكه، فيه غير ذلك؟
طالب: البيض.
الشيخ: البيض، نعم.
طالب: جوز الهند.
الشيخ: وجوز الهند، بس خلاص انتهى، (يصح بيعُ ما مأكولُه في جوفِه)؛ لأنه جرت العادة بذلك، وتعامل الناس به من غير نكير، ولأن في فتحه إفسادًا له، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال وإفساده.
فلو قيل: لا تبع البيض إلا إذا بقشته، ويش يكون؟
طلبة: خرب.
الشيخ: خرب، ولو قيل: لا تبع البرتقال إلا إذا بقشته، أيضًا يخرب. لكن ماذا تقولون لو قال المشتري: أنا لا أشتري حتى تفتح البطيخة؟ وهو ما يسمى عندهم بالعرف:
طلبة: السكين.
الشيخ: على السكين. فهل يصح؟
(2/751)
________________________________________
نقول: نعم يصح؛ لأن هذه صفقة معينة. يوجد بعض الباعة الآن –ولا سيما باعة الحبحب- يفتح واحدة منها، وينشرها أمام الناس، وإذا رآها الناس وإذا هي؟
طالب: حمراء.
الشيخ: حمراء، يعني: جيدة، هذا يشبه بيع الأنموذج، أليس كذلك؟
طالب: نعم.
الشيخ: يشبه بيع الأنموذج، فإذا باع عليَّ واحدة، ثم ذهبت بها إلى البيت ففتحها وإذا هي؟
طالب: بيضاء.
الشيخ: أبيض من الغترة، هل لي أن أرجع عليه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم؟
طلبة: نعم.
طالب: لا، ما يرجع، اشترط عليه.
الشيخ: إي.
طالب: شيخ ولكن الأنموذج يشترط أن يكون كسائر ( ... ) الأنموذج، يعني.
الشيخ: هذا مثله، هذا مثل هذه.
الطالب: هو لا يدري ( ... ).
الشيخ: المهم له أن يرجع؟
طلبة: نعم.
طالب: لا.
الشيخ: الظاهر له أن يرجع، وهذا وإن لم يكن شرطًا لفظيًّا فهو شرط فعلي، كأن هذا البائع يقول: أيها الناس، إن هذا الحبحب على هذا الشكل. فالظاهر أن له الرجوع.
(كرمان) وكذلك أيضًا (بيع الباقلاءِ ونحوِه): عندك الْحُمَّص، والْجَوْز، واللَّوْز.
الباقِلَّاء ما أعرفه، لكن الحمص معروف، والجوز معروف، واللوز معروف، كله مأكوله؟
طالب: في جوفه.
الشيخ: في جوفه، وحكى لي بعض الناس قصة غريبة، قال: إنه قُدِّمَ الموز لرجل عامي ابن حلال ما يعرف، فصار يأخذ القشور ويأكلها ويدع اللب، ويقول: هذا اللب عبس، ما يؤكل.
إذن مأكوله في جوفه ولَّا خارج؟
طلبة: في جوفه.
الشيخ: لا، على رأي هذا الرجل.
طلبة: خارج.
الشيخ: مأكوله خارج، والصواب أن مأكوله؟
طالب: في جوفه.
الشيخ: في جوفه، فيصح.
(وبيع الباقلاء ونحوه في قشره) ودليل هذا: أنه يصح بيع هذه الأشياء في قشرها -كما ذكرنا قبل قليل- دعاء الحاجة إلى ذلك، وتعامل الناس بذلك من غير نكير؛ ولأن فتحها يكون.
طالب: إفسادًا لها.
الشيخ: سببًا لفسادها.
هناك أيضًا دليل من السنة؛ وهو أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلم نَهَى عنْ بيعِ الْحَبِّ حتى يشتدَّ (3).
(2/752)
________________________________________
الْحَبُّ: البُر، الشعير، حتى يشتدَّ: ومعلوم أنه بمفهوم الحديث إذا اشتد، أيش؟
طالب: جاز بيعه.
الشيخ: جاز بيعه، ومأكول السنبل في جوفه ولَّا خارج؟
طلبة: في جوفه.
الشيخ: في جوفه. إذن يمكن أن نضيف هذا الحديث إلى التعليلات الثلاثة التي ذكرناها في جواز بيع ما مأكوله في جوفه:
بيع (الْحَبِّ الْمُشْتَدِّ في سنبله)، ودليل ذلك: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نَهَى عنْ بيعِ الْحَبِّ حتى يشتدَّ.
ثم قال: (وأن يكون الثمن معلومًا)، وهذا هو الشرط السابع: (أن يكون الثمن معلومًا)، فما هو الفرق بين المبيع وبين الثمن؟
قيل: الثمن ما كان من النقدَيْنِ، فإذا قلت: بعت عليك هذا الثوب بدرهم، فما الثمن؟
طلبة: درهم.
الشيخ: طيب، وإذا قال: بعت عليك الدرهم بثوب؟
طالب: الثمن ثوب.
الشيخ: لا، الثمن الدرهم.
طالب: الثوب هو الثمن.
الشيخ: يا إخواننا، قلنا: يقول بعض العلماء: الثمن هو الدراهم والدنانير، إذا قلت: بعت عليك هذا الدرهم بثوب، فما هو الثمن؟
طلبة: الدرهم.
الشيخ: الدرهم. وقال بعض العلماء: الثمن ما دخلت عليه الباء. فإذا قلت: بعت عليك ثوبًا بدرهم، فما هو الثمن؟
طلبة: درهم.
الشيخ: بعت عليك درهما بثوب؟
الطلبة: ثوب.
الشيخ: طيب، بعت عليك قلما بساعة؟
الطلبة: الساعة.
الشيخ: بعت ساعة بقلم؟
الطلبة: القلم.
الشيخ: تمام، وهذا هو الأظهر، حتى في عرف الناس أن الثمن ما دخلت عليه الباء.
يشترط أن يكون الثمن معلومًا كما يُشترط أن يكون المبيع معلومًا، الدليل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ -صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وسلم- نَهَى عنْ بيعِ الْغَرَرِ (1).
هذا دليل، ولأنه أحد العِوَضَيْنِ فاشتُرِط فيه العلم كالعِوَضِ الآخر، وإنما قلت بهذا القياس؛ لأن العوض الآخر قد وردت أحاديث في عين المبيع المجهول، كبيع الحوامل مثلًا، إذن لا بد أن يكون الثمن معلومًا.
(2/753)
________________________________________
(فإن باعه برقمه): كما يفعل الناس في الصيدلية، الصيدليات الآن تبيع بالرقم، قال: أعطني الدواء الفلاني. مده إليه، كم القيمة؟ قال: برقمه. فالمؤلف يقول: إنه لا يصح، إن باعه برقمه لم يصح. لماذا؟ لأنه مجهول، إما للبائع، وإما للمشتري، أو لهما جميعًا، فكِّروا، مجهول: إما للبائع، وإما للمشتري، وإما لهما جميعًا.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، أنا أقول: هذه أقسام، ما أسأل هل هذا أو هذا؟ هل يمكن أن يكون مجهولًا للجميع؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يمكن، تكون هذه البضاعة واردة مكتوبًا عليها من قِبَل المسؤولين القيمة، والبائع لا يدري، والمشتري لا يدري، يمكن.
يمكن أن يكون معلومًا للبائع مجهولًا للمشتري؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يمكن. يمكن أن يكون معلومًا للمشتري مجهولًا للبائع؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يمكن.
طالب: لا يمكن.
الشيخ: لا. يمكن بارك الله فيكم، أنتم الآن قلتم: يمكن أن يكون مجهولًا للجميع؛ للبائع والمشتري، فإذا كان يمكن أن يكون مجهولًا للجميع أمكن أن يكون مجهولًا لواحد منهما، فإذن لا بد أن يكون معلومًا، فإذا باع بالرقم فإنه لا يصح البيع، هذا المذهب.
والقول الثاني: أنه يصح البيع بالرقم إذا كان من قِبَل الدولة، بل هذا ربما يكون أشد اطمئنانًا للبائع والمشتري، أليس كذلك؟ أما إذا كان الرقم من البائع نفسه -هو اللي بيرقم ما شاء على سلعته- فهذا لا بد أن يكون معلومًا، فالرقم لا يصح، مثل إنسان -مثلًا- مسعر الساعات، كاتب ورقة صغيرة على الساعة: خمس مئة ريال. قال المشتري: كم تبيعها؟ قال: برقمها، يصح أو لا؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح، ليش ما يصح؟ لأن هذا البائع ربما يرقُم عليها أضعاف أضعاف القيمة، لكن إذا علمنا أن هذا مُقَدَّر ومرقوم من جهة مسؤولة، فإنه لا شك في جواز البيع بالرقم.
لو قال البائع لما سأله المشتري: كم القيمة؟ قال: مكتوب عليها رقم، برقمها. فنظر المشتري وإذا الرقم كثير، فأبى أن يشتريها بذلك، يصح؟
طالب: يصح.
(2/754)
________________________________________
الشيخ: يصح. نظر إلى رقمها وإذا هو مناسب، فقال: قَبِلْت. يصح أو لا؟
طلبة: يصح.
الشيخ: يصح؛ لأنه الآن عُلِم الرقم، وكلام المؤلف في قوله: (إن باعه برقمه): برقم لا يُعرَف حين العقد.
كذلك إذا باعه (بألف درهمٍ ذهبًا وفضة)، انتبهوا، قال: بعتك بألفِ درهم ذهبًا وفضة، ما يصح.
قال: بعتك بألفٍ ذهبًا وفضة.
طالب: لا يصح.
الشيخ: يصح.
الطالب: ما يصح.
الشيخ: يصح، بعتك بألفِ درهم ذهبًا وفضة، لا يصح. بعتك بألفٍ ذهبًا وفضة، يصح. آدم كأنه مشكل عليه هذا، أيش تقول؟
طالب: لا، ما اتضح لي.
الشيخ: ما اتضح لك.
الطالب: إي.
الشيخ: إي، إذا قال: بألفٍ ذهبًا وفضة، صح، وحُمِل على المناصفة، كم تكون القيمة الآن؟
طلبة: خمس مئة.
الشيخ: خمس مئة درهم، وأيش؟
طالب: خمس مئة دينار.
الشيخ: وخمس مئة دينار، واضحة، لكن بألفِ درهم ذهبًا وفضة لا ندري كم سيعطينا؟ ربما يعطينا أكثرها ذهبًا والباقي فضة، أو أكثرها فضة والباقي ذهبًا، ما ندري.
لكن لو قال قائل: إذا كانت الدراهم والدنانير مقررة، كل اثني عشر درهَمًا دينار، فإذا قال: بعتك بألفِ درهم ذهبًا وفضة، صار معلومًا، سواء من الدنانير أو الدراهم. قلنا: هذا صحيح، لكن قد يكون له غرض في أن يكون أكثر الثمن دنانير أو أكثر الثمن؟
طالب: دراهم.
الشيخ: دراهم، فيكون له غرض صحيح، وعلى هذا فقول المؤلف: إنه لا يصح، قول صحيح، حتى لو فُرِض أن قيمة الدراهم من قيمة الدنانير لا تتغير فإنه قد يكون له غرض في أيش؟ في تعيينها، في أعيانها.
والخلاصة: أنه إذا قال: بعتك بألفٍ ذهبًا وفضة، فالبيع؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: فالبيع صحيح، ويُحمَل على أيش؟
الطلبة: المناصفة.
الشيخ: على المناصفة. بألفِ درهم ذهبًا وفضة لا يصح؛ لأنه ربما يجعل الأكثر ذهبًا والأقل فضة، أو بالعكس. وكذلك لو قال: بمئة دينار ذهبًا وفضة لا يصح؛ للجهالة.
(2/755)
________________________________________
كذلك لو باعه (بما ينقطع به السعر) لم يصح أيضًا؛ يعني قال: أبيعك إياه بما يقف عليه في المساومة، فإنه لا يصح، لماذا؟
طالب: مجهول.
الشيخ: لأننا لا ندري هل يقف على ثمن كثير، أو على ثمن قليل؟ وربما يأتي شخص يناجش فيرتفع الثمن، وربما يكون الحضور قليلين فأيش؟
طالب: يقل.
الشيخ: فينقص الثمن؛ ولهذا لا يصح أن يبيعه بما ينقطع به السعر.
وقيل: إنه يصح، وأن بيعه بما ينقطع به السعر أشد طمأنينة من بيعه بالمساومة؛ لأن الإنسان يطمئن يقول: ما دام الناس وقفوا على هذا السعر فهذا يدل على أن القيمة مطابقة. ولكن في النفس من هذا شيئًا، والأقرب: أنه لا يصح بما ينقطع به السعر؛ وذلك لأن ما ينقطع به السعر مجهول، لو حصل مناجشة؟ أنت.
طالب: نعم.
الشيخ: إذا حصل مناجشة؟
الطالب: لا يصح.
الشيخ: أقول: هل يزيد ولَّا ينقص؟
الطالب: يزيد طبعًا.
الشيخ: ولو قل الحاضرون؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: أقول: ينقص ولَّا يزيد؟
الطالب: يزيد طبعًا.
الشيخ: لا. ينقص، يعني مثلًا أنا مُقَدِّر أنه ينقطع السعر بهذه السلعة بألف، فجاء جماعة يتناجشون، ربما تصل إلى؟
طالب: أضعاف.
الشيخ: إلى ألفين، كذلك أنا مُقَدِّرها بألف لكن ضَعُفَ حضورُ الناس، قلَّ حضورُ الناس، ربما لا تصل الألف، فالجهالة إذن موجودة ولَّا غير موجودة؟
طلبة: موجودة.
الشيخ: موجودة؛ ولهذا ينبغي أن يُقطَع بِمنعِ ما ينقطع به السعرُ.
يقول: (أو بما باع به زيد) إذا قال: بعتك بما باع به زيد، ونحن لا ندري: كم باع؟ ولهذا قال: (وجهلاه أو أحدُهما لم يصح) البيعُ، لماذا؟
طالب: لأنه مجهول.
الشيخ: لأن بيع زيد مجهول، وهذا هو المذهب.
(2/756)
________________________________________
وقيل: إن كان زيد ممن يُعتبَر بتقديره الثمن، فإن البيع بما يبيع به صحيح، يعني مثلًا إنسان مشهور بالبلد معروف أنه هو الذي يعرف الأسعار، فقلت: أبيعك كما يبيع زيد. فالقول الثاني: أن ذلك صحيح، لماذا؟ لأن هذا أوثق ما يكون؛ يعني: اعتبار الناس بالرجل المشهور الذي قد نصب نفسه لبيع البضائع، اعتبارهم به أكثر من اعتبارهم ببيع المساومة، فالصحيح في هذه المسألة أنه يصح.
أما إذا كان زيد من عامة الناس الذين لا يعرفون التجارة، فنَعَمْ لا يصح أن نقول: بعتك بما باع به زيد؛ لأن زيدًا قد يُغبَن فيشترى بأقل أو بالعكس ( ... ).
طالب: إذا باع بما ينقطع به السعر عن طريق الوكالة.
الشيخ: عن أيش؟
الطالب: عن طريق الوكالة، إذا قال: وكلتك.
الشيخ: إي.
الطالب: تبيع لي السلعة بما ينقطع به السعر.
الشيخ: ترى (باعه) يعني: (باع عليه)، ما هو (باع له).
الطالب: أقصد شيخ ( ... ).
الشيخ: نعم وكَّله، قال له: إذا وَقَفَتْ فاشترها لي.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: ما فيها شيء، هذه وكالة.
الطالب: والبيع؟
الشيخ: هذه وكالة، والوكيل الآن قام مقام الموكِّل، فلما بلغت القيمة إلى الحد الذي وقف عليه السعر صار معلومًا للوكيل، نعم.
طالب: شيخ، ما فهمت هذا: (أو باعه بما ينقطع به السعر).
الشيخ: نعم، (باعه بما ينقطع به السعر)، قال: أنا أبيع عليك هذه الحقيبة، بَحَرِّج عليها، أنادي عليها في السوق، فإذا وقفتْ فقد بعتها عليك به، أي بما وقفتْ عليه، عرفته؟
الطالب: خلاص.
الشيخ: نعم.
طالب: شيخ بارك الله فيكم، ما علمتَ كيف يكون معلومًا للمشتري غير معلوم للبائع؟
الشيخ: لا، فاهم، أنت تقول: ما علمتَ.
الطالب: ما فهمتَ.
الشيخ: تقول: ما فهمتَ؛ أنا! تخاطبني؛ لأن التاء مفتوحة.
الطالب: ما فهمتَ أنا.
الشيخ: ما فهمتَ أنا! ! ما يصح. حرِّك التاء -بيِّنْ- بالضمِّ.
(2/757)
________________________________________
يعني بعض الناس -الله يوفقنا وإياهم- يريدون أن يتكلموا باللغة العربية، فيفسدون اللغة العربية ويتركون لغتهم.
طالب: اجتهد، يقول: ( ... ) اجتهد أن تتكلم العربية ( ... ).
الشيخ: اجتهد، لكن خل يصير عندك علم.
طالب: هو نجتهد مع العلم؟
الشيخ: لا، هذا ما هو باجتهاد، طيب ..
طالب: كيف يكون معلومًا للمشتري غير معلوم للبائع؟
الشيخ: إي نعم، البائع رجل أعمى، ولا يدري ويش الرقم، والمشتري رجل بصير، يقرأ الرقم، فقال: بعتك برقمه، صار معلومًا للمشتري غير معلوم للبائع.
طالب: قلنا: إن استثنى رطلًا من اللحم من الشاة ( ... ) المستثنى منه، فلو قال قائل: أهل الخبرة يعرفون ( ... ) اللحم من الشاة، يكون معلومًا عندهم، فهل يصح؟
الشيخ: نحن قلنا: إنه يصح بشرط أن يكون المستثنَى قليلًا، بحيث نعلم أنه سيكون الاستثناء صحيحًا.
الطالب: لكن ما يمكن الجزار يعلم ( ... ).
الشيخ: صحيح، ما فيه شك، ما هو بواضح، يعني كلام الفقهاء ما هو بواضح، نعم.
طالب: إذا كان الحمل يضر بالشاة واستثنى الحمل، ولكن الحمل بيضر ( ... ).
الشيخ: المشتري عارف أنه غالبًا أن الحامل يكون معها فتور، يكون معها مرض.
الطالب: وإذا تلفت ( ... )؟
الشيخ: إذا تلفت فإنه لا يضمن البائع للمشتري شيئًا؛ لأنها في ملكه، ولا يضمن المشتري للبائع شيئًا؛ لأنه لم يملكها البائع من جهته.
طالب: ( ... ) لا يعلمون البطيخ إذا كان فتح إحداها ما اتفق، ولكن البطيخ يختلف، إذا كان لونه أحمر أو لا؟ معروف هذا أنه إذا كان فتح حمراء فقد تجد من ..
الشيخ: هو كأنَّه لما فتح الحمراء كأنه قال لك: أبغي أبيع عليك من جنس هذا.
الطالب: لكن معلوم بالضرورة أنه لا يمكن التساوي.
الشيخ: إذا صار مستويًا في الغالب يكون كله على أحمر.
طالب: شيخ، إذا استثنَى من حيوان يؤكل استثنَى منه رأسه، ولكن مات الحيوان بعد العقد.
الشيخ: إي، يموت على المشتري وعلى البائع.
الطالب: على الجميع؟
الشيخ: على الجميع.
(2/758)
________________________________________
الطالب: والثمن الذي قبضه؟ البائع؟
الشيخ: له.
الطالب: يعني كله في ملكه؟
الشيخ: إي؛ لأن الثمن الذي قبضه بينزل منه قيمة الرأس. نعم.
طالب: البيع بالرقم من قِبَل الدولة، أليس هو ( ... ) تسعير؟
الشيخ: إلَّا.
الطالب: وما هو حكم التسعير؟
الشيخ: لا بأس به، إذا كان المقصود به دفع جشع الناس.
الطالب: وكيف نقول أو نرد على شبهة من قال بأن الحديث يدل على النهي، أو أن النهي مفهوم من الحديث: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ» (4)؟
الشيخ: نعم؛ لأنه غلا السعر لقلة الموجود، ما هو لاحتكار الناس. فالتسعير ينقسم إلى قسمين: ممنوع، وهو ما كان سببه قلة الموجود أو كثرة الآخِذ مثلًا، هذا لا يجوز أن نُسَعِّر؛ لأن هذا من الله.
لكن إذا كان السبب هو احتكار الناس، لو اجتمع الصيادلة وقالوا: تعالوا؛ هذا الدواء نشتريه من الخارج بريال، والناس محتاجون إليه، سنجعله بخمسة ريالات، أيُضرَب على أيديهم أو يُترَكون يلعبون؟
الطالب: يُضرَب على أيديهم.
الشيخ: هذا هو.
الطالب: والذي وقع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا القبيل؟
الشيخ: لا، اللِّي وقع ما هو من هذا القبيل، اللي وقع لقلة المحصول، نعم.
طالب: لو أسقط المشتري حقه في بيع ..
الشيخ: كيف؟
الطالب: البيع الممنوع لو أسقط المشتري حقه، مثل بيع ما ينتهي به السعر، قَبِل هو ذلك من أول البيع، أسقط حقه في معرفة المبيع.
الشيخ: كيف أسقط حقه؟
الطالب: يصح البيع؟
الشيخ: شلون، ما فهمت؟
الطالب: يعني قَبِل أن يشتري مبيعًا مجهولًا، هو قَبِل بهذا.
الشيخ: ما ينقطع به السعر هذا يعود على الثمن ما هو على المبيع.
الطالب: لا، عمومًا في جميع البيوع الممنوعة، إذا هو قَبِل بهذا.
الشيخ: ما يجوز، ( ... ) لو قَبِل بالربا نقول: لا بأس؟ !
الطالب: يعني ما من حقه يا شيخ؟
الشيخ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، من حقه إذا عُلِم النقص أو الزيادة ورضي، أما والأمر غير معلوم ما يصح.
(2/759)
________________________________________
طالب: بارك الله فيكم، الآن السائر العُرف الآن أن البائع والمشتري يتبايعان، ثم إذا نظر المشتري السلعة إن شاء أخذها وإن شاء تركها، مثل الآن السوبر ماركت ( ... ).
الشيخ: هذا -بارك الله فيكم- من باب خيار المجلس، والإنسان له خيار المجلس، لكن أصل العقد على شيء مجهول لا يجوز، نعم.
طالب: بالنسبة لما ينقطع به السعر، إذا قال: إذا كان السعر في السوق فأنا إذن بالخيار، فأنا إذن بالخيار، إن ( ... ) آخذ معك، والعقد بيع.
الشيخ: إي.
الطالب: قال: أنا بالخيار، إذا كان السعر.
الشيخ: ما صار عقدًا، هذا لم يكن عقدًا، الكلام إذا باعه بما ينقطع به السعر. انتهى الوقت.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(وإن باع ثوبًا أو صُبْرَة أو قطيعًا، كل ذراع أو قفيز أو شاة بدرهم صح، وإن باع من الصبرة كل قفيز بدرهم أو بمئة درهم إلا دينارًا وعكسه).
الشيخ: ليش تقول: درهم؟
الطالب: درهم.
الشيخ: إي، الراء الساكنة إذا كان ما قبلها مكسورًا.
الطالب: تُرَقَّق.
الشيخ: نعم.
الطالب: (أو بمئة درهم إلا دينارًا وعكسه، أو باع معلومًا ومجهولًا يتعذر علمه ولم يقل: كل منهما بكذا) أو ما ينقسم.
الشيخ: لا، لا، (لم يصح، فإن لم يتعذر صح في المعلوم بقسطه، ولو باع مُشاعًا بينه وبين غيره كعبد أو ما ينقسم) عندك سقط الظاهر.
الطالب: إي نعم. (أو باع معلومًا ومجهولًا يتعذر علمه ولم يقل: كل واحد منهما بكذا، لم يصح، فإن لم يتعذر صح في المعلوم بقسطه، ولو باع مُشاعًا بينه وبين غيره كعبد أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء صح في نصيبه بقسطه).
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ما تقول فيما لو باع هذا الشيء بألف درهمٍ ذهبًا وفضة؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح.
الطالب: لأنه قد يكون ( ... ).
الشيخ: بألفِ درهمٍ ذهبًا وفضة؟
(2/760)
________________________________________
الطالب: إي نعم، لا يصح.
الشيخ: لا يصح، لماذا؟
الطالب: لأنه فيه جهالة.
الشيخ: ما هي الجهالة؟
الطالب: قد يكون أكثرُه ذهبًا، وقد يكون أكثرُه فضة.
الشيخ: قد يعطيه من الذهب نسبة أكبر، أو بالعكس، طيب.
بألفٍ ذهبًا وفضة -ما قال: بألفِ درهم- بألفٍ ذهبًا وفضة؟
طالب: يصح، ويُبنَي على المناصفة.
الشيخ: يصح ويكون مناصفة، طيب، صحيح.
إذا باع الْحَبَّ الْمُشْتَدَّ في سنبله، أو في غير سنبله ولكنه في السنبل، يصح ولَّا ما يصح؟
طالب: إذا باع الْحَبَّ المشتد؟
الشيخ: إي نعم، زرْعٌ قائم، حَبٌّ مُشتد، فباعه في سنبله.
الطالب: نعم.
الشيخ: أو باعه مُفردًا بدون السنبل.
الطالب: وهو قد اشتد؟
الشيخ: إي وهو مُشتد، واقف.
الطالب: لا حرج، يجوز.
الشيخ: في الصورتين؟
الطالب: نعم، في الصورتين.
الشيخ: يصح أو لا يصح؟
طالب: يصح.
الشيخ: في الصورتين؟
الطالب: في الصورتين.
الشيخ: طيب.
طالب: يجوز في الأولى، الثانية لا تصح كالنَّوَى في التمر.
الشيخ: إي، الثاني لا يصح، إذا باع الحب دون السنبل.
الطالب: مثل النوى في التمر.
الشيخ: فإنه لا يصح كالنوى في التمر، وإن باع الحب في سنبله صح كالتمر في نواه، صحيح؟
الطالب: إي.
الشيخ: نعم هو هذا؛ ولهذا كلام المؤلف: (الحب المشتد في سنبله) لا بد من هذا القيد، طيب.
باعه برَقْمِه، باع الشيء برقمه.
طالب: يصح.
الشيخ: يصح؟ كذا؟
طالب: إن كان -يعني- معلومًا عند الناس فإنه يصح.
الشيخ: هو معلوم عند الناس، لكن عند المتبايعين ما ندري.
الطالب: يعني عند الذي يبيع.
الشيخ: نعم، يعني هو جاء للصيدلية قال: أريد الدواء الفلاني، قال: كم فيه؟ قال: على حسب المكتوب فيه، أنا ما أدري، وزارة الصحة.
الطالب: يعني يكون سعرها لا يزيد على يعني ..
الشيخ: وزارة الصحة هي التي كتبت رقم القيمة.
الطالب: هذا يصح.
الشيخ: يصح؟
طالب: على المذهب أنه لا يصح، وإن القول الصحيح أنه يصح.
الشيخ: نعم.
(2/761)
________________________________________
الطالب: قلنا: فيه تفصيل: إن كان من جهة الدولة -لجنة التموين- فإنه يصح، وإن كان من جهة البائع فإنه لا يصح.
الشيخ: لأنه قد يضع عليه رقمًا كبيرًا، طيب، صحيح، أسمعتم الجواب؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نقول: إذا كان هذا الرقم مكتوبًا من قِبَل المسؤولين فلا بأس؛ يعني هذا هو الثمن، إن كان من قبل البائع فلا يصح؛ لأنه قد يضع عليه رقمًا كبيرًا، أما إذا علماه فالأمر واضح. طيب نبدأ الدرس الجديد الآن:
***
قال المؤلف رحمه الله: (وإن باع ثوبًا أو صُبْرة أو قطيعًا): الثوب يراد به: المخيط وغير المخيط، والغالب أنه في غير المخيط، (ثوبًا أو) باع (صُبْرة) الصبرة: هي الكومة من الطعام، (أو) باع (قطيعًا) وهو: الطائفة من الغنم.
(كل ذراع أو قفيز أو شاة)، (كل ذراع) يعود على أيش؟
طالب: الثوب.
الشيخ: الثوب. (أو قَفِيز).
طلبة: على الصبرة.
الشيخ: على الصبرة. وهو -القفيز-: نوع من المكاييل.
(أو شاة): يعود على القطيع، ففي الكلام إذن لَفٌّ ونَشْرٌ إيه؟
طلبة: مُرَتَّبٌ.
الشيخ: لَفٌّ ونَشْرٌ مُرَتَّبٌ؛ لأنه أجملَ بالأول ثم فصَّل على الترتيب.
إذا باع هذه: (كلَّ ذراع أو قفيز أو صبرة أو شاة بدرهم صح) وإن لم يعلما القدر؛ لأنه باع الجملة، وجعل هذا التحديد تقديرًا للثمن، أما المبيع فمعلوم، أفهمتم؟
هذا إنسان عنده قطيع من الغنم، قال: بعتك هذا القطيع كله، كل شاة بدرهم، يصح؛ لأن المبيع الآن معلوم، وتقديره بالشاة -أي بالواحدة- من أجل معرفة قدر الثمن، فيصح.
القطيع هذا ربما يجي مئة رأس أو مئتين، نقول: لا يضر هذا، لا يضر؛ لأنه معلوم بالمشاهدة، وكوني أُحدد الثمن على كل رأس إنما هو لتقدير الثمن فقط.
ومثل ذلك أيضًا إذا باعه الصُّبْرة كلها، كل قفيز -وإن شئت فقل: كل صاع- بدرهم فلا بأس.
كذلك لو باعه الثوب، هذه قطعة قماش، قال: أبيع عليك المتر بكذا وكذا، أبيع عليك هذا الثوب المتر بكذا وكذا، فهذا جائز.
(2/762)
________________________________________
لكن (إن باع من الصبرة كل قفيز بدرهم) أو: من الثوب كل ذراع بدرهم، أو من القطيع كل شاة بدرهم، فهنا لا يصح البيع.
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: بارك الله فيك انتظر، عرفتم الحكم الآن؟ باع عليه القطيع كله كل شاة بدرهم، ما الحكم؟
طلبة: يصح هذا.
الشيخ: يصح. باع عليه من القطيع كل شاة بدرهم؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح، لماذا؟ لأن (من) للتبعيض، فلا ندري هل يأخذ من هذا القطيع شيئًا كثيرًا، أو يأخذ شيئًا قليلًا، فعاد الأمر إلى جهالة المبيع؛ لأنه قد يأخذ من القطيع -مثلًا- خمسين رأسًا أو عشرين رأسًا أو كل القطيع، فهو مجهول، فلهذا لا يصح.
طالب: شيخ ما الفرق في الحكم؟
الشيخ: أعلمك الفرق، الفرق أنه في الأولى وقَع البيعُ؟
طالب: على القطيع.
الشيخ: على الجميع، وكون كل واحد بكذا إنما هو لمعرفة قدر الثمن، فالمبيع الآن معلوم ولَّا غير معلوم؟
طلبة: معلوم.
الشيخ: طيب، هنا يقول: من القطيع كل شاة بدرهم، (من) هذه للتبعيض، لو أخذ من القطيع اللي عدده ألف أخذ ثلاثًا، لا نلزمه بأكثر من ثلاث؛ لأنه يقول: (من)، و (من) تأتي لأيش؟
طلبة: للتبعيض.
الشيخ: للتبعيض.
أخذ ثلاثين، ما هو نفس الشيء؟ أنا ما أدري ماذا يأخذ من القطيع؟ فهو مجهول لي، هذا هو الفرق، وكأنه لا يدخل فكركم الظاهر، كأنه ما هو بداخل أفكاركم.
فنقول: القول الثاني: صحة ذلك، القول الثاني في المسألة: أن هذا صحيح؛ وذلك لأن البائع قد طمأن نفسه على أنه ربما يأخذ المشتري جميع أيش؟
طالب: القطيع.
الشيخ: جميع القطيع، وأنه أتى بـ (من) للتبعيض؛ لأجل أن يكون المشتري بالخيار: إن شاء أخذ كثيرًا، وإن شاء أخذ قليلًا، ثم إن المسألة ستُعلم، إذا قال: أنا أبغي عشرة من القطيع، عُلِم ولَّا لا؟
طلبة: عُلِم.
(2/763)
________________________________________
الشيخ: عُلِم، إذن يصح، وهذا القول هو القول الراجح في هذه المسألة؛ أنه إذا باعه من القطيع كلَّ شاة بدرهم، أو من الثوب كلَّ ذراع بدرهم، أو من الصُّبْرة كلَّ قفيز بدرهم؛ فإن البيع صحيح كما لو باعه الكل.
وقد ذكرنا بالدرس السابق أن الناس جرت عادتهم أن المشتري إذا جاء إلى القطيع وقال له صاحب القطيع: خذ ما شئت -مثلًا- شاتين، ثلاثًا، أربعًا، تَخَيَّرْ. فيأخذ واحدة، اثنتين، ثلاثًا، أربعًا ويمشي، والناس يتبايعون بهذا، وعليه العمل، فالصواب إذن؟
طلبة: صحة ( ... ).
الشيخ: صحة ذلك، في هذا وفي هذا.
يقول رحمه الله: (وإن باع من الصُّبْرة كلَّ قفيز) شوف (من الصبرة)، (من) لأيش؟
طلبة: للتبعيض.
الشيخ: للتبعيض، (كلَّ قفيز بدرهم) فإنه لا يصح.
قال: (أو) باعه (بمئة درهم إلا دينارًا) لم يصح، قال: (وعكْسه): بأن باعه بدينار إلا درهمًا لم يصح، هاتان مسألتان:
المسألة الأولى: إذا باعه بمئة درهم إلا دينارًا فإنه لا يصح؛ لأن المستثنَى من غير جنس المستثنى منه، صح ولَّا لا؟
طالب: صحيح.
الشيخ: طيب، بمئة درهم إلا درهمًا؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: صح؛ لأن المستثنَى من جنس المستثنى منه.
بمئة درهم إلا دينارًا؟ إذا قال: نُقَدِّر الدينار نُقَدِّر قيمته ونُسقِطه من الدراهم، مثلًا بعد ما يتم البيع نقول: كم يساوي الدينار؟ قالوا: يساوي عشرة دراهم، يكون البيع كم؟
طالب: بتسعين.
الشيخ: بتسعين، فلماذا لم يصح؟ قالوا: لأننا قد نُقَدِّر قيمته فيكون أكثر أو أقل.
وبناءً على هذا نقول: إذا كانت الدراهم والدنانير معلومة القيمة؛ بمعنى: أنها مقررة من قِبَل الدولة بأن عشرة الدراهم دينار، فقلت: بعت بمئة درهم إلا دينارًا، فإن البيع؟
طالب: صحيح.
الشيخ: يكون صحيحًا لزوال الجهالة، وربما يكون هذا مراد الأصحاب رحمهم الله؛ أن مرادهم إذا كانت قيمة الدينار أيش؟
طلبة: غير معلومة.
الشيخ: غير معلومة، أما إذا كانت معلومة فإن الثمن سيكون معلومًا.
(2/764)
________________________________________
بعتك هذا الشيء بدينار إلا درهمًا، يصح ولَّا لا؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح على كلام المؤلف؛ لأن قيمة الدرهم المستثنَى غير معلومة بالنسبة للدينار، والمستثنى من غير جنس المستثنى منه فلا يصح.
وبناءً على ما قررنا نقول: إذا كانت نسبة الدراهم إلى الدنانير لا تختلف فالبيع؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: فالبيع صحيح، لكن كيف نعمل الآن؟ دينار إلا درهمًا، كيف نأخذ الثمن من المشتري؟
نقول: إذا كان الدينار يساوي عشرة يكون البيع؟
طالب: بتسعة.
الشيخ: بتسعة، والأمر واضح. فعلى هذا نقول: إذا استثنى أحد النقدين من الآخر فالبيع؟
طالب: صحيح.
طالب آخر: لا.
الشيخ: على المذهب: غير صحيح، ونُقَيِّد ذلك بما إذا كانت القيمة قابلة للزيادة والنقص، أما إذا كانت القيمة مقررة بحيث يكون كل عشرة دراهم دينارًا فالاستثناء صحيح.
يقول رحمه الله: (أو باع معلومًا ومجهولًا يتعذر علمُه ولم يقل: كل منهما بكذا، لم يصح)، فإن قال: كل منهما بكذا، صح.
(معلومًا ومجهولًا يتعذر علمُه) نحتاج إلى المثال: بأن قال: بعتك هذه الناقة وما في بطن هذه الناقة. الذي في بطن الناقة الأخرى معلوم ولا مجهول؟
طلبة: مجهول.
الشيخ: يتعذر علمُه ولَّا لا يتعذر؟
الطلبة: يتعذر.
الشيخ: يتعذر علمُه حين العقد، فهنا يقول المؤلف رحمه الله: إن قال: كل منهما بكذا، صح، وإلا فلا.
المثال مرة ثانية: قال: بعتك هذه الناقة وما في بطن هذه الناقة بألف درهم. فالثمن الآن معلوم، أو لا؟
طالب: نعم، الثمن معلوم.
الشيخ: والمبيع؟
طالب: بعضه معلوم.
الشيخ: بعضه معلوم، وبعضه غير معلوم، هذا البعض الغير معلوم هل يتعذر علمُه الآن أو لا يتعذر؟
طلبة: يتعذر.
الشيخ: يتعذر؛ لأنه حمل، إذن نقول: إن قال: كل منهما بكذا، صح؛ بأن قال: بعتك هذه الناقة وما في بطن هذه الناقة بألف درهم؛ هذه الناقة بثمان مئة، والحمل بمئتين، أيش الحكم؟
طلبة: يصح.
(2/765)
________________________________________
الشيخ: يصح؛ لأن هذا ما فيه جهالة، لكن الناقة وما في بطن الأخرى بألف، لا يمكن أن نقسم الثمن عليهما؛ لأن قيمة الحمل أيش؟
طالب: مجهولة.
الشيخ: مجهولة، قيمة الحمل مجهولة، ولا يمكن أن نصل إلى قيمتها، فيبقى الثمن الآن.
طالب: مجهولًا.
الشيخ: مجهولًا، وهذا واضح.
فإن قال: بعتك هذه الناقة وحملها بمئة، هي بثمانين، والحمل بعشرين؟
طلبة: صح.
طلبة آخرون: ( ... ).
الشيخ: يا إخواني أين العقول؟ إذا قلنا: هذه الناقة وما في بطن الأخرى بمئة؛ الناقة بثمانين، والتي في بطن الأخرى بعشرين؟ قلتم: يصح.
هذه المسألة: بعتك هذه الناقة وما في بطنها بمئة؛ الناقة بثمانين، والحمل بعشرين؟
طلبة: لا يصح.
طالب: يصح.
الشيخ: طيب، لماذا لا يصح؟ وفي المسألة الأولى: يصح؟
طالب: لا يصح هنا؛ لأن الحمل صار مقصودًا، معينًا بقيمة.
الشيخ: نعم.
الطالب: وتَعَلَّقَ البيعُ به.
الشيخ: لكن بيَّنَّا -سلمك الله- قيمته، ما فيه جهالة، قلنا عشرين، قيمته من المئة عشرين.
الطالب: ما يصح؛ لأنه قُصِد بقيمة.
الشيخ: قل: (وَلَوْ) وخلاص، كلمة: (ولو) هذه معناها: ما عند الإنسان تعليل.
طالب: لأنه أفرد بعقد يا شيخ؛ لأنه يفترض أن يكون معلومًا برؤية أو صفة، وهذا ليس معلومًا.
الشيخ: لكن يا أخي الثمن معلوم، ما الفرق بين هذه الناقة وما في بطن الأخرى؟ بمئة: الناقة بثمانين، والذي في بطن الأخرى بعشرين. هذه نفس الشيء، هذه الناقة وحملها بمئة: الناقة بثمانين، والحمل بعشرين.
هي في الواقع يقولون: لا يصح. لكن انتبهوا للتعليل؛ لأن الحمل لا يصح بيعه إلا أيش؟
طلبة: تبعًا.
الشيخ: إلا تبعًا، فإذا قلت: هذه الناقة بثمانين والحمل بعشرين، صار الآن مستقلًّا، فلا يصح بيعه، كما لا يصح بيع حمل الناقة الأخرى في المثال الأول، وتبقى الأم بثمانين.
(2/766)
________________________________________
قالوا: إذا صححنا البيع في الأم دون الحمل صار كاستثناء الحمل، صار كبيع الحامل مع استثناء حملها، وقد سبق أن بيع الحامل مع استثناء حملها يصح ولَّا ما يصح؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: على المذهب: لا يصح. وبناءً على ما رجحناه؟
طلبة: يصح.
الشيخ: يصح، بناءً على ما رجحناه من أن الإنسان إذا باع حاملًا واستثنى الحمل فالبيع صحيح، يصح، انتبهوا للفرق، ترى الفروق عند أهل العلم دقيقة.
(ومجهولًا يتعذر علمُه ... لم يصح، فإن لم يتعذر صح في المعلوم بقسطه): إن لم يتعذر عِلْمُ المجهولِ صح في المعلوم بقسطه؛ وذلك لأنه يمكن أن يُقَسَّط الثمن على المعلوم وعلى المجهول، ويُعْرَف ثمن المعلوم.
مثال ذلك: باع عليه السيارة الموجودة الآن هنا، وسيارة أخرى في الكراج، السيارة الأخرى اللي في الكراج مجهولة ولَّا لا؟ مجهولة، بعت عليك السيارة اللي هنا واللي في الكراج بعشرة آلاف. يقول: البيع يصح، في الحاضرة ولَّا في الكراج؟
طالب: الحاضرة.
الشيخ: في الحاضرة، اللي في الكراج ما يصح فيها البيع، لا يصح فيها البيع؛ لأنها مجهولة، كيف نُقَسِّط الثمن؟ نقول: نُقَدِّر الآن كم قيمة الموجودة بين أيدينا؟ قالوا: قيمتها عشرة. كم قيمة الأخرى؟ قالوا: قيمتها خمسة. كيف نوزع الثمن؟ نوزعه أثلاثًا؛ ثلثاه للحاضرة، وثلثه؟
طالب: للغائبة.
الشيخ: للغائبة، أفهمتم؟ فصار يُقَسَّط الثمن على المعلوم الحاضر وعلى المجهول الغائب، ويؤخذ الثمن الذي للمعلوم الحاضر وذاك يسقط؛ يسقط لأنه ما صح فيه البيع.
فصار بيع المعلوم مع المجهول ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يتعذر علم المجهول.
والثاني: ألا يتعذر.
إن تعذر علمه فالبيع؟
طالب: صح في المعلوم دون المجهول.
الشيخ: لا، إن تعذر علمه فإنه لا يصح البيع ما لم يُقَدِّر لكل منهما ثمنًا، وأما إذا لم يتعذر علمه فإنه -وهو القسم الثاني- فإنه يصح في المعلوم بقسطه، وننظر قيمة المجهول تسقط من الثمن. واضح لكم الآن؟
طلبة: واضح.
(2/767)
________________________________________
الشيخ: طيب، واضح.
طالب: يا شيخ قُدِّرَ مرتين القيمة، مو بواضح، قلنا بعشرة آلاف ثم بخمسة عشر ألف؟
الشيخ: إي هذا التقدير؛ لأن الثمن قد يكون أقل من القيمة، وقد يكون أكثر.
نعيد مرة ثانية، أقول: إذا باع معلومًا ومجهولًا فهو على قسمين:
القسم الأول: أن يكون المجهول يتعذر علمُه، فما الحكم؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح البيع إلا أن يُقَدِّر لكل واحد منهما ثمنًا، فيقول: المعلوم بعشرة، والثاني بدرهمين -مثلًا- أو بخمسة.
القسم الثاني: أن يكون المجهول أيش؟
طلبة: لا يتعذر علمه.
الشيخ: لا يتعذر علمه، فهنا يصح البيع في المعلوم بقسطه من الثمن، أما المجهول فلا يصح، واضح يا جماعة؟
أعيد مثالًا، باعه هذه الناقة وما في بطن الناقة الأخرى بألف درهم، جميعًا، ولم يقدر لكل واحد ثمنًا؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: البيع لا يصح.
باعه هذه الناقة وما في بطن الأخرى بألف درهم، على أن للحمل مئتين، وللموجودة ثمان مئة، يصح أو لا؟
طلبة: يصح.
الشيخ: يصح؛ لأنه قدَّر الثمن.
الذي لا يتعذر علمه: باعه هذه الناقة عنده بين يديه والناقة التي في المعطن، باع الناقتين بألف درهم، يصح أو لا؟
طلبة: يصح.
طالب: لا يصح.
طالب آخر: يصح في المعلوم.
الشيخ: يصح في المعلوم بقسطه من الثمن؛ لأن المجهول لا يتعذر علمه، يمكننا الآن نذهب ونشوف قيمته ونُسقِطه من الثمن، فهمتم؟
المؤلف يقول: (بقسطه من الثمن) ومعنى ذلك: أننا نُقدِّر الثمن لهما جميعًا، ثم ننظر قيمة هذا وقيمة هذا ونُسقِطه من الثمن.
قالوا -مثلًا-: الناقة الموجودة تساوي عشرة، والناقة التي في المعطن تساوي خمسة، كم النسبة؟ خمسة إلى عشرة: الثُّلُث، فيكون يُسْقَط من الثمن الثُّلُث عن الناقة التي في المعطن، ويصح البيع في المعلوم بثُلُثَيِ الثمن.
(2/768)
________________________________________
هذه تُسمى إحدى الصفقات الثلاثة؛ لأن عندهم ثلاث صفقات يصح البيع فيها بما يصح عقدُ البيع عليه ولا يصح في الباقي، فهذه المسألة: (إذا لم يتعذر صح في المعلوم بقسطه) هي إحدى مسائل تفريق الصفقة.
الصفقة ما معناها؟ أيش معنى الصفقة؟
طالب: عقد البيع.
طالب آخر: البيع.
الشيخ: العقد؛ لأن المتعاقدَيْن -ولا سيما في الزمن الأول- إذا باع: كم بعت عَليَّ؟ بِعْتُ عليك بكذا -يصفق بيده- فالصفقة هي العقد.
تفريقُها: يعني تصحيح بعضها وإبطال البعض. المسألة التي معنا الآن: إذا باع معلومًا ومجهولًا لا يتعذر علمه، فرَّقْنا الصفقة ولَّا لا؟
طالب: فرَّقْنا.
الشيخ: صحَّحْنَاها فيما يصح، وأبطلناها فيما يبطل.
المسألة الثانية قال: (ولو باع مُشاعًا بينه وبين غيره كعبد، أو ما ينقسم عليه الثمنُ بالأجزاء صح في نصيبه بقسطه) انتبهوا يا إخوان، والبيع سهلٌ صعبٌ، لكنه إن شاء الله سيكون سهلًا.
إذا (باع مُشاعًا بينه وبين غيره)، (مُشاعًا) أي: مشتركًا (بينه وبين غيره): كعَبْدٍ، يمكن نجيب مثالًا غير عبْد؟
طالب: سيارة.
الشيخ: سيارة، أرض، أي شيء مشترك مُشاع، باعه جميعًا، فمثلًا هذه السيارة بيني وبين أخي، فبعتها على إنسان كلها، الآن بعت مشاعًا بيني وبين غيري، بَيْعِي لِملْكِي؟
طالب: صحيح.
الشيخ: صحيح؛ لأنه من مالك، بَيْعِي لملك أخي؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؛ لأني لست وكيلًا، يصح في نصيبي ولا يصح في نصيب أخي شريكي؛ لأني لست وكيلًا عليه.
إذن فرَّقْنا الصفقة أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: فرقناها، الرجل الذي اشترى السيارة مني فرح، وقال: جاب الله هذه السيارة، سيارة ممتازة من أحسن ما يكون، وغدًا -إن شاء الله- أسافر عليها إلى مكة والمدينة. فبينما هو كذلك إذ أتاه أخي وقال: السيارة لي نصفهُا، وهذا عقد الشركة بيني وبين أخي. ماذا نصنع الآن؟ نقول للمشتري: لك الآن، كم؟
طلبة: نصف السيارة.
(2/769)
________________________________________
الشيخ: نصف السيارة؛ لأنه صح فيها البيع، أما بيع نصيب أخي فلا يصح، قال: ويش الفايدة من نصفها؟ هذا الرجل الذي جاء يقول: لي نصف السيارة. لو قلت: أبغي أسافر عليها إلى مكة والمدينة، قال: أبدًا، سافِرْ عليها بنصف الأجرة. لو ذهبت -مثلًا- من عنيزة إلى مكة الأجرة بكم؟
طالب: مئة وخمس وثلاثين.
الشيخ: مئة وخمسين، سَلِّم نصف مئة وخمسين، والنصف الثاني -على كل حال- ملكك، وكذلك إذا طُفْتَ على المدينة ورجعتَ. فهل يكون للمشتري الخيار في هذه الحال لتفريق الصفقة عليه؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لو قال: أنا اشتريت السيارة كاملة، ولو فيها شراكة الآن ما أريدها. نقول: نعم، لك الخيار؛ لأن تفريق الصفقة يضره. هذا واحد.
الثاني: (أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء): هذا ليس مُشاعًا، لكن ينقسم عليه الثمن بالأجزاء، كصاعين من بُر؛ أحدهما لي، والثاني للآخر، خلطتهما ثم بعتهما، هل يصح البيع في الصاعين، أو في الصاع الذي لي فقط؟
طلبة: الصاع الذي لي فقط.
الشيخ: في الصاع الذي لي فقط، ولا يصح في الصاع الآخر.
والفرق بين هذه المسألة والأولى: أن الأولى الشركة فيها مُشاعة، والثانية الشركة فيها بالأجزاء؛ لأن الْحَب الآن، حَبَّة لي وحَبَّة؟
طالب: للآخر.
الشيخ: للآخر، لكن الْمُشاع أي ذرة في المملوك فهي مشتركة، واضح؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب. إذا باع ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء؛ بعضه له وبعضه للآخر، صح البيعُ فيما هو له، ولم يصح البيع للآخر؛ لأن الآخر لا يملكه ولم يُوَكَّل فيه. وهذه المسألة الثانية من مسائل تفريق الصفقة.
قال: (وإن باع عبده وعبد غيره، أو عبدًا وحرًّا، أو خلًّا وخمرًا صفقة واحدة: صح في عبده وفي الخل بقسطه).
طالب: عندنا: (بغير إذنه) يا شيخ.
الشيخ: كيف؟
الطالب: (بغير إذنه) عندنا.
الشيخ: بغير إذنه (وإن باع عبده وعبد غيره بغير إذنه، أو عبدًا وحرًّا، أو خلًّا وخمرًا صفقة واحدة: صح في عبده وفي الخل بقسطه):
(2/770)
________________________________________
هذا باع شيئين، عينين قائمتين، كل واحدة قائمة بنفسها، عبْدَه وعبدَ غيره، أخذ عبد غيره من بيته وراح به إلى السوق مع عبده، ونادى عليهما جميعًا، وباعهما جميعًا، الآن وقع العقد على ما يملك بيعه وما لا يملك.
نقول: يصح في عبْدِه، ولا يصح في عبْدِ غيرِه، وأظن الفرق بين هذه والتي قبلها واضح، هذا ما فيه اختلاط، كل عين متميزة.
باع سيارته وسيارة غيره، ها؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: يصح في سيارته، ولا يصح في سيارة غيره.
(أو باع عبدًا وحرًّا): الحر غير مملوك، فباع عبْدَه وحُرًّا، بثمن واحد صفقة واحدة: يصح في عبده ولا يصح في الحر؛ لأن الحر لا يصح عقد البيع عليه.
(أو باع خلًّا وخمرًا): الخل؟
طالب: يصح.
الشيخ: يصح بيعه، والخمر: لا يصح. فعنده الآن جرتان، إحداهما: خل، والثانية: خمر، باعهما جميعًا: يصح في الخل، ولا يصح في الخمر.
ماذا نصنع الآن؟ كيف نُقَسِّط الثمن؟ يقول: (صح في عبده وفي الخل بقسطه):
عبْدُه وعبْدُ غيرِه، نقول: لو نُودِي على هذين العبدين: كم يساوي كل واحد؟ قالوا: أحدهما يساوي ألفًا، والثاني يساوي ألفين. كم نُسقِط إذا كان عبْدُ الغيرِ يساوي ألفين؟ كم نُسقِط من الثمن؟
طلبة: الثلثين.
الشيخ: الثلثين. وإن كان عبْدُ الغيرِ يساوي ألفًا أسقطنا؟
طالب: الثلث.
الشيخ: الثلث.
الْحُرُّ -إذا باع عبْدًا وحُرًّا- كيف نُقَوِّم الحر؟ هو الحر يباع؟
طلبة: لا.
الشيخ: لكن يُقَدَّر أنه عبْدٌ، فيقال: قَدِّرْ أن هذا الحر عبْدٌ مع عبدك الذي بعته. قال: أُقَدِّر لو كان الحر عبدًا لكان يساوي ألفين، وعبدي يساوي ألفًا، كم نُسقِط من الثمن؟
طلبة: الثلثين.
الشيخ: الثلثين.
الخل والخمر، الخمر ما له قيمة شرعًا، فماذا نصنع؟
طالب: يُقَدَّر.
الشيخ: قالوا: يُقَدَّر الخمرُ خلًّا؛ يعني: يُقَدَّر شرابًا لم يتخمر، لو كان خلًّا قالوا: يساوي عشرة، والخل الذي معه يساوي خمسة. كم نُسقِط من الثمن؟
طالب: الثلثين.
الشيخ: الثلثين، واضح؟
(2/771)
________________________________________
إذن الآن عرفنا كيف نُفَرِّق بين تفريق الصفقة في المسائل الثلاثة.
قال المؤلف: (ولِمُشْتَرٍ الخيارُ إنْ جَهِلَ الحالَ) (ولِمُشْتَرٍ الخيارُ) يعني: في مسائل تفريق الصفقة: له الخيارُ إن جهل، فإن علم فلا خيار له.
مثالُه: باع الرجل عبْدَه وعبْدَ غيره على رجل، والرجل يعلم أن هذا العبد ما هو له، فالعبد الذي ليس له لا يصح بيعُه، فهل للمشتري الخيار؟
طالب: لا.
الشيخ: لا؛ لأنه دخل على بصيرة، فلا خيار له، واضح؟ إذن للمشتري الخيار إن جهل الحال، وإلا فلا خيار له؛ لأنه دخل على بصيرة.
انتهينا الآن من الشروط -شروط البيع- وتبيَّنَ أن الشروط تدور على ثلاثة أشياء: الظلم، والربا، والغرر، ثلاثة أشياء، تدور على ثلاثة أشياء: الظلم، والثاني؟
طلبة: الربا.
الشيخ: الربا، والغرر.
فمن باع ما لا يملك فهذا من باب الظلم، ومن تعامل بالربا فهذا من باب الربا، ومن باع بالمجهول فهذا من باب الغرر ( ... ).
طالب: بارك الله فيكم، لماذا قلنا -يعني- صحة المعلوم بقسطه، وما قلنا: نُقَوِّمُه ثم نُسقِطه من الثمن؟
الشيخ: لا؛ لأنه قد يكون الثمن أكثر من القيمة.
الطالب: لكن شيخ أليس ( ... ) على أن بالقسط لهذين الاثنين -مثلًا- في هذه القيمة؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: فنُقَوِّمها ونُسقِطها.
الشيخ: إي، حنا، ما حنا ماخدين بأكثر من القيمة، لكن بالقسط التقويم من أجل تحديد ما يسقط من الثمن، يعني حنا ما حنا مسقطين أكثر من النسبة.
الطالب: شيخ ( ... ).
الشيخ: الآن -مثلًا- اشتريت بخمسة عشر، الاثنين، لكن قيمتهما تسوى ثلاثين، حنا نُقَدِّر القيمة أولًا ثلاثين، ثم نقول: هذا يساوي عشرة، وهذا يساوي عشرين، كم نسقط من الثمن؟ خمسة أو عشرة.
طالب: الراجح ( ... ) الناقة وحملها أن نُعَيِّن ثمن كل منهما؟
الشيخ: كيف؟ الناقة وحملها، الراجح الصحيح، أنه صحيح.
(فصلٌ)
(2/772)
________________________________________
ولا يَصِحُّ البيعُ مِمَّنْ تَلْزَمُه الْجُمُعَةُ بعدَ ندائِها الثاني، ويَصِحُّ النكاحُ وسائِرُ العُقودِ، ولا يَصِحُّ بَيْعُ عَصيرٍ مِمَّنْ يَتَّخِذُه خَمْرًا، ولا سلاحٌ في فِتنةٍ، ولا عبدٍ مُسلمٍ لكافرٍ إذا لم يُعْتَقْ عليه، وإن أَسْلَمَ في يَدِه أُجْبِرَ على إزالةِ مُلْكِه، ولا تَكفِي مُكاتَبَتُه، وإن جَمَعَ بينَ بَيْعٍ وكِتابةٍ، أو بَيعٍ وصَرْفٍ صَحَّ في غيرِ الكتابةِ , ويُقَسَّطُ العِوَضُ عليهما، ويَحْرُمُ بيعُه على بيعِ أَخِيهِ , كأنْ يَقولَ لِمَن اشْتَرَى سلعةً بعَشرةٍ: أنا أُعطيكَ مِثْلَها بتسعةٍ، وشِرَاؤُه على شِرائِه , كأن يَقولَ لِمَنْ باعَ سِلعةً بتِسعةٍ: عِندِي فيها عَشرةٌ ليَفْسَخَ ويَعْقِدَ معَه، ويَبْطُلُ العَقْدُ فيهما، ومَن باعَ رِبَوِيًّا بنَسِيئَةٍ واعْتاضَ عن ثَمَنِه ما لا يُباعُ به نَسيئةً،
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- لماذا قلنا يعني صحة المعلوم بقسطه، وما قلنا: نقومه، ثم نسقطه من الثمن؟
الشيخ: لا؛ لأنه قد يكون الثمن أكثر من القيمة.
الطالب: لكن شيخ أليس ( ... ) على أن بالقسط لهذين الاثنين مثلًا في هذه القيمة، فنقومها ونسقطها؟
الشيخ: إي، إحنا، ما إحنا بآخذين بأكثر من القيمة، لكن بالقسط التقويم من أجل تحديد ما يسقط من الثمن، ويعني إحنا ما مسقطين أكثر من النسبة.
الطالب: شيخ، أليس ( ... )؟
الشيخ: الآن مثلًا اشتريت بخمسة عشر، الاثنين، لكن قيمتهم تسوى ثلاثين، إحنا نقدر القيمة أولًا ثلاثين، ثم نقول: هذا يساوي عشرة، وهذا يساوي عشرين، كم نسقط من الثمن؟ خمسة وعشرة.
طالب: الراجح مع الناقة وحملها أن نُعيِّن ثمن كل منهما؟
الشيخ: كيف؟ الناقة وحملها، الراجح الصحيح، أنه صحيح.
الطالب: الرد على الحديث.
الشيخ: الرد، نقول: لأن استثناء الحمل صحيح، حيث إننا نقدر أن استثناء الحمل كأنه باعه ناقة حائلة، ولا فيها شيء.
الطالب: كيف صححنا بيعه؟
الشيخ: ما بعناه، نحن ما صححنا بيعه.
(2/773)
________________________________________
طالب: شيخ، يقول: (ولمشترٍ الخيار إن جهل الحال)، وهل للبائع الخيار إن جهل الحال؟
الشيخ: لا، ما له اختيار؛ لأن البائع قادر على هذا، قادر على أنه ملكه.
الطالب: ولكن يعني يقول البائع: بعتُك هذه الناقة، وما في بطن هذه الناقة، فعند الحكم على المسألة نقول: البيع ( ... ) الناقة ( ... )، وهذا الحمل الذي في الناقة الأخرى بمئتين.
الشيخ: إي، إذا قدَّر الثمن صح.
الطالب: لكن هو يقول: عندما صححنا في الناقة، هل نُصحح في الحمل؟
الشيخ: ما صح في الحمل؟
الطالب: يقول: أنا أبيع جميعًا أو ( ... ).
الشيخ: ما حصل.
الطالب: ينفذ البيع في الناقة؟
الشيخ: ينفذ البيع في الناقة المنفردة.
الطالب: ( ... ) البائع.
الشيخ: لأنه البائع راضٍ بأن يخضع ملكه هذا.
الطالب: يخرج مع الحمل؟
الشيخ: لأن هذا استبقاء بالنسبة للبائع، لكن بالنسبة للمشتري تجدد ملك، ولو يحصل له ما ( ... ).
الطالب: ولو قال: أنا لا أبيعهم إلَّا جميعًا؟
الشيخ: ما حصل، إذا قال المشتري: أنا أبغي آخذ؛ ما صح فيه البيع.
طالب: شيخ، إحنا قلنا: إن الراجح أن البيع بما ينقطع به السعر يجوز؟
الشيخ: نعم.
الطالب: طيب، شيخ الآن فيه أسواق تسمى أسواق المستقبل.
الشيخ: المستقبل؟
الطالب: إي نعم، وهي، يقولون: إن المبيع مثلًا بما ينقطع به السعر بعد مثلًا شهرين، أو بعد ثلاثة أشهر، أو بعد أربعة أشهر، يعني هل ( ... )؟
الشيخ: لا، هذا ما يجوز.
الطالب: طيب هذا ( ... ) بما ينقطع به السعر الآن؟
الشيخ: إي، ما فيه شك أن هذا قصدنا الآن، أما المستقبل ما ندري، قد تتغير الأشياء تغيرًا كبيرًا.

***
بإحسان إلى يوم الدين. ما معنى قول المؤلف: (ولا يباع غير المساكن مما فتح عَنوة)؟
طالب: الأرض التي فُتحت بالقوة من أرض غير المسلمين، فلا تباع إلَّا المساكن، أما الأراضي فلا تباع.
الشيخ: لا يباع إلَّا المساكن؟
الطالب: المساكن، أما الأرض تؤجر.
الشيخ: لا يُباع إلَّا المساكن.
الطالب: إلَّا المساكن.
(2/774)
________________________________________
الشيخ: إي، طيب، لماذا؟
الطالب: لأن عمر بن الخطاب لما فتحها رأى أن تقسيمها بين الغانمين يحرم الأجيال القادمة، فرأى أن يوقفها ويضرب عليها خراجًا ( ... ).
الشيخ: طيب، هل هذا محل إجماع؟
طالب: ليس محل إجماع.
الشيخ: نعم، ما هو القول الراجح في هذا؟
الطالب: القول الراجح أنها تُباع.
الشيخ: أنها تُباع، وهذا هو اللي عليه العمل من غير نكير، يعني ما زال المسلمون يتبايعون الأراضي في الشام ومصر والعراق من غير نكير.
هل يجوز بيع المغصوب؟ نعم، مطلقًا؟
الطالب: إلا على غاصبه.
الشيخ: نعم، على غاصبه بشرط.
الطالب: بشرط أنه يرد بالبيع، يرغب بالبيع.
الشيخ: إي، بشرط ألا يمنعه صاحبه إلَّا بالبيع، كذا؟ طيب إن منعه قال: ما أنا معطيك إياه، لكن باعطيك قيمته عشر مرات، وأبى صاحب الأرض؟
الطالب: ما يصح.
الشيخ: ما يصح؟ إي، فإن فَعَلَ؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: هل يصح البيع أو لا؟ لو قال: أنا لا أعطيك البيت اللي أنا غصبت، لكن أعطيك قيمته عشر مرات، قال: لا، أنا لا أريد إلَّا بيتي، فأجبره على ذلك، لا يصح البيع من أجل عدم القدرة على التسليم أو من أجل شيء آخر؟
الطالب: عدم الرضا.
الشيخ: عدم الرضا، أحسنت بارك الله فيك، الموضع الثاني مما يصح فيه بيع المغصوب.
طالب: قادر على أخذه.
الشيخ: قادر على أخذه، أحسنت، تمام. على أي شرط، أو على أي نص يدور هذا الشرط؟ كونه مقدورًا على تسليمه، ما هو الدليل؟
الطالب: الدليل لا يجوز يعني ( ... ).
الشيخ: الدليل لا يجوز؟ هذا حكم، ما تعرف الفرق بين الحكم والدليل؟
الطالب: الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا حق لعرق لظالم.
الشيخ: إي، «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (1)، لكن هذا ليس بدليل.
طالب: روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغرر (2).
(2/775)
________________________________________
الشيخ: ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نهى عن بيع الغرر، شوف الآن، هذا الحديث أكثر شروط البيع تدور عليه، العلم بالثمن والمثمن يدور عليه، القدرة على التسليم يدور عليه.
ما تقولون فيمن باع عبده وعبد غيره بغير إذنه؟
طالب: يصح في عبده، ولا يصح في عبد غيره، ويقسط العِوض عليه.
الشيخ: يعني يصح في عبده دون عبد غيره؟ كيف نعمل؟
الطالب: ننظر النسبة، فإذا كان عبده مثلًا ..
الشيخ: يعني يُقسط الثمن عليه؟
الطالب: إذا كان عبده يساوي عشرة وعبد غيره يساوي خمسة فيكون أثلاث، ثلثا القيمة لعبده، والثلث.
الشيخ: يعني إذا باع عبده وعبد غيره؛ صح في عبده دون الآخر، ويقسط العوض عليهم. هل للمشتري خيار؟
طالب: إن جهل الحال نعم، وإلا فلا.
الشيخ: إن جهل الحال؛ يعني ظن أن العبدين ملك للبائع.
الطالب: فله الخيار في ذلك.
الشيخ: وإلَّا؟
الطالب: وإلَّا فليس له الخيار.
الشيخ: لماذا ليس له الخيار؟
الطالب: لأنه عالم أن هذا ليس ملكه.
الشيخ: يعني دخل على بصيرة؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ولأنه لا يصح بيع، لو قال: أنا ظننت أنه وكيل؟
الطالب: ما يصح.
الشيخ: ما جهل الحال الآن؟ من يعرف؟
طالب: الوكيل يا شيخ يتصرف كالمالك.
الشيخ: لكن هل له الخيار أو لا؟
الطالب: ليس له الخيار، إذا عرف أنه، إذا قال: ظننته وكيلًا؟
الشيخ: نعم، فليس له الخيار؟
الطالب: إذا قال: ظننته وكيلًا، فله الخيار يا شيخ؛ لأنه جهل؛ لأنه ظن يعتبر.
الشيخ: يعني يعتبر جاهلًا، إذا قال: أنا أعرف أن هذا العبد ملك فلان، لكن ظننت أن الذي باعه عليَّ كان وكيلًا، فنقول: لك الخيار؛ لأن هذا جهل. الصفقة أو تفريق الصفقة له ثلاث صور، الأولى؟
الطالب: الصورة الأولى أن يتعذر معرفة المجهول من المعلوم.
الشيخ: خطأ.
الطالب: ألا يتعذر.
الشيخ: ألا يتعذر؟ الصورة الأولى باع.
الطالب: الصورة يا شيخ؟
الشيخ: إي، الصورة الأولى، باع أيش؟
الطالب: باع سيارة.
(2/776)
________________________________________
الشيخ: لا، يا إخوان اللي خلف.
طالب: إذا باع معلومًا ومجهولًا ويتعذر معرفة المجهول ( ... ).
الشيخ: هذا إذا باع معلومًا ومجهولًا يتعذر علمه، هذه إحدى صور تفريق الصفقة؟ هل توافقونه؟
طلبة: لا.
الشيخ: إي، خالفوك، فخرقت إجماعهم.
طالب: باع مشاعًا بينه وبين آخر.
الشيخ: الصورة الأولى ما هي هذه.
طالب: إن باع لم يتعذر علمه.
الشيخ: إن باع أيش؟
الطالب: إن باع مجهول.
الشيخ: إن باع مجهولًا.
الطالب: مجهول ومعلوم، لكن لم ( ... ).
الشيخ: إن باع مجهولًا وأيش؟
الطالب: ومعلومًا.
الشيخ: إن باع مجهولًا ومعلومًا يتعذر علمه.
الطالب: لم يتعذر علمه.
الشيخ: إن باع مجهولًا ومعلومًا لم يتعذر علمه، كذا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يخالفك بعض الناس.
طالب: إن باع معلومًا ومجهولًا لم يتعذر علمه.
الشيخ: إي، ويش تقولون؟ صح؟
طالب: صحيح.
الشيخ: إن باع معلومًا ومجهولًا لا يتعذر علمه، صح في المعلوم.
الطالب: ولم يصح في المجهول.
الشيخ: ولم يصح في المجهول، ويُقسَّط الثمن عليهما، المثال؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: بعتك.
الطالب: بعتُك هذه السيارة.
الشيخ: هذه السيارة.
الطالب: ومثلها في الجراج.
الشيخ: مثلها صفة، أبيع بصفة.
الطالب: لا، والسيارة الثانية في الجراج.
الشيخ: تمام، بعتُهما جميعًا بألف، تمام، بارك الله فيك.
إذا قال: بعتُك هذه الشاة وما في بطن الأخرى؟
طالب: إي نعم، في هذه الحالة يتعذر.
الشيخ: تفريق صفقة.
الطالب: نعم.
الشيخ: فيه تفريق صفقة؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ليش؟
الطالب: لأنه يتعذر ( ... ).
الشيخ: فماذا يكون؟
الطالب: في هذه له حالتان: إما أن.
الشيخ: هذه ما فيها حالتان، بعتُك هذه الشاة، وما في بطن الأخرى.
الطالب: بما أنه لم يُبيِّن ثمن كل واحدة منهما فإن البيع لا يصح.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه لم يُبيِّن ثمن كل واحدة.
الشيخ: وإذا لم يُبيِّن؟
الطالب: إذا لم يُبيِّن، ويتعذَّر علم المجهول في هذه الحال لا يصح التقسيط.
(2/777)
________________________________________
الشيخ: لا يمكن التقسيط. صحيح يا جماعة؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: إي نعم، نقول: لا يصح في الجميع، أما الحمل فظاهِر، وأما المعلوم فلأنه لا يمكن تقسيط الثمن عليه وعلى المجهول؛ لتعذر علمه، بارك الله فيك. المسألة الثانية من تفريق الصفقة؟
طالب: أن البيع مشاع بينه وبين غيره، أو نبيع ما ينقسم عليه بالأجزاء.
الشيخ: الثمن بالأجزاء، ينقسم الثمن بالأجزاء، فحينئذٍ؟
الطالب: يصح في نصيبه بقسطه.
الشيخ: تمام، يصح في نصيبه، ولا يصح في نصيب غيره، ويُقسط الثمن عليهما. باع شيئين أحدهما ملك غيره، والثاني ملكه؟ يعني باع عبدَه وعبد غيره.
طالب: يصح في عبده وغيره.
الشيخ: كيف نعمل بالثمن؟
الطالب: نُقدِّر.
الشيخ: يُقسَّط عليهما. طيب ما الفرق بين هذا وبين قولنا: باع مشاعًا بينه وبين غيره؟
الطالب: شنو الفرق؟
الشيخ: ما الفرق؟ ما الفرق تصويرًا لا حكمًا؟ الحكم واحد.
الطالب: أن هذا المشاع يكون غير معلوم.
الشيخ: معلوم؟ أنا النصف ولك النصف.
الطالب: ( ... ) صبرة من القمح، يكون يعني ..
الشيخ: لا، ما هي صبرة، بعت سيارة لي نصفها ولك نصفها، أيش الفرق؟
الطالب: ( ... ) شراكة، ( ... ).
الشيخ: إي، وهذه؟ هذه تميز ملك كل واحد منهم عن الآخر، لكن وقعت الصفقة عليهما جميعًا، والأول المشاع مشترك؛ يعني لأحدهما نصفه وللثاني نصفه، أو لأحدهما الربع، وللثاني ثلاثة أرباع، وما أشبه ذلك. رجل باع ولده وولد غيره، ما تقول؟
طالب: ( ... ) يباع.
الشيخ: أيهما الذي يصح؟
الطالب: يُباع ( ... ).
الشيخ: كيف؟
الطالب: ما يباع؟
الشيخ: ما يباع؟ ليش؟ باع ولده وولد غيره، ويش تقول؟ كيف؟
طالب: ولده حر.
الشيخ: ولده حر؟ وإن كان ابن رقيقة؟ لأن ولد الرقيقة من الحر عبد.
الطالب: وإن كان ابن رقيقة؟
الشيخ: إي.
الطالب: يعتق عليه الولد.
الشيخ: ما يعتق؛ لأنه ملك لسيد الأم، ليس ملكًا لأبيه.
الطالب: أليس ولده وولد غيره؟
الشيخ: إي، ولد غيره.
الطالب: ولد غيره أيضًا؟
(2/778)
________________________________________
الشيخ: ولده باعه، نشوف.
الطالب: ما يصح.
الشيخ: مطلقًا؟
الطالب: إلَّا.
الشيخ: باع ولده وولد غيره؟
طالب: إذا وكله السيد يعني جاز لولده.
الشيخ: وولد غيره؟
الطالب: إذا وكله السيد في ولده جاز، وولد غيره إذا كان وكيلًا وإلَّا فإذا عُرفت قيمته يُقسَّط، كالمسألة التي سبقت.
الشيخ: طيب، ولد غيره وإن كان ملكًا له؟
الطالب: كيف يا شيخ؟
الشيخ: وإن كان ملكًا له؟
الطالب: كيف يمكن أن يكون ولد غيره ملكًا له، يعني عبده؟
الشيخ: إي، الأَمَة ملك لهذا الرجل، متزوجة واحد أجنبي، وجاءت بولد؟
الطالب: إي، يجوز له؛ لأنه من حقه.
الشيخ: إي، طيب صحيح، هذه تُوهم أنه كيف ولده وولد غيره؟ ولده يكون حرًّا مثله، نقول: لا، ما هو لازم، إي نعم، على كل حال، هذه ممكن نجعلها من باب.
طالب: المعاياة يا شيخ.
الشيخ: من باب المعاياة. باعه بألف درهم ذهبًا وفضة؟ باعه سلعة بألف درهم ذهبًا وفضة.
الطالب: ما يجوز.
الشيخ: ويش، اصبر تأمل يا أخي، أيش تقول؟
الطالب: باعه بألف درهم.
الشيخ: نعم، ذهبًا وفضة.
الطالب: لا يجوز، لماذا؟ لأن.
الشيخ: اصبر، لا يجوز ولَّا يجوز؟
الطالب: السؤال أيش؟ !
الشيخ: لا إله إلا الله، السؤال: باعه بألفِ درهم ذهبًا وفضة، قال: بعتُ عليك هذه السيارة بألفِ درهم ذهبًا وفضة، هل يصح البيع ولَّا ما يصح؟
الطالب: لا يصح.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه غير معلوم أيهما أكثر الذهب أم الفضة.
الشيخ: هو على كل حال لا يتجاوز ألف درهم، لاحظ أنه لن يتجاوز ألف درهم.
الطالب: الذهب والفضة لم يحدد كم ذهب، كم فضة.
الشيخ: إي، صحيح يا جماعة؟
طالب: صحيح.
الشيخ: لأنه ربما يعطيني مثلًا قيمة تسع مئة درهم من الذهب، ومئة درهم من الفضة، أو بالعكس.
باعه بألفٍ ذهبًا وفضة؟ يلَّا. صحيح ولَّا غير صحيح؟
الطالب: صحيح.
الشيخ: كيف نعلم؟ بألفٍ ذهبًا وفضة، يصح؟
الطالب: يصح.
(2/779)
________________________________________
الشيخ: كيف يصح؟ نحن ما ندري أيهم، هذه خمس مئة وخمس مئة، أو ثمان مئة ومئتان، أو سبع مئة وثلاث مئة؟ !
طالب: فإنه يصح.
الشيخ: ليش؟
الطالب: وتُحمل على المناصَفة.
الشيخ: صحيح، إذا قال بألفٍ ذهبًا وفضة قلنا: صحيح، ويكون الثمن.
الطالب: مناصفة.
الشيخ: خمس مئة درهم، وخمس مئة دينار. إذا باعه برقمه؟ الأخ.
طالب: إذا كان من جهة الدولة، إن كان باع برقمه من جهة الدولة، فإنه ما يصح.
الشيخ: فإنه لا يصح؛ لأن الدولة ربما تُجبره على هذا الثمن، كذا؟
طالب: هناك قول أنه لا يصح.
الشيخ: مُطلقًا؟
الطالب: نعم، مُطلقًا.
الشيخ: إذا كان البائع والمشتري لا يعلمانه.
الطالب: والثاني يصح إذا كان من قبل الدولة، أما إذا كان من قِبل البائع؛ فإنه لا يصح.
الشيخ: صحيح، وهذا القول هو الصحيح.
الطالب: نعم.
الشيخ: نعم، يلَّا، باعه حاملًا، واستثنى حمله؟
طالب: على المذهب لا يصح.
الشيخ: لا يصح، لماذا؟
الطالب: لأن ( ... ) بيع الحمل.
الشيخ: لا، ما بعته، هذا استبقاء وليس بيعًا، البيع نقل الملك، وهذا استبقاء ملك.
طالب: على المذهب لا يصح.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأنه ( ... ) يكون مجهولًا.
الشيخ: مجهول.
الطالب: والصحيح أنه يجوز.
الشيخ: مطلقًا؟
الطالب: على الصحيح.
الشيخ: طيب، ما هو تعليل الفقهاء الذين قالوا: إنه لا يصح بيعه؟
طالب: الجهالة.
الشيخ: كيف ذلك؟
الطالب: لأنه قد يكون الحمل ذكرًا، وقد يكون أنثى.
الشيخ: قد يكون الحمل ذكرًا أو أنثى، أو ذكرين، أو أنثيين، أو مختلفًا، أو يموت. وهنا ما فيه جهالة؛ لأن ما أخذنا عنه عوضًا.
طالب: لكن قد يكون يا شيخ ( ... ) ذكر واحد، فله قيمة معينة، وقد يكون اثنين.
الشيخ: معلوم.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ما يخالف، أنا ما بعته على المشتري، أنا بايع عليه حاملًا كأنها حائل.
الطالب: وإذا كان لم يفرده بعقد؟ الاستبقاء يا شيخ، السؤال عن الاستبقاء، وعن بيع الحمل ( ... )؟
الشيخ: السؤال عن استثناء الحمل.
(2/780)
________________________________________
الطالب: على الصحيح: يجوز ..
الشيخ: أحسنت، على الصحيح يجوز؛ يعني يجوز أن تبيع شاة حاملًا وتستثني حملها؛ لأن هذا استبقاء، ما أخذت عليه عوضًا، البائع الذي استثنى الحمل لم يأخذ عليه عوضًا.
إذن هل القاعدة: ما لا يصح بيعه منفردًا لا يصح استثناؤه، هل هي صحيحة؟
طالب: لا.
الشيخ: ويش تقول؟
طالب: عيد السؤال.
الشيخ: انتهى الموضوع، القاعدة: ما لا يصح بيعه منفردًا لا يصح استثناؤه، غير صحيحة، لا طردًا ولا عكسًا؛ لأن سيأتينا إن شاء الله تعالى في بيع الأصول والثمار أن بيع الثمار قبل بدو صلاحه لا يجوز، واستثناؤه -استثناء البائع إياه- جائز؛ لأن الاستبقاء أقوى من الإنشاء، يعني مثلًا عندي نخل، النخل تام، بس إنه لم يُلون، فهل يجوز أن أبيع الثمر قبل أن يُلوِّن؟
طالب: لا.
الشيخ: لا، لو بعت النخل، واستثنيت الثمر يجوز، مع أن هذا الثمر لا يصح بيعه، فتبين أن هذه القاعدة لا تصح؛ أن ما لا يصح بيعه مُفردًا لا يصح استثناؤه غير صحيحة؛ لهذا السبب.
إذا باعه بما في هذا الكيس من الدراهم؟ كيس، صرة.
طالب: هذا جهل حال، ( ... ).
الشيخ: يجوز ولَّا لا؟
الطالب: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، وعلى القول الصحيح؟
الطالب: كذلك.
الشيخ: كذلك، إذن ويش الفائدة من كلمة على المذهب؟
الطالب: تعريف المذهب ( ... ) الفائدة منه فقط ( ... ).
الشيخ: يعني تراجعت الآن؟ !
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ويش القول الثاني؟
الطالب: ما فيه قول ثان.
الشيخ: ليش تقول: المذهب؟ ! ما تقول؟ بعتُ بهذه الصرة من الدراهم ولا عدِّيناها.
طالب: لا يجوز.
الشيخ: المذهب يجوز، والصحيح أنه لا يجوز.
***
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى:
فصل
(2/781)
________________________________________
ولا يصح البيع ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها الثاني، ويصح النكاح وسائرُ العقود، ويصح النكاح وسائرُ العقود، ولا يصح بيع عصير ممن يتخذه خمرًا، ولا سلاحٍ في فتنة، ولا عبدٍ مسلم لكافر إذا لم يَعتِق عليه، وإن أسلم في يده أُجبِر على إزالة ملكه.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن المؤلف رحمه الله لما ذكر شروط صحة البيع ذكر موانع البيع، وإنما صنع ذلك؛ لأن الأشياء لا تتم إلا باجتماع الشروط وانتفاء الموانع؛ لأنه إذا تمت الشروط، ولم تنتفِ الموانع لم تصح العبادة ولا المعاملة، وكذلك لو عُدمت الموانع ولم تتم الشروط لا تصح.
أرأيت الرجل يكون أبًا للإنسان أو ابنًا له فإنه يرث؛ ولكن إذا كان فيه مانع من موانع الإرث لم يرث؛ لأنه لا يتم الشيء إلا بوجود شروطه، وانتفاء موانعه.
فذكر المؤلف في هذا الفصل ما يمنع صحة البيع مع تمام الشروط، فقال: (ولا يصح البيع)؛ يعني ولا الشراء (ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها الثاني)، قوله: لا يصح البيع ولا الشراء (ممن تلزمه الجمعة) احترازًا ممن لا تلزمه، لأن من لا تلزمه الجمعة لا يلزمه السعي إليها، وإذا لم يلزمه السعي إليها صار البيع والشراء في حقه حلالًا؛ إذ إن الذي لا يصح البيع منه هو الذي يوجه إليه الخطاب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، فأمر بالسعي إلى ذكر الله، وهي الخطبة والصلاة، والمراد بالسعي هنا مجرد الانطلاق، وليس المراد به السعي الذي هو الرَّكْض؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الإسراع فيمن أتى إلى الصلاة، قال: «لَا تُسْرِعُوا» (3).
ونحن قلنا: لا يصح البيع ولا الشراء، أفلا يقول قائل: إن البيع والشراء متلازمان؟
(2/782)
________________________________________
قلنا: مرادُه بالشراء هنا: الإيجاب؛ لأنه قد يُوجِب البائع البيع، فيقول: بعتُ عليك هذا بعشرة، وبعد ذلك يقول المؤذِّن: الله أكبر، فيقول الثاني: قبلت، ما الذي وقع بعد النداء الآن؟
طلبة: الشراء.
الشيخ: الشراء، وإلَّا من المعلوم أنه لا بيع إلَّا بشراء ولا شراء إلَّا ببيع، لكن قد يقع القبول بعد النداء، والإيجاب قبل النداء، فنقول: إن البيع لا يصح.
وقوله: (ممن تلزمه الجمعة) يُوجِب لنا أن نرجع إلى شروط وجوب الجمعة، وهو مذكور في أي مكان؟
طلبة: في الصلاة.
الشيخ: في باب العبادات في كتاب الصلاة.
وقوله: (بعد ندائها الثاني) أفادنا المؤلف رحمه الله أن للجمعة نداءين؛ أولًا وثانيًا، فأما الثاني فهو الموجود على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين يجيء الإمام فيُؤذِّن المؤذن، أما ما قبل ذلك، فإنما حدث هذا في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، حين اتسعت المدينة وبعُد الناس جعل للجمعة نداءين؛ من أجل أن يتهيَّأ الناس إلى الحضور، فيمكنهم الحضور حين حُضور الإمام.
فإن قال قائل: إحداث ذلك بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يشرع إلا أذانًا واحدًا، والأذان عبادة، لا يمكن شرعها إلَّا بإذن من الشارع؟
فالجواب على ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا من سُنَّة الخلفاء الراشدين؛ لأن عثمان رضي الله عنه منهم، وللخلفاء الراشدين سُنَّة متبعة بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام فقد قال: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي» (4)، هذه واحدة.
ثانيًا: أن عثمان رضي الله عنه لم يسُنَّه إلَّا لسبب لم يكن موجودًا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ وهو سعة المدينة، وتباعد الناس، فلا يقال: إن الرسول لم يشرعه مع وجود الأذان الثاني، نقول: لأنه في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن هناك سعة يحتاج الناس معها إلى أن ينادَوْن للصلاة.
(2/783)
________________________________________
وقد عُلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع أذانًا في آخر الليل ليس لصلاة الفجر، بل من أجل إيقاظ النائم وإرجاع القائم، فقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ لِيُوقِظَ نَائِمَكُمْ ويُرْجِعَ قَائِمَكُمْ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» (5).
إذن السبب الذي شرع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يُؤذَّن في آخر الليل، لا من أجل وقت صلاة، ولكن من أجل أن يستعد الناس للسحور قد يكون أقل سببًا لمشروعية الأذان من أذان يوم الجمعة، فعلى هذا تكون هذه السُّنَّة التي سنها أمير المؤمنين عثمان بن عفان تكون سُنَّة شرعية نحن مأمورون باتباعها.
وبهذا يُعرف غرور بعض الأغرار الصغار من طلاب العلم الذين ينتسبون إلى علم الحديث، فيُضلِّلون أمير المؤمنين عثمان بن عفان، ويقولون: إنه مبتدِع، نسأل الله العافية.
وهم إذا قالوا: إن عثمان مبتدع، لزم من ذلك أن يكون جميع الصحابة الذين أدركوا عهده مبتدعة؛ لأنهم أقروا البدعة، وهذا مبدأ خطير، ينبئ عن غرور وإعجاب بالنفس، والعياذ بالله، وعدم اكتراث بما كان عليه السلف الصالح.
ووالله، ثم والله، ثم والله، إن علم السلف الصالح أقرب إلى الصواب من علم المتأخِّرين، وأهدى سبيلًا، وهذا شيء معلوم، حتى ابن مسعود رضي الله عنه كان يأمر باتباع هدي الصحابة رضي الله عنهم ويقول: إنهم أعمق علومًا، وأبر قلوبًا، فإذا اجتمع بر القلب وعمق العلم تبين أن من بعدهم فهم خلف وليسوا أمامًا.
(2/784)
________________________________________
وإني أحذِّر إخواني طلبة العِلْم من ارتكاب مثل هذا الصعب، وأقول: لا ترتقوا مرتقى صعبًا، عليكم بسنة الخلفاء الراشدين كما أمركم نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإياكم أن تُطلقوا ألسنتكم عليهم بمثل هذا الكلام السخيف، أيقال لأمير المؤمنين عثمان بن عفان ثالث خلفاء المسلمين إنه مبتدع؟ ! أو يقال لمن أدرك زمنه من الصحابة إنهم مقرون للبدعة؟ من أنت أيها الصبي؟ من أنت أيها الغِر؟ اعرف قدْر نفسك حتى تعرف قدر الناس! ! نسأل الله السلامة.
إذن نرجع إلى موضوع الدرس، النداء الأول للجمعة إذا وقع البيع والشراء بعده، أيش؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: فلا بأس؛ لأنه لا نهي فيه.
وقول المؤلف: (لا يصح البيع).
إذا قال قائل: ما الدليل على الفساد؟
قلنا: الدليل نهي الله عز وجل؛ لأن قوله: {ذَرُوا الْبَيْعَ} يعني لا تبيعوا، والنهي يقتضي الفساد، هذه القاعدة التي دل عليها سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكلام أهل العلم، دل عليها سنة الرسول؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (6)، وقال: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ» (7).
ولأننا لو صححنا ما نهى عنه الله ورسوله لكان في ذلك مضادة لله ورسوله، إذ إن النهي يقتضي البعد عنه، وعدم ممارسته، والتصحيح يقتضي خلاف ذلك، فكان في هذا دليل وتعليل، دليل على البطلان وتعليل، الدليل ما هو؟
طالب: الآية.
الشيخ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ». والتعليل: أن التصحيح يستلزم ممارسة هذا الشيء، ونفاذ هذا الشيء، وهذا مضادة لله ورسوله.
(2/785)
________________________________________
قال المؤلف رحمه الله: (ويصح النكاح وسائر العقود)، (يصح النكاح)؛ يعني عقد النكاح يصح بعد أذان الجمعة الثاني؛ لأن الله إنما نهى عن البيع، وأما النكاح فلم يُنهَ عنه؛ ولأن البيع عقد معاوضة يكثر تناوله بين الناس بخلاف النكاح.
وقوله: (وسائر العقود) ظاهر كلامه أنه يصح الرهن، والضمان، والقرض، والإجارة، وإمضاء بيع الخيار، والإقالة وغير ذلك، كل العقود تصح، ولكن الصحيح خلاف كلام المؤلف رحمه الله، وأن سائر العقود منهي عنها كالبيع.
وإنما ذكر الله البيع بحسب الواقع؛ لأن هذا هو الذي حصل؛ أن الصحابة لما وردت العير من الشام خرجوا وبدؤوا يتبايعون فيها، فتقييد الحكم بالبيع إنما هو باعتبار الواقع فقط، وإلَّا فكل ما ألهى عن حضور الجمعة فهو كالبيع ولا فرق.
فالصواب أن جميع العقود لا تصح، وأنها حرام، لا النكاح، ولا القرض، ولا الرهن، ولا غيرها.
نعم، ربما يقول قائل: إن عقود التبرعات كالهبة لا تضر؛ لأنها لا تُلهي، ولا تشغل، مثل لو أن رجلين أقبلا على المسجد، وفي حال إقبالهما أذن لصلاة الجمعة، فوهب أحدهما الآخر شيئًا، فهنا قد يُقال: إنه يصح؛ لأنه لم يحصل بذلك إشغال ولا إلهاء، لكن شيء يحتاج إلى معالجة، ونقول: إنه يصح مع أن الله نهى عن البيع، هذا فيه نظر.
عندي جملة معترضة، قال: (ويصح النكاح وسائر العقود)، نقول: الصحيح عدم الصحة، اللَّهم إلَّا في عقود التبرعات التي لا يحصل بها إشغال، فقد يقول قائل بأن ذلك صحيح ولا بأس به بشرط ألا يشغل.
قال: (ولا يصح بيع عصير ممن يَتخذه خمرًا)، قوله: (ممن) أي: على مَنْ، لا يصح بيع العصير على إنسان يريد أن يتخذه خمرًا، العصير معروف؛ عصير عنب، أو عصير تين، أو برتقال، أو غيره، اشتراه إنسان، وهو عصير -كما يقولون- طازج لأجل أن يخمره، ويتخذه خمرًا، فإن البيع لا يصح، الدليل: قول الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
(2/786)
________________________________________
فإن قال قائل: أنا ما الذي يدريني أن هذا الرجل اشترى العصير ليتخذه خمرًا أو ليشربه في الوقت الحاضر؟
نقول: إذا غلب على ظنك أن هذا من القوم الذين يشترون العصير ليتخذوه خمرًا كفى، إذا غلب على ظنك أنه من هؤلاء كفى، وإلا فالأصل الصِّحة، وعدم المنع، لكن إذا غلب على ظنك أنه اشتراه من أجل ذلك صار هذا حرامًا؛ لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، والله سبحانه وتعالى قد نهى عن ذلك.
كذلك لا يصح بيع سلاح في فتنة بين المسلمين؛ يعني لو حصل فتنة وقتال بين المسلمين، وجاء رجل يشتري منك سلاحًا، وغلب على ظنك أنه اشترى السلاح ليقاتِل المسلمين، فإنه يحرُم عليك أن تبيعه إياه، فإن قال صاحب السلاح: لعله اشتراه من أجل أن يصطاد به صيدًا مباحًا، فما الجواب؟
طالب: القرينة.
الشيخ: نقول: لا، نحن لا نمنع إلا إذا غلب على ظنك أنه اشتراه من أجل أن يقاتِل به المسلمين.
وكذلك لو اشترى رجل سلاحًا ليصطاد به صيدًا في الحرم، تعرف أن هذا الرجل من أهل الصيد، وهو الآن في الحرم، واشترى منك السلاح لأجل أن يصطاد به صيدًا في الحرم، فهذا حرام ولا يصح البيع؛ لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، وتأمل القرآن الكريم، كلمة: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} يدخل فيها آلاف المسائل؛ لأنها كلمة عامة، تشمل التعاون على الإثم والعدوان في العقود، التبرعات، والمعاوضات، والأمتعة، وغير ذلك، كل ما فيه التعاون على الإثم والعدوان فإنه حرام.
كذلك لا يصح بيع أوانٍ لمن يسقي بها الخمر، أنا أعرف أن صاحب هذا المطعم يأتيه الناس يشربون الخمر عنده، وأتى إلَيَّ ليشتري أواني يسقي بها الخمر، فهل هذا جائز؟ لا؛ لأن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان.
طيب، اشترى مني رجل أمواسًا لحلق اللحى؟ أعرف أنه اشتراها لذلك، هل يجوز بيعها عليه؟
طلبة: لا يجوز.
(2/787)
________________________________________
الشيخ: لماذا؟ تعاون على الإثم والعدوان، نعم، وكثير من العامة يظنون أن حلق اللحية لا بأس به، حتى إن بعض الناس يسألنا في الحج يقول: إنني لبست ثيابي قبل أن أحلق؟ ! سبحان الله يشير إلى، يعني يمسح لحيته ويقول: قبل أن يحلق، قلنا لهذا: لا تحلق، لا بعد الحل، ولا قبل الحل، حرام عليك.
اشترى رجل مني بيضًا من أجل أن يقامِر عليه، هل يجوز أن أبيع عليه؟
طالب: لا.
الشيخ: لا يجوز؛ لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، ولكن كيف القمار على البيض؟ يلَّا، كيف القمار على البيض؟ البيض يُتخذ للقمار؟
طالب: ( ... ) يا شيخ، إنه إذا حطه بيد واليد الثانية ( ... ).
الشيخ: حطيت البيض في يده.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، نشوف الأخ.
طالب: مثلًا يعني يقول: هذه البيضة إن كسرتها فلك مثلها، أو مثليها، وإن لم تكسرها تعطني اثنين، فهذا قمار.
الشيخ: كيف يكسر؟ بالحجر يعني؟
الطالب: لا، يقول له مثلًا: استعمل قوتك بأن تكسرها وهي طولًا، هكذا.
الشيخ: إي، هذا مما يُقامر عليه، يقول: إنك إذا ضغطت على البيضة طولًا ما تكسرها أبدًا، وعرضًا تكسرها، فالناس يقامرون عليه بهذه الصفة، فإن علمنا أن هذا الرجل اشترى البيضة من أجل القمار عليها قلنا: هذا لا يجوز؛ لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان.
طالب: عندنا صفة أخرى.
الشيخ: عندكم صفة أخرى في؟
الطالب: كسر البيض.
الشيخ: في أفغانستان.
الطالب: في أفغانستان وباكستان، هم يجلبون البيض مع بعض، أي واحد كسرت الثاني الذي كسرها، يعني اثنان ( ... ).
الشيخ: اثنان كل واحد معه بيضة.
الطالب: إذا كسرها ( ... ).
طالب آخر: كذلك عند ( ... ).
الشيخ: كذا؟
الطالب: إي، ( ... ) والثاني ( ... ) إذا كسرها ( ... ).
الشيخ: هذه بعد غريبة.
(2/788)
________________________________________
قال: (ولا عبدٍ مسلم لكافر إذا لم يعتِق عليه) العبد المسلم لا يجوز أن تبيعه على كافر؛ لأنك إذا بعت المسلم على الكافر سلطت الكافر على المسلم، إذ من المعلوم أن السيد له سلطة وإمرة على عبده، فإذا بعت العبد المسلم على الكافر سلطت الكافر عليه، وأذللت المسلم أمام الكافر، وإذلال المسلم حرام، ولا يحل، فلا يحل للإنسان أن يبيع عبده المسلم على كافر.
وبيع العبد الكافر على الكافر، لو كان عند إنسان عبد كافر، وباعه على كافر، يصح؟
طالب: يصح.
الشيخ: طيب، قوله: إذا كان لا يصح بيعه على الكافر، اشترط قال: (إذا لم يعتق عليه) إذا لم يعتِق العبد على الكافر، فإن عتق على الكافر بالشراء؛ صحَّ بيعه عليه، ومنِ الذي يعتق على مشتريه هو؟
طالب: ذو الرحم.
الشيخ: ذو الرحم المحرَّم؛ يعني أخاه، عمه، خاله، ابن أخيه، وما أشبه ذلك، كل من بينهما رحم مُحرَّم إذا ملك أحدهما الآخر عتق عليه، ابنه؟
طلبة: يعتق.
الشيخ: يعتق؟ ابن بنته؟
طلبة: يعتق.
الشيخ: يعتق. طيب، فإذا كان هذا العبد ابن أخٍ للكافر، وبعته على الكافر.
طالب: يصح.
الشيخ: يصح؟ لماذا؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لأنه بمجرد ما يقول: قبلت، يكون العبد حرًّا، ينطلق، يكون حرًّا، وهذا في الحقيقة فيه مصلحة للعبد، إذ إن فيه تعجيلًا لحريته، ولا يمكن أن يبقى ملك الكافر عليه ولا لحظة؛ لأنه بمجرد ما يقول: قبلت؛ يعتق، فإذا كان يعتق عليه فإنه يصح بيعه.
كذلك أيضًا لو كان يعتق عليه بتعليق، كيف بتعليق؟ يعني بأن يكون هذا الكافر قال: إذا ملكت هذا العبد فهو حُرّ، فإنه بمجرد ما يملكه يكون حُرًّا.
والمؤلف عمم قال: (إذا لم يعتق عليه)، فإذا عتق عليه إما لرحم مُحرَّم، وإما لتعليق، فإنه يصح بيعه عليه؛ لأن في ذلك استعجالًا لحريته.
طيب، هل يصح بيع العبد الكافر لمسلم؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يصح. إذن بيع العبد المسلم لمسلم صحيح.
طلبة: نعم.
الشيخ: الكافر للكافر؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: المسلم للكافر؟
(2/789)
________________________________________
طلبة: غير صحيح.
الشيخ: الكافر للمسلم؟
الطلبة: صحيح.
الشيخ: صحيح. ثم قال: (وإن أسلم في يده أجبر على إزالة ملكه) إن أسلم في يد الكافر أجبر -أي الكافر- على إزالة ملكه؛ لأنه لا يمكن أن يكون للكافر ولاية وسلطة على مسلم، مثال ذلك: رجل كافر عنده عبد كافر، ثم إن العبد الكافر أسلم، مَنَّ الله عليه بالإسلام فأسلم.
نقول للكافر: لا يمكن أن يبقى على ملكك، لا بد أن تخرجه من ملكك، ولكن بماذا يخرجه من ملكه؟ بالعتق، هذه واحد، أو بالبيع، لكن بشرط ألا يبيعه على كافر، فإن باعه على كافر فالبيع حرام ولا يصح.
فقول المؤلف: (أُجبر على إزالة ملكه) عام، إزالة ملكه ببيع، أو هبة، أو عتق، أو غير ذلك، لكنه إذا كان ببيع أو هبة فإنه لا يبيعه، ولا يهبه على إنسان كافر.
ثم قال: (ولا تكفي مكاتبته) يعني: لو أن الرجل الكافر الذي أسلم عبدُه قال: أنا أكاتبه، والمكاتبة: أن يبيع السيد عبده على نفسه، هذه المكاتبة، أشار الله إليها بقوله: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33].
فهذا الرجل الكافر، قال: أنا ما عندي مانع، ليس عندي مانع أن أزيل ملك عبدي، لكني أريد أن أزيله بالمكاتبة، أبيع نفسه عليه، نقول: هذا لا يكفي؛ لأن المكاتبة لا تُخرج ملك السيد عن العبد حتى يوفي تمامًا، وقبل الوفاء هو في رق السيد، فلهذا لا تكفي المكاتبة.
لو قال: أنا أبيعه، لكن أريد أن أشترط الخيار لي لمدة شهر، أيجزئ هذا أو لا؟ لا؛ لأنها لم تنقطع عُلَقُه عنه، فربما يقول: أنا فسخت البيع، إذن لو كاتبه لم يصح، ولو باعه بخيار لم يصح أيضًا، لا يكفي.
(2/790)
________________________________________
ثم قال المؤلف: (وإن جمع بين بيع وكتابة، أو بيع وصرْف؛ صح في غير الكتابة) هذا الجمع بين عقْدين، إذا جمع بين عقدين فإن كان بشرط فالعقد غير صحيح، وإن كان بغير شرط فالعقد صحيح، مثال ذلك: قال: بعتُ عليكَ بيتي هذا بمئة ألف بشرط أن تؤجرني بيتك بعشرة آلاف، قال: قبلت، ما عندي مانع، فالعقد غير صحيح، لا البيع ولا الإجارة؛ لأنه شَرْط عقد في عقد فلا يصح، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ» (8).
هذا هو المذهب، والصحيح أنه جائز إذا لم يتضمن محظورًا شرعيًّا، والحاجة داعية لذلك، قد يقول: أنا لا أحب أن أبيع عليك بيتي حتى أضمن أنني ساكن في بيت آخر، فأقول: بعتُ عليك البيت بمئة ألف، بشرط أن تؤجرني بيتك بعشرة آلاف، أو بألف، ما المانع من هذا؟ ليس هناك مانع.
وأما قول الرسول: «شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ» فالعبارة مطلقة، فتُحمل على المقيد، وهما الشرطان اللذان يلزم منهما الوقوع في محظور شرعي.
لكن إذا كان بغير شرط، جمع بين بيْع وكتابة، أو بيْع وصرف، أو بيع وإجارة، أو بيْع ومهر، فإن العقد يصح، لكن قال: (في غير الكتابة) يعني: في غير ما إذا جمع بين بيع وكتابة، فإن البيع لا يصح، يحتاج نمثل ولَّا؟
طالب: لا.
إذا جمع بين بيع وإجارة، قال: بعتُك بيتي هذا بمئة ألف، وآجرتك البيت الثاني بعشرة آلاف، قال: قبلت، هذا صحيح. أو قال: بعتُك بيتي هذا، وآجرتك بيتي هذا بمئة ألف؟ أيضًا صحيح، ويُقسط العِوض عليهما عند الحاجة.
(بين بيْع وكِتابة) قال لعبده: بعتُك هذه السيارة، وكاتبتُك بعشرة آلاف، الثمن واحد ولا متعدِّد؟
طلبة: واحد.
الشيخ: والصفقة؟
طلبة: متعددة.
الشيخ: واحدة، بعتُك هذه السيارة، وكاتبتُك بعشرة آلاف.
يقول المؤلف: لا يصح البيع في هذه الحال، ليش لا يصح؟ لأنه باع ملكه على ملكه، هذا العبد الذي كاتبه، هل خرج عن ملكه؟
طلبة: لا.
(2/791)
________________________________________
الشيخ: لا يخرج حتى يُؤدِّي، فإذا باع ملكه على ملكه لم يصح، والمسألة فيها خلاف لكن هذا المذهب، والتعليل -كما سمعتم- أن من شرْط البيع أن يبيع على من يملك ملكًا تامًّا، وهذا لا يملك ملكًا تامًّا؛ إذ إنه ما زال على ملك سيده.
(البيع والصرف) الواقع أن الصرْف بيع، لكن هو يختص بأنه مبادَلة نقد بنقد، هذا الفرْق، وله أحكام معروفة، لكن الكلام على أنه مبادَلة، دنانير بدراهم: صرف، ودنانير بثياب: بيع، غير صرْف، والصرف بيع لا شك، لكن لما كان الصرف له أحكام خاصة صاروا يفردونه بالقول.
(بيع وصرْف) قال مثلًا: بعتُك هذه الدنانير وهذه السيارة بعشرة آلاف درهم، الصفقة.
طلبة: واحدة.
الشيخ: والثمن واحد، يصح، يصح البيع، فإذا قُبض الثمن فلا إشكال، وإن لم يُقبض صح في السيارة دون الصرف؛ لأنه لا بد إذا بعت دراهم بدنانير لا بد أن تقبض وتُقبِّض، لا بد من التقابض قبل التفرق.
قال المؤلف: (صح في غير الكتابة) ظاهر كلامه -رحمه الله- في غير الكتابة أن الكتابة لا تصح، وليس الأمر كذلك، بل المراد أن البيع لا يصح، وأما الكتابة فتصح.
فإن قال قائل: ما دليلك على هذا، هذا خلاف ظاهر كلام المؤلف؟
نقول: لأن الكلام الآن في البيع ولَّا في الكتابة؟ في البيع، يعني فإذا جمع بين البيع والكتابة، قلنا: الكتابة صحيحة، والبيع غير صحيح.
قال: (ويُقسَّط العِوَض عليهما) (يُقسَّط) يعني يوزع العِوض عليهما، وذلك عند الحاجة، مثال ذلك: بعتُك هذه السيارة، وآجرتك هذا البيت بمئة ألف، الثمن واحد، والعقد واحد.
(2/792)
________________________________________
قُدِّر أن البيت انهدم، جاءته أمطار فهدمته، فالإجارة تنفسخ، تنفسخ الإجارة؛ لأن العين المعقود عليها تلفت، كيف نوزع الثمن الآن؟ أو كيف نوزع العوض؟ أحسن؛ لأن هذا العوض فيه أُجرة وفيه ثمن، فكيف نوزع هذا العوض؟ يوزع بالقيمة، يقال: كم يؤجر البيت به؟ قالوا: يؤجر بعشرين ألفًا، كم قيمة السيارة؟ كم تكون قيمة السيارة؟ الثمن مئة، تكون قيمة السيارة ثمانين.
إذن ينزل من العِوض كم؟ عشرون، فإن قُدِّر أنه عند التقويم صار يُساوي مئتي ألف، وقالوا: إن الإجارة قيمتها عشرون ألفًا، ونحن الآن العقد كم؟ بمئة، نقول: عشرون ألفًا من مئتين تقابل عشرة بالمئة؛ يعني عشرون ألفًا من مئتين: عشرة في المئة، نقول: إذن نرجع للثمن الذي هو مئة، فنخصم منه عشرة في المئة، هذا معنى قول المؤلف: (يُقسَّط العوض عليهما) يعني: لو احتجنا إلى توزيع العِوض فإنه يقسط على قيمة المبيع وعلى الأجرة.

طالب: يا شيخ، لو كان فيه جامعان، إذا كان عندي جامعان فأذَّن الأول، ولم يؤذن الثاني، وكان مثلًا الرجل الذي يبيع ويشتري أن يدخل أحد الجامعين؟
الشيخ: نعم، هذا يقول: إذا كان هناك جمعتان، فأذَّن في إحداهما دون الأخرى، فهل المعتَبر الأولى أو الأخيرة؟ المعتَبر ما يريد الصلاة فيه، ولهذا لو أن أحد المسجدين يخطُب وأنت لا تريد الصلاة فيه، فهل يلزمك الإنصات؟
الطالب: لا.
الشيخ: لا، لكن لو كان المسجد الذي تريده هو الذي يخطب لزمك الإنصات، ولو كنت خارج المسجد.

طالب: شيخ -بارك الله فيك- هل يُعذر الكافر بجهله؟ مثلًا لو قال لنا الكافر: أنا ما أعرف أحكام الشريعة في مسألة ما إذا اشتريت عبدًا، وكان ( ... ) يعتق عليَّ بمجرد قولي: قبلت؟
الشيخ: إي نعم، يقول العلماء: العِبرة في المعاملات بما في نفس الأمر، وفي العبادات بغلبة الظن، فنقول لهذا الرجل: لا يهمنا، علمت أم لم تعلم، العبد يعتق عليك، وتُجبر على إزالة ملكه.
الطالب: هذا في كل المعاملات يا شيخ؟
(2/793)
________________________________________
الشيخ: إي نعم.
الطالب: يعني ( ... ) البيع؟
الشيخ: إي نعم، العبرة بما في نفس الأمر.
طالب: شيخ، النداء الثاني للجمعة الذين قالوا: بدعة.
الشيخ: الأول.
الطالب: الذين قالوا ..
الشيخ: إي الأول.
الطالب: أنه بِدعة، استدلوا بأثر ابن عمر، وقالوا: إنه معلول.
الشيخ: نعم، أولًا: نحن نطالبهم بصحة الدليل، هذه واحد، الشيء الثاني: إذا صح ذلك، فإن قول عثمان أَوْلى بالقبول من قول ابن عمر؛ لأن عثمان من الخلفاء الراشدين.
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: وإن أسلم في يده أُجبر على إزالة ملكه، ولا تكفي مكاتبته، وإن جمع بين بيع وكتابة، أو بيع وصرف صح في غير الكتابة، ويُقسَّط العوض عليهما، ويحرم بيعه على بيع أخيه كأن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك مثلها بتسعة، وشراؤه على شرائه كأن يقول لمن باع سلعة بتسعة: عندي فيها عشرة ليفسخ ويعقد معه، ويبطل العقد فيهما، ومن باع ربويًّا بنسيئة، واعتاض عن ثمنه ما لا يُباع به نسيئة، أو اشترى شيئًا نقدًا بدون ما باع به نسيئة لا بالعكس لم يجُز، وإن اشتراه بغير.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ما مناسبة ذِكْر هذا الفصل بعد ذكر الشروط؟
طالب: إنه لما ذكر الشروط ذكر موانع البيع؛ لأن الأشياء لا تتم إلَّا بذِكْر شروطها وموانعها.
الشيخ: بذكر، إلَّا.
الطالب: بذكر شروطها وانتفاء موانعها.
الشيخ: بذكر شروطها؟ الأشياء لا تتم إلَّا بذكر شروطها؟ يعني إذا قلت: شروط الصلاة تسعة صحت الصلاة؟ !
الطالب: بوجود.
الشيخ: إي، باجتماع شروطها وانتفاء موانعها، إذن هذه مناسبة الفصل لما سبقه؛ لأن الشيء لا يتم إلَّا باجتماع شروطه وانتفاء موانعه.
تبايعت امرأتان بعد نداء الجمعة الثاني، فما حكم بيعهما؟
طالب: صحيح.
الشيخ: جائز؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لماذا؟
(2/794)
________________________________________
الطالب: لأن المرأتين لا تلزمهما الجمعة.
الشيخ: صحيح؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: نعم، البيع صحيح وجائز؛ لأنهما غير مدعوتين بهذا النداء. طيب مريضان، رجلان تبايعا بعد نداء الجمعة الثاني؟
طالب: إذا كانا لا يقدران على ( ... ).
الشيخ: إي نعم، لا يقدران على الذهاب.
الطالب: يصح البيع.
الشيخ: يصح البيع؟ لماذا؟ لأن الجمعة لا تلزمهما. طيب أوجب عقد البيع قبل الأذان وقبِل المشتري بعد الأذان؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح، البيع وقع قبل.
الطالب: لكن القبول كان بعد الأذان.
الشيخ: إي، والبيع لا يتم العقد فيه إلَّا بإيجاب وقبول. لماذا قيَّد المؤلف نداء الجمعة بالثاني؟
طالب: لأنه هو الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بالآية ( ... ).
الشيخ: لأنه المقصود بالآية، والموجود في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
عقد رجل النكاح على امرأة بعد نداء الجمعة الثاني؟
طالب: ( ... ) المذهب ( ... ).
الشيخ: نعم، على ما ذهب إليه المؤلف: يصح، وهو المذهب، والقول الصحيح أنه لا يصح؛ لأن العلة.
طالب: لأن العقد ( ... ) إشغال.
الشيخ: أحسنت، العلة واحدة، الإشغال، وربما يكون انشغال الإنسان بعقد الأزواج أكثر من انشغاله بعقد البيع، أليس كذلك؟
الطالب: بلى.
الشيخ: إي نعم، رجل باع عصيرًا على آخر؟
طالب: إذا باع، المسألة فيها تفصيل، من باع العصير على من يتخذه خمرًا فنقول: إنه لا يجوز؛ لأن الله ( ... )، وإن بعناه على شخص نعلم أنه لا يشتري الخمر، فإن البيع صحيح.
الشيخ: وإن شككنا؟
الطالب: وإن شككنا رجعنا للأصل.
الشيخ: ما هو الأصل؟
الطالب: إنه عدم المنع من البَيْع.
الشيخ: حِل البيع.
الطالب: حِل البيع عدم المنع.
الشيخ: إي، سمعتم يا جماعة؟ إذا غلب على الظن أنه اشترى هذا العصير ليتخذه خمرًا فإننا لا نبيع، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
(2/795)
________________________________________
باع بيضًا على آخر، هل يصح البيع؟ البيض باعه على آخر، يصح؟ مشكلة إذا قلنا: ما يصح، معناه كل فطورنا كل يوم ما هو صحيح.
الطالب: ما أدري.
الشيخ: ما تدري.
طالب: ( ... ) فيها تفصيل.
الشيخ: فيها تفصيل، ما هي؟
الطالب: إذا باع البيض على أنه ( ... ) فالبيع جائز، أما إذا باعه على أنه يلعب به القمار فالبيع يقع باطلًا.
الشيخ: طيب، وإن باعه على أن يتخذه فراخًا؟
الطالب: صحيح، ( ... ).
الشيخ: إذن ليش؟ نقول: إن باعه على من يتخذه للقمار فهو حرام ولا يصح، وإلَّا فهو صحيح.
ما هو الدليل على تحريمه إذا كان لمن يتخذه للقمار؟
طالب: لأنه تعاون على الإثم والعدوان؛ لقوله: قال الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
الشيخ: نعم، لقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
أسلم قِنٌّ عند كافر؟
طالب: وجب أن يعفو عنه يا شيخ، العبد يجب أن يتحرر من الكافر، إذا أسلم على يد سيده الكافر يجب أن ينتقل عنه، أو يبيعه على مسلم.
الشيخ: يعني تجب إزالة ملكه؟
الطالب: نعم.
الشيخ: بأي سبب من الأسباب؟
الطالب: لأنه لا يصح أن يكون السيد الكافر تحته عبد مسلم.
الشيخ: إي، طيب، الدليل؟
الطالب: الدليل أنه لا تصح أن يكون المسلم ذليلًا.
الشيخ: لا، هذا حكم ما هو دليل.
طالب: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141].
الشيخ: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}، طيب، هذه الآية قد يُنازع فيها؛ لأن الله قال: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} يعني في ذلك الوقت، في ذلك اليوم، لكن هنا تعليل قوي.
طالب: فيه إذلال للمسلم.
الشيخ: نعم، لما في ذلك من إذلال المسلم، وربما يحمله على أن يرتد عن الإسلام.
(2/796)
________________________________________
يقول المؤلف: (إن جمع بين بيع وكتابة صح في غير الكتابة)، معناه؟
طالب: إذا جمع بين عقدي بيع.
الشيخ: جمع بين عقدين ولَّا بعقد واحد؟
الطالب: بعقد واحد.
الشيخ: بين؟
الطالب: بين البيع والكتابة.
الشيخ: نعم.
الطالب: فإنه يصح، إذا جمع بين البيع والكتابة لا يصح.
الشيخ: لا يصح؟
الطالب: لا يصح.
الشيخ: ويش اللي لا يصح؟ البيع أو الكتابة؟
الطالب: لا، البيع لا يصح.
الشيخ: البيع لا يصح.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: والكتابة؟
الطالب: تصح.
الشيخ: مثاله؟
الطالب: كأن يبيع على عبده شيئًا ويُكاتبه.
الشيخ: لا، أن يبيعه ويكاتبه؟
الطالب: عقدين يا شيخ.
الشيخ: لا، هو عقد واحد، جمع في عقد واحد بين بيع وكتابة.
الطالب: ( ... ) أن يكاتب عبده ( ... ).
الشيخ: الكتابة أن يبيع عبده على نفسه.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: المثال؟
الطالب: مثل أن يقول لعبده: ( ... ).
الشيخ: بعتُ عليك هذه السيارة وكاتبتك.
الطالب: سنة ..
الشيخ: لا، ما تقول: سنة ولا شيء، وكاتبتك بعشرة آلاف.
الطالب: لا يصح.
الشيخ: ما الذي لا يصح؟
الطالب: البيع.
الشيخ: والكتابة تصح، لماذا لا يصح البيع؟
الطالب: لا يصح البيع؛ لأنه باع ماله لماله؛ لأن المال ماله.
الشيخ: لأن المكاتب عبدٌ حتى يُوفي، فيكون باع ماله.
تمام، طيب، وإن كاتبه، ثم باع عليه سيارة؟
طالب: يجوز.
الشيخ: يجوز؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: الدليل؟
الطالب: المكاتب له حرية.
الشيخ: في أيش؟
الطالب: في التصرف.
الشيخ: في التصرف، فإذا اشترى من سيده فلا بأس، كما لو اشترى من غيره.
ما هي صورة قولهم: جمع بين بيع وصرف؟ ويش مثاله؟
طالب: كأن يقول مثلًا: بعتُك هذا البيت، وأجرتك هذا البيت.
الشيخ: لا، بيع وصرف؟
طالب: كأن يقول بعتك هذه السيارة، وهذه المئة درهم بألف جنيه.
الشيخ: بألف جنيه.
الطالب: بألف جنيه.
(2/797)
________________________________________
الشيخ: طيب، صحيح؟ هذا جمع بين بيع وصرف؛ وذلك لأن بيع النقد بالنقد يُسمى عندهم صرْفًا؛ يعني بيع الدنانير بدراهم يسمى صرفًا، مع أنه بيع هو في الأصل، لكن هذا بيع خاص؛ لأن له أحكامًا خاصة.
يقول رحمه الله: (ويحرم بيعه على بيع أخيه)، (يحرم بيعه) أي: بيع الإنسان على بيع أخيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» (9). ولأن ذلك عدوان على أخيه، ولأنه يُوجب العداوة والبغضاء والتقاطع.
فعندنا الآن دليل أثري، ودليل نظري؛ الدليل الأثري: هو نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع على بيع أخيه، والدليل النظري: أنه عدوان على أخيه، عدوان على حقه. وثانيًا: أنه يوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين، وكل ما أوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين فإنه مُحرَّم، قاعدة عامة؛ لقوله تعالى في تعليل تحريم الخمر والميسر: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة: 91]، فكل ما أوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين فإنه حرام؛ لأن هذا الدين دِين التأليف، ودِين الأخوة والمحبة، حتى قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (10)، فكيف تعتدي على أخيك؟
كذلك أيضًا يحرم الشراء على شرائه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ»، والشراء نوع من البيع، ولما فيه من العدوان على أخيه، ولما فيه من إحداث العداوة والبغضاء.
وقوله: (على بيع أخيه)، هل المراد أخوه من النسب؟ لا، أخوه من الرضاع؟
طلبة: لا.
الشيخ: أخوه في الدين؟
طلبة: نعم.
(2/798)
________________________________________
الشيخ: نعم، أخوه في الدين، وعُلِم من كلامه أنه يجوز أن يبيع على بيع الكافر، ولو كان له عهد وذمة؛ لأنه ليس أخًا له، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ»، والكافر ليس بأخ، وإلى هذا ذهب أهل الظاهر، وقالوا: لنا ظاهِر اللفظ، لا يحرم البيع إلَّا على بيع المسلم.
ولكن القول الثاني في المسألة: أنه يحرم البيع على بيع المعصوم، سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا ذميًّا؛ لأن العدوان على الكافر الذمي حرام لا يحل؛ إذ إنه معصوم الدم والعرض والمال، وتقييد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك بالأخ بناءً على الأغلب، أو من أجل العطف على أخيك، وعدم التعرض له.
المثال: قال: (كأن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك مثلها بتسعة) هذا بيع على البيع، ولَّا شراء على الشراء؟
طالب: بيع على البيع.
الشيخ: (لمن اشترى) يقول: (لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك مثلها بتسعة).
طلبة: بيع على البيع.
الشيخ: هذا بيع على البيع؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: نعم، صح، المثال: اشترى زيد من عمرو سيارة بعشرة آلاف، فذهب رجل إلى زيد، وقال له: أنا أعطيك مثلها بتسعة، أو أعطيك أحسن منها بعشرة، فهذا بيع على بيع المسلم، لا يحل.
فإن قال: أنا أعطيك مِثلَها بعشرة، فهل هذا بيع على بيع المسلم؟
طلبة: لا.
الشيخ: ظاهر كلام المؤلف لا؛ لأنه لم يزده كميةً ولا كيفية، لكن قد يُقال: إنه بيع على بيع المسلم؛ لعموم الحديث، الحديث عام؛ ولأن هذا المشترِي قد يترك البيع الأول؛ لأن هذا يكون قريبًا له، أو صاحبًا له، أو محابيًا له، أو ما أشبه ذلك.
والصحيح العموم، يعني سواءٌ زاده كمية أو كيفية، أو لم يزده، حتى بالثمن المساوي لا يجوز؛ لعموم الحديث، ولأنه قد يترك البيع محاباةً لهذا الذي عرض عليه، أو غير ذلك.
صورة الشراء: (كأن يقول لمن باع سلعة بتسعة: عندي فيها عشرة).
(2/799)
________________________________________
مثاله: باع زيد على عمرو سلعة بتسعة، فجاء آخر، وقال للبائع: بِعْتها على فلان بتسعة؟ قال: نعم، قال: أنا أعطيك عشرة، هاك، هذا يسمى أيش؟
طلبة: شراء على شراء.
الشيخ: شراء على شرائه، فلا يحل، وعرفتم الدليل الأثري والنظري، فلا يحل.
وظاهر كلام المؤلف أن هذا حرام سواء كان ذلك في زمن الخيارين أم بعد انتهاء زمن الخيار، مثاله في زمن الخيارين: لو أننا كنا في مجلس، فباع زيد على عمرو سلعة بتسعة، فقال أحد الحاضرين: أنا أعطيك عشرة بعد أن أوجب البيع عليه، فهذا شراء على شرائه صار في زمن الخيار، وهنا يتمكن البائع من الفسخ.
وكذلك لو كان في زمن خيار الشرط؛ بأن باعه سلعة بعشرة، وجعل لنفسه الخيار يومين، فجاء إنسان في اليوم الثاني، وقال: أنا أعطيك فيها أحد عشر فلا يحل، لماذا؟ لأنه في هذه الحال يتمكن من فسْخ البيع والعقد مع الثاني.
أما إذا لم يكن خيار فقد اختلف العلماء في هذه المسألة، هل يجوز البيع والشراء أو لا يجوز؟ وأضرب مثلًا بهذا يتبين به الحكم: باع زيد على عمرو سلعة بعشرة، واستلم الثمن وذاك استلم السلعة، وتفرقا، وانتهى كل شيء، فجاء إنسان إلى المشترِي، وقال: أنا أعطيك مثلها بتسعة، أو خيرًا منها بعشرة، هذا ماذا يُسمى؟
طالب: بيع على بيع.
الشيخ: هذا بيع على بيع، فهل يجوز أو لا يجوز؟ في هذا خلاف بين العلماء: منهم من قال: إنه لا يجوز، ومنهم من قال: إنه يجوز، أما من قال: إنه يجوز، فقال: إن الخيار قد انتهى، والآن لا يمكن لأي واحد منهما أن يفسخ العقد، فوجوب البيع على بيعه أو الشراء على شرائه كعدمه؛ لأنه لو أراد يهون يفسخ ما تمكن.
(2/800)
________________________________________
والقول الثاني في المسألة: أن ما بعد زمن الخيار كالذي في زمن الخيار؛ يعني أنه يحرم ولو بعد زمن الخيار، وعللوا ذلك؛ أولًا: عموم الحديث: «لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» (11)، هذا عام ما فيه تقييد، وثانيًا: أنه ربما تحيل على الفسخ بأي سبب من الأسباب، كأن يدعي عيبًا، أو ما أشبه ذلك مما يمكنه من الفسخ، وثالثًا: أنه يؤدي إلى العداوة بين البائع الأول والمشتري؛ لأنه سيقول: إنه غبنني، ويكون في قلبه شيء عليه، وهذا القول هو الراجح، أي أن البيع على بيع أخيه حرام، سواء كان ذلك في زمن الخيارين، أو بعد ذلك، لكن إذا كان في مدة طويلة فإن ذلك لا بأس به؛ يعني لو كان حصل هذا قبل أسبوع أو شهر أو ما أشبه ذلك، وجاء وقال: أنا أعطيك مثل هذه السلعة بتسعة، وهو قد اشتراها بعشرة، فهنا لا بأس؛ لأن محاولة الرد في مثل هذه الصورة بعيدة.
يقول: (ليفسخ ويعقد معه) كلمة (ليفسخ) هذه تعليل للتحريم، (ليفسخ ويعقد معه)، وعُلِم منه أنه لو كان على غير هذا الوجه بأن كان المشتري يريد سلعًا كثيرة، واشترى من فلان عشر سلع من عشر، ولكنه ما زال يطلب، هذا المشتري ما زال يطلب من الناس، فقال له الإنسان: أنا أعطيك بتسعة، وهو يعلم أنه لن يفسخ العقد الأول؛ لأنه يريد سلعًا كثيرة، فهذا لا بأس به؛ لأنه في هذه الحال ليس فيه إغرار على ما مشى عليه المؤلف، لكن هنا قد نقول: إنه لن يفسخ العقد، لكن ربما يجد في نفسه شيئًا على البائع الأول؛ لكونه غبَنه، فالتحرُّز عن هذا مطلقًا هو الموافق لظاهر الحديث، وهو الأبعد عن حلول العداوة والبغضاء بين المسلمين. ما فيه سؤال الآن، صوِّر لي المسألة.
طالب: البيع على بيعه؟
الشيخ: البيع على بيعه.
الطالب: أن يبيع شخص على بيع.
الشيخ: صورة، صوِّرها، مو مثال؟
الطالب: بيع على بيعه.
الشيخ: إي، الصورة ذكرها المؤلف في المتن.
طالب: يقول مثلًا ( ... ) هذه السلعة ( ... ).
الشيخ: لمن اشترى، كأن يقول: لمن اشترى.
(2/801)
________________________________________
الطالب: لمن اشترى هذه السلعة.
الشيخ: سلعة.
الطالب: بعشرة أنا آتيك بها بتسعة.
الشيخ: نعم، أنا أعطيك مثلها بتسعة، كذا؟ هذا بيع.
صورة الشراء على شرائه؟
طالب: كأن يقول ( ... ).
الشيخ: الشراء على شرائه.
الطالب: كأن يقول لمن باع بتسعة أعطيك بعشرة.
الشيخ: أنا أعطيك فيها عشرة. طيب، صح، هل فهمت يا أخ؟
طالب: شيخ، النقطة اللي بعد هذي النقطتين ( ... ).
الشيخ: عرفت هذا ولَّا لا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب، يفعل ذلك من أجل أن يفسخ العقد، ويعقد مع الثاني، قلنا: إن هذا التعليل يدل على أنه لو كان البائع أو المشتري يريد سلعًا كثيرة فإنه لا بأس بذلك، مثاله: اشترى رجل من زيد عشر قطع، من عشرة ريالات، ثم جاء إنسان، ثم جعل يلتمس في السوق من هذه القطع، فجاءه رجل، فقال: أنا أبيع عليك بتسعة، فهذا بيع على بيعه، لكن نعلم أن المشتري الأول لن يفسخ العقد، لماذا؟
طالب: لأنه يريد.
الشيخ: لأنه يحتاج سلعًا، هو يريد سلعًا كثيرة، سواء زاد الثمن أم نقص، فنقول: هذا لا يحرم، ولكن على ظاهِر كلام المؤلف، ولكنا ذكرنا أنه يمكن أن يُقال بالتحريم؛ لأنه يحدث أيش؟
طلبة: العداوة والبغضاء.
الشيخ: العداوة والبغضاء بين المشتري والبائع.
ثم قال رحمه الله: (ويبطل العقد فيهما)؛ يعني في البيع على بيعه، والشراء على شرائه، يبطل، العلة؟
طالب: للنهي.
الشيخ: للنهي عن ذلك، والنهي عن الشيء بعينه يقتضي الفساد؛ لأننا لو صحَّحناه لكان في ذلك مضادة لحكم الله ورسوله، فالنهي عن الشيء بعينه يقتضي فساده، ولهذا لو صام الإنسان يوم العيد فصومه حرام باطل؛ لأنه منهي عنه، كذلك إذا باع على بيع أخيه فالبيع حرام وباطل.
طيب غير البيع على بيع أخيه؛ مثل لو استأجر على استئجار أخيه، فما الحكم؟
طالب: يأخذ الحكم.
الشيخ: واحد، الحكم واحد؛ لأن الإجارة بيع منافع. طيب لو خطب على خِطبة أخيه؟
طالب: لا يجوز أيضًا.
(2/802)
________________________________________
الشيخ: لا يجوز أيضا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك؛ ولأن العلة واحدة.
ثم قال: (ومن باع ربويًّا بنسيئة، واعتاض عن ثمنه ما لا يباع به نسيئة لم يجز).
(باع ربويًّا بنسيئة) أي: بثمن مؤجل، (واعتاض عن ثمنه ما لا يُباع به نسيئة) أي: شيئًا لا يُباع به؛ أي بالذي باعه نسيئة، فإنه لا يصح.
ومَن باعَ رِبَوِيًّا بنَسِيئَةٍ واعْتاضَ عن ثَمَنِه ما لا يُباعُ به نَسيئةً، أو اشْتَرَى شيئًا نَقْدًا بدونِ ما باعَ به نَسيئةً , لا بالعكْسِ , لم يَجُزْ، وإن اشتراهُ بغيرِ جِنسِه أو بعدَ قَبْضِ ثَمَنِه , أو بعدَ تَغَيُّرِ صِفَتِه , أو من غيرِ مُشتَرِيهِ , أو اشْتَرَاهُ أبوه , أو ابنُه -جازَ.
(باب الشروط في البيع)
منها (صحيحٌ) كالرَّهْنِ، وتأجيلِ الثَمَنٍ،
ولأن العلة واحدة.
ثم قال: (ومن باع ربويًّا بنسيئة واعتاض عن ثمنه ما لا يُبَاع به نسيئة لم يجز)، (باع ربويًّا بنسيئة) أي: بثمن مؤجل، (واعتاض عن ثمنه ما لا يُبَاع به نسيئة) أي: شيئًا لا يُبَاع به؛ أي: بالذي باعه نسيئة فإنه لا يصح، واضح؟
طلبة: لا، غير واضح.
الشيخ: إي، طيب، يوضحه المثال إن شاء الله: باع مئة صاع بُر، البُر ربوي ولَّا غير ربوي؟
طلبة: ربوي.
الشيخ: ربوي، باعه بثمن مؤجل إلى شهر، قال: بعت عليك مئة صاع بُر بمئتي درهم إلى أجل؛ إلى شهر، الآن ثبت في ذمة المشتري مئتا درهم، جاء البائع الذي ثبت له مئتا درهم وقال له: أنا أريد أن تعطيني بدل مئتي درهم مئة صاع رز، فهل يجوز؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز؛ لأن البُر لا يُبَاع نسيئة بالأرز، لو أنك أردت أن تبيع مئة صاع من البُر بمئة صاع من الرز بدون تقابض فإنه لا يجوز، فهذا الذي باع البُر بدراهم مؤجلة، ثم اعتاض عن هذه الدراهم المؤجلة شيئًا لا يُبَاع بالبُر نسيئة، نقول: هذا حرام، لماذا؟ لأنه حيلة على أن يبيع الربوي بما لا يُبَاع به نسيئة يبيعه به نسيئة، واضح؟
طلبة: نعم، واضح.
(2/803)
________________________________________
الشيخ: طيب، وبعض الناس يقول: غير واضح.
الآن لو بعت مئة صاع بُر بمئة صاع رز تسلمني إياها بعد عشرة أيام؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، فهذا ربما يقول: أبيع عليه مئة صاع البُر بمئتي ريال، ثم بعد عشرة أيام أشتري منه رزًا بمئتي ريال، فيكون هذا أيش؟
طالب: حيلة.
الشيخ: حيلة، بدل من أن يقول: بُرٌّ بِرُزٍّ تقبضني إياه بعد عشرة أيام، يقول: بُرٌّ بدراهم، ثم يرجع ويقول: بعني رزًّا، واضح أن هذا ذريعة للربا، فهنا نقول: يحرم أن يعتاض عن ثمن الربوي الذي باعه نسيئة ما لا يُبَاع به نسيئة؛ لأن ذلك ذريعة واضحة إلى بيع الربوي بربوي لا يُبَاع به نسيئة مع التأجيل، ربنا افتح علينا، واضح يا إخوان؟
طلبة: واضح.
الشيخ: طيب، هذا رجل باع تمرًا بمئتي درهم بثمن مؤجل إلى شهر، بعد أن مضى عشرة أيام قال البائع للمشتري: أريد أن أعتاض عن مئتي درهم عشرين دينارًا، ووافق على ذلك وقَبَّضه إياها، يجوز أو ما يجوز؟
طلبة: يجوز.
طالب: ما يجوز.
الشيخ: يجوز، بشرط أن يكون بسعر وقتها، وألَّا يتفرقا وبينهما شيء.
لماذا جاز في هذه الصورة دون الأولى؟ لأن بيع التمر بالدراهم والدنانير يجوز نسيئة، فليس فيه محظور.
باع تمرًا بمئتي درهم إلى شهر، وبعد مضي عشرة أيام قال البائع للمشتري: أريد أن أعتاض عن مئتي الدرهم هذه البعير، وهي تساوي مئتي درهم، يجوز؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: ليش؟ لأن التمر يُبَاع بالبعير نسيئة، والمحظور أن يعتاض عن ثمنه ما لا يُبَاع به نسيئة، هذا هو المحظور.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ، بالنسبة ( ... ) برفع السعر، هل يُلْزَم الذي رفع السعر أو له خيار الفسخ؟
الشيخ: هذا يأتي في الخيار، هذا خيار النجش يأتي -إن شاء الله- في الخيار.
(2/804)
________________________________________
طالب: بارك الله فيك، قلنا في المسألة اللي قبل السابقة: إنه باع بدراهم مؤجلة، ثم اعتاض عنها بعد عشرة أيام بدنانير، ( ... ) الحديث: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» (1) ( ... ) يدًا بيد؟
الشيخ: ما هو الذي ليس يدًا بيد؟
الطالب: الدراهم والدنانير اختلفت، وليست يدًا بيد.
الشيخ: بلى، يدًا بيد.
الطالب: أليس باع بُرًّا قبل عشرة أيام؟
الشيخ: بلى.
الطالب: ثم ..
الشيخ: بدراهم.
الطالب: ثم أخذ دنانير وليست حاضرة.
الشيخ: بدلًا عن الدراهم؟
الطالب: نعم.
الشيخ: وسلَّمه الدنانير؟
الطالب: نعم.
الشيخ: فهو يد بيد.
الطالب: ما الفرق بينه وبين المسألة السابقة؟
الشيخ: السابقة؛ لأن الرز لا يُبَاع بالبُر نسيئة.
الطالب: أليس البُر والرز كلها ربوية؟
الشيخ: بلى.
الطالب: والدراهم والدنانير ربوية؟
الشيخ: بلى.
الطالب: طيب، ما الفرق بين هذه وهذه؟
الشيخ: هو باع التمر بدراهم، وبيع التمر بالدراهم لا يمتنع فيه النَّساء؛ يعني التأخير.
الطالب: وباع البُر بدراهم.
الشيخ: زين، واعتاض أيش؟
الطالب: دنانير.
الشيخ: ما فيه بأس، لكن بشرط أن تكون بسعر يومها، وألَّا يتفرقا وبينهما شيء، قال ابن عمر: كنا نبيع الإبل بالدراهم ونأخذ عنها الدنانير، وبالدنانير ونأخذ عنها الدراهم، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» (2).
الطالب: يا شيخ، هو باع في نفس اللحظة باع بدراهم أخذ دنانير في الحال؟
الشيخ: كيف؟
الطالب: باع بدراهم، ثم أخذ دنانير في الحال.
الشيخ: طيب، ما فيه مانع.
الطالب: وهذه هي المسألة؟
الشيخ: هذه المسألة، أو بعد ذلك اعتاض عن الدراهم دنانير.
طالب: إذا قصد من اشترى على شراء أخيه الإحسان إلى البائع؛ لأن ( ... ) غُبِن في البيع الأول، قال: أنا أعطيك ثمنها وأزيد من الأول؟
(2/805)
________________________________________
الشيخ: نعم، لا يجوز؛ يعني لو أراد أن يرفع الغبن نقول: ما يجوز، لكن يقول له: إنك مغبون، ولك الخيار.
طالب: شيخ، بارك الله فيك، هل يجوز لرجل إذا رأى أخاه اشترى سلعة أن يقول له قد غبنت فيها ( ... )؟
الشيخ: إي نعم، إذا كان الغبن مما لا يتغابن به الناس عادة فلا بد أن يبين.
الطالب: وإلَّا إذا كانت الأمور عادية لا ..
الشيخ: لا، الأمور عادية؛ مثل الريال في عشرة ما يضر.
طالب: ( ... ) أنه إذا أراد أن يشتري سلعًا كثيرة، ثم عرض عليه بأقل من السعر الذي باع عليه البائع الأول، فهل نفترض أنه في هذه الحال يستحسن للبائع الثاني أن يزيد السعر ليكون موافقًا لسعر أخيه؟
الشيخ: لا، ما يصير.
الطالب: والعمل؟
الشيخ: العمل، يقال: ما دام تبغي تبيع بتسعة ما فيه مانع.
الطالب: لا، هو اشترى -مثلًا- عشرة على عشرة ريالات القطعة.
الشيخ: طيب.
الطالب: يريد -أيضًا- عشرة أخرى، ثم ذهب إلى بائع آخر فقال: أعطيك.
الشيخ: بتسعة.
الطالب: بتسعة.
الشيخ: طيب.
الطالب: قلنا: إنه لا يجوز في هذه الحال.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: إي نعم.
الطالب: كيف العمل؟
الشيخ: كيف العمل؟ ويش لون؟
الطالب: المشتري نفسه كيف يشتري؟ يعني يكمل العشرين؟
الشيخ: إي، نحن قلنا: إذا عرض البائع على المشتري، أما لو جاء المشتري وقال: كم تبيع؟ ما فيه مانع.
طالب: بيع الرجل على بيع أخيه برضاه يصح ولَّا لا؟
الشيخ: برضاه؟
الطالب: نعم، أن يقول: فلان اشترى منك هذه بكذا، فأنا أريد أن أبيع عليه هذه السلعة، ولكن برضاك، فيرضى ويقول ..
الشيخ: بأقل مما بعت به؟
الطالب: بأقل.
الشيخ: ورضي؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ماذا تقولون؟
طلبة: يصح.
الشيخ: ما فيه شيء، لا بأس به؛ لأن الحق لأخيه وقد سمح به.
طالب: إذا باع تسعة ريالات معدنًا بعشرة ريالات ورقًا؟
الشيخ: لا بأس به.
(2/806)
________________________________________
طالب: شيخ، بارك الله فيك، بعض الأخوة يأتي بورقة عند شراء سلعة، ثم يذهب إلى المعرض الفلاني يأخذ السلعة منه -مثلًا- بألف ريال، ويروح إلى المعرض الثاني ويقول -مثلًا-: لقيتها عند المعرض الأول بألف ريال تنقصني عنها، يفعل هكذا، هل فعله هذا .. ؟
الشيخ: ما فيه بأس، هذا من جنس المساومة.
الطالب: ما يكون فيه بيع؟
الشيخ: ما تم العقد.
طالب: شيخ، إذا باع -مثلًا- عليه عشرة أصواع رز -مثلًا- بمئة مؤجلة، ثم عند الوفاء لم يستقر الدفع، ثم قال: عليك بعشرين صاعًا شعيرًا بعد سنة؟
الشيخ: يعني باع.
الطالب: باع عشرة أصواع بُر -مثلًا- بعشرين .. ، تقريبًا مئة درهم إلى سنة، ثم لم الوفاء بعد سنة، ثم قال: إذن عليك ..
الشيخ: إذا قال: أعتاض عن المئة -مثلًا- مئة صاع شعير.
الطالب: إلى سنة.
الشيخ: المذهب: ما يجوز، المذهب: لا بد .. ، ( ... ) عندك شعير بعه وأعطني ثمنه، لكن فيه قول ثانٍ نذكره -إن شاء الله- فيما بعد.
طالب: ( ... ) أو نسيئة أنه إذا حل الأجل ولم يكن عند المشتري حنطة -مثلًا- وكان إعطاؤها للبائع أرفق به من بيعها؛ يعني أعطاه ثمنها فيجوز، بشرط ألَّا يكون هناك تواطؤ.
الشيخ: سنذكر -إن شاء الله- الخلاف في هذه المسألة.
طالب: رجل باع على آخر سيارة بعشرة آلاف، وقابله رجل آخر وقال له: عندي سيارة مختلفة الصفات والنوع ( ... ) بخمسة آلاف ( ... )، فهل هذا يعتبر؟
الشيخ: ما يجوز.
الطالب: ما يجوز؟
الشيخ: إي، الحديث عام، وربما يفسخ العقد.
طالب: شيخ، إذا لم يبع عليه لكنه منعه، اشتراها بعشرة، فقال: هي في مكان كذا بتسعة، لا تشتر.
الشيخ: نعم؟
الطالب: إذا منعه، هو لم يبع عليه.
الشيخ: كيف منعه؟ ويش لون؟
الطالب: يعني: المرء اشترى السيارة بعشرة، فجاء شخص وقال: هي بتسعة، لا تشترها.
الشيخ: قال: إنها غالية؟
الطالب: إي نعم، ثمنها غالٍ.
الشيخ: إذا كان قصده النصيحة لا بأس.
(2/807)
________________________________________
طالب: يا شيخ -بارك الله فيكم- بيع الرجل على بيع أخيه إذا كان علم أنه لا يريد الفسخ، ما هو الراجح فيها؟ ذكرنا ( ... ) الراجح؛ لأنه قد يعني عمل ..
الشيخ: لا، قلنا: إن القول بعلة المنع أولى.
طالب: شيخ، لو باعه ربويًّا بمئة درهم، ثم اشترى البائع من المشتري سلعة بنفس الثمن.
الشيخ: لكن سلعة ..
الطالب: سلعة ليست ربوية.
الشيخ: يجوز فيها النساء بين المبيع الأول.
الطالب: نعم، فتساقط.
الشيخ: ما يخالف، ما فيه بأس، لكن بشرط أن تكون بسعر يومها.

***
طالب: ( ... ) لا بالعكس لم يجز، وإن اشتراه بغير جنسه، أو بعد قبض ثمنه، أو بعد تغير صفته أو من غير مشتريه، أو اشتراه أبوه أو ابنه جاز.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
ما حكم البيع على بيع المسلم؟
طالب: لا يجوز، يحرم.
الشيخ: حرام؟
الطالب: إي نعم، إذا ..
الشيخ: ما الدليل؟
الطالب: الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» (3) ..
الشيخ: الدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ». ما التعليل؟
طالب: التعليل: لأنه يورث التباغض بين المسلمين.
الشيخ: العداوة والبغضاء، طيب.
هل يشترط في هذا أن يكون في زمن الخيار ليتمكن من الفسخ -من فسخ العقد- والعقد مع الثاني، أو لا؟
طالب: على المذهب: أنه في زمن الخيار.
الشيخ: المذهب أنه لا يحرم إلَّا إذا كان في زمن الخيار؛ لأنه هو الزمن الذي يمكنه أن يفسخ البيع الأول ويعقد مع الثاني.
الطالب: القول الثاني.
الشيخ: طيب، القول الثاني؟
طالب: يحرم.
الشيخ: إي نعم.
طالب: إي نعم، ويحرم مطلقًا.
الشيخ: حتى بعد زمن الخيار؟
الطالب: حتى بعد زمن الخيار.
الشيخ: وهل يتمكن من الفسخ بعد انتهاء زمن الخيار؟
الطالب: لا يتمكن من الفسخ.
الشيخ: إذن كيف يحرم؟
الطالب: قد يوقع في نفس البائع الأول البغضاء والعداوة.
(2/808)
________________________________________
الشيخ: الندم والعداوة والبغضاء، طيب، وربما يتحيل على وجود سبب يكون به الفسخ. أيهما أصح؟
طالب: أيش؟
الشيخ: لا إله إلَّا الله! الآن عندنا قولان.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: قول: إنه لا يحرم إلَّا في زمن الخيارين، والقول الثاني: يحرم مطلقًا.
الطالب: هذا الراجح.
الشيخ: هذا الراجح. ما الذي يرجحه؟
الطالب: العلة أنه ( ... ) الثاني الأول؛ البيع الأول.
الشيخ: عموم الحديث: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ»، وكما قلت: والعلة توجد هنا وهنا.
لو فعل وباع على بيع أخيه وأُلْغِيَ العقد الأول فهل يصح العقد الثاني؟
طالب: إذا باع على بيع أخيه وألغي العقد الأول لا يصح البيع الثاني.
الشيخ: لا يصح؟
الطالب: لا يصح.
الشيخ: ليه؟
الطالب: لأن النهي يقتضي الفساد.
الشيخ: لا يصح العقد الثاني؛ لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد.
لماذا كان النهي يقتضي الفساد؟
طالب: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن هذا البيع أراد من ذلك لا حث الناس فقط وإنما الإقلاع عنه؛ لأنه ..
الشيخ: نحن نريد دليلًا وتعليلًا.
الطالب: الدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ».
الشيخ: لا، الدليل على أنه يكون باطلًا.
الطالب: الدليل على أن البيع هذا يكون باطلًا؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: نهي الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ».
الشيخ: طيب، يقول: هو بيرتكب المعصية ولا هو ( ... ).
الطالب: النهي يُصْرَف على هذا.
الشيخ: إي، ما هو الدليل على أن النهي يقتضي البطلان؟
طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (4).
الشيخ: نعم.
الطالب: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ».
(2/809)
________________________________________
الشيخ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ» (5)، وفي لفظ البخاري (6): «مِئَةَ مَرَّةٍ»، طيب، هذا دليل. التعليل؟
طالب: التعليل: إذا كان النهي في قول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ما الذي يفيد أنه صلى الله عليه وسلم نهى، ثم بعد ذلك ( ... ) إلا أنه يقتضي الفساد.
طالب آخر: لو صححنا هذا البيع لحكمنا بجواز شيء نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ( ... ).
الشيخ: قلْ ما في قلبك، عبِّر.
الطالب: حكمنا ..
الشيخ: كان في هذا مضادة لحكم الله ورسوله؛ لأن النهي يريد منا أن نبتعد عنه، فإذا صححناه فهذا يقتضي أن نمارسه ولا نبالي، طيب، انتبهوا لهذه النقطة؛ لأنها مهمة.
(ومن باع ربويًّا بنسيئة) الواقع أني أنا أظن أنكم لم تفهموا هذه العبارة، عسى أن يكون ظني خطأً، لكن ما أدري، واحد اثنان ثلاثة أربعة فهموها، لكن عالَم، طيب نَمُرُّ عليها مرًّا مفيدًا إن شاء الله.
(ومن باع ربويًّا بنسيئة) نحن نقول الآن: الربويات ستة؛ الذهب، والفضة، والبُر، والتمر، والشعير، ويش بعد؟
طالب: والملح.
الشيخ: والملح، هذه ستة، الذهب والفضة ندعها، لا نمثِّل بها، نمثل بالأربعة الباقية؛ باع ربويًّا، البُر ربوي ولَّا غير ربوي؟
طلبة: ربوي.
الشيخ: باع مئة صاع بمئة ريال مؤجلة إلى سنة، الثمن الآن حال ولَّا مؤجل؟
طلبة: مؤجل.
الشيخ: مؤجل، طيب، في أثناء العام جاء البائع إلى المشتري، أو حين انتهى الأجل جاء البائع إلى المشتري وقال له: أعطني الدراهم، لما حل الأجل قال: أعطي الدراهم، قال: ليس عندي إلا تمر، هل التمر يُبَاع بالبُر نسيئة أو لا؟
طلبة: لا.
(2/810)
________________________________________
الشيخ: يعني هل يباع التمر بالبُر بدون قبض؛ أي: بدون تقابض؟ لا، إذن لا يجوز أن يأخذ بدل الدراهم تمرًا، ليش؟ لأن التمر لا يُبَاع بالبُر نسيئة، فإن فعل فقد اعتاض عن ثمنه ما لا يُبَاع به نسيئة، فيكون حرامًا، انتبهوا الآن، لماذا؟ قال: لأنه قد يُتَّخَذ حيلة على بيع البُر بالتمر مع عدم التقابض، فيقول -مثلًا-: بعتك بُرًّا بمئتي ريال إلى أجل، ثم يشتري تمرًا، فيتحيل على أيش؟ على بيع البُر بالتمر مع تأخر قبض الثمن، واضح يا جماعة؟
طالب: واضح.
الشيخ: نعم، ربما يكون هذا، ربما يُتَّخَذ حيلة، والحيل ممنوعة شرعًا؛ لأنها خداع لله ورسوله، ولأنها من دأب اليهود، طيب، صارت العبارة مفهومة الآن: (من باع ربويًّا بنسيئة واعتاض عن ثمنه ما لا يباع به نسيئة) ومعنى قوله: (بنسيئة) أي: بثمن مؤجل، (واعتاض عن ثمنه) عن ثمن الربوي، (ما) أي: شيئًا، (لا يباع به) أي: بالربوي السابق نسيئة.
إذا اعتاض عن ثمنه؛ يعني: باع بدراهم، واعتاض عن الدراهم دنانير، أخذ عنها دنانير، يجوز أو لا؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز، لماذا؟ لأن بيع البُر بالدنانير.
طلبة: يجوز نسيئة.
الشيخ: يجوز نسيئة، فهذا الرجل -مثلًا- باع مئة صاع بُر بمئتي درهم، وعند حلول الأجل قال المشتري: ليس عندي شيء من الدراهم، لكن عندي ذهب، أعطيك الذهب، هل يجوز هذا أو لا؟ يجوز، ليش؟ لأن الذهب يجوز أن يُبَاع بالبُر نسيئة، ولكن اشترط النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شرطين: أن يكون بسعر يومها، وأن يتقابضا قبل التفرق؛ لأن ابن عمر استفتاه، قال: يا رسول الله، نحن نبيع الإبل بالدراهم ونأخذ بدل الدراهم دنانير، ونبيعها بالدنانير ونأخذ بدلها دراهم، فهل يجوز ذلك؟ قال: «لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَتَفَرَّقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» (2)، أفهمتم الآن؟
طلبة: نعم.
(2/811)
________________________________________
الشيخ: طيب، نعود إلى مسألتنا السابقة: (من باع ربويًّا بنسيئة واعتاض عن ثمنه ما لا يُبَاع به نسيئة) المؤلف يقول: إن هذا حرام ولا يجوز؛ لأنه حيلة أو قد يُتَّخذ حيلة، وقال الموفق صاحب المغني: إنه يجوز؛ لأن الحيلة هنا بعيدة، كيف يبغي يبيع -مثلًا- بُرًّا بتمر بعد سنة، هذا بعيد، فالحيلة بعيدة، وما كان بعيدًا فلا عبرة به، أعرفتم الآن؟
طلبة: نعم.
الشيخ: إذن يقول الموفق رحمه الله: إنه لا بأس بذلك؛ لأن محظور الربا؟
طالب: بعيد.
الشيخ: بعيد، والتحيل على الربا بهذه الصورة بعد سنة بعيد هذا جدًّا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: يجوز للحاجة، فتوسَّطَ بين القولين.
كيف يجوز للحاجة؟ يعني يقول لما حل الأجل وجاء للمشتري قال: واللهِ، ما عندي إلا تمر، المثال ترى مازلنا باقين على المثال الأول: باع عليه بُرًّا بدراهم إلى سنة، حلت السنة، فجاء إلى المشتري، قال: أعطني الدراهم، قال: واللهِ، أنا ما عندي، أنا رجل .. ، لنفرض أنه فلاح، ما عنده دراهم، ويسمونها الناس بالعرف التجاري سيولة، ما عندي دراهم، لكن عندي تمر، هذا فيه حاجة، فقال: أنا آخذ التمر بدل الدراهم، نقول: على رأي شيخ الإسلام يجوز.
فالمسألة فيها إذن ثلاثة أقوال؛ القول الأول: المنع مطلقًا، والثاني: الجواز مطلقًا، والثالث: الجواز للحاجة، وهذا عندي أنه أحسن الأقوال؛ دفعًا للشبهة، ولئلا ينفتح الباب لغيرنا، نحن قد لا نفعل هذا حيلة، لكن غيرنا يتحيل.
بقي علينا شرط لا بد منه، على القول بالجواز لا بد من شرط؛ وهو ألَّا يربح المستوفي، نأخذ هذا الشرط من قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث ابن عمر: «لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا»، ونأخذه أيضًا من نهي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ربح ما لم يُضْمَن (7)، يعني: نهى أن تربح في شيء لم يدخل في ضمانك.
(2/812)
________________________________________
فمثلًا: باع عليه بُرًّا بمئتي ريال إلى سنة، وحلت السنة وقال: ليس عندي إلا تمر، قال: طيب، أنا آخذ التمر، أخذ منه أربع مئة كيلو تمر تساوي مئتين وخمسين درهمًا.
طالب: ما يجوز.
الشيخ: يجوز أو لا؟
طلبة: لا يجوز.
الشيخ: يجوز.
الطالب: ما يجوز.
الشيخ: يجوز، واللهِ إنكم جبناء! كيف أذكر لكم الشرط وبعدين .. ، طيب، إذن يجوز أو لا يجوز؟
الطلبة: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، لماذا؟ لأن الآن ربحت في شيء لم يدخل في ضماني، هذا التمر يساوي مئتين وخمسين، والذي في ذمة الرجل كم؟
طالب: مئتين.
الشيخ: مئتين، الآن كسبت، جاءني بدل مئتين مئتان وخمسون في شيء لم يدخل في ضماني، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن.
أتدرون لماذا؟ لأنه لو جاز ذلك لأمكن كل إنسان يطلب شخصًا دراهم -مثلًا- فتحل، يقول: أعطني بدلها طعامًا، الدراهم مئتان وأعطني طعامًا يساوي مئتين وخمسين، ربح.
ثم ربما كلما حل الدين أخذ عوضًا أكثر من الدين، فتتكرر المضاعفة -مضاعفة الربح- على هذا الفقير، فيحصل بذلك ضرر؛ لهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يُضْمَن.
فصارت المسألة الآن فيها كم قولًا؟
طلبة: ثلاثة أقوال.
الشيخ: ثلاثة أقوال؛ القول بالمنع: ما يحتاج نقول: شرط، ولا غير، ما نقول: شرط؛ لأنه ما هو بواقع، القول بالجواز: إما للحاجة، أو مطلقًا نضيف إليه شرطًا؛ وهو ألَّا يربح؛ يعني: ألَّا يأخذ عوضًا أكثر مما في ذمة المطلوب؛ لأنه لو أخذ عوضًا أكثر مما في ذمة المطلوب لكان ربح فيما لم يضمن؛ أي: فيما لم يدخل في ضمانه، وهذا قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أرجو -إن شاء الله- أنه واضح الآن.
طلبة: واضح.
الشيخ: طيب.
طالب: شيخ، (يدخل في ضمانه) ما وضحت.
الشيخ: الدراهم اللي لي في ذمة الرجل هل هي في ضماني الآن ولَّا في ضمانه؟
الطالب: في ضمانه هو.
الشيخ: الآن ربحت فيها، أخذت عنها عوضًا يساوي مئتين وخمسين، وهي مئتان، فربحت فيها.
(2/813)
________________________________________
المسألة الثانية اللي جعلها في حكم الأولى قال: (أو اشترى شيئًا نقدًا بدون ما باع به نسيئة) فهو حرام؛ لأنه أيضًا يُتَّخَذ حيلة، (اشترى شيئًا نقدًا بدون ما باع به نسيئة)، أنا بعت على زيد سيارة بعشرين ألفًا إلى سنة، بعتها بنسيئة ولَّا لا؟
طلبة: بنسيئة.
الشيخ: بعتها بنسيئة؛ يعني: بثمن مؤجل، ثم إني اشتريتها من هذا الرجل بكم؟ أنا بعتها بعشرين ألفًا، اشتريتها بثمانية عشر ألفًا، هذا حرام، لا يجوز، لماذا؟ لأنه يُتَّخَذ حيلة إلى أن أبيع السيارة بيعًا صوريًّا بعشرين ألفًا، ثم أعود فأشتريها بثمانية عشر ألفًا أنقدها له، فيكون هو أخذ مني كم؟ يكون أخذ مني ثمانية عشر ألفًا، وسيوفيني كم؟
طالب: عشرين ألفًا.
الشيخ: عشرين ألفًا، هذا لا يجوز، حيلة واضحة، فاهم؟
طالب: لا يا شيخ.
الشيخ: لا، طيب، بعت عليك سيارة بعشرين ألفًا إلى سنة، ثم في أثناء المدة قلت: بعْ عليَّ السيارة اللي اشتريتها منك بثمانية عشر ألفًا نقدًا، أعطيتك ثمانية عشر ألفًا وأعطيتك السيارة، يجوز؟
طالب: لا، ما يجوز.
الشيخ: ما يجوز، لماذا؟ لأنه ربما يكون حيلة إلى أن أبيع السيارة بيعًا صوريًّا إلى سنة، ثم أرجع فأشتريها نقدًا بثمانية عشر، فكأني أعطيتك الآن ثمانية عشر ألفًا بعشرين ألفًا، وهذا ربًا ولَّا حلال؟ ربًا، مفهوم الآن ولَّا لا؟ طيب.
(2/814)
________________________________________
هذه تسمى مسألة العينة، لماذا؟ لأن الرجل أعطى عينًا وأخذ عينًا، والعين: النقد الذهب والفضة، وهي محرمة؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ بِأَذْنَابِ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ مِنْ قُلُوبِكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» (8)، إذن هو محرم، بل من كبائر الذنوب، أو قد نقول: ليس من الكبائر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعله كبيرة إذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة، وهذا واحد من أربعة، فعلى كل حال هذا الحديث يدل على التحذير من التبايع بالعينة، واضح يا إخوان؟
طلبة: واضح.
الشيخ: طيب، ومن مسائل العينة أو من التحيل على الربا ما يفعله بعض الناس اليوم؛ يحتاج إلى سيارة، ويذهب إلى تاجر ويقول: أنا أحتاج السيارة الفلانية في المعرض الفلاني، فيذهب التاجر ويشتريها من المعرض بثمن، ثم يبيعها بأكثر من الثمن على هذا الذي احتاج السيارة إلى أجل، هذا حيلة ظاهرة على الربا؛ لأن حقيقة الأمر أنه أقرضه ثمن السيارة الحاضر بزيادة؛ لأنه لولا طلب هذا الرجل ما اشتراها، ولا قرب إليها، وهذه حيلة واضحة، وإن كان -مع الأسف- أن كثيرًا من الناس انغمس فيها، ولكن لا عبرة بعمل الناس، العبرة بتطبيق الأحكام على النصوص الشرعية.
(2/815)
________________________________________
وكما هي هذه الحيلة الآن منتشرة بين الناس فقد انتشرت بين الناس أيضًا حيلة سابقة، تدرون ما هي؟ يأتي الفقير إلى شخص يقول: أنا أحتاج ألف ريال، فيذهب التاجر إلى صاحب دكان عنده أكياس؛ أكياس رز أو أي شيء، فيشتري التاجر الأكياس من صاحب الدكان -مثلًا- ولنقل: بألف ريال، ثم يبيعها على المحتاج بألف ومئتين، وكيفية القبض، لا يجوز أنه يُبَاع قبل قبضه، كيفية القبض: يمسح عليه؛ واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، ثمانية، تسعة، عشرة، عشرة أكياس، هذا القبض، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن تُبَاع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (9)، وين القبض هذا؟ هذا قبض؟ هذا يسمى عدًّا، ما يسمى قبضًا، لكن كانوا يفعلون هذا، بعدئذٍ يأتي الفقير إلى صاحب الدكان اللي عنده الأكياس هذه ويبيعها على صاحب الدكان؛ لأن الفقير يبغي دراهم، ما هو يبغي أكياس طعام، يبيعها على صاحب الدكان بأقل مما اشتراها منه التاجر، التاجر اشتراها بكم قلنا؟
طلبة: بألف.
الشيخ: بألف، صار الفقير يبيعها على صاحب الدكان بألف إلا خمسين ريالًا، أو إلا مئة ريال، فيؤكل المسكين الفقير من الجانبين: من جانب التاجر الأول، ومن جانب صاحب الدكان، صاحب الدكان كم أخذ منه؟
طلبة: خمسين.
الشيخ: خمسين أو مئة، نعم، وذاك أخذ مئتين بالألف، زائد على الألف، فيؤكل من الجهتين، هذه سماها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الحيلة الثلاثية؛ لأنها مكونة من كم؟
طلبة: ثلاثة أشخاص.
الشيخ: من ثلاثة أشخاص، ومسائل الربا ما تحِل بالحيل.
واعلم أنه كلما احتال الإنسان على محرَّم لم يزدد إلا خبثًا، المحرم خبيث، فإذا احتلت عليه صار أخبث؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عز وجل، والله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه خافية، «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (10)، لولا الزيادة الربوية ما عرفت هذا الرجل.
(2/816)
________________________________________
والعجيب -يا إخوان- الشيطان يغر ابن آدم، يقول: نحن نفعل هذا رحمة بالفقير، نمشي حاله، لولا هذا ما مشت حاله، نمشي حاله، ولكن أقول لكم: كلما كان أفقر صارت الزيادة عليه أكثر، هذه رحمة ولَّا نقمة؟
طلبة: نقمة.
الشيخ: نقمة؛ يعني يجي واحد متوسط الحال يستدين من هذا الرجل، يبيع عليه ما يساوي ألفًا بألف ومئتين، يجيه إنسان فقير يستدين ليأكل هو وأهله، يبيع عليه ما يساوي ألفًا بألف وخمس مئة، ليش؟ قال: ما هو موفيني هذا، متى يوفيني؟ أين الرحمة؟ ! لو كان غرضه الرحمة بالفقير لكان هذا الثاني أولى بالرحمة من الأول متوسط الحال، لكن الشيطان يلعب على بني آدم.
على كل حال الآن نعرف ما هي مسألة العينة؟ مسألة العينة أن يبيع شيئًا بثمن مؤجل، ثم يشتريه بأقل مما باعه به نقدًا، هذه مسألة العينة.
صورتها: باع رجل سيارة على إنسان بعشرين ألفًا إلى سنة، ثم اشترى السيارة نفسها منه بثمانية عشر ألفًا نقدًا، هذه صورة العينة، وهي حرام، بل هي من كبائر الذنوب، ولا تحل.
يقول رحمه الله: (أو اشترى شيئًا نقدًا بدون ما باع به نسيئة لم يجز).
طالب: ( ... ).
الشيخ: اصبروا يا جماعة، نحن نفهم حكم هذه المسألة أنه حرام.
إذا كان بالعكس، وكلمة (لا بالعكس) من كلام الماتن يحتمل المعنى: أنها عكس مسألة العينة، ويحتمل أن المعنى (لا بالعكس): الذي هو أكثر مما باع نسيئة، أو مثل ما باع به نسيئة؛ لأن المؤلف صور المسألة بقوله: (بدون ما باع به نسيئة)، فقوله: (لا بالعكس) يحتمل أن المعنى: عكس مسألة العينة بأن يبيع شيئًا نقدًا بثمن، ثم يشتريه مؤجلًا بأكثر، وخلوا هذه تركن نائمة حتى نعرف المعنى الثاني لقوله: (لا بالعكس)؛ يعني: (لا بالعكس) لا مثل الثمن ولا أكثر من الثمن؛ لأن عندنا إما أن يشتريها بأقل -وهي مسألة المؤلف- أو بمثل، أو بأكثر، فيكون قوله: (لا بالعكس) يعني؟
طالب: بالمثل أو بالأكثر.
الشيخ: بالمثل أو بالأكثر.
(2/817)
________________________________________
مثال ذلك: بعت على هذا الرجل سيارة بعشرين ألفًا إلى سنة، ثم عدت واشتريتها منه بعشرين ألفًا نقدًا، يجوز ولَّا لا؟
طالب: على كلام المؤلف: يجوز.
الشيخ: إي، يجوز، ما فيه ربا الآن، بعتها بعشرين، وأعطيته عشرين، بعتها عليه بعشرين، واشتريتها بعشرين، ما فيه ربا، فهذا جائز.
فإن قال قائل: كيف يمكن هذا؟ كيف تبيع عليه بعشرين مؤجل، ثم تشتريها بعشرين نقدًا؟ هذا معقول؟
نقول: نعم، معقول، تختلف الأسعار، ترتفع قيمة السيارات، فأشتريها بأكثر، وكذلك لو اشتريتها بالمثل -أي: بمثل ما بعتها به- فهو جائز، معلوم يا جماعة؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: أو بمثله؛ يعني: بعت عشرين بعشرين، بعتها بعشرين، واشتريتها بعشرين، هذا مثل.
بعتها بعشرين، واشتريتها بخمسة وعشرين؟
طالب: هذا أكثر.
الشيخ: يجوز ولَّا لا؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأنه ليس في هذا ربًا، وأما أني أعطيه أكثر مما بعت فهذا من مصلحته، والربا الأصل فيه الظلم، وهذا ما فيه ظلم، هذا فيه فضل.
عكس مسألة العينة: أن أبيع عليه شيئًا نقدًا بثمن، ثم اشتريه منه مؤجلًا بأكثر؛ كأن أبيع عليه السيارة بعشرين ألفًا نقدًا وينقدني إياها، ثم أشتريها منه بخمسة وعشرين إلى سنة، أفهمتم؟ هذا عكس مسألة العينة.
طالب: نعم.
الشيخ: أو لا؟
الطالب: ما فهمت.
الشيخ: ما فهمت، هذا هو الظاهر.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا، ما هي العينة، العينة أن يبيعه بثمن مؤجل، ثم يشتريه نقدًا بأقل، هذه باعها نقدًا بثمن، ثم اشتراها بأكثر مؤجلة، عكسها تمامًا، هي عكسها ولَّا لا؟
طلبة: نعم، عكسها.
الشيخ: عكس مسألة العينة، هل تجوز أو لا؟ ظاهر كلام المؤلف: (لا بالعكس) أنه يجوز.
طالب: لا تجوز.
الشيخ: أنه يجوز، يقول: (لا بالعكس لم يجز)، معناه بالعكس؟
طلبة: يجوز.
(2/818)
________________________________________
الشيخ: يجوز؛ لأن محظور الربا فيها بعيد، لكن فيها عن أحمد روايتان: رواية أنها كمسألة العينة، والرواية الثانية: أنه يجوز بلا حيلة، ففيها عن الإمام أحمد روايتان: الجواز بلا حيلة، والثاني: أنها كمسألة العينة؛ يعني: لا تجوز.
ما معنى قوله: (لا بالعكس)؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم.
الطالب: إما أن تكون عكس العينة.
الشيخ: عكس الدون يعني؟
الطالب: نعم، يعني كأن يبيع له سيارة بعشرين، ثم اشتريها بنفس السعر.
الشيخ: نقدًا.
الطالب: نقدًا أو ..
الشيخ: أو بأكثر من السعر، طيب، هذه واحدة، الاحتمال الثاني؟
الطالب: الاحتمال الثاني أن تكون عكس العينة.
الشيخ: نعم.
الطالب: أن أبيع له سيارة بعشرين.
الشيخ: نقدًا.
الطالب: نقدًا، وأشتريها منه بأكثر من ذلك مؤجلًا.
الشيخ: مؤجلًا، صح، هذه المسألة فيها عن أحمد روايتان، والمؤلف يقول: إنها لا بأس بها.
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، فيها روايتان عن أحمد، والصحيح: الجواز إلا إذا علمنا أنها حيلة.
يقول رحمه الله: (وإن اشتراه بغير جنسه) المؤلف قال: (أو اشترى شيئًا نقدًا بغير ما باع به نسيئة)، (وإن اشتراه) أي: الشيء الذي باعه نقدًا، (بدون ما باع به نسيئة)، (إن اشتراه بغير جنسه) فلا بأس.
لكن ما معنى قوله: (بغير جنسه)؟ هل المراد بنقد غير جنسه، أو المراد بجنسه بمتاع آخر غير النقد؟ ظاهر كلامه العموم.
مثال ذلك: باع هذه السيارة بمئتي درهم إلى أجل، ثم اشتراها نقدًا بعشرة جنيهات، عشرة جنيهات ما تساوي مئتي درهم، الثمن أقل ولَّا لا؟
طالب: أقل.
الشيخ: أقل، يا جماعة، باعها بمئتي درهم، ثم اشتراها نقدًا بعشرة دنانير، العشرة لا تساوي مئتي درهم.
طلبة: أقل.
الشيخ: أقل، طيب، هل يجوز أو لا؟ يقول المؤلف: إن هذا جائز؛ لأن الجنس مختلف، فقد باعها بفضة واشتراها الآن.
(2/819)
________________________________________
نعيدها مرة ثانية: مسألة العينة عرفتموها تمامًا، هذا الرجل باع هذه السيارة بعشرين ألف ريال إلى سنة -نقول: الريال يعني دراهم- ثم اشتراها نقدًا بمئة دينار مثلًا، مئة الدينار أقل من عشرين ألف درهم، هل يجوز؟ كلام المؤلف يدل على الجواز؛ لأنه اشتراها بغير جنسه، وظاهر كلامه أنه إذا اشتراها بغير الجنس جاز، سواء أقل أو أكثر.
لكن بعض العلماء يقول: إن النقدين حكمهما واحد؛ يعني: الدنانير والدراهم حكمهما واحد، فإذا كان لا يجوز بأقل من الدراهم فإنه لا يجوز بأقل من الدنانير، وهذا القول قوي لا شك فيه؛ لا شك أنه قوي، وخصوصًا عندنا الآن أصبح الدرهم والدينار ما هو معروف، أصبح بدل ذلك الريال الورقي، فعلى هذا تكون الصورة التي ذكرها المؤلف غير موجودة عندنا؛ يعني أننا نأخذ بدل الذهب فضة أو بالعكس غير موجودة.
(أو بعد قبض ثمنه) إذا اشتراه بعد قبض ثمنه بأقل فلا بأس، واضح؛ يعني أنه باع السيارة بعشرين ألفًا إلى سنة، ولما تمت السنة قبض عشرين ألفًا، ثم اشتراها من المشتري بخمسة عشر ألفًا، يجوز أو لا يجوز؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأن الحيلة منتفية هنا، فإذا اشتراها بأقل مما باعها به بعد قبض الثمن فلا بأس.
قال: (أو بعد تغير صفته) مثل أن أبيع عليه بقرة سمينة بمئة درهم إلى ستة أشهر، المدة كم؟
طلبة: ستة أشهر.
الشيخ: ستة أشهر، بعد مضي ثلاثة أشهر هزلت البقرة؛ صارت هزيلة لا تساوي إلا نصف القيمة، فاشتراها البائع -أي: بائع البقرة- بنصف قيمتها، أي بأقل مما باع ولَّا بأكثر؟
طلبة: بأقل.
الشيخ: بأقل مما باع نقدًا، يقول المؤلف: لا بأس بذلك؛ لأن النقص هنا ليس في مقابل الأجل، ولكن في مقابل تغير الصفة، إذن يجوز بعد تغير صفته، إذا اشتراه بأقل بعد تغير صفته جاز.
لكن ينبغي أن يقيد هذا بما إذا كان الفرق بين الثمنين هو ما نقصت به العين بسبب التغير، لا من أجل التأجيل والنقد، واضح؟
طلبة: نعم.
(2/820)
________________________________________
الشيخ: واضح، طيب، القيد هذا لا بد أن يكون نقص الثمن بمقدار نقص الصفة، فمثلًا: إذا قدرنا هذه البقرة هُزِلت، وصارت بعد أن تساوي مئتين إلى أجل لو بعناها الآن لكانت تساوي مئة وثمانين، فاشتراها بمئة وثمانين، يجوز هذا ولَّا لا؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: لأن النقص في مقابل نقص الصفة، لكن لو كانت لم تنقص إلا عشرين باعتبار الصفة، وهو اشتراها بمئة وستين، فرق العشرين هذه من أجل الفرق بين التأجيل وبين النقد، فهذا حرام؛ لأن الفرق اللي حصل الآن بين الثمنين من أجل تغير الصفة ومن أجل التأجيل؛ فلذلك كان حرامًا، فكلام المؤلف في قوله: (أو بعد تغير صفته) يجب أن يُقَيَّد بشرط أن يكون الفرق بين الثمنين بمقدار نقص الصفة فقط، أما لو كان من أجل الفرق بين النقد والمؤجل فإن ذلك حرام؛ لأن هذا هو مسألة أيش؟
طلبة: العينة.
الشيخ: هو مسألة العينة، فصار لا بد من.
طالب: قيد.
الشيخ: لا بد من قيد.
طيب، الآن باع السيارة هذه بعشرين ألفًا إلى سنة، وبعد مضي ثلاثة أشهر جاء يشتريها بثمانية عشر ألفًا، السيارة الآن تغيرت، وصار فيها صدمات، مشت مسافة أكثر، فاشتراها بثمانية عشر، نقول: إذا كان نقص الألفين بمقدار نقص الصفة فهذا جائز، إن كان أقل ولكن نقص من أجل النقد فهذا لا يجوز، والله أعلم.
طالب: شيخ، في مسألة إذا باع ربويًّا نسيئة مثلًا باع عشرين صاع بُر بمئتين ريال، ثم لما أتى الوفاء لم يجد إلا تمرًا بدون ( ... )، هل يجوز أن يحيله على من عليه الدين له بعشرين؟
الشيخ: الحوالة إذا كانت على دين مستقر فلا بأس.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ننظر الدين اللي على الثالث.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا بأس.
طالب: يكون الوفاء بلا زيادة؟
الشيخ: لا، بدون زيادة، الحوالة لا بد أن تكون بقدر المحال عليه.
طالب: إذا وقعت مسألة العينة بدون تواطؤ بين البائع والمشتري، فهل يجوز؟
الشيخ: ما تجوز؛ سدًّا للباب.
(2/821)
________________________________________
طالب: يقول المؤلف: (أو بعد قبضه ما يجوز) ألَّا يدخل في هذه المسألة التورق؟
الشيخ: ما وصلناها يا ابن الحلال، اصبر شوي.
الطالب: ( ... ) (أو بعد قبضه)؟
الشيخ: اصبر شوي ما وصلناها.
الطالب: قلنا: (أو بعد قبضه ثمنه).
الشيخ: إي.
الطالب: مرينا عليها.
الشيخ: نعم.
الطالب: وقلنا: إنه جائز
الشيخ: نعم ..
الطالب: ( ... )؟
الشيخ: لا، ما ( ... ).
الطالب: مسألة التورق ( ... )؟
الشيخ: لا، التورق غير، التورق باع السلعة بثمن مؤجل وهو قصده الدراهم.
طالب: شيخ، في مسألة عكس مسألة العينة، قول الإمام أحمد: الجواز بلا حيلة، ما المقصود بالحيلة؟
الشيخ: الحيلة؛ يعني: يتحيل على الربا.
الطالب: العكس ليس فيه ربًا؟
الشيخ: إي، ربما يتحيل.
طالب: يا شيخ، بارك الله فيكم، بيع الرجل السلعة بأكثر مما اشتراها وهو ليس تاجر، وهذا يحصل كثير عند الميكانيكيين ( ... ).
الشيخ: عند أيش؟
الطالب: عند أهل الحرف والمهن؛ يأتي الزبون إلى الميكانيكي ويريد قطعة في السيارة، فالميكانيكي هذا يشتري القطعة بأقل من سعر السوق، متفق هو والتاجر، يشتريها بأقل من سعر السوق، ثم يبيعها على صاحب السيارة بسعر السوق، وهنا السؤال: هل هذا جائز، أم هل يلزمه أن يبيع بالسعر الذي اشتراها به؟
الشيخ: إذا كان اشتراها على أنه وكيله فإنه لا تجوز الزيادة، أما إذا اشتراها على أنه يصنعها له ..
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى: أو من غير مشتريه، أو اشتراه أبوه أو ابنه جاز.
باب الشروط في البيع ..
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سبق لنا بيان ما هي العينة؟
طالب: هي أن يشتري سلعة قد كان باعها بثمن هو أكبر مما اشتراها به نسيئة.
الشيخ: أعد ورتب.
الطالب: هو أن يبيع سلعة، ثم يشتريها.
الشيخ: يبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم.
الطالب: ثم يشتريها حالَّة.
الشيخ: نعم، بأقل.
(2/822)
________________________________________
الطالب: بأقل مما باعها به.
الشيخ: بأقل مما باعها به نقدًا، المسألة؟
طالب: المسألة كأن يبيع سيارة نسيئة بخمسين -مثلًا- ثم يشتريها نقدًا بأربعين.
الشيخ: أن يبيع عليه سيارة بخمسين ألفًا إلى سنة.
الطالب: نعم.
الشيخ: إلى سنة، حدِّدْ؛ لأن المسألة لازم تكون محددة، ثم يشتريها نقدًا.
الطالب: يشتريها نقدًا بأقل مما باعها به.
الشيخ: حدد يا شيخ.
الطالب: ثم يشتريها نقدًا بأربعين مثلًا.
الشيخ: بأربعين ألفًا، هذه مسألة العينة، طيب.
ما حكمها؟
طالب: حكمها أنها تحرم، وهي من الكبائر إن اجتمعت مع الأربعة التي في حديث ابن عمر.
الشيخ: طيب، إذن هي حرام.
الطالب: نعم.
الشيخ: العقد فيها؟
الطالب: العقد فيها؟
الشيخ: صحيح ولَّا غير صحيح؟
الطالب: باطل.
الشيخ: باطل.
الطالب: لأنه عقد محرَّم.
الشيخ: لأنه عقد محرم، أحسنت.
إذا اشتراها بغير جنس ما باعها به، هل يجوز أو لا؟
طالب: يجوز.
الشيخ: مثاله؟
الطالب: مثاله: أن يبيع بمئة صاع بُر.
الشيخ: يبيع السيارة بمئة صاع بُر؟
الطالب: إلى سنة.
الشيخ: إلى سنة.
الطالب: ثم يشتريها حالَّة.
الشيخ: بكم؟
الطالب: بثمانين صاعًا ( ... ).
الشيخ: هذا ما يجوز.
الطالب: بثمانين دينارًا.
الشيخ: زين، بثمانين دينارًا، صحيح؛ لأنه اشتراها بغير جنس ما باعها به.
إذا اشتراها بعد قبض الثمن؟
طالب: يجوز.
الشيخ: مثاله؟
الطالب: مثلًا يبيع سلعة بثمانين ..
الشيخ: باع السيارة.
الطالب: بثمانين مؤجلة.
الشيخ: بثمانين أيش؟
الطالب: ألفًا.
الشيخ: ثمانين ألفًا.
الطالب: مؤجلة.
الشيخ: درهمًا أو دينارًا أو قرشًا؟
الطالب: ريالًا.
الشيخ: ريالًا، طيب.
الطالب: ثم بعد أن تنتهي المدة يأخذ الثمن، ثم بعد ذلك ( ... ).
الشيخ: يعني بعد أن تنتهي المدة ويستلم الثمن يعود فيشتريها.
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب، جائز هذا ولَّا لا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: زين، إذا اشتراها بعد تغير الصفة؟
طالب: يجوز.
الشيخ: يجوز؟
الطالب: نعم.
الشيخ: مثاله؟
(2/823)
________________________________________
الطالب: إذا اشترى سيارة بمئة دينار إلى سنة.
الشيخ: نعم، اشترى سيارة .. ، باع سيارة.
الطالب: باع سيارة بمئة دينار إلى سنة.
الشيخ: نعم، بمئة دينار إلى سنة.
الطالب: وبعد ستة أشهر اشتراها بثمانين دينارًا أو بمئتي دينار.
الشيخ: كيف؟
الطالب: ( ... ) من صاحب السيارة.
الشيخ: أقل، إحنا نقول: أقل.
الطالب: بعد تغير صفته.
الشيخ: تغير صفته.
الطالب: يعني ثمانين دينارًا.
الشيخ: طيب، يجوز أو لا؟
الطالب: يجوز.
الشيخ: يجوز، لماذا؟
الطالب: لأن السيارة مع كثرة المشي ( ... ).
الشيخ: لكن لماذا يجوز أن تنزل من القيمة الأصلية؟
الطالب: قلنا: تغير في الصفة.
الشيخ: لتغير الصفة، بناء على ذلك يشترط أن يكون النقص بقدر؟
الطالب: تغير الصفة.
الشيخ: بقدر ما تغير من الصفة، فلو قُدِّر أنها بتغير الصفة نقصت عشرة فإنه لا يجوز أن يشتريها بثمانين.
باع السيارة بمئة ألف إلى سنة، وبعد مضي ستة شهور أراد أن يشتريها بثمانين، وقد تغيرت صفتها، ونقصت بسبب التغير عشرين ألفًا، فهذا جائز أو غير جائز؟
طلبة: جائز.
الشيخ: جائز؛ لأن هذا النقص ليس هو النقص الذي من أجل الأجل، بل من أجل تغير الصفة.
طيب، فإن اشتراها بخمسة وسبعين، ونَقْص تغير الصفة عشرون؟
الطلبة: لا يجوز.
الشيخ: فهذا لا يجوز؛ لأنه جعل هناك خمسة آلاف للفرق بين المؤجل والمنقود.
طيب، جملة معترضة يقول: إذا اشتراها أيضًا من غير مشتريها، مثاله؟
طلبة: ما أخذناها.
الشيخ: زين، ما يخالف، إذا اشتراها من غير مشتريها؛ يعني: إذا باع السلعة بثمن مؤجل، ثم إن الذي اشتراها باعها على آخر، ثم اشتراها البائع الأول من الآخر بثمن منقود أقل، فهذا جائز؛ لأن محظور الربا هنا بعيد؛ إذ إن التعامل صار مع طرف ثالث.
(2/824)
________________________________________
مثاله: بعت هذه السيارة بمئة ألف إلى سنة، ثم إن صاحبها باعها على شخص آخر بما شاء؛ قليل أو كثير، أو وهبها له، ما يهم، ثم اشتريتها أنا من الثاني بثمانين نقدًا، فهذا جائز؛ لأن المعاملة هذه مع طرف ثالث، ليست مع الطرف الذي بعت السيارة عليه، فإذن يكون محظور الربا بعيدًا، فيصح.
بعت هذه السيارة بمئة ألف إلى سنة، ثم مات المشتري، وانتقلت السيارة إلى وارثه، فاشتريتها من وارثه بثمانين ألفًا نقدًا، يجوز أو لا؟
طالب: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأني اشتريتها.
طالب: من غير مشتريها.
الشيخ: لأني اشتريتها من غير مشتريها، فمحظور الربا بعيد.
يقول: (أو اشتراه أبوه) أي: أبو البائع، (أو ابنه جاز) يعني: باع زيد سيارته بمئة ألف على شخص إلى سنة، ثم إن أبا زيدٍ اشترى هذه السيارة ممن اشتراها من ابنه بثمانين نقدًا، فهذا لا بأس به؛ لأن المعاملة الآن مع طرف ثالث، إلا إذا كان للأب شركة في هذه السيارة فإنه لا يجوز؛ لأنها ستعود إلى الطرف البائع أولًا.
وكذلك يُقَال في الابن: إذا اشتراها ابنه؛ بأن باع زيد هذه السيارة على شخص بمئة ألف إلى سنة، ثم إن ابنه اشتراها من الذي باع عليه أبوه بثمانين نقدًا، فإن هذا لا بأس به؛ لأن المعاملة صارت مع طرف ثالث؛ ولهذا قال: (جاز).
عندي مسألة يقول: (ومن احتاج إلى نقد)، استمع هذا بالشرح، (ومن احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مئة بأكثر ليتوسع بثمنه فلا بأس، وتسمى مسألة التورق)، انتبه، (ومن احتاج إلى نقد) إنسان يريد أن يتزوج وليس عنده فلوس، (فاشترى ما يساوي مئة بأكثر) يعني: اشترى سيارة تساوي مئة اشتراها، (بأكثر) يعني: مؤجلة، (ليتوسع بثمنه فلا بأس)، وتسمى عندي في الشرح تُسَمى مسألة التورق.
(2/825)
________________________________________
وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، وفيها أيضًا روايتان عن الإمام أحمد؛ فمن العلماء من يقول: هي جائزة؛ لأن شراء هذه السلعة قد يشتريها الإنسان لغرض مقصود بعين السلعة؛ كرجل اشترى سيارة يبغي يستعملها، أو يكون الغرض قيمة السيارة؛ اشتراها لأجل أن يبيعها ويتوسع بالثمن، فيكون هذا الغرض كالغرض الأول، لكن الغرض الأول أراد الانتفاع بعينها، وهذا أراد الانتفاع بقيمتها، فلا فرق؛ ولهذا قالوا: إنها جائزة.
والقول الثاني: أنها حرام، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو المروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
ووجه ذلك: أن مقصود الذي اشترى السيارة هو الدراهم، فكأنه أخذ دراهم قدرها ثمانون بدراهم قدرها مئة إلى أجل، فيكون حيلة، وقد نص الإمام أحمد أن هذه من مسائل العينة؛ مسألة التورق.
إذن للعلماء فيها قولان؛ القول الأول: أنها حرام، والقول الثاني: أنها حلال. وذلك لأنها حيلة.
ولكن على القول بأنها حلال لا بد أن يكون الباعث لها الحاجة؛ لقوله: (ومن احتاج)، فلو كان الباعث لها الزيادة والتكاثر فإن ذلك حرام لا يجوز؛ لأن قولهم: (ومن احتاج) ليست لبيان الواقع، ولكنها شرط؛ لأنه إذا لم يكن حاجة فلا وجه لجوازها؛ إذ إنها حيلة قريبة على الربا.
يقول ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: إن شيخنا رحمه الله كان يُرَاجَع فيها كثيرًا -يعني: لعله يحللها- ولكنه رحمه الله يأبى، يقول: هي حرام، والحيل لا تزد المحرمات إلا خبثًا.
(2/826)
________________________________________
لكن أنا أرى أنها حلال بشروط؛ الشرط الأول: أن يتعذر القرض أو السَّلَم؛ يعني: أن يتعذر الحصول على المال بطريق مباح، القرض في وقتنا الحاضر الغالب أنه متعذر، ولا سيما عند التجار، إلا من شاء الله، السَّلَم أيضًا قليل ولا يعرفه الناس كثيرًا، والسَّلَم هو تعجيل الثمن وتأخير المبيع، كيف تعجيل الثمن وتأخير المبيع؟ يعني: آتي لواحد وأقول: أنا محتاج عشرين ألف ريال، أعطني عشرين ألف ريال أعطيك بدلها بعد سنة سيارة صفتها كذا وكذا، أو أعطيك بدلها بُرًّا أو رزًّا ويصفه، هذا يسمى أيش؟ يسمى السَّلَم، ويسمى السلف، وهو جائز، كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون ذلك السنة والسنتين في الثمار، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (11). هذا شرط.
الشرط الثاني: أن يكون محتاجًا لذلك؛ محتاجًا حاجة بينة.
الشرط الثالث: أن تكون السلعة عند البائع، فإن لم تكن عند البائع فقد باع ما لم يدخل في ضمانه، وإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع السلع في مكان شرائها حتى ينقلها التاجر إلى رحله فهذا من باب أولى؛ لأنها ما هي عنده، فإذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة، فأرجو ألَّا يكون بها بأس؛ لأن الإنسان قد يُضطر أحيانًا إلى هذه المعاملات.
طالب: الشرط الثالث؟
الشيخ: أن تكون عند البائع.
***
(باب الشروط في البيع) الشروط جمع (شرط)، وهو في اللغة: العلامة، ومنه قول الله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18]، أما في الاصطلاح فهو بحسب ما يكون شرطًا فيه؛ فقد يراد به ما يتوقف عليه الصحة؛ يعني: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود، فالوضوء شرط لصحة الصلاة يلزم من عدمه عدم صحة الصلاة، وهل يلزم من وجوده الوجود؟
طلبة: لا.
(2/827)
________________________________________
الشيخ: لا؛ لأن الإنسان يتوضأ ولا يصلي.
الشروط في البيع غير شروط البيع؛ الشروط في البيع: إلزام أحد المتعاقدَيْن الآخر ما لا يلزمه بمقتضى العقد، هذه الشروط في البيع، وكذلك في غيره، وأما ما يلزمه بمقتضى العقد فإنه إن شُرِط فهو من باب التوكيد، تقول من باب أيش؟ التوكيد دون التأكيد، التوكيد أفصح من التأكيد؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91]، ولم يقل: بعد تأكيدها، هذه فائدة لغوية على الهامش.
إذن الشروط في البيع: إلزام أحد المتعاقدَيْن الآخر ما لا يلزمه بمقتضى العقد.
والفرق بينها -أي: بين الشروط في البيع وبين شروط البيع- من وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أن شروط البيع من وضع الشارع، والشروط في البيع من وضع أحد المتعاقدَيْن.
ثانيًا: شروط البيع يتوقف عليها صحة البيع، والشروط في البيع يتوقف عليها لزوم البيع، هو صحيح، لكن ليس بلازم؛ لأن من له الشرط إذا لم يُوفَ له به فله الخيار.
الفرق الثالث: أن شروط البيع لا يمكن إسقاطها، والشروط في البيع يمكن إسقاطها، من يسقطها؟ من له الشرط، ما هو من عليه الشرط، من له الشرط.
الفرق الرابع: أن شروط البيع كلها صحيحة معتبرة؛ لأنها من وضع الشرع، والشروط في البيع منها ما هو صحيح معتبر، ومنها ما ليس بصحيح ولا معتبر؛ لأنه من وضع البشر، والبشر قد يخطئ وقد يصيب. فهذه أربعة فروق بين الشروط في البيع وشروط البيع.
وهل تكون هذه الفروق بين شروط النكاح والشروط في النكاح؟ نعم، تكون كذلك، هذه الفروق سواء في البيع أو في غيره من العقود.
قال المؤلف رحمه الله: (منها صحيح)، قبل أن نذكر (منها صحيح) هل المعتبر بالشروط في البيع صلب العقد، أو ما بعد العقد، أو ما قبل العقد؟ المذهب: أن المعتبر ما كان في صلب العقد، أو في زمن الخيارين؛ خيار المجلس، وخيار الشرط، أنتم معنا؟
طالب: غير واضح.
(2/828)
________________________________________
الشيخ: غير واضح، طيب، بعتك هذه السيارة واشترطت أن أسافر عليها إلى مكة في نفس العقد، هذا صحيح، هذا في محله.
بعتك هذه السيارة، وبعد أن تم العقد بالإيجاب والقبول قلت: أنا أشترط عليك أن أسافر بها إلى مكة، يصح؟
طالب: ما يصح.
الشيخ: يصح؛ لأنه في زمن الخيار؛ لأنك لو قلت: لا، قلت: فسخت، الآن بيدي الخيار، ما دمنا لم نتفرق فلنا أن نزيد الشرط.
بعتك هذه السيارة ولي الخيار ثلاثة أيام، في اليوم الثاني جئت إليك وقلت: أشترط أن أسافر بها إلى مكة، يصح أو لا؟
الطلبة: يصح.
الشيخ: لماذا؟
طالب: في زمن ..
الشيخ: لأنه في زمن الخيارين، إذن المعتبر ما كان في صلب العقد أو في زمن الخيارين، ما كان قبل ذلك ما اتُفِق عليه قبل العقد؛ يعني: تفاهمت أنا وإياك على أني أبيع عليك السيارة، وأشترط أن أسافر عليها إلى مكة، عند العقد لم نذكر هذا الشرط؛ إما نسيانًا، وإما اعتمادًا على ما تقدم، فهل يعتبر هذا أو لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: إي نعم، المذهب يقولون: لا، والصحيح: أنه يعتبر؛ أولًا: لعموم الحديث: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (12)، وأنا لم أدخل معك في العقد إلا على هذا الأساس.
وثانيًا: أنهم جَوَّزوا في النكاح تقدم الشرط على العقد، فيقال: أي فرق بين هذا وهذا؟ وإذا كان النكاح يجوز فيه تقدم الشرط على العقد فالبيع مثله، ولا فرق.
إذن الشروط في البيع معتبرة؛ سواء قارنت العقد، أو كانت بعده في زمن الخيارين، أو كانت قبله متفق عليها من قبل.
يقول رحمه الله: (منها صحيح؛ كالرهن وتأجيل الثمن وكون العبد كاتبًا، أو خصيًّا، أو مسلمًا، والأَمَة بِكرًا).
قوله: (منها صحيح) (من) هنا للتبعيض، ويقابل ذلك: ومنها فاسد، ويأتي -إن شاء الله- تفصيله، (منها صحيح) مثل الرهن: إذا اشترط البائع على المشتري رهنًا بالثمن فالشرط صحيح، قال: أبيعك هذه السيارة بمئة ألف إلى سنة بشرط أن ترهنني بيتك، يجوز أو لا؟
طالب: يجوز.
(2/829)
________________________________________
الشيخ: يجوز؛ لأن في هذا مصلحة لا شك، لمن؟
طلبة: للبائع.
الشيخ: للبائع، وللمشتري أيضًا؛ لأن البائع إذا لم يلتزم المشتري بهذا الشرط فإنه لا يبيع عليه، وحينئذٍ يُحْرَم مما يريد من هذه السلعة.
ثانيًا يقول: (وتأجيل الثمن) لكن لا بد إلى مدة معينة، تأجيل الثمن إلى مدة معينة؛ بأن يقول: اشتريت منك هذه السلعة بثمن مؤجل، أنا ما عندي فلوس الآن، اشتريتها منك بمئة ألف إلى سنة، يجوز؟
طالب: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأنه ما فيه ضرر، هذا من مصلحة من؟
طلبة: المشتري.
طلبة آخرون: البائع.
الشيخ: المشتري أو البائع؟
طالب: لا، المشتري.
الشيخ: المشتري أو البائع.
الطالب: المشتري.
الشيخ: واللهِ اصبر، المشتري أو البائع.
طالب: المشتري.
الشيخ: أنا ما بسأل، أنا بأقرر، المشتري أو البائع، المشتري واضح؛ تأجيل الثمن عليه لأجل أن يتوسع، البائع؛ ربما يكون المصلحة بتأجيل الثمن عند المشتري يخشى من أحد يَنِمُّ عليه أن عنده فلوسًا، ثم تُجْعَل عليه ضرائب من الحكومة، أو يعتدي السراق عليه، إذن صار من مصلحة من؟
طلبة: البائع والمشتري.
الشيخ: من مصلحة البائع ومصلحة المشتري أيضًا، وقد لا يكون من مصلحة المشتري؛ المشتري يمكن يود أن يسلم الثمن ويستريح.
لو قال: بعتك هذه السيارة حتى يوسر الله عليك؟
طلبة: هذا لا يجوز.
طالب: غير معلوم.
الشيخ: لا يجوز؟
طالب: غير معلوم.
طالب آخر: غير معين.
الشيخ: إي، غير معلوم، ونقول: بل يجوز؛ بالدليل الأثري والنظري.
نقول: إنه جائز أن يشتري منه السلعة بثمن مؤجل إلى الميسرة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن رجلًا قدم له بَزٌّ من الشام، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلانًا قدم له بَزٌّ من الشام، فلو بعثت إليه أن يبيعك ثوبين نسيئة إلى ميسرة، فأرسل إليه فامتنع (13)، لعله يريد أن يصفي بضاعته ويذهب ويأتي ببضاعة أخرى، ولا بأس أن يمتنع من البيعة إذا كانت لا تناسبه، كما امتنع مَنْ؟
طالب: جابر.
(2/830)
________________________________________
الشيخ: جابر بن عبد الله، وليس في هذا بأس. المهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعث إليه ليشتري منه ثوبين نسيئة إلى ميسرة.
ثم نقول: هناك أيضًا دليل آخر عقلي؛ وهو أنه يجب إنظار المعسر حتى يوسر؛ يعني هذا: وإن لم يشترط المشتري ذلك -يعني: وإن لم يشترط أنه لا يطالبه إلا إذا أيسر- فإن هذا هو مقتضى العقد، ما دام البائع يدري أن هذا معسر فإنه يعلم أنه لا يتمكن من مطالبته حتى؟
طالب: يوسر.
الشيخ: حتى يوسر، إذن هذا هو موافق لمقتضى العقد؛ ولهذا كان القول الصحيح في هذه المسألة، القول الصحيح -انتبهوا لهذا؛ عشان يكون لكم عذر بعض الشيء في إجابتكم السابقة- القول الصحيح أنه جائز، أما القول المرجوح فإنه غير جائز، وهو الذي قفزتم إليه قبل قليل، وقلتم: إن هذا حرام؛ لأن الميسرة مجهولة، غير معلومة، ما ندري، ربما يموت لم يوسر الله عليه، والله أعلم.
طالب: في قول المؤلف: (وإن اشتراه بغير جنسه) قلنا: هل المراد بغير جنسه، أو المراد بجنسه ( ... ) الثاني ( ... )؟
الشيخ: الثاني؟
الطالب: وهو المراد بجنسه ( ... ).
الشيخ: بغير جنسه، المراد بالجنس الذي قال: (بغير جنسه).
الطالب: يعني الثاني المراد بغير جنسه ( ... )؟
الشيخ: إي نعم؛ يعني: باعه بدراهم إلى أجل، ثم اشتراهم بطعام، إي نعم.
طالب: شيخ، بارك الله فيكم، قلنا: إذا تغيرت صفته واشتراه بأقل ( ... ) أقل فلا بد أن يكون الفرق واقعيًّا.
الشيخ: الفرق من أجل تغير الصفة.
الطالب: نعم.
الشيخ: لا، من أجل الحلول والتأجيل.
الطالب: لكن -شيخ- إذا علمنا أنه لا اتفاق بينهم، وأن هذا أخذ ( ... ) نقدًا ( ... )؟
الشيخ: طيب، لو علمنا أنها ما تغيرت .. ، لو لم تغير الصفة، وعلمنا أن لا اتفاق بينهما ولا مواطأة، يجوز أو لا؟
الطالب: قلنا: لا يجوز.
الشيخ: أسألك.
الطالب: سدًّا للذريعة لا يجوز.
(2/831)
________________________________________
الشيخ: لا يجوز، هذه مثلها، ليش يكون النازل من تغير الصفة عشرين، وتنزل خمسة وعشرين، إلا في مقابلة الحلول والتأجيل.
الطالب: شيخ، هل هناك ضابط لهذا؟
الشيخ: يُعْرَف بالقيمة، أهل الخبرة يعرفون.
طالب: شيخ، الذين قالوا بجواز مسألة التورق اشترطوا أنه لا بد أن يكون الباعث الحاجة للمال، الآن يا شيخ يشتري إنسان؛ يريد إنسان الدخول في مساهمة وليس لديه نقد، فيذهب إلى الذين يبيعون بالتقسيط فيشتري، فهل هذا يعتبر؟
الشيخ: إي نعم، هذا من باب المكاثرة.
الطالب: يعني لا يجوز؟
الشيخ: إي نعم.
طالب: شيخ، على من قال بمنع مسألة التورق، هل الإثم على البائع والمشتري سواء إذا علم البائع، أو أنه على .. ؟
الشيخ: عليهما سواء؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن آكل الربا وموكله (14).
الطالب: الآن بعض الناس اتخذها تجارة وهو يعلم أنه ما يشتري منه إلا ( ... )؟
الشيخ: يكفي، إذا علم أنه لا يشتري منه إلا لأجل الثمن -يبيعها ويأخذ ثمنها- يكفي، أو غلب على ظنه؛ يعني: يكفي العلم أو غلبة الظن.
طالب: التورق -يا شيخ- الشرط الثالث: أن تكون السلع عند البائع.
الشيخ: نعم.
الطالب: طيب، هل إذا البائع أوقف السلعة هذه لهذا العمل لمن أتاه محتاجًا، وأيضًا أتاه الشرط الثاني المحتاج وليس هناك قرض ولا سلف، هل يقال: أبقِ السيارات عندك في البيت أو بهذا؟
الشيخ: إي، بعض الناس يفعل هذا.
الطالب: إذن هو قصد التورق الآن بدون حاجة؟
الشيخ: لا، أصل الحاجة حاجة المشتري، ما هو حاجة البائع.
الطالب: إذن يبقيها عنده السيارة؟
الشيخ: لا بأس، إي، لكن أنا أقول: هذا عند الضرورة.
الطالب: إي نعم.
طالب آخر: شيخ، قلنا: (أو اشترى شيئًا نقدًا بدون ما باع به نسيئة لا بالعكس)، على أحد الاحتمالين: لا بعكس صورة العينة.
الشيخ: نعم.
الطالب: ( ... ) الصورة؛ لأن صورة العينة أصلها أن يبيع شيئًا نقدًا.
الشيخ: لا.
الطالب: أن يبيع شيئًا نسيئة.
الشيخ: نعم.
(2/832)
________________________________________
الطالب: ثم يشتريه بنقدٍ بأقل مما باعه.
الشيخ: نعم.
الطالب: قلنا: (لا بعكسه) أي: بعكس الصورة هذه.
الشيخ: بالأكثر يعني، لها احتمالين: عكس الصورة، أو عكس الأقل.
الطالب: لا، عكس الصورة أنا أقصد يا شيخ.
الشيخ: طيب، ما يخالف.
الطالب: عكس الصورة؛ يعني: أنه يشتري شيئًا نقدًا بأقل.
الشيخ: كيف؟
الطالب: يشتري سلعة؛ سيارة بعشرين ألفًا.
الشيخ: وباعها نقدًا.
الطالب: أن يبيعها نقدًا بعشرين ألفًا، ثم يشتريها نسيئة بأكثر، هذه صورة.
(بابُ الشروطِ في البَيْعِ)
منها (صحيحٌ) كالرَّهْنِ، وتأجيلِ ثَمَنٍ، وكونِ العبدِ كاتبًا أو خَصِيًّا أو مُسْلِمًا، والأَمَةِ بِكْرًا، ونحوِ أن يَشْتَرِطَ البائعُ سُكْنَى الدارِ شَهْرًا، وحُمْلانَ البعيرِ إلى مَوضعٍ مُعَيَّنٍ، أو شَرَطَ الْمُشْتَرِي على البائعِ حَمْلَ الْحَطَبِ أو تكسيرَه، أو خياطةَ الثوبِ أو تَفصيلَه، وإن جَمَعَ بينَ شَرطينِ بَطَلَ البيعُ.
ومنها (فاسدٌ) يُبْطِلُ العَقْدَ , كاشتراطِ أحدِهما على الآخَرِ عَقْدًا آخَرَ , كسَلَفٍ وقَرْضٍ , وبيعٍ وإجارةٍ وصَرْفٍ،
طالب: شيخ، قلنا: (أو اشترى شيئًا نقدًا بدون ما باع به نسيئة لا بالعكس)، على أحد الاحتمالين: لا بعكس صورة العينة.
الشيخ: نعم.
الطالب: أنا ( ... ) الصورة؛ لأن صورة العينة أصلها أن يبيع شيئًا نقدًا.
الشيخ: لا.
الطالب: أن يبيع شيئًا نسيئة.
الشيخ: نعم.
الطالب: ثم يشتريه بنقد بأقل مما باعه.
الشيخ: نعم.
الطالب: قلنا: (لا بعكسه) أي بعكس الصورة هذه.
الشيخ: بالأكثر يعني، لها احتمالان: عكس الصورة، أو عكس الأقل.
الطالب: لا، عكس الصورة، أنا أقصد يا شيخ.
الشيخ: طيب، ما يخالف.
الطالب: عكس الصورة؛ يعني أنه يشتري شيئًا نقدًا بأقل.
الشيخ: كيف؟
الطالب: يشتري سلعة -سيارة- بعشرين ألفًا.
الشيخ: وباعها نقدًا.
الطالب: أن يبيعها نقدًا بعشرين ألفًا، ثم يشتريها نسيئة بأكثر، هذه نفس الصورة الأولى، لكن هذه صورة المشتري.
(2/833)
________________________________________
الشيخ: هذه عكس الصورة الأولى، الصورة الأولى باع مؤجلًا، ثم اشترى بنقد.
الطالب: نعم.
الشيخ: وهذه باع بنقد، ثم اشترى بمؤجل.
الطالب: هذا هو نفس الطرف الثاني.
الشيخ: هذا، هذا المهم عكسه.
الطالب: هي نفس المسألة يا شيخ، لكن طرفين.
الشيخ: لا، يا شيخ ما هي نفس المسألة، فكِّر بها وأنت -إن شاء الله- مضطجع على فراشك مستريح ومسترخٍ ( ... ).
طالب: للحين ما سألنا ( ... )، إي والله يا شيخ ( ... ).
الشيخ: طيب.
طالب: قول الإمام أحمد ( ... ) عكس مسألة العينة كما ذكرنا رواية عنه ( ... ).
الشيخ: إي.
الطالب: أين الحيلة؟
الشيخ: الحيلة أنه يأخذ دراهم نقد بأقل من الدراهم المؤجلة.
الطالب: إذا هو باعها بعشرين مثلًا، ثم اشتراها بأكثر نسيئة.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: اشترى بخمس وعشرين.
الشيخ: يعني هو قصده، ما هو براحم الرجل، يقول: أعطاني عشرين بخمسة وعشرين إلى أجل، لكن تحيل.
الطالب: ( ... ) بعكس المسألة ( ... ) بعكسها.
الشيخ: إي، كلها هي كلها حيلة، حتى هذه ممكن يتحيل، إذا باع بمئة نقدًا، ثم اشتراه بمئة وعشرين نسيئة ما يمكن تحيل؟
الطالب: إي بلا.
الشيخ: ( ... )؟ طيب.
طالب: شيخ، بالنسبة لقولنا في بيع العينة أنه يبطل العقد. يبطل، بيع العينة يبطل.
الشيخ: نعم.
الطالب: ( ... ) الآن البيع الذي باع السيارة نسيئة بعشرة آلاف نسيئة، فهل نقول: أن البيع الأول يبطل؟
الشيخ: إذا كان وسيلة للثاني.
الطالب: نعم.
الشيخ: إذا كان الغرض منه من الأصل هو هذا يبطل، أما إذا كان لا، اشتراها على أنها مؤجلة ولا علم بهذا أبدًا.
الطالب: تُعاد إلى صاحبها؟
الشيخ: إي، تُعاد إلى صاحبها إذا بطل الأول.
طالب: ( ... ) رجل احتاج إلى مال، فذهب إلى آخر قال: أعطني ألف ريال على أن أوفيك بعد ستة أشهر طن قمح أو بُر، واتفقا على السعر، هل هذه صورة من صور السَّلَم؟
الشيخ: ويش تقولون فيها؟
طالب: نعم، سَلَم.
الشيخ: هذا السَّلم.
الطالب: هما اتفقا على السعر.
(2/834)
________________________________________
الشيخ: إي، من الآن.
الطالب: ربما في الموسم.
الشيخ: إي، ربما في موسم تكون أكثر أو أقل، وهذا هو السبب؛ أنها جازت؛ لأن الربا المرابي رابح بكل حال.
الطالب: يعني ربما يزيد وينقص.
الشيخ: أما هذا ربما يزيد وينقص، ولهذا الناس الآن يأبون أن يعملوا بهذا العمل، يقول: ما أدري، أخاف أخسر.
الطالب: هذا موجود عندنا.
الشيخ: طيب هذا، ما فيه مانع.
طالب: السَّلَم ( ... )، السَّلَم يعني لو كان السعر بغير سعر اليوم.
الشيخ: إي، لا، هو لا بد مثلًا الآن، طبعًا هو لا بد أن ينقص السعر، لا بد، ضروري.
الطالب: لكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان ( ... ).
الشيخ: ما يحتاج، هذا معلوم بالضرورة، هل بيع النقد مثل المؤجل؟
الطالب: ألا يُقال: إن ( ... ) الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الشيخ: لا، ما يقال، الأصل أن الفطرة واحدة؛ يعني أن فرقًا بين أن يقول إنسان: أبغي أعطيك الآن العوض الآن المبيع، وبين إنسان يقول: بعد عقب سنة، ما فيه إشكال، ولَّا لا؟
الطالب: مو كانت السلع نادرة في عهد الرسول؟ يصعب الحصول عليها؛ ولذلك يعني ( ... ) المسألة.
الشيخ: طيب، لا، ما يستدعي، النادر النقود، النقود قليلة، ولهذا يستعملون السَّلَم، لكن كلٌّ يعرف فرق بين بيع المؤجل وبيع الحاضر، إذا قدرنا أن الصاع بدرهم الآن، لا بد المؤجل يكون الصاعان بدرهم، لا بد، مثل الثمن تمامًا.
طالب: ما الحكم بما تعمله بعض الجهات اليوم بأن يذهب أحدهم مثلًا للبنك فيشير عليه بشراء سيارة من ( ... ) ما، فيشتريها بثمن نقدًا بنفس السعر، ويُقسطوا عليه، هذا المبلغ عن هذا الرجل الذي اشترى منه.
الشيخ: سمعتم كلامه؟
طالب: نعم.
(2/835)
________________________________________
الشيخ: يذهب إلى تاجر -بنك أو غير بنك- يقول: أنا أبغي السيارة الفلانية اللي في المعرض الفلاني، فيتفق التاجر مع المعرض على شراء السيارة هذه بثمن، ثم يبيعها التاجر على المشتري بثمن أكثر مؤجلًا، هذه أخبث من مسألة العينة؛ لأن هذه صريحة بأنه أقرضه ثمنها بفائدة، بدل ما يقول: اذهب اشترها وأنا أعطيك الثمن قرضًا- وأزيده بالتأجيل فعل هذه الحيلة ( ... )، المريض باع على مِثله ثوبًا بعد نداء الجمعة الثاني. ما تقول في هذا البيع؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، أنت فاهم السؤال؟
الطالب: بعد النداء الثاني؟
الشيخ: إي نعم، بعد النداء الثاني، فاهم السؤال؟
الطالب: أعِد السؤال مرة أخرى.
الشيخ: كيف تقول: ما يجوز وأنت ما فهمت السؤال؟ ! مريض باع ثوبًا على مريض بعد نداء الجمعة الثاني.
الطالب: المريض يجوز؛ لأنه ليس عليه جمعة ( ... ).
الشيخ: كيف يجوز والله يقول: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]؟
الطالب: بس مرضى، مريض.
الشيخ: إي.
الطالب: لا يحضر الجمعة.
الشيخ: لا تلزمه الجمعة، توافقونه على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب، صح، امرأة باعت على رجل إبريقًا بعد نداء الجمعة الثاني؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: امرأة؟
الطالب: لأن أحد المتبايعَيْن ممن تلزمه.
الشيخ: ما تقولون؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: صحيح، لا يجوز البيع؛ لأن أحد المتبايعَيْن ممن تلزمه الجمعة، والعقد لا يتبعض. هل يصح هذا البيع أم لا؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] فالنهي يقتضي الفساد.
الشيخ: اصبر ما بعد جاء النهي إلى الآن.
الطالب: {وَذَرُوا الْبَيْعَ}.
الشيخ: طيب.
الطالب: وهذا نهي، والنهي يقتضي الفساد.
(2/836)
________________________________________
الشيخ: ما دليلك على أن النهي يقتضي الفساد؟
الطالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (1)، وقوله: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ» (2).
الشيخ: أحسنت، الدليل على بُطلان العقود المحرمة قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، وقوله: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ».
صوِّر هذه المسألة التي ذكرها المؤلف: (من باع رِبويًّا بنسيئة واعتاض عن ثمنه ما لا يُباع به نسيئة) فإنه لا يصح.
طالب: إذا باع تمرًا بثمن مؤجل.
الشيخ: باع أيش؟
الطالب: باع تمرًا.
الشيخ: تمرًا.
الطالب: بثمن مؤجل.
الشيخ: بمئة.
الطالب: بمئة.
الشيخ: إلى أجل.
الطالب: إلى أجل، ثم اعتاض عن ثمن المئة بتمر.
الشيخ: بتمر؟
الطالب: بتمور أو نوع من الأنواع الربوية، تمر أو غيره.
الشيخ: تمر؟ غيره أيش؟
الطالب: تمر أو ملح.
الشيخ: زين.
الطالب: اعتاضَ عن هذا التمر.
الشيخ: نعم، فإنه؟
الطالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح، المثال صحيح، لماذا لا يصح؟
الطالب: لا يصح؛ لأنه لا يجوز بيع ربوي مؤجل.
الشيخ: أنا ما بعت، لم أبع تمرًا بملح إلى أجل، أنا بعت تمرًا بدراهم، ثم اعتضت عن الدراهم ملحًا.
الطالب: إي، عندما اعتضت على الدراهم بالملح كأنك بعت تمرًا بثمن مؤجل.
الشيخ: أو لأنه ذريعة إلى بيع الربوي بما لا يُباع به نسيئة، ذريعة، وسد الذرائع مما جاءت به الشريعة، فهمت؟ ما هي مسألة العينة؟
الطالب: مسألة العينة هو أن يبيع سلعة لشخص إلى أجل، ثم يشتريه.
الشيخ: بكم؟
الطالب: بمئة درهم، ثم يشتري بأجل، ستة أشهر.
الشيخ: نعم، باعها بمئة إلى ستة أشهر.
الطالب: نعم.
الشيخ: ثم؟
(2/837)
________________________________________
الطالب: ثم يشتريه بعد مُضِيِّ أربعة أشهر، بعد ما مضى أربعة أشهر، يشتريه بأقل منه يدًا، يعني بتسعين.
الشيخ: ويش معنى يدًا؟
الطالب: يشتريه نقدًا.
الشيخ: نقدًا؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: أحسنت، واضح يا جماعة؟ هذه مسألة العينة؛ أن يبيع سلعة بمئة إلى مدة ستة أشهر، ثم يشتريها نقدًا بأقل، هذه مسألة العينة، هل هي جائزة؟ أو حرام؟
طالب: محرمة.
الشيخ: الدليل؟
الطالب: قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ» إلى أن قال: «سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ عَنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» (3).
الشيخ: أحسنت، توعَّد من باع بذلك. علِّل أيضًا، فيها دليل وتعليل.
الطالب: إنها حيلة على الربا.
الشيخ: نعم، قد تُتخذ حيلة على الربا. إذا اشتراه -هذا الذي باعه بمئة إلى أجل- بمئتين نقدًا؛ لأن الأسعار زادت.
طالب: نعم، يجوز في هذه الحالة.
الشيخ: يجوز؟
الطالب: نعم؛ لأنه اشتراه بأكثر مما باعه.
الشيخ: طيب بمئة اشتراه، بمثل ما باعه به.
الطالب: به أو بأكثر منه.
الشيخ: يجوز؛ لأنه ما فيه تحايل على الربا.
في المسألة الأولى: (إذا اعتاض عن ثمنه ما لا يُباع به نسيئة) قلتم: إنه لا يجوز، فهل هناك قول آخر؟
الطالب: عيد السؤال يا شيخ.
الشيخ: المسألة الأولى: باع ربويًّا بنسيئة، واعتاض عن ثمنه ما لا يُباع به نسيئة، قلتم إنه لا يجوز -كما قال المؤلف- هل هناك قول آخر؟
طالب: فيه قول آخر، إنه ( ... ) الجواز مطلقًا.
الشيخ: نعم.
الطالب: وقول ابن تيمية ( ... ) يصح بشرط.
الشيخ: وهو؟
الطالب: ألا يتخذ حيلة.
طالب آخر: بشرط.
الشيخ: ما هو؟ ما هو شرط ابن تيمية؟
الطالب: شرط ابن تيمية إذا عند الحاجة.
الشيخ: عند الحاجة، أحسنت، واضح الآن؟ الأقوال كم صارت؟
طلبة: ثلاثة.
(2/838)
________________________________________
الشيخ: ثلاثة. باع سيارة بمئة ألف إلى سنة، ثم اشتراها نقدًا بثمانين، لكن السيارة قد حصل عليها حادث، ونقصت قيمتها، أيجوز أم لا؟
طالب: يجوز.
الشيخ: يجوز؟
الطالب: نعم.
الشيخ: مطلقًا؟ كأن الناس لهم معارضة.
الطالب: ( ... ) ظهر بها عجز.
الشيخ: صحيح، لكن تقول: يجوز مُطلقًا.
طالب: صحيح يا شيخ؟
الشيخ: صحيح، على كل حال، أجبت أنت ( ... ).
طالب: إذا كان مقدار ما نقص من ثمنها بمقدار ما حصل لها من ..
الشيخ: من الحادث.
الطالب: نعم.
الشيخ: فهذا صحيح، وإن كان أُضيف إليه ما نقص بالتأجيل والنقد، فهذا غير صحيح؛ لأن هذه مسألة العِينة.
باع على شخص سيارة بمئة ألف إلى أجل، ثم اشتراها ابن البائع بثمانين نقدًا، يجوز؟
طالب: يصح ( ... ).
الشيخ: يجوز؟
الطالب: يجوز نعم؛ لأن.
الشيخ: ابنه.
الطالب: نعم، ( ... ) لنفس البائع.
الشيخ: الرسول قال: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» (4).
الطالب: نعم، هو له أن يتملكها بعد أن يشتريها، يكون أصل الشراء جائز؛ لأن الحيلة على الربا بعيدة.
الشيخ: يعني إذن شراء الابن جائز؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لأنه يملك ملكا تامًّا، وهو ليس شريكًا لأبيه. ثم بعد أن يتملكها إذا شاء أبوه أن يتملكها فلا بأس.

[باب الشروط في البيع]
الشروط في البيع، وشروط البيع بينهما فروق.
طالب: إن شروط البيع من وضع الشارع، أما الشروط في البيع من وضع العاقدَيْن أو أحدهما.
الشيخ: أحسنت، إن شروط البيع من وضع الشارع، يعني هو الذي قال: يشترط كذا وكذا وكذا، والشروط في البيع من وضع المتعاقدَيْن أو أحدهما، الفرق الثاني؟
طالب: الفرق الثاني أن الشروط في البيع يترتب عليها صحة البيع.
الشيخ: أن الشروط في البيع.
الطالب: أما شروط البيع يترتب عليها صحة البيع.
الشيخ: نعم.
الطالب: والشروط في البيع يترتب عليها لزوم البيع.
الشيخ: دون صحته، يعني هو صحيح، ولكنه لا يلزم إلا بالوفاء بها، هذان فرقان.
طالب: شروط البيع لا يمكن إسقاطها.
(2/839)
________________________________________
الشيخ: شروط البيع لا يمكن إسقاطها.
الطالب: والشروط في البيع يمكن إسقاطها.
الشيخ: والشروط في البيع يمكن إسقاطها، من الذي يملك إسقاط الشروط في البيع؟
الطالب: من له الشرط.
الشيخ: من له الشرط، بارك الله فيك، الرابع؟
طالب: شروط البيع جميعها صحيحة.
الشيخ: معتبرة.
الطالب: الشروط في البيع فهي قد تكون ليست صحيحة ( ... ).
الشيخ: منها صحيح ومنها فاسد، طيب بارك الله فيك.

***

يقول رحمه الله: (منها صحيح)، وضابط الصحيح ما لا يُنافي مُقتضَى العقد، فإن نافى مقتضى العقد فليس بصحيح، هذا الضابط، أو نقول: انتبه، ما لا يُنافِي مُطلق العقد؟
طالب: الأول.
الشيخ: أيهما الصحيح؟
طلبة: الأول.
الشيخ: ليش ما يصح الثاني؟
الطالب: كل الشروط تنافي مطلق العقد.
الشيخ: لأن كل شرط في البيع ينافي مطلق العقد، أفهمتم؟
طالب: لا، ما فهمنا.
الشيخ: ما فهمتم، لا إله إلا الله!
طالب: صحيح، ما فهمنا.
الشيخ: طيب، ما يُنافي مقتضى العقد، مثلًا: إذا بعتُ عليك شيئًا، فمقتضى العقد أنني أتصرف فيه بالبيع والرهن والتأجير والتوقيف، كل التصرفات التي أملكها شرعًا، فإذا شرط عليَّ البائع ألا أبيعه مثلًا، قال: شرط أنك ما تبيعه على أحد، فهذا ينافي أيش؟
طلبة: مقتضى العقد.
الشيخ: مقتضى العقد، يعني العقد أني أتصرف، كيف تحبسني؟ هذا لا يصح الشرط، أما مطلق العقد فأنا مثلًا إذا بعتك هذا الشيء، واشترطتَ عليَّ أن يكون الثمن مؤجلًا، من الذي يشترط؟
طلبة: المشتري.
الشيخ: المشتري، هذا ينافي مُطلق العقد، لكن لا ينافي مقتضى العقد؛ لأن العقد تم الآن، وكلٌّ مَلَك ما آل إليه، لكن يخالف مطلق العقد؛ لأن مطلق العقد أن تسلم الثمن نقدًا، وأسلم المبيع كذلك حاضرًا، ففرق بين قولنا: ما ينافي مقتضى العقد، وما يُنافي مطلق العقد؛ لأننا نقول: كل شروط في عقد فإنها تنافي مُطلقه؛ لأن مطلقه ألا يكون هناك شروط. إذن ما هو الصحيح؟
طلبة: ما لا ينافي مقتضى العقد.
(2/840)
________________________________________
الشيخ: ما لا ينافي مقتضى العقد.
قال المؤلف: (كالرهن) الرهن من الشروط الصحيحة، ومن الذي يشترطه؟ الذي يشترطه غالبًا البائع، بأن يقول المشتري: اشتريتُ منك هذا الشيء بمئة؟ فيقول: نعم، بعتُ عليك، لكن أريد أن تعطيني رهنًا، فأعطاه رهنًا، هذا شرط صحيح؛ لأنه لا يُنافي مقتضى العقد، بل يزيد العقد قوة وتوثقة؛ لأن البائع الآن يطمئن، إذا علم أن الثمن الذي باعه به فيه رهن، إذ إن فائدة الرهن أنه إذا لم يوفِ فإنه يُباع ويُستوفى الثمن منه.
الثاني يقول: (تأجيل الثمن)، تأجيل الثمن من يشترطه؟
طلبة: المشتري.
الشيخ: المشتري، عكس الأول، الرهن يشترطه البائع، تأجيل الثمن يشترطه المشتري، باع عليه متاعًا بمئة، فقال: أنا ليس بيدي شيء الآن، ولكن أريد أن يكون الثمن مؤجلًا إلى شهر، فتم البيع على ذلك، فهذا البيع صحيح، والشرط صحيح؛ لأن هذا لا يُنافي مقتضى العقد؛ بل يزيده قوة وإحكامًا.
وقول المؤلف: (تأجيل الثمن) لم يُبيِّن أنه يُشترط في الأجل أن يكون معلومًا، ولكنه شرط، يُشترط أن يكون الأجل معلومًا، بأن يقول: إلى رمضان، إلى ذي الحجة، وما أشبه ذلك، لا بد أن يكون معلومًا.
فإن قال: بثمن مؤجل إلى أن يقدم زيد؛ لأن المشتري يطلب زيدًا دراهم، وإذا حضر سوف يوفي منها، فهل يجوز؟
طالب: لا يجوز.
الشيخ: لا؛ لأنه مجهول، لا يُدرى متى يقدم، ولا يُدرى هل يقدم أم لا يقدم أيضًا؟ فهو مجهول، فلا يصح هذا الشرط.
اشترط المشتري أن يكون الثمن مؤجلًا إلى ميسرة؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: إلى أن يوسر الله عليه؟
الطلبة: يجوز.
الشيخ: المذهب: لا يجوز؛ لأن الأجل مجهول، إذ لا يُدرى متى يوسر الله عليه، قد يوسر الله عليه بساعة، يموت له قريب غني ويرثه، وقد يبقى سنين لم يوسِر، فالمذهب أن هذا الشرط لا يصح، ويكون الثمن حالًّا غير مؤجل، والعلة في ذلك؟
طلبة: الجهالة.
(2/841)
________________________________________
الشيخ: الجهالة، ولكن الصحيح أنه يصح؛ لأن هذا مقتضى العقد، ما دام البائع يعلم أن المشتري معسر فإنه لا يحق له مطالبته شرعًا إلا بعد الإيسار؛ لقول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]، فما زاد هذا الشرط إلا تأكيد الإنظار فقط، والإنظار واجب، فإذا كان البائع يعلم أن المشتري معسر لزمه أن ينظره إلى أن يوسِر سواء شرط ذلك أم لم يشترطه، وعلى هذا فشرطه يعتبر توكيدًا، فيكون صحيحًا.
الثاني يقول: (وكون العبد كاتبًا) العبد الذي عُرِض للبيع، اشتراه إنسان وقال: بشرط أن يكون كاتبًا، يصح الشرط؛ لأنها صفة مقصودة في المبِيع، فصح شرطها، ولكن كلمة (كاتب) هل هي مجهولة أو معلومة؟ لأن الكتابة تختلف؛ من الناس من يكتب ولكن لا يقرأ كتابه إلا هو، هل هذا يُغني إذا كان كاتبًا؟
طلبة: لا، ما يغني.
الشيخ: ومن الناس من يكتب ويقول: لا أعرف أقرأ كتابتي إلا في المكان الذي كتبتها فيه، إي نعم، ككتب رجل بين رجلين بيع جمل على أحدهما في فلاة من الأرض بين الشام وعنيزة، وكتب بينهما وثيقة، ولما قدما البلد تخاصما، فأنكر البائع البيع، فقال المشتري: بيني وبينك وثيقة كتبها فلان، فطلب القاضي فلانًا، وقال: كتبت بينهما وثيقة؟ قال: نعم، هذه الوثيقة، قال: اقرأها، قال: لا أعرف أقرؤها إلا في المكان الذي كتبتها فيه؛ وذلك لأنه لا يعرف يكتب، هو لا يعرف أن يكتب، لكن قال: تريدون أن أشهد بلساني شهدت، أما بالقلم فلا أعرف أن أقرأه إلا في المكان الذي كتبته فيه، فقال القاضي: يكفينا لسانك.
فالحاصل أن كلمة (كاتب) فيها شيء من الجهالة، فلا بد أن يُقال: كاتبٌ تكون كتابته متوسطة، يعني يقرؤها الإنسان بدون تهجٍّ وبدون ترتيب.
(2/842)
________________________________________
(أو خصيًّا) اشترط المشتري أن العبد خصي، يعني: قد قُطِّعَت خصيتاه، وهذا مقصود للمشتري؛ لأنه إذا قُطعت خصيتاه فإنه يسلَم الناس من شره، إذ إن شهوته تبطل أو تضعف جدًّا حتى لا يكون له نظر في النساء، وهذا مقصود للمشترين، ولكن يبقى النظر كيف يكون خصيًّا؟ لأنه إن قطع خصيتيه مالِكه عتق عليه؛ لأنه سيأتينا -إن شاء الله- أو مر علينا في العِتق أنه إذا مَثَّلَ بعبده، ولو بقطع أنملة من أصابعه فإنه يعتق، فيقال: ربما يكون هذا خصيًّا قبل أن يُسترق، أو أنه خصاه غير مالكِه فلا يعتق، المهم أن شرط الخِصاء شرط صحيح إذا اشترطه من؟
طالب: المشتري.
الشيخ: المشتري.
(أو مسلمًا)، أيضًا إذا اشترط المشتري أن العبد مسلم فله شرطه، فهو شرط صحيح، أو كافرًا؟
طالب: لا.
الشيخ: لا؛ لأن هذا شرط صفة مكروهة لله عز وجل، حتى لو قال المشتري: أنا أريد أن يكون كافرًا حتى لا يتعبني، إذا أذَّن قال: أذهب أُصلِّي، وإذا جاء رمضان قال: أصوم، وإذا جاءت العمرة قال: أعتمر، وإذا جاء الحج قال: أحج، أنا أريد واحدًا كافرًا. نقول: هذا مُراد باطِل، تشجيع للكافرين على أن يكونوا عمالًا أو عبيدًا عند المسلمين.
(والأَمَة بِكرًا) إذا اشترط في الأمة أن تكون بكرًا، فهو شرط صحيح؛ لأن البكارة صفة مقصودة، فيكون الشرط صحيحًا.
إلى أن قال -لا إله إلا الله-: (ونحو أن يشترط).
ما حكم هذه الشروط إذا كانت صحيحة وفُقِدت؟ حكمها أن من له الشرط، ولم يُوفَ له أن يفسخ العقد؛ لأنه فاته شيء مقصود، ولكن لو قال: أنا لا أريد الفسْخ، ولكني أريد أرش فَقْد الصفة، يعني: فرق ما بين قيمته متصفًا بهذه الصفة وخاليًا منها، ولا أريد أن أرُدَّ المبيع، أنا راغب فيه، مثل: اشترط في العبد أن يكون كاتبًا، فتبيَّن أنه لا يكتب، ولكنه عبد جيد في العمل، وحسن الخلق، وقال: أنا لا يهمني أن يكتب أو لا يكتب، لكن أنا أريد فقد الصفة، فهل له ذلك؟
(2/843)
________________________________________
في هذا خلاف؛ منهم من يقول: إن له أرشَ فقد الصفة؛ فيُقَوَّم هذا العبد كاتبًا ويُقَوَّم غير كاتب، وما بين القيمتين يُدفع للمشتري، يُخصم من الثمن ويُدفع للمشتري. وقال آخرون: بل له أرش فقد الصفة؛ لأن البائع غرَّه.
طالب: ما الفرق بين القولين؟
الشيخ: لا، قول: إن له أرش فقد الصفة، والقول الثاني: ليس له أرش، فإما أن يقبله مفقود الصفة التي اشترط، وإما أن يرده.
وجملة معترضة يقول: هذا بَيَّن أن البائع مُدلِّس، وأنه غَرَّ المشتري، فله -أي المشتري- أرش فقد الصفة، وإلا فلا؛ لأن البائع أيضًا قد يكون مغترًّا، ويقول: أنا ما رضيت ببيعه إلا بهذا الثمن، ولا أرضى أن ينزل من الثمن شيء.
فالقول الصحيح في هذه المسألة أن يُقال: إن كان البائع مُدلِّسًا، وشرط للمشتري ما يعلم أنه ليس في المبيع فللمشتري أن يطالبه بأرْش فَقْد الصفة، وهو الفرق بين قيمته متصفًا بهذه الصفة وغير متصف، وإن لم يكن مُدلِّسًا فللمشتري الخيار بين الرد والإمساك بلا أرْش.
طالب: إذا شرطه خصيًّا، ثم ( ... ) عنين.
الشيخ: ثم.
الطالب: ثم عنين.
الشيخ: ثم أيش؟
الطالب: ثم مثلًا شرط المشتري على البائع أن يكون عبدًا خصيًّا، ثم باع عليه عبدًا عنينًا.
الشيخ: يعني تبين أنه عنين، لكن له خِصَى.
الطالب: يعني ما عنده شهوة.
الشيخ: لكن الخصى موجودة؟
الطالب: ( ... ) موجودة أو ( ... ) موجودة.
الشيخ: لا؛ لأنه ربما تزول العُنَّة، العُنَّة قد تزول، قد يكون لها أسباب معينة ويبرأ منها، يلَّا أجب.
الطالب: لا، شيخ ما أدري، بس أنا أعرف العنين.
الشيخ: طيب العنين يمكن يكون عنينًا في وقت من الأوقات.
الطالب: يعني من حين وُلِد، يعني ما فيه قوة.
الشيخ: إي، لكن ما يمكن يتداوى؟
الطالب: ما فيه؛ لأنه ( ... ).
الشيخ: المسألة ما هي بواقعة الظاهر.
طالب: قلنا: تأجيل الثمن يشترط أن يكون الأجل معلومًا.
الشيخ: نعم.
الطالب: ما دليل هذا الشرط؟
(2/844)
________________________________________
الشيخ: أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (5). وهذا من الغرر.
الطالب: ( ... ) الديون؟
الشيخ: أيش؟
الطالب: الديون ( ... ) للناس ( ... ) شرط؟
الشيخ: كل الديون إذا أُجِّلت لا بد من العِلْم بالأجل.
طالب: شيخ، قلنا: من مَثَّل بعبده فإنه يعتق.
الشيخ: نعم.
الطالب: لكن متى يفعل هذا، متى مثلًا؟
الشيخ: زعل عليه وقطع أصبعه.
الطالب: لا، بالنسبة للعبد الخصي.
الشيخ: كيف؟
الطالب: متى يخصيه؟
الشيخ: ذكرنا مثالين أو ثلاثة، ارجع للشريط.
طالب: بالنسبة للديون المعمول به الآن أن يأتي للبائع صاحب ( ... ) أو صاحب البقالة ( ... ).
الشيخ: هذا ما هو مؤجَّل هذا، هذا ليس بمؤجَّل، هذا حال، لكنه تسامح فيه.
الطالب: حتى لو تأجل؛ يعني قد يصل إلى شهر.
الشيخ: ربما لسنة أو سنتين، لكن هذا ما أجل، ما حدد له أجل.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: هذا حال هذا؛ يعني يستطيع صاحب البقالة يطالبه بعد خمس دقائق.
طالب: شيخ، إذا باع زيد لعمرو مثلًا متاعًا ما، ثم اشترط على ألا يبيع هذا المتاع إلا عليه إذا أراد أن يبيعه.
الشيخ: ما وصلناها هذه، بيجينا هذه.
طالب: اشتراط البكارة.
الشيخ: في الأَمَة.
الطالب: في الأَمَة، فيه جهالة.
الشيخ: ما فيه جهالة؟
الطالب: لا، فيه جهالة.
الشيخ: فيه جهالة؟
الطالب: يعني ربما يكون ما يدري إزالة البكارة بشيء لا يدري ( ... ).
الشيخ: معلوم، هو إذا اشتراها، ثم تبين أنها غير بكر فله الخيار ( ... ).
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- قلنا: إذا يجوز للسيد أن يؤدب عبده، فإذا كان.
الشيخ: نحن قلناه؟
الطالب: نعم ( ... ).
الشيخ: هل قلناها؟
طالب: ما قلنا.
الشيخ: ما ذكرناها.
طالب: ( ... ) الدرس.
الشيخ: إي خلِّ إذا جاء الدرس ( ... ).
الطالب: ( ... ) الدرس ( ... ).
الشيخ: نعم.
طالب: شيخ، قلنا: إن المشتري إذا قال: أعطيك الثمن إذا قدم زيد، قلنا: لا يصح.
الشيخ: نعم.
الطالب: وإذا قال: أعطيك الثمن إلى ميسرة، قلنا: يصح.
الشيخ: نعم.
(2/845)
________________________________________
الطالب: فهل ترفع عنه الجهالة ( ... )؟
الشيخ: الفرْق يا جماعة ما ذكرناه؟
طلبة: ذكرت.
الشيخ: قلنا: إذا كان مُعسرًا والبائع يعلم أنه معسر فإنه لا يملك مطالبته إلا بعد إيساره، فيكون هذا الشرط مؤكدًا فقط؛ لأن مقتضى العقد إذا كان معسرًا ألَّا يُطالَب حتى يُوسر.
الطالب: ( ... )؟
الشيخ: أبدًا، مقدم زيد ما عليه منه، أي ارتباط بينه وبين مقدم زيد؟
الطالب: الشرط.
الشيخ: إي، لكن شرط مجهول، وهذا الرجل المشتري غني، ما هو معدم، وليست دراهمه مع زيد، لو كانت بعد دراهمه مع زيد ربما نقول مثل إذا اشترط الأجل إلى الإيسار، نعم الأخ يلَّا.
طالب: شيخ، بعض الناس يضع سيارته عند شركة تأمين السيارات، يبيعونها بمئة ألف مثلًا، ويأتي رجل ويرغب بهذه السيارة، لكن ليس عنده مئة ألف فيقبل أن يشتريها بمئة وعشرين ألفًا.
الشيخ: فيقول أيش؟
الطالب: يريد أن أشتريها بأكثر من هذا السعر مؤجلًا، إذا كان الشركة يا شيخ يقولون: لا نلزمك بشراء السيارة.
الشيخ: كيف لا نلزمك؟ ويش لون يعني؟
الطالب: يعني معناه يا شيخ أراد الأول -البائع- وضح أن البيع أمانة.
الشيخ: قال: خذها، بع هذه السيارة بمئة ألف، فجاء مشترٍ، وقال: ليس عندي مئة ألف، لكني أريد أن أشتريها منك بمئة وعشرين ألفًا.
الطالب: من الشركة يا شيخ.
الشيخ: ويش الشركة؟
الطالب: الشركة.
الشيخ: ما هو الدلَّال هو؟
الطالب: لا السيارة يا شيخ.
الشيخ: أقول: الشركة ما هي بمنزلة الدلَّال؟
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب، الشركة ترجع إلى صاحب السيارة، وتقول له: هذا الرجل يريد أن يشتريها إلى أجل بمئة وعشرين، إذا وافق صاحب السيارة ما فيه مانع، هو هذا اللي فهمنا هو اللي تريد؟
الطالب: لا، يا شيخ، المسألة يا شيخ -الآن- مسألة بيع العينة يا شيخ، ذكرتم -يا شيخ- اشتراطنا أن الشركة ليس لها غرض في شراء السيارة، لكن لو قالت الشركة -يا شيخ-: نحن نشتري السيارة، لكن لا يلزمنا أن نبيعك إياها؟
(2/846)
________________________________________
الشيخ: يعني يريدون أن يشتروا السيارة من صاحبها؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: ما يجوز هذا؛ لأن العلماء يقولون: إن الوكيل لا يجوز أن يشتري ما وُكِّل في بيعه إلا بعد مراجعة صاحب المال.
طالب: ( ... ) تسلف مني، اشترى مني إنسان سلعة إلى أجل، إلى سنة، وبعد مضي ستة شهور قال: ( ... ) الثمن كامل، وقال: خذ الدراهم، قلت له: أنا بيني وبينك سنة، قال: أنا أسامح ( ... ).
الشيخ: طيب، نقول -إن شاء الله- هذا داخل في دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا قَضَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى» (6).
الطالب: ولكن البائع ما عليه حرج يعني.
الشيخ: أبدًا ما عليه حرج، أليس بطيب نفس منه؟
الطالب: إي.
الشيخ: طيب، الحمد لله.
طالب: اشتراط الكتابة في البيع في العبد المبيع، أوليس الأصل فيه أنه يعرف أن يقرأ الخط في كل مكان، وأن يعرف كيف يقرأ؟
الشيخ: بلى، هو لا بد من كتابة تُعرف، لكن فيه بعض الكتابات تقرؤها، لكن بعد تهجٍّ، تجده يكتب (مَنْ) يخلي الميم هالسعة، والنون صغيرة، هذه تبطئ ما قرأته، (محمد) يحط الميم أكبر من الحاء مرتين، موجود هذا، ومع الأسف موجود عندنا في المستوى الرابع بالجامعة، ولذلك لو تكتب لي كتابًا الآن، اكتب توجيهًا من فلان إلى فلان، أشوف الخط.
الطالب: مثل يا شيخ هل يشترط أن يقال؟
الشيخ: وافقت على هذا؟
الطالب: ( ... ) يعني هل يشترط وصف الكتابة عند العقد؟ أن يقال: لا بد أن يقرأ الخط ( ... )؟
الشيخ: لا، هو عند الإطلاق لا بد أن يُقرأ، لكن -كما قلت لكم- القراءة تكون مرة بمشقة ومرة بغير مشقة، والظاهر إنه إذا أُطلق أنه لا بد أن يُقرأ بسهولة.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- ذكرنا أن اشتراط كون العبد كافرًا هذا مراد باطل، فلا يصح.
الشيخ: فأيش؟
الطالب: يكون لا يصح؛ لأنه مراد باطل، فيه تشجيع للكفار.
الشيخ: كافر نعم.
(2/847)
________________________________________
الطالب: إذا اشترطه كافر، شيخ -بارك الله فيكم- هل يُشكل على هذا أن الأصل في العبد أن يكون كافرًا.
الشيخ: هذا اشترط، هو ما اشترى وأطلق، اشترط شرطًا أن يكون كافرًا.
الطالب: هناك يعني فرق بارك الله فيكم يا شيخ؟ يعني إذا كان هو أصله كافرًا، ثم أسلم فيما بعد وهو أصله كافر، ما يُشترط ذلك.
الشيخ: لكن هذا اشترط أن يكون كافرًا.
طالب: إذا باعه -يا شيخ- عشرة أصواع من البُر بمئتي درهم إلى سنة، كيف يجوز يا شيخ وقد روى النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» (7)، جنسان وليس يدًا بيد؟
الشيخ: يعني تقول: كيف يجوز هذا؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: يجوز.
الطالب: شيخ، لم يكن يدًا بيد يا شيخ.
الشيخ: نعم.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: سمعتم السؤال؟
طالب: لا، كيف يا شيخ؟
الشيخ: يقول: إذا باع مئة صاع بمئتي درهم إلى سنة، كيف يجوز هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين عدَّد أجناس الأموال الربوية، قال: «إِذَا اخْتَلَفَتِ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» (7)، فهذا يقتضي أنني إذا بعت مئة صاع بُر بمئتي درهم ألا نتفرق حتى نتقابض، صح؟
الطالب: صح.
الشيخ: فهذا إيراد صحيح، إذا أخذنا بظاهر الحديث، ولكن قد ثبت ثبوتًا لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجاز السَّلَم؛ وهو تقديم الثمن وتأخير المثْمَن، وكانوا يُسْلِمون بالدراهم السنة والسنتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (8). وقد صرح بعض الفقهاء بالاستثناء، فقال: ليس أحدهما نقدًا، فإن كان أحدهما نقدًا فلا بأس.
(2/848)
________________________________________
طالب: إذا كان في المسألة اشتراط؛ فالمشتري إذا اشترط على البائع أن يكون العبد مثلًا كاتبًا، ثم وجده أنه غير كاتب، في مثل هذا قلنا: فيه خلاف، يعني إذا كان البائع، إذا كان مدلسًا يعني يرد الأرش الناقص، وإذا كان، نحن قلنا: إذا لم يكن مدلسًا في هذه الحال كيف يكون أنه غير مدلس؟
الشيخ: إي نعم، غير مدلس.
الطالب: غير مدلس، الرجل اشترط عليه؟
الشيخ: أن يكون كاتبًا، فشرط أنه كاتب.
الطالب: نعم، وهو غير مدلس -البائع- يكون اشترى هذا العبد على أنه كاتب، قال له البائع الأول -اللي باعه عليه- إنه كاتب، فاشتراه البائع على أنه كاتب، ثم باعه على أنه كاتب، مُدلِّس ولَّا غير مُدلِّس؟
طالب: غير مُدلِّس، ( ... ) على الأول، هو ( ... ).
الشيخ: يمكن ذاك ما هو راح يطلب الأول، يمكن قريب له ولَّا صديق له يقول: ما أروح أطالبه.
طالب: ( ... ) أن يشتري بعشرين نقدًا ثم.
الشيخ: أن يبيع بعشرين نقدًا، ثم يشتري بخمس وعشرين نسيئة.
الطالب: شيخ، إذا قلنا: إن هذا ( ... )، وهذا ربا واضح.
الشيخ: ليس ربًا واضحًا.
الطالب: يعني يا شيخ هو الآن باع بعشرين، ثم ( ... ) بخمس وعشرين ( ... ) واضح.
الشيخ: ما هو بواضح؛ لأن كثيرًا ما أن الإنسان يبيع الشيء، ثم يندم عليه ويشتريه.
***
الطالب: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، قال المصنف رحمه الله في باب الشروط في البيع: ونحو أن يشترط البائع سكنى الدار شهرًا وحُملانَ البعير وحُملانَ البعير إلى موضع معين.
الشيخ: الظاهر أنه (حُملان) بالضم، مثل: غُفران وشُكران.
الطالب: وحُملانَ البعير إلى موضع معين، أو شرط المشتري على البائع حمل الحطب أو تكسيرَه أو خياطةَ الثوب أو تفصيلَه، وإن جمع بين شرطين بطل البيع.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سبق لنا أن الشروط في البيع تنقسم.
طالب: قسمين: صحيح، وفاسد.
(2/849)
________________________________________
الشيخ: نعم، صحيح وفاسد، وأن الفاسد ينقسم؟
طالب: الفاسد ينقسم إلى قسمين: فاسد مفسِد للعقد، وفاسد غير مفسِد.
الشيخ: فاسد مفسد، وفاسد غير مفسد، مَثِّل للصحيح.
طالب: مثال الصحيح، اشترط أن يكون العبد كافرًا أو خصيًّا أو مسلمًا.
الشيخ: نعم، الرهن؟ الرهن، اشتراط الرهن.
الطالب: اشتراط الرهن؟
الشيخ: نعم.
الطالب: اشتراط الرهن يعني أن يشترط مثلًا.
الشيخ: أقول: هل هو صحيح أو غير صحيح؟
الطالب: اشتراط الرهن؟ لا، من الصحيح.
الشيخ: من الصحيح، مثاله؟
الطالب: مثاله: أن يشتري زيد من خالد شيئًا أو يشتري منه مثلًا سلعة فيقول: مؤجلة، يعني يريد أن تكون القيمة مؤجلة، يقول: أبيعك، ولكن أريد أن ترهنني شيئًا يؤدَّى به مثلًا حقي لو عجزت.
الشيخ: الذي يقوله مَنْ؟
الطالب: يقوله البائع الذي.
الشيخ: البائع.
الطالب: لا، يقوله، نعم الذي سيبيع.
الشيخ: الذي سيبيع؟
الطالب: الذي سيبيع السلعة هو الذي يقول الكلام هذا.
الشيخ: إذن الرهن من مصلحة مَنْ؟
الطالب: من مصلحة البائع.
الشيخ: من مصلحة البائع.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: طيب، كون العبد كاتبًا، مَنِ الذي يشترطه؟ الأخ.
الطالب: يشترطه المشتري.
الشيخ: إذن هو من مصلحة.
الطالب: المشتري.
الشيخ: المشتري، طيب، تأجيل الثمن.
طالب: شرط صحيح.
الشيخ: شرط صحيح، من الذي يشترطه؟
الطالب: تأجيل الثمن يشترطه البائع، المشتري، المشتري يشترط على البائع تأجيل الثمن.
الشيخ: إذن هو من مصلحة مَنْ؟
طالب: من مصلحة المشتري، ومن مصلحة البائع.
الشيخ: من مصلحة المشتري، هذا هو الأصل، نعم، وقد يكون من مصلحة البائع، ولكنه خلاف الأصل.
إذا لم يفِ بالشرط، فهل يثبت الخيار لمن له الشرط؟
طالب: إذا لم يفِ؟
الشيخ: نعم، اشترط أن يكون العبد كاتبًا، ولم يكن، فتبين أنه لا يكتب، هل للمشتري الخيار؟
الطالب: نعم.
الشيخ: له الخيار؛ لأنه فات غرضه. إذن متى لم يفِ مَنْ شُرِط عليه، فلمن له الشرط الخيار.
(2/850)
________________________________________
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ونحو أن يشترط البائع سكنى الدار شهرًا) فإن هذا شرط صحيح.
وقوله: (الدار) (أل) فيها للعهد الذهني، أي: الدار المبِيعة (شهرًا)، فيقول مثاله: أن يقول: بعتُك داري هذه بمئة ألف درهم، على أن أسكنها لمدة شهر، فيصح البيع، ويصح الشرط، والدليل على ذلك عام وخاص:
أما العام فقوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» (2)، وقوله: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» (9).
أما الخاص، فدليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من جابر بن عبد الله جملًا، واشترط جابرٌ حُملانه إلى المدينة، فوافقه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك (10). وهذا نفع معلوم في المبيع، فهو كسُكنى الدار شهرًا؛ لأنه نفع معلوم في أيش؟
طالب: المبيع.
الشيخ: في المبيع.
وقول المؤلف: (سُكنى الدار شهرًا) فُهِم منه، أنه لو شرط سكنى دار غير المبيعة فإنه لا يصح، لو قال: بعتُك هذا البيت بمئة ألف درهم على أن تسكنني دارك لمدة سنة أو شهر، لمدة شهر -كما قال المؤلف- فهنا لا يصح البيع ولا الشرط؛ بناءً على ما سيأتي من أن شرط عقدين في عقد مُبطِل للعقد، إذن لا بد أن يكون نفس أيش؟
طالب: في نفس المبيع.
الشيخ: في نفس المبيع الذي تم عليه العقد، فإن كان في غيره فهو جَمْع بين بيع وإجارة، وهو لا يصح.
قال: (وحُملان البعِير إلى موضع معين) يعني أن يشترط (حُملان البعير إلى موضع معين) هذا تعيين بالمكان، والأول (سكنى الدار) تعيين بالزمان.
(حُملان البعير إلى موضع معين) مثل أن يقول: بعتُك هذه البعير على أن أسافر عليها إلى مكة وأرجع، فالبيع صحيح، والشرط صحيح، في غير البعير، السيارة: بعتُك هذه السيارة بخمسين ألفًا بشرط أن أحج عليها وأرجع، فهنا البيع صحيح، والشرط صحيح؛ لأنه نفع معلوم في مبيع.
(2/851)
________________________________________
فإن قال قائل: لو قال: بعتُك هذه السيارة بخمسين ألفًا على أن أطلب عليها ضالتي، فهنا لا يصح الشرط، لماذا؟
طلبة: لأنه مجهول.
الشيخ: لأنه مجهول، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر (5)، وإذا جُهِل الشرط جُهِل الثمن؛ لأن مقابل الشرط المجهول من الثمن غير معلوم، وجهالة الثمن تؤدي إلى بطلان البيع؛ لأنه من شروط البيع العلم بالثمن، واضح؟
ويش بعده؟ أنا عندي الشرح ممزوج.
طلبة: (أو شرَط المشتري).
الشيخ: قوله: (أو شرَط المشتري)؛ لأن الذي قبله شرْط من مصلحة البائع، وهنا شرْط من مصلحة المشتري، (أو شرَط المشتري على البائع حمل الحطب)، و (أل) هنا في (الحطب) للعهد، أي العهود؟
طالب: الذهني.
الشيخ: الذهني، يعني الحطب الذي تم عليه البيع، اشترى منه حطبًا، فقال: بشرط أن تحمله إلى بيتي، وبيته معلوم، في المكان الفلاني فيصح.
فإن قال قائل: ما الدليل؟
قلنا: لدينا أدلة عامة وهي؟
طالب: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (9).
الشيخ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وقياسًا على ما إذا شرَط البائع على المشتري نفعًا معلومًا في المبيع.
قال: (حمل الحطب أو تكسيره)، اشترط عليه أن يكسره، والحمل على مَنْ؟ الحمل على المشتري، وهنا يُكسِّره فقط.
(أو خياطة الثوب) اشترط على الذي اشترى منه القماش أن يخيط الثوب، فالشرط هنا صحيح؛ لأنه نفع معلوم في المبيع.
(أو تفصيله) تفصيل الثوب، والتفصيل غير الخياطة، فلو شرَط الخياطة والتفصيل، فسيأتي في كلام المؤلف.
(2/852)
________________________________________
ثم قال: (وإن جمع بين شرطين بطل البيع) إن جمع بين شرطين من قوله: (يشترط البائع سكنى الدار)، إذا جمع بين شرطين فإنه يفسد العقد، فلو شرط البائع سكنى الدار شهرًا، وشرط شرطًا آخر سكنى الدكان أيضًا سنة، فالشرط غير صحيح، ويبطل البيع، وكذلك لو شرط المشتري على البائع حمل الحطب وتكسيره جميعًا، فإنه لا يصح، يبطل البيع؛ لأن الشرط باطل، فإذا بطل الشرط فإن ما يقابله من الثمن مجهول، فيؤدي ذلك إلى جهالة الثمن، والعلم بالثمن شرْط لصحة البيع فلا يصح، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» (11)، نعم، الشاهد قوله: «وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ».
وإذا شرط المشتري حمل الحطب وتكسيره فهما شرْطان في بيع، أو شرط البائع سكنى الدار والدكان لمدة شهر فإنه لا يصح، ولكن هذا الاستدلال بهذا الدليل غير صحيح.
والصحيح جواز الجمع بين الشرطين، بل بين ثلاثة شروط، وأربعة شروط، حسب ما يتفقان عليه، والحديث لا يدل على هذا بوجه من الوجوه، وإنما المراد بالشرطين في بيع الشرطان اللذان يلزم منهما محظور شرعي، وهذا -أعني الجمع بين شرطين فيما ذُكِر- لا يلزم منه محظور شرعي، ويقال: ألستم تجيزون أن يشترط المشتري على البائع كون العبد مسلمًا وكاتبًا؟ فسيقولون: بلى، نقول: هذان شرطان في بيع، وأنتم تقولون: إن هذا جائز، فأي فرق؟ وأنتم تقولون: إن هذا جائز إذا شرط أن يكون مسلمًا كاتبًا فإنه جائز عندهم، وهما شرطانِ في بيع، ومع ذلك تُصحِّحون هذين الشرطين.
(2/853)
________________________________________
فالصواب جواز أن يجمع بين شرطين، أو ثلاثة، أو أربعة، فلو شرط حمل الحطب، وتكسيره، وتدخيله في المكان المعد له في البيت لكان هذا الشرط صحيحًا، ولو كانت ثلاثة شروط؛ لأنها شروط معلومة، ولا تستلزم محظورًا شرعيًّا، والأصل في المعاملات الحِل والإباحة، والحديث -كما عرفتم- يُقصد به الشرطان اللذان يلزم منهما محظور شرعي؛ كالجهل والربا والظلم وما أشبه ذلك.
هنا جملة معترضة يقول.
الآن تبين لنا أن الشروط الصحيحة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم ثابت، سواء شُرط أم لم يشترط، مثل: تسليم البائع المبيع والمشتري الثمن، كون الثمن حالًّا، وما أشبه ذلك مما لا يحتاج إلى شرط، فهذا إذا شُرِط فهو توكيد.
والثاني: ما يتعلق بمصلحة المبيع، وليس نفعًا مستقلًّا؛ يعني: ليس نفعًا ينتفع به البائع أو المشتري، ولكنه من مصلحة العقد، مثل: الرهن، وكون العبد كاتبًا، والأمة بكرًا، والدابة هِملاجة، وما أشبه ذلك.
والثالث: شرْط نفع، إما للبائع، وإما للمشتري، الذي للبائع: مثل أن يشترط إذا باع داره سكناها شهرًا، والذي للمشتري: مثل أن يشترط على البائع أن يحمل الحطب وما أشبه ذلك، هذان النوعان إذا جمع فيهما بين شرطين كان البيع على ما ذهب إليه المؤلف -وهو المذهب- فاسدًا، والصواب أنه صحيح ولا بأس به.
القسم الثاني من أقسام الشروط ما أشار إليه بقوله: (ومنها فاسِد يبطل العقد)، يعني: وفاسِد لا يبطل العقد، مثال الفاسد الذي لا يبطل العقد ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في كلام المؤلف.
(2/854)
________________________________________
يقول: (ومنها فاسد يبطل العقد كاشتراط أحدهما على الآخر عقدًا آخر كسلف، وقرْض، وبيْع، وإجارة، وصَرْف) هذا فاسد، يفسد العقد، إذا شرط أحدهما على الآخر عقدًا آخر (كسلف) يعني بذلك: السَّلَمَ، والسَّلَم تقديم الثمن، وتأخير الْمُثْمَن، فيقول المشتري للبائع: هذه مئة درهم بمئة صاع من البُر تعطيني إياها بعد سنة، هذا سَلَم، فإذا باع أحدهما على الآخر شيئًا، كدار مثلًا، وقال: بشرط أن تُسْلِمَني مئة درهم بمئة صاع من البُرِّ، فالشرط هنا فاسد مفسد للعقد.
فإن قال قائل: لماذا فصل هذا عما سبق؟
قلنا: لأن ما سبق يكون صحيحًا ويكون فاسدًا، إذا شرط شرطًا واحدًا كان الشرط صحيحًا، وإن جمع بين شرطين صار فاسدًا، أما هنا فهو فاسد من أصله، ما فيه تقسيم، ولذلك فصَلَهُ عما سبق.
كذلك اشترط (قرض)، قال له: بِعْ عليَّ بيتك هذا. قال: نعم، بشرط أن تُقرضني مئة ألف، يقوله مَنْ؟ البائع، البائع قد احتاج إلى مئتي ألف مثلًا، فقال له المشتري: أنا أشتري منك هذا البيت بمئة ألف، قال: أبيعه عليك بشرط أن تُقرضني مئة ألف، فهنا الشرط فاسد ومُفسِد للعقد، فلا يصح القرْض، ولا يصح البيع.
كذلك (بيع) لو اشترط عليه بيعًا، فطلب منه أن يبيعَه سيارته، قال: نعم، أبيعك إياها بخمسين ألفًا بشرط أن تبيع عليَّ سيارتك بخمسين ألفًا، أو بأقل، أو بأكثر، فهنا لا يصح البيع، لا الأصل ولا المشروط.
(وإجارة) الإجارة يقول: بعتُك هذا البيت بكذا وكذا، وليكن بمئة ألف، بشرط أن تؤجرني بيتك لمدة سنة، فالعقد لا يصح؛ لأنه جمَع بين عقدين، وكذلك أيضًا إذا شرط عليه صرفًا، مثل أن يقول: بِعْني بيتك بمئة ألف فيقول: نعم، بشرط أن تصرف لي هذه الدنانير بدراهم، فهنا يبطل البيع والصرْف.
(2/855)
________________________________________
الدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، وقال: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا» (12). هذا هو الدليل، وهذا الاستدلال بهذا الدليل غير صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيعتين في بيعة، وقال: «لَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا»، وهذا لا ينطبق على ما ذُكر، إنما ينطبق على مسألة العِينة التي سبقت، وهي أن يبيع شيئًا بثمن مؤجل، ثم يشتريه نقدًا بأقل، فهنا نقول: هذه بيعتان في بيعة؛ لأن المبيع واحد والعقد؟
طالب: واحد.
الشيخ: لا.
طالب: اثنان.
الشيخ: العقد اثنان، بيعتان، ولهذا قال: «لَهُ أَوْكَسُهُمَا» يعني أقلهما «أَوِ الرِّبَا»، فهنا إذا باعه بمئة مُؤجلًا، واشتراه بثمانين نقدًا، فنقول: إما ألا تأخذ من المشتري شيئًا -وهو الزائد- وخذ بالأقل، وهو كم؟
طالب: الثمانون.
الشيخ: الثمانون، فإن أخذت الزائد فقد وقعت في الربا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا»، واضح يا إخوان؟
طلبة: غير واضح.
الشيخ: غير واضح، بعت هذه السيارة بمئة ألف إلى سنة، هذه بيعة، اشتريتها من المشتري بثمانين نقدًا، هذه بيعة، أيهما أوكس؟
طلبة: الثمانين.
الشيخ: الثمانين، أنا -أيها البائع- إما أن أقتصر على الثمانين ولا أطالبه بالزائد -وهو عشرون- فإن طالبته بالزائد فهذا هو الربا؛ ولهذا قال: «لَهُ أَوْكَسُهُمَا» بمعنى أن نقول للبائع: ليس لك إلا الثمانون، ولا تطالب المشتري بشيء، أو له أيش؟
طلبة: الربا.
الشيخ: الربا؛ لأن هذا لا شك أنه حيلة على الربا، واضح الآن ولَّا غير واضح؟
طلبة: واضح؟
(2/856)
________________________________________
الشيخ: واضح. إذن البيعتان في بيعة لا تصدق إلا على مسألة العِينة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا» (12)، وهذا -الذي ذكر المؤلف- لا يصدق عليه «أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا».
وعلى هذا فالقول الصحيح أنه إذا شرط عقدًا في البيع، فإن الشرط صحيح، والبيع صحيح، إلا في مسألتين:
المسألة الأولى: إذا شرط قرضًا ينتفع به، فهنا لا يحل؛ لأنه قرض جرَّ نفعًا فيكون ربًا.
والمسألة الثانية: أن يكون حيلة على الربا، أن يشترط بيعًا آخر يكون حيلة على الربا، فإنه لا يصح، ويدل لذلك أن الأصل في المعاملات الحِل، وأنه لو جمع بين عقدين بلا شرط فهو جائز ولَّا غير جائز؟
طلبة: جائز.
الشيخ: جائز كما سبق، سبق أنه إذا جمع بين عقدين، فلا بأس إذا لم يكن شرط، فنقول: إذا كان هذا يُباح بلا شرط، فما الذي يجعله ممنوعًا مع الشرط، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الشَّرْطُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» (13)؟ وهذا الشرط لا يُحِل حرامًا، ولا يحرم حلالًا؟
وعلى هذا، فالصواب جواز ذلك إلا في مسألتين:
المسألة الأولى: القرض حيث جَرَّ نفعًا للمقرِض.
والمسألة الثانية: أن يكون حيلة على الربا.
مثال القرض: إذا جاء الرجل ليستقرض من شخص، قال: أنا أقرضك، لكن بشرط أن تبيع عليَّ بيتك بمئة ألف -وهو يساوي مئة وعشرين- فهنا شرَط القرض مع البيع على وجه ينتفع به؛ لأنه يقول للمحتاج الذي جاء يستقرض: أنا أقرضك، لا مانع، لكن بشرط أن تبيع علي بيتك بمئة ألف وهو يساوي.
طالب: مئة وعشرين.
الشيخ: مئة وعشرين، نقول: الآن البائع انتفع من قرضه، ما الذي انتفعه؟
طالب: عشرين ألفًا.
الشيخ: أنه نزل له من قيمة البيت عشرون ألفًا، وهذا ربا، فلا يصح.
(2/857)
________________________________________
المسألة الثانية: أن يكون حيلة على الربا، مثل أن يكون عند شخص مئة صاع بُرٍّ جيد، وعند الثاني مئتا صاع بُر رديء، فيأتي صاحب البُر الرديء ويقول لصاحب البُر الجيد: بِعْني إياه، قلنا: كم هو؟
طلبة: مئة صاع جيد.
الشيخ: مئة صاع، قال: بِعْني مئة صاع، الجيد بمئتي درهم، قال: لا بأس بشرط أن تبيع عليَّ مئتي الصاع الرديئة بمئتي درهم، انتبهوا، هذا لا يجوز؛ لأنه حيلة على أيش؟
طلبة: الربا.
الشيخ: على أن يبيع مئة صاع جيد.
طلبة: بمئتي صاع رديء.
الشيخ: بمئتي صاع رديئة من البُر، وهذا ربا، إذا باع مئة صاع جيد من البُر بمئتي صاع رديء من البُر فهذا حرام، ربا؛ لأن البُر بالبُر لا بد أن يكون سواء.
فالصواب: جواز اشتراط عقد آخر إلا في حالين:
الأولى: القرض إذا جَرَّ نفعًا.
والثانية: أن يكون حيلة على الربا، وهذا هو الذي ينطبق على القواعد الشرعية، وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله، ومذهب الإمام مالك في المعاملات هو أقرْب المذاهب إلى السُّنَّة.
ولا تكاد تجد قولًا للإمام مالك في المعاملات إلا وعن الإمام أحمد نفسه رواية توافق مذهب مالك، لكن تعلمون أن أصحاب المذاهب كلما ازدادوا عددًا جُعِل المذهب ما كان الأكثر عددًا، هذا الغالب؛ لذلك لا يمكن أن نقول: إن مذهب الإمام أحمد -مثلًا- هو تحريم هذا البيع، وأنه عنه رواية واحدة، بل لا بد أن يكون له رواية توافق ما يدل عليه الدليل الصحيح، ومذهب مالك في هذه المسألة هو أحسن المذاهب وأقواها، ولدينا قاعدة مُطَّرِدة: الأصل في المعاملات الحل حتى يقوم دليل على التحريم.
إذن إذا اشترط أحدهما على الآخر عقدًا آخر فالمذهب بُطلان العقدين، والصحيح صحة العقدين إلا في حالين:
الأولى: إذا كان قرضًا يجر نفعًا.
والثانية: إذا كان حيلة على المحرَّم. هذا من الشروط الفاسِدة المفسدة.
طالب: شيخ، وإذا كان باع بيتًا مثلًا، واشترط قرضًا، لكن لا على أساس أنه يعني ..
(2/858)
________________________________________
الشيخ: يقول رحمه الله: (وإن شرط ألَّا خسارة عليه، أو متى نفِق المبيع وإلا رده، أو لا يبيع، ولا يهبه، ولا يعتقه، أو إن أعتق فالولاء له، أو أن يفعل ذلك بطل الشرط وحده).
ذكر المؤلف رحمه الله هذا القسم الثاني وهو الفاسِد، الشرط الفاسد غير المفسد، فيفسد الشرط، ويصح العقد، وضابطه أن يكون الفساد مختصًّا بالشرط لمنافاته مقتضى الشرع، ويكون الشرط من أصله موافِقًا لمقتضى الشرع؛ لأنه لا يُخالف مقتضى العقد، مثاله: شرَط ألا خسارة عليه، مَنِ الشارِط؟
طلبة: البائع، المشتري.
الشيخ: البائع، المشتري، واحد ثالث؟
طالب: المشتري.
الشيخ: من الذي يشترط ألَّا خسارة عليه؟
طلبة: المشتري.
الشيخ: المشتري يا أخي، المشتري، واضح؟ قال المشتري: أشتريه منك بمئة ألف أو أكثر أو أقل بشرط ألا يكون عليَّ خسارة؛ يعني لو نزل السوق وبعته بأقل فلا خسارة عليَّ، الخسارة على البائع، هذا الشرط لا يصح؛ لأنه مخالف لمقتضى العقد؛ لأن مقتضى العقد أن المشتري يملك المبيع، فله غُنمه وعليه غُرمه، هو مالك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» (14)، يعني مَنْ له رِبْح شيء فعليه خسارته، ومعلوم أنه لو ربِح هذا المبيع فالرِّبح لمن؟
طالب: للمشتري.
الشيخ: للمشتري، لا شك، إذن إذا كان الربح له -للمشتري- فلا يصح أن يشترط الخسارة على البائع.
فإذا قال قائل: هل العقد صحيح؟ قلنا: نعم؛ لأن العقد قد تمت فيه الشروط، وانتفت الموانع، والخلل هنا إنما هو بالشرط.
كذلك شرَط (متى نفِق المبيع وإلا رده) (متى نفِق)، (نفِق) يعني صار منافقًا؟
أيش معناها؟ يعني زاد. (متى نفِق المبيع) أي: زاد وصار له سوق يُشترى، وإلا رده على البائع، هذا أيضًا شرط فاسد؛ لأنه يخالف مقتضى العقد، إذ إن مقتضى العقد أن المبيع للمشترِي، سواء نفِق أو لا.
الثالث قال: (أو لا يبيع ولا يهبه) شرَط ألا يبيع، مَنِ الشارط؟
طلبة: البائع.
(2/859)
________________________________________
الشيخ: البائع، نعم، شرَط البائع على المشترِي ألا يبيعه، يقول المؤلف: إن الشرط فاسِد، وظاهر كلامه ولو كان للبائع غرْض صحيح في هذا الشرط، ولكن الصحيح أنه إذا كان للبائع غرض صحيح في هذا الشرط فإن الشرط صحيح، أما إذا كان قصدُه أن يحجر على المشتري فالشرْط غير صحيح، مثال الذي له غرَض: أن يبيع مملوكًا له -هو في نفسه غالٍ- على شخص يثِق به، ويعلم أنه لا يزداد عند هذا المشترِي إلا خيرًا، فقال: أبيع عليك غلامي هذا وإن كان عندي غاليًا، لكن أنا أعلم أنه عندك سيستفيد أكثر مما إذا كان عندي، ولهذا أشترط عليك ألا تبيعه، هذا غرض مقصود ولَّا غير مقصود؟
طلبة: مقصود.
الشيخ: مقصود، لا شك، فيصح الشرط؛ لأن فيه غرضًا مقصودًا للبائع، وكذلك لو قال: بشرط ألا تبيعه على فلان الذي يشتري العبيد ويؤذيهم، فهنا له غرض، يصح الشرط أو لا يصح؟
طلبة: يصح.
الشيخ: يصح، فإذا قال المشتري: أنا حر، قلنا: نعم، أنت حُرٌّ، أنت إذا شئتَ قبلت الشرط الآن، وإن شئتَ لم تقبل، فإذا قبِلته فأنت حر، هذه من حريتك؛ أنك تقبل الشرط أو ترد الشرط.
شرَط أيضًا ألا يهبه؛ فإنه لا يصح الشرط، قال: بشرط أنك ألا تهبه لأحد، أو لا تتصدق به على أحد، فلا يصح، لماذا؟
طالب: شرط غير مقصود.
الشيخ: لأن هذا ليس فيه مصلحة للبائع، وإنما هو مجرد تحجير على المشتري، وهذا يخالف العَقْد، أو يخالف مقتضى العقد فلا يصح؛ لأنه يخالف مقتضى العقد فلا يصح.
فإن قيل: ما الفرْق بين الهبة وبين البيع؟ إذا شرط ألا يبيعه فهو صحيح، وإذا شرَط ألا يهبه فهو غير صحيح؟
قلنا: لا فرْق، ولهذا نقول: القول الصحيح أنه إذا شرَط عليه ألا يهبه فإنه يصح أو لا يصح؟
طلبة: يصح، فيه تفصيل.
الشيخ: أيش التفصيل؟
طلبة: إذا كان له غرض مقصود.
الشيخ: إذا كان له غرض مقصود فلا بأس، وإن لم يكن له غرض مقصود فإنه لا يصح هذا الشرط؛ لأنه تحجِير على المشتري.
(2/860)
________________________________________
فإن قال قائل: هو تحجير على المشترِي بكل حال؛ لأنه إذا لم يهبْه والتزم بالشرط أمكنه أن يُخرجه عن ملكه بماذا؟ بالبيع مثلًا.
قلنا: وكذلك نقول بالبيع، ما دمنا نعرف أن البائع قصده باشتراط ألا يهبه ألا يخرجه من ملكه، فسواء جاء بلفظ الهبة، أو جاء بلفظ البيع، أو بغير ذلك؛ لأن الأمور بمقاصدها.
كذلك أيضًا إذا اشترط ألَّا يعتقه، فالشرط فاسد، والعقد صحيح؛ لأنه يُنافي مُقتضى العقْد؛ إذ مُقتضى العقد أن يتصرف المشتري تصرفًا تامًّا.
فإن قال قائل: هل يُمكن أن يكون للبائع غرض في اشتراط عدم العتق؟
طالب: نعم.
الشيخ: أيش هو؟
الطالب: أن يكون العبد -مثلًا- فيه عاهة أو يخاف أنه لو أعتقه ما يستطيع أن يطعم نفسه ( ... ).
الشيخ: نقول: ربما يكون فيه غرض، منها ما أشار الأخ، أن يكون هذا العبد لا يتمكن من الكسب، فيشترط ألا يعتقه؛ لئلا يهمله، وربما يشترط ألَّا يعتقه؛ لأنه لو عتق صار حُرًّا، وتصرَّف كيف شاء، وربما يؤدي تصرُّفه هذا إلى الفسوق والفجور، أو الذهاب إلى الكفار أيضًا إذا كان أسيرًا من قبل فيذهب إلى أهله عند الكفار، وما أشبه ذلك.
فالمهم أن الذي يترجح أنه إذا كان له غرَض صحيح فإن الشرط صحيح، وغاية ما فيه أنه يمنع المشتري من بعض التصرف الذي جعله الشارع له، وهو -أي المشتري- يُسقطه باختياره، فكان الأمر إليه.
طالب: على حسب التصريف، فإذا صرفته فيتم، إذا لم يُصَرَّف فسد، أو يعني أو لم ينفق ( ... ).
الشيخ: هذا لا يجوز.
الطالب: لكن الآن ماشي ( ... ).
الشيخ: لكن هو ما فيه جهالة؟
الطالب: والله ( ... ) يا شيخ ما فيه جهالة؛ يعني لأنه البائع هو المشترط، وليس المشتري.
الشيخ: إذن ما فيه جهالة.
الطالب: البائع هو ..
الشيخ: ما يخالف، باعه مثلًا مئة حبة بمئة ريال، وقال له: ما تَصرَّف فهو تام بيعه، وما لم يَتصرَّف فبيعه غير تام، أو لا، ( ... )؟ طيب كم يبغي يتصرف؟
طالب: على حسب السوق.
(2/861)
________________________________________
الشيخ: طيب، ما ندري؟ يمكن يتصرف كل المئة، ويمكن ما يتصرف إلا عشرة.
الطالب: له فائدة البائع من هذا الشيء؟
الشيخ: لا، دعنا من له فائدة ولَّا لا، الآن المبيع مجهول ولَّا غير مجهول؟
الطالب: فيه بعض الشيء.
الشيخ: مجهول، ما فيه شك أنه مجهول.
الطالب: لكن ما يُقال للمصلحة؛ إذ إن البائع؟
الشيخ: دعنا من المصلحة، حتى المرابين ترى لهم مصلحة الآن، الربا الاستثماري هذا فيه مصلحة عظيمة للبنك، ومصلحة عظيمة للمستفيد الذي ينشئ صناعة عظيمة أو زراعة عظيمة، الكلام نُطبِّقه على ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، هل الآن مجهول ولَّا معلوم؟
طالب: مجهول.
الشيخ: أسأل أنا الأخ.
الطالب: والله يا شيخ، يعني فيه بعض الجهالة، ولكن جهالة يسيرة.
الشيخ: كيف ما فيه جهالة، إذا صار مئة ولا باع إلا عشرة؟
الطالب: لا، هو يُقدِّر يا شيخ، البائع يُقدِّر أني سوف أبيع، يعني في المتوسط.
الشيخ: التقدير هل هو بيده ولَّا مستقبل؟
الطالب: مستقبل، بس حسب الدراسات يعني، يعمل دراسة.
الشيخ: لا، ما يصلح هذا، هذا لا يجوز.
طالب: طيب يا شيخ.
الشيخ: لأن فيه جهالة في المبيع وجهالة في الثمن؛ إذ إن الثمن في مقابل المبيع، والمبيع مجهول، لكن هناك طريقة يقول: خُذْ هذا، بِعْه بالوكالة.
الطالب: هو الحاصل يا شيخ.
طلبة: هذا الحاصل.
الشيخ: يا جماعة، مو هذا الحاصل، هذا يُباع، افرض أنه لما باعه ونقله بالسيارة، ثم انقلبت السيارة وذهب كله، إذا كان وكيلًا فلا ضمان عليه، وإذا كان مشتريًا فالضمان عليه.
فرق بين الوكالة والبيع؛ البيع ينتقل ملك هذه الأشياء إلى ملك المشتري، والوكالة ما له دخل، افرض إنه جابه للدكان واحترق الدكان، إذا كان بيعًا؟
طلبة: يضمن.
(2/862)
________________________________________
الشيخ: نعم، فعلى المشتري، إذا كان بيعًا فعلى المشتري، راحت عليه، خسارة، إذا كان وكالة لا يضمن، فالطريقة الصحيحة أن يقول: خذ هذه مثلًا مئة علبة بِعْها، ولك على كل علبة كذا وكذا من، أو يقول: نُقدِّرها -مثلًا- مئة العلبة بثمانين والربح بيني وبينك، إذا باع -مثلًا- بمئة صار الربح بينهما أنصافًا.
طالب: إذا اشترط البائع على المشتري ألا يعتق العبد، قصده أن يبقى بملكه، ولكن في نيته ألا يخرج عنه، فيعني المشتري وهب العبد، هل يلزم ما في نيته يلزم؟
الشيخ: إذا علمنا أن نيته أنه لا يريد إخراجه عن ملكه فلا تجوز الهبة، لكن مع ذلك حتى لو وهبه يجب على الواهب أن يقول للموهوب له: لا تُعتقه، حتى لا يخالف مقصود البائع الأول.
الطالب: لكن الشرط هذا ما يلزم المشتري فقط؟
الشيخ: نعم؟
الطالب: ( ... ) المشتري العبد يلزمه الشرط السابق؟
الشيخ: إي؛ لأن البائع الأول قصد هذا لغرض.
طالب: أنا يا شيخ؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: بارك الله فيكم، قلنا في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ» (15). المقصود الشرط الذي فيه محظور شرعي، لو قيل -يا شيخ-: إن هذا أصلًا -المحظور الشرعي- ممنوع بأدلة أخرى من المحظور الشرعي حتى لو شرط واحد إنه يُبطل.
الشيخ: فيحمل الْمُطْلق على الْمُقَيَّد.
الطالب: وهو؟
الشيخ: وهو شرطان أي: منهيٌّ عنهما.
الطالب: النبي عليه الصلاة والسلام قد ( ... )، يعني الحديث جاء بلفظ.
الشيخ: لأن فيه بعض الأشياء لا تكون منهيًّا عنها إلا إذا اجتمعت، وإذا انفردت صحَّت، فمثلًا ما ذكرناه من شرط بيْع وسلَف.
الطالب: يصح ( ... ).
الشيخ: إي، فالمهم أن الرسول قال: «لَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ» (15) يعني معناه أنهما يقعان في النهي عند انضمامهما.
***
(2/863)
________________________________________
طالب: قال رحمه الله تعالى: وإن شرط ألَّا خسارة عليه، أو متى نفق المبيع وإلا رده، أو لا يبيع ولا يهبه ولا يعتقه، أو إن أعتق فالولاء له، أو أن يفعل ذلك بطل الشرط وحده إلا إذا شرط العتق.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق لنا أن من الشروط ما هو فاسد مُفسِد، فمِنْ ذلك، الأخ.
طالب: أنا يا شيخ؟
الشيخ: الشروط الفاسدة التي تفسد العقد.
الطالب: كأن يشترط يا شيخ.
الشيخ: اللي جنبك.
الطالب: فاسد مفسد كاشتراط أحدهم على الآخر شرطًا آخر.
الشيخ: شرطًا آخر؟
الطالب: نعم.
الشيخ: شرطًا آخر؟ !
الطالب: عقدًا آخر.
الشيخ: عقدًا آخر؟ !
الطالب: يجمع بين شرطين في عقد واحد.
الشيخ: يجمع بين شرطين في عقد واحد؟
الطالب: كبيعٍ، كسَلَم وقرض.
الشيخ: ما صح.
طالب: أن يشترط أحدهما على الآخر عقدًا آخر في نفس العقد.
الشيخ: أن يشترط أحدهما على الآخر عقدًا آخر في نفس العقد، مثاله؟
الطالب: مثال يا شيخ؟
الشيخ: إي مثال.
الطالب: إن اشترط أن يبيع عليه سلعة ( ... ).
الشيخ: بعتك داري عليك بشرط.
الطالب: أن تسكنني.
الشيخ: أن تؤجرني دارك.
الطالب: أن أؤجرك إياها.
الشيخ: أن تؤجرني بيتك.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: بعتك داري هذه بشرط أن تؤجرني بيتك سنة.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: هذه هي، جمع بين بيع وإجارة، فلا يصح. يلَّا، بعتك هذا البيت بشرط أن ترهنني بثمنه بيتك.
طالب: السؤال مرة ثانية.
الشيخ: بعتك بيتي بمئة ألف بشرط.
(2/864)
________________________________________
وإن شَرَطَ أن لا خَسارةَ عليه، أو متى نَفَقَ الْمَبيعُ وإلا رَدَّه، أو لا يَبيعُه ولا يَهَبُه ولا يُعْتِقُه , وإن أعْتَقَ فالولاءُ له، أو أن يَفعلَ ذلك بَطَلَ الشرْطُ وَحدَه , إلا إذا شَرَطَ الْعِتْقَ، وبِعْتُكَ على أن تُنْقِدَنِي الثمَنَ إلى ثلاثٍ , وإلا فلا بَيْعَ بينَنا - صَحَّ، وبِعْتُك إن جِئْتَنِي بكذا أو رَضِيَ زيدٌ، أو يَقولُ للمُرْتَهِنِ: إن جِئْتُكَ بِحَقِّكَ وإلا فالرَّهْنُ لك لا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وإن باعَه وشَرَطَ البَراءَةَ من كلِّ عيبٍ مجهولٍ لم يَبْرَأْ , وإن باعَه دارًا على أنها عَشرةُ أَذْرُعٍ فبَانَتْ أكثرَ أو أقلَّ -صَحَّ، ولِمَن جَهِلَه وفاتَ غَرَضُه الْخِيارُ.
(بابُ الْخِيارِ)
وهو أَقسامٌ: الأَوَّلُ: (خِيارُ الْمَجْلِسِ) يَثْبُتُ في البيعِ،
طالب: وإن شرط أن لا خسارة عليه، أو متى نَفَقَ المبيعُ وإلا رده، أو لا يبيعه ولا يهبه ولا يُعتِقه، أو إن أعتق فالولاءُ له، أو أن يفعل ذلك بطل الشرط وحده إلا إذا شرط العتق.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، سبق لنا أن من الشروط ما هو فاسد مفسد، فمِن ذلك؟ الشروط الفاسدة التي تفسد العقد؟
طالب: سَم يا شيخ.
الشيخ: ها.
الطالب: منها فاسد مفسد.
الشيخ: نعم.
الطالب: كاشتراط أحدهما على الآخر شرطًا آخر ..
الشيخ: شرطًا آخر؟
الطالب: نعم.
الشيخ: شرطًا آخر؟ !
الطالب: عقدًا آخر.
الشيخ: عقدًا آخر؟ !
الطالب: يجمع بين شرطين في عقد واحد.
الشيخ: يجمع بين شرطين في عقد واحد؟ !
الطالب: كبيعٍ، كسَلَم وقرض.
الشيخ: ما يصح.
طالب: أن يشترط أحدهما على الآخر عقدًا آخر في نفس العقد.
الشيخ: أن يشترط أحدهما على الآخر عقدًا آخر في نفس العقد، مثاله؟
الطالب: إن اشترط أن يبيع سلعة ( ... ).
الشيخ: بعتك داري عليك بشرط؟
الطالب: أن تسكنني.
الشيخ: أن تؤجرني دارك.
الطالب: أن أؤجرك إياها.
الشيخ: أن تؤجرني بيتك.
الطالب: ( ... ).
(2/865)
________________________________________
الشيخ: ها؟ بعتك داري هذه بشرط أن تؤجرني بيتك سنة.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: هذه هي، جَمَع بين بيع؟
الطالب: وإجارة.
الشيخ: وإجارة، فلا يصح.
بعتك هذا البيت بشرط أن تُرهنني بثمنه بيتَك؟
طالب: السؤال مرة ثانية.
الشيخ: بعتك بيتي بمئة ألف بشرط أن ترهنني بثمنه بيتك؟
الطالب: صحيح يا شيخ.
الشيخ: عقد آخر.
الطالب: صحيح.
الشيخ: لكن هذا شرْط عقد آخر ولَّا لا؟
الطالب: إي، شرْط عقد آخر.
الشيخ: طيب، ذكرنا أنَّ شرْطَ عقد آخر يبطل البيع.
الطالب: لكن هذا من مصلحة البائع.
الشيخ: هذا من مصلحة العقد، صح؛ لأنه من مصلحته فصح.
ما هو القول الراجح في الجمع بين عقدين؟
طالب: الصحيح أنه يجوز، ويصح البيع إلا في مسألتين.
الشيخ: الصحيح أنه يجوز إلا في مسألتين، هما؟
الطالب: مسألة القرض المنتفع فيه.
الشيخ: إذا شرط عليه قرضًا ينتفع به.
الطالب: أو تَحَيَّل على الربا.
الشيخ: أو تَحَيَّل على الربا، طيب.
ويش مثال التحيُّل على الربا؟
طالب: التحيُّل على الربا مَثَلًا مِثْل أني أشتري منك سيارة، ( ... ) وأبغي أشتريها بثمن مؤجل، وآخذ ( ... ) بعتها بستين ريالًا ( ... ) نقدًا ( ... ) ثلاثين ريالًا مثلًا.
الشيخ: لا، ما هو هذا.
طالب: ( ... ) شخص مئة صاع بُرًّا جيدًا، وشخص آخر مئتا صاع بُرًّا رديئًا، يأتي إلى صاحب البُر الجيد فيقول: بعني هذا، فيقول: أبيعك بشرط أن تبيعني الرديء بلا ثَمَنٍ. هنا تَحيَّل على مئة الصاع الجيد بمئتين.
الشيخ: نعم.
الطالب: فهو تحيل على الربا.
الشيخ: يكون عنده مئة صاع بُرًّا جيدًّا ومئتا صاع بُرًّا رديئًا، لو باع أحدهما بالآخر فإنه لا يجوز؛ لوجود التفاضل، فيقول: بعني مئتي صاع بُرًّا بمئة درهم على شرط أن أبيعك مئة صاع بُرًّا جيدًا بمئة درهم، هذا لا يجوز؛ لأنه حيلة على أن يبيع مئة صاع جيدة بمئتي صاع رديئة، هذا القول هو الصحيح.
(2/866)
________________________________________
إذا قيل: كيف تصححون هذا وقد نهى النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن بيعتَيْنِ في بَيْعَةٍ؟
طالب: نقول: إن هذا الحديث -وهو بيعتان في بيعة- لا يصدق على الصورة التي معنا، إنما يصدق على صورة واحدة ألا وهي العينة.
الشيخ: نعم.
الطالب: فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا» (1).
الشيخ: لأنه الحديث هذا مُجْمَل بيَّنه حديث العِينة، وهذا هو الصحيح؛ أنه يُحمَل على مسألة العينة، وهي أيش؟ ويش هي مسألة العينة؟
طالب: مسألة العينة، أنا أبغي أشتري منك يعني سيارة بمئة ألف مؤجلة إلى سنة أو ستة أشهر، ثم تشتريها مني بأقل من قيمتها، بتسعين أو ( ... ).
الشيخ: نقدًا.
الطالب: نقدًا.
الشيخ: طيب، هذا صحيح، ولكني أحذركم عند التمثيل أن تأتوا بحالَيْن؛ لأنه يرتبك ( ... )، ما تقول: مثلًا بتسعين أو مئة، خلاص بتسعين انتهى؛ لأنها مسألة تمثيل، ما هي مسألة واقعة حتى نقول: لا بد من تحريرها.
يقول: (إن شرط أن لا خسارة عليه)، ما حكم هذا الشرط؟
طالب: هذا الشرط فاسد.
الشيخ: مُفسِد؟
الطالب: إي نعم، مفسد.
الشيخ: فاسدٌ مُفسِد؟
الطالب: لا، ليس فاسدًا مفسدًا.
الشيخ: ها؟
الطالب: العقد صحيح ولكن الشرط فاسد.
الشيخ: طيب، لماذا صح العقد أولًا؟ ولماذا فسد الشرط؟
الطالب: لأن هذا الشرط راجع ليس لذات العقد.
الشيخ: نعم.
الطالب: والعقد قد تم صوابُه.
الشيخ: يعني لا يعود إلى صلب العقد.
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب، الثاني: لماذا فَسَدَ؟
طالب: لأن إذا اشترط المشتري أنه لا خسارة عليه، هو في الحالة الأولى إذا تم له الربح فلا يكون للبائع نصيب في ذلك الربح، وإنما يكون في الحالتين، إذا كان له -يعني- ضمان هذا الربح استفاد منه فله الفائدة.
الشيخ: توًّا ما تعبنا شوي من الطريق هذا، ها؟
الطالب: طيب، يعني هو في الحالة هذه المشتري ..
الشيخ: المشتري قال: الشرط: ما عليه خسارة.
الطالب: نعم.
(2/867)
________________________________________
الشيخ: نقول: لا يصح هذا الشرط.
الطالب: نقول له: أنت إذا ربحت ليس للبائع شيء، وإذا خسرت اشترطت على البائع ..
الشيخ: يعني قياس العكس؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ما هو، لا فيه شيء أفضل من هذا وأوضح.
طالب: لأنه يخالف مقتضى العقد؛ إذ إن مقتضى العقد أن المشتري إذا اشترى السلعة له غُنمه وله غُرمه.
الشيخ: الدليل؟
الطالب: قول النبي عليه الصلاة والسلام: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» (2).
الشيخ: نعم، هذا هو؛ لأنه إذا دخلت ملكَه فله غُنمها وعليه غُرمها.
(متى نَفَقَ المبيعُ وإلا ردَّه)، حكم هذا الشرط؟
طالب: لا يصح هذا الشرط، ويصح العقد.
الشيخ: لماذا لا يصح هذا الشرط؟
الطالب: لأنه يخالف مقتضى العقد؛ لأن مقتضاه أن المشتري يتملك السلعة.
الشيخ: يخالف مقتضى العقد؛ لأن مقتضاه أن المشتري يملك السلعة.
الطالب: سواء نَفَقَت أم لا.
الشيخ: فله غُنمها وعليه غُرمها، طيب.
هل مثل ذلك ما يفعله بعض الناس -الآن- يبيع عليه السلعة ويقول: ما تَصَرَّفَ منها فقد تم فيه البيع، وما لم يتصرف فَرُدَّه؟
الطالب: لا ينطبق عليه هذه الصورة.
الشيخ: ها.
الطالب: لأن -هنا- البيع لم يتم، يعني المبيع مجهول، مقدار المبيع مجهول.
الشيخ: هذا الشرط فاسد مفسد.
الطالب: نعم.
الشيخ: لأنه يعود إلى جهالة؟
الطالب: جهالة المبيع.
الشيخ: المبيع، وجهالة الثمن.
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب.
لو قال: بعتك هذا، وما وجدته فاسدًا فاردُدْه.
الطالب: هذا شرط صحيح.
الشيخ: صحيح؟
الطالب: لأنه يوافق مقتضى العقد.
الشيخ: شلون يا جماعة؟
الطلبة: صحيح.
الشيخ: صحيح؟
الطلبة: إي نعم.
الشيخ: إي نعم؛ لأن هذا مقتضى العقد؛ أن الفاسد يُرَدُّ.
إذا شرَطَ ألَّا يبيعَ المبيع؟
طالب: على المذهب: لا يصح، لكن الصحيح أنه يصح.
الشيخ: طيب.
الطالب: إن كان للبائع غرض صحيح.
الشيخ: على المذهب لا يصح، لماذا؟
الطالب: لأنه اشترط؛ لأن هذا شرط فاسد.
الشيخ: إي، لماذا؟
الطالب: فاسد غير مفسد.
(2/868)
________________________________________
الشيخ: إي، لماذا؟
الطالب: لأن مقتضى العقد أن البائع ..
طالب آخر: لأن مقتضى العقد أن المشتري يتصرف في المبيع.
الشيخ: نعم، مقتضى العقد أن المشتري له التصرف المطلق.
إذا قال قائل: هذا مقتضى العقد، لكنه رضي بالتزام هذا الشرط؛ ألَّا يبيعه؟
طالب: على المذهب: ما يصح مطلقًا.
الشيخ: إي، لكن إذا هم قالوا بأن هذا يخالف مقتضى العقد؛ إذ مقتضى العقد أن المشتري يتصرف كما شاء.
الطالب: نقول: هذا الحق أعطاه الله عز وجل، وليس بوضع المتعاقدَيْن، إنما بوضع الشارع.
الشيخ: ويش ( ... )؟
الطالب: فليس له أن يثبته.
الشيخ: يعني خالف كتاب الله؟
الطالب: ليس له أن يثبت هذا الشرط.
الشيخ: طيب.
طالب: شيخ.
الشيخ: إيه.
الطالب: ( ... ) تأتي بالمضرة يا شيخ.
الشيخ: على مَن؟
الطالب: يجعلونها على البائع اللي بايع عليه البضاعة المبيوعة عليه ( ... ).
الشيخ: على المشتري يعني؟
الطالب: على المشتري.
الشيخ: طيب، رَضِيَ.
الطالب: قال: بعتك الآن مثلًا يا شيخ؟
الشيخ: بعتك هذه السيارة بشرط أنك ما تبيعها.
الطالب: ها؟
الشيخ: قال: بعت عليك هذه السيارة بشرط أنك ما تبيعها.
الطالب: ده فيها اضطراب يا شيخ.
الشيخ: ها؟
الطالب: بعتك العبد على ألا تبيعه على فلان، ما يبيع، يضرب العبد، مثاله.
الشيخ: لا، هذا مثال لما فيه غَرَض، لكن إذا لم يكن فيه غرض؟
الطالب: جائز.
الشيخ: جائز؟
الطالب: إذا قَبِل المشتري.
الشيخ: إذا قبل المشتري فهو جائز؟
طالب: لا أثر لهذا الشرط.
الشيخ: ليش؟
الطالب: والبيع صحيح؛ لأنه شرط فاسد.
الشيخ: لماذا؟ ما الذي أفسده؟
الطالب: نعم؟
الشيخ: الأصل في الشروط الصحة.
الطالب: لأنه مخالف لمقتضى العقد.
الشيخ: إذ مقتضى العقد أن الإنسان حر في تصرفه.
الطالب: تصرفه في ماله.
الشيخ: طيب.
ذكرنا أن القول الراجح في هذه المسألة خلافُ ما قرره المؤلف.
طالب: إي نعم، في هذه المسألة: يجوز إذا كان فيه غَرَض؛ يعني البائع إذا كان له غَرَض صحيح يجوز أن ..
(2/869)
________________________________________
الشيخ: يجوز إذا كان للبائع غرض صحيح.
الطالب: نعم.
الشيخ: يتعلق بمصلحة المبيع.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: مثل؟
الطالب: مثل ألا يُعتق ..
الشيخ: ألا يبيع، هذا المثال على ألا يبيع.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: ويش مثال الغرض الصحيح؟
الطالب: مثال الغرض الصحيح: يعني شرَط عليه ألا تبيعه لِئَلَّا يُفَوِّت مصلحة المبيع.
الشيخ: أيش المصلحة؟
الطالب: مثل يخاف على العبد -مثلًا- بالتحرير.
الشيخ: بالتحرير؟ ! طيب: العتق.
طالب: مثلًا: إذا باعه عبدًا كسيحًا فخَشِيَ البائع أن يبيعه المشتري ثانية حتى يكون عالة على غيره، فاشترط ألا يبيعه حتى لا يكون ..
الشيخ: لا.
طالب: مثل قال: بعتك ..
الشيخ: أقول: ما هو الغرض؟ إنَّا فهمنا الآن أن هذا الشرط فاسد، وأن الصحيح أنه إذا كان للبائع غَرَض فلا بأس، فما هو الغرض؟
الطالب: عدم ضرر هذا المبيع.
الشيخ: طيب، كيف الغرض؟ يعني مثلًا يكون عَبْدَ هذا؟ !
الطالب: يتضرر بالمشتري بأن يضربه.
الشيخ: غالٍ عند البائع، كذا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ولم يُخرِجه من ملكه إلا من أجل مراعاة المشتري.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: فيخشى أن المشتري يبيعه على شخص يعني ..
الطالب: يضربه.
الشيخ: يضربه، أو يُؤْلِمه، أو يُحَمِّلُه ما لا يطيق، فاشترط ألا يبيعه، سواء على شخص معين أو مطلق. فالصحيح أنه متى كان فيه غرَض فلا بأس.
يقول: (أو) شَرَطَ (إن أُعْتِقَ) أو انعتق (فالولاء له) أي للبائع؛ فإن الشرط لا يصح، يعني: أن البائع باع العبد على إنسان، واشترط عليه أن الولاء له -أي: للبائع- فهنا العقد صحيح، والشرط؟
الطلبة: غير صحيح.
الشيخ: غير صحيح.
(2/870)
________________________________________
والدليل على ذلك: حديث عائشة -رضي الله عنها- في قصة بَريِرة، أنَّ بَرِيرةَ كاتبها أهلُها، فجاءت تستعينُ بعائشةَ، فقالت: إِنْ أَحَبُّوا أنْ أَنْقُدَهَا لهم ويكونُ ولاؤُكِ لي فعلْتُ. فذهبَتْ بَريِرةُ إلى أهلِها، وقالوا: لا، الولاءُ لنا. فقال النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ». ففعلَتْ، ثم قام خطيبًا في الناسِ، فقال: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ شُرِطَ مِئَةَ مَرَّةٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» (3). فأجاز البيع، ولم يُجِزِ الشرط.
فما هو الولاء؟ الولاء معناه: أن الإنسان إذا أعتق عبدًا صار كأنه من أقاربه، كما يُرْوَى عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» (4)، يعني: التحام بين السيد والعتيق كالتحام النسب، فيرثه المعتِقُ إذا لم يكن له وارثٌ من النسب، حتى إنه لو هلك هالك عن بنت أخ شقيق، وعن معتِق، فالمال لمن؟
طلبة: للمعتِق.
الشيخ: المال للمعتِق، مع أن الميت عمها، لكنها هي ليست بذي فرض ولا عَصَبة، فيكون المال للسيد المعتِق، فالولاء -في الواقع- لُحْمة كلحمة النسب، يثبُت به ما يثبت بالنسب من جهة الميراث والولاية، وما أشبه ذلك عند عدم عاصب النسب، لكنه ليس كالنسب في ثبوت المحرمية؛ ولهذا أَعْتَقَ النبيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صفيَّةَ وَجَعل عِتْقَها صَدَاقَها وتَزوَّجها (5).
طالب: ( ... ) هنا عَتَقَ أو أُعْتِقَ؟
الشيخ: يصلح هذا وهذا.
قال: (أو أن يفعل ذلك) ويش معنى (ذلك) المشار إليه؟
طالب: يعني أن يبيع.
الشيخ: أن يبيع، أو يهب، أو يُعتِق؛ (أن يفعل ذلك):
(2/871)
________________________________________
قال: بعتك هذا العبد بكذا وكذا بشرط أن تبيعه على فلان، فهنا لا يصح الشرط؛ لأن مقتضى العقد أن المشتري حر، يتصرف، إن شاء باع، وإن شاء لم يبع، فهل يمكن أن نقول -كما قلنا في الأول- إذا كان هناك غرض صحيح للبائع فلا بأس؟
نقول: إذا أمكن أن يوجد غرض صحيح فلا بأس؛ لأن الحق في التصرف لمن؟
طالب: للمشتري.
الشيخ: للمشتري، فإذا أسقطه فهو حقه. لكن يبقى النظر:
هل هناك غرض صحيح يقابل إسقاط المشتري للتصرف؟
ربما يكون ذلك، مثل أن يكون عندي عبد وأعرف أن فلانًا لا يشتريه مني أبدًا، إما رأفة بي، أو لغير ذلك، فبعته على آخر، وقلت: بشرط أن تبيعه على فلان، فهذا غرض صحيح؛ لأني أنا أحب أن أبَرَّ فلانًا به، لكني أعلم أنه لو جاءه من طريقي فإنه لا يقبل، فإذا جاء من طريق آخر فربما يقبل.
فإذا كان هناك غرض صحيح فالصواب أنه لا بأس أن يشترط البائع على المشتري أن يبيعه، لكن الغرض الصحيح -هنا- لا يكون إلا لشخص معين، لا في البيع مطلقًا.
كذلك شرَط أن يهبه، نقول: هذا الشرط فاسد.
شرَط أن يُعْتِقه، يقول المؤلف: (إلا إذا شرط العِتق) فيُستثنَى، فإذا باع العبد على شخص وقال: بشرط أن تُعتِقه، فوافق؛ فإن البيع والشرط صحيح، لماذا؟ يقول: لأن الشارع له تَشَوُّف إلى العِتق.
فإن قال إنسان: لماذالم يُعتقه البائع؟ يعني: لماذا يشترط على المشتري العتق ولا يُعتقه هو بنفسه؟
قلنا: إن البائع محتاج للدراهم، محتاج إلى دراهم، ومعلوم أنه إذا باعه بشرط العتق فسوف ينقص الثمن إذا التزم بهذا الشرط، فيكون في هذا مصلحة للبائع وهو: قضاء حاجته بالدراهم، ومصلحة للمشتري وهو: نقص الثمن؛ لأنه سوف ينقص بلا شك، فيه أيضًا مصلحة: أن له الولاء؛ لأن المشتري هو الذي يباشر العِتق، فيكون الولاء له، قال: (إلا إذا شرَط العِتق).
(2/872)
________________________________________
إذا اشتراه المشتري وقد شُرِط عليه العِتقُ، ولكنه صار يماطل وفي النهاية أَبَى، يقول المؤلف (الشارح): إنه يُجبَر على العِتق، يُجبَر المشتري على أن يُعتِق؛ لأنه مشروط عليه.
ثم قال المؤلف: (وبعتك على أن تَنْقُدَني الثمنَ إلى ثلاثٍ وإلا فلا بيعَ بيننا: صح، وبعتك إن جئتني بكذا أو رضي زيد): لم يصح.
(بعتك على أن تَنْقُدني الثمنَ إلى ثلاث) يعني: على أن تعطيني الثمن قبل ثلاثة أيام، (وإلا فلا بيعَ بيننا)، فالشرط صحيح، لماذا؟ لأن التعليق -هنا- تعليق للفسخ، وليس تعليقًا للعقد، فجاز التعليق؛ لأن الفُسوخ أوسع من العقود؛ فلهذا جاز تعليقُها بخلاف العقد.
المسألة الثانية: (بعتك إن جئتني بكذا أو رضي زيد): فلا يصح.
قال: بِعْ عليَّ هذا البيت، فقلت: بعتُك إن أحضرْتَ لي كذا وكذا -غير الثمن- فهنا لا يصح؛ لأنه بيع مُعَلَّق، ومن شرْط البيع: التَّنْجِيزُ، فالبيع الْمُعَلَّق لا يصح.
كذلك إذا قال: إنْ رضِيَ زيد، فإنه لا يصح. مثل أن قال: بعتك هذه السيارة إن رضي أبي، فقال: اشتريْتُ. فالبيع هنا ليس بصحيح؛ لأنه بيع مُعَلَّق، والبيع من شرطه أن يكون مُنَجَّزًا، إذن ماذا نصنع لو وقع العقد على هذه الصفة؟
نقول: إذا وقع على هذه الصفة فإنه يُعاد بعد رضا زيد، إذا رضي زيد يرجع ويقول: رضي، فنقول: أعد العقد. لكن هل يترتب على هذا شيء؟
نعم يترتب، لو قلنا بصحة العقد الأول لكان النماء والكسب فيما بين العقد والرضا لمن؟
طالب: للمشتري.
الشيخ: للمشتري، وإذا قلنا: لا بد من عقد جديد فالنماء فيما بين العقد والرضا.
طلبة: للبائع.
الشيخ: للبائع، إذن فبينهما فرق.
(2/873)
________________________________________
والصحيح: أن البيع المعلق جائز، وأنه لا بأس أن يقول: بعتك إن جئتني بكذا. لكن يَحْسُن أن يُحَدَّد أجلٌ أعلى، فيقول: إن جئتني بكذا في خلال ثلاثة أيام -مثلًا- أو يومين، أو عشرة أيام؛ لئلا يبقى البيع معلقًا دائمًا؛ إذ قد لا يتيسر أن يأتي بذلك في يوم أو يومين، مع أنه كان يظن أنه يتمكن من ذلك، ولكن لا يتمكن، فصار القول الصحيح: جواز ذلك بشرط؟
طالب: بشرط أن يُحَدَّد بزمن أعلى.
الشيخ: نعم.
الطالب: مثلًا عشرة أيام أو كذا؛ لأن المشتري ما يتمكن من جلب ( ... ).
الشيخ: يعني إذا بقي معلقًا هكذا، إن جئتني بكذا؛ ربما لا يأتيه إلا بعد مدة طويلة لا يتوقعانها، فإذا حُدد أجل فالصحيح أن البيع جائز؛ لأنه قد تمت فيه الشروط، وانتفت الموانع.
إن رضي أبي، الصحيح -أيضًا- أنه جائز، لكن -أيضًا- لا بد من تحديد المدة؛ لئلا يماطل المشتري في ذلك فيحصل الضرر على البائع.
على القول بأن هذا صحيح، متى ينتقل الملك؟ هل هو بالعقد؟ أو بوجود الشرط؟
طالب: بوجود الشرط.
طالب آخر: بالعقد.
الشيخ: يحتمل وجهين:
الوجه الأول: أنه بالعقد؛ لأنه يقول: إن رضي زيد، يعني: فالعقد هذا صحيح. ويحتمل: إن رضي زيد فقد تم العقد.
والظاهر الأول: أن الملك يثبت بالعقد الأول؛ لأن هذا عقد تام، لكن لزومه معلق على شرط، فإذا حصل الشرط تبين صحة العقد.
فنقول: يحتمل وجهين وأظهرهما أنه أيش؟ يثبت الملك من حين العقد.
قال: (أو يقول) الراهن (للمُرتَهِن: إن جئتك بحقك) في محله -أي في وقت حلوله- (وإلا فالرهن لك) فإنه (لا يصح البيع).
(إن جئتك بحقك) في مَحِله -أي وقت الحلول- (وإلا فالرهن لك) فإنه (لا يصح البيع)، هل عندنا بيع؟ نعم، وهو قوله: (فالرهن لك) هذا بيع؛ لأنه لا يُشترط صيغة معينة للإيجاب، بل ما دل على الإيجاب تم به البيع.
(2/874)
________________________________________
مثال ذلك: شخص اشترى من آخر مئة صاع بُرًّا، وأعطاه ساعة تساوي مئة ريال، قال: إن جئتك بحقك في محله -يعني في الوقت الذي حددناه- وإلا فالساعة لك، أو إن جئتك بحقك في خلال يومين وإلا فالساعة لك. ولم يأتِ بحقه في هذه المدة تكون الساعة له، لمن؟ للبائع، هذا -في الواقع -بيع معلق. يقول: فلا يصح؛ لأنه بيع معلق، والبيع المعلق لا يصح.
لو قال قائل: أليس الأصل في المعاملات الْحِل؟ قلنا: بلى. إذن لماذا لا يصح هذا؟ ! ولهذا كان القول الراجح أنه يصح أن يعطي البائع رهنًا، ويقول: إن جئتك بحقك -يعني بالثمن- في خلال ثلاثة أيام، وإلا فالرهن لك، نقول: الصحيح أنه يصح.
لكن لو فُرض أن المشتري حُبِس بأمر قهري، لم يستطع، وكان ثمن الرهن أضعاف أضعاف الثمن الذي رهنه به، فهل نقول -في هذه الحال- بالصحة مع وجود الغَبن الكثير، أو نقول -في هذه الحال-: لا يصح العقد؟
طالب: الثاني.
الشيخ: الثاني، الثاني هو الصحيح.
إذن القول الصحيح في هذه المسألة: أن العقد يصح، لكن إذا تأخر عن وقت الحلول بأمر قهري وكان ثمن الرهن أضعاف أضعاف ما رهنه به فهنا نقول: بأنه لا يصح العقد، أو نقول بالصحة لكن للمشتري الخيار؛ لأنه مغبون.
وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، فإنه قد اشترى من بقَّال حاجة ورهنه نعليه -الإمام أحمد- وقال له: إن جئتك بحقك بوقت كذا وإلا فهما لك. فتكون رواية ثانية عن الإمام أحمد -رحمه الله-: أن هذه المسألة تجوز، وهو القول الراجح كما عرفتم.
فإن قال قائل: ما هو الدليل على أن هذا لا يصح؟
قلنا: لأنه بيع معلق؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» (6)، (لا يَغلَق) يعني: لا يؤخذ على سبيل الغَلَبة من صاحبه. فيقال: أما هذا الحديث فلا دليل فيه؛ لأن الرهن هنا هل أُخِذ على سبيل الغلبة؟
طالب: نعم.
طلبة: لا.
(2/875)
________________________________________
الشيخ: لا، هذا على سبيل أيش؟ الاختيار، والمشتري هو الذي اختار هذا، وأما «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» فمعناه: أنه لا يحل للمرتهن -إذا حل الأجل- أن يأخذ الرهن قهرًا على الراهن، أما إذا كان باختياره فلا فيه إغلاق.
إذن القاعدة: أن كل بيع معلق على شرط فإنه أيش؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح على المذهب، على المذهب لا يصح، والصحيح أنه يصح.
إلا أنهم استثنوا من هذه القاعدة مسألتين:
المسألة الأولى: أن يعلقه بالمشيئة -مشيئة الله- فيقول: بعتك هذا بكذا إن شاء الله. فالبيع صحيح؛ وذلك لأن تعليقه بالمشيئة ثم وقوعه يدل على أن الله شاءه؛ لأن الله لو لم يشأه لم يقع، وعلى هذا فإذا علَّقه بالمشيئة –أي بمشيئة الله- فإن البيع يصح.
كذلك بيع العَرَبون، وهو معروف عندنا، ويسمى العُربْون، وفيه لغات، العَرَبون أن يُعطي المشتري البائعَ شيئًا من الثمن، ويقول: إن تم البيع فهذا أولُ الثمن، وإن لم يتم فالعَرَبون لك والبيع لم يتم، واضح، كيف؟ اشتريت من عبد المنان حاجة.
طالب: ( ... ) مثلًا يقول: هذا عربون، فإن تم البيع فبها ونعمت، وإن لم يتم ( ... ).
الشيخ: إي نعم، صح، هذا يصح.
فإن قيل: كيف تصححون هذا والبائع أخذ شيئًا بغير مقابل؟ فالجواب أن نقول: أخذ هذا باختيار المشتري، هذه واحدة.
الثاني: أن فيه مقابلًا؛ لأن السلعة إذا رُدَّتْ نقصَتْ قيمتُها في أعين الناس، فمثلًا إذا قيل: هذا الرجل اشترى هذه السيارة بخمسين ألفًا وأعطاه خمس مئة ريال عَرَبونًا، ثم جاء للبائع وقال: والله أنا هوَّنْتُ، ما أريدها. فإن الناس سيقولون: لولا أن فيها عيبًا.
طلبة: ما ردها.
الشيخ: ما ردها، إذن ستنقص القيمة، فيكون أخْذُ العربون؛ يعني وجه جوازه أولًا: أنه برضا المشتري، والمشتري ربما يقول: لا، ما يهمني، ما دام حصل لي التخلص من هذا فلا يهم.
(2/876)
________________________________________
الشيء الثاني: أنه له مقابل، وهو نقص قيمة السلعة المردودة؛ لأن هذا هو الغالب؛ ولهذا رُوي عن عمر -رضي الله عنه- أنه صحيح، وإن كان بعض العلماء خالفه في ذلك.
(وإن باعه) -انتبه للمسألة الآتية، إن كنت من أصحاب المعارض معارض السيارات- قال: (إن باعه وشرَطَ البراءةَ من كل عيب مجهول لم يبرأ):
إذا باعه: أي باع عليه شيئًا وقال: بشرط أن أبرأ من كل عيب مجهول. فقال المشتري: نعم، أنت بريء. فإن هذا الشرط لا يصح، إذا وجد المشتري بها عيبًا فله الرد، قال له البائع: أنا شارطٌ عليك، تصبر بكل العيب اللي فيها.
نقول: لا، هذا شرط غير صحيح، لماذا؟ قالوا: لأن الرد بالعيب لا يثبت إلا بعد العقد، وهذا شرَطه مع العقد، فلا يصح.
وإن شرَط البراءةَ بعد العقد -يعني بعد أن باعه- قال: أنا أبرأتك من كل عيب؛ فالبراءة صحيحة، فاهم.
طالب: لا، هذه غير واضحة.
الشيخ: طيب، باع عليه السيارة بشرط أن يبرئه من كل عيب، من الذي اشترط ذلك؟
الطلبة: البائع.
الشيخ: البائع، قال: أبرأتك. فالشرط هنا غير صحيح، فإذا وجد المشتري بها عيبًا ردها، طيب أليس قد أبرأه؟
نقول: أبرأه قبل أن يثبت له حق الرد؛ لأن حق الرد إنما يثبت بعد العقد، إلى الآن ما دخلَتْ ملك المشتري، فإذا اشتراها ثم أبرأه -أي يُبْرِئَ البائعَ من كل عيب- صحت البراءة؛ لأنه -الآن- مَلَكها ومَلَك ردها.
فإن باعها، وبعد البيع قال: والله أنا –يقول البائع-: أنا أخشى أن يكون فيها عيوب. قال: أبرأتك من كل عيب. فالإبراء؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: الإبراء صحيح؛ لأنه الآن ملكها وملك الرد بالعيب إن كان فيها عيب، وقد أسقطه، هذا هو التفصيل في هذه المسألة على المشهور من المذهب.
وعلى هذا فالذين يبيعون في معارض السيارات ويُصَوِّت يقول: ترى لا أبيع عليك إلا الكبوت ما فيه، بيبيعه بكم من ألف؟ بعشرين ألف، الكبوت يسوى عشرين ألف؟
طالب: ما يسوى.
(2/877)
________________________________________
الشيخ: ما يسوى، لكن هذا علشان يبرأ يقول: ما تطالبني بشيء. فاشترى على هذا الشرط، فالشرط؟
طالب: صحيح.
الشيخ: لا، غير صحيح، إذا وجد بها عيبًا فليردها، عرفتم؟
أما لو كان بعد أن تمت البيعة قال: تعال، أنا أخشى بكرة تجد فيها عيبًا، ثم تأتيني تقول: السيارة معيبة، فقال: أبرأتك، يقوله المشتري؛ لأن المشتري -الآن- مقبل، ما يهمه، قال: أبرأتك من كل عيب. ثم ذهب بها وإذا فيها الشاصي مُجَبَّر، والماكينة مكسورة، والكفرات منسمة، وهكذا، هل يردها ولَّا لا؟
طلبة: لا، ما يردها.
الشيخ: ما يردها؛ لأنه أبرأه بعد العقد.
ولكن الصحيح في هذه المسألة ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه إن كان البائع عالِمًا بالعيب فللمشتري الرد بكل حال، سواء شُرِط مع العقد، أو قبل العقد، أو بعد العقد. وإن كان غير عالم فالشرط صحيح، سواء شُرِط قبل العقد، أو مع العقد، أو بعد العقد.
وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو الصحيح، وهو المروي عن الصحابة رضي الله عنهم، وهو الذي يمكن أن تمشي أحوال الناس عليه؛ لأنه إذا كان عالِمًا بالعيب فهو غاش خادع، فيُعامَل بنقيض أيش؟
طالب: قَصْدِه.
الشيخ: بنقيض قصده، بخلاف ما إذا كان جاهلًا، كما لو كان مَلَك السيارة قريبًا، ولا يدري عن العيوب اللي فيها، فباعها واشترط البراءة فالشرط صحيح ( ... ).
طالب: شيخ، البيع المعلق، إذا قال: بعتك إن رضي زيد.
الشيخ: نعم.
الطالب: قلنا بصحته.
الشيخ: ها؟
الطالب: قلنا -مثلًا- بصحته.
الشيخ: لكن يحدد أجلًا.
الطالب: نعم، يحدد أجلًا يا شيخ.
الشيخ: نعم.
الطالب: لكن إن تلف هذا المبيع قبل أن يصل إلى زيد، طالما وصل إلى زيد رفض، لم يرضَ.
الشيخ: طيب.
الطالب: فيكون على مَن؟
الشيخ: على البائع؛ لأن ما تم البيع.
طالب: شرط زيد ( ... ).
الشيخ: أيش؟
الطالب: العقد إذا قال: إن رضي زيد، إن رضي تحديد المدة ( ... ) فيها، هل هو مستوعب ( ... )؟
الشيخ: هل أيش؟
الطالب: يعني تحديد المدة؟
(2/878)
________________________________________
الشيخ: لا بد، يشترط، يُحدِّد؛ لِئَلَّا يبقى المسألة عائمة.
الطالب: شيخ، هذا مسافر تاجر، مسافر إلى منطقة وقال للتاجر: أعطني السلع لأجل أن أبيعها لأهل المنطقة بسعر ( ... ). قال: خذها بعشرة وبعها بما شئت والزيادة لك، والسلعة التي لا تنفد ردها.
الشيخ: إي نعم، ما يجوز.
الطالب: وإن حصل يا شيخ؟
الشيخ: إن حصل فعلى المذهب يكون كل ما حصل من خسارة على المشتري؛ لأنه قبض بعقد فاسد.
الطالب: وإذا رد السلعة المردودة وباعها البائع ( ... )؟
الشيخ: ما ( ... ) نقول: رد السلعة كلها إذا أمكن.
الطالب: لا، رد بعضها.
الشيخ: إذا رد بعضها فهي للبائع، كسْبُها للبائع؛ لأن العقد ما صح.
الطالب: والعمل على شو؟ ( ... ).
الشيخ: هذا العمل مثل ما قلت، الباقي يرده على البائع.
الطالب: نعم.
الشيخ: وهذاك يتصرف هو ويَّاه، يصطلحون.
الطالب: ( ... ) ما دام هم متفقين، وأيضًا ( ... ).
الشيخ: ما هو مجهول هذا، نهى عن بيع الغرر، ها؟
الطالب: كالوكيل.
الشيخ: لا، يوكله، إذا صار كالوكيل يحذف الكاف، لا يقول: كاف، كالوكيل، يقول: وكلتك تبيع وتصرِّف، وما لم يُبَع هاته.
الطالب: لكن يقال: بِعْهُ بعشرة، لك بعشرة، واللي يزيد.
الشيخ: لا بأس، إذا قال: خذ هذا بعه بعشرة وما زاد فهو لك فهو وكيل. نعم.
طالب: قلنا -شيخ- إذا قال: إذا أتيتك بحقك في يومين وإلا فالرهن لك، قلنا: إنه يصح.
الشيخ: لا، المذهب: لا يصح.
الطالب: نعم على الراجح.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: أنه يصح.
الشيخ: نعم.
الطالب: هنا الثمن مجهول؛ لأنه يعني يحتمل يأتي بالثمن، ويحتمل لا يأتي ..
الشيخ: لا، الثمن معلوم، قاطعين الثمن، بعشرة ريالات.

الطالب: أو الرهن.
الشيخ: أيش؟
الطالب: إما بعشرة ريالات أو الرهن.
الشيخ: إي.
الطالب: هو لا يدري يأخذ أيهما.
الشيخ: لكنه راضٍ، المشتري إذا عرف أن الثمن أقل من الرهن بيبادر على طول، يأتي به.
الطالب: والبائع لا يدري.
الشيخ: البائع يدري؛ لأن الثمن مقطوع الآن.
(2/879)
________________________________________
الطالب: لكن قد يدري وقد لا يدري.
الشيخ: لا، يدري، الثمن مقطوع، لكن قد يأتي به وقد لا يأتي، ولهذا قلنا: لا بد من ضرْبِ المدة. نعم.
طالب: إذا يُرَدُّ المبيع إلى البائع، هل لهذا زمان محدد أم ماذا؟
الشيخ: إي، سيأتينا -إن شاء الله- في باب الخيار.
طالب: شيخنا.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: مثلًا لو قال: بع هذا العبد؛ يعني: بع هذا العبد على فلان. واتفقوا على هذا العقد، فذهب هذا المشتري لأنْ يبيع العبد لذلك الشخص فلم يرضَ ذلك لعلمه أن الأول ما باعه لهذا إلا لأنه -مثلًا- سبَّب له إحراجًا ..
الشيخ: الظاهر انتهى الوقت. ( ... ).
يقول: ذكرنا أن شرط الشيء هو الذي يلزم من عدمه عدم، ولا يلزم من وجوده وجود، فالشرط الباطل في البيع يلزم من عدمه وجود؛ لأن ( ... ) أيضًا من أقسام الشروط في البيع، مع أن الشرط وحده باطل والبيع صحيح، فما الجواب؟
التبس على أخينا الفرق بين الشرط في البيع وشرط البيع، والشرط الذي يلزم من وجوده وجود هو شرط البيع، وقد ذكرنا أن الفرق بين شروط البيع والشروط في البيع ( ... ).
طالب: ذكرنا أن ما، يعني ما ..
الشيخ: مثلًا: يُشترَط لصحة الصلاة الطهارة.
الطالب: نعم.
الشيخ: يلزم من عدم الطهارة عدم صحة الصلاة، لكن هل يلزم من الطهارة وجود الصلاة؟
الطالب: لا.
الشيخ: هذه هي، طيب.
يقول: ما حكم إذا صرفت ريالات سعودية بدولارات أمريكية، وبدل استلام الدولار أُعطيتُ سندًا على أن أستلم المبلغ من دولة أخرى؟
الجواب: لا يجوز؛ لأن إبدال العملة بالعملة لا بد فيه من التقابض، والسند هذا تحويل وليس قبضًا، بدليل أن هذا السند لو ضاع لبقي حقك، ولو كان قبضًا لم ترجع على أحد بشيء.
وهذا يقول: شخص حدث له حادث قبل ما يقارب ست سنوات، وفي الحادث توفيت امرأة في السيارة الثانية، وكان الخطأ على صاحب السيارة الثانية بنسبة خمس وسبعين بالمئة، ولم يقرر المرور عليه شيء؛ أي صاحب السيارة الأولى.
من هو صاحب السيارة الأولى؟ !
(2/880)
________________________________________
طالب: صاحب السيارة الثانية قال ( ... ).
الشيخ: طيب، لو صار عليه خمس وعشرون بالمئة ما قرروا عليه شيء؟
الطالب: نعم.
الشيخ: كيف؟ لعله يتصل بي ويصف الحادث؛ عشان نشوف.

***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى:
وإن باعه دارًا على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر أو أقل: صح، ولمن جهله وفات غرضُه: الخيارُ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
رجل باع سيارته وأجَّر بيته بمئة ألف ريال، فما تقول؟
طالب: يصح العقد.
الشيخ: عقدان.
الطالب: مشترك، إن جمع بين عقدين ما فيه شيء حتى على المذهب.
الشيخ: يصح؟ توافقونه على هذا؟
طالب: على المذهب: لا.
الشيخ: نعم، قال: بعتك سيارتي وآجرتك بيتي بمئة ألف ريال، هل يصح أو لا؟ خالد يقول: يصح حتى على المذهب. وعبد الله يقول: لا يصح على المذهب. ما تقولون؟
طالب: المذهب: لا يصح.
الشيخ: المذهب: لا يصح، يعني توافق عبد الله؟
طالب: المذهب: يصح.
الشيخ: المذهب: يصح، توافق خالدًا.
طالب: جمع بين بيع.
الشيخ: اصبر، يصح ولَّا ما يصح؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح.
طالب: يصح.
الشيخ: يصح، الظاهر ( ... )، واحد يصح وواحد .. لعلنا نقطع الكلام.
المذهب: يصح، إذا جمع بين عقدَيْن بدون شرط فصحيح، إلا في الكتابة، وهذا مما يؤيد القول بصحة اشتراط العقد الآخر؛ لأنه إذا كان هذا مباحًا -أعني الجمع بين العقدَيْن- إذا كان مباحًا واشترطنا الجمع بين عقدين فقد اشترطنا أيش؟ حلالًا، يعني لم نشترط شرطًا يحلل الحرام أو يحرم الحلال.
قال: زوجتك بنتي وبعتك السيارة بمئة ألف؟
طالب: يصح ( ... ).
الشيخ: ها؟
الطالب: يصح.
الشيخ: يصح؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ما تقولون؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: زوجتك بنتي وبعتك السيارة، جمع بين بيع ونكاح.
طالب: صحيح.
الشيخ: صحيح؟
الطالب: صحيح.
الشيخ: لأنه بغير شرط؟
طالب: باطل، لا يرضاه الله.
(2/881)
________________________________________
الشيخ: لا. أقول: لأنه بغير شرط؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: فإن شَرَط؟
طالب: إذا اشترط -على المذهب- لا يصح.
الشيخ: لا يصح؛ لأنه جمع بين شرطين.
رجل اشترط عند بيع العبد أنه إن أُعْتِقَ فالولاء له، فما حكم البيع والشرط؟
طالب: لا يصح هذا الشرط، ويصح البيع.
الشيخ: يصح البيع دون الشرط، أعندك دليل؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ما هو الدليل؟
الطالب: ما روته السيدة عائشة من قصة بَرِيرة: أنها أرادت أن تشتريَها وتُعتقَها، واشترط أهلُها أن يكونَ الولاءُ لهم، وأمَرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تشتريَها وتُعتِقَها حتى وإنِ اشترطَتْ لهمُ الولاءَ، ثم قام النبيُّ صلى الله عليه وسلم خطيبًا وقال: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ .. ».
الشيخ: بس، قصة بَرِيرة حيث اشترط أهلُها أن يكونَ الولاءُ لهم، وباعوها على هذا الشرطِ (3)، فأبطل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الشرط دون؟
طالب: العقد.
الشيخ: دون العقد.
شرَط على المشتري ألا يبيعه؟
طالب: شرط على المشتري ألا يبيعه، لا يصح البيع.
الشيخ: لا يصح البيع؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ولا الشرط؟
الطالب: ولا الشرط.
الشيخ: ولا الشرط، نعم، المعارضون كثيرون.
الطالب: يصح البيع ولا يصح الشرط.
الشيخ: لا تخضع لكثرة الناس، هل يصح البيع والشرط؟ أو يصح البيع دون الشرط؟
الطالب: يصح البيع، ويبطل الشرط.
الشيخ: طيب، لماذا؟
الطالب: لأن تحجر على المشتري.
الشيخ: إي رضي بهذا، رضي بذلك.
الطالب: يناقض معنى البيع؛ لأن البيع معناه ينتقل الشيء إلى ملك المشتري وهو ( ... )، وهذا يناقض.
الشيخ: يعني يخالف مقتضى؟
الطالب: مقتضى العقد.
الشيخ: مقتضى العقد، طيب، هل هناك رأي آخر؟ فيه رأي آخر؟
طالب: نعم، إنه يصح الشرط إذا كان للبائع غرض صحيح.
الشيخ: مثاله؟
الطالب: مثاله: كأن يكون العبد غاليًا عند البائع، فاشترط عليه ألا يبيعه.
الشيخ: اشترط على المشتري.
الطالب: على المشتري.
الشيخ: ألا يبيعه.
الطالب: ألا يبيعه.
(2/882)
________________________________________
الشيخ: خوفًا من أن يبيعه على شخص.
الطالب: على شخص لا يُقَدِّرُه.
الشيخ: نعم.
الطالب: أو يهينه.
الشيخ: يؤذيه أو ما أشبه ذلك، وهذا هو الصحيح.
قال: بعتك إن رضي زيد؟
طالب: على المذهب: لا يصح، فيه قولان يا شيخ.
الشيخ: فيه قولان، كما قال؟
طلبة: ابن جِنِّي.
الشيخ: هل يصح البيع أو لا يصح؟
الطالب: لا يصح.
الشيخ: على المذهب: لا يصح، لماذا؟
الطالب: لأن فيه مجهولًا.
الشيخ: ها؟
الطالب: فيه ( ... ).
الشيخ: لا، ما هو مجهول، معروف، سيد صاحب الدكان، لكني قلت: إن رضي زيد؛ لأني أعرف أنه رجل يعرف السلع ويعرف أَقْيامَها.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: كيف؟ بعتك إن رضي زيد، وافرض أنه قال: بعتك إن رضي أبي، دعنا من زيد، إن رضي أبي.
الطالب: هذا ( ... ).
الشيخ: سؤال، والجواب تقول: لا يصح البيع، لماذا؟ اعلموا يا طلبة أنكم مطالبون -إذا قلتم: لا يصح البيع- مطالبون بإقامة الدليل على عدم الصحة؛ لأن الله قال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] فالأصل أن جميع البيوعات حلال، ها.
طالب: لأنه بيع معلق.
الشيخ: بيع معلق على أيش؟
الطالب: على شرط.
الشيخ: مجهول ولا معلوم؟
الطالب: مجهول.
الشيخ: مجهول؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: طيب لكن سيُعلم قريبًا.
الطالب: ولو، حالُ العقدِ مجهولٌ.
الشيخ: إي، هل عندك دليل على أن مثل هذا الشرط يكون مجهولًا ويبطل البيع به؟
الطالب: لأن الشرط مجهول يا شيخ؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بيعِ الغَرَرِ (7).
الشيخ: وهذا؟
الطالب: وهذا غرر.
الشيخ: وهذا من الغرر.
هل يكون هذا من الغرر إذا حُدِّدَ لمدة وقلت: إن رضي زيد في خلال يومين؟
طالب: لا.
الشيخ: لا يكون.
الطالب: لا يكون من الغرر.
الشيخ: وعلى هذا؟
الطالب: يصح صيغة البيع والشرط.
الشيخ: إذا؟
الطالب: حَدَّد المدة.
الشيخ: إذا حَدَّد المدة، كالخيار، كما لو قال: لي الخيار ليومين مثلًا. هذا القول هو الصحيح، والمذهب: لا يصح مطلقًا.
(2/883)
________________________________________
إذا قال: بعتك على أن تَنْقُدني الثمن إلى ثلاث وإلا فلا بيع؟
طالب: على أن تنقدني؟
الشيخ: بعتك على أن تنقدني الثمن -يعني تعطيني الثمن- في خلال ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع بيننا.
الطالب: صحيح.
الشيخ: يصح؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: كيف يصح؟ وشلون يصح؟
الطالب: يصح؛ لأنه اشترط عليه.
الشيخ: طيب، لكن يقول: وإلا فلا بيع بيننا.
الطالب: لا بيع؛ لأن له الفسخ.
الشيخ: إي، ما الفرق بين هذه وبين بعتك إن رضي زيد؟
الطالب: هذا معلق.
الشيخ: ودا؟
الطالب: هذا له الفسخ في العقد.
الشيخ: ودا معلق، لكن يعني هذا يمكن .. هذا معلق: إن نقدتك إلى ثلاث وإلا فلا بيع.
الطالب: لأنه حدد المدة.
الشيخ: طيب: إن رضي زيد إلى ثلاث.
الطالب: صحيح.
الشيخ: صحيح؟
الطالب: نعم.
طالب آخر: شيخ الفرق بينهما؛ الصورة الأولى: بيع معلق على الفسخ.
الشيخ: ما هي الصورة الأولى؟
الطالب: الصورة الأولى التي ذكرناها الآن: أن تنقدني الثمن خلال ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع بيننا.
الشيخ: هذا بيع أيش؟
الطالب: معلق على الفسخ.
الشيخ: بيع معلق على الفسخ؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: ما فهمنا هذا، كيف يصير بيعًا معلقًا على الفسخ وهو ما صار بيعًا؟
الطالب: ( ... ) يا شيخ.
طالب آخر: الأخير يا شيخ تعليق الفسخ.
الشيخ: اذكرها يا شيخ، ما فهمنا الأخير من الأول!
الطالب: نعم يا شيخ، بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث وإلا فلا بيع بيننا.
الشيخ: نعم.
الطالب: هذا تعليق الفسخ.
الشيخ: تعليق فسخ؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: وبعتك إن رضي زيد؟
الطالب: هذا تعليق ..
الشيخ: عقد.
الطالب: نعم.
الشيخ: تعليق عقد، هذا هو الفرق، فتعليق العقد لا يصح، وتعليق الفسخ يصح، هذا هو الفرق، وعرفتم تعليق العقد أن فيه خلافًا.
رهنه شيئًا وقال له: إن جئتك بالثمن في وقت حلوله وإلا فالرهن لك؟
طالب: لا يصح.
الشيخ: لا يصح؟
الطالب: على المذهب: لا يصح.
الشيخ: لماذا؟
(2/884)
________________________________________
الطالب: لحديث: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» (6).
الشيخ: طيب، وهل في هذا إغلاق وهو قال ذلك باختياره؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: وعلى هذا فيصح.
الطالب: يصح ( ... ).
الشيخ: يصح، يقول: أرهنه شيئًا وقال: إن جئتك بحقك في الوقت الفلاني وإلا فالرهن لك.
هل يفرق بين ما إذا كان الرهن كثيرًا -أكثر من القيمة- أو قليلًا؟
طالب: نعم يا شيخ.
الشيخ: هل يفرق؟
الطالب: نعم يفرق، إذا كان الرهن أضعاف أضعاف السلعة ( ... ) بالقهر فإنه لا يصح البيع.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأن هذا يا شيخ إغلاق.
طالب آخر: فيه غُبْن.
الشيخ: فيه أيش؟
الطالب: غُبْن كثير.
الشيخ: غُرْم كثير.
الطالب: غَبْن كثير.
الشيخ: غَبْن كثير، لكن هو راضٍ؛ صاحب الرهن الذي رهن هذا الشيء، هذا هو الذي يمكن أن نفسر به: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» (6). إذا علمنا أن الرجل تأخر لسبب قهري، وثمن الرهن كثير فهذا -لا شك- أنه لا يصح، أما إذا كان مساويًا -ثمن الرهن مساويًا للدَّيْنِ أو أقل- فالصحيح أنه جائز.
قال: بعتك بيتي بمئة ألف ريال إن شاء الله؟
طالب: يصح.
الشيخ: ها؟
الطالب: إن قال تبركًا بالمشيئة يصح.
الشيخ: يصح ولَّا ما يصح؟
الطالب: إن قال تبركًا بالمشيئة يصح على المذهب وغير المذهب.
الشيخ: طيب، كأنك تبغي تفصل، إن قاله تبركًا بذكر المشيئة صح البيع، وإنْ؟
الطالب: وإلَّا فعلى المذهب: لا يصح، والصحيح الصحة.
الشيخ: وإلا فعلى المذهب: لا يصح.
الطالب: والصحيح أنه يصح.
الشيخ: والصحيح أنه يصح، يعني كأن عندكم قاعدة كلما صار أشد فهو المذهب.
الطالب: لا، لكن المذهب تعليق أي بيع تعليق العقود لا يصح إلا في مسألتين.
الشيخ: وهما؟
الطالب: المشيئة والعربون.
الشيخ: طيب، هذه مشيئة.
الطالب: إن شاء الله.
الشيخ: إي، بعتك هذا بمئة ألف ريال إن شاء الله. قال: قبلت.
الطالب: يصح، على المذهب وغير المذهب.
(2/885)
________________________________________
الشيخ: طيب، يصح على المذهب وغير المذهب؛ لأن التعليق بإن شاء الله إما تبرك وإما تعليل، ثم لْنعلمْ أنه إذا وقع العقد على مقتضى الشرع فقد شاءه الله؛ لأنه لا يفعل الإنسان فعلًا إلا بمشيئة الله، وعلى هذا فإذا قال: بعتك هذا الشيء إن شاء الله؛ فالعقد؟
طالب: غير صحيح.
الشيخ: العقد؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: من الذي قال: غير صحيح؟
طالب: يصح يا شيخ.
الشيخ: العقد صحيح.
استثنى المؤلف -رحمه الله- العَرْبون أو العَرَبون؟
طالب: نعم، العربون مثلًا: اتفقنا على شراء سلعة فيعطيني مقدمًا جزءًا من المبلغ ويقول: إن أخذت جاز لي البيع -مثلًا- أنقدك الثمن، وإلا فهو لك.
الشيخ: سمعتم العربون؟ يعطيه جزءًا من الثمن ويقول: إن تم البيع فهو أول الثمن، وإن لم يتم فهو لك، هذا يصح مع أنه معلق، وهو شبيه بتعليق الرهن الذي سبق، لماذا جاز وهو معلق؟
طالب: شيخ لأمرين.
الشيخ: ها.
الطالب: الأول: رضا المشتري، والثاني: أنَّ له مقابلًا، وهو نقص ثمن السلعة.
الشيخ: نعم.
الطالب: في حال الرد.
الشيخ: والدليل أيضًا: فِعْلُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، هذا دليل، وما ذكرتَه هو تعليل.
ثم قرأنا: (إن باعه وشرَط البراءة)؟
طلبة: نعم قرأناها.
الشيخ: قرأناها.
إذا باعه وشرَط البراءة من كل عيب ولم يُعَيِّنه، هل يبرأ أم لا؟
طالب: إن شرط البراءة؟
الشيخ: نعم.
الطالب: إن كان مثل سيارة يا شيخ.
الشيخ: ما نقول: إن كان مثل سيارة، نبغي نقول: إن كان مثل بعير بعد.
الطالب: له حالتان يا شيخ.
الشيخ: ها.
الطالب: إن كان المشتري ما يعلم بهذه السلعة، البائع لا يعلم بهذه السلعة: يجوز على الصحيح. إن كان يعلم بحالها ما يجوز.
الشيخ: إي، وعلى ما قال المؤلف؟ هل يبرأ؟
الطالب: لا، ما يبرأ.
الشيخ: لا يبرأ؟ أنت فاهم الصورة؟ قال: بعتك هذا الشيء بشرط البراءة من كل عيب، فقال: قبلت. هل يبرأ أو لا؟ نعم.
طالب: يبرأ إذا قال له بعد البيع، بعد العقد ..
(2/886)
________________________________________
الشيخ: هذه واحدة؛ إذا أبرأه بعد العقد برئ.
الطالب: إذا كان قبْل العقد لم يبرأ.
الشيخ: طيب، تفصيله، عبد الرحمن.
طالب: ما هو السؤال يا شيخ، لم أسمعه.
الشيخ: توافقه على هذا؟ إذا أبرأه بعد العقد فإنه يبرأ وإلا فلا.
الطالب: يُبرِئه المشتري.
الشيخ: إي المشتري يبرئه.
الطالب: يسقط ( ... ) عن نفسه.
الشيخ: ما تقولون؟
طالب: صحيح.
الشيخ: صحيح، طيب.
إذا عيَّن العيب، قال: بعتك هذه على أن فيها العيب الفلاني، وسماه، تصح البراءة ويبرأ؟
طالب: نعم يبرأ.
الشيخ: لأنه معلوم، طيب. هل هناك قول آخر في المسألة؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما هو القول الآخر؟
الطالب: قول شيخ الإسلام.
الشيخ: وهو؟
الطالب: هو إن كان البائع عالِمًا فالبيع صحيح، سواء كان الشرط قبل العقد أو أثناء العقد أو بعد العقد.
الشيخ: ها.
الطالب: وإذا كان البائع غير عالم فهو لا يصح، سواء قبل العقد أو في العقد أو بعد العقد.
طالب آخر: ( ... ) يصير العكس.
الشيخ: نعم، أَعِدْ، ماذا يقول شيخ الإسلام؟
الطالب: إذا كان البائع جاهلًا في هذه المسألة.
الشيخ: جاهلًا بالعيب.
الطالب: نعم.
الشيخ: فالشرط؟
الطالب: فالشرط غير صحيح سواء قبل أو بعد أو أثناء العقد.
الشيخ: إي.
الطالب: وإن كان عالِمًا فالشرط صحيح ( ... ).
الشيخ: اعكس تُصِب.
الطالب: شلون يا شيخ؟
الشيخ: أقول: اعكس تُصِب، إن كان البائع عالِمًا بالعيب فإنه لا يبرأ.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: خير إن شاء الله، على كل حال نقبل منك التراجع، إن كان عالِمًا فإنه لا يبرأ؛ لأنه غَش المشتري فيعامل بنقيض قصده، وإن كان جاهلًا؟
الطالب: فإنه يبرأ؛ لأنه لا يعلم.
الشيخ: فالبراءة صحيحة سواء أبرأه قبل العقد أو مع العقد أو بعد العقد، وهذا القول هو الذي رُوي عن الصحابة، وهو الصحيح، هذا هو القول الراجح؛ لأن الناس محتاجون إليه كثيرًا، كثيرًا ما يشتري الإنسان سيارة، وتبقى عنده يومًا أو يومين ثم يبيعها وهو لا يعرف ما فيها من عيب داخلي.
(2/887)
________________________________________
***
ثم قال المؤلف: (وإن باعه دارًا على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر أو أقل: صح).
(باعه دارًا) يعني: أو أرضًا، أو نحوها مما يُزرع (على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر): فالبيع صحيح، وإن بانت أقل فالبيع -أيضًا- صحيح، لكن إذا بانت أكثر فلِمَنْ تكون الزيادة؟
طالب: للمشتري.
الشيخ: تكون الزيادة للبائع؛ لأنه باعها على صفة معينة، وهي أنها عشرة أذرع، فبانت خمسة عشر ذراعًا، نقول: الزيادة للبائع، خذ من الخمسة عشر ذراعًا عشرة، وأعط البائع خمسة.
كذلك إذا بانت أقل؛ باعها على أنها عشرون ذراعًا فبانت خمسة عشر ذراعًا: فالبيع صحيح، والنقص على مَن؟
طالب: على المشتري.
الشيخ: على البائع، فيُسقَط من الثمن بمقدار ما نقص من الأذرع، والذي نقص من الأذرع؛ يعني إذا باعها على أنها عشرون فبانت خمسة عشر.
طالب: ينقص الخمس.
الشيخ: لا، الربع.
طالب: نعم.
الشيخ: الربع، فيُنقص ربع القيمة.
يقول: (صح) يعني والزيادة للبائع، والنقص على البائع.
(ولِمَنْ جهله وفاتَ غرضُه الخيارُ)، (لمن جهله): جهل المقدارَ، (وفاتَ غرضُه) له (الخيارُ).
فاشترط المؤلف شرطين لثبوت الخيار للمغبون:
مثال ذلك: اشترى إنسان هذه الأرض على أنها مئة متر، فتبين أنها تسعون مترًا، نقول: البيع صحيح؛ لأن البيع وقع على شيء معين معلوم بالمشاهدة، والتقدير اختلف، فيكون البيع صحيحًا، والتقدير: يُحاسَب مَن عليه النقصُ بقَدْرِه.
هذه باعها على أنها مئة متر فتبين أنها تسعون مترًا، نقول: البيع صحيح، وإذا كان باعها بمئة ألف ينقص من الثمن؟
طالب: عشرة آلاف.
الشيخ: عشرة آلاف، واحد من مئة.
طلبة: عشرة من مئة.
الشيخ: عشرة من مئة، نعم.
لكن إذا قال المشتري: أنا كنت أظن أن هذا التقدير صحيح، وأنا كنت قد خطَّطْتُ أن أَعْمُرَها عمارة أو فِلَّة على هذه المساحة، والآن لما نقصت لا أريدها، فهل له الخيار؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: نعم له الخيار؛ لأنه فات غرضه، فلما فات غرضه قلنا: لك الخيار.
(2/888)
________________________________________
فإن كان المشتري يعلم أنها تسعون مترًا فإنه لا خيار له؛ لأنه دخل على؟
طالب: علم.
الشيخ: بصيرة، وكان عليه أن يقول للبائع -حين قال: إنها مئة متر- أن يقول له؟
طالب: لا.
الشيخ: هذا غلط، بل هي تسعون مترًا.
فإذن الشرط؛ شرط ملْك الفسخ اثنان: الأول؟
طالب: الجهالة.
الشيخ: الجهل، والثاني؟
طلبة: فوات الغرض.
الشيخ: فوات الغرض، طيب.
فإن قال المشتري -الذي اشتراها على أنها مئة متر، فبانت تسعين مترًا- إذا قال: أنا أسمح بالعشرة. وقال البائع: أنا أريد أن أفسخ؛ لأنه تبين أن التقدير خطأ، فأريد أن أفسخ. فقال المشتري: أنا أسمح عنك. فهل يملك البائع الفسخ؟
الطلبة: لا.
الشيخ: لماذا؟
الطلبة: ليس له غرض.
الشيخ: لأنه ما له غرض الآن، الآن هو باعها كلها على أنها مئة متر، وتبين أنها أقل، وسُومِح بالناقص، فليس له غرض، إلا أحيانًا ربما تكون الأراضي قد زادت في هذه المدة، وأنها تساوي أكثر من مئة ألف، على أنها تسعون تساوي أكثر من مئة ألف، فيطالب البائعُ بالفسخ، ويقول: أنا ما دامَتْ نقصَتْ عمَّا قدَّرْنا حين العقد فأنا أريد أن أفسخ.
نقول: ليس لك أن تفسخ؛ لأنه ما عليك ضرر الآن، أنت بائع لي الأرض، نعم لو بعت عليَّ مئة متر من الأرض هذا شيء آخر، لكن بعت عليَّ الأرض على أنها أيش؟
طلبة: مئة.
الشيخ: مئة متر.
اشتراها على أنها مئة متر فتبين أنها مئة وعشرون، فقال المشتري: أنا أريد أن أفسخ؛ لأنها تغيرت عما قُدِّرَتْ به. فقال البائع: لك العشرون مجانًا، لا تعطني إلا الثمن الذي اتفقنا عليه، والعشرون لك مجانًا. فقال: لا، ما دام اختلف التقدير فلي الخيار. فهل له الخيار؟
طلبة: لا ( ... ).
الشيخ: لماذا؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: لأنه لا ضرر عليه، قد تنازل البائع عن الزيادة، فلا ضرر عليه.
(2/889)
________________________________________
فإذا قال المشتري: أنا قد قدَّرْتُ أن أبني فِلَّة قدْرُها مئة متر، والآن صارت مئة وعشرين، تزيد عليَّ المواد؛ لأنه يلزم أن أوسع الْحُجَر والغرف، فتزيد عليَّ قيمةُ البناء.
طلبة: ( ... ).
الشيخ: نقول له: اجعلها فُسحة. فإذا قال: حتى لو جعلتها فسحة ( ... ) يزيد عليَّ الجدار (السور)، نقول: طَلَّع الزيادة؛ خلِّه للناس مواقفَ ولَّا شارعًا. فإذن ليس عليه ضررٌ إطلاقًا، والمؤلف اشترط أن يفوت غرضُه، وهنا لا يفوت الغرضُ.
لو تراضيا على النقص أو الزيادة، تصالحا، هل يجوز أو لا؟
طلبة: نعم يجوز.
الشيخ: نعم يجوز؛ لأن الحق لهما، فإذا تصالحا على إسقاطه مثل أن قال: هي بعتُها على أنها مئة متر فتبينَتْ أنها تسعون مترًا، وتصالحا، قال: يسقط من الثمن كذا وكذا. واتفقا على ذلك فلا بأس.
عندي بالشرح صورة قد تكون مشابهة لها، ولكنها مخالفة لها في الحكم، قال: وإن كان المبيع نحو صُبْرة -يعني كومة طعام- على أنها عشرة أقفزة فبانت أقل أو أكثر صح البيع ولا خيار، والزيادة للبائع والنقص عليه.
سمعتم؟ عنده كومة طعام، قال: بعتك هذه الصُّبْرة على أنها مئة كيلو، فتبينَتْ أقل من مئة، تبينَتْ تسعين كيلو، يقول: البيع صحيح. وهذا كالأرض، لكن لا خيار للمشتري، ويُجبَر البائع على التكميل.
وإن بانت أكثر، قال: بعتك هذه الكومة من الطعام على أنها مئة كيلو، فتبينَتْ مئة وعشرين كيلو، فالبيع صحيح والزيادة لمن؟
طلبة: للبائع.
الشيخ: للبائع، فإذا قال المشتري -إذا أخذ الزيادة-: فأنا لي الخيار. يقول المؤلف: إنه لا خيار له.
والآن مَن الذي له الخيار في هذه المسألة؟ هل هو البائع ولَّا المشتري؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: البائع؛ لأن هو الذي عليه النقص، تبين أنها مئة وعشرون كيلو، فيقول البائع: أنا بآخذ الزيادة، فلي الخيار بين أخْذِ الزيادة وبين فسْخِ البيع. نقول: ليس لك الخيار أصلًا، الزيادة لك فخذها.
(2/890)
________________________________________
لكن ما هو الفرق؟ يقول: الفرق أن الأرض لا يمكن الزيادة فيها ولا النقص؛ يعني: لو باعه على أنها مئة متر وتبينَتْ تسعين مترًا، هل يمكن أن يأتي بمتر يضيفه إلى هذه التسعين؟
طلبة: لا.
الشيخ: لا يمكن، لكن الصبرة من الطعام يمكن يأتي بطعام آخر من جنس هذا الطعام ويكمل، وكذلك فيما إذا زاد:
لكن ينبغي أن يقال: إذا تبين أنها زائدة عن المقدَّر، وكان للمشتري غرَضٌ في نفس الصُّبْرة؛ يعني: هو مُقَدِّر أن هذه الصُّبْرة تكفي الضيوف اللي عنده، فإذا كان البائع يريد أن يأخذ الزيادة، فهي في نظر المشتري لا تكفي الضيوف، فهل نقول: إن هذا قد فات غرضُه فله الخيار؟
نقول: مقتضى القاعدة السابقة: أن هذا قد فات غرضُه، فيكون له الخيار؛ لأنها نقصَتْ، إلا إذا قال للمشتري: أنا أُكَمِّل لك من الجنس، فهنا لا خيار له.
طالب: إذا قال للبقال؟
الشيخ: إذا قال البائع للمشتري: أنا أُكَمِّل لك مئة الكيلو من جنس هذا الطعام. فهنا لا خيار للمشتري؛ لأن غرضه أيش؟ لا يفوت؛ لأن غرضه لم يفت.
طالب: شيخ، يبيع ( ... ).
الشيخ: اشتريت منه هذه الصُّبْرة على أنها مئة، وأنا في نظري تكفي الضيفان اللي عندي، فتبينَتْ مئة وعشرين، فقال البائع: أنا بآخذ الزيادة. فقد فات غرضُ المشتري الآن، فله الخيار. أما المذهب يقول: لا خيار له.
لا، المثال: إذا بانت أنقص؛ اشتراها على أنها مئة كيلو وأنها تكفي الضيوف اللي عنده، فبانت تسعين كيلو، المذهب يقولون: لا خيار للمشتري، ليش؟ لأنه إذا أتى البائع بجنس الطعام وكمَّل به المئة لم يفت.
طلبة: غرضه.
الشيخ: غرضه، لكن إن قُدِّر أنه فات غرضه بأن تأخر البائع عن التكميل، أو أتى بطعام دون الطعام الذي وقع عليه العقد فهنا يكون للمشتري الخيار.
طالب: شيخ، هذه مسألة الصُّبْرة، إذا كان المشتري ظن أنها مئة، والبائع وجدها مئة وعشرين.
الشيخ: نعم.
(2/891)
________________________________________
الطالب: قلنا شيخ: إنه كان يظن أن هذا يكفي الضيوف، ثم ذهب إلى مكان آخر ( ... ) لا بد أن يكون زيادة، ممكن له الخيار يا شيخ؟
الشيخ: كيف؟
الطالب: إذا ذهب إلى مكان آخر ..
الشيخ: لا، نحن ذكرنا إذا بانت ناقصة.
الطالب: والزايد؟
الشيخ: إذا بانت ناقصة.
طالب: يعني يا شيخ بالنسبة للفرق بين المسألتين، نقول يا شيخ: إن العقارات يدخل فيها الخيار، والمأكولات لا يدخل؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: كيف يا شيخ؟
الشيخ: لأنه ما يمكن زيادتها ولا نقصها العقارات.
طالب: شيخ، إذا باع رجل على آخر أرضًا وقال له: هذه الأرض -وحدَّدَها، ثم قال: - مساحتها كذا. فبعد أن اشتراها قاس المساحة فوجدها أكثر.
الشيخ: أكثر؟
الطالب: نعم، هل نقول: إنه باعها بِحَدِّها، ثم تحديدها بالمساحة هذا زائد ولا يثبت العقد؟
الشيخ: العقد صحيح.
الطالب: نعم، هل نقول: إنه لا خيار له؟ لأنه ..
الشيخ: مَن الذي لا خيار له؟
الطالب: لا خيار للبائع، لا يأخذ الزائد.
الشيخ: لا. يأخذ الزائد.
الطالب: باعه أرضًا وقدَّرها؛ قدَّر ..
الشيخ: يأخذ الزائد، ويكون للمشتري الخيار، نعم.
طالب: إذا باعه دارًا يا شيخ -مثلًا- بمئة، فبانت أكثر أو أقل ..
الشيخ: باعها بمئة على أنها؟
الطالب: أكثر أو أقل، يعني -مثلًا- عشرة.
الشيخ: باعها بمئة ريال، على أنها؟
الطالب: على أنها عشرة أذرع.
الشيخ: عشرة أذرع، طيب.
الطالب: طلعت أقل من عشرة أذرع.
الشيخ: نعم.
الطالب: وكان غرضه التجارة، أقصد البائع.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: ثم انخفض السعر.
الشيخ: نعم.
الطالب: فهل له الخيار؟ غرضه الآن التجارة.
الشيخ: نعم، إذا علمنا أنه إنما يريد التجارة بها، وأنها إذا نقصت عن العشرة تنقص قيمتها؛ لأن الناس لا يريدون إلا شيئًا من عشرة فأكثر: فله الخيار؛ لأن هذا فات غرضُه.
طالب: يعني إن شرط البائع، إن قال: أبيع عليك هذه السيارة.
الشيخ: نعم.
الطالب: بمئة ألف ريال، على أن أشتريها منك بمئة وعشرين ألف ريال بعد شهر؟
(2/892)
________________________________________
الشيخ: ما يجوز، هذا ربا.
الطالب: ليش؟ وجه الربا؟
الشيخ: لأنه بيأخذه بمئة وبعدين بيقول: بمئة وعشرين.
الطالب: يعني هو يقول: إني أريد أنتفع بهذا المال.
الشيخ: إي.
الطالب: وأعطي هذا السيارة ينتفع بها، ثم أنفعه بالعشرين ألف.
الشيخ: ما يصلح، ما يجوز.
الطالب: يعني نقول: وجه الربا يا شيخ؟
الشيخ: وجه الربا لأنه هو باعها بمئة، وقال: أبغي أشتري منك بمئة وعشرين.
الطالب: نعم.
الشيخ: هذا، هو يجوز يبيع مئة بمئة وعشرين؟
الطالب: يعني هذه تنطبق عليها الربا.
الشيخ: إي، حيلة.
طالب: شيخ، اشترى رجل صُبْرة من الطعام، وقال المشتري: هذه مئة كيلو، والرجل المشتري هذا عامي لا يعرف الكيلو، لكن الصُّبْرة هذه قدَّرها تكفيه للضيوف، فقال: اشتريت هذه الصُّبْرة، قال المشتري: هذه مئة كيلو. فلما اشتراها تبينت أنها مئة وعشرين كيلو، فقال البائع: أنا أريد أن آخذ العشرين. قال إن أخذت العشرين لم تكفِ للضيوف، فهل للمشتري الخيار؟
الشيخ: المذهب: ما له خيار.
الطالب: هو اشتراها على الصُّبْرة هذه، ولا يعرف الكيلو.
الشيخ: إي، ليش إنه يقبل؟
الطالب: يقبل على أنْ وقَّعَ العقدَ على هذه الصُّبْرة.
الشيخ: إي، أنا فاهم، لكن على أنها مئة كيلو.
الطالب: ما له خيار يا شيخ؟
الشيخ: ما له خيار.
الطالب: والعشرين ..
الشيخ: لكن ذكرنا نحن أن القول الصحيح أن له الخيار ما دام فات غرضُه، يعني العلة واحدة هي والأرض.
الطالب: ولكن هل يعذر بجهله؟
الشيخ: مَن؟
الطالب: المشتري.
الشيخ: لا، مسألة المعاملات ما يُعذر بالجهل، نعم.
طالب: قلنا: إن البائع إذا اشترط البراءة من كل عيب أنه إذا لم يعلم بالعيوب صحت البراءة، لكن لا يكون فيه غرر؟
الشيخ: نعم؟
الطالب: ألا يكون فيه غرر على المشتري؟
الشيخ: إي، المشتري يرضى بهذا، المشتري يبغي يُقَدِّر أنها كلها معيبة؛ لأن ما دام اشتُرِط عليه كل عيب مجهول يبغي يُقَدِّر أنها كلها معيبة.
(2/893)
________________________________________
الطالب: ممكن يضاف على ذلك كل البيوع التي فيها غرر كبيع السمك في الماء مثلًا؟
الشيخ: لا، هذا ما هو في ذات المبيع، هذا في وصف المبيع.
رجل باع شخصًا أرضًا على أنها ألف متر، فتبينت خمس مئة، فما حكم البيع؟
طالب: يصح البيع، إذا كان باعه عموم الأرض؟
الشيخ: إي، قال: هذه الأرض بعتك على أنها ألف متر، تبين أنها خمس مئة.
الطالب: للمشتري أن يأخذ النقص، الخيار للمشتري أن يأخذ النقص.
الشيخ: الآن البيع صحيح ولَّا غير صحيح؟
الطالب: صحيح.
الشيخ: يصح البيع، طيب هل له الخيار؟
الطالب: نعم.
الشيخ: للمشتري؟ مطلقًا؟
الطالب: لا، إذا كان ما يفوته غرضُه فليس له الخيار.
الشيخ: كيف يفوته غرضه؟
الطالب: مثلًا إذا كانت هذه الأرض تكفي للبيت الذي يريد أن يبنيه أو الشيء الذي يريده؛ فإن للبائع أن يعطيه النقص.
الشيخ: ما يقدر البائع، محدود بأراضي.
الطالب: البائع يعطيه من الثمن.
الشيخ: يعني يَسقط من الثمن، إذا قال: أنا قدَّرْت على أنها ألف لأبني عليها بناءً معينًا، والآن هي خمس مئة، لا أريدها إطلاقًا.
الطالب: له الخيار.
الشيخ: له الخيار، ماذا تقولون؟
طلبة: صحيح.
الشيخ: صحيح، نعم.
إذا كان عالِمًا، قال: بعتك هذه الأرض على أنها ألف متر، وهو يعلم -أي المشتري- أنها خمس مئة متر.
طالب: نعم.
الشيخ: هل له الخيار؟
طالب: ليس له الخيار.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: دخل على بصيرة.
الشيخ: لأنه دخل على بصيرة، ويؤخذ من قول المؤلف.
الطالب: (ولمن جهِل).
الشيخ: (ولمن جهِله وفات غرضُه الخيار).
***

[باب الخيار]
بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله:
(باب الخيار)
الخيار: اسم مصدر، وفعله: اختار، ولا نقول: إنه مصدر؛ لأن مصدر اختار: اختيارٌ، وكل كلمة تدل على معنى المصدر ولكنها لا تتضمن حروف الفعل فإنها تسمى؟
طالب: اسم مصدر.
(2/894)
________________________________________
الشيخ: اسم مصدر، مثل: (كلام) اسم مصدر للتكليم، (سلام) اسم مصدر للتسليم، (سبحان) اسم مصدر للتسبيح، وهَلُمَّ جَرًّا.
فما هو الخيار؟
الخيار هو: الأخذ بخير الأمرين، يقال: اختار، أي: أخذ بخير الأمرين فيما يرى.
والخيار -هنا-: الأخذ بخير الأمرين من الإمضاء أو الفسخ، سواء كان للبائع أو للمشتري.
قال: (وهو أقسام): أقسام ثمانية، وحُصِرَتِ الأقسام بثمانية بناءً على التتبع والاستقراء، أي: أن أهل العلم تتبعوا النصوص الواردة في الخيار، فوجدوا أنها لا تخرج عن ثمانية، أو أنهم حصروها في هذا الباب بثمانية وإن كان هناك أشياء فيها الخيار لم تُذكَر في هذا الباب، ومنها آخر مسألة في الفصل الذي قبل هذا، فإنها لم تُذكَر في باب الخيار.
يقول: (الأول: خيار المجلس) المجلس: موضع الجلوس، والمراد به -هنا-: مكان التبايع، حتى لو وقع العقد وهما قائمان، أو وقع العقد وهما مضطجعان، فإن الخيار يكون لهما، ويسمى: خيار مجلس؛ لأن المراد بالمجلس أيش؟
طلبة: مكان التبايع.
الشيخ: مكان التبايع، لا خصوص الجلوس.
قال: (يثبت في البيع)، لمن؟ للبائع والمشتري، ودليل ذلك قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (8)، وقوله: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (9)، هذا واحد.
قال المؤلف: (والصلح بمعناه) يعني: يثبت الخيار في الصلح الذي بمعنى البيع، فالضمير في قوله: (بمعناه) يعود على البيع، يعني الصلح الذي بمعنى البيع.
وذلك أن الصلح قسمان -كما سيأتي في بابه- أحد القسمين: ما كان بمعنى البيع، مثل: أن يُقِرَّ الإنسان لشخص بمئة صاع من البُر، ثم يصالحه -أي الْمُقَرُّ له- على هذه الأصواع بمئة درهم. هذه مصالحة بمعنى البيع؛ لأنها معاوضة واضحة، فالصلح بمعنى البيع يثبت به الخيار قياسًا على أيش؟ قياسًا على البيع.
(2/895)
________________________________________
كذلك يثبت في الإجارة، (وإجارة)؛ لأن الإجارة بيع منافع.
وهو أَقسامٌ:
الأَوَّلُ: (خِيارُ الْمَجْلِسِ) يَثْبُتُ في البيعِ، والصلْحِ بمعناه، وإجارةٍ، والصرْفِ والسَّلَمِ دونَ سائرِ العقودِ، ولكلٍّ من الْمُتبايعينِ الخيارُ ما لم يَتَفَرَّقَا عُرْفًا بأَبْدَانِهما , وإن نَفَيَاهُ أو أَسقطاهُ سَقَطَ، وإن أَسْقَطَه أحدُهما بَقِيَ خيارُ الآخَرِ، وإذا مَضَتْ مُدَّتُه لَزِمَ الْبَيْعُ.
الثاني: أن يَشترطاهُ في الْعَقْدِ مُدَّةً مَعلومةً , ولو طويلةً وابتداؤُها من العَقْدِ، وإذا مَضَتْ مُدَّتُه أو قَطَعَاهُ بَطَلَ ويَثْبُتُ في البيعِ، والصلْحُ بمعناه، والإجارةُ في الذِّمَّةِ أو على مُدَّةٍ لا تَلِي الْعَقْدَ، وإن شَرَطَاهُ لأَحَدِهما دونَ صاحبِه صَحَّ، وإلى الغَدِ أو الليلِ يَسْقُطُ بأَوَّلِه، ولِمَنْ له الْخِيارُ الْفَسْخُ ولو مع غَيْبَةِ الآخَرِ وسَخَطِه، والْمِلْكُ مُدَّةُ الخيارَيْنِ للمُشْتَرِي،
بسم الله الرحمن الرحيم
قال المؤلف رحمه الله: (باب الخيار).
(الخيار) اسم مصدر، وفعله (اختار)، ولا نقول: إنه مصدر؛ لأن مصدر (اختار): اختيار، وكل كلمة تدل على معنى المصدر ولكنها لا تتضمن حروف الفعل فإنها تُسَمَّى اسم مصدر، مثل: (كلام) اسم مصدر لتكليم، (سلام) اسم مصدر لتسليم، (سبحان) اسم مصدر لتسبيح، وهلم جرًّا.
فما هو الخيار؟ الخيار هو الأخذ بخير الأمرين، يقال: اختار، أي: أخذ بخير الأمرين فيما يرى.
والخيار هنا: الأخذ بخير الأمرين من الإمضاء أو الفسخ، سواء كان للبائع أو للمشتري.
(2/896)
________________________________________
قال: (وهو أقسام) أقسام ثمانية، وحُصِرَت الأقسام بثمانية بناءً على التتبع والاستقراء، أي أن أهل العلم تتبعوا النصوص الواردة في الخيار، فوجدوا أنها لا تخرج عن ثمانية، أو أنهم حصروها في هذا الباب بثمانية، وإن كان هناك أشياء فيها الخيار لم تُذكَر في هذا الباب، ومنها آخر مسألة في الفصل الذي قبل هذا، فإنها لم تُذكر في باب الخيار.
يقول: (الأول: خيار المجلس) (المجلس) موضع الجلوس، والمراد به هنا: مكان التبايع، حتى لو وقع العقد وهما قائمان، أو وقع العقد وهما مضطجعان، فإن الخيار يكون لهما ويسمى خيار مجلس؛ لأن المراد بالمجلس أيش؟ مكان التبايع، لا خصوص الجلوس.
قال: (يثبُت في البيع) لمن؟ للبائع والمشتري.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (1)، وقوله: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (2). هذا واحد.
قال المؤلف: (والصلح بمعناه)، يعني: يثبت الخيار في الصلح الذي بمعنى البيع، فالضمير في قوله: (بمعناه) يعود على البيع، يعني: الصلح الذي بمعنى البيع. وذلك أن الصلح قسمان كما سيأتي في بابه، أحد القسمين: ما كان بمعنى البيع، مثل: أن يُقِرَّ الإنسان لشخص بمئة صاع من البُر، ثم يصالحه -أي المقَرُّ له- على هذه الأصواع بمئة درهم، هذه مصالحة بمعنى البيع؛ لأنها معاوضة واضحة، فالصلح بمعنى البيع يثبت به الخيار قياسًا على أيش؟ قياسًا على البيع.
وكذلك يثبت في الإجارة (وإجارةٍ)؛ لأن الإجارة بيع منافع، فالرجل إذا آجَرَ آخَرَ بيتًا سنة بمئة فقد باع عليه منافع هذا البيت.
يثبت أيضًا في الصرف؛ لأن الصرف بيع، لكنه بيع خاص بالنقود؛ يعني: بيع ذهب بفضة هذا صرف، بيع ذهب بحديد ليس بصرف.
(2/897)
________________________________________
والعلماء رحمهم الله خصوا الصرف بباب وبأحكام؛ لأنه يختلف عن غيره من أنواع المبيعات، فلذلك نصوا عليه بخصوصه، وإلا فهو من البيع.
السلَم يثبُت به خيار المجلس. فما هو السلم؟
السلم أن يُسلِم الإنسان إلى البائع دراهم مع تأجيل السلعة، مثل أن يقول الرجل للفلَّاح: أريد أن أشتري منك ثمرًا بعد سنة أو سنتين بألف درهم، وهذه الألف درهم. هذا يُسمى سلمًا، ويسمى سلفًا، وكلاهما صحيح. أما تسميته سلمًا؛ فلأن المشتري أسلم الثمن، وأما تسميته سلفًا؛ فلأنه قدَّم، والسلف بمعنى المقدَّم، ومنه قولنا: السلف الصالح؛ لأنهم متقدِّمون.
قال المؤلف: (دون سائر العقود)، مثل: الرهن، الوقف، الهبة، المساقاة، الحوالة، العتق، وما أشبه ذلك، هذه ليس فيها خيار؛ وذلك لأن هذه العقود لا تخلو من حالين:
إما أن تكون من العقود الجائزة، فهذه جوازها يغني عن قولنا: إن فيها الخيار؛ لأن العقد الجائز يجوز فسخه حتى بعد التفرق.
هذه العقود اللي ما فيها خيار لا تخلو من حالين: إما أنها من العقود الجائزة، والعقود الجائزة لا تحتاج إلى خيار؛ لأن العقد الجائز متى شاء العاقدُ فَسَخَه، سواء في مجلس العقد أو بعده.
وإما أن تكون من العقود النافذة التي لقوة نفوذها لا يمكن أن يكون فيها خيار، مثل العتق والوقف.
طيب، نأخذ أمثلة هذا:
المساقاة: قيل: إنها عقد جائز، وعلى هذا لا خيار فيها؛ لأن المساقِي والمساقَى كلٌّ منهما له أن يفسخ.
أتعرفون المساقاة؟ المساقاة: أن يدفع الإنسان بستانه لشخص فلَّاح عامل، يقول: خذ هذا اعمل عليه ولك نصف ثمره. هذه يقول العلماء على المشهور من المذهب: إنها عقد جائز، فللعامل أن يفسخ، ولصاحب البستان أن يفسخ. إذن لا حاجة أن نقول: له خيار مجلس؛ لأن الخيار ثابت، سواء كانوا في مجلس العقد أو بعده.
الرهن: عقدٌ لازم من أحد الطرفين، وجائز من أحد الطرفين، فمَنْ له الحق فهو في حقه جائز، ومن عليه الحق فهو في حقه لازم.
(2/898)
________________________________________
مثاله: استقرضتُ من شخص مالًا، فطلب مني رهنًا، فأعطيته كتابًا. هذا الرهن من قِبَلي أنا لازم، ومن قِبَل صاحب الحق جائز؛ لأن له أن يفسخ الرهن، ويقول: خذ كتابك، ويبقى الدين في ذمتي دينًا مرسلًا.
العتق: لو أعتق الإنسان عبده، ثم في مجلس العتق هَوَّن، فسخ، ما تقولون؟ لا يصح؛ لقوة نفوذه. ومثله الوقف؛ لأن الوقف أخرجه الإنسان لله فلا خيار فيه، ومنه الهبة إذا قُبضت لا خيار فيها؛ لأنها ليست عقد معاوضة.
إذن يثبت خيار المجلس لكلٍّ من البائع والمشتري.
يقول المؤلف رحمه الله: (ولكل من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا عُرْفًا بأبدانهما).
لكل منهما الخيار ما لم يتفرَّقا، والدليل حديث ابن عمر: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (2)، فإن تفرَّقا فلا خيار، ولكن بماذا يكون التفرق؟ هل هو محدود شرعًا؟
يقول العلماء: إنه محدود عُرفًا؛ لأن الشرع لم يحدِّدْه، وكل شيء يأتي به الشرع من غير تحديد فإنه يُرجع فيه إلى العرف، كما قال الناظم:
وَكُلُّ مَا أَتَى وَلَمْ يُحَدَّدِ
بِالشَّرْعِ كَالْحِرْزِ فَبِالْعُرْفِ احْدُدِ

ولهذا قال المؤلف: (ما لم يتفرقا عرفًا بأبدانهما).
(2/899)
________________________________________
وإنما قال رحمه الله: (بأبدانهما) دفعًا لقول من قال: إن المراد بالتفرق التفرق بأقوالهما، وأن معنى الحديث: لكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يقع القبول من المشتري، فإن وقع القبول من المشتري فقد تفرقا بأقوالهما ولا خيار. لكن هذا القول ضعيف؛ لأنه لا يمكن يتم البيع إلا بالتفرق بالأقوال، فالبيع لا ينعقد إلا بالإيجاب والقبول، ومتى تم القبول قلنا: الآن وقع العقد، والحديث يقول: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ»، ولا حقيقة لتبايعهما حتى يحصل أيش؟ الإيجاب والقبول. فهذا القول ضعيف، لكننا أشرنا إليه؛ لأن المؤلف نص عليه، نص على قوله: (بأبدانهما) احترازًا من القول بأن المراد بالتفرق التفرق بالأقوال، وهذا ضعيف.
كيف التفرق عرفًا؟ ننظر، إذا كانا يمشيان من الجامع إلى المعهد العلمي، فباعه عند الجامع، وجعلا يمشيان إلى المعهد العلمي، وهذا المشي يستغرق كم؟
طالب: نصف ساعة.
الشيخ: لا، ما يستغرق نصف ساعة.
طالب: ثلث ساعة.
الشيخ: ثلث ساعة يمكن، على الأكثر، والناس يختلفون في المشي. هذان الرجلان إذا كانا يمشيان ويتحدثان، إي نعم، يمكن يكون نصف ساعة، وإن كانا يسرعان فأقل. فهل لهما الخيار حتى يتفرقا عند المعهد؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم، لهما ذلك، ما داما يمشيان جميعًا مصطحبين فلهما الخيار. فإذا دخلا أحدهما المعهد والآخر راح في شغله حصل التفرق.
إذا كانا في حجرة تبايعا، ثم خرج أحدهما من الحجرة إلى الحمام لقضاء الحاجة، فهل تفرقا؟
طالب: لا.
طالب آخر: نعم.
طالب آخر: ينظر.
الشيخ: تفرقا، كيف ما تفرقا؟ تفرقا.
طالب: ( ... ).
الشيخ: لو رجع، إذا رجع المجلس الأول انتهى، فهذان قد تفرقا.
(2/900)
________________________________________
إذا كانا في الطيارة متجهَينِ إلى محل بعيد مقداره ثلاث عشرة ساعة، في الطائرة، وتبايعا عند إقلاعها، ولا تهبط إلا بعد ثلاث عشرة ساعة. كم تكون مدة الخيار؟ ثلاث عشرة ساعة، له الخيار، ما داما لم يتفرقا. لكن حل هذه المشكلة: أن يتبايعا على أن لا خيار، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث: «فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» (2)، ومعنى ذلك أن يُسْقِطَا الخيار، يتبايعان على أن لا خيار. شوف، والله الآن المدة ستطول، وأنت إلى جنبي في الكرسي، ولكن ترى لا خيار بيننا؟ قال: لا بأس. إذن بمجرد الإيجاب والقبول أيش؟ يلزم البيع ولا خيار.
فإن لم يَنفياه في العقد، بعد مُضي عشر دقائق، قال: يا فلان، خلينا نقطع الخيار؛ لأنه خاف أن صاحبه يفسخ، قال: لعلنا نقطع الخيار، فقطعاه، يصح؟ يصح؛ لأن الحق لهما وقد أسقطاه، فإن أبى أحدهما لم يصح، لكن هل يسقط خيار الآخر الذي قال: سنسقط الخيار؟
الحديث: «أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ»، فإن خيَّر أحدهما الآخر، يعني: جعل الخيار له وحده، سقط خيار الذي أسقط خياره. والظاهر أن طلب إسقاط الخيار ليس إسقاطًا للخيار. أليس كذلك؟ هذا هو الظاهر.
وهنا مسألة: لو أنه خاف أن يفسخ البيع، فهل يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله؟
طالب: نعم، يجوز.
طالب آخر: لا.
الشيخ: اختلفتما على قولين، في مفارقته المكان إسقاط لحق أخيه الذي جعله الشرع له، فيكون هذا كالتحيُّل على إسقاط الشفعة بوقف الشقص المبيع أو ما أشبه ذلك. على كل حال هو تحيُّل على إسقاط حق أخيه.
(2/901)
________________________________________
فإن قال قائل: الحديث عام «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» ولا فيه التفصيل، قلنا: المراد التفرق الذي لم يقصد به إسقاط حق الآخر، فإن قصد به إسقاط حق الآخر فالأعمال بالنيات، ولهذا جاء في الحديث: «وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» (3). وتعليلها واضح، ففيها دليل وفيها تعليل.
قال المؤلف: (وإن نفياه)، كيف قال: (نفياه) من حيث التصريف، ولم يقل: نَفَواهُ؟
طالب: يائي.
الشيخ: يائي؟ أليس يقال: نفَوْا، كذا؟
طالب: واوي.
طالب آخر: نَفَوْا، واو الجماعة.
طالب: يائي، يا شيخ.
الشيخ: طيب، الآن السؤال عام: أليس يقال: (نَفَوْا كذا) بالواو؟
طالب: بلى.
الشيخ: كيف تقول: يائي؟
الطالب: ويقال: (يَنْفي).
الشيخ: ويقال: (يَنْفِي)، ويقال: (نَفَوْا).
الطالب: أصله (نَفَى).
الشيخ: أصله (نَفَى)، و (نَفَوا)؟
الطالب: (نَفَوا) اتصاله بواو الجماعة.
الشيخ: أحسنت، الواو هنا ليست واو الفعل، ولكنها واو الجماعة، ضمير.
على كل حال (إن نفياه) التعبير صحيح.
(إن نفياه) أي: نفيا الخيار.
وكيفية النفي أن يتبايعا على أن لا خيار بينهما، قال: شوف أنا بأبيع عليك لكن ترى ما بيننا خيار، قال: لا بأس، أقبل. فالخيار يسقط ويقع العقد لازمًا بمجرد الإيجاب والقبول، أي: بمجرد أن يقول: بعتك. فيقول: قبلت، ما فيه الخيار.
(أو أسقطاه سقط) أسقطاه متى؟ بعد العقد، يعني بعد أن تم العقد ومضى دقيقة أو دقيقتان أو عشر دقائق اتفقا على إسقاط الخيار، فإنه يسقط؛ التعليل؟ لأن الحق لهما، فإذا رضيا بإسقاطه سقط.
فإن قال قائل: إن هذا الشرط يُحرِّم ما أحلَّ الله؛ لأن الله أحلَّ لكل منهما الفسخ، فإذا شرطا أن لا خيار أو أسقطاه فهذا تحريم ما أحل الله.
قلنا: هذا التحريم ليس لحق الله، بل لحق الآدمي. وحق الآدمي الأمرُ فيه إليه، فإذا أسقطاه أو نفياه مع العقد، إن أسقطاه بعد العقد أو نفياه مع العقد فلا بأس.
(2/902)
________________________________________
طالب: بعض المحلات يكتب ورقة أن البضاعة المباعة لا تُرد، فإذا كان المشتري لا يعرف أن يقرأ، أو يعرف ولكنه غفل عنها واشترى، فهل يثبت له الخيار؟
الشيخ: هو -بارك الله فيك- لا يرد؛ هم يقولون: لا يرد بعد استلامه.
الطالب: نعم.
الشيخ: ما هو وأنت بالمكان.
الطالب: نعم، يعني هو اشتراها وخرج من المحل.
الشيخ: إي نعم، هذه تنبني على مسألة سبقت، وهي؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: شرط البراءة من العيب.
طالب: إن كان عالمًا.
الشيخ: هذه إذا وجد فيها العيب على المذهب ما له رد، على المذهب ليس له رد، والصحيح أنه إذا كان البائع عالمًا فله الرد.
طالب: وإن كانت سليمة من العيوب؟
الشيخ: إن كانت سليمة ما له يرد. هو بعد التفرق ليس له أن يردها سواء شرط أو لم يُشرط.
طالب: كان فيه صورة لا يوجد فيها مجلس عقد؛ البيع بالكمبيوتر، وهو أن يكون يعني مثلًا يعطيه السهم ببيعه بالكمبيوتر، فيتم الشراء عبر جهاز الكمبيوتر لشخص آخر لا يعرفه يكون حدد نفس السعر فيتفقا، خصوصًا أن هذا السعر مع هذا السعر مضروب مع السعر المعروف لبيع هذا السهم ويتم هذا بدون أي علم.
الشيخ: ويش هو يتم؟
الطالب: بدون أن يعلم.
الشيخ: بدون علم؟
الطالب: نعم.
الشيخ: كيف؟ ويش لونه؟
الطالب: يعني: ما فيه مجلس عقد لهذه الصورة، يعني مثلًا يكون فيه سهم يباع في الكمبيوتر.
الشيخ: سهم يعني؟
الطالب: سهم من الأسهم.
الشيخ: طيب، زين.
الطالب: فهذا السهم يدخل إلى الكمبيوتر على أساس أنه يرغب البائع ببيعه مثلًا بمئة ريال.
الشيخ: وليكن أنت.
الطالب: طيب، وليكن أنا وشخص آخر يكون موجود في ..
الشيخ: أنا بأشتريه منك.
الطالب: نعم، تكون موجودًا مثلًا في القصيم وأنا موجود في الرياض.
الشيخ: زين.
الطالب: فأُدخِل اسمك في الكمبيوتر أنك تريد يعني نفس هذا السهم بمئة ريال.
الشيخ: بدون علمي؟
الطالب: لا، أنت تعرف ( ... ).
الشيخ: يعني مثلًا قلت لصاحب الكمبيوتر: ضع اسمي بدل يوسف؟
(2/903)
________________________________________
الطالب: لا، أنت تقول: أريد أن أشتري سهمًا من الشركة الفلانية بملغ مئة ريال، وأنا صدفة أكون قلت: إني أريد أن أبيعه بمئة ريال، فتلتقيا هاتان الرغبتان في الكمبيوتر وتتم فورًا.
الشيخ: والكمبيوتر يدلي عن رغبتنا؟ ! !
الطالب: يعني: يسمون البيع، يعني: فيه ناس سياسيين على الشاشات.
الشيخ: إي، أحسنت، يعني فيه مدبرين له، إي.
الطالب: لكن هنا ما فيه مجلس عقد يا شيخ.
الشيخ: إي، ويش تقولون في هذا؟
طالب: صحيح.
الشيخ: هذه ذكرها العلماء، قالوا: إذا تَوَلَّى طرفَي العقد فمتى يكون الخيار؟ يقولون: ليس فيه خيار إذا تَوَلَّى طرفي العقد؛ لأنا لو قلنا: إنه له الخيار بقي البيع جائزًا؛ لأنه هو ما يمكن يفارق نفسه.
مثال تولي طرفي العقد: وكلتك أن تشتري لي الروض المربع ووكلك آخرُ أن تبيعه له، فقلت: اشتريت الروض المربع من فلان لفلان. فهنا تولَّى طرفي العقد، ولهذا عندنا في الشرح المفيد قال: (يستثنى من البيع الكتابة وتولي طرفي العقد). ولكن يظهر أنه لا يُسْتَثنى، وأن طرفي العقد فيه الخيار، ويكون المدار على مفارقة هذا الرجل للمكان الذي أمضى فيه البيع، يعني: مثلًا هو بنفسه –الوكيل- قال: اشتريت هذا الكتاب لفلان من فلان، ثم قام مشى راح، الآن لزم البيع، فالكمبيوتر مثله، الكمبيوتر يجعل مثل ذلك.
طالب: إذا فارق الكمبيوتر؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: يعني الكمبيوتر هو ( ... ).
الشيخ: لا، إذا فارق اللي أمضى، اللي يدبر الكمبيوتر هذا واللي أمضى العقد.
طالب: فارق من؟
الشيخ: إذا فارق المكان.
الطالب: من الذي فارق؟
الشيخ: هذا الوكيل؛ لأن القائم على الكمبيوتر وكيل للبائع وللمشتري.
الطالب: إذا فارق مكانه.
الشيخ: مكانه ( ... ).
***
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(2/904)
________________________________________
قال رحمه الله تعالى: وإن نَفَياه أو أَسْقطاه سَقَط، وإن أسقطَهُ أحدُهما بقي خيارُ الآخر، وإذا مضتْ مدتُه لَزم البيعُ.
الثاني: أن يشترطاه في العَقْد مُدةً معلومةً ولو طويلةً، وابتداؤُها من العقد، وإذا مضت مدتُه، أو قَطَعاه بَطَلَ، ويَثبتُ في البيع -والصلحُ بمعناه- والإجارةُ في الذمة، أو على مدةٍ لا تلي العَقْدَ، وإن شَرَطاه لأحدِهما دون صاحِبه صحَّ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سبق لنا ثبوت خيار المجلس للمتبايعين ودليله وبيان الحكمة منه، فما هو دليله؟
طالب: دليله حديث ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ تَفَرَّقَا فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» (4).
الشيخ: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ»؟
طالب: «فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ».
الشيخ: احفظ المتن.
طالب: حديث ابن عمر رضي الله عنه: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا».
الشيخ: نعم، «أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ»؟
الطالب: نعم، «فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ».
الشيخ: «فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ».
الطالب: «فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ».
الشيخ: «وَإِنْ تَفَرَّقَا».
الطالب: باقٍ؟
الشيخ: أو إلى آخره، ما فيه مانع.
طالب: «وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ».
الشيخ: ما الحكمة من خيار المجلس؟
طالب: إعطاء كل واحد من البائع والمشتري فرصة للتفكير ليَنظر هل الأصلح له الإقدام على ..
الشيخ: الإمضاء أو الفسخ.
الطالب: الإمضاء أو الفسخ.
(2/905)
________________________________________
الشيخ: نعم؛ لأن الإنسان قد يُقدم على السلعة شفقة أول ما يقدم، ثم بعد أن تباع تزول رغبته عنها، وهذا شيء مجرب؛ أن الشيء الذي ليس بيد الإنسان يجد الإنسان عليه شفقة وحبًّا له، فإذا أدركه وتمكن منه ربما تزول الرغبة.
***
قوله: (وإن نَفياه أو أَسْقطاه سَقَط، وإن أسقطَهُ أحدُهما بقي خيارُ الآخر) يعني: إذا تم العقد وقال أحدهما: أسقطتُ خياري، أو طلب منه الآخر أن يسقط خياره فأسقطه بقي خيار صاحبه. ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر: «فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» (4)، فدل ذلك على أنه يصح أن يسقط أحدهما الخيار عنه لصاحبه.
(وإذا مضت مدته لزم البيع) لو قال المؤلف رحمه الله: (وإذا تفرَّقا لزم البيع) لكان أولى؛ لموافقة الحديث لقوله: «وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ»، فالأولى في التعبير أن يقول: وإذا تفرقا لزم البيع.
وقوله: (لزم البيع)، أي: وقع لازمًا، ليس لأحدهما فسخه إلا بسبب. وهذه المسألة مجمع عليها، ومستند الإجماع قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ»، واللزوم هنا من الطرفين؛ يعني: يلزم من جهة المشتري ومن جهة البائع، وبهذا عرفنا أن البيع من العقود اللازمة؛ لأن العقود ثلاثة أقسام: لازمة من الطرفين، وجائزة منهما، ولازمة من أحدهما دون الآخر.
فاللازمة من الطرفين مثل البيع والإجارة، والجائزة من الطرفين كالوكالة، والجائزة من طرف واحد كالرهن، هو جائز من قبل المرتهِن لازم من قبل الراهن؛ لأن الراهن لا يمكنه أن يفسخ الرهن، أما المرتهن فله أن يفسخه.
ثم قال: (الثاني) أي: من أقسام الخيار (أن يشترطاه)، وليعرب لنا العقيلي هذه الجملة (الثاني أن يشترطاه)؟
طالب: (الثاني) مبتدأ ( ... ) صفة لموصوف محذوف.
(2/906)
________________________________________
الشيخ: ويش التقدير؟
الطالب: اسم الفاعل.
الشيخ: لا يحتاج أن نقول: صفة لموصوف محذوف؛ لأنه يحذف الموصوف وتقوم الصفة مقامه، فنقول كما قلت أولًا: (الثاني) مبتدأ ..
الطالب: جملة (أن يشترطاه) في محل خبر.
الشيخ: في محل خبر.
الطالب: خبر لأنها ( ... ).
الشيخ: جملة (أن يشترطاه) في محل أيش؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: إذن (أن يشترطاه) (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ، فنفهم من هذا، من قول المؤلف: (والثاني أن يشترطاه) أن هذا القسم خيار شرط، أي: الأصل عدمه إلا إذا اشتُرط؛ لأن إضافته إلى الشرط من باب إضافة الشيء إلى سببه، فهذا خيار الشرط.
(أن يشترطاه) الفاعل (المتبايعان)، والمفعول به الهاء، يعني: تعود على الخيار.
(أن يشترطاه في العَقْد مُدةً معلومةً) وقوله: (في العقد) في للظرفية، فيقتضي أن يكون هذا الشرط في نفس العقد، أي: في صلب العقد، وليس قبله وليس بعده. لكن تقييد ذلك في صلب العقد فيه نظر، وهو قول من الأقوال.
والقول الثاني: أنه يصح في صلب العقد وفي زمن الخيارين. والثالث: أنه يصح قبل العقد وفي صلب العقد وفي زمن الخيارين؛ لأن الحق لمن؟ لهما، فإذا اشترطاه ورضي كل واحد منهما بذلك فلا بأس، لو قال: أنا أشتري منك البيت لكن اجعل لي الخيار مدة شهر، فقال: لا بأس، ما فيه مانع، ثم قال: بعتك البيت بمئة ألف، فقال: قبلت. فهنا يصح الشرط؛ لأنه حقٌّ لهما وقد اتفقا عليه. وهذا مثل ما سبق لنا في الشروط في البيع.
إذن قول المؤلف: (في العقد)، يقتضي أنه لا يصح شرطه قبل العقد ولا بعد العقد، وظاهره ولو في زمن خيار المجلس أو الشرط.
(2/907)
________________________________________
ولكن الصحيح ما سمعتم؛ أنه يصح قبل العقد ومع العقد وبعد العقد، لكن في زمن الخيار، إما خيار الشرط وإما خيار المجلس. لكن كيف خيار الشرط؟ خيار الشرط يُدخِل شرطًا على آخر، مثل أن يقول: اشتريت منك هذا البيت ولي الخيار ثلاثة أيام، قال: نعم، فلما صار اليوم الثالث قال: أريد أن أمدِّد الخيار إلى ستة أيام، فقال: لا بأس، له ذلك؛ لأن العقد لم يلزم الآن، لأنه لا يلزم إلا بعد انتهاء مدة الخيار.
قال: (مدة معلومة ولو طويلة) قوله: (مدة معلومة)، علم من هذا أنه لا بد أن تكون المدة معلومة، بأن يقول: إلى دخول شهر رجب، هذه معلومة إلى وقت الحصاد، إذا كان حصاد معلومَ المدة يصح على القول الراجح، والمذهب أنه لا يصح؛ لأن الحصاد يختلف، من الناس من يحصد مبكرًا، ومنهم من يحصد متأخرًا، والصواب أنه يصح، إلى قدوم زيد؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح، لماذا؟
الطلبة: مجهول.
الشيخ: لأنه مجهول، فإن كان زيد قد قرر القدوم في يوم الجمعة التالي، فإنه لا يصح؛ وذلك لأنه قد يعتريه مانع ولا يقدم في هذا اليوم.
وقوله: (مدة معلومة ولو طويلة)، يعني: لو فرض أنه جعل خيار الشرط لمدة شهر أو سنة أو سنتين فلا بأس.
وظاهر كلام المؤلف: حتى فيما يفسد قبل تمام المدة، مثل أن يشتري منه بطيخًا وقال: لي الخيار لمدة أسبوع، كيف هذا؟
طالب: ما يصح.
الشيخ: يبقى البطيخ؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: يصح، فإذا خيف فساده بيع، ثم إن أُمْضِي البيع فالقيمة للمشتري، وإن فسخ البيع فالقيمة للبائع ويرجع المشتري بثمنه. هكذا قالوا.
ولكن لو قيل: إنه إذا شُرط الخيار في شيء يفسد قبل تمام المدة، لو قيل: إنه لا يصح لكان له وجه، لماذا؟ لأنه إذا بيع فإن كانت القيمة أكثر فسوف يختار؟
طلبة: ( ... ).
الشيخ: فسوف يختار المشتري الإمضاء، وإن كانت أقل فسوف يختار الفسخ، وحينئذ يكون ضررًا على أحد الطرفين.
(2/908)
________________________________________
ثم قال المؤلف: (وابتداؤها من العقد) (ابتداؤها) يعني: ابتداء مدة الخيار (من العقد)؛ لأنها شُرِطت في العقد فيكون ابتداؤها من العقد، فإذا عُقد في تمام الساعة الثانية عشرة عند زوال الشمس، وجُعل الخيار يومًا، انتهاؤه متى؟ إذا جاءت الساعة الثانية عشرة من اليوم التالي.
ألا يقال: ابتداؤها من التفرق؛ لأن ما قبل التفرق ثابت بالشرع لا بالشرط؟ الخيار الذي قبل التفرق ثابت بالشرع لا بالشرط؟
فيقال: بل من العقد؛ لأنه لا يمنع أن يتوارد سببان على شيء واحد، فيكون هذا -أي ما بين العقد والتفرق يكون- ثابتًا بالشرع وأيش؟ والشرط، ولا مانع. نعم إن قال: لي الخيار ثلاثة أيام بعد التفرق فحينئذٍ يكون ابتداؤه من التفرق.
على أنه لو قال قائل: إنه إذا قال لي ثلاثة أيام من التفرق لم يصح، لو قال قائل: إنه لا يصح؛ لأن التفرق أمده مجهول، فيكون الأمد الذي قُيِّد ابتداؤه به مجهولًا، لكن مثل هذا يُتسامح فيه؛ لأن الغالب أن التفرق يكون قريبًا.
يقول: (ابتداؤها من العقد).
أرأيتم لو شُرِطَ الخيار بعد العقد بساعة وهما في مكان البيع، فهل تبتدئ المدة من العقد أو من حين اشتُرط؟
نقول: من حين اشتُرط، لكن المؤلف قال: (من العقد)؛ لأنه يرى أن خيار الشرط إنما يكون في صلب العقد، ولهذا قال: (ابتداؤها من العقد).
(وابتداؤها من العقد، وَإِذَا مَضَتْ مُدَّتُهُ) أي: مدة الخيار خيار الشرط، (أو قطعاه بطل).
قوله: (إذا مضت مدته .. بطل)؛ لأن (بطل) هذه جواب الشرط للمسألتين كلتيهما؛ يعني: المسألة الأولى (إذا تمت مدته)، والثانية (إذا قطعاه)، ولا يصح أن نقول فيما إذا مضت مدته: إنه بطل؛ لأنه تمت المدة ومضت على أنها صحيحة، ولو قال: إذا مضت مدته لزم البيع وإن قطعاه بطل، لكان أحسن؛ لأن بطلانه بعد تمامه لا وجه له، لكن قد يُعتذر عن المؤلف رحمه الله بأنه أراد بذلك الاختصار.
(2/909)
________________________________________
كذلك أيضًا لو قطعاه؛ يعني: في أثناء المدة اتفقا على إلغاء الشرط، يعني إلغاء الخيار، فإن ذلك صحيح؛ لأن الحق لهما، مثل أن يقول: اشتريت منك هذا الشيء ولي الخيار لمدة شهر، وفي أثناء الشهر قالا: نريد إلغاء هذا الشرط، حتى يكون لنا التصرف تصرفًا كاملًا فلا بأس.
والمثال واضح، يعني: بعت هذا البيت على رجل بمئة ألف والخيار لمدة شهر، بعد مضي نصف الشهر جاء إليَّ المشتري، وقال: نريد أن نقطع الخيار حتى أتصرف، -يقول المشتري: بما شئت- وأنت أيضًا تتصرف بالثمن، فوافق البائع؛ فإنه يلغو ويبطل، ووجه ذلك أن الحق لهما، فإذا أسقطاه سقط ولا محذور في إسقاطه.
قال: (ويثبت في البيع) وسبق أن خيار المجلس يثبت أيضًا في البيع، ويثبت أيضًا في (الصلح بمعناه). وقد سبق أيضًا معنى (الصلح بمعناه)، وهو الصلح على إقرار، مثل أن يُقِر له بعين أو بدَين، ثم يصالحه على بعضه أو على عين أخرى، أو ما أشبه ذلك؛ فهذا صلح بمعنى البيع.
قال: (والإجارة في الذمة أو على مدة لا تلي العقد).
(الإجارة في الذمة) بأن يؤجره على خياطة ثوب، يقول: خُطْ لي هذا الثوب بعشرة ريالات. هذه إجارة في الذمة، على عمل في الذمة. فقال: نعم، لكن لي الخيار لمدة يومين. فالشرط صحيح؛ لأنه لا محظور فيه؛ إذ إن هذا إجارة على أيش؟ على عمل، والعمل يثبت في الذمة.
أما إذا كان (على مدة) بأن قال: أجَّرتك هذا البيت بمئة ريال سنةً من الآن. فها المدة نقول: فيها تفصيل؛ إن كانت تلي العقد فإن خيار الشرط فيها لا يصح، وإن كانت لا تلي العقد فإنه يصح.
إذا كانت الإجارة على عمل جاز فيها خيار الشرط؛ مثاله: استأجره على أن يخيط له ثوبًا، استأجره على أن يحمل له متاعًا إلى مكان معين، له الخيار، يجوز أن يشترط فيه الخيار-يعني خيار شرط- لمدة يوم أو يومين ولا ضرر في ذلك.
(2/910)
________________________________________
إذا كان على مدة ففيه تفصيل؛ إن كانت المدة تلي العقد لم يصح فيها خيار الشرط، وإن كانت لا تلي العقد صح فيها خيار الشرط. مفهوم؟
ما هو مفهوم، الإجارة على عمل فهمتموها ولَّا ما فهمتموها؟ قال: أريد أن تبني لي هذا البيت، أريد أن تحمل لي هذا المتاع، أريد أن تخيط لي هذا الثوب، أريد أن تغسل لي هذا الثوب، مثلًا.
طالب: ( ... ) يا شيخ.
الشيخ: هذا جائز، يقول: اتفقنا على هذا على أنه لي الخيار لمدة يوم أو يومين. ما فيه مانع؛ لأنه ليس فيها ضرر ولا تفوت المنفعة ولا فيها محذور إطلاقًا.
إذا كان على مدة نظرنا؛ إن كانت المدة تلي العقد؛ يعني: من العقد، فخيار الشرط فيها لا يصح، وإن كانت لا تلي العقد جاز خيار الشرط بشرط أن ينتهي أمده قبل ابتداء المدة.
قال: أجَّرتك هذا البيت مدة سنة بمئة ريال. ابتداء المدة من العقد، ما دامت لم تُحَدَّد فابتداء المدة من العقد. قال: لا بأس لكن لي الخيار لمدة عشرة أيام. ما تقولون في هذا؟
طلبة: لا يصح الشرط.
الشيخ: هذا لا يصح فيه الشرط، لا يصح الشرط، وسيأتي التعليل، بس المهم نفهم الحكم أولًا.
مثال آخر: قال: أجَّرتك بيتي هذا لمدة سنة بمئة ريال، على أن تبتدئ المدة في أول يوم من رجب، والخيار بيننا إلى خمسٍ وعشرين من شهر جمادى الثانية، ونحن الآن الليلة الثانية عشرة، يجوز أو لا يجوز؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: لماذا؟ لأن ابتداء مدة الإجارة بعد انتهاء مدة الخيار، بعد انتهاء مدة خيار الشرط، وليس فيها ضرر.
عندنا الآن ثلاثة أمثلة: المثال الأول على عمل، والمثال الثاني على مدة من العقد، والمثال الثالث على مدة لا تلي العقد.
المثال الأول على عمل، مثاله؟
طالب: مثل أن يقول له: أجَّرتك، أو بيني وبينك إجارة بأن تحمل لي حطبًا.
الشيخ: تحمل لي الحطب إلى بيتي، أجَّرتك أن تحمل لي الحطب إلى بيتي، قال: لا بأس، وتم العقد على أن له الخيار لمدة يوم أو يومين، يصح ولّا ما يصح؟
الطالب: يصح.
(2/911)
________________________________________
الشيخ: يصح، توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم يصح؛ لأن هذا على عمل.
على مدة تلي العقد؛ يعني: ابتداؤها من العقد؟
إن كان قال له: أجَّرتك بيتي بمئة ريال من اليوم، وقال: ولي الخيار لمدة عشرة أيام. هذا لا يجوز.
لا يجوز. تمام. إذن لأن المدة -مدة الإجارة- من العقد.
المثال الثالث على مدة لا تلي العقد؟
طالب: أجَّرتك هذا البيت ( ... ).
الشيخ: أجَّرتك هذا البيت سنة.
الطالب: من مبتدأ الشهر وأن يكون ( ... ).
الشيخ: يصح؟ سمعتم كلامه؟ يقول: أجَّرتك هذا البيت سنة تبتدئ بعد شهر، على أن لي الخيار لمدة عشرة أيام. يجوز أو لا يجوز؟
طلبة: يجوز.
الشيخ: يجوز؛ لأن المدة ما تبدأ إلا بعد انتهاء مدة الخيار.
إن قال: أجَّرتك سنة تبتدئ بعد عشرة أيام ولي الخيار لمدة خمسة عشر يومًا، يصح أو لا؟
الطلبة: لا يصح.
الشيخ: لا يصح، صح؛ لأن خيار الشرط لا ينتهي إلا بعد ابتداء المدة، فماذا نصنع إذا دخل وقت الإجارة أو مدة الإجارة وهو في الخيار.
إذا قال قائل: ما هو السبب؟ لماذا لا يصح خيار الشرط في إجارة تبتدئ من العقد؟
قلنا: لأن هذا المستأجَر إما أن ينتفع به المستأجِر، وإذا انتفع به فما فائدة خيار الشرط؟ وإما ألَّا ينتفع فيبقى معطلًا، فيكون في هذا إضاعة مال، لا ينتفع به المستأجِر ولا المُؤْجِر، هذا هو التعليل؛ ولهذا لما كان هذا التعليل عليلًا، صار الصحيح أنه يجوز اشتراط الخيار، ولو على مدة تلي العقد، أو ولو في خيار لا ينتهي إلا بعد بدء المدة التي لا تلي العقد -اللهم افتح- معلوم ولَّا غير معلوم؟
الطلبة: نعم.
(2/912)
________________________________________
الشيخ: أجَّرتك مدة سنة بمئة ريال، ابتداؤها من اليوم، قال: نعم، لكن لي الخيار لمدة شهر. على كلام المؤلف لا يصح؛ لأنه مدة تلي العقد، لكن على القول الراجح يصح. المستأجر يسكن، يقول: اسكن، توكل على الله، العقد تم، اسكن. سكن، بعد مضي عشرين يومًا فَسَخَ الإجارة، نقول: لا بأس، افسخ الإجارة. طيب المدة عشرون يومًا؟ نقول: عليك أجرة المثل.
طيب، الآن لم يفت شيء لا على المستأجر ولا على المؤجر، وهذه قد تدعو الحاجة إليها، قد تدعو الحاجة إلى أن يستأجر هذا البيت لمدة سنة بكذا وكذا ويقول لي: أخرها لمدة شهر، يعني فيه احتمال البيت الآن يُعمر، ربما ( ... ) قبل الشهر، فما المانع؟
فالصواب أنه يصح خيار الشرط ولو على مدة تلي العقد أو على مدة تبتدئ قبل انتهاء وقت خيار الشرط، وإذا فسخ مَنْ له الخيار فإن المدة التي سكنها تقدَّر عليه بأجرة المثل.
إذن هل يثبت خيار الشرط في الإجارة؟ نقول: هذه لها أقسام أو أصناف:
الأول: أن تكون الإجارة على عمل، فماذا تقول؟
طالب: يجوز.
الشيخ: يجوز.
الثاني: أن تكون على مدة تلي العقد، يعني: ابتداؤها من العقد، يجوز؟
طالب: ابتداء العقد لا يجوز.
طالب آخر: على المذهب لا يجوز، والقول الراجح أنه يجوز.
الشيخ: خلونا نجيب على المذهب قبله علشان نعرف اللي مشى عليه المؤلف ثم ننظر.
على مدة لا تلي العقد وتنتهي مدة الخيار قبل ابتداء مدة الإجارة؟
طالب: جائز.
الشيخ: جائز، توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: على مدة لا تلي العقد، لكن فيها خيار شرط لا ينتهي إلَّا بعد دخول مدة الإجارة؟
طالب: لا ينتهي إلى بعد دخول مدة الإجارة؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: هذا على المذهب لا يجوز.
الشيخ: لا يصح، تمام.
(2/913)
________________________________________
طيب، إذن الآن نرجع إلى القول الراجح: القول الراجح أنه يجوز شرط الخيار في الإجارة على عمل أو على مدة تلي العقد أو على مدة لا تلي العقد، فإن كان على عمل فالأمر واضح، إذا كان على مدة لا تلي العقد وأمد الخيار ينتهي قبل دخول مدة الإجارة فالأمر أيضًا واضح ولا فيه إشكال، إذا كان على مدة تلي العقد أو على مدة تبتدئ قبل انتهاء مدة الخيار فهنا على المذهب لا يصح، والصحيح أنه يصح، ونقول: إن استمرا في العقد بدون فسخ ثبت في ذمته ما تم العقد عليه من الأجرة، وإن فسخ في مدة الخيار أُلْزِم بأجرة المثل في المدة التي سكن.
يقول رحمه الله: (أو على مدة لا تلي العقد).
سكت المؤلف عن أشياء مرت في خيار المجلس ولم يذكرها، مثل؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا.
طالب: الصرف.
الشيخ: الصرف، ذكر أنها تثبت في البيع ولم يذكر أنها تثبت في الصرف هنا. لماذا؟ قالوا: لأنه يُشترط في الصرف التقابض قبل التفرق، فشرط الخيار ينافي ذلك، ولكن الصحيح ثبوته في الصرف، ونقول: اقبضا قبل التفرق ويبقى بأيديكما على حسب ما اشترطتما، فإما أن تُمضيا البيع وإما أن تفسخاه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (5)، وقوله: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ» (6).
***
طالب: عندي إشكال في مسألة العربون؟
الشيخ: العربون راح وخليناه من زمان.
الطالب: بارك الله فيك، قلنا يا شيخ بأنه ( ... ) ثم قال: إنما أعطيته لما رجع في البيع أو في الشراء إنما أعطيته العربون هذا لربط كلام فقط.
الشيخ: ويش ربط كلام؟
الطالب: يعني: تكلمت معه حتى يمسك علي البضاعة هذه أو السيارة هذه لا يبيعها لغيري، ثم السيارة ( ... ).
الشيخ: ماذا تقولون في هذا؟
طالب: ما سمعنا يا شيخ.
(2/914)
________________________________________
الشيخ: يقول: هو أشكل عليه مسألة العربون، يقول: اشتريت سيارة وأعطيت إنسانًا عربون ألف ريال، ثم إن السيارة ما جادت لي فرددتها عليه، أقول: أعطني ألف الريال اللي أعطيتك، ليش يبقى له؟
ونحن نقول: إن هذا صحيح، وعندنا في ذلك أثر ونظر، لكن أخونا لعله فاته الأثر وفاته النظر. ما هو الأثر؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، الأثر عن عمر (7)، أنه فعل ذلك أو أجازه. النظر؟
طالب: وكذلك برضاه يا شيخ.
الشيخ: هه؟
الطالب: الرضا ( ... ).
الشيخ: لا يكفي الرضا بارك الله فيك؛ لأن الرضا حتى الربا يتراضون.
طالب: ( ... ).
الشيخ: إي نعم.
طالب: ( ... ) تأخير بيع السلعة؛ لأنه قد يدخل في تأخير بيعها؛ يعني: رفض المشتري لاشترائها ( ... ).
الشيخ: نعم، أن هذا من مصلحة الطرفين، هو من مصلحة الطرفين؛ أولًا: المشتري إذا تيسر له أن يفسخ البيع، هو لو كان إمضاء البيع خيرًا له لأمضاه، لكن يرى أن فسخ البيع خير له، فهو يرى أنه خير له، وكذلك البائع خير له أن يأخذ العربون لأن السلعة سوف تنقص، إذا تحدث الناس قالوا: والله هذا فلان اشتراها وردها، وردها مع أنه أعطى فيها عربونًا كثيرًا. قالوا: إذن معناه أنها غير صالحة إطلاقًا، ففيه أثر ونظر.
طالب: شيخ، نحن عرفنا فيما مضى أنهما إذا تبايعا مثلًا في الأرض وكانا في المجلس وقام أحدهما إلى دورة المياه فإن الخيار يعتبر خيار مجلس، انقطع، وأنهما إذا كانا في طائرة وطالت المدة فإنه لا ينقطع الخيار؛ خيار المجلس، لكن يقال: في الطائرة مثلًا دورة مياه، فلو دخل أحدهما إلى دورة المياه الموجودة في الطائرة ألا يكون هذا قطعًا للـ .. ؟
الشيخ: بلى، مثل دورة المياه في البيت.
طالب: صورة خيار الشرط في الصلح.
الشيخ: الصلح بمعنى البيع.
الطالب: نعم، لكن كيف مثاله؟ مثال ذلك يا شيخ؟
الشيخ: يقول مثلًا: صالحتك على ما في ذمتك من المال بكذا وكذا ولي الخيار لمدة يومين ثلاثة.
الطالب: الخيار على ماذا؟
(2/915)
________________________________________
الشيخ: على أني أمضي الصلح أو أُبقي حقي على ما هو عليه.
الطالب: أو قال بالسابق.
الشيخ: إي نعم، أقول: حقي السابق على ما هو عليه.
طالب: لماذا نقول هنا ( ... )؟
الشيخ: لأنه لما فسخ العقد ارتفع العقد من أصله، فلما ارتفع يعود إلى ( ... ).
الطالب: والتقسيط ما ( ... ).
الشيخ: ( ... )؛ لأنه لو قسطت معناه أني ألزمته بالعقد.
طالب: يا شيخ –بارك الله فيك- إذا علق -فيما قلتم- إذا علقها على الصوامع مثلما يفعلون الآن، أكثر المتبايعين يعلقه يقول: إذا صرفت الصوامع أعطيك. البيع جائز أو لا؟
الشيخ: ويش تقولون في هذا؟
طالب: ما فيه صوامع اليوم.
الشيخ: يقول: إذا أجل الثمن، ما هو خيار الشرط، هو يتكلم عن تأجيل الثمن، إذا أجَّله إلى أن يقبض من الصوامع.
طالب: مجهول.
طالب آخر: القبض معلوم ولّا؟
طالب آخر: مجهول، يا شيخ.
طالب آخر: صحيح.
الشيخ: هذا مجهول.
طالب: مجهول؟
الشيخ: أقول: هذا مجهول، فهمت؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: لكن إذا كان فقيرًا ليس عنده ما يوفي به وأجَّله إلى الصوامع فهذا صحيح؛ وذلك لأن الفقير لا يمكن مطالبته حتى يجد؛ {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]، فإذا كان البائع يعلم أن هذا الرجل فقير وأنه أجَّل إلى أن يستلم من الصوامع لفقره وعدم قدرته على الوفاء، صار ذلك جائزًا على القول الراجح الذي بيناه لكم فيما سبق.
طالب: ما تكون المسألة هذه يا شيخ مثل مسألة تأجيل السلم أو ضرب وقت السلم بحصاده أو الجذاذ؟
الشيخ: أيهما؟ مسألة القبض؟
الطالب: إي.
الشيخ: لا، الحصاد والجذاذ معلوم، بمعنى أنه يعرفون مثلًا في الشهر الفلاني يكون، لكن القبض من الحكومة يمكن يبقى سنتين ثلاثة أربعة.
( ... )
طالب: يا شيخ –بارك الله فيك- مسألة البيع من الصوامع أشكلت علينا؛ لأنه يا شيخ المزارع الآن معه سند بالقيمة وصرفِها من قبل الحكومة، فهو يؤجل إلى حين الصرف، مع أن الصرف شبه مؤكد.
الشيخ: شبه مؤكد؟
(2/916)
________________________________________
الطالب: نعم يا شيخ؛ لأنه معه يا شيخ ورقة مصروفة وموقعة من المالية، فما الذي يعني ... ؟
الشيخ: يا أخي فيه ناس الآن لهم سنتان ثلاثة ما صرف لهم.
الطالب: لكن يا شيخ المال له إلى الآن؟
الشيخ: لا، ما يصح، إلا مثل ما قلت: إذا كان فقيرًا فهو على أساس أنه معسر ويجب إنظاره.
طالب: لو أنيطت مدة الإجارة نهايتُها بحصاد زرع معلوم ( ... ) فتعطل هذا الحصاد لسبب أو لآخر، فما نهاية هذا الأجر، المدة ... ؟
الشيخ: هو أصله لو تعطل هذا الحصاد عند هذا الرجل ما تعطل عند غيره، ثم الحصاد ليس يُقيَّد بحصاد فلان؛ وقت الحصاد.
طالب: لو استأجره على أن يخيط له ثوبه وله الخيار لمدة يومين، الخياطة تكون خلال يومين أو بعد نهاية اليومين؟
الشيخ: لا، بعده، أصلًا ما يمكن يخيط حتى تتم المدة أو يفسخ.
طالب: ندفع ريالات في البنك ثم نأخذ شيكًا ونصرفه دولارات.
الشيخ: ما يصلح.
طالب: أموال كثيرة مثلًا، ( ... ).
الشيخ: ما يخالف، يُحَوَّل على أنه دراهم سعودية.
الطالب: يمنع.
الشيخ: يمنع! إذا كان ممنوعًا، فحينئذ ربما يتسامح فيه لأن الناس ما يمكنهم.
طالب: ما وضحت الصورة، أيش لون يا شيخ ما يجوز؟ ما وضحت هذه؟
الشيخ: ما هو بواضح الجواب؟
طالب: ( ... ).
طالب: يا شيخ، نحن قلنا على أساس أنه يعني جواز البيع فيما ينقطع به السعر ماذا لو قال شخص: بعت عليك شيئًا ثانيًا إذا وصل سعره إلى كذا، وهذا السعر يمكن ما يصل إلا بعد ستة أشهر ولّا كذا أو ربما ما يصل ( ... ) مزايدة؟
الشيخ: لا، ما يصلح، البيع يصلح في الحاضر الآن، أما لو قال: بما ينقطع به السعر بعد ستة أشهر، ما هو معلوم.
الطالب: أو ستة أيام.
الشيخ: المهم إذا كان بعد مدة يمكن أن يتغير بها السعر تغيرًا ظاهرًا ما يصح.
***
جزاه الله خيرًا، هذا جاء بالحديث.
طالب: لكن الحديث مش من الجريدة، الحديث مأخوذ، مصور تصويرًا.
الشيخ: كيف؟
الطالب: الحديث مش من الجريدة.
(2/917)
________________________________________
الشيخ: هذا يقول: ابن الحباب الجمحي والغلابي والمازني والزريقي قالوا: حدثنا القعني عن شعبة عن منصور عن ربعي عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» (8). قيل: به معنيان.
المعنى الأول: إذا لم تفعل شيئًا يُستحيى منه فاصنع ما شئت، وأما ما يُستحيى منه فلا تصنعه.
والقول الثاني: إذا كنتَ منزوعَ الحياء فاصنع ما شئت. والمعنى أن الذي يصنع ما شاء بدون أن يرجع إلى عقل أو شرع؛ هذا ليس عنده حياء.
طالب: ( ... ) الأمرين؟
الشيخ: كلاهما صحيح، ألَّا تفعل شيئًا يُستحيى منه، والإنسان الذي كل ما شاء ليس عنده حياء.
***
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
باب الخيار

ويَثبتُ في البيع -والصلحُ بمعناه- والإجارةُ في الذمة، أو على مدةٍ لا تلي العَقْدَ، وإن شَرَطاه لأحدِهما دون صاحِبه صحَّ، وإلى الغدِ أو الليلِ يَسقطُ بأَوَّلِهِ، ولمن له الخيارُ الفسخُ، ولو مع غَيْبةِ الآخَر وسخطِه، والْمُلْك مدَّةَ الخيارَيْنِ للمشتري، وله نماؤُه المنفصلُ وكَسْبُه، ويَحْرُم ولا يصحُّ تصرفُ أحدِهما في المبيع وعوضِه المعيَّن فيها بغير إذْنِ الآخَرِ بغير تَجْرِبة المبيع، إلا عَتْق المشتري.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هل خيار الشرط صحيح أو لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: الدليل؟
الطالب: الدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ» (4) نص الحديث، حديث ابن عمر.
الشيخ: طيب، هذا خيار المجلس.
الطالب: إي نعم، «أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ».
الشيخ: كيف وجه الدلالة من هذا؟
(2/918)
________________________________________
الطالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» دليل على جواز اشتراط الخيار، وعندها يكون هو ثابت بالنص ( ... ).
الشيخ: لما قال: «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» دلَّ على أنه إذا خَيَّر أحدهما الآخر بعد التفرق يصح، وهذا هو خيار الشرط.
دليل آخر؟
طالب: قوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ» (6).
الشيخ: وجه الدلالة؟
الطالب: وجه الدلالة أن هذا الشرط لا يعارض ( ... ).
الشيخ: ما الدليل أنه لا يعارض؟
الطالب: حديث عمرو بن عوف المزني: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» (5).
الشيخ: هل في القرآن ما يدل على ذلك؟
طالب: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
الشيخ: نعم، والأمر بالوفاء بالعقود يشمل الوفاء بأصلها وبوصفها وهو ما شُرط فيها.
هل يجوز شرط الخيار إلى مدة طويلة؟
طالب: نعم، إذا جددا العقد قبل انتهاء ( ... ).
الشيخ: كيف جددا العقد؟ اشترطا الخيار إلى مدة طويلة.
الطالب: إي نعم، يعني قبل الانتهاء إذا قال يعني: خيرتك ثلاثة أيام، قبل انتهاء الثلاثة أيام ...
الشيخ: مدة طويلة، ثلاثة أشهر.
الطالب: نعم، قبل انتهاء مدة التخيير أو الخيار ممكن يجددون.
الشيخ: أجب، قل: نعم أو لا، بس.
الطالب: نعم يا شيخ.
الشيخ: يصح إلى مدة طويلة. إذا كان الشيء لا يبقى هذه المدة كالبطيخ.
الطالب: ما يصح، يفسد.
طالب: يصح يا شيخ، لكن ينباع ويدفع القيمة.
الشيخ: صحيح، يباع وتحفظ القيمة ثم إن اختار فسخ البيع رجع بما دفع من الثمن، وإن اختار الإبقاء أخذ القيمة.
ما معنى قوله: (أو على مدة لا تلي العقد)؛ أنه يثبت في الإجارة على مدة لا تلي العقد؟
طالب: أي أنه إذا جعل الخيار في المدة ...
(2/919)
________________________________________
الشيخ: ويش معناها؟ (أو على مدة لا تلي العقد).
الطالب: إذا جعل الخيار.
الشيخ: لا.
الطالب: مثلًا إذا باع سلعة.
الشيخ: ما هي بيع، إجارة.
الطالب: نعم، إذا أجَّر مثلًا بيتًا واشترط أن له الخيار مثلًا مدة معينة، فيقول: تصح إذا كانت المدة التي تنفد فيها الإجارة لا في العقد.
الشيخ: طيب، مثاله؟
الطالب: مثاله إذا قال مثلًا له: أجَّرتك بيتي ولي الخيار ثلاثة أشهر على أن تنفد مدة الإجارة.
الشيخ: أجَّرتك بيتي سنة، ابتداؤها من دخول رمضان عام خمسة عشر وأربع مئة وألف، على أن لي الخيار إلى شعبان. يجوز؟
الطالب: إذا كانت قبل ( ... ).
الشيخ: أجَّرتك بيتي سنة ابتداء من أول يوم من رمضان على أن لي الخيار إلى أول يوم من شعبان. أيش تقول؟
الطالب: نعم، صحيح.
الشيخ: هذه المسألة تصح؟
الطالب: إي نعم يا شيخ، مدة لا تلي العقد.
الشيخ: لأنه على مدة لا تلي العقد. توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب، إذا كان على مدة تلي العقد؟
طالب: على المذهب لا يجوز، والقول الراجح ...
الشيخ: مثاله؟
الطالب: قال مثلًا: أجَّرتك بيتي لمدة سنة كاملة بمئة ريال ..
الشيخ: ابتداؤها من الآن.
الطالب: ابتداؤها من الآن، ولكن لي الخيار ( ... )، فعلى المذهب لا يجوز، والصحيح أنه جائز.
الشيخ: طيب، ما العلة أنه لا يجوز؟
الطالب: أنها تلي العقد.
الشيخ: إي، هذا الحكم. العلة؟ ليش ما تصح؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: تفويت المنفعة في هذه المدة.
الطالب: نعم، تعطيل المنفعة.
الشيخ: أو تعطيلها؛ لأنه إما أن تُعطل حيث إن الإجارة لم تتم وفيها الخيار، وإما أن يستوفيها قبل تمام الإجارة ولزومها.
كأن أخانا الذي أجاب أولًا يشير إلى خلاف في المسألة؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: إي، هو قال على المذهب، وعلى القول الراجح يقول: إنه يجوز.
الطالب: أي مثال؟ أنا ما فهمت بعد، المثال الذي هو قال، أي مثال؟ ما هي المسألة؟
(2/920)
________________________________________
الشيخ: الإجارة على مدة تلي العقد قال: إن الصحيح أنه يجوز فيها خلاف الشرط.
الطالب: إي نعم، هذا اللي رجحناه.
الشيخ: أنا ما أسأل مَن رجح.
الطالب: نعم فيه ( ... ).
الشيخ: على هذا التقدير إذا اختار فسخ الإجارة وقد مضى مدة الشهر مثلًا.
الطالب: عليه أجرة المثل.
الشيخ: ينفسخ العقد؟
الطالب: ينفسخ العقد، وعليه أجرة المثل.
الشيخ: ألا يمكن أن نقول: عليه من الأجرة في قسط الشهر؟
الطالب: على حسب يا شيخ العقد.
الشيخ: العقد قلنا: متى أجره ستة أشهر كل شهر بمئة، وله الخيار لمدة شهر.
الطالب: على حسب ما ( ... ).
الشيخ: طيب، لما مضى النصف شهر قال: هونت، فهل يُعطى عن نصف الشهر أجرة المثل أو يعطى نسبته من الأجرة؟ يعني: جزء من اثني عشر جزءًا.
الطالب: يعطى حصته.
الشيخ: يعطى حصته؟
الطالب: إي نعم.
طالب: يا شيخ، في هذه المسألة نقول: إنه إذا ( ... ).
الشيخ: هذا رأيك الذي أنت قلته البارحة، الدرس الأول.
الطالب: أنه إذا قلنا: إنه يُقَسط عليه العوض ففي هذه الحال نحن اعتبرنا العقد وأنفذناه، إذا قَسَّطنا عليه العوض من قيمة الإجارة.
الشيخ: يعني يكون فسخ العقد من حين اختيار الفسخ؟
الطالب: نعم.
الشيخ: وإذا قلنا: إن الفسخ يرفع العقد من أصله؟
الطالب: فلا يُقسَّط العوض.
الشيخ: فلا يقسط وله أجرة المثل. والمسألة خلافية.
هل يصح خيار الشرط فيما يُشترط فيه التقابض قبل التفرق؟
طالب: ( ... ).
طالب: الصحيح أنه يصح ويتقابضا، ثم بعد ذلك ( ... ) يتقابضا قبل التفرق.
الشيخ: الصحيح والصحة، بل اختار شيخ الإسلام رحمه الله أن الخيار جارٍ في جميع العقود حتى النكاح، يرى أنه يجوز فيه الخيار.

***
قال: (وإن شرطاه لأحدهما دون صاحبه صحَّ).
(إن شرطاه) أي: المتبايعان (لأحدهما) أي: للبائع أو المشتري، (دون صاحبه صح)، وسقط خيار الآخر.
(2/921)
________________________________________
ويدل لذلك ما سبق من أدلة جواز خيار الشرط مثل قوله: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (5)، ويدل عليه أيضًا حديث ابن عمر: «أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ» (2)، فما دام الحق لهما، وشرطاه لأحدهما دون الآخر فهو صحيح، وإن لم يشترطاه لأحدهما، ولا لهما، فما الحكم؟ ينفذ البيع، فلا خيار.
ثم قال: (وإلى الغد أو الليل يسقُط بأوله) يعني قال: لي الخيار إلى الغد، لي الخيار إلى الليل، (يسقط بأوله)؛ لماذا؟ لأن الغاية ابتداؤها داخل وانتهاؤها غير داخل، فإذا قال: (إلى الغد) لم يدخل الغد، ينتهي الخيار بطلوع الفجر.
(إلى الليل) لا يدخل الليل، ينتهي الخيار بغروب الشمس؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].
وقال بعض العلماء: يُرجع في ذلك إلى العرف، فإذا قال: إلى الغد، فيمكن أن يحمل على ابتداء السوق، وابتداء الأسواق في الغالب لا يكون من أذان الفجر؛ يكون من ارتفاع الشمس وخروج الناس إلى الأسواق.
وهذا هو الصحيح، الصحيح أنه يُرجع إلى العرف، فإذا كان عُرف التجار أنهم إذا قالوا: (إلى الغد)، يعني: إلى افتتاح السوق، فالأمد إلى افتتاح السوق، نعم إذا لم يكن هناك عرف أو كان العرف غير مطَّرد نرجع إلى اللغة، واللغة: الغد يبتدئ مِن؟
طالب: من أول الليل؟
الشيخ: من طلوع الفجر، ما هو من أول الليل، من طلوع الفجر.
(إلى الليل) إلى غروب الشمس، فإن قُدِّر أن هناك عرفًا يجتمع التجار فيه بعد العشاء، ويرون أن الآجال المؤجلة بالليل، يعني: جلسة ما بعد العشاء فإنه يتقيَّد به، وهذه قاعدة ينبغي أن نعرفها: أن المرجع فيما يتداوله الناس من الكلام والأفعال إلى العُرف، فإن لم يكن عُرفٌ أو كان العرف مضطربًا، رجعنا إلى اللغة، ما لم يكن للشيء حقيقة شرعية، فإن كان للشيء حقيقة شرعية، فهي مقدمة على كل الحقائق.
(ولمن له الخيار الفسخ ولو مع غيبة الآخر وسخطه).
(2/922)
________________________________________
يعني: الذي له الخيار سواء كان البائع أو المشتري أو هما، له الفسخ، سواء كان بحضور الآخر أو غيبته أو رضاه أو كراهته؛ لأن الحق له، فإذا تبايعا هذه الدار وجعلا الخيار لهما لمدة عشرة أيام، ثم إن أحدهما فسَخ، قال الآخر: أنا ما أرضى، أنا لي الخيار أيضًا، قال: وأنا لي الخيار، وفسخت. قال الثاني: أنا لم أفسخ ولا أرضى بذلك. فما الحكم؟ ينفسخ، ولو لم يرض الثاني.
هل يشترط علم الآخر بالفسخ؟ لا؛ لأن القاعدة الفقهية: أن مَن لا يُشترط رضاه لا يشترط علمه، وهذه قاعدة: كل من لا يشترط رضاه لا يشترط علمه. ولهذا يجوز للرجل أن يطلق زوجته وإن لم تعلم؛ لأنه لا يُشترَط رضاها، وإذا لم يشترط رضاها، فلا فائدة من اشتراط العلم.
يقول رحمه الله: (ولو مع غيبة الآخر وسخطه).
التعليل؟ تعليلان؛ لأن الحق له، والتعليل الثاني: لأنه لا يشترط علم صاحبه فلا يشترط رضاه. ولهذا يجوز أن يفسخ ولو مع غيبة صاحبه.
لكن هنا ينبغي أن يقال: يُشهِد على الفسخ، لئلا يقع النزاع بينهما، بين البائع والمشتري، فيحصل في ذلك فتنة وعداوة وبغضاء.
ثم قال رحمه الله: (والملك مدة الخيارين للمشتري).
(الملك)، ملك أيش؟ ملك المبيع، و (مدة الخيارين)، (الخيارين) يعني بهما: خيار المجلس، وخيار الشرط، (للمشتري)، وإن لم تتم مدة الخيار، هو للمشتري، له غنمه وعليه غرمه؛ ولهذا لو تلف ولو بدون تعدٍّ أو تفريط، فالضمان عليه، على من؟ على المشتري؛ لأنه ملكه، والدليل على هذا أمران: أثري ونظري.
(2/923)
________________________________________
أما الأثري: فقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (9)، فقوله: «مَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ»، يعني: من حين العقد؛ لأن البيع يتم بمجرد الإيجاب والقبول، «إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» فيكون لمن؟ للمبتاع الذي هو المشتري؛ لأن أصله، أي: أصل هذا المال -وهو العبد- ملك للمشتري بمجرد العقد. هذا هو الدليل، وعرفتم أن الدلالة فيه خفية جدًّا، ولهذا اختلف العلماء في هذه المسألة: هل الملك مدة الخيارين للبائع أو للمشتري أو في ذلك تفصيل؟
فقيل: إنه للبائع؛ لأن البيع لم يلزم بعد؛ إذ إنه لا يلزم حتى أيش؟ تتم المدة قبل الفسخ، وعلى هذا فيكون الملك للبائع.
وقيل: إنه منتظَر، فإن تبين الإمضاء فهو للمشتري، وإن فُسخ فهو للبائع. وهذا القول من حيث النظر قويٌّ، لكن قد يقال: إن الحديث مقدَّم على النظر، وهو أن الملك يثبت بمجرد البيع والشراء؛ يعني: بمجرد الإيجاب والقبول، فهذا هو الدليل الأثري.
أما الدليل النظري: فلأن هذا المبيع لو تلف لكان مِن ضمان من؟ من ضمان المشتري، وإذا كان من ضمانه فكيف نجعل عليه الغرم، ولا نجعل له الغنم؟ ! فالصحيح ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن الملك من حين تمام القبول بعد الإيجاب يكون للمشتري.
بقي علينا أن نقول: لمن النماء؟ النماء ينقسم إلى قسمين: متصل ومنفصل؛ فالنماء المنفصل للمشتري، والنماء المتصل للبائع؛ مثال ذلك: اشترى شاة بمئة درهم.
وله نَماؤُه الْمُنْفَصِلُ وكَسْبُه، ويَحْرُمُ ولا يَصِحُّ تَصَرُّفُ أحَدِهما في الْمَبيعِ وعِوَضِه الْمُعَيَّنِ فيها بغيرِ إذْنِ الآخَرِ بغيرِ تَجرِبَةِ الْمَبيعِ إلا عِتْقُ الْمُشْتَرِي، وتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فَسْخٌ لخِيارِه، ومَن ماتَ منهما بَطَلَ خِيارُه.
الثالثُ: إذا غُبِنَ في الْمَبيعِ غَبْنًا يَخْرُجُ عن العادةِ،
(2/924)
________________________________________
الملك من حين تمام القبول بعد الإيجاب يكون للمشتري.
بقي علينا أن نقول: لمن النماء؟
النماء ينقسم إلى قسمين: متصل، ومنفصل، فالنماء المنفصل للمشتري، والنماء المتصل للبائع.
مثال ذلك: اشترى شاةً بمئة درهم، واشترط الخيار لمدة شهر، هذه الشاة فيها لبن، يأخذ منها كل ليلة ما شاء الله من اللبن، فلمن اللبن؛ أللبائع أم للمشتري؟ اللبن للمشتري؛ لأنه نماء منفصل.
هذه الشاة سمنت وصار فيها لحم وشحم، فلمن هذا الشحم واللحم؟ للبائع؛ لأنه نماء متصل لا يمكن تخليصه من الأصل، فيكون تبعًا له، ويثبت في التابع ما لا يثبت في المستقل.
وقوله: (المنفصل وكسبه) (كسبه) كيف كسبه؟ إذا قُدِّر أن المبيع عَبْدٌ واشترط المشتري الخيار لمدة أسبوع، وفي هذا الأسبوع كسب العبدُ؛ صار حركيًّا يبيع ويشتري ويعمل، يكدح فكسب، كسب في مدة الأسبوع -مثلًا- ألف درهم، فلمن الألف؟ للمشتري؛ لأن الكسب نماء منفصل.
هذا العبد اشتراه وهو هزيل؛ لأنه يأكل وجبةً ويُحْرَم من وجبة عند بائعه، فلم يكن عليه لحم ولا وجه منير، جاء عند المشتري ووجد الرغد؛ ثريدًا وفاكهة وما شاء الله من الأكل وراحة بال، فانتفخ في خلال أسبوع، لمن هذا النماء؟
طلبة: للبائع.
الشيخ: يا إخواني، منين جاء يا جماعة؟
طالب: للمشتري.
الشيخ: من كد المشتري -بارك الله فيكم- هذا يقول: للمشتري، أنت فاهم؟ لمن؟
طالب: للبائع.
الشيخ: للبائع؛ لأنه تابع ولا يمكن فصله عن الأصل، هذا ما ذهب إليه المؤلف.
وعن الإمام أحمد رواية أن النماء المتصل لمن حصل في ملكه، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: هذا حصل من عمل المشتري الذي هو في ملكه، والخراج بالضمان؛ يعني: مَن عليه ضمان شيء فله خراجه، والنماء المتصل قد يكون أهم من المنفصل، فيكون للمشتري.
وإذا كان للمشتري فكيف العمل إذا فسخ البيع؟
طلبة: يُقَوَّم.
(2/925)
________________________________________
الشيخ: يُقوَّم حين العقد وهو هزيل مصفر الوجه، يمشي خطوة ويقف خطوة، وحين فُسخ البيع وهو نشيط أحمر أزهر سمين، الفرق نصف القيمة، تكون نصف القيمة لمن؟ للمشتري، لكن مشكلتنا إذا قال البائع: أنا لا أقبل أن تحملني شيئًا، خذ نماءك، نفعل كما فعل سليمان نقول: هات السكين، ولَّا ماذا نعمل؟ نقول: لا بد، يلزمه، إي نعم.
طالب: أحسن الله إليكم، في مسألة: من باع عبدًا له مال، قلنا بأن المال نماء منفصل، فيكون للمشتري، لكن قول النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (1)، والبيع لم يتم حتى الآن، فما كسبه العبد قبل انتهاء مدة الخيار وفسخ البيع فهو للذي باعه دون المشتري؟
الشيخ: هذا ما فيه الخيار، هذا ليس فيه الخيار، الحديث ليس في الذي فيه خيار، وهذا المال قد كسبه العبد قبل أن يبيعه البائع.
الطالب: صحيح -يا شيخ- أحسن الله إليك، لكن ما يمكن الصورة الثانية تدخل؟
الشيخ: لا.
الطالب: ما ينفع.
الشيخ: لأن هذا الكسب كسبه بعد عقد البيع.
طالب: إذا علل الشرط -يا شيخ- مثلًا قال: أبيعك هذه السلعة، ولي الخيار عشرة أيام؛ لأني قد أحتاجها، ثم ما احتاج السلعة، ولكن ارتفع سعرها؛ يعني بدلًا من مئة صارت ألفًا، هل يجوز له الرجوع؟
الشيخ: إي نعم، ما لم يعلم أن البائع وافقه على ذلك من أجل الحاجة، فهنا يحتاج إلى إذنه.
طالب: شيخ -بارك الله فيك- قلنا: إن الإجارة التي تلي العقد أنها تجوز، وإذا اختار الفسخ فإنه ( ... )؟
الشيخ: لا، عليه أجرة المثل.
الطالب: عليه أجرة المثل.
الشيخ: نعم.
الطالب: طيب يا شيخ، لو كان هذا القول مصلحة ( ... ) فلو جلس -مثلًا- شهرًا في مدة الخيار ( ... ).
الشيخ: طيب، إذا قلنا بأجرة المثل، أجرتها في هذا الموسم ممكن تقابل أجرتها كل السنة.
الطالب: نعم يا شيخ، لكن -مثلًا- ما ..
الشيخ: أنت فهمت الحين كلامي؟
الطالب: نعم.
(2/926)
________________________________________
الشيخ: يعني -مثلًا- قدرنا أنها بيت في مكة، وأنا لا أرى جواز الإيجار في مكة، لكن على رأي من يرى جوازها أجَّره سنة على أن له الخيار لمدة شهرين، ثم إنه عند دخول شهر المحرم اختار الفسخ، نقول له: اجعل عليه أجرة المثل، أجرة المثل للشهرين هذه تقابل أجرة السنة كلها، كما هو معروف في مكة.
طالب: عفا الله عنك، في مسألة العبد اللي مرت علينا ( ... )؟
الشيخ: أيش؟
الطالب: الثمن الذي ( ... )؟
الشيخ: إي نعم، يجي في الإبل وفي البقر وفي الغنم.
الطالب: ولكن يا شيخ ( ... ) اللي فاسخ المشتري يقول: هذا ما ارتضاه ( ... ) عند المشتري واللي فسخ العقد البائع؟
الشيخ: كله واحد، سواء هذا أو هذا.
الطالب: ( ... )؟
الشيخ: اللي تعب المشتري.
الطالب: المشتري.
الشيخ: طيب؛ ولهذا نقول: النماء له، يثمنه على البايع.
الطالب: ولكن ( ... ).
الشيخ: لا، نقول: يسامحه، ما يمكن.
طالب: ( ... ) إذا علل بأنه محتاج ( ... ) للحاجة.
الشيخ: أخاف أن أحتاجه.
الطالب: نعم، ولكن الحاجة منتفية، انتفت الحاجة مدة الخيار، ولكنه فسخ لغلاء السعر أو لعلة غير العلة .. ؟
الشيخ: لا، هو الغالب أن المشتري يفسخ إذا رخص السعر.
الطالب: أو رخص السعر، لكن لعلة غير العلة اللي ذكرت.
الشيخ: طيب.
الطالب: قلنا: إنه يصح ..
الشيخ: ما لم نعلم أن البائع إنما وافقه لأجل سد حاجته.
الطالب: وإذا وافقه لأجل سد حاجته؟
الشيخ: ما يفسخ إلا لها.
الطالب: إلا؟
الشيخ: إلا لها، نقول: إذا انتفت الحاجة فلا خيار لك.
ياسر المولد: لم يتضح لي وجه دلالة حديث ابن عمر: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ» (2) على ما قاله المؤلف: إن الملك مدة الخيار للمشتري، ما ظهر له، من الذي ظهر له؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: ما نقول: خفية ولَّا بينة، بس من الذي ظهر له؟
طالب: أن الملك يتم بمجرد العقد.
الشيخ: إي، لكن ما وجه دلالته من الحديث؟
الطالب: ( ... ).
(2/927)
________________________________________
طالب آخر: لأنه دخل ماله في ملكه بالشرط ( ... )، وبهذا تبين أن العقد داخل بملكه المجرد.
الشيخ: تمام، واضح؟
طالب: ما سمعنا يا شيخ.
الشيخ: يقول: إن الرسول قال: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (2)، كونه ما يدخل المال للمشتري إلا بشرطه يدل على أن العبد قد دخل ملكه بدون شرط بمجرد العقد.

***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: وله نماؤُه المنفصلُ وكَسْبُه، ويَحْرُم ولا يصحُّ تصرفِ أحدِهما.
الشيخ: (تصرفُ).
الطالب: (تصرفُ أحدِهما).
الشيخ: لماذا قلنا (تصرفُ)؟
الطالب: فاعل.
الشيخ: فاعل، والفاعل يكون مرفوعًا.
طالب: تصرفُ أحدِهما في المبيع وعوضِه المعيَّن فيها بغير إذْن.
الشيخ: حَرِّك النون، بارك الله فيك.
الطالب: وعوضِه المعيَّنِ فيها بغير إذْنِ الآخَرِ بغير تجربة المبيع، إلا عَتْقَ المشتري.
وتصرفُ المشتري فسخٌ لخيارِه. ومن مات منهما بَطَلَ خيارُه.
الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إذا جُعِلَت مدة الخيار إلى الغد فمتى تنتهي؟
طالب: عند طلوع الفجر.
الشيخ: بدون استثناء؟
الطالب: بدون استثناء، على كلام المؤلف: إذا طلع الفجر تنتهي المدة، ولكن قلنا: القول الراجح أنه يرجع إلى عرف الناس.
الشيخ: نعم، فإذا كان عرف الناس أن الغد معناه فتح السوق والبيع والشراء جُعل إلى ذلك، تمام.
رجل له الخيار ففسخ بغير رضا صاحبه؟
طالب: يصح.
الشيخ: يفسخ بغير رضا صاحبه؟
الطالب: نعم.
الشيخ: بيِّن التعليل في هذا والقياس؟
الطالب: التعليل: لأنه ما لا يُشْتَرط رضاه لا يشترط علمه.
الشيخ: والحق؟
الطالب: والحق له.
الشيخ: والقياس؟
طالب: القياس هو ما لا يُشْتَرط علمه لا يُشْتَرط ..
الشيخ: لا.
(2/928)
________________________________________
الطالب: أما من حيث التعليل فهو أن الحق له.
طالب آخر: قياسًا على الطلاق.
الشيخ: قياسًا على الطلاق؛ فطلاق المرأة بيد الزوج، فإذا طلقها وقالت: أنا ما أرضى، تطلق رضيت أم لم ترضَ.
يقول العلماء: من لا يُشْتَرط رضاه لا يُشْتَرط علمه، ويش معنى هذه؟
طالب: أي أن من لا يشترط رضاه لا يشترط علمه، واضح.
الشيخ: عجيب!
طالب: الطرف الآخر إذا كان لا يُشْتَرط رضاه فلا يُشْتَرط علمه بالطرف الأول.
الشيخ: إي نعم، كل إنسان لا يُشْتَرط رضاه لا يشترط علمه؛ يعني: إذ إن علمه وعدمه سواء.
طالب: لأنه لا يُشْتَرط رضاه.
الشيخ: لأنه لا يُشْتَرط رضاه، سواء علم أم لم يعلم، حتى لو علم ماذا نستفيد؟ ما نستفيد شيئًا؛ لأنه سوف ينفَّذ العقد أو الفسخ رضي أم لم يرض.
ما الفرق بين النماء المتصل والمنفصل؟
طالب: النماء المتصل ( ... ) للبائع.
الشيخ: لا، ما الفرق بينهما؟ وأيش النماء المتصل وأيش النماء المنفصل؟
الطالب: النماء المتصل هو ما ينفصل عن ..
الشيخ: النماء المتصل هو ما ينفصل! ما يستقيم.
طالب: النماء المتصل هو ما ( ... ) المبيع، والنماء المنفصل هو ما ينفصل عن المبيع.
الشيخ: إذن المتصل ما لا يمكن انفصاله؟
الطالب: نعم.
الشيخ: والمنفصل؟
الطالب: والمنفصل ممكن انفصاله مثل اللبن، والثاني مثل الشحم واللحم.
الشيخ: طيب، صحيح كلامه؟
طالب: نعم، صحيح.
الشيخ: لمن النماء المنفصل في زمن الخيارين؟
طالب: للمشتري.
الشيخ: طيب. لو اشترى شاة حاملًا وفي أثناء الخيار وضعت؟
الطالب: ( ... ) النماء المنفصل.
الشيخ: منفصل؟ معناه أنه يكون له؛ يكون للمشتري؟
الطالب: ألَّا أن يشترطه المبتاع.
الشيخ: بدون شرط.
الطالب: إي نعم، يكون له.
الشيخ: طيب.
طالب: نعم -يا شيخ- يكون للمشتري لكن فيه .. ، وهذا -يا شيخ- تمثيل: إن كان الولد كبر حتى يبعد عن أمه فيكون هذا نماء منفصل؛ لأنه وإن كان ما زال صغيرًا لا يستطيع ( ... ) فهذا يُعْتَبر ركنًا منفصلًا.
(2/929)
________________________________________
الشيخ: طيب أسألكم: هل وقع العقد عليه؟
طالب: لا.
الشيخ: كيف؟ هي حامل، حين باعها حامل؟
طالب: نعم، وقع ..
الشيخ: وقع العقد عليه. إذن هل كان على ملك البايع ولَّا على ملك المشتري؟
طالب: المشتري.
الشيخ: لا، على ملك البائع؛ ولهذا لو ردها يرد الولد معها؛ لأن الولد قد وقع عليه العقد، وعلى هذا فيكون الحمل إن نشأ في زمن الخيار فهو نماء منفصل للمشتري، وأما إذا كان قد وقع عليه العقد فهو أحد المبيعين؛ ولهذا سيأتينا -إن شاء الله- في المصراة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوجب رد عوض اللبن الموجود حين البيع صاعًا من تمر (3)، وسيأتينا إن شاء الله.
اشترى رجل عبدًا فكسب في أثناء مدة الخيار فلمن الكسب؟
طالب: في أثناء مدة الخيار؟
الشيخ: إي نعم، هو اشترى العبد وجعل الخيار له مدة أسبوع، في هذه المدة كسب العبد؟
الطالب: نعم، للمشتري.
الشيخ: للمشتري؛ لأنه نماءُ؟
الطالب: لأنه نماء ملكه.
الشيخ: نماءُ ملكه، طيب.
***
بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما في البيع وعوض .. في المبيع) عندكم (في البيع) ولَّا (في المبيع)؟
طلبة: (في المبيع).
الشيخ: الصواب (في المبيع)، أنا عندي (في البيع)، والصواب (في المبيع). (في المبيع وعوضه المعين فيها بغير إذن الآخر).
قال: (ويحرم ولا يصح) فرتب على التصرف حكمين: التحريم والفساد؛ الأول يسمى عند الأصوليين حكمًا تكليفيًّا، والثاني يسمى حكمًا وضعيًّا؛ لأن عندهم ما ترتب عليه الثواب والعقاب أو انتفى عنه الثواب والعقاب فهو تكليفي، وما كان صحةً أو فسادًا أو شرطًا أو مانعًا فهو وضعي.
فقوله: (ويحرم ولا يصح تصرف) هل يعني ذلك أنه ربما يحرم الشيء ويصح؟
طالب: نعم.
الشيخ: مثل؟
طالب: تلقي الركبان يا شيخ.
(2/930)
________________________________________
الشيخ: نعم، تلقي الركبان والشراء منهم حرام، لكن البيع صحيح، فإذا أتى سيده السوق -أي البائع- فهو بالخيار؛ وذلك لأنه إنما حُرِّم من أجل مصلحة القادم؛ الراكب، فإذا كان بالخيار زال المحظور الذي يُخْشَى وهو غبنه.
قوله: (ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما) إلى آخره، فيه تنازع بين (يحرم) و (يصح) فأيهما يعمل؟ هنا يجوز هذا وهذا؛ لأن الضمير مهما كان ليس ضميرًا ظاهرًا وإنما هو مستتر.
وقوله: (تصرف أحدهما) يعني: البائع والمشتري، (في المبيع) المنتقل من .. أتم.
طالب: البائعين إلى المشترين.
الشيخ: من البائع إلى المشتري، (وعوضِه المعيَّن) المنتقل من؟ من المشتري إلى البائع.
المؤلف قيد العوض -الذي هو الثمن- بكونه معينًا؛ لأن الثمن الذي في الذمة يتصرف فيه المشتري كما شاء، فلو قال مثلًا: اشتريت منك هذه الساعة بعشرة ريالات، فالمبيع هنا معين ولَّا غير معين؟
طالب: معين.
طالب آخر: غير معين.
الشيخ: المبيع معين ولَّا لا؟
طلبة: معين.
طلبة آخرون: غير معين.
طالب: في الذمة يا شيخ.
الشيخ: بعت عليك هذه الساعة بعشرة ريالات؟
طلبة: معين.
طالب: في الذمة.
الشيخ: معين. طيب الثمن؟
طلبة: معين.
الشيخ: لا.
طالب: في الذمة.
الشيخ: الثمن مُقَدَّر لكن غير معين، ما قلت لك: بهذه العشرة، قلت: بعشرة ريالات، فأين تثبت العشرة الآن؟ تثبت في ذمة المشتري؛ لأنها غير معينة، أليس كذلك؟ فلو كان المشتري في جيبه عشرة ريالات وكان من نيته أن يدفع هذه العشرة قيمةً للساعة، ثم إن العشرة سُرقت، هل ينفسخ البيع؟ لا؛ لأن الثمن ليس العشرة اللي في الجيب، بل هي في الذمة.
مثال المعين مثل أن يقول: اشتريت منك هذه الساعة بهذه العشرة، فوقع العقد الآن على عين العشرة كما وقع على عين الساعة، وعلى هذا فيكون الثمن إما في الذمة وإما معينًا.
الذي يحرم هو أيش؟ الثمن المعين، أما الذي في الذمة فإن المشتري حرٌّ حتى يسلمه للبايع.
(2/931)
________________________________________
في المثال اللي ذكرت؛ اشتريت منك هذه الساعة بعشرة ريالات، وهو ينوي أن ينقد العشرة التي في جيبه ثمنًا للساعة، هل يمكن أن يتصرف في هذه العشرة؟ نعم، لكن لو قال: بهذه العشرة، ثم وضعها في جيبه فإنه لا يمكن أن يتصرف؛ لأنه لما وقع العقد على عين الثمن صار ملكًا لمن؟ للبائع بمجرد العقد كما يكون المبيع الذي وقع العقد على عينه ملكًا للمشتري بمجرد العقد.
هل يمكن أن يكون المبيع في الذمة؟ نعم يمكن، السَّلم كان الصحابة رضي الله عنهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين (4)، والثمار معلوم أنها في الذمة، إذن كلٌّ من الثمن والمثمَن يمكن أن يكون في الذمة، فما كان في الذمة فإن صاحبه يتصرف فيه كما شاء، وما كان معينًا فإنه لا يتصرف فيه من انتقل ملكه عنه، فالمشتري لا يتصرف في الثمن، والبائع لا يتصرف في المبيع.
(وعوضِه المعيَّنِ فيها بغير إذْنِ الآخَرِ) فإن أذن الآخر فلا بأس، لو أذن أحدهما أن يتصرف الآخر في هذا بإجارة أو بإعارة أو بمنفعة فلا حرج، لكن بغير إذن لا، وسيأتي الاستثناء.
قال المؤلف: (بغير تجربة المبيع) إذا كان تصرف المشتري لتجربة المبيع، كيف تجربة المبيع؟ يجرِّب؛ إذا كان فرسًا يجرب عَدْوه وامتثاله للأمر، إذا كان سيارة يجرب ماكينتها -مثلًا- هل تطقطق ولَّا ما تطقطق ولَّا تمشي زين، المهم يجربها.
تصرف المشتري في المبيع من أجل التجربة ويش الحكم؟ جائز، يجوز.
هل من التجربة أن يحلب الشاة أو البقرة؟ نعم؛ لأن بعض البقر إذا أردت أن تحلبها فإنها تضربك؛ تنفحك برِجلها، ما تتمكن، وكذلك بعض الغنم، وكذلك بعض الإبل، فإذا حلبها يجرب فلا بأس.
وهل يبطل خياره إذا كان بالتجربة؟ لا؛ لأن هذا قد يكون من أسباب اشتراط الخيار هو أن يجرِّب المبيع.
قال: (إلا عَتْق المشتري) (عَتْق المشتري) يعني: إذا اشترى عبدًا واشترط البائع الخيار أو المشتري فإنه يجوز للمشتري أن يعتق العبد. وهل يحرم أو لا؟
طالب: نعم.
(2/932)
________________________________________
الشيخ: ظاهر قول المؤلف: (ويحرم ولا يصح) أنه لا يحرم وأنه يصح، وقيل: إنه يحرم ويصح، وهذا المذهب، وقيل: يحرم ولا يصح، والكلام الآن في أيش؟ في عتق المشتري للعبد الذي اشتراه واشترط فيه الخيار، فكلام المؤلف يدل على أنه يجوز أن تعتق العبد الذي فيه الخيار وينفذ العتق.
ما هو التعليل أو الدليل؟
أما الدليل فليس فيه دليل، وأما التعليل فيقولون: إن للعتق نفوذًا قويًّا، ينفذ؛ ولذلك لو أن الرجل أعتق نصيبه من عبد؛ يعني الصورة: عبدٌ بين اثنين، فأعتق أحدهما نصيبه من العبد، فإن العبد يعتق كله، ويُلزم هذا المعتِق بدفع قيمة نصيب صاحبه إليه، لماذا؟ لقوة نفوذ العتق، ولأن الشارع يتشوف إلى العتق تشوفًا كبيرًا.
ولكن الصحيح أنه يحرم ولا يصح؛ أما كونه يحرم فلأنه اعتداء على حق صاحبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» (5)، وهذا من الاعتداء على أيش؟ على الأموال.
وأما كونه لا يصح فلقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (6)، وليس أمر الله ورسوله على العدوان على الناس، بل العكس، وعلى هذا فلا يصح.
وهناك أيضًا تعليل يقال: إن العتق يقع قربة إلى الله عز وجل، وهل يمكن أن يتقرب إلى الله بمعصيته؟ لا يمكن، هذا تضاد ونوعٌ من الاستهزاء بشريعة الله.
وعلى هذا فالقول الراجح أنه يحرم ولا يصح، وأنه لا يُسْتَثْنى العتق، العتق في كغيره من التصرفات.
ثم قال: (وتصرفُ المشتري فسخٌ لخيارِه) (تصرفُ المشتري) يعني: إذا تصرَّف المشتري في المبيع الذي اشْتُرِط فيه الخيار له وحده، فإن تصرُّفه فسخٌ لخياره.
مثال ذلك: اشترى الرجل بيتًا من شخص، واشترط الخيار لمدة شهر، وفي أثناء الشهر أجَّره مَن يسكنه، فهل يبطل خياره؟
طلبة: نعم.
(2/933)
________________________________________
الشيخ: قال: أنا ما أبطلت الخيار، نقول: تصرفك دليل على رضاك به وأنك أسقطت الخيار.
وكذلك لو باعه؛ لو أنه اشترط الخيار لنفسه في هذا البيت لمدة شهر وقد اشتراه بمئة ألف، ثم جاءه إنسان وقال: بعنيه بمئة وعشرة، فباعه بمئة وعشرة، فهل يبطل خياره؟
طلبة: نعم.
الشيخ: يبطل؟
الطلبة: يبطل.
الشيخ: لماذا؟ لتصرفه فيه، وتصرفُه فيه دليل على رضاه به وأنه لا يريد ردَّه.
يستثنى من هذا ما سبق من تجربة المبيع؛ فإن تصرف المشتري بتجربة المبيع لا يَفسخ خياره ولو كان الخيار له وحده، السبب: لأن هذا هو المقصود من الشرط؛ أن ينظر هل يصلح له أو لا.
وقول المؤلف: (تصرفُ المشتري فسخٌ لخيارِه) ظاهر كلامه أن تصرف البائع ليس فسخًا للخيار؛ أي: ليس فسخًا لخيار المشتري، لماذا؟ لأن المشتري حقه، أما لو كان الخيار له وحده -أي: للبائع وحده- وتصرف، فالصحيح أنه فسخ لخياره.
مثال ذلك: باع هذا البيتَ زيدٌ على عمرٍو بمئة ألف، وقال البائع زيدٌ: لي الخيار لمدة شهر، ثم إن زيدًا باعه على رجل آخر، فهل هذا فسخٌ لخياره؟ نعم، فسخ لخياره؛ لأن بيعه إياه يدل على أنه أَلغى البيع الأول. وهذا الفسخ دلالته فعلية لا قولية.
أما لو قال البائع: اشهدوا أني فسخت، فهذا دلالته قولية ولا إشكال فيها، لكن إذا كان فسخُ خياره من أجل تصرفه فهو فسخٌ فعلي.
ثم قال: (ومن مات منهما بطل خيارُه) (من مات منهما) ممن؟ من البائع أو المشتري، (بطل خياره) سواء شُرِطَ الخيار له وحده أو له ولصاحبه فإنه يبطل الخيار.
مثاله: اشترى رجل من آخر بيتًا بمئة ألف لمدة شهر، وجعل الخيار إلى مدة شهر، ثم مات، فإن الخيار يبطل، وعلى هذا فلا خيار للورثة في هذا المبيع.
فإذا قال الورثة: لماذا لم يكن لنا خيار؟ أليس قد انتقل إلينا من مورثنا بحقوقه ومنها الخيار؟
(2/934)
________________________________________
نقول: لا -على كلام المؤلف- لأن اختيار الإمضاء أو الفسخ لا يكون إلا مِن قبَل مَن؟ مِن قبَل المشتري اللي مات، فلا ندري الآن هل يريد الإمضاء أو يريد الفسخ، فيبطل، فإن علمنا أنه يريد الفسخ؛ بحيث يكون قد طالب به؛ يعني قد قال: إني أريد الفسخ فإنه يُورَث مِن بعده؛ لأن مطالبته به دليل على أنه اختار الفسخ، أما إذا لم يطالب فإننا لا ندري. هذا هو التعليل عند الأصحاب رحمهم الله الذي مشى المؤلف على قاعدتهم، مفهوم الكلام ولَّا لا؟ واضح؟
طالب: لا، غير واضح.
الشيخ: طيب، إذا باع بيتًا وشرط الخيار لمدة شهر، ثم مات البائع، يقول المؤلف: إن خياره يبطل؛ لأن الاختيار يرجع إليه نفسِه وهو قد مات ولا ندري هل يختار الفسخ أو يختار الإمضاء، والأصل بقاء العقد وأنه ليس فيه الخيار، هذا هو الأصل. هذا واضح ولَّا غير واضح؟
طلبة: واضح.
الشيخ: طيب، إلا إذا علمنا -نمشي على ما مشى عليه المؤلف- إلا إذا علمنا أن الرجل قد اختار الفسخ؛ بحيث يكون قد طالب به قبل موته وقال للمشتري: أنا قد فسخت البيع؛ لأن الخيار لي، ولكن المشتري تلكأ، ثم مات الرجل البايع قبل أن يوافق المشتري، فهنا يُورَث أو لا يُورَث؟ يُورَث؛ لأننا علمنا أن الرجل اختار الفسخ.
القول الثاني: إنه يُورَث سواء طالب به أم لم يطالب، وعللوا ذلك بأن المُلك ينتقل إلى الورثة بحقوقه، وهذا الذي اشْتُرِي بشرط الخيار انتقل إلى الورثة بأيش؟ بحقوقه، فيثبت لهم ذلك، وإذا كان الخيار للبائع فكذلك أيضًا انتقل من البائع وثبت له الحق بالخيار، فيُورَث عنه.
(2/935)
________________________________________
وهذا القول هو الراجح، هذا القول هو الصحيح؛ لقول الله تعالى في المواريث: {لَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]، {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12]، وكلمة {تَرَكَ} تشمل كل متروكاته؛ من أعيان أو منافع أو حقوق. هذا هو الصحيح؛ أنه ينتقل الحق إلى الورثة، ولهم الخيار بين الإمضاء أو الفسخ؛ لأنهم ورِثوه من مُورِّثهم على هذا الوجه.
وأما قولهم: لا بد أن يطالِب، فيقال: إذا طالب لا حاجة أن نقول: إن خيار الشرط باقٍ؛ لأنه إذا طَالَب به فقد انتهى الخيار، اختار أن يفسخ، ما فيه خيار شرط الآن، طالَب وأثبت الحق. فالصواب إذن أن من مات منهما فخياره باقٍ ويأخذ به مَن؟ الورثة.
طيب، الورثة إذا اختلفوا، مشكلة، هاتجينا مشكلة ثانية إذا اختلف الورثة؛ بعضهم قال: أريد الإمضاء، وبعضهم قال: أريد الفسخ؟
نقول: من أراد الفسخ يُعْطَى نصيبه من الدراهم التي قبضها البايع، ومن أراد الإبقاء بقي، ما يُمنع.
فإن كان الوارثُ واحدًا لم يتصور الاختلاف؛ إما أن يترك أو يُمضي.
أقول: إذا اختلف الورثة؛ مثل أن يكون الرجل مات عن ابنين وقد اشترى شيئًا بشرط الخيار، فقال أحد الابنين: أنا أريد إمضاء البيع، وقال الآخر: أنا لا أريد، فماذا نعمل؟ نُقَسِّط، قال: أنت الذي أراد الفسخ ينفسخ بنصيبه ويرجع على البائع بنصف الثمن إن كان قد استلم الثمن، ومن اختار الإمضاء يبقى مالكًا لهذا الشيء.
لو مات أحدُهما في خيار المجلس، هل يبطل الخيار أو لا؟
طالب: ما يبطل.
طالب آخر: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ .. » (7).
طلبة: يبطل.
الشيخ: هل يبطل الخيار أو لا؟
طالب: نعم، يبطل.
طالب آخر: إلا لو تفرقا، ما تفرقا، لزم البيع.
الشيخ: إي نعم، يبطل الخيار، وهذا لا إشكال فيه؛ لأن من أعظم التفرقِ التفرقُ بالموت.
(2/936)
________________________________________
لو نام أحدهما في خيار المجلس؛ كان تعبان جدًّا وفيه نوم، فقال البائع: بعتك هذا الشيء، قال: قبِلت وإذا رأسه على صدره؛ ينعس، نام، يبطل ولَّا ما يبطل؟
طالب: ما يبطل.
الشيخ: لا يبطل، هذا لا يبطل.
طالب: مطلقًا يا شيخ؟
الشيخ: إي، مطلقًا.
الطالب: لو طال نومه؟
الشيخ: نعم ولو طال، ما دام هو في المجلس ولو طال نومه؛ لأنه لم يفارق الحياة، بخلاف من مات، يقول: (ومن مات منهما بطل خيارُه).
***
ثم قال: (الثالث: إذا غُبِنَ في المبيع غَبْنًا يَخْرُج عن العادةِ بزيادة النجش والمسترسل) (الثالث) يعني: من أقسام الخيار خيار الغبن، وأشار إليه بقوله: (إذا غُبِنَ في المبيع)، وكذلك إذا غُبن في الثمن؛ لو كان الثمن غير نقود أو كان نقودًا مغشوشة أو ما أشبه ذلك، المهم الغبن.
(إذا غُبِنَ في المبيع غَبْنًا يَخْرُج عن العادةِ) والغبن معناه: الغلبة؛ يعني: إذا غُلِبَ غلبةً تخرج عن العادة فله الخيار.
لكن هل كل من غُبِنَ له الخيار؟
المذهب يُحصر هذا في ثلاث صور فقط، ليس كل من غبن فله الخيار، لكن المؤلف قيد الغبن بأن يخرج عن العادة، فمثلًا: إذا غُبِنَ بريال واحد من مليون؛ اشترى أرضًا بمليون وهي تسوى مليونًا إلا ريال؟
طالب: ليس غبن.
الشيخ: واحد من مليون، هذا مما يتغابن به الناس.
طيب، واحد من ألف؟
طلبة: كذلك.
الشيخ: كذلك؛ لأنك تأتي السوق تجد هذا بكذا وهذا ..
طيب، واحد من مئة؟
طلبة: كذلك.
الشيخ: كذلك، يعني لا يخرج عن العادة؟
طالب: يخرج يا شيخ.
طلبة: لا، ما يخرج.
الشيخ: واللهِ الظاهر أنه لا يخرج.
واحد من عشرة؟
طالب: نعم، ممكن.
طالب آخر: يخرج.
الشيخ: نعم، واحد من عشرة، هو العشر، يمثل العشر؟
طالب: لا يخرج.
الشيخ: لا يخرج عن العادة؟
طالب: يخرج، يعني بعشرة آلاف أو بتسعة آلاف.
طالب آخر: يخرج.
طالب آخر: فيه تفصيل.
(2/937)
________________________________________
الشيخ: الواقع أنه ما نقدر نقول: فيه تفصيل، أنت بتقول مثلًا: عشرة آلاف من مئة ألف، هذا غبن، لكن انظر للنسبة، حتى الذي يساوي عشرة ريالات إذا غُبن بريال منه غُبن بالعُشر، فهل العُشر يعتبر غبنًا أو لا؟
طالب: لا يعتبر.
طالب آخر: نعم.
الشيخ: واللهِ أنا أظن .. ، الظاهر لي أنه يعتبر غبنًا، ولا سيما إذا كانت السيولة بأيدي الناس عزيزة؛ لأن واحدًا من عشرة ربما يكون صعبًا على كثير من الناس إذا كانت السيولة قليلة، أما مع وفرة المال فقد يقال: إن واحدًا من عشرة ليس بشيء.
ولهذا بعض العلماء يقول: إن الغبن الذي يخرج عن العادة هو واحد من خمسة، كم نسبة واحد من خمسة إلى المئة؟ عشرون في المئة.
ولكن هذا في القلب منه شيء، بل يقال: إنه إذا جعلنا الأمر مرتبطًا بالعادة فهو أحسن، فإن اختلفنا نرجع إلى مَن؟ إلى أهل الخبرة؛ إلى الدَّلالين المعتبَرين في البلد، وقال: ما تقولون إذا غبن واحد من عشرة؟
وقد يقال أيضًا: إنه يختلف حتى باختلاف الأموال؛ بعضها الواحد من عشرة غبن، وبعضها غير غبن.
طالب: إذا مات أحد المتعاقدين في المجلس وكانت ورثته .. ؟
الشيخ: وكان الورثة.
الطالب: حاضرين في المجلس، فلماذا لا ينتقل الحق إليهم؟
الشيخ: ما ينتقل؛ لأن العقد مع الميت.
الطالب: نعم، كما قلنا: إنه ..
الشيخ: الآن لو أن هذا البايع خرج، وحينما خرج مات، هل يثبت لورثته الذين في المجلس؟
الطالب: لا.
الشيخ: ما يثبت.
الطالب: لأن حق الميت سقط أصلًا.
الشيخ: كيف؟
الطالب: حق الميت سقط بالخروج.
الشيخ: بالخروج، هذا أيضًا الموت أشد من الخروج، أشد المفارقة.
طالب: لو أن البائع بعدما نام المشتري خرج وفارقه، هل .. ؟
الشيخ: ينقطع الخيار.
الطالب: ينقطع؟
الشيخ: إي نعم.
الطالب: بغير ( ... ) النائم.
الشيخ: ينقطع، أصله حتى لو كان يقظًا ما يقدر يمنعه.
طالب: يا شيخ، قلنا: إن –مثلًا- المشتري لو كان عنده خيار شرط في بيت مثلًا، وقلنا: إنه إذا استأجرها ..
(2/938)
________________________________________
الشيخ: أجَّرها.
الطالب: استأجر، المشتري استأجر.
الشيخ: كيف استأجر؟ هو مشترٍ كيف يستأجر؟
الطالب: يعني: اشتراها من صاحبها، ثم بعد ذلك له خيار شرط شهر، ثم بعد ذلك أجرها، قلنا: فعله هذا يبطل ..
الشيخ: الخيار.
الطالب: لكن لو حدث عندما أجرتها -مثلًا- ليعرف ( ... )؟
الشيخ: لا، ما هو تجربة، هذا عقد بارك الله فيك، عقد لازم ما يمكن ينفسخ.
طالب: لو اشترط البائع الخيار له، ثم ( ... )، قلنا: يكون للمشتري ( ... )؟
الشيخ: لا، صحيح، وقع العقد على غير الملك، لكن كونه باع يدل على أنه فَسْخ.
الطالب: ما هو بشرط؟
الشيخ: فهي دلالة فعلية.
الطالب: يفسخ ثم يبيع؟
الشيخ: ما هو لازم، وإلا صحيح ربما نقول: القواعد أنه يفسخ ثم يبيع، نقول: ما هو بلازم.
طالب: عفا الله عنك، قياسًا على منع البائع عند التصرف في مدة الخيار، مثلًا لو أن إنسانًا أعطاني مالًا ( ... )؟
الشيخ: أبدًا، إذا كان عند الإنسان مال لغيره فإنه لا يتصرف فيه أبدًا إلا بإذن صاحبه.
الطالب: يعني بعينه ( ... ).
الشيخ: أبدًا، لو ( ... ) أحسن منه.
طالب: شيخ، إذا قلنا: إن الورثة يرثون الخيار؛ خيار الشرط، واختلفوا؛ بعضهم أمضى وبعضهم فسخ، ولكن إذا كان المبيع لا يتبعض؛ كأن يكون شاة، فبعضهم أمضى وبعضهم فسخ؟
الشيخ: يكون هذا إذا صار الورثة اثنين، نقول: نصف الشاة يكون للوارث والنصف الثاني للبائع.
الطالب: كيف ( ... )؟
الشيخ: مشاركة.
الطالب: يكونون شركاء؟
الشيخ: إي نعم، مشاركة في الشاة.
طالب: شيخ -بارك الله فيك- إذا استأجر رجل بيتًا مثلًا ..
الشيخ: أيش؟
الطالب: ( ... ) استأجر رجل بيتًا من رجل آخر، استأجره ووضع قال: الخيار شهرًا، وقبل أن يتم الشهر قال: افسخ العقد بيني وبينك وقد استعمله هذا الرجل ( ... ) أيلزم بدفع الأجرة؟
الشيخ: هل قلنا بهذا؟
الطالب: قلنا يا شيخ.
الشيخ: هل قلنا بهذا يا جماعة؟ ما قلنا: إذا استأجر، قلنا: إذا باع.
طالب: لا، غير البيع -يا شيخ- استأجر.
(2/939)
________________________________________
الشيخ: كيف إذا استأجر؟ ما قلنا.
الطالب: لا، ما يلزم بأجرة له؟
طالب آخر: إذا أجره، إذا تصرف فيه؛ أجره يعني.
طالب: استأجر بيتًا، ثم هذا الرجل أتى استعمل بيتًا -بيته ضيق- فاستأجر هذا البيت الواسع من أجل أن هناك ضيوف سوف يأتون، وأتوا الضيوف وذهبوا وانتهت مصلحته، ثم قال: ما أريد هذا البيت.
الشيخ: يعني استأجر البيت؟
الطالب: إي، استأجره، ولكن مضى على الخيار شهر، وبعد أن تنتهي مدة الشهر قال: بأفسخ.
الشيخ: ما سبق لنا أنه إذا شرط الخيار في إجارة تلي العقد أنه ما يصح، ما سبق لنا هذا؟
الطالب: سبق يا شيخ، لكن ( ... ) البيع.
الشيخ: البيع ( ... )، البيع إذا اشتراها واشترط الخيار لمدة شهر ثم أجرها ينفسخ خياره.
طالب: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (2)، قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ»، ألا يثبت أن الأصل ( ... ) للبائع الشرط وأن .. ؟
الشيخ: ماله منفصل عنه، مال العبد منفصل عنه، فقوله: «مَالُهُ» معناه أنه هو نفسه لمن؟
الطالب: للمشتري.
الشيخ: للمشتري، إي نعم.
طالب: عفا الله عنك، قلنا: إنه إذا تصرف المشتري يؤدي إلى فسخ الخيار.
الشيخ: طيب.
الطالب: يشكل -يا شيخ- ذكرتم في درس سابق أنه إذا كان –مثلًا- عين المبيع ثمرًا.
الشيخ: ثمر؟
الطالب: إي نعم، وهذه الثمار تفسد ( ... ) الخيار.
الشيخ: تُبَاع، لا بد من بيعها.
الطالب: لكن إذا باعها وتصرف ( ... )؟
الشيخ: ما يسقط، له الخيار ويأخذ القيمة إن أمضى، أو يأخذ ثمنها إذا لم يمض.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ذكرنا هذا.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- في الشرح ذكرنا أن المذهب في مسألة الغبن فيه ثلاث صور.
الشيخ: ما وصلنا.
طالب: ( ... )؟
الشيخ: منفك عن الجهة.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: لا، ما تبطل؛ لأن العتق هذا نفس العتق حرام، فلا يكون طاعة.
(2/940)
________________________________________
طالب: الشاة الحامل إذا وضعت في وقت الخيار ( ... )، ولكن فصلنا في آخر الجواب قلنا: إن نشأ في زمن الخيار فهو للمشتري؟
الشيخ: إذا وضعته.
الطالب: إذا وضعته في زمن الخيار لمن؟
الشيخ: للمشتري؛ لأنه نشأ على ملكه.
الطالب: إذا بدأ الحمل في زمن الخيار ووضعت ..
الشيخ: بعد البيع حملت.
الطالب: نعم.
الشيخ: ووضعته.
الطالب: وإذا وضعته بعد الخيار؟
الشيخ: هذا يكون من النماء المنفصل أو المتصل، إن قلنا: الحمل منفصل فهو له، وإذا قلنا: الحمل متصل -وهو الصحيح- فهو للبائع.
الطالب: إن وضعت بعد .. ؟
الشيخ: ولكن لاحظ أنا صححنا أن النماء حتى المتصل للمشتري.
الطالب: يعني على هذا إذا حملت في زمن الخيار، ثم وضعت في زمن الخيار فهو للمشتري؟
الشيخ: فهو للمشتري، هذا لا إشكال فيه؛ لأنه منفصل.
الطالب: نعم.
الشيخ: فإن لم تضع؟
الطالب: إن لم تضع إلا بعد انتهاء مدة الخيار.
الشيخ: فإن لم تضع إلا بعد أن فُسِخ.
الطالب: بعدما فسخ.
الشيخ: طيب، فهي للبائع على القول بأن النماء المتصل يتبع، وعلى القول الراجح يكون للمشتري.
طالب: ذكرنا في الدرس اللي فات نماء المنفصل للمشتري، ومثلنا باللبن، فذكرنا في الدرس هذا ( ... ) فلا يجوز واللبن ما يجمع في الكأس ( ... ).
الشيخ: ما فيه شك.
الطالب: ( ... ) مثلنا باللبن.
الشيخ: هذا أبلغ من تجربة المبيع، ما هو بالتجربة جائزة ولا تبطل الخيار.
الطالب: إذا كان ( ... ).
الشيخ: هذا للأكل، لو يبقى في ضرع البهيمة كلفها؛ شق عليها.
الطالب: يعني: جميع المنفعات المنفصلة ( ... ).
الشيخ: ما يخالف، لا بأس.
قال المؤلف: (وتصرفُ المشتري فسخٌ لخيارِه) فلو أن مدة الخيار كانت شهرًا لمن اشترى بيتًا، ثم أجَّره لغيره نصف شهر، فهل له الفسخ قبل الشهر بيوم؟
الجواب: ليس له أن يتصرف، إذا أجره فقد انفسخ خياره.
***
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(2/941)
________________________________________
قال المؤلف رحمه الله تعالى: الثالث: إذا غُبِنَ في البيع غَبْنًا يَخْرُج عن العادةِ ..
الشيخ: (في المبيع)، عندي أنا: (في المبيع).
الطالب: إذا غُبِنَ في المبيع غَبْنًا يَخْرُج عن العادةِ بزيادة الناجِشِ والمُسْترِسل.
الرابع: خيارُ التَّدْليس؛ كتَسْويد شعرِ الجاريةِ وتَجْعيدهٍ وجَمْعِ ماء الرَّحَى وإرسالِه عند عَرْضِها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سبق لنا خياران من خيار البيع؛ أحدهما ثابت بالشرع، والثاني ثابت بالشرط، فما هو الثابت بالشرع؟
طالب: الخيار الثابت بالشرع هو خيار المجلس.
الشيخ: أحسنت. والثابت بالشرط؟
طالب: خيار الشرط.
الشيخ: خيار الشرط. هل خيار الشرط جائز؟
طالب: نعم.
الشيخ: ما الدليل عليه؟
الطالب: جائز إذا كان جائزًا ..
الشيخ: جائز إذا كان جائزًا؟ !
كَأَنَّنَا وَالْمَاءُ مِنْ حَوْلِنَا
قَوْمٌ جُلُوسٌ حَوْلَهُمْ مَاءُ

الطالب: نعم يا شيخ، هناك دليل على صحة ( ... ) حديث: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (8)، وعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
الشيخ: لكن ما فيه نص في الموضوع؟
الطالب: فيه.
الشيخ: خيار الشرط.
الطالب: خيار الشرط.
الشيخ: نعم.
الطالب: حديث عبد الله بن عمر.
الشيخ: نعم، اقرأه.
الطالب: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعَ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعَ» (9).
الشيخ: وأيش وجهه؟
الطالب: وجهه أنهما إذا اشترطا شرطًا ( ... ).
(2/942)
________________________________________
الشيخ: يدخل في قوله: «أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ»؟
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب.
خيار الشرط هل له مدة معينة لا يُزَاد عليها أو لا؟
طالب: ليس له مدة معينة.
الشيخ: ليس له مدة؛ يعني: لو جعله شهرًا أو سنة فلا بأس؟
الطالب: ما لم ( ... ).
الشيخ: شرط؟ أيش تقول؟ توافقه على هذا الاستثناء؟
طالب: ظاهر المذهب ( ... ).
الشيخ: طيب، وإذا كان مما يُخْشَى فساده قبل تمام المدة؟
الطالب: يصح أيضًا.
الشيخ: يصح، ويُبَاع ويُجعل الثمن وينتقل الخيار إلى الثمن. تمام، صح. أفهمت؟
طالب: بلى.
الشيخ: بلى! كيف (بلى)؟
الطالب: لغة يا شيخ.
الشيخ: لغة من؟
الطالب: تصح، يجوز (بلى) ( ... ).
الشيخ: إي، الجواب الصواب: نعم؛ إن كنت فهمت، أو: لا؛ إن كنت لم تفهم.
قال: الخيار بيني وبينك إلى الغد، متى ينتهي؟
طالب: إلى طلوع الفجر.
الشيخ: إلى طلوع الفجر، ولَّا فيه قول ثانٍ؟
الطالب: فيه أقوال، لكن هذا هو ( ... ).
الشيخ: معناه أن القول الثاني يرجع في ذلك إلى العرف.
الطالب: إي نعم.
الشيخ: فإذا كان معنى قوله: إلى الغد؛ أي: إلى أن يفتح الناس الأسواق فهو إليه. وهذا هو الصحيح.
ما هو الدليل على أن ملك مدة الخيارين للمشتري؟
طالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (1).
الشيخ: وما وجه الدلالة؟
الطالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المال للمبتاع بشرط، أما العبد فلم يشترط ( ... ) بمجرد البيع.
الشيخ: فدل ذلك على أن العبد ملك للمشتري بمجرد البيع ولا يحتاج إلى شرط، أحسنت.
اشترى شيئًا بشرط الخيار وأجَّره والخيار له؛ للمشتري وحده؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: وأيش اللي يبقى؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: سمعتم كلامه، يقول: إذا اشترط الخيار مدة معينة، ثم أجر المبيع -أعني المشتري- فإن ذلك فسخ لخياره.
إذا مات من له الشرط؟
طالب: بطل خياره.
الشيخ: بطل خياره؟
(2/943)
________________________________________
الطالب: إي نعم.
الشيخ: مطلقًا؟
الطالب: إي، على المذهب.
الشيخ: مطلقًا؟
الطالب: على المذهب.
الشيخ: إلَّا على المذهب، مطلقًا؟
الطالب: مطلقًا على المذهب.
الشيخ: مطلقًا، أحسنت. توافقون على هذا؟
طالب: إن علم منه أنه أراد أن يفسخ أو صرح بالفسخ فإن ..
الشيخ: يعني: إن طالب به.
الطالب: إن طالب به قبل موته.
الشيخ: فإنه لا يسقط.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: نعم. هل هناك قول ثانٍ؟
طالب: نعم، القول الثاني في المسألة ( ... ).
الشيخ: يعني لا يبطل؟
الطالب: لا يبطل.
الشيخ: لا يبطل بموته.
الطالب: لا يبطل بموته، والدليل قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12].
الشيخ: يعني: ومما تركه الميت الأعيان والمنافع والحقوق.
***
قال: (الثالث: إذا غُبِنَ في المبيع غَبْنًا يَخْرُج عن العادة) وقد شرحنا هذه الجملة، وقلنا: إن قوله: (يخرج عن العادة) يعني: أنه أحالنا إلى العرف، فما عدَّه الناس غبنًا فهو غبن، وما لم يعدوه غبنًا فليس بغبن، وإن بعض العلماء قدَّره بالثلث، بعضهم بالربع، بعضهم بالخمس، ولكن ما ذهب إليه المؤلف أولى؛ أن يُرْجَع في ذلك إلى العادة.
فإذا قيل: من المحكَّم في العادة؟ هل كل أحد أو أصحاب الخبرة؟ أصحاب الخبرة هم المحكمون في العادة، إذا قالوا: واللهِ هذا غُبن غبنًا يخرج على العادة، قلنا: يثبت الخيار.
ولكن هل الخيار -أعني: خيار الغبن- مقيد بشيء معين أو متى حصل الغبن حصل الخيار؟
هذه المسألة فيها خلاف؛ أما المذهب فإن خيار الغبن مخصص بثلاث صور:
(2/944)
________________________________________
الصورة الأولى: تلقي الركبان؛ يعني: أن يخرج عن البلد ليتلقى الجالبين إليه فيشتري منهم. ومن المعلوم أن هذا المتلقي سوف يشتري بأقل من الثمن، أليس كذلك؟ هذا هو، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا تَلَقُّوُا الَجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّى فَاشْتَرَى مِنْهُ» أي: من الجلب، «فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ» وهو البائع، «فَهُوَ بِالْخِياَرِ» (10)، هذا خيار غبن.
وقوله: «فَهُوَ بِالْخِيَارِ» إذا قال قائل: الحديث مطلق «فَهُوَ بِالْخِيَارِ»، ولم يقل: إذا غُبِن؟
فالجواب: أنه يحمل على الغالب المعتاد؛ لأن الجالب إذا قَدِم للسوق ولم يجد أنه غُبِن فإنه لن يختار الفسخ؛ إذ لا فائدة من الفسخ ثم البيع مرة أخرى، فيُحْمل على أن قوله: «إِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِياَرِ» يعني: إذا غُبن، وإن كان ظاهر الحديث الخيارَ مطلقًا.
الصورة الثانية قال: (بزيادة الناجش) شوف هذا المتن قال: (بزيادة الناجش) (الناجش) اسم فاعل من: نَجَش يَنْجُش، وأصل النَّجْش: الإثارة؛ إثارة الشيء، هذا نجشه.
والناجِش: هو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، وإنما يريد الإضرار بالمشتري، أو نفع البائع، أو الأمرين جميعًا.
مثال ذلك: يُسَام على هذه السلعة، فصار الناس يتزايدون فيها، وكان أحد هؤلاء يزيد في الثمن وهو لا يريد الشراء، ولكن من أجل منفعة البائع؛ لأنه صاحبه، وإلا هو لا يريد السلعة، أو أنه يريد إضرار المشتري؛ لأنه أيش؟ عدوه، أو يريد الأمرين جميعًا؛ نفع البائع لأنه صاحبه، وإضرار المشتري لأنه عدوه، أو لا يريد شيئًا، وإنما يريد أن يقول الناس: فلان -ما شاء الله- يزيد في هذه السلعة الكبيرة معناه أنه عنده فلوس وتاجر. ممكن ولَّا غير ممكن؟
طلبة: ممكن.
(2/945)
________________________________________
الشيخ: ممكن، المهم الضابط هو أن هذا الناجش يزيد وهو لا يريد الشراء، إنما يريد غرضًا آخر، فإذا غُبِنَ المشتري بسبب هذه الزيادة فإن له الخيار. لكن غُبن أيش؟ غبنًا يخرج عن العادة؛ يعني: أن المشتري بعد أن بيعت عليه السلعة فكَّر وإذا ثمنها زائد بسبب النجش، فهنا له الخيار.
والنَّجْش محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه قال: «لَا تَنَاجَشُوا» (11)، ولأنه يورث العداوة والبغضاء بين المسلمين؛ لأنه إذا عُلم أن هذا يَنجُش من أجل الإضرار بالمشترين كرهوه وأبغضوه.
ثم عند الفسخ في الغبن ربما لا يرضى البائع بالفسخ، فيحصل بينه وبين المشتري عداوة أيضًا؛ فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن النجش.
والحاصل: أن النجش حرام، وأن المنجوش إذا غبن غبنًا يخرج عن العادة فله الخيار.
الصورة الثالثة قال: (والمسترسل) المسترسل هو: المنقاد مع غيره المطمئِن إلى قوله، هذا في اللغة. المسترسل في اللغة: استرسل مع فلان؛ يعني: انقاد معه ووثق به واطمئن إلى قوله، ولكنه في الاصطلاح: مَن جهل القيمة ولم يحسن المماكسة.
(من جهل القيمة) موجودة في الشرح: من جهل القيمة ولم يحسن المماكسة. والمماكسة هي: المُحاطَّة في الثمن، وهي التي تُعرف عندنا بالمكاسرة، كاسر لأجل ينِّزل.
فهذا الرجل مسترسل، أتى إلى صاحب الدكان وقال: بكم هذه الحاجة؟ قال: هذه الحاجة بعشرة ريالات، وهو رجل يجهل القيمة ولا يحسن أن يماكس، فأخذها بعشرة، فلما عرضها على الناس قال: اشتريتها بعشرة، قالوا: هذه بخمسة ريالات، قال: ما علمتُ. نسمي هذا مسترسلًا، له الخيار أو لا؟ له الخيار؛ لأنه إذا كانت قيمته خمسة واشتراها بعشرة هذا غَبن يخرج عن العادة، فله الخيار.
(2/946)
________________________________________
فإن كان يعلم القيمة ويدري أن قيمتها خمسة، لكنه أخذها بعشرة تطييبًا لقلب البائع، كما يوجد بعض الناس -مثلًا- إذا رأى هذا الرجل الفقير عنده بسطة يسيرة صغيرة، قال: كم ( ... ) يا فلان؟ قال: بعشرة، وهو يعرف أنها بخمسة، فأخذها بعشرة، فهل يكون مسترسلًا؟
طلبة: لا.
الشيخ: ليش؟ لأنه يعلم القيمة.
وكذلك لو رأى مع صبي رأى معه دجاجة تساوي عشرة، قال: كم يا بني هذه؟ قال: هذه يا عم بعشرين، وهو يدري أنها تساوي عشرة، لكن جبرًا لقلب هذا الصبي وإدخالًا للسرور عليه قال: خذ، هذه عشرين، ثم بعدئذٍ ندم، قال: كيف أبذل عشرين بما يساوي عشرة؟ فرجع إلى الصبي وقال: يا بني غبنتني، هل له الخيار؟
طلبة: لا.
الشيخ: ليش؟ لأنه يعلم القيمة ودخل على بصيرة، فلا خيار له.
وقوله: (ولم يحسن المماكسة) ظاهره أنه إذا كان يحسن المماكسة فإنه لا خيار له ولو غُبِنَ؛ يعني: رجل يجهل قيمة الأشياء لكنه جيد في المماكسة، فأتى إلى صاحب الدكان، وقال له: كم قيمة هذا المسجِّل؟ قال: قيمته مئتا ريال، وصاحب الدكان وضع ورقة عليه صغيرة: القيمة مئتا ريال. الرجل هذا جيد في المماكسة، لكن ظن أن هذه قيمته في الأسواق، فأخذ المسجِّل، ثم لما عرضه على إخوانه قالوا: هذا يُبَاع في السوق بثمانين ريالًا. كم غُبن؟ مئة وعشرين، فرجع إلى الرجل وقال له: هذا بثمانين ريالًا. هل له الخيار أو لا؟
طالب: المذهب: لا.
الشيخ: على كلام المؤلف لا خيار له، لماذا؟ لأنه يحسن المماكسة، يقدر يُحاطه في الثمن حتى يصل إلى الثمانين.
ولكن الصحيح أن له الخيار، لماذا؟ لجهله بالقيمة ولتغرير البائع له، فلا ينبغي إلا أن نعامل البائع بنقيض قصده، لمَّا غرَّه نعامله بنقيض قصده ونقول: له الخيار.
إذا قال: هذا الرجل يعرف البيع والشراء، ليش ما ماكسني؟
نقول: لا، هذا -جزاه الله خيرًا- وثق بك ولست أهلًا للثقة، والآن له الخيار.
(2/947)
________________________________________
ومِن المناجشة -وهي أيضًا نوع من الاسترسال- أن يقول البائع للمشتري: أُعْطِيت في السلعة كذا -وهو يكذب- قال: أعطيت فيها مئتان وهو كذاب، المشتري سوف يقول: إذا كانت سِيمَت بمئتين أنا أطلع السوم وأقول مئتان وعشرة، وفعلًا اشتراها بمئتين وعشرة، وتبين أن قيمتها مئة وخمسون. له الخيار؟ نعم، له الخيار؛ وذلك لأنه غُبن على وجه يشبه النجْش.
ومن ذلك أيضًا إذا قال: اشتريتها بمئة وهو كاذب، اشتراها بخمسين، لكنه قال: اشتريتها بمئة، فأخذها المشتري بمئة وخمسة؛ ليربح ذاك خمسة ريالات، وتبين أنه اشتراها بخمسين. له الخيار؟ نعم، له الخيار؛ لأن هذا من النجش؛ فإنه استثار المشتري حتى اشتراها بأكثر من ثمنها.
فإن قيل: ما حكم النجْش؟ وما حكم أن يفعل ما يسترسل معه المشتري؟
فالجواب: كله حرام؛ لأنه خلاف ما يجب أن يكون عليه المؤمن لأخيه؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (12).
فإن قيل: يوجد بعض الباعة إذا سُئِلَ عن قيمة السلعة، قال: قيمتها مئة، وهو يبيعها بثمانين، لكنه يخشى أن يكون المشتري ممن يماكسون، فقال: إنها بمئة على تقدير أنه سيماكِس حتى تنزل إلى ثمانين، فهل يجوز له ذلك؟
الجواب: فيه تفصيل؛ إن كان حين يطمئن المشتري ويأخذها بما قدَّره فهذا حرام؛ لأنه من الغِش، وإن كان إذا رأى المشتري عازمًا على الأخذ قال له: اصبر يا أخي، أنا قلتُ لك: بمئة؛ لأن بعض الناس يماكسني ويضطرني إلى أن أنزِّل، ولكن قيمتها الحقيقية ثمانون، فهذا أيش؟ هذا جائز، وإن كان فيه شيء بالنسبة للبائع، لكن هو الذي جنى على نفسه؛ لأنه إذا قال: يا أخي اصبر، القيمة ثمانون، لكني قلت لك: بمئة خوفًا من المماكسة، فإن المشتري سوف لا يطمئن أيضًا إلى أن القيمة ثمانون.
(2/948)
________________________________________
لكن نقول: أنت الذي جنيت على نفسك، ولهذا تجد بعض المشترين إذا قال له البائع هذا الكلام يأنف ويستنكف ويذهب إلى غيره، لكن نقول: أنت الذي فعلت، قل: الثمن ثمانون ولا مماكسة؛ مثلما يقول: كلام واحد ما فيه؛ إن أخذ فهذا المطلوب، وإن لم يأخذ فالسلعة باقية.
يوجد بعض الناس إذا جاءه الرجل المحنَّك الجيد في المماكسة على طول أعلمه بالثمن، وإذا جاءه الرجل الذي يكون سليم الصدر ولا يعرف أو امرأة أو فتًى شابٌّ لا يعرف الأمور زاد عليه في الثمن، ما الحكم؟ يجوز ولَّا لا؟
طلبة: ما يجوز.
الشيخ: إي، هذا حرام لا يجوز؛ أن يأخذ الناسَ بالغِرَّات، الإنسان الغَرير له ثمن، والإنسان الذكي الجيد له ثمن، هذا حرام، الواجب أن يكون مخلصًا ناصحًا للعباد؛ لأن هذا من الدِّين.
فتبين الآن أن الغبن له تعريف، وله محل، وله حكم. تعريفه: أن يُغبَن المشتري غبنًا يخرج عن العادة. حكمه حرام. محله: ثلاثة، وإن شئتم قولوا: صوره ثلاث؛ الأول: تلقي الركبان، والثاني: النجش، والثالث: الاسترسال.
فإن قال قائل: هل الغبن يكون للبائع أيضًا؟ بمعنى أن البائع يكون هو المغبون؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لا تستعجلوا.
طالب: نعم.
طالب آخر: نعم يكون.
الشيخ: كيف يكون؟
طالب: يكون بأن يأتي -مثلًا- رجل يشتري سلعة وهو يعرضها للبيع فيقول: هذه في السوق لا تباع إلا بثمانين، وهي تباع في الحقيقة بمئة وخمسين، فيقول البائع: بعتك إياها بثمانين، ظنًّا منه أن هذا هو الحق، فهذا المغبون عندما يرى أنا السلعة تباع ..
الشيخ: طيب.
طالب: كذلك في الثمن أن يُعْطَى دراهم مغشوشة.
الشيخ: لا، هذا عيب، وسيأتي.
طالب: تلقي الركبان أليس من هذه الصور؟
الشيخ: ويش؟
الطالب: الراكب يأتي ومعه بضاعة ليبيعها في السوق بثمن على أساس أنها بهذا الثمن، فإذا ..
الشيخ: الغبن لمن؟
الطالب: للبائع هذا.
الشيخ: طيب.
طالب: الصحيح أنه لا يغبن، والصورة التي ذكرها الأخ تفريط من البائع؛ لأنه هو ما يعرف السوق.
(2/949)
________________________________________
طالب آخر: كأن يرتفع ثمن السلعة ولا يعلم البائع بذلك.
الشيخ: إي، هذه هي نفس اللي قاله الإخوان، فيأتي إنسان جيد ويشتريها، وهذه تقع كثيرًا، لا سيما فيما سبق من الزمان، مثلًا يأتي التاجر المعروف يأتيه خبر بأن السُّكَّر ارتفعت قيمته، فيذهب إلى من عندهم السكر ويشتري كل ما عندهم بالقيمة الحاضرة، وهم لا يعلمون أن قيمته ارتفعت، فيكون غبنًا أو لا؟ غبن لا شك، هذا غبن وهم لم يفرطوا في الواقع، البائع في الواقع لم يفرط في مثل الصورة التي ذكرت الآن؛ لأنه باع على أن هذه هي القيمة وأن الأسعار مستقرة.
والحاصل أنه كما أن للمشتري الحق إذا غُبِن في فسخ البيع فللبائع الحق إذا غُبِن في فسخ البيع ولا فرق.
طالب: البائع له بضائع مختلفة يبيع بعضها بالجملة؛ يعني بسعر خاص ( ... ) أرخص من السعر ( ... )، وإذا جاء الشارين، يعني إذا أتوا إليه مثلًا ...
الشيخ: الشارين أو المشترون؟
الطالب: المشترون.
الشيخ: نعم؛ لأن الشاري هو البائع.
الطالب: صحيح، يبيعه بسعر آخر أغلى من الإجمالي، هل هذا يمكن فيه ( ... )؟
الشيخ: هل هذا يخرج عن العادة؟ هذه عادة الناس؛ يفرقون بين الجملة وبين؟
طالب: المفرَّق.
الشيخ: الإفراد.
طالب: إذا اشترى السلعة ( ... ) بمئة وخمسة، قال: أنا أشتريها منك بمئة وخمسة، فإذا وجدتها في السوق بمئة أرد لك السلعة.
الشيخ: إذا وافق لا بأس، وهذا من باب تعليق الفسخ، لكن كما قلنا سابقًا: ينبغي أن يحدد، يقول: أنا بأدور في السوق إن وجدتها بأرخص في خلال يوم أو يومين؛ لأجل ألَّا يقع نزاع.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، كيف يضر الناجش البائع؟
الشيخ: إي نعم، ما يتصور أن الناجش يضر البائع، المقصود: الناجش ينفع البائع، أو يضر المشتري، أو يريد نفع البائع وضرر المشتري جميعًا.
(2/950)
________________________________________
طالب: بالنسبة -يا شيخ- عندما قلنا: إنه يبيع بمئة ويخلي فرقًا عشرين ريالًا علشان المماكسة، لو قلنا: إن السلعة أصلًا هي بثمانين -مثلًا- ولكنه من جاء يماكسه نزَّل له -مثلًا- خمسة أو عشرة، سبعين يعني، والذي لا يماكسه باعه بثمانين، فهل هذه تدخل في الصورة هذه؟
الشيخ: لا، إذا كان هذا هو الثمن المعتاد يعني؟
الطالب: المعتاد الثمن.
الشيخ: إذا كان هذا هو الثمن المعتاد بين الناس، لكن هذا الرجل إنسان صلب مماكس ونزَّل له لمماكسته دفعًا لأذاه، أو كان صديقًا له -مثلًا- وباع عليه بأنزل، هذا لا بأس به.
طالب: بعض التجار ينقلون بضاعة من منطقة إلى منطقة بعيدة، وإذا وصل المنطقة البعيدة يرفع السعر، ربما ( ... ) يعني: الضعف، ويقول: هذه من أجل المسافة، هل هذا غبن؟
الشيخ: لكن هل قيمتها في البلد الثاني هي القيمة التي حددها أو أقل؟
الطالب: ربما لا توجد هذه في ..
الشيخ: يعني يكون محتكرًا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: إذن ما يجوز.
الطالب: وإذا وقع هذا العقد؟
الشيخ: إذا وقع فله الخيار.
الطالب: لمن؟
الشيخ: للمشتري.
الطالب: المشتري لا يعرف ..
الشيخ: إذا علم.
الطالب: وإذا لم يعلم هل .. ؟
الشيخ: إذا لم يعلم فهذا آثم.
الطالب: هل يذهب إليه ويرجع عليه بالثمن؟
الشيخ: إذا علم.
الطالب: من؟
الشيخ: إذا علم المشتري بالغبن له الخيار.
الطالب: وإذا لم يعلم -يا شيخ- قال: هذا ..
الشيخ: ( ... ) كيف يرده؟
الطالب: لا، بعض البائعين يتوب إلى الله عز وجل يقول: ( ... ) أرد ..
الشيخ: طيب، إذا كان يريد أن يتوب يذهب إلى المشتري ويقول: يا أخي ترى أنا في الواقع احتكرت السلعة ورفعت قيمتها بأكثر مما تسوى؛ لأن هذا يحسب أجرة النقل ويحسب أجرة الكسب، لا بد له من شيئين.
(2/951)
________________________________________
لكن فيه مسألة ثانية قالها لي بعض الباعة غريبة، يقول: أنا أشتري ثيابًا، وليكن من جدة بعشرين ريالًا الثوب، ثم آتي به مثلًا إلى هنا في القصيم وأقول: بثمانين؛ لأني إذا قلت للمرأة: القيمة عشرين، قالت: هذا ما نبغي شيئًا؛ لأن المرأة عاقلة بعيونها، إذا قال لها: بعشرين، وهو قيمته عشرون حقيقةً، قالت: لا، هذا ما هو بزين، وإذا قال لها: بمئتين، قالت: هذا الثوب الطيب، يلَّا خذ. هل يجوز أن يفعل هذا أو لا؟
طالب: لا، ما يجوز.
الشيخ: يقول: ما يشترون مني.
طالب: ولو ما اشتروا.
طالب آخر: لا عبرة.
الشيخ: أيش تقول؟
طالب: أقول: لا يجوز.
الشيخ: لكن إذا قال: ما يُشترى مني، وأيش يسوي؟
طالب: يُشْتَرى بالحلال، لا يسوي الحرام.
الشيخ: طيب، ما نقول: قل لها: إنه عليَّ بعشرين، ولا أبيعه إلا بثمانين؟
طالب: ما أحد يشتري.
طالب آخر: نفس المسألة.
الشيخ: ما أحد يشتري.
طالب: يجيبه زين -يا شيخ- ويبيعه بثمانين.
الشيخ: لا هو ( ... ) هو يدور المكسب، هو يمكن يكون ما عنده دراهم تتحمل الشيء الزين.
طالب: ما لا يدرك كله لا يترك كله.
الشيخ: ما هو على كل حال. المهم أن هذه يستعملونها بعض الناس، ولو قلنا لهم: هذا ما يجوز، قالوا: ما يُشْتَرى منا، وأيش نسوي؟ الأخ اقترح أنه يشتريه طيبًا بقيمة -مثلًا- مئتين ثلاث مئة، ثم يبيعه بالقيمة المرتفعة.
طالب: الواقع -يا شيخ- أن الباعة اللي يجلبون البضائع من جدة ويبيعونها هنا بسعر رخيص أن الناس يزدحمون عليهم حتى إلى الثانية ليلًا، أحيانًا بعد منتصف الليل وهم يفرغون من هذه البضايع ..
الشيخ: هذا هو المتوقع، لكن السؤال يرد عليَّ كثيرًا، يقولون: إذا فعلنا هذا، قالوا: هذا ما هو بزين ما نبغي.
الطالب: لا يبيعه، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]، فالرزق معلق بالتقوى.
الشيخ: على كل حال نقول: ما يجوز، نفتيهم بأنه ما يجوز.
(2/952)
________________________________________
وبزيادةِ الناجِشِ، والمستَرْسِلِ.
الرابعُ: (خيارُ التدليسِ) كتَسويدِ شَعْرِ الجاريةِ وتَجعيدِه، وَجَمْعِ ماءِ الرَّحَى وإرسالِه عندَ عَرْضِها.
الخامسُ: (خِيارُ الْعَيْبِ) وهو ما يَنْقُصُ قِيمةَ الْمَبيعِ كمَرَضِه وفَقْدِ عُضْوٍ أو سِنٍّ أو زِيادتِهما، وزِنَا الرقيقِ، وسَرِقَتِه وإباقِه وبَوْلِه في الفِراشِ، فإذا عَلِمَ الْمُشْتَرِي العَيْبَ بعدُ
بالخمس، ولكن ما ذهب إليه المؤلف أولى، أن يرجع في ذلك إلى العادة، فإذا قيل: من المُحَكَّم في العادة؟ هل كل أحد أو أصحاب الخبرة؟
طلبة: أصحاب الخبرة.
الشيخ: أصحاب الخبرة هم المحكمون في العادة، إذا قالوا: والله هذا غبن يخرج عن العادة، قلنا: يثبت الخيار، ولكن هل الخيار؛ أعني خيار الغبن، مقيد بشيء معين، أو متى حصل الغبن حصل الخيار؟
هذه المسألة فيها خلاف، أما المذهب فإن خيار الغبن مقيد أو مخصص بثلاث صور:
الصورة الأولى: تلقي الركبان؛ يعني: أن يخرج عن البلد ليتلقى الجالبين إليه فيشتري منهم، ومن المعلوم أن هذا المتلقي سوف يشتري بأقل من الثمن، أليس كذلك؟
طالب: بلى.
الشيخ: هذا هو، قال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: «لَا تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّى فَاشْتَرَى مِنْهُ -أي: من الجلب- فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ -وهو البائع- فَهُوَ بِالْخِيَارِ» (1)، هذا خيار غبن.
وقوله: «فَهُوَ بِالْخِيَارِ» إذا قال قائل: الحديث مطلق «فَهُوَ بِالْخِيَارِ»، ولم يقل: إذا غُبِن؟
فالجواب: أنه يحمل على الغالب المعتاد؛ لأن الجالب إذا قَدِم للسوق، ولم يجد أنه غُبِن فإنه لن يختار الفسخ، إذ لا فائدة من الفسخ ثم البيع مرة أخرى، فيحمل أن قوله: «إِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ» يعني: إذا غُبِن، وإن كان ظاهر الحديث الخيار مطلقًا.
(2/953)
________________________________________
الصورة الثانية، قال: (بزيادة الناجش)، في هذا المتن قالوا: (بزيادة الناجش)، (الناجش) اسم فاعل من نَجَش يَنْجُش، وأصل النَّجْش الإثارة، إثارة الشيء؛ هذا نجشه، والناجِش: هو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، وإنما يريد الإضرار بالمشتري، أو نفع البائع، أو الأمرين جميعًا، تصورتم هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: مثال ذلك: يُسام على هذه السلعة، فصار الناس يتزايدون فيها، وكان أحد هؤلاء يزيد في الثمن وهو لا يريد الشراء، ولكن من أجل منفعة البائع؛ لأنه صاحبه، وإلا هو لا يريد السلعة، أو أنه يريد إضرار المشتري؛ لأنه أيش؟ عدوه، أو يريد الأمرين جميعًا: نفع البائع؛ لأنه صاحبه والإضرار بالمشتري؛ لأنه عدوه، أو لا يريد شيئًا، وإنما يريد أن يقول الناس: فلان -ما شاء الله- يزيد في هذه السلعة الكبيرة؛ معناه أنه عنده فلوس وتاجر، ممكن ولّا غير ممكن؟
طلبة: ممكن.
الشيخ: ممكن، المهم، الضابط هو أن هذا الناجش يزيد وهو لا يريد الشراء، إنما يريد غرضًا آخر، فإذا غُبِن المشتري بسبب هذه الزيادة فإن له الخيار، لكن غُبِن غبنًا يخرج عن العادة، ويعني أن المشتري بعد أن بيعت عليه السلعة فكَّر، وإذا ثمنها زائد بسبب النجش، فهنا له الخيار.
والنَّجْش مُحَرَّم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم نهى عنه، قال: «لَا تَنَاجَشُوا» (2)؛ ولأنه يورث العداوة والبغضاء بين المسلمين؛ لأنه إذا عُلم أن هذا يَنجُش من أجل الإضرار بالمشترين كرهوه وأبغضوه، ثم عند الفسخ في الغبن ربما لا يرضى البائع بالفسخ، فيحصل بينه وبين المشتري عداوة، فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن النجش، والحاصل: أن النجش حرام، وأن المنجوش إذا غُبِن غبنًا يخرج عن العادة فله الخيار.
الصورة الثالثة، قال: (والمسترسل)، المسترسل: هو المنقاد مع غيره، المطمئِن إلى قوله، هذا في اللغة.
(2/954)
________________________________________
المسترسل في اللغة: مسترسل مع فلان؛ يعني: انقاد معه، ووثق به، واطمئن إلى قوله، ولكنه في الاصطلاح: من جهل القيمة، ولم يُحْسِن المماكَسة، موجودة في الشرح: (من جهل القيمة، ولم يُحْسِن المماكَسة).
والمماكَسة: هي المحاطَّة في الثمن، وهي التي تُعرف عندنا بالمكاسرة ( ... )، فهذا الرجل مُسْتَرسل، أتى إلى صاحب الدكان قال: بكم هذه الحاجة؟ قال: هذه الحاجة بعشرة ريالات، وهو رجل يجهل القيمة، ولا يحسن أن يماكِس، فأخذها بعشرة، فلما عرضها على الناس، قال: اشتريتها بعشرة، قالوا: هذه بخمسة ريالات، قال: ما علمت، نسمي هذا مسترسلًا، له الخيار أو لا؟ له الخيار؛ لأنه إذا كانت قيمته خمسة واشتراها بعشرة، هذا غَبن يخرج عن العادة، فله الخيار.
فإن كان يعلم القيمة ويدري أن قيمتها خمسة، لكنه أخذها بعشرة تطييبًا لقلب البائع، كما يوجد بعض الناس مثلًا إذا رأى هذا الرجل الفقير عنده بسطة يسيرة صغيرة، قال: كم ( ... )؟ قال: بعشرة، ويعرف أنها بخمسة، فأخذها بعشرة، فهل يكون مسترسلًا.
طلبة: لا.
الشيخ: ليش؟
طالب: لأنه فقد شرطًا.
طالب آخر: عَلِمَ.
الشيخ: لأنه يعلم القيمة، وكذلك لو رأى مع صبي، رأى معه دجاجة تساوي عشرة، قال: كم يا بني هذه؟ قال: هذه يا عم بعشرين، وإنها تساوي عشرة، لكن جبرًا لقلب هذا الصبي وإدخالًا للسرور عليه قال: خذ، هذه عشرين، ثم بعدئذٍ ندم، قال: كيف آخذ بعشرين ما يساوي عشرة؟ فرجع إلى الصبي، وقال: يا بني غبنتني، هل له الخيار؟
طلبة: لا، ما له الخيار.
الشيخ: ليش؟
الطلبة: لأنه عالم بالقيمة.
الشيخ: لأنه يعلم القيمة، ودخل على بصيرة، فلا خيار له.
(2/955)
________________________________________
وقوله: (ولم يحسن المماكسة) ظاهره أنه إذا كان يحسن المماكسة فإنه لا خيار له ولو غُبِن؛ يعني: رجل يجهل قيمة الأشياء لكنه جيد في المماكسة، فأتى إلى صاحب الدكان، وقال له: كم قيمة هذا المسجِّل؟ قال: قيمته مئتا ريال، وصاحب الدكان وضع ورقة عليه صغيرة: القيمة مئتا ريال، الرجل هذا جيد في المماكسة، لكن ظن أن هذه قيمته في الأسواق، فأخذ المسجِّل ثم لما عرضه على إخوانه، قالوا: هذا يباع في السوق بثمانين ريالًا، كم غُبِن؟ مئة وعشرين، فرجع إلى الرجل، وقال له: هذا بثمانين ريالًا، هل له الخيار أو لا؟
طالب: المذهب لا.
الشيخ: على كلام المؤلف لا خيار له، لماذا؟
لأنه يحسن المماكسة، يقدر يحاطّه في الثمن حتى يصل إلى ثمانين، ولكن الصحيح أن له الخيار، لماذا؟
لجهله بالقيمة ولتغرير البائع له، فلا ينبغي إلا أن نعامل البائع بنقيض قصده، لمَّا غرَّه نعامله بنقيض قصده، ونقول: له الخيار.
إذا كان هذا الرجل يعرف البيع والشراء، ليش ما ماكسني؟
نقول: لا، هذا -جزاه الله خيرًا- وثِق بك، ولستَ أهلًا للثقة، والآن له الخيار.
ومن المناجشة -وهي أيضًا نوع من الاسترسال- أن يقول البائع للمشتري: أُعطيت في السلعة كذا -وهو يكذب- قال: أعطيت فيها مئتان، وهو كذاب، المشتري سوف يقول: إذا كانت سِيمَت بمئتين أنا أطلَّع السوق وأقول: مئتان وعشرة، وفعلًا اشتراها بمئتين وعشرة، وتبين أن قيمتها مئة وخمسون، له الخيار؟
طلبة: نعم.
الشيخ: نعم له الخيار؛ وذلك لأنه غُبن على وجه يشبه النجش.
ومن ذلك أيضًا إذا قال: اشتريتها بمئة، وهو كاذب، اشتراها بخمسين، لكنه قال: اشتريتها بمئة فأخذها المشتري بمئة وخمسة ليربح بذاك الخمسة ريالات، وتبين أنه اشتراها بخمسين، له الخيار؟
طالب: له الخيار.
الشيخ: نعم، له الخيار؛ لأن هذا من النجش؛ فإنه استثار المشتري حتى اشتراها بأكثر من ثمنها.
فإن قيل: ما حكم النجْش، وما حكم أن يفعل ما يَسترسل معه المشتري؟
(2/956)
________________________________________
الجواب: كله حرام؛ لأنه خلاف ما يجب أن يكون عليه المؤمن لأخيه، فقد قال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (3).
فإن قيل: يوجد بعض الباعة إذا سُئل عن قيمة السلعة، قال: قيمتها مئة، وهو يبيعها بثمانين، لكنه يخشى أن يكون المشتري ممن يماكسون، فقال: إنها بمئة، على تقدير أنه سيماكس حتى تنزل إلى ثمانين، فهل يجوز له ذلك؟
الجواب: فيه تفصيل؛ إن كان حين يطمئن المشتري ويأخذها بما قدَّره فهذا حرام؛ لأنه من الغِش. وإن كان إذا رأى المشتري عازمًا على الأخذ، قال له: اصبر يا أخي، أنا قلتُ لك: بمئة؛ لأن بعض الناس يماكسني ويضطرني إلى أن أنزِّل، ولكن قيمتَها الحقيقية ثمانون؛ فهذا جائز، وإن كان فيه شيء بالنسبة للبائع، لكن هو الذي جنى على نفسه؛ لأنه إذا قال: يا أخي القيمة ثمانون، لكني أنا قلت لك: بمئة خوفًا من المماكسة، فإن المشتري سوف لا يطمئن أيضًا إلى أن القيمة ثمانون، لكن نقول: أنت الذي جنيت على نفسك.
ولهذا تجد بعض المشترين إذا قال له البائع هذا الكلام يأنف ويستنكف ويذهب إلى غيره، لكن نقول: أنت الذي فعلت، قل: الثمن ثمانون ولا مماكسة، مثل ما يقول: كلام واحد، كلام واحد ما فيه؛ إن أخذ فهذا المطلوب، وإن لم يأخذ فالسلعة باقية.
يوجد بعض الناس إذا جاءه الرجل المحنك الجيد في المماكسة، على طول ( ... ) بالثمن، وإذا جاءه الرجل الذي يكون سليم الصدر ولا يعرف، أو امرأة، أو فتًى شابّ لا يعرف الأمور زاد عليه في الثمن، ما الحكم؟ يجوز ولّا لا؟
طلبة: ما يجوز.
الشيخ: هذا حرام، لا يجوز أن يأخذ الناسَ بالغِرَّات، الإنسان الغَرير له ثمن، والإنسان الذكي الجيد له ثمن، هذا حرام، الواجب أن يكون مخلصًا ناصحًا للعباد؛ لأن هذا من الدِّين.
فتبين الآن أن الغبن له تعريف، وله محل، وله حكم.
تعريفه أيش؟ أن يُغبَن المشتري غبنًا يخرج عن العادة.
حكمه: حرام.
(2/957)
________________________________________
محله: ثلاثة، وإن شئتم صوره ثلاثة.
الأول: تلقي الركبان، والثاني: النجش، والثالث: الاسترسال.
فإن قال قائل: هل الغبن يكون للبائع أيضًا؟ بمعنى أن البائع يكون هو المغبون؟
طلبة: نعم.
الشيخ: ( ... ).
طلبة: نعم يكون.
الشيخ: كيف يكون؟
طالب: بالثمن.
طالب آخر: يكون بأن يأتي مثلًا رجل يشتري سلعة، وهو يعرضها للبيع، فيقول: هذه في السوق لا تباع إلا بثمانين، وهي تباع في الحقيقة بمئة وخمسين، فيقول البائع: بعتك إياها بثمانين؛ ظنًّا منه أن هذا هو الحق، فهذا المغبون عندما يرى أنا السلعة تُباع أكثر من هذا.
طالب آخر: كذلك في الثمن أن يُعطى دراهم مغشوشة.
الشيخ: لا، هذا عيب، وسيأتي.
طالب: تلقي الركبان، أليس من هذه الصورة؟
الشيخ: ويش؟
الطالب: الراكب يأتي معه بضاعة يبيعها في السوق بثمن على أساس أنها بهذا الثمن، فإذا ..
الشيخ: الغبن لمن؟
الطالب: للبائع هذا.
طالب آخر: يا شيخ، الصحيح أنه لا يغبن، والصورة التي ذكرها الأخ تفريط من البائع؛ لأنه هو ما يعرف السوق.
الشيخ: نعم.
طالب: كأن يرتفع ثمن السلعة ولا يعلم البائع بذلك.
الشيخ: إي، هذه نفس اللي قالها الإخوان، فيأتي إنسان جيد ويشتريها، وهذه تقع كثيرًا، لا سيما فيما سبق من الزمان، مثلًا يأتي التاجر المعروف، يأتيه خبر بأن السُّكَّر ارتفعت قيمته، فيذهب إلى من عندهم السكر ويشتري كل ما عندهم بالقيمة الحاضرة، وهم لا يعلمون أن قيمته ارتفعت، فيكون غبنًا أو لا؟ غبن لا شك، هذا غبن، وهم لم يفرطوا في الواقع، البائع في الواقع لم يفرط في مثل الصورة التي ذكرت الآن؛ لأنه باع على أن هذه هي القيمة، وأن الأسعار مستقرة.
والحاصل أنه كما أن للمشتري الحق إذا غُبن في فسخ البيع، فللبائع الحق إذا غُبن في فسخ البيع، ولا فرق.
طالب: البائع إذا كان له سلع مختلفة، بعضها يبيعه بالجملة وبعضها ..
الشيخ: أَعِد.
(2/958)
________________________________________
الطالب: البائع له بضائع مختلفة، يبيع بعضها بالجملة؛ يعني: بسعر خاص، بويع أرخص من السعر الثاني، وإذا جاء الشارون؛ يعني إذا أتوا إليه ( ... ).
الشيخ: الشارون أو المشترون؟
الطالب: المشترون.
الشيخ: نعم؛ لأن الشاري هو البائع.
الطالب: صحيح، يبيعه بسعر آخر أردأ من الإجمالي، هل هذا يمكن فيه الغبن؟
الشيخ: هل هذا يخرج عن العادة؟ هذه عادة الناس، يفرقون بين الجملة وبين المفرَّق.
طالب: إذا اشترى السلعة وكان يقول: بمئة وخمسين، قال: أنا أشتريها منك بمئة وخمسين، فإذا وجدتها في السوق بمئة فأرجع فلك السلعة.
الشيخ: فإذا؟
الطالب: إذا وجدتها في السوق بمئة أرد لك السلعة.
الشيخ: إذا وافق فلا بأس، وهذا من باب تحقيق الفسخ، لكن كما قلنا سابقًا: ينبغي أن يحدَّد، يقول: أنا بدوَّر في السوق إن وجدتها أرخص في خلال يوم أو يومين ( ... ).
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، كيف يضر الناجش البائع؟
الشيخ: أيش؟
الطالب: الناجش كيف يضر البائع؟
الشيخ: إي نعم، ما يتصور أن الناجش يضر البائع، يضر بالبائع؟ ! الناجش ينفع البائع، أو يضر المشتري، أو يريد نفع البائع وضرر المشتري جميعًا.
طالب: بالنسبة يا شيخ عندما قلنا: إنه يبيع بمئة ويخلي فرقًا عشرين ريالًا عشان المماكسة.
الشيخ: نعم.
الطالب: لو قلنا: إن السلعة أصلًا هي بثمانين مثلًا، ولكنه من جاء يماكسه نزَّل له بالخمسة أو عشرة؛ سبعين يعني، والذي لا يماكسه باعه بثمانين، فهل هذه تدخل في الصورة هذه أم ..
الشيخ: لا، إذا كان هذا بالثمن المعتاد يعني؟
الطالب: المعتاد الثمن هذا.
الشيخ: إذا كان هذا هو الثمن المعتاد بين الناس، لكن هذا الرجل إنسان صلب مماكس ونزَّل له للمماكسة فيه دفعًا لأذاه، أو كان صديقًا له مثلًا وباع عليه بأنزل؛ هذا لا بأس به.
(2/959)
________________________________________
طالب: بعض التجار ينقلون البضاعة من منطقة إلى منطقة بعيدة، وإذا وصل المنطقة البعيدة يرفع السعر، ربما ( ... )؛ يعني الضعف، ويقول: هذه من أجل المسافة، هل هذا غبن؟
الشيخ: لكن هل قيمتها في البلد الثاني هي القيمة التي حددها أو أقل؟
الطالب: ربما لا توجد هذه الـ ..
الشيخ: يعني يكون محتكرًا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: إذن ما يجوز.
الطالب: وإذا وقع هذا العقد؟
الشيخ: إذا وقع فله الخيار.
الطالب: لمن؟
الشيخ: للمشتري.
الطالب: المشتري لا يعرف الحد ( ... ).
الشيخ: إذا علم.
الطالب: وإذا لم يعلم هل يبقى ..
الشيخ: إذا لم يعلم هذا آثم.
الطالب: هل يذهب إليه ويرد عليه الثمن الزائد؟
الشيخ: إذا علم.
الطالب: من؟
الشيخ: إذا علم المشتري بالغبن له الخيار.
الطالب: وإذا لم يعلم يا شيخ؟ قال: هذا وقع.
الشيخ: ( ... ).
الطالب: لا، بعض البائعين يتوب إلى الله عز وجل يقول: ( ... ).
الشيخ: إذا كان يريد أن يتوب يذهب إلى المشتري، ويقول: يا أخ، ترى أنا في الواقع احتكرت السلعة ورفعت قيمتها بأكثر مما تسوى؛ لأن هذا يحسب أجرة النقل ويحسب أجرة الكسب، لا بد من شيئين.
لكن فيه مسألة ثانية قالها لي بعض الباعة غريبة، يقول: أنا أشتري ثيابًا -وليكن من جدة- بعشرين ريالًا الثوب، ثم آتي به -مثلًا إلى هنا في القصيم- وأقول: بثمانين؛ لأني إذا قلت للمرأة: القيمة عشرين، قالت: هذا ما نبغي الشين؛ لأن المرأة ( ... )، إذا قال لها: بعشرين فهو قيمته عشرون حقيقة، قالت: لا، هذا ما هو بزين، ولو قال لها: بمئتين، قالت: هذا الثوب الطيب، يلّا خذ. هل يجوز أن يفعل هذا أو لا؟
طالب: لا، ما يجوز.
الشيخ: ولا يشترى منك.
طالب: ولو ما اشترى.
الشيخ: إيش تقول؟
طالب: أقول: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، لكن إذا قال: ما يشترى مني وأيش أسوي؟
طالب: لا يشترى.
طالب آخر: يشترى بالحلال.
طالب آخر: لا يسوي الحرام.
الشيخ: ما نقول له: قل لها: إنه عليَّ بعشرين ولا أبيعه إلا بثمانين؟
(2/960)
________________________________________
طلبة: لا، ما تشترى.
طالب: نفس المسألة.
طالب آخر: يجيب ( ... ).
الشيخ: لا، ( ... ) يدور المكسب، ويمكن يكون ما عنده دراهم تتحمل ( ... ).
طالب: ما لا يدرك كله لا يترك كله.
الشيخ: ( ... ) على كل حال، المهم أن هذه يستعملونها بعض الناس، ولو قلنا لهم: هذا ما يجوز، قالوا: ما يشترى منا، ويش نسوي؟ الأخ اقترح أنه يشتريه طيبًا بقيمة -مثلًا- مئتين، ثلاث مئة، ثم يبيعه بالقيمة المرتفعة.
طالب: الواقع يا شيخ أن الباعة اللي يجلبون البضائع من جدة ويبيعونها هنا بسعر رخيص أن الناس يزدحمون عليهم حتى إلى الثانية ليلًا أحيانًا بعد منتصف الليل، وهم يفرغون من هذه البضايع وكذا، والناس ..
الشيخ: هذا هو المتوقع، لكن السؤال يرد عليَّ كثيرًا، يقولون: إذا فعلنا هذا ترى هذا ( ... ).
الطالب: إذن لا يبيعه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]، فالرزق معلق التقوى.
الشيخ: يعني على كل حال نقول: ما يجوز؟ ( ... )
طالب: شيخ، لو ( ... ) ثم اشترى منه؟
الشيخ: فله الخيار، لصاحبه الخيار؛ لأن هذا حق له، لكن هذا لا، قد نقول: إنه لا يعلم، وقد نقول بالإثم؛ لأنه ما دام اشترى منه قبل أن ينزل إلى السوق فهذا ممنوع.
طالب: هذا الرجل الذي جاء بالبضاعة مباعة ( ... ).
الشيخ: ما كان يعلم.
الطالب: إي، وكانوا ( ... ).
الشيخ: ويش اللي وقع له؟
طالب: تصدق بها.
طالب آخر: ويش السؤال؟
الشيخ: يتصدق بالزائد، يقول السؤال: إن هذا يشتري بعشرين ويبيع بثمانين ويقول: ما دريت أن هذا لا يجوز؟ هو على كل حال إذا كان هذا سعره في سوق البلد فلا عليه شيء، لكن أحيانًا يحتكر ما فيه أحد يورد إلا ..
طالب: يا شيخ، هذا ما ذكره البائع ليس قاعدة مضطردة.
الشيخ: اللي هو؟
الطالب: يعني أنه لا يُشترى منه إلا بثمانين؛ لأنه يوجد من الناس من هو فقير ومسكين ومتوسط الحال.
الشيخ: إي، لكن أنا قلت لك: النساء ما ( ... ).
(2/961)
________________________________________
الطالب: ( ... ).
الشيخ: هو الغالب هذا في النساء، لكن الرجال الظاهر أنه ما يجد ( ... )، لا بد يُشترى.
طالب: إذا علم يا شيخ البائع أن المشتري سوف يضطر إلى شراء سلعة حتى لو كانت غالية، فقال له: هذه بعشرين ولن أبيعها ( ... )، يعلم أن المشتري سوف يغبنه.
الشيخ: الإمام أحمد كره ذلك، كرهه، وهو جدير بأن يُكره؛ لأن قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (3)، إذن مثل هذا ما يجوز، يتحين ضرورته، ويقول: ما أبيع عليك إلا بكذا.
طالب: يا شيخ، المسألة التي ذكرها أليست من باب الغبن؟
الشيخ: إذا ظهر أنه باع فله الخيار، لكن يسأل هل يجوز أو لا؟
الطالب: يعلم يا شيخ.
الشيخ: من اللي يعلم؟
الطالب: يقول: هذه بعشرين ولن أبيعها إلا بأزيد.
الشيخ: إي، خلاص ما فيها غبن.
الطالب: بدون ( ... ).
الشيخ: لا، ما فيها غبن، لكن ما يجوز أن هذا يتحين ضرورته.
طالب: شيخ، بالنسبة فيه بعض المحلات معروفة بأنها محلات غالية، ولا يأتيها إلا الأثرياء، فقد تكون السلعة عندهم بخمسين وفي المحلات الأخرى بعشرة ريالات، ألا نقول: إنه يجوز لهم أن يبيعوها؛ لأنه معروف الطبقة التي تأتي إلى هذه المحلات لم تأتِ ..
الشيخ: ( ... )، إذا كان يفرق بين أهل البلد وعارف أن هذه محلات كبيرة وأجورها كبيرة وخدمها اللي فيها ( ... ) ويحتاج إلى ربح بيِّن ( ... )، وإلا صحيح ربما تجد السلعة عند صاحب الدكان مثلًا بمئتين، تجدها مرصوصة مع البساطين ..
طلبة: بخمسين ريالا أو عشرين.
الشيخ: إي نعم، بعشرين ريالًا، ولهذا صار التجار يتسلطون على أصحاب ( ... ) يمنعونهم؛ لأنهم يفسدون عليهم.
طالب: شيخ، قلنا: إن الناجش هو الذي يريد زيادة سلعة مع مضرة الـ ..
الشيخ: لا، قلنا: الناجش من يزيد في السلعة وهو لا يريد الشراء.
(2/962)
________________________________________
الطالب: هو لا يريد الشراء، وقد يترتب عليه مضرة المشتري، إذا كان له غرض صحيح كأن يزيد في سلعة هي مِن منافع المسلمين، تدخل مالها المبيع به الثمن ..
الشيخ: ما يجوز، حتى ولو كان كذلك.
الطالب: ولو كان لأجل رفع قيمتها في السوق.
الشيخ: إي، ولو كان لذلك؛ لأنه ما ( ... ) حق خاص؛ يعني بعض الناس يقول مثلًا: هذه الأموال تصرف في الإغاثة مثلًا أو في تسليح المجاهدين أو ما أشبه ذلك، يقول: أنا أزود لأجل تكون زيادة لهؤلاء، هذا حرام ما يجوز، إذا عرضت تباع بما عليه ( ... ).
لكن فيه مسألة: لو كان هو لا يريد الشراء في الأصل، لكنه رأى أن الثمن الذي بذل فيها قليل، أن الثمن قليل، فصار يزوِّد وهو في الأصل ما يريدها، لكن صار يزود بناء على أن الثمن قليل، وأنها سوف تُرَبِّحه، حتى ارتفع الثمن ثم تركها، هل هذا جائز؟
طلبة: لا.
الشيخ: هذا جائز؛ لأن الإنسان غرضه إما أن يكون في نفس السلعة وإما أن يكون بربحها، فهو يقول: أنا زودت فيها ما دمت أعتقد أنني سوف أربح، فإذا ارتفعت قيمتها تركتها. نقول: لك ذلك.
طالب: إذا كان إنسان ما يعرف قيمة السلعة، وهو لا يعرف المماكسة، وبضاعته ستؤخذ بدون قيمتها، الإنسان اللي يرفعها يرفعها ما يريد شراءها حتى تصل قيمتها ..
الشيخ: أيش لون؟
الطالب: يعني: إنسان غر، ما يعرف ..
الشيخ: البائع يعني؟
الطالب: إي، البائع.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: مثل بضاعة تسوى مئة ريال وقد تؤخذ بخمسين ريالًا ( ... ) سأله حتى يستفيد رأيه، ويش لون ( ... )؟
الشيخ: ويش تقولون في هذا؟ ينطبق عليه النجش ولّا لا؟
طلبة: لا.
طالب: ينطبق النجش.
الشيخ: ينطبق.
طالب: ظاهرًا يا شيخ.
الشيخ: ينطبق عليه النجش؛ لأن هذا أراد بزيادة الثمن ..
طالب: لكن لمصلحة ..
الشيخ: لمصلحة البائع.
طالب: ولو كان ( ... ).
الشيخ: ما يخالف ( ... ) لا يبيعها البائع، إلا إذا وافقت على الخمسين، وقال: السعر خمسون، ( ... ).
طالب: نفس المسألة التي ذكرناها قبل قليل.
(2/963)
________________________________________
الشيخ: وهي؟
الطالب: ( ... ) أنه إذا كان الثوب أقل من القيمة، فيرفع الثوب ( ... ).
الشيخ: لا، ما هي، اللي ذكرنا هو نفسه ما يريده، لكن يريد أن يشتريها ليربح فيها، فكان يزيد، لَمَّا وصلت إلى الثمن الذي يرده وما فيه ربح تركها، عرفت؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: هذا ما يجوز؛ لأنه الآن ينفع البائع على حساب؟
طالب: المشتري.
الشيخ: المشتري، لكن إن قلنا: إذا باعها بخمسين وهي تسوى مئة ( ... ) لعلك تعطيه مع الثمن خمسين ريالًا.
طالب: جزاك الله خيرًا ( ... ).

***
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ما هي الحكمة من إثبات خيار المجلس للمتبايعين؟
طالب: أن الإنسان قد يتصرف التصرف الأول ثم يجبره فيما بعد ( ... ).
الشيخ: الحكمة أن الإنسان يعطى مهلة حتى يتروَّى في العقد فيمضيه أو لا؛ لأن الإنسان أول وهلة يرغب في الشيء، ثم تزول رغبته، فجعل الشارع له أمدًا إلى التفرق.
هل يعتبر هذا من محاسن الشريعة؟
طالب: نعم، من محاسن الشريعة، حيث أعطت البائع والمشتري أيضًا ..
الشيخ: البائع والمشتري، أعطت كل واحد منهما فرصة في الرجوع عن العقد.
تبايعا على أن لا خيار بينهما؟
طالب: تم البيع عند العقد.
الشيخ: تم؟
الطالب: نعم، إذا تفرقا.
الشيخ: تبايعا على أن لا خيار بينهما؟
الطالب: نعم، تم البيع.
الشيخ: إذا تفرقا؟
الطالب: سواء تفرقا أو لم يتفرقا.
الشيخ: يعني يلزم بمجرد؟
الطالب: العقد.
الشيخ: العقد، عندك دليل على هذا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» (4).
(2/964)
________________________________________
الشيخ: أحسنت، هل هناك دليل على ثبوت خيار الشرط؟
طالب: يُستدل له من قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: «أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ»، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم إلغاء خيار المجلس، وهذا فيه تنقيص للمدة، والزيادة مثل النقصان إن لم تتناول ( ... ).
الشيخ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} يشمل الشروط المباحة فيها؛ لأن الشروط في العقود من أوصاف العقود، فتدخل ضمن قوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}.
الملك مدة الخيارين لمن؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: كلام المؤلف قبل كل شيء.
الطالب: كلام المؤلف أنه ( ... ).
الشيخ: الملك مدة الخيارين؟
الطالب: نعم.
الشيخ: للمشتري؟
الطالب: إي.
الشيخ: سواء الثمن أو المثمن؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: حتى ملك الثمن للمشتري؟
الطالب: لا، ملك الثمن للبائع، ولكن ( ... ).
الشيخ: نعم، وملك الثمن المعين؟
الطالب: للبائع.
الشيخ: للبائع، الدليل؟
الطالب: لأنه لو تلف عنده ..
الشيخ: الدليل، ما هو التعليل.
الطالب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» (5)، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ( ... ).
الشيخ: لما جعل ماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع علم أن العبد انتقل للمشتري، واضح يا جماعة؟ واضح الدليل؟
طلبة: واضح.
طالب: أقول: ما دام أنه جعل المبيع طبقًا للمشتري ( ... ).
الشيخ: ما دام جعل المال للبائع عُلم أن العبد لمن؟
طالب: للمشتري، وبالتالي صار الثمن ملكًا أيضًا للبائع.
الشيخ: نعم.
رجل اشترى بيتًا وشرط الخيار لمدة عشرة أيام، يجوز؟
طالب: إي نعم.
طالب: ابتداؤه ( ... ).
الشيخ: من العقد.
الطالب: من العقد لا يجوز، ( ... )، إلا مدة تلي العقد.
الشيخ: اشترى بيتًا وشرط الخيار لنفسه عشرة أيام؟
الطالب: إي، صح.
الشيخ: ابتداؤه منين؟
الطالب: ابتداؤه من العقد.
(2/965)
________________________________________
الشيخ: من العقد.
هل يجوز أن يتصرف المشتري في هذه المدة في المبيع؟
الطالب: نعم، يتصرف على الصحيح.
الشيخ: وعلى غير الصحيح؟
الطالب: على غير الصحيح على مدة ( ... ).
الشيخ: هل يتصرف أو لا؟
الطالب: لا يتصرف.
الشيخ: لا يتصرف.
الطالب: وعلى الصحيح يتصرف، وعليه أجر المثل، إذا تصرف فعليه أجر المثل.
الشيخ: ما عندنا أجر، كيف أجر؟ في الإجارة هذا، ما تقوله في الإجارة، لكن هذا بيع، باع عليه هذا البيت واشترط الخيار لمدة عشرة أيام.
الطالب: نعم، يتصرف ( ... ).
الشيخ: يتصرف؟
الطالب: نعم، يتصرف.
الشيخ: تصرف، هل يبطل خياره؟
الطالب: يبطل خيار المشتري، لا خيار البائع.
الشيخ: البائع ما له خيار أصلًا.
الطالب: قصدي تم البيع.
الشيخ: تم البيع، قال المؤلف: (تصرف المشتري)؟
الطالب: (فسخ لخياره).
الشيخ: الثالث من أقسام الخيار ما هو؟
طالب: خيار الغبن.
الشيخ: خيار الغبن؟ ما هو الغبن؟
الطالب: أن يبيع السلعة على من يجهلها.
الشيخ: لا، الغبن ما هو أصلًا؟ ويش الغبن؟ إذا قال: فلان غبنني. ويش معناه؟
الطالب: خدعني.
الشيخ: خدعني، ما تقولون في هذا؟
طالب: الغلبة.
الشيخ: الغلبة؛ يعني: غلبني فلان.
هل يثبت خيار الغبن في كل شيء أو في أشياء معينة؟
طالب: يثبت في كل شيء إلا في ثلاث حالات: في تلقي الركبان، وزيادة الناجش، والمسترسل.
الشيخ: صح.
طلبة: العكس يا شيخ.
الشيخ: كيف؟
طالب: يقول: يثبت إلا في ثلاث حالات.
الشيخ: لا، يثبت في ثلاث حالات.
طالب: قال: إلا.
الشيخ: يقول: لا يثبت إلا.
طالب: إي نعم.
الشيخ: طيب، لا يثبت إلا في ثلاث حالات.
طالب: لا، قال: يثبت إلا في ثلاث حالات.
الشيخ: يثبت إلا؟
الطالب: هو قالها هكذا.
الشيخ: إي، أنا انشغلت في الورقة اللي جاتني، المهم، الصواب الآن: يثبت في ثلاث صور: تلقي الركبان، والنجش، والمسترسل، والصحيح العموم.
هذا يقول: مهم جدًّا. والصواب مهم ولّا هام؟
طالب: هام.
(2/966)
________________________________________
الشيخ: هام جدًّا، الفرق بينهما: المهم الذي يُلحِق الإنسان الهم، والهام الذي هو هام في نفسه، هذا الفرق، وكثير من المعبرين لا يعرفون هذا الفرق، يجعلون (هام) بدل (مهم) و (مهم) بدل (هام).
***
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يقول رحمه الله: (الرَّابِعُ: خِيَارُ التَّدْلِيْسِ).
(التدليس) مأخوذ من الدُّلسة وهي الظلمة، ومعناه: خيار الإخفاء؛ لأن الذي يُخفي الشيء مدلِّس.
خيار التدليس ضابطه: أن يُظهر البائعُ السلعة بمظهر مرغوب وهي خالية منه، هذا سببه، فالتدليس إذن: أن يظهر البائع السلعة بمظهر مرغوب وهي خالية منه، هذا التدليس، ومعلوم أنه إذا أظهرها بمظهر طيب مرغوب سوف يزيد ثمنُها، أليس كذلك؟
ومنه فعل الصحابي -عفا الله عنه- حين وضع التمر السليم فوق التمر الذي أصابته السماء (6)، فإن هذا تدليس، ومنه أن يكون عند الإنسان بيت قديم فيُلَيِّسُه حتى يُظهره وكأنه جديد، ومنه أن يكون عنده سيارة مخدَّشة، فيضربها صبغًا حتى يظن الظانُّ أنه ليس فيها شيء، المهم أن التدليس: أن يُظهر الشيء بمظهر مرغوب وهو خالٍ منه.
مثاله -المؤلف رحمه الله وضَّحه بالمثال-: (كتسويد شعر الجارية) يعني: عند بيعها، عنده جارية يريد أن يبيعها، وشعرها أبيض؛ إما لآفة أو كِبَر، فيسوِّده؛ ليظن الظان أنها شابة صغيرة، هذا حرام، وفيه الخيار كما سيأتي.
(وتجعيده)، تجعيد أيش؟ شعر الجارية، (وتجعيده) معناه: أن يدهنه بدهن يجعله متجعدًا؛ يعني متعكرشًا؛ يعني كـ ..
طالب: مموج يا شيخ.
الشيخ: كما يكون في جبال الرمل، النِّفْت.
طالب: مموج.
الشيخ: مموج؟
الطالب: نعم.
(2/967)
________________________________________
الشيخ: يمكن هذا أقرب شيء؛ لأنه إذا ظهر مجعدًا دلَّ ذلك على أنه قوي، وضده السَّبِط اللَّين الذي لا يكون له تجعيد، فأيهما أرغب عند الناس الأول أو الثاني؟ الأول أرغب عند الناس، إذا كان الشعر قويًّا متجعدًا فهو أرغب من أن يكون لينًا سهلًا مسترسلًا، هذا الرجل لما أراد أن يبيع الجارية جعَّد رأسها من أجل أن يزيد الثمن، فنقول: هذا حرام لا يجوز؛ لأنه غش.
(وجَمْعِ ماء الرَّحَى وإرسالِه عند عَرْضِها)، هذا شيئان، لكنهما شيء واحد في الواقع، يجمع ماء الرحى ثم يرسله عند عرضها للبيع، الرحى كيف يكون لها ماء؟
فيه أَرْحِيَة تدور على حسب جريان الماء، فيجعل صاحبُ الرحى سدًّا ينحبس به الماء، فإذا أراد بيعها فتح هذا السد، ثم اندفع الماء بشدة وسرعة، فتدور الرحى دورانًا سريعًا، فيظن المشتري أن هذا هو وصفها، وأنها جيدة، وأن الماء يندفع بسرعة، فيزيد الثمن، هذا أيضًا من التدليس؛ لأنه أظهر المبيع بمظهر مرغوب فيه، وهو خالٍ منه.
فإذا قال قائل: كيف يكون للرحى ماء وهي ستطحن الدقيق؟ وهذا يقتضي أن يكون الدقيق عجينًا؟
نقول: لا، يُجعل عجلة -يعني: بكرة لها رِيَشٌ- يضرب بها الماء فتدور، ثم في هذه البكرة سَيْر متصل بالرحى البعيدة عن الماء، وهذا السير هو الذي يُدير الرحى البعيدة، ويشبه من بعض الوجوه جنزير السيكل، تعرفونه؟
طالب: إي نعم.
الشيخ: إي نعم، يكون الذي يدير هذا بعيدًا عن الرحى، فيظن الظان أن هذا هو ماؤها، وأن هذه قوتها فيزيد في ثمنها.
إذن جمع الرحى وحده ولّا جمعه وإرساله؟
طلبة: جمعه وإرساله.
الشيخ: نعم، جمعه وإرساله عند عرضها.
(2/968)
________________________________________
اقتصار المؤلف -رحمه الله- على هذه الأمثلة الثلاثة: تسويد شعر الجارية، تجعيده، جمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها، لا يعني أنه لا يثبت إلا في هذا، بل هذه أمثلة، والضابط ما ذكرناه لكم: وهو إظهار المبيع بصفة مرغوب فيها وهو خالٍ منها، من ذلك: تصرية اللبن في ضرع بهيمة الأنعام، تصرية؛ يعني: جمع اللبن في ضرع البهيمة، وهو مُحَرَّم، قال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ» (7)، فيربط ضرع البهيمة، ويجتمع اللبن في الضرع، فإذا جلبها في السوق ورآها المشتري ظن أن هذا عادتها، وأن لبنها كثير، فيزيد في ثمنها، إذا وقع هذا من البائع -أعني التدليس- فماذا يصنع؟
نقول: أما التصرية فإن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حكم فيها بحكم الله -عزّ وجل- قال: «وَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ -أي: بعد التصرية- فَهُوَ بِالْخِيَارِ؛ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ»، وفي رواية: «هُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» (8)؛ يعني: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعل له الخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسك وإن شاء رَدَّ، وجعل له الثلاثة؛ لأجل أن يستقر اللبن؛ لأنه ربما يستقر على هذه الكثرة، فإن شاء أمسكها، وإن شاء ردها ورد معها صاعًا من تمر، إن شاء أمسكها، وربما يمسكها ولو كان لبنها قليلًا؛ لأنه يريد عين هذه البهيمة أو يمكن يرتفع السعر في أثناء هذه المدة، فيختارها ولو كان لبنها قليلًا، لكن إذا قال: أنا أريد أن أردها. نقول: لا بأس، رُدَّها ورُدَّ معها صاعًا من تمر.
وحينئذٍ يرد إشكال:
أولًا: كيف أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو حكم بأن يُرد معها صاع من تمر، والإشكال هنا: هذا الصاع من التمر هل هو عوض عن اللبن الحادث بعد العقد، أو هو عوض عن اللبن الموجود حين العقد؟
طلبة: الثاني.
(2/969)
________________________________________
الشيخ: الثاني، هذا الصاع عوض عن اللبن الموجود حين العقد؛ لأن اللبن الموجود حين العقد مُلك لمن؟ للبائع، أما ما حدث بعد العقد فهو ملك للمشتري، وقد سبق أن نماء المبيع لمن؟ للمشتري، له نماؤه المنفصل.
ثانيًا: لماذا قدره بصاع، وهو قد يساوي أكثر من صاع، وقد يساوي أقل؟
نقول: قدره النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بصاع قطعًا للنزاع؛ لأنه ربما يتنازع المشتري والبائع، فيقول البائع: اللبن فيها كثير، والمشتري يقول: فيها اللبن قليل، فقطعًا للنزاع قدره النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وقوَّمه للأمة إلى يوم القيامة قطعًا للنزاع.
ثالثًا: لماذا لم يقل: صاعًا من طعام، وجعله كالفطرة؛ من البُر، من الشعير، من الأقِط، من الزبيب، بل قال: صاعًا من تمر؟
نقول: لأن التمر أقرب ما يكون إلى اللبن، ففي اللبن حلاوة، وفي اللبن غذاء، والتمر كذلك، فهو أقرب ما يكون شبهًا بالتمر، لو أنك أردت أن تشبه بين اللبن والخبز لوجدت الفرق أكثر، لكن اللبن والتمر متقارب، وكله يؤكل طريًّا بدون كلفة وبدون طبخ؛ يعني يؤكل ويشرب.
رابعًا: لو أراد المشتري أن يرد اللبن الذي حَلَبه، وقال للبائع: أنا حلبتُ صاعًا من اللبن أو نصف صاع من اللبن، وهو موجود الآن أرده عليك بعينه. فهل نقول: إنه يجب على البائع أن يقبله؛ لأنه رد عليه عين ملكه، أو نقول: إن الشرع ورد بتقديره من التمر، فلا نعدل عما جاء به الشرع؟
طالب: الثاني.
طالب آخر: الأول.
الشيخ: اختلفتم كما اختلف العلماء من قبلكم، بعض العلماء يقول: إذا رده بحاله لزم البائع أن يقبل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعل هذا عوضًا عنه؛ لأنه في الغالب أن المشتري إذا حلبه استهلكه؛ هذا الغالب.
وبعض العلماء يقول: إنه لا يُجبَر على قبول اللبن؛ لأنه باع اللبن متصلًا بالبهيمة، وفصَله المشتري، فكان عُرضة للحموضة والفساد، والتمر جنسٌ عيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام فلا نتعداه.
(2/970)
________________________________________
وعندي أن هذا أقرب إلى الصواب، لو لم يكن فيه إلا اتباع السنة لكان كافيًا، فيقال للمشتري إذا أراد أن يرد اللبن نقول: لا، رد صاعًا من تمر، كما أن البائع لو قال: أعطني الحليب الذي حلبته، وهو عندك الآن لَمْ تشربه ولم تتصرف فيه، أعطني الحليب، وقال المشتري: أبدًا، أعطيك صاعًا من التمر، أيهما يُقبل؟ يُقبل الصاع ولّا المشتري؟
طلبة: الصاع.
الشيخ: لا يا أخي، يُقبل المشتري أن يرد الصاع، الصاع ما هو بيُقبل ولا يُرد، اللي يُقبل صاحبه، أنا قصدي بهذا تحديد عبارتكم، إذن يُقبل من قال: أرد الصاع؛ لأن البائع ربما يقول للمشتري: أعطني اللبن الذي حلبت، وهو عندك الآن، واللبن يساوي ثلاثة آصع من التمر. فيقول المشتري: لا أعطيك إلا ما قدره النبي صلّى الله عليه وسلّم.
إذن كل من طلب ما قدَّره الرسول صلّى الله عليه وسلّم وعيَّنه فهو .. أتموا.
طالب: فهو الأولى.
الشيخ: فهو المقبول، هو الذي يُقبل.
إذا كان اللبن لا قيمة له شرعًا، كما لو اشترى حمارة مُصَرَّاة، هل يرد صاعًا من تمر؟
طلبة: لا.
الشيخ: إذا قال المشتري: أنا عندي أتان صغيرة، واللبن هذا ما له قيمة بالنسبة للآدمي؛ لأنه حرام، لكن بالنسبة للأتان الصغيرة له قيمة ولّا ما له قيمة؟ له قيمة، فيقال: إن هذا ليس له قيمة شرعًا فليس له عوض، لكن لك الرد، ما دام قد دُلِّس عليك واشتريت حمارة مُصَرّاة فلك الرد.
فيما إذا دُلس عليه بغير التصرية؛ يعني: سُوِّد شعر الجارية، وأراد الرد، فهل نقول: لو اختار الإبقاء -الإمساك- مع الأرش هل له ذلك؟ لو قال المشتري: أنا أريد الجارية، لكن أريد الفرق بين قيمتها شابةً وقيمتها عجوزًا؟
نقول: لا، إما أن تردها، وإما أن تمسكها بدون أرش. ( ... )
***
طالب: قلنا فيمن اشترى أتانًا وكانت مصراة: إن له الرد، أما الذي يشتري الإبل والغنم فواضح أن له الرد؛ لأن كثرة اللبن في الضرع مقصودة، لكن كيف يكون لهذا الرد مع أن اللبن في الأتان لا يجوز؟
(2/971)
________________________________________
الشيخ: أنسيت أم غفلت؟
الطالب: لا، ما غفلت.
الشيخ: ولّا نسيت؟
الطالب: ولّا نسيت.
الشيخ: ويش قلنا يا جماعة؟ قلنا: يمكن عندها أولاد؛ جحوش صغيرات.
الطالب: ( ... ) الأتان الصغيرة، قلنا: يأخذ هذه الأتان، لكن اللبن عادي، في الإبل والغنم إنما يشتريه الإنسان ليشربه لا ليعطيه الأتان أو ..
الشيخ: حتى الحمير، ما اشتراه ليشربه، معروفة.
طالب: ما ترضعه يا شيخ، إن صار لها ولد ما ترضعه.
الشيخ: أصبت لو كانت بعيرًا، أما أنت فلست من أهل الحمير، تَشْرَبْ.
طالب: ( ... ) فليس له الأرش.
الشيخ: نعم.
الطالب: أليس هذا يفتح باب التدليس ( ... )؛ لأنه يقول: أنا سوف أدلس، فإن اكتشفت فسوف ترد عليَّ بالأرش، ( ... ).
الشيخ: هل التدليس معصية أو لا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: معصية؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يقول العلماء: التعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، يرفع الأمر إلى القضاء ويعزر.
الطالب: ( ... ) بالأرش أو بالرد أو بالإنظار.
الشيخ: هو على كل حال لو قيل بأن فوات الصفة المطلوبة كوجود العيب، لو قيل بهذا، لكن الفقهاء يقولون: لا، ما فيه أرش.
طالب: شيخ، لو ( ... ).
الشيخ: يقول: لو أنه سلط أنوارًا قوية على الملابس والأجهزة اللي في الدكان، فظنها الإنسان مثلًا ..
طالب: جديدة.
الشيخ: لا، جديدة أو عتيقة ما هي مشكلة.
طالب: جميلة.
الشيخ: لكن ظنها أجمل مما لو كانت الأنوار خفية، ما تقول؟ لو أكثر الفُرَج في الدكان -الفرج: الإضاءة- هل يكون تدليسًا؟
طالب: لا.
الشيخ: وهذه؟
الطالب: وهذا الرجل إذا فهم هذا مثل ( ... ).
الشيخ: لا، ما أظن هذا تدليسًا؛ لأن هذا لا يعود إلى نفس السلعة، السلعة ما غُيرت.
طالب: ( ... ).
الشيخ: بعد أن يحلبها.
الطالب: إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعًا من تمر.
الشيخ: صح.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: قبل حلبها؟ ويش يدريه أن التصرية قبل الحلب؟ ما يعلم التصرية إلا بعد حلبها.
(2/972)
________________________________________
طالب: لو اشترى شيئًا مصراة، بقرًا سواء أو إبلًا، ثم أراد أن يرجع لما تبين أنه ليس كما ظنه بالأول، وليس معه التمر، في بعض البلاد ما يوجد تمر.
الشيخ: صحيح، ماذا تقولون في هذا؟ يقول: في بعض البلاد ما فيه التمر؟
طالب: القيمة يا شيخ.
الشيخ: كيف؟ التمر ما له قيمة، ما فيه تمر، هل عندهم تين؟
طالب: لا، ما عندهم.
الشيخ: ويش أقرب شيء للتمر عندهم؟
الطالب: يعني قد يوجد بالسوق تمر ولكنه أغلى يا شيخ؛ لأنه لكثرة الندرة يكون ..
الشيخ: الحديث «صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» (7)، ولو كان بألف ريال، هو على كل حال، إذا رأى أن قيمة صاع التمر أكثر من قيمة البهيمة ما ( ... )، خليها.
طالب: ( ... ) العنب.
الشيخ: نعم.
طالب: الزبيب يا شيخ.
الشيخ: عندكم عنب؟
طالب: لا، الطعام اللي على الحبوب، اللي على الذرة ( ... )، الحبوب وغيرها.
الشيخ: الجواب الصحيح أنه إذا فُقِد التمر فما يقوم مقامه يجزئ عنه ( ... ).
إظهار السلعة بوصف مرغوب وهي خالية منه، مثاله؟
طالب: مثاله تسويد شعر الجارية، وتصرية ..
الشيخ: حتى تظهر وكأنها؟
الطالب: وكأنها شابة.
الشيخ: نعم، ما معنى قول المؤلف: (وجَمْعِ ماء الرَّحَى وإرسالِه عند عَرْضِها)؟
طالب: أن تكون الرحى تدور ببكرة، تدور هذه البكرة عن طريق الماء، فيجمع الماء ويحبسه، فإذا أراد أن يبيعها يطلق الماء دفعة واحدة؛ فتضخ وكأنها تدور سريعة ( ... )، فيظن المشتري أن هذا دورانها الطبيعي.
الشيخ: نعم، إذن (جَمْع ماء الرَّحَى وإرساله) ليس مسألتين.
الطالب: نعم، نفس المسألة.
الشيخ: بل هي مسألة واحدة.
هل التدليس حرام؟
طالب: نعم، التدليس حرام.
الشيخ: الدليل؟
الطالب: لقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» (9).
الشيخ: أحسنت، إذن هو من الكبائر؛ لأنه رُتب عليه عقوبة، بارك الله فيك.
عَلم بالتدليس فماذا يصنع؟
طالب: إذا علم بالتدليس فهو مخيَّر -على المذهب- مخير بين الإمساك مع الأرش وبين الردِّ.
(2/973)
________________________________________
الشيخ: بين الإمساك مع الأرش -على المذهب- أو الرد.
الطالب: في غير التصرية.
الشيخ: في غير التصرية، الظاهر أنه فيه من يخالف، توافقون على هذا: أنه يمسك مع الأرش أو يرد إلا في التصرية؟
طالب: الإمساك صحيح بلا أرش.
الشيخ: كيف؟
الطالب: إما أن يمسك بلا أرش أو يَرُدَّ.
الشيخ: تمام، هذا هو الصحيح، هذا المذهب: يمسك بلا أرش وإلا يرُدَّ، إلا في مسألة واحدة، ما هي؟
طالب: التصرية.
الشيخ: التصرية؛ فإنه يردها؟
الطالب: إن انتفع باللبن يردها وصاعًا من تمر.
الشيخ: نعم، وهل خيار التدليس على التراخي أو على الفور أو مقيد بمدة؟
طالب: في التصرية مقيد بثلاثة أيام.
الشيخ: أحسنت.
الطالب: وفي غير التصرية.
الشيخ: في التصرية يقيد بثلاثة أيام بعد الحلب، وغير التصرية؟
الطالب: على التراخي.
الشيخ: يرى بعض العلماء أنه إذا تبين التدليس فله الإمساك مع الأرش.
طالب: نعم يرى هذا بعض العلماء.
الشيخ: يرى هذا؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: وجهه؟
الطالب: وجهه يقول: ما دام أنها ما تساوي هذه السلعة ما تساوي هذه القيمة فهو بالخيار؛ لأنه هو المخطئ.
الشيخ: اشتراها على أنها موصوفة بهذه الصفة، وتبين أنها خالية منها، فهو كالعيب، ولكن ظاهر حديث المصراة أنه؟
طالب: ظاهر حديث المصراة أنه ليس له أرش.
الشيخ: ليس له أرش؛ لأنه قال: «إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا» (7)، ولم يقل: أمسكها بأرش. نعم، وهذا هو المذهب: أنه لا أرش له، يقال: إما أن تقبل على ما هي عليه وإما أن ترد، والمسألة فيها خلاف في غير المصراة، أما المصراة فالحديث ظاهر أنه ليس له أرش.
***
قال المؤلف رحمه الله: (الخَامِسُ) يعني: من أقسام الخيار.
(الخَامِس: خِيَارُ العَيْبِ).
(خيار) مضاف، و (العيب) مضاف إليه، وهو من باب إضافة الشيء إلى سببه؛ يعني: الخيار الذي سببه العيب.
(2/974)
________________________________________
والعيب ضد السلامة، فيقال: هذا مَعيب، وهذا سليم، يُقال في البهيمة التي لا تجزئ في الأضحية يقال: هذا عيب، والسالمة يقال: سليمة، فالعيب ضد السلامة، والمعيب ضد السليم.
لكنه هنا يقول المؤلف رحمه الله: (وهو ما يُنَقِّصُ قيمةَ المبيع).
فإذا كان هذا المبيع لولا هذا العيب لكان يساوي ألفًا، وبالعيب يساوي ثمان مئة مثلًا، هنا نقَّص قيمة المبيع، وظاهر كلام المؤلف أنه ولو كان النقص مما يُتغابن به عادة؛ يعني: لو كان النقص يسيرًا، كاثنين في المئة، فظاهر كلامه أن هذا عيب؛ لأنه أطلق فقال: (ما ينقص)، وكلمة (ما) اسم موصول تفيد العموم.
وقوله: (ما ينقص قيمة المبيع)، هذا هو الضابط، وما بعده فأمثِلة.
مثاله: (كمرضه)، ولو كان المرض يسيرًا؛ لأنه من الجائز أن هذا المرض يتطور حتى يتدهور، فإذا وَجد في المبيع مرضًا فله الخيار ولو يسيرًا، حتى وإن كان لا ينقص القيمة إلا شيئًا يسيرًا.
قال: (كمرضه وفقد عضو) يعني: وكفقد عضو، مثل: أن وجد أحد أصابعه مقطوعًا، فهذا فَقْد عضو، وظاهر كلامه -رحمه الله-: ولو كان خِصاءً، فإذا اشتراه على أنه فَحْل فتبين أنه خَصِي، فظاهر كلام المؤلف أنه عَيب؛ لأن هذا فَقْد عضو، حتى وإن زادت القيمة، ربما تزيد القيمة.
أما في الرقيق فظاهر أن الخَصي أرغب عند الناس من الفحل؛ لأنه أقل فتنة وشرًّا، وأما في البهائم فقد يكون الخَصي أرفع قيمة من الفحل، وقد يكون الفحل أرفع قيمة من الخصي، قد يشتري هذا الذكر من الضأن على أنه فحل من أجل أن يُنْزِيَه على الشِّياه، فإذا كان خصيًّا لم ينفع، فتنقص قيمته، وقد يشتريه للأكل على أنه فحل فيتبين أنه خصي، والخصي في الأكل أرغب عند الناس من الفحل؛ لأنه أطيب لحمًا وأكثر قيمة.
فعلى كل حال، الخِصَاء، الصحيح أنه ليس بعيب مطلقًا، وليس سلامة مطلقًا، بل على حسب مقاصِد المشترين: إذا قصدوا فحلًا فتبين خصيًّا فهو عيب، وإن كان الأمر بالعكس فليس بعيب.
(2/975)
________________________________________
فإذا قال مشتري الرقيق: أنا أريد أن يكون فحلًا لعله في يوم من الأيام يتزوج ويأتيه أولاد، نقول: وإذا تزوج وأتاه أولاد ما فائدتك منه؟ ! لأنه إن تزوج بحرة فأولادها أحرار، وإن تزوج بمملوكة فأولادها لسيدها، ولن تستفيد من ذلك شيئًا، قال: لعلي إذا أعتقته تزوج وأنجب، نقول: وإذا تزوج وأنجب بعد إعتاقه فلا فائدة لك منه، والخصاء في الرقيق لا شك أنه رفعة لقيمته، وهذا أمر معروف.
إذن فَقْد عضو عيب، إلا في الخصاء ففيه التفصيل الذي سمعتم.
وفقد سِن، السن أليس عضوًا؟ لا، ليس عضوًا؛ لأنه في حكم المنفصل، ولهذا لو مسه الإنسان بشهوة؛ يعني: لو مس سن امرأته بشهوة، وقلنا: إنه إذا مس امرأته بشهوة انتقض وضوؤه، فمس سنَّها، وحدث منه أعلى شهوة إلا أنه لم يخرج منه شيء فإن وضوءه لا ينتقض؛ لأنه ليس عضوًا، في حكم المنفصل؛ فلهذا قال: (فقْد عضوٍ أو سن).
ولا يقال: هذا من باب عطف الخاص على العام؛ لأن السن ليس من جنس الأعضاء حتى يقال إنه من باب عطف الخاص على العام، بل هو من عطف المغايِر على مغايِرِه.
إذا قال قائل: (فقْد عضوٍ أو سن) إذا كانا زائدين وفقدهما، هل هو عيب؟
طالب: عيب.
طالب آخر: ليس عيبًا.
الشيخ: ليش؟ لأن هذا زيادة خير، الأصبع الزائد يحاول الناس أن يقطعوه، وكذلك السن الزائدة، بعض الناس يكون عنده أسنان مترادفة زيادة، فإذا فُقد الزائد فليس بعيب.
ولهذا قال: (أو زيادتهما)، زيادة العضو عيب، زيادة السن عيب أيضًا؛ لأن ذلك يُنقِّص القيمة، فإذا كان له يدانِ من المرفق متساويتين، وقال المشتري: هذا عيب، وقال البائع: بل هذا زيادة خير، بدلًا ما يكون له يد واحدة تعمل صار له الآن اثنتان، يقال: يرجع إلى عرف الناس، إذا قالوا: إن قيمته تزيد بزيادة هذا العضو فلا بأس، فليس بعيب، لكن الغالب أنها عيب تَنقص قيمتها، حتى وإن كان يعمل بهما سويًّا.
(2/976)
________________________________________
يقول: (وَزنَا الرَّقِيقِ) أي: إذا زنى الرقيق فزناه عيب، وظاهر كلامه: ولو مرة واحدة؛ لأن ذلك ينقِّص قيمته، إذا تبين أن هذا الرقيق الذي اشتراه قد زنى، فإنه ستنقص قيمته كثيرًا، إن كان ذكرًا فالأمر واضح، وإن كان أنثى فكذلك، ولم يُفصح المؤلف سِنَّ الزاني، زنى الرقيق متى؟ حتى الصغير اللي له سبع سنوات ولّا والبالغ ولّا من بلغ عشرًا ولّا من؟ ما بيَّن، ولهذا اختلف الفقهاء -رحمهم الله- فقالوا: إن زنا الرقيق يُشترط أن يكون الرقيقُ قد بلغ عشرًا وأطلقوا.
ويحتمل أن يقال: إذا بلغ عشرًا في الرجال؛ في الذكور يعني، وإذا بلغ تسعًا من الإناث؛ لأن بنت التسع قد تحمل، وابن العشر قد يُحمَل له، وما دون ذلك لا حَمْل.
وقال بعض أهل العلم، بعض الفقهاء: العبرة بالبلوغ، زنا الرقيق إذا كان بالغًا؛ لأنه قبل ذلك ليس بمكلَّف.
ولكن الأقرب أن يحدَّد بعشر سنين في الذكور وبتسع سنوات في النساء، أما ما دون ذلك فيُنظر إن استمر به هذا الأمر فهو عيب، وإن كان وقع منه مرة واحدة فليس بعيب؛ لأن هذا يكثر فيما بين الصبيان الصغار.
(وسرقته) (سرقته) يعني أن يكون مسروقًا أو سارقًا؟
طلبة: سارقا.
الشيخ: أن يكون سارقًا، إذن فهو من باب إضافة المصدر إلى فاعله؛ يعني كذلك أيضًا إذا تبين أنه يسرق فإنه يعتبر عيبًا.
وظاهر كلامهم: ولو مرة واحدة؛ لأنه لا بد أن يخدشه، حتى لو تاب من السرقة ومن الزنا، فإن الناس لا يزال في نفوسهم شيء من ذلك، وليست المسألة مبنية على عدالته في دينه حتى يقال: إنه إذا تاب فقد زال فسقه، بل المسألة راجعة إلى عرف الناس، فإذا قالوا: إن زناه أو سرقته يوجبان أن تنقُُص قيمته فهذا عيب.
(وإباقه) (إباقه) يعني: هربه، إذا كان هذا الرقيق قد عُرف بالإباق، فهو عيب، كيف يكون عيبًا؟
لأنه يهرب، فيفوت على سيده، والإباق -لا شك- أنه ينقص قيمة المبيع.
(2/977)
________________________________________
(وبوله في الفراش)، إذا كان يبول في الفراش فهو عيب، كيف؟ ويش علينا منه؟ إذا بال في الفراش يطهر الفراش وينتهي؟
طالب: ( ... ) فراش السيد.
الشيخ: لا، السيد يمكن يعطيه فراشًا له، لكن يقولون: إن هذا عيب، ولكن يجب أن يقيَّد إذا كان في سن لا يبول مثلُه في فراشه؛ لأن الصبيان الصغار، لو اشترى رقيقًا طفلًا، الطفل لا بد أن يبول في الفراش، فيكون المراد بقوله: (وبوله في الفراش) إذا بلغ سنًّا لا يبول في مثلها في الفراش.
وإذا كان به سَلَس، هل هو عيب؟
طلبة: عيب.
طالب: مرض.
الشيخ: إي نعم، هذا عيب، ومرض أيضًا.
عندي بالشرح: (وكونه أعسَر لا يعمل بيمينه عملها المعتاد) تعرفون الأعسر؟ الذي لا يعمل باليمين عملها المعتاد، ويعمل باليسار، يوجد بعض الناس الآن يعمل بيساره أكثر مما يعمل بيمينه، يكتب بيساره، ويرمي بيساره، ويضرب بيساره، ويسارُه هي التي فيها القوة، واليمين ما يعرف يصلح فيها شيئًا إلا الأكل، ولولا أنه نُهي عن الأكل بالشمال لأكل بشماله، هذا يسمى أعسر، فإذا اشترى عبدًا وتبين أنه أعسر فهو عيب، وقال بعض العلماء: إنه ليس بعيب، إذا كان يعمل بيساره عمل يمينه لو كان غيرَ أعسر فإن ذلك لا ينقص قيمته، بل ربما يكون عملُه باليسار أقوى.
ولهذا يقول بعض الناس: هذه ضربة أشدف. تعرفون الأشدف؟ هو الأعسر، ما يضرب إلا باليسار، يقولون: إن ضرب الأعسر أشد، فإذا كان عمله بيساره أشد من عمله بيمينه فكيف يكون عيبًا؟ ! فيقال: نحن لا نجادل في مثل هذه الأمور، لدينا قاعدة نبني عليها: هل تنقص قيمته إذا كان أعسر؟ إذا قال أهل البيع في الرقيق: إنها لا تنقص فليس بعيب، وإن قالوا: تنقص فهو عيب.
طيب، أعسر يَسر؟
طالب: ليس عيبًا.
الشيخ: ليش؟
طالب: زيادة.
(2/978)
________________________________________
الشيخ: لأن هذا زيادة خير، والأعسر اليَسر الذي يعمل بيديه جميعًا على حد سواء، يوجد بعض الناس يعمل باليد اليمنى واليسرى سواءً، يكتب باليمنى ويكتب باليسرى، هذا نقول: إذا وُجد أعسر يسر فهو زيادة خير.
اقتصر الماتن على أمثلة، وزاد في الشرح عدة أمثلة كثيرة لا حاجة لقراءتها؛ لأن لدينا ضابطًا، وهو أن العيب كلُّ ما يُنقص قيمة المبيع.
***
(فَإذَا عَلِمَ العَيبَ بَعْدُ أمْسَكَهُ بَأرْشِهِ، وَهُوَ قِسْطُ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الصّحَةِ والعَيْبِ، أَوْ رَدَّه وَأخَذَ الثَّمَنَ).
(إذا علم) الفاعل من؟ المشتري، هذا إذا كان العيب في المبيع، أو البائع إذا كان العيب في الثمن المعين، يمكن هذا؟
نعم، بعت عليك شاة بمعز، الشاة مبيع والمعز ثمن، (فإذا علم) سواء المشتري أو البائع في ثمن معين.
وقوله: (بعدُ)؛ يعني: بعد العقد، وفيها إشكال، حيث كانت مرفوعة مع أنها ظرف زمان، ويجيب عن الإشكال ..
طالب: قد يكون مضافًا إليه ونُوِي معناه.
الشيخ: فصارت؟
الطالب: مبنية على الضم.
الشيخ: إذن الحركة هنا حركة بناء أو إعراب؟
طلبة: بناء.
الشيخ: بناء، وأصلها: بعدَ العقد، إذا علم العيب بعد العقد، لكن حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه، وذكروا أن (قبل) و (بعد) لهما أربع حالات في هذه المسألة: إما أن يُذكر المضاف إليه، أو يُنوى لفظه، أو يُحذف ويُنوى معناه، أو يُحذف ولا يُنوى معناه.
الأقسام؟
طالب: أربعة.
الشيخ: عدَّها.
الطالب: أن يُذكر المضاف إليه، أن يُحذف ويُنوى معناه، أن يُحذف وينُوى لفظه، أن يُحذف ولا يُنوى لفظه ولا معناه.
الشيخ: إذا حُذف ولم يُنوَ لفظه ولا معناه؟
(2/979)
________________________________________
أَمْسَكَه بأَرْشِه , وهو قِسْطُ ما بينَ قِيمةِ الصِّحَّةِ والْعَيْبِ، أو رَدَّهَ وأَخَذَ الثَّمَنَ، وإن تَلِفَ الْمَبيعُ أو عَتَقَ العبدُ تَعَيَّنَ الأَرْشُ، وإن اشْتَرَى ما لم يَعْلَمْ عَيْبَه بدونِ كَسْرِه كجَوْزِ هِنْدٍ وبَيْضِ نَعامٍ فكَسَرَه فوَجَدَه فاسدًا فأَمْسَكَه فله أَرْشُه , وإن رَدَّه رَدَّ أَرْشَ كَسْرِه، وإن كان كبيضِ دَجاجٍ رَجَعَ بكلِّ الثَّمَنِ، وخيارُ عيبٍ مُتَرَاخٍ ما لم يُوجَدْ دليلُ الرِّضَا، ولا يَفْتَقِرُ إلى حُكْمٍ ولا رِضًا ولا حُضورِ صاحبِه، وإن اخْتَلِفَا عندَ مَن حَدَثَ العيبُ، فقولُ مُشْتَرٍ معَ يمينِه، وإن لم يَحْتَمِلْ إلا قولَ أحدِهما قُبِلَ بلا يَمينٍ.
السادسُ: خِيارٌ في البيعِ بتَخبيرِ الثَّمَنِ متى بانَ أَقَلَّ أو أَكْثَرَ، ويَثْبُتُ في التوليةِ والشَّرِكَةِ والْمُرَابَحَةِ والْمُواضَعَةِ، ولا بدَّ في جميعِها من مَعرفةِ الْمُشْتَرِي رأسَ المالِ، وإن اشْتَرَى بثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ
لكن حُذِف المضاف إليه ونُوِيَ معناه، وذكروا أن (قَبْل) و (بَعْد) لهما أربع حالات في هذه المسألة: إما أن يُذكر المضاف إليه، أو يُنوى لفظه، أو يُحذف ويُنوى معناه، أو يُحذف ولا يُنوى معناه. الأقسام؟
طالب: أربعة.
الشيخ: عدَّها؟
الطالب: أن يُذكر المضاف إليه، أن يُحذف ويُنوى معناه، أن يُحذف ويُنوى لفظه، أن يُحذف ولا يُنوى لفظه ولا معناه.
الشيخ: طيب، إذا حُذف ولم يُنوَ لفظه ولا معناه فهو مُعرب مُنوَّن، ومنه قول الشاعر:

فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكُنْتُ قَبْلًا
أَكَادُ أَغَصُّ بِالْمَاءِ الْفُرَاتِ

الشاهد قوله: وَكُنْتُ قَبْلًا.
طيب، إذا حُذف المضاف ونُوِي لفظه فهو مُعرَب غير مُنوَّن، فتقول: أتيت من قَبْلِي فوجدت صاحبي، هنا مُعرب غير مُنوَّن؛ لأنه نوي لفظ المضاف إليه.
إذا حُذف لفظه ونوي معناه فحينئذٍ يُبنى على الضم، فتقول: أتيت من قَبْلُ -يعني من قبل هذا الزمن- فوجدت صاحبي.
(2/980)
________________________________________
الرابع: أن يُذكر المضاف إليه، فحينئذٍ يعرب، وبالطبع لا يُنوَّن؛ لأن الشاعر يقول لمخاطَبِه:

كَأَنِّيَ تَنْوِينٌ وَأَنْتَ إِضَافَةٌ
فَأَيْنَ تَرَانِي لَا تَحِلُّ مَكَانِي

طيب هنا نقول: حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه. وهل يمكن أن يقرأها من قبل: (فإذا علم المشتري العيب بعدَ)؟
طالب: (بعدُ).
الشيخ: ما يمكن (بعدَ)؟
الطالب: ما يمكن، إلا إذا .. في العبارة هذه ما ينفع.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأن المضاف إليه ليس مذكورًا.
الشيخ: طيب نُوِي لفظه.
الطالب: هنا القرينة تقتضي أنه نَوَى معناه.
الشيخ: ويش القرينة؟
الطالب: قوله: (بعد).
الشيخ: قوله: (بعد) ما هي بقرينة، الإشكال عند (بعد) الآن.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ويش تقولون؟
طلبة: يمكن.
الشيخ: يمكن، يجوز؛ لأن هذا على نية المتكلم، فإذا قال مثلًا: (فإذا علم المشتري العيب بعدَ) عرفنا أنه حذف المضاف إليه ونوى لفظه.
طيب، يقول: (أمسكه بأرْشه، وهو قِسْط ما بين قيمة الصحة والعيب).
(أمسكه) أي: أمسك المبيع الْمَعِيب.
(بأرْشه)، والأرش فسَّره المؤلف، (وهو قِسْط) أي فرْق (ما بين قيمة الصحة والعيب). وقال: (قيمة)، ولم يقل: ثمن، والفرْق بين القيمة والثمن أن القيمة هي ثمنه عند عامة الناس، والثمن هو الثمن الذي وقع عليه العقْد، فإذا اشتريتُ ما يساوي ثمانية بستة، فالقيمة الثمانية، والثمن الستة.
ولهذا انتبهوا عند كتابة العُقود، لا تقل: باعه عليه بقيمة قدرها كذا وكذا، قل: بثمنٍ قدره كذا وكذا. وما أكثر الكتاب الذين يخطئون في هذا، أو يقول: باعه بثمن قدره كذا وكذا والقيمة واصلة، بدلًا من أن تقول: القيمة، قل: الثمن، الثمن واصل.
(2/981)
________________________________________
طيب، ولهذا قال: (قِسْط ما بين قيمة الصحة والعيب)، وكيف ذلك؟ يُقوَّم هذا الشيء صحيحًا، ثُمَّ يُقوَّم معيبًا، وتؤخذ النسبة التي بين قيمته صحيحًا وقيمته معيبًا، وتكون هي الأرْش، فيُسقط نظيرها من الثمن، مثال ذلك: باع سيارة قيمتها مئة، باعها بخمسين ألفًا وقيمتها مئة، ثم تبيَّن بها عيب، وقلنا لأهل الخبرة: قدِّروا العيب، قالوا: هي معيبة تساوي ثمانين وسليمة تساوي مئة. كم الأرش الآن؟
طلبة: عشرون.
الشيخ: خطأ.
الطلبة: الخُمس.
الشيخ: إي، قُل: الخمس، ولهذا (قِسْط ما بين).
طالب: العشر يا شيخ.
طالب آخر: عشر ريالات.
الشيخ: يا ناس، الأرش الْخُمس، أضف هذا إلى الثمن، الثمن كان خمسين ألفًا، كم ينقص؟ عشرة آلاف، شوف الآن لو قلنا: ينقص ما بين القيمتين كان ينقص من الثمن عشرون، وتبقى بثلاثين ألفًا، وهذا غلط.
فالحاصل أنه يُقدَّر بالقيمة، ثم يُنظر الفرق بين القيمتين المعيب والسليم، ويُسقَط من الثمن بمثل تلك النسبة؛ ولهذا قولكم في الأول: إن القسط عشرون نعتبره خطأ؛ لأنه لو قلنا: القسط عشرون لنزَّلنا من الثمن عشرين، لكن نقول: القسط بالنسبة هو الْخُمس، فنُسقط من الثمن الْخُمس.
طيب، ولو باعها بمئتين وتبين بها عيب، فقُوِّمت السيارة، وقيل: إن السيارة سليمة بمئة ومعيبة بثمانين، كم القسط؟
طالب: الخمس.
الشيخ: كم ننقص من الثمن؟
طلبة: أربعين.
الشيخ: أربعون ألفًا، طيب، إذن انتبهوا لهذا.
وقول المؤلف رحمه الله: (إن علم المشتري العيب بعدُ)، كلمة (بعدُ) تدل على أنه لو علم به قبل فإنه لا خيار له، لماذا؟ لدخوله على بصيرة.
طيب، فإن باعه بشرط البراءة من العيب، فقد سبق أنه إن أبرأه بعد العقد فالإبراء صحيح، وقبل العقد لا يصح؛ هذا المذهب، وتقدم أن القول الصحيح: إن أبرأه وهو مدلس -أي البائع- فإنه لا يبرأ سواء كان قبل العقد أو بعده، وإن كان غير مدلس صح؛ سواء كان قبل العقد أو بعد العقد.
(2/982)
________________________________________
طالب: لو تعيَّبت سلعة قبل أن يكون .. فهل .. ؟
الشيخ: ما كان من ضمان المشتري فعليه ولا يرد، وما كان من ضمان البائع فهي كما لو تعيَّبت قبل العقد.
الطالب: ( ... ) يا شيخ؟
الشيخ: ما مر علينا هذا؟ أظنه مر علينا.
الطالب: قبل أن يخبره يا شيخ.
الشيخ: سبعة من ضمان البائع: ما بِيع بكيل، أو وزن، أو عد، أو ذرع، أو رؤية سابقة للعقد، أو صِفة، أو الثمر على رؤوس الشجر، فهذه من ضمان البائع، وما عدا ذلك فهي من ضمان المشتري.
طالب: ما بعد جت.
الشيخ: إذن نُؤجِّلها.
على كل حال القاعدة: إذا حدث العيب بعد العقد فما كان من ضمان البائع فهو كما لو حدث قبل العقد، وما كان من ضمان المشتري فلا خيار له.
طالب: شيخ، شخص تسلَّم سيارة جديدة، لما وداها للصيانة ( ... ) بالمعارض، السيارة تكلفت ثمان مئة ريال، جديدة السيارة، وبعد المعيب اللي حصل لها ..
الشيخ: اتكلف ولا قيمتها؟
الطالب: قيمتها ..
الشيخ: آه.
الطالب: وبعد المعيب أربعين ألفًا أو ثلاثين ألفًا، ما الفرق يا شيخ بالنسبة لـ .. ؟
الشيخ: النصف.
الطالب: النصف.
الشيخ: إي، صحيح؟
طالب: إذا ظهر الغرر في المبيع مثلًا في الغنم، وكل واحد يقول: هذا مرضه عرضًا بالغنم عنده لا ..
الشيخ: سيأتينا، إذا اختلفا عندما حدث العيب.

طالب: شيخ، إن اشتراها بخمسين وإذا فيها عيب، وقبل أن يعلم بالعيب باع السلعة بمئة مثلًا قبل خمسين، ثم لما باعها أخبره المشتري الثاني أن فيها عيبًا، فهل يجوز له أن يرجع للأول مع أنه ( ... )؟
الشيخ: هل ردها؟
الطالب: ما ردها، بقيت عنده.
الشيخ: طيب، إن تصرف بها عالِمًا بالعيب فلا خيار له؛ لأن تصرفه يدل على رضاه بها، وإن لم يعلم فله الأرْش.
الطالب: حتى لو كان باعها بأكثر يا شيخ؟
الشيخ: إي نعم، حق له.

طالب: ( ... ).
(2/983)
________________________________________
الشيخ: ما شاء الله! الأرش ما هو؟ هو الفرْق بين قيمته معيبًا وقيمته سليمًا؛ هذا الأرْش، الفرق بين القيمتين هو الأرْش، لكنه يُقدَّر بالقسط، يعني مُشاعًا، إذا كان سليمًا بمئة ومعيبًا بثمانين، كم الأرْش؟
الطالب: الأرْش؟
الشيخ: إي، معيبًا بثمانين وسليمًا بمئة كم الأرْش؟
الطالب: عشرة.
الشيخ: سبحان الله!
الطالب: عشرين.
الشيخ: عشرين؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: لا تقل عشرين، اذكُره بالنسبة مشاعًا، قل: الأرش خُمُس، حينئذٍ عُدْ إلى الثمن، فإذا كان الثمن خمسين فأسقِط عشرة؛ هذا المعنى.
طالب: مسألة زِنا الرقيق، الزِّنا نفسه ينقص قيمة المبيع؛ لأنه يدل على قُبح الرقيق، فما حاجة يا شيخ ( ... ).
الشيخ: ويش تقولون في ها الكلام هذا؟ يقول: زِنا الرقيق لو ما له إلا خمس سنين، صبي يعبث بصبية كُبرى ما يعرف؟ ! ! كذا؟
طالب: نعم، ما يعرف شيئًا.
الشيخ: أبد ما يعرف.
طالب: لو سن التمييز؟
الشيخ: حتى سن التمييز ما أظنه يعرف.
طالب: اشترى شخص سيارة، ثم إنه جرَّبها وتفرَّقا وتبايعا على هذا وتقابضا، ثم بعد أن انصرف المشتري وجد بها عيبًا كبيرًا يُخِل بثمنها تمامًا، وينقص من ثمنها تمامًا، ويقول البائع: أنا لا أعلم هذا العيب مطلقًا.
الشيخ: إذا كان أبرأه فلا خيار له.
الطالب: ولا يردها عليه، ولا يرجع بها؟
الشيخ: إذا كان أبرأها معلوم، ما يرد.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- ذكرنا القاعدة في نقصان القيمة في خيار بالعيب، كيف نُنزِّل مسألة العبد الخصي أو الفحل على هذه القاعدة؟
الشيخ: لا، على قاعدة الماتِن ما ننزل؛ لأنه ما ينقص قيمة المبيع أو عينه، المؤلف اختصره.
طالب: شيخ، لو اشترى رجل مسلم عبدًا من رجل كافر، والكافر لا يرى حُرمة الزنا؟
الشيخ: هو على حد سواء، ما هي بنفسها من جهة التكليف، من جهة هذا الخُلق الذميم.

***
(2/984)
________________________________________
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى: وإن تلف المبيع أو عَتَقَ العبد؛ تعين الأرش، وإن اشترى ما لم يعلم عيبه بدون كسره، كجوز هند، وبيض نعام، فكسرَه فوجده فاسدًا فأمسكه؛ فله أرشه، وإن رده رد أرش كسره، وإن كان كبيض دجاج؛ رجع بكل الثمن، وخيار عيب متراخٍ ما لم يوجد دليل الرضا، ولا يَفتقر إلى حُكم ولا رضًا، ولا حضور صاحبه، وإن اختلفا عند من حدث العيب؟ فقول مشترٍ مع يمينه، وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما قُبل بلا يمين.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
بَيِّن لنا العيب الذي يَثبت به الخيار؟
طالب: هو ما ينقص قيمة المبيع.
الشيخ: ما ينقص قيمة المبيع. مثاله؟
الطالب: كزِنَا الرقيق.
الشيخ: كزنا الرقيق الذي له سبع سنوات.
طالب: الذي بلغ، الذي ( ... ) منه.
الشيخ: وهو من بلغ عشرًا. ما هو الدليل على أن العيب فيه خيار؟
طالب: لأنه من التدليس والغش.
الشيخ: هذا يدل على التحريم.
الطالب: لأنه ثبت الخيار في التدليس.
الشيخ: في أي شيء؟
الطالب: كما في حديث الْمُصرَّاة، فإذا حَلَبَهَا فَهُو بِالخيار، إن شَاءَ أَمْسَكَها أو رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ.
الشيخ: إذن حديث المصرَّاة يُستدل به على ثبوت الخيار في العيب.
طيب، هل بوْل الرقيق في الفراش عيب؟
طالب: نعم، عيب.
الشيخ: عيب، ولو كان طفلًا؟ !
الطالب: لا، إذا كان الرقيق في السن الذي في مثله يعتبر بوله عيبًا على الفراش، فلا ..
الشيخ: هل حدده الفقهاء؟
طالب: لم يحدده الفقهاء، لكن ينبغي أن يقيد بهذا القيد.
الشيخ: نعم.
طالب: ما حددوها يا شيخ، لكن قالوا ..
الشيخ: ما وصلنا له.
طالب: قلنا: ينبغي أن يقيم.
طالب آخر: ذكرناها.
الشيخ: ذكرناها، طيب.
طالب: لا يبول من ( ... ).
طالب آخر: قلنا يا شيخ: إن الراجح أن البالغ هو الذي يكون بوله عيبًا.
(2/985)
________________________________________
طالب: اللي مثلهم لا يبول.
الشيخ: هذا اللي قاله أخونا هذا.
طلبة: لم يحددوه يا شيخ.
طالب: قول الفقهاء عشر سنين.
الشيخ: نعم، ذكرنا أن قول الفقهاء عشر سنوات، بول؟
طالب: هذا في الزنا يا شيخ.
الشيخ: يا إخواننا.
طالب: ما ذكرناه.
الشيخ: ذكرناه.
طالب: ( ... ) بصوت لازب.
الشيخ: إي، هذا جمع بين القولين! !
على كل حال هم يقولون: من بلغ عشرًا، وقلنا: إن الصحيح بوْل من لم تجرِ العادة ببوله في فراشه؛ هذا العيب.
طيب، حكم خيار العيب؛ يعني إذا اطَّلع المشتري على العيب، فماذا يكون؟
طالب: له أن يمسكه بأرْشه أو يرده.
الشيخ: له رده أو إمساكه بالأرش. طيب، ما معنى إمساكه بالأرش؟
الطالب: أن يقوم المبيع معيبًا.
الشيخ: يُقوَّم المبيع معيبًا، أو يُقوَّم سليمًا؟
الطالب: يُنظر إلى قيمته سليمًا، ثم يُقوَّم معيبًا، وتُؤخذ النسبة وتُخصم من السعر.
الشيخ: نعم، إذن يُقوَّم سليمًا، ثم معيبًا، وما بين القيمتين فهو الأرْش، يُؤخذ بقسطه من الثمن.
إذا قُوِّم بمئة سليمًا وبثمانين معيبًا، وقيمته مئتان، كم من الأرش؟
طالب: يقال يا شيخ: النسبة الخمس.
الشيخ: كم من الأرش؟
الطالب: أن نُقومه أول شيء.
الشيخ: قوَّمناه سليمًا بمئة ومعيبًا بثمانين، والثمن مئتان؟
الطالب: تكون النسبة الخمس.
الشيخ: الخمس؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: كم يلزمه، كم من الأرش الذي يلزم البائع؟ هو باع بمئتين.
الطالب: عشرين يا شيخ.
الشيخ: عشرين؟ أنت تأبى، أنت قلت: إن الأرش الخمس، فهل خمس المئتين عشرون؟
الطالب: لا.
الشيخ: طيب، كم خُمس المئتين؟
طالب: أربعون.
الشيخ: طيب، إذن يكون الأرْش إذا كانت القيمة مئتين يكون الأرش أربعين.
طيب، إذا قُوِّم سليمًا بمئتين ومعيبًا بمئة وستين، وكان الثمن مئة، كم من الأرْش؟
طالب: يُقوَّم بمئتين.
الشيخ: قُوِّم بمئتين سليمًا، وبمئة وستين معيبًا، وكان الثمن مئة، كم من الأرْش؟
الطالب: الثمن مئة، والتقويم ..
الشيخ: أيش الثمن مئة؟
(2/986)
________________________________________
الطالب: الثمن مئة، والتقويم مئتان، ومع العيب مئة وستون.
الشيخ: كم من الأرش؟
الطالب: أربعون.
الشيخ: أربعون، انسبها للمئتين؟
الطالب: خمس؟
الشيخ: كيف خمس؟ أربعين إلى مئتين خمس؟
الطالب: أربعين إلى مئتين؟
الشيخ: إلى مئتين خمس؟ كل أحد يعرف هذه النسبة.
الطالب: يبقى مئة وستين يا شيخ.
الشيخ: إي نعم، معيبًا بمئة وستين وسليمًا بمئتين، كم من النسبة؟
الطالب: خمس.
طالب آخر: شيخ، الثمن مع العيب مئة وستون، بدون العيب مئتان.
الشيخ: نعم.
الطالب: يكون الباقي أربعين.
الشيخ: إي، كم النسبة؟
الطالب: خمس، قلت لك.
الشيخ: متأكد؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: ما فيه إشكال؟ طيب، كم تُسقط من الثمن الذي هو مئة؟
الطالب: أربعين.
الشيخ: كم تسقط من الثمن الذي هو مئة؟
الطالب: عشرين.
الشيخ: عشرين؛ لأنه الخمس.
الآن عرفنا الأرش: هو قِسْط ما بين قيمته صحيحًا ومعيبًا، ويكون ذلك بالنسبة.
الخيار في ذلك لمن؟
طالب: الخيار للمشتري إن كان المعيب في المبيع، وللبائع إن كان المعيب في الثمن المعين.
الشيخ: أحسنت، الخيار للمشتري إذا كان العيب في المبيع وللبائع إذا كان العيب في الثمن المعين.
يقول رحمه الله: (أو رده وأخذ الثمن) واضح.
(وإن تلف المبيع أو عتق العبد تعين الأرش)، الآن المشتري بين خيارين؛ إما أن يرد وإما أن يأخذ الأرش، لكن يتعين الأرْش إذا تعذَّر الرد؛ هذه القاعدة: إذا تعذّر الرد تعيَّن الأرش. بماذا يتعذَّر الرد؟ إذا تلِف المبيع المعِيب يتعين الأرش؛ رجل اشترى ناقة فوجد فيها عيبًا، ولكن الناقة ماتت قبل أن يردها، فيتعين الأرش. اشترى عبدًا فأعتقه، ثم وجد فيه عيبًا؛ يتعين الأرش؛ لأنه تعذَّر الرد.
فإذا قال قائل: العبد موجود، كيف يتعذر الرد؟
قلنا: لكن عبوديته الآن زالت، فهو بمنزلة التلف المالي؛ يعني ماليته تلفت في الواقع.
(2/987)
________________________________________
طيب ويتعين الرد إذا لزم من الأرْش الربا، مثل: أن يبيع ذهبًا -حليًّا من الذهب- بوزنه دنانير، ثم يجد في الحلي عيبًا، فهنا لا يمكن أن يأخذ الأرش. لماذا؟ لأنه يلزم منه الوقوع في الربا؛ إذ سيكون للمشتري ذهب بوزن الذهب الذي دفع، ثم يُزاد على ذلك الأرش.
وحينئذٍ نقول: القاعدة أو الضابط: إذا تعذَّر الرد تعين الأرش، وإذا لزم منه الوقوع في الربا تعين الرد.
فيُقال لهذا الذي وجد في الحلي عيبًا يقال: إما أن ترده، وإما أن تمسكه بدون أرش؛ لأنك لو أخذت الأرش لزم من هذا الربا، فلا يجوز.
طيب، صار عندنا الآن ضابطان، ما هما؟
طالب: أنه يتعين الأرْش إذا تعذر الرد.
الشيخ: نعم، أنه يتعين الأرْش إذا تعذر الرد. والثاني؟
الطالب: أنه يتعين الرد إذا.
الشيخ: أفضى الأرْش إلى ربا، والمثال عرفتموه.
ثم قال: (وإن اشترى ما لم يُعلم عيبه بدون كسره كجوز هند، وبيض نعام فكسره فوجده فاسدًا فأمسكه؛ فله أرشه، وإن رده رد أرْش كسره).
(إذا اشترى ما لم يُعلم عيبه بدون كسره كجوز هند)، وجوز الهند كبير كبيض النعام أو نحوه، والمقصود منه فيما كان داخل القشر، كسره فوجده فاسدًا، أي وجد ما كان داخل القشر فاسدًا؛ هذا عيب. فإذا كسره نقول: أنت الآن بالخيار، إن شئت أخذتَ الثمن، وإن شئت أخذتَ الأرش، لكن إن رددته وأخذتَ الأرش لزمك رد أرش الكسر.
وظاهر كلام المؤلف أنه إذا لم يكن هناك فساد في الكسر فإنه لا يرد أرْش الكسر، كما لو شذبه شذبًا متساويًا فصار قطعتين يمكن أن يُنتفع بهما على أنهما إناءان، فحينئذٍ نقول: لا أرْش لهذا الكسر، لماذا؟ لأنه لم يتأثر.
ثم نقول: إذا كسره كسرًا لا يبقى بعده قيمة، يعني لا قيمة له بعد هذا الكسر، مثل إن كسَّره، رضَّه رضًّا، فإنه حينئذٍ يتعين الأرْش؛ لأنه تعذَّر الرد.
فصارت هذه المسألة لها ثلاث حالات:
(2/988)
________________________________________
الحال الأولى: أن يكسره كسرًا متوازيًا بحيث يصلح أن يكون إناءً، ولا تنقص به القيمة؛ فهذا لا أرْش له؛ لأنه ما نقص.
والثانية: أن يكسره كسرًا لا تبقى معه قيمة؛ فيتعين الأرش؛ لأنه تعذر الرد.
والحال الثالثة: أن يكسره كسرًا تبقى معه القيمة، لكنها تنقص؛ فهذا يأخذ الأرش، أرْش الكسر، إذا رده رد أرش كسره، وإن أبقاه وأخذ الأرْش فهو حُرٌّ، يعني أنه على الخيار الأول.
فصار الذي يشتري ما لا يُعلم عيبه إلا بكسره، نقول له: أنتَ الآن بالخيار، إن شئت رددته وأرش كسره وأخذت الثمن، وإن شئت أبقيته وأخذت أرش العيب.
لكن في مسألة الرد له ثلاث حالات كما قلنا: إن بقي له قيمةٌ بعد الكسر رده ورد أرْش الكسر، وإن لم يبقَ له قيمة تعيَّن الأرش للمشتري، وإن لم تنقص قيمته بكونه كسره كسرًا مُحكمًا يصح أن يكون أواني فإنه يرُده بلا أرش؛ لأنه لم ينقص، يرده ويأخذ الثمن ولا أرش عليه.
(وإن كان كبيض دجاجٍ رجع بكل الثمن) لماذا؟ لأنه تبين أن البيع فاسد؛ لأن بيض الدجاج لا ينتفع الناس بقشره، بل يُرمى في الزبالة، فإذا كسر بيض الدجاج فوجده فاسدًا لا يصلح للأكل؛ فإنه يرجع بكل الثمن، من الذي يرجع بكل الثمن؟ المشترِي، لماذا؟ لأنه تبين أن العقد عليه فاسد؛ إذ من شرط العقد أن يكون على عين يُنتفع بها، وهذا لا نفْع فيه.
طيب، إذا كان كبطيخ، اشترى بطيخة؛ حبحبة، تعرفون الحبحبة؟
طالب: نعم.
الشيخ: طيب، فلما شجها وجدها فاسدة.
طالب: ( ... ).
طالب آخر: ( ... ).
الشيخ: يا إخواننا! ما يرجع بكل الثمن؛ لأن هذه البطيخة يمكن أن تكون علفًا للدواب، أليس كذلك؟ إذن لا يرجع بكل الثمن. يُقال له: لكَ أن تردها، ولكن ترد أرش الشق الذي حصل منك، والفرق بينها وبين البيض أن البيض لا ينتفع بقشره بخلاف البطيخة.
في مسألة بيض الدجاج، لو قال البائع: أعطني القشور، إذا كنت الآن تقول: إن العقد فاسد أعطني القشور؟ يلزمه أو لا؟
طلبة: لا يلزمه.
(2/989)
________________________________________
الشيخ: لماذا؟ لأنه لا قيمة لها عادة، وتُرمى في الزبالة.
ثم قال: (وخيار عيب متراخٍ ما لم يوجد دليل الرضا) خيار العيب متراخٍ؛ يعني أنه لا يلزم المشتري أن يُطالِب بالعيب من حين أن علِم به، بل له أن يُؤخِّر الطلب، فإذا علِم بالعيب في أول النهار، ولم يطالِب بالرد إلا في آخر النهار فله ذلك، لكن لو قلنا: إنه على الفور لكان إذا علم في أول النهار ولم يُطالِب بالرد إلا في آخره ليس له خيار.
ولكن نقول: إنه على التراخي؛ لأنه حق للمشتري، ولا يسقط إلا بما يدل على إسقاطه، ولهذا قال: (ما لم يُوجد دليل الرضا).
دليل الرضا له صور:
الصورة الأولى: أن يُصرِّح بذلك؛ بأن يقول لصاحبه: باع فلانٌ عليَّ حاجة فوجدتها معِيبة، ولكن نظرًا لحقه عليَّ فأنا راضٍ بذلك ولن أطالبه بالرد. هذا صريح، أليس كذلك؟
طلبة: بلى.
الشيخ: إذن لا يمكن أن يرُد بعد هذا القول.
الصورة الثانية: أن يتصرف فيه، بعد أن علم بالعيب باعه، أو أوقفه، أو رهنه، أو ما أشبه ذلك. فهذا على المذهب يسقط خياره؛ لأن تصرفه به دليل على رضاه به، ولكن الصحيح أن في ذلك تفصيلًا؛ فإن قال: إني تصرفت فيه راضيًا بالأرْش وعدم الرد فله الأرْش، وإن قال: تصرفتُ فيه مُسقِطًا للخيار سقط خياره؛ لأن هذا الأمر يعود إلى نيته، فإن قال البائع: أنا أريد أن أُحلِّفه أنه إنما تصرف فيه راضيًا بالأرْش لا بالعيب، فإنه يُحلَّف، ويقال: احلف أنك إنما تصرَّفت فيه إمضاءً للعقد ورضًا بالأرش، فإذا حلف فالأمر موكول إلى ذمته.
قال: (ولا يفتقر).
وخلاصة الكلام هذا: أن خيار العيب على التراخي، لا يلزم المشتري أن يطالب به فورًا إلا إذا وجد دليل الرضا فإنه يسقط.
ودليل الرضا إما أن يكون صريحًا كما لو قال: أنا راضٍ به ولن أطالبه؛ لأنني أحترمه، أو لأنه صاحبي أو ما أشبه ذلك، وإما بتصرف يدل على الرضا بالعيب؛ ببيع، أو إجارة، أو غير ذلك.
(2/990)
________________________________________
ولكني قلت لكم: إن الصحيح في المسألة الثانية التفصيل؛ إن تصرف فيه راضيًا بالعيب فإنه لا أرْش له، وإن تصرف فيه إمضاءً للعقد واختيارًا للأرش فإن له ذلك. وإذا تنازع البائع والمشتري في هذا حُلِّف المشتري.
قال: (ولا يفتقر إلى حكم ولا رضا، ولا حضور صاحبه) (لا يفتقر) يعني الفسخ بالعيب، (إلى حكم) أي: إلى حكم حاكم، يعني لا يلزم المشتري إذا أراد أن يفسخ أن يذهب إلى القاضي ويقول: إنني أريد أن أفسخ البيع الذي حدث مع فلان؛ لأن المبيع معيب؛ لأن الحق له.
كذلك لا يفتقر إلى (رضا وحضور صاحبه)، (رضا) هنا غير مُنوَّنة؛ لأنها بنية المضاف إليه، فلا يفتقر إلى (رضا صاحبه ولا حضور صاحبه).
من صاحبه؟ البائع، يعني لا يفتقر إلى رضا صاحب المشتري -وهو البائع- ولا إلى حضوره.
ووجه ذلك أن الحق فيه لمن؟ للمشتري، فهو الذي له حق الفسخ، فلن يُشترط رضا المفسوخ عليه كالطلاق بيد الزوج، ولا يُشترط أن ترضى الزوجة، ولا أن تحضر الزوجة، ولهذا لو طلق زوجته وهي غير حاضرة طلقت، وإن لم تعلم إلا بعد يومين أو ثلاثة؛ لأنه لا يُشترط رضاها. كذلك أيضًا البائع لا يُشترط رضاه ولا حُضوره.
فإن ادَّعى المشتري أنه قد فَسَخَ وأنكر البائع، فمن القول قوله؟ القول قول المشتري؛ لأن هذا لا يُعلم إلا من جهته.
قد يقول قائل: إن الأصل عدم الفسخ، فيلزم أن يكون القول قول البائع، فيقال: هذا الأصل معارض بأصل آخر. ما هو الأصل الآخر؟ أنه لا يُعلم إلا من جهته، فإذا قال: إني فسخت، أخذنا بقوله.
(وإن اختلفا عند من حدث العيب) (اختلفا) الفاعل: البائع والمشتري.
(عند من حدث العيب) فقال البائع: حدث عندك، يقول للمشتري؛ يعني فلا خيار له، وقال المشتري: بل هو سابِغ للعقد فلي الخيار.
يقول: (فقول مشترٍ مع يمينه، وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما قُبِل بلا يمين)
(2/991)
________________________________________
فهذه المسألة أفادنا المؤلف رحمه الله أنها لا تخلو من حالين؛ الحال الأولى: ألا يحتمل قول الآخر، فقوله لاغٍ إذا كان لا يحتمل قوله.
والحال الثانية: أن يكون هناك احتمال، فهنا يكون القول قول المشتري.
مثال ما لا يحتمل قول البائع: الإصبع الزائدة، اشترى عبدًا فوجد فيه أصبعًا زائدة، فأراد رده، فقال البائع: حدث هذا العيب عندك، قال المشتري: أبدًا. مَنِ القول قوله؟
طلبة: قول المشتري.
الشيخ: ما يمكن يحدث الأصبع الزائد؟
طالب: لا.
الشيخ: معلوم ما يمكن يحدث، ولو أمكن أن يحدث لكان كل يوم الإنسان توقع أن يكون له مئة أصبع، لكنه لا يمكن يقع.
طيب، إذا قبلنا قول المشتري هل يُشترط أن يحلف؟ لا؛ لأنه لا حاجة للحلف.
مثال آخر: اختلف البائع والمشتري في جرح؛ يعني اشترى بهيمة فوجد فيها جرحًا، اشترى بهيمة، ثم ردها والعيب الذي فيها جرح، الذي ادعاه المشتري، فنظرنا إلى الجرح، وإذا هو يثعب دمًا، جرْح طري، والبيع له مدة أسبوع، فمَنِ القوْل قوله؟
طلبة: البائع.
الشيخ: قول البائع، القول قوْل البائع، لماذا؟ لأنه لا يحتمل أن يكون هذا الجرح قبل العقد، والعقد له أسبوع والجرح طري الآن يثعب دمًا.
طالب: ( ... )؟
الشيخ: لا، قلنا: طري يثعب دمًا، فعلى هذا يكون القول قول البائع بلا يمين.
طيب، إذا كان يحتمل هذا وهذا، كعَرَج وفَسَاد في طعام وما أشبه ذلك، فالمؤلف يقول: إن القول قول المشتري.
عِلَّة ذلك: أن العيب فوات جُزْء في المبيع -وهو الكمال- فالمعيب قد فاته الكمال، والأصل عدم قبْض هذا الجزء الفائت، ومن الذي يدعي عدم قبضه؟ المشتري، فيكون القول قول المشترِي؛ هذا وجهه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».
(2/992)
________________________________________
البائع الآن يقول: إني بعتُ عليك هذا الشيء سليمًا، وهو يقول: بعته عليَّ معيبًا، والمسألة محتملة. نقول: القول قول المشتري. لماذا؟ لأن الأصل عدم قبض هذا الجزء الفائت بالعيب، فيكون المشتري مُدَّعى عليه والبائع مُدَّعٍ. وهذه الرواية من مفردات المذهب؛ مذهب الإمام أحمد.
والقول الثاني: أن القول قول البائع؛ وهو مذهب الأئمة الثلاثة، وهو القول الراجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ»، وهذا نص صريح؛ ولأن المشتري مُدَّعٍ أن العيب سابق، والأصل عدم وجود العيب، الأصل عدم العيب، وهذا المشتري يدعي أنه سابق أنه منذ ثلاثة أيام، والبائع يقول: أبدًا.
فالأصل السلامة، ودعوى أن العيب سابق على العقد خلاف الأصل، وعلى هذا فالقول الراجح أن القول قوْل البائع.
ولكن يجب أن نعلم أن كل من قلنا: القول قوله فإنه لا بد مِن اليمين؛ هذه قاعدة عامة: كل من قلنا: القول قوله فلا بد من اليمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ»، وفي لفظ: «عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»؛ إذ «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ».
فإن قال قائل: المدعي يسهل عليه أن يحلف؛ أولًا: لأجل أن يصر على قوله، وثانيًا: طمعًا؟
قلنا: «إِذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ».
ولا يمكن لمؤمن أن يقدم على هذا العمل. ثم إن الإمام أحمد رحمه الله قال: اليمين الفاجرة تدع البلاد بلاقع، يعني أنها مُتلِفة، وهذا هو الواقع.
(2/993)
________________________________________
ولقد حدثني أحد الأشخاص الموثوقين أنه صار له دعوى على شخص بدراهم، وليس له بها بينة وهي ثابتة، فتحاكموا إلى القاضي، وحكم ببراءة المدَّعى عليه باليمين، وحلف أنه بريء منها، فدعا عليه المحكوم عليه، فخرج هو وعائلته من البلد التي جرى فيها التحاكم إلى بلد قريبة منها فأُصِيب بحادث ومات هو وعائلته! ! هذا الذي حلف وهو كاذِب، وهذا شاهد لقول الإمام أحمد: إنها تدع الديار بلاقع؛ أي خالية ليس فيها أحد.
ففائدة اليمين إذن أن فيها خطرًا عظيمًا دنيويًّا وأخرويًّا، ولا يقدم عليها إنسان إلا رأى النتيجة سيئة قريبًا أو بعيدًا.
طالب: قلنا: إذا اشترى جوز هند أو بيض نعام، أن هذه الأشياء إذا ردها رد الأرش معها، فالآن في زمننا هذا ما يُنتفع بقشر جوز الهند والأشياء هذه؟
الشيخ: طيب، إذن إذا كان لا يُنتفع بها فإنها تكون كبيض الدجاج.
طالب: يا شيخ، أنا ما فهمت موضوع البيض، أنه إذا بِيع البيض، ثم انكسر عند المشتري يكون ..
الشيخ: ما هي انكسر؛ كسرها المشتري.
الطالب: إي نعم.
الشيخ:
طالب: شيخ -بارك الله فيك- مدة خيار المشتري في خيار العيب، كم مدته؟ يحدده العرف أم .. ؟
إي نعم، المذهب ما له حد إلا إذا وُجِد دليل الرضا، ودليل الرضا عرفتم أنه يصرح أو يتصرف، ولكن بعض أهل العلم يقول: إنه على التراخي ما لم يُؤخِّر تأخيرًا يضر البائع.
الطالب: والثاني أرجح.
الشيخ: وهذا أرجح لا شك.
طالب: شيخ، ذكرنا أنه لا أرْش في خيار التدليس إلا في التصرية، وذكرنا فيه أرش خيار العيب.
الشيخ: إي نعم.
الطالب: الفرْق يا شيخ؟
الشيخ: هل ذكرنا إلا في التصرية؟ هل استثنينا التصرية في خيار التدليس؟
الطالب: لا.
الشيخ: خلاص، خيار التصرية هو الذي بنى عليه الفقهاء أنه لا أرْش في التدليس.
الطالب: الفرق بين العيب والتدليس؟
الشيخ: فوات جزء ( ... )
طالب: ما عرفت أنا جوز الهند.
الشيخ: إن شاء الله تسافر الهند وتشوفه!
الطالب: يعني هي ثمرة من الثمار ولَّا .. ؟
(2/994)
________________________________________
الشيخ: إي، ثمرة من الثمار، لكنها كبيرة، ولها قِشْر صلب.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: هل عرفت بيض النعام؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: هذه مثلها.

طالب: هل يدخل تحت الوعيد من اقتطع مال امرئ كافر وليس بمسلم؟ وهل عليه يمين إن أنكر؟
الشيخ: الكافر إذا كان له عهْد فإنه لا يجوز الخيانة.
الطالب: طيب، وإن كان منكرًا هذا الكافر وطلب منه اليمين، فهل ( ... )؟ يعني هل يقبل من هذا الكافر اليمين إن أنكر، وطلبه المسلم؟
الشيخ: يُقبل منه اليمين.
طالب: قوله: إنه إذا اشترى الذهب بالدنانير، وتبين أن الذهب الذي اشتراه عيبًا فإنه يتعين الرد ولا يتعين الأرش؛ لأنه ..
الشيخ: ولا يجوز.
الطالب: ولا يجوز الأرْش؛ لأنه يترتب على ذلك ربا. نقول: إن هذا الذهب قيمته ليست القيمة التي أخذها، قيمته مع الأرش هذه قيمته، فإذا اشترى الذهب بثلاثة آلاف مثلًا، وتبين أنه معيب ولا يسوى إلا ألفين وخمس مئة، لو قلنا: إن الزيادة الخمس مئة هذه ليست ربًا، وإنما هي نقص من قيمته.
الشيخ: هل قرأت حديث عبادة بن الصامت؟
الطالب: نعم.
الشيخ: «الذَّهَبُ»؟
الطالب: «بِالذَّهَبِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ».
الشيخ: «مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ»، هنا نقول: كان على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول: الذهب بالذهب قيمة بقيمة، ولكن الرسول قال: «مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ».
طالب: المقصود يا شيخ القيمة الورقية الآن؛ يعني الذهب المعيب قيمته تختلف عن قيمته إذا كان صحيحًا.
الشيخ: سبحان الله، ما فهمت ما أقول؟ ! الآن الأخ يقول: كان على الرسول أن يقول: الذهب بالذهب قيمة بقيمة، فأَعْطِه عشرة مثاقيل من الذهب بمثقال من الذهب يساويها في القيمة، كذا؟
طالب: لا يا شيخ.
الشيخ: هذا كلامك.
الطالب: ما أردت هذا.
(2/995)
________________________________________
الشيخ: وإن لم تُرِد فهذا معنى كلامك، إذا بعتُ عليه حُليًّا من الذهب بوزنه ذهبًا، نقود، وافق الحديث أو لا؟ وافق الحديث، فوجدنا فيه العَيْب، نقول: الآن لو أعطينا الأرْش لحصل التفاضل، فيتعيَّن الرد.
الطالب: طيب، الأوراق النقدية يا شيخ هي موزونة.
الشيخ: ما تكلمنا عن الأوراق النقدية بارك الله فيك.
الطالب: لا، أنا سؤالي في الأوراق النقدية.
الشيخ: إحنا كلامنا في الذهب، مثالنا في الذهب الحلي، حلي ذهب بذهب؛ هذا المثال، أما مسألة الأوراق خليها جانبًا؛ لأنها ( ... ) فيها ألف إشكال.
طالب: عفا الله عنك، ( ... ) صغير وواحد حلف ومات، وحلف على ( ... )، ومات هو وأبوه وأخوه؟
الشيخ: الله أكبر! صحيح.
الطالب: ولو كان يا شيخ ها الحين توقف، واشهدوا على الناس، ناس من ( ... ) أن العقوبة تنزل ما قال أسبوع ( ... )، وها الحين يا شيخ نشاهد الناس يحلفون على الكذب، وما يدرون شيئًا.
الشيخ: هذا من الابتلاء والاستدراج، يستدرج الله الناس بأن يفعلوا أسباب الهلاك ولا يهلكون: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178].
الطالب: ( ... ) سبحان الله العظيم!
الشيخ: نعم.
طالب: شيخ، إذا أراد الرد لا لأجل العيب، ولكن لأجل شيء آخر مع وجود العيب، مثلًا لو اشترى شاة فنزلت القيمة، فوجد فيها عيبًا، فقال: أردها لأنها نزلت القيمة لا؛ لأن العيب موجود.
الشيخ: إي، له الحق.
الطالب: ولكن ما أراد الـ ( ... ).
الشيخ: هو الآن العيب يقول: ما به، أرأيت لو زادت القيمة أليس نقول: لك أن تمسكه؟
الطالب: بلى.
الشيخ: نفس الشيء.
***
(2/996)
________________________________________
طالب: بسم الله الرحمن الرحيم، قال رحمه الله تعالى: السادس: خيارٌ في البيع بِتَخْبِير الثمن متى بان أقل أو أكثر، ويثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة، ولا بد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال، وإن اشترى بثمن مؤجل، أو ممن لا تُقبَل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن، فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد.
الشيخ: (ولم يبين ذلك في تخبيره بالثمن).
الطالب: (وللمشتري الخيار).
الشيخ: لا، قبلها: (أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن).
الطالب: (وللمشتري الخيار).
الشيخ: لا، (ولم يبين ذلك) اكتبها: (ولم يبين ذلك في تخبيره بالثمن).
الطالب: أكمل يا شيخ؟
الشيخ: اقرأ من الأول.
الطالب: وإن اشترى بثمن مؤجل، أو ممن لا تقبل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن، ولم يُبيِّن ذلك في تخبيره بالثمن، فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اختلف البائع والمشتري عند مَنْ حَدَثَ العيب؟
طالب: فقول مشترٍ مع يمينه.
الشيخ: بدون تفصيل.
الطالب: لا، فيه التفصيل.
الشيخ: فَصِّل.
الطالب: الأول: ألا يكون هناك احتمال يُقوِّي جانب أحدهما، فالقول قول مشترٍ مع يمينه، وأما إذا كان لا يحتمل إلا قول أحدهما، فقول الذي يُحمَل عليه بِلا يمين.
الشيخ: إي، أحسنت، هذا التفصيل.
مثال ما لا يحتمل إلا قول أحدهما؟
طالب: مثال: اشترى شيئًا ومر عليه قدرٌ من الزمن، ثم ادعى أنه اشتراه مجروحًا، فإذا ..
الشيخ: فنظرنا إلى الجرح.
الطالب: فنظرنا إلى الجرح، فإذا هو طري.
الشيخ: فإذا هو طري.
الطالب: فعلى هذا يُحمل على أنه حدث من عنده، يعني تأكد أنه حدث من عنده.
الشيخ: هذا لا يحتمل إلا قول مَنْ؟
الطالب: لا يحتمل إلا قول البائع.
الشيخ: البائع، أحسنت.
(2/997)
________________________________________
طيب، مثال ما لا يحتمل إلا قول المشتري؟
طالب: مثاله أن يشتري مثلًا عبدًا وفيه أصبع زائد، فيقول: إن الأصبع الزائدة ردت بعد البيع، فلا يحتمل إلا قول البائع.
الشيخ: لا يحتمل إلا قول البائع؟
الطالب: المشتري.
الشيخ: إلا قول المشتري، صحيح؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لأنه لا يمكن ينبت الأصبع الزائد. ومثله لو كان أثر الجرح قديمًا، لو كان أثر الجرح قديمًا لا يحتمل أنه جُرِح وبرئ، فالقول قول المشتري.
طيب، في أصل المسألة يقول المؤلف: إن القول قوْل المشتري، فما هو الدليل أو التعليل؟
طالب: التعليل ( ... ) التعليل يا شيخ.
الشيخ: ما هو؟
الطالب: التعليل أن البيع على هذه الصورة فيه فوات جزء من المبيع وهو الكمال، والأصل عدم قبْض هذا الجزء الفائت، فيكون المشتري مُدَّعى عليه.
الشيخ: صح، الأصل أن الأشياء على الكمال، والعيب فوات، والأصل عدم قبض هذا الفائت، فيكون القوْل قول المشتري.
هل هناك قول آخر؟
طالب: هذا القول قول البائع.
الشيخ: القول قول البائع. طيب، ما التعليل؟
الطالب: استدلوا بدليل، وعللوا المسألة ..
الشيخ: دليل وتعليل؟
الطالب: استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ يَتَرَادَّانِ».
الشيخ: «فَالْقَوْلُ مَا قَالَ البَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ».
الطالب: وعلَّلوا بأن الأصل السلامة وعدم وجود العيب.
الشيخ: أحسنت. بماذا يدفعون تعليل الآخرين؟ بماذا يدفعون قول الآخرين؟
طالب: والله بالحديث يا شيخ الذي ذكروه.
الشيخ: الحديث على العين والرأس، لكن التعليل؟
الطالب: قلنا: الأصل ليس فوات، الأصل أنه لا يكون فيه عيب.
الشيخ: الأصل أنه قبضه سليمًا؟
الطالب: نعم.
الشيخ: صح، إذن الصواب أن القول قول البائع إلا إذا كان لا يحتمل إلا قول المشتري، فعرفتم أن القول قول المشتري.
لماذا لا نُلزمه باليمين إذا كان لا يحتمل إلا قول أحدهما؟ لماذا لا نلزمه باليمين؟
(2/998)
________________________________________
طالب: لأن الحق له.
الشيخ: والحق له، ما يحتاج إلى يمين؟
الطالب: ( ... ).
الشيخ: ليش؟ الآن لو ادعيت على زيد أني أطلبه عشرة ريالات، وأنكر، لا بد من اللي يحلف؟
الطالب: هو يحلف، لكن أنت؟
الشيخ: لا، أنا الآن مُدَّعى عليَّ، الآن البائع يقول: أبدًا، أنا ما عاب عندي، لم يعب عنده، فعلى ( ... ).
الطالب: نقول له: احلف و ..
الشيخ: نقول: احلف؟
الطالب: نعم.
الشيخ: إذا لم يحتمل إلا قول أحدهما؟
الطالب: القول قوله إذا لم يحتمل إلا قول أحدهما.
الشيخ: بلا يمين؟
الطالب: نعم.
الشيخ: لماذا لا نلزمه باليمين؟
طالب: لأن البينة موجودة.
الشيخ: ولا فائدة من ذلك؛ لأن اليمين لتوكيد الشيء، وهنا ما حاجة، أصبع زائدة معروف أنها حادثة عند البائع، جرح طري والبيع له عشرة أيام معروف أنه عنده مشكلة، ما حاجة ( ... )، واضح؟
قال رحمه الله تعالى: (السادس) يعني من أقسام الخيار، (خيارٌ في البيع بتخبير الثمن).
قوله: (بتخبير الثمن) متعلق بالبيع، يعني فيما إذا باع بتخبير الثمن، وتخبير بمعنى إخبار، أي فيما إذا باع الشيء بما أخبر به من الثمن؛ هذا معنى العبارة.
والظاهر -والله أعلم- أن الفقهاء رحمهم الله تناقلوها، عبر بها الأول، ثم تبعه الآخر، وإلا فلو قيل: خيار يثبت فيما إذا أخبره بالثمن، كان أوضح، وهذا هو المعنى؛ يعني إذا باع الشيء وقال المشتري: كم الثمن؟ قال: الثمن مئة ريال، وهو باعه برأس ماله، الآن أخبره بالثمن بأن رأس المال مئة ريال، فإذا تبين أن رأس المال تسعون ريالًا، فحينئذٍ يثبت له الخيار، بسبب إخباره بالثمن، بسبب إخبار البائع إياه بالثمن، فتبين أن إخباره بالثمن صحيح ولَّا غير صحيح؟ غير صحيح؛ لأنه قال: بمئة، ثم ثبت أنه اشتراه بثمانين.
(2/999)
________________________________________
أعود مرة ثانية: جاءني رجل، قال: أنا قد اشتريت سيارة بثمانين ألفًا، فجاءني رجل وقال: بعنيها برأس مالها. قلت: طيب بعتُها عليك برأس المال. كم رأس المال؟ قلت: مئة ألف. قال: قبلت، ثم تبين بعد ذلك أن الثمن ثمانون ألفًا، تبين بالاستمارة ولَّا بالشهود؟ المهم تبين أنه ثمانون ألفًا، فالبائع حينئذٍ كذب على المشتري حيث أخبره بما لا صحة له، هذه المسألة. واضح؟
إذن (خيار) يثبت (في البيع بتخبير الثمن)، وقلت لكم: (بتخبير) متعلق بـ (البيع)، وليس متعلقًا بـ (خيار)، بل متعلق ب ـ (البيع)، يعني يثبت فيما إذا باعه بتخبيره بالثمن.
والتخبير هنا بمعنى الإخبار؛ لأنه مصدر خبَّر يُخبِّر تخبيرًا، ويماثله: أخْبَرَ يُخبر إخبارًا.
قال المؤلف: (بتخبير الثمن متى بان، أقل أو أكثر).
(متى بان أقل) واضح، يعني متى بان الثمن أقل مما أخبر به؛ هذا واضح.
لكن (أو أكثر) تصويرها صعب، ولهذا لا توجد هذه العبارة (أكثر) لا في الإقناع ولا في المنتهى ولا في المقنع اللي هو أصل الكتاب هذا ولا غيرها، فإما أن تكون سبقة قلم من المؤلف، وإلا فتصويرها صعب.
أما (متى بان أقل) واضحة؛ لأنه إذا بان أقل صار المشتري مغبونًا، أما إذا بان أكثر فليس بالمغبون، اللهم إلا أن يقول المشتري: أنا لا أريد أن يمن عليَّ، أنا أريد الثمن الحقيقي بلا زيادة؛ فهذه ربما تكون هذه الصورة، وأما من الناحية المالية، فمتى بان أكثر فالواقع أن الحظ في جانب المشتري، فكيف يثبت له الخيار؟
يقول: (متى بان أقل أو أكثر، ويثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة).
وجه حصره في هذه الأربع: أن هذه هي الصور الممكنة عقلًا، البيع بالتخبير يمكن بصور أربع فقط.
(2/1000)
________________________________________
(التولية): هي أن يبيعه برأس ماله، وسميت تولية؛ لأن المشتري صار بدلًا عن البائع، وكأنما يسير وليًّا له، أي متابِعًا له، وكأنه يقول -أي البائع-: وليتُك ما توليتُ؛ ولهذا تسمى تولية؛ وهي أن يبيعه برأس المال، يشتريه بمئة، ويأتيه واحد يبغي يشتريه منه، يقول: بعتُه عليك برأس المال، هذه تولية.
(والشركة): أن يبيع عليه بعضه بقسطه من الثمن. مثلًا إذا باع عليه النصف يكون على المشتري الثاني نصف الثمن، الثلث عليه الثلث، الربع عليه الربع، التولية باعه كله أو باع بعضه؟
طلبة: كله.
الشيخ: طيب، الشركة باع بعضه؛ النصف أو الربع أو أكثر أو أقل.
(والمرابحة والمواضعة)، المرابحة يبيع كله أو بعضه، وكذلك المواضعة، المرابحة أن يبيعه برأس ماله وربح معلوم؛ هذه المرابحة، فيقول: بعتُكَ برأس مالِه وربح عشرة ريالات؛ هذه المرابحة، أو: بعتك برأس ماله مع ربح العُشر؛ يعني سواء عين الربح أو نسبه؛ هذه المرابحة.
الرابعة: (المواضعة) أن يضع من الثمن، فيقول: بعتُك إياه بخسارة عشرة ريالات، أو العُشر، أو الخمس، أو ما أشبه ذلك. هذه معاني هذه الأربعة.
الأمثلة: (التولية): اشتريت سيارة بمئة ألف، فجاءني رجل فقال: بعنيها برأس مالها، فقلتُ: بِعْتُكها برأس مالها. هذه تولية.
(الشركة): اشتريت أرضًا بمئة ألف، فجاءني رجل فقال: اجعل لي بعض الأرض، أنا أريد أن أعمر مُستراحًا لي، اجعل لي نصف الأرض، فقلت: نعم، أشركتُك بنصف الأرض على حسب رأس المال. هذه تولية ولَّا لا؟
طلبة: شركة.
الشيخ: شركة، لكنها بحسب الثمن تولية؛ لأنه ما ربح عليه ولا نزَّل له.
(المرابحة): اشترى سيارة بمئة ألف، فجاءه إنسان وقال: أنا أريد أن أربحك، بعنيها بربح عشرة آلاف، فيقول: بعتُك. هذه مرابحة.
أو يقول: بِعنيها برِبْح العُشر، كم تكون؟ عشرة آلاف، نفس الشيء، مئة وعشرة آلاف. فالمرابحة تكون بالنسبة وتكون بالتعيين.
(2/1001)
________________________________________
(المواضعة) عكس المرابحة، يقول: إني اشتريتها بمئة، وأنا أضع لك عشرة في المئة، أو يقول: العُشر، فتكون بكم؟ بتسعين.
طيب هذه أنواع أو صور مع ما ذكر المؤلف.
قال: (ولا بد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال) يعني: إذا بعتها تولية لا بد أن يعرف المشتري رأس المال؛ لأنه إن لم يعرفه صار مجهولًا، ومن شرط صحة البيع العلم بالثمن.
وظاهر كلام المؤلف: حتى ولو كان البائع ممن عُرف بالمتاجرة، ووُثِق من شرائه، فإنه لا بد أن يعرف المشتري رأس المال، فلو جاءني وقال: اشتريتُ منك هذه الأرض برأس مالها، فقال: بعتُك إياها، والمشتري لا يعلم كم رأس المال، فإن البيع لا يصح؛ لماذا؟ لأن الثمن مجهول، ومن شروط البيع أن يكون الثمن معلومًا.
ويتخرَّج على القول بأنه يجوز أن يبيعه كما باع فلان أو بمثل ما باع به فلان، يتخرَّج من هذا القول جواز ذلك، إذا كان المشتري معروفًا بالحذق في البيع والشراء، المشتري اللي هو البائع في المسألة الثانية، فاهمين؟
طلبة: نعم.
طالب: ما فهمنا.
الشيخ: لا إله إلا الله! اشتريت أنا أرضًا بمئة ألف ريال، وأنا ممن يتجر بالأراضي ولا يُغْبن فيها، فجاءني رجل وقال: بِعْني الأرض التي اشتريت برأس مالها، قلت: بعتها عليك، وهو لا يدري كم اشتريتها، لكنه يعرف أنني رجل مُتاجِر حاذق، لا أُغْبن في الشراء، فالمذهب لا يجوز، لكن قلت لكم: يتخرج على القول بجواز البيع كما يبيع الناس أو كما يبيع فلان أنه يجوز، وهو الصحيح؛ لأن كثيرًا من الناس إذا عرف أن هذا الرجل ممن يتاجرون مثلًا بهذه السلعة، وأنه حاذق فيها يثق به، بل ربما لو أراد أن يشتريها لجاء إليه يستشيره.
ولكن لا شك أن الأولى والأحسن أن يَعْلم الثمن؛ لأن الإنسان قد يُقدِّر ثمن هذه السلعة قليلًا ويكون كثيرًا، وهذا يقع بكثرة، أن الإنسان يظن أن الأرض مثلًا هذه لا تبلغ هذه القيمة، فإذا كان قد عقد البيع ولزم البيع فإنه ربما يستحيي أن يقول: هوَّنت.
(2/1002)
________________________________________
فمن ثم نقول: لا شك أن الأولى بيان الثمن للمشتري؛ أولًا: للخروج من الخلاف، وثانيًا: لأنه أطيب للقلب، لكن كون هذا شرطًا هذا فيه نظر، بل نقول: إذا كان البائع الذي باع برأس المال ممن عُرف بالحذق في التجارة فإنه يكفي الاعتماد على حذقه واتجاره.
طيب، عندي بالشرح يقول: لا بد من معرفة المشتري والبائع رأس المال. الماتن حذف كلمة (البائع)، والشارح قال: (والبائع)، وإنما حذفها الماتن؛ لأن الغالب أن البائع يعلم رأس المال، لكن قد يكون لا يعلم كثيرًا، يعني كثيرًا ما يقع وهو لا يعلم، مثل أن يكون البائع تاجرًا له وكلاء، فاشترى وكيله له أرضًا، ثم جاء رجل وقال له -أي للتاجر-: بعني الأرض المذكورة برأس المال، قال: أبرك ساعة، أبيعها عليك. البائع حينئذٍ يعلم ولَّا ما يعلم؟
طلبة: يعلم.
الشيخ: من اللي يعلم؟ وكيله، وهو لا يعلم، إذن لا بد أن يعلم البائع برأس المال، واشتراط علم البائع برأس المال أوكد من اشتراط علم المشتري برأس المال؛ لأن البائع ربما يُغبن غبنًا كثيرًا، يكون وكيله قد اشتراها في زمن الرخص مثلًا، اشتراها بمئة ألف وهي تساوي مئتين، أو ارتفع السعر طفرة، وبلغت ضعف قيمتها، وهذا التاجر لا يعلم، فإذا باعها عليه برأس المال، وقال الوكيل: إن رأس مالها مئة ألف، وهي تساوي مئتين ألف أو أكثر، سيقول البائع: إن هذا المشتري غبنني وخدعني ويكون في قلبه حسْرة لا سيما إن كان ممن هم حريصون على الدنيا، ويُمَثِّلون قول المتنبي:
بَلِيتُ بِلَى الْأَطْلَالِ إِنْ لَمْ أَقِفْ بِهَا
وُقُوفَ شَحِيحٍ ضَاعَ فِي التُّرْبِ خَاتَمُهُ

تشبيه عجيب، بَلِيتُ بِلَى الأطلال، الأطلال هي بقايا الديار.
............... إِنْ لَمْ أَقِفْ بِهَا
وُقُوفَ شَحِيحٍ ضَاعَ فِي التُّرْبِ خَاتَمُهُ

هذا رجل شحيح ضاع خاتمه بالتراب، متى يروح؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: نعم، يبقى بها التراب، يحرثه ويدفنه حتى يجد الخاتم.
(2/1003)
________________________________________
فالحاصل أن نقول: إنه إذا كان البائع لا يعلم بالثمن لكونه وكل الأمر إلى وكلائه فجاءه إنسان واشترى منه شيئًا برأس المال، ثم تبين لهذا التاجر أن رأس المال أقل مما يتصور، فحينئذٍ سيقول: إن المشتري خدعني وغبنني، فيقع في نفسه شيء. إذن لا بد في الخيار بتخبير الثمن، لا بد من عِلْم البائع والمشتري برأس المال.
انتبه الآن: باع عليَّ الرجل برأس مال، باع عليَّ سلعة برأس المال، فقلت له: كم رأس المال؟ قال: رأس المال مئة، ثم تبين أن رأس المال ثمانون، لي الخيار أو لا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: لي الخيار، إن شئتُ أمسكتها، وإن شئت رددتها، ولكن المذهب ألَّا خيار، أن يُقال له: نضع عنك الزائد وتلزمك؛ لأن هذا من مصلحته، فكيف نثبت له الخيار؟ هو اشتراها برأس المال، وقيل له: إن رأس المال مئة، ورضيها بمئة، وتبين أن رأس المال كم؟ ثمانون، كيف نجعل له الخيار؟ لا نجعل له الخيار، الخيار لدفع الضرر، وهذا الذي اشترى برأس المال على أنه مئة، ثم تبين أنه ثمانون، هل عليه ضرر؟
طالب: لا.
الشيخ: إذا قيل: أعطِنا ثمانين وامشِ، ما فيه ضرر. فالمذهب في هذه المسألة أن يُقال: متى بان أن الثمن أقل فلا عليك ضرر، خُذْه بالثمن الحقيقي ولا خيار لك.
نعم، لو رأى القاضي، إذا ترافعوا للقاضي، ورأى القاضي أن من المصلحة إثبات الخيار له لكونه يعلم أن البائع مُدلِّس، فحينئذٍ يتوجه القول بإثبات الخيار تأديبًا لمن؟ للبائع عن التدليس والكذب، وأما إذا لم يكن هناك شيء فلا يمكن؛ لأن المشتري قد يجعل هذا وسيلة -يعني المشتري إذا قلنا: له الخيار- قد يجعله وسيلة لترْك المبيع؛ لأن قيمته في السوق نقصت، فنفتح باب الحيل على الناس.
طيب لو أن البائع قال: بِعتُك برأس المال، قال: كم رأس المال؟ قال: مئة، ثم تبين أنه ثمانون؟ ما مشى عليه المؤلف: له الخيار، والمذهب: لا خيار، ولكن ينزل الزائد.
(2/1004)
________________________________________
لو قال البائع: أنا والله غلطت، قلت: إن الثمن مئة، ظننت أنها السلعة الفلانية، أو أن قيمة هذه السلعة مئة غلطًا؛ فإنه لا يُقبل قوله إلا ببينة؛ لأنه مُدَّعٍ.
إذا لم يكن عنده بينة، فهل القول قول المشتري؟ نعم، القول قول المشتري، فيحلف أنه لا يعلم أن البائع غلط، ويثبت له الخيار على القول بالخيار.
خلاصة الأمر الآن: أن هذا القسم من الخيار مُختلَف فيه، هل يثبت أو لا؟ فالمذهب لا يثبت، إذا بان أن رأس المال أقل مما اشترى به، ووجه عدم ثبوت الخيار له أنه لا ضرر عليه؛ لأن من قبِل الشيء بمئة لا ضرر عليه أن يكون عليه بثمانين، والخيار إنما هو لدفْع الضرر.
أما المؤلف فيرى الخيار، وقلت لكم: إنه لو قيل بقول وسط في هذه المسألة، وهو أنه إذا ثبت أن البائع كاذب متعمدًا فإنه ينبغي أن نُمكِّن المشتري من الخيار، لماذا؟ تأديبًا للبائع وعقوبة له.
ثم قال: (وإن اشترى بثمن مُؤجَّل، أو ممن لا تُقبل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن) هذه أربع مسائل: (ولم يُبيِّن ذلك في تخبيره بالثمن، فلمشترٍ الخيار بين الإمساك والرد).
(إذا اشترى بثمن مؤجل)، ومعلوم أن الثمن المؤجَّل أكثر من الثمن الحال، اشترى هذه السلعة بثمن مؤجل بمئة ألف، ثم جاءه إنسان وقال: بعنيها برأس المال، قال: بعتك برأس المال. كم رأس المال؟ قال: مئة ألف، ثم تبين أن الثمن بالصفقة الأولى مُؤجَّل؛ يثبت للمشتري الخيار؛ لأنه من المعلوم أن الثمن المؤجل أكثر من الثمن الحال، وهو قد باعه على المشتري؛ المشتري الأول باعه على المشتري الثاني بثمنه الحال، لم يقل: إني اشتريته بثمن مؤجل، فاشتراه على أنه الثمن حال وسلَّمه مئة ألف، ثم تبين أنه اشتراه بثمن مؤجل. يثبت له الخيار، لِمَنْ؟ للمشتري الثاني، له أن يفسخ البيع.
(2/1005)
________________________________________
المذهب لا خيار له في هذا، ويبقى الثمن عليه مؤجلًا، لكن المذهب في هذه المسألة ضعيف، والصواب ما مشى عليه الماتِن؛ أنه يثبت له الخيار؛ لأن المشتري الثاني يقول: أنا عندي دراهم ما حاجة أني ألتزم بثمن مؤجل زائد على الثمن الحاضر، فعليه ضرر.
فلذلك انتبهوا، يعني الآن ما مشى عليه المؤلف الماتن من ثبوت الخيار هو الصحيح، والفرق بينه وبين المسائل الأربع أن المسائل الأربع السابقة ما عليه ضرر، أما هذه عليه ضرر؟ مفهوم ولَّا غير مفهوم؟ غير مفهوم.
طلبة: غير واضح.
الشيخ: اللَّهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا.
الآن إن شاء الله نعيدها: رجل اشترى أرضًا بمئة ألف تحل بعد سنة، الثمن الآن مُؤجَّل. جاء رجل قال: بعها عليَّ برأس مالها، قال: بعتُها عليك، قال: تفضَّل، هذه مئة ألف، ثم تبين أن البائع الذي باع عليه -وهو المشتري الأول- قد اشتراها بثمن مُؤجَّل، نقول: للمشتري الثاني الخيار. لماذا؟ لأن الثمن المؤجل يكون أكثر من الحال.
لو قال البائع: خُذْ دراهمك، أنا أؤجلها عليك، نقول: لا يصح، لا يلزمه؛ لأنه قد يقول: أنا الدراهم حاضرة عندي، وآخذها بثمانين نقدًا، فلي الخيار. ثم إن بعض الناس لا يرضى بالتأجيل، يبقى الشيء دينًا في ذمته، اتضح الآن ولَّا ما اتضح؟ اتضح.
المذهب يقولون: إنه يأخذه بتأجيله ولا خيارَ له؛ لأنه لا ضرر. ونقول: بل له الخيار، وقولهم: (لا ضرر) غير صحيح، بل عليه ضرر. ما هو الضرر؟
(2/1006)
________________________________________
وإن اشْتَرَى بثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أو مِمَّنْ لا تُقْبَلُ شَهادتُه له , أو بأَكْثَرَ من ثَمَنِه حيلةً أو , باعَ بعضَ الصَّفْقَةِ بقِسْطِها مِن الثمَنِ ولم يُبَيِّنْ ذلك في تَخْبِيرِه بالثمَنِ , فللمُشْتَرِي الخيارُ بينَ الإمساكِ والرَّدِّ، وما يُزادُ في ثَمَنٍ أو يُحَطُّ منه في مُدَّةِ خِيارٍ، أو يُؤْخَذُ أَرْشًا لعَيْبٍ أو جِنايةٍ عليه يَلْحَقُ برأسِ مالِه ويُخْبَرُ به، وإن كان ذلك بعدَ لُزومِ البيعِ لم يَلْحَقْ به، وان أُخْبِرَ بالحالِ فحَسَنٌ.
السابعُ: خِيارٌ لاختلافِ الْمُتبايِعَيْنِ , فإذا اخْتَلَفا في قَدْرِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا،
نقول: لا يصح، لا يلزمه؛ لأنه قد يقول: أنا الدراهم حاضرة عندي وآخذها بثمانين نقدًا، فلي الخيار.
ثم إن بعض الناس لا يأبه بالتأجيل؛ يبقى الشيء دينًا في ذمته، اتضح الآن ولَّا ما اتضح؟
طلبة: اتضح.
الشيخ: اتضح طيب.
المذهب يقولون: إنه يأخذه بتأجيله ولا خيار له؛ لأنه لا ضرر، ونقول: بل له الخيار، وقولهم: لا ضرر غير صحيح، بل عليه ضرر. ما هو الضرر؟ زيادة الثمن بالتأجيل، وقد يكون الضرر بالتأجيل وإن لم يزد الثمن؛ لأن بعض الناس لو صارت الدراهم عنده يحب أن يقضي لزومه، يخشى أنها لو تبقى بيده لذهبت؛ ضاعت ما يستفيد منها.
إذن هذه المسألة نقول: الصحيح ما مشى عليه الماتن؛ وهو أن له الخيار.
طالب: لو أن -يا شيخ- اشترى أرضًا في الرخص -مثلًا- بمئة، وجاءت الطفرة وصار سعرها ثلاث مئة -مثلًا- فجاء له قال له المشتري: بعنيها بسعر ما اشتريتها ..
الشيخ: برأس مالها.
الطالب: برأس مالها.
الشيخ: طيب.
الطالب: هل نقول: إنه يبيعه برأس المال السابق أم يعمل .. ؟
الشيخ: هو رأس مالها الثمن الذي وقع عليه العقد، هذا رأس المال.
الطالب: نعم، طيب الآن صارت زيادة الآن .. ؟
الشيخ: ما يخالف، هو رضي؛ البائع رضي أن يبيع بالثمن الأول.
الطالب: طيب لو كان المشتري .. ؟
(2/1007)
________________________________________
الشيخ: ولم يقل: بعنيها بالقيمة، يقول: بعنيها بالثمن؛ رأس ماله، وهو مئة فقط.
طالب: شيخ، التخبير بالثمن هل ( ... ) فقط ولَّا على قيمتها بالسوق؟
الشيخ: يا جماعة الخير، يا طلبة العلم، قلنا لكم: الثمن ما وقع عليه العقد، والقيمة ما تساويه في السوق، الثمن: ما وقع عليه العقد قلَّ أو كثر، قد أشتري هذا الشيء بمئة وهو سعره خمسون في السوق، ما هو الثمن؟
طالب: ما وقع عليه.
الشيخ: طيب، قد يساوي مئة في السوق واشتريته بخمسين، ما هو الثمن؟
طالب: هو الذي وقع عليه العقد.
الشيخ: اللي وقع عليه العقد، اللي هو الخمسين.
الطالب: لكن -يا شيخ- اللي أشكل عليَّ أننا ( ... ) -يا شيخ- إذا كان المشتري حذقًا في البيع والشراء وعالمًا فهو جائز، والأولى إخباره بالثمن.
الشيخ: كيف؟
الطالب: قلنا: إذا كان المشتري يعرف البيع والشراء؛ حاذق في هذه المسائل، الأولى أن نخبره، ولو لم نخبره فالبيع جائز.
الشيخ: إي نعم، لكن البائع باع بالثمن، ما باع بالقيمة.
الطالب: إذا كان الثمن -يا شيخ، حفظكم الله- قديمًا.
الشيخ: ما يخالف، الثمن قديم أو حديث، هو رضي أن يبيعه بالثمن والمشتري رضي أن يشتريه بالثمن.
طالب: شيخ -بارك الله فيكم- ما هو الفرق بين بيع الشركة وبين أن يبيع نصف أرضه بمال مثلًا، الآن ملك الأرض وباع نصفها ( ... ) تجعل هذا قسمًا وهو لأنه ملك الأرض وباعها؟
الشيخ: إذا باع -بارك الله فيك- نصف الأرض فهو مُعيَّن، للمشتري الشرقي ولذاك الغربي.
الطالب: طيب، كأنه باع أرضًا؛ يعني: ملكها؟
الشيخ: إذا قال: أنت شريكي فيها صار كل حبة من ترابها فهما فيها شريكان.
الطالب: هذا فيما ( ... ) على ثمن الأجزاء؟
الشيخ: كيف؟ الآن الشركة معناها أن يكون شريكًا له مشاركة مشاع، ما عُيِّن لكل واحد.
الطالب: هذا المراد ( ... ) هذا؟
الشيخ: هذا المراد.
(2/1008)
________________________________________
طالب: ( ... ) مثلًا البائع اشترى وكيله أرضًا ولم يعلم البائع، على قول أنه يصح أن يبيعها البائع قبل أن يعرف الثمن، فقال للمشتري الثاني: أبيعك برأس مالها على ألَّا خيار.
الشيخ: ما يجوز هذا، ربما يخدعه في هذا.
الطالب: لكن ما يعرفه؟
الشيخ: ما يجوز، البائع لا بد من علمه؛ يعني: تأكيد علم البائع أشد من تأكيد علم المشتري.
الطالب: إسقاط الخيار ليس ( ... )؟
الشيخ: إسقاط الخيار بعد أن يثبت.
الطالب: لو علم؟
الشيخ: إذا ثبت ( ... ).
طالب: لو كان -مثلًا- صاحب أحد المحلات يشتري وعنده الأسعار التي اشترى بالحبة أو بالقطعة الواحدة، فأتى أحد اشترى منه جملةً، فقال: أبيعك بثمنها؛ برأس مالها، فهل يلزمه يبيع برأس المال .. ؟
الشيخ: لا بد أن يخبر، سيأتينا هذا، لا بد أن يخبر؛ البائع لا بد أن يخبر يقول: لقد اشتريتها أفرادًا.

طالب: بارك الله فيكم، فيه بعض الأراضي -يا شيخ- تباع بوضع اليد؛ يعني: رجل يأخذ قطعة أرض كبيرة بوضع اليد، لا عقد ولا شيء، ويبيع منها قطعة، ثم تأتي الدولة تأخذ من نفس اللي اشترى هذا أموال ( ... )؟
الشيخ: ضرائب يعني؟
الطالب: لا، ما هو ضرائب، عقد آخر؛ يعني: يقول له: خلاص، أنت اشتريت هذه بوضع اليد منذ فترة كبيرة، فالآن نكتب لك عقدًا، ونأخذ منك ثمن الأرض؛ لأن الأرض هذه حق الدولة.
الشيخ: ما يصير هذا.
الطالب: ( ... ) حصل.
الشيخ: لا، ما يصير، الدولة ما تفعل هذا، الدولة تمنح الأراضي، ومن أحياها فهي له.
الطالب: لا، ما هو هنا يا شيخ، دولة أخرى.
الشيخ: دول أخرى؟
الطالب: إي.
الشيخ: وين؟
الطالب: أمريكا.
الشيخ: أمريكا؟ ! أمريكا ما يحكمون بالشرع، ما علينا منهم.
الطالب: لا، أتكلم الآن في مسألة جايه الآن ما .. اشترى بالأول بثلاث مئة ..
الشيخ: خبرني ويش هذه الدولة؟
طالب: في مصر يسمونها أرض الخفية.
الشيخ: في مصر، أرض خفية؟
الطالب: بمعنى .. ، أوضح المسألة يا شيخ؟
طالب آخر: يا شيخ، الأرض هذه بوضع اليد، اشتراها ..
(2/1009)
________________________________________
الشيخ: ما يشتري بوضع اليد -بارك الله فيك- أصلًا ما يمكن بيعها حتى يثبت ملكها.
الطالب: يا شيخ، أراضي وضع اليد مباعة ( ... )، الصحراء كلها تباع الآن.
الشيخ: من يأخذ قيمته بوضع اليد هذا؟
الطالب: الرجل الذي وضع يده من أول منذ أن كان ..
الشيخ: طيب، مثلًا افرض أني أنا جئت على أرض بور ما فيها شيء وأخذت -مثلًا- ألف كيلو؟
الطالب: ثم تبيع فدانًا فدانًا مثلًا.
الشيخ: زين.
الطالب: طيب، اللي تبيع له بس لا ورقة ولا شيء؛ يعني: تكتب أنك بعت له وخلاص، لكن المسؤولون يأتون ويقولون: هذه الأرض أنتم أخذتموها بوضع اليد، ولكن نأخذ عليكم مثل عقد حتى ندخل الماء والكهرباء والأشياء هذه، لا بد من مداولة عقد آخر، فيدفع ثمنًا آخر، السؤال: إذا أراد أن يبيعها هل يضيف الثمن الأول مع الثمن الآخر ولَّا يبيعها بنفس الثمن اللي اشتراها به؟
الشيخ: يبين، هو إذا بين .. ، لا بد أن يبين، يأتينا -إن شاء الله- في كلام المؤلف.

***
( ... ) وأصحابه أجمعين.
السادس من أقسام الخيار؟
طالب: الخيار في البيع بتخبير الثمن.
الشيخ: أحسنت. ما معنى هذه الجملة؟
الطالب: أي: أن يخبر البائع المشتري بثمن السلعة، فيتبين خلاف ذلك بأقل مما أخبره به فالمشتري بالخيار.
الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك.
ما تقول في تلييس البيت القديم وعرضه للبيع؟
طالب: هذا تدليس.
الشيخ: من التدليس.
الطالب: لأنه أظهره بالمظهر المرغوب وهو ( ... ).
الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك. حكمه؟
الطالب: حكمه غش.
الشيخ: غش، لكن حرام ولَّا جائز؟
الطالب: الغش حرام.
الشيخ: حرام.
الطالب: إي.
الشيخ: طيب. هل يعتبر من الصغائر أو من الكبائر؟
الطالب: لا، من الكبائر.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأن من غش فهو ليس منا.
الشيخ: لتبرؤ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله، طيب، بارك الله فيك.
ما معنى قول المؤلف: (جَمْعِ ماء الرَّحَى وإرسالِه عند عَرْضِها)؟
(2/1010)
________________________________________
طالب: أن يجمع الماء في منطقة حيث قلنا: الجريان بحاجز أو بغيره، ثم إذا أتى يريد أن يبيع ..
الشيخ: يبيع أيش؟
الطالب: يبيع ..
الشيخ: الماء.
الطالب: لا، اسمها؟
الشيخ: الرحى.
الطالب: الرحى نعم، يبيع الرحى، أطلق الماء فتجري الرحى بسرعة، فيظن المشتري أن هذه عادتها.
الشيخ: طيب، يعني يصب الماء في حلقوم الرحى؟
الطالب: لا، يطلق الماء.
الشيخ: طيب، ما علاقة الماء بالرحى؟
الطالب: إذا أطلق الماء اندفع الماء نحو الرحى.
الشيخ: يعني يمر من عندها؟
الطالب: لا يا شيخ، هو الرحى يكون ملامسًا للماء.
الشيخ: طيب، إن لامس الماء جاء الماء فأفسد الدقيق.
الطالب: لا، رحًى للماء ورحًى للدقيق.
الشيخ: ما يصلح. الظاهر أنك ما حضرت ولَّا لا؟
الطالب: لا، حضرت.
طالب آخر: يقول المؤلف: (وجَمْعِ ماء الرَّحَى وإرسالِه عند عَرْضِها) الرحى عبارة عن ..
الشيخ: الرحى اللي تطحن الحب.
الطالب: تطحن الحب اللي هي عبارة عن حجر يدور -يا شيخ- بالماء، أولًا ما كان فيه مواتير قديمًا.
الشيخ: أيش؟
الطالب: في القديم ما كان فيه مواتير.
الشيخ: صحيح.
الطالب: في القديم كانوا يأتون بالماء حتى تلف هذه الرحى بقوة، فيجمع ماء ..
الشيخ: لكن هل هو يباشر الرحى؟
الطالب: لا، البكرة، هو الماء يباشر البكرة ( ... ) الرحى اللي بتدور الرحى، فإذا جاء يبيعها جمع الماء؛ ماء الرحى جمعه، ثم إذا أتى المشتري فتح الماء، فأتى الماء بسرعة واندفع فدوَّر الرحى أمامه تصير كأنها ممتازة.
الشيخ: يعني: الماء يباشر العجلة التي تُدير الرحى.
الطالب: تدير الرحى.
الشيخ: إي. ما وجه كون هذا من التدليس؟
طالب: حيث أظهرها بمظهر مرغوب وهي خالية منه.
الشيخ: إي نعم، أظهرها بالمظهر المرغوب وأنها قوية؛ دورانها قوي، وهي ليست كذلك.
رجل اشترى بيض دجاج فكسره فوجده فاسدًا، فما الحكم؟
طالب: يرجع بكل الثمن.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: له الخيار ويرجع بكل الثمن.
الشيخ: طيب، لماذا؟ يرجع بكل الثمن؟
(2/1011)
________________________________________
الطالب: لا يمكن الفائدة من قشر البيض.
الشيخ: من قشره، صح، وقشره غير مقصود أصلًا، إذن يرجع بكل الثمن لتبيُّن فساد العقد؛ لأنه وقع على ما لا منفعة فيه.
رجل اشترى شيئًا فوجد فيه عيبًا فكيف يكون خياره؟
طالب: يأخذ أرش.
الشيخ: يأخذ أرش؟ لازم؟
الطالب: إذا كان ما يستفاد منه ..
الشيخ: لا، يستفاد منه، اشترى شاة فوجدها فيها جرح مثلًا؟
طالب: له الخيار أن يمسكه بأرشه أو يرده ويأخذ الثمن.
الشيخ: طيب، يُخير بين رده وأخذ الثمن أو إمساكه مع الأرش.
ما هو الأرش؟
طالب: هو فرق ما بين ( ... ).
الشيخ: فرق ما بين قيمته سليمًا ومعيبًا، صح.
هل يُؤْخَذ بنفس الفرق أو بالقسط؟
طالب: يؤخذ بنفس الفرق.
الشيخ: بنفس الفرق؟
الطالب: يُقَوَّم.
الشيخ: السؤال هل يأخذ بنفس الفرق أو بالقسط؟
الطالب: القسط.
الشيخ: بالقسط؟
الطالب: بالقسط.
الشيخ: طيب، مثِّل؟
الطالب: يعني مثلًا اشترى سلعةً بثمانين وقيمتها صحيحة مئة.
الشيخ: لا، اشتراها بثمانين معناه عرف العيب ونزلت قيمتها.
الطالب: يعني: قيمتها معيبة ..
الشيخ: اشتراها بمئة فوجد بها عيبًا، قومناها.
الطالب: قومناها معيبًا فطلعت ..
الشيخ: بثمانين.
الطالب: بثمانين.
الشيخ: وسليمة؟
الطالب: بمئة.
الشيخ: بمئة، طيب.
الطالب: ( ... ).
الشيخ: نقول: إما أن ترد السلعة، وإما أن يعطيك البائع.
الطالب: الخمس.
الشيخ: الخمس. طيب، إذا كان قد اشتراها بخمسين وقُوِّمَت بمئة، وكان الأرش عشرين من المئة، فكم يكون الأرش بالنسبة للثمن الذي هو الخمسون؟
الطالب: الأرش عشرون.
الشيخ: عشرون.
الطالب: يكون الخمس يا شيخ.
الشيخ: الأرش عشرون، فتكون عليه بثلاثين.
الطالب: نعم.
الشيخ: كذا؟
الطالب: لا، تكون بأربعين.
الشيخ: كيف تقول: الأرش عشرون؟ ما هو بالأرش عشرون؟
الطالب: لا، الأرش يكون الخمس مقدار ..
(2/1012)
________________________________________
الشيخ: إي، هذا هو الفرق بين قولنا: إنه هو الفرق بين قيمته سليمًا ومعيبًا بالكم أو بالقسط، قلنا: إنه بالقسط، قل: الفرق خمس مثلًا، عشان ينقص من الثمن الخمس؛ وهو عشرة من خمسين.
متى يتعين الأرش؟
طالب: يتعين الأرش إذا تعذر الرد.
الشيخ: تعذر الرد؟
الطالب: إي.
الشيخ: كيف تعذر الرد؟
الطالب: مثلًا أن يأخذ سلعة معيبة ثم تتلف.
الشيخ: إذا تلفت.
الطالب: إي نعم، يتعين الأرش.
الشيخ: إذا تلفت يتعين الأرش؛ لأنه لا يمكن الرد الآن بعد تلفها.
ومتى يتعين الإمساك مجانًا أو الرد؟
طالب: إذا كان يلزم من الأرش الوقوع في الربا.
الشيخ: إذا كان يلزم من الأرش الوقوع في الربا. مثاله؟
الطالب: مثاله إذا اشترى حليًّا ذهبًا، ثم تبين له أن الحلي معيب، فإن أخذ الأرش وقع في الربا ( ... )، فهنا يتعين؛ إما الإمساك، أو الرد بلا أرش.
الشيخ: سمعتم؟ اشترى حليًّا من الذهب بذهب، فهنا يشترط الموازنة؛ وزنًا بوزن، فإذا ظهر في الحلي عيب، قيل له: إما أن تمسك مجانًا، وإما أن ترد. أما الأرش فلا؛ لأننا لو أعطيناه أرشًا صار ربًا؛ صار في الطرف الآخر زيادة.
ادَّعى المشتري أن في المبيع أصبعًا زائدة، وفعلًا نشاهد الأصبع الزائدة، فقال البائع: حدثت عندك، وقال المشتري: حدثت عندك؟
طالب: القول قول المشتري.
الشيخ: ويش الأصل؟ عدم العيب ولَّا وجود العيب؟
الطالب: الأصل عدم العيب، ولكن هذه الحالة ..
الشيخ: هذا العيب.
الطالب: هذا العيب هو لا يكون إلا قول المشتري.
الشيخ: إي، يعني لا يمكن أن يحدث؟
الطالب: نعم.
الشيخ: طيب، إذن فالقول هنا قول؟
طالب: المشتري.
الشيخ: زين. هل يحلفه أو لا؟
الطالب: لا يحلفه.
الشيخ: لماذا؟
الطالب: لأن الحلف لا داعي له، لغوًا يكون.
الشيخ: توافقون على هذا؟
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب.
قال المشتري: إن في الجمل الذي اشتريت دبرة، تعرف الدبرة؟
طالب: إي، دبارة.
الشيخ: إي!
الطالب: يُنْظر إذا كانت الدبرة بأثر جديد ..
(2/1013)
________________________________________
الشيخ: إذا كانت جديدة.
الطالب: جديدة، فهو ..
الشيخ: فالقول قول؟
الطالب: فالقول قول البائع.
الشيخ: صح، وإن كانت ..
الطالب: إن كانت قديمة ..
الشيخ: فالقول قول؟
الطالب: البائع.
الشيخ: كلها القول قول البائع؟ !
الطالب: إذا كانت قديمة فالقول قول المشتري.
الشيخ: نعم.
الطالب: وإذا كانت جديدة فلا عبرة بقول المشتري؛ لأن هذا حدث ..
الشيخ: طيب، إذا احتمل الأمران فمن القول قوله؟
الطالب: قُبِلَ بلا يمين.
الشيخ: لا، من القول قوله؟
الطالب: القول قول البائع.
الشيخ: ولا فيه قول ثانٍ؟
الطالب: القول قول المشتري.
الشيخ: ولا فيه قول ثالث؟ ! ما فيه قول ثالث؟ !
الطالب: لأنه لا بد أن يستلمها صحيحة.
الشيخ: إذا كان هذا خفيًّا، ما هو شيء ظاهر؟
الطالب: هو في قولٍ يُحلَّف.
الشيخ: لا، دعنا من التحليف، هذا إذا قلنا: إن القول قول فلان لا بد من اليمين، لكن لمن القول قوله؟ الآن ذكرت أن في المسألة قولين، ولكنني لا أدري هل هذا الذكر عن علم أو لما أنت سُئلت عن القول الأول أردفت بقول ثانٍ؟
الطالب: عن علم.
الشيخ: عن علم، أيهما المذهب؛ قول المشتري ولَّا البائع؟
الطالب: القول قول المشتري.
الشيخ: المذهب أن القول قول المشتري، صح. والقول الراجح؟
الطالب: القول الراجح أنه للبائع.
الشيخ: أن القول قول البائع.
الطالب: لأن المشتري لا بد أن يستلم ..
الشيخ: اصبر، لا تعلل المسألة، القول قول البائع؟
الطالب: إي نعم.
الشيخ: بارك الله فيك، صحيح يا جماعة.
طلبة: نعم.
الشيخ: طيب، التعليل للقول بأنه قول البائع؟
طالب: أن القول قول البائع لهم دليل حديث وتعليل.
الشيخ: ما هو الحديث؟
الطالب: أما الحديث فهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ يَتَرَادَّانِ» (1). وأما التعليل: لأن معه الأصل؛ وهو أن الأصل أن المشتري استلم السلعة كاملة بلا عيب.
(2/1014)
________________________________________
الشيخ: إي، الأصل السلامة حتى يقوم دليل على أن العيب سابق.
ما هو تعليل القول الثاني؟
طالب: القول قول المشتري على المذهب، تعليله: أن الأصل السلامة في السلعة إذا باعها البائع أو أن العقد وقع على كل جزء في السلعة.
الشيخ: نعم.
الطالب: وإذا كان ...
الشيخ: أن العقد يتم على كل جزء من السلعة، والأصل عدم؟
الطالب: عدم فوات ..
الشيخ: عدم قبض الجزء؟
الطالب: الجزء المعيب.
الشيخ: إي نعم، الذي فات بالعيب، لكنه كما ترى تعليل عليل، وأيضًا هو تعليل في مقابلة النص فلا عبرة به.
***
تخبير الثمن عرفناه قبل قليل ونمشي الآن فيه، ونقرأ بعض الشيء حتى لا يفوت شيء من الدرس.
يقول رحمه الله تعالى: (وإن اشترى بثمنٍ مؤجَّلٍ) (إن اشترى) أي: البائع توليةً، (اشترى) الفاعل يعود على البائع توليةً، (اشترى بثمن مؤجل) ولم يبين، مثل أن يقول: بعتك هذا الكتاب برأس ماله، إذا قال: بعتك برأس ماله، وأيش نوع البيع هذا؟ تولية، قال: كم رأس ماله؟ قال: رأس ماله عشرون درهمًا، قال: أخذته، وكان هذا الذي باعه قد اشتراه بعشرين درهمًا مؤجلًا ولم يخبر، ومعلوم أن الثمن المؤجل يكون أكثر ولَّا أقل؟ أكثر، فاشتراه المشتري، صدَّقه وأخذه بعشرين، ثم تبين أن هذا الثمن كان ثمنًا مؤجلًا، هو صادق؛ لأنه اشتراه بعشرين لكنه ثمن مؤجل. فنقول: للمشتري الخيار؛ إن شاء أمسكه، وإن شاء رده؛ لأن البائع غرَّه وخدعه، فجزاؤه أن يُفسَد عليه أمره وأن يقال للمشتري: أنت بالخيار.
هذا هو الذي مشى عليه المؤلف، وهو وجيه جدًّا إذا كان البائع الذي باع برأس ماله قد خدعه، فنعامله بنقيض قصده.
والمذهب أنه ليس له حق الفسخ، ولكنه يأخذه بأجله؛ لأنه في هذه الحال لا ضرر عليه؛ إذ إنه زاده خيرًا، كان بالأول قد رضي أن يشتريه نقدًا بعشرين، والآن صار عليه مؤجلًا بعشرين، والتأجيل أرفَقُ به فيكون قد زاده خيرًا وليس له الخيار؛ لأن الخيار إنما هو لدفع الضرر وهنا لا ضرر.
(2/1015)
________________________________________
فصارت المسألة: إذا باعه بثمنه وتبين أنه ثمن مؤجل فللمشتري الخيار بين أن يرده وبين أن يمسكه. هذا رأي من؟ المؤلف؛ الماتن، والمذهب لا خيار له، بل يبقى البيع لازمًا مؤجلًا.
ما هو تعليل كلٍّ من القولين؟
أما القول الأول الذي يقول: له الخيار فتعليله أنه خدعه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (2)، فخدعه، فهذا جزاؤه؛ أن يُفْسَد عليه الأمر.
وأما تعليل الثاني فيقولون: إنه ليس عليه ضرر في هذه الحال؛ لأنه رضي بالثمن نقدًا، فإذا أُجِّل عليه صار ذلك أيسر له، ينتفع بالثمن الآن نقدًا يبيع به ويشتري، فإذا حل الأجل سلَّمه للذي باع عليه فقد زاده خيرًا.
ولكن مع ذلك يقال: قد يكون زاده خيرًا وقد يكون زاده شرًّا، ربما يقول المشتري: أنا أحَبُّ إلي أن أشتري بنقد؛ لأن الدراهم الآن معي، فإن بقيت معي إلى الأجل فربما أصرفها في أشياء غير مفيدة لي، وربما يكون أيضًا في بلد ظالمٌ والِيها، فيَخشى إن بقي عنده شيء من المال أن يؤخذ منه مصادَرة ويقول: أنا التعجيل أحَب إليَّ من التأجيل.
ولكن الجواب على هذا أن يقال: هذه حال نادرة، والأصل عند جميع الناس من حيث العموم أن المؤجَّل أيسر على باذله من الحالِّ.
ولكني -كما قلت لكم-: إذا علمنا أن البائع قد خدعه يقينًا فإنه في هذه الحال نقطع عليه الطريق ونقول للمشتري: أنت بالخيار؛ إن شئت افسخ، وإن شئت خذه بأجله.
إذا قلنا: يأخذ بأجله فهل يكمِّل الأجل أو يبتدئ الأجل من جديد؟
طالب: يكمل من الأول.
الشيخ: يكمل من الأول! كيف يكمل! تناقض.
طالب: يبتدئ من الأول.
الشيخ: هل يأخذه بأجله من جديد أو يكمِّل الأجل؟
طالب: من جديد.
طالب آخر: يكمل الأجل.
الشيخ: لا، يأخذه من جديد؛ لأن الثمن من أوصافه أن يكون مؤجلًا، فالتأجيل من أوصافه، فيأخذه بأجله ابتداءً.
(2/1016)
________________________________________
فإذا قُدِّر أنه باعه بعد أن اشتراه بثلاثة أشهر والأجل ستة أشهر، هل يبقى على المشتري ثلاثة أشهر ولَّا يستأنف ستة؟
طلبة: يستأنف ستة.
الشيخ: يستأنف ستة؛ لأن هذا هو الثمن.
***
طالب: ( ... ) ولم يُبَيِّنْ ذلك في تخبيره بالثمن فللمشتري الخيارُ بين الإمساكِ والرَّدِّ، وما يُزَاد في ثمنٍ أو يُحَطُّ منه في مدة الخِيار أو يُؤخَذ أَرْشًا لعيبٍ أو جنايةٍ عليه يُلْحَقُ برأس ماله ويُخْبَرُ به، وإن كان ذلك بعد لزوم البيع لم يُلْحَقْ به، وإن أخْبر بالحال فَحَسَنٌ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
نحن الآن في القسم؟
طالب: السادس.
الشيخ: السادس من أقسام الخيار؛ وهو الخيار الذي يثبت بتخبير المشتري بالثمن متى بان أقل.
وسبق لنا أن هذا فيه خلاف بين العلماء؛ فالمذهب أنه لا خيار، ويأخذه المشتري بالأقل؛ لأنه إذا أخذه بالأقل لم ينقصه شيء؛ إذ إنه راضٍ أن يأخذه بمئة -مثلًا- فإذا بان أن الثمن ثمانون فقد زاده خيرًا، فلا خيار له.
وذكرنا أن القول الراجح في هذه المسألة هو أيش؟
طالب: ( ... ).
الشيخ: لا، هو التفصيل؛ أنه إذا تبين أن البائع خدعه فله الخيار، وإلا فلا خيار له؛ لأننا نقول للمشتري: أنت لا ضرر عليك، خذه بما قال.
ثم ذكر المؤلف صورًا منها (إذا اشترى بثمنٍ مؤجَّلٍ)، الفاعل في قوله (اشترى) يعود على مَن؟
طالب: يعود على البائع.
الشيخ: البائع بالتخبير؟
الطالب: يكون البائع اشتراه بثمن مؤجل ..
الشيخ: أقول: (إن اشترى) يعود على من؟
الطالب: البائع.
الشيخ: البائع؛ يعني: البائع بتخبير الثمن.
الطالب: البائع على المشتري ( ... ).
الشيخ: إي، البائع بتخبير الثمن. ويش تقولون يا جماعة هو هو؟
طلبة: نعم.
(2/1017)
________________________________________
الشيخ: طيب، البائع بتخبير الثمن إذا اشترى بثمن مؤجل فالمؤلف يرى أن له الخيار؛ لأنه إذا اشتراه بثمن مؤجل بمئة، فثمنه في الحال غالبًا أقل؛ ثمانون.
فإذا اشتراه بثمن مؤجل ثم جاء إنسان وباعه عليه برأس ماله وتبين أنه اشتراه بثمن مؤجل فالمؤلف يرى أنه له الخيار، والمذهب لا خيار له ويأخذه بأجله.
ويقال في هذا ما قلنا فيما سبق: إنه ليس على المشتري ضرر؛ لأنه مطالب بالثمن نقدًا في الأول، والآن سوف يؤجَّل عليه. هذه واحدة.
(أو ممن لا تُقْبَلُ شهادتُه له) يعني: أو اشترى البائع بتخبير الثمن ممن لا تُقْبَل شهادته له، ثم باعه على آخر ولم يخبِره، فللثاني الخيار؛ لأن الغالب أن الإنسان مع مَن لا تُقْبَل شهادته له لا يستقصي في الثمن؛ يعني: لا يماكس، الغالب. من الذي لا تُقْبَل شهادته له؟ الأصول والفروع.
مثال: رجل اشترى من أبيه سلعةً بمئة، ثم باعها على آخر برأس مالها، كم رأس المال؟ مئة، ثم تبين للمشتري أن الذي باع عليه قد اشترى من والده. يقول المؤلف: له الخيار، وظاهر كلامه: سواء غُبِن أم لم يغبن، بناءً على أيش؟
طالب: الأصل.
الشيخ: على أن العادة أن الإنسان لا يستقصي فيما إذا اشترى ممن لا تُقْبَل شهادته له.
ما وجه الخيار للمشتري؟
يقول المشتري: أنت اشتريت من أبيك، لو اشتريته من أجنبي لكاسرته -ماكسته- حتى ينزِّل، وأبوك تستحي، وكذلك يُقَال في الابن. فإذن يَثبت له الخيار.
والصحيح في هذه المسألة أنه لا يثبت له الخيار إلا إذا ظهر في ذلك غبن، إذا ظهر في ذلك غبن فله الخيار، ويكون من باب الخيار الغبن، أما إذا لم يكن هناك غبن فإنه كثيرًا ما يشتري الإنسان من أصوله أو فروعه ويستقصي في الثمن. هذه واحدة.
الآن أسألكم: من الذي لا تُقْبَل شهادته له؟
طلبة: الفروع والأصول.
(2/1018)
________________________________________
الشيخ: الأصول والفروع: الآباء والأبناء، والبنات والأمهات، والجدات والأجداد، وأبناء الأبناء وأبناء البنات، وكذلك الزوجان لا تُقْبَل شهادة أحدهما للآخر.
(أو بأكثر من ثمنه حيلةً) اشترى بأكثر من ثمنه حيلة؛ يعني: البائع الذي باع بتخبير الثمن كان قد اشتراه بأكثر من الثمن حيلة، ويش مثال الحيلة؟
المثال: رجل يطلب آخر مئة ريال، والمطلوب يُمَاطل؛ كلما جاء قال: انتظر، في يوم من الأيام اشترى منه سلعةً تساوي ثمانين بمئة، فلما اشتراها قال: إذن مقاصة، ما لك شيء، يقوله من؟ المشتري اللي هو الطالب، البائع الآن مطلوب ويماطل المشتري، فاشترى منه سلعةً تساوي مئة بثمانين، وكان الدين مئة، هذا الشراء هل هو لرغبة في السلعة أو حيلةً على استخلاص حقه؟
الطلبة: الثاني.
الشيخ: الثاني؛ حيلة على استخلاص حقه، انتهى البيع، جاء رجل آخر وقال له: بعني هذه السلعة، كم اشتريتها؟ قال: بمئة ريال، أبيع عليك برأس المال؛ مئة، ثم تبين بعد ذلك أنه اشتراها بمئة حيلةً ليخلِّص دَيْنَه من هذا المماطل، فللمشتري الخيار.
كذلك إذا كان بأكثر من ثمنه محاباةً، نذكر صورًا في الشرح لأنها مفيدة، محاباةً. كيف محاباة؟ يعني أن الذي باع بالتخبير اشترى هذه السلعة من شخص صديق له، هي لا تساوي مئة لكن اشتراها بمئة لأنه صديقه، أو اشتراها بمئة لأنه رأى هذا الرجل فقيرًا قال: أزيد الثمن محاباةً له وجبرًا لخاطره، ثم إن هذا المشتري باعها بالتخبير بالثمن وقال: إن ثمنها كم؟ مئة، فنقول للمشتري الذي اشترى بالتخبير بالثمن: لك الخيار إذا تبين أنها أكثر من ثمنها من أجل المحاباة، والمحاباة تعرفون أن الإنسان إذا حابى أحدًا ما يهمه أن يزيد عليه ريالين أو ثلاثة أو عشرة، وأنه إذا باع عليه ما يهمه أن ينقص ريالين أو ثلاثة أو عشرة.
(أو لرغبة تخصه) الذي باع بتخبير الثمن اشترى هذه السلعة لرغبة تخصه، ما هو لأنها زائدة في السوق، لا، لرغبة تخصه.
(2/1019)
________________________________________
مثاله: رجل اشترى بيتًا إلى جنب بيته، البيت يساوي مئة ألف، اشتراه بمئة وعشرين لأنه جنب بيته ويداخل البيت، هذه رغبة تخص من؟ تخص المشتري؛ لأنه لو كان ليس جارًا له ما اشتراه بمئة وعشرين، ثم إنه طابت نفسه من البيت وباعه على إنسان بالتخبير بالثمن، قال: بكم اشتريته؟ قال: بمئة وعشرين، قال: أخذته برأس ماله، وتبين أن المئة والعشرين أكثر من الثمن وأن ثمنه مئة، طيب لماذا زاد عشرين؟ لرغبة تخص المشتري؛ وهو كونه إلى جنبه ومداخلًا بيته، فهذه رغبة تخصه.
الصورة الرابعة: (أو موسم فات) كيف موسم فات؟ يعني: اشتراه أيام الموسم في عيد الأضحى، اشترى شاةً في عيد الأضحى، عادةً أن الغنم في عيد الأضحى ترتفع قيمتُها، فاشترى هذه الشاة بمئة، في غير الموسم تساوي ثمانين، ثم إنه بعدما فات الموسم باعها برأس ماله كم؟ مئة، وهو أكثر من الثمن، لولا أنه اشتراها في موسم، والموسم قد فات، أما لو باعها في نفس الموسم فهذا لا بأس، لكن هو الآن قد فات، فنقول: للمشتري الخيار.
اشترى شاةً حلوبًا بمئة وعشرين؛ لأن عنده طفلًا من الغنم يحتاج إلى لبن، فاشتراها بمئة وعشرين من أجل أن ترضع هذا الطفل، ثم انتهى رضاع الطفل وجاء إنسان قال: أشتريها منك برأس المال؟ قال: نعم، كم رأس المال؟ قال: مئة وعشرون، تبين أنه اشتراها بمئة وعشرين علشان إرضاع الطفل، هذا من أي الأقسام الأربعة؟ رغبة تخصه.
إذن متى بان الثمن أكثر لسبب من الأسباب يتعلق بالمشتري أو يتعلق بالمبيع فإن للمشتري الخيار.
قال: (أو باع بعضَ الصَّفْقةِ بقِسْطِها من الثمنِ ولم يُبَيِّنْ ذلك في تخبيره بالثمن فللمشتري الخيارُ بين الإمساكِ والرَّد).
إذا باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يبين ذلك للمشتري فإن للمشتري الخيار.
(2/1020)
________________________________________
اشترى كيسًا من الرز بمئة ريال، ثم باع نصفه بخمسين، بقي النصف، كم؟ خمسون، جاء شخص يريد أن يشتري منه، قال: أبغي أشتري منك هذا برأس ماله، قال: لا بأس، رأس ماله خمسون، اشتراه، فتبين أن هذا بعضُ ما اشترى وأنه باع بعضه بقسط من الثمن، فللمشتري الخيار، إلا إذا بَيَّن، قال: أنا اشتريت كيسًا من الرز بمئة وبعتُ نصفه بخمسين وهذا بخمسين، إن بيَّن فالأمر واضح، لكن إذا لم يبيِّن فللمشتري الخيار.
فإذا قال قائل: كيف يكون له الخيار؟
نقول: نعم؛ لأن الناس يفرقون بين بعض التجزئة وبعض الجملة، وقد يكون الإنسان يزيد الثمن في الجملة أو في التجزئة حسب الرغبات، وبهذا نعرف حِرْص العلماء رحمة الله عليهم على الصِّدق في البيع والشراء، وإلا كان بعض الناس يقول: ما دام أنه باع النصف بنصف الثمن لماذا لا يقول هذا: حصل عليه بخمسين، يقولون: يجب أن يصدق، هو لم يحصل عليه بخمسين، حصل عليه مع البقية بكم؟ بمئة، وهذا يساوي خمسين، فالواجب أن يبين.
***
ثم قال: (وما يُزاد في ثمنٍ أو يُحَطُّ منه في مدة الخيار أو يُؤخذُ أَرْشًا لعيبٍ أو جنايةٍ عليه يَلْحَقُ برأس ماله ويُخْبَر به).
ما يزاد في الثمن في مدة الخيار فإنه يجب أن يخبَر به. مثاله: اشترى شيئًا بمئة، أطلق المالك عليه البيع قال: بعتك إياه بمئة، قال: قبلت، تم البيع ولَّا لا؟
طالب: نعم.
الشيخ: طيب، في أثناء المجلس قال البائع: أنا الآن مغبون، ما أبيعه إلا بمئة وعشرين، تبيع، وإلا أنا بالخيار، نحن الآن في المجلس، قال: قبلت بمئة وعشرين، جاء رجل آخر يريد أن يشتري من المشتري برأس المال، هل يقول: رأس ماله مئة وعشرين أو يقول: مئة؟ هو لن يقول: مئة؛ لأن هذا خسارة عليه، لكن هل يقول: مئة وعشرين؟ لا، لا بد أن يُخْبَر به، يقال: اشتريته بمئة، ثم في زمن الخيار زاد عليَّ، لماذا؟ لأن العقد الأول كان على مئة، فيجب أن يصدق، حتى في هذه الصورة يجب أن يُلحَق برأس المال ويُخْبَر به.
(2/1021)
________________________________________
كذلك أيضًا يقول: (أو يُحَطُّ منه) يحط منه في مدة الخيار كذلك يجب أن يُخْبَر به، لما تم البيع بين البائع والمشتري وهما في المجلس قال المشتري: أنا مغبون، اشتريته منك بمئة وهو لا يساوي إلا ثمانين، واتفقا على ثمانين، فباعه بثمانين، إذا اشتراه أحد منه برأس ماله لا بد أن يقول: اشتريته بمئة، ثم حَاططتُه إلى ثمانين، مراعاةً لأيش؟ للعقد الأول؛ لئلا يلغى العقد الأول، يعني شوف تحري العلماء -رحمهم الله- تحريهم للصدق إلى هذا الحال!
كذلك ما (يُؤخذُ أَرْشًا لعيبٍ) اشترى رجل شاةً بمئة ريال، ثم وجد بها عيبًا قُوِّم بعشرين، من الذي يدفع العشرين؟ البائع يدفع عشرين، المشتري الذي اشترى الشاة باعها برأس مالها، ماذا يقول؟ هل يقول: إني اشتريتها بثمانين، أو بمئة ثم نزَّلت للعيب عشرين؟ الثاني، لا بد أن يقول هكذا، حتى يكون صادقًا في أنه اشتراها بمئة، ثم رُدَّ عليه عشرون من أجل العيب.
كذلك ما يُؤْخَذ أرشًا لـ (جنايةٍ عليه)؛ اشترى عبدًا بمئة -لو كثرنا التمثيل بمئة ما يضر- اشترى عبدًا بمئة، ثم إن العبد جُنِيَ عليه، اعتدى عليه إنسانٌ بقطع بعض أطرافه أو ما أشبه ذلك، كانت الجناية خمسين؛ أرش الجناية التي جُنِيَ على العبد خمسون، فباعه برأس ماله، هل يقول: إن رأس ماله مئة أو خمسون؟ لأنه لما ( ... ) بخمسين صار العبد الآن معيبًا بخمسين، أليس كذلك؟ فإذا باعه برأس ماله وهو معيب، هل يقول: إن رأس ماله خمسون، لا، يجب أن يقول: إني اشتريته بمئة فجُنِيَ عليه بخمسين؛ يبين بالواقع.
(2/1022)
________________________________________
قال المؤلف: (يُلْحَقُ برأس ماله ويُخْبَرُ به، وإن كان ذلك بعد لزوم البيع) (إن كان ذلك) المشار إليه الزيادة والنقص وليست الجناية، إنما الزيادة والنقص، (إن كان ذلك بعد لزوم البيع لم يُلْحَق به) لماذا؟ لأن البيع استقر على الثمن الأول، وأما ما أُخِذ أرشًا لعيب أو أُخِذَ أرشًا لجناية فيُخبَر به وإن كان بعد لزوم البيع، لكن الزيادة والنقص في الثمن هو الذي يُشْتَرط أن يكون ذلك قبل لزوم البيع، أما بعد لزوم البيع فإنه لا يَجب، ولذلك لو أن البائع الأول الذي باعه بمئة وتم البيع وتفرقا أبرأ المشتري من الثمن، ثم إن المشتري باعه برأس ماله، هل يلزمه أن يقول: إني اشتريته بمئة وأبرأني منها؟ لا يلزمه؛ لأن هذا بعد لزوم البيع؛ ولهذا قال: (إن كان هذا بعد لزوم البيع لم يُلْحَقْ به).
إنسان اشترى ثوبًا متسخًا بعشرة دراهم، ثم أعطاه القَصَّار بدرهمين، من القصار؟ الغسال اللي يغسل يسمى القصار، أعطاه إياه فغسله بريالين، كم تحصل عليه؟ باثني عشر درهمًا. طيب، جاءه إنسان قال: أريد أن تبيعني إياه برأس المال، قال: رأس المال اثنا عشر درهمًا، هل يجوز؟ لا يجوز مع أنه الآن ما تحصل عليه إلا باثني عشر درهمًا، نقول: لا يجوز، لا بد أن يقول: اشتريته بعشرة، وغسَّلته بدرهمين.
كل هذا تحريًا للصدق في المعاملات؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في المتبايعين: «إِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» (3).
(وإن أخبر بالحال) يعني: حتى ولو بعد لزوم العقد، (فحسن)، وعلل ذلك بالشرح يقول: لأنه أبلغ في الصدق.
(2/1023)
________________________________________
هل يلزمه أن يخبر بكسب العبد ونماء البهيمة المنفصل فيسقطه من الثمن أو لا يلزم؟ لا يلزم؛ يعني: لو اشترى عبدًا بعشرة آلاف، وبقي عنده شهرًا أو شهرين وكسب في هذه المدة ألفين، ثم باعه برأس ماله وقال: رأس ماله عشرة آلاف، هل يخصم منها الألفين الذي كسب؟ لا؛ لأن هذا نماء منفصل، وهو للمشتري؛ لأنه في ملكه.
***
ثم قال المؤلف رحمه الله: (السابع: خيارٌ لاختلافِ المتبايعَيْن) والخلاف بين المتبايعين من قديم الزمان؛ يختلفان في الجنس، أو في القَدْر، أو في الصفة، أو في العين، الاختلافات لا حصر لها، والعلماء رحمهم الله ذكروا ما يُشبِه القواعد في هذا الباب؛ إذ إن جزئيات المسائل لا تمكِن الإحاطة بها، وليس كل اختلاف يوجب الخيار، بل الاختلاف الذي دلت السنة على ثبوت الخيار في مثله؛ ولهذا عندي في الشرح يقول: في الجملة، والفقهاء إذا قالوا: في الجملة، فالمعنى: أكثر الصور، وإذا قالوا: بالجملة، فالمعنى: جميع الصور، هذا مصطلح عندهم، إذا كانت (في) فهي أكثر الصور، بالباء جميعها. والفرق أن (في) للظرفية والباء للاستيعاب، هذا هو الفرق.
يقول: (فإذا اختلفا في قَدْر الثمن) بأن قال البائع: بعته بعشرة، وقال المشتري: اشتريته باثني عشر، ( ... ) صحيح؟
طالب: غير صحيح.
الشيخ: البائع قال: بعته بعشرة، والمشتري قال: اشتريته باثني عشر، يمكن هذا؟
طلبة: يمكن.
الشيخ: لا، بس هذا بعيد، إذن قال البائع: بعته بعشرة، وقال المشتري: اشتريته بثمانية، صحيح؟ اختلفا في قدر الثمن ولم يوجد بينة، إن وُجِدَ بينة تشهد بقول أحدهما فالأمر ظاهر.
وهل القرينة هنا تنفع؟ يعني لو قيل: إن ما ادعاه المشتري أقرب إلى الثمن في السوق مما ادعاه البائع؟
نقول: في هذا تفصيل؛ إذا كان ما ادعاه أحدهما بعيدًا لا يمكن فهذا لا يُقبَل ولا يُلْتَفت له ولا تُسْمَع دعواه، وإن كان محتمِلًا فعلى ما قال المؤلف، وسيُذكر إن شاء الله.
(2/1024)
________________________________________