المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد


hania
10-18-2019, 06:11 PM
http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة



الكتاب: الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد
المؤلف: المنتجب الهمذاني (المتوفى: 643 هـ)
حقق نصوصه وخرجه وعلق عليه: محمد نظام الدين الفتيح
الناشر: دار الزمان للنشر والتوزيع، المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية
الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 2006 م
عدد الأجزاء: 6
أعده للشاملة: رابطة النساخ، تنفيذ (مركز النخب العلمية)، وبرعاية (أوقاف عبد الله بن تركي الضحيان الخيرية)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)}:
قوله عز وجل: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} (رأيت) هنا يتعدى إلى مفعول واحد، لأنه من رؤية العين، وفي مفعُوله وجهان:
أحدهما: {ثَمَّ} وهو اسم لا ظرف، والمعنى: وإذا رأيت ذلك الموضع.
والثاني: محذوف، و {ثَمَّ} ظرف مكان، والتقدير: وإذا رأيت الأشياء ثَمَّ، و {ثَمَّ} على هذا في موضع النصب على الظرف.
وعن الفراء: التقدير: وإذا رأيت ما ثَمَّ (1)، فما موصول في موضع نصب لكونه مفعول {رَأَيْتَ} و {ثَمَّ} صلته، ثُم حذفت (ما) وأقيم {ثَمَّ} مقامه، وهذا عند أصحابنا خطأ، لأنه لا يجوز عندهم حذف الموصول وإقامة الصلة مقامه (2).
وقيل: لا مفعولَ له ظاهرًا ولا مقدرًا ليشيع ويعم، كما تقول: ظننت في الدار وحسبت (3).
وقوله: {رَأَيْتَ نَعِيمًا} هذا هو جواب {إِذَا} وعامله، ولهذا لم يجز الوقوف على {ثَمَّ}، وقد أجاز بعضهم: الوقف عليه على أن جواب {إِذَا} محذوف، والتقدير: وإذا رأيت الجنة، أو في الجنة - على ما ذكر وأوضح آنفًا - رأيت ما لا تدركه عيون بشر، ولا تبلغه علوم أحد. والوجه هو الأول، وعليه الجل.
__________
(1) معانيه 3/ 218.
(2) كذا حكى النحاس 3/ 579 عن البصريين أيضًا.
(3) انظر النحاس 3/ 579. ومكي 2/ 439. والزمخشري 4/ 170.
(6/299)
________________________________________
وقوله: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ} قرئ: بفتح الياء (1)، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه حال إما من الضمير المنصُوب في {وَلَقَّاهُمْ} (2) أو في {وَجَزَاهُمْ} (3)، وإما من المجرور في قوله: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ}، أي: يعلوهم في هذه الحالة ثياب سندس، فيرتفع {ثِيَابُ سُنْدُسٍ} باسم الفاعل المنصوب على الحال. و {عَالِيَهُمْ} نكرة يراد به الانفصال لكونه في معنى الاستقبال، فلذلك جاز نصبه على الحال لكونه نكرة، أي: عاليًا إياهم ثياب سندس. وقد جوز الزمخشري أن يكون حالًا من الضمير المنصُوب في {حَسِبْتَهُمْ} (4)، وليس بالمتين لاشتمال الحسبان على الحال كاشتماله على مفعوليه، فاعرفه فإن فيه أدنى غموض، وأيضًا فإن وصف الولدان بالثياب الموصوفة دون الأبرار، فيه ما فيه.
والثاني: ظرف مكان بمعنى فوقهم، فهو منصوب بكونه ظرفًا، كأنه قيل: فوقهم ثياب سندس، فـ {ثِيَابُ سُنْدُسٍ} على هذا مبتدأ، وخبره {عَالِيَهُمْ}، ولك أن ترفع {ثِيَابُ سُنْدُسٍ} بالظرف على قول من يرى ذلك، فلا ذكر على هذا في الظرف، وقد جوز أن يكون {عَالِيَهُمْ} وإن كان ظرفًا عاملًا الرفعَ في {ثِيَابُ سُنْدُسٍ} إذا جعلته في موضع الحال، وإن كان في اللفظ ظرفًا.
وقرئ: (عالِيْهم) بإسكانها (5)، وذلك يحتمل وجهين: أن يكون مبتدأ - وهو الجيد - وخبره {ثِيَابُ سُنْدُسٍ} واسم الفاعل يراد به الجمع، كالذي في
__________
(1) هذه قراءة أكثر العشرة كما سوف أخرج.
(2) من الآية (11).
(3) من الآية (12).
(4) الكشاف 4/ 171.
(5) قرأها المدنيان، وحمزة، والباقون على فتحها. انظر السبعة/ 664/. والحجة 6/ 354. وسقط منها اسم حمزة، والمبسوط/ 455/. والتذكرة 2/ 608. والنشر 2/ 396.
(6/300)
________________________________________
قوله عز وجل: {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} (1).
فإن قلت: ما حملك على أن تجعله في معنى الجمع؟ قلت: لأن خبره جمع، وإذا كان الخبر جمعًا، يجب أن يكون المخبر عنه أيضًا جمعًا أو في معنى الجمع.
فإن قلت: قد ذكرت قبيل أن الإضافة في {عَالِيَهُمْ} في تقدير الانفصال، لأنه لم يمض، فلذلك جاز نصبه على الحال لكونه نكرة، فكيف جاز الابتداء بالنكرة؟ قلت: لأن فيه تخصيصًا ما بالإضافة، إذ صار في ظاهر اللفظ، كلفظ المعرفة، فلذلك جاز الابتداء به. ويجوز على قياس قول الأخفش في قائم أخواك، وإعمال اسم الفاعل عمل الفعل وإن لم يعتمد على الشيء أن يكون أفرد، لأنه فعل متقدم، و {ثِيَابُ سُنْدُسٍ} مرتفعة به على الفاعلية، أي: تعلوهم ثياب سندس، تعضده قراءة من قرأ: (عاليَتُهم) بفتح الياء وتاء بعدها مضمومة على تأنيث الجماعة كقوله: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} (2) وهم ابن مسعود رضي الله عنه، وابن وثاب، والأعمش (3)، وأن يكون الياء أسكن تخفيفًا فيكون القول فيه كالقول فيمن فتحه، فاعرفه.
وقوله: {خُضْرٌ} قرئ: بالرفع، على أنه صفة ل {ثِيَابُ}، كقوله: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا} (4)، وبالجر (5)، على أنه صفة لـ {سُنْدُسٍ}.
__________
(1) سورة المؤمنون، الآية: 67.
(2) سورة القلم، الآية: 43.
(3) انظر قراءتهم في معاني الفراء 3/ 219. وإعراب النحاس 3/ 581. والمحرر الوجيز 16/ 192. والقرطبي 19/ 145. ونسبت في زاد المسير 8/ 439 إلى الجعفي عن أبي بكر.
(4) سورة الكهف، الآية: 31.
(5) هذه قراءة ابن كثير، والكوفيين عدا حفصًا. وقرأ الباقون، وحفص بالرفع. انظر السبعة / 665/. والحجة 6/ 356 - 357. والمبسوط/ 455/. والتذكرة 2/ 608 - 609. والنشر 2/ 396.
(6/301)
________________________________________
{وَإِسْتَبْرَقٌ} قرئ: بالرفع (1) عطفًا على {ثِيَابُ}، أي: وثيابُ إستبرق، فحذف المضاف كما تقول: عليه خَزٌّ، أي: ثوب خَزّ. وبالجر (2) عطفًا على {سُنْدُسٍ}.
وقرئ أيضًا: (واسْتَبْرقَ) بوصل الألف وفتح القاف (3)، بمنزلة: استخرج، على أنه مُسَمًّى بالفعل من البريق، وفيه ضمير الفاعل محكي جملة، ونحو هذا بابه الأعلام كتأبط شرًّا، وليس هذا بِعَلَمٍ، وأيضًا فإن هذا مُعَرَّب مشهور بتعريبه، وأصله: استبره (4).
وقرئ: (وإستبرقَ) بقطع الألف وفتح القاف (5)، على أنه في موضع الجر، غير أنه لا ينصرف للعجمة والعلمية، وليس بشيء لأنه نكرة يدخله حرف التعريف، يقال: الإستبرق، اللهم إلا أن يُجعل علمًا على هذا الضرب من الثياب، قاله الزمخشري (6).
وقوله: {وَحُلُّوا أَسَاوِر} عطف على {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} عطف جملة على جملة. و {أَسَاوِرَ} مفعول به ثان.
{(22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا}:
__________
(1) هذه قراءة ابن كثير، ونافع، وعاصم.
(2) هذه قراءة الباقين من العشرة. انظر مواضع تخريج القراءة السابقة.
(3) قرأها ابن محيصن كما في إعراب النحاس 3/ 581. ومختصر الشواذ/ 166/. والحجة 6/ 360. والمحتسب 2/ 344. والمحرر الوجيز 16/ 192.
(4) انظر المعرب/ 15/ (الهامش).
(5) هي لابن محيصن أيضًا. انظر الكشاف 4/ 171. والقرطبي 19/ 146. والدر المصون 10/ 620
(6) الكشاف الموضع السابق.
(6/302)
________________________________________
قوله عز وجل: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} (أو) هنا على بابها، وهي كما علمت للتخيير أو للإباحة، وتفيد في الأمر معنىً خلاف ما تفيد في النهي، فإذا قلت: أعط زيدًا أو عمرًا، فمعناه: أعط أحدهما. وإذا قلت: لا تعط زيدًا أو عمرًا فمعناه لا تعط أحدهما، فيحرم عليه إعطاؤهما، لأن أحدهما يتعمم في النهي، ألا ترى أنك إذا قلت: لا تضرب زيدًا أو عمرًا، فالتقدير: لا تضرب أحدهما: فأيهما ضربه كان أحدهما، فكذا هنا لو قيل: لا تطع أحدهما، فأيهما أطاعه كان أحدهما، لما ذكرت آنفًا من أن أحدهما يتعمم في النهي كما يتعمم في النفي، لا بمعنى الواو كما زعم بعضهم (1)، لأن الواو يفيد الجمع، ألا ترى أنك إذا قلت: لا تعط زيدًا وعمرًا، فأعطى أحدهما لم يكن عاصيًا، لأنك أمرته أن لا يجمع بينهما في الفعل بخلاف أو، لأنك لو قلت: لا تعط زيدًا أو عمرًا، ف (أو) قد دلت على أن كل واحد منهما أهل أن يُعطَى ولا يُعطَى، فكذا في الآية لو قيل: ولا تطعهما، لجاز أن يطيع أحدهما، وكان النهي واقعًا على أحدهما لا عليهما، وإذا قيل: ولا تطع أحدهما كان مشتملًا عليهما، فاعرف الفرقان بينهما.
وعن الفراء: (أو) هنا بمنزلة (لا)، أي: ولا تطع من أثِمَ ولا من كَفَرَ (2).
وعن ابن كيسان: حَمْلُ النهي على الأمر، يعني إذا قال: لا تضرب أحدهما لم. يحرم عليه ضربهما، قال: وإنما حَرُمَ في الآية طاعتهما لأن أحدهما بمنزلة الآخر في امتناع الطاعة، ألا ترى أن الآثم مثل الكفور في هذا المعنى.
قال صاحب الكتاب رحمه الله: ولو قال: ولا تطع آثمًا ولا تطع كفورًا
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 220. وإعراب النحاس 3/ 583. ومشكل مكي 2/ 443. ونسب في البيان 2/ 485 للكوفيين.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 219. وعنه النحاس 3/ 584. ومكي 2/ 442 - 443.
(6/303)
________________________________________
لا نقلب المعنى إذ ذاك، لأنه حينئذٍ لا تحرم طاعتهما كليهما (1).
وقوله: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} انتصابهما على الظرف، وكذا {لَيْلًا طَوِيلًا}.
وقوله: {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا} في الكلام حذف مفعول، والتقدير: بدلناهم بأمثالهم، يعني غيرهم ممن يطيع، فحذف المفعول والجار، وأوصل الفعل إلى المفعول.
{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31}
قوله عز وجل: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} أي: إلى طاعة ربه، فحذف المضاف.
وقوله: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (أن) مع الفعل في تأويل المصدر في موضع نصب على الظرف، أي: إلا وقت مشيئته، وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه: (إلا ما يشاء الله) بـ (ما) مكان (أن) (2)، والقول في تأويله ومحله كالقول في قراءة الجمهور. وقرئ: (وما يشاؤون) بالياء النقط من تحته لقوله: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ}، (وبالتاء) (3) على معنى: قل لهم.
وقوله: {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ} الجمهور على نصب {الظَّالِمِينَ} وهو الوجه
__________
(1) انظر الكتاب 3/ 188.
(2) انظر هذا الحرضي معاني الفراء 3/ 220 وفيه تحريف يدل عليه هامه. وجامع البيان 29/ 277. ومختصر الشواذ / 166/. والكشاف 4/ 172. والمحرر الوجيز 16/ 195. وفيه وفي الطبري (شاء) بدل (يشاء). وانظر البحر 8/ 401. والدر 10/ 626.
(3) قرأ الابنان، وأبو عمرو بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. انظر السبعة/ 665/. والحجة 6/ 361. والمبسوط/ 455/. والتذكرة 2/ 609.
(6/304)
________________________________________
لوجهين، أحدهما: التشاكل بين المعطوف والمعطوف عليه. والثاني: الإمام مصحف عثمان رضي الله عنه. وانتصابه بمضمر، أي: ويعذب الظالمين، أو نحوه مما يدل عليه سياق الكلام، نحو: أوعد، وكافى.
فإن قلت: المفسِّر هنا {أَعَدَّ لَهُمْ}، فَلِمَ عدلت عنه إلى نحو ما ذكرت؟ قلت: أجل، الأمر كما زعمت وذكرت، غير أني عدلت عنه لسبب وهو تعديته بنفسه، يعضدني حرف ابن مسعود رضي الله عنه: (وللظالمين) بزيادة اللام (1)، على: وأعد للظالمين.
وقرئ: (والظالمون) بالرفع (2) على الابتداء، وخبره الجملة التي بعده، والجملة معطوفة على ما قبلها، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الإنسان
والحمد لله وحده
__________
(1) انظر قراءته أيضًا في معاني الفراء 3/ 220 - 221. وجامع البيان 29/ 227. وإعراب النحاس 3/ 587. ومختصر الشواذ / 166/. والكشاف 4/ 172. والمحرر الوجيز 16/ 195.
(2) قرأها ابن الزبير، وأبان بن عثمان - رضي الله عنهم -، وابن أبي عبلة. انظر مختصر الشواذ/ 166/. والمحتسب 2/ 344. والمحرر الوجيز 16/ 195.
(6/305)
________________________________________
إعراب سورة المرسلات
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)}
قوله عز وجل: {وَالْمُرْسَلَاتِ} جَرّ بواو القسم، وما بعدها من الحروف للعطف، وكفاك دليلًا اختلافُ العاطف، حُذِفَ الموصوفُ وأقيمت الصفة مقامه.
واختلف في الموصوف، فقيل: الرياح، وقيل: الملائكة، وقيل: الأنبياء (1).
فإذا فهم هذا فقوله: {عُرْفًا} انتصابه على الحال من المرسلات، أي: أرسلت متتابعة، يقال: جاؤوا عُرْفًا واحدًا، إذا توجهوا إليه وأكثروا وتتابعوا، أي: يتلو بعضها بعضًا، ومنه عُرفُ الفرسِ. وإما على المفعول له، أي: أرسلن للعرف، أي: للإحسان والمعروف، والعرف ضد النُّكْر، يقال: أَولاه عُرْفًا، أي: معروفًا. وإما على إسقاط الجار، أي: بعرف، فحُذف الجار وأُوصل الفعل إلى المجرور، أي: أرسلوا بالمعروف، فاعرفه مرتبًا موفقًا.
والجمهور على إسكان الراء، وقرئ: (عُرُفًا) بضمها (2)، وهو مثل
__________
(1) انطر الأقوال الثلاثة في جامع البيان 19/ 229. والنكت والعيون 6/ 175. والمحرر الوجيز 16/ 196.
(2) كذا حكى الزمخشري 4/ 173 هذه القراءة على التثقيل، ونسبها أبو حيان 8/ 404. والسمين 10/ 630 إلى عيسى. وفي الإتحاف 2/ 580: عن الحسن.
(6/306)
________________________________________
عُسْرٍ وعُسُرٍ، وَنُكْرٍ وَنُكُرٍ.
وقوله: {عَصْفًا} مصدر مؤكد، ومثله {نَشْرًا}، وكذا {فَرْقًا}. و {ذِكْرًا}: مفعول به.
وقوله: {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} قرئ: بضم الذال وإسكانها فيهما (1)، وفيهما وجهان:
أحدهما: مصدران لِعَذَرَهُ فيما صَنَعَ يَعْذِرُهُ عُذْرًا وعُذُرًا، وهو محو الإساءة. وأنذره، إذا خَوَّفَهُ، مخفَّفين كانا أو مثقَّلين، ويجوز أن يكونا جَمْعَين لعَذِير ونَذِير بمعنى الإعذار والإنذار، جُمعا لاختلاف أجناسهما، ولا خلاف في جمع المصدر إذا اختلف، وكفاك دليلًا: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (2). وانتصابهما على هذا إما على المفعول له، أي: للإعذار والإنذار، وإما على البدل من {ذِكْرًا}، أي: فالملقيات عذرًا أو نذرًا، وإما بنفس {ذِكْرًا}، أي: فالملقيات أن ذَكَرَتْ عذرًا أو نذرًا، أو أن تذكر.
والثاني: كلاهما جَمْعٌ، إما جمع عاذر وناذر، كَبُزُلٍ في جمع بازلٍ بمعنى منذر، وإما جمع عَذُور ونَذُور، كصُبُر في جمع صبورٍ، بمعنى عاذر ومنذرٍ، وإما جمع عَذير ونَذير. وانتصابهما على هذا على الحال من المنوي في (الملقياتِ)، أي: عاذرين أو منذرين. والإسكان فيهما تخفيف إذا كانا جمعين.
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14)}:
__________
(1) اتفق القراء على تسكين الذال في (عذْرًا) إلا في رواية الأعشى، وروح، فإنهما ضما الذال. واختلفوا في (نذرًا)، فقرأها الحرميان، وابن عامر، وأبو بكر، ويعقوب: (نُذُرًا) بضم الذال، وقرأها الباقون: (نُذْرًا) بالتسكين. انظر السبعة/ 666/. والحجة 6/ 362. والمبسوط/ 456/. والتذكرة 2/ 610.
(2) سورة الأحزاب، الآية: 10.
(6/307)
________________________________________
قوله عز وجل: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} هذا جواب القسم، و (ما) موصولة وعائدها محذوف، أي: إنما توعدون به أو توعدونه لواقع، وفي خلت اللام على خبر إنَّ للتأكيد، لأن الموضع موضع تأكيد، لأن القسم يؤكَّد به الكلام.
وقوله: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} ارتفاع {النُّجُومُ} عند أهل البصرة على الفاعلية، ورافعها فعل مضمر يفسره {طُمِسَتْ}. وعند أهل الكوفة: على الابتداء، والخبر {طُمِسَتْ} (1). والوجه هو الأول، لأن (إذا) فيها معنى الشرط، والشرط بالفعل أولى، ومحل الجملة على المذهبين الجر بإذا.
ومثله: {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}، {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ}، {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} (2)، وهو كثير في الكتاب العزيز. وجواب (إذا) محذوف، أي: وقع ما توعدون، أو بُعثتم أو جوزيتم على ما صدر منكم. وقيل التقدير: فاذكر إذا النجوم طمست. وقيل: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}، والوجه ما ذكرت بشهادة قوله: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}، لأن ما توعدونه من البعث والجزاء إنما يكون إذا طمست النجوم. ومعنى طمست: مُحيت ومُحقت، والطمس محو الأثر الدال على الشيء.
و{فُرِجَتْ}: أي شُقَّت وفُتِحَتْ فكانت أبوابًا، وكفاك دليلًا: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] (3). {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)} [النبأ: 19] (4).
{نُسِفَتْ} أي: قلعت من أصولها، وقيل: أُخذت بسرعة من أماكنها، من قولهم: انتسفتُ الشيءَ، إذا اختطفته (5).
__________
(1) انظر المذهبين في مثسكل مكي 2/ 246.
(2) سورة التكوير، الآية: 1.
(3) سورة الانشقاق، الآية: 1.
(4) سورة النبأ، الآية: 19.
(5) انظر هذا القول في معاني الزجاج 5/ 266. والكشاف 3/ 173.
(6/308)
________________________________________
و {أُقِّتَتْ} أي: جمعت لوقتها. قيل: ومعنى توقيت الرسل: تبيين وقتها الذي يَحضرون فيه للشهادة على أممهم (1). وقرئ: (وُقِّتَتْ) بالواو على الأصل لأنه من الوقت، وبالهمز (2) على قلب الواو همزة لانضمامها.
والجمهور على تشديد القاف مع الواو والهمزة، وقرئ: (وُقِتَتتْ) بواو واحدة خفيفة القاف (3) وهي فُعلت من الوقت. و (وُوْقتت) بواوين: الأولى مضمومة، والثانية ساكنة (4)، وهو فوعلت من الوقت أيضًا، وقَلْبُ الواو همزة في هاتين القراءتين جائز أيضًا، والتخفيف أصل الفعل، ومنه قوله عز وجل: {كِتَابًا مَوْقُوتًا} (5)، وهذا من وُقِتَتْ مخففًا، والتشديد للمبالغة والتكثير. وقوله: {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} استفهام معناه التفخيم والتعظيم لذلك اليوم، أي: يقال لأي يوم أُخِّرَت الرسل؟ والتأجيل: التأخير إلى أجل، وهو متعلق بقوله: {أُجِّلَتْ} وقيل تقديره: وإذا الرسل أُعملت وقتَ تأجيلِها، فيكون قوله: {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} الجملة في موضع المفعول الثاني لـ (أقتت)، لأنه بمعنى أُعلمت.
وقوله: {لِيَوْمِ الْفَصْلِ} تبيين لذلك اليوم، أي: أجلت ليوم الفصل، وهو معنى قول بعض النحاة: {لِيَوْمِ الْفَصْلِ} بدل من (أي) بإعادة الجار.
__________
(1) انظر معاني الزجاج 5/ 266 - 267. ومعالم التنزيل 4/ 433. والكشاف 4/ 173.
(2) قرأها أبو عمرو، ويعقوب برواية روح بالواو، وقرأ الباقون بالهمزة. انظر السبعة / 666/. والحجة 6/ 364. والمبسوط 456 - 457. والتذكرة 2/ 610. وا نشر 2/ 396 - 397.
(3) قراءة صحيحة لأبي جعفر وحده من العشرة بخلاف. انظر المبسوط، والنشر الموضعين السابقين.
(4) قرأها الحسن كما في المحتسب 2/ 345. والمحرر الوجيز 16/ 197. والقرطبي 19/ 158.
(5) سورة النساء، الآية: 103.
(6/309)
________________________________________
وقيل: اللام بمعنى إلى (1)، وهو من التعسف عند من تأمل.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24)}:
قوله عز وجل: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (ويل) مبتدأ، و {يَوْمَئِذٍ} يجوز أن يكون من صلته على أنه ظرف له، وأن يكون من صلة محذوف على أنه نعت له. {لِلْمُكَذِّبِينَ}: الخبر. قيل: وإنما جاز أن يكون مبتدأ وهو نكرة، لأنه في أصله مصدر منصوب سادّ مَسَدَّ فعله، ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه، ومثله: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} (2).
ويجوز في الكلام نصبه فيقال: ويلًا له، وأما في القرآن فلا، لأن القراءة سنة متبعة يأخذها الخلف عن السلف من غير اعتراض. وحكم ما بعده إلى آخر القرآن حكمه في الإعراب، فاعرفه (3).
وقوله: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ} الجمهور على ضم النون من أهلكه، وهو الوجه بشهادة قوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا} (4)، {إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ} (5)، وقرئ: (ألم نَهلك) بفتح النون (6)، من هَلَكَه بمعنى أَهْلَكَهُ، لغية لبعض العرب، يقال: هلكني زيد، من باب سكب الماء وسكبته، ورجع فلان ورجعته.
والمراد بالأولين: الأمم الماضون من الكفرة، كقوم نوح وعاد وثمود،
__________
(1) انظر القولين في إعراب النحاس 3/ 593. ومشكل مكي 2/ 447.
(2) سورة الزمر، الآية: 73.
(3) انظر هذا القول في إعراب (ويل) في الكشاف 4/ 173.
(4) سورة الإسراء، الآية: 17.
(5) سورة الملك، الآية: 28.
(6) قرأها قتادة كما في مختصر الشواذ / 167/. والكشاف 4/ 173. والبحر 8/ 405.
(6/310)
________________________________________
وقوم لوط وشعيب ونحوهم ممن سبق قريشًا على ما فسر (1).
وقوله: {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ} الجمهور على رفع العين، على القطع مما قبله والاستئناف على وجه الإخبار عن المستقبل، على إضمار مبتدأ، أي: ثُم نحن نتبعهم الآخرين، تعضده قراءة من قرأ: (ثم سَنُتبعهم الآخرين) بزيادة التنفيس، وهو ابن مسعود رضي الله عنه (2). قيل: والمراد الذين قتلوا ببدر بعد نزول الآية (3)، وبين الأولين والآخرين مسافة بعيدة، فلهذا أجمع الجمهور على الرفع ولم يعطفوا، لأن العطف يوجب أن يكون المعنى أهلكنا الأولين ثم أتبعناهم الآخرين في الهلاك، وليس المعنى على ذلك.
وقرئ: (ثم نتبعْهم) بإسكانها (4)، وفيه وجهان، أحدهما: تخفيف لأجل توالي الحركات، فهو مستأنف كقراءة الجمهور. والثاني: جزم بالعطف على قوله: {أَلَمْ نُهْلِكِ}، كقولك: ألم تزرْني ثُمَّ أُكْرِمْك، كما تقول: فأُكْرِمْك، على معنى أنه أهلك قومًا بعد قومٍ على اختلاف أوقات المرسلين إليهم، فأهلك أولًا قَومَ نوح وعادًا، وثمودَ، ثم أتبعهم مَنْ بعدَهم كقوم شعيب ولوط ونحوهم، ثم وقع الاستئناف في قوله: {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}، يعني مَن يهلك فيما بعد.
وقد جوز أن يُعنَى بالمجرمين مَن مضى منهم ومَن يأتي فيما بعد، فقوله: {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ} على قراءة الجمهور مستقبَل في اللفظ والمعنى، وعلى
__________
(1) انظر جامع البيان 29/ 235.
(2) انظر قراءته في معاني الفراء 3/ 223. والكشاف 4/ 17. والمحرر الوجيز 16/ 200. وزاد المسير 8/ 447. والقرطبي 19/ 159. والبحر 8/ 405. وجاءت القراءة في معاني الفراء، والمحرر، والزاد بالواو بدل (ثم) والله أعلم.
(3) يعني من كفار مكة. انظر معالم التنزيل 4/ 433. وهو قول مقاتل كما في زاد المسير 8/ 448.
(4) قرأها الأعرج، وأبو حيوة، ورواية عن أبي عمرو. انظر إعراب النحاس 3/ 593. والمحتسب 2/ 346. والمحرر الوجيز 16/ 200. وزاد المسير 8/ 447. والقرطبي 19/ 159.
(6/311)
________________________________________
قراءة من أسكن وقلنا أنه معطوف على {أَلَمْ نُهْلِكِ} مستقبل في اللفظ ماضٍ في المعنى كالمعطوف عليه فاعرفه. و {الْآخِرِينَ}: مفعول ثان.
وقوله: {كَذَلِكَ} محل الكاف النصب على أنه نعت لمصدر محذوف، أي: فِعْلًا مثل ذلك الفعل الشنيع. و {إِلَى قَدَرٍ}: في موضع الحال من الضمير المنصوب في {فَجَعَلْنَاهُ} الراجع إلى الماء، أي: مؤخرًا إلى مقدارٍ قد علمه لكونه فيه من غير زيادة ولا نقصان.
وقوله: {فَقَدَرْنَا} قرئ: بتخفيف الدال وتشديدها (1). مَن خفف جعله من القدرة، ومَن شدد: من التقدير. وقيل: هما لغتان بمعنى التقدير (2).
وقوله: {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} المخصوص بالمدح محذوف، أي: فنعم القادرون - عليه إن جعلته من القدرة، أَوْ له إن جعلته من التقدير - نحن.
{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}:
قوله عز وجل: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} {كِفَاتًا} مفعول ثان، لأن الجعل هنا بمعنى التصيير. والاستفهام بمعنى التقرير، أي: جعلناها كافتة.
واختلف في الكِفات، فقيل: هو جمع كافت، كقيام في جمع قائم،
__________
(1) قرأ المدنيان، والكسائي: (فقدَّرنا) بتشديد الدال. وقرأ الباقون بتخفيفها. وانظر السبعة / 666/. والحجة 6/ 365. والمبسوط/ 457/. والتذكرة 2/ 610.
(2) انظر إعراب النحاس 3/ 594. وحجة الفارسي 6/ 365.
(6/312)
________________________________________
وهو من كَفَتَ الشَّيءَ يَكْفِتُهُ كَفْتًا، إذا ضَمَّه وجمعه، وفي الحديث: "اكلفِتُوا صِبيانكم بالليل، فإنّ للشيطان خَطْفة" (1). وقيل: هو مصدر كالكتابة والكراب. وقيل: الكِفات الأوعية واحدها كِفْت (2).
فإذا فهم هذا فقوله عز وجل: {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} إنْ شئت نصبتهما بنفس كفات على أنهما مفعولان، على معنى: كافتة أحياءً وأمواتًا. وإن شئت أبدلتهما منها، كأنه قيل: ألم نجعل الأرض أحياء وأمواتًا؟ وإن شئت جعلتهما حالين إما من معمول الكفات كأنه قيل: كافتة الخلق أو الناس أحياء أو أمواتًا، أو تكفتكم أحياء وأمواتًا، وإما من الأرض، أي: منها كذا، ومنها كذا، والمراد: وما ينبت من الأرض وما لا ينبت، لأن حياة الأرض بالنبات، وموتها بالخراب والجفاف. وإن شئت نصبتهما بنفس الجعل على أنه مفعول ثانٍ له، على معنى: جعلنا بعض الأرض أحياء بالنبات، وبعضها أمواتًا بالخراب والجفاف، و {كِفَاتًا} على هذا حال من الأرض، أي: في حال كونها ضامّة جامعة للخلق، وتكون الحال مقدرة، فاعرفه فإنه موضع (3).
وقوله: {شَامِخَاتٍ} صفة لـ {رَوَاسِيَ}. والتاء في فرات أصلٌ والفرات في اللغة: أعذب العذوبة، يقال: ماء فرات، ومياه فرات.
وقوله: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ} الجمهور على كسر اللام على الأمر كالأول، وقرئ: (انطلَقوا) بفتحها على لفظ الماضي (4)، على وجه الإخبار
__________
(1) من حديث صحيح أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ... (3316). وأبو داود في كتاب الأشربة باب في إيكاء الآنية (3733).
(2) انظر إعراب النحاس 3/ 595.
(3) انظر إعراب النحاس 3/ 595. والكشاف 4/ 174. والبيان 2/ 487 - 488. والتبيان 2/ 1264.
(4) قراءة صحيحة لرويس عن يعقوب. انظر المبسوط/ 457/. والتذكرة 2/ 610. والنشر 2/ 397.
(6/313)
________________________________________
عنهم أنهم حين قيل لهم: انطلِقوا، انطلَقوا، لأنهم مضطرون إلى ذلك، لا يقدرون على الامتناع منه.
وقوله: {لَا ظَلِيلٍ} صفة لـ (ظل)، أي: غير ظليل، أي: هذا الظل لا يُظل من الحر، ولا يدفع من لهب النار شيئًا. وقيل: {لَا ظَلِيلٍ} أي: ليس ببارد، يقال: ظِلٌّ ظَلِيلٌ، إذا كان باردًا (1). وكذا {وَلَا يُغْنِي} في موضع جر على أنه نعت لظل، أي: وغير مغنٍ عنهم من حر اللهب شيئًا.
وقوله: {كَالْقَصْرِ} في موضع الصفة لـ (شرر)، أي: مِثْلُهُ في عِظَمِه، والشرر ما تطاير من النار في الجهات متفرقًا، قيل: وأصله الظهور، من قولهم: شررت الثوب، إذا أظهرته للشمس.
والجمهور على فتح القاف، وعن الشيخ أبي علي النحوي رحمه الله: أن القَصر هنا بمعنى القُصُور، وهي بيوت مِنْ آدم كانوا يضربونها إذا نزلوا على الماء (2).
وقرئ: (كالقَصَر) بفتح القاف والصاد، وهي أعناق النخل، واحدها قَصَرَةٌ بالتحريك، والقَصَرة بفتحتين في اللغة أصل العنق. وقيل: أصول النخل المقطوعة.
وقرئ أيضًا: (كالقِصَرِ) بكسر القاف وفتح الصاد، وهي جمع قَصَرَة، كحاجة وحِوَج، عن أبي حاتم. أبو الفتح: وقالوا أيضًا: في حلْقة الحديد حلَقة بفتح اللام، وقالوا: حِلَق بكسر الحاء.
وقرئ: (كالقُصُرِ) بضم القاف والصاد، وهي جمع قَصْرٍ، كرُهُن في
__________
(1) انظر هذا المعنى في التفسير الكبير 30/ 243.
(2) كونه واحد القصور: أخرجه الطبري 29/ 239 عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. وانظر قول أبي علي بتمامه في المحتسب 2/ 347.
(6/314)
________________________________________
جمع رَهْن، بمعنى القصور المبنية (1).
وقوله: {كَأَنَّهُ} أي: كأن هذا الشرر في عِظمه جمالات صفر، أي: إبل سود.
وقرئ: (جِمالاتٌ) بكسر الجيم وألف بعد اللام (2). و (جِمالة) بكسرها من غير ألف (3)، فجمالات: يجوز أن يكون جمع جِمالٍ جُمع جمع السلامة، كما جمع جمع التكسير حين قالوا: جمائل. وأن يكون جَمْعَ جمالة، وجِمالة جمع جَمَلٍ كحَجَر وحِجَارة، وذَكَر وذِكارة، ودخول التاء في الجمع لتأنيث الجمع. وقرئ: (جُمالات) بضم الجيم (4)، وهي حبال السفينة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره (5)، واحدها جُمَالَة، وتُسمى تلك الحبال القُلُوس (6)، الواحد قَلْس، كفُلُوس في جمع فَلْسٍ، شبه الشرر في امتداده بالحبال. وقيل: الجُمالات بضم الجيم: قطع النحاس، رواه ابن عباس عن علي رضي الله عنهم، كذا ذكر بعض المفسرين (7).
__________
(1) انظر هذه الأقوال والقراءات منسوبة إلى أصحابها في إعراب النحاس 3/ 596 - 597. ومختصر الشواذ/ 167/. والمحتسب 2/ 346 - 347. والمحرر الوجيز 16/ 202. وزاد المسير 8/ 450 - 451.
(2) قرأها المدنيان، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم كما سوف أخرج.
(3) قرأها الكوفيون غير أبي بكر.
(4) قرأها يعقوب. انظر هذه القراءات المتواترة في السبعة/ 666/. والحجة 6/ 365. والمبسوط / 457/. والتذكرة 2/ 611. والنشر 2/ 397.
(5) كذا عنه في المحتسب 2/ 347. وأخرجه الطبري 29/ 242 عنه وعن سعيد بن جبير دون أن يذكر ضم الجيم.
(6) باللفظين أخرجهما الطبري في الموضع السابق. وانظر معاني الزجاج 5/ 268.
(7) الذي أخرجه الإمام الطبري 29/ 242 عن علي عن ابن عباس، وليس العكس، وعلي هذا هو ابن طلحة كما سماه النحاس في الأعراب 3/ 558. والله أعلم إذا كان ثمة رواية أخرى غير هذه. وأما بالنسبة للمعنى: فقد خرجه الطبري في الموضع السابق دون أن يذكر الجيم، لكن قراءة يعقوب: (جُمالات) تنسب إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - وآخرين كثيرين. انظر جامع البيان 29/ 243. وإعراب النحاس 3/ 598. والمحتسب 2/ 347.
(6/315)
________________________________________
{هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45}:
قوله عز وجل: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} الجمهور على رفع قوله: {يَوْمُ} على أنه خبر {هَذَا}، والإشارة إلى اليوم، وقرئ: (يومَ) بالنصب (1)، ونصبه على الظرف عند أهل البصرة (2)، والإشارة إلى غير اليوم، أي: هذا الذي قُصَّ عليكم واقع في يوم لا ينطقون، لأنه إنما يبنى عندهم إذا أضيف إلى مبني، نحو: يومئذ، و:
618 - ........ غَيْرَ أَنْ نَطَقَتْ ... .................... (3)
و:
619 - علَى حِينَ عاتَبْتُ المَشِيبَ علَى الصِّبَا ... ................. (4)
والفعل هنا معرب كما ترى، وأما عند أهل الكوفة (5) فهو مبني لإضافته إلى الفعل، وهو مرفوع في المعنى.
وقوله: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُم} أجمع القراء على رفع قوله:
__________
(1) قرأها الأعرج، والأعمش، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة. انظر إعراب النحاس 3/ 598. ومختصر الشواذ/ 167/. ومشكل مكي 2/ 248. والكشاف 4/ 175. والمحرر الوجيز 16/ 203. وزاد المسير 8/ 451.
(2) انظر المشكل الموضع السابق.
(3) تقدم هذا الشاهد برقم (310).
(4) الشاهد للنابغة، وقد تقدم أيضًا برقم (192).
(5) انظر إعراب النحاس 3/ 598. والمشكل 2/ 448.
(6/316)
________________________________________
{فَيَعْتَذِرُونَ} إذ ليس بجواب النفي، بل هو معطوف على قوله: {وَلَا يُؤْذَنُ} داخل في سلك النفي، ولو كان جوابًا لكان منصوبًا لا محالة، والمعنى: لا يؤذن لهم في الاعتذار فكيف يعتذرون؟
وبعد: فإن أهل التأويل اختلفوا، فقال بعضهم: في القيامة مواطن في بعضها يتكلمون ويختصمون، وفي بعضها يختم على أفواههم فلا يتكلمون، وقد ورد التنزيل بهما (1).
وقال بعضهم: جعل نطقهم كلا نطق، لأنه لا يَنفع ولا يُسمع، فكأنهم لم ينطقوا، وذلك معروف في كلام القوم، يقال لمن جاء بما لا ينتفع به، ما جئت بشيء، وكفاك دليلًا قوله: {صُمٌّ بُكْمٌ} (2) أي: هم بمنزلة من هو كذلك حين لم ينفعهم ذلك (3).
وقوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} في موضع الحال من المنوي في الظرف الذي هو {فِي ظِلَالٍ}، أي: هم مستقرون في ظلالٍ مقولًا لهم ذلك، وكذا {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا} في موضع الحال من المكذبين، أي: الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم كلوا وتمتعوا، كلاهما قاله الزمخشري، ثم قال: ويجوز أن يكون {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا} كلامًا مستأنفًا خطابًا للمكذبين في الدنيا (4).
وقوله: {كَذَلِكَ} محل الكاف النصب على أنه نعت لمصدر محذوف، أي: جزاءً مثلَ ذلك الجزاء نجزي المحسنين.
{كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا
__________
(1) انظر هذا القول في معاني الزجاج 5/ 268. وجامع البيان 29/ 243. ومعالم التنزيل 4/ 435. والقرطبي 19/ 166.
(2) سورة البقرة، الآية: 18.
(3) انظر معنى هذا القول في التبيان 2/ 1265 وفيه تصحيف. والقرطبي الموضع السابق.
(4) الكشاف 4/ 175.
(6/317)
________________________________________
قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)}:
قوله عز وجل: {قَلِيلًا} يجوز أن يكون نعتًا لمصدر محذوف، وانتصابه على المصدر، أي: تمتعًا قليلًا، وأن يكون صفة لزمان محذوف، وانتصابه على الظرف، أي: زمانًا قليلًا.
وقوله: {بَعْدَهُ} أي: بعد القرآن. والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة المرسلات
والحمد لله وحده
(6/318)
________________________________________
إعراب سورة النبأ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5}:
قوله عز وجل: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} (عم) أصله: عن ما، على أنه حرف جر، دخل على (ما) الاستفهامية، وأدغمت النون في الميم لما بينهما من القرب والاشتراك في الغُنّة التي فيهما (1)، وقد ذكرت فيما سلف من الكتاب أن الألف من هذا النحو تحذف فرقًا بين الاستفهام والخبر في الأمر العام، والفتحة دالة عليها (2).
وعلى الحذف الجمهور هنا لما ذكرت آنفًا، وقرئ: (عما) بإثبات الألف على الأصل (3)، وهو عزيز، ومنه قول حسان رضي الله عنه، أنشده الشيخ أبو علي وغيره:
620 - عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمُني لَئِيمٌ ... كَخِنْزيرٍ تَمَرَّغَ فِي رَمَادِ (4)
__________
(1) انظر معاني الزجاج 5/ 271.
(2) انظر إعرابه للآية (65) من آل عمران. و (97) من النساء. و (16) من الأعراف. و (27) من يس.
(3) قرأها عكرمة، وعيسى بن عمر، وهي قراءة أُبي، وابن مسعود - رضي الله عنهم -. انظر المحتسب 2/ 347. والكشاف 4/ 176. والمحرر الوجيز 16/ 206.
(4) تقدم تخريج هذا البيت برقم (220).
(6/319)
________________________________________
و (عن) الأولى متعلقة بـ {يَتَسَاءَلُونَ}، والضمير في {يَتَسَاءَلُونَ} لقريش (1)، والمعنى: عن أي شيء يتساءلون؟ وأما الثانية: فمتعلقة بمضمر يدل عليه هذا الظاهر، والتقدير: يتساءلون عن النبأ، ثم حذف الثاني لدلالة الأول عليه، ولا يحسن أن يكون بدلًا من الأول متعلقًا بهذا الظاهر كما زعم بعضهم (2) لا بل لا يجوز، لأنه لو كان كما زعم لوجب دخول حرف الاستفهام عليه، فيكون: أعن النبأ العظيم؟ ألا ترى أنك إذا قلت: بكم ثوبُك، أبعشرينَ أم بثلاثينَ؟ لا بد لك من إعادة حرف الاستفهام، ولو قلت: بعشرين من غير الهمزة لم يجز، فاعرفه فإنه موضع.
وإذا كان كذلك وجب أن يكون من صلة فعل آخر دل عليه هذا الظاهر، لا من صلة هذا الظاهر على جهة البدل، فـ (عن) الأول متصل بالاستخبار، والثاني متصل بالإخبار، اللهم إلا أن يقول هذا الزاعم: إن الأصل أعن النبأ، إلا أنه استُغني عن تكرير الاستفهام بتقدم ما قبله، بشهادة قوله: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} (3)، والمعنى: أفهم الخلدون؟ فاكتُفي بالاستفهام الأول عن الثاني فيكون بدلًا من الأول، والأول هو الوجه وعليه الجل، إذ الحذف من غير اضطرار على خلاف الأصل.
وقوله: {الَّذِي} يجوز في إعرابه الأوجه الثلاثة: أما الرفع فعلى: هو، وأما النصب: أعني، وأما الجر: فعلى النعت.
وقوله: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} الجمهور على الياء فيهما النقط من تحته، وهو الوجه لجري ذكر الغيبة قبلُ، وقرئ: بالتاء فيهما النقط من
__________
(1) كذا في جامع البيان 30/ 1 وأكثر كتب التفسير. وقال ابن عطية 16/ 206: ويحتمل أن يراد به جميع العالم.
(2) هو العكبري 2/ 1266. وقد رده أيضًا صاحب البيان 2/ 489.
(3) سورة الأنبياء، الآية: 34.
(6/320)
________________________________________
فوقها (1)، على الانصراف من الغيبة إلى الخطاب، كقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} بعد قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}. وعكسه: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ} بعد، قوله: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ} (2).
وقرئ: الأول بالياء النقط من تحتها على معنى: سيعلم الكفار، والثاني: بالتاء النقط من فوقه (3)، على معنى: ستعلمون أنتم أيها المؤمنون.
{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)}:
قوله عز وجل: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} الجعل هنا بمعنى التصيير، فلذلك تعدى إلى مفعولين وكذلك {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)}.
و{مِهَادًا} يجوز أن يكون مفردًا كالسراج والمثال، وأن يكون جمع مهد كَكِعابٍ في جمع كعبٍ، وإنما جمع لاختلاف أماكن الأرض من القرى والبلاد، وقيل: لاختلا التصرف فيها بالزرع والبناء والحَفْرِ وغير ذلك.
و{مَعَاشًا} هنا ينبغي أن يكون اسم زمان، ليكون الثاني هو الأول،
__________
(1) انفرد ابن مجاهد في السبعة/668/. والحجة 6/ 367. بنسبتها إلى ابن عامر، وهي خطأ عليه، لذلك لم تذكرها مصادر القراءة الصحيحة الأخرى. وهي قراءة الحسن كما في معاني الفراء 3/ 227. ومعاني الزجاج 5/ 271. وإعراب النحاس 3/ 601. والمحرر الوجيز 16/ 207.
(2) سورة يونس، الآية: 22.
(3) كذا هذه القراءة أيضًا الأولى بالياء، والثانية بالتاء في المحرر الوجيز 16/ 207. وعَكَسها أبو حيان 8/ 411. وتبعه تلميذه السمين 10/ 649. الأولى كالحسن، والثانية كالعامة، ونسباها إلى الضحاك.
(6/321)
________________________________________
وقد جوز أن يكون مصدرًا بمعنى العَيْش، على تقدير حذف المضاف، أي: وقت معاش، يقال: عاش يعيش عيشًا ومعاشًا بمعنى، فأما الليل: فهو لباس بغشيانه، بشهادة قوله جل ذكره: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (1) أي يغشى النهار، أي يستره بظلمته، أو الخلق، أي يعلوهم ويعمهم على ما فسر (2).
وقوله: {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} انتصاب قوله: {أَزْوَاجًا} على الحال، لأن خَلَقَ يتعدى إلى مفعول واحد، وقد استوفاه، أي: متجانسين متشابهين، أو مختلفين على من قال: ذكورًا وإناثًا.
وقوله: {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا} الجعل هنا بمعنى الخلق، فلذلك تعدى إلى مفعول واحد، ولا يجوز أن يكون بمعنى التصيير، لأن جَعْلَ الشمسِ سراجًا ليس بانتقال من حال إلى حال، كجعل الثوب قميصًا.
وقوله: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} أي: وأشجار جناتٍ، فحذف المضاف. و {أَلْفَافًا} يجوز أن يكون جمع لِفٍّ، كأجذاعٍ في جمعِ جِذع، وأن يكون جمع لفيفٍ، كأشرافٍ في جمع شريفٍ، وأن يكون جمع لُفٍّ، ولُفٌّ جمع لَفَّاءَ، كحُمْرٍ في حمراء، فيكون جمع الجمع، فاعرفه (3).
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30}:
__________
(1) سورة الليل، الآية: 1.
(2) الأول لابن جبر، والثاني لقتادة. انظر النكت والعيون 6/ 286.
(3) انظر فيه أيضًا إعراب النحاس 3/ 603.
(6/322)
________________________________________
قوله عز وجل: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} أي.: كان في حكم الله، ويجوز أن يكون إنما أتى على لفظ الماضي، لأن أحوال القيامة لتحققها كأنها وقعت.
وقوله: {يَوْمَ يُنْفَخُ} بدل من {يَوْمَ الْفَصْلِ}، أو عطف بيان. و {أَفْوَاجًا} حال من الضمير في {فَتَأْتُونَ}. أو فوجًا بعد فوج، والفوج: الجماعة. و {أَبْوَابًا} خبر (كان)، ومثلها {سَرَابًا}. وكذا {مِرْصَادًا}، وهو مفعال من الرصد، وهو الموضع الذي يرصد فيه، وذُكِّر على النسب.
وقوله: {لِلطَّاغِينَ} يجوز أن يكون من صلة {مِرْصَادًا}، وأن يكون من صلة محذوف على أنه صفة له، أو لقوله: {مَآبًا}، فلما تقدم عليه نصب على الحال. و {مَآبًا} يجوز أن يكون خبرًا بعد خبر، والتقدير: إن جهنم كانت مِرْصَادًا ومآبًا للطاغين، أي: مرجعًا لهم. وأن يكون بدلًا من {مِرْصَادًا}.
والجمهور على كسر الهمزة في قوله: {إِنَّ جَهَنَّمَ} على الاستئناف، وقرئ: (أن) بفتحها (1) على تعليل قيام الساعة بأنَّ جهنم كانت مرصادًا، كأنه قيل: كان ذلك لإقامة الجزاء، قاله الزمخشري (2).
وقوله: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} (لابثين) حال من المنوي في {لِلطَّاغِينَ}، وهي حال مقدرة، كـ {خَالِدِينَ}، و {مُحَلِّقِينَ} (3)، أي: مقدرين اللبث. و {أَحْقَابًا} ظرف لقوله: {لَابِثِينَ} ومعمول له، وهو ظرف زمان، أي: ماكثين في جهنم الأبدَ. وقرئ: (لابثين) و (لبثين) (4)، وهما بمعنىً واحد، كطامعٍ
__________
(1) قرأها أبو معمر المنقري، وابن يعمر. انظر مختصر الشواذ / 167/. والكشاف 4/ 178. والمحرر الوجيز 16/ 210. والبحر 8/ 413 وفيه: أبو عمرو المنقري.
(2) الكشاف الموضع السابق.
(3) سبق تخريجهما عند إعراب الآية (2) من الإنسان.
(4) كلاهما من المتواتر، فقد قرأ حمزة، وروح بغير ألف، وقرأها الباقون بالألف. انظر السبعة/ 668/. والحجة 6/ 369. والمبسوط/ 458/. والتذكرة 2/ 612.
(6/323)
________________________________________
وطَمِعٍ، وحاذِرٍ وحَذِرٍ.
وقوله: {لَا يَذُوقُونَ} في موضع نصب، إما على الحال من المنوي في {لَابِثِينَ}، أو من المنوي في {لِلطَّاغِينَ} على قول من جوز حالين من ذي حالٍ، أي: غير ذائقين بردًا ولا شرابًا، وإما على النعت لأحقاب، والضمير في قوله: {فِيهَا} للأحقاب إذا جَعلتَ {لَا يَذُوقُونَ} صفة لها، أو لـ {جَهَنَّمَ} إذا جعلتها حالًا.
وقوله: {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} يجوز أن يكون متصلًا، وأن يكون منقطعًا.
وقوله: {جَزَاءً} مصدر مؤكد لفعله، أي: جُوزوا بذلك جزاءً. و {وِفَاقًا} صفة له، أي: ذا وفاقٍ، ويجوز أن يكون {وِفَاقًا} منصوبًا على المصدر كـ {جَزَاءً}، والتقدير: جُوزوا بذلك جزاءً فوافق أعمالها وِفَاقًا.
وقوله: {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} (كذابًا) مصدر مؤكد، والجمهور على تشديده وهو الجيد لقوله: {كَذَّبُوا}، يقال: كذَّبْتُهُ كِذَّابًا وتكذيبًا، وقرئ: (كِذَابًا) بالتخفيف (1)، وذلكْ يحتمل وجهين: أن يكون في معناه غير أن المبالغة في المشدد أكثر، وأن يكون جمع كاذبٍ كصحابٍ في صاحبٍ، فيكون نصبه على الحال، أي: كذبوا بآياتنا كاذبين، أي: في حال كذبهم.
وقرئ أيضًا: (كُذَّابًا) بضم الكاف مع تشديد الذال (2)، وهو جمع كاذبٍ، كشُهَّادٍ في جمعٍ شَاهدٍ، وانتصابه على الحال أيضًا، وقد جُوِّزَ أن
__________
(1) الحرف هنا في هذا الموضع من الشاذ، ونسب إلي علي - رضي الله عنه -، وآخرين. انظر معاني الفراء 3/ 229. وإعراب النحاس 3/ 609. والمحتسب 2/ 348. والمحرر الوجيز 16/ 214. وزاد المسير 9/ 11. والقرطبي 19/ 181.
(2) قرأها عمر بن عبد العزيز رحمه الله، والماجشون كما في مختصر الشواذ/168/ - وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كما في المحتسب 2/ 348. وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز كما في المحرر الوجيز 16/ 214. وفي القرطبي 19/ 182: عن ابن عمر. وانظر البحر 8/ 415 فقد نقل أبو حيان بعض هذا الاختلاف.
(6/324)
________________________________________
يكون الكُذَّابُ هنا واحدًا لا جمعًا، كرجل حُسَّانٍ، ووجهٍ وُضّاءٍ، وصفًا لمصدر محذوف، أي: كذَّبوا بآياتنا تكذيبًا كُذَّابًا، أي: متناهيًا في الكذب.
وقوله: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا} الجمهور على نصب (كلَّ) ونصبه بإضمار فعل، وقرئ: (وكلُّ شيء) بالرفع (1)، ورفعه بالابتداء. و {كِتَابًا} مصدر مؤكد واقع موقع إحصاء حيث كان في معناه من جهة الضبط والتحصيل، أو {أَحْصَيْنَاهُ} بمعنى كتبناه، كأنه قال: وكل شيء كتبناه كتابًا، وإما في موضع الحال من الضمير المنصوب في {أَحْصَيْنَاهُ}، أي: في حال كونه مكتوبًا في اللوح أو في صحف الحفظة على ما فسر (2)، تسمية للمفعول بالمصدر كخَلْقِ الله، وضَرْبِ الأميرِ
{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)}:
قوله عز وجل: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ} (مفازًا) مَفْعَل، يجوز أن يكون مصدرًا بمعنى الفوز، وأن يكون اسمًا لمكان الفوز، وهو هنا الجنة، أي: للمتقين نجاة في ذلك اليوم، وهو الجنة. و {حَدَائِقَ} بدل منه، بدل البعض من الكل، أي: إن لهم حدائق، وهي جمع حديقة، وهي البستان المحاط به، من أحدق بالشيء، إذا أحاط به، وهي فعيلة بمعنى مُفْعَلة، كشعيلة: بمعنى مُشْعَلَةٍ.
وقوله: {وَكَأْسًا دِهَاقًا} دهاق: فِعال من أدهقت الإناء، إذا ملأته، قال خداش بن زهير (3):
__________
(1) قرأها أبو السمال كما في مختصر الشواذ/ 168/. والكشاف 4/ 179. والقرطبي 19/ 182.
(2) انظر معالم التنزيل 4/ 439. والكشاف 4/ 179.
(3) من شعراء قيس المجيدين في الجاهلية، وكان أبو عمرو يقول: خداش أشعر من لبيد.
(6/325)
________________________________________
621 - أَتَانَا عامِرٌ يَرْجُو قِرَانا ... فأتْرَعْنَا له كأْسًا دِهَاقا (1)
فدهاق مصدر وصف به بمعنى مُدْهَقَةٍ، أي: مملوءة.
وقوله: {لَا يَسْمَعُونَ} يجوز أن يكون مستأنفًا، وأن يكون في موضع الحال من المتقين، والعامل فيها الاستقرار، أي: اسْتَقَرَّ لهم الفوزُ غيرَ سامعين فيها لَغْوًا. وقوله: {وَلَا كِذَّابًا} قرئ بالتشديد والتخفيف (2)، فالتشديد مصدر كذَّبَ كِذابًا، كقَتل قِتَالًا، وكَلَّمَ كلَّامًا، وفِعَّال في باب فَعَّلَ كله فاشٍ من كلام القوم، لا يكادون يقولون غيره، والتخفيف يجوز أن يكون مصدر كاذَبَ كِذابًا، كَقَاتَل قِتالًا، وأن يكون مصدر كَذَبَ كِذابًا، كصامَ صِيامًا، وقامَ قيامًا، قال:
622 - فَصَدَقْتُهَا وَكَذَبْتُهَا ... والْمَرءُ يَنْفَعُهُ كذَابُهُ (3)
وقوله: {جَزَاءً}: مصدر مؤكد لفعله يدل عليه قوله: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} أي: وجازاهم بأعمالهم الحسنة جزاءً.
وأما قوله: {عَطَاءً} فنصبه يحتمل أوجهًا: أن يكون مصدرًا مؤكدًا أيضًا لفعله، أي: وأعطاهم عطاءً، أي: إعْطَاءً. وأن يكون بدلًا من {جَزَاءً}، لأن معنى جازاهم وأعطاهم واحد، وأن يكون نصبًا بجزاء نصب المفعول به، أي: جزاهم عطاء، وعطاء على هذا عينٌ بمعنى مُعطىً.
__________
(1) انظره في سؤالات نافع بن الأزرق/ 118/. والموضح/ 124/. والنكت والعيون 6/ 189. والصحاح (دهق). والقرطبي 19/ 183.
(2) قرأ الكسائي وحده من العشرة: (كِذَابًا) بتخفيف الذال، وقرأ الباقون بتشديدها. انظر السبعة/ 669/. والحجة 6/ 369. والمبسوط/ 458/. والتذكرة 2/ 612.
(3) الشاهد للأعشى، وانظره في مجاز القرآن 2/ 283. والكامل 2/ 747. ومعاني الزجاج 5/ 274. وجامع البيان 30/ 20. والحجة 6/ 369. والنكت والعيون 6/ 188. والمخصص 3/ 84. والكشاف 4/ 179. والمحرر الوجيز 16/ 214.
(6/326)
________________________________________
و {حِسَابًا}: صفة لـ {عَطَاءً}، أي: كافيًا، من أحسبت فلانًا، إذا أعطيته ما يكفيه حتى قال: حسبي. وقيل: {عَطَاءً حِسَابًا} أي: على حساب العمل، والتقدير على هذا: عطاء بحساب، فحذف الجار ونصب الاسم.
وقرئ: (حَسْبًا) (1) وهو بمعنى حسابًا.
وقرئ أيضًا: (حَسَّابًا) بتشديد السين (2)، أي: عطاء مُحْسِبًا، من قولهم أيضًا: أعطاه ما أحسبه، أي: كفاه، غير أن قارئه جاء بالاسم من أَفْعَلَ على فَعَّال، كما جاء أَجْبَرَهُ فهو جبَّار، وَأَدْرَكَ فهو دَرَّاك بمعنى مُجبر ومُدرك، وأقْصرَ عن الشيء فهو قصَّار، ذكر هذه الأمثلة أبو الفتح، فاعرفه (3).
{رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40}:
وقوله: (ربُّ السَمَواتِ والأَرضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَحمانُ) قرئ: برفع الاسمين وهما (ربُّ) و (الرحمنُ) إما على الابتداء والخبر، وما بعدهما وهو (لا يملكون) مستأنف، أو خبر بعد خبر، أو (الرحمنُ) نعت لـ (ربُّ) والخبر {لَا يَمْلِكُونَ} أو هو (رَبُّ السماواتِ) وما بعده مبتدأ وخبر، أو خبر بعد خبر أو (الرحمنُ) صفة، وما بعد الرحمن مستأنف، أو خبر بعد خبر.
__________
(1) حكاها المهدوي. انظر المحرر الوجيز 16/ 215. والبحر 8/ 415. والدر المصون 10/ 664.
(2) قرأها ابن قطيب كما في المحتسب 2/ 349. والكشاف 4/ 179. والمحرر الوجيز 16/ 215. والقرطبي 19/ 185 عن أبي هاشم.
(3) المحتسب الموضع السابق.
(6/327)
________________________________________
وبجرهما على الإتباع لما قبلها وهو {مِنْ رَبِّكَ} هو إما على البدل أو على الصفة.
وبجر الأول على البدل {مِنْ رَبِّكَ} ورفع الثاني على أنه مبتدأ خبره {لَا يَمْلِكُونَ}، أو على (هو الرحمن) وما بعده مستأنف، أو خبر آخر، فاعرفه فإن فيه أدنى غموض (1).
وقوله: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} يجوز أن يكون ظرفًا لقوله: {لَا يَمْلِكُونَ}، وأن يكون ظرفًا لما بعده وهو {لَا يَتَكَلَّمُونَ}، و {صَفًّا} نصب على الحال، أي: مصطفين، وكذا {لَا يَتَكَلَّمُونَ} في موضع الحال، أي: ساكتين، أو غير ناطقين.
وقوله: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} {مَنْ} يجوز أن يكون في موضع رفع على البدل من المضمر في {لَا يَتَكَلَّمُونَ}، وأن يكون في موضع جر على تقدير: جارّ محذوف، أي: لمن أذن له، على قول من قال: لا يتكلمون بالشفاعة لأحد إلا لمن أذن الله أن يشفع له. {وَقَالَ} أي المشفوع له، {صَوَابًا}، وهو الحسن (2).
و{صَوَابًا}: صفة لمصدر محذوف، أي: قولًا صوابًا، وهو لا إله إلا الله (3). و {مَآبًا} أي: مرجعًا، وهو مَفْعَل من آبَ يَؤوبُ أَوْبًا وإيابًا، إذا رجع.
وقوله: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} (يوم) ظرف لمحذوف، أي:
__________
(1) القراءات الثلاث من المتواتر، فقد قرأ المدنيان، وابن كثير، وأبو عمرو برفعهما. وقرأ ابن عامر، وعاصم، ويعقوب بجرهما. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف بجر الأول ورفع الثاني. انظر السبعة/ 669/. والحجة 6/ 370. والمبسوط/ 459/. والتذكرة 2/ 613.
(2) انظر قوله في النكت والعيون 6/ 190.
(3) أخرجه الطبري عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(6/328)
________________________________________
يقع ذلك العذاب في ذلك اليوم، وقد جوز أن يكون مفعولًا به على أن يكون بدلًا من {عَذَابًا}، و {مَا} هنا يجوز أن يكون موصولًا منصوبًا بـ {يَنْظُرُ}، وراجعه محذوف من الصلة، وصلته {قَدَّمَتْ}، أي: ينظر الذي قدمته يداه، بمعنى ينظر إليه، يقال: نظرْتُه، بمعنى: نظرْتُ إليه. وأن يكون استفهامًا منصوبًا بـ {قَدَّمَتْ}، أي: ينظر أي شيء قدمت يداه، أَخَيْرًا أم شرًّا؟
وقوله: {يَالَيْتَنِي} المنادى محذوف، أي: يا قوم. و {كُنْتُ تُرَابًا} في محل الرفع بخبر ليت. والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة النبأ
والحمد لله وحده
(6/329)
________________________________________
إعراب سورة النازعات
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)}:
قوله سبحانه: {وَالنَّازِعَاتِ} في الواو الأولى للقسم، وما بعدها للعطف، واختلف في جواب القسم، فقيل: محذوف تقديره: لتبعثن، قاله الفراء، قال: ودل عليه {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} (1). وقيل الجواب: هو {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (2). وقيل الجواب: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} (3) على إضمار اللام، أي: لَيوم ترجف الراجفة، والجواب على الحقيقة على هذا القول قوله: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ}، كما تقول: والله لَيوم الجمعة زيد منطلِق، والتقدير: والله لَزيد منطلق يوم الجمعة، وكذا هذا التقدير: والنازعات لَقلوب واجفة يوم ترجف الراجفة، فاعرفه فإنه موضع (4).
وقوله: {غَرْقًا} مصدر على حذف الزيادة، أي: إغراقًا في النزع، من أغرق النازع في القوس إغراقًا، إذا استوفى مَدَّهَا. فإن قلتَ: أين فِعْلُ هذا
__________
(1) الآية (11). وانظر قول الفراء في معانيه 3/ 231.
(2) الآية (26).
(3) الآية (6).
(4) انظر أوجه جواب القسم هذه في إعراب النحاس 3/ 617. والمشكل 2/ 454. والقرطبي 19/ 194 - 195 وهو أوعبها، وفيه أوجه أخرى وتفصيل أكثر.
(6/330)
________________________________________
المصدر؟ قلتُ: (النازعات)، لأن النازع والمغرق سيان في المعنى، ألا ترى أنك تقول: نزع القوس، كما تقول: أغرق القوس. فإن قلت: هل يجوز أن يكون {غَرْقًا} واقعًا موقع نَزْع؟ قلت: لا يبعد، كأنه قيل: والنازعات نزعًا، وله نظائر في التنزيل وفي كلام القوم، والألف والتاء في جمع الملائكة لتكرار الجمع، على تقدير: جماعة نازعة، وجماعات نازعات.
وقوله: {نَشْطًا} مصدر مؤكد، ومثله {سَبْحًا}، وكذا {سَبْقًا}.
وقوله: {أَمْرًا} منصوب بالمدبرات على أنه مفعول به، على معنى: يدبرنَ الأمر بأمر الله. وقيل: مصدر، قلت: يكون واقعًا موقع تدبير. وقيل: في موضع الحال، أي: يدبرنَ مَأمورات. وقيل: منصوب على تقدير حذف الجار، أي: فالمدبرات بأمرٍ، كقوله:
623 - أمرتُكَ الخيرَ ..... ... ...................... (1)
أي: بالخير (2).
{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)}:
قوله عز وجل: {يَوْمَ تَرْجُفُ} يجوز أن يكون مفعولًا به على: اذكر، وأن يكون ظرفًا لما أضمر من جواب القسم وهو لتبعثن، وقد ذكر قبيل (3).
__________
(1) تقدم هذا الشاهد مرارًا. انظر رقم (18).
(2) اقتصر النحاس 3/ 616 - 617 على الوجه الثاني والأخير. وانظر الأول في مشكل مكي 2/ 454. والثالث في التبيان 2/ 1269.
(3) عند إعراب أول هذه السورة.
(6/331)
________________________________________
قيل: وإنما جاز ذلك وإن كان البعث في النفخة الثانية ولا يبعثون عند النفخة الأولى وبينهما أربعون سنة على ما فسر (1)، لأن المعنى: لتبعثن في الوقت الواسع الذي تقع فيه النفختان، وهو تبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع، وهو وقت النفخة الأخرى، ودل على ذلك أن قوله: {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} جُعل حالًا من {الرَّاجِفَةُ}.
وأما من قال: إن جواب القسم {يَوْمَ تَرْجُفُ} أو {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً}، فإن قوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ} هو ظرف لقوله: {وَاجِفَةٌ}، أي: يوم ترجف الراجفة وجفت قلوبهم، و {يَوْمَئِذٍ} بدل من {يَوْمَ تَرْجُفُ} على سبيل التأكيد. يقال: وجَفَ القَلْبُ يَجِفُ، إذا خَفَقَ، وَجْفًا ووجِيفًا، وأصله: الانزعاج والاضطراب، ومنه الإيجاف في السير، للإسراع.
وقوله: {قُلُوبٌ} رفع بالابتداء، و {وَاجِفَةٌ} خبرها، أو صفتها و {أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} خبرها.
وقوله: {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} الجمهور على إثبات الألف بعد الحاء، وقرئ: (في الحَفِرَةِ) بغير الألف (2)، وفيه وجهان، أحدهما: مقصور من الحافرة. والثاني: هو من قولهم: حَفِرَتْ أسنانُه، إذا ركبها الوسخ في ظاهرها وباطنها، فالحَفِرَةُ على هذا: الأرض المنتنة، لفسادها بأخباثها وبأجسام الموتى فيها، كلاهما قاله أبو الفتح (3).
وقوله: {أَإِذَا كُنَّا} معمول لقوله: {لَمَرْدُودُونَ} على قراءة من قرأ: (إذا) على الخبر وأما من قرأ: (أإذا) على الاستفهام (4)، فعامله محذوف يدل
__________
(1) انظر الطبري 30/ 31.
(2) قرأها أبو حيوة كما في مختصر الشواذ / 168/. والمحتسب 2/ 350. والكشاف 4/ 181. والمحرر الوجيز 16/ 221.
(3) المحتسب الموضع السابق.
(4) قرأ نافع، وابن عامر، والكسائي، ويعقوب: (إذا) غير مستفهم على الخبر. وقرأ=
(6/332)
________________________________________
عليه {لَمَرْدُودُونَ}، والتقدير: أَنُرَدُّ إذا كنا عظامًا نخرة؟
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26}:
قوله عز وجل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} (هل) يجوز هنا أن يكون على بابه، وهو استفهام بمعنى التنبيه للمخاطب، على معنى: أن هذا مما يجب أن يعلم، ويُحَثُّ على استماعه، وأن يكون بمعنى قد (1).
{إِذْ نَادَاهُ}: (إذْ) ظرف، والعامل فيه معنى {حَدِيثُ مُوسَى}، أي: هل أتاك ما كان منه؟ أي: من الحديث حين ناداه. وقيل: العامل فيه {أَتَاكَ}، وليس بشيء، لأن الإتيان لم يقع في وقت الابتداء.
وقوله: {طُوًى} في موضع جر على البدل من الوادي، وقرئ: بالتنوين، على أنه اسم للوادي وهو مذكر، وبتركه (2)، على أنه اسم للبقعة. وقيل: معدول عن طاوٍ، كعمر عن عامر (3)، وقد مضى الكلام عليه في "طه" بأشبع من هذا (4).
__________
= الباقون: (أإذا) على الاستفهام. انظر السبعة / 670/. والحجة 6/ 374 - 375. والمبسوط 460 - 461.
(1) الوجهان للنحاس 3/ 619.
(2) قرأ المدنيان، والبصريان، وابن كثير: (طوَى) غير منون. وقرأ الباقون: (طوىً) منونًا. انظر السبعة/ 671/. والحجة 6/ 371 - 372. والمبسوط / 293/.
(3) انظر هذا القول في معاني الفراء 3/ 232 - 233. ومعاني الزجاج 5/ 279. وإعراب النحاس 3/ 619.
(4) انظر إعرابه للآية (12) منها.
(6/333)
________________________________________
وقوله: {اذْهَبْ} على إرادة القول، أي: ناداه فقال: اذهب، يجوز أن يكون من صلة ناداه لأن النداء نوع من القول، تعضده قراءة من قرأ: (أن اذهب) بزيادة (أن) وهو عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه (1)، لأن (أن) إذا كانت بمعنى (أي) المفسرة لا تقع إلا بعد القول أو ما كان في معنى القول.
وقوله: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} أي: هل لك مَيْلٌ إلى أن تزكى؟ أي إلى التزكية، والأصل: تتزكى، فحذفت إحدى التاءين. {وَأَهْدِيَكَ} عطف على {أَنْ تَزَكَّى} أي: هل لك ميل إلى الإيمان؟ وقوله: {يَسْعَى} في موضع الحال.
وقوله: {فَحَشَرَ} أي: فحشر قومه.
وقوله: {نَكَالَ الْآخِرَةِ} مصدر مؤكد لفعله، وفعله (أخذ) حملًا على المعنى، لأن الأخذ هنا عقوبة، فكأنه قيل: نكّل به نكّال الآخرة، أي: تنكيلها، والنكال بمعنى التنكيل، كالكلام بمعنى التكليم. وقيل: نعت لمصدر محذوف: أخذًا نكالًا. وقيل: مفعول له (2).
فإن قلت: {الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} صفة لماذا؟ قلت: للكلمة، والتقدير: نكال الكلمة الآخرةِ والكلمة الأولى، فالأولى قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (3) والآخرة قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، كذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (4). وقيل: التقدير نكال الدار الآخرة، وهي النار، {وَالْأُولَى} يعني الإغراق في الدنيا (5).
__________
(1) انظر قراءته في الكشاف 4/ 182. والدر المصون 10/ 676.
(2) الوجه الأول للزجاج 5/ 280. والثاني للفراء 3/ 233. وانظر القول الأخير في مشكل مكي 2/ 455
(3) سورة القصص، الآية: 38.
(4) أخرجه الطبري 30/ 41 عنه وعن غيره.
(5) هذا قول قتادة. انظر جامع البيان الموضع السابق. والنكت والعيون 6/ 198.
(6/334)
________________________________________
{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)}:
قوله عز وجل: {أَمِ السَّمَاءُ} رفع بالابتداء، وعطف على (أنتم)، وخبره محذوف دل عليه خبر (أنتم)، أي: أم السماء أشد. و {خَلْقًا} تمييز، و {بَنَاهَا} مستأنف وليس على تقدير (التي)، لأن حذف الموصول وإقامة الصلة مقامه غير جائز عند أصحابنا البصريين، ولا يحسن أن يكون حالًا أيضًا كما زعم بعضهم (1) لعدم الفائدة من جهة المعنى عند من تأمل، فهو مستأنف ليس إلا، كأنه قيل: كيف خلقها؛ فقيل: كيت وكيت.
فإن قلت: قد ذَكَرْتَ الحال وأشرتَ إليها ولم تبين لنا ذا الحال. قلت: ذو الحال المنوي في {أَشَدُّ} المحذوف المحكوم عليه بخبر السماء.
وقوله: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أي: أظلم ليلها، أي: جعل ليلها مظلمًا، يقال: أغطش الله الليل، أي: أظلمه، وأغطش الليل أيضًا بنفسه، يتعدى ولا يتعدى كأظلم، يقال: ظلِم الليل بكسر اللام، وأظلم، وأظلمه الله.
وقوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ} الجمهور على نصب (الأرضَ)، ونصبها بإضمار فعل، أي: ودحا الأرض بعد ذلك، أي بعد بناء السماء، وقيل: مع ذلك. وقيل: قبل ذلك، فحذف دحا وجعل {دَحَاهَا} تفسيرًا له، وهذا معنى قول النحاة: إضمار على شريطة التفسير (2).
وقرئ: (والأَرْضُ) بالرفع (3)، ورفعها بالابتداء، والخبر {دَحَاهَا}.
__________
(1) هو العكبري 2/ 1270. حكاه بلفظ قيل.
(2) انظر الكشاف 4/ 183.
(3) قرأها الحسن كما في مختصر الشواذ / 168/. والكشاف 4/ 183. والمحرر الوجيز 16/ 225. وأضافها ابن عطية إلى عيسى أيضًا. وانظر الإتحاف 2/ 587.
(6/335)
________________________________________
ومعنى {دَحَاهَا}: بسطها، يقال: دحوت البساط، أي: بسطته، ومهدته.
وقوله: {وَأَخْرَجَ} فيه وجهان، أحدهما: تفسير لقوله: {دَحَاهَا}، والثاني: حال و (قد) معه مرادة، فلذلك عَرِيَ عن العاطف، فاعرفه.
وقوله: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} قرئ: بالنصب، وعليه الجمهور، أي: وأرسى الجبال. والرفع (1) والقول فيه كالقول في (الأرضَ).
وقوله: {مَتَاعًا} يجوز أن يكون مصدرًا مؤكدًا لفعله، وفعله محذوف يدل عليه سياق الكلام، أي: متعناكم بها متاعًا، أي: تمتيعًا، والمتاع: بمعنى التمتيع، كالسلام بمعنى التسليم. وأن يكون في موضع الحال من المنوي في {أَخْرَجَ}، أي: ممتِعًا لكم، وأن يكون مفعولًا له، أي: فعلنا ذلك تمتيعًا لكم ولأنعامكم.
فإن قلت: قوله: {وَمَرْعَاهَا}، ما المرعى هنا؟ قلت: يجوز أن يكون هو الرِعْيَ، والرعيُ: الكلأُ، أي: ورعيها، وأن يكون مصدرًا سمي المفعول به كَخَلْقِ الله، وصَيْدِ الصائدِ. وأن يكون موضع الرعي، والتقدير على هذا: أخرج منها ماءها وخلق فيها مرعاها، فاعرفه فإنه موطن.
{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}:
قوله عز وجل: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ} (يوم) يجوز أن يكون بدلًا من (إذا)، وأن يكون ظرفًا لقوله: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ}، يعني أن مجيء الطامة إنما يكون في هذا اليوم، فأما جواب (إذا) فقوله: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى} وما بعده، والتقدير: فإذا جاءت الطامة الكبرى كانت أحوال الطغاة
__________
(1) هي للحسن أيضًا. انظر مصادر القراءة السابقة.
(6/336)
________________________________________
كذا، وكانت أحوال المطيعين كذا، أو فكان الأمر كما ذكر. وقيل: الجواب مضمر والتقدير: فإذا جاءت الطامة الكبرى عرفوا سوء عاقبتهم، أو عرف كل واحد من الفريقين ما يستحقه.
وقوله: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} الجمهور على الياء النقط من تحته، والمنوي فيه {لِمَنْ يَرَى}، أي: للرائين جميعًا، أي: لكل من له عين، أي: تُظْهَرُ إظهارًا بيّنًا حتى يراها أهل الموقف جميعًا. وقرئ: بالتاء النقط من فوقه (1)، وفي الذكر الذي فيه وجهان، أحدهما: للجحيم، أي لمن تراه الجحيم، كقوله: {إذَا رَأَتهُم مِن مَكَانِ بَعِيدٍ} (2). والثاني: لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي: لمن ترى أنت يا محمد، والخطاب له عليه الصلاة والسلام، والمراد به الناس كقراءة الجمهور.
و(ما) في قوله: {مَا سَعَى} يجوز أن تكون مصدرية، أي: سعيه، وأن تكون موصولة، أي: الذي سعاه في الدنيا، أي: ما عمله في الدنيا من خير أو شر.
وقوله: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى} (مَن) موصولة في موضع رفع بالابتداء، ونهاية صلتها {الدُّنْيَا}، والخبر {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}، والفاء جواب (أما) لما فيه من معنى الشرط، والتقدير: هي المأوى له، لا بد من هذا التقدير ليعود على المبتدأ - الذي هو {مَنْ} - مِن الخبر ذكر، وإنما حذف لطول الكلام. وقيل التقدير: فإن الجحيم هي مأواه، فسد الألف واللام مسد العائد، والأول مذهب أهل البصرة، والثاني: مذهب أهل الكوفة (3). و {هِيَ} فصل أو مبتدأ.
__________
(1) قرأها عكرمة كما في مختصر الشواذ / 168/. والمحتسب 2/ 351. والكشاف 4/ 183. والمحرر الوجيز 16/ 225 حيث أضافها ابن عطية إلى عائشة - رضي الله عنها -، ومالك بن دينار أيضًا. كما نسبت في زاد المسير 9/ 24 إلى أبي مجلز، وابن السميفع.
(2) سورة الفرقان، الآية: 12.
(3) انظر المذهبين في إعراب النحاس 3/ 623.
(6/337)
________________________________________
وكذا القول في قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ} إلى {هِيَ الْمَأْوَى} في جميع ما ذكرت.
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46}:
قوله عز وجل: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} (مرساها) مبتدأ خبره {أَيَّانَ}، وهو ظرف بمعنى (متى)، وهو مبني لتضمنه معنى حرف الاستفهام، والاسم إذا تضمن معنى الحرف بني في الأمر العام، وفي الكلام حذف مضاف، أي: متى وقت إرسائها؟ فحذف المضاف لحصول العلم به، ويجوز أن يكون {مُرْسَاهَا} اسمًا لزمان الإرساء، لأن مُفْعَلًا قد يأتي للمصدر ولزمان الفعل من أفعل، فلا حذف على هذا في الكلام فاعرفه.
وقرئ: (إيّان) بكسر الهمزة، وهي لغية، وقد ذكر فيما سلف من الكتاب (1).
وقوله: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} (أنت) مبتدأ، وفي خبره وجهان:
أحدهما: {فِيمَ}، والمعنى: في أي شيء أنت من ذكراها؟ أي: مِن أن تذكر وقتها لهم، أي: لست من ذكر الساعة في شيء، يعني أن ذكر وقت قيامها قد طواه الله عنك وعن سائر البشر، عن عائشة رضي الله عنها: "لم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت" (2).
والثاني: {مِنْ ذِكْرَاهَا} على أن الكلام تم عند قوله: {فِيمَ} على أن {فِيمَ} إنكار لسؤالهم، أي: فيم هذا السؤال؟ ثم ابتدأ جل ذكره فقال:
__________
(1) تقدم هذا الحرف في الذاريات (12). والقراءة للسلمي، والأعمش. انظر التخريج هناك.
(2) أخرجه الطبري 30/ 49. وعزاه الحافظ في تخريج أحاديث الكشاف/ 181/ إلى إسحاق، وابن مردويه، والحاكم.
(6/338)
________________________________________
{أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}، أي: أنت ذِكُرٌ من ذكراها، وعلامة من علاماتها، كما قال عليه الصلاة والسلام: "بعثت والساعة كهاتين" (1).
وقوله: {إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} (منتهاها) مبتدأ، و {إِلَى رَبِّكَ} خبره، أي: إلى ربك منتهى علم الساعة، فحذف المضاف لحصول العلم به، أي: ينتهي إليه علمها.
وقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} الجمهور على ترك التنوين والإضافة، وقرئ: (منذرٌ من يخشاها) (2)، وكفاك دليلًا: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} (3) والإضافة تخفيف، وقد جوز أن يكون كلاهما للحال أو الاستقبال، ويجوز أن يراد المضي على قراءة الجمهور، لأنه قد فَعَلَ الإنذارَ.
وقوله: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا} (يوم) ظرف لما في (كأن) من معنى التشبيه. {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} أي: عشية يوم أو ضحى تلك العشية، أي: آخر يوم أو أوله، فهو كقوله: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} (4). والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة النازعات
والحمد لله وحده
__________
(1) وتمامه: يشير بالسبابة والوسطى. وهو متفق عليه من حديث أنس - رضي الله عنه -، أخرجه البخاري في الرقاق، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بعثت أنا والساعة .. " (6504). ومسلم في الفتن، باب قرب الساعة (2950) وللحديث طرق أخرى انظر جامع الأصول 10/ 384 - 385.
(2) قراءة صحيحة لأبي جعفر وحده. انظر المبسوط/ 461/. والنشر 2/ 398. وهي رواية عباس عن أبي عمرو كما في السبعة / 670/. والحجة 6/ 375.
(3) سورة الأنبياء، الآية: 45.
(4) سورة الأحقاف، الآية: 35.
(6/339)
________________________________________
إعراب سورة عبس (1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)}:
قوله سبحانه: {أَنْ جَاءَهُ} الجمهور على ترك المسند على الخبر، ومحل (أن) النصب على أنه مفعول له، وعامله {تَوَلَّى} لقربه منه، أي: تولى لأن جاءه الأعمى، أي: لمجيء الأعمى، أو {عَبَسَ} على اختلاف المذهبين (2)، أي: عبس لأن جاءه الأعمى وتولى لذلك، فحذف مفعول {تَوَلَّى} لحصول العلم به، كما تقول: شكرت فأعطيته زيدًا درهمًا، إذا أعملت الأول، وإن شئت حذفت معمول أعطيت، فقلت: شكرت فأعطيت زيدًا، وأن تريد أعطيته درهمًا، غير أنك حذفته تخفيفًا وللعلم به.
وقرئ: (أن جاءه) بالمد على الاستفهام (3)، فأنْ على هذه القراءة من صلة محذوف يدل عليه {عَبَسَ وَتَوَلَّى} والتقدير: أن جاءه الأعمى أعرض عنه وتولى بوجهه؟ أو ألأِن جاءه الأعمى فعل ذلك، والاستفهام معناه الإنكار، ويوقف على هذه القراءة {تَوَلَّى} ولا يوقف عليه على قراءة الجمهور.
__________
(1) في (أ): سورة الأعمى.
(2) في مسألة التنازع، فالبصريون ينصبونه بـ (تولى). والكوفيون ينصبونه بـ (عبس).
(3) قرأها الحسن، وعيسى. انظر مختصر الشواذ / 168/. والمحتسب 2/ 352. والمحرر الوجيز 16/ 229. وزاد المسير 9/ 27. ونسبت فيه أيضًا إلى أبي - رضي الله عنه -، وآخرين.
(6/340)
________________________________________
وقوله: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} أي؛ وأي شيء يجعلك داريًا بحال هذا الأعمى؟ والاستفهام بمعنى النفي، أي: لا يدريك شيء. وفي الضمير الذي في {لَعَلَّهُ} وجهان، أحدهما: لابن أم مكتوم رضي الله عنه (1)، على معنى: لعله يتطهر بما يسمعه منك من الشرائع والأحكام، وأصله: يتزكى، فأدغمت التاء في الزاي بعد قلبها زايًا. والثاني: للكافر، على معنى: أنك طمعت في أن يتطهر بالإسلام. والوجه هو الأول وعليه الجل.
وقوله: {أَوْ يَذَّكَّرُ} عطف على {يَزَّكَّى}، وأصله (يتذكر) أيضًا، فأدغمت التاء في الذال بعد قلبها ذالًا.
وقوله: (فتنفعُه) قرئ: بالرفع، عطفًا على {يَذَّكَّرُ}، وبالنصب (2) جوابًا لِلَعَلّ، لأنه غير موجب، فأشبه التمني والاستفهام، ونصبه بإضمار (أن) كما يكون بعد الأشياء التي هي غير موجبة، لتكون مع الفعل مصدرًا فتعطف مصدرًا على مَصْدَرِ الأول، لأن الصدر غير موجب، والمعنى: لعله يكون منه تذكر فانتفاع.
{أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)}:
قوله عز وجل: {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى} قرئ: بتخفيف الصاد، وتشديدها (3)، وأصله: تتصدى، فالتخفيف لأجل حذف التاء، والتشديد لأجل إدغامها في الصاد بعد قلبها صادًا.
__________
(1) هو الذي نزلت هذه الآية بشأنه كما في جامع البيان 30/ 50. وانظر أسباب النزول للواحدي/ 471/.
(2) قرأ عاصم وحده من العشرة بالنصب. وقرأ الباقون بالرفع. انظر السبعة/ 672/. والحجة 6/ 376. والمبسوط/ 462/. والتذكرة 2/ 615.
(3) قرأ المدنيان، وابن كثير: (تصَّدَّى) مشددة الصاد. وقرأ الباقون بتخفيفها. انظر السبعة / 672/. والحجة 6/ 376. والمبسوط/ 462/. والتذكرة 2/ 615.
(6/341)
________________________________________
والجمهور على فتح التاء، على معنى: تتعرض له بالتوقير والإكرام. والتصدي: التعرض للشيء، يقال: تصديت له، إذا تعرضت له. وقد مضى الكلام على لام (تصدى) وأصله فيما سلف من الكتاب، فأغناني عن الإعادة هنا (1).
وقرئ: (تُصَدَّى) بضم التاء (2)، على معنى: يدعوك داع من زينة الدنيا وشارتها إلى التصدي له، والإقبال عليه (3).
وقوله: {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} (ما) هنا يجوز أن تكون استفهامية، على معنى: أي شيء عليك في ألا يتزكى بالإسلام؟ يعني: لا شيء (4) عليك فيه. وأن تكون نافية، على معنى: وليس عليك شيء في ألا يتزكى، فحذف (شيء).
وقوله: {يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى} كلاهما في موضع الحال.
وقوله: {تَلَهَّى} الجمهور علىى فتح التاء، وأصله: (تتلهى)، فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا، أي: تتشاغل عنه، وبالأصل قرأ بعض القراء (5). وقرئ: (تُلَهَّى) بضم التاء (6)، أي: تُصرَفُ عنه.
__________
(1) تحدث عن (صدّ) و (أحد) في عدة آيات سابقة، أما عن أصله ولامه فلم أجد ذلك في مظانه، والله أعلم. وقال العلماء: إما أن يكون من الصدى، وهو الصوت، أي: لا يناديك إلا أجبته. ويجوز أن تكون الألف بدلًا من دال، ويكون من الصدّ. انظر التبيان 2/ 1271. والقرطبي 19/ 214. والدر المصون 10/ 687.
(2) قراءة شاذة نسبت إلى أبي جعفر. انظر مختصر الشواذ/169/. والمحتسب 2/ 353. والكشاف 4/ 185. والمحرر الوجيز 16/ 230. كما نسبت في زاد المسير 9/ 28 إلى ابن مسعود - رضي الله عنه -، وابن السميفع، والجحدري.
(3) هذا التفسير من المحتسب الموضع السابق.
(4) كذا في (أ) و (ج). وفي (ب): لأي شيء. وفي (ط): أي شيء.
(5) قرأها طلحة بن مصرف كما في مختصر الشواذ/ 169/. والكشاف 4/ 185. والمحرر الوجيز 16/ 230. وزاد المسير 9/ 28 وأضيفت فيه أيضًا إلى ابن مسعود - رضي الله عنه -، وأبي الجوزاء.
(6) نسبت إلى أبي جعفر. انظر مختصر الشواذ /169 /. والمحتسب 2/ 352.=
(6/342)
________________________________________
{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)}:
قوله عز وجل: {كَلَّا} ردع وزجر، أي: لا تعد إلى مثله، وقد جوز أن يكون بمعنى حقًّا، فيكون متصلًا بما بعده. وقيل: بمعنى (ألَا) على افتتاح الكلام على معنى: أَلَا ...
{إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ}: الضمير للسورة، أو للآيات، أو للأنبياء، أو للقصص، أو للمقالة، أو لمواعظ القرآن. {تَذْكِرَةٌ} أي: موعظة يجب الاتعاظ بها.
وقوله: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} (مَنْ) مبتدأ، خبره {شَاءَ}، على معنى: من شاء ذكر القرآن فاتعظ بما فيه، وإنما لم يقل: ذكرها، لأن المراد بالتذكرة: القرآن والوحي، أو لأن التذكرة في معنى الذكر، أو الوعظ، أو التذكير. أو ذكره على معنى: من شاء الله ألهمه وفهمه القرآن. و (مَنْ) يجوز أن تكون شرطية، وأن تكون موصولة.
وقوله: {فِي صُحُفٍ} في موضع النعت لتذكرة، وما بينهما اعتراض، أي: مثبتة في صحف. {مُكَرَّمَةٍ} نعت لصحف، أي: مكرمة عند الله تعالى، وكذا {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} نعت بعد نعت، أي: مرفوعة في السماء السابعة، أو مرفوعة القدر، مصونة عن أن تنالها أيدي الشياطين. وكذا {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} في موضع الصفة لصحف. و {مَا أَكْفَرَهُ} في (ما) هنا وجهان،
__________
= والكشاف 4/ 185. والمحرر الوجيز 16/ 230. كما نسبت في زاد المسير 9/ 28 إلى أُبي بن كعب - رضي الله عنه -، وابن السميفع، والجحدري ونص ابن عطية على أنها بضم التاء، وسكون اللام.
(6/343)
________________________________________
أحدهما: تعجب مردود إلى المخلوقين، على معنى: تعجبوا من إفراطه في كفران نعمة الله. والثاني: استفهام بمعنى التقرير والتوبيخ، أي: أيّ شيء حمله على الكفر؟ .
وقوله: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (مِن) من صلة {خَلَقَهُ}، وهو استفهام بمعنى التقرير والتقريع.
وقوله: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ} هذا جواب الاستفهام وتبيين له، أي: أليس خلقه من نطفة؟
وقوله: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} يجوز أن يكون الضمير المنصوب في {يَسَّرَهُ} للسبيل، فينتصب {السَّبِيلَ} بمضمر يدلى عليه هذا الظاهر، والتقدير: ثم يسر السبيلَ له، أي للإنسان، فحذف الجار والمجرور لحصول العلم به، يعني سهل سبيله، وهو مخرجه من بطن أمه، عن ابن عباس رضي الله عنهما (1).
وأن يكون للإنسان فينتصب السبيل بحذف الجار، والتقدير: ثم للسبيل يسره، أي: يسره للسبيل، فالضمير هو المفعول الأول، و {السَّبِيلَ} هو الثاني، يعني: يسره لطريق الخير والشر، كقوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)} [الإنسان: 3] عن مجاهد (2). ولك أن تقدر اللام مع الضمير لا مع {السَّبِيلَ}، والتقدير: ثم السبيل يسر له، أي: ثم يسر له السبيل، أي: سهل له سبيل الدين، فحذف الجار وأوصل الفعل، فاعرفه فإنه موضع.
وقوله: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} الجمهور على الألف، أي: أحياه بعد الموت، وقرئ: (نَشَرَهُ) بغير ألف (3)، وهي لغية في معناه، يقال: أنشر الله الموتى إنشارًا، ونشرهم نشرًا، غير أن الإنشار أشهر، وعليه الأكثر.
__________
(1) أخرجه الطبري 30/ 55 عنه وعن السدي، وقتادة.
(2) أخرجه الطبري مع شاهده في الموضع السابق أيضاف. والآية من سورة الإنسان (3).
(3) قرأها أبو حيوة عن نافع، وشعيب بن أبي حمزة. انظر المحتسب 2/ 353. والمحرر الوجيز 16/ 233. والقرطبي 19/ 219.
(6/344)
________________________________________
وقوله: {لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} (ما) موصول، وعائده يجوز أن يكون محذوفًا، والتقدير: ما أمره به، فحذف الجار أولًا فبقي ما أمرهوه، ثم حذف الهاء العائد ثانيًا. وأن يكون نافيًا على أن المحذوف من الهائين هو العائد إلى الإنسان، والباقي هو العائد إلى الموصول، فاعرفه فإنه موطن.
{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)}:
قوله عز وجل: (إنّا صببنا) قرئ: بكسر الهمزة على الاستئناف، وبفتحها (1): إما على تقدير اللام، أي: لأِنَّا، وإما على البدل من الطعام، لأن انصباب الماء وَانشقاق الأرض سبب لحدوث الطعام، وهو من بدل الاشتمال، هكذا قاله الشيخ أبو علي رحمه الله، قال: لأن هذه الأشياء تشتمل على كون الطعام وحدوثه وهو موضع الاعتبار (2). وأما النظر إلى نفس الطعام فليس باعتبار، فالثاني - على قوله - مشتمل على الأول ويجوز أن يشتمل الأول على الثاني، فيكون حدوث الطعام مشتملًا على ما ذُكِرَ بعده من الأشياء فاعرفه (3).
وقرئ: (أَنّى) بالإمالة (4)، على معنى: كيف صببنا؟
وقوله: {مَتَاعًا لَكُمْ} القول فيه كالقول في الذي في "النازعات" (5).
__________
(1) قرأ الكوفيون الأربعة (أنا) بفتح الهمزة، ووافقهم رويس وصلًا. وقرأ الباقون: (إنا) بكسرها، ووافقهم رويس بالابتداء. انظر السبعة/ 672/. والحجة 6/ 378. والمبسوط / 462/. والتذكرة 2/ 615. والنشر 2/ 398.
(2) الحجة الموضع السابق.
(3) انظر في هذا أيضًا كشف مكي 2/ 362. ومشكله 2/ 458 - 459.
(4) مع فتح الألف، ذكرها ابن خالويه في كتابيه المختصر/ 169/. واعراب القراءات 2/ 440. ونسبها الزمخشري 4/ 186 إلى الحسين بن علي. وكذا هي في القرطبي 19/ 221. والبحر 8/ 429.
(5) حيث أُعرب هناك في الآية (33) منها.
(6/345)
________________________________________
{فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)}:
قوله عز وجل: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ} مِثل: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ ... يَوْمَ} [النازعات: 34 - 135] أي: ثبت كل امرئ منهم إذا جاءت. والصاخة: الصيحة تُصِمّ لشدتها، والصاخة، اسم للقيامة، سميت الصاخة لأن فيها الصيحة التي تَصُخّ الأسماع بشدة صوتها، أي: تُصِمّها، يقال: صَخَّ الصوتُ الأذنَ يَصُخُّهَا صَخًّا فهو صَاخٌّ، وأصاخَها يُصيخُها إصَاخَةً فهو مُصِيخ، بمعنى.
وقوله: {شَأْنٌ يُغْنِيهِ} الجمهور على ضم الياء وغين معجمة، أي: يشغله عن قرابته، ويكفيه عن زيادة عليه، من أغنيت عنك، أي: أجزأت عنك، وقرئ: (يَعْنِيه) بفتح الياء وبعين غير معجمة (1)، أي: يهمه، وفي الحديث: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يَعنيه" (2)، أي: لا يهمه.
قال أبو الفتح: ما عليه الجماعة أقوى معنىً، لأن الإنسان قد يَعنيه الشيء ولا يُغنيه عن غيره، مثال ذلك: أن يكون للشخص مائة درهم، فتؤخذ
__________
(1) قرأها ابن محيصن، والزهري، والحسن، والسلمي، وآخرون. انظرها في مختصر الشواذ/ 169/. والمحتسب 2/ 353. والمحرر الوجيز 16/ 235. وزاد المسير 9/ 35. والقرطبي 19/ 225.
(2) أخرجه الترمذي في الزهد (2318) بإسناد صحيح كما في الداء والدواء لابن القيم /279/. وابن ماجه في الفتن (3976) وصححه ابن حبان كما في الإحسان (229). وقال النووي في الأربعين/ 89/: حديث حسن. ورواه الإمام أحمد من طريق أخرى، ورجاله ثقات كما في مجمع الزوائد 8/ 18. وله شواهد أخرى انظرها في جامع العلوم والحكم.
(6/346)
________________________________________
منها عشرة دراهم، فيعنيه أمرُها ولا يُغنيه عن بقية ما له أن يهتم به ويراعيَه، انتهى كلامه (1).
وقوله: {غَبَرَةٌ} {قَتَرَةٌ} الغبرة: الغبار، وكذلك القترة هي الغبار، ومنه قول الفرزدق:
624 - مُتَوَّجٌ بِرداءِ المُلْكِ يَتْبَعُهُ ... مَوْجٌ تَرَى فَوْقَهُ الرّايَاتِ والقَتَرَا (2)
القتر: جمع القترة، وهي الغبار، وفي التفسير: القترة: سواد كالدخان (3).
و{هُمُ}: فَصْلٌ، أو مبتدأ، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة عبس
والحمد لله وحده
__________
(1) المحتسب الموضع السابق.
(2) تقدم هذا الشاهد برقم (284).
(3) انظر جامع البيان 11/ 109. والنكت والعيون 2/ 433. والكشاف 4/ 187.
(6/347)
________________________________________
إعراب سورة التكوير
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}:
قوله عز وجل: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ناصبُ {إِذَا} وعامله وما عطف عليه من الظروف، وهي اثنا عشر ظرفًا أولها {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وآخرها {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ}: {عَلِمَتْ نَفْسٌ}، أي: إذا وقعت هذه الأشياء التي هي من أوصاف القيامة، علمت كل نفس ما أحضرته هناك من الأعمال النافعة والضارة.
وارتفاع هذه الأسماء الواقعة بعد {إِذَا} على الفاعلية عند أهل البصرة، ورافعها فعل يفسره ما بعده، وقد مضى الكلام على هذا عند قوله عز وجل: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8)} في "والمرسلات" بأشبع من هذا (1). ومعنى كورت: جُمع ضوؤها وَلُفَّتْ كما تلف العمامة، يقال: كار العمامة وكورها، إذا
__________
(1) انظر إعرابه للآية (8) منها.
(6/348)
________________________________________
لففها، والتكوير: تلفيفٌ على جهة الاستدارة، ومنه الكارة. قال الزمخشري: وهي عبارة عن إزالتها والذهاب بها، لأنها ما دامت باقية كان نورها منبسطًا، فإذا لفت ذهب ضوؤها (1).
وقوله: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} الجمهور على تشديد الطاء وهو الوجه، وقرئ: بتخفيفها (2) كراهة التضعيف.
وقرئ: (سُجِرَت) بالتخفيف والتشديد (3)، وكذا (نُشِرَت) و (سُعِرَت) (4) فالتشديد في نحو هذا للتكثير وتكرير الفعل، والتخفيف يحتمل القليل والكثير.
وقوله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} الجمهور على ضم السين وكسر الهمزة، و (قتلتْ) بإسكان التاء، وفيها وجهان:
أحدهما: هي المسؤولة، فقيل لها: لم قُتلت بغير ذنب؟ توبيخًا لقاتلها.
والثاني: هي السائلة لقاتلها، لِمَ قتلتني؟ وفي الكلام على هذا حذف مضاف، والتقدير: سئل قاتلها، فحذف المضاف الذي هو قاتل، وأقيم المضاف إليه الذي هو هاء الضمير مقام المضاف، فارتفع مستكنًا في الفعل لقيامه مقام الفاعل، وجيء بالتاء ساكنة لأجل تأنيث الفاعل، كما تقول:
__________
(1) انظر الكشاف 4/ 187.
(2) رواية شاذة عن ابن كثير، ومضر عن اليزيدي. انظر مختصر الشواذ/ 169/. والمحرر الوجيز 16/ 238. والبحر المحيط 8/ 432. والدر المصون 10/ 701.
(3) قرأ ابن كثير، والبصريان بتخفيف الجيم، وقرأ الباقون بتشديدها. انظر السبعة/ 673/. والحجة 6/ 379. والمبسوط/ 463/. والتذكرة 2/ 617. والنشر 2/ 398.
(4) أما (نشرت): فقد قرأ المدنيان، وابن عامر، ويعقوب، وعاصم بتخفيف الشين. وقرأ الخمسة الباقون بتشديدها. وأما (سعرت): فقد قرأ المدنيان، وابن ذكوان، وحفص، ورويس بتشديد العين. وقرأ الباقون بتخفيفها مع اختلاف عن أبي بكر. انظر المصادر السابقة.
(6/349)
________________________________________
جُمْلٌ قُتلتْ، وهِنْدٌ ضربتْ، فبقي {سُئِلَتْ} كما ترى.
وقيل: المنوي في {سُئِلَتْ} للقتلة، وإن لم يجر لها ذكر، لأن المعنى يدل عليها، والتقدير: وإذا الموءودة سُئِلَتِ القتلةُ لم قتلوها؟
وقيل: المعنى وإذا الموءودة سئلتْ أن تَدَّعِي على الوائد، أي: طُلب منها أن تدعي عليه تبكيتًا له، من قولهم: سَأَلْتُهُ حقي، أي: طلبته منه.
وقرئ: (سَأَلَتْ) بفتح السين والهمزة على البناء للفاعل، (بأي ذنب قُتِلْتُ)؟ بضم التاء (1)، على معنى: خاصمتْ عن نفسها، وسألت ربها أو قاتلها.
وبعد، فإن الموءودة هي المدفونة حية، وفعلها: وَأَدَ، يقال: وَأَدَ بنتهُ يئدُها وَادًا، فهو وائد، وهي موءودة، إذا دفنها وهي حية. قال الفرزدق:
625 - وَمِنَّا الذي مَنَعَ الوائِداتِ ... فَأَحْيَا الوَئِيدَ فَلَمْ يُوأَدِ (2)
يعني جده صعصعة بن ناجية. وسميت موءودة لأنها مثقلة بالتراب الذي يُجعل عليها بالدفن، يقال: آده يؤوده، إذا أثقله. وفي التنزيل: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} (3) أي: لا يثقله، فاعرفه.
{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)}:
__________
(1) نسبت هذه القراءة إلى ابن عباس، وأُبي، وعلي، وابن مسعود وعن عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و - رضي الله عنهم -. انظرها في معاني الفراء 3/ 240. وجامع البيان 30/ 71. وإعراب النحاس 3/ 635. ومختصر الشواذ / 169/. والكشاف 4/ 188. والمحرر الوجيز 16/ 240.
(2) من قصيدة في الفخر والهجاء. وانظر الشاهد في العين 8/ 97. ومجاز القرآن 2/ 287. والكامل 2/ 596. ومعاني الزجاج 5/ 290. وجمهرة اللغة 1/ 233. والمقاييس 6/ 87. والصحاح (وأد). والنكت والعيون 6/ 214. والكشاف 4/ 188.
(3) سورة البقرة، الآية: 255.
(6/350)
________________________________________
قوله عز وجل: {فَلَا أُقْسِمُ} يجوز أن تكون (لا) صلة، وأن تكون ردًّا لكلام سابق، أي: ليس الأمر كما تزعمون أيها الكفرة، ثم ابتدأ جل ذكره فقال: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}.
{وَاللَّيْلِ}: عطف على (الخنس)، وكذا (الصبح) عطف أيضًا، والعامل في (إذا) معنى القسم. و {إِذَا} وما بعدها في موضع الحال، أي: أقسم بالليل مدبرًا أو مقبلًا، وبالصبح مضيئًا. وجواب القسم قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ} والضمير في {إِنَّهُ} للقرآن وإن لم يجر له ذكر لحصول العلم به، وقد وصف هذا الرسول بأوصاف شتى إلى قوله: {أَمِينٍ}.
{ثَمَّ} ظرف مكان، وهو معمول {مُطَاعٍ} أي: هناك، وقرئ: (ثُمَّ) بضم الثاء (1) تعظيمًا للأمانة وبيانًا، لأنها أفضل صفاته المعدودة، قاله الزمخشري رحمه الله (2).
(والخنس): جمع خانس، وهو المتأخر بالخفاء وعدم الظهور.
{الْكُنَّسِ}: جمع كانس، وهو الداخل في الكِناس المستتر به، (والجواري): جمع جارية التي تجري في أفلاكها، والمراد بالكل النجوم كلها من الخنس وغيره. وقيل: هي من جملة النجوم: زحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد، وهذا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه (3). وقيل غير هذا، ولا يليق ذكره هنا.
{وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا
__________
(1) قرأها أبو حيوة، وأبو جعفر، وأبي بن كعب، وابن مسعود - رضي الله عنهم -. انظر مختصر الشواذ / 169/. والمحرر الوجيز 16/ 242. وزاد المسير 9/ 43. والبحر 8/ 434.
(2) الكشاف 4/ 191.
(3) انظر جامع البيان 30/ 74 - 75. والنكت والعيون 6/ 216. والقرطبي 19/ 236.
(6/351)
________________________________________
ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)}:
قوله عز وجل: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} عطف على جواب القسم، وكذا {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} عن أبي إسحاق وغيره (1). وأقسم جل ذكره أن هذا القرآن نزل به جبريل - عليه السلام - وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ليس بمجنون، وأنه قد رأى جبريل بالأفق المبين.
ثم قال جل ذكره: (وما هو على الغيب بظنين) (2) بظنين، أي: بمتهم، وهو فعيل بمعنى مفعول، أي: مظنون، وقرئ: (بِضَنِينٍ) بالضاد (3)، أي: ببخيل، أي: لا يبخل بما عنده من الغيب، ولا يكتمه كما يفعله الكهان، وذلك أن الكهان لا يظهرون ما عندهم حتى يأخذوا عليه حُلوانًا، وحُلوانهم رُشاهم. و {عَلَى} من صلته على كلتا القراءتين.
وقوله: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} (أين) ظرف مكان، وهو معمول {تَذْهَبُونَ}، أي: فإلى أين تذهبون وقد ظهر الحق ووضح الطريق؟ فحذف الجار كما حذف في قولهم: ذهبت الشام، أي: إلى الشام، ونحو هذا يقال لمن ترك التدبير، وأعرض عن النظر، وعدل عن جادة الصواب.
وقوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} (إنْ) بمعنى (ما).
وقوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ} (مَنْ) بدل مِن {لِلْعَالَمِينَ} بإعادة الجار، بدل بعض من كل، وإنما خص هؤلاء. بالإبدال منهم وإن كان الذكر شاملًا
__________
(1) انظر معاني الزجاج 5/ 292. والبيان 2/ 496.
(2) على قراءة صحيحة كما سوف أخرج.
(3) قرأ ابن كثير، والنحويان، ورويس بالأولى، وقرأ الباقون بالثانية. انظر السبعة/ 673/. والمبسوط/ 464/. والتذكرة 2/ 617. والنشر 2/ 398 - 399.
(6/352)
________________________________________
للجميع، لأنهم المنتفعون بالذكر دون غيرهم، فكأنه لهم، ولم يوعظ به غيرهم.
وقوله: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أي: إلا وقتَ مشيئةِ الله، أو بمشيئة الله، فحذف الجار وأوصل الفعل، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة التكوير
والحمد لله وحده (1)
__________
(1) في (أ): والحمد لله رب العالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
(6/353)
________________________________________
إعراب سُورَة الانفِطَارِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)}:
قوله عز وجل: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} عامل (إذا) وما عطف عليه من الظروف إلى قوله: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} قوله: {عَلِمَتْ}، والمعنى: إذا وقعت هذه الأشياء علمت كل نفس ما قدمت من خير أو شر، وارتفاع هذه الأسماء على الفاعلية، وقد ذكر قبيل (1).
{يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}:
قوله عز وجل: {مَا غَرَّكَ} (ما) استفهام في موضع رفع بالابتداء، وخبره (غرك) أي: أي شيء غرك؟ والاستفهام بمعنى الاستجهال والتوبيخ، ومعنى غرك: خدعك، يقال: غَرَّهُ يَغُرُّهُ غُرورًا، إذا خدعه، وما غرك بفلان؟ أي: كيف أجترأت عليه؟ وقرئ: (ما أغرك) بزيادة الهمزة قبل الغين (2)، و (ما) على هذه القراءة يجوز أن تكون استفهامًا، وأن تكون
__________
(1) انظر إعرابه لأول التكوير.
(2) قرأها سعيد بن جبير، والأعمش. انظر المحتسب 2/ 353. والكشاف 4/ 193. والمحرر الوجيز 16/ 246. والبحر 8/ 436.
(6/354)
________________________________________
تعجبًا، كقوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} (1) وغَرَّ لازم من الغِرَّةَ، وهي الغفلة، والغار: الغافل، من قولهم: بَيَّتَهُمُ العدو وهم غارون، وأغره غيره، أي: جعله غارًا، والمعنى: ما الذي دعاك إلى الاغترار به؟
وقوله: {فَعَدَلَكَ} قرئ: بتشديد الدال (2)، ومعناه: قَوَّمَ خَلْقَكَ فصيّرك معتدلًا متناسب الخلق من غير تفاوت فيه.
وقرئ بتخفيفها (3)، وفيه وجهان: أحدهما: بمعنى المشدد، أي: عَدّل بعضك ببعض فكنت معتدل الخِلقة متناسبها لا تفاوت فيها. والثاني: بمعنى صرفك عن الخلقة المكروهة، يقال: عَدَله عن الطريق.
وقوله: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} جُوِّزَ أن تكون (ما) هنا صلة، فـ {شَاءَ} على هذا في موضع جرٍ على أنه نعت لـ {صُورَةٍ}، و {فِي أَيِّ صُورَةٍ} من صلة {رَكَّبَكَ} على معنى: وضعك في بعض الصور ومكنك فيه، وقد جوز أن يكون من صلة محذوف، أي: ركبك حاصلًا في بعض الصور، فيكون في موضع الحال، وأن تكون شرطية فـ {شَاءَ} على هذا في موضع جزم لكونه فعل الشرط، وكذا {رَكَّبَكَ} في موضع جزم أيضًا لكونه جزاء الشرط، والتقدير والمعنى: ما يشاء من الصور يركبك، ومحل الجملة الجر على النعت.
فإن قلت: أين العائد من الصفة إلى الموصوف على التقديرين: جَعَلْتَ {مَا} صلةً أو شرطيةً؟ قلت: محذوف تقديره إن جعلت {مَا} صلة: ركبك في أي صورة شاءها، وإن جعلتها شرطية تقديره: ركبك عليها.
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 175.
(2) هذه قراءة غير الكوفيين وأبي جعفر كما سوف أخرج.
(3) قرأها الكوفيون الأربعة ومعهم أبو جعفر. انظر السبعة/ 674/. والحجة 6/ 382. والتذكرة 2/ 618. والمبسوط/ 465/. ولم يذكر ابن الجزري 2/ 399. والبنا في الإتحاف 2/ 594 أبا جعفر في هذه القراءة. وذكرها له ابن عطية 16/ 246 أيضًا.
(6/355)
________________________________________
فإن قلتَ: قد ذكرتَ أن قوله: {فِي أَيِّ صُورَةٍ} من صلة {رَكَّبَكَ} على قول من جعل {مَا} صلة، وسكتَّ على قول من جعلها شرطية، لا بل من صلة محذوف يدل عليه {رَكَّبَكَ}، فَبَيِّنْ بعدُ هل هو من صلة {رَكَّبَكَ} أم لا؟ قلتْ تَحَصَّلَ عندنا شبهةٌ فبين لنا، ولا يجوز أن يكون من صلة {رَكَّبَكَ} لأن ما كان من صلة الشرط لا يتقدم عليه، ألا ترى أنك إذا قلت: إن تضرب زيدًا أضرب عمرًا، لا يجوز تقديم عمروٍ على إنْ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون من صلة محذوف. ولا يجوز أن يكون من صلة (عدلك) لأنه استفهام، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، اللهم إلا أن يجعل {فِي أَيِّ} بمعنى التعجب، على معنى: فعدلك في صورة عجيبة، ثم ابتدأ جل ذكره فقال: {مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}.
وقوله: {كِرَامًا} نعت. وكذا {كَاتِبِينَ}. وكذا {يَعْلَمُونَ} صفة أو حال، والموصوف محذوف وهم الملائكة، وصفهم جل ذكره بكونهم حافظين، لحفظهم الأعمال، ولكونهم كرامًا، لكرامتهم على الله لجدهم في طاعته، وبكونهم كاتبين، لأنهم يكتبون أعمال بني آدم ويثبتونها على علم منهم.
{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}:
قوله عز وجل: {يَصْلَوْنَهَا} صفة لـ {جَحِيمٍ}، أو حال من المنوي في الخبر، و {يَوْمَ الدِّينِ} ظرف له.
وقوله: (يومُ لا تملكُ) قرئ: بالرفع (1)، ورفعه من وجهين: إما على البدل من {يَوْمَ الدِّينِ}، أو خبر مبتدأ محذوف، وذلك أنه لما قال: {وَمَا
__________
(1) قرأها البصريان، وابن كثير كما سوف أخرج.
(6/356)
________________________________________
أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ}، قال: (يومُ لا تملك)، أي: هو يومُ لا تملك.
وبالنصب (1)، ونَصْبُهُ يَحْتَمِلُ أوجهًا: أن يكون بدلًا من {يَوْمُ الدِّينِ} الأول، وهو قوله: {يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ}. وأن يكون ظرفًا لمحذوف، أي: يدانون في ذلك اليوم، يدل عليه {الدِّينِ}. وأن يكون منصوبًا بإضمار اذكر، أو أعني، فيكون مفعولًا به. وأن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: الجزاء يوم لا تملك، يدل عليه {الدِّينِ}، أو هذا {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ}، أي: واقعٌ يومَ لا تملك، وأن يكون مفتوحًا في موضع الرفع إذ جرى في الكلام ظرفًا في الأمر العام، كقوله: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} (2).
وهذه الأوجه نافذة على مذهب أهل البصرة جارية على أصولهم، وفتحته فتحة إعراب عندهم لكونه مضافًا إلى معرب، وأما عند أهل الكوفة ففتحته فتحة بناء، وهو مبني عندهم لإضافته إلى الفعل (3).
وقوله: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} (يومئذٍ) يجوز أن يكون ظرفًا للمبتدأ، وأن يكون ظرفًا للخبر، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الانفطار
والحمد لله وحده
__________
(1) هذه قراءة الباقين. انظر القراءتين في السبعة/ 674/. والحجة 6/ 383. والمبسوط / 465/. والتذكرة 2/ 618.
(2) سورة الجن، الآية: 11.
(3) انظر المذهبين أيضًا في إعراب النحاس 3/ 647. ومشكل مكي 2/ 461.
(6/357)
________________________________________
إعراب سُورَة المُطفِفِينَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)}
قوله عز وجل: {وَيْلٌ} قد مضى الكلام على إعراب (ويل) في "والمرسلات" (1).
وقوله: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} الاكتيال: الأخذ بالكيل، ونظيره: الاتِّزان، وهو الأخذ بالوزن. و {عَلَى} هنا بمعنى (مِنْ)، وقيل: بمعنى (عند) (2). وقيل: على ومِنْ ها هنا يتعاقبان (3)، وربما يخال من لا علم له بالعربية أن معنى اكتلت عليه، واكتلت منه واحد، وليس كما يزعم، وإنما المعنى إذا قال: اكتلت عليه، أخذت ما عليه، وإذا قال: اكتلت منه، استوفيت منه. و {عَلَى} من صلة {اكْتَالُوا}، وقد جوز أن تكون من صلة {يَسْتَوْفُونَ}.
وقوله: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} (هم) فيهما يجوز أن يكون منصوب
__________
(1) عند إعرابه الآية (15) منها.
(2) حكاه القرطبي 19/ 252 عن الطبري، ولم أجده في الجامع في موضعه.
(3) قاله الفراء 3/ 246.
(6/358)
________________________________________
المحل متصلًا في التقدير عائدًا إلى الناس، والتقدير: كالوا لهم، أو وزنوا لهم، فحذف الجار وأوصل الفعل فصار بمنزلة ضربوهم، والأصل كالوا لهم المبيع، فحذف المفعول به لحصول العلم به. وأن يكون ضميرًا مرفوعًا منفصلًا مؤكدًا لضمير الفاعل عائدًا إلى المطففين، أي: كالوا هم أو وزنوا هم، كما تقول: قاموا هم، أو قعدوا هم.
والوجه هو الأول، وعليه الحُذَّاق من النحاة محتجين بأن قبله {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ}، فيجب أن يكون بعده: وإذا كالوا لهم، والمعنى: إذا أخذوا من الناس استوفوا، وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا، وهو كلام متنافر، لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشِر، فاعرفه فإن فيه أدنى غموض.
وأيضًا فإن الضمير لو كان مرفوعًا مؤكدًا لوجب أن يكون في الإمام مصحف عثمان رضي الله عنه بعد الواو ألف مشيًا على أصلهم (1)، ولا ألف فيه.
وقوله: {يُخْسِرُونَ} يتعدى إلى مفعولين، بشهادة قوله جل ذكره: {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} (2) فعداه إلى مفعول كما ترى، والفعل إذا كان يتعدى إلى مفعول واحد ونقل بالهمزة تعدى إلى مفعولين، وكلاهما هنا محذوف، أي: يخسرونهم ذاك.
وقوله: {أَلَا يَظُنُّ} الهمزة للاستفهام دخلت على (لا) النافية، وليست (أَلَا) هنا للتنبيه كالتي في قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} (3) لأن ما بعد تلك ثَمَّ مثبت، وهنا منفي، أي: لا يظنون أنهم مبعوثون، والظن هنا بمعنى العلم.
__________
(1) في خط المصحف، لأنهم كتبوا ما شابههما من الأفعال بالألف.
(2) سورة الحج، الآية: 11.
(3) سورة البقرة، الآية: 13.
(6/359)
________________________________________
وقوله: {يَقُومُ} يجوز أن يكون بدلًا من {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} على المحل، وأن يكون ظرفًا لمضمر دل عليه {مَبْعُوثُونَ}، أي: يبعثون يوم يقوم، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا واقع يوم يقوم، وأن يكون مبنيًّا على الفتح لإضافته إلى الفعل على مذهب أهل الكوفة، ويجوز في الكلام جره على البدل من {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} (1).
{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}:
قوله عز وجل: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} (كلا) هنا يجوز أن يكون ردعًا وزجرًا متضمنًا نفيًا فيوقف عليه، وأن يكون بمعنى حقًّا متصلًا بما بعده، واختُلف في أصله، فقال قوم: إنها كلمة واحدة من غير تركيب وضعت للردع والزجر وَجَرَتْ مجرى الأصوات، نحو: صه، ومه. وقال آخرون: الكاف للتشبيه دخلت على (لا)، وشُدِّدت للمبالغة، والوجه هو الأول.
و{سِجِّينٍ} فِعِّيل من السجن وهو الحبس، ونونه أصلية، وقيل: بدل من اللام. الزمخشري: هو اسمُ عَلَمٍ منقول من وصف كحاتم، وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف، انتهى كلامه (2).
وجاء في التفسير: أنه موضع في أسفل الأرض السابعة فيه كتاب الفاجر (3).
__________
(1) انظر هذه الأوجه في إعراب النحاس 3/ 651. والمشكل 2/ 463.
(2) الكشاف 4/ 195.
(3) انظر النكت والعيون 6/ 228. ومعالم التنزيل 4/ 459.
(6/360)
________________________________________
وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} تعظيم لشأنه، وفي الكلام حذف مضاف، إما من سجين، وإما من قوله: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} والتقدير: وما أدراك ما كتابُ سجين، ثم قال جل ذكره: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ}، أي: هو كتاب مرقوم، أي: كتابُ سجينٍ كتابٌ مرقومٌ، أو وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم، أي: هو موضع كتاب، فحذف المضاف وهو كتاب، أو موضعٌ، لا بد من حذف المضاف إما من الأول وإما من الثاني ليكون هو هو.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: إن كتاب الفجار لكتاب مرقوم في سجين، فلما تأخر الخبر وهو قوله: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} وتقدم عليه صلته وهي قوله: (في سجين) دخل اللام على الصلة، ومن حقه أن يدخل على الخبر وذلك لتقدم صلته عليه، كما تقول: [إن] (1) زيدًا لطعامك آكل، ولو تقدم الخبر على الصلة لدخل اللام على الخبر ولم يدخل على الصلة، فلا تقول: إنَّ زيدًا آكل لطعامك، فكذلك لو قال: إن كتاب الفجار كتاب مرقوم في سجين، لم يقل لفي سجين، ويجوز أن يكون {لَفِي سِجِّينٍ} هو الخبر، وكذا {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} خبر بعد خبر، وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} اعتراض بين الاسم والخبر، ولا حذف على هذا ولا تقديم ولا تأخير، فاعرفه فإنه موضع.
وكذا القول في قوله: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} في جميع ما ذكرت، والمرقوم: المكتوب، وقيل: المختوم (2).
وقوله: {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (ما) هنا يجوز أن تكون مصدرية، وأن تكون موصولة وراجعها محذوف، ومحلها الرفع على الفاعلية على كلا التقديرين، أي: غلب على قلوبهم كسبهم، أو الذي كانوا يكسبونه.
__________
(1) ليست في الأصل.
(2) هذا قول الضحاك كما في النكت والعيون 6/ 228.
(6/361)
________________________________________
وقوله: {ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} القائم مقام الفاعل مصدر، وهو القول، دل عليه فعله، أي: يقال قولٌ هو هذا الذي كنتم به تكذبون. وقيل: هو الجملة عينُها، عن صاحب الكتاب رحمه الله (1)، وهذا فيه نظر، لأن الجملة لا تكون فاعلة، فكيف تقام مقام الفاعل.
{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)}:
قوله عز وجل: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} اختلف في {عِلِّيِّينَ}، فقيل: اسم مكان، يعضده قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم ترون أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم" (2). سمي بذلك لارتفاعه.
قال أبو إسحاق: هو أعلى الأمكنة (3).
وقال الفراء: هو ارتفاع بعد ارتفاع لا غاية له (4).
وقيل: إن {عِلِّيِّينَ} صفة للملائكة (5).
فإذا فهم هذا فاختلفت النحاة فيه، فقال قوم: جُمع جمع السلامة لتكرره، تقول العرب إذا أصابها المطرُ بعدَ المطرِ: أصابنا الوابلون، وهو على هذا جَمْعُ عِلْيٍ، فِعِّيل من العُلْو، كَسِجِّين من السِجْنِ. وقال آخرون:
__________
(1) انظر الكتاب 3/ 110. وإعراب النحاس 3/ 654. والمشكل 2/ 464.
(2) كذا هذا الحديث في البيان 2/ 501. وذكره القرطبي 19/ 263 دون الجملة الأخيرة، ولم أجده في مصدر آخر، وفي الصحيح من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أهل الجنة يتراءيون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق. أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (3256).
(3) معانيه 5/ 299.
(4) معانيه 3/ 247.
(5) ذكره النحاس 3/ 655. ومكي 2/ 464.
(6/362)
________________________________________
هو اسم مفرد على لفظ الجمع كيبرين، وقنسرين، ومن هذا القبيل لفظ عشرين وثلاثين ونحوهما من أسماء العدد مما صيغته صيغة الجمع وليس له واحد، هذا على قول من جعله اسمًا للمكان، وأما من قال: إنه صفة للملائكة فهو جمع: عِلِّيٍّ، وهو المبالغ في العُلُوّ، لأن فِعِّيلًا بناء للمبالغة، والمعنى على هذا: إن كتاب الأبرار لفي ملائكة متناهين في العُلُوِّ والرِّفعة، يعني: عندهم وبين أيديهم، وإن جعلته اسم مكان فالحكم في إعرابه والتقدير كالحكم في قوله جل ذكره: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} الآية.
{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)}:
قوله عز وجل: {عَلَى الْأَرَائِكِ} يجوز أن يكون خبرًا بعد خبر، وأن يكون حالًا من المنوي في الخبر، أو من الفاعل في {يَنْظُرُونَ}.
وأما {يَنْظُرُونَ}: فيجوز أن يكون مستأنفًا، وأن يكون حالًا من المنوي في الخبر، أو في الظرف إن جعلته حالًا، أي: ناظرين إلى ما أُعطوا، أو إلى أعدائهم من الكفار حين يُعَذَّبون على ما فسر (1).
وقوله: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} الجمهور على البناء للفاعل في {تَعْرِفُ} ونَصْبِ {نَضْرَةَ النَّعِيمِ}، أي: تعرف في وجوه أهل الجنة برقان النعيم وأثر اللذة، والمصدر الذي هو النضرة مضاف إلى الفاعل، ونَضَر فِعْلٌ يتعدى ولا يتعدى، تقول: نَضَرَ اللَّهُ وجهَهُ، ونَضَرَ وجهُهُ، نضرةً فيهما. وهنا لازم.
__________
(1) هذا على قول مقاتل كما في معالم التنزيل 4/ 461. وانظر المحرر الوجيز 16/ 256. وزاد المسير 9/ 58.
(6/363)
________________________________________
وقرئ: (تُعْرَفُ) على البناء للمفعول (نَضْرَةُ النَّعِيمِ) بالرفع (1)، ووجهه ظاهر. ويجوز في الكلام (يُعْرَفُ) بالياء النقط من تحته مكان التاء (2)، إما لأجل الفصل، وإما لكون التأنيث غير حقيقي، أو لأجل أن النضرة والتنعم بمعنىً.
وقوله: {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ} في موضع نصب على أنه مفعول ثان لـ {يُسْقَوْنَ}.
وقوله: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} ابتداء وخبر، وقرئ: (خِتَامه) بكسر الخاء وفتح التاء وألف بعدها، و (خَاتَمه) بفتح الخاء والتاء بينهما ألف (3)، فالختام: المصدر، والخاتَم: الاسم، كالطابَع، والخاتِم بكَسر التاء: اسم الفاعل، وبه قرأ بعض القراء (4)، ومعانيها متقاربة.
وقوله: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} ابتداء وخبر، أي: ومزاج هذا الرحيق المختوم من عين في الجنة اسمها (تسنيم)، قيل: وهو عَلَمٌ لعين بعينها سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سَنَّمَهُ، إذا رفعه، إما لأنها أرفع شراب في الجنة كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (5)، أو لأنها تأتيهم من فوق، على ما روي أنها تجري في الهواء متسنمة فَتَنْصبُّ في أوانيهم (6)، ومنه: تسنمت الجبلَ، إذا علوته، ومنه سنام البعير، لعلوه من بدنه.
__________
(1) من المتواتر أيضًا، لأبي جعفر، ويعقوب. انظرها مع قراءة الباقين في المبسوط / 468/. والتذكرة 2/ 619. والنشر 2/ 399.
(2) بل هي قراءة كما في المحرر الوجيز 16/ 256. ونسبها أبو حيان 8/ 442 إلى زيد بن علي. وقال السمين 10/ 724: علي بن زيد.
(3) القراءتان من المتواتر، فقد قرأ الكسائي وحده: (خاتَمُهُ). وقرأ الباقون: (ختامُهُ). انظر السبعة/ 676/. والحجة 6/ 386 - 387. والمبسوط / 468/. والتذكرة 2/ 619.
(4) رواية عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، والكسائي، والضحاك، والنخعي، والشيزري. انظر المحرر الوجيز 16/ 257. وزاد المسير 9/ 59. والبحر 8/ 442.
(5) انظر جامع البيان 30/ 108 - 109 حيث أخرجه الطبري عن كثيرين، والذي ساقه المؤلف أشبه برواية أبي صالح، وقتادة، والضحاك. وانظر المحرر الوجيز 16/ 257.
(6) انظر معالم التنزيل 4/ 461.
(6/364)
________________________________________
وقوله: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا} انتصاب قوله: {عَيْنًا} عند الزمخشري: على المدح (1)، وعند أبي إسحاق: على الحال من {تَسْنِيمٍ} لكونه اسمًا علمًا، فهو معرفة (2)، أي: ومزاج ذلك الشراب من الماء العالي جاريًا. وعند المبرد: بإضمار أعني (3)، وعند الفراء: بـ {تَسْنِيمٍ}، لأن تسنيمًا مصدر، والمصدر يعمل عمل الفعل لقوله: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا} (4)، وتقديره عنده: من تسنيمِ عينٍ، فلما نونه نصبها به (5). وعند الأخفش: بـ {يُسْقَوْنَ} (6)، أي: ماء عين، فحذف المضاف. وعندي على التمييز (7).
والباء في {بِهَا} يحتمل أن تكون صلة، أي يشربها، أي ماءها، لأن العين لا تُشرب، إنما يُشرب ماؤها، وأن تكون بمعنى: مِنْ، أي: منها، وأن تكون بمعنى: في، أي: وهم فيها، وقد ذكر في سورة الإنسان (8)، والجملة في موضع الصفة لقوله: {عَيْنًا} أعني: {يَشْرَبُ بِهَا}.
{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)}:
__________
(1) الكشاف 4/ 197.
(2) معاني الزجاج 5/ 301.
(3) حكاه عنه النحاس 3/ 657 - 658. ومكي 2/ 464.
(4) سورة البلد، الآيتان: 14 - 15.
(5) معاني الفراء 3/ 249.
(6) معانيه 2/ 573.
(7) أول وجه عند صاحب البيان 2/ 501.
(8) انظر إعرابه للآية (6) منها.
(6/365)
________________________________________
قوله عز وجل: {فَكِهِينَ}: حال من الفاعل في {انْقَلَبُوا}. وكذا {حَافِظِينَ} حال من الضمير في {أُرْسِلُوا}، أي: وما أُرسِل الكفار على المؤمنين حافظين يحفظون أعمالهم عليهم.
وقوله: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} قد جُوِّزَ أن تكون الجملة مفعولة {يَنْظُرُونَ}، أي: ينظر المؤمنون هل جوزي الكفار بما كانوا يفعلونه؟ أو بفعلهم. وأن تكون مستأنفة، فيكون من قول الله تعالى، أو من قول الملائكة تنبيهًا لهم على أنهم جوزوا ليزدادوا بذلك سرورًا إلى سرورهم. والاستفهام بمعنى التقرير. وقيل: هو على إضمار القول، أي: يقول بعض المؤمنين لبعض: هل جوزي الكفار بفعلهم مسرورين بما ينزل بهم استهزاء بهم (1)؟ .
ثَوَّبَهُ وَأَثَابَهُ بمعنىً، إذا جازاه. والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة المطففين
والحمد لله وحده
__________
(1) انظر هذا الوجه في إعراب النحاس 3/ 660.
(6/366)
________________________________________
إعراب سُورَة الانشقَاقِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5)}:
قوله عز وجل: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} اختلف في جواب {إِذَا}، فقيل: محذوف، وإنما حذف ليذهبَ المقدِّرُ كلَّ مذهبٍ (1)، والتقدير: إذا انشقت السماء ووقعت هذه الأشياء المذكورة بعدها المعطوفة عليها رأى الإنسانُ ما قدم من خير وشر، أو لاقَى كَدْحَهُ، دل عليه {فَمُلَاقِيهِ} (2).
وقيل: {وَأَذِنَتْ} والواو صلة (3)، وكذلك {وَأَلْقَتْ} جواب إذا الثانية.
وقيل: جوابها قوله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} (4) والعامل فيها {أُوتِيَ}.
وقيل التقدير: اذكر إذا انشقت السماء، ولا جواب لـ {إِذَا} على هذا، لأن (إذا) إنما تحتاج إلى جواب إذا كانت للشرط، فإن عمل فيها ما قبلها لم تحتج إلى جواب (5).
__________
(1) الكشاف 4/ 197.
(2) انظر معاني الزجاج 5/ 303. والنكت والعيون 6/ 233.
(3) من الآية التالية، وانظر معاني الفراء 3/ 249.
(4) الآيتان (7 و 8). وانظر هذا القول في القرطبي 19/ 270 حيث نسبه إلى الكسائي، والمبرد. ونقل عن النحاس أنه أصح ما قيل فيه وأحسنه.
(5) انظر هذا الوجه في إعراب النحاس 3/ 661.
(6/367)
________________________________________
وعن الأخفش: أن {إِذَا} مبتدأ، خبره {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} والواو مقحمة (1).
{يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}:
قوله عز وجل: {كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا} الكدح في اللغة: السعي الشديد في العمل، ولذلك جيء بـ {إِلَى}. و {كَدْحًا} مصدر مؤكد.
وقوله: {فَمُلَاقِيهِ} أي: فأنت ملاقيه، والضمير لجزاء الكدح، أي: فملاقٍ جزاءَ كَدْحِك، فحذف المضاف، كقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} (2). أي: يرى جزاءه. وقيل: الضمير للرب جل ذكره (3)، أي: فملاقٍ له لا محالة، لا مفر لك منه.
و{حِسَابًا}: مصدر مؤكد لفعله وهو يحاسب، و {يَسِيرًا} نعته. و {مَسْرُورًا}: حال من المنوي في {وَيَنْقَلِبُ}. و {ثُبُورًا}: مفعول به، وقد ذكر في "الفرقان" بأشبع من هذا (4).
ووجه التخفيف والتشديد في (يَصلَى) و (يُصلَّى) ظاهر (5).
__________
(1) حكاه عنه العكبري 2/ 1278.
(2) سورة الزلزلة، الآية: 7.
(3) انظر جامع البيان 30/ 115. والنكت والعيون 6/ 235.
(4) انظر إعرابه للآية (13) منها.
(5) قراءتان متواترتان، فقد قرأ الحرميان، وابن عامر، والكسائي: (ويُصَلّى) بضم الياء، وفتح الصاد، وتشديد اللام. وقرأ الباقون: (ويَصْلَى) بفتح الياء، وإسكان الصاد، وتخفيف اللام. انظر السبعة/ 677/. والحجة 6/ 390. والمبسوط/ 466/. والتذكرة 2/ 621. والنشر 2/ 399.
(6/368)
________________________________________
و {مَسْرُورًا} خبر {كَانَ}، وقد جوز أن يكون حالًا، كقولك: زيد في أهله ضاحكًا، والوجه ما ذكرت.
وقوله: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} (أن) مخففة من الثقيلة، وسدت مسد مفعولي الظن، والشأنُ مضمرٌ، أي: إن هذا الكافر ظن أن الأمر والشأن لن يرجع، والحَوْرُ: الرجوع.
{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)}:
قوله عز وجل: {وَمَا وَسَقَ} (ما) يجوز أن تكون موصولة، وأن تكون موصوفة، أي: وشيءٍ وَسَقَ، وأن تكون مصدرية، أي: وَوَسْقِهِ. والوَسْقُ: الضم والجمع.
وقوله: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قرئ: (لَتَرْكَبَنَّ) بفتح الباء (1) على خطاب الواحد وهو النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: الإنسان، وبضمها (2) على خطاب الجمع، لأن النداء للجنس (3)، والجنس جمع في المعنى. وقرئ أيضًا: بكسرها (4) على خطاب النفس. وقرئ أيضًا: بالياء النقط من تحته مع فتح الباء (5)، أي: ليَرْكَبَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الإنسان.
__________
(1) هي قراءة ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وخلف كما سوف أخرج.
(2) هذه قراءة الباقين من العشرة. انظر القراءتين في السبعة/677/. والحجة 6/ 391. والمبسوط/ 466/. والتذكرة 2/ 621.
(3) يعني في قوله: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ}. وأبدل محقق (ط) كلمة (النداء) بكلمة (الخطاب) معترفًا في الهامش أن (النداء) في جميع النسخ. قلت: وهذا لفظ الزمخشري 4/ 198. وحكاه عنه أبو حيان 8/ 447. وانظر الرازي 31/ 100.
(4) كذا أيضًا هذه القراءة دون نسبة في الكشاف 4/ 198 .. والقرطبي 19/ 280. والبحر 8/ 447. والدر المصون 10/ 738.
(5) قرأها عمر، وابن عباس، وابن مسعودر - رضي الله عنهم -، وآخرون. انظر مختصر الشواذ/ 170/. والمحرر الوجيز 16/ 266 وفيه تحريف. وزاد المسير 9/ 67. والبحر 8/ 447.
(6/369)
________________________________________
و {طَبَقًا} مفعول به. وفي {عَنْ} وجهان: أحدهما بمعنى بعد. والثاني على بابها، ومحلها النصب إما على أنها صفة لقوله: {طَبَقًا} أي: طبقًا حاصلًا عن طبق، أي: حالا عن حال، أو على أنها حال من المنوي في {لَتَرْكَبُنَّ}، أي: لتركبن طبقًا مجاوزًا لطبق، أو مجاوزين، أو مجاوزةً، على حسب القراءات، فاعرفه فإنه من كلام الزمخشري (1).
{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)}:
قوله عز وجل: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} الاستفهام بمعنى الإنكار والتوبيخ. و {لَا يُؤْمِنُونَ} حال من الضمير المجرور في {لَهُمْ}.
وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} قيل: الاستثناء متصل، وهو من الضمير المنصوب في {فَبَشِّرْهُمْ}، وقيل: منقطع، أي: لكن الذين آمنوا. والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الانشقاق
والحمد لله وحده (2)
__________
(1) الكشاف 4/ 199.
(2) في (أ): والله الموفق. وفي (ج): والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما.
(6/370)
________________________________________
إعراب سُورَة البُروجِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)}:
قوله عز وجل: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} الواو الأولى للقسم، وما بعدها للعطف. واختلف في جواب القسم، فقيل: محذوف، يدل عليه قوله: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}، كأنه قيل: أُقْسِمُ بهذه الأشياء إنهم ملعونون - يعني كفار مكة - كما لُعن أصحاب الأخدود، وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة، وتذكيرهم بما جرى على مَن تقدمهم مِن التعذيب على الإيمان، هذا قول الزمخشري (1).
وقال الأخفش: جوابه {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}، والتقدير: لقد قتل، فحُذف اللام وأُبقيَ قد قتل، ثم حُذِفَ (قد) كما قال جل ذكره: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (2) فحذف اللام وأبقى (قد)، [هذا على قول من جعل جواب
__________
(1) الكشاف 4/ 199.
(2) سورة الشمس، الآية: 9.
(6/371)
________________________________________
القسم] (1).
وقال بعضهم: جوابه {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} (2) وبه قال أبو إسحاق (3)، وفيه ما فيه لأجل الطول.
وقيل: جوابه {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا}، وبه أقول (4)
وقيل: محذوف، تقديره: لتبعثن، ونحوه (5).
وقوله: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} أي: الموعود به، ولولا هذا الضمير لم تصح الصفة، إذ لا ذكر يعود إلى الموصوف من صفته.
وقوله: {النَّارِ} جَرٌّ على البدل من {الْأُخْدُودِ}، وهو بدل الاشتمال، كأنه قيل: قُتل أصحابُ الأخدودِ أصحابُ النار، وفيه تقديران، أحدهما: نارها، والألف واللام عوض من الضمير، وهذا مذهب الكوفيين، والبصريون لا يجيزون ذلك. والآخر: النار التي فيها، هذا تقدير البصريين (6).
وقد جوز أن يكون عطف بيان للأخدود، جُعل الأخدود لحرارته كأنه هو النار بعينها، تشبيهًا ومبالغةً في وصفه بالحرارة.
وقوله: {ذَاتِ الْوَقُودِ} وصف لها بأنها نار عظيمة، إذ قد علم أن النار لا تخلو من حطب، ولكن المراد بذات الوقود: تعظيم أمر ما كان في ذلك الأخدود من الحطب.
__________
(1) من (ب) و (جـ) فقط. وانظر قول الأخفش في معانيه 2/ 575.
(2) الآية (12).
(3) معانيه 5/ 307.
(4) انظر هذا القول في إعراب النحاس 3/ 666.
(5) البيان 2/ 505. والقرطبي 19/ 286.
(6) انظر الوجهين في إعراب النحاس 3/ 666. ومشكل مكي 2/ 467.
(6/372)
________________________________________
وقرئ: (الوُقُودِ) بضم الواو (1)، وهو الفعل. ويجوز في الكلام (النارُ) بالرفع (2)، على: هو النار.
وقوله: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} (إذ) ظرف لـ {قُتِلَ}، أي: لُعِنوا حين أَحْدَقُوا بالنار. و {قُعُودٌ}: جمع قاعد. وكذا {شُهُودٌ} جمع شاهد. والضمير في {عَلَيْهَا} لحافات الأخدُود.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون {قُعُودٌ} مصدرًا؟ قلت: لا، لأن ما كان في صلة المصدر لا يتقدم عليه، و (على) هنا من صلة {قُعُودٌ}.
وقوله: {وَمَا نَقَمُوا} الجمهور على فتح القاف، وقرئ: بكسرها (3)، وهما لغتان، غير أن الفتح أشيع وعليه الأكثر، وقد ذكر فيما سلف من الكتاب (4).
وقوله: {أَنْ يُؤْمِنُوا} في موضع نصب بقوله: {وَمَا نَقَمُوا} أي: وما أنكروا عليهم شيئًا إلا إيمانهم، يقال: نقمت عليه فعله، إذا أنكرته.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ
__________
(1) قرأها الحسن، وعيسى، وأبو رجاء، وأبو حيوة، ونصر بن عاصم، وآخرون. انظر مختصر الشواذ / 171/. والمحرر الوجيز 16/ 270. وزاد المسير 9/ 77. والقرطبي 19/ 287.
(2) جعلها ابن عطية 16/ 270 قراءة. ونسبها القرطبي 19/ 287 إلى أبي السمال، وابن السميفع، والأشهب العقيلي.
(3) أي (نقِموا). وقرأها أبو حيوة، وابن أبي عبلة. انظر مختصر الشواذ/ 171/. والكشاف 4/ 200. والمحرر الوجيز 16/ 271. وزاد المسير 9/ 77. والقرطبي 19/ 294.
(4) انظر إعرابه للآية (59) من المائدة.
(6/373)
________________________________________
مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)}:
والجمهور على ضم ياء {يُبْدِئُ}، وقرئ: بفتحها (1)، وهما لغتان بمعنىً، يعني أَبْدَأَ وبَدَأَ.
وقوله: {الْمَجِيدُ} قرئ: بالرفع والجر (2)، أما الرفع: فعلى أنه صفة لقوله: {ذُو} أو خبر بعد خبر، وأما الجر: فعلى أنه صفة للعرش، أي العظيم. وقيل: الحسن، أو للرب في قوله: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ}، ذكره أبو علي (3)، ولم يمنع الفصل لأنه جارٍ مجرى الصفة.
{فَعَّالٌ}: خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هو فعال.
وقوله: {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} في موضع جر على البدل من {الْجُنُودِ}، وهما لا ينصرفان، وقد جوز أن يكونا في موضع نصب بإضمار فعل.
والجمهور على تنوين {قُرْآنٌ}، و {مَجِيدٌ} صفته، وقرئ: (قرآنُ مجيدٍ) بترك التنوين على الإضافة (4)، على معنى: قرآنُ رَبِّ مَجِيدٍ، فحذف الموصوف.
وعلى فتح لام {لَوْحٍ}، (والْلَوحُ) بالفتح هو الذي يكتب فيه، وقرئ: (في لُوحٍ) بضمها (5). واللُّوح بالضم: الهواء بين السماء والأرض، قيل:
__________
(1) حكاها ابن خالويه/ 171/. عن أبي زيد. وانظر البحر 8/ 451.
(2) قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (ذو العرش المجيدِ) بالجر. وقرأ الباقون: بالرفع. انظر السبعة/ 678/. والحجة 6/ 393. والمبسوط/ 466/. والتذكرة 2/ 622. والنشر 2/ 399.
(3) الحجة الموضع السابق. وقد جوزه النحاس 3/ 670 قبله.
(4) قرأها ابن السميفع اليماني، وأبو حيوة، وأبو العالية، وأبو الجوزاء. انظر مختصر الشواذ/ 171/. والمحرر الوجيز 16/ 272. وزاد المسير 9/ 79. والقرطبي 19/ 299.
(5) قرأها يحيى بن يعمر، وابن السميفع اليماني. انظر مختصر الشواذ/ 171/. والكشاف 4/ 201. والمحرر الوجيز 16/ 273. والقرطبي 19/ 299.
(6/374)
________________________________________
يعني اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح (1).
وقوله: {مَحْفُوظٍ} قرئ: بالجر على أنه صفة للوح، وبالرفع (2)، على أنه صفة للقرآن، والتقدير: بل هو قرآنٌ مجيدٌ محفوظٌ في لوحٍ، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة البروج
والحمد لله وحده
__________
(1) انظر الكشاف الموضع السابق.
(2) كلاهما من المتواتر، فقد قرأ العشرة بالجر إلا نافعًا بالرفع. انظر السبعة/678/. والحجة 6/ 396. والمبسوط/ 466/. والتذكرة 2/ 622.
(6/375)
________________________________________
إعراب سُورَة الطَّارِقِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)}:
قوله عز وجل: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} هذا جواب القسم، وقرئ: (لما) بالتشديد والتخفيف (1)، فالتشديد: على أن (إنْ) بمعنى (ما)، و (لَمَّا) بمعنى (إلَّا). والتخفيف: على أنَّ (إنْ) مخففة من الثقيلة، و (ما) صلة، واللام هي الفارقة بين (إن) المؤكدة المخففة من الثقيلة، وبين (إن) النافية، واسمها مضمر، وهو الشأن والأمر، ولا خلاف (2) في أن كل واحدة منهما مما يُتَلَقَّى به القسم، فاعرفه. و {حَافِظٌ} رفع بالابتداء، و {عَلَيْهَا} خبره، أو بعليها على رأي أبي الحسن، والجملة خبر {كُلُّ}.
{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)}:
قوله عز وجل: {مِمَّ خُلِقَ} استفهام، جوابه {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ}،
__________
(1) قرأ أبو جعفر، وابن عامر، وعاصم، وحمزة بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف. انظر السبعة/ 678/. والحجة 6/ 397. والمبسوط/ 467/. والتذكرة 2/ 512.
(2) في الأصل: ولا يقال.
(6/376)
________________________________________
وأصله: مِمَّا، فحذف الألف من آخرها مع الجار، وهو (مِن) ليقع الفرق بين (ما) الاستفهامية والخبرية، والمعنى: من أي شيء خلقه الله؟ .
وقوله: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} على النسب عند أصحابنا، أي: من ماء ذي دَفْقٍ، والدَّفْقُ: صَبٌّ فيه دفع، تقول: دَفَقْتُ الماء أَدْفُقُه دَفْقًا، إذا صببتَهُ، وهو عند الكوفيين بمعنى مدفوق (1).
وقوله: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}، المنوي في يخرج للماء، يعني: من بين صلب الرجل وترائب المرأة، وهي جمع تَرِيبَة، وهي عظام الصدر، حيث تكون القلادة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره (2)، وفيه أقوال هذا أصحها، وكفاك دليلًا قول امرئ القيس:
626 - ..................... ... تَرْائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ (3)
والسجنجل: المِرآة، وهو روميّ مُعَرَّبٌ (4).
والصلب معروف، والجمهور على ضم الصاد وإسكان اللام، وقرئ: (من بين الصُّلُب) بضمهما (5)، و (مِن بين الصَّلَب) بفتحهما (6). قيل: وفيه
__________
(1) انظر إعراب النحاس 3/ 673 - 674.
(2) أخرجه الطجري 30/ 143.
(3) من معلقته، وصدره:
مُهَفْهَفَةٌ بيضاءُ غيرُ مُفاضَةٍ ... .....................
وانظره في معاني الزجاج 5/ 312. وشرح القصائد السجع الطوال/ 58/. وجمهرة أشعار العرب/ 128/. وإعراب النحاس 3/ 675. وإعراب ثلاثين سورة/ 47/. والصحاح (سجل). وإعجاز القرآن للباقلاني/ 170/. والمعرب/ 179/. والمحرر الوجيز 16/ 276. وزاد المسير 9/ 83.
(4) كذا في الصحاح والمعرب الموضعين السابقين.
(5) قرأها عيسى بن عمر، وأهل مكة. انظر إعراب النحاس 6/ 674. ومختصر الشواذ / 171/. وإعراب القراءات 2/ 463 - 464. والمحرر الوجيز 16/ 276. والقرطبي 20/ 7. ونسبت في زاد المسير 9/ 82 إلى ابن مسعود - رضي الله عنه -، وابن سيرين، وابن السميفع، وابن أبي عبلة.
(6) قرأها ابن السميفع اليماني كما في مختصر الشواذ/ 171/. والبحر 8/ 455.
(6/377)
________________________________________
أربع لغات: صلْب، وصُلُب، وصَلَب، وصَالب (1).
وقوله: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} الضمير في {إِنَّهُ} للخالق جل ذكره لدلالة {خُلِقَ} عليه. وأما في {عَلَى رَجْعِهِ} ففيه وجهان:
أن يكون للإنسان، على معنى: أن الله تعالى على رد الإنسان بالإحياء بعد الموت، أو على رده من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة لقادر.
وأن يكون للماء، على معنى: أنه تعالى على رد الماء في الصلب أو في الإحليل لقادر.
والمصدر مضاف إلى المفعول، والفاعل محذوف، أي: على رجع الله الإنسان أو الماء.
ويجوز أن يكون الضمير لله جل ذكره، فيكون المصدر مضافًا إلى الفاعل، والمفعول محذوف.
فإذا فهم هذا، فقوله جل ذكره: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} (يوم) ظرف لقوله: {لَقَادِر} على قول من جعل الضمير في {رَجْعِهِ} للإنسان، على معنى أنه على بعثه لقادر، ولا يعمل فيه {رَجْعِهِ} كما زعم الزمخشري (2)، لأجل الفصل بين الصلة والموصول بخبر (إن) وهو {لَقَادِرٌ}.
فإن قلت: كيف جوزت هذا وقلت: إن العامل في الظرف {لَقَادِرٌ} والله تعالى قادر في جميع الأوقات لا تختص قدرته بوقت دون وقت؟ قلت: أجل الأمر كما زعمتَ وذكرتَ غير أن هذا محمول على القول الأول ردًّا على من أنكر القيامة، ونفى قدرته على البعث فيها، فهذا الذي جوز أن يكون ظرفًا له فاعرفه.
__________
(1) قاله ابن خالويه في المختصر، وإعراب القراءات الموضعين السابقين.
(2) الكشاف 4/ 202.
(6/378)
________________________________________
وأما من فسره برده إلى الحالة الأولى، أو جعل الضمير في رجعه للماء، وفسره برده إلى مخرجه من الصلب والترائب، أو إلى الإحليل، فجعل الظرف ظرفًا لمضمر دل عليه {رَجْعِهِ}، أي: يبعثه يوم تبلى السرائر، أو واذكر يوم، فيكون مفعولًا به، ولا يعمل فيه {لَقَادِرٌ}، لأن ذلك في الدنيا لا في يوم القيامة.
وقوله: {وَلَا نَاصِرٍ} عطف على لفظ {قُوَّةٍ} ويجوز في الكلام (ولا ناصرٌ) بالرفع عطفًا على محلها.
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}:
قوله عز وجل: {ذَاتِ الرَّجْعِ} الرجع: المطر، وجمعه: رُجْعان، مسموع من القوم، كبُطنان في جمع بَطن، والقياس: أَرْجُعٌ ورجُوعٌ (1).
وقوله: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} الجمهور على (أمهلهم) بألف قبل الميم، وقرئ: (مَهِّلْهُمْ) بغير ألف (2)، مَهِّلْ وأَمْهِلْ بمعنًى، وكذلك {رُوَيْدًا}، وإنما جاءت على اختلاف ألفاظها مع اتفاق معانيها تأكيدًا، وذلك أن الجمهور آثروا التوكيد وكرهوا التكرير، فلما تكلفوا إعادة اللفظ مع إنكارهم إياه، انحرفوا عن الأول بعض الانحراف بتغييرهم المثال بانتقالهم عن فَعِّلْ إلى أَفْعِلٍ، فلما تكلفوا التثليث أتوا بالمعنى وتركوا اللفظ فقالوا: (رويدًا).
وأما من قرأ: (مهلهم) فكرر اللفظ والمثال جميعًا نظرًا إلى أصل
__________
(1) انظر إعراب النحاس 3/ 677.
(2) قرأها ابن عباس - رضي الله عنهما -. انظر المحتسب 2/ 354. والمحرر الوجيز 16/ 279. والبحر 8/ 456.
(6/379)
________________________________________
التوكيد، وأصله ألا يغير لفظه إذا أريد تكرير اللفظ دون المعنى، والمعنيان سواء فاعرفه (1).
و{رُوَيْدًا}: صفة لمصدر محذوف، أي: إمهالًا رويدًا، والتقدير: أمهلهم إمهالًا ذا إرواد، والإرواد مصدر أرودهم إروادًا، و {رُوَيْدًا} تصغير إرواد تصغير الترخيم، وليس فيه معنى الفعل، إذ ليس باسم سمي به الفعل، وقد جوز هنا أن يكون اسمًا سمي به الفعل ويتضمن معناه، كأنه قال جل ذكره: فمهل الكافرين أمهلهم أرودهم، و {رُوَيْدًا} على هذا مبني على الفتح، لكنه أدخل فيه التنوين للتنكير، كما أدخل نحو صَهٍ، ومَهٍ، أي: أرودهم إروادًا، كما تقول: صَهٍ بالتنوين، أي: اسكت سكوتًا ما، فاعرفه فإنه موضع، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الطارق
والحمد لله وحده
__________
(1) انظر أوسع من هذا في المحتسب 2/ 354 - 355.
(6/380)
________________________________________
إعراب سُورَة الأَعْلَى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)}:
قوله سبحانه: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} أي: نزه ربك عن السوء وعما لا يليق به، واسم الرب: هو الرب، وقد ذَكَرْتُ فيما سلف من الكتاب أن الاسم هو المسمى (1)، إذ لو كان غير المسمى لم يجز أن يقع التسبيح عليه. وقيل: لفظ {اسْمَ} صلة قصد بها تعظيم المسمى (2). و {الْأَعْلَى}: صفة للرب أو للاسم (3).
وقوله: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} قد جوز في {أَحْوَى} أن يكون حالًا من {الْمَرْعَى}، أي: أَخْرَجَهُ أخضرَ يضرب إلى السواد من شدة الري، فجعله بعد ذلك غثاءً، أي: يابسًا يحمله السيل وتطير به الريح. وأن يكون صفة للغثاء على أن يراد به السواد لا الخضرة، أي: أسود، ليبسه واحتراقه.
{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)
__________
(1) انظر إعرابه للبسملة أول الكتاب.
(2) قاله الماوردي في النكت 6/ 251.
(3) في (أ): والأعلى صفة للرب والاسم. في (ب) و (ج) والأعلى صفة للرب والاسم أو للرب.
(6/381)
________________________________________
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)}:
قوله عز وجل: {فَلَا تَنْسَى} في (لا) وجهان:
أحدهما: نفي، وهو الوجه وعليه الجل، محتجين بأن الإنسان لا يُؤمَرُ بترك النسيان، لأنه ليس باختياره.
والثاني: نهي، والألف صلة للفاصلة، كالتي في {الظُّنُونَا} (1)، و {السَّبِيلَا} (2). وقيل: ناشئة عن إشباع الفتحة.
وقوله: {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (ما) في موضع نصب على الاستثناء، أي: لستَ تنسى إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة. وقيل: الغرض بالاستثناء نفي النسيان رأسًا، كما يقول الرجل لصاحبه: أنت شريكي فيما أملك إلا فيما شاء الله، ولا يقصد استثناء شيء به (3).
قال الفراء: قال لم يشأ الله أن ينسى شيئًا (4).
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}:
قوله عز وجل: {بَلْ تُؤْثِرُونَ} قرئ: بالتاء النقط من فوقه على الخطاب، أي: قل لهم ذلك، تعضده قراءة من قرأ: (بل أنتم تؤثرون)، وهما ابن مسعود وأُبي رضي الله عنهما (5)، وبالياء النقط من
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية: 10.
(2) سورة الأحزاب، الآية: 67.
(3) الكشاف 4/ 204.
(4) معانيه 3/ 256.
(5) هي لأُبي - رضي الله عنه - في معاني الفراء 3/ 257. وجامع البيان 30/ 158. ومعاني الزجاج 5/ 316. وإعراب النحاس 3/ 682. والمحرر الوجيز 16/ 284. والقرطبي 20/ 23. وهي لابن مسعود - رضي الله عنه - في مختصر الشواذ/ 172/. والكشاف 4/ 205.
(6/382)
________________________________________
تحته (1) ردًّا على {الْأَشْقَى} إذ المراد به الجنس.
وكلُّ مكتوب عند القوم صحيفةٌ، فلهذا قال: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}، فأبدلها من {الصُّحُفِ الْأُولَى}، فاعرفه، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الأعلى
والحمد لله وحده
__________
(1) قرأها أبو عمرو، وروح عن يعقوب، وقتيبة عن الكسائي. انظر السبعة/ 680/. والحجة 6/ 398. والمبسوط/ 468/. والتذكرة 2/ 624.
(6/383)
________________________________________
إعراب سُورَة الغَاشِيَةِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)}:
قوله عز وجل: {وُجُوهٌ} مبتدأ، و {خَاشِعَةٌ} خبره، و {يَوْمَئِذٍ} ظرف للخبر، أي: ذليلة يومئذٍ.
وقوله: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} الجمهور على رفعهما، وفيه وجهان:
أحدهما: خبر مبتدأ محذوف، أي: هي عاملة ناصبة، وذلك في الدنيا، فيوقف على {خَاشِعَةٌ} على هذا التأويل.
والثاني: خبر بعد خبر عن {وُجُوهٌ}، فيكون كلاهما في الآخرة، أعني العملَ والنَّصَبَ، جاء في التفسير: أنها تعمل في النار عملًا تتعب فيه (1)، وهو جرها السلاسلَ والأغلالَ، وخوضها في النار كما تخوض الإبل في الوحل، وارتقاؤها في صعود من نار وهبوطها في حدُور منها (2).
ولك أن تجعل {خَاشِعَةٌ} صفة لـ {وُجُوهٌ}، وكذا {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}،
__________
(1) إلى هنا أخرجه الطبري عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، وقتادة، وابن زيد.
(2) انظر هذا التفسير في معالم التنزيل 4/ 478. والكشاف 4/ 206. وزاد المسير 9/ 95.
(6/384)
________________________________________
و {تَصْلَى} هو الخبر، والناصبة: التعبة، يقال: نَصِب الرجل يَنصب، بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر نَصَبًا، إذا تعب في العمل.
وقرئ: (عاملةً ناصبةً) بالنصب (1) على الذم.
وقوله: {تَصْلَى} قرئ: بفتح التاء وضمها (2)، وقد ذكر نظيرهما فيما سلف من الكتاب (3).
وقوله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ} (طعامٌ) اسم (ليس)، و (لهم) خبرها.
{إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} يجوز أن يكون مرفوع المحل على البدل من {طَعَامٌ}، أو منصوبَهُ على أصل الباب.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون {مِنْ ضَرِيعٍ} من صلة {طَعَامٌ}؟ قلت: نعم، إن جعلت الطعام بمعنى المعنى، وهو التَّطَعُّم، كما تقول: ليس له أكل إلا من اللحم، وإلا فلا.
والضريع: نبت تأكله الإبل، يضر ولا ينفع، يقال له إذا كان رطبًا: الشِّبْرِقُ، وإذا كان يابسًا: الضَّريع (4)، قيل: إنه مشتق من المضارعة، وهي المشابهة، فكأنه يشتبه على الإبل بما ينفع من النبت (5).
وقوله: {لَا يُسْمِنُ} ويجوز أن يكون في موضع رفع على النعت، ولـ {ضَرِيعٍ} على المحل إذا جعلته بدلًا، وأن يكون في موضع جر على اللفظ،
__________
(1) قرأها ابن محيصن، وعيسى، وحميد، ورواها عبيد عن شبل عن ابن كثير. انظر المحتسب 2/ 356. والمحرر الوجيز 16/ 287. والقرطبي 20/ 27.
(2) قرأ البصريان، وعاصم في رواية أبي بكر: بضم التاء، وفَتَحها الباقون. انظر السبعة / 681/. والحجة 6/ 399. والمبسوط/ 469/. والتذكرة 2/ 625.
(3) انظر إعرابه للآية (10) من النساء، والآية (12) من الانشقاق.
(4) كذا في معاني الزجاج 5/ 317. وانظر معاني الفراء 3/ 257. وهو قول قتادة كما في النكت والعيون 6/ 259 واستشهد له بقول الشاعر:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ... وعاد ضريعًا نازعته النحائص
(5) انظر معنى هذا القول في المحرر الوجيز 16/ 289.
(6/385)
________________________________________
أو نصب على المحل إذا حملته على أصل الباب، فاعرفه فإنه موضع. وكذا {لَا يُغْنِي} حكمه حكمه، أي: غير مسمن ولا مغن من جوع.
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)}:
قوله عز وجل: {وُجُوهٌ} أي: ووجوه، فحذف العاطف.
وقوله: {لِسَعْيِهَا} يجوز أن تكون من صلة {رَاضِيَةٌ}، أي: قد رضيت في الآخرة سعيها، وهو عملها في الدنيا لما رأت من العاقبة الحميدة، والتقدير: راضية سعيها، فلما تقدم المعمول ضعف العامل قليلًا جيء باللام، وهذه اللام مؤكدة لعمل الفعل وناصرة له على العمل، وقد مضى الكلام على نحو هذا فيما سلف من الكتاب بأشبع من هذا.
ويجوز أن تكون لام التعليل، أي: لأجل سعيها في طاعة الله راضية جزاءه وثوابه، وأن تكون من صلة {نَاعِمَةٌ}، أي: ناعمة لسعيها، أي: من أجل سعيها. وتكون {رَاضِيَةٌ} بمعنى مرضية، أي: عملها مَرْضِيَّة.
وقوله: {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} قرئ: بفتح التاء على البناء للفاعل، ونصب {لَاغِيَةً} به (1)، والتاء يجوز أن تكون للخطاب خاصًّا كان أو عامًا، وأن تكون للوجوه.
وقرئ: (لا تُسمَع) على البناء للمفعول، والتاء والياء، ورفع (لاغيةٌ) به (2)، فالتاء: لتأنيث لفظ (لاغية)، والياء: لأن التأنيث غير حقيقي، أو
__________
(1) هذه قراءة أبي جعفر، وابن عامر، والكوفيين الأربعة.
(2) قرأ نافع وحده: (لا تُسمع فيها لاغيةٌ). وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ورويس: (لا يُسمع فيها لاغيةٌ). والباقون على الأولى كما تقدم. انظر السبعة/ 681/. والحجة 6/ 399 - 400. والمبسوط/ 469/. والتذكرة 2/ 625.
(6/386)
________________________________________
لأن اللاغية واللغو بمعنى، أو للفصل.
وقوله: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ} النمارق: الوسائد، واحدتها: نُمْرُقة ونَمْرُقة بضم النون وفتحها مع ضم الراء. وعن الفراء: نِمْرِقَة ونِمْرَقَة بكسر النون وكسر الراء وفتحها (1).
{وَزَرَابِيُّ} قيل طنافس مُخْمَلَةٌ. وقيل: بُسُطٌ فاخرة، واحدتها زِرْبيَّةٌ (2).
{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)}:
قوله عز وجل: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} الجمهور على ضم الفاء وكسر العين وإسكان التاء، وكذا ما بعده من الأفعال وهي {رُفِعَتْ} و {نُصِبَتْ} و {سُطِحَتْ} على البناء للمفعول، والقائم مقام الفاعل المنوي في كل واحد منها العائد إلى ما قبله.
وروي: (خَلَقْتُ) و (رَفَعْتُ) و (نَصَبْتُ) و (سَطَحْتُ) بفتح الفاء والعين على البناء للفاعل (3). وهو تاء المتكلم، والتقدير: خَلَقْتُها، ورَفَعْتُها، ونَصَبْتُها، وسَطَحْتُها، فحذف المفعول للعلم به.
__________
(1) انظر معانيه 3/ 258.
(2) قاله أبو عبيدة في المجاز 2/ 296. وانظر النكت والعيون 6/ 261. وفي القاموس (زرب): واحدها زِربيّ بالكسر، ويضم.
(3) قرأها علي، وابن عباس - رضي الله عنهم - وآخرون. انظر مختصر الشواذ/ 172/. والمحتسب 2/ 356. والمحرر الوجيز 16/ 291. وزاد المسير 9/ 99. والقرطبي 20/ 36.
(6/387)
________________________________________
وقرئ أيضًا: (سُطِّحَتْ) بالتشديد (1)، قال أبو الفتح: إنما جاز هنا التضعيف للتكرير مِنْ قِبَلِ أن الأرض بسيطة وفسيحة، فالعمل فيها متردد متكرر على قدر سعتها، فهو كقولك: قطّعتُ الشَّاةَ، لأنها أعضاء ويخص كل عضو منها عمل، انتهى كلامه (2).
وقوله: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} الجمهور على كسر الهمزة وتشديد اللام على أنها (إلا) التي للاستثناء، وفيه وجهان:
أحدهما: منقطع، وعليه الأكثر، والمعنى: لست بمتولٍ عليهم، لكن من تولى منهم وكفر، فإن لله الولاية والقهر، فهو يفعل به ما يريد.
والثاني: متصل، أي: لست عليهم بمتولٍ (3) إلا من تولى منهم عن الإيمان وقام على الكفر، فإنك مُسَلَّطٌ عليه بما يؤذن لك من قتله وأسره.
وقال الفراء: الاستثناء من قوله: {فَذَكِّرْ}، أي: فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه، فإنه لا ينفعه التذكير، فكأنك لم تذكره، وما بينهما اعتراض (4).
وقيل: إلا من تولى وكفر، فلست له بمذكِّر، لأنه لا يقبل منك، فكأنك لست تذكره (5).
و{مَنْ} موصولة منصوبة المحل، منقطعًا كان الاستثناء أو متصلًا، لا بد من هذا التقدير.
__________
(1) قرأها هارون الرشيد، والحسن، وأبو حيوة. انظر مصادر القراءة السابقة عدا زاد المسير.
(2) المحتسب 2/ 356 - 357.
(3) في (أ) و (ج): بمستولٍ. في الموضوعين.
(4) انظر معاني الفراء 3/ 258 - 259.
(5) انظر إعراب النحاس 3/ 690 - 691.
(6/388)
________________________________________
وقرئ: (أَلَا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (1) على أنها التي للتنبيه، و {مَنْ} على هذه القراءة شرطية، والجواب: {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ}، كما تقول: من قام فيكرمه زيد، والمبتدأ بعد الفاء مضمر، أي: فهو يكرمه، وكذا هنا، أي: فهو يعذبه الله، لا بد من هذا التقدير، لأنه لو أريد الجواب بالفعل الذي بعد الفاء لقيل: يكرمْه يعذبْه الله بالجزم، وقد مضى الكلام على نحو هذا فيما سلف من الكتاب بأشبع من هذا.
و{مَنْ} في موضع رفع بالابتداء، وخبره الشرط أو الجواب، وقد ذكر أيضًا نظيره فيما سلف من الكتاب في غير موضع (2).
{إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}:
قوله عز وجل: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} الجمهور على تخفيف ياء {إِيَابَهُمْ}، وهو فِعال من آبَ يؤوب أَوْبًا وأَوْبَةً وإيابًا، إذا رجع، كصام يصوم صَومًا وصِيامًا، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها واعتلالها في الفعل.
وقرئ: (إيَّابَهُم) بتشديدها (3)، وقد جوز أن يكون فِيعالًا مصدر أوَّبْتُ فَوْعَلْتُ من آب، بمنزلة حَوْقَلْتُ، وأتى المصدر على الفِيعال كالحِيقال، أنشد الأصمعي:
627 - يا قَوْمِ قَدْ حَوْقَلْتُ أو دَنَوْتُ ... وبعض حِيقَالِ الرِّجَالِ المَوْتُ (4)
__________
(1) قرأها ابن عباس، وعمرو بن العاص، وأنس بن مالك - رضي الله عنهم -، وقتادة، وزيد بن أسلم، وزيد بن علي، وسعيد بن جبير. انظر مختصر الشواذ/ 172/. والمحتسب 2/ 357. والمحرر الوجيز 16/ 291. وزاد المسير 9/ 100. والقرطبي 20/ 37.
(2) انظر إعرابه للآية (160) من الأنعام.
(3) قراءة صحيحة لأبي جعفر وحده. انظر المبسوط/ 469/. والنشر 2/ 400. والإتحاف 2/ 606.
(4) انظر هذا الرجز أيضًا في أمالي القالي 1/ 20. والمحتسب 2/ 358. والصحاح (حقل). والمخصص 1/ 44.
(6/389)
________________________________________
ويكون أصله على هذا إيْوَابًا كِحيقَال، ثم قلبت الواو ياء فصار إيَّابًا، وأن يكون فِعَّالًا من أَوَّبَ، ويكون الأصل: إِوَّابًا، فقلبت الواو ياء وإن كانت متحصنة بالإدغام استحسانًا للتخفيف لا وجوبًا، فقيل: إيوابًا، كديوان في دِوّان. فأبدلوا إحدى الواوين ياءً كما فعلوا بدينار وقيراط، والأصل: دِنَّار وقِرَّاط، ثم فُعل به ما فعل بسيد، أعني بإيواب، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الغاشية
والحمد لله وحده
(6/390)
________________________________________
إعراب سُورَة الفَجْرِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)}:
قوله عز وجل: {وَالْفَجْرِ} الواو الأولى للقسم، وما بعدها للعطف، أَقْسَمَ جل ذكره بالفجر، كما أقسم بالصبح في قوله: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} (1)، وبربهما. وقيل: بصلاة الفجر (2).
واختلف في جواب القسم، فقيل: محذوف، أي: لتبعثن ونحوه.
وقيل: مذكور، وهو قوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} (3).
والجمهودر على تنوين {لَيَالٍ}، و {عَشْرٍ} نعتها، وقرئ: (وليالِ عشرٍ) بترك التنوين على الإضافة (4)، أي وليالِ أيامٍ عشر، قاله الزمخشري (5).
__________
(1) سورة المدثر، الآية: 34.
(2) أخرجه الطبري 30/ 168 عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(3) الآية (14).
(4) والقياس أن تثبت الياء أيضًا فيقال: (وليالي عشرٍ)، وهي قراءة ابن عباس - رضي الله عنهما -. انظر مختصر الشواذ / 173/. وحُرِّف فيه اسم ابن عباس إلى ابن عامر. والكشاف 4/ 208. والقرطبي 20/ 39. والبحر 8/ 467. والدر المصون 10/ 780.
(5) الكشاف الموضع السابق.
(6/391)
________________________________________
وقوله: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} الشفع في اللغة اثنان، والوتر: الفرد، وفيه لغتان: كسر الواو وفتحها، وقد قرئ بهما (1)، فالفتح: لغة أهل الحجاز، والكسر: لغة تميم، عن أبي علي وغيره (2).
وقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} العامل في (إذا) معنى القسم، أي: أقسم به إذا يسري، أي: يمضي. وقيل: يُسْرَى فيه (3).
وقرئ: (يسري) بإثبات الياء في الحالين (4)، وهو الأصل، وبحذفها فيهما اجتزاء عنها بالكسرة (5)، وبإثباتها في الدرج، وبحذفها مع كسرتها في الوقف (6)، للفرق بين الحالين، وخُصّ الوقف بذلك، لأن الوقف باب حَذْفٍ وتَغَيُّرٍ.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)}:
قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}
__________
(1) كلاهما من المتواتر، فقد قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (والوِتر) بكسر الواو، وقرأ الباقون بفتحها. انظر السبعة/ 683/. والحجة 6/ 402. والمبسوط / 470/. والتذكرة 2/ 626.
(2) الحجة الموضع السابق، وحكاه هو والنحاس قبله 3/ 693 عن الأصمعي. وانظر الصحاح (وتر).
(3) يعني إذا سار فيه أهله، لأن السُّرَى سير الليل. انظر النكت والعيون 6/ 267. والكشاف 4/ 208. وهو قول الأخفش، وابن قتيبة كما في زاد المسير 9/ 108.
(4) هذه قراءة ابن كثير، ويعقوب كما سوف أخرج.
(5) وهذه قراءة ابن عامر والكوفيين.
(6) وهذه قراءة الباقين وهم المدنيان، وأبو عمرو، وقتيبة عن الكسائي. انظر السبعة 683 - 684. والحجة 6/ 403. والمبسوط/ 471/. والتذكرة 2/ 626.
(6/392)
________________________________________
الاستفهام بمعنى التقرير، والرؤية بمعنى العلم، لأنه رؤية القلب، ورؤية القلب عِلْمٌ.
والجمهور على تنوين عاد وكسر همزة {إِرَمَ} وفتح رائها وميمها مخففتين، وهي بدل من عاد أو عطف بيان، ويبعد أن تكون صفة كما زعم بعضهم (1) لكونها غير مشتق، إلا على قول من قال: إن {إِرَمَ} بمعنى القديمة (2). واختلف فيها: فقيل: قبيلة من عاد. وقيل: مدينة. وقيل: اسم أرض. وقيل: أم عاد (3). ولم تنصرف قبيلة كانت أو مدينة أو أرضًا أو أُمًّا للتعريف والتأنيث. ومَن جعلها اسم أرض أو مدينة قَدَّرَ في الكلام حذف مضاف تقديره: بعاد أهلِ إرم.
وقرئ: (بِعَادِ إِرَمَ) بترك تنوين (عاد) على الإضافة (4)، أي: بعاد أهل إرم، أو صاحب إرم، فحذف المضاف، هذا على قول من جعلها اسم أرض أو مدينة. وقيل: الأحسن أن تكون (إرم) لقبًا، وهو بدل أو عطف بيان، فالإضافة على هذا بمنزلة: قَيْسُ قُفَّة، وزيدُ بَطَّة، لكونه لقبًا، فيضاف الاسم إلى لقبه.
وقرئ أيضًا: (بِعادٍ أَرَمَّ) بفتحِ الهمزة والراء وتشديد الميم، (ذَاتَ العمادِ) بالنصب (5)، على معنى: جعل الله ذات العماد رميمًا، رَمَّتْ وأَرَمَّها الله، وهو تفسير لقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}، كأنه قيل: ما صنع
__________
(1) هو مكي في المشكل 2/ 173.
(2) هذا قول مجاهد كما في جامع البيان 30/ 175. وإعراب النحاس 3/ 696.
(3) انظر هذه الأقوال في الطبري الموضع السابق، والنكت والعيون 6/ 267 - 268.
(4) هذه قراءة ابن الزبير - رضي الله عنهما - كما في مختصر الشواذ / 173/. والمحتسب 2/ 359. والكشاف 4/ 209. ونسبت في زاد المسير 9/ 109 إلى ابن مسعود - رضي الله عنه -، وابن يعمر. وفي القرطبي 20/ 44 هي قراءة الحسن، وأبي العالية.
(5) قرأها الضحاك، وشهر بن حوشب، وابن عباس - رضي الله عنهما -. انظر المختصر، والمحتسب الموضعين السابقين.
(6/393)
________________________________________
بها؟ فقيل: أَرَمَّ ذَاتَ، ودل ذلك على إهلاكهم.
وقرئ أيضًا: (بِعادِ إرَمِ ذاتِ العمادِ) بإضافة (عاد) إلى إرم)، و (إرم) إلى (ذات العماد) (1)، والإرَمُ على هذه القراءة العَلَمُ، وجمعه آرام، أي: بعاد أهل أو أصحاب أعلام هذه المدينة، و (ذات العماد) اسم المدينة، أضيف عاد إلى إرم المدينة التي يقال لها: ذات العماد.
وقوله: {ذَاتِ الْعِمَادِ} صفة لـ {إِرَمَ}، أي: ذات عَمَدٍ لا يقيمون، لأنهم على ما فسر كانوا من أهل البدو، أو ذوي القامات الطوال، على تشبيه قدودهم بالأعمدة، هذا على قول من جعل {إِرَمَ} قبيلة، ومن قال: إنها مدينة، فالمعنى: ذات أساطين، وفيها أقوال أخر لا يليق ذكرها هنا (2).
وقوله: {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ} في موضع جر على النعت لإرم، أو لعاد، أو لعماد، وهي جمع عمد. ويجوز أن يكون في موضع نصب على قراءة من قرأ: (أرَمَّ ذَات العمادِ).
وقوله: {وَثَمُودَ} عطف على (عاد)، أي: وفعل بثمود، و {وَفِرْعَوْنَ} أيضًا عطف، أي: وفعل بفرعون.
وقوله: {الَّذِينَ طَغَوْا} يجوز أن يكون في موضع جر على النعت للمذكورين، وهم عاد وثمود وفرعون، وأن يكون في موضع نصب على إضمار: أعني.
{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا
__________
(1) رواية عن ابن الزبير - رضي الله عنهما - أيضًا. انظر المحتسب الموضع السابق.
(2) انظر هذه الأقوال في جامع البيان 30/ 176 - 177. والنكت والعيون 6/ 268.
(6/394)
________________________________________
لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)}:
قوله عز وجل: {إِذَا مَا ابْتَلَاهُ} (ما) صلة.
وقوله: {فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} عطف على {مَا ابْتَلَاهُ}.
وقوله: {فَيَقُولُ} جواب {إِذَا}، و {إِذَا} وجوابها خبر عن {الْإِنْسَانُ}، والتقدير: فأما الإنسان فقائل ربي أكرمن وقت الابتلاء، {وَأَمَّا} الثانية مع ما بعدها عطف على (أما) الأولى، والقول فيهما واحد، وحذف (الإنسان) من الجملة الثانية لدلالة الأول عليه.
وقوله: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}
قرئ: بالياء فيهن النقط من تحته (1)، لتقدم ذكر الإنسان، والمراد بالإنسان الجنس، فحمل على المعنى فجمع وإن كان قد حمل على اللفظ.
وبالتاء النقط من فوقه على الخطاب (2)، على معنى: قل لهم يا محمد كيت وكيت.
وقرئ: (ولا يحضون) بغير ألف بعد الحاء (3)، أي: لا يحضون أنفسهم أو أحدًا، وقرئ: (ولا تحاضّون) بالألف (4)، وأصله: تتحاضون بتاءين، فحذفت إحداهما كراهة اجتماعهما، أو هو على الخطاب، أي: لا
__________
(1) قرأها البصريان مع حذف الألف من (ولا يحضون) كما سيأتي.
(2) هذه قراءة الباقين. انظر القراءتين في السبعة / 685/. والحجة 6/ 409. والمبسوط / 470/. والتذكرة 2/ 627.
(3) وبالياء أو التاء، أما بالياء مع حذف الألف: فقد تقدمت لأبي عمرو، ويعقوب. وأما بالتاء مع حذف الألف: فلابن كثير، ونافع، وابن عامر كما سوف أخرج.
(4) وهذه قراءة الكوفيين الأربعة مع أبي جعفر. انظر هذه القراءات في السبعة/ 685/. والحجة 6/ 410. والمبسوط 470 - 471. والتذكرة 2/ 627.
(6/395)
________________________________________
يحض بعضكم بعضًا على إطعامِ طعامِ المسكين، فحذف المضاف، وقد مضى الكلام على نظيره فيما سلف من الكتاب بأشبع من هذا (1).
وقرئ أيضًا: في غير المشهور: (ولا تُحاضُّون) بضم التاء (2) من المُحاضَّة، والمحاضةُ أن يحث كل واحد منهما صاحبه، كذا ذكره الجوهري وغيره من أهل اللغة (3). والتراث: الميراث، وأصله: وُراث، فقلبت الواو لانضمامها أولًا تاء كتخمة وتجاه.
و{أَكْلًا} مصدر مؤكد لفعله، و {لَمًّا} صفته، أي: شديدًا يأتي على جميعه، من قولهم: لممت الشيء، إذا جمعته، واللَّمُّ: الجمع، و {جَمًّا} من قولهم: جم الماء في الحوض، إذا اجتمع وكثر. و {جَمًّا}: يجوز أن يكون صفة لقوله: {حُبًّا}، وأن يكون حالًا من المال.
{كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}:
قوله عز وجل: {كَلَّا} يجوز أن يكون بمعنى الردع والزجر، وأن يكون بمعنى حقًّا.
وقوله: {إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)
__________
(1) انظر إعرابه للآية (85) و (267) من البقرة. والآية (4) من النساء.
(2) قرأها ابن مسعود - رضي الله عنه -، وعلقمة، وعبد الله بن المبارك، والسلمي، ورواها الشيرازي عن الكسائي. انظر مختصر الشواذ / 173/ وفيه تحريف. والكشاف 4/ 211. والمحرر الوجيز 16/ 298. وزاد المسير 9/ 120. والقرطبي 20/ 52.
(3) انظر معاني الفراء 3/ 261. والصحاح (حضض).
(6/396)
________________________________________
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ ... } (دَكًا دَكًا) مصدر مؤكد، وكرر للتوكيد، {وَجَاءَ رَبُّكَ}، أي: أمر ربك، فحذف المضاف، {صَفًّا صَفًّا} حال من الملك، أي: مصطفين، والقائم مقام الفاعل: {يَوْمَئِذٍ} أو {بِجَهَنَّمَ}. وقيل: المصدر مضمر وهو القائم مقام الفاعل (1).
وقوله: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ} (يومئذٍ) بدل من {إِذَا}، والعامل فيهما {يَتَذَكَّرُ}.
وقوله: {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} (الذكرى) مبتدأ، وهو مصدر على فِعْلَى بمعنى الذِّكْرُ، والخبر {أَنَّى} تقدم عليه لما فيه من معنى الاستفهام. قيل: والمراد بالذكرى: التوبة (2)، أي: ليست له الذكرى، لأنها إن وجدت فوجودها كعدمها. وقيل التعدير: من أي جهة له منفعة الذكرى؟ فحذف المضاف (3).
وقوله: {يَقُولُ} يجوز أن يكون في موضع الحال، أي: قائلًا، وأن يكون تفسيرًا لقوله: {يَتَذَكَّرُ}. وقد جوز أن يكون العامل في {إِذَا}: {يَقُولُ}، وفي {يَوْمَئِذٍ}: {يَتَذَكَّرُ}.
وقوله: {يَالَيْتَنِي} أي: يا قوم. {قَدَّمْتُ}: مفعوله محذوف وهو العمل الصالح.
وقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} قرئ: بكسر الذال والثاء على البناء للفاعل (4)، وهو {أَحَدٌ}، والضمير في {عَذَابَهُ} و {وَثَاقَهُ} لله جل ذكره، والعذاب والوثاق اسمان وضعًا موضع التعذيب
__________
(1) جوزه النحاس 3/ 699. ومكي 2/ 475.
(2) هذا قول الضحاك كما في النكت والعيون 6/ 271. واقتصر عليه الزجاج 5/ 324.
(3) قاله الزمخشري 4/ 211. لأن بين يوم يتذكر، وبين (وأنى له الذكرى) تنافيًا وتناقضًا.
(4) هذه قراءة العشرة إلا اثنين منهم كما سيأتي.
(6/397)
________________________________________
والإيثاق، والمعنى: لا يعذب أحد أحدًا تعذيبًا مثل تعذيب الله للكافر، ولا يوثق أحد أحدًا إيثاقًا مثل إيتاق الله للكافر. وقيل: المعنى لا يملك أحد التعذيب في القيامة إلا الله، كأنه قيل: لا يملك عذابه أحد، لأن الأمر له وحده في ذلك اليوم.
أبو علي: يجوز أن يكون المعنى: لا يعذب أحد أحدًا تعذيبًا مثل تعذيب هذا الكافر، فالضمير على هذا في {عَذَابَهُ} و {وَثَاقَهُ} للإنسان الكافر (1).
وقرئ: بفتح الذال والثاء على البناء للمفعول (2)، وهو {أَحَدٌ}، والضمير في {عَذَابَهُ} و {وَثَاقَهُ} للإنسان السابق ذكره: أي: لا يُعَذَّبُ أحد تعذيبه، ولا يوثق أحد إيثاقه. و {يَوْمَئِذٍ}: ظرف لـ {يُعَذِّبُ} ومحله النصب، وعن أبي علي: أنه في موضع رفع بالابتداء وخبره ما بعده والعائد محذوف، كأنه قيل: يوم القيامة لا يعذب فيه عذابه أحد.
وقوله: {رَاضِيَةً} منصوب على الحال من ياء النفس، وكذا {مَرْضِيَّةً}، أي: راضية بما أوتيت، مرضية عند الله قد رضي عملها، والمعنى: مرضي عملها، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الفجر
والحمد لله وحده
__________
(1) الحجة 6/ 412.
(2) أي: (لا يُعَذَّبُ ... ولا يُوثَقُ .. ) وهي قراءة الكسائي، ويعقوب. والباقون على الأولى كما تقدم. انظر السبعة / 685/. والحجة 6/ 411. والمبسوط / 471/. والتذكرة 2/ 627.
(6/398)
________________________________________
إعراب سُورَة الْبَلَدِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)}:
قوله عز وجل: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} القول في (لا) هنا كالقول في التي في أول "القيامة" (1)، وقيل: هي نافية، والمعنى لا أقسم بهذا البلد بعد خروجك منه (2). وقيل: لا أقسم به وأنت فيه، بل أقسم بك (3).
وقوله: {وَأَنْتَ حِلٌّ} الواو للحال عند الأكثر، وقال بعضهم {وَأَنْتَ حِلٌّ} في معنى الاستقبال، محتجًا بأن السورة مكية، وأين الهجرة عند وقت نزولها؟ فما بال الفتح؟ (4) و {حِلٌّ} مصدر بمعنى الفاعل إن جعلته بمعنى الحالّ، كالسقط بمعنى الساقط، وإن جعلته بمعنى الحلال كان على تقدير: ذو حل.
__________
(1) يعني أن تكون زائدة، أو بمعنى ألا، أو رَدٌّ لكلام سابق.
(2) كونها نفيًا للقسم بالبلد، ذكره ابن عطية 16/ 303 عن بعض المتأولين. وذكر القرطبي 20/ 60 هذا المعنى عن مكي. قلت: ليس هو في موضعه من المشكل، والله أعلم.
(3) انظر هذا القول في التبيان 2/ 1288 أيضًا.
(4) لأنه ورد أن هذه السورة نزلت عام الفتح. انظر الكشاف 4/ 212. والمحرر 16/ 303.
(6/399)
________________________________________
وقوله: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} عطف على المقسم به. و (ما) يجوز أن تكون موصولة بمعنى (مَنْ) وعائدها محذوف، أي: أقسم بهذا البلد وبوالد ومَن ولدهم، أي: بآدم عليه السلام - وذريته على ما فسر (1). وأن تكون مصدرية، أي: بِآدمَ وَوِلَادٍ. وأن تكون نافية على معنى: ووالد، وهو الذي يلد، {وَمَا وَلَدَ} يعني العاقر، وهو الذي لم يلد من الرجال والنساء، عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره (2)، وفي الكلام على هذا حذف، والتقدير، ووالد ومن ما ولد، وهذا على مذهب أهل الكوفة.
وقوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} في موضع الحال من الإنسان، أي: مكابدًا، أو منتصبًا معتدلًا على ما فسر (3).
وقوله: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} (أن) مخففة من الثقيلة، وهي تسد مسد مفعولي الحسبان، وكذلك قوله: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}. وأصل (يره): يَرْأَهُ، فخففت الهمزة على مذاق العربية، وحذفت لام الفعل للجزم (4).
وقوله: {لُبَدًا} الجمهور على ضم اللام وفتح الباء وتخفيفها وهو بناء مبالغة كَحُطَمٍ، وهو جمع لُبْدَة، كقُرَبٍ وحُفَرٍ في قُرْبة وحُفْرة، وقرئ: (لُبُدًا) بضم اللام والباء (5)، وهو جمع لَبُود، كرُسُلٍ في جمع رسول. و (لُبَّدا) بضم اللام وفتح الباء وتشديدها (6)، وهو جمع لابد، كشُهّد في شاهد، ويجوز أن
__________
(1) أخرجه الطبري 30/ 195 - 196 عن مجاهد، وقتادة، وأبي صالح، والضحاك.
(2) أخرجه الطبري 30/ 195 عنه وعن عكرمة.
(3) أخرجه الطبري 30/ 197 عن عدة.
(4) انظر في هذا أيضًا: إعراب النحاس 3/ 706. ومشكل مكي 2/ 476.
(5) هذه قراءة مجاهد، وابن أبي الزناد، وحميد، والحسن، وعثمان بن عفان - رضي الله عنه -. انظر إعراب النحاس 3/ 705. ومختصر الشواذ/ 174/. وإعراب القراءات 2/ 485. والمحرر الوجيز 16/ 305. وزاد المسير 9/ 131. والقرطبي 20/ 64. والإتحاف 2/ 610.
(6) قراءة صحيحة لأبي جعفر وحده. انظر المبسوط / 473/. والنشر 2/ 401. والإتحاف 2/ 610.
(6/400)
________________________________________
يكون واحدًا كَزُمَّل (1). (ولِبَدًا) بكسر اللام وفتح الباء (2)، وهو جمع لِبْدَةٍ، كِقَرَبٍ في قِرْبَةٍ، وأصله من تَلَبَّد الشيْءُ، إذا اجتمع.
وقوله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} أي: إليهما.
{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)}:
قوله عز وجل: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أبو إسحاق: (لا) هنا بمعنى لم، ولذلك دخل الماضي من غير تكرار، لأن (لا) لا يدخل على الماضي إلا مكررًا، نحو قوله عز وجل: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} (3). أبو علي: ما ذكره لا يلزم، بل يجوز التكرار وغير التكرار، كما يجوز ذلك مع (لم) (4).
غيرهما: هي متكررة في المعنى لدلالة آخر الكلام على معناه، لأن معنى {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}: فلا فَكَّ رقبةً ولا أَطعمَ مسكينًا، ألا ترى أنه فَسَّرَ اقتحامَ العقبةِ بذلك (5)؟
وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} أي: ما اقتحام العقبة؟ فحذف المضاف، لأن {اقْتَحَمَ} يدل عليه، ثم بين جل ذكره اقتحام العقبة بقوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ}، أي: هي فك رقبة، أي: اقتحامها فك رقبة، وإنما قدر حذف المضاف ليكون المفسَّرُ كالمفسِّر، لأن العقبة عين، والفك حدث، (فاعرفه) (6).
__________
(1) الزُّمَّلُ: الجبان الضعيف.
(2) هذه قراءة علي - رضي الله عنه -، وابن أبي الجوزاء كما في زاد المسير 9/ 131.
(3) سورة القيامة، الآية: 31. وانظر قول أبي إسحاق في معانيه 5/ 329.
(4) الحجة 6/ 414 - 415.
(5) انظر إعراب النحاس 3/ 706 - 707. والكشاف 4/ 213.
(6) انظر تفصيلًا أكثر في الحجة الموضع السابق.
(6/401)
________________________________________
وقرئ: (فَكَّ رَقَبَةً أو أَطْعَمَ)، على الفعل الماضي (1)، على تفسير اقتحام العقبة بالفعل، كما قال جل ذكره: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى ... } الآية، ثم فسرها بقوله: {خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} (2).
وقرئ: (فَكُّ) برفع الكاف، (رَقَبَةٍ) بالجر، (أو إِطْعامٌ) بكسر الهمزة وألف بعد العين ورفع الميم وتنوينها (3)، على: هي فك رقبة، وقد ذكر آنفًا، والمصدر مضاف إلى المفعول، وقوله: {أَوْ إِطْعَامٌ} عطف عليه، ولا ضمير فيهما عند جمهور النحاة، لأن المصدر لا يتحمل الضمير، وذهب جماعة منهم (4) إلى أن المصدر إذا عمل في المفعول كان فيه ضمير كاسم الفاعل (5).
وقوله: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا} الجمهور على جَرِّ {ذِي} على أنه صفة ليوم، و {يَتِيمًا} مفعول {إِطْعَامٌ}، وقرئ: (ذا) بالنصب (6)، وفيه وجهان:
أحدهما: منصوب بـ {إِطْعَامٌ}، أي: وأن يطعم في يوم من الأيام ذا مسغبة، و {يَتِيمًا} بدل منه أو وصف له، وجاز وصف الصفة إذ لم تَجْرِ على موصوف، فأشبهت الاسم.
والشماني: صفة لـ {يَوْمٍ} على المحل دون اللفظ، لأن قوله: {فِي يَوْمٍ} منصوب المحل.
__________
(1) قرأها النحويان، وابن كثير كما سوف أخرج.
(2) العبارتان من آل عمران (59).
(3) هذه قراءة الباقين من العشرة. وانظرها مع القراءة السابقة في السبعة / 686/. والحجة 6/ 413. والمبسوط / 473/. والتذكرة 2/ 628.
(4) في (ب): بعضهم. والعبارة من عند (ذهب) إلى (المصدر) ساقطة من (أ) و (ط).
(5) انظر في هذا أيضًا: التبيان 2/ 1288 - 1289.
(6) قرأها علي - رضي الله عنه -، والحسن، وأبو رجاء. انظر إعراب النحاس 3/ 709. ومختصر الشواذ / 174/. والمحتسب 2/ 362. والكشاف 4/ 214. والمحرر الوجيز 16/ 308.
(6/402)
________________________________________
وقوله: {ثُمَّ كَانَ} عطف على (فَكَّ رقبةٍ) عند من فتح الكاف، ومن ضمها كان عطفًا على قوله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}. و {ثُمَّ} هنا بمعنى الواو عند قوم، لأن (ثم) يوجب أن الثاني بعد الأول، والإيمان هو السابق المقدم على غيره، ولا يثبت عمل صالح إلا به. وعلى بابه عند آخرين، وفيه وجهان:
أحدهما: جيء به لتراخي الأخبار، والتقدير: ثم أخبركم أنه كان من الذين آمنوا، فيكون لترتيب الأخبار لا لترتيب المخبر عنه، كقوله: {خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (1)، فأخبر جل ذكره أولًا بخلقه من تراب، ثم أخبر ثانيًا بقوله: {كُنْ فَيَكُونُ} فالترتيب في الخبر لا في الفعل، وله نظائر في التنزيل، وقد ذكر في مواطنه.
والثاني: لتراخي الفعل. و {آمَنُوا} بمعنى: داوموا على الإيمان، فاعرفه فإنه موضع (2).
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)}:
قوله عز وجل: {مُؤْصَدَةٌ} قرئ: بالهمز وتركه (3)، من آصدت الباب وأوصدته، إذا أطبقته، لغتان بمعنى، ويجوز أن يكون الهمزة من أوصد كما همز:
628 - ............ مؤسى ... .................. (4)
__________
(1) سورة آل عمران، الآية: 59.
(2) انظر الكشاف 4/ 214. والبيان 2/ 515. والتبيان 2/ 1289.
(3) كلاهما من المتواتر، وقال ابن مهران: روي عن يعقوب الهمز وغير الهمز، وقرأت بالوجهين، والصحيح عندي عنه ترك الهمز. انظر القراءتين في السبعة / 686/. والحجة 6/ 416. والمبسوط 473 - 474. والتذكرة 2/ 628.
(4) كلمة من بيت لجرير، وتمامه:
لحبّ المؤقدان إلى موسى ... وجَعْدَةً إذ أضاءهما الوقود
وانظره في الحجة 1/ 239. و 6/ 417. والخصائص 2/ 175. والمحتسب 1/ 47. =
(6/403)
________________________________________
ونحوه، وتركه من آصد على التخفيف، فاعرفه فإن فيه أدنى غموض.
وذهب بعضهم إلى أن {نَارٌ} مبتدأ خبره {مُؤْصَدَةٌ}، و {عَلَيْهِمْ} من صلة الخبر، والتقدير: نار مؤصدة عليهم، والوجه أن يكون (1) صفة لها، والخبر {عَلَيْهِمْ}، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة البلد
والحمد لله وحده
__________
= والمحرر الوجيز 16/ 309. والمغني / 897/. والدر المصون 1/ 101. وشواهد الكشاف / 26/.
(1) يعني (مؤصدة).
(6/404)
________________________________________
إعراب سُورَة الشَّمْسِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيْمِ
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)}:
قوله عز وجل: {وَالشَّمْسِ} جَرٌّ بواو القسم، وما بعدها عطف عليهما وقد ذكرت في غير موضع أن الواو الأولى في نحو هذا هي التي للقسم وما عداها للعطف (1)، هذا مذهب الخليل وصاحبه صاحب الكتاب رحمهما الله تعالى (2).
وقوله: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} قيل: الضمير للشمس (3)، لأن الشَّمس تتجلى تمام الانجلاء إذا انبسط النهار. وقيل: للظلمة (4). وقيل: للدنيا (5). وقيل: للأرض (6)، وإن لم يجر لهن ذكر لأن المعنى يدل عليهن، والعلم
__________
(1) انظر إعرابه لأول "النازعات"، ولأول "الفجر".
(2) انظر كتاب سيبويه 3/ 501.
(3) هذا قول مجاهد كما في النكت والعيون 6/ 282. واختاره الطبري، والنحاس، وأكثر المفسرين.
(4) هذا قول الفراء 3/ 266. والزجاج 5/ 231 - 232. والبغوي 4/ 491.
(5) عن الكشاف 4/ 214. ومفاتيح الغيب 31/ 173.
(6) انظر هذا القول في النكت والعيون، والكشاف الموضعين السابقين. والمحرر الوجيز 16/ 311.
(6/405)
________________________________________
يحيط بهن، كما قالوا: هبت شمالًا، وأرادوا الرِّيح، وأصبحت باردة، وأرادوا الغداة. والذي شقهن خمسًا من واحدة، وأرادوا الأصابع.
وقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} قيل: الضمير للشمس، أي: يغشى الشَّمس بظلمته عند غروبها. وقيل: للآفاق. وقيل: للأرض (1). يقال: غشي الشيءُ الشيءَ، إذا علاه فغطاه.
وقوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} (ما) يجوز أن تكون مصدرية، أي: وبنائها، وأن تكون بمعنى (مَن)؛ أي: ومن بناها، وهو الله عز وعلا.
قيل: وإنما جيء بـ (ما) دون (مَن) لإرادة معنى الوصفية، والتقدير: والسماء والقادر العظيم الذي بناها (2).
وقال بعضهم: (ما) بمعنى الذي، ومعنى هذا أن (ما) أشبهت الذي في الإبهام وفي كونها موصولة، (والذي) يصلح لذي العلم ولغيره فكذلك (ما)، وهذا المراد بقولهم: إن (ما) هنا بمعنى (الذي) فاعرفه (3).
وكذلك (ما) في قوله: {وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} يجوز فيهما ما جاز في الأولى من الأوجه، فاعرفه.
واختلف في جواب القسم، فقيل: {قَد أَفلَحَ}، على تقدير حذف اللام، والتقدير: لقد أفلح، وإنما حذفت لطول الكلام بين القسم وجوابه.
قال أبو إسحاق: لما طال الكلام صار طوله عوضًا عن اللام (4).
وقال غيره: لما كان اللام للتأكيد و (قد) أيضًا يفيد التأكيد استغني بـ (قد) عن اللام (5).
__________
(1) انظر المحرر الوجيز 16/ 311. والقرطبي 20/ 74.
(2) قاله الزمخشري 4/ 215.
(3) انظر معاني الأخفش 2/ 580. والمحرر الوجيز 16/ 311. والبيان 2/ 516.
(4) معانيه 5/ 331.
(5) لم أجد هذا القول.
(6/406)
________________________________________
وقيل: هو على التقديم والتأخير بغير حذف، التقدير: قد أفلح من زكاها والشمس وضحاها (1).
وقيل: جوابه محذوف، وإنما حذف للعلم به، واختلف في تقديره، فقيل: تقديره: لَيُدَمْدِمَنّ الله على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما دمدم على ثمود، لأنهم كذبوا صالحًا - عليه السلام - (2). وقيل تقديره: لتبعثن، أو لتحاسبن (3).
وقوله: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا} عطف {سَوَّاهَا}، وهذا يدل على أن (ما) بمعنى (مَنْ) لأجل تشاكل النظم؛ أي: ومن سَوَّى هذه النفس فألهمها فجورها وتقواها، أي: أعلمها الخير والشر.
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)}:
قوله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} المنوي في {زَكَّاهَا} و {دَسَّاهَا} يجوز أن يكون لله عز وجل، وأن يكون للإنسان صاحب النفس، وقد فُسِّر بهما (4). والعائد إلى {مَنْ} إن جعلت المنوي فيهما لله تعالى: الضمير المنصوب حملًا على المعنى، كأنه قيل: أفلحت نفس أو فرقة زكاها، وقد خابت من دساها الله، أي: أخملها وغمسها في المعاصي.
__________
(1) انظر هذا القول في القرطبي 20/ 77.
(2) هذا قول الزمخشري 4/ 216 مقتصرًا عليه.
(3) انظر هذا القول في القرطبي 20/ 76. والدر المصون 11/ 21.
(4) انظر جامع البيان 30/ 211 - 212. والنكت والعيون 6/ 284.
(6/407)
________________________________________
و {دَسَّاهَا} أصله: دسسها، فقلبت السين الأخيرة ياء كما قلبوا في قصيت أظفاري، وتظنيت، والأصل: قَصصت، وتظننت، وقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فبقي دساها كما ترى، ودس الشيء: أخفاه.
وقوله: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} أي: كذبت ثمود نبيها صالحًا - عليه السلام - بسبب طغيانها ومجاوزتها الحد في الكفر. والطغوى مصدر من الطغيان، وإنما أبدلوا من الياء واوًا ليفصلوا بين الاسم والصفة، وذلك أن فَعْلى إذا كانت من ذوات الياء وهي اسم قلبت واوًا لما ذكرت آنفًا، نحو قولهم: تقوى، وهو من تقيت، والبقوى، وهو من بقيت، أي: انتظرت. وحكى أبو الحسن: طَغَى يَطْغُو، فهي على هذا يكون كالدعوى من دعوت، فلا قلب على هذا.
والجمهور على فتح الطاء، وقرئ: (بِطُغْوَاهَا) بضمها (1)، وهو مصدر على فُعْلى، كالرُّجْعَى والحُسْنَى وشبههما من المصادر التي أتت على فُعْلَى نحو: البؤسى والنعمى.
{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}: (إذ) معمول لـ {كَذَّبَتْ}، أي: كذبوا نبيهم حين انبعث، أو لي (طغوى)، أي: طغت حين انبعث أشقاها للعقر، ومعنى {انْبَعَثَ}: قام ونهض، يقال: بعثه لهذا الأمر فانبعث له، أي: قام وانتدب، و {أَشْقَاهَا} أي: أشقى ثمود، أي: أكثرهم شقاء، وهو قدار بن سالف، ومصاع بن دهر (2)، وكانا عقرا الناقة.
__________
(1) هذه قراءة الحسن، والجحدري، وحماد بن سلمة. انظر مختصر الشواذ / 174/. والمحتسب 2/ 363. والكشاف 4/ 216. والمحرر الوجيز 16/ 312. والقرطبي 20/ 78.
(2) كذا هما اثنان أيضًا في معاني الفراء 3/ 268. وقد شنع النحاس 3/ 713 عليه. وهو خلاف ما عليه كتب التفسير أيضًا. فلم يذكر الطبري 30/ 214. والبغوي 4/ 493. والزمخشري 4/ 216. وابن عطية 16/ 312. إلا الأول منهما. ويؤيده ما جاء في الصحيح =
(6/408)
________________________________________
قال الزمخشري: ولم يقل أشقياها لرويّ الآية، ويجوز أن يكونوا جماعة، والتوحيد لتسويتك في أفعل التفضيل إذا أضفته بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وكان يجوز أَشْقَوها، كما تقول: أفاضلهم، والضمير في {لَهُمْ} يجوز أن يكون للأشقيين، والتفضيل في الشقاوة، لأن من تولى العقر وباشره كانت شقاوته أظهر وأبلغ، انتهى كلامه (1).
وقوله: {نَاقَةَ اللَّهِ} نصب على معنى: احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء. {وَسُقْيَاهَا} عطف عليها، أي: واحذروا سقياها، يعني: شربها، وهو نصيبها من الماء.
وقوله: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ} أي: بسبب ذنبهم، و (دمدم) بمعنى دَمَّرَ، أي: أهلك، والدمدمة: إهلاك باستئصال، عن بعض أهل اللغة (2)، وهي من تكرير قولهم: ناقة مدمومة، إذا لبسها الشحم (3).
وقوله: {فَسَوَّاهَا} الضمير للدمدمة (4)، أي: سوى الدمدمة بينهم، بمعنى عمهم بها. وقيل: لثمود (5)، على معنى: فسواها بالأرض. وقيل: للصيحة. وقيل: للعقوبة (6). وقيل: لأبنيتهم،
__________
= من حديث عبد الله بن زمعة - رضي الله عنه - قال خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الناقة، وذكر الذي عقرها فقال: "إذ انبعث أشقاها" انبعث لها رجل عزيز، عارم، منيع في رهطه، مثل أبي زمعة.". انظر صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة الشَّمس وضحاها (4942). وصحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب النار يدخلها الجبارون (2855). أقول: لكن هناك ما يشهد للمؤلف، وللفراء قبله، انظر التفصيل في جامع القرطبي 7/ 241 عند تفسير الآية (77) من الأعراف.
(1) الكشاف 4/ 216.
(2) هو المؤرج كما في معالم التنزيل 4/ 494. وجامع القرطبي 20/ 79.
(3) انظر معاني الزجاج 5/ 333.
(4) قاله الطبري 30/ 214، وعلي بن سليمان كما في إعراب النحاس 3/ 715.
(5) هذا معنى قول الفراء 3/ 269: سوى الأمة.
(6) كذا في إعراب النحاس الموضع السابق، وهو معنى قول السدي، ويحيى بن سلام: سَوَّى بينهم في الهلاك. انظر النكت والعيون 6/ 285. وزاد المسير 9/ 143.
(6/409)
________________________________________
أي: سوّى أبنيتهم بهدمها وإخرابها (1).
وقوله: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} قرئ: بالواو (2)، ومحل الجملة النصب على الحال من المنوي في {فَسَوَّاهَا} الراجع إلى الله جل ذكره، أي: فسواها غير خائف عقبى ما صنع بهم من الإهلاك، أي: عاقِبَتَها وتَبِعَتَها كما يخاف الملوك والولاة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره (3).
وقيل: فاعل الفعل الذي هو {يَخَافُ} صالح - عليه السلام -، لأن الله تعالى نجاه حين أهلكهم، وكان قد وعده بالنجاة حين أوعدهم (4).
وقيل: العاقر، أي: انبعث أشقاها غير خائف عقبى فعلته (5).
وقرئ: (فلا يخاف) بالفاء (6) عطفًا على ما قبله، والمنوي فيه لله عز وجل، أي: فلا يخاف الله تبعة ما أنزل بهم. والفرق بين الفاء والواو: أن الفاء إذا عطف بها كان الثاني من سبب الأول، لأن الفاء فيها معنى الجواب وهي للترتيب، وليست الواو كذلك. وقال الشيخ أبو علي: الفاء للعطف على قوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} (فلا يخافُ)، كأنه تبع تكذيبهم وعقرهم أن لم يخافوا، انتهى كلامه (7). فالمنوي في (فلا يخاف) على قوله للعاقر، وهو واحد على قول الجمهور، وإنما نسب العقر إلى جميعهم لرضاهم بفعله، فاعرفه.
__________
(1) انظر إعراب القراءات السبع 2/ 492. وهو قول مقاتل كما في زاد المسير الموضع السابق.
(2) هذه قراءة أكثر العشرة كما سيأتي.
(3) انظر جامع البيان 30/ 215. ومعالم التنزيل 4/ 494.
(4) انظر هذا القول في معاني الزجاج 5/ 333. والنكت والعيون 6/ 285.
(5) هذا قول الضحاك، والسدي كما في جامع البيان 30/ 215. وقول الحسن كما في النكت والعيون 6/ 285.
(6) قرأها المدنيان، وابن عامر. انظر السبعة / 689/. والحجة 6/ 420. والمبسوط / 474/. والتذكرة 2/ 629. وقالوا: كذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام.
(7) الحجة الموضع السابق.
(6/410)
________________________________________
والضمير في {عُقْبَاهَا} للفعلة، أو للدمدمة، أو للعقوبة، أو للتسوية، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الشمس
والحمد لله وحده
(6/411)
________________________________________
إعراب سُورَة الليْلِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)}:
قوله عز وجل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} اختلف في المَغْشِيّ، فقيل: النهار، أي: يغشى بظلمته النهار، أي يستره فيُذهب ضوءه. وقيل: المغشيّ كل ما واراه بظلامه، والغاشي: الليل. وقيل: المغشي الليل، والغاشي الظلام، يعني: إذا غشيه الظلام فأظلم وادلهم.
وقوله: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} أي: بان وانكشف، وظهر ضوؤه، وقيل: تجلى الليل، أي: أزال ظلامه، فتجلى على هذا بمعنى جَلَّى، كتبدل بمعنى بَدّلَ.
وقوله: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (ما) في موضع جر بالعطف على المجرور بحرف القسم، وهي موصولة بمعنى (مَن)، أي: وخالقِ الذكر والأنثى، وهو الله جل ذكره، أو مصدرية، أي: وخَلْقِ الذكر والأنثى. وقيل: (مَا) بمعنى (الذي) (1)، والمراد به المخلوق، والتقدير: والذي خلقه الله، فـ {الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} على هذا بدل من الراجع إلى (مَا) المقدر.
__________
(1) انظر إعراب النحاس 3/ 716. ومشكل مكي 2/ 478. ويشهد له قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه -: (الذي خلق الذكر والأنثى). انظر إعراب القراءات السبع 2/ 493. والكشاف 4/ 217.
(6/412)
________________________________________
وعن الكسائي: (وما خَلَقَ الذكرِ والأنثى) بجر الذكر والأنثى (1)، على أنه بدل من محل (مَا)، وقد ذكرت آنفًا أن (مَا) في موضع جر بالعطف على المجرور بحرف القسم، و (مَا) مع الفعل بتأويل المصدر، والتقدير: وخَلْقِ اللهِ الذكرِ والأنثى، أي: ومخلوقه، تسمية للمفعول بالمصدر، كضرْبِ الأمير، وصَيْدِ الصائد، تعضده قراءة من قرأ: (والذكرِ والأنثى) بالجر بغير (ما) وهو النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين (2).
قيل: وجاز إضمار اسم الله جل ذكره لأنه معلوم، لانفراده بالخلق إذ لا خالق سواه.
وقوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} هذا جواب القسم، و (شتى) جمع شتيت، كمرضى وجرحى في جمع مريض وجريح، والشتيت: المتباعد والمتفرق، مأخوذ من الشتات وهو التفرق، يقال: شَتَّ الأمرُ شتًّا وشَتَاتًا، أي: تفرق، وعن بعض الإعراب: الحمد لله الذي جمعنا من شَتٍّ (3). وإنما أخبر جل ذكره عن السعي - وهو واحد - بشتى - وهو جمع - لأن السعي مصدر، والمصدر جنس، والجنس يدل على الكثرة، ثم إنه مضاف إلى الجمع، فهو جمع في المعنى، فكأنه قيل: إن مساعيكم لشتى، والمعنى: إن عملكم اختلف في الجزاء، فلا يستوي عمل المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، فكأنه قيل: إن عملكم لمتباعدٌ بعضه من بعض، لكون بعضه ضلالًا وبعضه
__________
(1) انظر هذه القراءة عن الكسائي في مختصر الشواذ / 174/. والكشاف 4/ 217. وأجازها الفراء كوجه أعرابي 3/ 270. وحكاها ثعلب عن بعض السلف كما في المحتسب 2/ 364. والمحرر الوجيز 16/ 316.
(2) انظر قراءتهم في معاني الفراء 3/ 270. وجامع البيان 30/ 217. وإعراب النحاس 3/ 717. ومختصر الشواذ/ 174/. والمحتسب 2/ 364. ومعالم التنزيل 4/ 494. والكشاف 4/ 216 - 217. والمحرر الوجيز 16/ 316.
(3) الصحاح (شتت).
(6/413)
________________________________________
هدى، وبعضه بَرًّا وبعضه فجورًا، على ما فسر (1).
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13)}:
قوله عز وجل: {مَنْ أَعْطَى} (مَن) موصولة، وقيل: شرطية (2)، والوجه هو الأول لكونه مختصًا، إذ المراد به أبو بكر الصديق رضي الله عنه (3).
وقوله: {بِالْحُسْنَى} صفةٌ حُذِفَ موصوفها، أي: بالمثوبة الحسنى، وهي الجنة، أو الخصلة الحسنى، وهي الإيمان، أو بالكلمة الحسنى، وفي لا إله إلا الله، أو بالملة الحسنى، وهي ملة الإسلام على ما فسر (4). وكذا (اليسرى)، أي: للحالة، أو للطريقة اليسرى. واليسرى: تأنيث الأيسر، أي: السهلة. وكذا (العسرى) أي: للحالة أو للطريقة العسرى.
وقوله: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} (ما) يجوز أن تكون استفهامية منصوبة المحل، بـ {يُغْنِي}، أي: أي شيء يغني عنه ماله؟ بمعنى: لا يغني شيئًا. وأن تكون نافية، فيكون مفعول {يُغْنِي} محذوفًا، أي: ليس يغني عنه ماله إذا تردى شيئًا، و {تَرَدَّى} تفعّل من الردى، وهو الهلاك، و {إِذَا} معمول {يُغْنِي}.
{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى
__________
(1) انظر النكت والعيون 6/ 287. ومعالم التنزيل 4/ 494. وهو قول ابن عباس - رضي الله عنهما - كما في زاد المسير 9/ 146.
(2) اقتصر مكي 2/ 479 على هذا القول الثاني.
(3) كون المراد به الصديق - رضي الله عنه - هو قول عامة أهل التفسير. انظر جامع البيان 30/ 221. والنكت والعيون 6/ 287. وأسباب النزول / 479/.
(4) انظر جامع البيان 30/ 219 - 220. والنكت والعيون 6/ 287 - 288. والكشاف 4/ 217.
(6/414)
________________________________________
(16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)}:
قوله عز وجل: {يَتَزَكَّى} في موضعِ نصب على الحال من المنوي في {يُؤْتِي} أي: يؤتيه متزكيًا، أي: مُخرِجًا للزكاة. وقيل: طالبًا لأن يكون زاكيًا عند الله، لا للرياء والسمعة. وقيل: متطهرًا من ذنوبه، أي: يقصد بهذا الإنفاق تكفير الذنوب.
وقيل: هو بدل من {يُؤْتِي} فلا محل له على هذا، لأنه داخل في حكم الصلة، والصلات لا محل لها من الإعراب (1).
وقوله: {إِلَّا ابْتِغَاءَ} الجمهور على نصبه، ونصبه على الاستثناء المنقطع؛ و (إلا) بمعنى لكن، أي: لكن فعل ذلك ابتغاء وجهه، أي: لابتغاء وجهه، فهو في الحقيقة مفعول له. وقيل: الاستثناء محمول على المعنى، والتقدير: لم يعط ماله لشيء إلا لابتغاء وجه ربه، والابتغاء: المطلب، أي: إلا لطلب التوجه إلى ربه الأعلى (2).
وقرئ: (إلا ابتغاءُ) بالرفع (3) على البدل من {نِّعْمَةٍ} على المحل، على لغة من يقول: ما في الدار أحدٌ إلا حمارٌ، بالرفع، ومنه قوله:
629 - وَبَلْدةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إِلَّا اليَعَافِيرُ وإلَّا العِيسُ (4)
اليعافير: بدل من أنيس، واليعافير جمع يَعْفُور، واليعفور الخِشْفُ،
__________
(1) انظر الوجهين في الكشاف 4/ 318.
(2) انظر هذا القول عند الزمخشري الموضع السابق، وهو للفراء قبله 3/ 272 - 273.
(3) قرأها يحيى بن وثاب كما في مختصر الشواذ/ 174/. والكشاف 4/ 318. والقرطبي 20/ 89. والبحر 8/ 484.
(4) هذا الرجز لحران العود عامر بن الحارث النميري، وهو من الشواهد النحوية المشهورة، وقد تقدم برقم (172).
(6/415)
________________________________________
وولد البقرة. وقيل: اليعافير تيوس الظباء (1). والعيس: الإبل البيض يخالط بياضَها شيءٌ من الشقرة، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة والليل
والحمد لله وحده
__________
(1) الصحاح (عفر).
(6/416)
________________________________________
إعراب سُورَة الضُّحى
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيْمِ
{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)}:
قوله عز وجل: {مَا وَدَّعَكَ} الجمهور على تشديد الدال، وهو من التوديع، وأصله عند الرحيل، والاسم: الوداع، أو ما ودعك توديع المسافر والمفارق، لأن مَنْ ودَّعكَ مفارقًا فقد بالغ في تركك، والتوديع للمبالغة.
وقرئ: (ما ودَعك) بتخفيفها (1)، أي: ما تركك، وهو قليل في الاستعمال، وقد منع صاحب الكتاب رحمه الله أن يقال: وَدَعَ، قال: استغنوا عنه بقولهم: تَرَكَ (2). وذلك لثقل الواو في الكلمة، وقد جاء ذلك في الشعر، قال:
630 - ليت شِعري عَنْ خَلِيلي ما الذي ... غَالَه في الحُبِّ حتى وَدَعَهْ (3)
__________
(1) نسبت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعمر، وأنس، وابن عباس، وعروة بن الزبير - رضي الله عنهم -. كما نسبت إلى أبي العالية، وابن يعمر، وابن أبي عبلة، ويعقوب. انظر إعراب القراءات 2/ 495. ومختصر الشواذ/ 175/. والمحتسب 2/ 364. والمحرر الوجيز 16/ 321. وزاد المسير 9/ 157. والقرطبي 20/ 94.
(2) كتاب سيبويه 1/ 25.
(3) نسب إلى أبي الأسود الدؤلي. وانظره في إعراب القراءات 2/ 496. وإعراب ثلاثين سورة / 117/. والخصائص 1/ 99. والمحتسب 2/ 364. والمقاييس 6/ 96. والصحاح (ودع). والإنصاف 2/ 485. والبيان 2/ 519. والتبيان 2/ 1292.
(6/417)
________________________________________
أي: ترك الحب، وقَد استعملوا مضارعه فقالوا: يدع، لعدم الثقل.
وقوله: {وَمَا قَلَى} أي: وما قلاك، استغني بتعدية الفعل الأول عن تعدية الثاني، وكذا {فَآوَى}، {فَهَدَى}، {فَأَغْنَى} (1)، أي: فآواك، فهداك، فأغناك. وألف {قَلَى} منقلبة عن ياء، بشهادة قولهم: قليته، وإضجاع القراءة إياها (2). وقَلَى الشيءَ يقلاه، بفتح العين في الماضي والغابر، قِلًى وقَلاءً، إذا أبغضه، وهو أحد ما جاء من فَعَل يَفْعَل بالفتح فيهما، وليس فيه حرف من حروف الحلق، وهو لغة طيء (3)، وغيرُها يقول: قلاه يقليه، بفتح العين في الماضي وكسرها في الغابر.
وقوله: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} اللام في قوله: {وَلَلْآخِرَةُ} لام الابتداء تفيد التأكيد، ويحسن حيث يكون الخبر كلمة التفضيل كما ها هنا وفي قولك: لزيد أفضل من عمرٍو. فازداد هنا حسنًا، لأن هذا الكلام عطف على جواب القسم، وهو {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.
وأما اللام في قوله جل ذكره: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ} ففيه وجهان:
أحدهما: لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف تقديره: ولأنت سوف يعطيك، وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم أو لام ابتداء، فلا يجوز أن تكون لام قسم؛ لأن لام القسم لا تدخل على المضارع إلا مع نون التأكيد، فإذا لم تكن لام القسم فبقي أن تكون لام الابتداء، ولام الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر، فإذًا لا بد من تقدير مبتدأ وخبر، وأن يكون أصله: ولأنت سوف يعطيك.
والثاني: لام القسم، وإنما لم يقل جل ذكره: يعطينّك، لأن النون إذا
__________
(1) من الآيات (6 - 7 - 8).
(2) أي قراءتها بالإمالة إلى الكسر.
(3) كذا في الصحاح (فلا).
(6/418)
________________________________________
دخلت فإنما تدخل إعلامًا بأن اللام لام الابتداء، وقد عُلم هنا أنها لام القسم دون الابتداء لدخولها على سوف، ولام الابتداء لا تدخل على (سوف) فاعرفه واختر ما شئت منهما.
والمفعول الثاني لقوله: {يُعْطِيكَ} محذوف، كما تقول: أعطيت زيدًا، ولا تذكر العطية، وهذا مُطَّرِدٌ في كلام القوم، إذا كان المفعول الثاني غير الأول، ذلك الاقتصار على أحدهما، ويجوز حذفهما معًا، فمتى حذفتهما جميعًا فهو غاية في الإبهام، ومتى ذكرتهما جميعًا فهو غاية في البيان، ومتى اقتصرت على أحدهما، فهو توسط في البيان، نحو: أعطيت، وأعطيت زيدًا درهمًا، وأعطيت زيدًا، وأعطيت درهمًا. أي: ولسوف يعطيك ربك ما تبتغي.
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}:
قوله عز وجل: {يَتِيمًا} مفعول ثان، وكذا {ضَالًّا} و {عَائِلًا}، لأن قوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ} من الوجود الذي هو بمعنى العلم. و {فَآوَى} عطف عليه، لأنه في معنى المضي.
والجمهور على مَدِّه، وهو من أوى فلان إلى منزله يَأْوِي أُوِيًّا وإوَاءً، وَآوَيْتُهُ أَنَا إيواءً، وأوَيْتُهُ أيضًا، إذا أنزلته بك. أفعلتُ وفعلتُ بمعنى، عن أبي زيد (1).
فإذا فهم هذا فقد قرئ أيضًا: (فأَوِي) مقصورًا (2)، وذلك يحتمل
__________
(1) حكاه عنه الجوهري (أوا).
(2) قرأها الأشهب العقيلي كما في المحرر الوجيز 16/ 321. والبحر 8/ 486. والدر المصون 112/ 39.
(6/419)
________________________________________
وجهين: أن يكون بمعنى الممدود، وأن يكون من أَوى له، إذا رق له ورحمه.
وقوله: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَر} (اليتيم) منصوب بالفعل الواقع بعد الفاء، وحقه أن يكون بعد الفاء، والتقدير: مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم. وكذلك: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ}، ولو كان مع الفعلين ضمير لكان الرفع أجود في الاسمين، ويجوز النصب أيضًا فيهما مع الضمير فيهما.
والباء في {بِنِعْمَةِ} من صلة قوله: {فَحَدِّثْ} على تقدير الكلام في سورة البقرة عند قوله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} بأشبع ما يكون، فأغناني عن الإعادة هنا (1).
وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه: (فلا تَكْهَرْ) بالكاف مكان القاف (2)، وهو بمعنى تقهر، كذا رُوي عن الكسائي رحمه الله، قال: كَهَرَهُ وَقَهَرَهُ بمعنى (3)، يعضده قول الأعرابي الذي بال في المسجد: "فما كهرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (4)، أي: فما زبرني. يقال: نهره وانتهره، إذا زبره، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الضحى
والحمد لله وحده
__________
(1) انظر إعرابه للآية (26) منها.
(2) انظر قراءته في معاني الفراء 3/ 274. وجامع البيان 30/ 233. وإعراب القراءات 2/ 498. ومختصر الشواذ / 175/. والصحاح (كهر). والكشاف 4/ 220. والمحرر الوجيز 16/ 323 وفيه أنها قراءة الشعبي، وإبراهيم التيمي أيضًا.
(3) انظر قول الكسائي في الصحاح الموضع السابق.
(4) من حديث الأعرابي الذي شَمَّتَ العاطس وهو في الصلاة، أخرجه مسلم في كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة (537).
(6/420)
________________________________________
إعراب سُورةِ الشَّرح
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحْيمِ
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)}:
قوله عز وجل: {أَلَمْ نَشْرَحْ} الجمهور على إسكان الحاء، وقرئ: (أَلَمْ نشرحَ) بفتحها (1)، وقد تؤول على تقدير النون الخفيفة ثم حذفت، وبقيت الفتحة تدل عليها، وأنشد:
631 - مِن أَيِّ يَوْمَيَّ مِنْ المَوْتِ أَفِرْ ... أَيَوْمَ لَمْ يُقْدَرَ أَمْ يَوْمَ قُدِرْ (2)
قالوا: أراد لم يقدرنْ بالنون الخفيفة وحذفها، ومثله:
632 - اضرِبَ عنكَ الهُمُومَ طارِقَها ... ضَرْبَكَ بالسيفِ قَوْنَسَ الفرسِ (3)
قالوا: أراد اضربن. قال أبو الفتح: وهذا عندنا غير جائز، وذلك أن هذه النون للتوكيد، والتوكيد أشبه شيء به الإسهاب والإطناب، لا الإيجاز
__________
(1) تقدم ذكر هذه القراءة آخر إعراب "الأنبياء" وقد وعدت هناك بتخريجها في موضعها. فهي قراءة أبي جعفر المنصور كما في المحتسب 2/ 366. والكشاف 4/ 221. والمحرر الوجيز 16/ 325. والقرطبي 20/ 109. والبحر 8/ 487. وخزانة البغدادي 11/ 452.
(2) ينسب البيت لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وللحارث بن المنذر الجرمي. وانظره في نوادر أبي زيد / 13/. والعقد الفريد 1/ 96. والخصائص 3/ 94. والمحتسب 2/ 366. والإفصاح / 245/. والمغني / 365/.
(3) تقدم ذكر وتخريج هذا الشاهد برقم (449).
(6/421)
________________________________________
والاختصار (1). أَطْنَبَ في الكلام، إذا بالغ فيه.
وقوله: {وَوَضَعْنَا} عطف على {أَلَمْ نَشْرَحْ}، لأنه في معنى المضي، فكأنه قيل: شرحنا لك صدرك. والاستفهام للتقرير، أي: أليس قد شرحنا؟
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)}:
قوله عز وجل: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)}: العسر واحد وإن كرر، لما فيه من حرف التعريف المفيد للتخصيص، وذلك يوجب تكرير الأول، وأيضًا فإنه لا يخلو من أن تجعل تعريفه للعهد، وهو العسر الذي كانوا فيه، فهو هو أيضًا. وأما (يسرًا) الثاني فغير الأول، لأنه عارٍ عن حرف التعريف المفيد للتخصيص. والنكرة إذا أريد تكريرها وتعيينها جيء بضميرها، أو بحرف التعريف، نحو أن تقول: كسبت درهمًا، فيقول السامع: فأنفقه، أو فأنفق الدرهم. وكفاك دليلًا قوله عز وجل: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} فأتى بحرف التعريف بعد قوله: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} (2) ليعلم أنه الأول، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لن يغلِب عسرٌ يسرين، فإن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا" (3). وإلا فلا، فاعرفه (4).
{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}:
قوله عز وجل: {فَإِذَا فَرَغْتَ} الجمهور على فتح الراء، يقال: فرَغتُ
__________
(1) المحتسب الموضع السابق.
(2) سورة المزمل، الآيتان: 15 - 16.
(3) روي هذا الحديث موقوفًا على ابن مسعود، وابن عباس، وعمر - رضي الله عنهم -، وأصح طرقه موقوفًا ما أخرجه الإمام مالك في الموطأ كتاب الجهاد (6). كما روي مرفوعًا لكنه مرسل من حديث الحسن، أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 528. والبيهقي في الشعب 7/ 206. والطبري في الجامع 30/ 235 - 236. وانظر له تخريجًا موسعًا في كشف الخفاء 20/ 195 - 197.
(4) انظر إعراب القراءات السبع 2/ 501.
(6/422)
________________________________________
من الشغل أفرُغ - بفتح العين في الماضي وضمها في الغابر - فرُوغًا وفراغًا. وقرئ: (فرِغت) بكسرها (1)، وهي لغية، قال الزمخشري: وليست بفصيحة (2). والنصَب: التعب، يقال: نَصبَ في الشيء يَنْصَبُ بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر نَصَبًا، إذا تعب. قيل: والمعنى إذا فرغتَ من عبادةٍ ذَنِّبْها بأخرى (3). وعن ابن مسعود رضي الله عنه: فانصب في قيام الليل (4). والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة ألم نشرح
والحمد لله وحده
__________
(1) قرأها أبو السمال. انظر مختصر الشواذ / 175/. والكشاف 4/ 222. والمحرر الوجيز 16/ 328. والقرطبي 20/ 109.
(2) الكشاف الموضع السابق.
(3) قاله الزمخشري 4/ 222. ومعنى ذَنِّبها: أتبعها.
(4) ذكره عنه: البغوي 4/ 503. والماوردي 6/ 298. وفي التفسير أقوال آخر غير هذين.
(6/423)
________________________________________
إعراب سُورَةِ التِّينِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيْمِ
{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)}:
قوله عز وجل: {وَطُورِ سِينِينَ} (سينين) جمع سِينِينَة، عن أبي الحسن (1)، ووزنه فِعْلِيل، واللام مكرر، وهو بمعنى (سيناء)، وبه قرأ بعض القراء (2)، وقد مضى الكلام عليها في "المؤمنين" (3).
ولم ينصرف {سِينِينَ} للتعريف والتأنيث، لأنه اسم للبقعة. قال الزمخشري: ونحو سينون (يَبرُون) في جواز الإعراب بالواو والياء، والإقرار على الياء وتحريك النون بحركات الإعراب، انتهى كلامه (4).
أعلم - وفقك الله - أن للقوم في نحو: يبرين، ونصيبين، وقنسرين
__________
(1) معانيه 2/ 581.
(2) بفتح السين وكسرها. قرأها عمر، وابن مسعود، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الدرداء، وطلحة، والحسن، وآخرون. انظر مختصر الشواذ / 176/. وإعراب القراءات 2/ 505. والمحرر الوجيز 16/ 330. وزاد المسير 9/ 170. والقرطبي 20/ 113. والبحر 8/ 490.
(3) عند إعرابه للآية (20) منها.
(4) الكشاف 4/ 222. ويبرون: اسم بلدة قرب حلب.
(6/424)
________________________________________
مذهبين: منهم من يجريه مجرى الجمع نحو: {مُّسْلِمُونَ}، فيقول: هذه نَصِيبونَ، ومررت بنصيبينَ، ورأيت نصيبينَ، ومنهم من يجريه مجرى المفرد ويلزمه الإعراب كما يلزم الاسم المفرد الذي لا ينصرف، ويجعل الإعراب في النون فيقول: هذه نَصيبينُ، ومررت بنصيبينَ ورأيت نصيبينَ. وذكرت هذا القدر، وإن لم يكن مقصودًا لتعرف به ما أشار إليه الزمخشري.
وقوله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} في (الأمين) هنا أوجه: أن يكون بمعنى المأمون على ما أودعه الله تعالى من معالم دينه، فعيل بمعنى مفعول، وأن يكون بمعنى الآمن، كقوله: {حَرَمًا آمِنًا} (1)، فعيل بمعنى فاعل، وأن يكون بمعنى المؤمِن، أي: يُؤمِنُ مَن دَخَلَه، كقوله: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (2)، فَعِيل بمعنى مُفْعِل، كبديع وأليم بمعنى مبدع ومؤلم.
قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} هذا جواب القسم، و {فِي أَحْسَنِ} في موضع الحال من الإنسان، أي: معتدلًا مستقيمًا، أي: في حال اعتداله واستقامته، وهي حال مقدرة.
وقوله: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} (أسفل) يجوز أن يكون حالًا من الضمير المنصوب، وأن يكون ظرفًا، أي: إلى أسفل قوم سافلين، وأن يكون صفة لمكان محذوف.
وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} الاستثناء متصل عند قوم، والمستثنى منه الضمير المنصوب في قوله: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ}، لأنه في معنى الجمع. ومنقطع عند آخرين، والمراد بأسفل سافلين على الوجه الأول: النار، وعلى الثاني: الهرم (3).
__________
(1) سورة القصص، الآية: 57.
(2) سورة آل عمران، الآية: 97.
(3) انظر المعنيين في إعراب النحاس 3/ 733.
(6/425)
________________________________________
{فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}:
قوله عز وجل: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} (ما) استفهامية في موضع رفع بالابتداء، والخبر {يُكَذِّبُكَ}، والخطاب عند قوم للإنسان على طريقة الالتفات، والاستفهام بمعنى الإنكار، والمعنى: أي شيء يحملك أن تكذب بالدين بعد هذا الدليل الواضح، والبرهان القاطع؟ وعند آخرين للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمعنى: فما يكذبك، أي: ينسبك إلى الكذب فيما أخبرت به من الجزاء بعد هذا البيان (1).
وعن الفراء: (ما) هنا بمعنى (مَن) (2). والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة والتين
والحمد لله وحده
__________
(1) كون الخطاب للإنسان، أو للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أخرجهما الطبري 30/ 249.
(2) معانيه 3/ 277. ورجحه الطبري في الموضع السابق، لكن رده النحاس 3/ 736.
(6/426)
________________________________________
إعراب سُورَةِ العَلَقِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيْمِ
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}:
قوله عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} الباء في (باسم) صلة عند قوم (1)، أي: اقرأ يا محمد اسم ربك. وعند آخرين: ليست بصلة، وإنما جيء بها لتفيد معنى الملازمة (2)، وهي التي تسميها النحاة باء الإلصاق، نحو: كتبت بالقلم، أي: التصقت الكتابة بالقلم، وأخذتُ بزمام الناقة، أي: باشرتُه بكفي، كأنَّك ألصقت محل قدرتك به، ولو قلت: أخذت زمام الناقة بغير باء، احتمل أنك باشرته، وأنك حصلته عندك، فأعرف الفرق بينهما والمعنى على هذا: اقرأ اسم ربك ملازمًا إياه، والملازمة مستفادة من الباء.
وقال غيرهما: إنما جيء بها لتُنَبِّهَ على البداية باسمه جل ذكره في كل شيء، وبه أقول (3). فمحل {بِاسْمِ} على هذا النصب على الحال من المنوي في {اقْرَأْ} مفتتِحًا أو مبتدِئًا باسم ربك، أي: قل: بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ القرآن، وهذا حجة للإمام الشافعي رضي الله عنه مع ما جاء من
__________
(1) أبو عبيدة في المجاز 2/ 304. وابن خالويه في إعراب ثلاثين سورة / 133/ عنه. وانظر التبيان 2/ 1295.
(2) مشكل إعراب القرآن 2/ 484.
(3) انظر هذا القول هكذا في التبيان 2/ 1295. وهو مقتضى قول الزمخشري 4/ 223.
(6/427)
________________________________________
الأحاديث المروية (1).
وعن أبي زيد، والكسائي: (اقْرَ باسم ربك)، على قلب الهمزة ألفًا قَبْلَ الأمرِ (2)، كقوله:
633 - سألت هذيل ..... ... ................. (3)
وقوله:
634 - ................ ... لا هَنَاكِ المَرْتَعُ (4)
وقول من زعم إنَّ الألف في قوله عز وجل: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى} (5) بدل من همزة، وهو من الدناءة (6). أو بعده - وهو الوجه عندي - ثم حذفها للأمر، كقولك: اخش يا فلان، فاعرفه فإنه يحتاج إلى أدنى تفكر.
وقوله: {الَّذِي خَلَقَ} يجوز أن يكون موصولًا {بِاسْمِ رَبِّكَ} فيكون
__________
(1) يعني في افتتاح القرآن بالتسمية، وانظر مفاتيح الغيب 32/ 14 - 15.
(2) يعني أنها كانت (اقرأ)، ثم أصبحت (اقرأ)، وبعد الأمر تصبح (اقرَ) بدون ألف. وانظرها عنهما في إعراب النحاس 3/ 737. وهي قراءة عاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر كما في مختصر الشواذ / 176/. والبحر 8/ 492. وقراءة أبي جعفر كما في زاد المسير 9/ 175.
(3) تقدم هذا الشاهد كثيرًا، انظر أول ذلك رقم (38).
(4) للفرزدق، وهو كاملًا:
راحتْ بمسلَمَةَ البِغالُ عَشِيَّةً ... فارْعَيْ فزارةُ لا هَناكِ المَرْتَعُ
وانظره في الكتاب 3/ 554. والمقتضب 1/ 167. والحجة 1/ 398. وشرح الأبيات المشكلة / 164/. والخصائص 3/ 152. والمحتسب 2/ 173. وابن الشجري 1/ 120. وابن يعيش 4/ 122. والمقرب 2/ 179. وموضع الشاهد في قوله: لا هَناك، يريد: لا هنّأك.
(5) سورة البقرة، الآية: 61.
(6) هذا قول الأخفش الصغير علي بن سليمان. انظر الدر المصون 1/ 394. وذكره النحاس 3/ 737. ومكي 2/ 484 دون نسبة.
(6/428)
________________________________________
في موضع جر، وأن يكون مقطوعًا عنه فيكون إما في موضع نصب على إضمار أعني، أو رفع على: هو الذي، ومفعول {خَلَقَ} محذوف، أي: خلق المكنونات. وقيل: تقديره خلقك، ثم أبدل عنه فقال: خلق الإنسان، وهذا بدل الاشتمال، وأما على الوجه الأول فهو بدل البعض، لأن الإنسان بعض المكنونات.
وقوله: {اقْرَأْ} كرر الأمر بالقراءة تأكيدًا. {وَرَبُّكَ}: مبتدأ، {الْأَكْرَمُ}: صفته، والخبر محذوف، أي: لا يخليك من الثواب على قراءتك (1). و {الَّذِي} صفة، أو بدل، أو خبر بعد خبر، ويجوز أن يكون الخبر هو {الَّذِي}، فلا حذف على هذا.
وقوله: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} أي: علم الكاتب الكتابة بالقلم، فحُذف للعلم به، تعضده قراءة من قرأ: (عَلَّمَ الخَطَّ بالقلم) وهو ابن الزبير رضي الله عنهما (2). والقلم ما يكتب به، وسُمِّي قلمًا، لأنه يقلم، أي يقطع، ومنه: تقليم الأظفار.
وقوله: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} بدل من قوله: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} لكونه بيانًا له.
{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)}:
قوله عز وجل: {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (أن) مفعول له، والضمير المنصوب في {رَآهُ} هو المفعول الأول لرأى، و {اسْتَغْنَى} هو الثاني، والرؤية هنا من رؤية القلب، ولذلك قال: رآه، ولو كانت من رؤية العين، لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين: المستكن والبارز، ولكان: أن رأي نفسه، وهذا إنما يكون في أفعال القلوب خاصة، يقال فيها: رأيتُني محسنًا، وظننتُني عالمًا،
__________
(1) كذا في إعراب النحاس 3/ 738.
(2) انظر قراءته في مختصر الشواذ/ 176/. والكشاف 4/ 224. والبحر 8/ 493.
(6/429)
________________________________________
ولا يقال: أعطيتُني درهمًا (1).
وقرئ: (رَأهُ) بغير ألف بعد الهمزة بوزن (رعه) (2)، ووجه ذلك أنَّ من العرب من يحذف اللام من الكلم، نحو: {حَاشَ لِلَّهِ} (3)، وأنشد رؤبة:
635 - * وَصَّانِيَ العَجَّاجُ فيما وَصَّنِي (4) *
أراد: فيما وصاني. وعن بعض العرب: أصاب الناس جَهْدٌ ولو ترَ أهل مكَّة (5). أراد: ولو ترى، فحذف الألف لدلالة الفتحة عليها، وقد مضى الكلام على هذا في الكتاب الموسوم بالدرة الفريدة في شرح القصيدة بأشبع من هذا، فأغنى عن الإعادة هنا.
وقوله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا} (الذي ينهى) مع الجملة الشرطية وهي: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ} في موضع المفعولين لـ (رأيت)، وجواب الشرط محذوف تقديره: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى، وإنما حذف لدلالة ذِكره في جواب الشرط الثاني، وجاز أن يكون {أَلَمْ يَعْلَمْ} جوابًا للشرط كما جاز في قولك: إن أكرمتك أتكرمني؟ وإن أَحْسَنَ إليك فلان هل تحسن إليه؟ و {أَرَأَيْتَ} الثانية مكررة للتوكيد، فاعرفه فإنه كان كلام الزمخشري (6).
{كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)}:
__________
(1) انظر في هذا أيضًا إعراب ثلاثين سورة/ 137/.
(2) رواية عن قنبل عن ابن كثير. انظر السبعة / 692/. والحجة 6/ 423. والتذكرة 2/ 633. والكشف 2/ 383. والنشر 2/ 401.
(3) انظر إعرابه للآية (31) من "يوسف".
(4) انظره أيضًا في الخصائص 2/ 317. والحجة 6/ 424. والبحر المحيط 8/ 493. والدر المصون 11/ 58.
(5) انظر هذا في كشف مكي 2/ 383. ومشكله 2/ 485.
(6) الكشاف 4/ 224.
(6/430)
________________________________________
قوله عز وجل: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا} (كلا) هنا يجوز أن يكون ردعًا وزجرًا، وأن يكون بمعنى (حقًّا). واللام في {لَئِنْ} لام توطئة القسم، والقسم بعده مضمر، أي: لئن لم ينته والله لنسفعن.
والجمهور على تخفيف هذه النون، والوقف عليها بالألف، لانفتاح ما قبلها تشبيهًا بالمنون المنصوب، وكذلك كُتِبتْ في "الإمام" بالألف على حكم الوقف، وقرئ: (لنسفعنَّ) بالنون المشددة (1)، وهي أبلغ في التوكيد من المخففة، وعن ابن مسعود رضي الله عنه: (لأسْفَعَنْ) بالهمزة مكان النون (2)، والوجه ما عليه الجمهور، لأجل "الإمام" مصحف عثمان رضي الله عنه.
وقوله: {نَاصِيَةٍ} بدل من (الناصية)، وجاز بدلها من المعرفة وهي نكرة، لأنها وصفت فاستقلت بفائدة.
{كَاذِبَةٍ} أي: كاذب صاحبها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فارتفع الضمير واستكن، ووكذا {خَاطِئَةٍ}، أي: خاطئ صاحبها.
والجمهور على جر {نَاصِيَةٍ} وقد ذكر وجهه، وقرئ: (ناصيةٌ) بالرفع (3)، على: هي ناصية. و (ناصيةً) بالنصب (4) على الشتم، وكذا القول في {كَاذِبَةٍ}.
وقوله: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} أي. أهل ناديه، فحذف المضاف، والنادي: المجلس.
__________
(1) رواها محبوب، وهارون عن أبي عمرو. انظر مختصر الشواذ/ 176/. وإعراب القراءات 3/ 509. والمحرر الوجيز 16/ 336. والبحر المحيط 8/ 495.
(2) انظر قراءته في معاني الفراء 3/ 280. والكشاف 4/ 224 بالإضافة إلى المختصر، والمحرر للموضعين السابقين.
(3) رواية عن الكسائي، وليست من المتواتر، انظرها في مختصر الشواذ / 176/. والمحرر الوجيز 16/ 336. والبحر 8/ 495.
(4) قراءة آخرين في المختصر، وأبي حيوة في المحرر، وهذا مع ابن أبي عبلة، يزيد بن علي في البحر انظر المواضع السابقة.
(6/431)
________________________________________
وقوله: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} حذف الواو من {سَنَدْعُ} في "الإمام" ذهابًا إلى اللفظ، لأنه يسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين. وقيل: بل حذف تشبيهًا للواو بالياء (1)، وقد حذفت الياء في نحو: {الدَّاعِ} (2) {الْوَادِ} (3) و {التَّنَادِ} (4).
وواحد الزبانيَّة: زِبْنيٌّ. وقيل؟ زَبَانيٌّ. وقيل: زابنٌ. وقيل: لا واحد لها من لفظها، وهي فعالية من الزَّبْن، وهو الدفع (5).
وقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} المنوي في الفعلين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معنى: دُمْ على سجودك في الصلاة، واقترب إلى الله بالسجود، فإن "أقرب ما يكون العبد إلى الله إذا سجد" (6)، وقيل: المستكن في "وَأقتَرِب" لأبي جهل على معنى: واقترب يا أبا جهل من النار لترى ما ترى (7). والوجه هو الأول، وعليه الجمهور، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة العلق
والحمد لله وحده
__________
(1) انظر القولين في إعراب ثلاثين سورة / 141/. وقال النحاس 3/ 740: كتب بغير واو على الإدراج ولا يجوز الوقف عليه. وقال ابن عطية 16/ 337: حذف الواو من خطأ المصحف اختصارًا أو تخفيفًا.
(2) سورة القمر، الآية: 6.
(3) سورة طه: الآية: 12.
(4) سورة غافر، الآية: 32.
(5) الأول للكسائي كما في معاني الفراء 3/ 280. والثاني للأخفش كما في الصحاح (زبن). والثالث عن بعضهم كما في الصحاح أيضًا. وبقي قول رابع سها عنه المؤلف، وهو: زِبْنية، قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 2/ 304. والجرمي كما في إعراب ثلاثين سورة / 141/.
(6) من لفظ حديث صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء". أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود (482).
(7) هذا قول زيد بن أسلم كما في النكت والعيون 6/ 309. وزاد المسير 9/ 179 - 180.
(6/432)
________________________________________
إعراب سُورَةِ القَدْرِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيْمِ
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)}:
قوله عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} الضمير المنصوب في {أَنْزَلْنَاهُ} للقرآن وإن لم يجر له ذكر لحصول العلم به، وإن شئت قلت: للمُنْزَل، يدل عليه {أَنْزَلْنَاهُ} (1). وقيل: لجبريل - عليه السلام - (2).
وقيل: لأول القرآن (3). وقيل: للقضاء والقدر النازل إلى الأرض من السنة إلى السنة في هذه الليلة، والوجه هو الأول وعليه الأكثر.
وأصل {إِنَّا}: إننا، فحذفت إحدى النونات كراهة اجتماع الأمثال، والمحذوفة هي الوسطى، بشهادة قوله جل وعز: (وإنْ كُلًّا) على قراءة من خفف، وقد ذكر فيما سلف من الكتاب (4).
وقوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} في الكلام حذف تقديره:
__________
(1) انظر إعراب النحاس 3/ 742.
(2) قاله الماوردي 6/ 311.
(3) كأنه أخذه من قول الشعبي: نزل أول القرآن في ليلة القدر. انظر جامع البيان 30/ 258.
(4) انظر إعرابه للآية (111) من هود، والقراءة من المتواتر.
(6/433)
________________________________________
قيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر ليس فيه ليلة القدر.
وقوله: {تَنَزَّلُ}: أصله تتنزل، فحذفت إحدى التاءين كراهة اجتماعهما في صدر الكلمة.
وقوله: {وَالرُّوحُ فِيهَا} ابتداء وخبر، والضمير المجرور في {فِيهَا} للملائكة، ويجوز أن يكون (الروح) عطفًا على {الْمَلَائِكَةُ}، و (فيها) من صلة {تَنَزَّلُ} أو من صلة محذوف، فيكون حالًا من {الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} أي: كائنين فيها، والضمير في {فِيهَا} على هذا المجرور لـ {لَيْلَةُ}.
وقوله: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} من صلة {تَنَزَّلُ}، أي: تنزل الملائكة بإذن الله لهم في النزول (1). و {مِنْ} بمعنى الباء، كقوله: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (2)، أي: بأمر الله، على أحد التأويلين (3).
{سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}:
قوله عز وجل: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (إسلام) هنا يجوز أن يكون على بابه بمعنى التسليم، وأن يكون موضوعًا موضع اسم الفاعل الذي هو مُسَلِّمة، أو سالمة على ما يأتي بيانها إن شاء الله تعالى، أو المفعول الذي هو مُسَلَّمة.
وفي ارتفاع {هِيَ} وجهان: إما على الابتداء وخبره {سَلَامٌ}، أو على الفاعلية بـ {سَلَامٌ} لكونه مصدرًا، كما تقوله: ضرْبٌ زيدٌ، أو على رأي أبي الحسن إن جعلته بمعنى اسم الفاعل أو المفعول.
فإذا فهم هذا فقوله عز وعلا: {حَتَّى}، يجوز أن يكون متصلًا بقوله:
__________
(1) في (ب) و (ج) العبارة هكذا: أي تنزل الملائكة بإذن الله، أي: يأذن الله لهم في النزول بأمر الله.
(2) سورة الرعد، الآية: 11.
(3) انظر إعرابه للآية السابقة.
(6/434)
________________________________________
{تَنَزَّلُ}، وأن يكون متصلًا بنفس {سَلَامٌ} وعينه، وأن يكون متصلًا بمحذوف إذا جعلته خبرًا لسلام، أعني: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر}، على ما ستراهن موضحات بعون الله وتوفيقه. فعلى الوجه الأول: {هِيَ} مبتدأ، و {سَلَامٌ} خبر مقدم وهو على بابه بمعنى التسليم، يعضده قول ابن عباس رضي الله عنهما: "هي ليلة سلام، كما لقيت الملائكة مؤمنًا أو مؤمنة في هذه الليلة سلموا عليه من ربه" (1). ولما كان السلام يكثر وقوعه في تلك الليلة سميت الليلة سلامًا، كما سُمِّي الرجل صَوْمًا وزَوْرًا إذا كان ذلك يكثر منه، ولك أن تقدر حذف مضاف، أي: ذات سلام هي، وكلاهما شائع مستعمل في كلام القوم، فـ {حَتَّى} على هذا من صلة {تَنَزَّلُ}: أبو علي: فإن قلت: فإذا كان متصلًا بقوله: {تَنَزَّلُ} فكيف فصل بين العامل والمعمول بالجملة التي هي {سَلَامٌ هِيَ} فإن ذلك لا يمتنع لأمرين، أحدهما: أن هذه الجملة ليست بأجنبية، ألا تراها متصلة بالكلام ومسددة. والآخر: أن تكون في موضع الحال من الضمير في قوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} مسلمة، فهذا لا يكون فصلًا على هذا الوجه، انتهى كلامه. ولا يجوز أن يكون من صلة {سَلَامٌ} لأجل الفصل بين الصلة والموصول بالمبتدأ الذي هو {هِيَ}، وذلك لا يجوز.
وعلى الثاني: {هِيَ} ابتداء أيضًا، و {سَلَامٌ}) خبره، و {حَتَّى} متصل بمضمر يدل عليه {سَلَامٌ} تقديره: تسلم حتى، ولا يكون من صلة {سَلَامٌ} لما ذكرت آنفًا، ولا من صلة {هِيَ}، لأنه لا معنى فِعْلٍ فيه.
وعلى الثالث: {هِيَ} مبتدأ أيضًا، وخبره {سَلَامٌ}، و {حَتَّى} من صلة {سَلَامٌ}، وسلام بمعنى سالمة، أي: هي ذات سلامة. أي: هذه
__________
(1) هذا القول للكلبي من تأويله لقراءة ابن عباس - رضي الله عنهما - كما سيأتي. انظر معاني الفراء 3/ 280. وجامع البيان 30/ 260. والنكت والعيون 6/ 314. ومعالم التنزيل 4/ 512.
(6/435)
________________________________________
الليلة سالمة من الشر والبلايا والآفات إلى مطلع الفجر، أو بمعنى مسلَّمة، سلمها الله تعالى من الآفات إلى طلوع الفجر، لا بد من هذا التقدير ليصح تعليق {حَتَّى} به.
وعلى الرابع: {سَلَامٌ} مبتدأ، و {هِيَ} مرتفعة به على الفاعلية، وخبره {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، فـ {حَتَّى} على هذا من صلة محذوف لكونه خبرًا للمبتدأ الذي هو سلام، وهو ثابت أو مستقر، كما تقوله: ضربٌ زيدٌ إلى طلوع الشَّمس، فاعرفه فإنه موضع.
وعن بعضهم (1): أن الكلام قد تم عند قوله: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}، ثم ابتدأ فقيل: من كل أمر سلام، أي هي من كل أمر شيء، أي: من كل بلاء وآفة وكيد شيطان، ثم قال: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، أي: ذلك إلى طلوع الفجر.
وقرئ: (مِنْ كُلِّ امْرِيءٍ) بوصل الهمزة وبكسر الراء، وبهمزة مكسورة منونة بعدها (2)، فالوقف على هذه القراءة عند الجمهور على قوله: {سَلَامٌ}، على معنى: من كل امرئٍ من الملائكة سلام على المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، ثم تبتدئ: {هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، أي هي تمتد إلى طلوع الفجر.
أبو الفتح: التقدير على هذه القراءة من كل امرئ سالمة هي أو مسلمة هي، أي: هي سالمة منه أو مسلمة منه، انتهى كلامه (3).
__________
(1) انظر المحرر الوجيز 16/ 341.
(2) نسبت هذه القراءة لابن عباس - رضي الله عنهما -، وعكرمة، وغيرهما. انظر معاني الفراء 3/ 280. ومعاني الزجاج 5/ 347. وجامع البيان 30/ 260. وإعراب النحاس 3/ 744. ومختصر الشواذ/ 176/. وإعراب القراءات 2/ 510. والمحتسب 2/ 368. والنكت والعيون 6/ 314. والمحرر الوجيز 16/ 341.
(3) المحتسب الموضع السابق.
(6/436)
________________________________________
وقرئ: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} بفتح اللام (1)، وهو مصدر بمعنى الطلوع، وبكسرها (2)، وهو مصدر أيضًا، كذا قال صاحب الكتاب رحمه الله، قال: وقد كسروا المصدر في هذا الباب، قالوا: أتيتك عند مطلع الشَّمس، أي: عند طلوعها، فهذه لغة بني تميم، قال: وأما أهل الحجاز فيفتحون (3).
أبو إسحاق: مَن فتح يعني الطلوع، ومن كسر فهو اسم لوقت الطلوع، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة القدر
والحمد لله وحده
__________
(1) هذه قراءة العشرة إلا اثنين منهم كما سيأتي.
(2) قرأها الكسائي، وخلف. انظرها مع القراءة الأولى في السبعة/ 693/. والحجة 6/ 427. والمبسوط/ 475/. والتذكرة 2/ 634.
(3) الكتاب 4/ 90.
(6/437)
________________________________________
إعراب سُورَة لَمْ يَكُنِ (1)
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)}:
قوله عز وجل: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} الجمهور على جر (المشركين) وهو الوجه، لأجل المعنى والإمام - مصحف عثمان رضي الله عنه - عطفًا على {أَهْلِ}، أي: لم يكن الكفار من اليهود والنصارى ومن المشركين، أي: الذين أشركوا بالله غيره في العبادة، وهم عبدة الأوثان على ما فسر (2)، فهم غير الذين كفروا من أهل الكتاب.
وقرئ: (والمشركون) بالرفع (3) عطفًا على {الَّذِينَ}، وهو سهو لأنه ينقلب المعنى ويصير المشركون من أهل الكتاب، وليسوا منهم، مع ما فيه من مخالفة خط المصحف.
__________
(1) في (ب): سورة البينة. وفي (ج) سورة القيمة.
(2) انظر جامع البيان 30/ 262. والنكت والعيون 6/ 315.
(3) حكاها ابن عطية 16/ 344 عن بعض الناس. ونسبها القرطبي 20/ 142 إلى الأعمش، وإبراهيم. ويشهد لها قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه -: (لم يكن المشركون وأهل الكتاب منفكين). انظر معاني الفراء 3/ 281. ومختصر الشواذ / 176/. والنكت والعيون 6/ 316.
(6/438)
________________________________________
و {مِنْ أَهْلِ} في موضع نصب على الحال من الواو في {كَفَرُوا}، أي: كائنين منهم، و {مِنْ} للتبيين، وقيل للتبعيض (1).
و{مُنْفَكِّينَ}: خبر (كان)، من انفك الشيء من الشيء، إذا فارقه، والانفكاك انفراج الشيء عن الشيء وزواله عنه، ومنه فَكاك الرهن، وهو زواله عن الانغلاق وانفصاله عنه، هذا أصله في اللغة.
واختلف أهل التأويل فيه، فقال قوم: لم يكونوا منتهين عما هم عليه حتى جاءهم الرسول. وقال بعضهم: تاركين. وقالَ آخرون: متفرقين.
وقال غيرهم: مفارقين، ولا يحتاج {مُنْفَكِّينَ} - على هذه التأويلات - إلى خبر (2).
وقوله: {رَسُولٌ} يجوز أن يكون بدلًا من {الْبَيِّنَةُ}، وأن يكون على إضمار مبتدأ، أي: هي رسول، وقد جوز أن يكون مستأنفًا مبتدأ و {يَتْلُو} خبره، وما ذكرت أمتن. ويجوز في الكلام نصبه على الحال من البينة، وحكي أن في حرف عبد الله رضي الله عنه كذلك (3).
و{مِنَ اللَّهِ}: يجوز أن يكون في موضع رفع على النعت لـ {رَسُولٌ}، وأن يكون في موضع نصب على الحال، إما من صُحُف، أو من المنوي في {مُطَهَّرَةً}، و {يَتْلُو} صفة أو حال إما من {رَسُولٌ} لكونه قد وصف، أو من المستكن في الصفة وهي {مِنَ اللَّهِ}.
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ
__________
(1) انظر مفاتيح الغيب 32/ 39.
(2) انظر هذه الأقوال في جامع البيان 30/ 262. والنكت والعيون 6/ 315.
(3) كذا حكاها الزمخشري 4/ 226 عن عبد الله أيضًا، لكن الذي في معاني الفراء 3/ 282. وإعراب النحاس 3/ 749. ومختصر الشواذ / 176/. ومشكل مكي 2/ 490. والمحرر الوجيز 16/ 344. أنها في حرف أُبي - رضي الله عنه -. وعزاها القرطبي 20/ 142. وأبو حيان 8/ 498 إليهما معًا.
(6/439)
________________________________________
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)}:
قوله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا} قيل: اللام صلة، و (أن) الناصبة مضمرة بعدها، أي: وما أمروا إلا أن يعبدوا (1). وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ كذلك (2). والمعنى: بأن يعبدوا. وقيل: ليست بصلة، وفي الكلام حذف تقديره: وما أمروا بما أمروا إلا ليعبدوا.
و{مُخْلِصِينَ}: حال من الفاعل في {لِيَعْبُدُوا}، وكذا {حُنَفَاءَ} حال أخرى على قول من جوز حالين من ذي حال واحد، أو من المنوي في {مُخْلِصِينَ} على قول من لم يجوز ذلك.
وقوله: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أي: دين الملة القيمة، فحذف المضاف إليه وأقيمت الصفة مقامه، كما فعل بصلاة الأولى، ومسجد الجامع، والتقدير: صلاة الساعة الأولى، ومسجد الوقت الجامع.
و{خَالِدِينَ}: حال من المنوي في الظرف، والعامل الظرف نفسه، وذلك الظرف {فِي نَارِ جَهَنَّمَ}، و {مِنْ أَهْلِ}: حال، وقد ذكر قبيل.
و{الْبَرِيَّةِ} قرئ: بالهمزة على الأصل، لأنه من برأ الله الخلق، وبتركه (3) على التخفيف كالنبي، وهو مما استمر الاستعمال على تخفيفه عند جمهور العرب، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، وهي صفة غالبة كالحَسَنِ والعباس لرفضهم الموصوف معها، وقيل: هي من البرا وهو التراب (4)، لأنها خلقت
__________
(1) انظر الفراء 3/ 282. وإعراب النحاس 3/ 749.
(2) انظر قراءته أيضًا في معاني الفراء الموضع السابق. والكشاف 4/ 227.
(3) قرأ نافع، وابن عامر: (البريئة) في الموضعين. وقرأ الباقون بغير همز. انظر السبعة / 693/. والحجة 6/ 428. والمبسوط / 475/. والتذكرة 2/ 635.
(4) كذا رسم (البرا) ممدودًا في الصحاح أيضًا. وبقية المعجمات على قصر ألفه، وكذا نص الفراء في المقصور والممدود / 26/. على كونه مقصورًا.
(6/440)
________________________________________
منه، عن الفراء (1). وأنكر الشيخ أبو علي ذلك، وقال: وهمز من همز البريئة، يدل على فساد قول من قال: إنه من البرا الذي هو التراب، ألا ترى أنه لو كان كذلك لم يجز همز من همزه على حالٍ إلا على وجه الغلط، كما حكوا: استلأمت الحجر، ونحو ذلك من الغلط الذي لا وجه له في الهمز، انتهى كلامه (2).
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)}:
قوله عز وجل: {هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} قرئ: (هُمْ خِيَارُ البِرَيَّةِ) بكسر الخاء، وألف بعد الياء (3). وقد جوز أن يكون جمع خَيِّر، كجياد وكياس في جمع جَيّد وكَيّس، وأن يكون جمع خائر كقيام في قائم، تقول: خِرْتُ فلانًا فهو مخير، وأنا خائر له، وأن يكون جمع خَيْر الذي هو ضد الشر، كقولك: هذا رجل مجبول من خير، وأن يكون جمع خير الذي هو بمعنى أخير، وقد جُمع أَفْعَلُ على فِعالٍ نحو: أَبْخَل وبِخال، فاعرفه فإنه من كلام أبي الفتح (4).
وقوله: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} (جزاؤهم) مبتدأ و {جَنَّاتُ عَدْنٍ} خبره، وفي الكلام حذف مضاف، أي: دخول جنات. و {عِنْدَ}: ظرف للجزاء.
__________
(1) معانيه 3/ 282.
(2) الحجة 6/ 428.
(3) قرأها عامر بن عبد الواحد كما في مختصر الشواذ / 177/. والمحتسب 2/ 369. وعزاها ابن خالويه في إعراب القراءات 2/ 512 إلى أبي الأسود الدؤلي. كما أضافها أبو حيان 8/ 499 إلى حميد أيضًا.
(4) المحتسب الموضع السابق.
(6/441)
________________________________________
{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} انتصاب {خَالِدِينَ} على الحال، وذو الحال والعامل كلاهما مضمر يدل عليه {جَزَاؤُهُمْ} تقديره: يجزونها خالدين، ولا يجوز أن يكون ذو الحال (هم) المجرور في {جَزَاؤُهُمْ} كما زعم أبو محمد (1) محتجًا بأن المصدر هنا ليس في تقدير أن والفعل فتقع التفرقة بينه وبين ما يتعلق به (2). وليس الأمر كما ذكر، لأن الأحداث مهما جُعلت عاملة فلابد لها من تقدير أن والفعل، وإذا كان كذلك فيقع الفصل بين المصدر الذي هو {جَزَاؤُهُمْ} ومعموله الذي هو {خَالِدِينَ} بالخبر، الذي هو {جَنَّاتُ عَدْنٍ}، وذلك لا يجوز عند جميع النحاة (3).
و{أَبَدًا} ظرف زمان وهو تأكيد للخلود، أي: لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة البينة
والحمد لله وحده
__________
(1) هو مكي بن أبي طالب القيسي.
(2) انظر مشكل إعراب القرآن 2/ 490.
(3) انظر أيضًا البيان 2/ 526. والتبيان 2/ 1298. والدر المصون 11/ 71 - 72.
(6/442)
________________________________________
إعراب سورة الزلزلة (1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)}:
قوله عز وجل: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} ناصب (إذا) جوابها وهو. {تُحَدِّثُ} (2)، أو {يَصْدُرُ} (3)، أو {فَمَنْ يَعْمَلْ} (4)، أو مضمر يدل عليه {فَمَنْ يَعْمَلْ}، أي: إذا زلزلت أخذ كلٌ من الفريقين ما يستحقه. وقيل: اذكر، ولا يجوز أن يكون العامل فيها {زُلْزِلَتِ} كما زعم أبو محمد، والمهدوي (5) وإن كان فيها معنى الشرط، إذ ليست بشرط محض كمن وما، فيعمل فيها ما بعدها كما يعمل فيهما نحو: من تضرب أضرب، وما تفعل أفعل، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} (6) وسبب ذلك أن (إذا) مضاف إلى الفعل الذي بعده، والمضاف مع المضاف إليه كالشيء الواحد،
__________
(1) في (ب): سورة الزلزال.
(2) من الآية (4).
(3) من الآية (6).
(4) من الآية (7).
(5) انظر مشكل مكي 2/ 491. والمحرر الوجيز 16/ 347. والتبيان 2/ 1299. والمهدوي هو: أحمد بن عمار، نحوي، لغوي، مفسر، مغربي من المهدية. كان عالمًا بالأدب والقراءات، له كتاب التفصيل، والتحصيل وغيرهما. توفي سنة أربعين وأربعمائة.
(6) سورة فاطر، الآية: 2.
(6/443)
________________________________________
فكما لا يجوز أن يعمل بعض الكلمة في بعض، فكذلك لا يجوز أن يعمل المضاف إليه في المضاف، وليس كذلك أداة الشرط مع الفعل، لأنها ليست بمضافة إلى الفعل، فاعرف الفرقان بينهما.
والجمهور على كسر زاي {زِلْزَالَهَا}، وهو مصدر زلزل، وقرئ: بفتحها (1)، وهو اسمٌ غير مصدر. وقيل: واحد، وهو مصدر وليست في الأبنية فعلال بالفتح إلا في المضاعف، وزلزل عند البصريين من مضاعف الرباعي، وهو الوجه والقياس، وعند الكوفيين هو متعدي زَلَّ، وأصله: زَلّل، إلا أنهم قلبوا اللام الأولى إلى جنس فاء (2) الفعل وهو الزاي، فبقي زلزل، وهو مصدر مؤكد لفعله.
واختلف في سبب إضافته إلى الأرض، فقيل: إنما أضيف إليها لأن المعنى زلزلت زلزالًا يليق بها. وقيل: زلزالًا سبق الوعد به لها. وقيل: لتتفق رؤوس الآي (3).
{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)}:
قوله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} (يومئذٍ) بدل من {إِذَا}، وناصبها {تُحَدِّثُ} وقد ذكر. و {أَخْبَارَهَا} مفعول ثان لقوله: {تُحَدِّثُ}، والمفعُول الأول محذوف، أي: تحدث الناس أو الخلق أخبارها.
و{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} الباء من صلة {تُحَدِّثُ} أي: تحدث الأرض أخبارها بسبب ما أوحي إليها، أي: بسبب إيحاء ربك لها وأمره إياها
__________
(1) قرأها الجحدري كما في إعراب النحاس 3/ 752. ومختصر الشواذ / 177/. وإعراب القراءات 2/ 515. ومشكل مكي 2/ 492. والمحرر الوجيز 16/ 347. وأضافها القرطبي 20/ 147 إلى عيسى بن عمر. كما عزيت في زاد المسير 9/ 202 إلى آخرين.
(2) في (ب): (لام) الفعل.
(3) انظر القولين الأول والثاني في التفسير الكبير 32/ 55. والثالث في معاني الفراء 3/ 283. وجامع البيان 30/ 265. وإعراب النحاس 3/ 752.
(6/444)
________________________________________
بالتحديث. وقيل: الباء صلة، و (أَنَّ) بدل من {أَخْبَارَهَا} (1)، كأنه قيل: تحدث أن ربك أوحى لها، أو تحدث بأخبارها بأن ربك أوحى لها، لأنه يقال: حدثه كذا، وحدثه بكذا، فالباء على هذا ليست بصلة، و {لَهَا} من صلة {أَوْحَى}، و {لَهَا} بمعنى: إليها، وكفاك دليلًا. {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} (2).
و{يَوْمَئِذٍ} الثاني يجوز أن يكون ظرفًا لقوله: يصدر، وأن يكون بدلًا من {إِذَا} كالأول.
{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}:
قوله عز وجل: {يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} (أشتاتًا) حال من {النَّاسُ}، أي: متفرقين. وهو جمع شَتٍّ أو شتيت.
وقوله: {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} يجوز أن يكون من صلة قوله: {يَصْدُرُ}، وأن يكون من صلة {أَوْحَى}. والجمهورِ على ضم الياء على البناء للمفعول، وقرئ: (لِيَروا) بفتحها على البناء للفاعل (3)، وفي الكلام حذف مضاف، أي: لِيُروا جزاء أعمالهم، أو لِيَروا، على قدر القراءتين.
وقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} (من) شرطية في موضع رفع بالابتداء، والخبر {يَعْمَلْ} أو الجواب وهو {يَرَهُ}، أي: يَرَ جزاءه، فحذف المضاف. والجمهور على فتح الياء على البناء للفاعل، وقرئ: (يُرَهُ)
__________
(1) انظر هذا القول أيضًا في التبيان 2/ 1299.
(2) سورة النحل، الآية: 68.
(3) رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في إعراب النحاس 3/ 753. ومختصر الشواذ / 177/. والكشاف 4/ 228. وقرأها أيضًا قتادة، وحماد بن سلمة، والحسن، والأعرج، والزهري، وأبو حيوة. انظر إعراب القراءات السبع 2/ 516. والمحرر الوجيز 16/ 349. كما أضافها ابن الجوزي 9/ 204 إلى أبي بكر، وعائشة - رضي الله عنهما -، والجحدري.
(6/445)
________________________________________
بضمها على البناء للمفعول (1)، وهو منقول من رأيت زيدًا، بمعنى أبصرت، أي: يُريه ذلك غيره، فأقيم أحد المفعولين مقام الفاعل وبقي الثاني على حاله.
و{خَيْرًا}: يجوز أن يكون تمييزًا وهو الجيد، وأن يكون بدلًا من {مِثْقَالَ}.
والكلام في قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} كالكلام في المذكور آنفًا في جميع ما ذكرت فيه فاعرفه، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الزلزلة
والحمد لله وحده
__________
(1) رواية أبان عن عاصم، ونصير عن الكسائي. انظر السبعة/ 694/. والمبسوط 475 - 476.
والتذكرة 2/ 636. وهي قراءة ابن عباس، وعلي بن الحسين، وزيد بن علي - رضي الله عنهم - وآخرين. انظر مختصر الشواذ / 177/. والكشاف 4/ 228. والمحرر الوجيز 16/ 350. وزاد المسير 9/ 204 - 205. والقرطبي 20/ 151.
(6/446)
________________________________________
إعراب سُورَة العَادِيَاتِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)}:
قوله عز وجل: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} (العاديات) جر بواو القسم. و {ضَبْحًا}: يجوز أن يكون مصدرًا مؤكدًا لفعلة، وفعله محذوف، أي: يضبحن ضبحًا، أو للعاديات حملًا على المعنى وميلًا إليه؛ لاقتران الضبح مع العَدْو، وكأنه قيل: والضابحات ضبحًا، وأن يكون في موضع الحال من المنوي في {وَالْعَادِيَاتِ}، أي: ضابحة في العَدْو، على إرادة الجماعة، أو ضابحات على اللفظ والمعنى.
والعاديات: الخيل عند الأكثر، والضبح صوت أجوافها إذا عَدَتْ، يقال: ضَبَحَتِ الخيلُ تَضْبَحُ ضَبْحًا. وعن علي بن أبي طالب، وابن مسعود رضي الله عنهما - وهذا في وقعه بدر - "لم يكن معنا فيها سوى فرسين: فرس للزبير، وفرس للمقداد بن الأسود"، [العاديات ضبحًا: الإبل] (1). وقيل: فإن صحت الرواية، فقد استعير الضبح للإبل كما استعير الحافر للإنسان (2).
وقوله: {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} (قدحًا) يجوز أن يكون مصدرًا مؤكدًا لفعله،
__________
(1) هذه تتمّة الرواية، وهي موضع الشاهد، وانظر جامع البيان 30/ 272 - 273. وإعراب النحاس 3/ 755. والكشاف 4/ 229.
(2) قاله الزمخشري في الموضع السابق.
(6/447)
________________________________________
أي: يَقْدَحْنَ قَدْحًا، أو للموريات لأنها بمعنى القادحات، وأن يكون في موضع الحال من المستكن في (الموريات)، أي: قادحات. وقيل: انتصابه على التمييز (1)، وهو من التعسف.
والموريات: المظهرات بسنابكها النار، يقال: أوْرَى القادح يُوري إيراءً، إذا قَدَحَ قَدْحًا. والقَدْح: الصَّك. والإيراء: إخراج النار، يقال: قدح فأورى، وقدح فَأَصْلَد (2).
{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} انتصاب قوله: {صُبْحًا} على الظرف، وهو ظرف زمان، أي: تغير على العدو في وقت الصبح، والمراد أربابها، لأنهم هم المغيرون لا خيلهم.
وقوله: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} هذا عطف على ما قبله من لفظ اسم الفاعل حملًا على معناه، لأن معناه: اللاتي عدون فأورين، فاغرن، فأثرن. وأصله: أَثْوَر، فنقلت حركة الواو إلى الثاء، وقلبت الواو ألفًا، فبقي أثار، فلما اتصل الفعل بالضمير اجتمع ساكنان: الألف والراء، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فبقي (أَثَرْنَ) كما ترى ووزنه (أَفَلْنَ) والعين محذوفه، وثار التراب، إذا هاج، وأثرته أنا، إذا هيجته.
واختلف في الضمير في {بِهِ}، فقيل: للوقت، يدل عليه قوله:
{صُبْحًا}، أي: فهيجن بذلك الوقت نقعًا، أي: غبارًا، والنقع: الغبار (3). وقيل: للمكان وإن لم يجر له ذكر، لأن الإغارة لا تكون إلا في مكان (4). وقيل: للوادي (5). وقيل: للعَدْو، يدل عليه قوله: {وَالْعَادِيَاتِ} (6).
__________
(1) انظر هذا الوجه أيضًا في روح المعاني 30/ 215.
(2) كذا في الكشاف 1/ 228.
(3) قاله الزمخشري 4/ 229. والمراد بالوقت: الصبح.
(4) قاله الطبري 30/ 275. والزجاج 5/ 353.
(5) قاله الفراء 3/ 285.
(6) انظر هذا القول في الكشاف 4/ 229.
(6/448)
________________________________________
وقيل: نقعًا، أي: صوتًا، والنقع: الصوت، وهو مفعول به على كلا التأويلين.
والجمهور على تخفيف ثاء (أثَرن) وهو من لفظ ث ور، وقد ذكر معناه، وقرئ: (فأثَّرن) بتشديدها (1)، بمعنى أبدين وأظهرن، لأن التأثير فيه معنى الإبداء والإظهار، كما يؤثر الإنسان النقش وغيره مما يظهره ويبديه، وقد جوز أن يكون أصله ثَوَّرْنَ، فقلب إلى وثرن، وقلب الواو همزة كما قلب في أَحَدٍ وَأَناةٍ (2).
فإن قلت: لِمَ شْدد الثاء على هذا؟ قلت: هو عوض من حذف إحدى الواوين، وهي الأولى الساكنة.
وقوله: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} الضمير في {بِهِ} يجوز أن يكون للوقت، وأن يكون للمكان، وأن يكون للنقع، أي: ملتبسات به، وأن يكون للعَدْوِ. و {جَمْعًا} يجوز أن يكون مفعولًا به، أي: فتوسطن جَمْعَ العَدُوِّ للحرب (3)، يقال: وَسَطْتُ القومَ، إذا توسطتهم، وَوَسَطَهُ بمعنى توسطه: وأن يكون حالًا بمعنى: مجتمعات، أو مجتمعين، إذ المراد أربابها، يعني اجتماع الحاج بمنىً على ما فسر (4). وقيل: الباء صلة، أي وسطنه (5).
والجمهور على تخفيف السين، وقرئ: (فوسَّطن) بتشديدها (6)، وهو بمعنى التخفيف غير أن التشديد فيه معنى التكثير والتكرير. وقيل: معنى
__________
(1) قرأها أبو حيوة كما في المحتسب 2/ 370. والكشاف 4/ 229. والمحرر الوجيز 16/ 353. والقرطبي 20/ 159. وعزيت في مختصر الشواذ / 178/ إليه وإلى ابن أبي عبلة.
(2) انظر الكشاف الموضع السابق.
(3) انظر هذا الوجه في جامع البيان 30/ 277. والنكت والعيون 6/ 325.
(4) يعني جمع منى، وهي المزدلفة، سميت كذلك لاجتماع الحاج بها، انظر الطبري، والماوردي الموضعين السابقين، ومعالم التنزيل 4/ 518.
(5) التبيان 2/ 1300.
(6) قرأها علي - رضي الله عنه -، وقتادة، وابن أبي ليلى. انظر مختصر الشواذ / 178/. وإعراب القراءات السبع 2/ 520. والمحتسب 2/ 370. والمحرر الوجيز 16/ 354.
(6/449)
________________________________________
التشديد: مَيَّزْنَ به جَمْعًا، أي: جعلنه شطرين، قسمين، شقين. ومعنى التخفيف: صرنَ في وسطه (1).
{إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)}:
قوله عز وجل: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} هذا جواب القسم، و {لِرَبِّهِ} من صلة (كنود)، والكنود الجاحد لنعم الله تعالى، يقال: كَنَدَ النعمةَ، إذا جحدها.
وقوله: {وَإِنَّهُ} أي: وإن الله على كفرانه وعصيانه لشهيد، أي: لشاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما (2). وقيل: إن الإنسان على ذلك، أي: على كنوده لشهيد، يشهد على نفسه أنه كنود، ومنه قوله: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ ... } الآية (3).
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (لحب) من صلة (شديد)، أي: وإن الإنسان بخيل لأجل حب المال، فحذف المضاف.
{أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)}:
قوله عز وجل: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} العامل في {إِذَا} لا يخلو من أن يكون {يَعْلَمُ}، أو {بُعْثِرَ}، أو {لَخَبِيرٌ}، أو مدلول
__________
(1) في (ب) و (ج): واسطه. وانظر هذا القول في المحتسب الموضع السابق.
(2) كون الله تعالى شاهدًا على كفران الإنسان هو قول ابن عباس - رضي الله عنهما -، حكاه القرطبي 20/ 162. وهو قول أكثر المفسرين لكن الذي قاله الماوردي 6/ 326 عن ابن عباس القول الثاني الآتي. ثم إني وجدت ابن الجوزي في الزاد 9/ 210 يروي القولين عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(3) سورة النور، الآية: 24.
(6/450)
________________________________________
قوله: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)} فلا يجوز أن يعمل فيه {يَعْلَمُ} كما زعم قوم (1)، لأن الإنسان لا يراد منه العلم في ذلك الوقت، إنما يراد في الدنيا، على معنى: أفلا يعلم الإنسان الآن أن الله تعالى عالم به إذا بعثر فيجازيه، اللهم إلا على وجه التهديد والوعيد، فحينئذٍ يجوز أن يعمل فيه {يَعْلَمُ}. ولا {بُعْثِرَ} كما زعم آحْرون (2)، لأنه أضيف إليه {إِذَا}، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف. ولا (خبير)، لأن ما بعد {إِنَّ} لا يعمل فيما قبله. وإذا كان كذلك ثبت أن العامل فيه مدلول المذكور، أي: أفلا يعلم الإنسان في الدنيا أن الله تعالى مجازيه إذا بعثر، أو أفلا يعلم عِلْمَ الله به إذا بعثر؟
وأما {يَوْمَئِذٍ}: فيجوز أن يكون معمول قوله: {لَخَبِيرٌ} وإن حال بينهما اللام، لأن حكم هذا اللام أن يكون أولًا، وإنما أخر لأجل في خول {إِنَّ} على الابتداء حتى لا يجتمع حرفا تأكيد، وجاز أن يكون ظرفًا لـ (خبير) وإن كان الله جل ذكره عالمًا بهم في جميع الأوقات والأزمان، لأن الجزاء يقع حينئذٍ، وقد جوز أن يكون ظرفًا لقوله: {وَحُصِّلَ}، أي: حصل ما في الصدور يومئذٍ، والوجه هو الأول، وعليه الجمهور، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة والعاديات
والحمد لله وحده
__________
(1) هو العكبري 2/ 1300.
(2) هو المبرد كما في إعراب النحاس 3/ 757. ومشكل مكي 2/ 494.
(6/451)
________________________________________
إعراب سُورَةِ القَارِعَةِ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)}:
قوله عز وجل: {الْقَارِعَةُ} ابتداء، و {مَا} ابتداء ثان، و {الْقَارِعَةُ} خبره، والجملة خبر الابتداء الأول، وقد مضى الكلام على نحو هذا فيما سلف من الكتاب بأشبع من هذا (1).
وقوله: {يَوْمَ يَكُونُ} (يومَ) يجوز أن يكون ظرفًا لمضمر تدل عليه {الْقَارِعَةُ}، أي: هي واقعة يوم يكون، وأن يكون خبرًا لقوله: {الْقَارِعَةُ}.
وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} اعتراض، كأنه قيل: القارعة العظيمة تقع، أو واقعة في ذلك اليوم، فاعرفه فإنه موضع، وقيل: هو منصوب بإضمار فعل، أي: اذكر، فيكون مفعولًا به.
{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا
__________
(1) إنظر إعرابه لـ {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} من الواقعة، و {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ} من أولها.
(6/452)
________________________________________
مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)}:
قوله عز وجل: {رَاضِيَةٍ} أي: ذاتُ رضًى. وقيل: تقديره: راضٍ صاحبها، كقولهم: نهاره صائم، وليله قائم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، واستكن الضمير في اسم الفاعل، وقد مضى الكلام على نحو هذا بأشبع من هذا فيما سلف من الكتاب (1). و (مَن) في قوله: {مَنْ ثَقُلَتْ} و {مَنْ خَفَّتْ} شرطية في موضع رفع بالابتداء، والخبر {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ}، والفاء جواب (أمَّا). والهاء في {مَا هِيَهْ} هاء السكت، فمن حذفها في الوصل (2) فعلى القياس، لأنها لاحقة في الوقف دون الوصل كألف (أنا) ومَن أثبتها في الوصل فعلى إجراء الوصل مجرى الوقف، ولأنها ثابتة في الرسم.
وقوله: {نَارٌ حَامِيَةٌ} خبر مبتدأ محذوف، أي: هي نار حامية، يعني: أن الهاويه نار حامية، والحامية: المتناهية في الحرارة، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة القارعة
والحمد لله وحده
__________
(1) انظر إعرابه للآية (21) من الحاقة.
(2) حذفها حمزة، ويعقوب كما في المبسوط / 476/. والتذكرة 2/ 638.
(6/453)
________________________________________
إعراب سُورَةِ التَكاثرِ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)}:
قوله عز وجل: {أَلْهَاكُمُ} الجمهور على الخبر، وقرئ: (آلهاكم)
بالاستفهام (1)، ومعناه: التقرير والتوبيخ.
وقوله: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (كلا) ردع وزجر عن التكاثر الملهي عن الطاعة. {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} كُرر تأكيدًا وتغليظًا للوعيد.
وقوله: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} (كلا) يجوز أن يكون بمعنى الأول كُرر لتأكيد الردع، وأن يكون بمعنى حقًّا، وجواب {لَوْ} محذوف، و {عِلْمَ الْيَقِينِ} مصدر مؤكد لفعله، والتقدير: لو تعلمون أنكم ترون الجحيم عِلْمَ الأمر اليقين، أو عِلْمَ الحق لتركتم التفاخر والتكاثر، ولكنكم لا تعلمون
__________
(1) فيها وجهان: (آلهاكم) بالمد، ونسبها الأكثرون إلى ابن عباس - رضي الله عنهما -، وأبي عمران الجوني، ومالك بن دينار، وأبي الجوزاء، وجماعة. و (أألهاكم) بتحقيق الهمزتين، وهي رواية عن الكسائي. انظر مختصر الشواذ / 178/. وإعراب القراءات السبع 2/ 524. والكشاف 4/ 231. والمحرر الوجيز 16/ 358. والبحر 8/ 508. وقال ابن الجوزي في زاد المسير 9/ 219: قرأ أبو بكر، وابن عباس، والشعبي، وأبو العالية، وأبو عمران، وابن أبي عبلة: (أألهاكم) بهمزتين مقصورتين على الاستفهام. وقرأ معاوية، وعائشة - رضي الله عنهم - جميعًا: (آلهاكم) بهمزة واحدة ممدودة استفهامًا أيضًا. وانظر البحر.
(6/454)
________________________________________
ذلك فغفلتم عن الطاعة جهلًا منكم، فحذف جواب (لو) لكونه أبلغ من الإتيان به، والموصوف - وهو الأمر أو الحق - وأقيمت الصفة مقامه.
{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}:
قوله عز وجل: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} اللام جواب قسم محذوف، أي: والله لترون الجحيم. قيل: والقسم لتوكيد الوعيد، وأن ما أوعدوا به ما لا مدخل فيه للريب، وكرره معطوفًا بثُمَّ تغليظًا في التهديد وزيادة في التهويل (1). والرؤية هنا من رؤية العين، ورأى إذا كان من رؤية العين تعدى إلى مفعول واحد، تقول: رأيت زيدًا.
وقرئ: (لتَرون) بفتح التاء. و (لتُرون) بضمها (2)، فمن فتح التاء بنى الفعل للفاعل، وهو ضمير الجمع، وعدّاه إلى مفعول واحد وهو الجحيم، ومن ضمها عداه بالهمزة إلى مفعولين، ثم بناه للمفعول وأقام الأول مقام الفاعل وهو الضمير، وبقي الثاني على حاله وهو {الْجَحِيمَ}، تقول: أنت ترى الجحيم، وأنتما تريان الجحيم، وأنتم ترون الجحيم، وأصله: ترأيون، فنقلت حركة الهمزة إلى الراء، وحذفت الهمزة تخفيفًا، وهذا النقل مطرد في كلام القوم إذا كان الفعل مستقبلًا، نحو: تَرى، وأصله: ترأى، ويرى وأصله: يرأى، فبقي بعد النقل ترءيون، فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها [قلبت] ألفًا وحذفت الألف لسكونها وسكون واو الضمير بعدها، فإذا أتيت بالنون الشديدة للتأكيد، حذفت النون التي هي عَلَمُ الرفع للبناء، وحركت واو الضمير بالضم لسكونها وسكون النون الأولى، ولم تردّ لام الفعل لأن الواو في تقدير السكون، وعلى هذا قالوا: رمت المرأه، ولم يردوا لام
__________
(1) انظر الكشاف 4/ 231.
(2) كلاهما من الصحيح، فقد قرأ ابن عامر، والكسائي بضم التاء، وقرأ الباقون بفتحها. انظر السبعة / 695/. والحجة 6/ 434. والمبسوط / 476/. والتذكرة 2/ 639.
(6/455)
________________________________________
الكلمة؛ لأن التاء في نية السكون، ولذلك أجمع الجمهور على ترك همزها؛ لأن حركتها عارضة لالتقاء الساكنين.
وعن بعض القراء: همزها (1)، على إجراء غير اللازم مجرى اللازم.
وبعد فقد ورد في التفسير أن هذه الرؤية قبل أن يدخلوها، وهي لهم كقوله: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} (2)، فيرونها في الموقف، ثم يرونها إذا دخلوها فشاهدوا فيها ما هُيِّئ لهم من أنواع العذاب، وذلك قوله جل ذكره: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} (3).
وانتصاب {عَيْنَ الْيَقِينِ} على المصدر من غير لفظ الفعل حملًا على المعنى، لأن رأى وعاين بمعنًى. والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة التكاثر
والحمد لله وحده
__________
(1) قرأها الحسن، ورواية عن أبي عمرو. انظر مختصر الشواذ / 179/. وإعراب القراءات السبع 2/ 524. والمحتسب 2/ 371. والمحرر الوجيز 16/ 360.
(2) سورة الشعراء، الآية: 91.
(3) انظر هذا التفسير في مفاتيح الغيب 32/ 76.
(6/456)
________________________________________
إعراب سُورَةِ العَصْرِ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}:
قوله عز وجل: {وَالْعَصْرِ} الجمهور على إسكان الصاد، وقرئ: (والعصِر) بكسرها (1)، كسرت لأجل كسرة الراء، وهذا من باب إتباع الأول الثاني، مع أن الصاد تكسر في الوقف في لغة من ينقل الحركة إذا كانت كسرة أو ضمة إلى الساكن قبلها حرصًا على بيان الإعراب، فقوي الكسر فيها لذلك. وقيل: إن الكسر فيها لغية. وفيه لغتان أخريان: عُصْرٌ وعُصُرٌ، كعُسْرٍ وعُسُرٍ (2).
والعَصْرُ: الدَّهْرُ، أقسم به سبحانه لما فيه من أنواع العجائب، من جهة مرور الليل والنهار وتعاقب الأدوار وغير ذلك.
وقيل: بل أقسم بصلاة العصر لفضلها، والمراد بالعصر آخر النهار.
وقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} قيل: الإنسان هنا عام، والمراد به
__________
(1) قرأها سلام أبو المنذر، كما في مختصر الشواذ / 179/. وإعراب القراءات السبع 2/ 526. وإعراب ثلاثين سورة / 174/. والمحرر الوجيز 16/ 362.
(2) كذا في الصحاح (عصر).
(6/457)
________________________________________
جميع الناس، والاستثناء على هذا متصل، وقيل: المراد به الكافر، فالاستثناء على هذا منقطع (1).
وقوله: ، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: الأعمال الصالحات، فحذف الموصوف، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة العصر
والحمد لله وحده
__________
(1) انظر القول الأول في النكت والعيون 6/ 333. والثاني في معالم التنزيل 4/ 523.
(6/458)
________________________________________
إعراب سُورَة الهُمَزَةِ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)}:
قوله عز وجل: {لُمَزَةٍ} بدل من {هُمَزَةٍ}، والتاء فيهما للمبالغة في الوصف كالتي في علَّامة وراوية (1)، ولذلك يقال: رجل هُمَزَةٌ، وامرأة هُمَزَةٌ. قيل: وهو الكثير الطعن علي غيره، العائب على ما ليس فيه عيب، يقال: هَمَزَ يَهْمِزُ هَمْزًا، فهو هَامِزٌ وهَمَّاز وَهُمَزَةٌ، ونحوه: ضُحَكَةٌ، وهو كثير الضحك، وعُيَبَةٌ، أي: كثير العيب. وكذلك لُعَنَةٌ، إذا كان يلعن الناس، ورجلٌ لُعْنَةٌ وهُزْءَةٌ، إذا كان يلعنه الناس ويهزؤون به (2).
والجمهور على فتح [ميم] (همَزة) و (لمَزة)، وقرئ: بإسكانهما فيهما (3)، وهو المَسْخَرَةُ الذي يأتي بالأضاحيك، فيضحك منه ويشتم، وهذا مطّرد في كلام القوم إذا جاءت كلمة على فُعَلَة بتحريك العين وهي الوصف، فهي للفاعل، وإذا جاءت فُعْلَة بسكون العين، فهي للمفعول على ما شرح آنفًا.
وقوله: {الَّذِي جَمَعَ} يجوز أن يكون في موضع جر على البدل من
__________
(1) في (أ) و (ب): رواية.
(2) انظر هذا المعنى الذي سببه التسكين والتحريك في الصحاح (لعن) و (هزأ).
(3) قرأها أبو جعفر محمد بن علي، والأعرج كما في القرطبي 20/ 182.
(6/459)
________________________________________
(كل)، كأنه قيل: ويل للذي جَمَعَ، وأن يكون في موضع نصب على إضمار فعل، وأن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ.
وقرئ: (جَمَّعَ) بالتشديد للتكثير، أي: جمع شيئًا بعد شيء، وهو مُشَاكِلٌ لقوله {وَعَدَّدَهُ}. و (جَمَعَ) بالتخفيف (1)، وهو يصلح للقليل والكثير.
والجمهور على تشديد قوله: {وَعَدَّدَهُ} عطفًا على {جَمَعَ}، أي: جمع مالًا وأحصاه مرة بعد مرةٍ أخرى وحقظ عدده، يقال: عدَّد الشيء، إذا عدّه مرارًا كثيرة، وأعدّه، إذا جعله عدةً، والعُدَّةُ: ما أُعِدَّ لحوادث الدهر من المال والسلاح، يقال: أخذ للأمر عُدّته وعَتاده، بمعنًى.
وقرئ: (وَعَدَدَهُ) بالتخفيف (2) عطفًا على المال، على معنى: جمع المال وضبط عدده وأحصاه، وهذا إبانةٌ عن كثرة المال. وقيل: جمع ماله وقَوْمَهُ الذي ينصرونه، من قولك: فلان ذو عَدَدٍ وعُدَدٍ، إذا كان له عدد وافر من الأنصار.
فإن قلتَ: هل يجوز أن يكون (وعدَده) على قراءة من خفف فعلًا عطفًا على {جَمَعَ} على إظهار التضعيف، كضنِنُوا في قول قعنب بن أم صاحب (3):
636 - مَهْلًا أَعاذِلَ قَلْ جَرَّبْتِ مِنْ خُلُقِي ... أَني أَجُودُ لأقْوَامٍ وَإِنْ ضَنِنُوا (4)
قلتُ: لا، لأن ذلك لا يستعمل في حال السعة والاختيار، يقال:
__________
(1) القراءتان من المتواتر، فقد قرأ أبو جعفر، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف، وروح بتشديد الميم، وقرأ الباقون بتخفيفها. انظر السبعة / 697/. والحجة 6/ 441. والمبسوط / 478/. والتذكرة 2/ 641. والنشر 2/ 403.
(2) قرأها الحسن كما في إعراب النحاس 3/ 466. وإعراب القراءات السبع 2/ 530. ومختصر الشواذ / 179/. وإعراب ثلاثين سورة / 181/. والمحرر الوجيز 16 (364. وزاد المسير 9/ 228.
(3) الغطفاني، من شعراء الدولة الأموية. (سمط اللآلي).
(4) انظر هذا الشاهد في الكتاب 1/ 29. والنوادر / 44/. والمقتضب 1/ 142. وإعراب النحاس 1/ 688 و 3/ 766. والخصائص 1/ 160. والصناعتين / 168/.
(6/460)
________________________________________
ضنِنت بالشيء أضن به بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر ضنًا وضنانة، إذا بخلتَ به.
وقوله: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} محل (يحسب) النصب على الحال من المنوي في {جَمَعَ}. وأخلد: قد جوز أن يكون على بابه على معنى: طَوَّل المالُ أمله ومنَّاه الأماني البعيدة، حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله يخال أن المال تركه خالدًا في الدنيا لا يموت. وأن يكون بمعنى يخلده، كما يقال: دخل فلان النار، إذا أتى معصية، والمعنى: سيدخلها. وهلك فلان، إذا حدث به سبب الهلاك من غير أن يقع هلاكه.
{كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)}:
قوله عز وجل: {كَلَّا} يجوز أن يكون بمعنى الردع والزجر، وأن يكون بمعنى (حقًّا)، فيكون متصلًا بما بعده.
وقوله: {لَيُنْبَذَنَّ} اللام جواب قسم محذوف، ودخول النون لذلك، والتقدير: والله لَيُنْبَذَنَّ، والنَّبْذُ: الطرح والإلقاء.
والجمهور على فتح الذال والنون، على أن المنبوذ واحد وهو جامع المال، وقرئ: (لَيُنْبَذَانِّ) على التثنية وتشديد النون أيضًا (1)، والمراد جامع المال وماله. و (لَيَنْبُذُنَّ) بضم الذال والباء مضمومة (2)، والمراد هو وماله وأنصاره، لأن قارئة يقرأ: (وَعَدَدَهُ) بالتخفيف.
__________
(1) قرأها الحسن كما في إعراب النحاس 3/ 766. وإعراب القراءات السبع 2/ 530. والمحرر الوجيز 16/ 364. وزاد المسير 9/ 229 حيث أضافها ابن الجوزي أيضًا إلى أبي بكر، وعمر - رضي الله عنه -، وأبي عبد الرحمن، وابن أبي عبلة، وابن محيصن.
(2) رواية عن الحسن أيضًا. انظر إعراب النحاس، والمحرر الوجيز الموضعين السابقين. والقرطبي 20/ 184.
(6/461)
________________________________________
وقرئ أيضًا: (لَيَنبذَنَّه) بفتح الياء على البناء للفاعل (1) وهو المال، أي: ليطرحنه مالُه في الحطمه.
وقرئ كذلك إلا أنه بالنون مكان الياء (2)، على إخبار الله عز وجل عن نفسه، أنه يَنْبُذُ جامعَ المال فيها.
والحُطَمَةُ: النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يُلقى فيها، أي تكسر وتأتي عليه. ويقال للرجل الأكول: إنه لحطمة. والحَطْمَةُ: السنه الشديدة، هكذا أخبرني شيخنا أبو اليمن الكندي رحمه الله بفتح الحاء وإسكان الطاء (3). [بقراءتي عليه في داره في بعض شهور سنة اثنتين وستمائة].
{نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}:
قوله عز وجل: . {نَارُ اللَّهِ} خبر مبتدأ محذوف، أي: هي نار الله.
وقوله: {الَّتِي} يجوز أن يكون في موضع رفع على أنها نعت بعد نعت لـ {نَارُ اللَّهِ}، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هي، وأن يكون في موضع نصب بإضمار فعل.
و{الْأَفْئِدَةِ} جمع الفؤاد وهو القلب، وقد ذكرت فيما سلف من الكتاب أنها جمع قلة استعمل في موضع الكثرة.
وقوله: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ} أي: إن الحطمة مؤصدة، أي: مطبقة، وقد مضى الكلام عليها في "البلد" (4).
__________
(1) ذكرها ابن خالويه في المختصر / 179/ عن أبي عمرو، وهي في القرطبي 20/ 184 رواية عن الحسن.
(2) يعني (لننبذنه)، وهي رواية عن الحسن أيضًا كما في القرطبي الموضع السابق.
(3) كذا أيضًا في الصحاح (حطم).
(4) آية (20).
(6/462)
________________________________________
وقوله: {فِي عَمَدٍ} يجوز أن يكون في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هم في عمد، وأن يكون في موضع نصب على الحال من الضمير المجرور بعلى، أي: مؤصدة عليهم موثقين في عمد، ويجوز أن يكون من صلة {مُؤْصَدَةٌ} وتكون {فِي} لا بمعنى الباء، أي: مؤصدة عليهم بعمد (1).
وقرئ: (في عمد) بفتحتين وضمتين (2). قيل: وكلاهما جمع عمُودٍ أو عِمَادٍ، كزَبُورٍ وزُبُر، وكِتَابِ وكُتُب، وإِهَابٍ وَأَهَبٍ. وقيل: عَمَد اسم للجمع، كأديم وأَدَمَ (3).
وقرئ: (في عُمْدٍ) بضم العين وإسكان الميم (4)، وهو تخفيف عُمُدٍ بضمتين، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الهمزة
والحمد لله وحده
__________
(1) انظر زاد المسير 9/ 230. ويؤيده قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه -: {بعمد ممدة}. وانظر مختصر الشواذ / 179/. والنكت والعيون 6/ 337. والمحرر الوجيز 16/ 364. والقرطبي 20/ 185.
(2) قرأ الكوفيون غير حفص: (عُمُد) بضمتين، وقرأ الباقون وحفص: (عَمَد) بفتحتين. انظر السبعة / 697/. والحجة 6/ 422 - 423. والمبسوط / 478/. والتذكرة 2/ 641.
(3) انظر إعراب النحاس 3/ 768. والحجة 6/ 443. والكشف 2/ 389. والمشكل 2/ 501. والمحرر الوجيز 16/ 364. واللسان (عمد).
(4) نسبها ابن خالويه في المختصر / 179/ إلى هارون عن أبي عمرو، وفي إعراب القراءات 2/ 530 إلى عيسى بن عمر. وانظر البحر المحيط 8/ 510.
(6/463)
________________________________________
إعراب سُورَةِ الفِيلِ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)}:
قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} الرؤية هنا من رؤية القلب، والاستفهام بمعنى التقرير، والمعنى: علمتَ آثار فعل الله بالحبشة، وحُذِفَتْ اللام للجزم.
والجمهور على فتح الراء وهو الوجه، وقرئ: (ألم ترْ) بسكونها (1) جدًّا في إظهار أثر الجازم.
أبو الفتح: هذا السكون إنما بابه الشعر لا القرآن، لما فيه من استهلاك الحرف والحركة قبله، أعني الألف والفتحة من ترى، انتهى كلامه (2).
و{كَيْفَ} معمول قوله: {فَعَلَ} دون {أَلَمْ تَرَ} لأن {كَيْفَ} فيه معنى الاستفهام، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.
وقوله: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} أي: في ذهاب وإبطال، يقال: ضل اللبن في الماء، إذا ذهب. وضلل كيده، إذا جعله ضالًا ضائعًا.
__________
(1) قرأها أبو عبد الرحمن السلمي. انظر المحتسب 2/ 373. والمحرر الوجيز 16/ 366. والبحر 8/ 512.
(2) المحتسب الموضع السابق.
(6/464)
________________________________________
{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}:
قوله عز وجل {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ}: عطف على قوله: {أَلَمْ يَجْعَلْ} لأنه ماضٍ في المعنى، و {أَبَابِيلَ} صفة لطير، وهي جماعات في تفرقة، ولا واحد لها في قول أبي عبيدة (1)، والفراء (2)، والأخفش، قال الأخفش: يقال: جاءت إبلك أبابيل، أي: فِرَقًا، وطير أبابيل، قال: وهذا يجيء في معنى التكثير، وهو من الجمع الذي لا واحد له (3). وقيل: واحدها إبَّالَة. وقيل: إِبِّيل. وقيل: إِبَّوْل (4).
وعن الفراء أيضًا: الواحد إِبَالَة بتخفيف الباء (5).
وقوله: {تَرْمِيهِمْ} في موضع نصب على النعت (لطير)، أو على الحال منها، لأنها قد خصصت بالصفة.
والجمهور على التاء في ترميهم النقط من فوقه، والمنوي فيه للطير، وقرئ: (يرميهم) بالياء (6)، والمستكن فيه إما لله جل ذكره وإما للطير، لأنه اسم جمع والجمع مذكر، وإنما يؤنث على المعنى.
وقوله: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} محل الكاف النصب على أنه مفعول ثان لقوله: {جْعَلْ} لأنه بمعنى صير، والمنوي فيه لله تعالى، على
__________
(1) مجاز القرآن 2/ 312.
(2) معانيه 3/ 292.
(3) حكاه عن الأخفش: الجوهري (أبل). والقرطبي 20/ 197.
(4) انظر هذه الأقوال في مشكل مكي 2/ 501. والنكت والعيون 6/ 343 حيث حكى الأول عن أبي جعفر الرؤاسي، والثاني عن ابن كيسان، والثالث عن الكسائي.
(5) انظر معاني الفراء 3/ 292. وحكاه القرطبي 20/ 198. والسمين 11/ 110 كلاهما عن الفراء بالتخفيف أيضًا. وذكرها الجوهري (أبل) عن بعضهم.
(6) نسبت إلى أبي حنيفة، وابن يعمر، وعيسى، وطلحة، وأبي عبد الرحمن. انظر مختصر الشواذ / 180/. والكشاف 4/ 234. وزاد المسير 9/ 236. والقرطبي 20/ 198.
(6/465)
________________________________________
معنى: فصيرهم الله جل ذكره هلكى، والتقدير: كعصف مأكولٍ حَبُّهُ، فبقيت الأطراف التي هي كالتبن. وعن الحسن: جعلهم كالتبن الذي يأكله الدواب (1).
وقوله: {مَأْكُولٍ} أي: من شأنه أن يؤكل، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الفيل
والحمد لله وحده
__________
(1) النكت والعيون 6/ 344.
(6/466)
________________________________________
إعراب سُورَة قُريشٍ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{لإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)}:
قوله عز وجل: {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} هذه اللام عند قوم (1) متصلة بقوله: {فَجَعَلَهُمْ} وإن كان من سورة أخرى (2)، لأن القرآن كله كشيء واحد، ويعضده مصحف أُبي رضي الله عنه لأنهما فيه سورة واحدة بلا فصل، وفِعلُ مَنْ قرأهما في الثانية من صلاة المغرب وفي الأولى "والتين" وهو عمر رضي الله عنه (3).
أي: أهلك الله أصحاب الفيل لتألف قريش رحلتيها، واللام على هذا لام الصيرورة والعاقبة، وليست بلام العلة، لأن القوم إنما أُهلكوا بسبب كفرهم وقصدهم هدم الكعبة، لا لتألف قريش، ولكن لما صار إهلاكهم صلاحًا لقريش، جاز أن يجعل علة الإهلاك في تمكنهم من الرحلة وضربهم في البلاد للتجارات وطلب المعاش.
__________
(1) منهم الفراء 3/ 293. والأخفش 2/ 585. وانظر جامع البيان 30/ 305. وإعراب النحاس 3/ 772. والحجة 6/ 448. ومشكل مكي 2/ 502.
(2) هي سورة الفيل التي قبل هذه.
(3) انظر الدليلين في النكت والعيون 6/ 345 - 346. والكشاف 4/ 235. والمحرر 16/ 367. والقرطبي 20/ 200.
(6/467)
________________________________________
والأصل ما ذكر، ونظيره قوله عز وجل: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} (1) وهم لم يلتقطوه لذلك، ولكن لما كان مآل الأمر إليه جاز أن يسمى علة، فاعرفه وآنسني به.
وعند آخرين متصلة بقوله: {فَلْيَعْبُدُوا} (2)، والفاء صلة كالتي في قولك: زيدًا فاضرب. أمرهم جل ذكره أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين، أي: ليعبدوه لهذه النعمة التي أنعم بها عليهم.
وعند غيرهما متصلة بمضمر، والتقدير: أَعجبوا لإيلافهم الرحلتين وتركهم عبادة رب هذا البيت (3)؟
والإيلاف مصدر آلف يؤلف إيلافًا، واختلف فيه: فقال قوم: آلفت الشيء أولفه إيلافًا بمعنى ألفته، فأنا مؤلف، قال:
637 - .... المُؤْلِفَاتِ الرَّمْلِ ... ................. (4)
فإذا فهم هذا، فقوله عز وجل: {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} المصدر على الوجه الأول مضاف إلى الفاعل، والمعنى: لتألف قريش رحلتيها، فاعرفه فإنه موضع، وما أظنك تجده في كتاب (5).
__________
(1) سورة القصص، الآية: 8.
(2) هذا قول الخليل، وسيبويه. انظر الكتاب 3/ 127. وإعراب النحاس 3/ 772 - 773 وفيه تحريف. والحجة 6/ 448.
(3) انظر هذا القول في معاني الفراء 3/ 293. ومعاني الزجاج 5/ 365. وجامع البيان 30/ 306. وإعراب النحاس 3/ 772. وإعراب القراءات السبع 2/ 533 - 534.
(4) جزء من بيت لذي الرمة، وتمامه:
مِن المُؤْلِفَاتِ الرملِ أدماءُ حرَّةٌ ... شُعاعُ الضحى في جيدها يتوضحُ
وانظره في الكامل 2/ 872. والحجة 6/ 445. والمحرر الوجيز 16/ 368. واللسان (ألف).
(5) سقط الوجهان الأخيران المتعلقان بلام {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} من (ط) و (ب) و (ج) ويبدو أن نقصًا آخر هنا موجود، والله أعلم.
(6/468)
________________________________________
والإيلاف والإيناس بمعنى، وضدهما الإيحاش.
وقريش: هم بنو النضر بن كنانة، واختلف في تسميتهم قريشًا، فقيل: سموا قريشًا، لأنهم كانوا كَسَّابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد، ولم يكونوا أهل زرع ولا ضرع، والقَرْشُ الكسب، وفلان يَقْرِشُ لعياله، أي: يكسب، فهو قارش، فقُريش تصغير قارش، والقياس قويرش، غير أنه رُخِّمَ وصُغِّر كقولهم: حُريث في حارثٍ (1).
وقيل: سموا بتصغير القِرش، وهو دابة عظيمة في البحر، وروي أن معاوية سأل ابن عباس رضي الله عنهم لم سميت قريش قريشًا؟ فقال: باسم دابة في البحر تأكل ولا تؤكل، وتَعلو ولا تُعلى (2)، وأنشد:
638 - وَقُرَيْشٌ هي التي تسكن البحر ... بها سُمّيَتْ قُرَيْشٌ قُريْشا (3)
والتصغير للتعظيم.
وقيل: سموا قريشًا لِتَقَرُّشِهِمُ، أي: لتجمعهم وائتلافهم، يقال: قرشتُ الشيءَ، أي: جمعته، وتقرشوا، أي: تجمعوا (4).
وقوله: {إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} (إيلافهم) بدل من الأول، قيل: أطلق الإيلاف ثم أبدل عنه المقيد بالرحلتين تفخيمًا لأمر الإيلاف وتذكيرًا بعظم النعمة فيه، كما تقول: عجبت من إحسانك إحسانك إلى زيد (5).
__________
(1) انظر هذا المعنى في النكت والعيون 6/ 346. ومعالم التنزيل 4/ 530. والكشاف 4/ 235.
(2) انظر هذه الرواية في مصادر التخريج السابق المواضع نفسها.
(3) نسب للمشمرخ بن عمرو الحميري أو لتبع. انظر بالإضافة إلى المصادر السابقة: مجمل اللغة، ومقاييس اللغة كلاهما في (قرش). والمنتظم 2/ 228. وزاد المسير 9/ 240. والقرطبي 20/ 203.
(4) انظر هذه الأقوال في المصادر السابقة أيضًا وجمهرة اللغة 2/ 731. والروض الأنف 1/ 117.
(5) انظر إعراب النحاس 3/ 373.
(6/469)
________________________________________
و {رِحْلَةَ}: نصب بأنه مفعول به لـ {إِيلَافِهِمْ} الثاني على ما ذكر قبيل من القولين في الإيلاف، وأراد رحلتي الشتاء والصيف، فأفرد لأمن الإلباس. والرِّحلة بالكسر: الارتحال، يقال: دنت رِحلتنا. وبالضمِ: الجهة التي يرحل إليها، وبالضم قرأ بعض القرآء (رُحلة الشتاء) (1)، والجمهور على الكسر.
{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}:
قوله عز وجل: {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} اختلف في {مِنْ} هنا، فقيل: هو على بابه، والمعنى: أطعمهم من أجل جوعهم (2).
وقيل: {مِنْ} بمعنى: بَعْدَ، أي: أطعمهم بعد الجوع الذي أصابهم في سِني القحط حتى أكلوا العِلْهِز والجيف (3).
وقيل: {مِنْ} بمعنى (عن) (4)، وقال صاحب الكتاب رحمه الله: الفرق بين عن ومن أن (عن) تقتضي حصول جوع وقد زال بالإطعام، و (من) تقتضي المنع من لحاق الجوع. والمعنى على هذا: أطعمهم فلم يلحقهم جوع، وآمنهم فلم يلحقهم خوف، و {مِنْ} على قوله لابتداء الغاية، والمعنى: أطعمهم في بدء جوعهم قبل لحاقه إياهم، وآمنهم في بدء خوفهم قبل اللحاق، فاعرفه فإنه موضع.
وبعد: فقد قرئ: (لإيلاف قريش إيلافهم) بإثبات ياء بعد الهمزة فيهما بوزن (عيلاف) وكلاهما مصدر آلف وقد ذكر، وقرئ: (لإلاف قريش) بغير
__________
(1) قرأها أبو السمّال كما في مختصر الشواذ / 180/. والبحر 8/ 514. والدر المصون 11/ 117.
(2) انظر التبيان 2/ 1305. والبحر 8/ 515. والدر المصون 11/ 117.
(3) انظر معاني الفراء 3/ 294. وزاد المسير 9/ 241. والعِلهز بالكسر: طعام كانوا يتخذونه من الدم ووبر البعير في سني المجاعة. (الصحاح: علهز).
(4) انظر الكتاب 4/ 226 - 227.
(6/470)
________________________________________
ياء بعد الهمزة، وهو مصدر أَلِفَ يَأْلَفُ إِلافًا، كلقي يلقى لقاءً، بمعنى آلف على أحد القولين، (إيلافهم) بياء بعد الهمزة، وعلى هاتين القراءتين الجمهور (1).
وقرئ أيضًا: (لإلافِ قريش إلافهم) بحذف الياء فيهما (2)، بوزن كتاب وهو مصدر ألف.
وقرئ أيضًا: (لإيلاف قريش إلْفِهم) بكسر الهمزة وإسكان اللام (3)، وهو مصدر قولك: ألفته إلْفًا وإلافًا، بمعنىً، وقد جمعهما في قوله:
639 - زَعَمْتُمْ أنَّ إخْوَتَكُم قُرَيْشٌ .... لهم إلْفٌ وليسَ لكم إِلَاف (4)
وقرئ أيضًا: (ليألَف قُريش) بفتح اللام وكسرها وإسكان الفاء، وهي لام الأمر، وأصلها الكسر وفتحها لغية، عن ابن مجاهد وغيره (5)، (إِلْفَهم) بكسر الهمزة وإسكان اللام وفتح الفاء (6)، أمروا أن يألفوا عبادة رب هذا البيت.
__________
(1) أكثر العشرة على {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ} بإثبات الياء فيهما، وقرأ ابن عامر: (لإلاف قريش إيلافهم) بحذف الياء من الأولى. وقرأ أبو جعفر: (لِيْلاف قريش إلا فهم). انظر السبعة / 698/. والحجة 6/ 444. والتذكرة 2/ 643. والمبسوط / 478/. والنشر 2/ 403.
(2) هكذا الحرفان دون ياء رواية عن ابن عامر، أما الحرف الأول فمن المتواتر كما مر، وأما الثاني فذكره أبو حيان 8/ 514 وتلميذه السمين 11/ 114.
(3) رواية عن أبي جعفر، انظر إعراب النحاس 3/ 373. ومختصر الشواذ / 180/. والمحرر الوجيز 16/ 368.
(4) من حماسية لمساور بن هند بن قيس بن زهير يهجو بني أسد. وانظر الشاهد في الحجة 6/ 446. وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 3/ 1449. والكشاف 4/ 235. ولسان العرب (ألف).
(5) كذا في القرطبي الموضع السابق.
(6) هكذا (ليألف قريش إلفهم) قرأها عكرمة كما في الكشاف 4/ 235. وانظر مختصر الشواذ / 180/. والبحر 8/ 514. والدر المصون 11/ 114. والقرطبي 20/ 202 وقال: وكذلك هو في مصحف ابن مسعود - رضي الله عنه -.
(6/471)
________________________________________
وقرئ أيضًا: (لإِئْلاف قريشٍ إئْلافهم) بهمزتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة (1) على الأصل المرفوض.
وقرئ أيضًا: (لإإِلافَ قريش إِإلافهم) بهمزتين محققتين فيهما، الأولى همزة الإفعال المزيدة، والثانية فاء الفعل من ألف، أُخرج - أعني هذا المصدر - على الأصل، وهو شاذ في الاستعمال والقياس، أبو علي: ليس لتحقيق الهمزتين هنا وجه، لأنا لم نعلم أحدًا حقق الهمزتين في نحو هذا (2).
وقرئ أيضًا: (إِيْئِلافهم) بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة بعدها همزة مكسورة (3)، وأُنكرت هذه القراءة وخُطِّئ ناقلها، لأن نحو هذا لا يستعمل في حال السعة والاختيار، وذلك أنه أَشبع الكسرة فنشأت منها الياء كما تنشأ الألف من الفتحة والواو من الضمة، والمراد من الإشباع هنا والنشء: الفصل بين الهمزتين، فهذه ثماني قراءات، فاعرفهن وخذ منها ما صفا ودع ما كدر، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة قريش
والحمد لله وحده
__________
(1) قرأها عاصم في رواية أبي بكر ثم رجع عنه. انظر السبعة / 698/. والقرطبي 20/ 204 فهي شاذة.
(2) الحجة 6/ 446. وانظر هذه القراءة في التبيان 2/ 1305.
(3) كذا حكاه العكبري في الموضع السابق دون نسبة.
(6/472)
________________________________________
إعراب سُورَةِ المَاعُونِ (1)
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)}:
قوله عز وجل: {أَرَأَيْتَ} يجوز أن تكون الرؤية هنا بمعنى العرفان فيتعدى إلى مفعول واحد، أي: أعرفت الذي يكذب بالجزاء؟ وأن تكون بمعنى العلم فيتعدى إلى مفعولين، الثاني محذوف، والتقدير: أرأيت الذي يكذب بالدين أمصيب هو أم مخطئ؟ أو: أليس مستحقًا عذاب الله؟
وقوله: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} إتيان الفاء هنا يدل على أن الدَّعَّ سببه التكذيب، أي: لتكذيبه بالدين يدفع المسكين عن حقه، يقال: دَعَّهُ يَدُعُّهُ دَعًّا، إذا دفعه دفعًا عنيفًا، قاله الزمخشري (2):
والمعنى: الذي يكذب بالجزاء من هو؟ إنْ لم تعرفه فذلك الذي يكذب بالجزاء هو الذي يدع اليتيم.
والجمهور على ضم الدال وتشديد العين، وقرئ: (يَدَعُ) بفتح الدال
__________
(1) في (ج) سورة الدين.
(2) الكشاف 4/ 236.
(6/473)
________________________________________
وتخفيف العين (1)، على معنى: يتركه فلا يراعيه اطَّراحًا له، وقد أُمِيتَ ماضيه في حال السعة والاختيار، فلا يقال: ودعه، وإنما يقال: تركه، ولا وادع، ولكن تارك، وقد جاء في الشعر ودعه، قال:
640 - لَيت شعْري عن خليلي ما الذي ... غاله في الحُبِّ حتى وَدَعَه (2)
وقوله: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} في الكلام حذف مفعول وحذف مضاف، والتقدير: ولا يحث غيره على إطعام طعام المسكين من أجل بخله به، ويجوز أن يكون قد وضع الطعام موضع الإطعام، وقد ذكر فيما سلف من الكتاب فاعرفه (3).
{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}:
قوله عز وجل {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} نهاية صلة الموصول {سَاهُونَ}، و {عَنْ}: من صلته، والفائدة منوطة به وعليه الاعتماد، أعني: على {سَاهُونَ}، قيل: ودخول الفاء في قوله: {فَوَيْلٌ} يدل على أنهم هم المذكورون فيما قبل، وأقيم المظهر مقام المضمر، والتقدير: فويل له أو لهم، لأن قوله: {الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} وإن كان لفظه على الوحدة، فإن معناه الجمع، إذِ المراد به الجنس. قيل: وإنما عدل عن ضميرهم إلى المظهر، لأنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة، مرائين غير مُزَكِّين أموالهم.
قيل: فإن قيل: ما الفرق بين {عَنْ صَلَاتِهِمْ} وبين (في صلاتهم)؟
__________
(1) قرأها أبو رجاء كما في إعراب النحاس 3/ 775. وإعراب القراءات السبع 2/ 535. والمحتسب 2/ 374. والمحرر الوجيز 16/ 370. وأضافها في مختصر الشواذ / 181/ إلى علي - رضي الله عنه -، واليماني، والحسن أيضًا.
(2) تقدم هذا الشاهد برقم (638).
(3) انظر إعرابه للآية (34) من الحاقة.
(6/474)
________________________________________
فالجواب: أن معنى {عَنْ} أنهم ساهون عنها لقلة التفاتهم إليها، وذلك فعل المنافقين أو الفسقة المسلمين. ومعنى (في) أن السهو يعتريهم فيها بوسوسة الشيطان، أو حديث النفس، وذلك لا يكاد يخلو أحد منه (1).
وقوله: {يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} المراءاة مفاعلة من الرياء، وقد مضى الكلام عليها فيما سلف من الكتاب بأشبع ما يكون (2).
والماعون: ما يتداوله الناس من نحو: الفأس، والقدر، والدلو، عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره (3).
وقيل: الماعون في الجاهلية: كل منفعة وعطية، قال الأعشى:
641 - بأَجْوَدَ منه بِمَاعُونِه ... إذا ما سماؤُهُمُ لم تغِمْ (4)
وفي الإسلام: الطاعة والزكاة، وأنشد:
642 - قَومٌ على الإسلامِ لَمَّا يمنعوا ... ما عُونهم ويضيعوا التهليلا (5)
وعن ابن عيسى: الماعون: الشيء القليل القيمة (6). ويسمى الماءُ أيضًا ماعونًا، وينشد:
643 - يَمُجُّ صَبِير الماعُونَ صَبًّا ... ................... (7)
__________
(1) انظر الكشاف 4/ 236.
(2) انظر إعرابه للآية (142) من النساء.
(3) أخرجه الطبري 30/ 317 - 319 عنه وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -. وانظر النكت والعيون 6/ 353.
(4) انظر بيت الأعشى هذا في مجاز القرآن 2/ 313. ومعاني الزجاج 5/ 368. وجامع البيان 30/ 314. والصحاح (معن). والنكت والعيون 6/ 353.
(5) هذا البيت لعبيد الراعي، وانظره في مجاز القرآن، ومعاني الزجاج، وجامع البيان، والصحاح، والنكت والعيون المواضع نفسها. وانظره أيضًا في الكشاف 4/ 237. والمحرر الوجيز 16/ 371.
(6) النكت والعيون 6/ 353 عنه وعن الطبري.
(7) لم أجد من نسبه، وعجزه:
............... ... إذا نَسَمٌ من الهَيْفِ اعتراهُ =
(6/475)
________________________________________
وأصله من المَعْن، وهو الشيء اليسير الهين، قال النمر بن تولب (1):
644 - ................ ... فإنَّ هَلاكَ مالِكَ غيرُ مَعْنِ (2)
فالزكاة قليل من كثير، وكذلك الذي يتداوله الناس بينهم قليل القيمة.
وذهب بعضهم: إلى أن أصله معونة، والألف عوض من الهاء (3)،
تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الماعون
والحمد لله وحده
__________
= وانظره في معاني الفراء 3/ 295. وجامع البيان 30/ 314. وإعراب النحاس 3/ 776. والصحاح (معن) وزاد المسير 9/ 246. واللسان (معن) ومنه أخذت شطره الثاني.
(1) شاعر مخضرم كان يسمى الكيّس لحسن شعره، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكتب له كتابًا. كان فصيحًا جوادًا، وعمّر طويلًا. (الإصابة).
(2) تقدم هذا الشاهد أيضًا برقم (600).
(3) كذا في الصحاح (معن).
(6/476)
________________________________________
إعراب سُورَةِ الكوْثَرِ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}:
قوله عز وجل: {إِنَّا} قد ذكرت فيما سلف من الكتاب أن أصل (إنا): (إنَّنَا)، فحذفت إحدى النونات كراهة اجتماع الأمثال وهي الوسطى.
وقوله: {أَعْطَيْنَاكَ} الجمهور على العين، وقرئ على ما فسر: (أنطينا) بالنون مكان العين (1)، والإنطاء: الإعطاء بلغة أهل اليمن (2)، والاختيار ما عليه الجمهور وإن كان كلاهما بمعنًى، لأجل الإمام مصحف عثمان رضي الله عنه. والكوثر فوعل من الكثرة.
وقوله: {فَصَلِّ} الفاء للتعقيب، أي: عَقِّبْ ما أنعم به عليك بالصلاة.
{وَانْحَرْ}، أي: وانحر أضحيتك.
__________
(1) قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في مختصر الشواذ / 181/. وإعراب القراءات السبع 2/ 537. والكشاف 4/ 237. ونسبها ابن عطية 16/ 372 إلى الحسن. وأضافها القرطبي 20/ 216 إلى الحسن، وطلحة بن مصرف، وقال: وروته أم سلمة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(2) كذا في الصحاح (نطا).
(6/477)
________________________________________
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} الشانئ: المبغض، يقال: شَنَأه يَشْنَؤُهُ شَنْئًا، وشَنَآنًا، وشَنْآنًا، إذا أبغضه.
و{هُوَ} يجوز أن يكون فصلًا وأن يكون توكيدًا للمنوي في {شَانِئَكَ}، وأن يكون مبتدأ و {الْأَبْتَرُ} خبره، وكلاهما خبر {إِنَّ}، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الكوثر
والحمد لله وحده
(6/478)
________________________________________
إعراب سُورَةِ الكَافِرُونَ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}:
قولهَ عز وجل: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} الألف واللام وإن كانت في اللفظ للجنس من حيث كانت صفة لأيّ، فإنها ترجع إلى معنى المعهود، لأن المخاطبين كفرة مخصوصون على ما فسر (1)، كما تقول: يا أيها الرجال ادخلوا الدار، فلم تأمر جميع الرجال، ولكن أمرت الذين أشرت إليهم بإقبالك عليهم.
وقوله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} (ما) يجوز أن تكون موصولة وعائدها محذوف، أي: لا أعبد الذي تعبدونه، وأن تكون مصدرية، أي: لا أعبد عبادتكم، أي: مثل عبادتكم، لا بد من هذا التقدير لأن الشخص لا يفعل فعل غيره، ولكن يفعل مثل فعله.
وكذلك القول في أخواتها، ومحلها النصب بالفعل الواقع قبلها، أو اسم الفاعل، والله تعالى أعلم بكتابه.

هدا آخر إعراب سورة الكافرون
والحمد لله وحده
__________
(1) انظر جامع البيان 30/ 331. والنكت والعيون 6/ 357.
(6/479)
________________________________________
إعراب سُورَةِ النَّصرِ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)}:
قوله عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} أي: جاءك، فحذف المفعول للعلم به. واختلف في جواب {إِذَا}، فقيل: محذوف تقديره: إذا جاءت هذه الأشياء تبينتْ لك نِعَمُ الله عليك. وقيل: حَضَرَ أَجَلُكَ. وقيل: فسبح (1). وقد ذكرت فيما سلف من الكتاب في غير موضع، أن الجواب هو العامل فيه (2).
وقوله: {يَدْخُلُونَ} في موضع نصب إما على الحال من {النَّاسَ} إن جَعلتَ الرؤية بمعنى الإبصار أو العرفان، وإن جعلتها بمعنى العلم كان مفعولًا به ثانيًا.
و{أَفْوَاجًا}: حال من الضمير في {يَدْخُلُونَ}.
و{بِحَمْدِ}: في موضع نصب على الحال من المنوي في {فَسَبِّحْ}، أي: سبحه حامدًا له.
{تَوَّابًا}: خبر {كَانَ}، والله تعالى أعلم بكتابه.

هذا آخر إعراب سورة النصر
والحمد لله وحده
__________
(1) انظر البيان 2/ 543.
(2) انظر إعرابه للآية (11) من البقرة.
(6/480)
________________________________________
إعراب سُورَةِ تَبَّت (1)
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}:
قوله عز وجل: {أَبِي لَهَبٍ} الجمهور على الياء في {أَبِي} وهو الوجه لكونه مضافًا إليه، وقرئ: (أبو لهب) بالواو (2)، لكونه كان مشهورًا بالكنية دون الاسم، فلما كان كذلك ترك على حاله ولم يغير مخافة اللبس على السامع، كما قيل: علي بن أبو طالب، ومعاوية بن أبو سفيان رضي الله عنهم لذلك (3).
وقرئ: (لَهَبِ) و (لَهْبِ) بفتح الهاء وإسكانها (4)، وهما لغتان كالنَّهَرِ والنَّهْرِ والشَّعَرِ والشَّعرِ.
__________
(1) في (ب): سورة أبي لهب.
(2) حكاه أبو معاذ كما في مختصر الشواذ / 182/. وذكره الزمخشري 4/ 240 دون نسبة.
(3) انظر الكشاف الموضع السابق.
(4) كلاهما من المتواتر، فقد قرأ ابن كثير وحده بإسكان الهاء، وقرأ الباقون بفتحها. واتفقوا على فتح الهاء من (ذات لهب). انظر السبعة / 700/. والحجة 6/ 451. والمبسوط / 479/. والتذكرة 2/ 649. والنشر 2/ 404.
(6/481)
________________________________________
وقوله: (تَبَّ) خبر محض بمعنى: وقد تب، وقد قرئ به (1). وأما الأول فهو دعاء.
وقوله: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ} يجوز أن تكون (ما) استفهامية فتكون في موضع نصب، أعني: أيُّ شيءٍ أغنى عنه مالُه؟ وأن تكون نافية فتكون عارية عن المحل، ويكون مفعول قوله: {أَغْنَى} محذوفًا، أي: لم يغن عنه ماله شيئًا.
وقوله: {وَمَا كَسَبَ} يجوز أن تكون [ما] موصولة، وأن تكون موصوفة، وأن تكون مصدرية فتكون في موضع رفع عطفًا على {مَالُهُ}، أي: ما أغنى عنه ماله والذي كسبه، أو وشيء كسبه، أو ومكسوبه، وإن شئت: وكَسْبُهُ. وأن تكون استفهامية فتكون في موضع نصب، أي: أيّ شيء كسب؟ وأن تكون نافية فتكون خالية عن المحل، والمعنى: لم يكسب خيرًا، فاعرفه فإنه موضع.
وقوله: {وَامْرَأَتُهُ} يجوز أن ترفع على الفاعلية عطفًا على المنوي في {سَيَصْلَى}، أي: سيصلى هو وامرأته، وحسن العطف على المضمر المرفوع المتصل من غير تأكيد لطول الكلام. و (حَمَّالَةُ الحَطَبِ): نعتها (2)، والإضافة على هذا محضة، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هي حمالة الحطب.
وقوله: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}: في موضع الحال من المستكن في (حَمَّالَةُ الحَطَبِ). وأن ترتفع على الابتداء والخبر (حَمَّالَةُ الحَطَبِ) وقوله: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} إما خبر بعد خبر، أو حال، ويجوز
__________
(1) قرأها عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. انظر معاني الفراء 3/ 298. وجامع البيان 30/ 336. وإعراب النحاس 3/ 784. والنكت والعيون 6/ 365. والكشاف 4/ 240.
(2) رفع (حمالة) هنا قراءة العشرة غير عاصم كما سوف أخرج.
(6/482)
________________________________________
أن يكون (حَمَّالَةُ الحَطَبِ) نعتًا لها، والخبر {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ}، ويجوز أن يرتفع {حَبْلٌ} بالظرف على المذهبين لجريه حالًا على صاحبها، وهو (امرأتُهُ) على قول من رفعه بالعطف، أو المنوي في (حمالة) في من رفعه بالابتداء.
وقرئ: (حمالةَ الحطبِ) بالنصب (1) ونصبها على الذم، أي: أذم حمالة الحطب، أبو علي: كأنها اشتهرت بذلك فجرت الصفة للذم لا للتخصيص، يعني: على قراءة من نصب (2).
وقد أجاز النحاس (3) وغيرُهُ نصب (حمالة) على الحال من (امرأتُهُ) فيمن رفعها بالعطف، أي: تصلى النار مقولًا لها ذلك.
و{مِنْ مَسَدٍ}: في موضع النعت لـ {حَبْلٌ}. وَجَمْعُ جِيد: أجياد، وجمع مسد: أمساد. والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة تبت
والحمد لله وحده
__________
(1) قرأها عاصم وحده. وانظر القراءتين في السبعة / 700/. والحجة 6/ 451. والتذكرة 2/ 649. والنشر 2/ 404.
(2) الحجة 6/ 452.
(3) إعرابه 3/ 785.
(6/483)
________________________________________
إعراب سُورَةِ الإخلَاصِ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}:
قوله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (هو) فيه وجهان:
أحدهما: {هُوَ} ضمير الشأن والأمر، وقوله: {اللَّهُ} مبتدأ، و {أَحَدٌ} خبره، وكلاهما خبر {هُوَ}؛ كما تقول: هو زيد منطلق، كأنه قيل: الشأن أو الأمر هذا، وهو أن الله واحد لا ثاني له.
والثاني: {هُوَ} كناية عن الله جل ذكره، لما رُوي أن المشركين قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صف لنا ربك الذي تدعونا إليه وانسبه لنا. فنزلت (1)، أي: المسؤول عنه هو الله أحد، فـ {هُوَ} مبتدأ، وقوله: {اللَّهُ} خبره، و {أَحَدٌ} بدل من قوله: {اللَّهُ}، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هو أحد، و {اللَّهُ} بدل من {هُوَ}، و {أَحَدٌ} خبر {هُوَ}.
و{أَحَدٌ}: بمعنى واحد، وأصله: وَحَدٌ، قلبت الواو همزة كما قلبت في أَنَاة، وأصلها: وَنَاةٌ، من وَنَى يني وَنْيًا ووَناءً، إذا فتر، وهذا مسموع في أحرف قليلة وليس بمطرد كالمضمومة والمكسورة. وقيل: الهمزة
__________
(1) انظر جامع البيان 30/ 342. ومعالم التنزيل 4/ 544. وزاد المسير 9/ 265 - 266.
(6/484)
________________________________________
أصل كالهمزة في (أحدٌ) المستعمل للعموم، ومعنى أحد: أول (1).
وقوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} ابتداء وخبر، ويجوز أن يكون {الصَّمَدُ} نعتًا لاسم الله جل ذكره وما بعده الخبر.
والجمهور على تنوين قوله: {أَحَدٌ} في الوصل وكسره لالتقاء الساكنين، وقرئ: (أحدُ اللَّهُ) بضم الدال من غير تنوين (2) لملاقاته حرف التعريف.
وقرئ أيضًا: (أَحَدْ ألله) بإسكان الدال وقطع همزة الوصل من غير سكت بينهما (3)، على إجراء الوصل مجرى الوقف فرارًا من ثقل الحركة والتنوين.
والصمَدُ: الذي يُقْصَدُ إليه في الحوائج، يقال: صمَدَ إليه يَصْمُدُ صمْدًا، إذا قصده، فهو صامدٌ وذاك مصمود، فَعَلَ بمعنى مفعول، كَنَفَضٍ وقَبَضٍ، بمعنى منفوض ومقبوض.
وقوله: {لَمْ يَلِدْ} أي: لم يلد أحدًا. {وَلَمْ يُولَدْ} نفي الوالدين، وأصل {لَمْ يَلِدْ}: لم يولِدْ، فحذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، ولم تحذف من قوله: {لَمْ يَلِدْ}، لأنها لم تقع بين ياء وكسرة.
وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ} كُفُؤًا {أَحَدٌ} (4) (أحدٌ) اسم {يَكُنْ}،
__________
(1) انظر إعراب النحاس 3/ 790. ومشكل مكي 2/ 510. والتبيان 2/ 1309.
(2) رواية هارون عن أبي عمرو كما في السبعة / 701/. والحجة 6/ 454. وإعراب القراءات السبع 2/ 545. والمحرر الوجيز 16/ 382. كما قرأها نصر بن عاصم، وعبد الله بن أبي إسحاق، ورويت عن عمر - رضي الله عنه -. أنظر إعراب النحاس 3/ 788 - 789. ومختصر الشواذ / 182/.
(3) رويت عن أبي عمرو أيضًا. انظر إعراب القراءات السبع 2/ 545. والمحرر الوجيز 16/ 382 - 383.
(4) هذا على قراءة أكثر العشرة مع اختلافهم بضم الفاء أو سكونها، وقرأ عاصم في رواية حفص (كُفُوًا).
(6/485)
________________________________________
و (كُفُؤًا) خبره. و {لَهُ} ملغى غير مستقر، وهو إما من صلة (كُفُؤًا) لما فيه من معنى الفعل، والظرف تكفيه رائحة الفعل، أي: لم يكن أحد شبيهًا له. وإما من صلة {يَكُنْ} لأنه فِعل. ويجوز أن يكون حالًا على أن يكون صفة إما لأحد أو لكفؤ. فلما تقدم عليه انتصب على الحال، وفيه ضمير يعود إلى ذي الحال، والعامل فيه إذا قدرته حالًا {يَكُنْ}، أو (كُفُؤًا) لما فيه من معنى الفعل.
أبو علي: فإن قلت: إن العامل في الحال إذا كان معنًى لم يتقدم الحال عليه، فإن {لَهُ} لما كان على لفظ الظرف، والظرف يعمل فيه المعنى وإن تقدم عليه، كقولك: كل يوم لك ثوب (1)، كذلك يجوز في هذا الظرف ذلك من حيث كان ظرفًا، انتهى كلامه (2).
الزمخشري: فإن قلت: الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم، وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه، فما باله مقدمًا في أفصح كلام وأعربه؟ قلت: هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه، وأحقه بالتقدم وأحراه، انتهى كلامه (3).
قلت: قال سيبويه رحمه الله بعد أن ذكر الظرف الملغى والمستقر: والتقديم ها هنا والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير، فمن ذلك قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ} كُفُؤًا {أَحَدٌ} وأهل الجفاء يقولون: (ولم يكن كفؤًا له أحد) كأنهم أخروها حيث كانت غير مستقرة، وأنشد:
645 - لَتَقْرُبِنَّ قَرَبًا جُلْذِيّا ... مَا دَامَ فيهنَّ فَصيلٌ حَيّا (4)
__________
(1) في الحجة كما سوف أخرج: (ذنوب).
(2) الحجة 6/ 463.
(3) الكشاف 4/ 242.
(4) نسب هذا الرجز لابن ميادة يصف ناقة له يحثها على السير، والجلذي: السريع. والفصيل: ولد الناقة. وانظر هذا الشاهد في الكتاب 1/ 56. ونوادر أبي زيد / 194/. =
(6/486)
________________________________________
انتهى كلامه (1).
فصيل: اسم ما دام، وحيا: خبره، و (فيهن) ملغى غير مستقر.
وقيل: {لَهُ} مستقر، و (كُفُؤًا) حال إما من {أَحَدٌ} أو من المستكن في {لَهُ}.
المازني: هذا يؤدي إلى الكفر، كأنه والله أعلم ينظر إلى أصل الحال، وأصلها أن يكون منتقلًا، وذلك مستحيل هنا.
وعن بعض البغداديين: في {يَكُنْ} ضمير مجهول، و {أَحَدٌ} مرتفع بالظرف، و (كُفُؤًا) حال من {أَحَدٌ}، والعامل فيها {لَهُ}. والوجه ما ذكرت أولًا، و {أَحَدٌ} هذا هنا كالذي في قولك: ما في الدار أحد، وليس بمعنى الواحد، ولا أصله وحد بل للعموم فاعرفه، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الإخلاص
والحمد لله وحده
__________
= والمقتضب 4/ 91. وإعراب النحاس 2/ 277 و 3/ 791. وشرح ابن يعيش 4/ 33 ومنه أخذت الشرح والضبط.
(1) الكتاب الموضع السابق.
(6/487)
________________________________________
إعراب سُورَةِ الفَلَقِ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)}:
قوله عز وجل: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} الجمهور على ترك التنوين من {شَرِّ} مضافًا إلى {مَا}، و {مَا} يجوز أن تكون موصولة وعائدها محذوف، والمعنى: أستجيرُ برب الفلق من شر كل ما خلقه مما يكون له ضرر. وأن تكون مصدرية، أي: من شر خَلْقِه، أي: مخلوقه، تسمية للمفعول بالمصدر، كخلق الله، وصيد الصائد.
وقرئ: (مِنْ شَرٍّ مَا خَلَقَ) بالتنوين (1)، و {مَا} على هذه لا تخلو من أن تكون نافية أو مصدرية أو صلة، فلا يجوز أن تكون نافية على معنى: ما خلق من شر، لأمرين:
أحدهما: أن الله تعالى خالق كل شيء خيرًا كان أو شرًّا، وعليه الجمهور من العلماء وذلك حجة.
__________
(1) قرأها عمرو بن فائد. انظر مختصر الشواذ / 182/. والبحر المحيط 8/ 530. والدر المصون 11/ 158. وفي المحرر الوجيز 16/ 385 هي قراءة عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة الذين يقولون إن الله لم يخلق الشر، و (ما) عندهم نافية.
(6/488)
________________________________________
والثاني: أن ما كان في صلة النفي لا يتقدم عليه عند جميع النحاة.
وإذا كان كذلك ثبت أنها مصدرية في موضع جر بدل من (شرٍّ) والتقدير: من شَرٍّ مِن خَلْقِه، أو صلة و {خَلَقَ} في موضع جر على أنه صفة (شرٍّ)، أي: من شرٍ خَلَقَهُ.
وقوله: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} الغُسوق: الإظلام، يقال: غَسَقَ الليْلُ يَغْسِقُ غسُوقًا، إذا أقبل ظلامه، وكل شيء اسْوَدَّ فقد غسق.
والوُقُوب: الدخول، يقال: وَقَبَ يَقِب وُقُوبًا وَوَقْبًا أيضًا، إذا دخل.
وقوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (النفاثات) النساء السواحر اللاتي يَعْقِدْنَ في خيوطٍ وينفثن عليها. والنفث: النفخ بلا ريق بخلاف التفل، وقيل: مع ريق. والعُقَدُ: جمع عُقْدة، وهي التي يعقدها السواحر على الخيط أو الشَّعَر إذا سحرن. رُوي أنهن نساء سحرن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله تعالى المعوذتين إحدى عشرة آية (1).
وقوله: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} حَسَدَ يَحْسُدُ حَسَدًا وحُسُودًا وحَسَادَةً، إذا تمنى زوال النعمة عن صاحبها.
الزمخشري: فإن قلت {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} تعميم في كل ما يستعاذ منه، فما معنى الاستعاذه بعده من الغاسق والنفاثات والحاسد؟ قلت: قد خص شر هؤلاء لخفاء أمره، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم. فإن قلت: فلم عرّف بعض المستعاذ منه ونكّر بعضه؟ قلت: عُرِّفَتِ النفاثات لأن كل نفاثة شريرة، ونكر غاسق لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر، إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضر، ورُبَّ حَسَدٍ محمودٍ، وهو الحسد في الخيرات. انتهى كلامه (2).
__________
(1) انظر معالم التنزيل 4/ 546 - 547. والمحرر الوجيز 16/ 386.
(2) الكشاف 4/ 244.
(6/489)
________________________________________
وقوله: {النَّفَّاثَاتِ} الجمهور على الألف بعد الفاء مشددًا، وهو جمع نفاثة. وقرئ: (النافثَاتِ) بألف قبل الفاء (1)، وهو جمع نافثة وهما بمعنى، والله تعالى أعلم بكتابه.
هذا آخر إعراب سورة الفلق
والحمد لله وحده
__________
(1) قراءة صحيحة لرويس عن يعقوب في إحدى الروايات عنه، وبها قرأ الحسن، وعبد الله بن القاسم المدني، وأبو السمال، وعاصم الجحدري. انظر التذكرة 2/ 653. والنشر 2/ 404.
(6/490)
________________________________________
إعراب سُورَةِ النَّاسِ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}:
قوله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} قد ذكرتُ في أول البقرة اختلاف الناس في {النَّاسِ} (1)، وأن أصله عند صاحب الكتاب رحمه الله: (أناس) (2)، بشهادة قوله سبحانه: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (3) فحذفت منه الهمزة التي هي فاؤه فبقى ناس، وهو من قولهم: آنست الشيء، أي: أبصرته، وكان القياس يقتضي أن يقع على كل مبصر، لكنهم قصروه على البشر من جهة عُرْفهم.
وعند غيره: لم يحذف منه شيء، وأصله نَوَسٌ، لقولهم في تصغيره: نُوَيْسٌ (4)، وهو من النَّوْس وهو الحركة، وكان القياس أن يقع على كل متحرك غير أنهم قصروه على البشر عُرفًا.
__________
(1) انظر إعرابه للآية (8) منها.
(2) كتاب سيبويه 2/ 196. وانظر تخريجًا أوسع عند إعراب آية البقرة.
(3) سورة الأعراف، الآية: 82.
(4) هذا قول الفراء، والكسائي، وابن كيسان. انظر مشكل مكي 2/ 512. والبيان 2/ 550.
(6/491)
________________________________________
وقال آخرون: هو من الأُنس الذي هو ضد الوحشة، لأنه يؤنس به (1).
وقال بعضهم: من النسيان (2)، وهو على وزن فاعل منه، وأصله الناسي، بياء في آخر الكلمة على فاعل، من نسي ينسى، فحذف الياء منه حذفًا. وقيل: هو على وزن فلع، وأصله: نَيسٌ، مقلوب من نسي ينسى، فقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فبقي ناس، ولذلك أماله بعض القراء في الأحوال الثلاث: الرفع والنصب والجر (3)، والوجه ما ذهب إليه صاحب الكتاب وموافقوه، وقد مضى موضحًا فيما سلف من الكتاب (4).
وقوله: {مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)} كلاهما نعت للرب، أو بدل منه.
الزمخشري: هما عطف بيان له، كقولك: سيرة أبي حفص عمر الفاروق، بُيِّنَ بملك الناس، ثم زِيد بيانًا بـ {إِلَهِ النَّاسِ}، لأنه قد يقال لغيره: رب الناس، كقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (5) وقد يقال: ملك الناس، وأما {إِلَهِ النَّاسِ} فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان. فإن قلت: هلا اكتُفي بإظهار المضاف إليه مرة واحدة؟ قلت: لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار، انتهى كلامه (6).
وقوله: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} اختلف في الوسواس، فقيل: هو اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فوسواس بالكسر
__________
(1) انظر معالم التنزيل 1/ 49. والإنصاف 2/ 811 - 812.
(2) هذا قول الكوفيين كما في البيان 2/ 550
(3) المنصوص عليه في القراءة الصحيحة أن إمالة النون من (الناس) في موضع الخفض، ولا يمال في الرفع أو النصب، وبالإمالة قرأ الأعشى، والكسائي، وأبي عمرو في رواية عنهما. انظر السبعة / 703/. والحجة 6/ 466. والتذكرة 2/ 655.
(4) عند إعراب الآية (8) من البقرة. وانظر المسألة مبسوطة في الإنصاف 2/ 809 - 812.
(5) سورة التوبة، الآية: 31.
(6) الكشاف 4/ 245.
(6/492)
________________________________________
كالزالزال. والوسوسة: حديث النفس، وهو مصدر قولك: وَسْوَسَتْ إليه نفسُهُ وَسوسةً ووِسواسًا بكسر الواو، وقيل: هما مصدران، يعني الوَسواس والوِسواس بفتح الواو وكسرها، والوجه: هو الأول وعليه الأكثر.
قيل: والمراد به الشيطان، سمي بالمصدر مبالغة، كأنه وسوسةٌ في نفسه لأنها صنعتُه وشغلُه الذي هو عاكف عليه، ولك أن تقدر في الكلام حذف مضاف، أي: من شر ذي الوسواس، كقولك: رجل صَوْم، وزور على الوجهين. و {الْخَنَّاسِ} صفة له، والخناس: الكثير الاختفاء بعد الظهور، يقال: خَنَسَ يَخْنِسُ خنوسًا، إذا استتر وتأخر، وفي الحديث: "الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله تنحّى وخنس، وإذا سها وغفل وسوس إليه" (1).
وقوله: {الَّذِي يُوَسْوِسُ} يجوز أن يكون في موضع جر على النعت، وأن يكون في موضع نصب على الشتم، وأن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ.
قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ} قد جوز فيه أوجه: أن يكون بيانًا (للناس) الأول في قوله: {بِرَبِّ النَّاسِ} فيكولن قوله: و {النَّاسِ}: عطفًا على {الْجِنَّةِ}، والتقدير: برب الناس جِنِّيِّهم وإنسيِّهم، وجاز تبيين الناس بالجن، لأنهم يتحركون في أمورهم ومراداتهم كالناس، وأيضًا فقد سُمُّوا في موضعٍ رجالًا (2)، وفي موضع آخر قومًا (3)، وأن يكون بيانًا (للناس) الآخر في قوله: {فِي صُدُورِ النَّاسِ}، فيكون في موضع الحال، أي: في صدور
__________
(1) بهذا اللفظ أخرجه الطبري 30/ 355 موقوفًا على ابن عباس - رضي الله عنهما -. وروي مرفوعًا من حديث أنس - رضي الله عنه - بلفظ: "إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه". أخرجه ابن أبي يعلى، والبيهقي في الشعب، وانظره في الترغيب والترهيب كتاب الذكر والدعاء 2/ 399 - 400.
(2) في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ... } [الجن: 6].
(3) كما في قوله تعالى: {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ ... } [الأحقاف: 29 - 31].
(6/493)
________________________________________
الناس كائنين من الجِنَّة والناس. وأن يكون بدلًا من قوله: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ}، فيكون قوله: {النَّاسِ} عطفًا على {الْجِنَّةِ} أيضًا، والتقدير: أعوذ به من شر الوسواس من شر الجِنَّة والناس، وإن شئت قدرت حذف المضاف، أي: من شر ذي الوسواس، وإن شئت لم تقدر على ما ذكر قبيل، وأن يكون بيانًا لـ {الَّذِي يُوَسْوِسُ}، فيكون في موضع الحال من المنوي في {يُوَسْوِسُ}، أي: كائنًا من الجنة والناس، وأن يكون {مِنَ} لابتداء الغاية من صلة {يُوَسْوِسُ}، أي: في صدورهم من جهة الجن، ومن جهة الناس.
وقال أبو جعفر: سألت علي بن سليمان الأخفش عن قوله عز وجل: {وَالنَّاسِ} كيف يُعْطَفون على {الْجِنَّةِ} في قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} وهم لا يوسوسون؟ فقال لي: هم معطوفون على {الْوَسْوَاسِ}، والتقدير: قل أعوذ برب الناس من شر الوسواس والناس، انتهى كلامه (1).
قلت: رحم الله علي بن سليمان الأخفش نظر في معنًى وفاتته المعاني والتقديرات المذكورة إن قال ذلك معتقدًا أنه لا يجوز غيره.
و{الْجِنَّةِ} جمع جنّي، كإنْسٍ في إِنْسيٍّ، والتاء للجمع كالتي في البعولة والعمومة، والله تعالى أعلم بكتابه. [والحمد لله على نعمائه، وأشكره على جزيل عطائه، وأستعينه عند مصائبه وبلائه، وهو حسبي ونعم الوكيل] (2).
هذا آخر إعراب سورة الناس
والحمد لله وحده
__________
(1) إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس 3/ 796.
(2) ما بين المعكوفيتن من (أ) فقط. وفي (جـ): تم الكتاب بعون الله الملك الوهاب.
(6/494)
________________________________________
مراجع التعليق والتحقيق
- القرآن الكريم.
- إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر للشيخ أحمد البنا. ت: د. شعبان إسماعيل. ط: أولى 1407 هـ - 1987 م. عالم الكتب - بيروت.
- الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان لابن بلبان الفارسي. ت: الشيخ شعيب الأرناؤوط. ط: أولى 1408 هـ - 1988 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- الأحكام السلطانية للماوردي. ت: خالد عبد اللطيف العلمي. ط: أولى 1410 هـ - 1990 م. دار الكتاب العربي - بيروت.
- أحكام القرآن لابن العربي. ت: محمد عطا. ط: أولى 1408 هـ - 1988 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- أحكام القرآن للكيا الهراسي. ط: أولى 1403 هـ - 1983 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- أخبار القضاة لوكيع. ط: عالم الكتب - بيروت.
- أدب الكاتب لابن قتيبة. ت: محمد الدالي. ط: ثانية 1405 هـ - 1985 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- الأدب المفرد = فضل الله الصمد.
- أدب النساء لعبد الملك بن حبيب. ت: عبد المجيد تركي. ط: أولى 1412 هـ - 1992 م. دار الغرب الإسلامي - بيروت.
- الأذكار النووية للإمام النووي. ت: محيي الدين مستو. ط: ثانية 1410 هـ - 1990 م. مكتبة دار التراث - المدينة المنورة. دار ابن كثير - دمشق.
- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم للعلامة أبي السعود. ت: عبد القادر أحمد عطا. ط: 1401 هـ - 1981 م. مكتبة الرياض الحديثة - الرياض.
- أساس البلاغة للزمخشري. ط: 1404 هـ - 1984 م. دار بيروت.
- أسباب النزول للواحدي. ت: كمال زغلول. ط: أولى 1411 هـ - 1991 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
(6/711)
________________________________________
- الاستيعاب في معرفة الأصحاب للحافظ ابن عبد البر. ت: علي محمد البجاوي. دار نهضة مصر - القاهرة.
- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير. ط: دار الشعب - القاهرة.
- أسرار البلاغة للجرجاني. ت: محمود شاكر. ط: أولى 1412 هـ - 1991 م. دار المدني - جدة.
- الأسماء والصفات للبيهقي. ت: الشيخ عماد الدين حيدر. ط: أولى 1405 هـ - 1985 م. دار الكتاب العربي - بيروت.
- الإشارة إلى سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - للحافظ مغلطاي. ت: محمد نظام الدين الفتيح. ط: أولى 1416 هـ - 1996 م. دار القلم - دمشق. الدار الشامية - بيروت.
- الاشتقاق لابن دريد. ت: الأستاذ عبد السلام هارون. ط: ثالثة. مكتبة الخانجي - مصر.
- اشتقاق أسماء الله لأبي القاسم الزجاجي. ت: د. عبد الحسين المبارك. ط: ثانية 1406 هـ - 1986 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر. ت: علي محمد البجاوي. ط: دار نهضة مصر - القاهرة.
- الأصمعيات، اختيار الأصمعي. تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون. ط: رابعة. دار المعارف - مصر.
- الأصول في النحو لابن السراج. ت: د. عبد الحسين الفتلي. ط: أولى 1405 هـ - 1985 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- الأضداد للأنباري. ت: محمد أبو الفضل إبراهيم. ط: 1407 هـ - 1987 م. المكتبة العصرية - صيدا بيروت.
- إعراب ثلاثين سورة من القرآن لابن خالويه. ط: 1406 هـ - 1985 م. عالم الكتب - ييروت.
- إعراب السمين الحلبي = الدر المصون.
- إعراب العكبري = التبيان في إعراب القرآن.
- إعراب القراءات السبع وعللها لابن خالويه. ت: د. عبد الرحمن العثيمين. ط: أولى 1413 هـ - 1992 م. مكتبة الخانجي - القاهرة.
- إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس. ت: د. زهير الزاهد. ط: 1397 هـ - 1977 م. مطبعة العاني - بغداد.
(6/712)
________________________________________
- الأعلام للزركلي. ط: سابعة 1986 م. دار العلم للملايين - بيروت.
- الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني. مصور عن طبعة دار الكتب. دار إحياء الترات العربي.
- الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب لأبي نصر الفارقي. ت: الأستاذ سعيد الأفغاني. ط: ثالثة 1400 هـ - 1980 م. مؤسسة الرسالة بيروت.
- الإكمال لابن ماكولا. ط: أولى 1411 هـ - 1999 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- الألفاظ الكتابية للهمذاني. ت: د. السيد الجميلي. ط: أولى 1406 هـ - 1986 م. دار الكتاب العربي - بيروت.
- الأم للإمام الشافعي. ط: كتاب الشعب - القاهرة.
- أمالي ابن الشجري. ت: د. محمود الطناحي. مكتبة الخانجي - القاهرة.
- أمالي القالي. ط: دار الكتاب العربي - بيروت.
- الأمثال لأبي عبيد القاسم بن سلام. ت: د. عبد المجيد قطامش. ط: أولى 1400 هـ - دار المأمون للتراث - دمشق بيروت.
- الأمثال لأبي فيد السدوسي. ت: د. رمضان عبد التواب. ط: 1983 م. بيروت - دار النهضة العربية.
- إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي. ت: محمد أبو الفضل إبراهيم. ط: أولى 1406 هـ - 1986 م. دار الفكر العربي - القاهرة. مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.
- الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات الأنباري. ت: الشيخ محيي الدين عبد الحميد. دار الفكر.
- أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي. تقديم محمد المرعشلي. دار إحياء التراث العربي. بيروت - لبنان.
- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام. ت: الشيح محيي الدين عبد الحميد. ط: خامسة 1399 هـ - 1979 م.
- إيضاح الشعر لأبي علي الفارسي. ت: د. حسن هنداوي. ط: أولى 1407 هـ - 1987 م. دار القلم - دمشق. دار العلوم والثقافة - بيروت.
- البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي. ط: ثانية 1403 هـ - 1983 م. دار الفكر.
- البرهان في علوم القرآن للزركشي. ت: محمد أبو الفضل إبراهيم. المكتبة العصرية - صيدا بيروت.
(6/713)
________________________________________
- بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز أبادي. ت: محمد علي النجار. ط: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة 1389 هـ - 1969 م.
- البعث لابن أبي داود السجستاني. ت: محمد بسيوني زغلول. ط: أولى 1407 هـ - 1987 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- البعث والنشور للبيهقي. ت: الشيخ عامر حيدر. ط: أولى 1406 هـ - 1986 م. مركز الخدمات والأبحاث الثقافية - بيروت.
- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي. ت: محمد أبو الفضل إبراهيم. المكتبة العصرية - صيدا بيروت.
- بهجة المجالس وأنس المجالس للحافظ بن عبد البر. ت: محمد مرسي الخولي. دار الكتب العلمية - بيروت.
- البيان في غريب إعراب القرآن لأبي البركات بن الأنباري. ت: د. طه عبد الحميد طه. ط: 1400 هـ - 1980 م. الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- البيان والتبيين للجاحظ. ت: الأستاذ عبد السلام هارون. ط: خامسة. مكتبة الخانجي - القاهرة.
- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. دار الكتاب العربي - بيروت.
- تاريخ دمشق لابن عساكر = مختصر تاريخ دمشق لابن منظور.
- تأويلات أهل السنة للشيخ أبي منصور الماتريدي. ت: د. محمد مستفيض الرحمن. ط: 1404 هـ - 1983 م. مطبعة الإرشاد - بغداد.
- تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة. ت: السيد أحمد صقر. ط: ثانية 1393 هـ - 1973 م دار التراث - القاهرة.
- التبصرة في القراءات السبع لمكي بن أبي طالب. ت: د. محمد غوث الندوي. ط: ثانية 1402 هـ - 1982 م. الدار السلفية - الهند.
- التبيان في آداب حملة القرآن للإمام النووي. ت: عبده الكوشك. ط: أولى 1408 هـ - 1988 م. مكتبة الإحسان. دمشق.
- التبيان في إعراب القرآن للعكبري. ت: على محمد البجاوي. ط: ثانية 1407 هـ - 1987 م. دار الجيل بيروت.
- تجريد أسماء الصحابة للحافظ الذهبي. ت: عبد الصمد شرف الدين. الدار القيمة بالهند. المكتب الإسلامي - بيروت.
- تحرير ألفاظ التنبيه للإمام النووي. ت: عبد الغني الدقر. ط: أولى 1408 هـ -
(6/714)
________________________________________
1988 م. دار القلم - دمشق.
- تحفة الأشراف للحافظ المزي. ت: عبد الصمد شرف الدين. الدار القيمة بالهند. المكتب الإسلامي - بيروت.
- تخريج أحاديث الكشاف = الكافي الشافي.
- التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار للحافظ ابن رجب. ط: أولى 1405 هـ - 1983 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي. دار الكتب العلمية - بيروت.
- التذكرة في الأحاديث المشتهرة للزركشي. ت: مصطفى عطا. ط: أولى 1406 هـ - 1986 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- التذكرة في القراءات الثماني لابن غلبون. ت: أيمن سويد. ط: أولى 1412 هـ - 1991 م. الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة.
- ترتيب مسند الإمام الشافعي للمحدث محمد عابد السندي. ت: السيد يوسف الحسني والسيد عزت الحسيني. ط: 1370 هـ - 1951 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- الترغيب والترهيب للحافظ المنذري. ضبط محمد عمارة. ط: ثالثة 1388 هـ - 1968 م. دار إحياء التراث العربي.
- التعليق المغني على سنن الدارقطني للمحدث محمد شمس الحق آبادي. ط: لاهور - باكستان.
- تفسير الآلوسي = روح المعاني.
- تفسير البرسوي = روح البيان.
- تفسير البغوي = معالم التنزيل.
- تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل
- تفسير ابن الجوزي = زاد المسير.
- تفسير أبي حيان = البحر المحيط.
- تفسير الرازي = مفاتيح الغيب.
- تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق التنزيل.
- تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم.
- تفسير السيوطي = الدر المنثور.
- تفسير الطبري = جامع البيان.
(6/715)
________________________________________
- تفسير ابن عباس = تنوير المقباس.
- تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز.
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير. تقديم د. يوسف مرعشلي. ط: ثانية 1407 هـ - 1987 م. دار المعرفة بيروت.
- تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن.
- التفسير الكبير = مفاتيح الغيب.
- تفسير ابن كثير = تفسير القرآن العظيم.
- تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة.
- تفسير النسفي = مدارك التنزيل.
- تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر. ت: محمد عوامة. ط: أولى 1406 هـ - 1986 م. دار الرشيد - سوريا.
- التكملة لوفيات النقلة للمنذري. ت: د. بشار عواد. ط: ثانية 1405 هـ - 1984 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- التكملة لأبي علي الفارسي. ت: د. كاظم المرجان. ط: 1401 هـ - 1981 م. دار الكتب للطباعة والنشر - جامعة الموصل.
- تلخيص المستدرك للحافظ الذهبي. بهامش المستدرك الآتي.
- تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي. ط: دار الكتب العلمية - بيروت.
- تهذيب إصلاح المنطق للخطيب التبريزي. ت: د. فخر الدين قباوة. ط: أولى 1403 هـ - 1983 م. دار الآفاق الجديدة - بيروت.
- تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزي. ت: د. بشار عواد. ط: رابعة 1406 هـ - 1985 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- تهذيب اللغة للأزهري. ت: د. رياض زكي قاسم. ط: أولى 1422 هـ - 2001 م. دار المعرفة - بيروت.
- تنوير المقباس من تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما -. ت: محمد قمحاوي وعبد الحفيظ عيسى. دار الأنوار المحمدية - القاهرة.
- جامع الأصول في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - لابن الأثير. ت: عبد القادر الأرناؤوط. ط: ثانية 1403 هـ - 1983 م. دار الفكر - لبنان.
- جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري. ط: 1408 هـ - 1988 م. دار الفكر -
(6/716)
________________________________________
بيروت.
- الجامع الصغير للسيوطي. مع فيض القدير الآتي.
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي. ط: ثالثة. مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية.
- الجرح والتعديل للرازي. ط: أولى 1271 هـ - مصورة عن طبعة دار المعارف العثمانية. دار الكتب العلمية - بيروت.
- الجمل في النحو لأبي القاسم الزجاجي. ت: د. علي توفيق الحمد. ط: ثانية 1405 هـ - 1985 م. مؤسسة الرسالة - بيروت. دار الأمل - إربد.
- جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي. شرح علي فاعور. ط: أولى 1406 هـ - 1986 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- جمهرة الأمثال للعسكري. ضبط د. أحمد عبد السلام. ط: أولى 1408 هـ - دار الكتب العلمية - بيروت.
- جمهرة اللغة لابن دريد. ت: د. رمزي بعلبكي. ط: أولى 1987 م. دار العلم للملايين - بيروت.
- الجنى الداني للمرادي. ت: فاضل وقباوة. ط: الثانية 1403 هـ - 1983 م. دار الآفاق الجديدة - بيروت.
- حادي الأرواح لابن القيم.
- حاشية الصبان على شرح الأشموني على الألفية. دار الفكر.
- الحجة في القراءات السبع لابن خالويه. ت: د. عبد العال سالم. ط: خامسة 1410 هـ - 1990 م. مؤسسة الرسالة.
- الحجة للقراء السبعة لأبي علي الفارسي. ت: القهوجي والجويجاتي. ط: أولى 1404 هـ - 1984 م. دار المأمون للتراث - دمشق.
- حلية الأولياء لأبي نعيم. ط: دار الكتب العلمية - بيروت.
- الحماسة لأبي تمام مع شرح المرزوقي الآتي.
- الحيوان للجاحظ. ت: عبد السلام هارون. ط: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب لعبد القادر البغدادي. ت: عبد السلام هارون. ط: ثالثة 1409 هـ - 1989 م. مكتبة الخانجي - القاهرة.
- الخصائص لابن جني. ت: محمد علي النجار. دار الكتاب العربي - بيروت.
- الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي. ت: د. صلاح الدين المنجد. ط: أولى 1401 هـ
(6/717)
________________________________________
- 1981 م. دار الكتاب الجديد.
- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي. ت: د. أحمد الخراط. ط: أولى 1406 هـ - 1986 م. دار القلم - دمشق.
- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي. ط: أولى 1403 هـ - 1983 م. دار الفكر - بيروت.
- الدعاء للطبراني. ت: مصطفى عطا. ط: أولى 1413 هـ - 1993 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- دلائل الإعجاز للجرجاني. ت: د. محمد رضوان الداية ود. فايز الداية. ط: أولى 1403 هـ - 1983 م. مكتبة سعد الدين - دمشق.
- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة للبيهقي. ت: د. عبد المعطي قلعجي. ط: أولى 1405 هـ - 1985 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- دلائل النبوة لأبي نعيم. ت: د. محمد قلعجي وعبد البر عباس. ط: ثانية 1406 هـ - 1986 م. دار النفائس بيروت.
- ديوان الأعشى. ط: 1406 هـ - 1986 م. دار بيروت للطباعة والنشر.
- ديوان حسان بن ثابت - رضي الله عنه - = شرح ديوان حسان.
- ديوان ذي الرمة. ت: د. عبد القدوس أبو صالح. مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1394 هـ - 1974 م.
- ديوان زهير بن أبي سلمى = شرح ديوان زهير.
- ديوان أبي العتاهية. ت: د. شكري فيصل. مكتبة دار الملاح - دمشق.
- ديوان الفرزدق. ضبط علي فاعور ط: أولى 1407 هـ - 1987 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- ديوان الفرزدق. تقديم وشرح مجيد طراد. ط: أولى 1412 هـ - 1992 م. دار الكتاب العربي.
- ديوان المتنبي بشرح العكبري. ضبط السقا والأبياري والشلبي. مكتبة الرياض الحديثة.
- ذيل الأمالي والنوادر لأبي علي القالي. دار الكتاب العربي - بيروت.
- الذيل على الروضتين لأبي شامة المقدسي. ط: ثانية 1974 م. دار الجيل - بيروت.
- رصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي. ت: د. أحمد الخراط. ط: ثانية 1405 هـ - 1985 م. دار القلم - دمشق.
(6/718)
________________________________________
- روح البيان للشيخ إسماعيل حقي البرسوي. دار إحياء التراث العربي - بيروت.
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للآلوسي. دار إحياء التراث العربي - بيروت.
- الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية للسهيلي. دار المعرفة - بيروت.
- الروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني. ت: محمد شكور أمرير. ط: أولى 1405 هـ - 1985 م. المكتب الإسلامي - بيروت. دار عمار - الأردن.
- زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي. ط: رابعة 1407 هـ - 1987 م. المكتب الإسلامي.
- الزهد لشيخ الإسلام ابن المبارك. ت: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي. دار الكتب العلمية - بيروت.
- الزهد الكبير للحافظ البيهقي. ت: الشيخ عامر حيدر. ط: أولى 1408 هـ - 1987 م. دار الجنان - بيروت. ومؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.
- زهر الآداب وثمر الألباب للحصري القيرواني. ت: محمد محيي الدين عبد الحميد. ط: رابعة. دار الجيل - بيروت.
- الزهرة لأبي بكر الأصبهاني. ت: د. إبراهيم السامرائي. الطبعة الثانية 1406 هـ - 1985 م. مكتبة المنار - الزرقاء الأردن.
- السبعة في القراءات لابن مجاهد. ت: د. شوقي ضيف. ط: ثالثة. دار المعارف بمصر.
- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي. ط: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر.
- سمط اللآلي في شرح أمالي القالي للبكري. ت: عبد العزيز الميمني. ط: ثانية 1404 هـ - 1984 م. دار الحديث للطباعة والنشر - بيروت.
- سنن الترمذي. ت: عزت عبيد الدعاس. ط: 1385 هـ - 1965 م. دار الدعوة - حمص.
- سنن الدارقطني = التعليق المغني.
- سنن أبي داود. ت: الدعاس والسيد. ط: أولى 1388 هـ - 1969 م. دار الحديث - بيروت.
- السنن الكبرى للبيهقي. مصور عن طبعة دائرة المعارف العثمانية بالهند.
- سنن ابن ماجه. ت: محمد فؤاد عبد الباقي. المكتبة العلمية - بيروت.
(6/719)
________________________________________
- سنن النسائي بشرح السيوطي وحاشية السندي. عناية الشيخ أبي غدة. ط: ثانية 1406 هـ - 1986 م. دار البشائر الإسلامية - بيروت.
- سؤالات نافع بن الأزرق إلى عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. ت: محمد عبد الرحيم وأحمد نصر الله. ط: أولى 1413 هـ - 1993 م. مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.
- سير أعلام النبلاء للذهبي. ط: رابعة 1406 هـ - 1986 م. إشراف شعيب الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- سيرة ابن إسحاق = السيرة النبوية.
- السيرة النبوية لابن هشام. ت: السقا والأبياري والشلبي. مؤسسة علوم القرآن.
- شرح الأبيات المشكلة الإعراب = إيضاح الشعر.
- شرح أشعار الهذليين للسكري. ت: عبد الستار فراج ومحمود شاكر. مكتبة دار العروبة.
- شرح الأشموني = حاشية الصبان.
- شرح ديوان حسان بن ثابت ضبط البرقوقي. ط: دار الكتاب العربي 1401 هـ - 1981 م. بيروت.
- شرح ديوان الحماسة للمرزوقي. نشر أحمد أمين وعبد السلام هارون. ط: أولى 1411 هـ - 1991 م. دار الجيل - بيروت.
- شرح ديوان زهير بن أبي سلمى. نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب. ط: 1384 هـ - 1964 م. الدار القومية للطباعة والنشر - القاهرة.
- شرح السنة للبغوي. ت: شعيب الأرناؤوط. ط: ثانية 1403 هـ - 1983 م. المكتب الإسلامي - بيروت.
- شرح شذور الذهب لابن هشام. ت: محيي الدين عبد الحميد.
- شرح شواهد الإيضاح لابن بري. ت: د. عيد مصطفى درويش. ط: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 1405 هـ - 1985 م. القاهرة.
- شرح الكافية الشافية لابن مالك. ت: د. عبد المنعم هريدي. ط: أولى 1402 هـ - 1982 م. دار المأمون للتراث.
- شرح القصائد السبع الطوال لأبي بكر الأنباري. ت: عبد السلام هارون. ط: رابعة 1400 هـ - 1980 م. دار المعارف.
- شرح القصائد العشر للتبريزي. ضبط عبد السلام الحوفي. ط: أولى 1405 هـ - 1985 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
(6/720)
________________________________________
- شرح القصائد المشهورات لابن النحاس. ط: أولى 1405 هـ - 1985 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- شرح المعلقات السبع للزوزني. دار القلم - بيروت.
- شرح المفصل لابن يعيش. عالم الكتب - بيروت.
- شرح ملحة الإعراب للحريري. ت: د. أحمد محمد قاسم. ط: ثانية 1412 هـ - 1991 م. دار التراث.
- شرح ابن يعيش = شرح المفصل.
- شعب الإيمان للبيهقي. ت: محمد السعيد زغلول. ط: أولى 1410 هـ - 1990 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- الشعر والشعراء لابن قتيبة. ت: د. مفيد قميحة. ط: ثانية 1405 هـ - 1985 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام للفاسي. ت: د. عمر تدمري. ط: أولى 1405 هـ - 1985 م. دار الكتاب العربي - بيروت.
- شواهد الكشاف = مشاهد الإنصاف.
- الصاحبي لابن فارس. ت: السيد أحمد صقر. مطبعة عيسى البابي الحلبي - القاهرة.
- الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) للجوهري. ت: أحمد عبد الغفور عطار. ط: ثالثة 1404 هـ - 1984 م. دار العلم للملايين - بيروت.
- صحيح الإمام البخاري = فتح الباري.
- صحيح ابن حبان = الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان.
- صحيح مسلم. ت: محمد فؤاد عبد الباقي. دار إحياء الكتب العربية.
- طبقات ابن الأنباري = نزهة الألباء.
- طبقات ابن الجزري = غاية النهاية في طبقات القراء.
- طبقات الداودي= طبقات المفسرين.
- طبقات الذهبي - معرفة القراء الكبار.
- طبقات الزبيدي - طبقات النحويين واللغويين.
- طبقات ابن سعد = الطبقات الكبرى.
- طبقات ابن سلام = طبقات فحول الشعراء.
- طبقات السيوطي = بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة.
(6/721)
________________________________________
- طبقات فحول الشعراء لابن سلام. ت: محمود شاكر. مطبعة المدني القاهرة.
- الطبقات الكبرى لابن سعد. دار صادر - بيروت.
- طبقات المفسرين للداودي. دار الكتب العلمية - بيروت.
- طبقات النحويين واللغويين للزبيدي. ت: محمد أبو الفضل إبراهيم. ط: ثانية. دار المعارف.
- العباب الزاخر واللباب الفاخر للصغانى. ت: محمد آل ياسين. منشورات وزارة الثقافة العراقية - 1981 م.
- العبر في خبر من غبر للذهبي. ت: محمد السعيد زغلول. ط: أولى 1405 هـ - 1985 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- عشرة النساء للإمام النسائي. ت: عمرو علي عمر. ط: ثالثة 1408 هـ - 1988 م. مكتبة السنة - القاهرة.
- العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي. ت: د. مفيد قميحة. ط: أولى 1404 هـ - 1983 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم أبادي. ت: عبد الرحمن عثمان. ط: ثالثة 1399 هـ - 1979 م. دار الفكر - بيروت.
- عيون الأخبار لابن قتيبة. شرح د. مفيد قميحة. ط: أولى 1406 هـ - م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري. ط: ثانية 1402 هـ - 1982 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- غريب الحديث لابن الجوزي. ت: د. عبد المعطي قلعجي. ط: أولى 1405 هـ - 1985 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- غريب الحديث للخطابي. ت: عبد الكريم العزباوي. ط: المركز العلمي بجامعة أم القرى - مكة المكرمة 1402 هـ - 1982 م.
- غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام. طبعة مصورة عن دائرة المعارف العثمانية 51396 - .
- غريب القرآن لابن قتيبة. ت: السيد أحمد صقر، ط: 1398 هـ - 1978 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- الفائق في غريب الحديث للزمخشري. ت: علي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم. ط: ثانية. البابي الحلبي - القاهرة.
(6/722)
________________________________________
- الفاضل للمبرد. ت: عبد العزيز الميمني. مطبعة دار الكتب المصرية - القاهرة 1375 هـ - 1956 م.
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر. ط: أولى 1407 هـ - 1986 م. دار الريان للتراث - القاهرة.
- الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي. ت: محمد السعيد زغلول. ط: أولى 1406 هـ - 1986 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال للبكري. ت: د. إحسان عباس. ود. عبد المجيد عابدين. ط: ثالثة 1403 هـ - 1983 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- فضائل القرآن لأبي عبيد. ت: مروان عطية ومحسن خرابة ووفاء تقي الدين. ط: 1415 هـ - 1995 م. دار ابن كثير - دمشق.
- فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد لفضل الله الجيلاني. ط: ثالثة 1407 هـ - المكتبة السلفية - القاهرة.
- فقه اللغة وسر العربية للثعالبي. ت: د. فائز محمد ود. إميل يعقوب. ط: أولى 1413 هـ - 1993 م. دار الكتاب العربي - بيروت.
- الفهرست لابن النديم. دار المعرفة - بيروت.
- فوات الوفيات للكتبي. ت: د. إحسان عباس. دار صادر - بيروت.
- فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي. دار إحياء السنة النبوية.
- القاموس المحيط للفيروز آبادي. ط: ثانية 1407 هـ - 1987 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر. مع الكشاف.
- الكامل في الضعفاء لابن عدي. ط: ثانية 1405 هـ - 1985 م. دار الفكر - بيروت.
- الكامل في الأدب للمبرد. ت: محمد الدالي. ط: أولى 1406 هـ - 1986 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- الكتاب لسيبويه. ت: عبد السلام هارون. ط: ثالثة 1408 هـ - 1988 م. مكتبة الخانجي - القاهرة.
- كتاب الصناعتين للعسكري. ت: د. مفيد قميحة. ط: ثانية 1409 هـ - 1989 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- كتاب المصاحف لأبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني. ط: أولى 1405 هـ - 1985 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
(6/723)
________________________________________
- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري. دار المعرفة - بيروت.
- كشف الأستار عن زوائد البزار للهيثمي ت: حبيب الرحمن الأعظمي، ط: ثانية 1404 هـ - 1984 م. مؤسسة الرسالة بيروت.
- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني. إشراف الشيخ أحمد القلاش ط: رابعة 1405 هـ - 1985 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة. تصوير مكتبة ابن تيمية.
- الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها لمكي بن أبي طالب. ت: د. محيي الدين رمضان. ط: رابعة 1407 هـ - 1987 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- لسان العرب لابن منظور المصري. ط: دار صادر - بيروت.
- لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني. مصور عن طبعة دار المعارف العثمانية.
- اللمع في العربية لابن جني. ت: حامد المؤمن. ط: 1405 هـ - 1985 م. عالم الكتب. مكتبة النهضة العربية.
- المبسوط في القراءات العشر لابن مهران. ت: سبيع حمزة حاكمي. مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
- مجاز القرآن لأبي عبيدة. ت: محمد فؤاد سزكين. ط: ثانية 1401 هـ - 1981 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- مجالس ثعلب لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب. ت: عبد السلام هارون. ط: 1375 هـ - 1956 م. مصر.
- مجالس العلماء لأبي القاسم الزجاجي. ت: عبد السلام هارون. ط: ثانية 1403 هـ - 1983 م. مكتبة الخانجي بالقاهرة. ودار الرفاعي بالرياض.
- مجمع الأمثال للميداني. ط: 1985 م. دار مكتبة الحياة - بيروت.
- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي. ط: ثالثة 1402 هـ - 1982 م. دار الكتاب العربي - بيروت.
- مجمل اللغة لابن فارس. ت: زهير سلطان. ط: ثانية 1406 هـ - 1986 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- المجموع شرح المهذب للإملام النووي. دار الفكر.
- المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث للحافظ أبي موسى المديني. ت: عبد الكريم العزباوي. ط: أولى 1406 هـ - 1986 م. مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى.
(6/724)
________________________________________
- المجيد في إعراب القرآن المجيد للصفاقسي. ت: موسى محمد زنين. ط: أولى 1992 م. منشورات كلية الدعوة الإسلامية - طرابلس.
- المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات لابن جني. ت: علي النجدي ناصف ود. عبد الحليم نجار ود. عبد الفتاح شلبي. ط: ثانية 1406 هـ - 1986 م. دار سزكين باستانبول.
- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية. ت: المجلس العلمي بفاس.
- مختصر تاريخ دمشق لابن منظور. ت: مجموعة. ط: أولى 1404 هـ - 1984 م. دار الفكر - بدمشق.
- مختصر شواذ القراءات المنسوب لابن خالويه. نشر برجستراسر - المطبعة الرحمانية بمصر. ط: 1934 م.
- مختصر المزني بهامش الأم.
- المخصص لابن سيده. دار إحياء التراث العربي - بيروت.
- مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي. دار الكتاب العربي - بيروت.
- المذكر والمؤنث أبي بكر الأنباري. ت: محمد عبد الخالق عضيمة. ط: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - القاهرة.
- المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد الله الحاكم. دار الفكر - بيروت.
- المستقصى في أمثال العرب للزمخشري. ط: ثانية 1408 هـ - 1987 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- المسند للإمام أحمد. ط: خامسة 1405 هـ - 1985 م. المكتب الإسلامي - بيروت.
- المسند للإمام أحمد. ت: أحمد شاكر. ط: 1377 هـ - 1958 م. دار المعارف بمصر.
- المسند للإمام الشافعي = ترتيب مسند الإمام الشافعي.
- مسند أبي داود الطيالسي. ط: دار المعرفة - بيروت.
- مسند أبي يعلى. ت: إرشاد الحق الأثري. ط: أولى 1408 هـ - 1988 م. دار القبلة - جدة. ومؤسسة علوم القرآن - بيروت.
- مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف لمحمد عليان المرزوقي. آخر الكشاف.
- مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب. ت: ياسين السواس. ط: ثانية. دار المأمون للتراث - دمشق.
- المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح على حروف المعجم للعكبري. تحقيق ياسين
(6/725)
________________________________________
السواس. ط: 1403 هـ - 1983 م. مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى.
- المصاحف = كتاب المصاحف.
- مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للبوصيري. ت: موسى علي ود. عزت عطية. دار الكتب الحديثة - القاهرة.
- المصباح المضي في كُتّاب النبي الأمي لابن حديدة الأنصاري. ت: الشيخ محمد عظيم الدين. ط: ثانية 1405 هـ - 1985 م. عالم الكتب - بيروت.
- المصنف في الأحاديث والآثار للحافظ ابن أبي شيبة. ت: الأستاذ عبد الخالق الأفغاني. ط: ثانية 1399 هـ - 1979 م. الدار السلفية بالهند.
- المصنف للحافظ عبد الرزاق الصنعاني. ت: حبيب الرحمن الأعظمي. ط: ثانية 1403 هـ - 1983 م. المكتب الإسلامي - بيروت.
- معالم التنزيل للبغوي. ت: خالد العك ومروان سوار. ط: ثانية 1407 هـ - 1987 م. دار المعرفة - بيروت.
- معاني القرآن للأخفش. ت: د. هدى محمود قراعة. ط: أولى 1411 هـ - 1990 م. مكتبة الخانجي بالقاهرة.
- معاني القرآن وإعرابه للزجاج. ت: د. عبد الجليل شلبي. ط: أولى 1408 هـ - 1988 م. عالم الكتب - بيروت.
- معاني القرآن للفراء. ط: ثالثة 1403 هـ - 1983 م. عالم الكتب - بيروت.
- معاني القرآن الكريم للنحاس. ت: الشيخ محمد علي الصابوني. ط: أولى 1408 هـ - 1998 م. جامعة أم القرى - مكة المكرمة.
- المعاني الكبير في أبيات المعاني لابن قتيبة. ط: أولى 1405 هـ - 1984 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- معجم الأدباء لياقوت الحموي. الطبعة الأخيرة. دار إحياء التراث العربي - بيروت.
- معجم البكري = معجم ما استعجم.
- معجم البلدان لياقوت الحموي. ط: 1399 هـ - 1997 م. دار إحياء التراث العربي - بيروت.
- المعجم الصغير = الروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني.
- معجم الشعراء للمرزباني. ومعه المؤتلف والمختلف. ط: ثانية 1402 هـ - 1982 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
(6/726)
________________________________________
- معجم العين للخليل الفراهيدي. ت: د. مهدي المخزومي ود. إبراهيم السامرائي. ط: أولى 1408 هـ - 1988 م. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت.
- المعجم الكبير للطبراني. ت: حمدي السلفي. ط: ثانية.
- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع للبكري. ت: مصطفى السقا. ط: ثالثة 1403 هـ - 1983 م. عالم الكتب - بيروت.
- معجم المؤلفين لكحالة. دار إحياء التراث العربي - بيروت.
- المُعَرَّب لأبي منصور الجواليقي. ت: أحمد شاكر. ط: أولى 1361 هـ - دار الكتب المصرية - القاهرة.
- معرفة السنن والآثار للبيهقي ت: سيد كسروي حسن. ط: أولى 1412 هـ - 1991 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار للذهبي. ت: بشار عواد وشعيب الأرناؤط وصالح عباس. ط: أولى 1404 هـ - 1984 م. مؤسسة الرسالة - بيروت.
- المعرفة والتاريخ للبسوي. ت: د. أكرم العمري. ط: أولى 1410 هـ - مكتبة الدار - المدينة المنورة.
- مغازي الواقدي. ت: د. مارسدن جونس. عالم الكتب - بيروت.
- المغني لابن قدامة. ط: 1401 هـ - 1981 م. مكتبة الرياض الحديثة - الرياض.
- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام. ت: د. مازن المبارك ومحمد حمد الله. ط: أولى 1412 هـ - 1992 م. دار الفكر - بيروت.
- مفاتيح الغيب للإمام فخر الدين الرازي. ط: أولى 1411 هـ - 1990 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- مفتاح السعادة ومصباح السيادة لطاش كبرى زاده. ط: أولى 1405 هـ - دار الكتب العلمية - بيروت.
- مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني. ت: صفوان داودي. ط: أولى 1412 هـ - 1992 م. دار القلم - دمشق. الدار الشامية - بيروت.
- المفصل في علم اللغة للزمخشري. ت: د. محمد السعيدي. ط: أولى 1410 هـ - 1990 م. دار إحياء العلوم - بيروت.
- المفضليات للمفضل الضبي ت: أحمد شاكر وعبد السلام هارون. ط: سابعة. دار المعارف - القاهرة.
- مقاييس اللغة لابن فارس. ت: عبد السلام هارون. ط: أولى 1411 هـ - 1991 م. دار الجيل - بيروت.
(6/727)
________________________________________
- المقتصد في شرح الإيضاح للجرجاني. ت: د. كاظم المرجان. ط: 1982 م. منشورات وزارة الثقافة العراقية.
- المقتضب للمبرد. ت: محمد عبد الخالق عضيمة. عالم الكتب - بيروت.
- المقرب لابن عصفور. ت: أحمد الجواري وعبد الله الجبوري. ط: أولى 1391 هـ - 1971 م.
- ملحة الإعراب = شرح ملحة الإعراب.
- الممتع في التصريف لابن عصفور. ت: د. فخر الدين قباوة. ط: أولى 1407 هـ - 1987 م. دار المعرفة - بيروت.
- منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير. ت: د. محمود الطناحي. نشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى - مكة المكرمة.
- المنتخب من غريب كلام العرب لكراع النمل. ت: د. محمد العمري. ط: أولى 1409 هـ - 1989 م. جامعة أم القرى - مكة المكرمة.
- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك لابن الجوزي. ت: محمد ومصطفى عطا. ط: أولى 1412 هـ - دار الكتب العلمية - بيروت.
- المنصف لابن جني. ت: إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين. ط: أولى 1373 هـ - مصطفى بابي الحلبي.
- المهذب في ما وقع في القرآن من المعرب للسيوطي. ت: د. التهامي الهاشمي. صندوق إحياء التراث الإسلامي. المغرب والأمارات.
- المؤتلف والمختلف للآمدي. مع معجم الشعراء للمرزباني. ط: ثانية 1402 هـ - 1982 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
- الموشح للمرزباني. ت: علي البجاوي. دار الفكر العربي - القاهرة.
- الموضح في التفسير لأبي نصر السمرقندي الحدادي. ت: صفوان داودي. ط: أولى 1408 هـ - 1988 م. دار القلم - دمشق.
- الموطأ للإمام مالك. ت: محمد فؤاد عبد الباقي. ط: البابي الحلبي. دار إحياء الكتب العربية.
- نزهة الألباء في طبقات الأدباء لابن الأنباري. ت: د. إبراهيم السامرائي. ط: ثالثة 1405 هـ - 1985 م. مكتبة المنار - الأردن.
- النشر في القراءات العشر لابن الجزري. دار الكتاب العربي.
(6/728)
________________________________________
- نصب الراية لأحاديث الهداية للزيلعي. مصورة عن الطبعة الهندية. دار الحديث.
- النكت والعيون للماوردي. ت: السيد عبد المقصود بن عبد الرحيم. دار الكتب العلمية - بيروت. مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.
- النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير. ت: الزاوي والطناحي. المكتبة العلمية. بيروت.
- النهر الماد من البحر لأبي حيان مع البحر المحيط.
- النوادر في اللغة لأبي زيد. ت: سعيد الخوري الشرتوني. دار الكتاب العربي - بيروت.
- هدية العارفين للبغدادي. بدون تاريخ ولا ناشر.
- الوثائق السياسية لمحمد حميد الله. ط: رابعة 1403 هـ - 1983 م. دار النفائس - بيروت.
- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان. ت: د. إحسان عباس. دار صادر - بيروت.
- يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر. ت: د. مفيد قميحة. ط: أولى 1403 هـ - 1983 م. دار الكتب العلمية - بيروت.
(6/729)
________________________________________