المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحجة للقراء السبعة


sawsan
10-17-2019, 02:37 PM
http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة



الكتاب: الحجة للقراء السبعة
المؤلف: الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ الأصل، أبو علي (المتوفى: 377هـ)
المحقق: بدر الدين قهوجي - بشير جويجابي
راجعه ودققه: عبد العزيز رباح - أحمد يوسف الدقاق
الناشر: دار المأمون للتراث - دمشق / بيروت
الطبعة: الثانية، 1413 هـ - 1993م
عدد الأجزاء: 7
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
[قال أبو عليّ] «1»: (عسيت): الأكثر فيه فتح السين وهي المشهورة.
ووجه قول نافع: أنهم قد قالوا: هو عس بذاك، وما أعساه، وأعس به، حكاه ابن الأعرابي، فقولهم: عس. يقوي قراءته: هَلْ عَسَيْتُمْ، ألا ترى أن عس مثل حر وشج؟
وحر وحريّ «2» مثل: مذل ومذيل «3»، وطبّ وطبيب. وقد جاء فعل وفعل في نحو: نقمت ونقمت، وقالوا: وري الزّند، وقالوا:
وريت بك زنادي؛ فاستعملوا فعل في هذا الحرف، فيما قاله أبو عثمان، فكذلك عسيت وعسيت.
فإن أسند الفعل إلى ظاهر، فقياس عسيتم أن تقول:
عسي زيد، مثل رضي، فإن قاله فهو قياس قوله، وإن لم يقله فسائغ له أن يأخذ باللغتين فيستعمل إحداهما في موضع، والأخرى في موضع آخر، كما فعل ذلك غيره.

[البقرة: 249]
واختلفوا «4» في ضمّ الغين وفتحها من قوله تعالى «5»:
غُرْفَةً [البقرة/ 249].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: غُرْفَةً بفتح الغين.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في اللسان: هو عسيّ أن يفعل كذا وعس، أي: خليق، ثم نقل كلام الفارسي في توجيه قراءة نافع (مادة عسا) وحر بمعنى: خليق وجدير بكذا- والشجي: المشغول الخليّ الفارع. والحزين هو شجيّ.
(3) مذل على فراشه مذلًا فهو مذل، ومذل مذالة فهو مذيل، كلاهما: لم يستقر عليه من ضعف وغرض (اللسان مذل).
(4) سقطت الواو من (ط).
(5) في (ط): عز وجل.
(2/350)
________________________________________
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: غُرْفَةً بضم الغين «1».
قال أبو علي: من فتح الفاء التي هي غين من غُرْفَةً عدّى الفعل إلى المصدر، والمفعول في قوله محذوف، إلّا من اغترف ماء غرفة «2».
ومن قال: غُرْفَةً عدّى الفعل إلى المفعول به، ولم يعدّه إلى المصدر كما عدّاه الآخرون إليه، ولم يعدّوه إلى المفعول به، وإنّما جعلت هذا مفعولًا به، لأن الغرفة العين المغترفة، فهو بمنزلة: إلّا من اغترف ماء.
والبغداديون يجعلون هذه الأسماء المشتقة من المصادر بمنزلة المصادر، ويعملونها كما يعملون المصادر؛ فيقولون:
عجبت من دهنك لحيتك، وقد جاء عن العرب ما يدل على صحة ما ذهبوا إليه قال:
وبعد عطائك المائة الرّتاعا «3» وأشياء غير هذا، فعلى هذا يجوز أن تنصب الغرفة نصب الغرفة.
وقد قال سيبويه في نحو: الجلسة، والرّكبة: إنه قد يستغنى بها عن المصادر، أو قال: تقع مواقعها؛ فهذا كالمقارب لقولهم، ولو قيل: إن الضمّ هنا أوجه لقوله: فَشَرِبُوا مِنْهُ [البقرة/ 249]
__________
(1) السبعة 187.
(2) في حجة القراءات لابن زنجلة ص 140: عن أبي عمرو: ما كان باليد فهو غرفة- بالفتح- وما كان بإناء فهو غرفة- بالضم- .. وقال الزجاج:
غرفة، أي: مرة واحدة باليد، ومن قرأ «غرفة» كان معناه: مقدار ملء اليد.
(3) سبق انظر الجزء الأول ص 182.
(2/351)
________________________________________
والمشروب: الغرفة، لكان قولًا.
فأما الباء في قوله: بِيَدِهِ فمن فتح فاء غرفة: جاز أن يتعلق بالمصدر عنده، وجاز أن يعلقه بالفعل، ومن أعمل الغرفة إعمال المصدر؛ جاز أن يعلّق الباء بها في قوله، وكلا الأمرين مذهب.

[البقرة: 251]
واختلفوا «1» في كسر الدال وفتحها، وإدخال الألف وإسقاطها من قوله عزّ وجلّ: وَلَوْلا دَفْعُ «2» اللَّهِ النَّاسَ [البقرة/ 251].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بغير ألف هاهنا، وفي الحج: إن الله يدفع [الآية/ 38]. «3»
وقرأ نافع: ولولا دفاع الله إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ بألف فيهما جميعاً.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ بغير ألف، وإِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ بألف. وروى عبد الوهاب عن أبان عن عاصم: ولولا دفاع الله بألف «4».
قال أبو علي (دفاع) يحتمل أمرين: يجوز أن يكون مصدراً لفعل، كالكتاب واللّقاء، ونحو «5» ذلك من المصادر
__________
(1) سقطت الواو من (ط).
(2) في (ط): دفاع.
(3) في السبعة: وفي سورة الحج و: إن الله يدفع. يريد في مكانين من الحج: في الآية 40 وهي قوله سبحانه: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ ... الآية والآية الثانية 38 المذكورة هنا.
(4) كتاب السبعة 187.
(5) في (ط): وغير.
(2/352)
________________________________________
التي تجيء على فعال. كما يجيء على فعال نحو: الجمال والذّهاب. ويجوز أن يكون مصدراً لفاعل، يدلّ على ذلك قراءة من قرأ: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فالدفاع يجوز أن يكون مصدراً لهذا، كالقتال، ونظيره الكتاب في أنه جاء مصدراً لفاعل وفعل، فقوله تعالى «1»: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ [النور/ 33] الكتاب فيه مصدر كاتب، كما أن المكاتبة كذلك، وقال تعالى: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء/ 24] فالكتاب مصدر لكتب الذي دلّ عليه قوله تعالى «2»: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النساء/ 23] لأن المعنى: كتب هذا التحريم عليكم كتاباً، وكذلك قوله: كِتاباً مُؤَجَّلًا [آل عمران/ 145] كأنّ معنى دفع ودافع سواء، ألا ترى أن قوله «3»:
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... فإذا المنيّة أقبلت لا تدفع
فوضع أدافع موضع أدفع «4»، كأنّ المعنى: حرصت بأن أدفع عنهم المنيّة، فإذا المنيّة لا تدفع.
وقال أمية «5»:
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) وهو أبو ذؤيب الهذلي، والبيت من قصيدته المشهورة في رثاء بنيه الخمسة الذين ماتوا في يوم واحد. انظر ديوان الهذليين/ 2.
(4) عبارة (م): فوضع تدافع موضع تدفع- وفيها قلب من الناسخ.
(5) اللسان (ضلل) وعنه في ديوانه 361 وروايته: لولا وثاق الله. ولا شاهد فيه. والوثاق: ما يوثق به من حبل أو سواه- ونتلّ: نصرع- ونوأد: ندفن أحياء.
(2/353)
________________________________________
لولا دفاع الله ضلّ ضلالنا ... ولسرّنا أنّا نتلّ ونوأد
وإذا كان كذا فقوله: إن الله يدفع، ويدافع يتقاربان، وليس يدافع كيضارب. ومما يقوي ذلك قوله: قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة/ 30]. وليس للمفاعلة التي تكون من اثنين هنا وجه.

[البقرة: 254]
واختلفوا «1» في الرّفع والنصب من قوله تعالى: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ [البقرة/ 254].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ بالنصب في كل ذلك بلا تنوين، وفي سورة إبراهيم:
لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ [الآية/ 31] مثله أيضاً، وفي الطور:
لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ [الآية/ 23] مثله.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: كلّ ذلك بالرّفع والتنوين «2».
قال أبو علي: خصّ البيع في قوله: لا بَيْعٌ فِيهِ لما في المبايعة من المعاوضة، فيظنّ أن ذلك كالفداء في النجاة ممّا أوعدوا به، فصار ذلك في المعنى كقوله تعالى «3»: وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها [الأنعام/ 70]، وكقوله: فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ [الحديد/ 15]، وقوله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ
عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ
[المائدة/ 36]، ونحو ذلك من الآي التي تعلم أنّه لا فداء لعذاب ذلك اليوم، ولا مانع منه، وكذلك قوله: لا خُلَّةٌ
__________
(1) سقطت الواو من (ط).
(2) السبعة 187.
(3) سقطت من (ط).
(2/354)
________________________________________
لأن الخليل قد ينتفع بخلّة خليله، كما أنّ المشفوع له قد ينتفع عند شفاعة الشافع له، فأعلم سبحانه أن ذلك كلّه لا ينفع في ذلك اليوم، قال تعالى: ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ [غافر/ 18].
فأما قوله: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ [إبراهيم/ 31] فإنّ قوله: خِلالٌ يحتمل أمرين: يجوز أن يكون جعل الخلّة كالأسماء، كما جعل غيرها من المصادر كذلك، فكسّر تكسيرها، وجعل كقولهم: برمة وبرام، وجفرة وجفار، وعلبة وعلاب «1»، ويجوز أن يكون مصدر: خاللته مخالّة وخلالًا.
أنشد أبو عبيدة «2»:
ويخبرهم مكان النّون منّي ... وما أعطيته عرق الخلال
وأما قوله تعالى: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ [الطور/ 23] فإن
__________
(1) البرمة: قدر من الحجارة والجمع برام- والجفرة: وسط الشيء ومعظمه والجمع جفر وجفار. والعلبة: قدح ضخم من جلود الإبل، وقيل: العلبة من خشب كالقدح الضخم يحلب فيها والجمع علب وعلاب- وقيل:
العلاب: جفان تحلب فيها الناقة.
(2) مجاز القرآن 1/ 341 وهو للحارث بن زهير العبسي يصف سيفاً، وقبله:
سيخبر قومه حنش بن عمرو ... إذا لاقاهم وابنا بلال
والعرق بمعنى الجزاء. وعرق الخلال: ما يرشح لك الرجل به، أي:
يعطيك للمودة، والنون: اسم سيف مالك بن زهير، وكان حمل بن بدر أخذه من مالك يوم قتله، وأخذه الحارث من حمل بن بدر يوم قتله.
يقول: لم يعرق لي بهذا السيف عن مودة، إنما أخذته منه غصباً.
انظر الجمهرة 1/ 70 والنقائض 1/ 96 والسمط 583 واللسان (عرق).
(2/355)
________________________________________
أبا عبيدة قال: اللّغا: التكلّم بما لا ينبغي، وأنشد للعجّاج «1»:
عن اللّغا ورفث التكلّم قال: وتقول: لغيت تلغى، مثل: لقيت تلقى، قال: ولغا الطّير: أصواتها. وأنشد غيره «2»:
باكرته قبل أن تلغى عصافره ... مستخفياً صاحبي وغيره الخافي
قال أبو علي: فكأنّ اللّغو واللّغا مثل الدّلو والدلا، والعيب والعاب، ونحو ذلك مما يجيء على فعل وفعل، واللغو: التكلم بما لا ينبغي، والخوض فيما نهي عنه. قال تعالى «3»: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ [القصص/ 55]، أي «4»: لا نبتغي مجاراتهم «5» ولا الخوض معهم فيما يخوضون فيه، فالمضاف محذوف، وقال تعالى «6»:
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون/ 3]، فأما قوله سبحانه «7»: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الفرقان/ 72] فيجوز أن يكون المعنى: إذا مرّوا بأهل اللغو، أو: ذوي اللغو، مرّوا
__________
(1) سبق الرجز في هذا الجزء ص 284.
(2) هو عبد المسيح بن عسلة- وهو عبد المسيح بن حكيم وجده الأعلى مرة بن همام وعسلة أمه نسب إليها، والبيت من مفضلية برقم 73 وفي اللسان (لغا).
تلغى: تصيح- وصاحبه: فرسه- يريد: أن النبت غمره وأخفاه- غيره الخافي: أي: مثله لا يخفى لطوله وإشرافه.
(3) في (ط): عز وجل.
(4) سقطت من (م).
(5) في (ط): ممارتهم.
(6) سقطت من (ط).
(7) سقطت من (ط).
(2/356)
________________________________________
كراماً، فلم يجاورهم فيه، واجتنبوهم، فلم يخوضوا معهم.
ويجوز أن يكون مثل قولك: مرّت بي آية كذا، ومررت بسورة كذا، أي: تلوتها وقرأتها. أي: إذا أتوا على ذكر ما يستفحش ذكره كنّوا عنه ولم يصرّحوا. وأحسب بعض المفسّرين إلى هذا التأويل ذهب فيه.
وليس هذا في كلّ حال، ولكن في بعض دون بعض، فإذا كان الحال حالًا يقتضي التبيين، فالتصريح أولى، كما روي من التصريح في قصة ماعز «1»، وكما
روي: «من تعزّى بعزاء الجاهلية، فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا» «2»
وكما روي عن أبي بكر رضي الله عنه، أو غيره من الصحابة، أنه قال لبعض المشركين: اعضض ببظر اللات «3».
وقد يستعمل اللغو في موضع آخر، وهو أن لا يعتدّ بالشيء، فمما يكون على هذا قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ [المائدة/ 89] فهذا يحمل على ما وضعت فيه الكفّارة، نحو: لا والله، وبلى والله.
ومن ذلك قول الشاعر «4»:
__________
(1) وهي في صحيح مسلم كتاب الحدود 3/ 1320.
(2) رواه أحمد في مسنده 5/ 136.
(3) رواه البخاري بشرح الفتح 5/ 248 باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط رقم الحديث 2731 - 2732. وأحمد 4/ 224 و 229 والرواية عندهما: امصص.
(4) البيت لذي الرمة وقد روي في الديوان 2/ 1379: ويهلك بينها المرئي ... والمرئي: نسبة إلى امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم. وانظر شرح الأشموني على ألفية ابن مالك 4/ 192.
(2/357)
________________________________________
ويلغى دونها المرئيّ لغوا ... كما ألغيت في الدّية الحوارا
ألا ترى أن الدّية لا يؤخذ فيها الحوار، فصار لا اعتداد به فيها؛ فأما التأثيم فقالوا: أثم يأثم. إذا ركب مأثما «1»، فإذا حملته على ذلك قلت: أثّمته تأثيما، وفي التنزيل: إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ [المائدة/ 106] وفيه: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية/ 7] وقال تعالى «2»: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ [القلم/ 12]؛ فيجوز أن يكون: آثم وأثيم، مثل: عالم وعليم وشاهد وشهيد، ويجوز أن يكون: أثيم من آثم، مثل:
قريح وطبيب، ومذيل وسميح، فمعنى لا تأثيم: ليس فيها ما يحمل على الإثم؛ فأما من فتح بلا تنوين، فإنه جعله جواب هل فيها من لغو أو تأثيم؟ [ومن رفع جعله جواب: أفيها لغو أو تأثيم؟] «3».
وقد ذكرنا صدراً من القول على النفي فيما تقدم.
والمعنيان يتقاربان في أن النفي يراد به العموم والكثرة في القراءتين يدلّ على ذلك قول أمية «4»:
فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به لهم مقيم
__________
(1) في (ط) إثما.
(2) سقطت في (ط).
(3) ما بين المعقوفتين سقطت من (ط).
(4) هذا البيت ملفق من بيتين كما ورد في الديوان (477 - 475)
ولا لغو ولا تأثيم فيها ... ولا غول ولا فيها مليم
وفيها لحم ساهرة وبحر ... وما فاهوا به لهم مقيم
(2/358)
________________________________________
ألا ترى أنه يريد من نفي اللغو- وإن كان قد رفعه- ما يريد بنفي التأثيم الذي فتحه ولم ينوّنه.
فإن جعلت قوله: (فيها) خبراً أضمرت للأول خبراً وإن جعلته صفة. أضمرت لكلّ واحد من الاسمين خبراً.
قال أحمد بن موسى: كلّهم قرأ: أَنَا أُحْيِي [البقرة/ 258] يطرحون الألف التي بعد النون، من أَنَا إذا وصلوا في كل القرآن، غير نافع، فإنّ ورشا وأبا بكر بن أبي أويس وقالون رووا: إثباتها في الوصل إذا لقيتها همزة في كل القرآن مثل: أَنَا أُحْيِي وأَنَا أَخُوكَ، [يوسف/ 69] إلّا في قوله: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الشعراء/ 15] فإنه يطرحها في هذا الموضع مثل سائر القرّاء، وتابع أصحابه في حذفها عند غير همزة، ولم يختلفوا في حذفها، إذا لم تلقها «1» همزة إلا في قوله: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي [الكهف/ 38] ويأتي في موضعه إن شاء الله «2».
[قال أبو علي] «3»: القول في أَنَا أنّه ضمير المتكلم، والاسم: الهمزة والنون، فأما الألف فإنّما تلحقها في الوقف،
__________
والغول: الصداع وقيل:- السّكر- والمليم: اللائم أو المذنب، ومقيم:
ثابت- والساهرة: الأرض.
(1) في (ط) يلقها.
(2) السبعة 188. وهنا ينتهي الجزء الثاني في نسخة (م) في حين يستمر الكلام في (ط).
(3) سقطت من (ط).
(2/359)
________________________________________
كما تلحق الهاء له في نحو: مسلمونه، فكما أنّ الهاء التي «1» تلحق للوقف، إذا اتصلت الكلمة التي هي فيها بشيء؛ سقطت، كذلك هذه الألف تسقط في الوصل، والألف في قولهم: أنا، مثل التي في: حيّهلا، في أنها للوقف «2». فإذا اتصلت الكلمة التي هي فيها بشيء، سقطت، لأن ما يتصل به يقوم مقامه. مثل همزة الوصل في الابتداء، في نحو «3»: ابن واسم وانطلاق، واستخراج. فكما أنّ هذه الهمزة إذا اتّصلت الكلمة التي هي فيها بشيء سقطت، ولم تثبت، لأن ما يتّصل به يتوصّل به إلى النطق بما بعد الهمزة، فلا تثبت الهمزة لذلك؛ كذلك الألف في أَنَا والهاء إذا اتصلت الكلم «4» التي هما فيها بشيء، سقطتا ولم يجز إثباتهما، كما لم تثبت به «5» همزة الوصل، لأن الهمزة في هذا الطّرف، مثل الألف والهاء في هذا الطرف.
وقد يجرون الوقف مجرى الوصل في ضرورة الشعر، فيثبتون فيه «6» ما حكمه أن يثبت في الوقف. وليس ذلك مما ينبغي أن يؤخذ به في التنزيل، لأنهم إنما يفعلون ذلك
__________
(1) سقطت من (م).
(2) فإذا وصلوا قالوا: حيّهل بعمر، وإن شئت قلت: حيّهل. انظر سيبويه 2/ 279.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): الكلمة.
(5) سقطت «به» من (ط).
(6) سقطت من (ط).
(2/360)
________________________________________
لتصحيح وزن، أو إقامة قافية، وذانك لا يكونان في التنزيل، فمن ذلك قوله:
ضخم يحبّ الخلق الأضخمّا «1» لما كان يقف على الأضخمّ بالتشديد، ليعلم أن الحرف في الوصل يتحرك «2»، أطلق الحرف، وأثبت التشديد الذي كان حكمه أن يحذف. ولهذا وجه في القياس وهو: أن الحرف الذي للإطلاق لمّا لم يلزم، لأنّ في الناس من يجري القوافي في الإنشاد مجرى الكلام «3»، فيقول:
أقلّي اللّوم عاذل والعتاب «4»
__________
(1) من رجز لرؤبة في ديوانه ص 183 وقبله:
وصلت من حنظلة الأسطما والعدد الغطامط الغطمّا ثمّت جئت حيّة أصمّا ضخماً ... البيت كذا رواية الديوان بالنصب وتبعها ابن جني في المنصف 1/ 10 وسرّ صناعة الإعراب 1/ 179، وصاحب تاج العروس أما سيبويه فرواه في 1/ 11 برواية المصنف وفي 2/ 283 برواية: بدء بدل ضخم، والبدء:
السيد. وتبع سيبويه على رواية الرفع صاحب اللسان والجوهري. وفي حاشية سر صناعة الإعراب قال ابن بري: صوابه: ضخماً بالنصب لأنه نعت لحية قبله.
(2) في (ط): محرك.
(3) انظر سيبويه 2/ 299.
(4) صدر بيت لجرير سبق في 1/ 73.
(2/361)
________________________________________
واسأل بمصقلة البكري ما فعل «1» فكذلك يلزم أن يقول: الأضخمّ على هذا فلا يطلق فإذا كان ذلك وجهاً في الإنشاد؛ علمت أن الحرف الذي للإطلاق غير لازم، فإذا لم يلزم لم يعتدّ به، وإذا لم يعتدّ به، كان الحرف «2» المشدّد كأنّه موقوف عليه في الحكم، ومثل ذلك:
لقد خشيت أن أرى جدبّا «3» ومثله «4»:
ببازل وجناء أو عيهلّ ومثله «5»:
تعرّض المهرة في الطّولّ
__________
(1) عجز بيت للأخطل سبق في ص 211 ومصقلة: هو ابن هبيرة الشيباني.
(2) سقطت من (ط).
(3) سبق في 1/ 65 (حاشية).
(4) لمنظور بن مرثد وقد سبق في 1/ 151 (حاشية) وانظر الضرائر لابن عصفور ص 51.
(5) من رجز تابع للبيت السابق، وقبله:
تعرّضت لي بمكان حلّ كما في العسكريات ص 219 والمحتسب 1/ 137 وشرح شواهد الشافية للبغدادي 4/ 249، والبيت من أرجوزة طويلة ذكرها ثعلب في مجالسه من ص 533 - 536 وذكر منها أبياتا أبو زيد في نوادره ص 53 منها الشاهد السابق.
(2/362)
________________________________________
ومثله «1»:
مثل الحريق وافق القصبّا «2» فهذا النحو قد يجيء في الشعر على هذا. وليس هذا كوقف حمزة في مَرْضاتِ من مَرْضاتِ اللَّهِ [البقرة/ 207] لأنّ الوقف على التاء لغة حكاها عن أبي الخطّاب «3»، فقد «4» استعمل في الكلام والشعر، وهذا الذي أثبت حرف الإطلاق مع التشديد إنما هو في الشعر دون الكلام، فليس قول القائل:
بل جوز تيهاء كظهر الجحفت «5» مثل: عيهلّ، والقصبّا، ويمكن أن يكون قوله:
هم القائلون الخير والآمرونه «6» وقوله:
ولم يرتفق والناس محتضرونه «7»
__________
(1) سقطت من (م).
(2) من رجز لرؤبة في ملحقات ديوانه ص 169 سبق ذكره في 1/ 65 وانظر الضرائر لابن عصفور ص 50 وشرح الشافية 4/ 250 والمسائل العسكرية ص 224 والعيني 4/ 549 وابن يعيش 3/ 94.
(3) أبو الخطاب هو الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد مولى قيس بن ثعلبة ( ... - 177 هـ) أخذ عنه سيبويه اللغات، وكان إماماً في العربية قديماً. لقي الأعراب وأخذ عنهم وعن أبي عمرو بن العلاء وطبقتهم ...
وكان ديّناً ورعاً ثقة، وهو أول من فسر الشعر تحت كل بيت، وما كان الناس يعرفون ذلك قبله؛ وإنّما كانوا إذا فرغوا من القصيدة فسّروها. انظر الفهرست ص 76 والبغية 2/ 74 والأعلام 4/ 59.
(4) في (ط): «وقد».
(5) سبق في ص: 300.
(6) وعجزه: إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما.
(7) وعجزه: جميعاً وأيدي المعتفين رواهقه ..
(2/363)
________________________________________
الهاء فيه هاء الوقف التي تلحق في «مسلمونه» و «صالحونه» فألحق الهاء حرف اللين، كما ألحقوا الحرف المشدّد حرف الإطلاق، وأجروا غير القافية مجرى القافية، كما أجروا قوله:
لمّا رأت ماء السّلا مشروبا «1» وإن لم يكن مصرّعاً مجرى المصرّع. ولا يجوز شيء من ذلك في غير الشعر.
وأمّا ما روي عن نافع من إثباته الألف في أَنَا إذا كانت بعد الألف همزة، فإنّي لا أعلم «2» بين الهمزة وغيرها من الحروف فصلًا، ولا شيئاً يجب من أجله إثبات الألف التي حكمها أن تثبت في الوقف، بل لا ينبغي أن تثبت الألف التي حكمها أن
__________
وهذا البيت مع سابقه أنشدهما سيبويه 1/ 96 شاهدين على الجمع بين النون والضمير في الآمرونه ومحتضرونه. وقال في عزوهما: وقد جاء في الشعر فزعموا أنه مصنوع. وأوردهما المبرد عن سيبويه فقال: وقد روى سيبويه بيتين محمولين على الضرورة، وكلاهما مصنوع، وليس أحد من النحويين المفتشين يجيز مثل هذا في الضرورة (الكامل 1/ 316) وذكرهما ابن عصفور في الضرائر (27 - 28) وقال: كان الوجه أن يقال: محتضروه، والآمروه، لولا الضرورة. وقوله: يرتفق، أي يتكئ على مرفق يده، والمعتفون: طلاب المعروف، ورواهقه، أي: دانية منه. وانظر شرح الكافية للرضي 2/ 232 (ت- يوسف حسن عمر) والخزانة 2/ 187 - 188.
(1) هذا صدر بيت عجزه: والغرث يعصر في الإناء أرنّت وقد اختلف في نسبته إلى شبيب بن جعيل أو حجل بن نضلة. انظر شرح أبيات المغني للبغدادي 7/ 247 - 248.
والسّلا: الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفاً فيه.
(2) في (ط): «لا أعرف».
(2/364)
________________________________________
تلحق في الوقف، وتسقط في الوصل قبل الهمزة، كما لا تثبت قبل غيرها من الحروف في شيء من المواضع. وقد جاءت ألف «1» إِنَّا مثبتة في الوصل في الشعر من ذلك:
قول الأعشى «2»:
فكيف أنا وانتحالي القواف ... ي بعد المشيب كفى ذاك عارا
وقول الآخر «3»:
أنا شيخ العشيرة فاعرفوني ... حميد قد تذرّيت السّناما
ومن زعم أن الهمزة في إِنَّا أصلها ألف ساكنة، ألحقت أولًا، فلما ابتدئ بها قلبت همزة، فالهمزة على هذا مبدلة من
__________
(1) في (ط) «الألف في».
(2) ديوانه 53. وروايته فيه:
فما أنا أم ما انتحالي القوا ... ف بعد المشيب كفى ذاك عاراً
وذكره أبو حيان في البحر 2/ 288، وأورده المبرد شاهداً على إثبات ألف أنا في الوصل ضرورة ثم قال: والرواية الجيدة: فكيف يكون انتحال القوافي بعد .... (الكامل 1/ 384).
والمعنى: ينفي عن نفسه ما اتهم به عند الممدوح من أنه يسطو على شعر غيره وينتحله لنفسه.
(3) هو حميد بن بحدل الكلبي، انظر المنصف 1/ 10 وفيه: «سيف العشيرة ... حميداً» وابن يعيش 3/ 93 والخزانة 2/ 390 وشرح شواهد الشافية 4/ 223، والصحاح أنن. وفي الأساس (ذرى) ونسبه لحميد، وعنه أثبته العلامة الميمني في ديوان حميد بن ثور ص 133 مع التحفظ فقال: الأساس (ذرى) لحميد، كذا بلا نسبة والصواب ما تقدم، وجعله ابن عصفور من الضرائر فقال: ومنها إثبات ألف أنا في الوصل إجراء لها مجرى الوقف، وأنشد بيت الأعشى السابق، وبيت حميد هذا (انظر الضرائر ص 49 - 50).
(2/365)
________________________________________
ألف؛ فإنّ قائل هذا القول جاهل بمقاييس النحويين، وبمذاهب العرب في نحوه.
أما جهله بمقاييس النحويين فإنهم لا يجيزون الابتداء بالساكن، فلذلك قال الخليل: لو لفظت بدال «قد» لجلبت همزة الوصل فقلت: إد، وقال أبو عثمان: لو لم تحذف الواو من عدة ونحوها، للزمك أن تجتلب الهمزة للوصل، فقلت:
إيعدة.
وأما موضع الجهل بمذاهب العرب التي عليها قاس النحويون: فهو أنهم لم يبتدءوا بساكن في شيء من كلامهم، فإذا أدى إلى ذلك قياس اجتلبوا همزة الوصل. ويبيّن ذلك أنهم لم يخففوا الهمزة مبتدأة، لأن في تخفيفها تقريباً من الساكن، فكما لم يبتدءوا بالساكن، كذلك لم يبتدءوا بما كان مقرّباً منه. ومما يبيّن ذلك أنّهم إذا توالى حرفان متحرّكان [في أول بيت] «1»، حذفوا للجزم المتحرك الأول حتى يصير فعولن:
عولن، وقد توالى في «متفا» من «متفاعلن» ثلاث متحركات فلم يخرموه، لما كان الثاني من «متفا» قد يسكن للزّحاف، فإذا سكن للزحاف لزمه أن يبتدئ بساكن، فإذا «2» كانوا قد رفضوا ما يؤدي إلى الابتداء بالساكن، فأن يرفضوا الابتداء بالساكن نفسه أولى، وإذا «3» كان الأمر على ما وصفنا، تبيّنت أنّ الذي قال ذلك جهل ما ذكرنا من مقاييس النحويين، ومذاهب العرب فيها أو تجاهل، وتبينت أيضاً أنه ليس في الحروف التي يبتدأ بها
__________
(1) سقطت من (م) ما بين المعقوفين.
(2) في (ط): فلما.
(3) في (ط): «فإذا».
(2/366)
________________________________________
حرف مبدل للابتداء به، وأن الحروف التي يبتدأ بها على ضربين: متحرك وساكن، فإن كان متحركاً ابتدئ به ولم يغيّر من أجل الابتداء به، وإن كان ساكناً، اجتلبت «1» له همزة الوصل في اسم كان، أو فعل، أو حرف، وقد كان من حكم مثل هذا الرأي أن لا يتشاغل به لسقوطه وخروجه من قول الناس.

[البقرة: 259]
اختلفوا في إدغام الثّاء في التاء من «2» قوله تعالى: كَمْ لَبِثْتَ [البقرة/ 259] ولَبِثْتُمْ «3».
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في كلّ القرآن ذلك بإظهار الثاء.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائيّ بالإدغام.
قال أبو علي: من بيّن لبثت ولم يدغم، فلتباين المخرجين، وذلك «4» أنّ الظاء والذال والثاء من حيّز، والطاء والتاء والدال من حيّز، فلمّا تباين المخرجان، واختلف الحيّزان لم يدغم.
ومن أدغم أجراهما مجرى المثلين، من حيث اتفق الحرفان في أنّهما من طرف اللسان وأصول الثنايا، واتّفقا في الهمس، ورأى الذي بينهما من الاختلاف في المخرج خلافاً يسيراً فأدغم، وأجراهما مجرى المثلين. ويقوّي ذلك وقوع نحو هذا حرفي رويّ في قصيدة واحدة، فجرى عندهم في ذلك
__________
(1) في (ط): اجتلب.
(2) في (ط): في.
(3) الكهف/ 19 والمؤمنون 112.
(4) في (ط): وذاك.
(2/367)
________________________________________
مجرى المثلين. ويقوّي ذلك اتفاقهم في ستّ في الإدغام. ألا ترى أن الدّال ألزمت الإدغام في مقاربها «1»، وإن اختلفا في الجهر والهمس، ولما ألزمت الدال الإدغام في مقاربها «1»، فصارت الكلمة بذلك على صورة لا يكون في كلامهم مثلها، إلّا أن يكون صوتا، أبدلت من السين التاء، وأدغمت الدال في التاء فصار ستّا «3»، فبحسب إلزامهم الإدغام في هذه الكلمة مع اختلاف الحرفين في الجهر والهمس يحسن الإدغام في:
لَبِثْتَ ولَبِثْتُمْ. ويقوّي الإدغام فيه أيضاً أنّ التاء ضمير فاعل، وضمير الفاعل يجري مجرى الحرف من الكلمة، يدلّ «4» على ذلك وقوع الإعراب بعد ضمير الفاعل في: يقومان، ونحوها، وسكون اللّام في نحو: فعلت، فضارع بذلك الحرفين المتصلين، وإذا «5» صار بمنزلة المتصلين من حيث ذكرنا، لزم الإدغام كما لزم في ستّ، وكما أدغم من أسكن العين في وتد فقال: ودّ.

[البقرة: 259]
اختلفوا في إثبات الهاء في الوصل من قوله عزّ وجلّ «6»:
لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة/ 259] واقْتَدِهْ [الأنعام/ 90] وما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ [الحاقة/ 28]
__________
(1) في (ط): مقاربه.
(3) عبارة اللسان (سدس): ستة وست: أصلهما: سدسة وسدس، قلبوا السين الأخيرة تاء لتقرب من الدال التي قبلها، وهي مع ذلك حرف مهموس، كما أن السين مهموسة فصار التقدير: سدت، فلما اجتمعت الدال والتاء وتقاربتا في المخرج، أبدلوا الدال تاء لتوافقها في الهمس، ثم أدغمت التاء في التاء، فصارت ست كما ترى، فالتغيير الأول للتقريب من غير إدغام، والثاني للإدغام.
(4) في (ط): «يدلك».
(5) في (ط): «فإذا».
(6) سقطت «وجل» من (ط).
(2/368)
________________________________________
وسُلْطانِيَهْ [الحاقة/ 29] وما أَدْراكَ ما هِيَهْ [القارعة/ 10]، وإسقاطها في الوصل ولم يختلفوا في إثباتها في الوقف.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر هذه الحروف كلّها بإثبات الهاء في الوصل. وكان حمزة يحذفهنّ في الوصل. وكان الكسائيّ يحذف الهاء في الوصل من قوله:
يَتَسَنَّهْ واقْتَدِهْ ويثبتها في الوصل في الباقي.
وكلّهم يقف على الهاء، ولم يختلفوا في كِتابِيَهْ [الحاقة/ 19 - 25] وحِسابِيَهْ [الحاقة/ 20 - 26] أنّها بالهاء في الوقف «1».
قال أبو عليّ: السنة تستعمل على ضربين: أحدهما:
يراد به الحول والعام «2» والآخر: يراد به الجدب، خلاف «3» الخصب.
فمما أريد به الجدب قوله تعالى «4»: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ [الأعراف/ 130] ومنه ما يروى من
قوله: «اللهمّ سنين كسنيّ يوسف» «5»
وقول عمر: إنّا
__________
(1) السبعة 188 - 189.
(2) سقطت من (م).
(3) في (م): وخلاف.
(4) سقطت من (ط).
(5) طرف من حديث أخرجه البخاري في الفتح برقم 1006 استسقاء وبرقم 4821 تفسير سورة الدخان، وبرقم 6393 دعوات ومسلم برقم 675 مسافرين وبرقم 2799 صفات المنافقين وأبو داود برقم 1442 وتر والترمذي برقم 3251 تفسير والنسائي 2/ 201 افتتاح. وانظر شأن الدعاء للخطابي ص 191 - 192. وقد وردت كلمة «سني» في (ط) بتسكين الياء، وأصلها سنين حذفت نونها للإضافة، وفي (م) ومسلم ضبطت
(2/369)
________________________________________
لا نقطع في عرق «1» ولا في عام السّنة» فلا يخلو عام السنة من أن يريد «2» به الحول أو الجدب، فلا يكون الأول لأنّه يلزم أن يكون التقدير: عام العام، ولا يكون عام العام، كما لا يكون حول الحول، فإذا لم يستقم هذا، ثبت الوجه الآخر. ومن ذلك قول أوس:
على دبر الشّهر الحرام بأرضنا ... وما حولها جدب سنون تلمّع
«3» فقوله: تلمّع، معناه: لا خصب فيها ولا نبات، كقولهم:
السنة الشهباء، كأنها وصفت بالشّهب الذي هو البياض، كما وصف خلافها لريّ النبات فيها بالسّواد، وعلى ذلك جاء في وصف الجنتين: مُدْهامَّتانِ [الرحمن/ 64] وقال ذو الرّمة في وصف روضة «4»:
__________
بالتشديد مع الكسر، وهي جمع تكسير فعلة على فعول، كما سيذكره المؤلف قريباً في رجز لأبي النجم، ففي التخفيف أعربت بالحرف وفي التشديد بالحركة.
(1) كذا رواية الأصل: «عرق ... » بالراء. والعرق كما في النهاية (عرق):
العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم. ولعل رواية الراء تحريف صوابه: عذق كما في النهاية (عذق): ومنه حديث عمر: «لا قطع في عذق معلّق».
والحديث كما في تلخيص الحبير 4/ 78: من حديث ابن حدير عن عمر قال: «لا تقطع اليد في عذق، ولا عام سنة»، قال: فسألت أحمد عنه فقال:
العذق: النخلة، وعام سنة: المجاعة. اهـ. وقد وقع لفظ: «عذق» في التلخيص، مصحفاً في المكانين إلى: «غدق» بالغين والدال. والغدق:
الماء الكثير. ولا ينسجم ذلك مع معنى الحديث.
(2) في (ط): «يراد».
(3) البيت ليس في ديوان أوس وهو أشبه بقصيدته فيه ص/ 57 وهو في ابن يعيش 2/ 45 بغير نسبة.
(4) في (م): «الروضة».
(2/370)
________________________________________
حوّاء قرحاء أشراطيّة وكفت ... فيها الذّهاب وحفّتها البراعيم
«1» فأمّا قوله تعالى «2»: وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى [الأعلى/ 4 - 5] فإنّ قوله: أَحْوى يحتمل ضربين:
يجوز أن يكون أحوى وصفاً للمرعى كأنّه: والذي أخرج المرعى أحوى، أي: كالأسود من الرّي لشدة الخضرة فجعله غثاء بعد. ويجوز أن يكون أحوى صفة للغثاء، وذلك أنّ الرّطب إذا جفّ ويبس اسودّ بعد، كما قال:
إذا الصّبا أجلت يبيس الغرقد ... وطال حبس بالدّرين الأسود
«3» ومما يراد به الجدب قول حاتم:
وإنّا نهين المال من غير ضنّة ... ولا يشتكينا في السنين ضريرها
«4» أي: لا يشتكينا الفقير في المحل، لأنّا نسعفه ونكفيه.
وإذا «5» ثبت أنّ السنة والسنين الجدوب فيجوز أن يكون
__________
(1) ديوان ذي الرمة 1/ 399 من قصيدته المشهورة التي يشبب فيها بخرقاء.
قوله: حواء: من الحوة: خضرة شديدة تضرب إلى السواد. قرحاء: فيها زهر أبيض كقرحة الفرس، والقرحة: بياض في وجه الفرس. أشراطية:
مطرت بنوء الشرطين: نجمان من الحمل. وكفت: قطرت. الذهاب:
الأمطار فيها ضعف. البراعيم: أوعية الزهر قبل أن يتفتق واحدها برعوم.
(2) سقطت من (ط).
(3) لم نعثر على قائله. والدرين: النبت الذي أتى عليه سنة ثم جف.
والغرقد: شجر عظام من العضاه واحدتها غرقدة (اللسان).
(4) ديوان حاتم الطائي/ 63 وفيه: «في غير ظنة» بدل «من غير ضنة»، و «ما» بدل «لا».
(5) في (ط): «فإذا».
(2/371)
________________________________________
لَمْ يَتَسَنَّهْ: لم تذهب طراءته، فيكون قد غيّره الجدب، فشعّثه وأذهب غضارته. ولمّا كانت السنة يعنى بها الجدب، اشتقوا منها كما يشتقّ من الجدب، فقيل: أسنتوا: إذا أصابتهم السّنة فأجدبوا قال الشاعر:
بريحانة من بطن حلية نوّرت ... لها أرج ما حولها غير مسنت
«1» وقد اشتق من السّنة للجدب من كلتا اللغتين اللتين فيها:
فأسنتوا من الواو، وقوله:
ليست بسنهاء «2» من الهاء. فأمّا قوله:
تأكل «3» أزمان الهزال والسّني «4»
__________
(1) وهو للشّنفرى الأزدي من مفضلية برقم 20 وقبله:
فبتنا كأن البيت حجّر فوقنا ... بريحانة ريحت عشاء وطلّت
حلية: واد بتهامة أعلاه لهذيل وأسفله لكنانة، الأرج: توهج الريح وتفرقها في كل جانب. المسنت: المجدب.
(2) هذه قطعة من بيت لسويد بن الصامت الأنصاري في اللسان (رجب- سنه) وتتمته:
فليست بسنهاء ولا رجبيّة ... ولكن عرايا في السنين الجوائح
قال في اللسان (رجب): يصف نخلة بالجودة، وقوله: سنهاء: حملت سنة ولم تحمل أخرى، أو التي أصابتها السنة المجدبة، ورجّب النخلة: دعمها إذا كثر حملها لئلا تتكسر أغصانها، ورجبيّة ورجّبيّة: بني تحتها رجبة:
دعامة، ويكون ترجيبها: أن يجعل حول النخلة شوك لئلا يرقى فيها راق فيجني ثمرها. والعرايا: جمع عرية، وهي التي يوهب ثمرها. الجوائح:
السنون الشداد التي تجيح المال.
وانظر معجم تهذيب اللغة للأزهري 6/ 129
(3) في (ط): «يأكل».
(4) سبق انظر ص 284.
(2/372)
________________________________________
فلا يصلح أن يقدر فيه أنّه ترخيم، لأنّ الترخيم إنّما يستقيم أن يجوز في غير النداء منه ما كان يجوز منه في النداء، فأمّا إذا لم يجز أن تكون الكلمة مرخمة في نفس النداء فأن لا يجوز ترخيمها في غير النداء أجدر. وإنما أراد بالسني: جمع فعلة على فعول، مثل: مأنة ومئون «1». وكسر الفاء كما كسر في عصيّ، وخفف للقافية كما خفّف الآخر:
كنهور كان من اعقاب السّمي «2» وإنّما السّميّ كعنوق، كما أنّ سماء كعناق.
ويدلّ على صحة هذا قول أبي النجم:
قامت تناجيني ابنة العجليّ ... في ساعة مكروهة النّجيّ
يكفيك ما موّت في السّنيّ «3» فالتخفيف والحذف الذي جاء في السنيّ للقافية، تمّم في بيت أبي النجم. والسنيّ في قول أبي النجم معناه: الجدب، كأنّه: ما موّت في الجدوب. وقالوا: سنون، وسنين، [وجاء سنين] «4» كثيراً في الشعر.
__________
(1) المأنة: قال سيبويه (2/ 183): تحت الكركرة وفي اللسان (مأن): شحمة قص الصدر، وقيل: هي باطن الكركرة.
(2) بيت من الرجز نسبه صاحب اللسان (كنهر) لأبي نخيلة وقال: الكنهور.
من السحاب: المتراكب الثخين، قال الأصمعي وغيره: هو قطع من السحاب أمثال الجبال والسّميّ: جمع سماء، وهو السحاب والمطر.
(3) سبق انظر 284.
(4) سقطت من (ط).
(2/373)
________________________________________
وقد أنشدنا في كتابنا في «شرح الأبيات المشكلة الإعراب من الشعر» في «1» ذلك صدرا فمن ذلك: قول الشاعر:
دعاني من نجد فإنّ سنينه ... لعبن بنا شيباً وشيّبننا مردا
«2» فأمّا قوله تعالى «3»: لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة/ 259] فيحتمل ضربين: أحدهما: أن تكون الهاء لاماً فيمن قال: سنهاء، فأسكنت للجزم، والآخر: أن يكون من السنة فيمن قال:
أسنتوا، وسنوات، أو يكون من المسنون الذي «4» يراد به التّغيّر كأنّه كان لم يتسنّن، ثم قلب على حد القلب في لم يتظنّن.
ويحكى أنّ أبا عمرو الشيباني إلى هذا كان يذهب في هذا الحرف.
فالهاء «5» في يَتَسَنَّهْ على هذين القولين تكون للوقف، فينبغي أن تلحق في الوقف، وتسقط في الدّرج.
فأمّا قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم وابن عامر هذه الحروف كلّها بإثبات الهاء في الوصل فإنّ ذلك مستقيم
__________
(1) في (ط): من.
(2) البيت للصمة بن عبد الله القشيري وهو في معاني القرآن 2/ 92 مع آخر بعده. وأمالي ابن الشجري 2/ 53 ومجالس ثعلب 177 و 320 والاقتضاب/ 193، والعيني 1/ 170، والخزانة 3/ 411 وضرائر الشعر 220 والصحاح (نجد) واللسان عن الفارسي (نجد) و (سنه) وروي:
ذراني بدل دعاني.
(3) زيادة من (م).
(4) في (ط): التي.
(5) في (ط): فأما الهاء.
(2/374)
________________________________________
في قياس العربية في يَتَسَنَّهْ، وذلك أنّهم يجعلون اللام في السنة الهاء، فإذا وقفوا وقفوا على اللام، وإذا وصلوا كان بمنزلة: لم ينقه زيد، ولم يجبه عمرو «1».
فأما قوله تعالى: اقْتَدِهْ [الأنعام/ 90] فإنه أيضاً يستقيم، وذلك أنّه يجوز أن تكون الهاء كناية عن المصدر، ولا تكون التي تلحق للوقف. ولكن لما ذكر الفعل دلّ على مصدره، فأضمره كما أضمر «2» في قوله: وَلا يَحْسَبَنَّ «3» الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ [آل عمران/ 180].
وقال الشاعر «4»:
فجال على وحشيّه وتخاله ... على ظهره سبّاً جديداً يمانيا
وقال آخر «5»:
هذا سراقة للقرآن يدرسه ... والمرء عند الرّشى إن يلقها ذيب
فالهاء في يدرسه للمصدر، ألا ترى أنّها لا تخلو من أن تكون للمصدر أو للمفعول به، فلا يجوز أن تكون للمفعول به «6»، لأنّه قد تعدّى إليه الفعل باللّام، فلا يكون أن يتعدى إليه مرة ثانية، فإذا لم يجز ذلك علمت أنّه للمصدر، وكذلك قراءة من
__________
(1) ينقه: يفهم ويفقه. ونقه من المرض: صح (اللسان) ويجبه: من جبهه إذا رده عن حاجته.
(2) في (م): «أضمر».
(3) كذا ضبطها المؤلف وَلا يَحْسَبَنَّ وهي قراءة، وستأتي في موضعها.
(4) البيت للشاعر العبدي، انظر ابن يعيش 1/ 124 ومعنى السّبّ: الثوب الرقيق. اللسان (سبب).
(5) سبق انظر ص 241.
(6) في (م) للمفعول بدون «به».
(2/375)
________________________________________
قرأ: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها «1» [البقرة/ 148] إذا تعدى الفعل باللّام إلى المفعول. لم يتعدّ إليه مرة أخرى، فكذلك قوله: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام/ 90] يكون: اقتد الاقتداء، فيضمر لدلالة الفعل عليه. وأمّا إجماعهم في: ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ [الحاقة/ 28] وسُلْطانِيَهْ [الحاقة/ 29] وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ [القارعة/ 10] فالإسقاط للهاء في الدرج أوجه في قياس العربية.
ووجه الإثبات أنّ ما كان من ذلك فاصلة أو مشبها للفاصلة في أنّه كلام تام يشبّه بالقافية، فيجعل في الوصل مثله في الوقف، كما يفعل ذلك في القافية، فيجعل في الوصل مثله في الوقف.
وقول حمزة في ذلك أسدّ، وذلك أنه يحذف ذلك كلّه في الوصل، وحجته: أن من الناس من يجري القوافي في الإنشاد مجرى الكلام فيقول:
واسأل بمصقلة البكريّ ما فعل «2» و:
أقلي اللوم عاذل والعتاب «3» فإذا كانوا قد أجروا القوافي مجرى الكلام؛ فالكلام «4» الذي ليس بموزون، أن لا يشبّه بالقوافي أولى.
__________
(1) قراءة حفص عن عاصم (ولكل وجهة).
(2) عجز بيت للأخطل وقد سبق. انظر 211 و 362.
(3) سبق انظر 1/ 73، 2/ 361.
(4) سقطت من: (م).
(2/376)
________________________________________
والكسائي قد وافق حمزة في حذف الهاء من قوله:
يَتَسَنَّهْ واقْتَدِهْ، وأثبت الهاء في الوصل في الباقي، وحجته في إثباته الهاء فيما أثبت مما حذف فيه حمزة الهاء، أنه أخذ بالأمرين، فشبّه البعض بالقوافي، فأثبت الهاء فيه في الوصل كما تثبت في القوافي، ولم يشبّه البعض، وكلا الأمرين سائغ.
قال أحمد بن موسى: ولم يختلفوا في كِتابِيَهْ وحِسابِيَهْ أنّها بالهاء في الوصل، فاتفاقهم في هذا دلالة «1» على تشبيههم ذلك بالقوافي، وذلك أنه لا يخلو من أن يكون لهذا التشبيه، أو لأنّهم راعوا إثباتها في المصحف، فلا يجوز أن يكون لهذا الوجه، ألا ترى أنّ تاءات التأنيث أو عامّتها قد أثبتت في المصحف هاءات، لأنّ الكتابة على أنّ كلّ حرف منفصل من الآخر وموقوف عليه.
فلو كان ذلك للخط، لوجب أن تجعل تاءات التأنيث في الدّرج هاءات لكتابتهم إياها هاءات، ولوجب في نحو قوله:
إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [الحجر/ 47] أن يكون في الدرج بالألف، لأنّ الكتابة بالألف، فإذا لم يجز هذا، علمت أنّ الكتابة ليست معتبرة في الوقف «2» على هذه «3» الهاءات.
وإذا لم تكن معتبرة، علمت أنّه للتشبيه بالقوافي. ولإثبات هذه الهاءات في الوصل وجيه «4» في القياس، وذلك أنّ سيبويه حكى في العدد أنّهم يقولون: ثلاثة أربعة «5»، فقد أجروا
__________
(1) في (ط): دليل.
(2) في (ط): الوقوف.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): وجه.
(5) سيبويه، 2/ 34 ونص كلامه فيه: وزعم من يوثق به أنه سمع من العرب من
(2/377)
________________________________________
الوصل في هذا مجرى الوقف، ألا ترى أنّه أجرى الوصل مجرى الوقف في إلقائه حركة الهمزة على التاء التي للتأنيث، وإبقائها هاء كما تكون في الوقف. ولم يقلبها تاء كما يقول «1» في الوصل: هذه ثلاثتك، فيجيء بالتاء؟ فكذلك قوله: كِتابِيَهْ وعلى هذا المسلك يحمل تبيين أبي عمرو النون في: ياسين والقرآن [يس/ 1 - 2] لما كانت هذه الحروف التي للتهجي موضوعة على الوقف، كما أنّ أسماء العدد كذلك، وصلها وهو ينوي الوقف عليها، ولولا أنّ نيّته الوقف لم يجز تبيين النون.
ألّا ترى أنّ أبا عثمان يقول: إن تبيين النون عند حروف الفم لحن؟ فعلى هذا إثبات الهاء، وهذا أيضاً ينبغي أن يكون محمولًا على ما رواه سيبويه من قولهم «2»: ثلاثة أربعة، وترك القياس على هذا أولى من القياس عليه، لقلة ذلك، وخروجه مع قلته على «3» القياس. وإذا جاء الشيء خارجاً عن قياس الجمهور والكثرة في جنس، لم ينبغ أن يجاوز به ذلك الجنس. وحروف التهجي، وأسماء العدد كالقبيل الواحد، لمجيئهما جميعاً مبنيّين، على الوقف وليس غيرهما كذلك.
وسيبويه لا يعتدّ بهذه الشواذ ولا يقيس عليها. ومن رأى مخالفته جاوز بذلك باب العدد والتهجي «4».
__________
يقول: ثلاثة اربعة: طرح همزة أربعة على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنّه جعلها ساكنة، والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيداً.
(1) في (ط): جاء الفعلان بالتاء المضارعة.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): عن.
(4) في (ط): «باب التهجي والعدد».
(2/378)
________________________________________
[البقرة: 259]
اختلفوا في: الراء والزاي من قوله تعالى «1»: كَيْفَ نُنْشِزُها [البقرة/ 259] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو:
ننشرها بضم النون الأولى وبالراء. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: نُنْشِزُها بالزاي. وروى أبان عن عاصم كيف ننشرها: بفتح النون الأولى وضم الشين «2». حدثني «3» عبيد الله بن علي عن نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم مثله. وروى عبد الوهاب عن أبان عن عاصم كيف ننشرها بفتح النون الأولى وضم الشين وبالراء مثل قراءة الحسن «4».
قال أبو علي: من قال: كيف ننشرها «5»، فالمعنى فيه: كيف نحييها، وقالوا: أنشر «6» الله الميّت فنشر، وفي التنزيل: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ [عبس/ 22] وقال الأعشى:
يا عجبا للميّت الناشر «7» وقد وصفت العظام بالإحياء قال تعالى «8»: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس/ 78 - 79]
__________
(1) في (ط): عز وجل.
(2) في (ط): بضم الشين وفتح النون الأولى. وفي السبعة زيادة: «والراء».
(3) في (ط): جدتنا.
(4) السبعة 189، والحسن هو البصري.
(5) سقطت كلمة «كيف» من (م).
(6) في (ط): وقالوا نشر.
(7) عجز بيت للأعشى صدره في ديوانه/ 141.
حتى يقول الناس مما رأوا وانظر البحر المحيط 2/ 286، وشرح أبيات المغني 5/ 41. ومعاني القرآن للفراء 1/ 173.
(8) سقطت من (ط).
(2/379)
________________________________________
وكذلك في قوله تعالى «1»: كيف ننشرها وقد استعمل النشر في الإحياء في قوله تعالى «2»: وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك/ 15] وقال تعالى «3»: وهو الذي يرسل الرياح نشرا «4» بين يدي رحمته [الأعراف/ 57] فنشر: مصدر في موضع الحال من الريح، تقديره: ناشرة، من نشر الميت فهو ناشر.
قال أبو زيد: أنشر الله الريح إنشاراً: إذا بعثها، وقد أرسلها نشراً بعد الموت. فتفسير أبي زيد له بقوله: بعثها، إنّما هو لأنّ البعث قد استعمل في الإحياء من نحو قوله: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ [البقرة/ 56] وقال تعالى «5» وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ [الأنعام/ 60] وقال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر/ 42] فجاء في هذا المعنى الإرسال، كما جاء البعث في قوله: ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ فالمعنى واحد. ومما جاء فيه وصف الريح بالحياة، قول الشاعر:
وهبّت له ريح الجنوب وأحييت ... له ريدة يحيي المياه نسيمها
«6»
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): عز وجل.
(3) سقطت من (ط).
(4) بفتح النون، وهي قراءة حمزة والكسائي، وستأتي في موضعها. وانظر النشر 2/ 269، 270.
(5) سقطت من (ط).
(6) البيت في اللسان (ريد) بغير نسبة وفيه: «وأنشرت» بدل «وأحييت» و «الممات» بدل «المياه». والريدة: الريح اللينة.
(2/380)
________________________________________
وقالوا: ريح ريدة، ورادة، وريدانة، وكما وصفت بالحياة كذلك وصفت بالموت في قول الآخر:
إنّي لأرجو أن تموت الرّيح ... فأقعد اليوم وأستريح
«1» فكما وصفت بالنشر كذلك وصفت بالإحياء، فالنشر «2» والحياة والبعث والإرسال تقارب في هذا المعنى.
فأما ما روي عن عاصم من قوله: كيف ننشرها بفتح النون الأولى، وضم الشين، وبالراء مثل قراءة الحسن، فإنّه يكون من: نشر الميّت، ونشرته أنا، مثل: حسرت الدابّة «3»، وحسرتها أنا، وغاض الماء، وغضته، قال:
كم قد حسرنا من علاة عنس «4» أو يكون جعل الموت فيها طيّا لها، والإحياء نشراً. فهو على هذا مثل: نشرت الثوب.
وأمّا من قرأ: نُنْشِزُها بالزاي فالنشز: الارتفاع، وقالوا لما ارتفع من الأرض: نشز قال:
ترى الثّعلب الحوليّ فيها كأنّه ... إذا ما علا نشزاً حصان مجلّل
«5»
__________
(1) البيت في اللسان (موت) بغير نسبة وفيه: «فأسكن» بدل «فأقعد» وانظر شأن الدعاء ص 116.
(2) في (ط): والنشر.
(3) حسرت الدابة: أعيت وكلت. يتعدى ولا يتعدى (اللسان).
(4) رجز أورده في اللسان (عنس) ولم ينسبه والعنس: الصخرة، والناقة القوية شبهت بالصخرة لصلابتها. والعلاة في (اللسان): السندان، ويقال للناقة علاة تشبّه بها في صلابتها.
(5) البيت للأخطل في ديوانه 1/ 23، من قصيدة في مدح خالد بن
(2/381)
________________________________________
يريد: شرفا من الأرض، ومكاناً مرتفعاً. فتقدير نُنْشِزُها نرفع بعضها إلى بعض للإحياء، ومن هذا: النشوز من المرأة، إنّما هو أن تنبو عن الزوج في العشرة فلا تلائمه. وفي التنزيل:
وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً [النساء/ 128].
وقال الأعشى:
......... فأصبحت ... قضاعيّة تأتي الكواهن ناشصا
«1» وقال أبو الحسن: نشز وأنشزته، ويدلّك على ما قال «2»، قوله عزّ وجلّ «3»: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا [المجادلة/ 11].

[البقرة: 259]
اختلفوا في قطع الألف ووصلها، وضمّ الميم وإسكانها من قوله عزّ وجلّ: قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة/ 259].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ مقطوعة الألف مضمومة الميم.
__________
عبد الله بن أسيد، كان أحد أجواد العرب في الإسلام وكان جواد أهل الشام. والحولي: ما أتى عليه حول، والمجلل: الذي عليه الجلال.
(1) البيت في ديوانه/ 149 واللسان (قمر) من قصيدة في هجاء علقمة بن علاثة وتمام صدره: تقمّرها شيخ عشاء فأصبحت ..... البيت. قال في اللسان: قال ابن الأعرابي في بيت الأعشى: تقمرها: تزوجها وذهب بها وكان قلبها مع الأعشى، فأصبحت وهي قضاعية. نشصت المرأة على زوجها فهي ناشص: كرهته وملت صحبته.
(2) في (ط): «ويدل على ما قاله».
(3) زيادة من (م).
(2/382)
________________________________________
وقرأ حمزة والكسائي: قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ موصولة الألف ساكنة الميم «1».
قال أبو علي: أما من قرأه على لفظ الخبر، فإنّه «2» لمّا شاهد ما شاهد من إحياء الله وبعثه إياه بعد وفاته، أخبر عما تبيّنه وتيقّنه مما لم يكن تبيّنه هذا التبيين «3» الّذي لا يجوز أن يعترض عليه فيه إشكال، ولا يخطر «4» على باله شبهة ولا ارتياب، فقال: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي: أعلم هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته قبل.
ومن قال: أَعْلَمُ على لفظ الأمر، فالمعنى: يؤول إلى الخبر، وذاك أنّه لما تبيّن له ما تبيّن من الوجه الذي ليس لشبهة عليه منه طريق، نزّل نفسه منزلة غيره، فخاطبها كما يخاطب سواها فقال: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وهذا مما تفعله العرب، ينزّل أحدهم نفسه منزلة الأجنبيّ فيخاطبها كما تخاطبه قال:
تذكّر من أنّى ومن أين شربه ... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل
«5»
__________
(1) السبعة 189.
(2) في (ط): «فلأنه».
(3) في (ط): «التبيّن».
(4) في (م): «تخطر».
(5) البيت للكميت بن زيد أنشده صاحب التاج في (أبل) ونسبه للكميت، وكذلك اللسان (أبل) بلفظة (شربه) بضم الشين وذكره الطبري في تفسيره 2/ 398. وفي القرطبي 3/ 297 عند تفسير قوله تعالى: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قال ابن عطية: وتأنس أبو عليّ في هذا المعنى بقول الشاعر: وأورد البيت .... يؤامر نفسه: يشاورها. والهجمة: عدد من الإبل قريب من المائة. والإبل بكسر الباء: اسم فاعل من أبل كفرح: إذا أحسن رعية الإبل، والقيام عليها.
(2/383)
________________________________________
فجعل عزمه على وروده الشرب له «1» لجهد العطش، وعلى تركه الورود مرة لخوف الرامي وترصّد القانص نفسين له.
ومن ذلك قول الأعشى:
أرمي بها البيد إذا هجّرت ... وأنت بين القرو والعاصر
«2» فقال: أنت، وهو يريد نفسه، فنزّل نفسه منزلة سواه في مخاطبته لها مخاطبة الأجنبيّ.
ومثل ذلك قوله:
ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل ... وهل تطيق وداعاً أيّها الرّجل
«3» فقال: ودّع، فخاطب نفسه كما يخاطب غيره، ولم يقل:
لأودّع، وعلى هذا قال: أيّها الرجل، وهو يعني نفسه. وقال:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمداً «4» فكذلك قوله لنفسه أَعْلَمُ «5» أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) البيت في اللسان (قرا) للأعشى وفيه: «إذ أعرضت» بدل «إذا هجّرت».
وليس في ديوان الأعشى. وهو أشبه بقصيدته التي يهجو فيها علقمة بن علاثة ويذكر في آخرها ناقته. انظر ديوانه ص 147 والقرو: مسيل المعصرة ومثعبها.
(3) سبق انظر 1/ 318.
(4) صدر بيت للأعشى عجزه:
وعادك ما عاد السليم المسهّدا والسليم يطلق على اللديغ تفاؤلًا، وهو مطلع قصيدة للأعشى يمدح بها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. انظر ديوانه/ 135. واستشهد به القرطبي مع سابقه في تفسيره 3/ 297 عن أبي علي للمعنى الذي ذكره أبو علي هنا.
(5) ضبطها في (م): «أعلم» بالمضارع، وما أثبتناه من (ط) وهو الذي ينسجم مع ما ذهب إليه المصنف.
(2/384)
________________________________________
[البقرة/ 259] نزّله منزلة الأجنبيّ المنفصل منه، لتنبهه على ما تبيّن له ممّا كان أشكل عليه.
قال أبو الحسن «1»: وهو أجود في المعنى.

[البقرة: 265]
اختلفوا في ضم الراء وفتحها من قوله تعالى «2»:
بِرَبْوَةٍ [البقرة/ 265] فقرأ عاصم وابن عامر: بِرَبْوَةٍ بفتح الراء. وفي المؤمنين مثله.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي:
بِرَبْوَةٍ بضم الراء وفي المؤمنين مثله «3».
قال أبو عليّ: قال أبو عبيدة «4»: الرّبوة: الارتفاع عن المسيل، وقال أبو الحسن: ربوة. وقال بعضهم: بربوة، وربوة، ورباوة، ورباوة، كلّ من لغات العرب، وهو كلّه في الرابية، وفعله: ربا يربو.
قال أبو الحسن: والذي نختار: ربوة، بضم الراء وحذف الألف.
قال أبو عليّ: يقوّي هذا الاختيار أنّ جمعه ربى «5»، ولا
__________
(1) هو علي بن سليمان الأخفش الأصغر، أبو الحسن، شيخ أبي علي الفارسي، ذكره ابن العديم ممن أخذ عنهم الفارسي. توفي في بغداد (315 هـ) انظر بغية الوعاة 2/ 167، ومجلة المجمع 4/ 743 سنة 1983 م.
(2) في (ط): عز وجل.
(3) السبعة ص 190.
(4) في مجاز القرآن 1/ 82 وفيه: «من المسيل» بدل «عن المسيل»
(5) في (ط): على ربى.
(2/385)
________________________________________
يكاد يسمع غيره، وإذا كان فعله: ربا يربو إذا ارتفع؛ فالرابية؛ والرّبوة، إنّما هو لارتفاع أجزائها عن صفحة «1» المكان التي هي بها «2».
ومنه الرّبا، وهو على ضربين:
أحدهما متوعّد عليه محرّم بقوله [عز اسمه] «3»: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا [البقرة/ 278] وذلك أن يأخذ المكيل أو الموزون اللّذين هما من «4» جنس واحد بأكثر من مثله في بيع أو غيره.
والآخر: مكروه غير محرم، فالمكروه أن تهدي شيئاً أو تهبه، فتستثيب «5» أكثر منه، فمن ذلك قوله تعالى «6»: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ
[الروم/ 39] كأنّ المعنى: لا يربو لكم عند الله، أي: لا يكون في باب إيجابه للثواب لكم ما يكون من إيجابه إذا أخلصتم لله، وأردتم التقرّب إليه، ألّا تراه قال: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم/ 39].
فأمّا ما في قوله: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً، فيحتمل تقديرين: يجوز أن يكون للجزاء، ويجوز أن يكون صلة، فإن قدّرتها جزاء، كانت في موضع نصب بآتيتم، وقوله: فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ
__________
(1) في (ط): صحيفة.
(2) في (ط): «به».
(3) سقطت من (ط).
(4) سقطت «من» من (ط).
(5) في (ط): «يهدي شيئا أو يهبه فيستثيب» بالياء في المواضع الثلاثة.
(6) سقطت من (ط).
(2/386)
________________________________________
في موضع جزم بأنّه جواب للجزاء. ويقوي هذا الوجه قوله: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ. ألّا ترى أنّه لو كان مبتدأ لعاد عليه ذكره؟ ولو جعلتها موصولة لم يكن لآتيتم موضع من الإعراب، وكان موضع ما رفعاً بالابتداء، وآتيتم صلة، والعائد إلى الموصول: الذكر المحذوف من آتيتم.
وقوله: فَلا يَرْبُوا في موضع رفع بأنّه خبر الابتداء، والفاء دخلت في الخبر على حدّ ما دخلت في قوله تعالى «1»:
وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل/ 53] وكذلك قوله:
وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ [الروم/ 39] تكون الهاء العائدة المحذوفة راجعة إلى الموصول، وموضع فأولئك: رفع بأنّه خبر المبتدأ، وقال: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ ثمّ قال: فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ، فانتقل الخطاب بعد المخاطبة إلى الغيبة، كما جاء: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ «2» [يونس/ 22] والفاء دخلت على خبر المبتدأ لذكر الفعل في الصلة، والجملة في موضع خبر المبتدأ الذي هو: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ وتقدّر راجعاً محذوفاً، والتقدير «3»: فأنتم المضعفون به، التقدير:
فأنتم «4» ذوو الضعف بما آتيتم من زكاة، فحذفت العائد على حدّ ما حذفته من قولك: السمن منوان بدرهم، وقال تعالى «5»:
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): ذكر تتمة الآية: « .... بريح طيبة».
(3) في (م): التقدير. بدون واو.
(4) في (ط): «أنتم» بدون الفاء.
(5) سقطت من (ط).
(2/387)
________________________________________
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشوري/ 43] ومثل هذه الآية في المعنى قوله جلّ وعزّ «1»:
وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر/ 6] حدثنا الكندي قال: حدّثنا المؤمّل: قال حدّثنا إسماعيل بن عليّة عن أبي رجاء قال:
سمعت عكرمة «2» يقول: «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ» قال: لا تعط شيئاً لتعطى أكثر منه» «3». فأمّا رفع تستكثر فعلى ضربين: أحدهما:
أن تحكي به حالًا آتية، كما كان قوله: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [النحل/ 124]
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) عكرمة هو مولى عبد الله بن عباس، أحد أوعية العلم انظر ميزان الاعتدال 3/ 93. وأبو رجاء العطاردي: عمران بن تيم ويقال ابن ملحان البصري التابعي الكبير ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة وكان مخضرماً، أسلم في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يره، وعرض القرآن على ابن عباس وتلقنه من أبي موسى، ولقي أبا بكر الصديق، وحدث عن عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ... قال ابن معين: مات سنة خمس ومائة، وله مائة وسبع وعشرون سنة وقيل مائة وثلاثون. انظر طبقات القراء 1/ 604، وذكره ابن حجر في التقريب 2/ 85 وقال عنه: مخضرم ثقة معمّر مات سنة خمس ومائة وله مائة وعشرون سنة روى عنه الجماعة.
- وإسماعيل بن علية: هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي- أسد خزيمة- مولاهم أبو بشر البصري المعروف بابن علية روى له الجماعة انظر تهذيب الكمال للحافظ المزي طبعة دار المأمون للتراث ص 95.
أما مؤمّل: بوزن محمد، فهو مؤمل بن هشام اليشكري أبو هشام البصري ختن إسماعيل بن علية روى عنه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
- وأما الكندي الذي يروي عن مؤمّل فهو أحد اثنين أخوين: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الكندي الصيرفي، وأخوه أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الكندي انظر تهذيب الكمال للحافظ المزي ص 1396.
(3) أخرجه الطبري في التفسير 29/ 148 من طريق عكرمة وغيره.
(2/388)
________________________________________
كذلك، والآخر: أن تقدّر ما يقوله النحويون في قوله: مررت برجل معه صقر صائداً به غداً، أي مقدّراً الصيد، فكذلك يكون هنا مقدراً الاستكثار. وليس للجزم اتجاه في تستكثر، ألّا ترى أنّ المعنى: ليس على أن لا تمنن تستكثر، إنّما المعنى على ما تقدّم.

[البقرة: 260]
اختلفوا في ضمّ الصاد وكسرها من قوله جلّ وعزّ:
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ [البقرة/ 260] فقرأ حمزة وحده:
فَصُرْهُنَّ بكسر الصاد.
وقرأ الباقون: فَصُرْهُنَّ «1» بضم الصاد.
قال أبو عليّ: «صرت» يقع على إمالة الشيء، يقال صرته، أصوره: إذا أملته إليك، وعلى قطعه، يقال: صرته أي:
قطعته فمن الإمالة قول الشاعر «2»:
على أنّني في كلّ سير أسيره ... وفي نظري من نحو أرضك أصور
فقالوا: الأصور: المائل العنق. ومن الإمالة قوله:
يصور عنوقها أحوى زنيم ... له ظاب كما صخب الغريم
«3»
__________
(1) في (ط): زيادة: «إليك».
(2) لم نعثر على قائله.
(3) البيت في أمالي القالي 2/ 52 وكتاب الفرق ص 199 - وفي المصادر الآتية- برواية: يصوع بدل يصور، قال البكري في السمط 2/ 685:
أنشده أبو عبيد في الغريب، وإنما صحّة اتصاله كما أنا مورده:
وجاءت خلعة دبس صفايا ... يصور عنوقها أحوى زنيم
يفرّق بينها صدع رباع ... له ظأب كما صخب الغريم
وقال في التنبيه ص 93: هذا ما اتبع فيه أبو علي (القالي) - رحمه الله-
(2/389)
________________________________________
فهذا لا يكون إلّا من الإمالة وكذلك قول الآخر:
__________
غلط من تقدّمه، فأتى ببيت من أعجاز بيتين أسقط صدورهما، والشعر للمعلى العبدي وأنشد البيتين.
والبيتان بهذه الرواية ما عدا (دبس) فإنّها وردت في المصادر (دهس) - أوردهما صاحب اللسان في مادة (زنم) ونسبهما للمعلى بن حمّال العبدي، ويتراءى لنا من هذه الرواية أن بيت المصنف ملفق من البيتين، ولكن الغريب في الأمر أن المصادر تناولت البيت بروايته المذكورة عند الفارسي ونسبته لأوس بن حجر!.
ففي اللسان (ظأب) أنشده الأصمعي لأوس بن حجر وقال: وليس أوس بن حجر هذا هو التيمي لأنّ هذا لم يجيء في شعره. قال ابن بري: هذا البيت للمعلى بن جمال العبدي. اهـ منه ثم ذكره في مادة (ظرب، صدع، عنق) لأوس وفي التاج لأوس أيضاً. وكذلك نسبه الأزهري في التهذيب 1/ 254 لأوس.
والظاهر عندنا من رواية الفارسي للبيت الآتي، وقوله: وكذلك قول الآخر:
وجاءت خلعة دهس صفايا ... يصور عنوقها أحوى زنيم
أن هنالك تداخلًا بين الروايتين، وربّما كان الشعر لشاعرين مختلفين، وتوافق عجزا البيتين عندهما إمّا من وقع الحافر على الحافر كما يقولون، وإمّا أن أحدهما أخذ من الآخر، وهذا في نظرنا ما يفسر الاختلاف في نسبة الشعر مرة لأوس وأخرى للمعلى ثم إن البيت الثاني: في كتاب الأضداد للأصمعي ص 33 برواية وكانت خلعة دهساً صفايا ... وفي الأضداد لابن السكيت ص 187 برواية المصنف، وفي المكانين نسب البيت للعبدي وكذلك في مجاز القرآن 1/ 81 ونظام الغريب للربعي ص/ 179، هنالك اختلاف بين (جمّال وحمّال) بين المصادر، وفي تفسير الطبري 3/ 54 بدون نسبة. فبعيد أن يتناقل هؤلاء الثقات بيتاً ملفقاً من البيتين، كما قال البكري، دون أن يتنبهوا له. وانظر ديوان أوس في الملحقات ص 140 فإنهما برواية اللسان (زنم).
وقوله: يصوع: يسوق ويجمع، وعنوق ج عناق: للأنثى من ولد المعر، والأحوى: أراد به تيساً أسود. والحوّة: سواد يضرب إلى حمرة. والزنيم:
(2/390)
________________________________________
وجاءت خلعة دهس صفايا ... يصور عنوقها أحوى زنيم
«1» ومن القطع قول ذي الرّمّة:
صرنا به الحكم وعيّا الحكما «2» قال أبو عبيدة: فصلنا به الحكم. ومنه قول الخنساء:
لظلّت الشّمّ منها وهي تنصار أي: تصدّع وتفلّق «3». قال أبو عبيدة، ويقال: انصارّوا:
فذهبوا.
قال: وصرهن من الصّور وهو القطع.
قال أبو الحسن «4»: وقالوا في هذا المعنى، يعني القطع:
صار يصير، وقد حكاه غيره،
__________
الذي له زنمتان في حلقه. وظاب التيس وظأبه (مهموز وبدون همز):
صياحه عند الهياج.
وفي مجاز القرآن: ولون الدّهاس: لون الرمل، كأنه تراب رمل أدهس.
خلعة: خيار شائه. صفايا: غزار.
(1) انظر التعليق السابق.
(2) البيت في اللسان (صور) وفيه: وأعيا بدل عيّا، ونسبه إلى العجاج، مع بيتين آخرين، وذكر الأبيات الثلاثة الدكتور عبد الحفيظ السطلي في ملحقات ديوان العجاج 2/ 335 عن اللسان. ولم نجد البيت في ديوان ذي الرمة.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1/ 81 ومصراع الخنساء ليس في ديوانها، وهو في الأضداد للأصمعي وابن السكيت ص 33 - 187 وللأنباري 23 وتفسير الطبري 3/ 54 والغريبين واللسان/ صور/ وصدر البيت «كما في البحر المحيط 2/ 300: فلو يلاقي الذي لاقيته حضن
(4) هو الأخفش الأصغر سبقت ترجمته.
(2/391)
________________________________________
قال الشاعر:
وفرع يصير الجيد وحف كأنّه ... على اللّيث قنوان الكروم الدّوالح
«1» فمعنى هذا يميل الجيد من كثرته. ومثل هذا قول الآخر:
وقامت ترائيك مغدودنا ... إذا ما ما تنوء به آدها
«2» فقد ثبت أنّ الميل والقطع، يقال في كلّ واحد منهما.
صار يصير.
فقول حمزة: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ، يكون من القطع، ويكون من الميل، كما أنّ قول من ضمّ يحتمل الأمرين، فمن قال:
فصرهنّ إليك فأراد بقوله صرهنّ: أملهنّ، حذف من الكلام، المعنى: أملهنّ فقطعهنّ، ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً [البقرة/ 260]، فحذف الجملة لدلالة الكلام عليها، كما حذف من قوله تعالى: فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ [الشعراء/ 63] المعنى: فضرب فانفلق، وكقوله: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ [البقرة/ 196] أي: فحلق، ففدية، وكذلك قوله عز وجل «3»: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ «1» إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ [النمل/ 28]
__________
(1) أنشده الفراء في تفسيره 1/ 174 عن الكسائي عن بعض بني سليم والطبري في تفسيره 3/ 53 واللسان/ صير/.
(2) البيت رابع أبيات من قصيدة أبياتها 20/ عشرون بيتا لحسان في ديوانه 1/ 113، وذكره صاحب اللسان/ غدن/ والبيت في المحتسب 1/ 319 والمنصف 3/ 13، 30 عن أبي علي.
(3) سقطت من (ط).
(2/392)
________________________________________
، فالقه «1» اليهم ثم تول عنهم) [النمل/ 28] قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ [النمل/ 29] فحذف: فذهب فألقى «2» الكتاب، لدلالة الكلام عليه.
ومن قدّر: فَصُرْهُنَّ أو فَصُرْهُنَّ، أنّه بمعنى: قطّعهنّ، لم يحتج إلى إضمار، كما أنّه لو قال: خذ أربعة من الطير، فقطعهنّ، ثم اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا؛ لم يحتج إلى إضمار،
كما احتاج في الوجه الأول.
وأما «3» قوله: إِلَيْكَ فإنّه على ما أذكره لك.
فمن «4» جعل فَصُرْهُنَّ أو فَصُرْهُنَّ بمعنى: قطّعهن، كان إِلَيْكَ متعلقاً ب فَخُذْ، كأنّه قال: خذ إليك أربعة من الطير فقطعهنّ ثم اجعل على ... [على كلّ جبل منهنّ جزءاً] «5».
ومن جعل فَصُرْهُنَّ أو فَصُرْهُنَّ بمعنى: أملهنّ، احتمل إِلَيْكَ ضربين: أحدهما: أن يكون متعلقاً بخذ، وأن يكون بصرهن، أو بصرهن، وقياس قول سيبويه: أن يكون متعلقاً بقطعهنّ، لأنّه إليه أقرب، واستغنيت بذكر إِلَيْكَ عن تعدية الفعل الأول، كما تقول: ضربت وقتلت زيداً وإن علقته بالأول وحذفت المفعول من الفعل الثاني، فهو كقول جرير:
__________
كذا الأصل بكسر الهاء وهي رواية قالون ... وسيأتي الحديث عنها في سورة النمل مفصلًا إن شاء الله.
(1) ورواية حفص عن عاصم، وحمزة ساكنة الهاء.
(2) في (م): «وألقى».
(3) في (ط): «فأمّا».
(4) في (م): «من» بدون الفاء.
(5) زيادة من (ط).
(2/393)
________________________________________
كنقا الكثيب تهيّلت أعطافه ... والريح تجبر متنه وتهيل
«1» اختلفوا في ضمّ الكاف وإسكانها من الأكل:
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع أُكُلَها [البقرة/ 265] خفيفة ساكنة الكاف وكذلك كلّ مضاف إلى مؤنث، وفارقهما أبو عمرو فيما أضيف إلى مذكر مثل أُكُلُهُ «2» أو غير مضاف إلى مكني مثل أُكُلٍ خَمْطٍ [سبأ/ 16] والْأُكُلِ [الرعد/ 4] فثقّله أبو عمرو وخفّفاه «3».
وقرأها عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أكلها، والْأُكُلِ، وأُكُلُهُ مثقّلا كلّه.
قال أبو علي: الأكل مصدر أكلت أكلا، وأكلة، فأمّا الأكل: فهو المأكول، يدل على ذلك قوله تعالى «4»: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها [إبراهيم/ 25]، إنّما هو ما يؤكل منها، ومن ذلك قول الأعشى «5»:
__________
(1) البيت في ديوانه 1/ 91 من قصيدة يمدح فيها عبد الملك ويهجو الأخطل وروى صاحب الأغاني في 8/ 76 البيت ضمن ثلاثة أبيات في وصف جارية بين يدي الحجاج، ودفعها له بمتاعها وبغلها ورحالها، لأنّه أحسن وصفها، مكافأة له. وقبله:
ودّع أمامة حان منك رحيل ... إنّ الوداع لمن تحبّ قليل
مثل الكثيب ... البيت.
ووقعت الرواية في الديوان: تميل بدل ونهيل، والبيت فيه سادس أبيات من قصيدة طويلة بلغت عدتها سبعين بيتاً.
(2) من قوله تعالى من سورة الأنعام/ 141: وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ.
(3) انظر السبعة ص 190.
(4) سقطت من (ط).
(5) البيت في ديوانه/ 11 وفيه: التالد العتيق بدل الطارف التليد. وانظر اللسان أكل. وروايته في (ط): «التالد الطريف».
(2/394)
________________________________________
جندك الطارف التليد من السّا ... دات أهل القباب والآكال
فالآكال: جمع أكل «1»، مثل عنق وأعناق [قال أبو علي] «2» الأكل «3» في المعنى مثل الطّعمة، تقول: جعلته أكلا له، كما تقول: جعلته طعمة له، والطّعمة ما يطعم.
وقوله: فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ [البقرة/ 265] فيه دلالة على أنّ الأكل: المأكول.
وقال أبو الحسن: الأكل ما يؤكل، والأكل: الفعل الذي يكون منك، [تقول: أكلته «4»] أكلا، وأكلت أكلة واحدة، قال الشاعر «5»:
ما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام
ففتح الألف من الفعل، ويدلّك على ذلك، ولا جوعة، وإن شئت ضممت الأكلة، وعنيت الطّعام. انتهى كلام أبي الحسن.
وقال أبو زيد: يقال إنّه لذو أكل، إذا كان له حظّ ورزق من الدنيا.

[البقرة: 271]
اختلفوا في فتح النّون وكسرها من قوله [جلّ وعزّ] «6»:
__________
(1) في (ط): الأكل.
(2) كذا في (ط) وهي ساقطة من (م).
(3) في (م): زيادة: «كأنّ».
(4) في (ط): يقال أكلت.
(5) البيت في تفسير الطبري 3/ 72 - وانظر تفسير الطبري 5/ 538 ط المعارف فإن محققه نسبه لأبي مضرس النهدي.
(6) زيادة من (م).
(2/395)
________________________________________
فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة/ 271] وإسكان العين وكسرها.
فقرأ نافع في غير رواية ورش وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر والمفضّل فَنِعِمَّا بكسر النون، والعين ساكنة.
وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص، ونافع في رواية ورش فَنِعِمَّا هِيَ بكسر النون والعين.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي فَنِعِمَّا هِيَ بفتح النون وكسر العين، وكلّهم شدّد الميم «1».
قال أبو عليّ: من قرأ فَنِعِمَّا، بسكون العين من فَنِعِمَّا لم يكن قوله مستقيما عند النحويين، لأنّه جمع بين ساكنين، الأول منهما ليس بحرف مدّ ولين، والتقاء الساكنين عندهم إنّما يجوز إذا كان الحرف الأول منهما حرف لين، نحو: دابّة وشابّة، وتمودّ الثوب، وأصيم «2» لأنّه ما في الحروف من المدّ يصير عوضاً من الحركة، ألا ترى أنّه إذا صار عوضاً من الحرف المتحرك المحذوف من تمام بناء الشعر عندهم، فأن يكون عوضاً من الحركة أسهل.
وقد أنشد سيبويه شعراً قد اجتمع فيه الساكنان «3» على
__________
(1) انظر السبعة ص 190.
(2) قوله: تمود لم ترد في المعاجم وأوردها سيبويه 2/ 407 والرضي في شرح الشافية 2/ 212 وأصيم: تصغير أصمّ.
(3) وقد ردّ ابن جني في سر صناعة الإعراب والمحتسب على من ظن أن سيبويه جمع بين الساكنين فقال: «قال سيبويه كلاماً يظن به في ظاهره أنه أدغم الحاء في الهاء، بعد أن قلب الهاء الحاء، فصار في ظاهر قوله:
«مسحّ». واستدرك أبو الحسن ذلك عليه وقال: إن هذا لا يجوز إدغامه؛ لأنّ السين ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين. فهذا لعمري تعلق بظاهر لفظه، فأمّا حقيقة معناه؛ فلم يرد محض الإدغام وإنّما أراد الإخفاء؛
(2/396)
________________________________________
حدّ ما اجتمعا في فَنِعِمَّا في قراءة من أسكن العين وهو:
كأنّه بعد كلال الزاجر ... ومسحي مرّ عقاب كاسر
«1» وأنكره أصحابه «2». ولعل أبا عمرو أخفى ذلك كأخذه بالإخفاء في نحو «3» بارِئِكُمْ «4» [البقرة/ 54]، وَيَأْمُرُكُمْ «4» [البقرة/ 67] فظنّ. السامع الإخفاء إسكاناً للطف ذلك في السّمع وخفائه.
وأمّا من قرأ: فَنِعِمَّا، فحجّته أنّه أصل الكلمة نعم، ثم كسر الفاء من أجل حرف الحلق. ولا يجوز أن يكون ممن قال: نعم، فلمّا أدغم حرّك، كما يقول: يَهْدِي
__________
فتجوّز بذكر الإدغام، وليس ينبغي لمن قد نظر في هذا العلم أدنى نظر أن يظن سيبويه ممن يتوجه عليه هذا الغلط الفاحش حتى يخرج فيه من خطأ الإعراب إلى خطأ الوزن. لأنّ هذا الشعر من مشطور الرجز، وتقطيع الجزء الذي فيه السين والحاء: «ومس حهي» مفاعلن، فالحاء: بإزاء عين مفاعلن، فهل يليق بسيبويه أن يكسر شعراً، وهو من ينبوع العروض، وبحبوحة وزن التفعيل؟!» ا. هـ. (من سرّ الصناعة 1/ 66).
(1) البيت من شواهد سيبويه 2/ 413 على إدغام الهاء في الحاء في كلمة «مسحي» كما جاء رسمها في الكتاب، وأصله: «مسحه» وفي سرّ صناعة الإعراب ص 65 والمحتسب 1/ 62. قال الأعلم: يريد- سيبويه- أنّه أخفى الهاء عند الحاء في قوله: «مسحه» وسماه إدغاما لأنّ الإخفاء عنده ضرب من الإدغام، ولا يجوز الإدغام في البيت لانكسار الشعر. وكذلك بيّنه ابن جني. وجاء رسم «مسحي» في (ط). وفي (م): «مسحه» وكتب فوقها كلمة: «مدغم».
(2) من أمثال أبي الحسن الأخفش الذي ذكره ابن جني.
(3) زيادة من (ط).
(4) كتب فوقهما في (م): «مخفي».
(2/397)
________________________________________
[يونس/ 35] ألّا ترى أنّ من قال: هذا قدّم مالك، فأدغم، لم يدغم نحو قوله «1»: هذا قدم مالك، وجسم ماجد «2»، لأنّ المنفصل لا يجوز فيه ذلك كما جاز في المتصل قال سيبويه: أمّا قول بعضهم في القراءة: فَنِعِمَّا، فحرك العين، فليس على لغة من قال: نعم ما، فأسكن العين، ولكن على لغة من قال: نعم فحرك العين. وحدّثنا أبو الخطاب «3»: أنّها لغة هذيل، وكسر، كما قال: لعب. ولو كان الذي يقول «4»:
نعمّا ممن يقول في الانفصال: نعم لم يجز الإدغام على قوله، لما يلزم من تحريك الساكن في المنفصل. وأمّا من قال:
فَنِعِمَّا فإنّما جاء بالكلمة على أصلها، وهو نعم كما قال:
ما أقلّت قدماي إنّهم ... نعم الساعون في الأمر المبرّ
«5»
__________
(1) كذا في (ط) وهي ساقطة من (م).
(2) في (ط): زيادة: «بالإدغام».
(3) هو الأخفش الأكبر.
(4) في (ط): قال.
(5) البيت من شواهد التبريزي في شرح الحماسة 2/ 85 لطرفة برواية المصنف، وعجزه في شرح الكافية 4/ 239، وفي سيبويه 2/ 408 برواية:
ما أقلّت قدم ناعلها ... نعم الساعون في الحي الشّطر
ونقله ابن جني عن شيخه أبي علي في المحتسب 1/ 342، 357 والخصائص 2/ 228 برواية:
ما أقلت قدمي إنّهم ... نعم الساعون في الأمر المبرّ
ورواية البيت في ديوان طرفة ص 72
حالتي والنفس قدما إنّهم ... نعم الساعون في القوم الشطر
وقد استوفى الكلام على الشاهد البغدادي في خزانة الأدب 4/ 101. وفي اللسان (برر). المبرّ: الغالب، من أبرّه يبرّه: إذا قهره بفعال أو غيره.
(2/398)
________________________________________
ولا يجوز أن يكون ممن يقول: قبل الإدغام نعم، كما أن من قال: نعمّا لا يكون ممن قال قبل الإدغام: نعم، ولكن ممن يقول نعم، فجاء بالكلمة على أصلها وكل حسن.
والمعنى في قوله تعالى «1»: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة/ 271] أن في نعم ضمير الفاعل و (ما) في موضع نصب وهي تفسير الفاعل «2» المضمر قبل الذكر فالتقدير نعم شيئاً إبداؤها، فالإبداء هو: المخصوص بالمدح إلّا أنّ المضاف حذف، وأقيم المضاف إليه الذي هو ضمير الصدقات مقامه، فالمخصوص بالمدح هو الإبداء بالصدقات لا الصدقات يدلّك على ذلك قوله تعالى: وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة/ 271] أي: الإخفاء خير لكم، فكما أن هو ضمير الإخفاء، وليس بالصّدقات، كذلك ينبغي أن يكون ضمير الإبداء مراداً، وإنّما كان الإخفاء- والله أعلم- خيراً لأنّه أبعد من أن تشوب الصدقة مراءاة للنّاس وتصنع لهم، فتخلص لله سبحانه «3». ولم يكن المسلمون إذ ذاك ممن «4» تسبق إليهم ظنة في منع واجب.

[البقرة: 271]
واختلفوا «5» في الياء والنون والرفع والجزم من قوله:
ونكفر عنكم من سيئاتكم [البقرة/ 271].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر:
__________
(1) ساقطة من (ط).
(2) أي أن (ما) تمييز للفاعل المضمر في «نعم».
(3) سقطت «سبحانه» من (ط).
(4) سقطت كلمة: «ممن» من (م).
(5) سقطت الواو من (ط).
(2/399)
________________________________________
ونكفر بالنون والرفع.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي ونكفر بالنون وجزم الراء.
وروى أبو جعفر عن نافع ونكفر بالنون والرفع.
وروى الكسائيّ عن أبي بكر عن عاصم ونكفر جزم بالنون.
وقرأ ابن عامر وَيُكَفِّرُ بالياء والرفع وكذلك حفص عن عاصم «1».
قال أبو عليّ: من قرأ ونكفر عنكم من سيئاتكم فرفع، كان رفعه من «2» وجهين:
أحدهما: أن يجعله خبر مبتدأ «3» محذوف تقديره: ونحن نكفّر عنكم سيئاتكم «4». والآخر: أن يستأنف الكلام ويقطعه مما قبله، فلا يجعل الحرف العاطف للاشتراك ولكن لعطف جملة على جملة.
وأمّا من جزم فقال: ونكفر عنكم فإنّه حمل الكلام على موضع قوله: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لأنّ قوله: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ في موضع جزم، ألّا ترى أنّه لو قال: وإن تخفوها يكن أعظم لأجركم، لجزم.
فقد علمت أنّ قوله: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ في موضع جزم فحمل قوله: ويكفر «5» على الموضع. ومثل هذا في الحمل على الموضع أن سيبويه زعم أن بعض القراء قرأ:
__________
(1) انظر السبعة ص 191.
(2) في (ط): «علي».
(3) في (ط): ابتداء.
(4) سقطت من (ط). «سيئاتكم».
(5) في (ط): ويكفر عنكم.
(2/400)
________________________________________
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ «1» [الأعراف/ 186] لأنّ قوله: فَلا هادِيَ لَهُ: في أنّه في موضع جزم مثل قوله: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.
ومثله في الحمل على الموضع، قوله تعالى «2»: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ [المنافقون/ 10] حمل قوله وَأَكُنْ على موضع قوله: فَأَصَّدَّقَ لأنّ هذا موضع فعل مجزوم، لو قال: أخّرني إلى أجل قريب أصّدق، لجزم، فإذا ثبت أنّ قوله: فأصّدق في موضع فعل مجزوم حمل قوله:
أَكُنْ «3» عليه، ومثل ذلك قوله الشاعر «4»:
أنّى سلكت فإنّني لك كاشح ... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد
فحمل قوله وأزدد على موضع قوله: فإنني لك كاشح.
ومثله قول الآخر، وأظنّه أبا دؤاد «5»:
فأبلوني بليّتكم لعلّي ... أصالحكم وأستدرج نويّا
فأمّا النون والياء في قوله: نكفّر، ويكفّر، فمن قال:
ويكفّر فلأن ما بعده على لفظ الإفراد، فيكفّر أشبه بما بعده من الإفراد منه بالجمع.
__________
(1) انظر سيبويه 1/ 448.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): «وأكن».
(4) البيت في شرح أبيات المغني 6/ 296 نقلا عن الحجة وفي تهذيب اللغة للأزهري 15/ 653 وفيه: «أيّا فعلت» مكان «أنّى سلكت».
(5) البيت في ديوانه جمع كرنباوم ص 350 ومعاني القرآن للفراء 1/ 88 والخصائص 1/ 176، 2/ 341، 424 وابن الشجري 1/ 280 والنقائض 1/ 408، وتأويل مشكل القرآن ص 40، وهو من شواهد شرح أبيات المغني 6/ 292، واللسان (علل).
(2/401)
________________________________________
وأمّا من قال: نكفّر على لفظ الجمع، فإنّه أتى بلفظ الجمع، ثم أفرد بعد «1» كما أتى بلفظ الإفراد ثمّ جمع في قوله تعالى «2»: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء/ 1] ثمّ قال: وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ [الإسراء/ 2].

[البقرة: 273]
اختلفوا في كسر السين وفتحها من قوله جلّ وعزّ «3»:
يَحْسَبُهُمُ [البقرة/ 273] وتَحْسَبَنَّ [آل عمران/ 278].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: يَحْسَبُهُمُ وتَحْسَبَنَّ بكسر السين في كلّ القرآن.
وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: يَحْسَبُهُمُ، وتَحْسَبَنَّ. بفتح السين في كلّ القرآن.
وقال هبيرة «4» عن حفص أنّه كان يفتح ثم رجع إلى الكسر «5».
قال أبو عليّ: قال أبو زيد: يقال «6»: حسبت الشّيء أحسبه وأحسبه حسبانا. وحكى سيبويه أيضا: حسب يحسب ويحسب. وقال «7» أبو زيد: حسبت ذلك الحقّ حسابا وحسابة من الحساب، فأنا أحسبه. قال أبو زيد: وقال رجل من بني نمير: حسبانك على الله أي: حسابك على الله، وقال الشاعر:
__________
(1) زيادة من (ط).
(2) في (ط) عزّ وجلّ.
(3) سقطت من (ط).
(4) هو هبيرة بن محمد التمار أبو عمر الأبرش انظر الطبقات 2/ 353.
(5) انظر السبعة ص 191 - 192.
(6) سقطت من (ط).
(7) في (ط): قال.
(2/402)
________________________________________
على الله حسباني إذا النّفس أشرفت ... على طمع أو خاف شيئا ضميرها
«1» وأحسبت الرجل إحسابا إذا أطعمته وسقيته حتى يشبع ويروى، وتعطيه حتى يرضى.
قال أبو علي: القراءة بتحسب بفتح السّين أقيس، لأنّ الماضي إذا كان على فعل نحو حسب، كان المضارع على يفعل مثل: فرق يفرق، وشرب يشرب، وشذّ يحسب فجاء على يفعل في حروف أخر. والكسر حسن لمجيء السمع به، وإن كان شاذا عن القياس.

[البقرة: 279]
اختلفوا في قوله تعالى «2»: فَأْذَنُوا [البقرة/ 279] في مدّ الألف وقصرها وكسر الذّال وفتحها.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي فَأْذَنُوا مقصورة مفتوحة الذال.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة فآذنوا ممدودة مكسورة الذّال. وروى حفص عن عاصم والمفضّل فَأْذَنُوا مقصورة.
حدثني وهيب بن عبد الله [المروزي] «3» عن الحسن بن المبارك عن [أبي حفص] «3» عن عمرو بن الصبّاح عن أبي
__________
(1) البيت في تهذيب اللغة 4/ 331 مع نقله عن أبي زيد بتصرف، ولم ينسبه، وذكره صاحب اللسان. (حسب)، ولم نجد كلام أبي زيد في النوادر.
(2) سقطت من (ط).
(3) ما بين معقوفين زيادة من السبعة ص 192 وجاء اسمه في طبقات القراء 2/ 361: «وهب».
(2/403)
________________________________________
يوسف الأعشى عن أبي بكر عن عاصم أنّه قال «1»: فَأْذَنُوا وفآذنوا ممدودا ومقصورا.
قال أبو علي: قال سيبويه: آذنت: أعلمت، وأعلمت:
آذنت، وأذّنت: النداء، والتصويت بالإعلام. قال: وبعض العرب يجري آذنت مجرى أذّنت «2»، فمن أذّن الّذي معناه: التصويت والنداء قوله: ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ [يوسف/ 70] فالأشبه في هذا الإعلام بالتصويت لقوله:
أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ فالتقدير: يقال: إنّكم لسارقون.
فأمّا قوله: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف/ 44]. فإنّ قوله: بَيْنَهُمْ يحتمل أمرين:
الأحسن فيه: أن يكون بَيْنَهُمْ ظرفا لمؤذن، كما تقول:
أعلم وسطهم ولا تجعله صفة للنكرة؛ لأنّك توصله بالباء إلى أن، واسم الفاعل إذا أعمل عمل الفعل، لم يوصف، كما لا يصغّر، لأنّ الصفة تخصيص والفعل وما أجري «3» مجراه لا يلحقه تخصيص، والتصغير كالوصف بالصغر فمن ثمّ لم يستحسن: هذا ضويرب زيدا، كما لا يستحسن: هذا ضارب ظريف زيدا، ولأنّك في هذا أيضا تفصل بين العامل والمعمول بالأجنبي.
__________
(1) كذا الأصل وفي السبعة ص 192: «أنّه كان يقرؤها» بدل «أنّه قال».
(2) انظر سيبويه 2/ 236 ففي عبارته اختلاف يسير عمّا هنا.
(3) في (ط): جرى.
(2/404)
________________________________________
وإن شئت جعلت «بينهم» صفة، وقلت: إنّ معنى الفعل قد يعمل في الجارّ ويصل إليه، ألا ترى أنّك تقول: هذا مارّ أمس بزيد، فيصل اسم الفاعل إذا كان لما مضى؟ والمعنى:
بأن لعنة الله، فإن «1» شئت جعلت الباء متعلقة بمؤذّن «2» مع أنّه قد «3» وصف «4»، وإن شئت جعلت «بين» ظرفا للمؤذن لا صفة، وإن شئت جعلته متعلقا بأذّن، كلّ هذا لا يمتنع.
فأما قوله: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [التوبة/ 3] فإن قوله: مِنَ اللَّهِ صفة فيها ذكر من الموصوف، وكذلك إِلَى النَّاسِ ولا يكون من صلة أذان لأنّه اسم، وليس بمصدر «5»، ومن أجرى هذا الضرب من الأسماء مجرى المصادر، فينبغي أن لا يعلّق به هذا الجارّ، ألا ترى أنّ المصدر الّذي هذا منه، لا يصل بهذا الحرف كما يصل قوله: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة/ 1] به؟ «6» كقوله:
برئت إلى عرينة من عرين «7» وإِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة/ 166]
__________
(1) في (ط) وإن.
(2) في (ط) متعلقة بقوله مؤذن.
(3) زيادة من (ط).
(4) في (م) زيادة: (بها) والوجه حذفها.
(5) في (م) للمصدر.
(6) زيادة من (ط).
(7) عجز بيت لجرير صدره: عرين من عرينة ليس منّا.
وانظر ديوانه 1/ 429.
(2/405)
________________________________________
فأمّا قوله: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ [التوبة/ 3] فيجوز أن يتعلق بالصفة ويجوز أن يتعلق بالخبر الذي هو ب أَنَّ اللَّهَ.
ولا يجوز أن يتعلق ب أَذانٌ لأنك قد وصفته، والموصوف «1» إذا وصفته لم يتعلق بشيء ولا بدّ من تقدير الجارّ في قوله:
(بأن الله) لأنّ: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لا يكون الإعلام، كما يكون الثاني الأول في قولك «2»: خبرك أنّك خارج.
فأمّا قوله تعالى «3»: فقل آذنتكم على سواء [الأنبياء/ 109]، فقوله: على سواء يحتمل ضربين: أحدهما أن يكون صفة لمصدر محذوف، والآخر: أن يكون حالا، فإذا جعلته وصفا للمصدر كان التقدير: آذنتكم إيذانا على سواء.
ومثل وصف المصدر هاهنا، قوله تعالى «4»: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة/ 183] التقدير: كتب عليكم الصيام كتابة كما كتب على الذين، فحذف المصدر، فكذلك يحذف في «5» قوله: آذنتكم على سواء [الأنبياء/ 109] وفيه ذكر من المحذوف، ومعنى إيذانا على سواء: أعلمتكم إعلاما نستوي في علمه لا أستبدّ أنا به دونكم لتتأهبوا لما يراد منكم. وقال أبو عبيدة: إذا أنذرته وأعلمته فأنت وهو على سواء «6».
__________
(1) في (ط): «الموصول» بدل «الموصوف».
(2) في (م) نحو.
(3) سقطت من (ط).
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): وكذلك يحذف من.
(6) مجاز القرآن 2/ 43 مختصرا.
(2/406)
________________________________________
وأمّا إذا جعلته حالا، فإنّه يمكن فيه ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يكون حالا من الفاعل.
والآخر: أن يكون من المفعول به.
والثالث: أن يكون منهما جميعا على قياس ما جاء من قول عنترة «1»:
متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا
وما أنشده أبو زيد «2»:
إن تلقني برزين لا تغتبط به وكذلك قوله تعالى «3»: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ
__________
(1) البيت في ديوانه ص 234 من قصيدة يهجو بها عمارة بن زياد وفيه:
«نلتقي» بدل «تلقني» والعيني 3/ 174، وابن يعيش 2/ 55 و 4/ 116 و 6/ 87 وشواهد الشافية/ 505/ وأمالي ابن الشجري 1/ 19 والخزانة 3/ 359 و 477 والسمط 1/ 482 وأساس البلاغة (رنف) قال ابن الشجري في الأمالي: الرانفة: طرف الألية الذي يلي الأرض إذا كان الإنسان قائما. وأما الألية فقال أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي رحمه الله: قد جاء من المؤنث بالياء حرفان لم يلحق في تثنيتهما التاء وذلك قولهم: خصيان وأليان، فإذا أفردوا قالوا: خصية وألية ... قال ابن الشجري: وقد جاءت في قوله: روانف أليتيك تاء التأنيث كما ترى، فالعرب إذن مختلفة في ذلك ا. هـ. منه 1/ 20. وفي (ط) برواية ترعد، بدل ترجف.
(2) هذا صدر بيت عجزه:
وإن تدع لا تنصر عليّ وأخذل وأنشده في النوادر مع بيت بعده:
فإن غزالك الذي كنت تدّري ... إذا شئت ليث خادر بين أشبل
للمطير بن الأشيم الأسدي وهو جاهلي. قوله: برزين، أي فردين. وهذه رواية (ط).
(3) سقطت من (ط).
(2/407)
________________________________________
[الأنفال/ 58]، قياسه قياس قوله: آذنتكم على سواء، قال أبو عبيدة «1» معناه الخلاف والغدر في هذا الموضع فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ: فأظهر لهم أنّك عدو وأنّك مناصب لهم. فأمّا قوله:
آذناك ما منا من شهيد [فصلت/ 47] فإن شئت جعلته مثل:
علمت أزيد منطلق؟ وإن شئت جعلته على معنى القسم، كما قال:
ولقد علمت لتأتينّ منيّتي «2» فإن قلت: إنّ عامّة ما جاء مجيء القسم لم يتعدّ إلى مفعول به كقولهم: علم الله لأفعلنّ.
قيل: قد جاء: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ [فاطر/ 42]، [النور/ 53] متعديا بالحرف.
وقد قرأ حمزة: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب
__________
(1) انظر مجاز القرآن 1/ 249.
(2) هذا صدر بيت عجزه كما في سيبويه 1/ 456، ونسبه للبيد:
إن المنايا لا تطيش سهامها والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 6/ 232 والخزانة 4/ 13 و 332 وشذور الذهب ص 356 والعيني 2/ 405، وأوضح المسالك/ 316 والهمع 1/ 154 والدرر 1/ 37 وحاشية الصبان 2/ 30.
قال البغدادي في شرح أبيات المغني: البيت نسبه سيبويه للبيد والموجود في معلقته إنما هو: المصراع الثاني وصدره:
صادفن منها غرة فأصبنه ...
ولم يوجد للبيد في ديوان شعره على هذا الوزن والروي غير المعلقة، والله تعالى أعلم والذي ذكره البغدادي موافق لما في معلقته.
ا. هـ. منه ديوانه ص/ 171 والمعلقات السبع الطوال ص/ 557.
(2/408)
________________________________________
وحكمة [آل عمران/ 81] وقد أجيب بما يجاب به القسم، فكذلك قوله: آذناك يكون على القسم، وإن كان قد تعدّى إلى مفعول به.
وبعد فإذا جاء نفس القسم متعديا إلى المفعول به نحو: بالله، ونحو: الله لأفعلنّ، فما يقوم مقامه، ينبغي أن يكون في حكمه.
وأمّا قوله «1»: وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ [الانشقاق/ 2، 5] فقد فسّر أذنت أنها استمعت،
وفي الحديث: «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبيّ» «2».
وقال عديّ:
في سماع يأذن الشّيخ له ... وحديث مثل ماذيّ مشار
«3» وأنشد أبو عبيدة «4»:
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
__________
(1) سقط «قوله» من (ط).
(2) الحديث متفق عليه واللفظ بمسلم وتمامه « ... يتغنى بالقرآن يجهر به».
انظر البخاري بشرح الفتح 13/ 385، 433 ومسلم 1/ 546 برقم 234 وقوله: كإذنه، هو بفتح الهمزة والذال، مصدر أذن يأذن أذنا، كفرح يفرح فرحا.
(3) البيت في شرح الحماسة للتبريزي 4/ 12 وشرح أبيات المغنى 8/ 102 هـ اللسان (شور) وصدره عند المرزوقي 3/ 1451 ومعنى يأذن: يستمع.
(4) البيت في مجاز القرآن 2/ 291 ونسبه لرؤبة وهذا غريب منه لأنه ذكر البيت ملفقا من بيتين في 1/ 177 لقعنب بن أم صاحب برواية
(2/409)
________________________________________
وأما قول عدي:
أيها القلب تعلّل بددن ... إنّ همّي في سماع وأذن
«1» فالسماع مصدر يراد به المسموع نحو: الخلق والمخلوق، والصيد والمصيد، يدلّك على ذلك أنّه لا يخلو من أن يكون على ما ذكرنا، أو على أنّه السماع الذي هو الاستماع، فلا يستقيم هذا؛ لأنّ المعنى يكون: إنّ همي في سماع وسماع، وليس هكذا، ولكن إنّ همي في مسموع، أي في غناء واستماع له.
وأمّا قوله: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ [الأعراف/ 167] فقد قدّمنا ذكر ما قاله سيبويه «2»: من أنّ من العرب من يجعل أذّن وآذن
__________
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... وإن ذكرت .... البيت
والمصادر تروي البيت الشاهد ضمن ثلاثة أبيات لقعنب بن ضمرة بن أم صاحب وهي:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... عني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
جهلا عليّ وجبنا عن عدوهم ... لبئست الخلتان الجهل والجبن
وأضاف ابن السيد في الاقتضاب ص 292 بيتين آخرين مع البيت الشاهد وهما:
ولن يراجع قلبي ودهم أبدا ... زكنت منهم على مثل الذي زكنوا
كل يداجي على البغضاء صاحبه ... ولن أعالنهم إلّا كما علنوا
وانظر أمالي القالي 1/ 121 والسمط ص 362 والحماسة بشرح المرزوقي 3/ 1450 والتبريزي 4/ 12 وشرح أبيات المغني للبغدادي 8/ 102.
(1) البيت في اللسان (أذن) وشرح أبيات المغني 8/ 103.
(2) سبق هذا قريبا.
(2/410)
________________________________________
بمعنى، كأنّه جعله بمنزلة سمّى وأسمى، وخبّر وأخبر، فإذا كان أذّن: أعلم في لغة بعضهم، فتأذّن: تفعّل من هذا، وليس تفعّل هاهنا بمنزلة: تقيّس «1» وتشجّع، ولكنّه بمنزلة فعّل، كما أنّ تكبّر في قوله سبحانه «2»: الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر/ 23] ليس على حدّ: تكبّر زيد، إذا تعاطى الكبر، ولكنّ المتكبر بمنزلة الكبير، كما أنّ قوله عزّ وجلّ «3»: وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ «4» [الإسراء/ 43] تقديره: وعلا، وليس على حدّ تعاقل وتغاشى إذا أظهر شيئا من ذلك ليس فيه.
فبناء الفعلين يتفق والمعنى يختلف، وكذلك تأذّن بمنزلة علم ومثل تفعّل، في أنّه يراد به فعل قول زهير «5»:
تعلّم أنّ شرّ النّاس قوم ... ينادى في شعارهم يسار
وكذلك قوله «6»:
تعلّماها لعمر الله ذا قسما ... فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك
__________
(1) قال في اللسان/ قيس/ وحكى سيبويه تقيّس الرجل: انتسب إلى قبيلة قيس. وانظر سيبويه 2/ 240.
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) هذه الآية أوردها الفارسي سهوا كما يلي: وتعالى عما يقول الظالمون، والصواب ما أثبتناه.
(5) البيت في ديوانه 300 وفيه حيّ بدل (قوم).
(6) البيت لزهير في ديوانه/ 182 وفي الكتاب لسيبويه 2/ 145، 150 «تعلّمن» بدل «تعلماها» ومعنى اقصد بذرعك: أي اقصد في أمرك ولا تتعد طورك، ومعنى بنسلك: تدخل. وانظر المقتضب 2/ 323
والخزانة 2/ 475، 4/ 208، 478.
(2/411)
________________________________________
ليس يريد «1»: تعلّم هذا عن جهل به، إنّما يريد به «2»:
اعلم، كأنّه ينبهه ليقبل على خطابه. ومثله «3»:
تعلّمن أنّ الدّواة والقلم ... تبقى ويفني حادث الدّهر الغنم
وهذا كثير يريدون به: اعلم، وليس يريدون تعلّم «4» كما يريدون بقولهم: تعلّم الفقه، إنّما يريدون: اعلم.
فكذلك تأذّن معناه: علم. ومما يدل على أنّ معناه العلم، وقوع لام اليمين بعدها كما تقع بعد العلم في نحو:
علم الله لأفعلنّ، فكأنّ المعنى في تأذّن: علم ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة، وليس هو من الاستماع نحو: أَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ [الانشقاق/ 2] ونحو: «ما أذن الله لشيء» «5» ألا ترى أنّك لو قلت سمع ليفعلنّ، أو تسمّع ليفعلن، لم يسهل ذلك كما يكون في علم من حيث استعمل استعمال القسم، فتعلق الجواب به كما يتعلق بالقسم؟ وأمّا قوله: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ [التوبة/ 61] فإنّه يذكر في موضعه إن شاء الله، وأمّا قوله سبحانه «6»: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة/ 279] المعنى: فإن لم تضعوا الرّبا عن النّاس الّذي قد أمركم الله بوضعه عنهم، فأذنوا بحرب من الله «7».
__________
(1) هكذا في (ط) وسقطت من (م).
(2) سقطت من (ط).
(3) لم نعثر على قائله.
(4) في (م): يتعلم: وما أثبتناه من (ط).
(5) قطعة من حديث صحيح سبق في ص 409.
(6) سقطت من (ط).
(7) سقطت من (م): من الله.
(2/412)
________________________________________
قال أبو عبيدة «1»: آذنتك بحرب فأذنت به. فمن قال:
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ فقصر، فمعناه: اعلموا بحرب من الله، والمعنى: أنّكم في امتناعكم من وضع ذلك حرب لله ورسوله.
ومن قال: فآذنوا بحرب فتقديره: فأعلموا من لم ينته عن ذلك بحرب، والمفعول هنا «2» محذوف على قوله: وقد أثبت هذا المفعول المحذوف هنا، في قوله فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وإذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم أيضا لا محالة، ففي أمرهم بالإعلام ما يعلمون هم أيضا أنهم حرب إن لم يمتنعوا عمّا نهوا عنه من وضع الرّبا عمن كان عليه. وليس في علمهم دلالة على إعلام غيرهم، فهذا في الإبلاغ آكد.
قال أحمد بن موسى: قرءوا كلّهم: لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة/ 279] بفتح التاء الأولى وضم الثانية «3».
وروى المفضّل عن عاصم لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ بضم التاء الأولى وفتح الثانية «4».
قال أبو علي: موضع «لا تظلمون» نصب على الحال من لكم، التقدير: فلكم رءوس أموالكم غير ظالمين ولا مظلومين.
والمعنى: إن تبتم فوضعتم الرّبا الذي أمر الله بوضعه عن النّاس فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون بأن تطالبوا المستدين بالرّبا
__________
(1) في مجاز القرآن 1/ 83.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): وروى المفضل عن عاصم (لا تظلمون) بضم التاء الأولى ولا، (ولا تظلمون بفتح التاء الثانية وتكرار (ولا، ولا) وهو سهو من الناسخ.
(4) السبعة ص 192.
(2/413)
________________________________________
الموضوع عنه، ولا تظلمون بأن تبخسوا رءوس أموالكم. أو تمطلوا بها.
وقد جاء: «ليّ الواجد ظلم» «1».
والمعنى؛ والتقدير في التقديم والتأخير الذي روي عن عاصم؛ سواء.
ويرجح تقديم: لا تَظْلِمُونَ بأنّه أشكل بما قبله، لأنّ الفعل الذي قبله مسند إلى فاعل، وهو قوله: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ، فتظلمون أشكل بما قبله لإسناد الفعل فيه إلى الفاعل من
تظلمون المسند فيه الفعل إلى المفعول به «2».

[البقرة: 280]
واختلفوا «3» في ضمّ السّين وفتحها من قوله تعالى:
فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ [البقرة/ 280] فقرأ نافع وحده: إِلى مَيْسَرَةٍ بضمّ السّين.
وقرأ الباقون: مَيْسَرَةٍ بفتح السّين، وكلّهم قلب الهاء تاء ونوّنها «4».
قال أبو عليّ: حجّة من قرأ إِلى مَيْسَرَةٍ أنّ مفعلة قد جاء
__________
(1) أخرجه البخاري تعليقا في كتاب الاستقراض 5/ 62 بشرح الفتح. وأبو داود برقم 3628، والنسائي 7/ 316، وابن ماجة برقم 2427،
والإمام أحمد 4/ 222، 388، 389، متصلا من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه بلفظ: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته»
قال ابن حجر في الفتح: وإسناده حسن. ثم قال: وقع
في الرافعي في المتن المرفوع: «لي الواجد ظلم»
وهذه الرواية تنسجم مع رواية الفارسي هنا، ومع ما رواه الخطابي في شأن الدعاء ص 81. ومثل هذا الحديث في المعنى ما أخرجه البخاري في الفتح برقم 2287 و 2288 و 2400
ومسلم برقم 1564 من حديث أبي هريرة: «مطل الغني ظلم ... ».
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت الواو من (ط).
(4) السبعة ص 192.
(2/414)
________________________________________
في كلامهم كثيرا. وأمّا من قرأ إِلى مَيْسَرَةٍ بضمّ السّين فلأنّ مفعلة قد جاء أيضا في كلامهم.
قالوا: المسربة «1»، وقالوا: المشرقة «2» وليس بكثرة مفعلة. فالقراءة الأولى أولى لأنّ الكلمة بفتح العين منها أكثر من الضمّ، ومفعلة بناء مبني على التأنيث، ألا ترى أن مفعلا بغير هاء بناء لم يجيء في الآحاد؟.
قال سيبويه: وأمّا ما كان يفعل منه مضموما، فهو بمنزلة ما كان يفعل منه مفتوحا، ولم يبنوه على مثال يفعل، لأنّه ليس في الكلام مفعل، فلمّا لم يكن إلى ذلك سبيل، وكان مصيره إلى إحدى الحركتين ألزموه أخفّهما «3».
قال أبو علي: كلامه هذا في الآحاد، ألا ترى أنّه يقصد مكان الفعل، وهو معلوم أنّه لا يكون إلّا مفردا.
وما جاء في الشّعر من معون ومكرم جمع معونة ومكرمة لا يدخل على هذا لأنه جمع ومراد سيبويه فيما ذكر المفرد دون الجمع «4».
__________
(1) في (ط): المشربة. وفي اللسان (شرب) المشربة والمشربة، بالفتح والضم، الغرفة. أمّا المسربة فهي صحيحة أيضا ففي اللسان (سرب): والمسربة، بالضم، الشعر المستدق النابت وسط الصدر إلى البطن،
وفي حديث صفة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: كان دقيق المسربة، وفي رواية كان ذا مسربة.
(2) في اللسان (شرق) عن ابن سيده: المشرقة والمشرقة والمشرقة: الموضع الذي تشرق عليه الشمس، وخصّ بعضهم به الشتاء.
(3) الكتاب 2/ 247.
(4) في (م): الجميع.
(2/415)
________________________________________
قال أحمد بن موسى: وكلّهم قلب الهاء تاء ونوّنها، يعني: في الوصل، يريد أنّه: لم يقرأ أحد منهم إلى ميسرة لأنّ مفعل لا يجيء في الآحاد إلّا بالتاء، وقد جاء في الجمع، [قال جميل] «1»:
بثين الزمي (لا) إنّ (لا) إن لزمته ... على كثرة الواشين أيّ معون
«2» وروي:
أبلغ النعمان عني مألكا ... إنّه قد طال حبسي وانتظاري
«3» فالأول جمع معونة، ومألكا جمع مألكة وهي: الرسالة، ومثل هذا الذي يقلّ قد لا يعتدّ به سيبويه، فربّما أطلق القول،
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في ديوانه ص 212، والمحتسب 1/ 144، والخصائص 3/ 212، وشرح شواهد الشافية 4/ 67 والبحر المحيط 2/ 340 عن أبي علي في معنى (معون) وأنشده ابن عصفور في الضرائر ص 137.
(3) البيت لعدي بن زيد العبادي ص 124 مطلع قصيدته الرائية المكسورة يستعطف بها النعمان، وبعده:
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصاري
والبيت الشاهد في الشعر والشعراء ص 229 وفي الأغاني 2/ 94، قال أبو الفرج: وهي قصيدة طويلة. والعقد الفريد 6/ 95، والعيني 4/ 455 والخزانة 3/ 597 وشرح أبيات المغني 5/ 83، واللسان (ألك)، ونقله في البحر 2/ 340 عن أبي علي في معنى «مألكا».
وضبط البيت في الأصل بسكون الراء من قوله: «انتظار» وكذلك جاء في المحتسب 1/ 144، والمنصف لابن جني 2/ 104، واللسان (ألك)، ولكن البيت كما روته المصادر المتقدمة من قصيدة مكسورة الراء، كما أثبتّه. ولا يتعلق بالتسكين غرض، فيحتاج إليه.
(2/416)
________________________________________
فقال: ليس في الكلام كذا، وإن كان قد جاء عليه حرف أو حرفان، كأنّه لا يعتدّ بالقليل، ولا يجعل له حكما.

[البقرة: 281]
واختلفوا «1» في قوله عزّ وجلّ «2»: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة/ 281] في فتح التاء «3» من ترجعون وضمها.
فقرأ أبو عمرو وحده تُرْجَعُونَ بفتح التاء وكسر الجيم.
واختلف عنه في آخر سورة النور، فروى علي بن نصر، وهارون الأعور وعبيد بن عقيل، وعباس بن الفضل، وخارجة بن مصعب وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ [النور/ 64] بضم الياء.
وقرأ الباقون: يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ ويَوْمَ يُرْجَعُونَ بضم التاء والياء فيهما، وكذلك في النّور «4».
قال أبو علي: حجة من قرأ: يرجعون: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ [الأنعام/ 62] وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي [الكهف/ 36].
__________
(1) سقطت الواو من (ط).
(2) في (ط): تعالى.
(3) في (ط): في.
(4) انظر السبعة ص 193، فإنّ أبا علي رحمه الله- كثّف العبارة هنا، وأسقط:
رواية عبد الوارث واليزيدي عن أبي عمرو في قوله تعالى من سورة النور:
يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ مضمومة التاء.
(2/417)
________________________________________
وحجة أبي عمرو: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ [الغاشية/ 25] فأضيف المصدر إلى الفاعل فهذا بمنزلة: (يرجعون) وآبوا: مثل رجعوا.
ومن حجته: وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [البقرة/ 156] وقال:
فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ [يونس/ 46] فأضاف المصدر إلى الفاعل، كما أضيف في الآية الأخرى. وقال تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف/ 29].
فأمّا انتصاب (يوم) من قوله: وَاتَّقُوا يَوْماً [البقرة/ 48] فانتصاب المفعول به لا انتصاب الظرف، وليس المعنى: اتّقوا في هذا اليوم، ولكن «1» تأهبوا للّقاء به، بما تقدمون من العمل الصالح. ومثل ذلك: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً [المزمل/ 17]؟ أي: كيف تتّقون هذا اليوم الذي هذا وصفه مع الكفر بالله، أي: لا يكون الكافر مستعدّا للّقاء به لكفره، ومثل ذلك قوله: وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ [العنكبوت/ 36] أي:
خافوه.

[البقرة: 282]
واختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما [البقرة/ 282] ورفع الراء ونصبها من فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [البقرة/ 282].
فقرأ حمزة وحده: أَنْ تَضِلَّ بكسر الألف فَتُذَكِّرَ بالتشديد والرفع وكسر إن.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2/418)
________________________________________
وقرأها الباقون: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ نصبا، غير أنّ ابن كثير وأبا عمرو خفّفا الكاف وشدّدها الباقون «1».
قال أبو علي: قوله تعالى «2»: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى لا يكون متعلقا بقوله: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ [البقرة/ 282] ألا ترى أنّك لو قلت: استشهدوا شهيدين من رجالكم أن تضلّ إحداهما؛ لم يسغ، ولكن تتعلق أن بفعل مضمر دلّ عليه هذا الكلام، وذلك أنّ قوله: فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان يدلّ على قولك:
فاستشهدوا رجلا وامرأتين؛ فتعلّق أَنْ إنّما هو بهذا الفعل المدلول عليه من حيث ذكرنا.
وقال أبو الحسن في قوله تعالى «2»: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ [البقرة/ 282] التقدير: فليكن رجل وامرأتان، وهذا قول حسن، وذاك أنّه لما كان قوله: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما لا بدّ من أن يتعلق بفعل، وليس في قوله: فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، شيء يتعلق به أن جعل المضمر فعلا ترتفع النكرة به، ويتعلق به المصدر، وكان هذا أولى من تقدير إضمار المبتدأ الذي هو: ممن «4» يشهد رجل وامرأتان. لأنّ المصدر الذي هو أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما لا يجوز أن يتعلق به لفصل الخبر بين الفعل والمصدر. فإن قلت: من أيّ الضربين تكون كان المضمرة في قوله، هل تحتمل أن تكون الناصبة للخبر أو تكون التامّة؟. فالقول في ذلك: أن كلّ واحد منهما يجوز أن يقدّر
__________
(1) انظر السبعة ص 194.
(2) سقطت من (ط).
(4) في (ط): فمن.
(2/419)
________________________________________
إضماره. فإذا أضمرت التي تقتضي الخبر، كان تقدير إضمار الخبر: فليكن ممّن تشهدون رجل وامرأتان، وإنّما جاز إضمار هذه، وإن كان قد قال: لا يجوز: عبد الله المقتول، وأنت تريد:
«كن عبد الله المقتول» «1»،
لأنّ ذكرها قد تقدّم، فتكون هذه إذا أضمرتها لتقدّم الذكر بمنزلة المظهرة، ألا ترى أنّه لا يجوز العطف على عاملين، ولمّا تقدّم ذكر كلّ في قوله «2»:
أكلّ امرئ تحسبين امرأ كان كلّ بمنزلة ما قد ذكر في قوله:
ونار توقّد بالليل نارا «3» وكذلك جاز «4» إضمار «كان» المقتضية للخبر بعد إن في
__________
(1) من
حديث أخرجه أحمد في المسند 5/ 110 من حديث عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي قال: «فإن أدركت ذاك فكن عبد الله المقتول» قال أيوب: ولا أعلمه إلا قال: «ولا تكن عبد الله القاتل».
وأخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 517 من حديث خالد بن عرفطة قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا خالد! إنه سيكون بعدي أحداث وفتن واختلاف، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعل»
وللحديث طرق بعضها يقوي بعضا، وقد بين ذلك العجلوني في كشف الخفاء 2/ 175 - 176 «طبعة القلاس».
(2) صدر بيت لأبي دواد عجزه: ونار توقد الآتي انظر الكتاب لسيبويه 1/ 33 والكامل 1/ 247، 825 وشرح أبيات المغني للبغدادي 6/ 190 برقم 487. وابن الشجري 1/ 296.
(3) سقطت كلمة: «نارا» من (م) واستدركت من (ط).
(4) في (ط): أجاز.
(2/420)
________________________________________
قوله: إن خنجرا فخنجر «1»، لما كان الحرف يقتضيها، ويجوز أن تضمر التامة التي بمعنى الحدوث والوقوع، لأنّك إذا أضمرتها أضمرت شيئا واحدا، وإذا أضمرت الأخرى احتجت أن تضمر شيئين، وكلّما قلّ الإضمار كان أسهل. وأيّهما أضمرت فلا بدّ من تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
المعنى: فلتحدث شهادة رجل وامرأتين، أو تقع، أو نحو ذلك، ألا ترى أنّه ليس المعنى: فليحدث رجل وامرأتان، ولكن لتحدث شهادتهما، أو تقع، أو تكن «2» شهادة رجل وامرأتين مما «3» تشهدون، ويجوز أن تتعلق «أن» في قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما [البقرة/ 282] بشيء ثالث؛ وهو أن تضمر خبر المبتدأ الذي هو: فرجل وامرأتان يشهدون، فيكون «4» يشهدون خبر المبتدأ. ويكون العامل في أَنْ وموضع إضماره فيمن فتح الهمزة من أَنْ تَضِلَّ: ما «5» قبل أَنْ.
وفيمن كسر إن بعد انقضاء الشرط بجزائه «6». فقد جاز في: أَنْ تَضِلَّ أن يتعلق بأحد ثلاثة أشياء:
__________
(1) هذا من أمثلة سيبويه في الكتاب وتتمته: «وذلك قولك الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرّا فشر، والمرء مقتول بما قتل به إن خنجرا فخنجر وإن سيفا فسيف» انظر الكتاب 1/ 130 واللسان (خنجر).
(2) في (م): «تكون» وآثرنا العطف بالجزم للسياق.
(3) في (ط): «فيما».
(4) في (م): «فتكون».
(5) سقطت «ما» من (م).
(6) في (ط): «بجوابه».
(2/421)
________________________________________
أحدها: المضمر الذي يدلّ عليه قوله: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ.
والثاني: الفعل الذي هو: (فليشهد رجل وامرأتان).
والثالث: الفعل الذي هو خبر المبتدأ.
وأمّا إحدى: فمؤنث الواحد، والواحد الذي مؤنّثه إحدى، إنّما هو اسم وليس بوصف؛ ولذلك جاء إحدى على بناء لا يكون للصّفات أبدا، كما كان الذي هو مذكّرة كذلك.
وقال أحمد بن يحيى: قالوا: هو إحدى الإِحَد، وأحد «1» الأحدين، وواحد الآحاد، وأنشد «2»:
عدّوني الثّعلب فيما عدّدوا ... حتى استثاروا بي إحدى الإِحَد
ليثا هزبرا ذا سلاح معتدي قال أحمد «3»: إحدى الإِحَد: كما تقول: واحد لا مثل له، وقالوا: الإِحَد، كما تقول «4»: الكسر، جعلوا الألف بمنزلة التاء، كما جعلوها مثلها، في الكبرى، والكبر، والعليا، والعلى، فكما جعلوا هذه: كظلمة وظلم، جعلوا الأول بمنزلة كسر وسدر، وكما جعلوا المقصورة بمنزلة التاء، كذلك جعلوا
__________
(1) في (ط): وواحد الأحدين.
(2) رجز للمرار الفقعسي وبعده:
يرمي بطرف كالحريق الموقد في الأغاني 10/ 324 والخزانة 3/ 293 ورواية البيت الأول:
عدّوني الثّعلب عند العدد وهي الرواية المنسجمة مع الأبيات والشطران الثاني والثالث في اللسان (وحد) عن ابن سيده.
(3) في (ط): أحمد بن يحيى.
(4) في (م): قالوا.
(2/422)
________________________________________
الممدودة بمنزلتها في قولهم: قاصعاء وقواصع، ودامّاء ودوامّ.
وحكى أحمد بن يحيى: أن الواحد والوحد والأحد، بمعنى وقد شرحنا ذلك في المسائل.
فأمّا بدل الهمزة من الواو إذا كانت مكسورة، فإنّ أبا عمر «1» يزعم أنّ ذلك لا يجاوز به المسموع، وغيره يذهب إلى أن بدل الهمزة منها، مطرد كاطراد البدل من المضمومة.
والقول في أنّه ينبغي أن يكون مطّردا أنّ الكسرة بمنزلة الياء، ولا تخلو الحركة في الحرف المتحرك من أن تكون مقدرة قبله أو بعده، فإن كانت قبله، فالواو إذا وقعت قبلها الياء أعلّت، وكذلك إذا وقعت بعدها، فإذا كان كذلك اعتلّت الواو مع الكسرة كما اعتلت مع الياء، ألا ترى أنّها إذا تحركت بالفتح لم تعتل، كما لا تعتلّ الواو إذا كانت قبلها ألف نحو: عوان وطوال؟. فإن قلت:
[فإذا وجب القلب من حيث ذكرت] «2» فهلّا «3» أبدلت غير أوّل مكسورة كما اعتلت الواو بالياء إذا كانت قبلها أو بعدها!.
قيل: هذا لا يلزم وذلك «4» أن القلب في المكسورة كالقلب في المضمومة، ألا ترى أنّ الضمّة مع الواو كالواوين.
كما أنّ الكسرة مع الواو كالياء والواو؟ فكما تعلّ الواو مع الياء،
__________
(1) في (ط): أبا عمرو. وأبو عمر هذا هو الزاهد المعروف بغلام ثعلب.
(2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ط).
(3) في (ط): هلّا.
(4) في (ط): ذلك بدون واو.
(2/423)
________________________________________
كذلك أعلّت مع الكسرة، كما أنّ الواو لمّا اعتلّت «1» مع الواو كذلك أعلّت مع الضمة، ولم يجب من هذا أن تعلّ الواوان «2» غير أول في نحو: أحوويّ، ولوويّ، فكذلك لم يلزم أن تعلّ الواو مع الكسرة غير أوّل، ألا ترى أنّ مواقع الإبدال ينبغي أن تعتبر كما أن مواقع الزيادة ينبغي أن تعتبر؟ فكما أن الحرف إذا كثرت زيادته في موضع، واستمر، لم يلزم أن تجعل في غير ذلك الموضع، كذلك لا يلزم إذا استمرّ إبداله «3» في موضع أن يبدل في غير ذلك الموضع. ومن ثمّ جعل أبو عثمان «4» دلامصا من غير دليص «5»، لأن الميم لم تزد هنا، وإن كانت زيادتها قد استمرت أولا.
وأمّا قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما [البقرة/ 282] فقال أبو عبيدة: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما أي «6» تنسى «7»، قال تعالى: قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [الشعراء/ 20] أي نسيت، أي:
ضللت وجه الأمر. وقال أبو زيد: ضللت الطريق والدار أضلّه ضلالا، وأضللت الفرس والناقة والشيء إضلالا، وكلّ ما ضلّ عنك فذهب.
__________
(1) في (ط): أعلّت.
(2) في (ط): الواو.
(3) في (ط): إبدالها.
(4) هو المازني.
(5) في المنصف، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني، 3/ 25: دلامص: هو البرّاق. يقال: دلامص ودلاص ودلّاص، ودليص بمعنى، قال الأعشى:
إذا جرّدت يوما حسبت خميصة ... عليها وجريال النضار الدّلامصا
(6) في (ط): أن.
(7) مجاز القرآن 1/ 83.
(2/424)
________________________________________
قال: وإذا كان الحيوان مقيما فهو بمنزلة ما لا يبرح نحو:
الدار، والطريق، فهو كقولك: ضللته ضلالة. وقال أبو الحسن: تقول: ضللت دار فلان، وقال الفرزدق:
ولقد ضللت أباك تدعو دارما ... كضلال ملتمس طريق وبار
«1» وفي كتاب الله تعالى: فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى [طه/ 52] أي: لا يضلّ الكتاب عن ربّي. وأمّا موضع أن فنصب وتعلّقه إنّما هو بأحد الأشياء التي تقدّم ذكرها.
والمعنى: استشهدوا رجلين أو رجلا وامرأتين لأن تضلّ إحداهما فتذكّر. فإن قيل: فإنّ الشهادة لم توقع للضلال الذي هو النسيان إنّما وقعت للذكر والحفظ. فالقول في ذلك أنّ سيبويه قد قال: أمر بالإشهاد لأن تذكّر إحداهما الأخرى، ومن أجل أن تذكّر إحداهما الأخرى. قال: فإن قال إنسان: كيف جاز أن يقول: «أن تضلّ إحداهما» ولم يعدّ هذا للضلال والالتباس «2»؟ فإنّما ذكر «أن تضلّ» لأنّه سبب للإذكار كما
__________
(1) البيت في ديوان الفرزدق 2/ 450 وفيه تطلب بدل تدعو، قال ياقوت في معجم البلدان 5/ 357 (وبار): قرية كانت لبني «وبار» وهم من الأمم الأولى، منقطعة بين رمال بني سعد وبين الشّحر ومهرة، ويزعم من أتاها أنهم يهجمون على أرض ذات قصور مشيدة ونخل ومياه مطر، وليس بها أحد، يقال: إن سكانها الجن، لا يدخلها إنسي إلّا ضلّ قال الفرزدق:
وأنشد البيت مع آخر:
لا تهتدي أبدا ولو بعثت به ... بسبيل واردة ولا آثار
اهـ منه. وذكر ياقوت أساطير عجيبة عن وبار ..
(2) في سيبويه: «للالتباس».
(2/425)
________________________________________
تقول: أعددته أن يميل الحائط، فأدعمه، وهو لا يطلب بذلك ميلان الحائط، ولكنّه أخبر بعلة الدعم وسببه. انتهى كلام سيبويه «1».
[قال أبو علي] «2» وقوله: فتذكّر: معطوف على الفعل المنصوب بأن، فأمّا قوله: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ فالظرف وصف للأسماء المنكورة «3»، وفيه ذكرها.
وأمّا وجه قراءة حمزة: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما بكسر الألف، فإنّه جعل إن للجزاء، والفاء في قوله: فَتُذَكِّرَ: جواب الجزاء، ومواضع الشرط وجزائه «4» رفع بكونهما وصفا للمنكورين «5» وهما المرأتان في قوله: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ وقوله: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ:
خبر مبتدأ محذوف تقديره: فمن يشهد رجل وامرأتان. ويجوز أن يكون «رجل» مرتفعا بالابتداء، والمرأتان معطوفتان عليه وخبر الابتداء «6» محذوف تقديره: فرجل وامرأتان يشهدون.
وقوله: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ فيه ذكر يعود إلى الموصوفين الذين هم: «فرجل وامرأتان»، ولا يجوز أن يكون فيه ذكر لشهيدين المتقدم ذكرهما، لاختلاف إعراب الموصوفين، ألا ترى أنّ شهيدين منصوبان، ورجل وامرأتان إعرابهما «7» الرفع،
__________
(1) انظر سيبويه 1/ 430 ففيه اختلاف يسير عمّا هنا.
(2) ما بين المعقوفتين سقطت من (م).
(3) في (ط): المذكورة.
(4) في (ط): وجوابه.
(5) في (ط): للمذكورين.
(6) في (ط): المبتدأ.
(7) في (ط): إعرابهم.
(2/426)
________________________________________
فإذا كان كذلك علمت أنّ الوصف الّذي هو ظرف إنّما هو وصف لقوله: «فرجل وامرأتان» دون من تقدّم ذكرهما من الشهيدين.
والشرط وجزاؤه وصف للمرأتين؛ لأنّ الشرط وجزاءه «1» جملة يوصف بها كما يوصل بها في نحو قوله تعالى «2»: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ [الحج/ 41] واللّام التي هي لام في قوله: أَنْ تَضِلَّ فيمن جعل إن جزاء في موضع جزم، وإنّما حرّكت بالفتح لالتقاء الساكنين، ولو كسرت للكسرة التي «3» قبلها لكان جائزا في القياس.
وأمّا قوله تعالى «4»: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى فقياس قول سيبويه في قوله: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ [المائدة/ 95] والآي التي تلاها معها «5» أن يكون بعد الفاء في: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا «6» مبتدأ محذوف ولو أظهرته لكان فيما تذكّر إحداهما الأخرى، فالذكر العائد إلى المبتدأ المحذوف الضمير في قوله:
«إحداهما».
وأمّا قوله: فتذكر، فإنّ الذّكر على ضربين:
ذكر هو خلاف النسيان.
وذكر، هو قول.
__________
(1) في (ط) والجزاء.
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت «التي» من (م).
(4) سقطت من (ط).
(5) هي قوله تعالى من سورة المائدة/ 95: «ومن كفر فأمتّعه قليلا» انظر سيبويه 1/ 438.
(6) سقطت من (ط).
(2/427)
________________________________________
فممّا هو خلاف النسيان قوله: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف/ 63].
وقال: نَسِيا حُوتَهُما [الكهف/ 61] فأسند النسيان إليهما، والناسي فتى موسى، فيجوز أن يكون المعنى؛ نسي أحدهما، فحذف المضاف، وقد تقدم ذكر شيء من هذا النحو.
والذكر الذي هو قول يستعمل على ضربين: قول لا ثلب فيه للمذكور، والآخر يراد به ثلب المذكور. فمن الأول قوله:
فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ [البقرة/ 200]، وقوله:
فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ [البقرة/ 198] وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ [البقرة/ 203] وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام/ 121].
ومن الذّكر الّذي يراد به الثلب، قوله: قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ [الأنبياء/ 60]، فهذا الذكر يشبه أن يكون من جنس ما واجههم به في قوله تعالى «1»: قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأنبياء/ 67]. ومن ذلك قول الشاعر:
بذكركم منّا عديّ بن حاتم ... لعمري لقد جئتم حبولا ومأثما
«2»
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) الحبل والحبل: الداهية، وجمعها حبول انظر اللسان (حبل) واستشهد ابن
(2/428)
________________________________________
وقالوا في مصدر ذكرته، ذكرى قال «1»:
هبّت شمالا فذكرى ما ذكرتكم ... عند الصفاة الّتي شرقيّ حورانا
وقال «2»:
صحا قلبه عن سكره وتأمّلا ... وكان بذكرى أمّ عمرو موكّلا
فمن قدّر في «ذكرى» التنوين، نصب الاسم بعده، ومن لم يقدر فيه التنوين جر الاسم، وأضاف المصدر إلى المفعول به.
قال سيبويه: قالوا ذكرته ذكرا كحفظته حفظا، وقالوا: ذكرا كما قالوا: شربا «3».
فأمّا قوله: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا [الطلاق/ 10] فإنّ قوله: ذكرا، يحتمل أمرين: أحدهما: أن تقدّر حذف المضاف إلى الذكر، والآخر أن لا تقدر ذلك، فإن قدرت
حذف المضاف، كان إظهاره: قد أنزل الله إليكم ذا ذكر، والذكر يحتمل تأويلين: أحدهما: ذا شرف وصيت كما قال:
__________
قتيبة في المعاني الكبير 2/ 865 بصدر البيت على معنى الحبول: الدواهي.
وجاء برواية قلتم بدل جئتم. ولم يعزه لأحد.
(1) البيت لجرير من قصيدة طويلة يهجو بها الأخطل. انظر ديوانه 1/ 165 والكامل للمبرد 3/ 65 وفيه إلى بدل التي، والكتاب لسيبويه 1/ 113 وفيه جنوبا بدل شمالا، وفي (ط): «أهل» بدل «عند» ورواية (م) المثبتة هي رواية الديوان.
(2) البيت لأوس بن حجر وفيه «فتأملا» بدل «وتأملا». انظر ديوانه/ 82.
وشرح أبيات المغني للسيوطي 1/ 399 والبغدادي 3/ 178. وفي حاشية شرح ديوان زهير ص 30 وفي ط: «صحا قلبه من بعد ما كان أقصرا». وهذا خلاف ما في المصادر السابقة.
(3) انظر الكتاب 2/ 215.
(2/429)
________________________________________
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف/ 44] فسّر أنّه شرف لهم، والآخر ذا قرآن، وقد سمّي القرآن ذكرا «1» في قوله تعالى:
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل/ 44] فإذا قدرت حذف المضاف كان المعنى في أنزل: الإحداث والإنشاء، كما قال: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الزمر/ 6] وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد/ 25] يبيّن أنّه الإنشاء والإحداث. قوله: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ «2» [الأنعام/ 141] ثم قال بعد: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الأنعام/ 143] فحمل الأزواج على الإنشاء كما حمله على الإنزال في قوله تعالى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ، [الزمر/ 6] وقال: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ [الطلاق/ 10] فوصل الفعل مرّة باللّام ومرّة بإلى كما قال: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل/ 68] وفي أخرى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [الزلزلة/ 5] وقال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ [الشورى/ 52] و (الحمد لله الّذي هدانا لهذا) [الأعراف/ 43] فإنّ لم تقدّر حذف المضاف، كان المعنى:
قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا فيكون: رسولا معمول المصدر، والتقدير: أن ذكر رسولا أي: ذكر رسولا لأن يتبعوه، فيهتدوا «3» بالاقتداء به، والانتهاء إلى أمره، وذلك نحو قوله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ [الأعراف/ 157] إلى قوله أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف/ 157] ومثل ذلك
__________
(1) في (م) وقد سمي ذكرا.
(2) سقطت: «معروشات» من (ط).
(3) في (ط): فتهدوا.
(2/430)
________________________________________
في إعمال المصدر قوله تعالى «1»: ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً [النحل/ 73] فشيئاً «2» مفعول المصدر، والذكر: كتاب الله الذي ذكره في قوله سبحانه «3»:
وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ [الأنبياء/ 105] وفي قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد/ 39] فأمّا قول الشاعر:
يذكّر نيك حنين العجول ... ونوح الحمامة تدعو هديلًا
«4»
__________
(1) سقطت من (م) قوله تعالى.
(2) في (ط): الشيء.
(3) سقطت من (ط).
(4) البيت مع آخر قبله:
على أنني بعد ما قد مضى ... ثلاثون للهجر حولًا كميلًا
في الكتاب 1/ 292، ومجالس ثعلب ص 424 والخزانة 1/ 573/ 575 وشرح أبيات المغني 7/ 203، والبيت للعباس بن مرداس كما نسبه السيوطي في شواهد المغني 2/ 908 قال البغدادي في الخزانة وشرح أبيات المغني: البيتان من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلوها ونقل العيني عن الموعب- كتاب في اللغة لثمام بن غالب الأندلسي- أنهما للعباس بن مرداس الصحابي، والله أعلم. ثم أضاف في الخزانة:
وكذا رأيته أنا في شرح ابن يسعون على شواهد الإيضاح لأبي علي الفارسي منسوباً إلى العباس بن مرداس. ا. هـ. منه. وانظر ترجمة العباس بن مرداس الصحابي في الإصابة 2/ 262.
قوله: حنين العجول: الحنين ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها. والعجول من الإبل: الواله التي فقدت ولدها بذبح أو موت أو هبة. ونوح الحمامة:
صوت تستقبل به صاحبها. والهديل: قال ابن قتيبة في أدب الكاتب ص 210 - 211: العرب تجعله مرة فرخاً تزعم الأعراب أنه كان على عهد
(2/431)
________________________________________
فإنّ ذكرت فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا ضعّفت منه العين أو نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعول آخر، وذلك نحو فرّحته وأفرحته، وغرّمته وأغرمته.
فمن قال: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى كان ممن جعل التعدية بالتضعيف، ومن قال: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا كان ممن نقل بالهمزة وكلاهما سائغ.
ومن حجة من قال: فَتُذَكِّرَ قوله تعالى «1»: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات/ 55] فهذا مضارعه ينبغي أن يكون يذكّر.
وقول ابن كثير «2» وأبي عمرو مثل أغرمته وأفرحته، وقول الباقين على غرّمته وفرّحته. والمفعول الثاني من قوله سبحانه «3»:
فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى محذوف. المعنى: فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة التي احتملتاها.
وروي عن سفيان بن عيينة في قوله: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى، أي: تجعلها ذكراً «4»، وأحسب أنّ أحداً من أهل
__________
نوح عليه السلام، فصاده جارح من جوارح الطير، قالوا فليس من حمامة إلّا وهي تبكي عليه، ومرة يجعلونه الطائر نفسه، ومرة يجعلونه الصوت.
انتهى من الخزانة وشرح أبيات المغني.
(1) سقطت من (ط).
(2) انظر ترجمته في 1/ 8.
(3) سقطت من (ط).
(4) نقله الطبري في تفسيره 3/ 125 قال: حدثت بذلك عن أبي عبيد القاسم
(2/432)
________________________________________
التأويل، لم يذهب إلى ذلك غيره، وليس هو في المعنى بالقوي، ألا ترى أنّهنّ لو بلغن ما بلغن ولم يكن معهنّ رجل لم تجز شهادتهنّ حتى يكون معهنّ رجل «1». فإذا كان الأمر على هذا لم يذكّرها «2». والحاجة في إنفاذ «3» الشهادة إلى الرجل قائمة.
ومما يبعّد قوله: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما، والضلال قد فسّره أبو عبيدة: بالنسيان «4»، فالذي ينبغي أن يعادله ما هو مقابل للنسيان من التذكير.
فأمّا من ذهب في قوله: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما وقوله: إنّ الجزاء فيه مقدّم، أصله التأخير، فلمّا تقدّم اتّصل بأوّل الكلام، ففتحت أن؛ فإنّ هذه دعوى لا دلالة عليها، والقياس على ما عليه كلامهم يفسدها، ألا ترى أنّا نجد الحرف العامل
__________
ابن سلّام أنّه قال: حدثنا عن سفيان بن عيينة أنّه قال: ليس تأويل قوله:
«فتذكر إحداهما» من الذّكر بعد النسيان، إنّما هو من الذّكر، بمعنى أنها إذا شهدت مع الأخرى صارت شهادتهما كشهادة الذكر.
(1) هذا ما ذهب إليه الأحناف وغيرهم «انظر فتح القدير لابن الهمام 6/ 91 في كتاب الرجوع عن الشهادة» وهذا ما عدا الحدود فإن شهادة المرأة في الحدود لا تثبت، وقال الشافعي رحمه الله: لا تقبل شهادة النساء مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها: انظر شرح فتح القدير 6/ 6 و 62 وتقبل شهادتها فيما يتعلق بأمور النساء مما لا يطلع عليه الرجال، ولو كانت واحدة والثنتان أحوط وبه قال الإمام أحمد، وشرط الشافعي أربعا ومالك ثنتين. انظر شرح فتح القدير 6/ 8، 9.
(2) في (ط): تذكّرها وكلاهما بمعنى.
(3) في (م): نفاذ.
(4) في مجاز القرآن 1/ 83 سبق في ص 424.
(2/433)
________________________________________
إذا تغيرت حركته لم يوجب ذلك تغييراً في عمله ولا معناه؟.
وذلك فيمن فتح اللّام الجارة مع المظهر فقال: لزيد ضربت، وضربت لزيد، روى أبو الحسن فتح هذه اللّام عن يونس، وعن أبي عبيدة وعن خلف الأحمر، وزعم أنّه سمع هو ذلك من العرب، قال: وعلى ذلك أنشدوا:
تواعدني ربيعة كلّ يوم ... لأهلكها «1» وأقتني الدّجاجا
«2» فكما أنّ هذه اللّام لما فتحت لم يتغيّر من عملها ومعناها شيء عمّا كان عليه في الكسر، كذلك أَنْ الجزاء لو فتحت لم يجب على قياس اللّام أن يتغيّر له «3» معنى ولا عمل. ومما يبعّد ذلك: أنّ الحروف العاملة إذا تقدمت كانت مثلها إذا تأخّرت، لا تتغيّر «4» بالتقدّم عمّا كانت عليه في التأخّر. ألا ترى أنّ من قال: بزيد مررت، وإلى عمرو ذهبت. فقدّم الحرف كان تقديمه مثل تأخيره، لا يغيّر التّقديم شيئاً كان عليه في التأخير؟ وممّا يبعّد ذلك قولهم: ربّ غارة، وربّت غارة، وربّتما غارة، وربّ هيضل «5»، فكما لم يختلف في التخفيف عن
__________
(1) رواية (ط): لأهلكها، بضم الكاف.
(2) لم نعثر على قائله.
(3) في (ط): لها.
(4) في (ط): لا تغير لها.
(5) ورد هذا اللفظ في شعر لأبي كبير الهذلي:
أزهير إن يشب القذال فإنّني ... رب هيضل مرس لففت بهيضل
والهيضل جماعة. فإذا جعل اسماً قيل هيضلة. انظر اللسان/ هضل/ وقال السكري في شرح ديوان الهذليين ص 1070: «الهيضل والهيضلة واحد، وهم الجماعة من الناس يغزى بهم».
(2/434)
________________________________________
حال التثقيل، ولحاق حرف التأنيث به، وكذلك ثمّ وثمّت، كذلك ينبغي أن لا يتغير «1» أَنْ، بل أَنْ أجدر أن لا تتغيّر لأنّ التغيير بالحركة أيسر من التغيير بحذف حرف وزيادة آخر، وكذلك الحذف من «إنّ، وكأنّ» لم يغيرهما عن عملهما، ولا يلزم من حيث تغيّرت، إنّ المكسورة بالحذف فدخلت على الفعل أَنْ تتغير «2» بإبدال حركة وتغييرها لأنّ الحذف والتغيير في إنّ أكثر.
وممّا يبعّد ذلك أنّ الحرف قد أبدل «3» منه غيره، وهو مع الإبدال، يعمل عمله غير مبدل، وذلك نحو بدل الواو من الباء في: «والله» وبدل التاء من الواو في تَاللَّهِ، فإذا كانت هذه الحروف مع التغيير الحادث فيها من الحذف منها، والتغيير باختلاف حركاتها ليست تزول عمّا كانت عليه من العمل والمعنى؛ فأن لا تتغير أن بكسر الهمزة منها أجدر.
ومما يفسد ذلك إبدالهم الألف من نون إذن ألا ترى أنّها إذا أبدلت كان عملها ومعناها على ما كان قبل الإبدال؟، وإبدال الحرف أكثر من تغيير الحركة، فلو كان لما ذكره مجاز أو «4» مساغ، لكان ذلك في هذه الحروف المغيرة أيضاً، فإن لم يكن ذلك فيها مع ما ذكرنا من ضروب التغيير اللّاحق لها ما يبيّن أنّ ما ذهب إليه يفسده ما عليه مقاييس كلامهم، وما كان من هذا الضرب من الدعاوى التي يفسدها ردّها إلى ما ذكرناه ساقط.
__________
(1) في (ط): «تتغير».
(2) في (م): «بأنّ يتغير».
(3) في (ط): يبدل.
(4) في (م): «ومساغ».
(2/435)
________________________________________
[البقرة: 282]
واختلفوا «1» في قوله تعالى «2»: تِجارَةً حاضِرَةً [البقرة/ 282] في رفعها ونصبها «3».
فقرأ عاصم وحده تِجارَةً نصباً. وقرأ الباقون: بالرفع.
[قال أبو بكر]: وأشكّ في ابن عامر «4».
قال أبو علي: كانَ كلمة استعملت على أنحاء:
أحدها: أن تكون بمنزلة حدث، ووقع، وذلك قولك: قد كان الأمر، أي وقع وحدث، والآخر: أن تخلع منه معنى الحدوث فتبقى الكلمة مجردة للزّمان، فتلزمها «5» الخبر المنصوب.
ونظير خلعهم معنى الحدث من كان وأخواتها، خلعهم معنى الاسم من التاء والكاف اللتين للخطاب في قولهم: أنت وذلك، والنّجاءك «6»، وذلك قولك: كان زيد ذاهباً. والثالث:
أن تكون بمعنى صار.
أنشد أحمد بن يحيى «7»:
بتيهاء قفر والمطيّ كأنها قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها «8»
__________
(1) سقطت الواو من (ط).
(2) في (ط): عز وجل.
(3) في (ط): في رفعهما ونصبهما.
(4) السبعة ص 194 وما بين معقوفين زيادة منه.
(5) في (ط) فيلزمها.
(6) النجاءك: قال في تاج العروس (نجو) يمدّ ويقصر أي (أسرع) أصله:
النجاء. أدخلوا الكاف للتخصيص بالخطاب ولا موضع لها من الإعراب. قال ابن الأثير: هو مصدر منصوب بفعل مضمر، أي: أنجو النجاء (النهاية 5/ 25).
(7) هو أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة ولد سنة مائتين. وتوفي سنة 291 هـ. انظر بغية الوعاة 1/ 396.
(8) البيت لعمرو بن أحمر الباهلي في ديوانه ص 119 ضمن أبيات خمسة هو
(2/436)
________________________________________
أي: صارت، فيجوز أن يكون من هذا قوله تعالى «1»:
كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [مريم/ 29]، أي صار في المهد.
والرابع: أن تكون زيادة، وذلك: قولهم: ما كان أحسن زيداً، المعنى فيه: ما أحسن زيداً، وأنشد لبعض البغداديين:
سراة بني أبي بكر تساموا ... على كان المسوّمة الجياد
«2»
__________
رابعها. وهو من شواهد شرح الكافية للرضي 4/ 189 والأشموني 1/ 230، والمعاني الكبير 1/ 213 بدون عزو وعزاه في الحيوان 5/ 575 وتاج العروس/ بيض/ والخزانة 4/ 33 لابن أحمر، ونسبه ابن يعيش في شرح المفصل 7/ 102 لابن كنزة، وفي اللسان (طبعة صادر) (بيض) عجزه، ووقع محرفاً، وبرواية:
«على قفرة طارت فراخاً بيوضها».
فحرّف: «كانت» بكلمة «طارت» ولم أر من ذكره بهذه الرواية. وفي الخزانة والتاج برواية: أريهم سهيلًا والمطي كأنها قطا الحزن البيت.
وذكر البغدادي أنها الرواية التي في عامة نسخ شعره.
(1) سقطت من (ط).
(2) البيت في سر صناعة الإعراب 1/ 298 ومن شواهد الرضي في شرح الكافية 4/ 190 وابن هشام في أوضح المسالك 1/ 181 وشرح المفصل لابن يعيش 7/ 98، 100 والأشموني 1/ 241 والخزانة 4/ 33 والعيني 2/ 41 والتصريح 1/ 192 ويس 1/ 191 وهمع الهوامع 1/ 120 والدرر 1/ 89 وذكره ابن عصفور في الضرائر ص 78 والبيت مروي عن الفراء ولم ينسبه أحد إلى قائل. وهو فيما تقدم من المصادر برواية «العراب» بدل «الجياد» وهي التي أشار إليها في نسخة (م) بقوله: «في أخرى: العراب» وهذه العبارة زيادة ليست في (ط) ولعلها زيادة على الأصل الذي بين أيدينا.
(2/437)
________________________________________
في أخرى: العراب «1».
فأمّا موضع أن في «2» قوله: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ [البقرة/ 282] فنصب، المعنى: ولا تسأموا كتابته إلّا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم.
أي: يداً بيد لا أجل فيه، فلا يحتاج في تبايع ذلك إلى التّوثّق باكتتاب الكتاب، ولا «3» ارتهان الرهن، لوقوع التقابض في المجلس، ومثل موضع «أن» هذه في النصب موضع التي في قوله: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ [البقرة/ 282] فالعامل في قوله: «أن» تكون من قوله: إلّا أن تكون تجارة عن تراض منكم، قوله عزّ وجلّ «4»: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [النساء/ 29] بتوسّط إلّا، وكلا الاستثناءين منقطع.
وزعم سيبويه: أنّه قد نصب في القراءة تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ «5».
__________
والبيت مع آخر قبله في عبث الوليد ص 73 برواية: «المطهمة الصّلاب».
وللبيت روايات: تسامى وتساقوا، وسراة وجياد، ومسومة ومطهمة والصلاب والعراب ...
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): من.
(3) سقطت من (ط).
(4) سقطت من (ط).
(5) انظر سيبويه 1/ 377، وفي البحر 2/ 353: قرأ عاصم: «تجارة حاضرة» بنصبهما. على أن كان ناقصة ... وقرأ الباقون برفعهما على أن يكون «تكون» تامة وتجارة فاعل.
(2/438)
________________________________________
فأمّا حجة من رفع: فإنّه جعل كان بمعنى وقع وحدث كأنّه: إلّا أن تقع تجارة حاضرة، ومثل ذلك في الرفع قوله:
وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ [البقرة/ 280] المعنى فيه على الرفع وذلك أنه لو نصب، فقيل: وإن كان ذا عسرة لكان المعنى: وإن كان المستربي ذا عسرة فنظرة، فتكون النظرة مقصورة عليه وليس الأمر كذلك لأنّ المستربي، وغيره، إذا كان ذا عسرة فله النظرة. ألا ترى أنّ المستربي والمشتري وسائر من لزمه حقّ إذا كان معسراً فله النظرة إلى الميسرة؟ فكذلك المعنى في قوله: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً، إلّا أن تقع تجارة حاضرة في هذه الأشياء التي اقتصّت، وأمر فيها بالتوثقة «1» بالشهادة
والارتهان، فلا جناح، في ترك ذلك فيه لأن ما يخاف في بيع النّساء، والتأجيل يؤمن في البيع يداً بيد.
ومما جاء فيه كان بمعنى وقع قول أوس «2»:
هجاؤك إلّا أنّ ما كان قد مضى «3» * عليّ كأثواب الحرام المهينم ومن ذلك قول الشاعر «4»:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا
__________
(1) في (ط): بالوثيقة.
(2) البيت في ديوانه ص 121 من قصيدة طويلة. هو الرابع والعشرون منها وذكره ابن قتيبة في المعاني الكبير بدون نسبه ص 484، 1177.
وابن دريد في الجمهرة 3/ 356، ولم ينسبه ولكنه ذكره بعد أن قال: قال الراجز ا. هـ. وهذا غريب! لأن البيت ليس من الرجز، بل من الطويل، وأوس من الشعراء وليس من الرجاز.
(3) جاء في (م) كلمة «بيننا» فوق كلمة «قد مضى».
(4) البيت بهذه الرواية ملفق من بيتين أنشدهما سيبويه متتابعين وهما:
(2/439)
________________________________________
فهذا أيضاً من باب وقع ولا يكون (أشنع) خبراً لأنّك لو جعلته خبراً لم تستفد به إلّا ما استفدت «1» بما تقدّم، فلم يجيء الخبر هكذا كما جاء الحال في نحو قوله «2».
كفى بالنأي من أسماء كافي وأمّا وجه قول من نصب فقال: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً، فالذي في الكلام الذي تقدّمه مما يظن أنّه يكون اسم كان ما دلّ عليه: تَدايَنْتُمْ، من قوله إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ، والْحَقُّ من قوله: فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً فلا يجوز أن يكون التداين اسم كان، لأنّ حكم، الاسم أن يكون الخبر في المعنى، والتداين حقّ في ذمّة المستدين، للمدين المطالبة «3» به، فإذا كان ذلك لم يكن اسم
__________
(1) قول مقاس العائذي:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوم ذو كواكب أشهب
2 - وقول عمرو بن شأس:
بني أسد هل تعلمون بلاءنا ... إذا كان يوماً ذا كواكب أشنعا
انظر الكتاب 1/ 21، 22 وبيت مقاس في المقتضب 4/ 96 وابن يعيش 7/ 98. وبيت عمرو بن شأس برواية المصنف استشهد به التبريزي في شرح الحماسة 1/ 201 في خبر أبيات حصين بن حمام المري.
(1) في (ط): تستفيد.
(2) صدر بيت لبشر بن أبي خازم الأسدي وعجزه: وليس لحبها إذ طال شافي.
انظر ديوانه/ 142 والمقتضب 4/ 22 والكامل ص 729 والخصائص 2/ 268 والمنصف 2/ 115 وابن الشجري 1/ 183، 283، 296، 298، والمفصل بشرح ابن يعيش 6/ 51، 10/ 103. والخزانة 2/ 261. ورغبة الآمل 6/ 128.
(3) في (ط): «المطالبة» بدل «المطالبة به».
(2/440)
________________________________________
كان، لأنّ التداين معنى، والمنتصب يراد به العين، ومن حيث لم يجز أن يكون التداين اسم كان، لم يجز أن يكون الحقّ اسمها، لأنّ الحقّ يراد به الدين في قوله: فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فكما لم يجز أن يكون التداين اسمها، كذلك لا يجوز [أن يكون] «1» هذا في الْحَقُّ، فإذا لم يجز ذلك لم يخل اسم كان من أحد شيئين:
أحدهما أنّ هذه الأشياء التي اقتصّت من الإشهاد والارتهان قد علم في «2» فحواها التبايع؛ فأضمر التبايع لدلالة الحال عليه، كما أضمر لدلالة الحال فيما حكاه من قوله: إذا كان غدا فأتني، أو يكون أضمر التجارة، كأنّه: إلّا أن تكون التجارة تجارة حاضرة. ومثل ذلك قول الشاعر «3»:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوماً ذا كواكب أشنعا
أي: إذا كان اليوم يوماً، فأمّا التجارة فهي «4» تقليب الأموال وتصريفها لطلب النماء بذلك، وهو اسم حدث واشتقّ التاجر منه إلّا أنّ المراد به في الآية العين، ولا يخلو وقوع اسم الحدث «5» على هذا المعنى الذي وصفناه من أحد ثلاثة أشياء:
إمّا أن يكون المراد: إلّا أن يقع ذو تجارة أي: متاع ذو تجارة.
والآخر: أن يراد بالتجارة: المتّجر فيه الذي هو: عين،
__________
(1) هكذا في ط وسقطت من م.
(2) في (ط): من.
(3) سبق في الصفحة 439.
(4) في (م): «فهو».
(5) في (ط) وقوع الحدث.
(2/441)
________________________________________
فيكون كقوله: هذا الدرهم ضرب الأمير، وهذا الثوب نسج اليمن، أي مضروبه ومنسوجه، وكذلك لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ [المائدة/ 94] أي المصيد.
ألا ترى أن الأيدي والرماح إنّما تنالان الأعيان.
والثالث: أن يوصف بالمصدر فيراد به العين كما يقال:
عدل، ورضى، يراد به عادل ومرضيّ، وعلى هذا قالوا: عدلة، لما جعلوه الشيء بعينه. وليس هذا كالوجه الذي قبله لأنّ ذاك مصدر يراد به المفعول، وليس هذا مقصوراً على المفعول، فالمراد بالمصدر الذي هو تجارة: العروض وغيرها مما يتقابض، يبيّن ذلك وصفها بالحضور وبالإدارة بيننا، وهذا من أوصاف الأعيان، والاسم المشتق من هذا الحدث يجري مجرى الصفات الغالبة؛ ولذلك كسّر تكسيرها في قولهم: تاجر وتجار، كما قالوا: صاحب وصحاب، وراع ورعاء، قال الشاعر «1»:
كأنّ على فيها عقاراً مدامة ... سلافة راح عتّقتها تجارها

[البقرة: 283]
اختلفوا في ضمّ الرّاء وكسرها وإدخال الألف وإخراجها، وضمّ الهاء وتخفيفها من قوله تعالى «2»: فرهن مقبوضة [البقرة/ 283].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فرهن، واختلف عنهما
__________
(1) البيت من قصيدة طويلة لأبي ذؤيب الهذلي يرثي نشيبة بن محرّث في شرح أشعار الهذليين 1/ 73 الثاني عشر منها. والخمر العقار: التي تعاقر الدّنّ أو العقل، أي: تلزمه. والسلاف: أول ما يخرج من المبزل. عتّقتها: تركتها حتى قدمت.
(2) في (ط): عز وجل.
(2/442)
________________________________________
فروى عبد الوارث «1» وعبيد بن عقيل «2» عن أبي عمرو:
فرهن ساكنة الهاء.
وروى اليزيديّ عنه فرهن بضم الهاء. وروى عبيد بن عقيل عن شبل «3» ومطرّف الشّقريّ «4» عن ابن كثير فرهن ساكنة الهاء.
وروى قنبل «5» عن النبال «6» والبزّيّ «7» عن أصحابهما، ومحمد بن صالح المرّيّ «8» عن شبل عن ابن كثير: فرهن
__________
(1) سبقت ترجمته 1/ 376.
(2) سبقت ترجمته 1/ 341.
(3) سبقت ترجمته 1/ 341.
(4) الشقري أبو بكر مطرّف بن معقل الشقريّ التميمي السعدي قاله أبو عبيد القاسم بن سلام. انظر الأنساب للسمعاني 7/ 363 والذي في طبقات القراء 2/ 300: مطرف بن معقل أبو بكر النهدي، ويقال: الباهلي البصري ثقة معروف ...
(5) قنبل أبو عمر محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن سعيد بن جرجة المخزومي (مقرئ مكة) مولاهم المكي ولد سنة 195 وتوفي 291 انظر معرفة القراء 1/ 186 وجعله من الطبقة السابعة.
(6) أبو الحسن أحمد بن محمد بن علقمة ... المعروف بالقواس إمام مكة في القراءة، قرأ على وهب، وقرأ عليه قنبل وغيره .. توفي 240 أو 245 انظر طبقات القراء 1/ 123.
(7) البزي: أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة الإمام أبو الحسن البزي المكي مقرئ مكة ومؤذن المسجد الحرام ولد سنة 170 وتوفي 250 محقق ضابط متقن قرأ على أبيه عبد الله بن زياد وعكرمة بن سليمان ووهب بن واضح قرأ عليه إسحاق بن محمد الخزاعي والحسن بن الحباب وأحمد بن فرح ... وغيرهم وروى عنه القراءة قنبل، وروى حديث التكبير من آخر الضحى وقد أخرجه له الحاكم في المستدرك .. انظر طبقات القراء 1/ 119.
(8) المري: محمد بن صالح أبو إسحاق المري البصري الخياط. روى الحروف
(2/443)
________________________________________
مضمومة الهاء.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فَرِهانٌ بألف مكسورة الراء «1».
قال أبو علي: قال أبو زيد: رهنت عند الرجل رهنا ورهنته رهنا، فأنا أرهنه: إذا وضعته عنده. وارتهن فلان من رجل رهنا ارتهانا: إذا أخذه منه، وقد أرهنت في السلعة من مالي حتى أدركتها إرهانا، وذلك إذا غاليت بها في الثمن، فالارتهان- في المغالاة وفي القرض والبيع-: الرّهن، قال الشاعر «2»:
يطوي ابن سلمى بها عن راكب بعداً ... عيديّة أرهنت فيها الدّنانير
__________
سماعا عن شبل بن عباد، روى القراءة عنه عرضاً محمد بن عبد الله القاسم بن أبي بزة ... وروى عنه الداني أنّه قال: سألت شبل بن عباد عن قراءة أهل مكة فيما اختلفوا فيه، وفيما اتفقوا عليه فقال: إذا
لم أذكر ابن محيصن فهو المجتمع عليه، وإذا ذكرت ابن محيصن فقد اختلف هو وعبد الله بن كثير وذكر القراءة. طبقات القراء 2/ 155.
(1) السبعة 194 - 195.
(2) البيت الأول في تهذيب اللغة 6/ 274 ولم يعزه لأحد. قال الأزهري: بها:
بإبل. عيدية: نجب منسوبة إلى بنات العيد، وهو فحل معروف كان منجباً اهـ.
وقال ابن سيده في المخصص السفر 7/ 135: العيدية: نوق تنسب إلى حيّ يقال له بنو العيد، وقيل نسبت إلى عاد بن عاد، وقيل: إلى عادي بن عاد فهو إذا على ذلك من شاذ النسب، وقيل نسبت إلى فحل يقال له: عيد، وهو نجيب كريم وأولاده نجب. اهـ. وقريب مما ذكره ابن سيدة في المخصص هو في اللسان (عود) وأنشد البيت لرذاذ الكلبي برواية:
ظلّت تجوب بها البلدان ناجية .. عيدية .. البيت.
وذكره في مادة (رهن) برواية المصنف وأشار إلى الرواية الثانية. وفي الصحاح (عود) عجزه، وأنشده بالرواية الثانية لرذاذ الكلبي أيضاً صاحب
(2/444)
________________________________________
كأنّها بحسير الرّيح صادية ... وقد تحرّز ملحرّ
«1» اليعافير وأرهنّا بيننا خطراً إرهانا، وهو أن يبذلوا من الخطر ما يرضى به القوم بالغا ما بلغ، فيكون لهم سبقا، وأخطرت لهم خطراً إخطاراً وهو مثل الإرهان. وأنشد غير أبي زيد للعجاج «2»:
وعاصما سلّمه من الغدر ... من بعد إرهان بصمّاء الغبر
فقال بعض أصحاب الأصمعي: إرهان: إثبات وإدامة.
ويقال: أرهن لهم الشرّ أي أدامه، وقال أبو موسى: رهن لهم، أي: دام، وأنشد «3»:
__________
التاج في (عود) ولم تذكر المصادر السابقة البيت الثاني. وجاء البيت في البحر المحيط 2/ 342 بدون نسبة، وصحفت فيه كلمة «بعدا» إلى «بعراً» بالراء.
وقوله: بعداً، جاء في اللسان (بعد): البعد، بالضم، وبعد، بالكسر، بعدا وبعدا، فهو بعيد وبعاد، عن سيبويه، أي: تباعد وجمعها: بعداء. ثم نقل عن الصحاح: البعد، بالتحريك، جمع باعد، مثل: خادم وخدم.
وقوله: ملحرّ أي: من الحرّ، واليعافير ج اليعفور: الظبي الذي لونه كلون العفر وهو التراب وقيل: هو الخشف اهـ اللسان (عفر) والحسير:
الكليل، وحسير الريح: الريح المقطوعة الضعيفة. قال في اللسان (حسر) العرب تقول: حسرت الدابة إذا سيّرتها حتى ينقطع سيرها. اهـ
(1) رسمها في (م): «مالحرّ» ووضع فوقها كلمة: «صل» إشارة إلى وصلها.
وأثبتنا ما في (ط) لعدم التكلف.
(2) البيت في ديوان العجاج 1/ 93، وعاصم: لص كان حبسه مروان بن الحكم ثم أرسله، والصماء: الداهية التي لا تجيب، والغبر: البقاء، وإرهان: إثبات.
(3) هذا صدر بيت عجزه: وقهوة راووقها ساكب. في اللسان (رهن) دون نسبة وفي شرح ديوان العجاج 1/ 93. ورواية (ط): واللحم والخبز.
(2/445)
________________________________________
والخبز واللحم لهم راهن فقد فسروا الرهن بالإثبات والإدامة، فمن ثم يبطل الرهن إذا خرج من يد المرتهن بحق لزوال إدامة الإمساك، والرّهن الذي يمسكه المرتهن توثقة لاستيفاء ماله من الراهن: اسم مصدر كما كان الكتاب كذلك في قوله تعالى «1»: وكتابه [التحريم/ 12] وهذه المصادر إذا نقلت فسمّي بها يزول عنها عمل الفعل، وذلك فيها إذا صارت على ما ذكرنا بيّن، إذ لم يعملوا من المصادر ما كثر استعمالهم له، كما ذهب إليه في قولهم: لله درّك، وتمثيله إياه بقولهم: لله بلادك، فإذا قال:
رهنت زيداً رهناً وارتهنت رهنا، فليس انتصابه انتصاب المصدر، ولكن انتصاب المفعول به كما تقول: رهنت زيداً ثوباً، ورهنته ضيعة.
وقد قالوا في هذا المعنى: أرهنته، وفعلت فيه أكثر.
قال الأعشى «2»:
حتى يفيدك من بنيه رهينة ... نعش ويرهنك السّماك الفرقدا
وقال آخر:
فلمّا خشيت أظافيره ... نجوت وأرهنتهم مالكا
«3»
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) البيت في ديوانه 231 والبحر المحيط 2/ 343 وفيه: يقيد له بالقاف وهو تصحيف مع بيت آخر قبله سيذكره المصنف بعد قليل.
(3) البيت في البحر المحيط 2/ 342 واللسان (رهن) لهمام بن مرة، وجعله اللسان مطلع أبيات أربعة.
وفي تهذيب الأزهري 6/ 274، والصحاح رهن لعبد الله بن همام السلوليّ ورواية البيت في المصادر السابقة ما عدا الأزهري.
(2/446)
________________________________________
وقال آخر:
يراهنني فيرهنني بنيه ... وأرهنه بنيّ بما أقول
«1» فرهنت في كل هذه الأبيات قد تعدى إلى مفعولين، فكذلك إذا قال: رهنت زيداً رهناً، فالرهن مصدر، ولمّا نقل فسمّي به ما ذكرت كسّر كما تكسّر الأسماء، كما كسّر غيره من المصادر المسمى بها.
وتكسير رهن على أقل العدد لم أعلمه جاء، ولو جاء «2» لكان قياسه أفعل، مثل كلب وأكلب، وفلس وأفلس، وكأنّه استغني ببناء الكثير عن القليل كما استغني «3» ببناء الكثير عن القليل في قولهم: ثلاثة شسوع «4»، وكما استغني ببناء القليل عن بناء الكثير في نحو: رسن وأرسان، فرهن جمع على بناءين من أبنية الجموع، وهو فعل وفعال وكلاهما من أبنية الكثير فممّا جاء على فعل. قول الأعشى «5»:
آليت لا أعطيه من أبنائنا ... رهنا فيفسدهم كمن قد أفسدا
فرهن: جمع رهن، ثم يخفّف «6» العين كما خفّف في
__________
«أظافيرهم» بدل «أظافيره».
(1) البيت في اللسان (رهن) ونسبه إلى أحيحة بن الجلاح.
(2) في (ط): ولو كان جاء.
(3) في (ط): كما استغنوا.
(4) في اللسان (شسع): شسع النعل: قبالها الذي يشدّ زمامها، والجمع:
شسوع لا يكسر إلّا على هذا البناء.
(5) البيت في ديوانه 229 وفيه: لا نعطيه بدل لا أعطيه. واللسان رهن وسبقت الإشارة إليه قريباً.
(6) في (ط): خفّف.
(2/447)
________________________________________
رسل وكتب ونحو ذلك فقيل: رسل وكتب. ومثل رهن ورهن، سقف وسقف، وفي التنزيل: لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ [الزخرف/ 33] ومثل تخفيفهم الرّهن وقولهم: رهن؛ أنّهم جمعوا أسداً على أسد، ثم خفّفوا فقالوا: أسد قال:
كأنّ محرّبا من أسد ترج ... ينازلهم لنابيه قبيب
«1» ومثل رهن ورهن فيما حكاه أبو الحسن: لحد القبر، ولحد، وقلب وقلب، لقلب النخلة، وقالوا: ثطّ «2»، وثطّ، وورد وورد «3»، وسهم حشر، وسهام حشر «4».
فإن قلت: أيجوز أن يكون رهان جمع رهن، ولا يكون جمع رهن. فالقول: إنّ سيبويه «5» لا يرى جمع الجمع مطّرداً، فينبغي أن لا يقدم عليه حتى يعلم، فإذا كان رهن قد صار مثل كعب، وكلب، قلنا «6»: إنّ «رهان» مثل كعب وكعاب، ولم يجعله جمع الجمع إلّا بثبت. فإن قلت: إنّهم
__________
(1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1/ 110 وديوانهم 1/ 97 والمحرّب: الأسد المغيظ المغضب. ترج: واد. قبيب: صوت يقبقب، وهي: القبقبة، وانظر اللسان (قبب).
(2) رجل ثطّ: ثقيل البطن بطيء. انظر اللسان/ ثطط/.
(3) قال في التاج (ورد): فرس ورد وجمعه ورد، بضم فسكون مثل: جون وجون.
(4) في اللسان (حشر): سهم محشور وحشر: مستوي قذذ الريش، قال سيبويه: سهم حشر وسهام حشر. اه. منه.
(5) قال سيبويه في 2/ 200: «اعلم أنه ليس كل جمع يجمع، كما أنّه ليس كل مصدر يجمع كالأشغال والعقول والحلوم والألباب».
(6) في (ط): قلت.
(2/448)
________________________________________
قد جمعوا فعلا في قولهم: طرقات وجزرات، وحكى أبو عثمان أنّ الرّياشي حكى أنّه سمع من يقول: عندنا معنات «1»، فإذا جمعوه هذا الجمع جاز أن يكسّر أيضاً لاجتماع البابين «2» في التكسير والتصحيح في أنّ كلّ واحد منهما جمع فهذا قياس، التوقف عنه نراه أولى، وقد ذهب إليه ناس. وكذلك لو قال:
إنّ فعل مثل فعال، في أنّ كلّ واحد منهما بناء للعدد الكثير، وقد كسّروا «فعالًا» «3» في نحو قول ذي الرّمة «4».
وقرّبن بالزّرق الجمائل بعد ما ... تقوّب عن غربان أوراكها الخطر
فيكون رهان جمع رهن لا جمع رهن، وجمعوا فعلًا، على فعال، كما جمعوا فعالًا على فعائل في قولهم: جمائل، لم نر هذا القياس؛ لأنّه إذا جمع شيء من هذا لم يجز قياس الآخر عليه عنده، حتى يسمع، وليست الجموع عنده في هذا كالآحاد.
__________
(1) المعن: الماء الظاهر أو السائل، والجمع معن ومعنات. انظر اللسان (معن).
(2) في (ط): البناءين.
(3) في (م): فعال.
(4) البيت في ديوانه 1/ 566. والمسلسل في غريب اللغة ص 79 والحيوان 3/ 430 والصحاح (خطر) وشروح سقط الزند بشرح الأصمعي 4/ 1536 و 1537. واللسان (جمل، غرب، خطر، زرق) والتاج (غرب) وهنالك اختلاف يسير في رواية البيت في المصادر. وفي شرح الديوان: الزرق: أكثبة الدهناء- تقوب: تقشّر، غربان أوراكها: طرف رءوس الأوراك الذي يلي الذنب. والخطر: أن يخطر بذنبه فيصير على عجزه لبد من أبواله- ومعنى البيت: تقوّب غراباه لأنّه يأكل الرطب فيسلح به على ذنبه ثم يخطر فيضرب به بين وركيه، فإذا أصابه الصيف وضربه الحر انسلخ الشّعر عن موضع خطره بذنبه، فهو حيث يتقوب.
(2/449)
________________________________________
قال أحمد بن موسى: قرأ حمزة وعاصم في رواية يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم وحفص عن عاصم الَّذِي اؤْتُمِنَ [البقرة/ 283] بهمزة وبرفع الألف، ويشير بالضم إلى الهمز «1».
قال أحمد: وهذه الترجمة غلط.
وقرأ الباقون: الذي ائتمن «2» الذال مكسورة، وبعدها همزة ساكنة بغير إشمام الضمّ، وهذا هو الصواب الذي لا يجوز غيره.
وروى خلف وغيره عن سليم عن حمزة: الَّذِي اؤْتُمِنَ، يشمّ الهمزة الضمّ، وهذا خطأ أيضاً، لا يجوز إلّا بتسكين الهمزة «3».
قال أبو علي: لا تخلو الحركة التي أشمّوها الهمزة من أن تكون لنفس الحرف، أو تكون حركة حرف قبل الهمزة أو بعدها: فلا يجوز أن تكون الحركة لنفس الحرف الذي هو الهمزة، لأنّ الحرف ساكن لا حظّ له في الحركة، وذلك «4» أن اؤْتُمِنَ افتعل من الأمان، والفاء من افتعل ساكنة في جميع الكلام صحيحه ومعتلّه، تقول: اقتتل اقترع، ايتكل، ايتجر، اختار، انقاد، اتّعد، ارتدّ «5»، اتّزن، فتكون فاء افتعل في
__________
(1) في (ط): «الهمزة».
(2) رسمها في (م): «اؤتمن» وكتب فوق الكلمة: «صل» والذي أثبتنا من (ط) ينسجم مع المراد، والنطق.
(3) السبعة ص 194.
(4) في (ط): وذاك.
(5) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(2/450)
________________________________________
جميع هذه الأبنية ساكنة، ولا يجوز أن تكون حركة حرف قبلها «1» لأنّ حركة ما قبل لم تلق على ما بعد في شيء علمناه، كما تلقى حركة الحرف على ما قبله في نحو: استعدّ، واستمرّ، وقيل، واختير، وردّ، والخب «2» ونحوه.
فإذا لم يكن لشيء من هذه الأقسام مساغ ثبت أن الحركة لا تجوز فيها على الإشمام، كما لا تجوز فيها «3» على الإشباع، فإن قيل: إن هذا الإشمام إنّما هو ليعلم أنّ قبلها همزة وصل مضمومة، وذلك أنّك إذا ابتدأت قلت: اؤتمن.
قيل: فهذا يلزم قائله أن يقول في نحو: إِلَى الْهُدَى ائْتِنا [الأنعام/ 71] أن يشير إلى الهمز بالكسر، وكذلك يلزمه أن يشير إلى الكسر في قوله: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا [الأعراف/ 70] وفي قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي [التوبة/ 49] ونحو ذلك أن يشير إلى الكسر في الهمز لأنّ قبل الهمزة في كل ذلك في الابتداء همزة مكسورة كما كانت في قوله اؤْتُمِنَ في الاستئناف همزة مضمومة. فإن مرّ على قياس هذا الذي لزم كان مارّاً على خطأ وآخذاً به من غير وجه. ومن ذلك أنّ الحرف الذي بعد الحرف لا يحرّك بحركة ما قبله، كما يحرّك الحرف الذي قبل الحرف لحركة الحرف الذي بعده نحو:
__________
(1) في (ط): قبله.
(2) أصلها «الخبء» من قوله تعالى من سورة النمل/ 25: «ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ... » قال في البحر المحيط 7/ 69: قرأ الجمهور (الخبء) بسكون الباء والهمزة، وقرأ أبيّ وعيسى بنقل حركة الهمزة إلى الباء وحذف الهمزة.
(3) في (م): كما تجوز على الإشباع. والصواب ما أثبتناه من (ط).
(2/451)
________________________________________
يستعدّ، ويَهْدِي «1» [يونس/ 35] والْخَبْءَ [النمل/ 25] ونحو ذلك. ولو جاز «2» ذلك في كلامهم، لم يلزم في هذا الموضع في الإدراج؛ وذلك أنّ همزة الوصل تسقط في الإدراج، فإذا سقطت سقطت حركتها، ولم تبق الحركة بعد سقوط الحرف، فإذا كان كذلك لم يجز أن تقدّر إلقاء حركة ما قبلها عليها لأنّها «3» ليس قبلها شيء وإذا لم
يجز ذلك، تبيّن أن الهمزة لا وجه لها إلّا السكون، كما ذهب الآخرون إليه غير عاصم وحمزة من إسكانها. إلّا أنه يجوز في الهمزة «4» التخفيف والتحقيق فمن خفف: الَّذِي اؤْتُمِنَ قال:
الذيتمن «5»، فحذف الياء من الذي لالتقائها ساكنة مع فاء افتعل، لأنّ همزة الوصل قد سقطت للإدراج، فيصير: ذيتمن بمنزلة: بير، وذيب، وإن حقّق كان بمنزلة من حقّق الذئب والبئر.
__________
(1) «يهدّي»: كذا جاء رسمها في الأصل وفي المصحف برواية حفص: «يهدّي» قال أبو حيان في البحر 5/ 156: قرأ أهل المدينة إلّا ورشاً: «أمّن لا يهدّي» بفتح الياء وسكون الهاء وتشديد الدّال. فجمعوا بين ساكنين. قال النحاس: لا يقدر أحد أن ينطق به. وقال المبرد من رام هذا لا بد أن يحرك حركة خفيفة، وسيبويه يسمي هذا اختلاس الحركة. وقرأ أبو عمرو وقالون في رواية كذلك، إلّا أنه اختلس الحركة. وقرأ ابن عامر وابن كثير وورش وابن محيصن كذلك إلا أنهم فتحوا الهاء، وأصله: يهتدي، فقلب حركة التاء إلى الهاء وأدغمت التاء في الدال، وقرأ حفص ويعقوب والأعمش عن أبي بكر كذلك، إلّا أنهم كسروا الهاء، لما اضطر إلى الحركة حرّك بالكسر، قال أبو حاتم: هي لغة سفلى مضر. وقرأ أبو بكر في رواية يحيى بن آدم كذلك إلّا أنه كسر الياء. وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويحيى ابن وثاب والأعمش: يهدي، مضارع هدى. وستأتي في موضعها من الكتاب.
(2) في (ط): ولو جاء ذلك وجاز.
(3) في (ط): لأنه.
(4) في (ط): الهمز.
(5) رسمت في (ط): الذي ايتمن.
(2/452)
________________________________________
وليس إشمام الحركة الهمزة في قوله الَّذِي اؤْتُمِنَ كإشمام أبي عمرو فيما حكى سيبويه «1» من قراءاته قوله: يا صالح يتنا «2» [الأعراف/ 77] لأنّه أشمّ الحركة التي على الحاء، ولها حركة هي الضمة، ولا حركة للهمزة في: الَّذِي اؤْتُمِنَ.
ولم يقلب أبو عمرو الياء التي أبدلت من الهمزة التي هي فاء واواً لتشبيهه المنفصل بالمتصل نحو: قيل. ولا يلزمه على هذا أن يقول ومنهم من يقول: ائْذَنْ لِي لأنّه إنّما فعل ذلك في حركة بناء وحركة البناء في النداء المفرد كحركة البناء في قيل. فإذا فعل ذلك في حركة البناء، لم يلزمه أن يجري حركة الإعراب كحركة البناء، ومن شبّه حركة الإعراب بحركة البناء، وهو قياس قول سيبويه لزمه أن يشمّ الضمة في يقول الكسرة كما جاء ذلك في قيل. ولعل أبا عمرو يفصل بينهما كما فصل غيره من النحويين. وليس ذلك أيضاً كما حكاه أبو الحسن من أن بعضهم قال في القراءة: فِي الْقَتْلى الْحُرُّ [البقرة/ 178] فأشمّ الفتحة التي على اللام التي هي لام الفعل من القتلى الكسرة، كما كان يميله، والألف التي في القتلى ثابتة، لأنّ الألف التي في القتلى حذفت لالتقاء الساكنين. وقد وجدت الحذف لالتقاء الساكنين في حكم الثبات، ألا ترى أنّهم أنشدوا «3»:
__________
(1) انظر الكتاب 2/ 358.
(2) رسمها في (ط): «يا صالح ايتنا» بإثبات ألف الوصل. ورسمها في سيبويه: «يا صالحيتنا».
(3) لأبي الأسود الدؤلي في الكتاب 1/ 85 والمقتضب 2/ 313، ومجالس ثعلب ص 123، والمنصف 2/ 231 وأمالي ابن الشجري 1/ 383 والانصاف لابن الأنباري ص 659 والهمع 2/ 169، والدرر 2/ 230، والخزانة 4/ 554 وشرح أبيات المغني 7/ 182. واللسان (عتب).
(2/453)
________________________________________
فألفيته غير مستعتب ولا ... ذاكر
«1» الله إلّا قليلًا فنصبوا الاسم مع حذف التنوين كما كانوا ينصبون مع إثباته لما كان المحذوف في حكم الإثبات.
فكذلك الألف في «القتلى» في حكم الإثبات، وإذا كان في حكمه جازت إمالة الفتحة مع حذف الألف كما جازت إمالتها مع ثباتها. ونظير ذلك من كلامهم قولهم: صعقيّ «2»، ألا ترى أنّه إنّما كسرت الصّاد لمكان كسرة العين، ثم انفتح ما كانت الفاء كسرت لكسرته فبقيت الفاء على كسرتها، فكذلك الفتحة في «القتلى» أميلت لمكان الألف، ثم ارتفع ما كان أميلت له الفتحة، وذهب، فبقيت اللّام على إمالة فتحتها كما بقيت الفاء في صعقي على كسرتها.
__________
وللبيت قصة رواها صاحب الأغاني بسنده عن أبي عوانة ملخصها: أنه تزوج امرأة فوجدها بخلاف ما قالت له قبل الخطبة فجمع أهلها الذين حضروا تزويجه إياها وطلقها .. انظر الأغاني 12/ 314، 315.
(1) في الأصل ضبطه بالكسر: «ذاكر الله». وبعض المصادر ترويه بالفتح كما في المقتضب، وشرح أبيات المغني قال البغدادي: قوله: ولا ذاكر الله، روي بنصب ذاكر وجره، فالنصب للعطف على غير، والجر للعطف على مستعتب، ولا: لتأكيد النفي المستفاد من غير.
(2) صعقي: نسبة إلى الصعق، وهو خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب، كان سيداً، يطعم بعكاظ، وأحرقته صاعقة، فلذلك سمي الصعق. ومن ولده الشاعر يزيد بن عمرو بن الصعق. انظر جمهرة الأنساب ص 286 لابن حزم وفي القاموس (صاعقة): والنسبة: صعقي، محركة، وصعقي كعنبي، على غير قياس.
(2/454)
________________________________________
[البقرة: 285]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله جلّ وعزّ «1»: وَكُتُبِهِ [البقرة/ 285] هاهنا، وفي سورة التحريم [الآية: 12].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر: وَكُتُبِهِ هاهنا جمع، وفي التحريم: وكتابه، على التوحيد.
وقرأ أبو عمرو: هاهنا وفي التحريم: وَكُتُبِهِ على الجمع.
وقرأ حمزة والكسائي: وكتابه على التوحيد فيهما.
وروى حفص عن عاصم هاهنا، وفي التحريم: وَكُتُبِهِ مثل أبي عمرو. وخارجة عن نافع في التحريم مثل أبي عمرو «2».
قال أبو علي: قال أبو زيد: كتبت الصكّ، أكتبه كتاباً، وكتبت السقاء، أكتبه كتباً: إذا خرزته.
قال ذو الرّمّة:
وفراء غرفيّة أثأى خوارزها ... مشلشل ضيّعته بينها الكتب
«3»
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) انظر السبعة ص 195 - 196 وهنالك اختلاف يسير عمّا هنا.
(3) البيت في شرح ديوانه للأصمعي 1/ 11 وفراء: واسعة، وغرفيّة: دبغت بالغرف وهو شجر يدبغ بورقه. أثأى خوارزها: قال الأصمعي: الثأي: أن تلتقي الخرزتان فتصيرا واحدة، المشلشل: الذي يكاد يتصل قطره (المطر).
الكتب: الخرز، الواحدة كتبة وكلّما جمعت شيئاً إلى شيء فقد كتبته وسميت الكتيبة بذلك لأنّها تكتبت واجتمعت، ومنه كتبت الكتاب: إذا جمعت حروفاً إلى حروف. وقوله: ضيّعته: يريد الكتب أي: الخرز ضيعت الماء فيما بينها فهو يشلّ.
(2/455)
________________________________________
وكتبت البغلة «1» أكتبها كتباً «2»، إذا حزمت حياءها بحلقة حديد أو صفر، وكتبت عليها كتباً، وكتّبت الناقة تكتيباً: إذا صررتها.
فالكتاب مصدر كتب «3». وقد جاء كتب في التنزيل على غير وجه فمن ذلك أن يراد به: فرض، قال تعالى «4»: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة/ 183]، وقال تعالى «5»: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى [البقرة/ 178] وقال: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة/ 45] وقال: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال/ 75] أي فيما فرض الله لهم في «6» السّهام في المواريث، أو الحيازة للتركة، ويجوز أن يعنى به التنزيل، أي: هم في فرض كتاب الله أولى بأرحامهم، وأن يحمل على الكتاب المكتتب أولى، وذلك لقوله سبحانه «7» في أخرى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً، كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً [الأحزاب/ 6] والمسطور إنّما يسطر في صحف أو ألواح، فردّ المطلق منهما إلى هذا المقيّد أولى، لأنّه أمر واحد.
وقد جاء كتب يراد به الحكم. قال تعالى «8»:
__________
(1) في (ط): الدابة.
(2) «كتبا» زيادة من (ط).
(3) في (ط): كتبت.
(4) سقطت من (ط).
(5) سقطت من (ط).
(6) في (ط): من.
(7) سقطت من (ط).
(8) سقطت من (ط).
(2/456)
________________________________________
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة/ 21] كأنه حكم، قال «1»:
وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا [الحشر/ 3] أي حكم بإخراجهم من دورهم. وقال: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا [آل عمران/ 145] فانتصب كتاباً بالفعل الذي دلّ عليه هذا الكلام، وذلك «2» أنّ قوله: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يدلّ على كتب، وكذلك قوله: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء/ 24] لأنّ
في قوله:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النساء/ 23] دلالة على كتب هذا التحريم عليكم «3» أي: فرضه، فصار كتاب الله، كقوله: صُنْعَ اللَّهِ [النمل/ 88]، ووَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ [الروم/ 6].
فأمّا قوله: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ [المجادلة/ 22] فإنّ معناه جمع، وقد قالوا: الكتيبة للجمع من الجيش، وقالوا للخرز التي ينضم بعضها إلى بعض: كتب، كأنّ التقدير: أولئك الذين جمع الله في قلوبهم الإيمان أي:
استوعبوه واستكملوه، فلم يكونوا ممن يقول: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النساء/ 150] وهم الذين جمعوا ذلك في الحقيقة، وأضيف ذلك «4» إلى الله تعالى «5»، لأنّه كان بتقويته ولطفه كما قال: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال/ 17].
فأمّا قوله تعالى «6»: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
__________
(1) في (ط): وقال.
(2) في (ط): وذاك.
(3) سقطت من (م).
(4) سقطت من (ط).
(5) سقطت من (ط).
(6) سقطت من (ط).
(2/457)
________________________________________
[التوبة/ 36] فلا يجوز تعلقه بالعدّة لأنّ فيه فصلًا بين الصلة والموصول بالخبر، ولكنّه يتعلق بمحذوف على أن يكون صفة للخبر الذي هو قوله: اثْنا عَشَرَ شَهْراً، والكتاب لا يكون إلّا مصدراً، ولا يجوز أن يكون «1» يعنى به الذكر، ولا غيره من الكتب، وذلك لتعلّق اليوم به، واليوم وسائر الظروف لا تتعلق بأسماء الأعيان لأنّها لا معاني فيها للفعل، فبهذا يعلم أنّه مصدر.
فأمّا قوله تعالى: وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ [البقرة/ 285] فإنّ الكتب جمع كتاب وهو مصدر كتب فنقل، وسمّي به، فصار يجري مجرى الأعيان وما لا معنى فعل فيه، وعلى ذلك كسر، فقيل: كتب كما قالوا: إزار وأزر، ولجام ولجم. ولولا أنّه صار منقولًا، لكان خليقاً أن لا يكسّر، كما أنّ عامة المصادر لا تجمع، فأمّا الجمع فيه فللكثرة، وأمّا الإفراد في قول من قرأ:
وكتابه فليس كما تفرد المصادر، وإن أريد بها الكثير كقوله تعالى «2»: وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان/ 14] ونحو ذلك، ولكن كما تفرد الأسماء التي يراد بها الكثرة نحو قولهم: كثر الدينار والدرهم، ونحو ذلك مما يفرد لهذا المعنى، وهي تكسر، وكذلك: أهلك الناس الشاة والبعير، فإن قلت: إنّ هذه الأسماء التي يراد بها الكثرة تكون مفردة، وهذه مضافة قيل: قد جاء المضاف من الأسماء، يعنى به الكثرة، وفي التنزيل:
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(2/458)
________________________________________
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [النحل/ 18، إبراهيم/ 34] وفي الحديث: «منعت العراق درهمها وقفيزها» «1».
فهذا يراد به الكثرة، كما يراد فيما فيه لام التعريف، وممّا يجوز أن يكون على هذا قول عدي «2» بن الرقاع:
يدع الحيّ بالعشيّ رغاها ... وهم عن رغيفهم أغنياء
«3» وقال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [البقرة/ 187] وهذا الإحلال شائع في جميع ليالي «4» الصّيام، والتكسير أوجه لأنّ الموضع يراد به الكثرة، وليس مجيء الأسماء المضافة التي يراد بها الجنس، والشّياع، بكثرة ما جاء منها «5»، وفيه لام المعرفة، والاسمان اللذان أحدهما قبله، والآخر بعده مجموعان، فهذا يقوّي الجمع ليكون مشاكلا لما قبله وما بعده، ويجوز فيمن أفرد فقال: وكتابه أن يعني به الشّياع، ويكون الاسم مصدرا غير منقول، فيسمّى الذي يكتب كتابا،
__________
(1) سبق تخريجه انظر ص 119 من هذا الجزء.
(2) كذا في (ط)، وسقطت من (م). وعدي بن الرقاع من الشعراء المقدمين، قال جرير سمعته ينشد:
تزجي أغنّ كأن إبرة روقه.
فرحمته من هذا التشبيه فقلت: بأي شيء يشبهه ترى! فلما قال:
قلم أصاب من الدواة مدادها رحمت نفسي منه. انظر الأغاني 9/ 308 حيث أخبار عدي.
(3) لم أظفر بالقصيدة التي منها هذا البيت، وفي الشعر والشعراء ص 620 بيتان من نفس الروي والوزن وهما:
لو ثوى لا يريمها ألف حول ... لم يطل عندها عليه الثواء
أهواها يشفّه أم أعيرت ... منظراً فوق ما أعير النساء
(4) في (م): أيام.
(5) في (م): فيها.
(2/459)
________________________________________
كما قيل: نسج اليمن، أو على تقدير ذي، أي: ذي الذي يكتب.

[البقرة: 285]
اختلفوا في ضمّ السّين وإسكانها من قوله تعالى «1»:
وَرُسُلِهِ [البقرة/ 285] ورُسُلِنا [الإسراء/ 77] «2».
فقرأ أبو عمرو ما أضيف إلى مكنيّ «3» على حرفين مثل:
رُسُلِنا، ورُسُلُكُمْ [غافر/ 50] بإسكان السين، وثقّل ما عدا ذلك.
وروى عليّ بن نصر عن هارون عن أبي عمرو أنّه خفّف عَلى رُسُلِكَ [آل عمران/ 194] أيضاً. وقال عليّ بن نصر:
سمعت أبا عمرو يقرأ عَلى رُسُلِكَ مثقّلة، وقرأ الباقون كلّ ما في القرآن من هذا الجنس بالتثقيل «4».
قال أبو عليّ: وجه قراءة من ثقّل عَلى رُسُلِكَ أنّ أصل الكلمة على فعل بضمّ العين، ومن أسكن خفّف ذلك «5» كما يخفّف ذلك في الآحاد في نحو العنق، والطّنب، وإذا خفّفت الآحاد، فالجموع أولى من حيث كانت أثقل من الآحاد، والدليل على أنّه على فعل مضموم العين، رفضهم هذا الجمع، فيما كان «6» لامه حرف علّة نحو: كساء، ورداء
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) هذه الآية وردت كثيراً ولكنها لم تأت مكسورة اللام إلّا في موضعين، الأول في الإسراء والثاني في الحديد/ 27. انظر المعجم المفهرس للآيات.
(3) مكني: ضمير.
(4) انظر السبعة ص 185 فهناك اختلاف يسير.
(5) سقطت ذلك من (ط).
(6) في (ط): كانت.
(2/460)
________________________________________
ورشاء، ألا تراهم لم يجمعوا شيئاً من هذا النحو على فعل، كما جمعوا قذالًا، وكتاباً، وحماراً ورغيفاً على فعل، ولم يجمعوه أيضاً على التخفيف لأنّه إذا خفّف، والأصل التثقيل، كانت الحركة في حكم الثبات ومنزلته. ألا ترى أنّ من قال:
رضي، ولقضو الرجل، لمّا كانت الحركة في حكم الثبات عنده لم يردّ الواو ولا الياء؟ وكذلك نحو رشاء، وقباء، لم يجمع على فعل ولم يجيء من هذا الباب شيء على فعل إلّا ثنيّ «1» وثن، وقالوا: ثنيان في جمعه أيضاً، وما عداه مرفوض غير مستعمل، ومما يدلّ على أن الأصل فيه الحركة، أنّه لو كان الأصل السكون لم يرفض فيه جمع ما كانت اللّام فيه ياءً، أو واواً، كما لم يرفض ذلك في جمع ما أصله فعل، وذلك نحو:
عمي، وأَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ [يونس/ 43] وكذلك قنواء «2» وقنو، وعشواء «3»، وعشو، وأبواء «4»، وأبو، ألا ترى أنّهم لم يرفضوا جمع هذا لمّا كان ما قبله ساكناً فصار بمنزلة الآحاد نحو: حلو وعري، وما أشبه ذلك؟ فقد دلّك «5» رفضهم لجمع هذا الضرب أنّه على فعل وأنهم رفضوه لما يلزم فيه من القلب
__________
(1) في القاموس (ثنى): الناقة الطاعنة في السادسة والبعير: ثنيّ، والفرس الداخلة في الرابعة والشاة في الثالثة كالبقرة.
(2) قنواء: مؤنث أقنى. كما في القاموس (القنوة).
(3) مقصورة سوء البصر بالليل والنهار كالغشاوة: أو العمى. القاموس (العشا).
(4) في القاموس: (أبى): أبوته إباوة- بالكسر- صرت له أبا، والاسم الأبواء، وقال ياقوت في معجم البلدان (الأبواء) 1/ 79: الأبواء: فعلاء من الأبوّة.
(5) في (ط): فقد صار ذلك.
(2/461)
________________________________________
والإعلال. ومما يدلّ على أنّ أصله فعل، بضم العين، أنّهم خفّفوا من ذلك نحو: عوان وعون «1» ونوار، ونور «2»، وخوان، وخون، كراهة الضمة في الواو فإذا اضطرّ الشاعر ردّه إلى أصله كما جاء:
تمنحه سوك الإسحل «3» وقوله:
وفي الأكفّ اللامعات سور «4» على أن أبا زيد حكى: قوم قول، بضم الواو.
وأمّا وجه تخفيف أبي عمرو ما اتّصل من ذلك بحرفين
__________
(1) في القاموس (عون):
العوان: كسحاب من الحروب التي قوتل فيها مرّة، ومن البقر والخيل التي نتجت بعد بطنها البكر، ومن النساء التي كان لها زوج- جمعها عون بالضم ا. هـ منه. وكلمة عوان من قوله تعالى في سورة البقرة/ 68: «قال إنه يقول إنّها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك».
(2) في القاموس (نور): النوار كسحاب جمع نور، بالضم، والأصل نور، بضمتين فكرهوا الضمة على الواو. ونارت نورا ونوارا بالكسر والفتح نفرت، وبقرة نوار تنفر من الفحل. وجاءت في (ط): «وبوار وبور» بدل «نوار ونور».
(3) عجز بيت لعبد الرحمن بن حسان وصدره: أغرّ الثنايا أحمّ اللّثات، انظر المنصف 1/ 338، وابن يعيش 10/ 84 وفيه يحسنه بدل تمنحه. وشرح شواهد الألفية للعيني 4/ 530 وفيه تحسنها بدل تمنحه. والأشموني 4/ 130. والمقتضب 1/ 113. وفي (ط) فوق البيت: كذا عنده، والمعروف: تمنح فاها سوك الإسحل.
(4) عجز بيت لعدي بن زيد العبادي وصدره: عن مبرقات بالبرين تبدو انظر اللسان (لمع) والمنصف 1/ 338 وسيبويه 2/ 369 والمقتضب 1/ 113.
وشرح الشافية 2/ 127 وشواهدها 121.
(2/462)
________________________________________
من حروف الضمير، أو بحرف نحو: رُسُلِكَ [آل عمران/ 194]، فلأنّ هذا قد يخفّف إذا لم يتّصل بمتحرك، فإذا اتّصل بمتحرك حسن التخفيف لئلا تتوالى أربعة أحرف متحركة لأنّهم كرهوا تواليها على هذه العدة بهذه الصورة، ومن ثم لم تتوال أربع متحركات في بناء الشعر، والكلم «1»، إلّا أن يكون مزاحفاً، أو يخفّف «2» لهذا الذي ذكرناه من كراهتهم توالي أربع متحركات. ومن لم يخفّف فلأنّ هذا الاتصال بالحرفين ليس بلازم للحرف، وما لم يكن لازماً في هذه الكلم «3» فلا حكم له، ألا ترى أنّ الإدغام في نحو: جعل لك، لم يلزم وإن كان قد توالى خمس متحركات، وهذا لا يكون في بناء الشعر، لا في مزاحفه ولا في سالمه ولا في الكلم المفردة. وقد جاز في نحو هذا أن لا يدغم لمّا لم يكن لازماً، ومن ثمّ روي عن أبي عمرو عَلى رُسُلِكَ وعَلى رُسُلِكَ كأنّه أخذ بالوجهين وذهب إلى المذهبين.

[البقرة: 284]
واختلفوا «4» في الجزم والرفع من قوله تعالى «5»: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ [البقرة/ 284].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ جزماً.
وقرأ ابن عامر وعاصم: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ رفعاً «6».
__________
(1) في (ط): والكلام.
(2) في (ط): فيخفف.
(3) في (م) (الكلمة).
(4) سقطت الواو من (ط).
(5) سقطت من (ط).
(6) السبعة ص 195.
(2/463)
________________________________________
قال أبو علي: وجه قول من جزم أنّه أتبعه ما قبله، ولم يقطعه منه وهذا أشبه بما عليه كلامهم، ألا ترى أنّهم يطلبون المشاكلة، ويلزمونها؟ فمن ذلك أنّ ما كان معطوفاً على جملة، من فعل وفاعل، واشتغل عن الاسم الذي من الجملة التي يعطف عليها الفعل، يختار فيه النصب ولو لم «1» يكن قبله الفعل والفاعل لاختاروا «2» الرفع، وعلى هذا ما «3» جاء من هذا النحو في التنزيل نحو قوله تعالى «4»: وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ [الفرقان/ 39]، وقوله تعالى «4»: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ [الأعراف/ 30] وقوله: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً [الإنسان/ 31] فكذلك ينبغي أن يكون الجزم أحسن ليكون مشاكلًا لما قبله في اللفظ [ولم يخلّ من المعنى بشيء] «6». وكذلك إذا عطفوا فعلًا على اسم أضمروا قبل الفعل «أن»، ليقع بذلك عطف اسم على اسم، لأنّ الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم، كما أن جملة من فعل وفاعل أشبه بجملة من فعل وفاعل. من جملة من مبتدأ وخبر بجملة من فعل وفاعل فلهذا ما جاء ما كان من نحو: وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ [الفرقان/ 39] في التنزيل بالنصب. وهذا النحو من طلبهم المشاكلة كثير. ومن لم يجزم
__________
(1) في (ط): وإن لم.
(2) في (ط): اختاروا.
(3) سقطت من (م).
(4) سقطت من (ط).
(6) في (ط): وليس يختل من المعنى شيء.
(2/464)
________________________________________
قطعه من الأول، وقطعه منه على أحد «1» وجهين إما أن يجعل الفعل خبراً لمبتدإ محذوف فيرتفع «2» الفعل لوقوعه موقع خبر المبتدأ، وإمّا أن يعطف جملة من فعل وفاعل على ما تقدمها.
[تمّ الكلام في سورة البقرة والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى] «3».
يليه في الجزء الثالث (حسب تقسيمنا) الكلام في سورة آل عمران
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (م): «يرتفع» وما أثبتناه من (ط) بالعطف على الفعل «أن يجعل» أوجه.
(3) ما بين المعقوفتين سقطت من (ط).
(2/465)
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم «1»

ذكر اختلافهم في سورة آل عمران «2»
[آل عمران: 1]
قرءوا كلّهم: الم الله [آل عمران/ 1] مفتوحة الميم والألف ساقطة إلّا ما حدثني به القاضي موسى بن إسحاق الأنصاري «3» قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي «4» قال: حدثنا
__________
(1) في (م): «بسم الله».
(2) في (ط): «عونك يا رب، سورة آل عمران».
(3) موسى بن إسحاق أبو بكر الأنصاري الخطمي البغدادي القاضي، ثقة روى القراءة عن قالون وعن أبي بكر هشام الرفاعي، وهارون بن حاتم ومحمد بن إسحاق المسيبي. روى عنه القراءة أبو بكر بن مجاهد .. مات سنة سبع وتسعين ومائتين. طبقات القراء 2/ 317.
(4) هو محمد بن يزيد بن رفاعة بن سماعة. الكوفي القاضي، إمام مشهور، أخذ القراءة عرضا عن سليم، وروى الحروف سماعا عن الأعشى وحسين بن علي الجعفي، ويحيى بن آدم ... له كتاب في القراءات. ومما انفرد به عن الكسائي: إشمام «الصراط» و «ملك يوم الدين» بغير ألف لم يروه عنه غيره. روى القراءة عنه موسى بن إسحاق القاضي وغيره ... قال أبو العباس السراج:
مات آخر يوم من شعبان ببغداد، وكان قاضيا عليها سنة ثمان وأربعين ومائتين، وقال البخاري يوم الأربعاء منسلخ شعبان انظر طبقات القراء 2/ 280 - 281.
(3/5)
________________________________________
يحيى بن آدم «1» عن أبي بكر «2» عن عاصم أنّه قرأ (الم) ثم قطع وابتدأ (الله) ثم سكّن فيها. قال يحيى بن آدم وآخر ما حفظت عنه (الم الله) مثل حمزة.
[حدثنا ابن مجاهد قال] «3»: حدثنا موسى بن إسحاق قال:
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: سمعت أبا يوسف الأعشى «4» قرأها على أبي بكر (الم) ثم قطع فقال: (الله) بالهمز.
__________
(1) يحيى بن آدم بن سليمان بن خالد بن أسيد أبو زكريا الصلحي، سبقت ترجمته في 1/ 377.
(2) وأبو بكر هذا الذي يروي عنه يحيى: هو ابن عياش بن سالم الحناط الأسدي النهشلي الكوفي راوي عاصم. واختلف في اسمه على ثلاثة عشر قولا أصحها «شعبة» ولد سنة خمس وتسعين وعرض القرآن على عاصم ثلاث مرات وعلى عطاء بن السائب، وأسلم المنقري .. وعمّر دهرا، إلّا أنّه قطع الإقراء قبل موته بسبع سنين وقيل بأكثر. وكان إماما كبيرا عالما عاملا وكان يقول أنا نصف الإسلام. وكان من أئمة السنة. قال أبو داود حدثنا حمزة بن سعيد المروزي، وكان ثقة، قال: سألت أبا بكر بن عياش:
وقد بلغك ما كان من أمر ابن عليّة في القرآن؟ قال: ويلك! من يزعم أنّ القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق، عدوّ لله، لا نجالسه ولا نكلمه، وروى يحيى بن أيّوب عن أبي عبد الله النخعي، قال: لم يفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة وكذا قال يحيى بن معين ... ولما حضرته الوفاة بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك!؟ انظري إلى تلك الزاوية فقد ختمت فيها ثمان عشرة ألف ختمة. توفي في جمادي الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة وقيل سنة أربع وتسعين انظر طبقات القراء 1/ 325 - 327.
(3) ما بين معقوفين سقط من (ط).
(4) هو يعقوب بن محمد بن خليفة بن سعيد بن هلال أبو يوسف الأعشى التميمي الكوفي، أخذ القراءة عرضا عن أبي بكر شعبة وهو أجلّ أصحابه ...
روى عنه محمد بن يزيد الرفاعي [أبو هشام] توفي في حدود المائتين. انظر طبقات القراء 2/ 390.
(3/6)
________________________________________
حدثنا ابن مجاهد قال: حدثني محمد بن الجهم «1» عن ابن أبي أمية «2» عن أبي بكر عن عاصم الم «3» جزم، ثم ابتدأ ألله.
[حدثنا ابن مجاهد قال] «4»: حدثني أحمد بن محمد ابن صدقة «5» قال: حدثنا أبو الأسباط «6» عن عبد الرحمن بن أبي حماد «7» عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ: (الم الله) بتسكين
__________
(1) محمد بن الجهم بن هارون، أبو عبد الله السمّري، بكسر السين المهملة- وفتح الميم المشدّدة- البغدادي الكاتب، شيخ كبير، إمام شهير، أخذ القراءة عرضا عن عائذ بن أبي عائذ صاحب حمزة، وروى الحروف سماعا عن خلف البزار وغيره ... وسمع كتاب المعاني من الفراء. روى القراءة عنه الحسن بن العباس الرازي ... وابن مجاهد. مات ببغداد سنة ثمان ومائتين. انظر طبقات القراء 2/ 113.
(2) هو عبد الله بن عمرو بن أبي أمية، أبو عمرو البصري، نزيل الكوفة، روى القراءة عن أبي بكر [بن عياش] عن عاصم، وروى عنه القراءة روح بن عبد المؤمن ... ومحمد بن الجهم، شيخ ابن مجاهد. انظر طبقات القراء 1/ 438. تنبيه: وقع في ترجمته ما يلي: روى القراءة عن أبي بكر بن عاصم، كذا: ابن عاصم والصواب عن عاصم. ولعلّه خطأ من الطبع.
(3) رسمها في (ط) هكذا: آلميم.
(4) ما بين المعقوفتين ساقطة من (ط).
(5) هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة، أبو بكر البغدادي، مشهور ثقة، قرأ على إبراهيم بن محمد بن إسحاق صاحب قالون ... روى القراءة عنه محمد بن يونس وابن مجاهد ... انظر الطبقات 1/ 119.
(6) ذكره في طبقات القراء 1/ 173 برقم 812، ولم يزد على قوله: «أبو الأسباط المعلم» وذكره في ترجمة ابن أبي حماد كذلك. انظر الترجمة الآتية.
(7) عبد الرحمن بن أبي حماد هو: عبد الرحمن بن سكين، أبو محمد بن أبي حماد الكوفي، صالح مشهور، روى القراءة عرضا عن حمزة .. وعن أبي بكر بن عياش وأخذ القرآن عنه تلاوة روى القراءة عنه الحسن بن جامع ..
(3/7)
________________________________________
الميم وقطع الألف. [حدثنا ابن مجاهد قال] «1»: حدثني محمد بن الجهم عن الفرّاء قال: قرأ عاصم: الم جزم [و] «2» الله مقطوع. والمعروف عن عاصم الم الله موصولة. و «3» حفص عن عاصم الم (صل) الله مفتوحة الميم غير مهموزة الألف «4».
قال أبو علي: اتفاق الجميع على إسقاط الألف الموصولة في اسم الله وذاك «5» أن الميم ساكنة كما أن سائر حروف التهجي مبنية على الوقف فلمّا التقت الميم الساكنة، ولام التعريف حرّكت الميم بالفتح للساكن الثالث الذي هو لام المعرفة «6». والدّليل على أنّ التحريك للساكن الثالث- وهو مذهب سيبويه- أن حروف التهجي يجتمع فيها الساكنان «7» نحو كهيعص «8» [مريم/ 1] وحم عسق «9» وذلك أنّها مبنيّة على الوقف، كما أنّ أسماء العدد كذلك فحرّكت الميم للساكن
__________
وأبو الأسباط المعلم، وعلي بن حمزة الكسائي انظر طبقات القراء 1/ 369 - 370.
(1) سقط ما بين المعقوفتين من (ط).
(2) زيادة من السبعة.
(3) في (م): حفص، بإسقاط الواو.
(4) السبعة ص 200.
(5) في (ط): ذاك على.
(6) في (ط): التعريف.
(7) انظر الكتاب 2/ 275.
(8) كذا في (ط) وفي (م): «كهيعين صاد» وما أثبتناه من (ط) ينسجم مع رسم المصحف.
(9) كذا في (ط) وفي (م) «حميم .. ».
(3/8)
________________________________________
الثالث بالفتح كما حرّكت النون في قوله: من الله [آل عمران/ 15] ومن المسلمين [يونس/ 72] ومن البقر اثنين [الأنعام/ 144] بالفتح لالتقاء الساكنين.
فأمّا ما روي عن عاصم من قطعه الألف، فكأنّه قدّر الوقوف على الميم، واستأنف (الله)، فقطع الهمزة للابتداء بها. والوجه ما عليه الجماعة، وما وافقهم هو أيضا عليه، من أنّ
الهمزة تسقط في الوصل، فإذا سقطت لم يجز أن تلقى لها حركة على ما قبلها.
والّذي حكاه سيبويه من قولهم: ثلاثة اربعة «1»، لم تحمل عليه هذه الآية، ألا ترى أنّه ذهب إلى أنّ الحركة فيها لالتقاء الساكنين، وأنّه في الفتح لالتقاء الساكنين بمنزلة قوله:
من الله.
وأمّا ما حكاه بعض البغداديين من قوله: مريب الذي جعل [ق/ 25/ 26]. فإنّه حرّك النّون بالفتح كما حرّك في قولهم: من الله به.
ولا يجوز أن تكون الفتحة لهمزة الوصل ألقيت على النون، لأنّ الهمزة إذا أوجب الإدراج إسقاطها «2» لم تبق لها حركة تلقى على شيء، ولم يأت في نحو هذا عنهم شيء فيما علمناه، كما جاء (ثلاثة اربعة).
__________
(1) ضبطها في (م) بالسكون وفوقها فتحة كما أثبتناه ثم كتب فوق الكلمة «صل» ولم يشر في (ط) إلى شيء من ذلك بل اكتفى بتحريك الهاء بالفتح، وضبط كلمة «أربعة» بسكون الباء.
(2) في (ط): بإسقاطها.
(3/9)
________________________________________
[آل عمران:، 3]
اختلفوا في إمالة الرّاء وفتحها من التوراة «1» [آل عمران/ 3].
فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر: (التوراة) مفخّما «2».
وكان نافع وحمزة يلفظان: بالراء بين الفتح والكسر، وكذلك كانا يفعلان بقوله تعالى «3»: مع الأبرار «4» [آل عمران/ 193] ومن الأشرار [ص/ 62] ومن قرار [إبراهيم/ 26] وذات قرار [المؤمنون/ 50] إذا كان الحرف مخفوضا.
وقال ابن سعدان عن المسيّبي عن نافع: الراء مفتوحة، وكذلك قال ابن المسيبي عن نافع. وقال ورش عن نافع:
(التّورية)، بكسر الراء وكان أبو عمرو والكسائي يقرءان:
(التورية) مكسورة الراء ويميلان هذه الحروف أشد من إمالة حمزة ونافع أعني: (الأبرار) و (من قرار) وما أشبه ذلك. ابن عامر يشم الراء الأولى من (الأبرار) الكسر «5».
قال أبو علي: قالوا ورى الزند، يري، إذا قدح ولم يكب «6»، وقالوا ورى وأوريته، وفي التنزيل: فالموريات قدحا [العاديات/ 2] وفيه: أفرأيتم النار التي تورون [الواقعة/ 71]. فأمّا قولهم: وريت بك زنادي على مثال شريت، فزعم
__________
(1) رسمها في (ط): «التورية».
(2) في (م): «مفخّم» وما أثبتناه من (ط) ومن السبعة.
(3) سقطت من (ط).
(4) هذه الآية الكريمة وردت في (م) و (ط) سهوا: «من الأبرار» بدل «مع الأبرار» وقد أثبتنا نص الآية الكريمة كما هي في سورة آل عمران وتوفنا مع الأبرار.
(5) السبعة ص 201.
(6) في (م): ينب. وفي اللسان: كبا الزّند: لم يور. ولم يورد (اللسان) هذا المعنى في (نبا) وفيه: نبا السيف: كلّ.
(3/10)
________________________________________
أبو عثمان: أنّه استعمل في هذا الكلام فقط لم يجاوز به غيره. وقال أبو زيد: ورى النّقي، يري، وريا: إذا كثر ودكه، قال: والواري: الكثير الودك. والوراء في اسم الجهة التي هي خلاف الأمام ليس من هذا، لأنّ تحقيره: وريئة، مثل وريعة.
وألحقت الهاء في تحقيرها، وإن كانت على أربعة أحرف كما ألحقت في قديديمة.
فأمّا الوراء: لولد الولد فيمكن أن يكون من هذا وقيل له:
وراء، كما قيل له: نجل.
وأنشد أبو زيد «1»:
يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم «2» * أمّ الهنيبر من زند لها واري
__________
(1) في النوادر، وقبله آخر للقتال الكلابي، وهو ملفق من بيتين انظرهما عند العسكري- قال:
أمّا الإماء فلا يدعونني ولدا ... إذا ترامى بنو الإموان بالعار
والبيت من قصيدة في النوادر ص 190 (طبعة الفاتح)، والتصحيف للعسكري ص 129 - 130 والتنبيه على حدوث التصحيف ص 87، وروي البيت عن الفراء: «أم الهنيبن» مكان «أم الهنيبر» قال في التنبيه: فقال [التّوزيّ] له:
إنّما ينشد أصحابنا «أم الهنيبر» وهي الضبع فقال: هكذا أنشدنيه الكسائي، فأحال تصحيفه على الكسائي، وعند العسكري جاء خبر التصحيف هذا عن التوزي، أيضا وعن محمد بن يحيى ولكنه أشرح وأكثر فائدة والبيت في الأغاني 23/ 332 مطلع قصيدة طويلة وذكره المرصفي في رغبة الآمل 1/ 183 ضمن القصيدة. واللسان (هنبر) والإنصاف 1/ 119.
والبيت الشاهد يروى: يا قاتل الله .. ، ويا قبّح الله ..
والقتال الكلابي اسمه عبيد بن المضرّجيّ
(2) في (ط): «بها».
(3/11)
________________________________________
قال السكري: ضرب الزّند مثلا للرحم، والزّند: تستخرج به النار «1»، وقال أمية:
الحامل النار في الرّطبين يحملها ... حتّى تجيء من اليبسين تضطرم
يأتي بها حيّة تهديك رؤيتها ... من صلب أعمى أصمّ الصلب منقصم
«2» روى محمد بن السري أن «3» الرّطبين: هما العودان الرطبان، يعني: الشجر الذي فيه النار، واليبسين: هما العودان اليابسان، يعني: الزندين، يقول: تكون النار في عودين رطبين، فإذا جفا قدحا، فجاءت النار منهما، والأعمى الأصمّ: يعني الزّند، والزّند: الأعلى، والزندة: السفلى، وأصمّ الصّلب يعني:
العود، وأعمى: لا جوف له، يريد: يأتي بها حية للناس أي:
حياة لهم. فأمّا قولهم «4»: التّريّة: لما تراه المرأة من الطهر [بعد الحيض] «5» فيجوز أن تكون فعيلة من الوراء، لأنّها ترى بعد الصفرة والكدرة اللتين تريان في الحيض، وتكون فعيلة من: ورى الزند، يري، كأنّها من خروجها من الطهر بعد الحيض، فكأنّ الطهر أخرجه، والتاء في الوجهين بدل من الواو التي هي فاء، كما أنّها في «تيقور»، و «تولج» كذلك «6».
__________
(1) في النوادر نقل هذا التفسير عن أبي حاتم وليس عن السكري.
(2) البيتان لم نعثر عليهما في ديوانه.
(3) سقطت من (م).
(4) في (ط): قوله.
(5) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(6) إشارة إلى ما نقله سيبويه عن الخليل في الكتاب 2/ 356: من أن «تيقور» من الوقار و «تولج» على وزن فوعل، فأبدلوا التاء مكان الواو.
(3/12)
________________________________________
فأمّا القول في التوراة، فلا تخلو من أن تكون فوعلة، على قول «1» الخليل: في تولج «2»، أو تفعلة مثل تتفلة، أو تفعلة بالكسر وفتح العين كما فتح في: ناصاة «3»، فممّا يدلّ على أنّها فوعلة، ليست تفعلة، مثل تتفلة، وتألب، أنّ هذا البناء يقلّ، وأنّ فوعلة في الكثرة بحيث لا يتناسبان، ولا إشكال في أن الحمل على الأكثر الأشيع أولى من الحمل على خلافه.
ويدلّك على ذلك أن التاء لم تكثر زائدة أوّلا كما لم تكثر النون أوّلا، فكما أنّ النون إذا جاءت أولا في نحو نهشل ونعثل «4»، لا يحكم بزيادتها، لقلتها زائدة. أوّلا، كذلك لا يحكم بزيادة التاء.
فإن قلت: إنك إذا جعلته فوعلة، حكمت بإبدال الفاء التي هي واو: تاء، وإذا حكمت بزيادة التاء لم تجعلها «5» بدلا، ولكنك جعلتها التاء التي زيدت في الكلمة «6»، قيل:
ليس هذا باعتراض لأنّ الواو إذا كانت أوّلا فقد استمرّ البدل «7»
__________
(1) في (ط): على قياس قول.
(2) انظر التعليق رقم (6) في الصفحة السابقة وسيبويه 2/ 356.
(3) الناصاة والناصية بمعنى وهي لغة طيئية، قصاص الشعر في مقدم الرأس.
انظر اللسان/ نصا/.
(4) النهشل: المسن المضطرب من الكبر. والنعثل: ضرب من المشي وهو من التبختر. انظر اللسان نهشل/ نعثل.
وفي (ط): نهصل بدل نعثل.
(5) في (ط): لم تجعله.
(6) في (ط): في أوّل الكلمة.
(7) في (ط): زيادة البدل.
(3/13)
________________________________________
فيها نحو وجوه، وأجوه، ووقّتت، وأقّتت، ووشاح، وإشاح ووفادة، وإفادة، ووجم، وأجم، ووناة وأناة، فإذا اجتمعا «1» لزم الأول منهما البدل إمّا همزة وإمّا تاء، فالهمزة نحو الأولى في فعلى من الأول، وأواق في جمع واقية. وقد أبدلت التاء من الواو إذا كانت مفردة أوّلا نحو تيقور من الوقار، فهذا فيعول، وليس بتفعول كتعضوض «2»، ألا ترى كثرة فيعول نحو سيهوج «3»، وسيهوب «4»، وديقوع «5». وقد أبدلت تاء أولى مفردة في نحو: تجاه، وتراث، وتخمة، وتكلان «6»، وزعم أبو عثمان أنّ إبدال نحو تخمة، مضطرد، وقال أبو الحسن:
ليس بمطرد.
فإذا كثر إبدال التاء من الواو أوّلا، هذه الكثرة، كان حملها على هذا الكثير أولى من حملها «7» على ما لم يكثر، ولم يتسع هذا الاتساع. ولا يقرب حملها أيضا على تفعلة لأنّه لا يخلو من أن تجعلها اسما نحو: تودية، أو مصدرا نحو:
توصية، فأمّا باب تودية فقليل، كما أنّ تفعلة كذلك، وباب توصية فيه اتساع وحمل على لغة لم نعلم منها شيئا في
__________
(1) في (ط): وإذا اجتمعت.
(2) التعضوض: تمر أسود حلو، واحدته بهاء انظر القاموس «عضضته».
(3) في اللسان (سهج) ريح شديدة.
(4) سيهوب: لم أجده في المعاجم التي بين يدي.
(5) في القاموس (دقع): جوع أدقع وديقوع: شديد.
(6) في (ط): وتكأة.
(7) في (ط): حمله.
(3/14)
________________________________________
التنزيل، فإذا لم يكن هذان الوجهان بالسهلين حملته على فوعلة دونهما للكثرة، ألا ترى أن نحو صومعة، وحوجلة ودوسرة، وعومرة «1»، قد كثر؟.
ومن لم يمل التوراة. فلأنّ الراء حرف يمنع الإمالة، لما فيه من التكرير، كما يمنعها «2» المستعلي، فكما أنّ الراء لو كان مكانها مستعل مفتوح لم تحسن الإمالة، كذلك إذا كانت الراء مفتوحة. وأيضا فإنّ ما بعد الواو من توراة لو كان منفصلا لم تكن فيه الإمالة كذلك إذا كان متصلا.
وقول من أمال: إنّ الألف لما كانت رابعة لم تخل من أن تشبه ألف التأنيث أو الألف المنقلبة عن الياء أو عن الواو.
وألف التأنيث تمال وإن كان قبلها مستعل كقولهم: فوضى وجوخى.
فكما أمالوا المستعلية معها كذلك يميلون الراء، وإذا أمالوا نحو صغا «3»، وضغا «4»، وشقا «5» مع أنّ الواو تصحّ في هذا البناء الذي على ثلاثة أحرف فأن يميلوا فيما لا تصحّ الواو معه أجدر.
__________
(1) في (ط) وعومرة وجوهرة.
(2) في (ط): يمنعه.
(3) في القاموس (صغا) يصغو ويصغى صغوا، وصغي يصغى صغا وصغيّا:
مال. وصغوه وصغوه معك: أي: ميله.
(4) في القاموس (ضغا) استخذى، ضغوا وضغاء.
(5) في (م): سقا.
(3/15)
________________________________________
وممّا يقوّي ذلك أنّهم قد أمالوا اسم المفعول «1» إذا كان فيه مستعل، نحو معطا، وإذا أمالوا مع المستعلي كانت الإمالة مع الراء أجود، لأنّ الإمالة على الراء أغلب منها على المستعلي، ألا ترى أنّه قد حكى «2» الإمالة في نحو عمران ونحو فراش، وجراب، ولو كان مكان الراء المستعلي لم تكن فيها «3» إمالة؟. وممّا يقوّي الإمالة في الراء من توراة أنّهم قد قالوا: رأيت علقا، وعرقا، وضيقا، فأمالوه للتشبيه بألف حبلى إلّا أنّ الأول من هذه الحروف مكسور وليس من التوراة كذلك والإمالة في فتحة الراء نحو الكسرة في نحو: مع الأبرار «4» [آل عمران/ 193] ومن قرار «5» [إبراهيم/ 26] أقوى منها في التوراة، وذلك أنّ الراء المكسورة قد غلبت المستعلي في نحو قارب وغارم وطارد، فلما غلبت المستعلي مع قوته على الإمالة كان أن تغلب الراء المفتوحة فتميل فتحها «6» إلى الكسرة
__________
(1) في الأصل: (م) و (ط) «اسم فاعل» وجاء في (م) على الهامش «اسم مفعول» وكأنّه تصويب للفظ. وهو الصواب الذي يتفق مع ضبط الكلمة في الأصل:
«معطا».
(2) حكاه سيبويه في الكتاب 2/ 270.
(3) في (ط) فيه.
(4) من آية كريمة في سورة آل عمران وردت في النص سهوا بلفظ (من الأبرار) وقد أثبتنا نص الآية كما هي وتوفنا مع الأبرار. وفي (ط): من الأشرار بدل مع الأبرار.
(5) هذه الآية من سورة إبراهيم وردت في (ط) و (م) سهوا بلفظ (بالقرار) وقد أثبتنا نص الآية كما هي في السورة الكريمة ما لها من قرار.
(6) في (ط): فتحتها.
(3/16)
________________________________________
أولى، لأنّ الراء، وإن كان فيها «1» تكرير، صارت به كأنّها حرفان مفتوحان؛ فهي «2» بزنة حرف واحد، فلمّا قويت على المستعلي «3» كانت على الراء المفتوحة أقوى.

[آل عمران: 13، 12]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ «4»:
سيغلبون، ويحشرون [آل عمران/ 12] ويرونهم مثليهم [آل عمران/ 13].
فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: ستغلبون وتحشرون بالتاء، ويرونهم بالياء.
وحكى أبان عن عاصم: ترونهم بالتاء، وفي رواية أبي بكر بالياء.
وقرأ نافع: ستغلبون، وتحشرون، وترونهم بالتاء ثلاثتهن.
وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء ثلاثتهن «5».
قال أبو علي: قوله: قل للذين كفروا ...
[آل عمران/ 12] يجوز أن يعنى به اليهود والمشركون جميعا، يدلّ على ذلك قوله تعالى «6»: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين [البقرة/ 105] ففسر الذين كفروا
__________
(1) في (ط): وإن كانت فيه.
(2) في (ط): فهو.
(3) في (ط): الحرف المستعلي.
(4) سقطت من (ط).
(5) انظر السبعة ص 201 - 202.
(6) سقطت من (ط).
(3/17)
________________________________________
بالقبيلين، وكذلك قوله جلّ وعزّ «1»: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين [البينة/ 1] فالتقدير على هذا: قل للقبيلين: ستغلبون.
ويدلّ على حسن التاء هنا والمخاطبة قوله تعالى «2»: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة [آل عمران/ 81] والآية كلّها على الخطاب. وكذلك قول من قرأ: ستغلبون بالتاء.
وللتاء على الياء مزية ما في الحسن، وهو أنّه إذا قيل:
سيغلبون فقد يمكن أن يكون المغلوبون والمحشورون من غير المخاطبين، وأنّهم قوم آخرون، فإذا كان بالخطاب، لم يجز أن يظنّ هذا.
وحجة من قرأ بالياء قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الأنفال/ 38] وقوله تعالى «3»: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون [الجاثية/ 14] والدّليل على حسن مجازهما «4» جميعا أنّهم زعموا أنّ في حرف عبد الله: قل للذين كفروا إن تنتهوا نغفر لكم «5». فأمّا قوله: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم [النور/ 30] فظاهره يقوّي قول من قرأ بالياء. ألا ترى
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): حسنهما.
(5) في (ط) يغفر لهم. والصواب ما في (م). وقراءة عبد الله ذكرها في البحر 4/ 494.
(3/18)
________________________________________
أنّه قال: يغضوا، ولم يقل: غضوا، فيكون للخطاب كقراءة من قرأ ستغلبون وكذلك: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن [النور/ 31].
إلّا أنّ من الناس من يحمل هذا «1» على إضمار لام الأمر، وإضمار الجازم لم نعلمه جاء في حال السعة، وقد قيل: إنّ الذين كفروا: اليهود. والضمير في سيغلبون للمشركين، فعلى هذا القول لا يكون سيغلبون إلّا بالياء، لأنّ المشركين غيب.
والخطاب لهم، وما تقدّم ذكره أوجه لما ذكرناه من جواز وقوع الذين كفروا على الفريقين، ولأنّهما جميعا مغلوبان، فاليهود وأهل الكتاب غلبوا بوضع الجزى عليهم، وحشرهم لأدائها، والمشركون غلبوا بالسيف، فالقول الأول أبين. ومن قرأ: (يرونهم) بالياء، فلأنّ بعد الخطاب غيبة، وهو قوله: فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم [آل عمران/ 13] أي: ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثليهم.
ومما يؤكد الياء قوله: مثليهم، ولو كان على التاء لكان:
مثليكم، وإن كان قد جاء: وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] ثمّ قال: فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] ورأيت هنا المتعدية إلى مفعول واحد يدلّك على ذلك تقييده برأي العين، وإذا كان كذلك، كان انتصاب مثليهم على الحال لا على أنّه مفعول ثان.
وأمّا مثل فقد يفرد في موضع التثنية والجمع.
__________
(1) في (ط): هذا النحو.
(3/19)
________________________________________
فمن الإفراد في التثنية قوله:
وساقيين مثل زيد وجعل ... سقبان ممشوقان مكنوزا العضل
«1» ومن إفراده في الجمع قوله تعالى «2»: إنكم إذا مثلهم [النساء/ 140]. ومن جمعه قوله: ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد/ 38]. وأمّا قوله: ترونهم مثليهم [آل عمران/ 13] ويرونهم فمن قرأ بالتاء فللخطاب الذي قبله، وهو قوله: قد كان لكم آية في فئتين ... ترونهم مثليهم فالضمير المرفوع في ترونهم للمسلمين، والضمير المنصوب للمشركين. المعنى: ترون- أيّها المسلمون- المشركين مثلي المسلمين، وكان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، فرآهم المسلمون ستمائة وكسرا، وأرى الله المشركين أن المسلمين أقلّ من ثلاثمائة، وذلك أن المسلمين قد قيل لهم «3»:
فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين [الأنفال/ 66] فأراهم
__________
(1) الرجز بغير نسبة في سيبويه 1/ 226 والفرق بين الحروف الخمسة ص 370 (نشر دار المأمون للتراث). وروايته عندهما: «صقبان» بالصاد. قال ابن السيد: الصقب بالصاد: عمود في آخر البيت، وهما صقبان. ورجل صقب: ممتلئ الجسم ناعمه، قال الراجز: وساقيين .. البيت. وقد أخذ الأعلم في تفسيره للبيت بالمعنى الأول. وجاءت روايته في اللسان (سقب) و (كنز): «سقبان» بالسين كما هو عندنا. قال: والسقب الذكر من ولد الناقة بالسين لا غير، وقوله: سقبان، إنما أراد مثل سقبين في قوة الغناء. وممشوق: خفيف اللحم. وفي (م): وساقيان مثل.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (م وط) سقطت الفاء من أوّل الآية. أمّا قراءة التاء من قوله تعالى: «فإن
(3/20)
________________________________________
الله عددهم «1» حسب ما حدّ «2» لهم من العدد الذي يلزمهم أن يقدموا عليه، ولا يحجموا عنهم.
ومثل هذا في المعنى، قوله: وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا، ويقللكم في أعينهم [الأنفال/ 44] وقال قتادة: كان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.

[آل عمران: 15]
اختلفوا في كسر الراء وضمّها «3» من قوله تعالى «4»:
ورضوان [آل عمران/ 15].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (ورضوان) بضم الراء في كلّ القرآن إلّا قوله «5» في المائدة [16]: من اتبع رضوانه فإنّه كسر الراء فيه. وقال شيبان «6» عن عاصم، وابن أبي حمّاد «7» عن أبي بكر عن عاصم، والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، بضم الراء، في كل ذلك. وقال محمد بن المنذر «8» عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنّه ضمّه كلّه.
__________
تكن ... » فهي قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر، انظر السبعة ص 308.
وستأتي في الأنفال آية/ 66.
(1) في (ط): عدوّهم.
(2) في (ط): حدّد.
(3) في (ط): «في قوله».
(4) سقطت من (ط).
(5) في (م): «في قوله» بزيادة (في) والمثبت من (ط) والسبعة.
(6) شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية التميمي الكوفي روى القراءة عن عاصم، روى القراءة عنه حسين بن علي الجعفي. طبقات القراء 1/ 329.
(7) سبقت ترجمته في ص 7.
(8) محمد بن المنذر الكوفي، مقرئ معروف، روى الحروف سماعا عن يحيى بن آدم وله عنه نسخة وعن سليم عن حمزة عن الأعمش وعن ابن أبي
(3/21)
________________________________________
[حدثنا ابن مجاهد قال] «1»: حدثني محمد بن الجهم «2» عن ابن أبي أميّة «3» عن أبي بكر عن عاصم: (رضوان) و (رضوانا) [المائدة/ 2] بضمّ الراء في كلّ القرآن، وكذلك حدّثني ابن صدقة عن أبي الأسباط عن ابن أبي حماد عن أبي بكر عن عاصم. وقال حفص عن عاصم: مكسور كلّه، وقرأ الباقون: (رضوان) كسرا «4».
قال أبو علي: رضوان مصدر، فمن كسر «5» جعله كالرّئمان والحرمان، ومن ضمّ فقد قال سيبويه: رجح رجحانا، كما قالوا: الشكران والرّضوان «6».

[آل عمران: 19]
قال أحمد: كلّهم قرأ: إن الدين عند الله الإسلام [آل عمران/ 19] بكسر الألف إلّا الكسائي فإنّه فتح الألف من أن الدين عند الله الإسلام «7».
قال أبو علي: الوجه: الكسر في (إنّ)، لأنّ الكلام الذي قبله قد تمّ، وهذا النحو من الكلام الذي يراد به التنزيه، والتقرب، أن يكون بجمل متباينة أحسن من حيث كان أبلغ في
__________
ليلى، روى عنه الحروف ابنه المنذر ومحمد بن سعدان النحوي.
الطبقات 2/ 266.
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ط).
(2) سبق في ص (7) من هذا الجزء.
(3) سبق في ص (7) من هذا الجزء.
(4) انظر السبعة ص 201 - 202.
(5) في (ط): كسره.
(6) الكتاب 2/ 217.
(7) السبعة ص 202 - 203.
(3/22)
________________________________________
الثناء، وأذهب في باب المدح، ومن ثمّ جاء والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء [البقرة/ 177].
ومن فتح (أنّ) جعله بدلا، والبدل، وإن كان في تقدير جملتين، فإنّ العامل لمّا لم يظهر، أشبه الصفة. فإذا جعلته بدلا جاز أن تبدله من شيئين: أحدهما: من قوله: أنه لا إله إلا هو [آل عمران/ 18] فكأنّ التقدير: شهد الله أنّ الدين عنده «1» الإسلام، فيكون البدل من الضرب الذي الشيء فيه هو هو. ألا ترى أنّ الدّين الذي «2» هو الإسلام يتضمن التوحيد والعدل وهو هو في المعنى؟. وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأنّ الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل، وإن شئت جعلته من القسط لأنّ الدين الذي هو الإسلام قسط وعدل، فيكون من البدل الذي الشيء فيه هو هو.

[آل عمران: 21]
[قال] «3» أحمد: كلهم قرأ: ويقتلون الذين يأمرون بالقسط [آل عمران/ 21] بغير ألف إلّا حمزة فإنّه قرأ (ويقاتلون) بألف «4».
قال أبو علي: حجة من قرأ: ويقتلون الذين يأمرون أنّه معطوف على قوله، ويقتلون النبيين [آل عمران/ 21] وقد
__________
(1) في (ط): عند الله.
(2) سقطت من (ط).
(3) زيادة من (ط).
(4) السبعة ص 203.
(3/23)
________________________________________
جاء في أخرى «1» فلم تقتلون أنبياء الله من قبل [البقرة/ 91] فجاء الفعل على يفعل دون يفاعل، فكذلك: ويقتلون الذين يأمرون بالقسط [آل عمران/ 21] لأنّ الآمرين بالقسط من الناس قد وافقوا الأنبياء في الأمر بالقسط، وكبر عليهم مقامهم وموضعهم فقتلوهم، كما قتلوا الأنبياء.
وحجة من قرأ: ويقاتلون الذين يأمرون أنّ في حرف عبد الله فيما زعموا: وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط فاعتبرها، وكأن معنى يقاتلونهم، أنّهم لا يوالونهم ليقلّ «2» نهيهم إياهم «3» عن العدوان عليهم، فيكونون مباينين لهم، مشاقّين لهم «4»؛ لأمرهم بالقسط، وإن لم يقتلوهم كما قتلوا الأنبياء، ولكن قاتلوهم قتال المباين المشاقّ لهم.
فإن قال قائل: إنّه في قراءته (ويقاتلون) لم يقرأ بحرف عبد الله، وترك قراءة الناس. قيل: ليس بتارك حرف عبد الله الذي هو (قاتلوا) في قراءته (يقاتلون) لأنّ قوله: (يقاتلون) يجوز أن يريد به (قاتلوا)، ألا ترى أنّه قد جاء إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله [الحج/ 25].
وقال في أخرى: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله [النحل/ 88، محمد/ 1] فإذا جاء المعنى لم يكن تاركا لقراءة
__________
(1) في (ط): الأخرى.
(2) في (ط): لثقل نهيهم.
(3) في (ط): إيّاه.
(4) سقطت من (ط).
(3/24)
________________________________________
عبد الله، وذلك أنّ قوله: يصدون يجوز أن يكون في المعنى (صدّوا)، إلّا أنّه جاء على لفظ المضارع حكاية للحال، وكذلك حمزة في قراءته (يقاتلون) يجوز أن يكون مراده به «1» (قاتلوا) إلّا أنّه «2» جاء على لفظ المضارع حكاية للحال.

[آل عمران: 27]
اختلفوا في قوله جلّ اسمه «3»: وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي [آل عمران/ 27]، في التّشديد والتّخفيف: فقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن كثير، وأبو عمرو وابن عامر: وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي [آل عمران/ 27] ولبلد ميت [الأعراف/ 57] أو من كان ميتا [الأنعام/ 122] والأرض الميتة [يس/ 33] وإن يكن ميتة [الأنعام/ 139] كل ذلك بالتخفيف.
وروى حفص عن عاصم: (من الميّت) مشدّدة «4» مثل حمزة، وقرأ نافع وحمزة والكسائي: الحي من الميت والميت من الحي [آل عمران/ 27] ولبلد ميت [الأعراف/ 57] وإلى بلد ميت [فاطر/ 9] مشدّدا.
وخفف حمزة والكسائي غير هذه الحروف. وقرأ نافع:
أو من كان ميتا [الأنعام/ 122] والأرض الميتة
__________
(1) في (ط): فيه قد.
(2) في (ط): أنه قد.
(3) في (ط): تعالى.
(4) في (ط): فشدد.
(3/25)
________________________________________
[يس/ 33] ولحم أخيه ميتا [الحجرات/ 12] وخفّف في سائر القرآن ما لم يمت «1».
قال أبو علي: قال أبو زيد: وقع في المال: الموتان، والموات، والموات في قول بعض بني أسد: إذا وقع فيه الموت. قال أبو علي: يقال «2»: مات يموت مثل: قال يقول، وقالوا:
متّ تموت، ودمت تدوم. ومتّ ودمت: شاذان. ونظيرهما من «3» الصحيح: فضل يفضل.
فأمّا الميّت فهو الأصل، والواو التي هي عين «4» انقلبت ياء لإدغام الياء فيها، والأصل التثقيل. وميّت محذوف منه، والمحذوف العين أعلّت عينه بالحذف كما أعلّت بالقلب، فالحذف حسن والإتمام حسن. وما كان من هذا النحو، العين فيه واو، فالحذف فيه أحسن، لاعتلال العين بالقلب، ألا ترى أنّهم قالوا: هائر «5» وهار، وسائر، وسار، فأعلّوا العين بالحذف.
كما أعلّوها بالقلب؟ فكذلك نحو: ميّت وسيّد. وما مات، وما لم يمت، في هذا الباب يستويان في الاستعمال «6»، ألا ترى أنّه قد جاء:
ومنهل فيه الغراب الميت
__________
(1) السبعة في القراءات ص 203 مع اختلاف يسير في العبارة، والمؤدى واحد.
(2) سقطت من (م).
(3) في (ط): في.
(4) في (ط): عين فيه.
(5) هائر: وصف من هار البناء يهور هورا: انهدم.
(6) يريد ما كان من فعل مات مستعملا في الموت الحقيقي، وما كان مستعملا في الموت المجازي، يستويان في التخفيف والتشديد.
(3/26)
________________________________________
[كأنّه من الأجون زيت] «1» سقيت منه القوم واستقيت «2» فهذا قد مات. وقال الآخر:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنّما الميت ميّت الأحياء
«3» فقد خفّف [ما مات] «4» في الرّجز والبيت الآخر، وقال:
ميّت الأحياء فشدّد، ولم يمت، وقال تعالى «5»: إنك ميت وإنهم ميتون [الزمر/ 30].

[آل عمران: 28]
اختلفوا في إمالة القاف من قوله جلّ وعزّ «6»: تقاة [آل عمران/ 28].
فأمال الكسائيّ القاف في الموضعين جميعا، وأمال حمزة منهم تقاة [آل عمران/ 28] إشماما من غير مبالغة، ولم يمل حمزة حق تقاته [آل عمران/ 102] وفتح الباقون القاف في الموضعين غير أن نافعا كانت قراءته بين الفتح والكسر «7».
__________
(1) ما بين المعقوفين زيادة من (ط).
(2) هذا رجز لأبي محمد الفقعسي. في اللسان/ أجن/ ورواية (م): «ميت» بدل: «الميت».
(3) البيت لعدي بن الرعلاء الغساني في شرح أبيات المغني 3/ 197 و 7/ 16 مع أبيات، وفي اللسان (موت) وسيأتي منسوبا في الأنعام/ 22.
(4) ما بين المعقوفين زيادة من (ط).
(5) في (ط): عزّ وجلّ.
(6) في (ط): عزّ وجلّ.
(7) السبعة ص 203 - 204.
(3/27)
________________________________________
قال أبو علي: قال أبو زيد: وقيت الرجل أقيه وقاء و «1» وقاية، وأنشد «2»:
لولا الذي أوليت كنت وقاية ... لأحمر لم تقبل عميرا قوابله
وأنشد أبو زيد:
زيادتنا نعمان لا تحرمنّنا ... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو
«3» وأنشد أيضا:
تقوه أيّها الفتيان إني ... رأيت الله قد غلب الجدودا
«4» وأنشد أيضا:
تقاك بكعب واحد وتلذّه ... يداك إذا ما هزّ بالكفّ يعسل
«5»
__________
(1) سقطت الواو من (م).
(2) لم نعثر على قائله.
(3) البيت في النوادر ص 146 - 200 (ط- الفاتح) لعبد الله بن همّام السلولي، الخصائص 2/ 286 3/ 89 المحتسب 2/ 372 ابن الشجري 1/ 205، شرح شواهد الشافية 4/ 496 واللسان (وقي). ويروى: «لا تمحونّها- ولا تنسينها» بدل «لا تحرمننا».
(4) البيت في النوادر 146 - 200 مع بيتين آخرين قبله لخداش بن زهير.
وعنه في المنصف 1/ 290. وفي العيني 2/ 371 ضمن قصيدة.
(5) البيت لأوس بن حجر انظر ديوانه/ 96 والنوادر/ 200 والخصائص 2/ 286 واللسان (وقي).
(3/28)
________________________________________
قال أبو عمرو «1»: يصف رمحا، يريد: اتقاك.
وقال السكريّ: تقاك: وليك منه كعب.
قال: ويقال: إبلك اتقت كبارها بصغارها، أي جعلت الصغار ممّا يليك، وكذلك: اتقاني فلان بحقي، أي: أعطانيه وجعله بيني وبينه.
فأمّا قولهم: تقاك، فتقديره «2»: تعلك، والأصل: اتّقاك فحذف فاء الفعل المدغمة، فسقطت همزة الوصل المجتلبة لسكونها، وأعللتها بالحذف كما أعللتها بالقلب، وليس ذلك بالمطّرد، وقولهم في المضارع: يتقي، تقديره: يتعل وقال:
يتقي به نفيان كلّ عشيّة «3» .............
وأمّا التّقوى فهو فعلى. من وقيت، وأبدلت من اللّام التي هي ياء من وقيت الواو، كما تبدل في هذا النحو من الأسماء، وقد أنشد أبو زيد:
قصرت له القبيلة إذ تجهنا ... وما ضاقت بشدّته ذراعي
«4» فهذا فعلنا من الوجه، يقال: تجه يتجه تجها، مثل: فزع يفزع فزعا، إذا واجهه.
__________
(1) في (ط): أبو عمر الجرمي.
(2) في (ط) فتقدير مثال الفعل: فعلك.
(3) هذا صدر بيت لساعدة بن جؤية عجزه: فالماء فوق متونه يتصبّب. انظر شرح أشعار الهذليين 3/ 1100، والنوادر 148 وفيها: سراته بدل متونه.
(4) البيت لمرداس بن حصين من جملة أبيات انظر النوادر 150 والمنصف 1/ 290 والمحتسب 1/ 263، واللسان (وجه) قال فيه: والأصمعي يرويه:
(3/29)
________________________________________
وأنشد الأصمعي:
تجهنا «1» .........
فهذا ينبغي أن يحمل على فعل، ولا تجعله مثل: تقى يتقي، لقلة ذلك وشذوذه، وتقيته واتّقيته مثل شويته واشتويته. وتقول في المضارع: أنت تتقي وتتّقي. والواقية يشبه أن تكون مصدرا كالعاقبة والعافية، وقالوا في جمعه: أواق، فأبدلوا لاجتماع الواوين قال:
................ .. ... يا عديا لقد وقتك الأواقي
«2» فأمّا من لم يمل الألف من تقاة، فحجّته: أنّ قاة من تقاة بمنزلة قادم، فكما لم يمل هذا كذلك ينبغي أن [لا يمال قاف تقاة] «3» لاستعلاء القاف، كما لم يمل ما ذكرنا.
وحجّة من أمال أنّ سيبويه زعم: أنّ قوما قد أمالوا من هذا «4» مع المستعلي ما لا ينبغي أن يمال في القياس. قال:
وهو قليل، وذلك قول بعضهم: رأيت عرقا وضيقا «5».
__________
تجهنا- بفتح الجيم- والذي أراده: اتجهنا، فحذف ألف الوصل وإحدى التاءين. وسيأتي قول الأصمعي.
(1) نفس المصدر السابق.
(2) هذا عجز بيت لمهلهل، وصدره:
ضربت صدرها إلي وقالت انظر اللسان (وقي)، والمقتضب 4/ 214 وفيه: رفعت رأسها، بدل ضربت صدرها، المنصف 1/ 218، وابن الشجري 2/ 9، وابن يعيش 10/ 10، والخزانة 4/ 211، وشرح أبيات المغني 5/ 75.
(3) ما بين المعقوفتين في (ط): لا يمال فتحة قاف تقى.
(4) في (ط) هذا يعني.
(5) الكتاب 2/ 267.
(3/30)
________________________________________
قال أبو علي: ولو قلت إنّ الإمالة فيما ذكره أمثل منها في (تقاة) لأنّ قبلها كسرة، والكسرة تجلبها، والإمالة في حق تقاته [آل عمران/ 102] تحسن «1» لمكان الكسرة وهو في الأولى نحو:
عرقا، للزوم الكسرة أقوى، وكسرة التاء في تقاته كسرة إعراب لا تلزم، على أن الأحسن الأكثر أن لا تميل لأنّ: قاته من تقاته بمنزلة قادم وقافل، فكما لا يمال هذا كذلك ينبغي أن لا تميل الألف من تقاته.
ومن وجه إمالة القاف في (تقاته، وتقاة) أنّهم قد أمالوا سقى، وصغا وضغا، ومعطى «2»، طلبا للياء التي الألف في موضعها، فكما «3» أميلت هذه الألف مع المستعلي كذلك أميلت التي في تقاة وتقاته.
فإن قلت: إنّ هذه الإمالة إنّما جاءت في الفعل، والفعل أكثر احتمالا للتغيير، واسم الفاعل بمنزلة الفعل، وليس التقاة، بواحدة «4» منهما. قيل: يمكن أن يقال: إنّه شبّه المصدر باسم الفاعل لمشابهته له في الإعمال، وقيامه مقام الصفة في عدل، وزور، كما شبّه «5» اسم المفعول في معطى بالفعل لعمله عمله.

[آل عمران: 36]
واختلفوا في ضمّ التاء وتسكين العين، وفتح العين وتسكين
__________
(1) في (ط): أحسن.
(2) سبق هذا التنظير ... وهو في سيبويه 2/ 266، 267. وقد رسمت (سقى ومعطى) في الأصلين بالألف اليابسة.
(3) في (ط): فلما. وسقطت «هذه» من بعدها.
(4) في (ط): التقى بواحد.
(5) في (ط): يشبه.
(3/31)
________________________________________
التاء في قوله تعالى «1»: بما وضعت [آل عمران/ 36].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بما وضعت بضم التاء وإسكان العين.
وروى حفص عن عاصم والمفضّل عن عاصم «2»: (بما وضعت) بالإسكان.
وقرأ الباقون: (وضعت) بالإسكان مثل حفص «3».
قال أبو علي: من قرأ: والله أعلم بما وضعت [آل عمران/ 36] جعله من كلام أمّ مريم. وإسكان التاء أجود في قوله: والله أعلم بما وضعت لأنّها قد قالت: رب إني وضعتها أنثى [آل عمران/ 36] فليست تحتاج بعد هذا أن تقول: والله أعلم بما وضعت.
ووجهه: أنّه كقول القائل في الشيء: ربّ قد كان كذا وكذا. وأنت أعلم، ليس يريد إعلام الله سبحانه ذلك، ولكنّه كالتسبيح والخضوع والاستسلام له «4»، وليس يريد بذلك إخبارا.
ومن قرأ: والله أعلم بما وضعت جعل ذلك من قول الله تعالى، والمعنى: أنّ الله- سبحانه- قد علم ما قالته، قالته هي أو لم تقله. وممّا يقوّي قول من أسكن التاء، قوله: والله أعلم بما وضعت
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): عنه.
(3) في السبعة ص 203، 204 اختلاف يسير عما هنا فأبو علي قدم وأخر واختصر، ولكن المؤدى واحد.
(4) سقطت من (ط).
(3/32)
________________________________________
ولو كان من قول أمّ مريم لكان: وأنت أعلم بما وضعت، لأنّها تخاطب الله سبحانه.
وقال بعض المتأوّلين: كانوا لا يحررون الإناث والله أعلم بما وضعت على جهة النّدم، وأنّها فعلت ما لا يجوز، فلذلك قالت «1»:
وليس الذكر كالأنثى [آل عمران/ 36] لأنّ الذكر يتصرف في الخدمة والأنثى خلافه، وكانت الأحبار يكفلون المحررين، فاقترعوا على مريم بأقلامهم، فغلب عليها زكريا.

[آل عمران: 37]
اختلفوا في تشديد الفاء وتخفيفها من قوله عزّ وجلّ «2»:
وكفلها زكريا «3» [آل عمران/ 37] ومدّ (زكرياء) وقصره ورفعه ونصبه.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (وكفلها) مفتوحة الفاء خفيفة، و (زكرياء) رفع ممدود.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (وكفّلها) مشدّدة «4» و (زكرياء) نصب وكان يمدّ (زكرياء) في كلّ القرآن، وكذلك كلّ من تقدّم ذكره، هذه رواية أبي بكر.
وروى حفص عن عاصم: (وكفّلها) مشددا و «5» زكريّا قصرا في كل القرآن.
__________
(1) في (م): قال.
(2) سقطت من (ط). وهي ليست في السبعة.
(3) «زكريا» زيادة من (ط) والسبعة.
(4) الواو زيادة من (ط) والسبعة وفي (م): «مشدّدة» بدل «مشدّدا».
(5) سقطت الواو من (م).
(3/33)
________________________________________
وكان حمزة والكسائي يشددان (كفّلها)، ويقصران (زكريّا) في كل القرآن «1».
قال أبو علي: حجة من خفّف (كفّلها) قوله تعالى «2»: أيهم يكفل مريم [آل عمران/ 44] و (زكرياء) مرتفع لأنّ الكفالة مسندة إليه، فأمّا من قال: وكفلها زكرياء فشدّد الفاء، فإنّ كفلت يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا ضاعفت العين تعدى إلى مفعولين نحو:
غرم زيد مالا، وغرّمت زيدا مالا، وفاعل كفّلها فيمن شدّد الضمير العائد إلى ربّها من قوله: فتقبلها ربها بقبول حسن [آل عمران/ 37] وزكرياء الذي كان فاعلا قبل تضعيف العين صار مفعولا ثانيا بعد تضعيف العين.
وأمّا زكرياء: فالقول في همزته أنّها لا تخلو من أن تكون للتأنيث أو للإلحاق أو منقلبة، فلا يجوز أن تكون للإلحاق لأنّه ليس شيء في الأصول على وزنه فيكون هذا ملحقا به. ولا يجوز أن تكون منقلبة لأنّ الانقلاب لا يخلو من أن يكون من نفس الحرف أو من حرف للإلحاق، فلا يجوز أن يكون من نفس الحرف لأنّ الياء والواو لا يكونان أصلا فيما كان على أربعة أحرف، ولا يجوز أن يكون منقلبا من حرف الإلحاق لأنّه ليس في الأصول شيء يكون هذا ملحقا به! فإذا بطل هذان، ثبت أنّه للتأنيث، وكذلك القول فيمن قصر. فقال: زكريا. ونظير القصر والمدّ في هذا الاسم قولهم: الهيجا والهيجاء، قال:
__________
(1) انظر السبعة ص 203 - 205، وفيه اختلاف يسير عمّا هنا.
(2) سقطت من (ط).
(3/34)
________________________________________
وأربد فارس الهيجا إذا ما ... تقعّرت المشاجر بالفئام
«1» وقال:
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا ... فحسبك والضّحّاك عضب مهنّد
«2» لمّا أعربت الكلمة وافقت العربية. وقد حذفوا ألف التأنيث من الكلمة فقالوا: هو يمشي الجيضّ والجيضّى «3»، فعلى هذا قالوا: زكرياء وزكريّ، فمن قال: زكريّ صرف، والقول فيه أنّه حذف الياءين اللتين كانتا في (زكرياء) و (زكريا) وألحق الكلمة ياءي النسب «4»، يدلك على ذلك صرف الاسم، ولو كانت الياءان في زكري الياءين اللتين كانتا في (زكرياء) و (زكريّا)، لوجب أن لا ينصرف الاسم للعجمة والتعريف كما أنّ إبراهيم ونحوه من
__________
(1) البيت للبيد وهو في ديوانه/ 200 وفيه بالخيام بدل بالفئام وأورده اللسان (هيج/ شجر) وفيه: وأرثد بدل وأربد، وبالقيام بدل بالفئام.
(2) البيت في ابن يعيش 2/ 48، 51 ومعاني القرآن 1/ 417، وهو من شواهد شرح أبيات المغني. 7/ 191، واللسان (عصا/ هيج) ويروى: «سيف» بدل «عضب» والبيت شاهد على أنّه روي «الضحاك» بالحركات الثلاثة. قال البغدادي: البيت قائله مجهول اهـ. ونسبه في ذيل الأمالي ص 140 إلى جرير، وليس في ديوانه. ولم يتكلّم عليه البكري في السمط ص 899 بشيء.
(3) ضبطه في القاموس/ جاض/ بوزن زمكّى وفي التكملة: بكسر الجيم وفتح الياء، ونص على ذلك بالحروف، ووافقه اللسان. والجيضّ والجيضّى: مشية فيها تبختر واختيال.
(4) في (ط): ياءين للنسب.
(3/35)
________________________________________
الأعجمية لا ينصرف، فانصراف الاسم يدلّ على أنّ الياءين للنسب، فانصرف «1» الاسم وإن كان لو لم تلحق الياءان لم ينصرف بالعجمة «2» والتعريف، يدلّك على ذلك أنّ ما كان على وزن مفاعل لا ينصرف فإذا ألحقته «3» ياءي النسب انصرف كقوله:
مدائنيّ ومعافريّ.
وقد جرت تاء التأنيث هذا المجرى، فقالوا: صياقل، فلم يصرفوا، وألحقوا التاء فقالوا: صياقلة، فاتفق تاء التأنيث، وياء النسب في هذا كما اتفقا في روميّ، وروم، وشعيرة، وشعير، ولحقت الاسم الياءان وإن لم يكن فيه معنى نسب إلى شيء كما لم يكن في كرسيّ وقمريّ وثمان معنى نسب إلى شيء، وهذا نظير لحاق تاء التأنيث ما لم يكن فيه معنى تأنيث: كغرفة وظلمة ونحو ذلك، ويدل «4» على أنّ الياءين في زكريّ ليستا اللتين كانتا في (زكرياء) أنّ ياءي النسب لا تلحقان قبل ألف التأنيث وإن كانتا قد لحقتا قبل التاء من «5» بصرية لأنّ التاء بمنزلة اسم مضموم إلى اسم، والألف ليست كذلك. ألا ترى أنّك تكسر عليها الاسم والتاء ليست «6» كذلك؟.
__________
(1) في (ط): فانصراف.
(2) في (ط): للعجمة.
(3) في (ط): ألحقتها.
(4) في (ط): ويدلك.
(5) في (ط): في.
(6) في (ط): ليس.
(3/36)
________________________________________
[آل عمران: 39]
واختلفوا في الألف «1» والتاء من قوله تعالى «2»: فنادته الملائكة [آل عمران/ 39].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر (فنادته) بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي (فناداه) بإمالة الدال «3».
قال أبو علي: من قرأ (فنادته) بالتاء فلموضع الجماعة، والجماعة ممن يعقل في جمع التكسير يجري مجرى ما لا يعقل، ألا ترى أنّك تقول: هي الرجال، كما تقول هي الجذوع، وهي الجمال؟ فعلى هذا أنّث كما جاء: قالت الأعراب [الحجرات/ 14] ومن زعم أنّ التأنيث يكره هاهنا لأنّ فيه كالتحقيق لما كانوا يدّعونه في الملائكة لم يكن هذا بحجة على من قرأ بالتاء. ألا ترى أنّه قد جاء: إذ قالت الملائكة [آل عمران/ 45]؟ فلو كان في تأنيث هذا حجة لما كانوا يدّعونه في الملائكة لكان في تذكير [نحو قوله] «4» والملائكة باسطو أيديهم [الأنعام/ 93]، والملائكة يدخلون عليهم [الرعد/ 23] حجة عليهم، ولكان في نحو قوله: إذ قالت الملائكة حجة لهم، فليس هذا بشيء. ومن قرأ «5»: فناداه
__________
(1) في السبعة: «الياء» بدل الألف.
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة ص 204.
(4) زيادة من (ط).
(5) في (ط): قال.
(3/37)
________________________________________
الملائكة، فهو كقوله: وقال نسوة في المدينة [يوسف/ 30] وأمّا إمالة الألف في ناداه فحسنة لأنّها تصير إلى الياء، من الواو كانت أو من الياء، فتحسن الإمالة للانتحاء نحو ما الألف منقلبة عنه وهو الياء. وحجة التفخيم في ناداه أنّه في قلبه الياء إلى الألف فرّ من الياء، فإذا أمال بعد فقد قرّب الحرف مما كان كرهه وفرّ منه.
قال سيبويه: ولا تقول «1» ذلك في حبلى، لأنّه لم يفرّ فيها «2» من ياء «3». يريد أنّ ألف حبلى لم تكن ياء قلبت ألفا، إنّما هي في أصلها ألف مزيدة للتأنيث.

[آل عمران: 39]
واختلفوا «4» في كسر الألف في «5» (إنّ) وفتحها من قوله تعالى «6»: [في المحراب] أن الله [آل عمران/ 39].
فقرأ ابن عامر وحمزة: إنّ الله بالكسر.
وقرأ الباقون: أن الله بالفتح «7».
قال أبو علي «8»: من فتح «أنّ» المعنى: فنادته بأنّ الله، فلمّا حذف الجارّ منها وصل الفعل إليها فنصبها، فأنّ في موضع نصب،
__________
(1) في سيبويه: يقول.
(2) في (ط): منها.
(3) انظر سيبويه 2/ 263.
(4) سقطت الواو من (ط).
(5) في (ط): من.
(6) سقطت من (ط).
(7) السبعة ص 205.
(8) في (ط): فقول.
(3/38)
________________________________________
وعلى قياس قول الخليل في موضع جرّ. ومن كسر أضمر القول، كأنّه: نادته فقالت: إنّ الله فحذف القول كما حذف في قول من كسر، فقال: فدعا ربه إني مغلوب [القمر/ 10] وإضمار القول كثير في هذا النحو، كما قال: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23] والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا [الأنعام/ 93]. فاما الذين اسودت وجوههم أكفرتم [آل عمران/ 106]. فأضمر القول في ذلك كلّه. وزعموا أنّ في حرف عبد الله فنادته الملائكة يا زكرياء إن الله فقوله: يا زكرياء في موضع نصب بوقوع النداء عليه، وكذلك إن أضمرت يا زكرياء ولم تذكره كان جائزا وحذف كما حذف المفعول من الكلام، ولا يجوز الفتح في (إنّ) على هذا، لأنّ ناديت قد استوفى «1» مفعوليها، أحدهما: علامة الضمير، والآخر: المنادى، فإن فتحت (أنّ) لم يكن لها شيء يتعلق به.
قال «2»: وكلهم [فتح الراء من: المحراب] «3» [آل عمران/ 37 و 39]: إلا ابن عامر فإنه أمالها.
قال أبو علي: قد أطلق أبو بكر القول في إمالة ابن عامر الألف من محراب. ولم يخصّ به الجرّ من غيره. وقال غيره:
إنّما يميله في الجر. وحجة من لم يمل أنّ «راب» من محراب
__________
(1) في (ط): استوفت.
(2) سقطت قال من (م).
(3) ما بين معقوفين أثبتناه من السبعة بدلا من عبارة الأصل عندنا وهي:
«وكلهم قرأ (من المحراب) بفتح الراء» لموافقته لما جاء في آل عمران، وما جاء في أصلنا هو من [سورة مريم/ 11].
(3/39)
________________________________________
بمنزلة راء وراءة «1» ونحو ذلك. فكما لا تمال الراء من هذا النحو كذلك ينبغي أن لا تمال من المحراب «2» في الجرّ ولا في الرفع.
ألا ترى أنّه لا تمال رادة من قولهم: ريح رادة وراشد؟. والراء من «راب» بمنزلة الراء من راشد. فإن قلت: فهلّا جازت إمالتها للكسرة التي في الميم كما جازت الإمالة في مقلات «3» للكسرة.
قيل إنّ من أمال مقلاتا، إنّما أماله لأنّه قدّر الكسرة كأنّها على القاف، لأنّها تليها، والقاف إذا تحركت بالكسر حسنت إمالة الألف بعدها. نحو: ققاف وغلاب. ولو قدّرت الكسرة على الحاء من محراب كما قدّرتها على القاف من مقلات لم تحسن «4» الإمالة، ألا ترى أنّ «حراب» بمنزلة فراش، وفراس؟.
وقد قال «5»: إنّهم لا يميلون فراشا «6»، فكذلك المحراب، يريد سيبويه، بقوله: لا يميلون، لا يميله الأكثر. وحجة من أمال الألف من «محراب» أنّ سيبويه قد زعم أنّهم قالوا: عمران، ولم يميلوا برقان يعني: أنّهم لم يجعلوا الراء كالمستعلي في منع الإمالة، فعلى هذا يجوز أن تمال الألف في «7» «محراب» في
__________
(1) الراءة: الرؤية.
(2) في (ط): محراب.
(3) قال في اللسان (قلت): أقلتت المرأة إقلاتا، فهي مقلت ومقلات إذا لم يبق لها ولد، وقيل: هي التي تلد واحدا ثمّ لا تلد بعد ذلك. قال كثير أو غيره:
بغاث الطّير أكثرها فراخا ... وأمّ الصقر مقلات نزور
ونسب البيت في (بغث) للعباس بن مرداس، وفي المخصص المجلد الثاني السفر الثامن ص 144: نسبه للنجاشي.
(4) في (ط) لم تجز.
(5) في (ط) قد قالوا.
(6) الكتاب 2/ 267: (هذا باب الراء).
(7) في (ط): من.
(3/40)
________________________________________
الرفع، وزعم أيضا أنّهم قالوا: ذا «1» فراش، هذا جراب، لما كانت الكسرة أولا والألف زائدة. قال: والنصب فيه كلّه حسن «2».

[آل عمران: 39]
اختلفوا في ضمّ الياء «3» وفتحها أو فتح الباء وسكونها والتثقيل «4» من قوله جلّ وعزّ «5»: يبشرك [آل عمران/ 39].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يبشرك بضم الياء وفتح الباء والتشديد في كل القرآن، إلّا في عسق فإنّهما قرأ ذلك الذي يبشر الله عباده [الشورى/ 23] مفتوح الياء مضموم الشين مخففا.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم يبشرك مشدّدا في كلّ القرآن.
وقرأ حمزة يبشر خفيفا «6»، مما لم يقع في كلّ القرآن، إلّا قوله تعالى «7»: فبم تبشرون [الحجر/ 54].
وقرأ الكسائي يبشر مخففة في خمسة مواضع: في آل عمران في قصة زكريا، وقصة مريم وفي سورة بني إسرائيل، وفي
__________
(1) في (ط): هذا.
(2) في (ط): أحسن.
(3) كذا في (ط) وفي (م) الراء. والصواب ما أثبتناه. من (ط) والسبعة.
(4) في السبعة: وتثقيل الشين.
(5) سقطت من (ط).
(6) في السبعة أخر قوله: خفيفا، إلى ما بعد قوله: مما لم يقع، ويريد بقوله: مما لم يقع خفيفا في كل القرآن، أي ما وقع مشددا بجميع صوره واشتقاقاته في القرآن كله قرأه حمزة خفيفا إلّا ما استثناه من ذلك.
(7) سقطت من (ط).
(3/41)
________________________________________
الكهف: ويبشر المؤمنين [الإسراء/ 9] وفي عسق: يبشر الله عباده «1» [الشورى/ 23].
[قال أبو علي] «2»: قال أبو عبيدة: يبشّرك، ويبشرك ويبشرك وبشرناه «3» واحد «4».
قال أبو الحسن في يبشّر: ثلاث لغات: بشّر وبشر وأبشر يبشر بكسر الشين إبشارا، وبشر يبشر بشرا وبشورا يقال: أتاك أمر بشرت به، وأبشرت به في معنى بشّرت به ومنه وأبشروا بالجنة [فصلت/ 30]. وأنشد:
وإذا رأيت الباهشين إلى العلى ... غبرا أكفّهم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به ... وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
«5» وقال أبو زيد: بشّرت القوم بالخير تبشيرا، والاسم:
البشرى. وأبشر «6» بالخير إبشارا، وبشّرت الناقة باللّقاح حين يعلم ذاك منها أول ما تلقح.
__________
(1) انظر السبعة ص 205 - 206.
(2) سقطت من (ط).
(3) كذا في (ط)، وسقطت من (م).
(4) في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1/ 91: يبشّرك ويبشرك فقط.
(5) البيتان آخر مفضلية برقم 116 ص 385 لعبد القيس بن خفاف البرجمي وهي الأصمعية رقم 87 وأوردها البغدادي في شرح أبيات المغني 2/ 223، 224 وأوردهما اللسان (بشر) وعزاهما إلى عطية بن زيد أو لعبد القيس بن خفاف البرجميّ.
(6) في (ط): وأبشر يا فلان.
(3/42)
________________________________________
قال أبو علي: إذا كانت هذه اللغات في الكلمة شائعة فأخذ القارئ بإحداها وجمعه بينها مستقيم سائغ.

[آل عمران: 48]
اختلفوا في النون والياء من قوله تعالى «1»: ويعلمه الكتاب [آل عمران/ 48].
فقرأ نافع وعاصم: ويعلمه الكتاب بالياء، وقرأ الباقون:
ونعلمه بالنون «2».
فحجّة من قرأ: يعلمه أنّه عطفه على قوله: إن الله يبشرك، ويعلمه على العطف على يبشرك. ومن قال: نعلمه:
فهو على هذا المعنى، إلّا أنّه جعله على نحو «3» نحن قدرنا بينكم الموت [الواقعة/ 60].
قال: كلّهم قرأ: أني أخلق لكم [آل عمران/ 49].
وقرأ نافع: (إني) «4».
قال أبو عليّ: قول من فتح (أنّ) أنّه جعلها بدلا من (آية):
كأنّه قال: وجئتكم بأنّي أخلق لكم. ومن كسر إنّ احتمل وجهين:
أحدهما: أنّه استأنف، وقطع الكلام مما قبله.
والآخر: أنّه فسّر الآية بقوله: إنّي أخلق لكم من الطين، كما فسّر الوعد في قوله: وعد الله الذين آمنوا بقوله: لهم مغفرة
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة ص 206.
(3) سقطت من (ط).
(4) انظر السبعة ص 206.
(3/43)
________________________________________
[المائدة/ 9] وكما فسّر المثل في قوله: كمثل آدم [آل عمران/ 59] بقوله: خلقه من تراب [آل عمران/ 59] وهذا الوجه «1» أحسن ليكون في المعنى كمن فتح وأبدل من (آية).
قال: وكلّهم قرأ: فيكون طيرا [آل عمران/ 49] بغير ألف غير نافع فإنّه قرأ: طائرا بألف هاهنا، وفي المائدة «2».
قال أبو علي: حجّة من قرأ: فيكون طيرا قوله تعالى «3»:
إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير [آل عمران/ 49] ولم يقل كهيئة الطائر، فكذلك يكون كهيئة الطير «4» وكذلك التي في المائدة، إلّا أنّ هاهنا فأنفخ فيه وثمّ فتنفخ فيها [المائدة/ 110] فيجوز أن يكون على الهيئة مرة وعلى الطير أخرى، ويجوز أن يكون ذكّر الطير على معنى الجمع، وأنّث على معنى الجماعة. وقالوا: طائر، وأطيار، فهذا يكون كصاحب وأصحاب.
وقال أبو الحسن: وقول العرب: طيور جمعوا الجمع، ووجه قراءة من قرأ، فيكون طائرا أنّه أراد: يكون ما أنفخ فيه، أو ما أخلقه طائرا، فأفرد لذلك، أو يكون أراد: يكون كلّ واحد من ذلك طائرا كما قال: فاجلدوهم ثمانين جلدة، أي اجلدوا كلّ واحد منهم.

[آل عمران: 57]
قال [أحمد] «5»: ولم يختلفوا في النون من قوله تعالى «6»:
__________
(1) سقطت من (م).
(2) ابن مجاهد في السبعة ص 206.
(3) سقطت من (ط).
(4) في ط: طيرا.
(5) زيادة من (ط).
(6) سقطت من (ط).
(3/44)
________________________________________
فنوفيهم أجورهم [آل عمران/ 57، النساء/ 173] إلّا ما رواه حفص عن عاصم فإنّه «1» روى عنه بالياء «2».
قال أبو علي «3»: وجه من قرأ بالنون قوله: فأما الذين كفروا فأعذبهم [آل عمران/ 56] فقوله: فنوفيهم بالنون «4» في المعنى مثل فأعذبهم. ومما يحسّن ذلك قوله: ذلك نتلوه عليك [آل عمران/ 58]، ومن قرأ بالياء فلأنّ ذكر الله- سبحانه- قد تقدّم في قوله: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك [ورافعك إلي] «5» [آل عمران/ 55] فيحمل على لفظ الغيبة لتقدّم هذا الذكر، إذ صار في لفظ الخطاب في قوله: فأعذبهم وقوله:
فيوفيهم إلى الغيبة كقوله: فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] بعد قوله: وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39].

[آل عمران: 59]
قال: وقرأ ابن عامر وحده: فيكون [آل عمران/ 59] بالنصب وهو وهم.
وقال هشام بن عمار: كان أيوب بن تميم يقرأ: فيكون نصبا ثم رجع فقرأ: فيكون رفعا «6».
[قال أبو علي] «7» قد تقدّم ذكر ذلك في سورة البقرة «8».

[آل عمران: 66]
اختلفوا في المدّ في ها أنتم [آل عمران/ 66] والهمز وتركه.
__________
(1) في (ط): روي. وفي السبعة: رواه.
(2) السبعة ص 206.
(3) سقطت من (ط).
(4) سقطت من (م).
(5) زيادة من (ط).
(6) ابن مجاهد في السبعة ص 206، 207.
(7) سقطت من (ط).
(8) انظر 2/ 203.
(3/45)
________________________________________
فقرأ ابن كثير: هأنتم لا يمدّها، ويهمز أنتم. وقرأت أنا على قنبل عن ابن كثير: هأنتم في وزن «هعنتم».
وقرأ نافع وأبو عمرو هآنتم: ممدودا استفهام «1» بلا همز.
وقال علي بن نصر عن أبي عمرو أنه كان يخفف ولا يهمز استفهاما بلا همز.
وقال أحمد بن صالح عن ورش وقالون عن نافع ممدود غير مهموز «2».
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ها أنتم ممدود مهموز. ولم يختلفوا في مدّ (هؤلاء)، و (ألاء) «3».
[قال أبو علي] «4»: أمّا قول ابن كثير (هأنتم هؤلاء) فوجهه: أنّه أبدل من همزة الاستفهام الهاء، أراد: أأنتم فأبدل من الهمزة الهاء. فإن قلت: هلّا لم يجز البدل من الهمزة لأنّه «5» على حرف واحد؟ وإذا كان على حرف واحد وأبدلت منه لم يبق شيء من الحرف يدلّ عليه، فيكون الإبدال منه كالحذف له، فكما لا يجوز حذفه، كذلك لا يجوز البدل منه. قيل: لا يمتنع البدل منه، وإن كان على حرف، وما ذكرته ضرب من القياس الذي جاء
__________
(1) في (ط): استفهاما.
(2) في حاشية (ط): بلغت.
(3) السبعة ص 207 وفيه اختلاف يسير في الألفاظ عمّا هنا، ولكن المؤدى واحد.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): لأنّها.
(3/46)
________________________________________
استعمالهم بخلافه. ألا ترى أنّهم قد أبدلوا من الباء الواو في قولهم: والله، وأبدلوا من الواو التاء في تالله؟ فهذه حروف مفردة وقد وقع الإبدال منها كما ترى، فكذلك تكون الهاء بدلا من الهمزة. فإن قلت: فهل يجوز أن تكون الهاء التي «1» في «ها» التي للتنبيه، كأنّه أراد: ها أنتم، فحذف الألف من الحرف، كما حذف «2» من «ها» «3» في قولهم: هلمّ؟.
قيل: لا يسهل ذلك، لأنّ الحروف لا يحذف منها، إلّا إذا كان فيها تضعيف، وليس ذلك في «ها» وإنّما حذف من هلمّ لأنّ اللّام التي هي فاء في تقدير السكون، لأنّها متحركة بحركة منقولة [إليها، والحركة المنقولة قد يكون] «4» الحرف المتحرك بها في نيّة السكون. كقولهم: الحمر، فاللّام في تقدير سكون بدلالة تقدير الهمزة التي للوصل معها، فكذلك اللّام في هلمّ. فإذا كان في نيّة سكون استقام حذف الألف من «ها» كما تحذف لالتقاء الساكنين، وليس ذلك في (هأنتم) فإذا كان كذلك لم يستقم الحذف فيه كما جاء في هلمّ. ومعنى الاستفهام في أأنتم تقرير.
فأمّا قراءة نافع وأبي عمرو (هانتم) فتحتمل ضربين:
أحدهما «5»: يجوز أن تكون (ها) التي للتنبيه دخلت على أنتم
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط): تحذف.
(3) في (م) رسمها متصلة هكذا «منها».
(4) جاءت العبارة المحصورة بين معقوفين في (م) كذا: «وفيها الحركة المنقولة بدلا من» وما أثبتناه من (ط) أبين.
(5) سقطت من (ط).
(3/47)
________________________________________
ويكون التنبيه داخلا على الجملة كما دخل في قوله «1»: هلمّ، وكما دخلت (يا) التي للتنبيه في نحو ألا يا اسجدوا [النمل/ 25] وكما دخلت فيما أنشده أبو زيد [من قوله] «2»:
يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم ... أمّ الهنيبر من زند لها واري
«3» [وكما أنشد غيره:
يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا] «4» فإن شئت قلت: إنّ «يا» دخلت يراد بها منادى محذوف كقوله:
أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله «5» * ..........
__________
(1) في (ط): قولهم.
(2) سقطت من (ط).
(3) سبق في ص 11.
(4) ما بين المعقوفين ساقط من (م) وهذا صدر بيت عجزه:
من هؤليائكنّ الضّال والسّمر وهو من شواهد شرح أبيات المغني 8/ 71 ذكره مع جملة أبيات انظر تخريجه هناك. والبيت مختلف في نسبته، فهو للعرجي كما نسبه العيني ولكامل الثقفي كما في الدمية ولحسين بن عبد الرحمن العريني عند الصاغاني ولعلي بن محمد العريني، وهو متأخر، عند السخاوي شارح المفصل. قاله البغدادي في شرح أبيات المغني 8/ 73.
(5) هذا صدر بيت للصلتان العبدي وعجزه:
جرير ولكن في كليب تواضع.
انظر الكتاب 1/ 328 والخزانة 1/ 304 والمحتسب 1/ 311 والبيت من قصيدة طويلة يحكم فيها بين جرير والفرزدق فيحكم لجرير بالشعر وللفرزدق بالمجد انظرها في الأمالي 2/ 141، 142.
(3/48)
________________________________________
وكقوله:
يا لعنة الله والأقوام كلّهم «1» * ..........
وإن شئت جعلته لاحقا للجماعة بدلالة قولهم: هلم، ألا ترى أنّه لاحق للجملة التي هي (لمّ) بدلالة أن الفريقين جميعا من يثنّي الفاعل فيه ويجمع، ومن لا يفعل ذلك قد اتفقوا على فتح الآخر منه؟ وإنّما فتح الآخر منه لبنائها مع الكلمة، ولا يجوز مع هذا البناء وكون الكلمتين بمنزلة شيء واحد أن تقدر منبّها، فكما أنّ هذا لاحق للجملة كذلك يجوز في: «يا قاتل الله» «2» وقوله: ألا يا اسجدوا [النمل/ 25] لاحقا لها.
فأمّا الهمزة من (أنتم) فيجوز أن تخفّف ولا تحقّق لوقوعها بعد الألف، كما تقول في هباءة: هباة، وفي المسائل: المسايل ويجوز أن تكون الهاء في «3» ها أنتم بدلا من همزة الاستفهام، كما كانت بدلا منها في قول ابن كثير، وتكون الألف التي تدخل بين الهمزتين لتفصل بينهما، كما تدخل بين النونين لتفصل بينهما في اخشينانّ.
فإن قلت: إنّ الألف إنّما تلحق لتفصل بين المثلين في:
__________
(1) هذا صدر بيت عجزه:
والصالحين على سمعان من جار انظر الكامل 3/ 1016 الكتاب 1/ 320 والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 6/ 171، ولم ينسب لقائل.
(2) هذا أوّل بيت، سبق قريبا.
(3) في (ط): من.
(3/49)
________________________________________
اخشينانّ، وأاأنتم، واجتماع المثلين قد زال بإبدال الهاء من الهمزة فلا يحتاج إلى الألف، وإذا لم يحتج «1» إليها كان قوله: ها أنتم (ها) فيه للتنبيه «2»، ولا تكون الهاء فيه بدلا من الهمزة، ألا ترى أنّ من قال: هراق قال: أهريق، ولم يحذف الهاء «3» مع الهمزة كما يحذف إذا قال: أريق لزوال اجتماع المثلين؟. قيل: إنّ البدل قد يكون في حكم المبدل منه، ألا ترى أنّك لو سميت رجلا بهرق لقلت: هريق فلم تصرف كما لا تصرف مع الهمزة، وأنّ حكم الهاء حكم الهمزة؟ وكذلك الهمزة في حمراء، حكمها حكم الألف التي انقلبت عنه في امتناع الصّرف، وكذلك الهمزة في علياء، حكمها حكم الياء التي انقلبت عنها في مثل درحاية «4»، وكذلك قال أبو الحسن: إنّك لو سمّيت بأصيلال لم تصرفه، فجعل «5» اللام في حكم النون، وذلك لما قامت الدلالة عليه من أن النون في عطشان لما كانت بدلا من الهمزة في حمراء جرى عليها ما جرى على الهمزة، فكذلك تكون الهاء إذا كانت بدلا من الهمزة تجتلب الألف معها كما كانت تجتلب مع الهمزة، وتخفّف الهمزة من أنتم بعد الألف الفاصلة كما تخفّف بعد الألف من «6» (ها) فإن كان ما حكوه في الترجمة حكوه عن أبي عمرو، فإنّه يدل على أنّه كان
__________
(1) في (م): فلا تحتاج ... لم نحتج وما أثبتناه من (ط).
(2) كذا في (ط)، وفي (م): للتثنية وهو خطأ.
(3) كذا في (ط)، وفي (م): الياء. وهو سبق قلم من الناسخ.
(4) في القاموس (درح): رجل درحاية: بالكسر، قصير سمين بطين.
(5) في (ط): فجعلت.
(6) في (ط): في.
(3/50)
________________________________________
يذهب «1» إلى أنّه استفهام، وكذلك، ما حكي عن نافع ممدود غير مهموز. يريد: أنّه ممدود غير محقّق الهمزة.
وأما قراءة عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي (ها أنتم) ممدود مهموز، فإنّ (ها) فيه تحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما في قراءة نافع وأبي عمرو إلّا أنّهم حقّقوا الهمزة التي هي بعد الألف ولم يخفّفوها كما خفّفها أبو عمرو ونافع، وإن لم يروا إلحاق الألف للفصل بين الهمزتين، كما يراه أبو عمرو في نحو أاأنتم. فينبغي أن تكون (ها) في قولهم حرف التنبيه، ولا تكون الهاء «2» بدلا من همزة الاستفهام، كما يجوز أن تكون بدلا منها على قول من أدخل الألف بين الهمزتين. قال: ولم يختلفوا في مدّ هؤلاء، وألاء.
قال أبو علي: في هؤلاء لغتان: المدّ والقصر كالتي في قول الأعشى «3»:
هاؤلى ثمّ هاؤلى «4»
كلّا اعطي ... ت نعالا محذوّة بمثال
__________
(1) في (ط): يذهب فيه.
(2) في (م): «الياء» بدل «الهاء» والصواب ما أثبتناه.
(3) البيت في ديوانه/ 11، والمقتضب 4/ 278، وفي ابن الشجري 1/ 30 وابن يعيش 3/ 137، وشرح أبيات المغني 2/ 195: «بنعال» بدل «بمثال» وكذلك جاء في (ط). وهو من قصيدة طويلة يمدح فيها الأسود اللخمي. ويشير بذلك إلى إيقاعه ببني محارب حين أحمى لهم الأحجار، وسيّرهم عليها، فتساقط لحم أقدامهم. وحذا النعل: قطعها وقدرها على مثال (انظر حاشية الديوان).
(4) رسمها في (ط) في الموطنين «هاؤلا» بإبقاء ألف هؤلاء على رسمها بعد قصرها بحذف الهمزة بعدها.
(3/51)
________________________________________
[آل عمران: 73]
وكلّهم «1» قرأ: أن يؤتى أحد غير ممدود، إلّا ابن كثير فإنّه قرأ: أن يؤتى أحد، ممدودا [آل عمران/ 73] «2».
قال أبو علي: فقول الباقين أن المعنى على قراءة الجماعة «3»: لا تصدقوا إلّا لمن تبع دينكم، أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وقوله: قل إن الهدى هدى الله [آل عمران/ 73] اعتراض بين المفعول وفعله، والتقدير: لا تصدّقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم.
فأمّا قوله: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران/ 73] فإن «4» أول الآية: وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار [آل عمران/ 72] فقوله «5»: ولا تؤمنوا ... أن يؤتى أحد يكون تؤمنوا فيه متعدّيا بالجارّ، كما كان في أول الآية متعديا به. وإذا حذفت «6» الجارّ من «أن» كان موضع «أن» على الخلاف، يكون «7» في قول الخليل جرّا، وفي قول سيبويه نصبا. وأمّا اللّام في «8» قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم [آل عمران/ 73]
__________
(1) في (ط): كلهم.
(2) السبعة 207.
(3) جاءت العبارة في (م) كما يلي. ابن كثير (آن يؤتى أحد) والباقون: [(أن يؤتى أحد)] وأثبتنا ما بين معقوفين من: (ط) لوضوحه.
(4) في (ط): فإن في.
(5) في (م): «وقوله».
(6) في (ط): حذف.
(7) سقطت من (ط).
(8) في (ط): من.
(3/52)
________________________________________
فلا يسهل أن يعلّقه ب تؤمنوا وأنت قد أوصلته بحرف آخر جارّ فتعلّق بالفعل جارّين، كما لا يستقيم أن تعدّيه إلى مفعولين إذا كان يتعدى إلى مفعول واحد، ألا ترى أنّ تعدّي الفعل بالجارّ كتعديه بالهمزة، وتضعيف العين؟ فكما لا يتكرر هذان، كذلك لا يتكرر الجارّ. فإن قلت: فقد جاء:
فلأبغينّكم قنا وعوارضا ... ولأقبلنّ الخليل لابة ضرغد
«1» والتقدير: لأقبلنّ بالخيل «2» إلى هذا الموضع. فإنّ هذا إنّما جار لأنّ الثاني من المفعولين مكان، فيجوز أن يكون شبه المختص بالمبهم كقولهم: ذهبت الشام، فيمن لم يجعل الشام اسم الجهة. فإذا لم يسهل تعليق المفعولين به حملته على المعنى، والمعنى:
لا تقرّوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم، كما تقول:
أقررت لزيد بألف، فيكون اللام متعلقا بالمعنى، ولا تكون زائدة على حدّ إن كنتم للرءيا تعبرون [يوسف/ 43] ولكن متعلق بالإقرار.
فإن قلت: فهذا فعل قد تعلّق بجارّين. فإن الجارّين [لم
__________
(1) البيت لعامر بن الطفيل من أصمعية برقم 78 ص 216 قالها في يوم الرقم كما في معجم البلدان 3/ 456 (ضرغد) وهي المفضلية رقم 107 ص 363 وفي الكتاب 1/ 82، 109، وابن الشجري 2/ 248 والخزانة 1/ 470 وشرح أبيات المغني 8/ 4. قال ابن الأنباري في شرح المفضليات ص 712. قال الأثرم: الملا: من أرض كلب، وعوارض: جبل في بلاد بني أسد، واللابة:
الحرة. وضرغد: من أرض العالية. ولابة ضرغد: حرة لبني تميم اهـ ورواية المصنف رواية الأصمعيات ويروى البيت فلأنعينّكم، بالعين المهملة قبلها نون ولأهبطنّ، بدل: لأقبلنّ. كما في المفضليات.
(2) في (م): «الخيل» بدون حرف جار، والتقدير جرى عليه.
(3/53)
________________________________________
يتعلقا به] «1» على حدّ أنّه «2» مفعول بهما، ولكن أحدهما على غير أنّه «3» مفعول به، والمفعول به إذا تعدى الفعل إليه بالجارّ أشبه الظرف، ولذلك جاز: «سير بزيد فرسخ» فأقمت الظرف مقام الفاعل، مع أنّ في الكلام مفعولا به على المعنى، لما كان المفعول به الذي هو الجار والمجرور يشبه الظرف، ولولا ذلك لم يجز: «سير بزيد فرسخ». فالمعنى: لا تقرّوا أن يؤتى أحد إلّا لمن تبع دينكم، فاللام غير زائدة. وإن شئت حملت الكلام على معنى الجحود، لأنّ معنى لا تؤمنوا: اجحدوا، فكأنّه قيل: اجحدوا أن يؤتى أحد، أو اجحدوا بأن يؤتى أحد إلّا من تبع دينكم، كأنه قيل:
اجحدوا الناس إلّا من «4» تبع دينكم، فتكون اللّام على هذا زائدة.
وقد تعدى (آمن) باللّام في غير هذا، قال تعالى: فما آمن لموسى إلا ذرية [يونس/ 83] وقال: آمنتم له قبل أن آذن لكم [الشعراء/ 49، وطه/ 71] ويؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين [التوبة/ 61] فتعدى مرّة بالباء، ومرّة باللّام. فأمّا قوله: أن يؤتى أحد [فإنّ قوله: أحد] «5» إنّما دخل للنفي الواقع في أوّل الكلام، وهو قوله: ولا تؤمنوا كما دخلت من في قوله: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم [البقرة/ 105] فكما دخلت من في صلة «أن ينزّل» لأنّه مفعول النفي اللّاحق لأول الكلام، كذلك دخل أحد في
__________
(1) في (ط): لم يتعلّق بهما.
(2) في (ط): أنهما.
(3) زيادة من (ط).
(4) في (ط): لمن.
(5) في (م): «فإنّ أحدا».
(3/54)
________________________________________
صلة «أن» من قوله: أن يؤتى أحد لدخول النفي في أول الكلام.
ووجه قول ابن كثير أنّ: (أن) في موضع رفع بالابتداء. ألا ترى أنّه لا يجوز أن يحمل على ما قبله من الفعل لقطع الاستفهام بينهما، كما كان يحمل عليه قبل؟ فارتفع بالابتداء. وخبره:
تصدّقون به، وتعترفون «1» به، أو تذكرونه لغيركم، ونحو هذا مما دلّ عليه قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، وهذا في «2» قول من قال: أزيد ضربته، ومن قال: أزيدا ضربته، كان (أن) عنده «3» في موضع نصب، ومثل حذف خبر المبتدأ هنا، لدلالة ما قبل الاستفهام عليه، حذف الفعل في قوله [جلّ وعزّ] «4» آلآن وقد عصيت قبل [يونس/ 91] التقدير: الآن أسلمت حين لا ينفعك الإيمان، للإلجاء من أجل المعاينة إلى الإيمان، كما قال: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل [الأنعام/ 158] فحذف الفعل لدلالة ما قبل الاستفهام عليه، فكذلك حذف خبر المبتدأ من قوله: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران/ 73] ويجوز أن يكون موضع (أن) نصبا فيكون المعنى «5»: أتشيعون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو أتذكرون أن يؤتى أحد. ويدلّ على جواز ذلك قوله تعالى «6»: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم [البقرة/ 76]
__________
(1) في (ط): أو تعترفون.
(2) في (ط): «من».
(3) سقطت «أن» من (م).
(4) زيادة من (ط).
(5) في (ط): التقدير.
(6) سقطت من (ط).
(3/55)
________________________________________
فحديثهم بذلك إشاعة منهم له ذكر وإفشاء. ومثل هذا في المعنى في قراءة ابن كثير قوله: وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به
عند ربكم أفلا تعقلون
[البقرة/ 76] فوبخ بعضهم بعضا. بالحديث بما علموه من أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- «1» وعرفوه من وصفه «2»، فهذه الآية في معنى قراءة ابن كثير، ولعله اعتبرها في قراءته هذه «3». فإن قلت: فكيف وجه دخول أحد في قراءة ابن كثير، وقد انقطع من النفي بلحاق الاستفهام، والاستفهام ما بعده منقطع مما قبله، والاستفهام على قوله تقرير وتوبيخ كما أنه في «4» قوله: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم تقرير، وإذا كان تقريرا كان بمعنى الإيجاب، وإذا كان بمعنى الإيجاب، لم يجز دخول أحد في الكلام كما لم يجز دخوله في الإيجاب، ألا ترى أن التقرير لا يجاب بالفاء كما لا يجاب الإيجاب بها؟ وأحد على قول ابن كثير أيضا يدلّ «5» على الكثرة، كما أنّه في قول سائرهم ممن لا يستفهم كذلك، ألا ترى أن بعده: أو يحاجوكم والضمير ضمير جماعة؟ فالقول في ذلك أنّه يجوز أن يكون أحد في هذا الموضع أحدا الذي في نحو: أحد وعشرون «6» وهذه تقع في الإيجاب، ألا ترى أنّه بمعنى واحد؟.
__________
(1) سقطت (وسلم) من (ط).
(2) في (ط): صفته.
(3) زيادة من (ط).
(4) في (ط): على.
(5) في (ط): يدل أيضا.
(6) في (ط): أحد وعشرين.
(3/56)
________________________________________
وقد قال أحمد بن يحيى: إن أحدا، ووحدا، وواحدا بمعنى، وجمع ضمير أحد، لأنّ المراد به الكثرة، فحمل على المعنى في قوله: أو يحاجوكم، وجاز ذلك لأنّ الأسماء المفردة قد تقع للشياع، وفي «1» المواضع التي يراد بها الكثرة، فهذا موضع ينبغي أن ترجّح له قراءة غير ابن كثير على قراءته، لأنّ الأسماء التي هي مفردة تدلّ على الكثرة ليس بالمستمر في كلّ موضع. وفي قراءة غيره ليس يعترض هذا ويقوي قوله:
يخرجكم طفلا [غافر/ 67] واجعلنا للمتقين إماما [الفرقان/ 74] فيمن جعل الإمام مثل كتاب ولم يجعله كصحاف «2».

[آل عمران: 80]
اختلفوا في ضمّ الرّاء وفتحها من قوله تعالى «3»: ولا يأمركم [آل عمران/ 80].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي، ولا يأمركم رفعا، وكان أبو عمرو يختلس حركة الراء تخفيفا.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة: ولا يأمركم نصبا.
ولم يختلفوا في رفع الراء من قوله: أيأمركم بالكفر [آل عمران/ 80] إلّا اختلاس أبي عمرو «4».
__________
(1) في (ط): في المواضع.
(2) في (ط): مثل صحاف.
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة ص 213.
(3/57)
________________________________________
قال أبو علي: قال سيبويه: قال «1» تعالى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس [آل عمران/ 79] ثم قال: ولا يأمركم فجاءت منقطعة من الأول، لأنّه أراد: ولا يأمركم الله. قال: وقد نصبها بعضهم على قوله: ما كان لبشر ... أن يأمركم أن تتخذوا «2».
ومما يقوي الرفع أنّه في حرف ابن مسعود زعموا: ولن يأمركم فهذا يدل على الانقطاع من الأول. وممّا يقوّي النصب أنّه قد جاء في السّير فيما ذكر عن «3» بعض شيوخنا أنّ اليهود قالوا:
للنّبيّ صلى الله عليه وسلم «4»: أتريد يا محمد أن نتخذك ربّا؟ فقال الله تعالى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ... ولا يأمركم «5».

[آل عمران: 79]
اختلفوا في فتح التاء واللام والتخفيف وضمّها والتشديد في «6» قوله [جلّ وعزّ] «7»: تعلمون الكتاب [آل عمران/ 79].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: تعلمون بإسكان العين ونصب اللام.
__________
(1) في (ط): قوله.
(2) انظر الكتاب 1/ 430.
(3) «عن» زيادة من (ط).
(4) سقطت من (ط).
(5) روى هذا الخبر الطبري في تفسيره 3/ 325 وابن كثير 1/ 377 كلاهما من حديث أبي رافع القرظي. وانظر القرطبي 4/ 123.
(6) في (م): (من) والمتبت من (ط) والسبعة.
(7) سقطت من (ط).
(3/58)
________________________________________
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: تعلمون مثقّلا.
قال أبو علي: قال سيبويه: علّمت: أدّبت، وأعلمت:
آذنت «1»، والباء في قوله: بما كنتم. متعلقة بقوله: كونوا من قوله: ولكن كونوا ربانيين بما كنتم [آل عمران/ 79] ومثل ذلك قول طفيل «2»:
نزائع مقذوفا على سرواتها ... بما لم تخالسها الغزاة وتركب
وقول الأعشى:
................ .. ... قالت بما قد أراه بصيرا
«3» فأمّا (ما) في كلتا «4» القراءتين فهي التي مع الفعل بتأويل المصدر مثل أن الناصبة للفعل في أنّها مع الفعل كذلك، والتقدير:
بكونكم تعلمون، ولا عائد من الصلة إلى الموصول، يدلك على ذلك «5» أنه لا يخلو الذكر إن عاد من أن يكون من «6» قوله:
__________
(1) الكتاب 2/ 236.
(2) في (م) «الشاعر» بدل «طفيل» والبيت سبق في 1/ 302 وفي المعاني الكبير 1/ 99، وفي ديوانه ص/ 23 برواية يسهب، قال ابن قتيبة: المسهب:
المهمل المتروك، ويقال: مقذوفا على سرواتها الشحم، بما لم تخالسها الغزاة. أي: حين ترك ركوبها والمخالسة لها سمنت، ولو كان يفعل ذلك بها لضمرت ومن ذهب إلى هذا رواه: «يخالسها الغزاة ويركب».
(3) جزء من بيت للأعشى وتمامه: على أنّها إذ رأتني أقا ... د قالت ...
انظر ديوانه/ 95.
(4) جاء رسمها في الأصل «كلتى» بالألف المقصورة.
(5) في (م) «يدل على أنه».
(6) في (م): (في).
(3/59)
________________________________________
كنتم أو من تعلمون فلا يجوز أن يعود من قوله: كنتم، لأنّ قوله تعلمون في موضع نصب.
ألا ترى أنّ التقدير: بكونكم عالمين للكتاب؟ وإذا كان في موضع نصب لم يجز أن يقدر في الكلام راجع إلى الموصول لاستيفائه المفعول الذي يقتضيه ظاهرا، ولا يجوز أن يعود من تعلمون، لأنّ قوله تعلمون قد استوفى أيضا المفعول الذي يقتضيه وهو قوله: الكتاب فإذا كان كذلك علمت أنّه لا راجع في الصلة إلى الموصول، ومثل ذلك قوله: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [البقرة/ 10] ومثله قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون [الأعراف/ 51] التقدير:
كنسيانهم «1» لقاء يومهم هذا، وككونهم «1» بآياتنا جاحدين.
فأمّا قوله: تعلمون: فهو من العلم الذي يراد به المعرفة فيتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت [البقرة/ 65] والله يعلم المفسد من المصلح [البقرة/ 220]. فإذا ضعّفت العين تعدى إلى مفعولين، كما أنّك لو نقلت بالهمزة كان كذلك، فالمفعول الثاني من قوله: في قراءة من قرأ: تعلمون الكتاب محذوف. التقدير:
بما كنتم تعلّمون الناس الكتاب، أو: غيركم الكتاب، ونحو هذا، وحذف [هنا] «3» لأنّ المفعول به قد يحذف من الكلام كثيرا،
__________
(1) في (م): «بنسيانهم ... وبكونهم» وما أثبتناه من (ط) جار مع قوله تعالى: كما نسوا ... وما كانوا ... » أي: وكما كانوا ...
(3) زيادة من (ط).
(3/60)
________________________________________
ومثل ذلك قوله تعالى «1»: وعلم آدم الأسماء كلها [البقرة/ 31] فهذا منقول من: علم آدم الأسماء، وعلّمه الله الأسماء. وحجّة من قال: (بما كنتم تعلمون)، أبا عمرو قال فيما زعموا: يصدّقها «2»: تدرسون «3»، ولم يقل: تدرّسون، ومن حجّتها أنّ العالم الدارس قد يدرك بعلمه ودرسه مما «4» يكون داعيا إلى التمسك بعلمه، والعمل به ما يدركه العالم المعلّم في تعليمه، ألا ترى أنّه يتكرر عليه في درسه ما يتكرر في تعليمه مما ينبّه ويبصّر من اللطائف التي يثيرها النظر في حال الدرس؟. [قال أبو زيد كلاما معناه: لا يكون الدرس درسا حتى تقرأه على غيرك] «5».
وحجة من قال: تعلّمون، أن التعليم أبلغ في هذا الموضع، لأنّه إذا علّم الناس فلم يعمل بعلمه، ولم يتمسك بدينه كان مع استحقاق الذّم بترك عمله بعلمه داخلا في جملة من وبّخ بقوله:
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم [البقرة/ 44]، ومن حجّتهم: أن الذي يعلّم لا يكون إلّا عالما بما يعلّم. فإذا علّم كان عالما، فيعلّم في هذا الموضع، أبلغ لأنّ المعلّم عالم، والعالم لا يدلّ على علّم.
__________
(1) «تعالى» زيادة من (ط).
(2) في (ط) «تصديقها».
(3) جاء في هامش (ط) في نهاية الورقة (114): قال أبو زيد: لا يكون درسا حتى تقرأه على غيرك هـ.
(4) في (ط): (ما).
(5) ما بين المعقوفين ذكر في (ط) وسقط من (م). وتكرر في (ط) على الحاشية كما سبقت الإشارة إلى ذلك في التعليق؟.
(3/61)
________________________________________
[آل عمران: 81]
واختلفوا «1» في فتح اللام وكسرها من قوله: لما آتيتكم [آل عمران/ 81].
فقرأ حمزة وحده: (لما) مكسورة اللّام.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: لما مفتوحة اللام.
وروى هبيرة عن حفص عن عاصم (لما) بكسر اللام، وذلك غير محفوظ عن حفص عن عاصم، والمعروف عن عاصم في رواية حفص وغيره فتح اللام «2».
قال أبو علي: وجه قراءة حمزة (لما آتيتكم) بكسر اللّام أنّه يتعلق بالأخذ كأنّ المعنى: أخذ ميثاقهم لهذا، لأنّ من يؤتى الكتاب والحكمة يؤخذ عليهم الميثاق لما أوتوه من الحكمة، وأنّهم الأفاضل وأماثل الناس. فإن قلت: أرأيت الجملة التي هي قسم هل يفصل بينها وبين المقسم عليه بالجارّ؟. قيل: قد قالوا: «بالله» والجارّ والمجرور متعلقان بالفعل والفاعل المضمرين وكذلك قوله:
ألم ترني عاهدت ربي .........
على حلفة لا أشتم الدهر «3» ............
__________
(1) في (ط): اختلفوا.
(2) السبعة ص 213.
(3) هاتان قطعتان من بيتين للفرزدق، وهما:
ألم ترني عاهدت ربي وإنّني ... لبين رتاج قائما ومقام
على حلفة لا أشتم الدّهر مسلما ... ولا خارجا من فيّ زور كلام
انظر ديوانه 2/ 769 - وفيه على قسم بدل على حلفة- وسيبويه 1/ 173 والكامل للمبرد 1/ 105 والمحتسب 1/ 57 وشرح أبيات المغني 5/ 254 وشرح شواهد الشافية 4/ 72.
(3/62)
________________________________________
فيمن جعل لا أشتم يتلقى قسما. وهو قول الأكثر، علّق قوله: على حلفة بعاهدت، فكذلك قوله: (لما آتيتكم) في قراءة حمزة. فإن قال «1» إنّ (ما) في قوله: (لما) «2» موصولة، فلا يجوز أن تكون غير موصولة، كما جاز ذلك في قول من فتح اللام، فإذا كان كذلك، لزم «3» أن يرجع من الجملة المعطوفة على الصلة ذكر إلى الموصول وإلّا لم يجز. ألا ترى أنّك لو قلت: الذي قام أبوه ثم انطلق زيد، ذاهب، لم يجز، إذا لم يكن راجع مذكور، وليس يقدّر «4» محذوف؟.
قيل: يجوز أن يكون المظهر بمنزلة المضمر، ألا ترى أنّ قوله: ما معكم هو في المعنى: ما أوتوه من الكتاب والحكمة، فهذا يكون على قياس قول أبي الحسن مثل قوله «5»: إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين [يوسف/ 90] والمعنى كأنّه قال: لا يضيع أجرهم لأنّ المحسنين هو من يتقي «6» ويصبر، وكذلك قوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا [الكهف/ 30] المعنى عنده «7» إنّا لا نضيع
__________
(1) في (ط): قيل.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): وجب.
(4) في (ط): أو مقدر.
(5) في (ط): قوله تعالى.
(6) في (ط): «يتق» جاءت على أصل القراءة التي أثبتها في الأصلين. وجاءت في (م) «يتقي» بإثبات الياء. على اعتبار أن (من) اسم موصول وليست اسم شرط. وإثبات الياء قراءة قنبل عن ابن كثير وحده في الوصل والوقف. كما في السبعة ص 351.
(7) في (ط): «عندهم».
(3/63)
________________________________________
أجرهم لأنّ من أحسن عملا هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
فكذلك قوله: لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم تقديره: مصدّق له: أي: مصدق لما آتيتكم من كتاب وحكمة. ألا ترى أنّ ما معهم هو ما أوتوه من كتاب وحكمة؟
فهذا وجه. ويجوز فيه شيء آخر، وهو: أن يكون: (لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول [مصدق لما معكم لتؤمنن] به) أي: بتصديقه، أي: بتصديق ما آتيتكموه، فحذف من الصلة، وحسن الحذف للطّول، كما حسن الحذف للطول فيما حكاه «1» الخليل من قولهم: «ما أنا بالذي قائل لك شيئا» «2».
فأمّا من فتح اللام فقال: لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم فإنّ ما فيه تحتمل «3» تأويلين: أحدهما: أن تكون موصولة، والآخر: أن تكون للجزاء. فمن قدّرها موصولة، كان القول فيما يقتضيه قوله: ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم [آل عمران/ 81] من الراجع إلى الموصول، ما تقدّم ذكره في وجه قراءة حمزة. فأمّا الراجع إلى الموصول من الجملة الأولى فالضمير المحذوف من الصلة تقديره: لما آتيتكموه، فحذف الراجع كما حذف من قوله: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] ونحو ذلك. واللّام في لما فيمن قدّر ما موصولة لام الابتداء وهي المتلقية «4» لما أجري مجرى القسم من قوله:
__________
(1) في (ط): ذكره.
(2) في سيبويه 1/ 399: زعم الخليل أنّه سمع عربيّا يقول «ما أنا ... ».
(3) في (ط): «يحتمل».
(4) في (ط): المنقلبة.
(3/64)
________________________________________
وإذ أخذ الله ميثاق النبيين [آل عمران/ 81] وموضع ما رفع بالابتداء، والخبر: لتؤمنن به [آل عمران/ 81] ولتؤمننّ: متعلق بقسم محذوف، المعنى: والله لتؤمننّ به. فإذا قدرت (ما) للجزاء كانت (ما) في موضع نصب بآتيتكم وجاءكم في موضع جزم بالعطف على آتيتكم، واللّام الداخلة على (ما) لا تكون المتلقية للقسم، ولكن تكون بمنزلة اللّام في قوله: لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض [الأحزاب/ 60]. والمتلقية للقسم قوله:
لتؤمنن به كما أنّها في قوله: لئن لم ينته المنافقون قوله لنغرينك بهم [الأحزاب/ 60]. وهذه اللّام الداخلة على إن في لئن لا يعتمد القسم عليها، فلذلك جاز حذفها تارة وإثباتها تارة كما قال: وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا [المائدة/ 73] فتلحق هذه اللّام مرة (إن) ولا تلحق أخرى، كما أنّ «1» (أن) كذلك في قوله: والله أن لو فعلت لفعلت، وو الله لو فعلت لفعلت.
فهذه اللام بمنزلة (أن) الواقعة بعد لو. قال سيبويه: سألته- يعني الخليل- عن قوله: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه [آل عمران/ 81] فقال: (ما) هاهنا بمنزلة الذي، ودخلتها اللام كما دخلت على (إن) حين قلت: لئن فعلت لأفعلنّ، فاللّام التي في (ما) مثل هذه التي في (إن) واللّام التي في الفعل كهذه التي في الفعل هاهنا «2».
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) انظر الكتاب 1/ 455.
(3/65)
________________________________________
قال أبو عثمان: فيما حكى عنه أبو يعلى [ابن أبي زرعة] «1»: زعم سيبويه أنّ (ما) هاهنا بمنزلة الذي، ثمّ فسّر تفسير الجزاء.
والقول فيما قاله من أنّ لما بمنزلة الذي، أنّه أراد أنّه اسم كما أنّ الذي اسم، وليس بحرف كما كان حرفا في قوله: وإن كلا لما ليوفينهم [هود/ 111] وإن كل ذلك لما متاع
الحياة الدنيا
[الزخرف/ 35] فهذا المعنى أراد بقوله: أنّه بمنزلة الذي ولم يرد أنّها موصولة كالذي. وإنّما لم يحمله سيبويه على أنّ (ما) موصولة بمنزلة الذي لأنّه لو حمله على ذلك للزم أن يكون في الجملة المعطوفة على الصّلة، ذكر يعود إلى «2» الموصول فلمّا لم ير ذلك مظهرا، ولم ير أن يضع المظهر موضع المضمر كما يراه أبو الحسن، عدل عن القول بأنّ (ما) موصولة إلى أنّها للجزاء، ولا يجيز سيبويه:
لعمرك ما معن بتارك حقّه ولا منسئ أبو زيد «3» ...
__________
(1) ما بين المعقوفين زيادة من (ط).
(2) في (ط): على.
(3) هكذا وقعت الرواية بالأصل: أبو زيد ... وبنى عليها الفارسي- كما ترى- تعليله.
وهذا بيت للفرزدق في ديوانه 1/ 384 ونصه:
لعمرك ما معن بتارك حقه ... ولا منسئ معن ولا متيسّر
وهو في الكتاب 1/ 31 والخزانة 1/ 181 وفي ذيل أمالي القالي ص 73: قال أبو محلم: ومعن: رجل كان كلّاء بالبادية يبيع بالكالئ أي: بالنسيئة، وكان يضرب به المثل في شدّة التقاضي وفيه يقول القائل: قال أبو الحسين أنشدناه المبرد للفرزدق-: لعمرك ما معن .... البيت. اهـ وقال البغدادي في
(3/66)
________________________________________
إذا كان أبو زيد كنيته لأنّه ليس باسمه الظاهر ولا المضمر، وأبو الحسن يجيز ذلك فلم يحمل الآية على ما لا يراه، ولم يحملها على الحذف من المعطوف على الصلة أيضا، لأنّه ليس بالكثير، ولا بموضع يليق به الحذف، ألا ترى أنّها إنّما تذكر للإيضاح. فإن قلت فمن جعل (ما) موصولة في قوله: لما آتيتكم من كتاب وحكمة [آل عمران/ 81] وجب أن تكون على قوله ابتداء، وإذا كانت «1» ابتداء اقتضت «2» خبرا، فما خبر هذا المبتدأ؟.
قيل: خبره قوله: لتؤمنن به، والذكر الذي في به يعود على الذي آتيتكموه، والذكر الذي في لتنصرنه يعود على رسول المتقدم ذكره، ولا يجوز أن يعود الذكر الأول أيضا على رسول «3» لبقاء الموصول حينئذ غير عائد إليه من خبره ذكر. فأمّا من جعله جزاء فإنّه لا يمتنع على رأيه أن يكون الذكر في لتؤمننّ به عائدا أيضا على رسول المتقدّم ذكره، لأنّ (ما) إذا كانت للجزاء لا تحتاج إلى عائد ذكر، كما تحتاج إليه (ما) التي بمنزلة الذي في أنّها موصولة لأنّ (ما) إذا كانت جزاء مفعول بها، والمفعول لا يحتاج إلى عائد ذكر. فإن قلت: فما وجه قوله: ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم
__________
الخزانة في شرح البيت: قال شراح أبيات الكتاب: عنى بالبيت معن بن زائدة الشيباني وهو أحد أجواد العرب ... وهذا غير صحيح، فإن معن بن زائدة متأخر عن الفرزدق، فإنه قد توفي الفرزدق في سنة عشر ومائة وتوفي معن بن زائدة في سنة ثمان وخمسين ومائة.
(1) في (ط): كان.
(2) في (ط): اقتضى.
(3) في (ط): رسول الله.
(3/67)
________________________________________
، والنبيّون لم يأتهم الرسول؟ ألا ترى أنّ النبي- صلى الله عليه وسلم- «1» لم يكن في وقته رسول ولا نبي، وإنّما الذين [كانوا في زمانه أهل الكتاب] «2». قيل: يجوز أن يعنى بذلك أهل الكتاب في المعنى، لأنّ الميثاق إذا أخذ على النبيّين، فقد أخذ على الذين أوتوا كتبهم من أممهم، وعامّة ما شرع للأنبياء قد شرع لأممهم وأتباعهم، من ذلك «3» أن الفروض التي تلزمنا تلزم نبينا صلى الله عليه وسلم «4»، وإذا كان كذلك، فأخذ الميثاق على النبيّين كأخذ ميثاق الذين أوتوا كتبهم من أممهم. ومن ثم جاء نحو: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء [الطلاق/ 1] فجمع النبي صلى الله عليه وسلم «5» ومن تبعه «6» في الخطاب الواحد. فهذا من جهة المعنى. ويجوز من جهة اللفظ أن يكون المراد: وإذ أخذ الله ميثاق أمم النبيّين أو أتباع النبيّين. وأهل الكتاب إنّما يأخذ عليهم الميثاق الأنبياء الذين أتوهم بالكتب، كما أخذه نبيّنا، عليه السلام، على أمّته فيما جاء من قوله «7»: وما لكم لا تؤمنون. بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم «8» إن كنتم مؤمنين [الحديد/ 8].

[آل عمران: 81]
اختلفوا في التاء والنون من قوله تعالى «9»: آتيتكم [آل عمران/ 81].
__________
(1) سقطت (وسلم) من (ط).
(2) في (ط): كانوا أهل الكتاب في زمانه.
(3) في (ط): يبين ذلك.
(4) سقطت (وسلم) في (ط).
(5) سقطت (وسلم) من (ط).
(6) في (م): «معه».
(7) في (ط): قوله تعالى.
(8) هذه قراءة أبي عمرو وحده كما سيأتي، وفي (ط) ضبطها (أخذ) على قراءة الجمهور.
(9) سقطت من (ط).
(3/68)
________________________________________
فقرأ نافع وحده: (آتيناكم) بالنون. وقرأ الباقون: آتيتكم بالتاء «1».
[قال أبو علي] «2»: الحجة لنافع في قراءته: (لما آتيناكم)، قوله تعالى: وآتينا داود زبورا [الإسراء/ 55] وآتيناه الحكم صبيا [مريم/ 12] وآتيناهما الكتاب المستبين [الصافات/ 17] ونحو ذلك.
وحجة من قال: آتيتكم، قوله: هو الذي ينزل على عبده آيات بينات [الحديد/ 9] ونزل عليك الكتاب بالحق [آل عمران/ 3] والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب [الكهف/ 1].

[آل عمران: 83]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «3»: يبغون، و (ترجعون) [آل عمران/ 83].
فقرأ أبو عمرو وحده: يبغون، بالياء مفتوحة (وإليه ترجعون) بالتاء مضمومة. وقرأهما الباقون: (تبغون وإليه ترجعون) بالتاء جميعا.
وروى حفص عن عاصم: يبغون، ويرجعون بالياء جميعا «4».
قال أبو علي: هذا مخاطبة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم «5»، بدلالة قوله: قل آمنا بالله [آل عمران/ 84] فإذا كان كذلك كان هذا حجة لمن قرأ
__________
(1) السبعة ص 214.
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة ص 214.
(5) سقطت (وسلم) من (ط).
(3/69)
________________________________________
بالتاء على تقدير: قل لهم: (أفغير دين الله تبغون وإليه ترجعون) [آل عمران/ 83] ليكون مثل (تبغون) في أنّه خطاب. ويؤكّد التاء في (ترجعون) أنّهم كانوا منكرين للبعث، ويدل على ترجعون إلي مرجعكم [آل عمران/ 55].
وحجة من قرأ بالياء: يبغون أنّه على تقدير: قل: كأنّه قل لهم: أفغير دين الله يبغون، وإليه يرجعون؟! فهذا: لأنّهم غيب فجاء على لفظ الغيبة وكذلك: وإليه يرجعون. وقد تقدّم القول في ترجعون ويرجعون. والمعنى على الوعيد، أي: أيبغون غير دين الله، ويزيغون عن دينه مع أنّ مرجعهم إليه فيجازيهم على رفضهم له.
وأخذهم ما سواه «1»؟.
[قوله: إصري آل عمران/ 81] «2».
قال: كلهم قرأ إصري بكسر الألف إلّا ما حدّثني به محمد بن أحمد بن واصل قال: حدثنا محمد بن سعدان عن معلّى [ابن منصور] «3» عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ:
أصري بضم الألف «4».
قال أبو علي: يشبه أن يكون الضمّ في «الأصر» لغة في «الإصر».

[آل عمران: 97]
اختلفوا في نصب الحاء وكسرها من قوله جلّ وعزّ «5»: حج البيت [آل عمران/ 97].
__________
(1) في (م): «سواه».
(2) ما بين معقوفين ساقط من الأصل، واستدركناه من السبعة.
(3) زيادة في السبعة ص 214.
(4) المصدر السابق.
(5) في (ط): تعالى.
(3/70)
________________________________________
فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: حج البيت بكسر الحاء.
وقرأ الباقون: (حج البيت) بفتح الحاء «1» قال أبو علي: قال سيبويه: حجّ حجّا، مثل: ذكر ذكرا «2»، فحجّ على هذا مصدر، فهذا حجة لمن كسر الحاء. وقال أبو زيد:
قال المفضّل: أنشدني أبو الغول هذا البيت لبعض أهل اليمن:
لا همّ إن كنت قبلت حجّتج ... فلا يزال شاحج يأتيك بج
«3» قال أبو علي فقوله: حجّتي مصدر حججت، حجّة.
قال أبو زيد: الحجج: السنون، واحدتها «4» حجّة.
قال أبو علي: يدلّ على ذلك قوله عزّ وجلّ «5»: على أن تأجرني ثماني حجج [القصص/ 27].
__________
(1) انظر السبعة 214.
(2) الكتاب 2/ 216.
(3) هذان بيتان من مشطور الرجز في النوادر ص 456 (ط الفاتح) ومعهما ثالث هو: أقمر نهات ينزي وفرتج وفيها: «يا رب» مكان «لا هم».
والأبيات في سر صناعة الإعراب 1/ 193، وشرح شواهد الشافية 4/ 215، 216 وفي المحتسب 1/ 75 ومجالس ثعلب 1/ 171 البيتان فقط.
تنويه: توهم البغدادي رحمه الله في شرح شواهد الشافية أن أبا علي الفارسي وابن جني لم يخطر على بالهما رواية هذه الأبيات عن أبي زيد في نوادره، ولهذا نسباها إلى الفراء .. إلخ ما قال، فهذا إن صح عن ابن جني كما في سر الصناعة، لأنه رواه عن الفراء- لا يصح عن الفارسي الذي رواه كما نرى عن أبي زيد عن المفضل عن أبي الغول، وهو السند نفسه في النوادر.
(4) في (م): «واحدها».
(5) في (ط): تعالى.
(3/71)
________________________________________
وقال أبو زيد: والحجّة، من حجّ البيت: الواحدة «1».
وقال سيبويه: قالوا: غزاة، فأرادوا عمل وجه واحد، كما قالوا: حجّة يريد «2»: عمل سنة «3»، ولم يجيئوا بها على الأصل، ولكنّه اسم له «4»:
فقوله: لم يجيئوا به «5» على الأصل، أي: على الفتح الذي هو للدّفعة من الفعل، ولكن كسروه فجعلوه اسما لذا المعنى كما أنّ غزاة كذلك، ولم تجىء فيه الغزوة وكان القياس [أن تجيء] «6».
قال أبو زيد: ويقال: حجّ، وأنشد:
أصوات حج من عمان غادي «7» قال: يريد أصوات حجّاج، وأنشد أبو زيد:
وإن رأيت الحجج الرّواددا ... قواصرا للعمر أو مواددا
«8»
__________
(1) النوادر ص 457.
(2) في (ط): يريد فيه.
(3) في (ط): سنة واحدة.
(4) الكتاب 2/ 230 مع اختلاف يسير في العبارة.
(5) في (ط): بها.
(6) زيادة من (ط).
(7) سبق البيت في 2/ 306.
(8) البيت في النوادر/ 457 وفيه: مراددا» بدل «مواددا» وفي (م) «مواردا» وهو في الخصائص لابن جني 1/ 161، 3/ 87، برواية ما أثبتناه من (ط) وموادد:
على وزن فواعل من صيغ منتهى الجموع وهي قياسية من مادّه في المدة، أي أطالها. وفي الحديث: «إن شاءوا ماددناهم» انظر اللسان والتاج (مدد) والروادد: على وزن فواعل من الفعل (ردّ)، وفي التكملة للصاغاني يشتقها من (رود)، ويجعل واحد الروادد الرودد، وفسره بالعاطف.
(3/72)
________________________________________
فالحجج اسم السنين كما قدّمه. وقولهم: حجّ في الحجّاج يجوز أن يكون تسمية بالمصدر على قول من كسر فيكون كزور وعدل، ويجوز أن يكون اسما صيغ للجمع كقوم
ورهط.

[آل عمران:/ 115]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «1»: وما تفعلوا من خير فلن تكفروه «2» [آل عمران/ 115].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بالتاء، وكان أبو عمرو لا يبالي كيف قرأهما بالياء، أو بالتاء.
وقال علي بن نصر عن هارون عن أبي عمرو بالياء، ولم يذكر التاء. وكان حمزة والكسائي وحفص عن عاصم يقرءونها بالياء «3».
[قال أبو علي] «4»: حجة من قرأ بالتاء: قوله «5» إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم [الإسراء/ 7] وقوله: وما تنفقوا من خير، يوف إليكم [البقرة/ 272] وقوله «5»: وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا [البقرة/ 197] قوله: يعلمه الله أي: يجازي «7» عليه.
وحجّة من قرأ بالياء أنّه قد تقدّم أمة قائمة يتلون آيات الله [آل عمران/ 113] وما يفعلوا من خير فلن يكفروه [آل عمران/ 115].
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): بالياء في قوله: «يفعلوا ... يكفروه».
(3) انظر السبعة ص 215.
(4) سقطت من (ط).
(5) زيادة من (ط).
(7) في (م): يجاز.
(3/73)
________________________________________
[آل عمران: 120]
اختلفوا في ضمّ الضّاد وتشديد الرّاء، وكسر الضاد، وتخفيف الراء من قوله تعالى «1» لا يضركم [آل عمران/ 120].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع: (لا يضركم) «2» بكسر الضاد وتخفيف الراء.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يضركم: بضم الضاد وتشديد الراء. [حدثنا ابن مجاهد قال]: أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله المقرئ «3» عن عبد الرزّاق بن الحسن قال حدثنا: أحمد بن جبير قال: حدثنا حجّاج الأعور عن حمزة أنّه
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) ما بين المعقوفين سقطت من (ط).
(3) كذا جاء في الأصل عندنا، وفي السبعة: أخبرني بذلك أبو عبد الله محمد بن عبد الله الرملي، عن عبد الرزاق بن الحسن ... قال الجزري: هو محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن سليمان أبو بكر الضرير الرملي، من رملة لدّ، يعرف بالداجوني الكبير، إمام كامل ناقل رحّال مشهور ثقة ... حدّث عنه ابن مجاهد، وحدّث هو عن ابن مجاهد، وصنف كتابا في القراءات، قال الداني: إمام مشهور ثقة مأمون، حافظ، ضابط، رحل إلى العراق وإلى الريّ بعد سنة ثلاثمائة، قلت: وقد دلّس ابن مجاهد اسمه في كتابه فقال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الرملي المقرئ. قال حدثنا عبد الرزاق، فمحمد بن عبد الله هذا هو الداجوني وقال في مكان آخر حدثنا محمد بن أحمد المقرئ قال حدثنا عبد الرزاق بن الحسن، والمقرئ هذا هو الداجوني، مات في رجب سنة أربع وعشرين وثلاثمائة عن إحدى وخمسين سنة اهـ منه. الطبقات 2/ 77. والمكان الآخر الذي ذكره فيه ابن مجاهد هو في سورة الأنعام، قال:
«أخبرني بذلك محمد بن أحمد المقرئ قال حدثنا عبد الرزاق بن الحسن ... » انظر السبعة ص 268.
(3/74)
________________________________________
قرأ: (لا يضركم) مثل قراءة أبي عمرو «1».
قال أبو علي: من قال: (لا يضركم) جعله من ضار يضير مثل باع يبيع وحجّته قوله: قالوا: لا ضير [الشعراء/ 50] فضير مصدر كالبيع.
وقال الهذليّ:
فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها ... مطبّعة من يأتها لا يضيرها
«2» وحجّة من قال: لا يضركم قوله تعالى: ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم [يونس/ 18] فكلتا القراءتين حسنة لمجيئهما جميعا في التنزيل.

[آل عمران: 124]
قال: وكلّهم قرأ منزلين، [آل عمران/ 124] خفيف «3» الزاي غير ابن عامر فإنّه قرأ منزلين مشدد الزاي «4».
قال أبو علي: حجّة ابن عامر: تنزل الملائكة والروح فيها [القدر/ 4] ألا ترى أنّ [مطاوع نزّل ينزّل نزّلته فتنزّل] «5»، وقوله
__________
(1) السبعة ص 215.
(2) البيت لأبي ذؤيب في شرح أشعار الهذليين 1/ 208، والكتاب لسيبويه 1/ 438 والمقتضب 2/ 72، وابن يعيش 8/ 158، والخزانة، 3/ 647 وشرح شواهد الألفية للعيني 4/ 431، والأشموني 1/ 18، وشرح أبيات المغني 1/ 372 و 5/ 52 قال الأعلم في شرح البيت: وصف قرية كثيرة الطعام، من امتار منها، وحمل فوق طاقته، لم ينقصها.
(3) في (ط): خفيفة.
(4) السبعة ص 215.
(5) جاء ما بين المعقوفين في (ط): «أنّ تنزّل مطاوع نزّل ينزّل، تقول: نزّلته فتنزّل».
(3/75)
________________________________________
[جلّ اسمه] «1»: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة [الأنعام/ 111] وحجّة من خفّف قوله: وقالوا لولا أنزل عليه ملك [الأنعام/ 8] ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر [الأنعام/ 8]. ومن حجّة «2» من قرأ:
منزلين أنّ الإنزال يعمّ التنزيل وغيره، قال تعالى «3»: وأنزلنا إليك الذكر [النحل/ 44]. وإنا أنزلناه في ليلة القدر [القدر/ 1] وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد [الحديد/ 25] وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر/ 6].

[آل عمران: 125]
واختلفوا في فتح الواو وكسرها من قوله [جلّ وعز] «4»:
مسومين [آل عمران/ 125].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: مسومين بكسر الواو.
وقرأ الباقون: مسومين بفتح الواو «5».
قال أبو علي «6»: جاء في التفسير في قوله تعالى: يعرف المجرمون بسيماهم [الرحمن/ 41] أنّه سواد الوجوه وزرقة الأعين. قال أبو زيد: السّومة: العلامة تكون على الشاة ويجعل عليها لون يخالف لونها لتعرّف به «7». قال أبو علي: فقوله: مسومين من هذا، وهذه العلامة يعلمها الفارس يوم اللقاء ليعرف بها. قال:
__________
(1) في (ط): تعالى.
(2) في (ط): وحجة.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): تعالى.
(5) سقطت من (ط).
(6) سقطت من (ط).
(7) في (ط): بها.
(3/76)
________________________________________
فتعرّفوني إنّني أنا ذاكم ... شاك سلاحي في الحوادث معلم
«1» وقال أبو زيد: سوّم الرجل تسويما فهو مسوّم إذا أغار على القوم إغارة فعاث فيهم. وقال: وسوّمت الخيل تسويما إذا أرسلتها وخلّيتها تخلية. وأمّا من قرأ: مسومين فقال أبو الحسن: لأنّهم هم سوّموا الخيل. قال: ومن قرأ: مسومين فلأنّهم هم سوّموا.
قال: ومسوّمين. يكون معلمين، ويكون مرسلين من قولك:
سوّم فيها الخيل، أي: أرسلها، ومنه السائمة. وذكر بعض شيوخنا أنّ الاختيار عنده الكسر، لما جاء في الخبر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال يوم بدر: «سوّموا فإنّ الملائكة قد سوّمت» «2» فنسب الفعل إلى الملائكة.

[آل عمران: 133]
أحمد: وكلّهم «3» قرأ: وسارعوا-[آل عمران/ 133] بواو
__________
(1) البيت ثاني أبيات من أصمعية برقم 39 لطريف بن تميم العنبري برواية:
فتوسموني، بدل: تعرفوني، وقبله:
أو كلّما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم
وانظر الكتاب لسيبويه 2/ 129، 378، والمنصف 2/ 53، 3/ 66، والمحتسب 2/ 253 وأسماء المغتالين ص 219 من نوادر المخطوطات وشرح الشافية 4/ 370 ومعاهد التنصيص 1/ 204.
(2) رواه الطبري في تفسيره 4/ 82 وأخرجه السيوطي في الدر المنثور 2/ 70 فقال: أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمير بن إسحاق قال: إن أول ما كان الصوف ليوم بدر، قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «تسوّموا فإنّ الملائكة قد تسوّمت» فهو أول وضع الصوف. قال في النهاية 2/ 425 (سوم) فيه: «أنّه قال يوم بدر:
سوّموا فإنّ الملائكة قد سوّمت»، أي: اعملوا لكم علامة يعرف بها بعضكم بعضا، والسومة والسّمة: العلامة.
(3) السبعة ص 216.
(3/77)
________________________________________
غير نافع وابن عامر فإنّهما قرأ: سارعوا بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام. وروى أبو عمر الدوري عن الكسائي: وسارعوا وأولئك يسارعون في الخيرات [المؤمنون/ 61] ونسارع لهم في الخيرات [المؤمنون/ 56] بالإمالة في كلّ ذلك «1».
قال أبو علي: [كلا الأمرين سائغ] «2» مستقيم، فمن قرأ بالواو فلأنّه عطف الجملة على الجملة، والمعطوف عليها قوله: وأطيعوا الله والرسول [آل عمران/ 132] وسارعوا. ومن ترك الواو فلأنّ الجملة الثانية ملتبسة بالأولى مستغنية بالتباسها بها «3» عن عطفها بالواو.
وقد جاء الأمران في التنزيل في قوله: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم [الكهف/ 22] وقال: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [الكهف/ 22] وقال «4»: أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة/ 39] فهذا على قياس قراءة نافع وابن عامر. وما روي عن الكسائي من إمالة الألف في وسارعوا وأولئك يسارعون ونسارع لهم في الخيرات فالإمالة هنا في الألف حسنة، لوقوع الراء المكسورة بعدها، وكما تمنع المفتوحة الإمالة، فكذلك المكسورة تجلبها.

[آل عمران: 140]
اختلفوا في فتح القاف وضمّها من قوله تعالى «5»: قرح [آل عمران/ 140].
__________
(1) انظر السبعة ص 216.
(2) في (ط): كل الأمر شائع.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): وقال تعالى.
(5) سقطت من (ط).
(3/78)
________________________________________
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: قرح بفتح القاف في كلّهنّ.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: قرح* بضم القاف في جميعهنّ. وروى حفص عن عاصم: قرح بالفتح مثل أبي عمرو. وكلّهم أسكن الراء في قرح «1».
قال أبو علي: قرح وقرح مثل: الضّعف والضّعف، والكره والكره، والفقر والفقر، والدّف والدّف. والشّهد والشّهد. وكأن الفتح أولى لقراءة ابن كثير، ولأنّ لغة أهل الحجاز الأخذ بها أوجب، لأنّ القرآن عليها نزل.
وقال أبو الحسن: قرح، يقرح قرحا، وقرحا، فهذا يدلّ على أنّهما مصدران، وأنّ كلّ واحد منهما بمعنى الآخر.
ومن قال: إنّ القرح الجراحات بأعيانها، والقرح ألم الجراحات «2» قبل ذلك منه إذا أتى فيه برواية، لأنّ ذلك ممّا لا يعلم بالقياس.

[آل عمران: 146]
اختلفوا في الهمز من قوله تعالى «3» كأين [آل عمران/ 146].
__________
(1) السبعة ص 216.
(2) قال في المحكم 2/ 402: «وقيل: القرح: الآثار. والقرح: الألم. وقال يعقوب: كأنّ القرح: الجراحات بأعيانها، وكأنّ القرح: ألمها ... وقيل يميت الجراحات قرحا بالمصدر، والصحيح أنّ القرحة: الجراحة، والجمع قرح وقروح».
(3) سقطت من (ط).
(3/79)
________________________________________
فقرأ ابن كثير وحده: وكائن* الهمزة بين الألف والنون في وزن كاعن.
وقرأ الباقون: وكأي الهمزة بين الكاف والياء، والياء مشدّدة في وزن كعيّ «1».
قال أبو علي: كنّا رأينا قديما في قولهم: وكائن وأكثر ما يجيء في الشعر كقول الشاعر: [كما أنشده سيبويه] «2»:
وكائن رددنا عنكم من مدجّج ... يجيء أمام القوم يردي مقنّعا
«3» وكقوله «4»:
وكائن إليكم قاد من رأس فتنة ... جنودا وأمثال الجبال كتائبه
وقول جرير: «5».
وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لو أصبت المصابا
__________
(1) السبعة ص (216).
(2) ما بين المعقوفتين ساقط في (ط).
(3) في (ط): برواية:
وكائن رددنا عنكم من كتيبة ... يجيء أمام الألف يردي مقنّعا
وكتب في الهامش: في أخرى: مدجج. أي بدل «كتيبة». وفي (م) رسم فوق كلمة: «القوم»: «الألف» مشيرا إلى الرواية الثانية.
والبيت لعمرو بن شأس في الكتاب 1/ 297، وفي الهمع 1/ 256 صدره، والدرر 1/ 213 واستشهد به القرطبي في تفسيره للآية 4/ 228.
(4) لم نعثر عليه.
(5) ديوانه ص 17 (ط: الصاوي) وابن الشجري 1/ 106، وابن يعيش 3/ 110،
(3/80)
________________________________________
وكائن على وزن كاعن، كان الأصل فيه كأيّ دخلت الكاف على أيّ كما دخلت على (ذا) من (كذا) و (أنّ) من (كأنّ)، وكثر استعمال الكلمة فصارت ككلمة واحدة، فقلب قلب الكلمة الواحدة، كما فعل ذلك في قولهم: لعمري ورعملي، حكي «1» لنا عن أحمد بن يحيى، فصار كيّإن [مثل كيّع] «2» فحذفت الياء الثانية كما حذفت في كينونة فصار كيء بعد الحذف، ثمّ أبدلت من الياء الألف كما أبدل من طائيّ، وكما أبدلت من «آية» عند سيبويه، وكانت «أيّة». وقد حذفت الياء «3» من أيّ في قول الفرزدق:
تنظّرت نصرا والسّماكين أيهما ... عليّ من الغيث استهلّت مواطره
«4» ومن قول الآخر: «بيّض .. » «5».
فحذف الياء الثانية من أيّ أيضا. فأمّا النون في أيّ، فهي التنوين الداخل على الكلمة مع الجرّ، فإذا كان كذلك، فالقياس إذا وقفت عليه (كاء) فتسكن الهمزة المجرورة للوقف، وقياس من
__________
4/ 135، والهمع 1/ 256، والدرر 1/ 213، والخزانة 2/ 454، والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 7/ 75 وهو من قصيدة في مدح الحجاج بن يوسف الثقفي. واستشهد به القرطبي في تفسيره 4/ 228.
(1) في (ط): وحكي.
(2) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(3) سقطت من (ط).
(4) سبق البيت في 1/ 67 وهو في المحتسب 1/ 41، 108 و 2/ 152، والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 2/ 146، 149. ونصر: هو نصر بن سيار أمير خراسان.
(5) سقط من (م) قوله: «ومن قول الآخر بيّض» وهي قطعة من شاهد لم نقف على تمامه.
(3/81)
________________________________________
قال: مررت بزيدي أن يقول: كائي، فيبدل منه «1» الياء. ولو قال قائل: إنّه بالقلب الذي حدث في الكلمة، صارت بمنزلة النون التي من نفس الكلمة، فصار بمنزلة لام فاعل فأقرّه نونا في الوقف، وأجعله بمنزلة ما هو من نفس الكلمة، كما جعلت التي في «لدن» بمنزلة التنوين الزائد في قول من قال «2»: لدن غدوة لكان قولا.
ويقوّي ذلك أنّهم لمّا حذفوا الكلام في قولهم: إما لا جعلوها بالحذف ككلمة واحدة حتى أجازوا الإمالة في ألف لا* كما أجازوها في التي تكون من نفس الكلمة في الأسماء والأفعال.
وسمعت أبا إسحاق يقول: إنّها تقال ممالة فجعل القلب في كائن بمنزلة الحذف في إما لاجتماعهما في التغيير، لكان قولا، فيقف على كائن بالنون، ولا يقف على النون إذا لم تقلب، كما لا تميل الألف في لا* إذا «3» لم تحذف معها.

[آل عمران: 146]
اختلفوا في ضمّ القاف وفتحها وإدخال الألف وإسقاطها من قوله تعالى: قتل معه [آل عمران/ 146].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع قتل معه [آل عمران/ 146] بضم القاف بغير ألف.
وقرأ الباقون: قاتل بفتح القاف وبألف «4».
__________
(1) في (ط): «منها».
(2) هذا من قول العرب: قال المبرد وثعلب: العرب تقول: لدن غدوة ولدن غدوة ولدن غدوة، فمن رفع أراد لدن كانت غدوة، ومن نصب أراد: لدن كان الوقت غدوة، ومن خفض أراد من عند غدوة.
انظر تهذيب اللغة للأزهري 8/ 171.
(3) في (ط): «إذ» بدل «إذا».
(4) السبعة ص 217.
(3/82)
________________________________________
[قال أبو علي] «1»: أمّا قتل فيجوز أن يكون مسندا إلى ضمير أحد اسمين إلى ضمير «نبي»، والدّليل على جواز إسناده إلى هذا الضمير أنّ هذه الآية في معنى قوله: أفإن مات أو قتل انقلبتم [آل عمران/ 144] وروي عن الحسن أنّه قال: «ما قتل نبي في حرب قطّ» «2» وقال ابن عباس في قوله «3»: وما كان لنبي أن يغل «4» [آل عمران/ 161]: «قد كان النبيّ يقتل فكيف لا يخوّن» «5»! والذي في الآية من قوله: قتل لم يذكر أنّه في حرب.
فإذا أسند قتل إلى هذا الضمير احتمل قوله: معه ربيون أمرين:
أحدهما: أن يكون صفة لنبي «6»، فإذا قدّرته هذا التقدير كان قوله: ربّيون: مرتفعا بالظرف بلا خلاف «7». والآخر: أن لا تجعله صفة ولكن حالا من الضمير الذي في قتل، فإن جعلته صفة كان الضمير الذي في «8» معه* المجرور، لنبيّ، وإن جعلته حالا كان الضمير الذي في معه* يعود إلى الذكر المرفوع الذي في قتل، والاسم الآخر الذي يجوز أن يسند إليه قتل ربّيّون فيكون قوله:
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) ذكره القرطبي في التفسير 4/ 229.
(3) في (ط): قوله تعالى.
(4) وهي قراءة ستأتي في موضعها. وانظر البحر المحيط 3/ 101.
(5) قال السيوطي في الدر المنثور 2/ 91: «أخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن مجاهد قال: كان ابن عباس ينكر على من يقرأ: وما كان لنبي أن يغل ويقول: كيف لا يكون له أن يغلّ وقد كان له أن يقتل؟! قال الله: ويقتلون الأنبياء بغير حق ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة فأنزل الله: وما كان لنبي ... » اهـ منه.
(6) في (ط): للنبي.
(7) في (م): لا خلاف.
(8) سقطت من (ط).
(3/83)
________________________________________
معه* على هذا التقدير معلّقا «1» بقتل، وعلى القولين الآخرين اللذين هما: الصفة والحال متعلّقا في الأصل بمحذوف، وكذلك من قرأ:
قاتل فهو يجوز فيه ما جاز في قراءة من قرأ قتل*:
والرّبيون: الذين يعبدون الرّبّ، واحدهم ربّي. هكذا فسره أبو الحسن، وقيل فيه: إنه منسوب إلى علم الربّ وكذا «2» الربّانيّون.
وحجّة من قرأ: قتل* أنّ هذا الكلام اقتصاص ما جرى عليه سير أمم الأنبياء قبلهم ليتأسوا بهم، وقد قال: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم [آل عمران/ 144] وحجّة من قرأ: قاتل أن المقاتل قد مدح كما مدح المقتول فقال: «3» وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم [آل عمران/ 195]. فمن أسند الضمير الذي في قتل إلى نبي كان قوله: فما وهنوا [آل عمران/ 146] أي: ما وهن الرّبيون، ومن أسند الفعل إلى الربّيين دون ضمير نبي كان معنى: فما وهنوا ما وهن باقيهم بعد من قتل منهم في سبيل الله، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. ومن جعل قوله: معه ربيون صفة أضمر للمبتدإ الذي هو كأيّ خبرا، وموضع الكاف الجارّة في كأيّ مع المجرور: رفع، كما أنّ موضع الكاف في قوله «4»: له كذا وكذا: رفع، ولا معنى للتشبيه فيها، كما أنّه لا معنى للتشبيه في كذا وكذا.

[آل عمران: 151]
اختلفوا في تخفيف قوله: [جلّ وعز] «5»: الرعب
__________
(1) في (ط): متعلّقا.
(2) في (ط): وكذلك.
(3) في (ط): فقال تعالى.
(4) في (ط): قولك.
(5) سقطت من (ط).
(3/84)
________________________________________
وتثقيله [آل عمران/ 151] فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة: الرعب ساكنة العين خفيفة. وقرأ ابن عامر والكسائي: الرعب* مضمومة العين مثقلة حيث
وقعت «1».
قال أبو علي: الإلقاء في قوله تعالى: سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب [آل عمران/ 151] أصله في الأعيان، واستعمل في غيرها على طريق الاتّساع. يدل «2» على ذلك قوله «3»: وألقى الألواح [الأعراف/ 150] وفألقوا حبالهم وعصيهم [الشعراء/ 44] وإذ يلقون أقلامهم [آل عمران/ 44].
وقال سيبويه: «ألقيت متاعك بعضه على بعض» «4»، وليس الرعب بعين، وكذلك قوله تعالى: وألقيت عليك محبة مني [طه/ 39] ومثل الإلقاء في ذلك الرمي، قال: رمى فأخطأ أي:
السهم. وقال «5»:
كشهاب القذف يرميكم به
__________
(1) السبعة ص 217.
(2) في (ط): يدلك.
(3) في (ط): قوله تعالى.
(4) انظر الكتاب 1/ 78 فقد أطنب سيبويه في تقليب وجه إعرابه. وفسر سيبويه هنا ألقى بمعنى أسقط وطرح ...
(5) صدر بيت للأفوه الأودي في ديوانه ص 12 من الطرائف الأدبية وعجزه:
الحماسة البصرية 1/ 49 والحيوان 6/ 275، ورسالة الغفران ص 79 وذكر الجاحظ في الحيوان 6/ 280، أنّ البيت من قصيدة مصنوعة.
فارس في كفّه للحرب نار.
(3/85)
________________________________________
فأضاف الشهاب إلى القذف لمّا كان من رمي الرامي به، كما قال «1»:
يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي وإذا مات لم تكن له خلّة، ولكن أضافها إلى نفسه، لما كان منه من سدّه لها، وهذا النحو من الإضافة على هذا الوجه كثير.
وقال تعالى: والذين يرمون أزواجهم [النور/ 6] أي: بالزنا، فهذا اتساع لأنّ هذا ليس بعين، وكذلك قوله «2».
__________
(1) هذا عجز بيت، صدره:
زعمت تماضر أنّني إمّا أمت وهو من قصيدة أوردها أبو زيد في النوادر ص 375، وفي الأصمعيات ص 161 برقم (156) نسبها لعلباء وفي أمالي القالي 1/ 81 عن الأصمعي لسلّميّ بن ربيعة، وفي الحماسة شرح المرزوقي 2/ 546 - 552 والتبريزي 2/ 55 لسلمى بن ربيعة. وتماضر: امرأته. وهو من شواهد الرضي في شرح الكافية 3/ 379، وابن الشجري 1/ 43 و 2/ 69 وابن يعيش 9/ 5، 41 والخزانة 3/ 400، والهمم 2/ 63، والدرر 2/ 79. قال في النوادر:
«قال أبو الحسن: هكذا وقع في كتابي: سلمى، وحفظي: سلميّ».
قال التبريزي: فقوله: أبينوها على هذا: تصغير أبناء مقصورا عند البصريين وهو اسم صيغ للجمع كأروى وأضحى، فهو على أفعل بفتح العين، وعند الكوفيين تصغير ابن مثل دلو وأدل على أفعل بضم العين.
(2) البيت أول بيتين لعمرو بن أحمر، انظرهما في شعره ص 187، وتتمته:
... ومن أجل الطّويّ رماني وهو من أبيات سيبويه 1/ 38. واستشهد به البغدادي في شرح أبيات المغني 6/ 9 على أن التمثيل من محاسن الكلام. وهو أن يروم الشاعر ذكر معنى فيعدل على الإفصاح به إلى ما يجري مجرى المثل فيكون مبنيا على
(3/86)
________________________________________
رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئا ....
وقال «3»:
قذفوا سيّدهم في ورطة ... قذفك المقلة وسط المعترك
«4» فالأوّل: على الاتساع، والثاني: على الأصل، ألا ترى أن المقلة تلقى للتصافن، كما يلقى غيرها؟ فهذا بمنزلة: ألقيت الحجر ونحوه. ومما جاء قريبا من الرمي والقذف والإلقاء، الرجم، ورجم ماعز «5»، ومن الاتساع فيه قوله:
__________
مراده فيه كقوله الشاعر ... وأنشد البيت. وأراد أنه رجع إليه ما رمى به، من قولهم: «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها» اهـ منه. وقد فاتنا تخريجه في شرح أبيات المغني.
(3) سقطت من (ط).
(4) البيت ليزيد بن طعمة الخطميّ. انظر المعاني الكبير 1/ 309 وفيه: جارهم في هوة بدل: سيدهم في ورطة واللسان (مقل) وشروح سقط الزند/ 1433/. والمقلة: حصاة القسم، توضع في الإناء ليعرف قدر ما يسقى كل واحد منهم، وذلك عند قلة الماء في المفاوز (اللسان).
(5) ماعز هو ماعز بن مالك الأسلمي قال ابن حبان له صحبة وهو الذي رجم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم انظر الإصابة 3/ 317 وقصة ماعز بن مالك وإقراره على نفسه بالزنى في مسلم برقم/ 1692/ من حديث جابر بن سمرة وبرقم/ 1694/ من حديث أبي سعيد (حدود) وعند البخاري بشرح الفتح برقم/ 6814/ من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلا من أسلم إلخ الحديث .. وقد استوفى ابن حجر طرق الحديث، وشرح قصته شرحا وافيا. انظره في 12/ 120 - 127.
(3/87)
________________________________________
هما نفثا في فيّ من فمويهما ... على النابح العاوي أشدّ رجام
«1» فالرجام المراجمة بالسّباب، فهذا نحو: رماه بالزّنا، وقذفه به، وألقى عليه مسألة، ونفثا السّباب: اتساع أيضا، لأنّه ليس بعين. فأمّا مثل «2» الرّعب والرعب، والطنب والطنب، والعنق والعنق، فقد تقدّم ذكره.

[آل عمران: 154]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «3»: يغشى طائفة منكم [آل عمران/ 154] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر يغشى طائفة منكم بالياء. وقرأ حمزة والكسائي تغشى بالتاء «4».
[قال أبو علي] «5»: حجّة من قرأ بالياء: قوله تعالى «6»: إذ يغشاكم النعاس [الأنفال/ 11] فالنّعاس هو الغاشي، وكذلك قراءة من قرأ: إذ يغشيكم النعاس لأنّه إنّما جعل الفاعل بتضعيف العين مفعولا. ومن حجّتهم: أنّ يغشى أقرب إلى النعاس،
__________
(1) البيت للفرزدق، في ديوانه ص 771 برواية: تفلا بدل نفثا ولجامي بدل:
رجام. وفي الكتاب 2/ 83، 202، والمقتضب 3/ 158 والخصائص 1/ 170، 3/ 147، والمحتسب 2/ 238، والإنصاف 1/ 345 والخزانة 2/ 269، 3/ 346 وشرح شواهد الشافية 4/ 115 واللسان (فوه).
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة ص 217.
(5) سقطت من (ط).
(6) سقطت من (ط).
(3/88)
________________________________________
فإسناد الفعل إليه أولى. ومنها «1» أنّه يقال: غشيني النعاس، وغلب عليّ النعاس، ولا يسهل: غشيني الأمنة، ومن قرأ بالتاء حمله «2» على الأمنة.
فأمّا قوله: إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي [الدخان/ 45] فحمل الكلام على الشجرة لقوله تعالى «3»:
فإنهم لآكلون منها فمالؤن منها البطون [الصافات/ 66] وقال:
لآكلون من شجر من زقوم [الواقعة/ 52] فنسب الأكل إلى الشجر.
ومن حجّة من قرأ بالتاء: أنّ النعاس، وإن كان بدلا من الأمنة، فليس المبدل منه في طريق ما يسقط من الكلام، يدلّك على ذلك قولهم: الذي مررت به زيد أبو عبد الله.
وقال:
وكأنّه لهق السّراة كأنّه ... ما حاجبيه معيّن بسواد
«4» فجعل الخبر عن «5» الذي أبدل منه.
__________
(1) في (ط): «منه».
(2) في (ط): «جعله».
(3) سقطت من (ط).
(4) البيت للأعشى في الكتاب 1/ 80 وابن يعيش 3/ 67، والخزانة 2/ 370، والبيت ليس في ديوانه قال الأعلم: وصف ثورا وحشيا شبه به بعيره في حذقه ونشاطه، فيقول: كأنّه ثور لهق السراة، أي: أبيض أعلى الظهر، وسراة الظهر أعلاه أسفع الخدين كأنما عين بسواد. اهـ.
(5) في (م): على.
(3/89)
________________________________________
[آل عمران: 154]
واختلفوا في رفع اللام ونصبها من قوله: [جلّ وعز] «1»:
قل إن الأمر كله لله [آل عمران/ 154].
فقرأ أبو عمرو وحده: قل إن الأمر كله لله رفعا. وقرأ الباقون كله نصبا «2».
قال أبو علي: حجّة من نصب: أنّ كله بمنزلة أجمعين وجمع في أنّه للإحاطة والعموم، فكما أنّه لو قال:
[إنّ الأمر] «3» أجمع، لم يكن إلّا نصبا «4»، كذلك إذا قال:
كله لأنّه بمنزلة أجمعين، وليس الوجه أن يلي العوامل، كما لا يليها أجمعون. وحجّة أبي عمرو في رفعه كله* وابتدائه به أنّه وإن كان في أكثر الأمر بمنزلة أجمعين لعمومها، فإنّه قد [ابتدئ بها كما] «5» ابتدئ «6» بسائر الأسماء في نحو «7» قوله: وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [مريم/ 95] فابتدأ به في الآية.
ولم يجره على ما قبله، لأنّ قبله كلاما قد بني عليه فأشبه [بذلك ما يكون] «8» جاريا على ما قبله، وإن خالفه في الإعراب، ألا ترى أنّ اسم الفاعل يعمل عمل الفعل إذا جرى صفة لموصوف أو حالا لذي حال أو خبرا لمبتدإ، ولا يحسن إعماله عمل الفعل، إلّا في هذه المواضع؟ وقد قالوا: أقائم أخواك وأ ذاهب إخوتك،
__________
(1) في (ط): تعالى.
(2) السبعة ص 217.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): إلّا النصب.
(5) ما بين المعقوفتين سقط من (ط).
(6) في (ط): ابتدأ.
(7) سقطت من (ط).
(8) في (ط): به اسما يكون.
(3/90)
________________________________________
وما ذاهب إخوتك، فأعملوا اسم الفاعل لمّا تقدّمه كلام أسند إليه، وإن لم يكن أحد تلك الأشياء التي تقدّم ذكرها، فكذلك حسن ابتداء كلّهم في الآية لمّا كان قبله كلام، فأشبه بذلك [اتباعه، ما كان] «1» جاريا عليه كما أشبه اسم الفاعل في إجرائه على ما ذكرنا، ما يجري صفة على موصوف أو حالا أو خبر مبتدأ، نحو:
مررت برجل قائم أبواه، وهذا زيد قائما غلامه وزيد منطلق أبواه، فكذلك. حسن الابتداء بكلّهم، وقطعه مما قبله لما ذكرت من المشابهة.
ومن ثمّ أجاز سيبويه: أين تظن زيد ذاهب «2»، فألغى الظنّ، وإن كان أين غير مستقرّ، كما جاز إلغاؤه إذا كان أين مستقرّا لأنّ قبله كلاما، فجعله، وإن لم يكن مستقرا، بمنزلة المستقر كما جعلوا همزة الاستفهام، وحرف النفي في: أقائم أخواك، بمنزلة الموصوف نحو: مررت برجل قائم أخواه.

[آل عمران: 156]
واختلفوا «3» في التاء والياء من قوله: [جلّ اسمه] «4» يحيى ويميت والله بما تعملون بصير [آل عمران/ 156] فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي يعملون بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء. وروى هارون الأعور وعلي بن نصر عن أبي عمرو بالياء «5».
__________
(1) في (ط): اتباعهم ما يكون.
(2) انظر سيبويه 1/ 63 حيث قال: «كما ضعف أظنّ زيد ذاهب، وهو في متى وأين أحسن».
(3) سقطت الواو من (ط).
(4) في (ط): تعالى.
(5) في السبعة ص 217: روى علي بن نصر عن هارون الأعور عن أبي عمرو.
(3/91)
________________________________________
[قال أبو علي] «1»: حجّة من قرأ بالتاء قوله تعالى «1»: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا [آل عمران/ 156] وحجّة الياء: أنّ قبلها أيضا غيبة وهو قوله: وقالوا لإخوانهم [آل عمران/ 147] وما بعده، فحمل الكلام على الغيبة.

[آل عمران: 157]
واختلفوا «3» في ضمّ الميم وكسرها [من قوله جلّ وعزّ] «4»: مت ومتنا ومتم، في كلّ القرآن. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر: مت، ومتم ومتنا برفع الميم في كلّ «5» القرآن. وروى حفص عن عاصم ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم [آل عمران/ 157] ولئن متم أو قتلتم [آل عمران/ 158] برفع الميم في هذين الحرفين، ولم يكن يرفع الميم في غير هذين الحرفين في جميع القرآن.
[حدّثنا ابن مجاهد قال] «6»: حدثنا وهيب المروذيّ قال:
حدّثنا الحسن بن المبارك، قال: حدّثنا أبو حفص قال: حدّثنا سهل أبو عمرو قال: قال عاصم: ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم [آل عمران/ 157] بضمّ الميم من الموت، وباقي القرآن متّم «7» بكسر الميم، أي: بليتم. ومتنا ومتّ.
__________
(1) ما بين معقوفين زيادة في (م).
(3) سقطت الواو من (ط).
(4) ما بين المعقوفين سقط من (ط).
(5) في (ط): جميع.
(6) ما بين المعقوفين ساقط من (ط).
(7) سقطت من (ط).
(3/92)
________________________________________
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: متم*، ومت*، ومتنا* في كلّ القرآن بالكسر «1».
قال أبو علي: الأشهر «2» الأقيس: متّ تموت، مثل: قلت تقول وطفت تطوف، وكذلك هذا يستمرّ على ضمّ الفاء منه، والكسر شاذ في القياس، وإن لم يكن في الاستعمال كشذوذ «3».
... اليجدّع «4» ونحوه مما شذّ عن الاستعمال والقياس، ونظيره: فضل يفضل في الصحيح، وأنشدوا:
ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر ... وما مرّ من عمري ذكرت وما فضل
«5» وقد أنشد بعضهم:
عيشي ولا يومي بأن تماتي «6» ولا أظنّه ثبتا، وكذلك شعر آخر فيه «تدام» «7» وهو عندي مثل
__________
(1) السبعة ص 218 وسقط من السبعة من قوله: وقرأ نافع ... إلى بالكسر.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (م) بشذوذ.
(4) هذا آخر بيت سبق في 1/ 101.
(5) البيت أوّل أبيات ثلاثة لأبي الأسود الدؤلي في الأغاني في 12/ 322 وهو في المنصف 1/ 256، وفيه وفي الأغاني: عيشي بدل عمري. وابن يعيش 7/ 154 وفيه: يومي بدل عمري.
(6) شطر بيت من الرجز: في اللسان (موت) ولم يعزه. ونصه:
بنيّ يا سيدة البنات ... عيشي ولا يؤمن أن تماتي
(7) قال في اللسان/ دوم/: دام الشيء يدوم ويدام، قال:
يا ميّ لا غرو ولا ملاما ... في الحبّ إنّ الحبّ لن يداما.
قال أبو الحسن: في هذه الكلمة نظر، ذهب أهل اللغة في قولهم، دمت
(3/93)
________________________________________
الأول، ولا أعلم فصلا بين الموت إذا تبعه البلى، وبينه إذا لم يتبعه البلى.
قال: وكلّهم قرأ: خير مما تجمعون بالتاء [آل عمران/ 157] إلّا عاصما في رواية حفص، فإنّه قرأ بالياء، ولم يروها عن عاصم غيره بالياء «1».
[قال أبو علي] «2»: والمعنى: خير مما تجمعون. أيها المقتولون في سبيل الله، أو المائتون مما تجمعون من أعراض الدنيا التي تتركون القتال في سبيله للاشتغال بها وبجمعها عنه.
ومعنى الياء أنه: لمغفرة من الله خير مما يجمعه غيركم، مما تركوا القتال لجمعه. والأول أظهر وأشكل بالكلام.

[آل عمران: 161]
اختلفوا في فتح الياء وضمّ الغين، وضمّ الياء وفتح الغين من قوله: [جلّ وعز] «3»: يغل [آل عمران/ 161].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بغل بفتح الياء وضمّ الغين.
وقرأ الباقون: يغل بضم الياء، وفتح الغين «4».
__________
تدوم إلى أنّها نادرة كمتّ تموت. وفضل يفضل ... وذهب أبو بكر إلى أنها متركبة فقال: دمت تدوم كقلت تقول. ودمت تدام، كخفت تخاف، ثمّ تركبت اللغتان فظن قوم أن تدوم على دمت، وتدام على دمت ذهابا إلى الشذوذ وإيثارا له، والوجه ما تقدّم من أنّ: تدام على دمت. اهـ منه.
(1) السبعة ص 218.
(2) ما بين معقوفين سقط من (ط) والواو بعدها زيادة منها.
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة ص 218.
(3/94)
________________________________________
[قال أبو علي] «1»: قالوا في الخيانة: أغلّ يغلّ إغلالا: إذا خان ولم يؤدّ الأمانة، قال النمر بن تولب «2»:
جزى الله عنّا جمرة ابنة نوفل ... جزاء مغلّ بالأمانة كاذب
وقال آخر:
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن ... للغدر خائنة مغلّ الإصبع
«3» أي: لكراهة الغدر.
فأمّا «4» «خائنة» فيحتمل أن تكون مصدرا كالعافية، والعاقبة، فإن حملته في البيت على هذا قدرت حذف المضاف، وإن شئت جعلته مثل راوية.
__________
(1) سقط من (ط).
(2) البيت أول أبيات أربعة له في الأغاني 22/ 291 والبيت في اللسان والصحاح/ غلل/ وكلهم برواية «حمزة» بدل «جمرة» وجاء في هامش الأغاني: في مخطوطة: «عمرة» وفي المشوف المعلم 2/ 549 برواية المصنف.
(3) البيت مع آخر بعده في المشوف المعلم 2/ 550 عن أحد بني كلاب، وهو:
أقرين إنّك لو رأيت فوارسي ... بعمايتين إلى جوانب ضلفع
قال العكبري في معناه: حدثت نفسك، أي: لو رأيت جمعنا بهذه المواضع لحدثت نفسك بأن تفي ولم تغدر، وكان قد استجار به رجل فقتله. وخائنة: الهاء للمبالغة. والإصبع هنا: الأثر الحسن. وقدم ابن السيرافي البيت الثاني على الأول وهو الأوجه من حيث المعنى. (انظر حاشية المشوف) وانظر اللسان (غلل صبع، ضلفع).
(4) في (م): فأما ما جاء.
(3/95)
________________________________________
ونسب الإغلال إلى الإصبع كما نسب الآخر الخيانة إلى اليد في قوله:
فولّيت العراق ورافديه ... فزاريا أحذّ يد القميص
«1» [الرواية: أأطعمت العراق] «2».
وقالوا: من الغلّ الذي هو الشحناء والضّغن، غلّ يغلّ، بكسر الغين. وقالوا في الغلول من الغنيمة: غلّ يغلّ بضمّ الغين.
والحجّة «3» لمن قرأ: يغل أنّ ما جاء في التنزيل من هذا النحو أسند الفعل فيه إلى الفاعل نحو ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء [يوسف/ 38] وما كان ليأخذ أخاه [يوسف/ 76] وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله [آل عمران/ 145] وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم [التوبة/ 115] وما كان الله ليطلعكم على الغيب [آل عمران/ 179] ولا يكاد يجيء منه «4»: ما كان زيد ليضرب، فيسند الفعل فيه «5» إلى المفعول به.
فكذلك ما كان لنبي أن يغل [آل عمران/ 161] يسند الفعل فيه إلى الفاعل. وروي عن ابن عباس أنّه قرأ: يغل وقيل له: إنّ
__________
(1) البيت للفرزدق، ثاني أبيات خمسة في هجاء عمر بن هبيرة. وروايته في ديوانه 2/ 487: أأطعمت بدل فولّيت، وأراد: أنّه قصير اليدين عن نيل المعالي كالبعير الأخذ، وهو الذي لا شعر لذنبه، وانظر الحيوان 5/ 197 وفيه: بعثت بدل: فوليت. وانظر الشعر والشعراء/ 88 وفيه أوليت بدل فوليت. والكامل 3/ 808 والأغاني 21/ 336 والسمط 862.
(2) ما بين المعقوفين سقط من (ط).
(3) في (ط): الحجة.
(4) في (ط): فيه.
(5) في (ط) «منه» بدل: «فيه».
(3/96)
________________________________________
عبد الله قرأ: يغل فقال ابن عباس: بلى والله ويقتل «1»، وروي أيضا «2» عن ابن عباس: «قد كان النبي يقتل فكيف لا يخوّن» «3»؟.
ومن قال: يغلّ احتمل أمرين: أحدهما أن ينسب إلى ذلك، أي:
لا يقال له غللت، كقولك: أسقيته. أي «4»: قلت له: سقاك الله. وقال:
وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه ... تكلّمني أحجاره وملاعبه
«5» وكقولهم: [أكفرتني أي: نسبتني] «6» إلى الكفر قال:
فطائفة قد أكفرتني بحبّكم «7» .....
أي: نسبتني إلى الكفر. ويجوز أن يكون يغل. أي: ليس لأحد أن يغلّه، فيأخذ من الغنيمة التي حازها، وإن كان لا يجوز أن يغلّ غير النبي صلى الله عليه وسلم «8» من إمام للمسلمين «9» وأمير لهم، لأنّ ذلك يجوز أن يعظم بحضرته، ويكبر كبرا لا يكبر عند غيره [عليه
__________
(1) أخرجه السيوطي في الدر المنثور 2/ 91 من طريق ابن جرير [الطبري] عن الأعمش. وهو كذلك في تفسيره 4/ 155 بدون جملة القسم: «والله».
(2) سقطت من (ط).
(3) وسبق نقله هذا عن ابن عباس في ص 79.
(4) سقطت من (م).
(5) البيت لذي الرّمة في ديوانه 2/ 821، وشرح شواهد الشافية 4/ 41 والعيني 2/ 176 والأشموني 1/ 263.
(6) في (ط): أكفرته أي نسبته.
(7) هذا صدر بيت للكميت بن زيد عجزه:
وطائفة قالوا مسيء ومذنب وهو من قصيدة من قصائده الهاشميات أوردها البغدادي في الخزانة 2/ 207، 208 وفيها: بحبّهم، بدل: بحبّكم.
(8) سقطت (وسلم) من (ط).
(9) في (م): المسلمين.
(3/97)
________________________________________
السلام] «1»، لأنّ المعاصي تعظم بحضرته، كما قال: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي. [الحجرات/ 2] فالغلول «2» وإن كان كبيرا، فهو بحضرته عليه السلام أعظم.
قال: وكلهم قرأ: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله [آل عمران/ 169] مخففة التاء إلا ابن عامر فإنّه قرأ: قتلوا* مشدّدة التاء «3».
[قال أبو علي] «4»: وجه من قرأ قتلوا بالتخفيف أنّ التخفيف يصلح للكثير والقليل، تقول: قتلت القوم فيصلح، التخفيف للكثرة، وضربت زيدا ضربة، فيصلح للقلّة. ووجه التّثقيل أنّ المقتولين كثرة «5» فحسن التثقيل، كما قال: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50] وفعّل يختص به الكثير دون القليل.

[آل عمران: 171]
اختلفوا في قوله [جلّ وعز] «6» وأن الله لا يضيع [آل عمران/ 171] في كسر الألف وفتحها، فقرأ الكسائي وحده:
وإن الله لا يضيع بكسر الألف وقرأ الباقون: وأن الله بفتح الألف «7».
[قال أبو علي] «8»: وجه الفتح أنّ المعنى يستبشرون بنعمة من الله، وبأنّ الله لا يضيع، فأنّ معطوفة على الباء، المعنى:
يستبشرون، بتوفر ذلك عليهم، ووصوله إليهم، لأنّه إذا لم يضعه،
__________
(1) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(2) في (ط): فكذلك الغلول.
(3) السبعة ص 219.
(4) سقطت من (ط).
(5) سقطت من (ط).
(6) في (ط): «كثير».
(7) السبعة ص 219.
(8) سقطت من (ط).
(3/98)
________________________________________
وصل إليهم، فلم يبخسوه، ولم ينقصوه، فهذا مما يستبشر به «1»، كما أنّ النعمة والفضل كذلك. ومن كسر فإلى ذا «2» المعنى يؤول، لأنّه إذا لم يضعه وصل إليهم، فلم ينقصوه، فالأول أشدّ إبانة لهذا المعنى.

[آل عمران: 176]
اختلفوا في فتح الياء وضمّ الزاي، وضمّ الياء وكسر الزاي من قوله تعالى «3»: ولا يحزنك [آل عمران/ 176].
فقرأ نافع وحده يحزنك* وليحزن [المجادلة/ 10] وإني ليحزنني [يوسف/ 13] بضم الياء، وكسر الزاي في كلّ القرآن إلّا في سورة الأنبياء: لا يحزنهم الفزع [الآية/ 103] فإنّه فتحها، يعني الياء، وضمّ الزاي.
وقرأ الباقون في جميع ذلك يحزن* بفتح الياء وضمّ الزاي في كلّ القرآن «4».
[قال أبو علي] «5»: قال سيبويه تقول «6»: فتن «7» الرجل وفتنته، وحزن وحزنته. قال: وزعم الخليل أنّك حيث قلت: فتنته
__________
(1) في (ط): له.
(2) في (ط): هذا.
(3) سقطت من (ط).
(4) انظر السبعة ص 219.
(5) سقطت من (ط).
(6) سقطت من (ط).
(7) كذا الأصل ضبط: فتن بكسر التاء في المكانين وهو صحيح. والذي في سيبويه 2/ 234 بفتحها، وفي تهذيب الأزهري 14/ 300: أبو زيد: فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع في الفتنة ... وقال ابن شميل: يقال: افتتن الرجل وافتتن لغتان. وهذا صحيح، [وأمّا فتنته ففتن، فهي لغة ضعيفة].
وهذا الأخير في التكملة 6/ 285 وفي كتاب الأفعال للسرقسطي 4/ 51 وزن فعل، قال في:/ فتن/: وفتن فتونا تحول من حسن إلى قبيح، وفتن إلى النساء أراد الفجور بهنّ، وفتن أيضا فيهما. اهـ. وهذا الضبط لم يذكره القاموس والتاج والصحاح واللسان. والجمهرة. والتكملة. بل جميعهم ضبطه، ضبط شكل، بالفتح.
(3/99)
________________________________________
وحزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا وجعلته فاتنا، كما أنّك حين قلت: أدخلته، أردت: جعلته داخلا، ولكنك أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا وفتنة، فقلت: فتنته، كما قلت: كحلته، أي: جعلت فيه كحلا، ودهنته جعلت فيه دهنا، فجئت بفعلته على حدّه «1». ولم ترد بفعلته هاهنا تغيير قوله: حزن وفتن، ولو أردت ذلك لقلت أحزنته، وأفتنته، وفتن من فتنته، كحزن من حزنته. قال: وقال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته: أراد «2» جعلته حزينا وفاتنا، فغيروا فعل «3».
قال أبو علي: فهذا الذي حكاه عن بعض العرب حجة نافع في قراءته «4» ليحزنني وأمّا قراءته: لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء/ 103] فعلى أنّه يشبه أن يكون تبع فيه أثرا أو أحبّ الأخذ بالوجهين إذ كان كل واحد منهما جائزا.

[آل عمران: 188، 180، 178]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز] «5»:
ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء «6»، ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم [آل عمران/ 188] بضمّ «7»
__________
(1) ضبط في سيبويه: حدة.
(2) في (ط): إذا.
(3) سيبويه 2/ 234 مع اختصار يسير.
(4) في (ط): قوله.
(5) سقطت من (ط).
(6) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(7) في (م): «ضمّ».
(3/100)
________________________________________
الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كل «1» القرآن.
وقرأ نافع وابن عامر ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون «2» [آل عمران/ 180] لا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] كل ذلك بالياء «3» فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بالتاء وفتح الباء غير أنّ نافعا كسر السين وفتحها ابن عامر. وقرأ حمزة: ولا تحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا تحسبن الذين يفرحون ... فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء. وقرأ عاصم والكسائي كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله «4»: ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فإنّهما بالياء غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء «5».
قال أبو علي: قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ولا يحسبن الذين كفروا* [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون
__________
(1) في (ط): جميع.
(2) سقط ما بين القوسين من (م) واستدرك من (ط) والسبعة.
(3) وقع في (م) بالتاء بدل بالياء. والصواب ما أثبتناه من (ط) ومن السبعة. والبحر المحيط 3/ 138 حيث قال: وقرأ نافع وابن عامر (لا يحسبن) بياء الغيبة.
(4) سقطت من (ط).
(5) انظر السبعة ص 219 - 220.
(3/101)
________________________________________
[آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم بضم الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كلّ القرآن.
[قال أبو علي] «1»: الذين في هذه الآي في قراءتهما:
رفع بأنّه فاعل يحسب، وإذا كان الذي في الآي فاعلا اقتضى حسب «2» مفعولين، لأنّها تتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعول يسد مسدّ المفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما يتعدى إليه ذكر الحديث والمحدّث عنه نحو: حسبت أنّ زيدا منطلق، وحسبت أن تقوم «3»، فقوله: أنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] قد سدّ مسدّ المفعولين اللذين يقتضيهما يحسبنّ. وكسر إنّ في قول من قرأ: يحسبن بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى. ووجه ذلك أنّ «إنّ» يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام الابتداء، ويدخل كلّ واحد منهما على الابتداء والخبر فكسر إنّ بعد يحسبنّ، وعلّق عليها الحسبان كما يعلّق باللّام. فقال: لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي [آل عمران/ 178] كما قال: لا يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم. وما تحتمل ضربين أحدهما: أن تكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا يحسبنّ الذين كفروا أنّ الذي نمليه خير لأنفسهم، والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة الإملاء فيكون مصدرا، وإذا كان مصدرا، لم يقتض راجعا إليه «4». وقال أبو الحسن: المعنى: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّ ما نملي لهم ليزدادوا إثما، إنّما نملي لهم خير لأنفسهم. وأمّا قوله: ولا يحسبن الذين
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (م): حسبت.
(3) في (ط): أن يقوم عمرو.
(4) في (ط): إليها.
(3/102)
________________________________________
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] فالذين يبخلون فاعل يحسبنّ والمفعول الأول محذوف من «1» اللفظ لدلالة اللفظ عليه، وهو بمنزلة قولك: من كذب كان شرا له، أي:
الكذب، فكذلك: لا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل «2» هو خيرا لهم، فدخلت «3» هو فصلا، لأنّ تقدّم يبخلون بمنزلة تقدّم البخل، فكأنّك قلت: لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم. فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فلا تحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنّه فاعل يحسب، ولم توقع يحسبنّ على شيء. قال أبو الحسن لا يعجبني «4» قراءة من قرأ الأولى بالياء، لأنّه لم يوقعه على شيء، ونرى أنّه لم يستحسن أن لا يعدّى حسبت، لأنّه قد جرى مجرى اليمين في نحو: علم الله لأفعلنّ.
ولقد علمت لتأتينّ منيتي «5» .......
وظننت ليسبقنّني، وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] فكما أنّ القسم لا يتكلّم به حتى يعلّق بالمقسم عليه، كذلك ظننت وعلمت، في هذا الباب.
وأيضا فإنّه قد جرى في كلامهم لغوا، وما جرى [في
__________
(1) في (ط): في.
(2) كذا في (م) وفي (ط): «هو البخل».
(3) في (ط): «فدخل».
(4) في (ط): لا تعجبني.
(5) صدر بيت للبيد عجزه: إنّ المنايا لا تطيش سهامها.
انظر الكتاب 1/ 456 والخزانة 4/ 13 وهو من شواهد شرح أبيات المغني 6/ 232 وأمّا رواية البيت في ديوانه ص 171 والقصائد السبع الطوال ص 557.
صادفن منها غرّة فأصبنها ... إنّ المنايا لا تطيش سهامها.
(3/103)
________________________________________
كلامهم] «1» لغوا لا يكون في حكم الجمل المفيدة، ومن ثمّ جاء نحو:
وما خلت أبقى بيننا من مودّة ... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
«2» إنّما هو وما أبقى بيننا، وكذلك «3» قال الخليل: تقول: ما رأيته يقول ذاك إلّا زيد، وما أظنّه يقول ذاك إلّا عمرو، فهذا يدلّك «4» أنّك انتحيت على القول، ولم ترد أن تجعل زيدا موضع فعلك كضربت وقتلت. ولذلك لم يجر الشرط مجرى الجمل في نحو:
إن تفعل، لأنّ الشرط بمنزلة القسم، والجزاء بمنزلة المقسم عليه، ولذلك فصل بالشرط بين أمّا وجوابها في نحو «5» وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك [الواقعة/ 91] ولو كان بمنزلة الجمل لم يجز به الفصل. ووجه قول ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعدّيا حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما أنّ يحسب في قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران/ 188] لمّا جعل بدلا من الأول،
__________
(1) زيادة من (ط).
(2) البيت للأعشى في ديوانه/ 151 والبحر المحيط 3/ 137 مصحفا، واللسان (سنف). قال شارح ديوانه:
المذاكي من الخيل: التي قد بلغت أسنانها، المسنفات: المتقدمات، القلائص:
الإبل، وكانوا في غاراتهم يركبون الإبل ويسوقون أمامها الخيل فلا يركبونها إلّا إذا قاربوا موضع الغارة حتى لا يتعبوها، لينزلوا بها إلى القتال موفورة النشاط.
وجاء في طرة (ط) تعليق على كلمة المسنفات فيما يظهر نصه: «بالكسر المتقدمات وبالفتح: المشدودات بالسّناف» اهـ. والسّناف (في اللسان):
خيط يشد من حقب البعير إلى تصديره، ثم يشد إلى عنقه إذا ضمر.
(3) في (م): ولذلك.
(4) في (ط): يدلك على.
(5) في (ط): نحو قوله تعالى.
(3/104)
________________________________________
وعدّي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية الأول «1» إليهما، كما استغنى في قوله:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة ... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
«2» بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما «3» فإن قلت: كيف يستقيم، تقدير البدل في قوله: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ... فلا تحسبنهم بمفازة [آل عمران/ 188].
وقد دخلت الفاء بينهما «4» ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء؟ فالقول أنّ الفاء زائدة، يدلّك على أنّها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر، أنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ، فتكون الفاء خبره، ولا تكون العاطفة لأنّ المعنى: لا يحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا أنفسهم بمفازة من العذاب. فإذا كان كذلك لم يجز تقدير العطف لأنّ الكلام لم يستقل بعد، فيستقيم فيه تقدير العطف.
فأمّا قوله: فلا يحسبنهم فإنّ فعل الفاعل الذي هو يحسبنّ «5» تعدّى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون
__________
(1) في (م): الأولى.
(2) البيت للكميت بن زيد من قصائده الهاشميات. انظر الخزانة 2/ 208، 4/ 5 والعيني 2/ 413 والمحتسب 1/ 183 والهمع 1/ 152 والدرر 1/ 134 والبحر المحيط 3/ 137.
(3) في (م): إليها.
(4) في (م): «فيها» وما أثبتناه من (ط) أوجه.
(5) في (ط): «يحسبون» جاء بها على أصل الفعل قبل توكيده بالنون التي توجب في مثل هذه الحالة حذف واو الجماعة، والمؤدى واحد.
(3/105)
________________________________________
الثقيلة. فإن قلت: هلّا لم يحذف الواو من يحسبون، وأثبتها كما ثبتت في: تمودّ الثوب، وأ تحاجوني [الأنعام/ 80] ونحو ذلك، مما يثبت «1» فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأوّل من زيادة المدّ التي تقوم مقام الحركة، فالقول فيه أنّه حذفت كما حذفت مع الخفيفة، ألا ترى أنّك لو قلت: لا يحسبن «2» زيدا ذاهبا، لزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة لهذا «3». وقوله: بمفازة من العذاب في موضع المفعول الثاني وفيه «4» ذكر للمفعول الأوّل. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدّى إلى ضمير نفسه، نحو:
ظننتني أخاه، لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت إنّ وأخواتها في دخولهنّ على الابتداء والخبر [كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك] «5»: ظننتني ذاهبا، كما تقول:
إنّي ذاهب. ومما يدلّك على ذلك قبح دخول اليقين «6» عليها، لو قلت: أظنّ نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنّني فاعلا.
قال: وقرأ نافع وابن عامر: ولا يحسبن الذين كفروا ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] .. ويفرحون [آل عمران/ 188] كلّ ذلك بالياء. فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) شدد النون في (ط) وهو سهو من الناسخ لأنّ أبا علي يمثل للنون الخفيفة.
(3) في (ط): في هذا.
(4) في (م): «ففيه» وما أثبتناه من (ط).
(5) (م): «كدخولها على الأفعال عليهما وذلك قول .. » وما أثبتناه من (ط) أجدر بالصواب.
(6) في (ط): «النفس» بدل «اليقين».
(3/106)
________________________________________
قراءتهما في ذلك مثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقد مرّ «1» القول فيها إلّا في قوله: فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا محذوفان، لدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز البدل، كما جاز البدل في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما.
قال: وقرأ حمزة ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن الذين يفرحون فلا تحسبنهم بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء «2».
قوله: الذين كفروا في موضع نصب بأنّه المفعول الأول. والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى، فلا يجوز إذا فتح إنّ في «3» قوله: ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم، لأنّ إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في أنّ، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وكما كان أنّ من «4» قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7]. [بدلا من إحدى الطائفتين] «5» قيل: لا يجوز ذلك لأنّك إذا أبدلت أنّ من الذين كفروا، كما أبدلت أنّ من إحدى الطائفتين لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث
__________
(1) في (ط): وقد قدّم.
(2) السبعة ص 220.
(3) في (ط): من.
(4) في (ط): في.
(5) ما بين معقوفين سقط من (م).
(3/107)
________________________________________
كان المفعول الثاني: لتحسبنّ وقيل: إنّه لم ينصبه أحد. فإذا لم ينصب علمت «1» أنّ البدل فيه لا يصح، فإذا لم يصح البدل [لم يجز فيه إلّا كسر إنّ] «2» ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خير لأنفسهم على أن تكون إنّ وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبنّ. فأمّا قوله: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فحذف المفعول الذي يقتضيه تحسبنّ، لأنّ ما يجيء من بعد من «3» قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب يدلّ عليه، ويجوز أن تجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن، كما جاز أن تجعل يحسبنهم بدلا من يحسبن الذين يفرحون في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين «4». وقد قدّمنا أنّ الفاء زائدة، والقول فيها أنّها لا تخلو من «5» أن تكون للعطف، أو للجزاء، أو زائدة، فإن كانت للعطف فلا يخلو من أن تعطف جملة على جملة، أو مفردا على مفرد، وليس هذا موضع العطف، لأنّ الكلام لم يتمّ، ألا ترى أنّ المفعول الثاني لم يذكر بعد؟ ولا يجوز أيضا أن تكون للجزاء كالتي في قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] ونحوها، لأنّ تلك تدخل على ما كان خبرا من الجمل، لأنّ أصلها أن تدخل في الجزاء، وهي جملة خبر، وليس ما دخلت عليه الفاء في الآية بجملة، إنّما هو فضلة، ألا ترى أنّ مفعولي حسبت فضلة؟ فإن قلت: إنّ أصلهما أن يكونا خبرا، فإنّ
__________
(1) في (ط): علم.
(2) في (ط): «لم يجز إلّا الكسر، كسر إن».
(3) في (ط): في.
(4) في (ط): فعل الفاعلين.
(5) سقطت من (ط).
(3/108)
________________________________________
ذلك الأصل قد زال بكونهما فضلة، كما زال في قولك: ليت الذي في الدار منطلق، عن أن يكون خبرا بدخول ليت، وكذلك قد زال بدخول حسبت عليهما أن يكون جملة، ويدلّك على ذلك أنّك تقول: حسبت زيدا اليوم منطلقا. فتفصل بينهما باليوم الذي هو ظرف حسبت، ولو كان الكلام باقيا على ما كان عليه قبل دخول الظنّ، لم يجز أن تفصل بينهما بأجنبي منهما، فإذا لم يجز أن تكون للعطف ولا للجزاء، ثبت أنّها زائدة قال:
وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي «1» قال: وقرأ عاصم والكسائي: كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون، ولا يحسبن الذين كفروا فإنّهما بالياء، غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي.
قد تقدّم القول في ولا يحسبن الذين يبخلون فأمّا قوله:
ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم [آل عمران/ 178] فالوجه فتح أنّ لأنّها تسدّ مسدّ المفعولين، كما سدّ الفعل والفاعل مسدّهما لمّا جرى ذكرهما في الصلة في نحو قوله: أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 29].
__________
(1) عجز بيت للنمر بن تولب صدره:
لا تجزعي إن منفسا أهلكته سبق في 1/ 44.
وجاء هنا على حاشية (م): «ولم يذكر حجة حمزة في: «لا تحسبنّ الذين يبخلون» بالياء، ولا كيف يكون تقديرها؟.
قلت: الملاحظ أن قراءة حمزة التي أشار إليها بالحاشية هي بالتاء لا بالياء، ومع ذلك فإن أبا علي احتجّ للقراءتين بما فيه المأرب. انظر ما تقدم ص 98 - 99.
(3/109)
________________________________________
قال: ولم «1» يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله «2»: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه.

[آل عمران: 179]
اختلفوا في فتح الياء والتخفيف وضمّها والتّشديد من قوله عز وجل «2»: حتى يميز [آل عمران/ 179] وليميز الله الخبيث [الأنفال/ 37].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: حتى يميز وليميز الله الخبيث بفتح الياء والتخفيف. وقرأ حمزة والكسائي حتى يميز وليميز الله بضمّ الياء والتشديد «4».
[قال أبو علي] «5»: قال يعقوب: مزته، فلم ينمز، وزلته فلم ينزل، وأنشد أبو زيد «6»:
__________
(1) في (م): «لم».
(2) في (ط): تعالى.
(4) انظر السبعة ص 220.
(5) سقطت من (ط).
(6) البيت لمالك بن الرّيب أوّل أبيات أربعة له في النوادر ص 285 (ط: الفاتح) وفي الأغاني 22/ 311 من قصيدة طويلة يقع البيت الشاهد السابع منها.
ويروى في النوادر: «شرّ عدوته ... ولا بعلا» وفي الأغاني: «شر عدوته رقدت لا مثبتا ذعرا ولا بعلا» قال في النوادر. مسئيا: «أراد مسيئا فقدم الهمزة وهي لغة كما يقال: رآني وراءني ... قال أبو الحسن: أمّا روايتهم (لا مسئيا) وتفسيرهم لها على تقديم الهمزة فقد صدقوا في ترتيب اللفظ وسهوا عن المعنى، لأنّ مسيئا لو ردّ إلى أصله فقيل، وإن لم يكن شعرا: لا مسئيا ذعرا، لم يكن له معنى وإن كان قد يجوز على وجه بعيد: لا مسيئا للذعر وذلك أنّه
(3/110)
________________________________________
لمّا ثنى الله عنّي شرّ عزمته ... وانمزت لا مسئيا
«1» ذعرا ولا وجلا [مسئيا من قول ذي الرّمّة «2»:
... بعيد السأو مهيوم والسأو: هو الهمّة.
تقول: لا أذعر ولا أهم بالذعر. فمزت وميّزت لغتان] «3»، وليس ميّزت بمنقول من مزت كما أنّ غرّمته منقول من غرم، يدلّك على ذلك أنّه لا يخلو تضعيف العين في ميّز من أن يكون لغة في ماز، أو يكون تضعيف العين لنقل الفعل، كما أنّ الهمزة في أقمته له، فالذي يدلّ على أنّه ليس للنقل، كما أن غرّمته للنّقل، أنّه لو كان للنّقل للزم أن يتعدّى ميّزت إلى مفعولين، كما أنّ غرّمت يتعدى إلى مفعولين، تقول: غرّمت زيدا مالا. وفي أنّ ميّزت لا يتعدّى إلى مفعولين إلّا بحرف جر نحو قولهم «4»: ميّزت
__________
إذا فزع فقد أساء عند نفسه ... والذي قرأناه في شعر مالك بن الريب:
«وانحزت لا مونسا ذعرا» وهذا لا طعن عليه ولا مئونة فيه». والبعل: المتحير.
(1) في (ط): مسيئا وهو تحريف من الناسخ.
(2) في ديوانه بشرح الأصمعي 1/ 382 من قصيدة طويلة يقع البيت الحادي عشر منها وتتمته:
كأنني من هوى خرقاء مطّرف ... دامي الأظل ...
قال في شرحه: بعير مطرف: اشتري طريفا، لا من بلاد القوم .. فهو يحن إلى ألأفه ويشتاق. مهيوم، أي: به هيام، وهو داء يأخذ الإبل شبيه بالحمى.
(3) ما بين المعقوفين سقط من (م) واستدرك من (ط).
(4) ما بين المعقوفين جاء في (ط) قبل قوله: أنشد أبو زيد السابق.
(3/111)
________________________________________
متاعك بعضه من بعض، دلالة بيّنة على أنّ تضعيف العين ليس للنّقل. ومثل ميّزت في أنّ التضعيف فيه ليس للتعدية إنّما هو لغير هذا المعنى، الهمزة في قولهم: ألقيت ألا ترى أنّ الهمزة فيه ليست لنقل الفعل من فعل إلى أفعل ليزيد في الكلام مفعول؟ إنّما ألقيت بمنزلة أسقطت، ولو كان منقولا من لقي لتعدّى إلى مفعولين، لأنّ لقي يتعدّى إلى مفعول في قولك: لقيت زيدا، ولو كانت الهمزة في ألقيت للنقل لتعدّى إلى مفعولين. وفي قولهم:
ألقيت متاعك بعضه على بعض وتعدّيه إلى المفعول الثاني بالجارّ دلالة على أنّ ألقيت ليس للنقل «1» من لقي، وأنّ ألقيت بمنزلة أسقطت في تعدي ألقيت إلى مفعول واحد كما أنّ أسقطت يتعدّى إلى مفعول واحد، ولا يتعدّى إلى مفعول ثان، إلّا بحرف الجرّ، كما أنّ أسقطت لا يتعدّى إلى مفعول ثان إلّا بحرف الجرّ، كقولك: أسقطت متاعك بعضه على بعض. ومثل ميّز في أنّ التضعيف فيه ليس للتعدي قولهم: عوّض، فالتضعيف فيه ليس للنقل، ولو كان للنقل من عاض، لتعدّى إلى ثلاثة مفعولين لأنّ عاض يتعدّى إلى مفعولين يدلّك على ذلك ما أنشده الأصمعي:
عاضها الله غلاما بعد ما ... شابت الأصداغ والضرس نقد
«2»
__________
(1) في (ط): بنقل والمؤدى واحد.
(2) البيت من شواهد شرح أبيات المغني 7/ 65 وهو في إصلاح المنطق ص 49 والمشوف المعلم 2/ 786 والخصائص 2/ 71، والصحاح واللسان والتاج (نقد) اهـ.
قال البغدادي وهذا البيت لم أقف على قائله ولا على تتمته، والله أعلم.
(3/112)
________________________________________
وتقول: عوّضت زيدا مالا، فعوّض وعاض لغتان كما أنّ ميّز وماز لغتان، كلّ واحد منهما في معنى الآخر، ليس عوّض منقولا من عاض، كما أنّ ميّز ليس بمنقول من ماز. وإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا، فكلتا القراءتين حسنة، لأنّ ماز فعل متعد إلى مفعول واحد، كما أنّ ميّز كذلك. ولقولهم: ماز من المزية أنّ أكثر القراء عليها، وكثرة القراءة بها يدلّ على أنّها أكثر في استعمالهم.

[آل عمران: 180]
قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: والله بما يعملون خبير [آل عمران/ 180] بالياء وقرأ الباقون بالتاء «1».
[قال أبو علي] «2»: القول في ذلك أنّ من قرأ بالياء أتبعه ما قبله، وهو على الغيبة، وذلك قوله: سيطوقون [آل عمران/ 180] والله بما يعملون خبير [آل عمران/ 180] من منعهم الحقوق من أموالهم فيجازيهم عليه، ومن قرأ بالتاء فلأنّ قبله خطابا، وهو قوله: وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم [آل عمران/ 179] والله بعملكم المرضيّ خبير «3» فيجازيكم عليه، فالغيبة أقرب إليه من الخطاب.
قال: قرأ ابن عامر وحده: بالبينات وبالزبر [آل عمران/ 184] بالباء وكذلك في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون: بالبينات والزبر بغير باء [في الزبر] «4» وكذلك هي «5» في مصاحفهم «6».
__________
(1) السبعة ص 220.
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) زيادة من (ط).
(5) سقطت: «هي» من (ط).
(6) السبعة ص 221.
(3/113)
________________________________________
قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ: بالبينات والزبر أنّ الواو قد أغنت عن تكرير العامل، ألا ترى أنّك إذا قلت: مررت بزيد وعمرو، أشركت الواو عمرا في الباء، فأنت عن تكريرك الباء مستغن، وكذلك إذا قلت: جاءني زيد وعمرو: فالواو: قد.
أشركت عمرا في المجيء، وكذلك جميع حروف العطف. ووجه قول ابن عامر أنّ إعادة الباء، وإن كان «1» مستغنى عنها فإنّه لضرب من التأكيد، ولو لم يكرر لاستغنى بإشراك حرف العطف فممّا جاء على قياس قراءة ابن عامر قول رؤبة:
يا دار عفراء ودار البخدن «2».
فكرر الدار ولو قلت: دار زيد وعمرو، لأشركت الحرف «3» في الاسم الجار كما تشرك بالباء، فكما كرر الدار كذلك كرر الباء، والدار في شعر رؤبة [دار «4»] واحدة لهما. ويدلك على ذلك قوله:
أما جزاء العارف المستيقن ... عندك إلّا حاجة التفكّن
«2» وكلا الوجهين حسن عربي.
__________
(1) في (ط): كانت.
(2) سبقت الأشطار الثلاثة- وهي من قصيدة واحدة- في 1/ 257 والشطر الأول في سيبويه 1/ 305.
(3) في (ط): «الواو» وكلاهما بمعنى، لأنه سبق ذكره عند قوله: «بإشراك حرف العطف».
(4) زيادة من (ط).
(3/114)
________________________________________
[آل عمران: 181]
اختلفوا «1» في قوله تعالى «2»: سنكتب ما قالوا، وقتلهم الأنبياء بغير حق .... وتقول [آل عمران/ 181] في الياء والنون والرفع والنصب.
فقرأ حمزة وحده: سيكتب ما قالوا بالياء، وقتلهم* رفعا ويقول* بالياء. وقرأ الباقون: سنكتب ما قالوا بالنون وقتلهم نصبا، ونقول بالنون «3».
قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ سنكتب أنّ قبله: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير [آل عمران/ 181] فالنون هاهنا بعد الاسم الموضوع للغيبة، كقوله: بل الله مولاكم [آل عمران/ 150] ثمّ قال: سنلقي [آل عمران/ 151] ولو قرئ:
سيكتب ما قالوا بالياء لكان في الإفراد كقوله: وقذف في قلوبهم الرعب [الأحزاب/ 26] وقوله: كتب الله لأغلبن أنا [المجادلة/ 21] وقوله: ونقول [آل عمران/ 181] معطوف على سنكتب. ووجه قول حمزة: ويقول* أنّ معنى سيكتب، سيكتب «4»، كما أنّ معنى: كتب عليه أنه من تولاه [الحج/ 4] كتب، ويقوّي سنكتب قوله: وكتبنا عليهم فيها [المائدة/ 45].
وأمّا رفع حمزة وقتلهم* [آل عمران/ 181] فلأنّه عطفه على ما قالوا وهو في موضع رفع بإسناده إلى الفعل المبني للمفعول به.
__________
(1) في (ط): واختلفوا.
(2) زيادة من (ط).
(3) السبعة ص 220 - 221.
(4) في (ط): ستكتب.
(3/115)
________________________________________
ومن قال: وقتلهم فنصب حمله على سنكتب ما قالوا وهو في موضع نصب بأنّه مفعول به.

[آل عمران: 187]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: «1» لتبيننه للناس ولا تكتمونه [آل عمران/ 187].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر بالياء فيهما.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء فيهما «2».
قال أبو علي: حجّة من قرأ بالتاء قوله «3»: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم [آل عمران/ 81] والاتفاق عليه، وكذلك: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله [البقرة/ 83] وقد تقدّم القول في ذلك.
وحجّة من قرأ بالياء أنّ الكلام حمل على الغيبة لأنّهم غيب.
[وقد تقدم القول في ذلك] «4».

[آل عمران: 195]
واختلفوا في قوله: وقاتلوا [آل عمران/ 195] وقتلوا [آل عمران/ 195] في تقديم الفعل المبني للفاعل، وتأخيره والتشديد والتخفيف.
فقرأ ابن كثير وابن عامر: وقاتلوا وقتلوا مشدّدة التاء.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة ص 221.
(3) سقطت من (ط).
(4) زيادة من (ط).
(3/116)
________________________________________
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو: وقاتلوا وقتلوا خفيفة.
وقرأ حمزة والكسائي: وقتلوا، وقاتلوا. يبدءان بالفعل المبني للمفعول به قبل الفعل المبني للفاعل، وكذلك اختلافهم في سورة التوبة، غير أنّ ابن كثير وابن عامر شدّدا في التوبة «1».
قال أبو علي: تقديم قاتلوا على: قتلوا حسن، لأنّ القتال قبل القتل، والتشديد حسن لتكرّر القتل، فهو مثل مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]. ومن خفّف فقال: وقتلوا فإنّ فعلوا يقع على الكثير والقليل، والتثقيل تختص به الكثرة. ومن قرأ: قتلوا وقاتلوا كان حسنا، لأنّ المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولا في المعنى، وإن كان مؤخرا في اللفظ، وليس العطف بها كالعطف بالفاء، وكذلك اختلافهم في سورة التوبة. ووجه قول من قرأ قتلوا وقاتلوا أن يكون لمّا قتل منهم قاتلوا ولم يهنوا ولم يضعفوا للقتل الذي أوقع بهم، كما قال: فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله [آل عمران/ 146].
قال [أحمد] «2»: وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: مع الأبرار [آل عمران/ 193] ومن الأشرار [ص/ 62] وذات قرار [المؤمنون/ 50] وما كان مثله بين الفتح والكسر.
وقرأ ابن كثير وعاصم بالفتح. وروى خلف بن هشام وأبو هشام الرفاعي عن سليم بن عيسى الحنفي عن حمزة أنّه كان يشمّ
__________
(1) السبعة ص 221 - 222.
(2) سقطت من (ط).
(3/117)
________________________________________
الراء الأولى من قوله: ذات قرار، والأشرار، وما كان مثل ذلك الكسر من غير إشباع «1».
قال أبو علي: الإمالة في فتحة الراء حسنة، لأنّ الراء المكسورة تغلب المفتوحة، كما غلبت المستعلي في قولهم: قارب وطارد، وقادر، فإذا غلبت المستعلي فأن تغلب الراء المفتوحة أجدر لأنّه لا استعلاء في الراء، إنّما هو حرف من مخرج اللام فيه تكرير. ومن لم يمل فلأنّ كثيرا من الناس لا يميل «2» شيئا من ذلك.
[آخر الكلام في سورة آل عمران] «3»

[سورة النساء]
«4» بسم الله الرحمن الرحيم «5» ذكر اختلافهم في سورة النساء

[النساء: 1]
اختلفوا في تشديد السين وتخفيفها من قوله تعالى «6»:
تسائلون به [النساء/ 1].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: تساءلون* مشدّدة.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: تساءلون مخفّفة.
__________
(1) انظر السبعة ص 222.
(2) في (ط): لا يميلون.
(3) ما بين المعقوفين ساقط من (ط).
(4) كذا في (ط)، وسقطت من (ط).
(5) في (م): بسم الله.
(6) سقطت من (ط).
(3/118)
________________________________________
واختلف عن أبي عمرو، فروى علي بن نصر وهارون بن موسى، وعبيد بن عقيل وعبد الوهاب بن عطاء عنه، والواقدي «1» عن عدي بن الفضل «2»، وخارجة بن مصعب «3»، عنه: تساءلون مخففة. وروى اليزيديّ وعبد الوارث عنه: تساءلون* مشدّدة وروى أبو زيد عنه التخفيف والتشديد. وقال عباس عنه: إن شئت خفّفت، وإن شئت شدّدت قال: وقراءته التخفيف «4».
قال أبو علي: من ثقّل تساءلون* أراد: تتساءلون فأدغم التاء في السين، وإدغامها في السين حسن لاجتماعهما في أنّهما من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا، واجتماعهما في الهمس. ومن خفّف فقال: تساءلون، حذف تاء تتفاعلون لاجتماع حروف متقاربة، فأعلّها بالحذف، كما أعلّ «5» بالإدغام في قول من قال:
تسّاءلون، وإذا اجتمعت المتقاربة خفّفت بالحذف والإدغام
__________
(1) محمد بن عمرو بن واقد أبو عبد الله الواقدي المدني ثم البغدادي. روى القراءة عن نافع بن أبي نعيم وعيسى بن وردان وغيرهما، وروى الحروف عن عدي بن الفضل عن أبي عمرو مات سنة 209 هـ. (طبقات القراء 2/ 219).
(2) عدي بن الفضل أبو حاتم البصري. روى الحروف عن أبي عمرو، وحدث عن مالك بن أنس روى عنه الحروف محمد بن عمر الواقدي. كذا ذكر الحافظ أبو عمرو الداني (طبقات القراء 1/ 511).
(3) خارجة بن مصعب أبو الحجاج الضبعي السرخسي، أخذ القراءة عن نافع وأبي عمرو وله شذوذ كثير عنهما لم يتابع عليه. توفي سنة ثمان وستين ومائة (طبقات القراء 1/ 268).
(4) السبعة 226 وفيه وقرأته بالتخفيف.
(5) في (ط): أعلها.
(3/119)
________________________________________
والإبدال «1». فالإبدال كقولهم: طست، أبدلت من السين الثانية التاء «2» لتقاربهما واجتماعهما في الهمس، قال العجاج:
أأن رأيت هامتي كالطّست «3» وأنشد أبو عثمان:
لو عرضت لأيبليّ قسّ ... أشعث في هيكله مندسّ
حنّ إليها كحنين الطّسّ
«4»
__________
(1) في (ط): وبالإدغام وبالإبدال.
(2) في (ط): تاء.
(3) الرجز لرؤبة لا للعجاج وهو في ديوانه في مجموع أشعار العرب ص 23 من أرجوزة قالها في نفسه أولها:
يا بنت عمرو لا تسبي بنتي ... حسبك إحسانك إن أحسنت
وفي اللسان (طس).
(4) نسبها للعجاج في البحر المحيط 3/ 156 وهي في ملحق ديوانه 2/ 295 نقلا عن البحر المحيط. وبدون نسبة في الفاضل للمبرد 19 وسر صناعة الإعراب 1/ 172 وشروح سقط الزند 3/ 1373. والفرق بين الحروف الخمسة 581 (من منشورات دار المأمون للتراث) واللسان طسس، قسس وفي سفر السعادة 1/ 349 مع بيت سابق لها وهو:
جارية من آل عبد شمس.
والقسّ: هو رئيس من رؤساء النصارى في الدين والعلم، وقيل هو الكيس العالم، والقسيس كالقسّ، والجمع قساقسة على غير قياس وقسّيسون. وفي التنزيل: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا) [المائدة/ 82] والأيبليّ والأيبل:
صاحب الناقوس الذي ينقّس النصارى بناقوسه يدعوهم به إلى الصلاة.
اللسان (أبل).
والهيكل: معبد النصارى فيه صورة مريم، ومندس: مدفون. وطسّ: قال في
(3/120)
________________________________________
[النساء: 1]
واختلفوا «1» في نصب الميم وكسرها من قوله [جلّ وعزّ] «2»: والأرحام [النساء/ 1].
فقرأ حمزة وحدة: والأرحام بالخفض.
وقرأ الباقون: والأرحام نصبا «3».
قال أبو علي: من نصب الأرحام احتمل انتصابه وجهين:
أحدهما: أن يكون معطوفا على موضع الجار والمجرور، والآخر:
أن يكون معطوفا على قوله: واتقوا، التقدير: اتقوا الله الذي تساءلون به. واتقوا الأرحام أي اتقوا حقّ الأرحام فصلوها ولا تقطعوها.
وأمّا من جرّ الأرحام فإنّه عطفه على الضمير المجرور بالباء.
وهذا ضعيف في القياس، وقليل في الاستعمال. وما كان كذلك فترك الأخذ به أحسن. فأما ضعفه في القياس: فإن الضمير قد صار
__________
سفر السعادة: طسّ: هو فارسي الأصل. قال أبو عبيدة: ومما دخل في كلام العرب: الطست. قال الفراء: وطيء تقول: الطّست، وغيرها يقول:
الطسّ، قال: وهم الذين يقولون: لصت- يعني طيئا- وغيرهم يقول: لصّ، والجمع عندهم: لصوت وطسوت ... وأنشد الرجز. ومثل ذلك ورد في اللسان عن الأزهري (طسس) والحنين: الشديد من البكاء والطرب، وقيل: هو صوت الطرب كان ذلك عن حزن أو فرح. وقالوا: لا أفعل ذلك حتى يحن الضب في إثر الإبل الصادرة، وليس للضب حنين إنّما هو مثل، وذلك لأنّ الضب لا يرد أبدا، والطست تحن إذا نقرت على التشبيه (اللسان: حنن).
(1) في (ط): اختلفوا. بغير واو.
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة 226.
(3/121)
________________________________________
عوضا مما كان متصلا باسم نحو غلامه وغلامك، وغلامي، من التنوين فقبح أن يعطف عليه كما لا تعطف الظاهر على التنوين.
ويدلك على أنّه قد جرى عندهم مجرى التنوين حذفهم الياء من «1» المنادى المضاف إليه «2» كحذفهم التنوين، وذلك قولهم: يا غلام، وهو الأكثر من غيره في الاستعمال وجهة «3» الشبه بينهما أنّه على حرف، كما أنّ التنوين كذلك، واجتماعهما في السكون، وأنه لا يوقف على اسم «4» منفصلا منه، كما أنّ التنوين كذلك، فلما اجتمعا في هذه المعاني جعل بمنزلته في الحذف.
فإن قال قائل: فهلا قبح أيضا عطف الظاهر المجرور على الظاهر المجرور «5»، لأنّه أيضا عوض من التنوين وفي محله؟
فالقول في ذلك: أن المضمر أذهب في مشابهة التنوين من المظهر، ألا ترى أنه لا ينفصل من الاسم، كما أنّ التنوين لا ينفصل ولا يوقف عليه، كما لا يوقف على بعض أجزاء الكلم دون تمامها، وليس الظاهر كذلك، ألا ترى أنّه قد يفصل بين المضاف والمضاف إليه إذا كان المضاف إليه ظاهرا بالظروف وبغيرها «6» نحو:
__________
(1) في (ط): في.
(2) في (ط): إليها.
(3) في (ط): ووجه.
(4) في (ط): الاسم.
(5) سقطت من (ط).
(6) في (ط): بالظرف وبغيره.
(3/122)
________________________________________
كأنّ أصوات- من إيغالهنّ بنا-* أواخر الميس إنقاض «1» الفراريج «2» ونحو:
... من قرع القسيّ الكنائن «3»
__________
(1) في (ط): «أصوات».
(2) يريد كأن أصوات أواخر الميس إنقاض- أي: أصوات الفراريج من إيغالهنّ بنا والإيغال: المضي والإبعاد، يقال: أوغل في الأرض: إذا أبعد، والميس:
الرحل، والميس: شجر تعمل منه الرحال. والأواخر جمع آخرة، وهي آخرة الرحل، وهو العود الذي في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب، ويقال فيه:
مؤخر الرحل. والفراريج جمع فروجة وهي صغار الدجاج، يريد: أنّ رحالهم جدد، وقد طال سيرهم، فبعض الرحل يحك بعضا، فتصوت مثل أصوات الفراريج من شدّة السير واضطراب الرحل، ومن إيغالهنّ: من للتعليل والبيت من قصيدة لذي الرمة في ديوانه 2/ 996 والخزانة 2/ 199 وروايته، إنقاض كما في (م) وعند سيبويه 1/ 92، 347 والمقتضب 4/ 376 والإنصاف 2/ 433 وابن يعيش 1/ 103 و 2/ 108 و 3/ 77 وشروح سقط الزند 4/ 1533 والموشح 292 برواية «أصوات» بدل «إنقاض» كما في (ط)، وهما بمعنى.
(3) قطعة من بيت للطرماح وتمامه:
يطفن بحوزيّ المراتع لم يرع ... بواديه من قرع القسيّ الكنائن
الأصل: قرع الكنائن القسي، ففصل بين المصدر المضاف وفاعله المضاف إليه بالمفعول وهو القسي. والبيت من قصيدة يصف فيها بقر الوحش (ديوانه 169).
قوله: يطفن، بضم الياء من أطاف به إذا ألم به وقاربه، ويجوز أن يكون بفتح الياء من الطواف. والحوزي: المتوحد، وهو الفحل منها، وهو من حزت الشيء إذا جمعته أو نحيته (الأزهري: حاز) قال العيني: الحوزي هاهنا: الثور الذي يجعله بقر الوحش رأسا لهن يتبعنه في المرعى ومورد الماء، وهو الذي يحوشهنّ ويحميهنّ عمن يقصدهنّ من بني آدم وغيرهم. والمراتع: مواضع الرتع، وأراد
بالبوادي: البوادر
(3/123)
________________________________________
فليس المضمر في هذا كالظاهر، فلما صار كذلك لم يستجيزوا عطف الظاهر عليه، لأن المعطوف ينبغي أن يكون مشاكلا للمعطوف عليه، ألا تراهم قالوا:
ولولا رجال من رزام أعزّة ... وآل سبيع أو أسوءك علقما
«1» لمّا كان أسوأ فعلا، وما قبله اسم، أضمر أن ليعطف شكلا
__________
(3/ 464) وهي جمع بادرة وهي ما يظهر عند الغضب. وقد تكون «بواديه» بكسر الباء، أي بالوادي الذي هو فيه. وقوله: من قرع القسي الكنائن، أي: من تعرض الصيّاد له.
وقبل البيت:
يخافتن بعض المضغ من خشية الرّدى ... وينصتن للسمع انتصات القناقن
والقناقن: البصير باستنباط المياه، وجمعه قناقن- بفتح القاف- (الأزهري 8/ 293 وأنشد البيت).
وانظر الخصائص 2/ 406، والإنصاف 2/ 429، والخزانة 2/ 252 عرضا والعيني 3/ 462، والتهذيب 5/ 178 (حاز) واللسان (حوز).
(1) البيت للحصين بن الحمام، شاعر إسلامي من الصحابة، كان سيدا شاعرا وفيا. وكان يقال له: مانع الضيم. وهو من مفضلية برقم 12 ويقع الثامن عشر فيها، وروايته: «من رزام بن مازن» بدل «أعزّة». ورزام: هو ابن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان، وسبيع هو ابن عمرو بن فتية. وعلقم: ترخيم علقمة بن عبيد بن عبد بن فتية. وجواب لولا في البيت بعده، وهو:
لأقسمت لا تنفكّ مني محارب ... على آلة حدباء حتّى تندّما
والبيت من شواهد سيبويه 1/ 429 قال الأعلم: الشاهد فيه نصب أسوءك بإضمار أن ليعطف على ما قبله من الأسماء، والمعنى: لولا هؤلاء وأن أسوءك لفعلت كذا، أي: لولا كون هؤلاء الموصوفين أو أن أسوءك لفعلت كذا، أي ومساءتك.
وانظر المحتسب 1/ 326، والعيني 4/ 411 والأشموني 3/ 296.
(3/124)
________________________________________
على شكله. وكذلك قوله تعالى: وكلا ضربنا له الأمثال [الفرقان/ 39] ويدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما [الإنسان/ 31] فكما روعي التشاكل في هذه المواضع في المعطوف، وفي غيرها، كذلك روعي في المضمر المجرور فلم يعطف عليه المظهر المجرور، لخروج المعطوف عليه من شبه الاسم إلى شبه الحرف.
ومما يبين ذلك أنهم لم يستحسنوا عطف الظاهر المرفوع على المضمر المرفوع «1» حتى يؤكّد، فيقع العطف في اللفظ على المضمر المنفصل الذي يجري مجرى الأجنبي، وذلك نحو: أذهب وزيد وذهبت وزيد، ولا يستحسنون ذلك حتى يؤكّدوه فيقولوا: اذهب أنت وزيد، وذهبت أنا وزيد، لأنه لما اختلط الاسم بالفعل حتى صار كبعض أجزائه لوقوع إعرابه بعده في نحو: تفعلين، وتفعلان، وتفعلون. ولإسكانهم الآخر منه، إذا اتصل بالضمير مع تحريكهم نحو: علبط «2» لم يستجيزوا العطف عليه في حال السّعة إلّا بالتأكيد، ليقع العطف عليه في اللفظ، فلا يكون كأنه عطف اسما على فعل كما يصير في المجرور كأنه عطف اسما على تنوين. وإذا اتصل علامة الضمير المجرور بالحرف كان كاتصاله بالاسم، ألا ترى أنه لا ينفصل من الحرف كما لا ينفصل من الاسم، ولا يفصل بينهما كما لا يفصل بينهما إذا اتصل بالاسم، فلا فصل بين اتصاله بالحرف
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) رجل علبط وعلابط: ضخم عظيم. وقيل: كل غليظ علبط، وكل ذلك محذوف من فعالل، وليس بأصل لأنّه لا تتوالى أربع حركات في كلمة واحدة (اللسان).
(3/125)
________________________________________
واتصاله بالاسم من حيث ذكرنا. فإن قال قائل: هلّا «1» جاز أن يعطف الظاهر المجرور على المضمر المجرور، كما جاز أن يؤكد بالنفس وغيره من التأكيد. قيل: لم يجز العطف من حيث جاز التأكيد، لأن العطف تقدير حرفه أن يقوم مقام الذي يعطف عليه، فإن كان المعطوف فعلا كان في تقدير الفعل، وإن كان اسما كان في تقدير الاسم، وكذلك إن كان حرفا، وإذا كان كذلك وكان المضمر المجرور قد خرج عن شبه الاسم وصار بمنزلة الحرف بدلالة أنه لا ينفصل مما اتصل به، كما أن التنوين لا ينفصل، ويحذف في النداء في الاختيار، كما يحذف، وامتنع أن يفصل بينه وبينه في الشعر كما يفصل ذلك في المظهر، لم يجز العطف فيه، لأن حرف العطف لمّا خرج الاسم الذي يعطف عليه في حكم اللفظ عن حكم الأسماء، لم يصح العطف عليه، لأنّك إنما تعطف عليه لإقامتك إياه مقام الاسم، فإذا خرج عن شبه الاسم لم يقم حرف العطف مقام الاسم لخروج المعطوف عليه عن ذلك، وليس التأكيد كذلك، لأنك لو حملت التأكيد على نفس العامل في المجرور لم يمتنع، فليس ضعف المؤكّد بحرف التأكيد بأبعد من أن لا يكون في الكلام، فلذلك جاز التأكيد بالنفس وسائر حروف التأكيد، ولم يجز العطف.
ومما يتعلق بهذا الباب قوله تعالى «2»: يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به [البقرة/ 217] لا يخلو ارتفاع قوله: وصد عن سبيل الله من أن يكون بالعطف على الخبر الذي هو كبير كأنه:
__________
(1) في (ط): فهلا.
(2) سقطت من (ط).
(3/126)
________________________________________
قتال فيه كبير، وصد وكفر، أي: القتال قد جمع أنه كبير وأنه صد وكفر. أو يكون مرتفعا بالابتداء وخبره «1» محذوف، لدلالة كبير المتقدم عليه، كأنه قال: والصدّ كبير، كقولك: زيد منطلق وعمرو أو يكون مرتفعا بالابتداء والخبر المظهر، فيكون الصدّ ابتداء، وما بعده من قوله: وكفر به وإخراج أهله يرتفع بالعطف على الابتداء، والخبر قوله: أكبر عند الله، فلا يجوز الوجهان الأولان، وهما جميعا قد أجازهما الفراء.
أما الوجه الأول فلأنّ المعنى يصير: قل: قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله كبير، والقتال، وإن كان كبيرا ويمكن أن يكون صدا لأنه ينفّر الناس «2» عنه، فلا يجوز أن يكون كفرا. ألا ترى أن أحدا من المسلمين لم يقل ذلك، ولم يذهب إليه؟ فلا يجوز أن يكون خبر المبتدأ شيئا لا يكون المبتدأ. ويمنع من ذلك أيضا قوله بعد: وإخراج أهله منه أكبر عند الله [البقرة/ 217] ومحال أن يكون إخراج أهله منه أكبر من الكفر، لأنه لا شيء أعظم منه.
ويمتنع الوجه الثاني أيضا، لأن التقدير فيه يكون: قتال فيه كبير وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به. وكذلك مثّله الفراء «3» وقدّره، وإذا صار كذلك، صار المعنى: وإخراج أهل المسجد الحرام أكبر عند الله من الكفر، فيكون بعض خلال الكفر أعظم منه كله، وإذا كان كذلك امتنع كما امتنع الأول، وإذا امتنع هذان ثبت الوجه الثالث: وهو: أن يكون قوله: وصدّ عن سبيل الله ابتداء، وكفر به،
__________
(1) في (ط): والخبر.
(2) في (ط) ينفر الناس.
(3) معاني القرآن 1/ 141.
(3/127)
________________________________________
وإخراج أهله منه «1»، معطوفان عليه، وأكبر: خبر. فيكون المعنى:
صدّ عن سبيل الله أي: منعهم لكم أيها المسلمون عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم ولاته، والذين هم أحقّ به منهم، وكفر بالله أكبر من قتال في الشهر الحرام. وهذا القتال في الشهر الحرام هو ما عابه المشركون على المسلمين من قتل عبد الله بن جحش وأصحابه من المهاجرين «2» عمرو بن الحضرمي [وصاحبه لما] «3»، فصلا من الطائف في عير في آخر جمادى وأول رجب وأخذهم العير، وهو أوّل من قتل من المشركين فيما روي، وأوّل فيء أصابه المسلمون «4» فهذا هو التأويل لا الوجهان الأوّلان.
وأما قوله: والمسجد الحرام، فزعم الفراء أنّه محمول على قوله: يسألونك عن القتال وعن المسجد الحرام «5»، هذا لفظه «6».
وهذا أيضا ممتنع، لأنه لم يكن السؤال عن المسجد الحرام، وإنّما السؤال عن قتال ابن جحش ابن الحضرمي وأصحابه الذين عابهم به المشركون وعيّروهم فقالوا: إنّكم استحللتم الشهر الحرام، وهو رجب، فقتلتم فيه. فعن هذا كان السؤال، لا عن المسجد «7» الحرام. فإذا لم يجز هذا الوجه، لم يجز حمله أيضا فيمن جوز عطف
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): من المسلمين المهاجرين.
(3) سقطت من (م).
(4) انظر تفصيل القصّة في تفسير الطبري 2/ 347 - 349.
(5) في (م): يسألونك عن القتال وعن الشهر الحرام وعن المسجد، ولفظ الفراء كما في (ط).
(6) معاني القرآن 1/ 141.
(7) في (م): الشهر.
(3/128)
________________________________________
الظاهر على المضمر المجرور، فيكون محمولا على الضمير في به* لأن المعنى ليس على كفر بالله أو بالنبي. والمسجد ثبت أنه معطوف على عن* من قوله: وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، لأن المشركين صدّوا المسلمين عنه كما قال الله عزّ وجلّ «1»: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام [الحج/ 25] فكما أن المسجد الحرام في هذه الآية محمول على عن* المتصلة بالصدّ بلا إشكال، كذلك في مسألتنا في هذه الآية.

[النساء: 5]
اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله تعالى «2»:
قياما وقيما* [النساء/ 5].
فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي وأبو عمرو: قياما بألف «3».
وقرأ نافع وابن عامر قيما* بغير ألف «4».
قال أبو علي: قال أبو عبيدة: التي جعل الله لكم قياما مصدر يقيمكم. ويجيء في معناها قوام، وإنّما هو الذي يقيمك، فإنّما أذهبوا الواو لكسرة القاف، كما قالوا: ضياء وتركها بعضهم «5». قال لبيد:
أفتلك أم وحشيّة مسبوعة خذلت وهادية الصّوار قوامها «6»
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): بالألف.
(4) السبعة 226.
(5) مجاز القرآن 1/ 117 مع اختلاف يسير في النقل.
(6) البيت من معلقته في ديوانه 171 قال ابن الأنباري: معناه: أفتلك الأتان التي
(3/129)
________________________________________
وقال أبو الحسن: جعل الله لكم قياما، وفي الكلام قواما، وقيما، وهو القوام الذي يقيم شأنهم.
وقال أبو الحسن: في قيام ثلاث لغات: قيما، وقياما، وقوما.
قال: وبنو ضبّة يقولون: طويل وطيال، والعامّة على طوال.
قال أبو علي: ليس قول من قال: إن القيم جمع قيمة بشيء، إنما القيم بمعنى القيام، ليس أن القيم جمع. والذي يدلّ على أنّ قيام الشيء إنّما يعنى به دوامه وثباته، ما أنشده أبو زيد:
إنّي إذا لم يند حلقا ريقه ... وركد السّبّ فقامت سوقه
«1» والراكد: الدائم الثابت، ومن ثم قيل: ماء راكد، لخلاف الجاري، وماء دائم. وفي التنزيل: فيظللن رواكد على ظهره [الشورى/ 33] وقال:
يدوم الفرات فوقه ويموج «2»
__________
تشبه ناقتي أم بقرة وحشية مسبوعة: أكل السبع ولدها فهي مذعورة.
وقوله: خذلت، تأخرت عن القطيع. يريد: خذلت أصحابها من الوحش وأقامت على ولدها ترعى قربه وتلفّت إلى البقر، فإذا رأتها طابت نفسها وعلمت أنّ الصوار لم يفتها. والهادية: التي تهدي الصوار، أي تكون في أوله. والصوار: القطيع من البقر. يقال: صوار وصوار وصيار، والجمع أصورة وصيران. وقوامها: معناه تهتدي بأول الصوار (اهـ. شرح القصائد السبع الطوال 553) وانظر شرح المعلقات السبع 103 للزوزني.
(1) النوادر 169 (ط الفاتح) مع أربعة أخرى بعده وعنه في اللسان (سوق)، والثاني في المخصص 17/ 21 والسب- بالكسر-: الحبل والخمار والعمامة والوتد وشقة رقيقة كالسبيبة (القاموس).
(2) عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي، صدره:
(3/130)
________________________________________
فالدوام: كالسكون والثبات على حال خلاف التموّج، وهذا يدل على أن تفسير قوله: يقيمون الصلاة يديمونها، ويحافظون عليها. وهذا التفسير أشبه من أن يفسر بيتمّونها.
والدليل على أن قيما مصدر في معنى القيام قوله: دينا قيما ملة إبراهيم [الأنعام/ 161] فالقيمة التي هي معادلة الشيء ومقاومته لا مذهب له هنا «1». إنما المعنى والله أعلم: دينا ثابتا دائما لازما لا ينسخ «2» كما تنسخ الشرائع التي قبله، وكذلك قوله: إلا ما دمت عليه قائما [آل عمران/ 75] أي: اقتضائك له ومطالبتك إياه.
فقوله: دينا قيما ينبغي أن يكون مصدرا وصف به الدّين ولا وجه للجمع هنا، ولا للصفة، لقلّة مجيء هذا البناء في الصفة، ألا ترى أنه إنما جاء في قولهم: قوم عدى، ومكان سوى، وفعل في
__________
فجاء بها ما شئت من لطميّة انظر ديوان الهذليين 1/ 57 وجاءت روايته في شرح أشعارهم للسكري 1/ 134 واللسان. (دوم):
تدوم البحار فوقها وتموج وهي أجود لما سيأتي قال السكري في شرحه: بها، أي: بالدرة، أي: جلبت في اللطائم، واللطيمة: عير تحمل التجارة والعطر، فإن لم يكن فيها عطر فليست بلطيمة، فجعل هذه الدرة تحملها عير اللطيمة. تدوم البحار، أي تسكن فوقها. قال الأصمعي: «يدوم الفرات فوقها» والفرات: العذب، ولا يجيء منه الدر، إلّا أنّه غلط، وظنّ أنّ الدرة إذا كانت في الماء العذب فليس لها شبه، ولم يعلم أنها لا تكون في العذب. (اهـ). وانظر ما قيل في تفسير اللطيمة من معان في التاج (لطم).
(1) في (ط) هاهنا.
(2) في (ط): دينا دائما ثابتا ولا ينسخ.
(3/131)
________________________________________
المصادر كالشّبع والرّضا، وحروف أخر أوسع من الوصف، فإذا كان كذلك حمل على الأكثر.
فإن قلت: فكيف اعتلّ، وهو على وزن ينبغي أن يصح معه ولا يعتلّ، كما لم «1» يعتلّ العوض والحول ونحو ذلك؟ فإنه يمكن أن يكون هذا الوزن إنما «2» جاء في الجمع متّبعا واحده في الإعلال، نحو: ديمة وديم، وحيلة، وحيل، مع أن حكم الجمع أن لا يتبع الواحد في نحو: معيشة ومعايش، فإذا كانوا قد أتبعوه في الواحد الجمع، جاز أن يتبعوه أيضا في هذا الفعل فيعلّ، كما يعلّ الفعل، لأن المصادر أشدّ اتباعا لأفعالها في الاعتلال من الجمع للواحد. فإن قلت: فقد قالوا: وعدا ووزنا، فصحّحوا المصدر مع إعلالهم الفعل نحو يعد. قيل: لا يشبه هذا ما ذكرنا من بناء «فعل»، لأنّ «فعلا» على بناء لا طريق للإعلال عليه، وليس «فعل» كذلك، لأنّ الكسرة توجب الإعلال في الواو إذا كانت عينا، لا سيّما إذا انضم إليها هاهنا الاعتلال في الفعل. ويدلّك على أنه مصدر، وأنه مثل عوض حكاية أبي الحسن قوما، وقيما، وكان «3» القياس تصحيح الواو كما حكاه أبو الحسن، وإنما انقلبت ياء على وجه الشذوذ عن الاستعمال كما انقلبت ثيرة، وكما قالوا: طويل وطيال في لغة بني ضبّة فيما حكاه أبو الحسن، وكما قالوا: جميعا جواد، وجياد وكان حكم جواد أن تصحّ عينه في الجمع «4»، قال الأعشى:
__________
(1) في (ط): لا.
(2) في (ط): لما.
(3) في (ط): فكان.
(4) سقطت: «في الجمع» من (ط).
(3/132)
________________________________________
جيادك في الصّيف «1»
في نعمة ... تصان الجلال وتعطى الشّعيرا
«2» فكما شذّت هذه الأشياء عما عليه الاستعمال كذلك شذّ قولهم: قيما، وهو فعل كالشبع، ولا وجه للصفة هنا لقلة الصفة، ولا لأن يكون جمع قيمة، لأنّ ذلك لا مذهب له، ألا ترى أنه لا يجوز أن يوصف الدّين بذلك، وقوله: قيما، وقياما بمعنى، وإنّما أعلّ القيام لأنه مصدر قد اعتلّ فعله، فأتبع الفعل في الاعتلال، فأمّا القوام الذي حكاه أبو عبيدة، فإنه ينبغي أن يكون اسما غير مصدر، كالقوام فيمن فتح. ويجوز أن يكون مصدر قاوم، كما أنّ الغوار مصدر غاور، فأما القيام والصّيام، والعياذ، والعيادة، والحياكة ونحو ذلك مما قلبت الواو فيه ياء، فمصادر جارية على الفعل، ومما يدل على أن قيما ليس بجمع قيمة، وإنما هو مصدر قوله: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس [المائدة/ 97] وقيما للناس، وإنّما المعنى جعل الله حجّ البيت الحرام قواما لمعايش الناس.
قال: وقرأ حمزة وحده: ضعافا [النساء/ 9] «3» بإمالة العين، وكذلك: خافوا بإمالة الخاء. واختلف عنه في الإمالة فروى عبيد الله «4» بن موسى: ضعافا بالفتح. وروى خلف بن
__________
(1) في (ط): بالصيف.
(2) ديوانه/ 99 من قصيدة يمدح فيها هوذة بن علي الحنفي.
(3) تمام الآية: وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا.
(4) في (ط): عبد الله. وهو عبيد الله بن موسى بن باذام. أخذ القراءة عرضا عن عيسى بن عمر وشيبان بن عبد الرحمن الهمذاني وروى الحروف سماعا من
(3/133)
________________________________________
هشام عن سليم بن عيسى «1» عنه بالكسر «2».
قال أبو علي: وجه الإمالة في ضعافا أنّ ما كان على فعال وكان أوّله حرفا مستعليا مكسورا نحو: ضعاف وقباب، وخباث، وغلاب، يحسن فيه الإمالة وذلك أنه قد تصعّد بالحرف المستعلى، ثم انحدر بالكسر فيستحبّ أن لا يتصعّد بالتفخيم بعد التصويب بالكسر «3»، فيجعل الصوت على طريقة واحدة، فلا يتصعّد بالتفخيم بعد التصوّب بالكسر «4»، وذلك نحو ما قدمنا من نحو:
ضعاف وقباب. ومما يدل على أنّ الإصعاد بعد الانحدار يثقل عليهم أنهم يقولون: صبقت، وصقت، فيبدلون من السين الصاد، ولا تقرّر السين لئلا يتصعّد منها إلى المستعلي فإذا كان بعكس ذلك لم يبدل، وذلك نحو: قست، وقسوت، لأنه إذا تصعّد بالقاف تحدّر بالسين، فيكون الانحدار بعد الإصعاد خفيفا. ومما يدلّك على حسن الإمالة في ضعاف أن الحرف المكسور إذا كان بينه وبين الألف حرفان، وكان الأول منهما مستعليا ساكنا، حسنت فيه الإمالة وذلك نحو: مقلات، ومظعان، ومطعام، لأن المستعلي لمّا كان ساكنا وقبله كسرة صار المستعلي كأنه تحرّك «5» بالكسر لما كانت الكسرة قبله كما أن من قال:
__________
غير عرض عن حمزة، وسمع حروفا من الكسائي وفاته سنة 213 هـ. (انظر طبقات القراء 1/ 494).
(1) سليم بن عيسى بن سليم بن عامر الكوفي المقرئ ضابط محرر حاذق عرض القرآن على حمزة وهو من أخص أصحابه (الطبقات 1/ 318).
(2) السبعة 227.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): بالكسرة.
(5) في (ط): يتحرك.
(3/134)
________________________________________
أحبّ المؤقدين إليّ مؤسى «1» .....
لما كانت الضمة قبل الواو قدرها كأنها عليها، فأبدل منها الهمزة كما يبدلها «2» منها إذا كانت مضمومة، فكذلك إذا قال:
مقلات، صار كأنه قال: قلات، فحسنت الإمالة «3».
وأما الإمالة في خافوا فإنها حسنة، وإن كان الخاء مستعليا، لأنه يطلب الكسرة التي في: خفت، فينحو نحوها بالإمالة «4». قال سيبويه: بلغنا عن أبي إسحاق أنه سمع كثير عزة يقول: صار مكان كذا كذا «5».
قال: وكلهم قرأ «6»: وإن كانت واحدة [النساء/ 11] نصبا إلّا نافعا فإنه قرأ: وإن كانت واحدة رفعا «7».
قال أبو علي: الاختيار ما عليه الجماعة، لأن التي قبلها لها خبر منصوب وذلك قوله: (فإن كنّ نساء فوق اثنتين ... وإن كانت
__________
(1) صدر بيت لجرير، سبق في 1/ 239.
(2) في (م): يبدل.
(3) في (ط): الإمالة فيه.
(4) قال السيرافي (طرة سيبويه 2/ 261): أما إمالة خاف فلأنه على فعل، وأصله خوف- كفرح- فللكسرة المقدّرة في الألف جازت إمالته، ويكسر أيضا إذا جعلت الفعل لنفسك، فقلت: خفت، وكل ما كان في فعل المتكلم مكسورا جازت إمالته من ذوات الواو أو من ذوات الياء.
(5) سقطت من (ط) كذا. وانظر سيبويه 2/ 261 وقد سبق في 2/ 300.
(6) في (ط): قرءوا.
(7) السبعة 227 والملاحظ أنّ المؤلف قدم الكلام في الآية 11 على الآية 10 من النساء.
(3/135)
________________________________________
واحدة) أي: وإن كانت المتروكة واحدة. كما أن الضمير في الأول تقديره: وإن كنّ المتروكات أو الوارثات نساء.
ووجه قول نافع: إن وقعت واحدة أو وجدت واحدة، أي:
إن حدث حكم واحدة، أو إرث واحدة، ألا ترى أنّ المراد حكمها والقضاء في إرثها لا ذاتها.

[النساء: 10]
واختلفوا في فتح الياء وضمها «1» من قوله [جلّ وعزّ] «2»:
وسيصلون سعيرا [النساء/ 10].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وسيصلون: بفتح الياء.
وقرأ ابن عامر: وسيصلون سعيرا بضم الياء. واختلف عن عاصم فروى أبو بكر بن عيّاش وأبان، والمفضّل عنه:
وسيصلون مثل ابن عامر بضم الياء وتصلى نارا حامية [الغاشية/ 4] بالضم أيضا. وروى عنه حفص: وسيصلون وتصلى نارا حامية، ويصلى سعيرا [الانشقاق/ 12] مفتوحا كلّه «3».
[وقال أبو علي] «4»: قال أبو زيد: صلي الرجل النار يصلاها صلا وصلاء، وهما واحد، وأصلاه الله حرّ النار إصلاء، وهو صالي النار في قوم صالين وصليّ.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة 227.
(4) سقطت من (ط).
(3/136)
________________________________________
حجة من قال: سيصلون بالفتح قوله تعالى: اصلوها اليوم [يس/ 64] وإلا من هو صال الجحيم [الصافات/ 163] وجهنم يصلونها [إبراهيم/ 29].
وحجة من قال: سيصلون أنه من: أصلاه الله، وسيصلون مثل: سيعطون، من أصلاه الله، مثل: أدخله الله النار، وحجته:
سوف نصليهم نارا [النساء/ 56].

[النساء: 11]
اختلفوا في ضمّ الألف من أم* وكسرها إذا وليتها كسرة أو ياء ساكنة.
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: فلأمه [النساء/ 11] وفي بطون أمهاتكم [الزمر/ 6] وفي أمها [القصص/ 59] وفي أم الكتاب [الزخرف/ 4] بالرفع.
وقرأ حمزة والكسائيّ كلّ ذلك بالكسر إذا وصلا «1».
قال أبو علي: حجة من ضمّ: أن الهمزة ليست كالهاء ولا في خفائها، وإنّما أتّبع الهاء الياء والكسرة من أتبع في بهم، وبهي، وعليهم، ولديهم، لخفائها، وليست الهمزة كذلك، وإن كانت تقارب الهاء في المخرج. ويقوّي ذلك أنهم لم يغيّروا غير همزة أم* هذا التغيير، ألا ترى أنّ الهمزة في أدّ «2» وأفّ، مضمومة على جميع أحوالها وكذلك همزة «3» أناس. ووجه قول حمزة والكسائي أن الهمزة
__________
(1) السبعة 228.
(2) قال ابن دريد: هو اسم رجل، أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر، وأحسب أنّ الهمزة في «أدّ» واو، لأنه من الود، أي: الحب، فقلبوا الواو همزة. (الجمهرة 1/ 15).
(3) في (م) همز.
(3/137)
________________________________________
حرف مستثقل بدلالة تخفيفهم لها، فأتبعوها ما قبلها من الياء والكسرة، ليكون العمل فيها من وجه واحد. ويقوي ذلك أنها تقارب الهاء وقد فعل ذلك بالهاء ويقوي ذلك أيضا أنهم قد أتبعوا غيرها من الحروف نحو: هو منحدر من الجبل، فغيّروا البناء للاتباع. ويقوي ذلك أنهم قد أتبعوا ما قبل الهمزة الهمزة في قولهم: أجوؤك وأنبؤك، كما أتبعوا الهمزة ما قبلها في قوله في: إمّها، ولأمّه. فالهمزة لما يتعاورها من القلب والتخفيف، تشبه الياء والواو والهاء، فتغيّر كما تغيّر. فإن قلت: فهلّا فعلوا ذلك بغير هذا الحرف مما فيه الهمزة.
قيل: إنّ هذا الحرف قد كثر في كلامهم، والتغيير إلى ما كثر استعماله أسرع. وقد يختص الشيء في الموضع بما لا يكون في أمثاله، كقولهم: أسطاع، وأهراق «1»، ولم يفعل ذلك بما أشبهه، فكذلك هذا التغيير في الهمزة مع الكسرة والياء اختص به هذا الحرف ولم يكن فيما أشبهه.

[النساء: 23]
واختلفوا في الميم من إمهاتكم [النساء/ 23] فكسرها حمزة وفتحها الكسائي «2».
[قال أبو علي] «3» أمّا فتح الكسائي الميم في «4» إمهاتكم فهكذا ينبغي، لأنّ التغيير والإتباع إنّما جاء في الهمزة، ولم يأت في الميم، فغيّر الهمزة وترك غيرها على الأصل، ألا ترى أنّ الميم لم تغيّر، وإنّما غيّرت الهمزة إذا وليتها الكسرة أو الياء، فلما كان
__________
(1) سيأتي تعليل ذلك قريبا ص (143).
(2) السبعة 228 وهي تابعة لسابقتها عنده.
(3) سقطت من (م).
(4) في (ط): «من قوله».
(3/138)
________________________________________
كذلك أتبع الهمزة ما كان «1» قبلها من الكسرة «1» والياء، وترك الميم على أصلها كما تركها من ضم الهمزة فقال: أمّهات. وأمّا كسر الميم في إمّهات، فقول الكسائي أشبه منه. ووجهه أنّه أتبع الميم الهمزة، كما قالوا: منحدر من الجبل، فأتبعوا حركة الدال ما بعدها، ونحو هذا الإتباع لا يجسر عليه إلّا بالسمع ويقوي ذلك قول من قال: عليهمي ولا [الفاتحة/ 7] ألا ترى أنّه أتبع الهاء الياء ثم أتبع الميم الهاء، وإن لم تكن في خفاء الهاء؟ فكذلك أتبع الميم الهمزة في قوله: إمهات، وكما أن قول من قال:
عليهمي، فاعلم يقوّي ما أخذ به حمزة، فكذلك قول من قال:
عليهمو ولا، يقوّي قول الكسائي، ألا ترى أنّه أتبع الياء ما أشبهها في الخفاء، وترك غير الهاء على أصلها «3». فكذلك أتبع الكسائي الكسرة أو الياء الهمزة وترك الميم التي بعد الهمزة في قوله: لإمها على أصله فلم يغيره.

[النساء: 11]
واختلفوا في كسر الصاد وفتحها من قوله [جلّ وعز] «4» يوصي بها [النساء/ 11].
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: يوصى بها* بفتح الصاد في الحرفين.
وقرأ حفص عن عاصم: الأولى بالكسر يوصي*، والثانية بالفتح يوصى*.
__________
(1) في (ط): الكسر.
(3) في (ط): أصله.
(4) في (ط): تعالى.
(3/139)
________________________________________
وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي: يوصي فيهما بالكسر «1».
[قال أبو علي] «2»: حجة من قال «3»: يوصي* أنّه قد تقدّم ذكر الميت، وذكر المفروض فيما ترك، يبين ذلك قوله: فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي [النساء/ 11] وحجة من قال: يوصى* أنه في المعنى يؤول إلى يوصي، ألا ترى أن الموصي هو الميت، وكأن الذي حسّن ذلك أنّه ليس لميت معين إنّما هو شائع في الجميع، فلذلك حسن يوصى*.

[النساء: 13]
اختلفوا في الياء والنون من قوله [جلّ وعز]: «4» يدخله.
فقرأ ابن عامر ونافع: ندخله جنات [النساء/ 13] بالنون في الحرفين جميعا، وقرأ الباقون بالياء فيهما «5».
قال أبو علي: كلاهما حسن، فمن قرأ يدخله فلأنّ ذكر اسم الله عزّ وجل «6» قد تقدّم فحمل الكلام على الغيبة، ومن قرأ
__________
(1) السبعة 228.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): قرأ.
(4) سقطت من (ط).
(5) نقل الفارسي كلام ابن مجاهد في هذا الحرف باختصار، ونصه في السبعة ص 228: «واختلفوا في الياء والنون من قوله: يدخله جنات ويدخله نارا [النساء/ 14] فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: (يدخله) بالياء في الحرفين. وقرأ نافع وابن عامر:
(ندخله) بالنون في الحرفين جميعا».
(6) سقطت من (ط).
(3/140)
________________________________________
ندخله فالمعنى فيه «1» كالمعنى في الياء، ويقوّي ذلك قوله تعالى «2»: بل الله مولاكم [آل عمران/ 150] ثمّ قال:
سنلقي [آل عمران/ 151].

[النساء: 16]
واختلفوا في تشديد النون وتخفيفها من قوله عز وجل «3» والذان [النساء/ 16] وهذان [طه/ 63 - والحج/ 19] وفذانك [القصص/ 32] وهاتين [القصص/ 27].
فقرأ ابن كثير: هذان*، واللذان، وفذانك.
وهاتين مشدّدة النون.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بتخفيف ذلك كلّه، وشدّد أبو عمرو فذانك وحدها، ولم يشدّد غيرها.
قال أبو علي: من قرأ: اللذان وهذان* وهاتين فالقول في تشديد نون التثنية: أنّه عوض من الحذف الذي يلحق «4» الكلمة، ألا ترى أنّ قولهم «ذا» قد حذف لامها، وقد حذفت الياء من «اللذان» في التثنية. فإن قلت: فإن الحذف في تثنية اللذان إنّما هو لالتقاء الساكنين، وما حذف لالتقاء الساكنين فهو في تقدير الثبات بدلالة قوله:
ولا ذاكر الله إلّا قليلا «5».
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): لحق.
(5) سبق في 2/ 454.
(3/141)
________________________________________
ألا ترى أنّه «1» نصب مع الحذف كما ينصب مع الإثبات؟
قيل: إنّ اللام في اللتان واللذان وإن كانت حذفت لالتقاء الساكنين، فإنّهما لما لم تظهر في التثنية التي كان يلزم أن يثبت فيها وتتحرك، أشبه ما حذف حذفا، لغير التقاء الساكنين، فاقتضى العوض منه كما اقتضته المبهمة نحو: هذان، واتّفقت هذه الأسماء من اللذان وهذان في هذا التعويض، كما اتفقا في التحقير في فتح الأوائل منهما، مع ضمها من غيرهما، وفي إلحاق الألف أواخرهما، وذلك نحو اللتيّا، واللذيّا، وهاتيّا.
فأما تخصيص أبي عمرو التعويض في المبهمة في نحو قوله: فذانك وتركه التعويض في اللذان، فيشبه أن يكون ذلك لما رآه من أنّ الحذف للمبهمة ألزم، فبحسب لزومها الحذف ألزمها العوض ولم يعوض في اللّذين، ألا ترى أنّ اللذين إذا قلت:
اللّذيّا فحقّرت أظهرت اللام المحذوفة في التثنية في التحقير، وإذا حقرت المبهم فقلت: هاذيّا، فالحذف في الاسم قائم، لأنّه كان ينبغي هاذييّا، الياء الأولى عين الفعل، والثانية للتحقير، والثالثة لام الفعل، فحذفت التي هي عين الفعل، ولم يجز أن تحذف التي هي لام لأنّك لو حذفتها لتحركت ياء التحقير لمجاورتها الألف، وهذه الياء لا تحرك أبدا، ألا ترى أنّه «2» لم يلق عليها حركة الهمزة في نحو: أقيّس، فلما لم يتمّ في التحقير، وأتمّ الموصول خصّ المبهم بالعوض دون الموصول لذلك. فإن قال قائل: هلّا «3» وجب
__________
(1) في (ط): أنه قد.
(2) في (ط): أنها.
(3) في (ط): فهلّا.
(3/142)
________________________________________
عوض المنقوص في التثنية نحو: يد، ودم، وغد؟ فإن ذلك ليس بسؤال، ألا ترى أنّهم عوّضوا في: أسطاع، وأهراق «1» ولم يعوضوا في: أجاد وأقام ونحو ذلك.
وأيضا: فإنّ الحذف لمّا لم يلزم هذه المتمكنة، كان الحذف في حكم لا حذف، ألا ترى أن منه ما يتمّ في الواحد نحو: غد وغدو؟ ومنه ما يتمّ في التثنية نحو:
يديان بيضاوان «2» ....
ونحو:
جرى الدّميان «3» .....
__________
(1) قال سيبويه 1/ 8: «وقولهم: أسطاع يسطيع، وإنّما هي أطاع يطيع، زادوا السين عوضا من ذهاب حركة العين من أفعل».
وفي اللسان: وأما أسطاع مقطوعة فعلى أنّهم أنابوا السين مناب حركة العين في أطاع التي أصلها: أطوع، ثمّ قال: ويؤكد ما قال سيبويه من أنّ السين عوض من ذهاب حركة العين، أنّهم قد عوضوا من ذهاب حركة هذه العين حرفا آخر غير السين وهو الهاء من قول من قال: أهرقت، فسكن الهاء، وجمع بينها وبين الهمزة، فالهاء هنا عوض من ذهاب فتحة العين، لأنّ الأصل أروقت أو أريقت ... ثمّ إنّهم جعلوا الهاء عوضا من نقل فتحة العين عنها إلى الفاء، كما فعلوا ذلك في أسطاع. (اللسان: طوع) وانظره في مادة (هرق) أيضا.
(2) قطعة من بيت مجهول القائل تمامه:
يديان بيضاوان عند محلّم ... قد تمنعانك أن تضام وتضهدا
انظر المنصف 1/ 64 و 2/ 148 وابن يعيش 4/ 151 و 5/ 83 و 6/ 5 و 10/ 56 والخزانة 3/ 347.
(3) قطعة من بيت لعلي بن بدال تمامه:
ولو أنّا على حجر ذبحنا ... جرى الدّميان بالخبر اليقين
(3/143)
________________________________________
وفي الجمع نحو: أيد ودماء، وفي التحقير نحو: دميّ ويديّة، وليست المبهمة كذلك، ويمكن أن يكون أبو عمرو قدّر ذانك تثنية ذلك، فعوّض الحرف في التثنية من الحرف الزائد الذي كان في الإفراد قبل التثنية، والأول أشبه.

[النساء: 19]
اختلفوا في فتح الكاف وضمها من قوله [جلّ وعز] «1» كرها [النساء/ 19] وذلك في أربعة مواضع في النساء [19]، والتوبة [53]، والأحقاف في موضعين [15].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: كرها بفتح الكاف فيهنّ كلّهنّ.
وقرأ عاصم وابن عامر: كرها بالفتح في النساء والتوبة.
وقرأ في الأحقاف: كرها* مضمومتين. وقرأ حمزة والكسائي: كرها* بالضم فيهنّ كلّهنّ. وقال ابن ذكوان في حفظي: كرها: بفتح الكاف في سورة الأحقاف في الموضعين
«2».
قال أبو علي: الكره والكره: لغتان، كقولهم: الفقر والفقر، والضّعف، والضّعف، والدّفّ والدّفّ، والشّهد والشّهد. فمن قرأ الجميع بالضم فقد أصاب. وكذلك لو قرأ قارئ جميع ذلك
__________
انظر المقتضب 1/ 231 2/ 238 و 3/ 153 والخزانة 3/ 349 وابن الشجري 2/ 34 والمنصف 2/ 148 وابن يعيش 4/ 151، 152 و 5/ 84 و 6/ 5 و 9/ 24.
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة 229.
(3/144)
________________________________________
بالفتح، وكذلك إن قرأ بعض ذلك بالفتح وبعضه بالضم، كل ذلك مستقيم.

[النساء: 19]
اختلفوا في كسر الياء وفتحها من قوله [جلّ وعز] «1»:
بفاحشة مبينة [النساء/ 19] وآيات مبينات [النور/ 34/ 46].
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: بفاحشة مبينة*، وآيات مبينات* بفتح الياء فيهما جميعا.
وقرأ نافع وأبو عمرو بفاحشة مبينة كسرا، وآيات مبينات فتحا.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص، والمفضّل عن عاصم بفاحشة مبينة كسرا وآيات مبينات كسرا أيضا «2».
قال أبو علي: قال سيبويه: قالوا: أبان الأمر وأبنته واستبان، واستبنته، والمعنى واحد، وذا هنا بمنزلة حزن، وحزنته، في فعلت. وكذلك: بيّن وبيّنته «3». وقال أبو عبيدة: الفاحشة: الشّنار والفحش والقبح.
قال أبو علي: الفاحشة: مصدر كالعاقبة والعافية يدل على ذلك قوله تعالى: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء [الأعراف/ 28] فالفحشاء:
كالنعماء والبأساء والضراء.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة 230.
(3) سيبويه 2/ 237 في آخر باب افتراق فعلت وأفعلت في الفعل للمعنى.
(3/145)
________________________________________
وقيل في قوله «1»: ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [الطلاق/ 1] قولان: أحدهما: إلّا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحدّ عليهنّ، وقيل: إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة في خروجهنّ من بيوتهنّ.
فمن فتح العين في مبيّنة كان المعنى: يبيّن فحشها، فهي مبيّنة، ومبيّنة: فاحشة: بيّنت فحشها فهي مبيّنة. وقيل: إنّه جاء في التفسير: فاحشة: ظاهرة. فظاهرة حجّة لمبيّنة.
وأمّا الفتح في قوله: مبينات* فحجّته «2»: قد بينا لكم الآيات [آل عمران/ 118 - الحديد/ 17] ومن قرأ: مبينات فحجّته قوله: قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله [المائدة/ 15] فالمبين والمبيّن واحد، وكذلك قوله: هذا بيان للناس [آل عمران/ 138] فما هدى الله به فهو مبيّن للمهديّ، كما أنّ البيان للناس مبيّن لهم.

[النساء: 24]
اختلفوا في فتح الصاد وكسرها من قوله جلّ وعزّ «3»:
والمحصنات [النساء/ 24].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة:
والمحصنات بفتح الصاد في كلّ القرآن.
وقرأ الكسائي: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [النساء/ 24] بفتح الصاد في هذه وحدها، وسائر القرآن: والمحصنات* «4» ومحصنات* [النساء/ 25] بكسر الصاد. ولم يختلف أحد من القراء في هذه وحدها أنها بفتح الصاد
__________
(1) في (ط): قوله تعالى.
(2) في (ط): فحجته قوله.
(3) سقطت من (ط).
(4) وهي في: النساء/ 25 والمائدة/ 5 والنور 4/ 23.
(3/146)
________________________________________
أعني: والمحصنات من النساء [النساء/ 24] حدّثنا أحمد قال «1»: حدثنا أبو حمزة الأنصاري: قال: حدثنا حجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن مجاهد وعبد الله بن كثير مثل قراءة الكسائي: والمحصنات من النساء مفتوحة الصاد وسائر القرآن: والمحصنات* «2».
[قال أبو علي] «3»: قال سيبويه: قالوا: للمرأة حصنت حصنا، وهي حصان، كجبنت جبنا وهي جبان. قال: وقالوا:
حصنا كما قالوا: علما «4».
وقد جاء الإحصان في التنزيل واقعا على غير شيء. من ذلك وقوعها «5» على الحرائر، يدل على ذلك غير موضع في التنزيل، أحدها: قوله: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم [النور/ 4] ألا ترى أنه إذا قذف غير حرة لم يجلد ثمانين. ومن ذلك: قوله «6»: فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [النساء/ 25]. ومن ذلك قوله «7»: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات [النساء/ 25] والمحصنات:
المتزوجات بدلالة قوله: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [النساء/ 24]
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة: 230.
(3) سقطت من (ط).
(4) سيبويه 2/ 226 باب في الخصال التي تكون في الأشياء.
(5) في (ط): وقوعه.
(6) في (ط): قوله تعالى.
(7) في (ط): قوله تعالى.
(3/147)
________________________________________
فذوات الأزواج محرّمات على كل أحد، إلّا على أزواجهنّ، وفسّروا قوله: إلا ما ملكت أيمانكم إلّا ما ملكتموهنّ بالسبي من دار الحرب، ألا ترى أنّ ذوات الزوج في دارنا محرّمة على كل أحد سوى الزوج. فأمّا إذا كانت متزوجة في دار الحرب، فسبيت منها، فإنّها تحلّ لمالكها، ولا عدّة عليها إذا دخلت دار الإسلام. ويدل على أنّ المتزوجة يقال لها محصنة قوله: وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات [النساء/ 25]. ويدلّ عليه أيضا قوله: أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين [النساء/ 24] وقد فسّر قوله: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات [النساء/ 25] بالعفائف. ويدلّ على وقوع الإحصان على العفّة قوله: ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها [التحريم/ 12] وروي عن إبراهيم «1» ومجاهد أن أحدهما قرأ: أحصن وفسّره بتزوّجن، وقرأ الآخر: أحصن «2» وفسره: بأسلمن. فقد ثبت بما «3» ذكرنا أنّ الإحصان يقع على الحريّة، وعلى التزويج، وعلى العفّة، وعلى الإسلام. وليس تبعد هذه الأسماء عمّا عليه موضوع اللغة.
قال أبو عبيدة: في قوله: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم المحصنات: ذوات الأزواج «4».
وأنشد الأصمعي:
__________
(1) هو النخعي: ابن يزيد بن قيس بن الأسود أبو عمران الكوفي الإمام المشهور ... قرأ على الأسود بن يزيد ... وقرأ عليه الأعمش انظر طبقات القراء 1/ 29.
(2) وسيأتي الكلام عن هاتين القراءتين قريبا.
(3) في (ط): مما.
(4) مجاز القرآن 1/ 122.
(3/148)
________________________________________
إذا المعسيات كذبن الصّبو ... ح خبّ جريّك بالمحصن
«1» وفسّر المحصن المدّخر من الطعام، والمدّخر للاحراز لا تمتد إليه اليد امتدادها إلى غير المحرز للادّخار. والحريّة تبعد وتمنع من «2» امتهان الرقّ، والإسلام يحظر الدم والمال اللذين كانا على الإباحة قبل، والتزويج في المرأة كذلك في حظر خطبتها التي كانت مباحة قبل ويمنع تصدّيها للتزويج، والعفّة: حظر النفس عما يحظره الشرع. فهذه الأسماء قريبة مما عليه أصل اللغة.
وأنشد أبو عبيدة «3»:
وحاصن من حاصنات ملس ... من الأذى ومن قراف الوقس
قال: الحاصن: العفيفة، قال: والوقس: مثل توقّس الجرب، قال: والمحصنة أحصنها زوجها. قال أبو علي: الحاصن
__________
(1) البيت في التهذيب للأزهري (عسا) 3/ 86 واللسان (عسا) و (جرا) بغير نسبة. قال ابن الأعرابي: المعسية: الناقة التي يشك فيها أبها لبن أم لا؟ وقد جاءت في (م) واللسان (جرا): المعشيات، وهي تصحيف.
والجريّ: الخادم والوكيل والرسول.
(2) في (ط): عن.
(3) مجاز القرآن 1/ 122، ونسبه للعجاج وهو في ديوانه 2/ 42، 43، وتفسير الطبري 5/ 7 والجمهرة لابن دريد 2/ 165. واللسان (حصن، وقس) ملس، يقول: هي ملساء من الأذى، أي: ليس فيها أثر فيه. القراف: المداناة، ويقال: القرف من التلف، أي: مداناة الأرض الوبئة، والوقس: الجرب، فأراد أن يقول: من قراف المكروه كله، (ا. هـ عن شرح الديوان 2/ 42، 43) وقال في اللسان: الوقس الفاحشة وذكرها، ضرب الجرب مثلا للفاحشة.
(3/149)
________________________________________
يحتمل ضربين: إما أن يكون على معنى النسب أو يكون مثل:
دلو الدال «1» ...
وإنّما وقع الاتفاق على فتح العين من قوله: والمحصنات لما فسروا الحرف عليه من أنّه يعنى به الحربية المتزوجة في دار الحرب.

[النساء: 24]
واختلفوا في فتح الألف وضمها من قوله تعالى: وأحل لكم [النساء/ 24].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأحل لكم بفتح الألف والحاء.
وقرأ حمزة والكسائي: وأحل لكم بضم الألف «2».
قال أبو علي: وأحل لكم ما وراء ذلكم بناء الفعل للفاعل أشبه بما قبله، ألا ترى أن معنى: كتاب الله عليكم: كتب الله عليكم كتابا، وأحلّ لكم؟ ومن بنى الفعل للمفعول به فقال:
وأحل لكم فهو في المعنى يؤول إلى الأول، وفي ذاك مراعاة مشاكلة ما بعد بما «3» قبل.

[النساء: 25]
واختلفوا في فتح الألف وضمها «4» من قوله تعالى «5»:
أحصن [النساء/ 25].
__________
(1) جزء بيت من الرجز للعجاج سبق. في 2/ 277.
(2) السبعة 230.
(3) في (ط): لما.
(4) ورد في هامش (م) تعليقة نصها:
قوله: فتح الألف وضمها تعبير ناقص، لأنّ الألف لا تقبل الحركة، والعبارة الصحيحة أن يقال: ضم الهمزة وفتحها، وإن كان أراد ذلك في تعبيره بالألف، والله أعلم. هـ.
(5) سقطت من (ط).
(3/150)
________________________________________
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (أحصنّ) مضمومة الألف، وقرأ حمزة والكسائي أحصن مفتوحة الألف.
واختلف عن عاصم فروى عنه أبو بكر والمفضل: وأحل لكم [النساء/ 24] وأحصن بالفتح جميعا. وروى عنه حفص:
وأحل لكم وأحصن بالضم جميعا. حدّثنا «1» محمد بن الحسين بن شهريار قال: حدّثنا الحسين بن الأسود قال «2»: حدّثنا عبد الله بن موسى عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النّجود، أنّه قرأ: وأحل* بفتح الألف. [حدّثنا أحمد: قال] «3»: أخبرني علي بن العباس، قال: حدثنا: محمد بن عمر بن الوليد الكندي عن ابن أبي حمّاد عن شيبان عن عاصم: وأحل* فتحا، فإذا أحصن بضم الألف.
قال أبو علي: أحصنّ: أحصنّ بالأزواج، وقد رويت عن ابن عباس. وفسر بعض السلف أحصنّ: تزوّجن «4». ومن قرأ:
أحصن: فمعناه أسلمن، وكذا فسره إبراهيم أو مجاهد.

[النساء: 29]
اختلفوا في الرفع والنصب في «5» قوله (جلّ وعز) «6»: إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [النساء/ 29].
__________
(1) في (ط): حدثني أبو بكر. وهو أبو بكر القطان البلخي محمد بن الحسين بن شهريار محدث ثقة روى الحروف سماعا عن الحسين بن علي بن الأسود صاحب يحيى بن آدم وروى عنه القراءة أبو بكر بن مجاهد والنقاش وأبو بكر بن الأنباري وغيرهم. (طبقات القراء 2/ 130 - 131).
(2) سقطت من (ط). وفي (ط): الحسين بن علي الأسود.
(3) سقطت من (ط).
(4) انظر تفسير الطبري 5/ 22، 23.
(5) في (ط): من.
(6) في (ط): تعالى.
(3/151)
________________________________________
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر تجارة* رفعا.
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم تجارة نصبا «1».
قال أبو علي: من رفع فالاستثناء منقطع، لأنّ التجارة عن تراض ليس من أكل المال بالباطل. ومن نصب إلا أن تكون تجارة احتمل ضربين: أحدهما: إلّا أن تكون التجارة تجارة، ومثل ذلك قوله:
إذا كان يوما ذا كواكب «2» ....
أي إذا كان اليوم يوما «3». والآخر: إلّا أن تكون الأموال ذوات «4» تجارة، فتحذف المضاف، وتقيم المضاف إليه مقامه، والاستثناء على هذا الوجه أيضا منقطع.

[النساء: 31]
اختلفوا «5» في الياء والنون من قوله [جل وعز] «6»: نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم [النساء/ 31].
فروى أبو زيد سعيد بن أوس عن المفضّل عن عاصم يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم بالياء جميعا.
وقرأ الباقون: بالنون «7».
__________
(1) السبعة 231.
(2) عجز بيت لعمرو بن شأس سبق في الجزء الأول ص 148.
(3) في (ط) يوما ذا كواكب.
(4) في (ط): أموال.
(5) في (ط): واختلفوا.
(6) سقطت من (ط).
(7) السبعة 232.
(3/152)
________________________________________
[قال أبو علي] «1»: من قرأ يكفر بالياء، فلأنّ ذكر اسم الله تعالى «2» قد تقدّم في قوله: إن الله كان بكم رحيما [النساء/ 29]. ومن قال: نكفر: فالمعنى: معنى الياء، ومثل ذلك بل الله مولاكم [آل عمران/ 150] ثمّ قال: سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب [آل عمران/ 151]. وأبو الحسن يستحسن النون في هذا النحو.

[النساء: 31]
اختلفوا في ضمّ الميم «3» وفتحها من قوله [جل وعز] «4»:
مدخلا [النساء/ 31].
فقرأ نافع وحده: مدخلا كريما مفتوحة الميم، وفي الحج: مثله.
وقرأ الباقون: مدخلا مضمومة الميم هاهنا، وفي الحج. ولم يختلفوا في بني إسرائيل في: مدخل صدق ومخرج صدق [الإسراء/ 80] أنّهما بضمّ الميم.
وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: مدخلا* بفتح الميم هاهنا وفي الحج «5».
قال أبو علي: قوله تعالى: مدخلا* بعد «6» يدخلكم* يحتمل وجهين: يحتمل أن يكون مصدرا، ويجوز أن يكون مكانا. فإن
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (م).
(3) في (م) النون وهو خطأ.
(4) زيادة في (م).
(5) السبعة 232.
(6) في (ط): بعد قوله: و
(3/153)
________________________________________
حملته على المصدر أضمرت له فعلا دلّ عليه الفعل المذكور.
ويكون قوله مدخلا* فيمن قدره مصدرا انتصابه بذلك الفعل، التقدير: ويدخلكم فتدخلون مدخلا.
ويجوز أن يكون مكانا، كأنه قال: يدخلكم مكانا، ويكون على هذا التقدير منتصبا بهذا الفعل المذكور، كما أنّك إذا قلت:
أدخلتك مكانا، انتصب بهذا الفعل، والمكان أشبه هاهنا، لأنا رأينا المكان وصف بالكريم، وهو قوله: كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم [الدخان/ 25 - 26] فوصف المكان بالكريم «1»، فكذلك يكون قوله: مدخلا* يراد به المكان، مثل المقام «2»، ويجوز أن يكون المراد به: الدخول، أو الإدخال، وإن كان قد وصف بالكرم، ويكون المعنى دخولا تكرمون فيه، خلاف من قيل فيه «3»: الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم [الفرقان/ 34] فليس هذا كقولك: حشرتهم على الوجه، وحشرتهم على وجوههم، أي: لم أدع منهم أحدا غير محشور، ولكن مثل قوله: أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي «4» [الملك/ 22] وكقوله: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة [الزمر/ 24].
قال «5»: ولم يختلفوا في بني إسرائيل في: مدخل صدق، ومخرج صدق أنّهما بضم الميم [قال أبو علي] «6» لا يمتنع في
__________
(1) في (ط): فوصف المكان بالكرم.
(2) في (ط): المقام والمكان.
(3) في (ط): فيهم.
(4) ما بين معقوفين زيادة من (ط).
(5) يعني ابن مجاهد.
(6) سقطت من (م).
(3/154)
________________________________________
القياس أن تفتح الميم من مدخل على نحو ما قدمنا ذكره من أنّه يكون على فعل مضمر يدل عليه الكلام. ويجوز في المدخل إذا ضمّ أن يكون مكانا وأن يكون مصدرا، فإذا جعلته مصدرا جاز أن تريد مفعولا محذوفا من الكلام، كأنه قال «1»: أدخلني الجنّة مدخلا، أي: إدخال صدق، والأشبه أن يكون مكانا، لإضافته إلى صدق، فهو في هذا كقوله: في مقعد صدق [القمر/ 55] فكما أنّ هذا المضاف إلى صدق مكان، كذلك، يكون المدخل مكانا، ولا يمتنع الآخر لأنّ غير العين قد أضيف إلى صدق في نحو: أن لهم قدم صدق عند ربهم [يونس/ 2] ألا ترى أنّه قد فسّر بالعمل الصالح.

[النساء: 32]
اختلفوا في الهمز وتركه من قوله تعالى «2»: وسئلوا الله من فضله [النساء/ 32].
فقرأ ابن كثير والكسائي: وسلوا الله من فضله وفسل «3» الذين [يونس/ 94] وفسل «4» بني إسرائيل [الإسراء/ 101] وسل من أرسلنا [الزخرف/ 45] وما كان مثله من الأمر المواجه به، وقبله واو أو فاء، فهو غير مهموز في قولهما. وروى الكسائي عن إسماعيل بن جعفر عن أبي جعفر وشيبة أنّهما لم يهمزا:
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) في الأصل (سل) بإسقاط الفاء.
(4) في (م): و (سل). وهي من البقرة 211 ولا شاهد فيها. وفي (ط): (فسل) بإسقاط واو العطف قبل الآية.
(3/155)
________________________________________
وسل، ولا فسل مثل قراءة الكسائي. وقرأ الباقون بالهمز في ذلك كله «1» ولم يختلفوا في قوله: وليسئلوا ما أنفقوا [الممتحنة/ 10] أنّه مهموز «2».
قال أبو علي: الهمز وترك الهمز حسنان، ولو خففت الهمزة في قوله: وليسئلوا ما أنفقوا كان أيضا حسنا، وقد قدّمنا ذكر وجوه سل «3».

[النساء: 33]
واختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله [جلّ وعز] «4»: عاقدت [النساء/ 33].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر: عاقدت بالألف.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: عقدت بغير ألف: «5».
قال أبو علي: الذكر الذي يعود من الصّلة إلى الموصول ينبغي أن يكون ضميرا منصوبا، فالتقدير: والذين عاقدتهم أيمانكم فجعل الأيمان في اللفظ هي المعاقدة، والمعنى على الحالفين الذين هم أصحاب الأيمان، والمعنى: والذين عاقدت حلفهم أيمانكم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. فعاقدت أشبه بهذا المعنى، لأنّ لكل نفر من المعاقدين يمينا على
__________
(1) في السبعة: وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة بالهمز في ذلك كله.
(2) السبعة 233.
(3) انظر 2/ 216، البقرة/ 119.
(4) سقطت من (ط).
(5) السبعة 233.
(3/156)
________________________________________
المحالفة. ومن قال: عقدت أيمانكم، كان المعنى: عقدت حلفهم أيمانكم، فحذف الحلف وأقام المضاف إليه مقامه.
والأوّلون كأنّهم حملوا الكلام على المعنى فقالوا: عاقدت، حيث كان من كل واحد من الفريقين يمين، والذين قالوا: عقدت، حملوا الكلام على اللفظ لفظ الأيمان، لأنّ الفعل لم يسند إلى أصحاب الأيمان في اللفظ إنّما أسند إلى الأيمان.

[النساء: 36]
قال أحمد: روى أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري عن المفضّل عن عاصم: والجار الجنب [النساء/ 36] بفتح الجيم، وإسكان النون، ولم يأت به غيره.
وقرأ الباقون: الجنب بضمتين «1».
[قال أبو علي] «2»: قال أبو عبيدة: والجار ذي القربى:
القريب، والجار الجنب: الغريب. يقال: ما تأتينا إلّا عن جنابة، أي: عن بعد، قال علقمة بن عبدة «3»:
فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة ... فإني امرؤ وسط القباب غريب
«4»
__________
(1) السبعة 233.
(2) سقطت من (ط).
(3) ديوانه ص 48 وهو من مفضلية برقم 119 قالها يمدح الحارث بن جبلة، وكان أسر أخاه شأسا، فرحل إليه يطلب فكّه. انظر شرح المفضليات ص 779 وابن الشجري 1/ 149 والكامل 2/ 723 واللسان والتاج (جنب) والأعلم على طرة الكتاب 2/ 423.
(4) مجاز القرآن 1/ 126.
(3/157)
________________________________________
قال أبو الحسن: قال: والجار الجنب، وقال بعضهم:
الجنب.
قال الراجز «1»:
الناس جنب والأمير جنب يريد: بجنب: الناحية، وهذا هو المتنحّي عن القرابة.
قال أبو علي: قوله تعالى: والجار الجنب، يحتمل معنيين: أحدهما: أن يريد الناحية، فإذا أراد هذا فالمعنى: ذي الجنب، فحذف المضاف، لأنّ المعنى مفهوم، ألا ترى أنّ الناحية لا يكون الجار إياها، والمعنى: ذي ناحية ليس هو الآن بها، أي:
هو غريب عنها. والآخر: أن يكون وصفا مثل: ضرب، وفسل، وندب، فهذا وصف يجري على الموصوف، كما أن الجنب كذلك، وهو في معناه ومعنى اللفظتين على هذا واحد، وهو أنّه مجانب لأقاربه متباعد عنهم. فأما الجنب في قوله: والجار الجنب. فصفة على فعل، مثل أحد في ناقة أحد وسجح في قوله:
وامشوا مشية سجحا «2» فالجنب؛ المتباعد عن أهله، يدلّك على ذلك مقابلته
__________
(1) الرجز في الصحاح واللسان والتاج (جنب) بغير نسبة عن الأخفش أيضا.
(2) قطعة من بيت لحسان بن ثابت وتمامه
دعوا التّخاجؤ وامشوا مشية سجحا ... إنّ الرجال ذوو عصب وتذكير
انظر الكتاب 2/ 315، والخصائص 2/ 116 وديوانه 1/ 219 واللسان (خجأ) وأساس البلاغة (سجح).
(3/158)
________________________________________
بالقريب، في قوله تعالى «1» والجار ذي القربى من القرب، كالبشرى من بشّر. ويدل على أنّه البعد، والغربة قول الأعشى: «2»
أتيت حريثا زائرا عن جنابة ... فكان حريث عن عطائي جامدا
وقال آخر «3»:
كرام إذا ما جئتهم عن جنابة ... أعفّاء عن بيت «4» الخليط المجاور
فأمّا قوله [جلّ وعز] «5»: وإن كنتم جنبا فاطهروا [المائدة/ 6] فمن الجنابة التي تقتضي التطهّر «6»، وهو أيضا صفة إلّا أنّه يقع على الواحد والجميع «7» كما أن بشرا كذلك، وكما أنّ الحلوب يقع على الجميع، فأمّا الحلوبة والرّكوبة فيقع على الواحد والجميع فيما رواه أبو عمر الجرمي «8» عن أبي عبيدة. وقال أبو عبيدة: والصاحب بالجنب: الذي يصاحبك في سفرك، فيلزمك فينزل إلى جنبك «9».

[النساء: 37]
اختلفوا في ضمّ الباء في البخل* [النساء/ 37] والتخفيف وفتحها والتثقيل.
__________
(1) «تعالى» زيادة في (ط).
(2) ديوانه/ 65.
(3) لم نعثر على قائله.
(4) في (ط): جار.
(5) في (ط): تعالى.
(6) في (ط): التطهير.
(7) في (ط): وعلى الجميع.
(8) كذا في (ط): وسقطت من (م).
(9) مجاز القرآن 1/ 126.
(3/159)
________________________________________
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
بالبخل خفيفا وقرأ حمزة والكسائي: بالبخل* مثقلة وكذلك في سورة الحديد [الآية/ 24] مثله.
قال أبو علي: قال سيبويه: «قالوا: بخل يبخل بخلا، فالبخل كاللّؤم، والفعل: كشقي وسعد، وقالوا: بخيل، وبعضهم يقول: البخل: كالفقر» والبخل كالفقر، وبعضهم يقول: البخل كالكرم «1» وقد حكى فيه ثلاث لغات وقرئ باثنتين منها: البخل، والبخل.

[النساء: 40]
اختلفوا في الرفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ «2»]: وإن تك حسنة [النساء/ 40].
فقرأ ابن كثير ونافع: وإن تك حسنة رفعا.
وقرأ الباقون: نصبا «3».
قال أبو علي: النصب حسن لتقدم ذكر: مثقال ذرة [النساء/ 40]، فالتقدير وإن تكن الحسنة مثقال ذرة يضاعفها، كما قال: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160] والرفع على: وإن تحدث حسنة، أو إن تقع حسنة يضاعفها.
واختلفوا «4» في إثبات الألف وإسقاطها والتخفيف والتشديد
__________
(1) سيبويه 2/ 225.
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة 233.
(4) في (ط): اختلفوا. بإسقاط الواو.
(3/160)
________________________________________
من قوله [جلّ وعز] «1»: يضاعفها [النساء/ 40].
فقرأ ابن كثير وابن عامر: يضعفها مشدّدة العين بغير ألف.
وقرأ الباقون: يضاعفها خفيفة بألف «2».
قال أبو علي: المعنى فيهما واحد وهما لغتان. قال «3» سيبويه: تجيء فاعلت لا تريد به عمل اثنين، ولكنهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على أفعل، وذلك قولهم: ناولته، وعاقبته، وعافاه الله، وسافرت قال: ونحو ذلك: ضاعفت، وضعّفت، وناعمت ونعّمت «4» فدلّ هذا على أنّه لغتان فبأيّهما قرأت كان حسنا.

[النساء: 42]
اختلفوا في فتح التاء في «5» قوله تعالى «6»: تسوى.
[النساء/ 42] والتشديد وضمها والتخفيف.
فقرأ ابن كثير وعاصم، وأبو عمرو «7»: لو تسوى مضمومة التاء خفيفة السين.
وقرأ نافع وابن عامر: تسوى مفتوحة التاء مشدّدة السين.
وقرأ حمزة والكسائي: لو تسوى مفتوحة التاء خفيفة
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة 233.
(3) في (ط): وقال.
(4) سيبويه 2/ 239 باب دخول الزيادة في فعلت للمعاني.
(5) في (ط): من.
(6) سقطت من (ط).
(7) في (ط): وأبو عمرو وعاصم.
(3/161)
________________________________________
السين، والواو ممالة مشدّدة في كلّ القرآن «1».
[قال أبو علي] «2»: من قال «3»: تسوى فهو تفعّل من التسوية، والمعنى: لو تجعلون والأرض سواء، كما قال تعالى «4»:
ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا [عمّ/ 40] ومن هذا قوله: بلى قادرين على أن نسوي بنانه [القيامة/ 4] أي: نجعلها صفحة واحدة لا تفصل بعضها عن بعض، فتكون كالكف، فيعجز لذلك عمّا يستعان عليه من الأعمال بالبنان كالكتابة والخياطة ونحو ذلك، مما لو فقدت البنان معها لم يتمكن منها. ومن أيمانهم: لا والذي شقّهنّ خمسا من واحدة.
وقراءة نافع وابن عامر: لو تسوّى المعنى: لو تتسوّى فأدغم التاء في السين لقربها منها، وهذا مطاوع لو تسوّى، لأنّك تقول سوّيته فتسوّى، ولا ينبغي أن يكره هذا لاجتماع تشديدتين، ألا ترى أن في التنزيل: اطيرنا [النمل/ 47] وازينت، [يونس/ 24] ولعلكم تذكرون [الأنعام/ 152] ونحو ذلك، وفي هذا الوجه اتساع لأنّ الفعل مسند إلى الأرض وليس المراد:
ودّوا لو تصير الأرض مثلهم، إنّما المعنى: ودّوا لو يصيرون يتسوّون «5» بها، لا تتسوّى هي بهم، وجاز ذلك لأنّه لا يلبس، وقالوا: أدخل فوه الحجر لمّا لم يلتبس.
__________
(1) السبعة 234. وفي (ط): في كل ذلك.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): قرأ.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): متسوين.
(3/162)
________________________________________
وقول حمزة والكسائي: لو تسوّى هو: لو تتسوّى فحذفا التاء التي أدغمها من قال: لو تسوّى لأنها كما اعتلت بالإدغام اعتلت بالحذف.
وأمّا إمالة الفتحة نحو الكسرة والألف نحو الياء في تسوّى فحسنة، لأنّ الفعل إذا صار على هذه العدّة استمرّت فيه الإمالة لانقلاب ألفه إلى الياء في نحو يتسويان.

[النساء: 43]
اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله [جلّ وعز] «1» أو لامستم النساء [النساء/ 43].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
أو لامستم بألف هاهنا، وفي المائدة [الآية/ 6] مثله.
وقرأ حمزة والكسائي: لمستم بغير ألف، وفي المائدة مثله «2».
قال أبو علي: اللمس يكون باليد، وقد اتّسع فيه فأوقع على غيره فمما جاء يراد به مسّ «3» باليد قوله:
ولا تلمس الأفعى يداك تنوشها ... ودعها إذا ما غيّبتها سفاتها
«4» ومما جاء يراد به غير اللمس بالجارحة قوله تعالى «5»: وأنا لمسنا السماء فوجدناها [الجن/ 8]
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة 234.
(3) في (ط): اللمس.
(4) البيت في اللسان (سفا) وفيه تريدها بدل تنوشها ولم ينسبه. والسفى: التراب.
(5) سقطت من (ط).
(3/163)
________________________________________
تأويله: عالجنا غيب السماء ورمناه لنسترقه فنلقيه إلى الكهنة ونخبرهم به. ولما كان اللمس قد يكون غير المباشرة بالجارحة قال «1»: ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم [الأنعام/ 7] فخصص باليد لئلا يلتبس بالوجه الآخر، كما جاء وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم [النساء/ 23] لما كان الابن «2» قد يكون متبنّى به من غير الصّلب، وقد كان ينسب المتبنى به إلى المتبنّي فقال: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله [الأحزاب/ 5].
وقد «3» قالوا: التمس وهو افتعل من اللمس، فأوقع على ما لا يقع عليه اللمس والمباشرة- قال:
الحرّ والهجين والفلنقس ثلاثة فأيّهم تلمّس «4» ليس يريد أيّهم تباشر بيدك، ولكن أيّهم تطلب.
قال:
وبالسّهب ميمون النّقيبة قوله* لملتمس المعروف أهل ومرحب «5»
__________
(1) في (ط): قال تعالى.
(2) في (ط): الابن غير.
(3) سقطت من (ط).
(4) الرجز في اللسان (فلقس) ولم ينسبه الفلقس والفلنقس: البخيل اللئيم، والفلنقس: الهجين من قبل أبويه، الذي أبوه مولى وأمه مولاة، والهجين:
الذي أبوه عتيق وأمه مولاة.
(5) البيت للطفيل وهو في ديوانه/ 38 من قصيدة يرثي فيها فرسان قومه: ويذكر وقعتهم بطيء. والسهب: موضع هلك فيه رجل منهم حسن الخلق كريم
(3/164)
________________________________________
فملتمس المعروف طالبه ليس مماسّه «1» ولا مباشره.
وقوله تعالى «2»: أو لامستم النساء قد عنى به ما لا يكون مسّا بيد، وذاك «3» أنّ الخلوة قد تكون في حكم المسّ في قول عمر وعلي [رضي الله عنهما] «4» والخلوة ليست بلمس ولا مس بجارحة.
واختلف الصحابة في قوله: أو لامستم «5» النساء على قولين:
فحمله حاملون على المسّ باليد، وآخرون على الجماع، ولم يحمله أحد منهم على الأمرين جميعا، فحمله عليهما خروج من إجماعهم، وأخذ بقول قد أجمعوا على رفضه.
وقد أجري المسّ هذا المجرى لا يراد به المباشرة وتلزيق الجارحة بالمطلوب، وذلك قوله:
مسنا السّماء فنلناها وطالهم* حتى رأوا أحدا يهوي وثهلانا «6» فليس يريد باشرناها، ولكن يريد به «7» رفعتهم وأنّ غيرهم لا
__________
الطبيعة. وهو من شواهد الكتاب 1/ 149، والمقتضب 3/ 219، وابن يعيش 2/ 29.
(1) في (م): ماسّه.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): وذلك.
(4) سقطت من (ط). ولم نظفر بقول عمر وعلي.
(5) في (ط): لمستم.
(6) البيت لابن مغراء في التهذيب 12/ 325 وفيه: مسنا بفتح الميم «ويمشي» بدل «يهوي» واللسان (مسس).
(7) سقطت من (ط).
(3/165)
________________________________________
يدرك شأوهم ولا ينال ما نالوه من رفعة المنزلة وهذا كقوله «1»:
.. وقد فاتت يد المتناول ومن المباشرة قوله تعالى «2»: ذوقوا مس سقر [القمر/ 48] وإن يمسسكم قرح [آل عمران/ 140] ولن تمسنا النار إلا أياما [آل عمران/ 24] فأما قوله تعالى «3»: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن [البقرة/ 236] فقد يكون من «4» مثل قوله: ذوقوا مس سقر وقد لا يكون مسّا، ولكن ما يكون في حكم المسّ، وهو الخلوة بها في قول عمر وعلي رضي الله عنهما.
وحجة من قرأ «5»: لمستم أن هذا المعنى جاء في التنزيل في غير موضع على فعلتم، وذلك قوله: ولم يمسسني بشر [مريم/ 20] ولم يطمثهن إنس [الرحمن/ 56]. وحجّة من قرأ: لامستم أنّ فاعل قد جاء في معنى فعل، نحو عاقبته، وطارقت النعل. وقال أبو عبيدة اللماس «6» النكاح «7».

[النساء: 58]
اختلفوا في [قوله تعالى] «8» نعما [النساء/ 58] وقد ذكرته في سورة «9» البقرة. [الآية/ 271].
__________
(1) لم نعثر على قائله.
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) سقطت من (م).
(5) في (ط): قال.
(6) في (م): اللمس.
(7) مجاز القرآن 1/ 128.
(8) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(9) سقطت من (ط).
(3/166)
________________________________________
[النساء: 66]
اختلفوا في كسر النون وضمها من قوله [جلّ وعز] «1»:
أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا [النساء/ 66] وكسر الواو وضمها.
فروى نصر بن علي الجهضميّ عن أبيه عن أبي عمرو: أن اقتلوا بالكسر أو اخرجوا [مضمومة الواو] «2» مثل قول اليزيدي.
وقرأ ابن عامر وابن كثير ونافع والكسائي: أن اقتلوا أو اخرجوا بالضم فيهما. وقرأ عاصم وحمزة: أن اقتلوا أو اخرجوا كلاهما كسرا «3».
قال أبو علي: أما فصل أبي عمرو بين الواو والنون، وكسره النون في أن اقتلوا وضمّه الواو في أو اخرجوا: فلأنّ الضم في الواو أحسن لأنّها تشبه واو الضمير، والجمهور في واو الضمير على الضم، نحو: ولا تنسوا الفضل بينكم [البقرة/ 237] والنون إنّما ضمّت «4» لأنّها مكان الهمزة التي ضمت لضم الحرف الثالث، فجعلت بمنزلتها، وإن كانت منفصلة، وفي الواو هذا المعنى، والمعنى الآخر الذي ذكرنا من «5» مشابهة واو الضمير. والضمّ في سائر هذه أحسن، لأنّها في موضع الهمزة. قال أبو الحسن:
وهي لغة حسنة، وهي أكثر في الكلام وأقيس. ووجه قول من كسر
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): بالضم.
(3) السبعة 224.
(4) في (ط): تضم.
(5) في (ط): في.
(3/167)
________________________________________
أنّ هذه الحروف منفصلة في «1» الفعل المضموم الثالث، والهمزة متّصلة «2» بها، فلم يجروا المنفصل مجرى المتصل. وما أجروه من المنفصل في «3» كلامهم مجرى
المتصل أكثر من أن يقتصّ.
قال: وكلهم قرأ: ما فعلوه إلا قليل منهم [النساء/ 66] رفعا، إلّا ابن عامر فإنّه قرأ: إلا قليلا منهم* نصبا، وكذلك هي في مصاحفهم «4».
قال أبو علي: الوجه في «5» قولهم: ما أتاني أحد إلّا زيد، الرفع، وهو الأكثر الأشيع في الاستعمال، والأقيس، فقوّته من جهة القياس أنّ معنى: ما أتاني أحد إلّا زيد، وما: أتاني إلّا زيد؛ واحد فكما اتفقوا على: ما أتاني إلّا زيد، على الرفع، وكان: ما أتاني أحد إلّا زيد، بمنزلته ومعناه «6»، اختاروا الرفع مع ذكر أحد، وأجروا ذلك على «يذر» و «يدع» في أنّ «يذر» لما كان في معنى «يدع» فتح، وإن لم يكن فيه حرف حلق. ومما يقوي ذلك أنّهم في الكلام وأكثر «7» الاستعمال يقولون: ما جاءني إلّا امرأة، فيذكّرون حملا على المعنى، ولا يؤنّثون ذلك فيما زعم أبو الحسن «8» إلّا في الشعر قال:
__________
(1) في (ط): من.
(2) في (م): فمتّصلة: وهي تحريف.
(3) في (ط): من.
(4) السبعة: 235.
(5) في (ط): من.
(6) في (ط): وبمعناه.
(7) في (ط): زيادة «في» بعد «أكثر».
(8) في (ط): «الخليل» مكان أبو الحسن.
(3/168)
________________________________________
برى النّخر والأجرال ما في غروضها فما بقيت إلّا الضّلوع الجراشع «1» فكما أجروه على المعنى في قوله، فلم يلحقوا الفعل علامة التأنيث، كذلك أجروه عليه في نحو: ما جاءني أحد إلّا زيد، فرفعوا الاسم الواقع بعد حرف الاستثناء.
وأمّا من نصب فقال: ما جاءني أحد إلّا زيدا، فإنّه جعل النفي بمنزلة الإيجاب، وذلك: أن قوله: ما جاءني أحد، كلام تام. كما أنّ: جاءني القوم، كذلك، فنصب مع النفي، كما نصب مع الإيجاب من حيث اجتمعا في أن كلّ واحد منهما كلام تام. فأمّا قوله [جلّ وعزّ] «2»: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك [هود/ 81] فإذا جعلت قوله تعالى: امرأتك مستثنى من: لا يلتفت منكم أحد؛ كان فيه الوجهان: الرفع والنصب، والوجه الرفع. ومن قال: ما فعلوه إلا قليل؛ فقياس قوله في هذه الرفع.
وإن جعلت الاستثناء من قوله: فأسر بأهلك لم يكن إلّا النصب.
قال سيبويه: ومن قال: أقول: ما أتاني القوم إلّا أباك، لأنّه بمنزلة
__________
(1) البيت الذي الرمة من قصيدة في ديوانه 3/ 1296 والمحتسب 2/ 207 وابن يعيش 2/ 87 والعيني 2/ 477 وجاء في الديوان برواية:
طوى النحز والأجراز ما في غروضها ... فما بقيت إلّا الصدور الجراشع
والنحز (بالنون والزاي): ضرب الأعقاب والاستحثاث في السير: وهو أن يحرك عقبيه، ويضرب بهما موضع عقبي الراكب. والأجرال: جمع جرل، وهو المكان الصلب الغليظ. والأجراز: الأمحال والواحد: جرز ومحل.
والغروض: الواحد غرض، وهو حزام الرحل. والجرشع واحد الجراشع:
وهو المنتفخ الجنبين.
(2) سقطت من (ط).
(3/169)
________________________________________
قولي: أتاني القوم إلّا أباك، فإنّه ينبغي له أن يقول: ما فعلوه إلا قليل منهم. وحدّثني يونس أنّ أبا عمرو كان يقول: الوجه: ما أتاني القوم إلّا عبد الله. ولو كان هذا بمنزلة قوله: أتاني القوم؛ لما جاز أن يقول: ما أتاني أحد، كما أنّه لا يجوز أن يقول: أتاني أحد، ولكن المستثنى في هذا الموضع بدل من الاسم الأوّل، ولو كان من قبل الجماعة لما قلت: ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم [النور/ 6] «1».
قال أبو عمر «2»: قوله: ولو كان هذا من قبل الجماعة لما قلت: ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم يعني: أن قوما يقولون:
إذا أخرجت واحدا من جماعة، أو قليلا من كثير فهو نصب، إن كان ما قبله نفيا أو إيجابا، وهذا خطأ.
قال أبو عمر: وإذا قلت: ما أتاني أحد إلّا زيد، فهي نفي الناس كلّهم لأنّ أحدا جماعة، فكان ينبغي في قياس قولهم أن يقولوا: ما أتاني أحد إلّا زيدا فينصبوا «3».

[النساء: 73]
واختلفوا «4» في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «5» كأن لم تكن بينكم وبينه مودة [النساء/ 73].
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص والمفضّل: كأن لم تكن بالتاء.
__________
(1) انتهى نقله عن الكتاب 1/ 360: باب ما يكون استثناء بإلا.
(2) سقطت من (ط).
(3) في هامش (م) عبارة: بلغت والحمد لله وحده.
(4) في (ط): اختلفوا.
(5) سقطت من (ط).
(3/170)
________________________________________
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: يكن* بالياء «1».
قال أبو علي: من قرأ بالتاء، فلأنّ الفاعل المسند إليه الفعل مؤنّث في اللفظ ومن قرأ بالياء، فلأنّ التأنيث ليس بحقيقي، وحسّن التذكير الفصل الواقع بين الفعل والفاعل. ومثل التذكير قوله: وأخذ الذين ظلموا الصيحة [هود/ 67] وقوله: فمن جاءه موعظة من ربه [البقرة/ 275] وفي أخرى: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم [يونس/ 57] فكلا الأمرين قد جاء التنزيل به. وقوله جلّ وعزّ: كأن لم يكن بينكم وبينه مودة «2» اعتراض بين المفعول وفعله، فكما أنّ قوله: قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا [النساء/ 72] في موضع نصب، كذلك قوله: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما في موضع نصب بقوله: ليقولن واتصاله إنّما هو بقوله: قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا .. كأن لم تكن بينكم وبينه مودة «3» أي: لا يعاضدكم على قتال عدوّكم، ولا يرعى الذمام الذي بينكم.

[النساء: 77]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز] «4»: ولا يظلمون* [النساء/ 77].
__________
(1) السبعة: 235.
(2) سقطت من (ط).
(3) تمام الآية 73 مع ما قبلها: وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا. ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.
(4) سقطت من (ط).
(3/171)
________________________________________
فقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي: ولا يظلمون* بالياء «1».
وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم: تظلمون بالتاء.

[النساء: 49]
قال: ولم يختلفوا في قوله: يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا [النساء/ 49] [أنّه بالياء] «2».
قال أبو علي: من قرأ: ولا يظلمون فتيلا* بالياء، فلما تقدّم من ذكر الغيبة، وهو قوله: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ... ولا تظلمون.
ومن قرأ بالتاء فكأنّه ضمّ إليهم في الخطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم «3» والمسلمين «4»، فغلّب الخطاب على الغيبة، والمعنى: أنّكم أيها المسلمون ما تفعلون «5» من خير يوفّ إليكم، ويجازى «6» من أمر بالقتال فتثبط «7» عنه، بعد أن كان «8» كتب عليه. ويؤكّد التاء قوله «9»: قل متاع الدنيا قليل [النساء/ 77] وما في قل من الخطاب. وأمّا قوله: بل الله يزكي من يشاء [النساء/ 49] ففي يزكي ضمير الغيبة ولا يظلمون بالياء لأنّه إذا كان لمن يشاء فهو للغيبة.

[النساء: 81]
واختلفوا في إدغام التاء وإظهارها من قوله [جلّ وعز] «10»:
بيت طائفة [النساء/ 81].
__________
(1) أسقط «السبعة» ابن عامر في قراءة الياء، وأثبته في قراءة التاء.
(2) تتمة من السبعة ص 235.
(3) سقطت «وسلم» من (ط).
(4) في (م): والمسلمون.
(5) في (م): ما تفعلونه. وهو خطأ.
(6) في (ط): يجازي.
(7) في (م): فثبط.
(8) سقطت من (ط).
(9) سقطت من (ط).
(10) سقطت من (ط).
(3/172)
________________________________________
فقرأ أبو عمرو وحمزة: بيت طائفة مدغما. وقرأ الباقون «1»: بيت طائفة بنصب التاء «2».
[قال أبو علي] «3»: وجه الإدغام: أن الطاء والتاء والدال من حيّز واحد، فالتقارب الذي بينهما يجريهما مجرى المثلين في الإدغام. ومما يحسّن الإدغام أنّ الطاء تزيد على التاء بالإطباق، فحسن إدغام الأنقص صوتا من الحروف في الأزيد، بحسب قبح إدغام الأزيد في الأنقص، ألا ترى أنّ الضاد لا تدغم في مقاربها، ويدغم مقاربها فيها وكذلك الصاد والسين والزاي لا تدغم في مقاربها، ويدغم مقاربها فيها، ويدغم بعضها في بعض.
ومن بيّن فقال: بيت طائفة فلانفصال الحرفين واختلاف المخرجين.

[النساء: 94]
اختلفوا «4» في الثاء والنون «5» من قوله [جلّ وعز] «6».
: فتثبتوا [النساء/ 94].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
فتبينوا بالنون «7»، وكذلك في الحجرات [الآية/ 6].
وقرأ حمزة والكسائي: فتثبتوا بالتاء «8» وكذلك في الحجرات «9».
__________
(1) فصلهم في السبعة وهم: ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر والكسائي.
(2) السبعة 235.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): واختلفوا.
(5) في السبعة: واختلفوا في التاء والثاء والياء والنون.
(6) ما بين المعقوفين سقط من (ط).
(7) في السبعة: بالياء والنون.
(8) في السبعة: بالثاء والتاء.
(9) السبعة ص 236.
(3/173)
________________________________________
[قال أبو علي]: «1» حجة من قال «2»: تثبتوا: أن التثبّت هو خلاف الإقدام، والمراد التأنّي، وخلاف التقدّم، والتثبّت أشد اختصاصا بهذا الموضع. ومما يبين ذلك قوله: وأشد تثبيتا [النساء/ 66] أي: أشدّ وقفا لهم عما وعظوا بأن لا يقدموا عليه.
ومما يقوّي ذلك قولهم: تثبّت في أمرك. ولا يكاد يقال في هذا المعنى: تبيّن.
ومن قرأ: فتبينوا فحجته أنّ التبيّن ليس وراءه شيء، وقد يكون تبينت أشدّ من تثبّت، وقد جاء
أنّ التبيّن من الله، والعجلة من الشيطان
«3»» فمقابلة «4» التبيّن بالعجلة دلالة «5» على تقارب التثبت والتبيّن وقد «6» قال الأعشى:
كما راشد تجدنّ امرأ* تبيّن ثمّ ارعوى أو قدم «7»
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): قرأ.
(3) الحديث رواه الترمذي في البرّ برقم 2013 وبلفظ: «الأناة» بدل «التبين» وقال: هذا حديث غريب، وقد تكلّم بعض أهل الحديث في عبد المهيمن بن عباس بن سهل (وهو أحد رواة الحديث) وضعفه من قبل حفظه ورواه السيوطي في الجامع الصغير عن البيهقي في شعب الإيمان وأشار إلى ضعفه 3/ 277 ورواه بلفظ «التأني» ورواه الطبري في تفسيره 26/ 124 عن قتادة بلفظ المؤلف. وفسّر ابن الأنباري التبيّن في الحديث بالتثبّت. النهاية لابن الأثير (1/ 175).
(4) في (ط): فتقابل.
(5) في (ط): دالة.
(6) سقطت من (ط).
(7) ديوانه ص 35 من قصيدة في مدح قيس بن معدي كرب. وفيه: ثم انتهى، بدل: ثم ارعوى.
(3/174)
________________________________________
فاستعمل التبين في الموضع الذي يقف فيه ناظرا في الشيء حتى يقدم عليه أو يرتدع عنه. فالتبين على هذا أولى من التثبت، وقال في موضع الزجر والنهي والتوقف:
أزيد مناة توعد يا بن تيم ... تبيّن أين تاه بك الوعيد
«1»

[النساء: 94]
اختلفوا «2» في إدخال الألف وإخراجها من قوله [جلّ وعز] «3»: ألقى إليكم السلام [النساء/ 94].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية يحيى بن آدم عن أبي بكر، وحفص عن عاصم والكسائي: السلام بألف «4».
وروى قنبل والبزّيّ ومطرّف بن معقل الشّقريّ عن ابن كثير، وحكيم عن شبل «5» عن ابن كثير (السلام) بألف.
وروى محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير السلم* بغير ألف. وروى عبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير: ألقى إليكم السلم بغير ألف.
__________
(1) لم نعثر على قائله.
(2) في (ط): واختلفوا.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط) بالألف، كما في السبعة.
(5) شبل بن عباد أبو داود المكي مقرئ مكة، ثقة ضابط هو أجل أصحاب ابن كثير مولده سنة سبعين، وعرض على ابن محيصن وعبد الله بن كثير وهو الذي خلفه في القراءة. روى عنه القراءة. عبيد بن عقيل وعلي بن نصر ومحمد بن صالح المري ... (طبقات القراء 1/ 323).
(3/175)
________________________________________
قال عبيد: وهم يقرءون كلّ شيء في القرآن من الاستسلام بغير ألف.
وروى علي بن نصر «1» عن أبان «2» عن عاصم إليكم السلام بألف.
[حدّثنا أحمد قال] «3» حدّثني الحسين بن علي بن مالك قال: حدّثنا أحمد بن صالح قال: حدّثنا حرميّ «4» عن أبان عن عاصم، وحدثني موسى بن هارون عن شيبان عن أبان عن عاصم ألقى إليكم السلم بالكسر وتسكين اللام. المفضّل عن عاصم:
السلم* مثل حمزة.
وقرأ نافع وابن عامر وحمزة: السلم* بغير ألف «5».
قال أبو علي: من قرأ: السلام احتمل ضربين:
أحدهما: أن يكون السلام الذي هو تحيّة المسلمين، أي:
لا تقولوا لمن حيّاكم هذه «6» التحيّة: إنّما قالها تعوّذا «7»، فتقدموا
__________
(1) في (ط) نصير. وهو علي بن نصر الجهضمي، سبقت ترجمته.
(2) أبان بن يزيد بن أحمد أبو يزيد البصري العطار النحوي، ثقة صالح، قرأ على عاصم، وروى الحروف عن قتادة بن دعامة، روى القراءة عنه بكّار بن عبد الله العودي وحرمي بن عمارة، وعلي بن نصر وغيرهم (طبقات القراء 1/ 4).
(3) سقطت من (ط).
(4) حرميّ بن عمارة بن أبي حفصة أبو روح البصري الأزدي، روى القراءة عن أبان العطار، وروى عنه الحروف أحمد بن صالح (طبقات القراء 1/ 203).
(5) السبعة 236 مع اختلاف يسير في التقديم والتأخير.
(6) في (ط): بهذه.
(7) في (ط): متعوّذا.
(3/176)
________________________________________
عليه بالسيف، ولكن كفّوا عنه، واقبلوا منه ما أظهره من ذلك وارفعوا عنه السيف.
والآخر: أن يكون المعنى: لا تقولوا لمن اعتزلكم، وكفّوا أيديهم عنكم، ولم «1» يقاتلوكم: لست مؤمنا.
قال أبو الحسن: يقولون: إنّما فلان سلام إذا كان لا يخالط أحدا، فكأنّ المعنى: لا تقولوا لمن اعتزلكم، ولم يخالطكم في القتال: لست مؤمنا. ومن قال: السلم* أراد الانقياد والاستسلام إلى المسلمين، ومنه قوله تعالى «2»: وألقوا إلى الله يومئذ السلم [النحل/ 87] أي: استسلموا لأمره، ولما يراد منهم، ولم يكن لهم من ذلك محيص ومنه قوله: ورجلا سلما لرجل [الزمر/ 29] أي: منقاد له غير مخالف عليه ولا متشاكس. ومن قال: السلم* بكسر السين وسكون اللام، فمعناه: الإسلام.
والإسلام: مصدر أسلم، أي: صار سلما، وخرج عن أن «3» يكون حربا.
قال الشاعر «4»:
فإن السّلم زائدة نوالا ... وإنّ نوى المحارب لا تئوب
وقال آخر «5»:
تبين صلاة الحرب منّا ومنهم ... إذا ما التقينا والمسالم بادن
__________
(1) في (ط): فلم.
(2) سقطت من (ط).
(3) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(4) لم نعثر على قائله.
(5) البيت للمعطل الهذلي وقد سبق في 2/ 322 عند آية البقرة/ 208.
(3/177)
________________________________________
فالمسالم: خلاف المحارب. وقال تعالى «1»: ادخلوا في السلم كافة [البقرة/ 208] والسّلم: الصلح، وقد يفتح فيقال:
السّلم، ومنه قوله سبحانه «2»: فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ... [محمد/ 35]. أي: لا تدعو إلى الصلح والمكافّة، ولكن قاوموهم وقاتلوهم، تعلوا عليهم وتعل كلمتكم.
ولا يجوز أن يكون المراد فيمن قرأ هذه الآية السلم*:
الصلح، ولكن الإسلام كقوله: ادخلوا في السلم [البقرة/ 208] ألا ترى أنّ الحربي إذا حاول من المسلم الصلح كان له الخيار في «3» قتاله ومصالحته، وإذا أظهر له الإسلام لم يجز قتاله.
والمعنى في الآية: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم الإسلام لست مسلما. والسّلم الذي «4» هو: الصلح، تفتح فاؤه وتكسر، ويؤنّث ويذكّر، قال تعالى «5»: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها [الأنفال/ 61].

[النساء: 95]
اختلفوا في رفع الراء ونصبها من قوله [جلّ وعز] «6»:
غير أولي الضرر [النساء/ 95].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة غير أولي الضرر برفع الراء.
__________
(1) سقطت من (ط) وقد سبق الكلام على الآية في 2/ 292.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (م): وضعت كلمة «بين قتاله» على الهامش.
(4) سقطت من (ط).
(5) سقطت من (م).
(6) سقطت من (ط).
(3/178)
________________________________________
[حدّثنا أحمد قال] «1»: حدّثني الصّوفي الحسين بن بشر «2» قال: حدثنا روح بن عبد المؤمن «3» قال: حدثنا محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير أنّه قرأ: غير أولي الضرر بنصب الراء.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي: غير أولي* بنصب الراء «4».
قال أبو علي: من رفع الراء جعل غير صفة للقاعدين عند سيبويه، وكذلك من قال: صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب [الفاتحة/ 7] فجرّ «5» غير* كان عنده أيضا صفة، ومثل ذلك قول لبيد:
وإذا جوزيت قرضا فاجزه ... إنّما يجزي الفتى غير الجمل
«6»
__________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من (ط).
(2) الحسين بن بشر بن معروف أبو الحسين الطبري الريشي، يعرف بالصوفي، روى القراءة عن روح بن عبد المؤمن، روى عنه أبو بكر بن مجاهد (طبقات القراء 1/ 279).
(3) روح بن عبد المؤمن أبو الحسن الهذلي البصري النحوي: مقرئ جليل ثقة ضابط مشهور، عرض على يعقوب الحضرمي، وهو من جلة أصحابه وروى الحروف عن أحمد بن موسى، ومعاذ بن معاذ، ومحبوب ومحمد بن صالح المري وغيرهم، روى عنه البخاري في صحيحه. مات سنة أربع أو خمس وثلاثين ومائتين (طبقات القراء 1/ 285).
(4) في (ط): «نصبا». السبعة: 237.
(5) في (ط) بجرّ.
(6) سبق البيت في 2/ 186 قال الأعلم (طرة سيبويه 1/ 370): الشاهد فيه:
نعت الفتى، وهو معرفة، بغير وإن كان نكرة، والذي سوغ هذا أنّ التعريف بالألف واللام يكون للجنس فلا يخص واحدا بعينه فهو مقارب للنكرة، وإن غيرا مضافة إلى معرفة فقاربت المعارف لذلك، وإن كانت نكرة فجرت على
(3/179)
________________________________________
فغير صفة للفتى. ومثله في «إلّا» في «1» قول الشاعر:
لو كان غيري سليمى اليوم غيّره ... وقع الحوادث إلّا الصارم الذّكر
«2» كأنه قال: لو كان غيري غير الصارم الذّكر، غيّره «3» وقع الحوادث، قال: والمعنى: أنّ الصارم الذكر لا يغيره شيء «4».
ومن نصب غيرا جعله استثناء من القاعدين. قال أبو الحسن: وبها نقرأ. قال: وبلغنا أنّها نزلت من بعد قوله: لا يستوي القاعدون، ولم تنزل معها؛ استثني بها قوم لم يقدروا على الخروج. والقاعدون مرتفع بقوله: يستوي ويستوي هذا يقتضي فاعلين فصاعدا.
وقوله: والمجاهدون معطوف عليه التقدير: لا يستوي القاعدون إلّا أولي الضرر والمجاهدون.

[النساء: 114]
واختلفوا «5» في الياء والنون من قوله تعالى «6»: فسوف نؤتيه [النساء/ 114].
__________
الأول لذلك. يقول: ينبغي لمن أقرض قرضا وأحسن إليه أن يجزي عليه ولا يكفر النعمة، فيكون كالبهيمة لا تعرف الإحسان ولا تجازي به. اهـ.
(1) سقطت من (ط).
(2) البيت للبيد بن ربيعة وهو في ديوانه/ 57، والأشموني 2/ 156، قال الأعلم:
الشاهد فيه جري إلّا وما بعدها على غير نعتا لها. والمعنى: إن وقع الدهر لا يغيره كما لا يغير الصارم الذكر. وهو الماضي من السيوف، والذكر والمذكر:
الحديد الذي ليس بأنيث. (طرة الكتاب 1/ 370).
(3) في سيبويه: لغيره.
(4) انتهى نقله عن الكتاب 1/ 370 باب ما يكون فيه إلّا وما بعده وصفا بمنزلة مثل وغير.
(5) في (ط): اختلفوا.
(6) سقطت من (ط).
(3/180)
________________________________________
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر «1» والكسائيّ فسوف نؤتيه بالنون.
وقرأ أبو عمرو وحمزة: يؤتيه* بالياء «2».
قال أبو علي: من قرأ بالياء فلقوله: ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف يؤتيه ومن قرأ: نؤتيه فهو مثل يؤتيه* في المعنى.

[النساء: 124]
اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها من قوله [جلّ وعز]: «3»:
يدخلون الجنة [النساء/ 124] فقرأ ابن كثير: يدخلون الجنة*، في ثلاثة مواضع: في النساء، وفي مريم [60]، وفي المؤمن «4» [40]، ورابعا فيه سين، وهو «5» قوله تعالى «6»:
سيدخلون جهنم [غافر/ 60].
وروى مطرّف الشّقري عن معروف بن مشكان «7» عن ابن كثير أنّه ضمّ الحرف الذي في سورة الملائكة «8»: جنات عدن
__________
(1) سقطت ابن عامر من (م). وهي في السبعة و (ط).
(2) السبعة 237.
(3) سقطت من (ط).
(4) وتسمى سورة غافر.
(5) في (ط): فهو.
(6) سقطت من (ط).
(7) معروف به مشكان أبو الوليد المكي مقرئ مكة مع شبل ولد سنة مائة، وهو من أبناء الفرس الذين بعثهم كسرى في السفن لطرد الحبشة من اليمن، أخذ القراءة عرضا عن ابن كثير وهو أحد الذين خلفوه في القيام بها بمكة روى عنه القراءة عرضا إسماعيل القسط، وسمع منه الحروف مطرف النهدي وحماد بن زيد. مات سنة خمس وستين ومائة (طبقات القراء 2/ 303، 304).
(8) وهي سورة فاطر أيضا.
(3/181)
________________________________________
يدخلونها [33] ولم يأت بها «1» مضموما عن ابن كثير غيره.
وقرأ عاصم في رواية أبي هشام عن يحيى وابن عطارد عن أبي بكر مثل ابن كثير في الملائكة. وأما خلف ومحمد بن المنذر وأحمد بن عمر الوكيعي فرووا عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم: بفتح الياء في يدخلون الجنة في المؤمن. وقال خلف عن يحيى سمعت أبا بكر وقد سئل عنها، فقال: سيدخلون بفتح الياء.
وقرأ أبو عمرو في النساء، وفي مريم، وفي الملائكة، وفي المؤمن: يدخلون الجنة بضم الياء، وفتح الياء من سيدخلون جهنم داخرين.
وروى حفص عن عاصم أنّه كان يفتحهن كلّهنّ. وروى الكسائي عن أبي بكر وخلاد عن حسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم أنّه فتحهنّ كلّهنّ مثل حفص.
وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي بفتح الياء فيهنّ كلّهنّ «2» ..
[قال أبو علي] «3»: حجّة من قال: يدخلون قوله:
ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون [الزخرف/ 70] ادخلوها بسلام آمنين [الحجر/ 46] قيل ادخل الجنة [يس/ 26].
ومن قال: يدخلون فلأنّهم لا يدخلونها حتى يدخلوها.
__________
(1) في (ط): به.
(2) السبعة 237 - 238.
(3) سقطت من (ط).
(3/182)
________________________________________
[النساء: 128]
اختلفوا «1» في ضمّ الياء والتخفيف، وفتحها والتشديد من قوله «2»: أن يصالحا [النساء/ 128].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: يصالحا بفتح الياء والتشديد.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: أن يصلحا بضم الياء والتخفيف «3».
قال أبو علي: من قال: فلا جناح عليهما أن يصالحا؛ فوجهه أنّ الأعرف في استعمال «4» هذا النحو: تصالحا. ويبين ذلك أنّ سيبويه زعم أنّ هارون حدّثهم أنّ بعضهم قرأ: فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا «5»، فيصّلحا: يفتعلا، وافتعل وتفاعل بمعنى، ولذلك صحّت الواو في: اجتوروا، واعتونوا، واعتوروا، لمّا كان بمعنى: تجاوروا، وتعاونوا، وتعاوروا، فهذه حجة لمن قرأ أن يصالحا، وكذلك زعموا «6» في حرف عبد الله:
فلا جناح عليهما إن اصّالحا.
ومن قرأ: يصلحا، فإنّ الإصلاح عند التنازع والتشاجر أيضا قد استعمل كما استعمل تصالح، قال: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم [البقرة/ 182] وقال: إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس [النساء/ 114]
__________
(1) في (ط): واختلفوا.
(2) في (م): زيادة: جلّ وعز إلّا. وكلمة إلّا ليست في آية النساء المذكورة.
(3) السبعة 238.
(4) في (ط): الاستعمال.
(5) سيبويه 2/ 421.
(6) زادت (م) «أن» بعد زعموا.
(3/183)
________________________________________
وليس الصلح على واحد من الفعلين، فيجوز أن يكون اسما مثل:
العطاء والعطية من أعطى، والكرامة من أكرم، فمن قرأ: يصلحا كان تعدّي الفعل إليه كتعدّيه إلى الأسماء، كقولك: أصلحت ثوبا. فإن قلت: فمن قرأ: تفاعل، فما وجهه، وتفاعل لا يتعدّى كما تعدّى أفعل؟ قيل: إن تفاعل قد جاء متعديا في نحو قول ذي الرّمّة:
ومن جردة غفل بساط تحاسنت ... به الوشي قرّات الرّياح وخورها
«1» ويجوز فيه أن يكون مصدرا حذفت زوائده، كما قال:.
وإن يهلك فذلك كان قدري «2» أي: تقديري: ويجوز أيضا أن يكون وضع المصدر موضع الاسم كما وضع الاسم في «3» موضع المصدر في نحو قوله «3»:
باكرت حاجتها الدّجاج ... «5»
وقوله:
وبعد عطائك المائة الرّتاعا «6»
__________
(1) البيت من قصيدة في ديوانه 1/ 232 والمعاني الكبير 1192، وفيه: «بها» بدل «به» قال شارح الديوان: الجردة من الرمل: بمعنى الجرداء، وغفل: ليس بها علم، بساط: واسعة مستوية، قرّات الرّياح: بواردها، وخورها: أراد خور الرياح وهو: ما لان منها، ولم يكن فيه برده. قال ابن قتيبة: شبه آثار الرياح بالوشي.
(2) هذا عجز بيت ليزيد بن سنان وقد سبق انظر 2/ 132، 277.
(3) سقطت من (ط).
(5) قطعة من بيت للبيد سبق في 1/ 182.
(6) هذا عجز بيت للقطامي سبق انظر 1/ 182، 2/ 288.
(3/184)
________________________________________
[النساء: 135]
واختلفوا في إسقاط الواو وإثباتها، وضمّ اللام، وإسكانها من قوله [جلّ وعز] «1»: وإن تلووا [النساء/ 135].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم والكسائي: تلووا بواوين الأولى مضمومة، واللام ساكنة.
وقرأ حمزة وابن عامر: تلوا بواو واحدة، واللام مضمومة «2».
[قال أبو علي] «1»: حجة من قال: تلووا أنّه «4» قيل: إنّ ابن عباس فسّره بأنّه: القاضي يكون ليّه وإعراضه لأحد الخصمين على الآخر.
وحجة من قال: تلوا بواو واحدة أن يقول: إن تلوا في هذا الموضع حسن، لأنّ ولاية الشيء. إقبال عليه، وخلاف الإعراض عنه، فالمعنى: إن تقبلوا أو تعرضوا، فلا تلوا، فإن الله كان بما تعملون خبيرا، فيجازي المحسن المقبل بإحسانه، والمسيء المعرض بإعراضه وتركه الإقبال على ما يلزمه أن يقبل عليه، ويقول: لو قرأت: وإن تلووا أو تعرضوا؛ لكان كالتكرير، لأنّ اللّيّ مثل الإعراض، ألا ترى أنّ قوله: لووا رؤسهم ورأيتهم يصدون [المنافقون/ 5] إنّما هو إعراض منهم وترك انقياد «5» للحق، وكذلك ليا بألسنتهم [النساء/ 46] إنّما هو انحراف وأخذ فيما لا ينبغي أن يأخذوا فيه، فإذا كان كذلك كان كالتكرير، وإذا قلنا: تلوا فقد ذكرنا الإعراض وخلافه.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة 239.
(4) في (ط): فقد بدل أنه.
(5) في (ط): إعراض عنهم وترك الانقياد.
(3/185)
________________________________________
ومن حجة من قال «1»: تلووا بواوين من لوى أن يقول: ما ذكرتم أنّ الدلالة وقعت عليه في قراءتكم تلوا بواو واحدة وقد فهم بما تقدم من قوله: فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا فيستغنى به، ولا ينكر أن يتكرر اللفظان لمعنى واحد نحو قوله: فسجد الملائكة كلهم أجمعون [الحجر/ 30] ونحو قوله:
وهند أتى من دونها النّأي والبعد «2» وقوله:
وألفى قولها كذبا ومينا «3» وقد قيل: إن تلوا يجوز أن يكون تلووا، وأن الواو التي هي عين همزت لانضمامها كما همزت في أدؤر، وألقيت حركة الهمزة على اللام التي هي فاء.

[النساء: 136]
اختلفوا في فتح النون والألف من قوله تعالى «4»: والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل [النساء/ 136] وضمّها.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو، وابن عامر: الذي نزل على
__________
(1) في (ط): قرأ.
(2) عجز بيت للحطيئة وصدره:
ألا حبذا هند وأرض بها هند انظر ديوانه/ 140، وابن الشجري 2/ 36، وابن يعيش 1/ 10، 70.
(3) هذا عجز بيت من قصيدة لعدي بن زيد وصدره:
وقدمت الأديم لراهشيه وهو من شواهد مغني اللبيب انظر شرح أبياته 6/ 97 والدرر 2/ 167 واللسان (مين).
(4) سقطت من (ط).
(3/186)
________________________________________
رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل مضمومتين.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: الذي نزل ....
والكتاب الذي أنزل مفتوحتين. وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم مثل قراءة أبي عمرو بالضم «1».
[قال أبو علي] «2»: حجّة من قال: الذي نزل: قوله تعالى: لتبين للناس ما نزل إليهم، [النحل/ 44] وقوله: تنزيل الكتاب من الله [الزمر/ 1] فأضيف المصدر إلى المفعول به، والكتاب على هذا منزّل.
وحجّتهم في قوله: والكتاب الذي أنزل قوله: والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق [الأنعام/ 114].
وحجة من قرأ: نزل قوله «3»: إنا نحن نزلنا الذكر [الحجر/ 9] وحجّتهم في قوله: والكتاب الذي أنزل من قبل [النساء/ 136] قوله «4»: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس [النحل/ 44].

[النساء: 140]
قال: وكلهم قرأ: وقد نزل عليكم في الكتاب [النساء/ 140] غير عاصم فإنه قرأ: وقد نزل «5».
__________
(1) زادت (ط): وبفتح النون. وليست ضرورية وزاد في السبعة ص 239 قبل كلمة بالضم: في (نزّل).
(2) سقطت من (ط).
(3) زادت (ط): تعالى.
(4) سقطت من (م).
(5) السبعة 239.
(3/187)
________________________________________
قال أبو علي: المنزّل في الكتاب قوله تعالى «1»: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره إلى قوله [جلّ وعز] «2»: الظالمين [الأنعام/ 68].

[النساء: 145]
اختلفوا في فتح الرّاء وإسكانها من قوله تعالى «3»: الدرك «4» [النساء/ 145].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: في الدرك مفتوحة الراء.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: في الدرك ساكنة الراء.
وروى الكسائي وحسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم:
في الدرك مثل أبي عمرو «5».
قال أبو عليّ: الدّرك، والدّرك لغتان في الكلمة مثل:
الشّمع والشّمع، والقصص والقصّ «6». ومثله في المعتلّ العيب والعاب، والذّيم والذّام، ولو كان الشمع مسكّنا عن الشمع ولم يكن لغة فيه، لم يجز أن يسكّن، ألا ترى أنّ مثل جمل وقدم، لا يسكّن كما يسكّن المضموم والمكسور، كما لم يحذف الألف في الفواصل والقوافي، كما حذفت الياء والواو.
حفص عن عاصم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) في حاشية (ط) هنا ما نصه: ابتداء المقابلة من قوله: الدرك.
(5) السبعة: 239.
(6) في (ط): والقص والقصص.
(3/188)
________________________________________
[النساء: 152]
[النساء/ 152] بالياء ولم يكن يقرأ بالياء في هذه السورة غير هذا الحرف.
أبو بكر عن عاصم بالنون.
وقرأ حمزة: أولئك سوف نؤتيهم أجورهم بالنون.
وكذلك قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي بالنون.
وقرأ حمزة وحده: أولئك سيؤتيهم أجرا عظيما [النساء/ 162] بالياء.
وقرأ الباقون هذا الحرف بالنون «1».
حفص عن عاصم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم بالياء «2» حجته في ذلك وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما [النساء/ 146].
حمزة: سوف نؤتيهم أجورهم [النساء/ 152] بالنون.
حجته قوله تعالى «3»: وآتيناه أجره [العنكبوت/ 27] فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم [الحديد/ 27].
حمزة وحده: أولئك سيؤتيهم [النساء/ 152] حجته وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما [النساء/ 146] وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم [النساء/ 173].
__________
(1) السبعة 240.
(2) سقطت من (م).
(3) سقطت من (ط).
(3/189)
________________________________________
[النساء: 154]
اختلفوا في قوله [جلّ وعز] «1» لا تعدوا في السبت.
[النساء/ 154].
فقرأ نافع: تعدوا بتسكين العين وتشديد الدال.
وروى عنه ورش: تعدوا بفتح العين وتشديد الدال.
وكلهم ضمّ الدال، وقرأ الباقون: لا تعدو خفيفة «2».
قال أبو زيد: عدا عليّ اللص أشدّ العدوّ، والعدو والعداء والعدوان، أي: سرقك وظلمك، وعدا الرجل يعدو عدوا في الحضر، وقد عدت عينه عن ذاك أشدّ العدوّ فهي تعدو.
قال أبو علي [ومن قرأ] «3»: لا تعدوا حجته قوله تعالى:
ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت [البقرة/ 65] فجاء في هذه القصّة بعينها: افتعلوا، وقال: ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين [البقرة/ 190].
وأمّا من قال: لا تعدوا على: لا تفعلوا، فحجّتهم قوله تعالى: إذ يعدون في السبت [الأعراف/ 163] في هذه القصة، وقال: فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون [المؤمنون/ 7] وقال: فمن اضطر غير باغ ولا عاد [البقرة/ 173] [النمل/ 115] [الأنعام/ 145] فقوله: ولا عاد يحتمل أمرين: أحدهما أنّه فاعل من عدا يعدو: إذا جاوز، وقد تقول «4»: ما عدوت أن زرتك، أي: ما جاوزت ذلك. وروي عن الحسن: ولا عاد أي: ولا عائد فقلب؛ من عاد إلى الشيء. ويقوي تفسير الحسن ما أثر من
قوله [عليه السلام] «5»: «يجزئ في الضارورة
__________
(1) في (ط): تعالى.
(2) السبعة 240.
(3) سقطت من (م).
(4) في (ط): ويقولون.
(5) زيادة في (ط).
(3/190)
________________________________________
صبوح أو غبوق»
«1» أي: لا يعود إليه لأنّه إذا أكله مرة واحدة «2» لا يخشى معها على نفسه. ومن حجتهم قوله: فلا عدوان إلا على الظالمين [البقرة/ 193] وقوله: فلا عدوان علي [القصص/ 28] فهذا مصدر كالشكران والغفران ومصدر افتعل:
الاعتداء.
فأما قراءة نافع: لا تعدوا فإنه يريد: لا تفتعلوا، فأدغم التاء في الدال لتقاربهما، ولأنّ الدال تزيد على التاء بالجهر. وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني منهما مدغما، ولم يكن الأول حرف لين، نحو: دابّة، وشابّة، وثمودّ الثوب، وقيلّ لهم، ويقولون: إنّ المدّ يصير عوضا من الحركة. وقد قالوا: ثوب بكر، وجيب بكر فأدغموا، والمدّ الذي فيهما أقلّ من المد «3» الذي يكون فيهما إذا كان حركة ما قبلهما منهما. وساغ فيه وفي نحو: أصيمّ ومديقّ ودويبّة، فإذا جاز ما ذكرنا مع نقصان المدّ الذي فيه، لم يمتنع أن يجمع بين الساكنين «4» في نحو تعدوا، وتخطف، وقد جاء في القراءة، وجاز ذلك لأنّ الساكن الثاني لما كان يرتفع اللسان عنه وعن المدغم فيه ارتفاعة واحدة؛ صار بمنزلة حرف متحرك، يقوي ذلك: أن من العلماء بالعربية من جعل المدغم مع المدغم فيه بمنزلة حرف واحد، وذلك قول يونس في النسب إلى مثنّى:
__________
(1) أورده صاحب النهاية في غريب الحديث مادة (ضرر) 3/ 83 عن سمرة.
وقال: والضارورة: لغة في الضرورة: أي إنّما يحل للمضطر من الميتة أن يأكل منها ما يسد الرّمق غداء أو عشاء وليس له أن يجمع بينهما. وانظر اللسان (ضرر).
(2) سقطت من (ط).
(3) زيادة في (ط).
(4) في (ط): ساكنين.
(3/191)
________________________________________
مثنويّ، جعله بمنزلة ملهويّ، ويقوي ذلك جواز نحو أصيمّ وأنّه قول العرب جميعا مع نقصان المدّ فيه. ويقوّي ذلك أنّهم قد وضعوا موضع حرف لين «1» غيره. وذلك نحو قوله: «2» تعفّف ولا تبتئس فما يقض يأتيكا فحرف المدّ الذي قبل «3» حركة ما قبله منه. وقال «4»:
خليليّ عوجا على رسم دار ... خلت من سليمى ومن ميّه
فحركة ما قبل حرف اللين ليس منه. وقال:
صفيّة قومي ولا تعجزي ... وبكّي النساء على حمزة
«5» فجعل مكان حرف اللين غيره. وقال:
لقد ساءني سعد وصاحب سعد ... وما طلباني دونها بغرامه
«6» [وما كل موت نصحه بلبيب «7»
__________
(1) في (ط): اللين.
(2) لم نعثر على قائله ولا تتمته.
(3) في (ط): فحرف المد والذي قبل كل حركة. وشطب على عبارة: الذي قبل كل.
(4) لم نعثر على قائله.
(5) البيت لكعب بن مالك، وقد سبق في 1/ 73، 212.
(6) البيت في مجالس العلماء للزجاجي 151، أنشده الأصمعي ولم ينسبه.
(7) عجز بيت صدره:
وما كلّ ذي لب بموتيك نصحه وهو في الكتاب 2/ 409 قال الأعلم: الشاهد فيه وقوع الياء ساكنة، وقبلها كسرة لما فيها من المد موقع الحرف المتحرك في إقامة الوزن، ولذلك لزمت هذه الياء حرف الروي وكانت ردفا له لا يجوز في موضعها إلا
(3/192)
________________________________________
مخالف للبيت الأول، لأنّ حرف اللين فيه أطول من البيت الأول .. ] «1».
فإذا كانوا قد جعلوا مواضع حرف اللين غيره في هذه الأشياء التي ذكرنا؛ جاز أن يجعل موضع حرف اللين غيره في هذه المواضع التي قرأت بها القراء، ولم يكن ذلك لحنا وإن كان الوجه الآخر أكثر في الاستعمال، ويقوي ذلك أنّ ما بين حرف اللين وغيره يسير، فلا يتفاوت ذلك من حيث كان الجميع في الوزن واحدا، ألا ترى أنّ الضاد وإن شغلت في خروجها مواضع لتفشّيها واستطالتها بمنزلة النون التي تخرج من الخياشيم في الوزن، فكذلك ما بين حرف اللين الذي ليس ما قبله من جنسه، وبين سائر الحروف التي ليست بليّنة، يسير يحتمل ذلك ولا يتفاوت. ويقوي ذلك ما أنشده سيبويه:
كأنّه بعد كلال الزّاجر ... ومسّح مرّ عقاب كاسر
«2».

[النساء: 163]
قال: قرأ حمزة وحده: وآتينا داود زبورا [النساء/ 163] بضمّ الزاي حيث وقعت «3».
قال أبو علي: القول فيه على وجهين: أحدهما: أن يكون
__________
الواو، إذ كانت في المد بمنزلتها. والمعنى: إن الإنسان قد ينصح من يستغشه، فينبغي للعاقل اللبيب أن يرتاد موضعا مستحقا للنصيحة.
(1) ما بين معقوفتين سقط من (م).
(2) سبق انظر 2/ 397.
ووضع في طرة (ط): يريد: ومسحه فأدغم.
وقد رسمت في (م) ومسحه، على الأصل.
(3) السبعة 240 وزاد بعده: ومثله ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر [الأنبياء 105] وقرأ الباقون: زبورا وفي الزبور مفتوحتين.
(3/193)
________________________________________
جمع زبر فأوقع على المزبور اسم الزبر كقولهم: ضرب الأمير.
ونسج اليمن، كما سمّي المكتوب الكتاب ثمّ جمع الزبر على زبور «1»، وجمعه لوقوعه موقع «2» الأسماء التي ليست بمصادر، كما جمع الكتاب على كتب لمّا استعمل استعمال الأسماء، فقالوا:
زبور. والآخر: أن يكون جمع زبورا بحذف الزيادة على زبور كما قالوا: ظريف وظروف، وكروان وكروان، وورشان وورشان ونحو ذلك مما جمع بحذف الزيادة. ويدل «3» على قوّة هذا الوجه في القياس أن التكسير مثل التصغير، وقد اطّرد هذا الحذف في ترخيم التصغير نحو: أزهر وزهير وحارث، وحريث، وثابت، وثبيت فالجمع مثله في القياس، وإن كان أقلّ منه في الاستعمال.
[آخر الكلام في سورة النساء] «4»
__________
(1) في (ط): الزبور.
(2) في (ط): مع.
(3) في (ط): ويدلك.
(4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ط). وفي (ط): سورة المائدة بسم الله الرحمن الرحيم.
(3/194)
________________________________________
سورة المائدة
[ذكر اختلافهم في سورة المائدة]

[المائدة: 2]
اختلفوا في فتح النون وإسكانها من شنآن [المائدة/ 2].
فقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن كثير: شنآن متحركة النون.
وقرأ ابن عامر: شنان ساكنة النون.
واختلف عن عاصم، فروى عنه أبو بكر شنان ساكنة النون، وروى عنه حفص شنآن متحركة النون.
واختلف عن نافع أيضا فروى عنه إسماعيل بن جعفر، والمسيّبي والواقديّ: شنان ساكنة النون «1». وروى عنه ابن جمّاز والأصمعيّ وورش وقالون: شنآن متحركة النون «2».
قال أبو علي: تأويل لا يجرمنكم: لا يكسبنكم أن تعتدوا.
__________
(1) في (ط) زيادة مقحمة بين إشارتين تعادل سطرا.
(2) السبعة 242 مع اختلاف يسير في العبارة.
(3/195)
________________________________________
فيجرمنّكم: فعل متعد إلى مفعولين، كما أنّ يكسبنكم كذلك.
ويدلّ «1» على ذلك قول الشّاعر في صفة عقاب:
جريمة ناهض في رأس نيق ... ترى لعظام ما جمعت صليبا
«2» وقوله: «جريمة ناهض» يحتمل تقديرين «3»: أحدهما:
جريمة قوت ناهض أي: كاسب «4» قوته، وقد قالوا: ضارب قداح، وضريب قداح، وعارف وعريف. والآخر: أن لا يقدّر حذف المضاف، وتضيف جريمة إلى ناهض، والمعنى كاسب ناهض، كما تقول: بديع «5» كاسب مولاه، تريد: أنّه يسعى «6» له ويردّ عليه. فجرم يستعمل في الكسب وما يردّ سعي الإنسان عليه. وأما أجرم ففي اكتساب الإثم، قال [جلّ وعزّ] «7»: إنا من المجرمين منتقمون [السجدة/ 22].
__________
(1) في (ط) ويدلك.
(2) البيت لأبي خراش الهذلي، وقبله:
كأني إذ عدوا ضمنت بزي ... من العقبان خائنة طلوبا
وهو يذكر عقابا شبه فرسه بها، والمعنى: كأني إذ غدوا للحرب ضمنت بزي، أي سلاحي عقابا، خائنة أي: منقضة، وجريمة: بمعنى كاسبة، والناهض:
فرخها، والنيق: أرفع موضع في الجبل، والصليب: ودك العظام. انظر اللسان (صلب) وانظر ديوان الهذليين 3/ 1205.
(3) في (ط): أمرين.
(4) في (ط): كاسبة.
(5) في (م): بزيع.
(6) في (ط): أي يسعى.
(7) سقطت من (ط).
(3/196)
________________________________________
وقال تعالى «1»: فعلي إجرامي [هود/ 35] والتقدير: فعلي عقوبة إجرامي، أو إثم إجرامي، ومعنى: لا يجرمنكم شنآن قوم: لا تكتسبوا «2» لبغض قوم عدوانا ولا تقترفوه. ومن فتح أن وقع النهي في اللفظ على الشنآن، والمعنيّ بالنهي: المخاطبون، كما قالوا: لا أرينّك هاهنا، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران/ 102]. وكذلك قوله: ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم [هود/ 89] ف أن يصيبكم المفعول الثاني، وأسماء المخاطبين المفعول الأول، كما أنّ المفعول الأول في الآية الأخرى المخاطبون، والثاني قوله: أن تعتدوا ولفظ النهي واقع على الشقاق والمعنيّ بالنهي المخاطبون بها «3».
وقال «4» أبو زيد: شنئت الرجل أشنؤه شنأ، وشنآنا، وشنأ، ومشنأة: إذا أبغضته. ويذهب «5» سيبويه إلى أن ما كان من المصادر على فعلان لم يتعدّ فعله قال «6»: إلّا أن يشذّ شيء نحو: شنأته شنآنا «7». ولا يجوز أن يكون شنأته «8» يراد به حرف الجر والحذف، كما قال سيبويه في فرقته، وحذرته إنّ أصله حذرت منه «9». وذلك
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): لا تكسبوا.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): قال.
(5) في (ط): وذهب.
(6) سقطت من (ط).
(7) الكتاب 2/ 218.
(8) سقطت من (م).
(9) انظر الكتاب- 2/ 219.
(3/197)
________________________________________
أن اسم الفاعل منه جاء على فاعل نحو شانئ وإن شانئك هو الأبتر [الكوثر/ 3] وقال:
لشانئك الضّراعة والكلول «1» فهذا يقوي أنه مثل: علم يعلم فهو عالم، وشرب يشرب فهو شارب، ونحو ذلك من المتعدي.
ومما يقوي ذلك: أن شنأته في المعنى مثل أبغضت «2»، فلما كان بمعناه عدّي كما عدّي أبغضت، كما أنّ الرفث لما كان بمعنى الإفضاء عدّي بالجار كما عدي الإفضاء به.
ومما يدل على تعدّيه ما حكاه أبو زيد في مصدره في «3» الشّنء والشنء، فالشنء مثل: الشّتم، والشنء مثل الشغل.
وقال سيبويه: وقالوا «4»: لويته «5» حقّه ليّانا، على فعلان «6».
فيجوز على هذا: أن يكون شنآن فيمن أسكن النون مصدرا كاللّيّان، فيكون المعنى: لا يجرمنكم بغض قوم، كما كان التقدير
__________
(1) عجز بيت لساعدة بن جؤية يصف ضبعا وصدره:
ألا قالت أمامة إذ رأتني قال شارحه أبو سعيد: كأنّها قد رأته قد ضرع وكلّ من المرض، فكرهت أن تقول له شيئا، فقالت: «لشانئك الضراعة والكلول» كما تقول: لعدوك البلاء.
والكلول: أن يكل بصره. (شرح أشعار الهذليين 3/ 1142. واللسان:
كلل).
(2) في (ط): أبغضته.
(3) في (ط): من.
(4) في (م): «قالوا».
(5) في (ط) ألويته.
(6) الكتاب 2/ 216.
(3/198)
________________________________________
فيمن فتح كذلك، وقال أبو زيد: رجل شنان وامرأة شنآنة، مصروفان. قال «1»: وقد يقال: رجل شنآن بغير صرف، ولأنك «2» تقول: امرأة شنأى. أبو عبيدة: شنان قوم: بغضاء قوم، وهي متحركة الحروف: مصدر شنئت، وبعضهم يسكن النون الأولى، وأنشد للأحوص:
وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام
«3» فيه ذو الشّنان وفنّدا «4» قال أبو عبيدة: وشنئت في موضع آخر معناه: أقررت وبؤت به، وأخرجته وأنشد للعجاج:
زلّ بنو العوّام عن آل الحكم وشنئوا الملك لملك ذي قدم «5» وقال الفرزدق:
ولو كان هذا الأمر في جاهليّة ... شنئت به أو غصّ بالماء شاربه
«6»
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): لأنك.
(3) في (م): عاب.
(4) البيت في ديوان الأحوص ص 58، وطبقات فحول الشعراء 664 والشعر والشعراء 519 وتفسير الطبري 9/ 487 والبحر المحيط 3/ 422 والصحاح واللسان والتاج (شنأ) مع اختلاف في الرواية. والشنان: الشنان، سهل همزته، وسيشير إلى ذلك المصنف موضحا.
(5) ديوانه 1/ 173، واللسان والتاج (شنأ).
(6) ديوانه 1/ 49 واللسان (شنأ) مع اختلاف في الرواية فيهما وفي مجاز القرآن.
(3/199)
________________________________________
انتهى كلام أبي عبيدة «1». [قال أبو علي] «2» وفي قوله «3»:
بعضهم يسكن النون الأولى يدلّ على أنّ الشنان بإسكان النون مصدر كما أن الشنان كذلك.
فأما الشنان على فعلان، فإن فعلان قد جاء مصدرا وجاء وصفا، وهما جميعا قليلان. فممّا جاء فيه فعلان مصدرا ما حكاه سيبويه «4» من قولهم: لويته حقه ليّانا، فيجوز على قياس هذا، وإن لم يكثر أن يكون شنان مثله، في أنّه مصدر على أنّ في قول أبي عبيدة دلالة على أن شنان المسكن العين مصدر. ويجوز أن يكون وصفا على فعلان، وفعلان أيضا في الوصف ليس بالكثير إذا لم يكن له فعلى، فمما جاء من فعلان صفة لا فعلى له ما حكاه سيبويه من قولهم: خمصان، وحكى غيره ندمان قال «5»:
وندمان يزيد الكأس طيبا «6» وأنشد أبو زيد ما ظاهره أن يكون فعلان فيه صفة، وهو:
__________
(1) مجاز القرآن 1/ 147 - 148 مع اختصار يسير.
(2) سقطت من (م).
(3) في (ط): قوله وبعضهم.
(4) سقطت من (ط).
(5) سبق قريبا.
(6) صدر بيت من قصيدة للبرج بن مسهر وعجزه:
سقيت إذا تغوّرت النجوم انظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 3/ 1272، والمؤتلف والمختلف للآمدي/ 80 وانظر اللسان (ندم) وهو من أبيات المغني انظر شرحها للبغدادي 2/ 234.
(3/200)
________________________________________
لما استمرّ بها شيحان مبتجح ... بالبين عنك بها يرآك شنانا
«1» ويقرب أن يكون مثل شنان في أنّه فعلان، وإن كان شنآن له مؤنث هو شنأى. فيما حكاه أبو زيد، وليس لشيحان.
فإن قلت: فلم لا يكون شاح يشيح مما «2» يجوز أن يكون منه فعلان له مؤنث على فعلى، كما أنّ عام يعيم، وعيمان كذلك.
فإنّه لا يكون مثله، ألا ترى أن يقول: إنّ قولهم «3» في مصدره:
عيمة، ولحاق علامة التأنيث به صار بدلا من تحريك العين، فجاء فيه فعلان وفعلى، كما جاء فيما كان مصدره على فعل، نحو:
العطش، فمن ثمّ جاء: غرت تغار غيره وغيران وغيرى، وحرت تحار حيرة وحيران وحيرى، وليس شيحان كذلك، ألا ترى أنّه قد جاء:
.... وشايحت قبل اليوم إنك شيح «4»
__________
(1) البيت بغير نسبة في النوادر ص 494 (ط. الفاتح) والمحتسب 1/ 129 مع آخرين قبله وفي سر صناعة الإعراب 1/ 87 واللسان (بجح، شيح، رأى) مع اختلاف في الرواية. المبتجح: المفتخر، وشيحان: اختلف في ضبط فائه بالفتح والكسر، وهو الغيور.
(2) في (ط): ومما.
(3) في (ط): في قولهم.
(4) عجز بيت لأبي ذؤيب في ديوان الهذليين ق 1/ 116 من قصيدة يرثي بها نشيبة، صدره:
بدرت إلى أولاهم فسبقتهم والعجز في الكامل 1/ 81 واللسان (شيح).
(3/201)
________________________________________
وفاعل في أكثر الأمر يجيء فيما كان على فعل نحو: ضارب وضرب،
وجاء في الحديث: «أعرض وأشاح»
«1». فأما ترك صرف شيحان في البيت مع أنه لا فعلى له، فإنّه يجوز أن يكون اسما علما، ويجوز أن يكون على قول من يجيز «2» ترك صرف ما ينصرف في الشعر.
فأمّا الشنان فإن فعلانا يجيء على ضربين: أحدهما: اسم، والآخر: وصف. والاسم «3» على ضربين؛ أحدهما أن يكون مصدرا، كالنّقزان، والنّغران، والغليان، والنّفيان، والطّوفان، والنّعبان «4» والغثيان، وعامّة ذلك يكون معناه: التحرّك، والتقلّب، فالشنان على ما جاءت «5» عليه هذه المصادر. والاسم الذي ليس بمصدر نحو: الورشان والعلجان. وأما «6» مجيء فعلان وصفا فنحو: الزّفيان والقطوان، والصميان «7»، ومن ذلك ما حكاه أبو زيد [من
__________
(1) قطعة من
حديث رواه مسلم في كتاب الزكاة عن عدي بن حاتم 68 (1016) قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم النار فأعرض وأشاح ثمّ قال: «اتقوا النار» ثمّ أعرض وأشاح، حتى ظننا أنّه كأنّما
ينظر إليها، ثمّ قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة».
(2) في (ط): يجوز.
(3) في (ط): فالاسم.
(4) سقطت من (م). والنعبان: صوت الغراب.
(5) في (ط): ما جاء.
(6) في (ط): فأما.
(7) النقز والنقزان: كالوثبان صعدا في مكان واحد، وقد غلب على الطائر المعتاد الوثب كالغراب والعصفور. اللسان/ نقز/.
نغز ينغز نغزانا: غلى وغضب وقيل: هو الذي يغلي جوفه من الغيظ اللسان/ نغر/.
(3/202)
________________________________________
قولهم] «1»: إن عدوك لرضمان، أي: ثقيل؛ إذا ثقل عدوه مثل عدو الشيخ الكبير.
وقال أبو زيد أيضا: يقال: كبش آل، مثل: عال، وأليان، وكباش ألي، مثل: عمي، ونعجة أليانة. وأليانتان، وأليانات، وكبش أليان، وكباش أليانات، مثل: أتان قطوانة، وحمار قطوان: إذا لم يكن سهل السير، وقطوانتان وقطوانات قال: وهو من قولك قطا يقطو قطوا وقطوّا، إذا قارب بين خطوه، فإن قلت: كيف لا يكون نحو «2» رضمان وصميان، مصادر وليست بصفات، وإن كان قد جرى «3» على الموصوف كما أنّ عدلا ورضى كذلك؟ فالذي يدل على أنّ هذه الأسماء «4» صفات وليست بمصادر مجيئها في نحو «5»: كبش أليان، فلا يخلو هذا من أن يكون وصفا أو مصدرا، فلا يجوز أن يكون مصدرا لأنّ مصادر نحو: نعجة ألياء، لا يخلو من أن يكون من «6» نحو:
الحمرة والصفرة، أو الصلع «7» والفطس، ولم يجيء منه شيء على فعلان فيما علمنا. ويقوي ذلك ما حكاه أبو زيد في أليان من التأنيث والتثنية والجمع، وهذا إنّما يكون في الصفات، ولا يكاد
__________
النفيان: نفيان السيل ما فاض من مجتمعه. اللسان/ نفي/.
الغثيان: خبث النفس وهو تحلب الفم فربما كان منه القيء. اللسان/ غثا/ الزفيان: شدّة هبوب الريح. اللسان/ زفا/.
الصميان: الشجاع الصادق الحملة. والجريء على المعاصي. والتلفت.
والوثب، اللسان/ صما/.
(1) زيادة في (ط).
(2) في (ط): مثل.
(3) في (ط): كانت. قد جرت.
(4) في (ط): أسماء.
(5) في (ط): مثل.
(6) سقطت من (ط).
(7) في (ط): والصلع.
(3/203)
________________________________________
يجيء ذلك في المصادر. وما حكي من تأنيث زور وعدل ليس بالشائع، فأما ما أنشده أبو عبيدة من قول الأحوص:
وإن عاب فيه ذو الشّنان وفنّدا «1» فيحتمل أمرين: أحدهما أن يكون على التخفيف القياسي كقولك في تخفيف: ملآن وظمئان: ظمان وملآن، تحذفها وتلقي حركتها على ما قبلها، والآخر أن يكون على حذف الهمزة التي هي لام، كما حذفت من السّواية التي أصلها سوائية، مثل الكراهية، وكما يذهب إليه أبو الحسن في أشياء: أنّه جمع شيء، على أفعلاء، كما قيل: سمح وسمحاء، فحذفت الهمزة التي هي لام فأما الأظهر في قوله: ذو الشنان، فأن يكون مصدرا كاللّيان، ألا ترى أنه قد أضيف إليه ذو، فلا يكون من أجل ذلك وصفا. فإن قلت: قد «2» جاء (ذو) في مواضع غير معتدّ بها كقول الشماخ:
وأدمج دمج ذي شطن بديع «3» فإنّ حمله على الوجه الأوّل أقرب عندنا. وأمّا ما حكاه أبو زيد من قولهم: كبش آل، على مثال «4»: فاعل، فشاذ، وكان القياس أن يكون أليى «5» على أفعل، مثل: أعمى. فأما ما حكاه من
__________
(1) سبق انظر الصفحة 193 من هذا الجزء.
(2) في (ط): فقد.
(3) عجز بيت صدره في ديوانه 233: «أطار عقيقة عنه نسالا»، العقيقة والعقيق والعقة: الشعر الذي يكون على المولود حين يولد من الناس والبهائم، والنسال: اسم ما سقط من الشعر والصوف والريش. أدمج: أي أحكمت أعضاؤه. الشطن: الحبل الشديد. بديع: جديد. وانظر اللسان (بدع).
(4) في (ط): مثل.
(5) سقطت من (م).
(3/204)
________________________________________
قولهم: كباش ألي فيجوز «1» أن يكون الجمع وقع على القياس الذي كان يجب في الكلمة كأحمر «2» وحمر، ويجوز أن يكون كبزل وعيط «3». ومن قال: شنآن وشنأى [وقد حكاهما أبو زيد] «4» مثل عطشان وعطشى، وحرّان وحرّى، فشنئت على هذا «5» غير متعدّ، كما أن عطش كذلك، لأنّ هذا المصدر في أكثر الأمر ينبغي أن يكون الشنء أو الشنء مثل الشّنع «6»، وقد حكاه «7» أبو زيد. ومصدر هذا «8» الذي لا يتعدّى ينبغي أن يكون الشنان، مثل الغليان والطّوفان [لأن هذا هو المصدر في أكثر الأمر] «9»، ويجوز أن يكون الشنان بتسكين العين مثل اللّيّان، ومن زعم أنّ فعلان إذا أسكنت «10» عينه لم يك مصدرا، فقد أخطأ، لأنّ أبا زيد قد حكى في عيمان أيمان أنّ بني تميم تنصب اللام فتقول: لويته حقه ليّانا بنصب اللام. ومن قال:
__________
(1) في (م): «فيكون» بدل: «فيجوز».
(2) في (ط): مثل أحمر.
(3) جمع بازل وهو البعير إذا فطر نابه، وعيط: جمع أعيط وهو البعير الطويل العنق، والناقة عيطاء (اللسان عيط).
(4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ط).
(5) في (ط): هذا القول.
(6) في (ط): الشّنع. والشّنع: من شنع بالأمر: رآه شنيعا.
(7) في (ط): حكاهما.
(8) في (ط): «ومصدرهما» بدل «ومصدر هذا».
(9) ما بين المعقوفتين ساقط من (ط) وقد وضع الناسخ إشارة عنده لاستدراك النقص غير أنّه سها عنه فيما يبدو.
(10) في (ط): سكنت.
(3/205)
________________________________________
شنئت العقر عقر بني شليل «1» * و: لشانئك الضّراعة والكلول «2» وإن شانئك هو الأبتر [الكوثر/ 3] كان شنئت على قوله متعديا، وليس كالوجه الأوّل، ولكن تجعله في التقدير مثل شربت ولقمت، ومثل هذا أنّه جاء الفعل منه على ضربين من التعدّي.
وغير التعدي قولهم: جزل السّنام يجزل، وقالوا: جزلته. قال:
منع الأخيطل أن يسامي قومنا ... شرف أجبّ وغارب مجزول
«3» فهذا يدلّ على جزلته. ومن ذلك: القصم والقصم، فالقصم مصدر قصم «4». وفي التنزيل: وكم قصمنا من قرية [الأنبياء/ 11] وقال الأعشى «5»:
ومبسمها عن شتيت النبا ... ت غير أكسّ ولا منقصم
«6»
__________
(1) هذا صدر بيت عجزه:
إذا هبت لقاربها الرياح العقر: موضع، وقاريها: متتبعها، انظر المحتسب 2/ 282 واللسان (عقر) وفيه: «كرهت العقر» بدل «شنئت».
(2) سبق انظر الصفحة/ 192 من هذا الجزء.
(3) البيت لجرير من قصيدة يهجو بها الأخطل انظر ديوانه 1/ 95، واللسان (جزل) والجزل: أن يصيب الغارب- وهو ما بين السنام والعنق- دبرة فيخرج منه عظم، ويشد فيطمئن موضعه، يقال: جزل غارب البعير، فهو مجزول، مثل جزل. ورواية الديوان: قرمنا: بدل قومنا.
(4) في (ط): قصمت.
(5) في (ط): الشاعر.
(6) البيت في ديوانه/ 35 وفيه منقضم بالضاد.
(3/206)
________________________________________
وقال آخر:
عجبت هنيدة أن رأت ذا رثّة ... وفما به قصم وجلدا أسودا
«1» فهذا مصدر قصم الذي لا يتعدّى، ومن ذلك قولهم: عجي وهو عج.
وأنشدنا «2» علي بن سليمان:
عداني أن أزورك أنّ بهمي ... عجايا كلّها إلّا قليلا
«3» فعجايا كأنه جمع عجيّ مثل: طبّ وطبيب، ومذل «4» ومذيل وقال:
...... فما تع ... جوه إلّا عفافة أو فواق
«5»
__________
(1) البيت في أساس البلاغة (قضم) بغير نسبة وروايته:
قالت بثينة إذ رأت ذا رتّة ... وفما به قضم وجلد أسود
والرتة: عجلة في الكلام وقلة أناة، وقيل: هو أن يقلب اللام ياء، والقضم:
من قضمت أسنانه إذا تكسرت أطرافها. وقريب منه القصم بالصاد، في اللسان: رجل أقصم الثنية إذا كان منكسرها من النصف بين القصم.
(2) في (ط): وأنشد.
(3) البيت في تهذيب الأزهري (عدا) واللسان (بهم- عجا- عدا) بغير نسبة.
وعداني: شغلني، والبهم: صغار المعز. والعجيّ: الفصيل تموت أمه فيرضعه صاحبه بلبن غيرها ويقوم عليه وجمعه عجايا، بضم العين وفتحها.
(4) المذل: الضجر والقلق مذل مذلا فهو مذل والأنثى مذلة اللسان/ مذل/.
(5) البيت للأعشى من قصيدة قالها بنجران يتشوق إلى قومه مفتخرا بهم وتمامه في ديوانه ص 211:
ما تعادى عنه النهار ولا تع ... جوه إلّا عفافة أو فواق.
(3/207)
________________________________________
ومن ذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم: غضف الكلب أذنه أشدّ الغضفان «1»، وقال الشاعر:
غضفا طواها أمس كلّابيّ «2» فهذا يدل على غضف يغضف. ومن ذلك قولهم: طوي يطوى فهو طيّان. وقالوا: طويته أطويه طيّا. وقال «3»:
فقام إلى حرف طواها بطيّه ... بها كلّ لمّاع بعيد المساوف
«4» وقال:
.... طواها أمس كلّابيّ
__________
وهو في اللسان [عدا- عفف] مع اختلاف في الرواية ينبني عليها اختلاف في تفسير البيت. تعادى: تباعد. والعفافة: بقية اللبن في الضرع بعد أن يحلب أكثر ما فيه. والفواق: اجتماع الدرّة. يصف ظبية وغزالها فيقول: لا تبعد عنه طول النهار، ولا تؤخر رضاعته إلّا ريثما يجتمع في ضرعها بعض اللبن.
(1) النوادر 544 (ط: الفاتح).
(2) هذا الشطر من أرجوزة طويلة للعجاج، وهو في وصف ثور وحشي رأى كلاب صيد ضمرها صاحبها. غضفا: أي كلابا مسترخية الآذان وهو وصف غالب لكلاب الصيد وانظر ديوانه 1/ 518 والخصائص 3/ 104، 205.
(3) سقطت من (ط) وقال.
(4) البيت الذي الرّمة انظر ديوانه بشرح الأصمعي 3/ 1636 قال في شرحه:
فقام هذا الرجل إلى «حرف»: ناقة ضامر، طواها، أي: أضمرها بطيه كل لماع «بها» أي بالناقة. والمساوف: الواحدة مسافة ما بين الأرضين. ولماع:
بلد يلمع بالسراب. وانظر أساس البلاغة/ سوف/.
(3/208)
________________________________________
وقال: «1»
بات الحويرث والكلاب تشمّه ... وغدا بأحدب كالهلال من الطّوى
ومن قال: شنان وشنأى، فشنئت على هذا ينبغي أن لا يتعدى، فأما من قال: شنان وامرأة شنانة، فالفعل المتعدي إنّما هو من هذا دون الأول، وكلاهما قد حكاه أبو زيد. ونظير هذا في أنّه اشتق منه فعل متعد وآخر غير متعد: ما حكاه أبو إسحاق من أنّهم يقولون «2»: جزل السنام يجزل جزلا: إذا فسد وجزلته أجزله: إذا قطعته، فاشتق منه المتعدي وغير المتعدي، وأنشد أبو زيد فيما جاء فيه فعلان وصفا:
وقبلك ما هاب الرّجال ظلامتي ... وفقّأت عين الأشوس الأبيان
«3» وأنشد غيره: «4» هل أغدون يوما وأمري مجمع وتحت رحلي زفيان ميلع «5»
__________
(1) لم نعثر على قائله.
(2) في (ط): ما حكاه أبو إسحاق تقول:
(3) البيت لأبي المجشّر الضبي- جاهليّ- وهو من مقطعة، انظر النوادر (426.
ط الفاتح) والأشوس: الرافع رأسه تكبرا. اللسان (شوس).
(4) في (ط): وقال الآخر.
(5) هذا رجز لم يعرف قائله، وقبله:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع الزّفيان: السريعة، الميلع: الجواد الخفيفة. انظر النوادر/ 133، والخصائص 2/ 136 وشرح أبيات المغني 6/ 196 والدرر 1/ 204.
(3/209)
________________________________________
فحجّة من قرأ (شنآن) أنّه مصدر، والمصدر يكثر على فعلان نحو: النزوان والغثيان والنّفيان «1» والشنآن يقارب الغليان «2»، فجاء على وزنه لمقاربته «3» له في المعنى «4». ومن حجّة ابن عامر في إسكان النون أنه مصدر وقد جاء المصدر على فعلان في غير هذا [وذلك قولك] «5»: لويته دينه ليّانا وقال «6»:
وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهي وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا «7» فهذا مخفف [من الهمزة] «8» على قياس الجمهور، والأكثر «9» الشنان، ألا ترى أنّه حذف الهمزة وألقى حركتها على الساكن الذي «10» قبلها والمعنى فيه البغضاء. فإذا كان كذلك فالمعنى في القراءتين واحد وإن اختلف اللفظان والمعنى. ومن زعم أنّ إسكان النون لحن؛ لم يكن قوله مستقيما، لأنّه يجوز أن يكون مصدرا كاللّيان، وأن يكون وصفا كالنفيان، حكى ذلك أبو زيد. [ولا ينبغي أن يحمل البيت على حذف الهمزة على غير قياس كقوله:
__________
(1) سقطت من (م): الغثيان والنفيان.
(2) في (ط): يقارب في المعنى كالغليان.
(3) في (ط): لموافقته.
(4) في (ط): وهي.
(5) في (ط): نحو.
(6) في (ط): وقال الشاعر.
(7) قريبا ص 189، وقد أسقطت (م) صدره:
(8) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(9) زادت (م) «من» بعد الأكثر.
(10) زيادة في (ط).
(3/210)
________________________________________
يابا المغيرة ربّ أمر معضل ... فرّجته بالنّكر مني والدّها
«1» وقال آخر:
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا «2» لأنّك تجد له مذهبا في الشائع المستقيم] «3» والمعنى: لا يجرمنكم بغض قوم. أي: بغضكم قوما لصدّهم إياكم، ومن أجل صدّهم إياكم أن تعتدوا، فأضيف المصدر إلى المفعول به وحذف الفاعل، كقوله تعالى «4»: من دعاء الخير [فصلت/ 49] وبسؤال نعجتك [ص/ 24] ونحو ذلك مما أضيف المصدر فيه إلى المفعول به، وحذف الفاعل في المعنى من اللفظ، وفي التفسير فيما زعموا: لا يحملنكم بغض قوم، فعلى هذا يحمل الشنان «5» فيمن حرّك أو أسكن. أما من أسكن فلأن هذا البناء قد «6» جاء في الصفات «7»، نحو غضبان وسكران، وحكى أبو زيد:
__________
(1) البيت في أمالي ابن الشجري 2/ 16 ونسبه لأبي الأسود الدؤلي. وفي الخزانة 4/ 335 (عرضا). والبحر المحيط 5/ 52.
(2) رجز أورد معه الفارسي في الجزء الأخير من هذا الكتاب بيتا آخر هو:
وفتحات في اليدين أربعا.
ولم ينسبه. ونقله ابن جني عنه في الخصائص 3/ 151. وانظر المحتسب 1/ 120 والبحر المحيط 5/ 52.
(3) ما بين معقوفين ساقط من (م).
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): الشنان والشنآن.
(6) في (م): وإن، وليست بشيء.
(7) في (ط): في الصفة.
(3/211)
________________________________________
رجل «1» شنان وامرأة شنأى فإن حملته على هذا دون المصدر فقد أقمت الصفة مقام الموصوف وإنّما المعنى على المصدر، لأنّ المعنى: لا يحملنكم بغض قوم على أن تعتدوا فإن حملته على الصفة كان التقدير لا يحملنّكم بغيض قوم، والمعنى على الأوّل.
وأمّا من حرّك فقال: الشّنان فإنّ هذا البناء في المصادر التي معناها التقلّب والتزعزع كثير، والصفة دونه في الكثرة، فإذا كثر في الاستعمال واستقام في المعنى، وعضده التفسير، لم يكن عنه مذهب إلى ما لم تجتمع فيه هذه الخلال.

[المائدة: 2]
واختلفوا في فتح الهمزة وكسرها من قوله تعالى: أن صدوكم [المائدة/ 2].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إن صدوكم بالكسر.
وقرأ الباقون «2»: أن صدوكم «3» بالفتح.
قال أبو علي: حجّة ابن كثير وأبي عمرو في كسرهما الهمزة أنّهما جعلا (إن) للجزاء، فإن قلت: كيف صح الجزاء هنا والصدّ ماض، لأنّه إنّما هو ما «4» كان من المشركين من صدّهم المسلمين عن البيت في الحديبيّة، والجزاء إنّما يكون بما لم يأت، فأما ما
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) فصلهم في السبعة 242 بقوله: وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي.
(3) سقطت من (ط) الآية.
(4) سقطت من (ط): هو ما.
(3/212)
________________________________________
كان ماضيا فلا يكون فيه الجزاء. فالقول فيه: أن الماضي قد يقع في الجزاء وليس على أنّ المراد بالماضي الجزاء، ولكنّ المراد أن «1» ما كان مثل هذا الفعل فيكون اللفظ على ما مضى، والمعنى على مثله، كأنّه «2» يقول: إن وقع مثل هذا الفعل يقع منكم كذا «3»، وعلى هذا حمل الخليل وسيبويه قول الفرزدق:
أتغضب إن أذنا قتيبة حزّتا ... جهارا، ولم تغضب لقتل ابن حازم
«4» وعلى ذلك قول الشاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ... ولم تجدي من أن تقرّي به بدّا
«5» فانتفاء الولادة أمر ماض، وقد جعله جزاء، والجزاء إنّما يكون بالمستقبل، فكأنّ المعنى: إن تنسب لا تجدني مولود لئيمة «6»، وجواب إن قد أغنى عنه ما تقدّم من قوله: ولا يجرمنكم، المعنى: إن صدّكم قوم عن المسجد الحرام فلا تكسبوا عدوانا.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): كذا وكذا.
(4) ديوانه 2/ 855 وفيه: «ليوم» بدل: «لقتل» وانظر شرح أبيات المغني 1/ 117.
(5) البيت لزائدة بن صعصعة يعرض فيه بزوجته وكانت أمها سريّة انظر شرح أبيات المغني 1/ 125.
(6) في (م): لئيم.
(3/213)
________________________________________
وأمّا قول من فتح فبيّن لا مئونة فيه، وهو أنّه مفعول له التقدير: ولا يجرمنكم شنان قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا. فأن الثانية في موضع نصب لأنّه «1» المفعول الثاني والأول منصوب لأنه مفعول له.

[المائدة: 9]
واختلفوا في نصب اللام وخفضها من قوله تعالى «2»:
وأرجلكم [المائدة/ 9].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة: وأرجلكم* خفضا.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي «3»: وأرجلكم نصبا.
وروى أبو بكر عن عاصم: وأرجلكم* خفضا، وحفض عن عاصم وأرجلكم نصبا «4».
[قال أبو علي] «5»: الحجة لمن جرّ فقال: وأرجلكم أنه وجد في الكلام عاملين: أحدهما: الغسل، والآخر: الباء الجارة. ووجه العاملين إذا اجتمعا في التنزيل أن تحمل على الأقرب منهما دون الأبعد، وذلك نحو قوله: وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا [الجن/ 7] ونحو قوله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [النساء/ 176] ونحو قوله: هاؤم اقرؤوا كتابيه [المعارج/ 19] وقوله: قال: آتوني أفرغ عليه قطرا [الكهف/ 96] فلما رأى العاملين إذا اجتمعا «6» حمل الكلام على أقربهما إلى المعمول، حمل «7» في هذه الآية أيضا
__________
(1) في (م): بأنه.
(2) سقطت من (ط).
(3) زادت (ط): حفصا بعد الكسائي.
(4) السبعة 242 - 243.
(5) سقطت من (ط).
(6) في (ط) اجتمعتا.
(7) سقطت من (م).
(3/214)
________________________________________
على أقربهما، وهو الباء دون قوله: فاغسلوا وكان ذلك «1» الموضع واجبا، لما قام من الدلالة على أنّ المراد بالمسح الغسل.
وقيام الدلالة من وجهين:
أما أحدهما فإن من لا نتهمه روى لنا عن أبي زيد أنه قال:
المسح خفيف الغسل، قالوا: تمسّحت للصلاة، فحمل المسح على أنه غسل. ويقوي ذلك أن أبا عبيدة ذهب في قوله تعالى:
فطفق مسحا بالسوق والأعناق [ص/ 33] إلى أنّه الضرب.
وحكى التّوّزي عنه أنّه قال: قالوا مسح علاوته بالسيف «2» إذا ضربه «3»، فكأنّ المسح في الآية غسل خفيف، كما أنّ الضرب كذلك، ليس في واحد منهما متابعة ولا موالاة. فإن قلت: فإنّ المستحبّ أن يغسل ثلاثا؛ قيل: ذلك السنّة والاستحباب، وإنّما جاءت الآية بالمفروض دون المسنون، فهذا وجه.
والوجه الآخر: أنّ التحديد والتوقيت إنّما جاء في المغسول ولم يجيء في الممسوح، فلما وقع التحديد مع المسح، علم أنّه في حكم الغسل لموافقته الغسل في التحديد. فإن قلت: فقد «4» يجوز أن يكون على المسح، ألا ترى أنّك تقول: مررت بزيد وعمرا فتحمله على موضع الجار والمجرور، فحمله على المسح
__________
(1) في (ط): في هذا الموضع.
(2) سقطت من (ط) ومن مجاز القرآن.
(3) انظر مجاز القرآن 2/ 183.
(4) في (ط): فإنه.
(3/215)
________________________________________
قد ثبت وجاز، جررت اللام أو نصبته؟ قيل: ليس الحمل على الموضع في هذا النحو في الكسرة كالحمل على اللفظ.
ووجه من نصب فقال: وأرجلكم أنه حمل ذلك على الغسل دون المسح، لأنّ العمل «1» من فقهاء الأمصار فيما علمت على الغسل دون المسح.
وروي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم «2» رأى قوما وقد توضّئوا وأعقابهم تلوح، فقال [عليه السلام]: «3» «ويل للعراقيب من النار» «4»
وهذا أجدر أن يكون في المسح منه في الغسل، لأن إفاضة الماء لا يكاد يكون غير عام للعضو.

[المائدة: 13]
اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله تعالى «5»:
قاسية [المائدة/ 13].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر قاسية بألف.
وقرأ حمزة والكسائي قسية بغير ألف.
[قال أبو علي] «6»: حجة من قرأ: قاسية على فاعلة قوله تعالى «7»: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك [البقرة/ 74] وقوله
__________
(1) في (ط): الجمهور.
(2) سقطت «وسلم» من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) رواه مسلم في الطهارة برقم 240 وأحمد 2/ 201 و 407. وابن ماجة 1/ 155 برقم (454).
(5) سقطت من (ط).
(6) سقطت من (ط).
(7) سقطت من (ط).
(3/216)
________________________________________
تعالى «1»: فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم [الحديد/ 16] وقال: فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله [الزمر/ 22].
ومن قرأ: قسية على فعيلة: أنه قد يجيء فاعل وفعيل، مثل: شاهد وشهيد، وعالم وعليم، وعارف وعريف. والقسوة كأنّه «2» خلاف اللين والرقّة. وقد وصف الله عزّ وجل «3» قلوب المؤمنين باللين فقال «4»: ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله [الزمر/ 23] فالقسوة كأنّها خلاف ذلك، وقال تعالى «5»: فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون [الحديد/ 16] أي: كثير ممن قست «6» قلوبهم فاسقون. فهذا يوجب أن ممن قسا قلبه من ليس بفاسق.
فأما قول الشاعر:
ما زوّدوني غير سحق عمامة* وخمس مئي منها قسي وزائف «7» فإنّ القسيّ أحسبه معرّبا، وإذا كان معرّبا لم يكن من القسيّ العربي، ألا ترى أنّ قابوس وإبليس وجالوت وطالوت، ونحو ذلك من الأسماء الأعجمية التي من ألفاظها عربي لا تكون مشتقة من
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): كأنها.
(3) في (ط): تعالى.
(4) في (م): قال تعالى.
(5) سقطت من (ط).
(6) في (ط): قد قست.
(7) البيت في اللسان (زيف، قسا) وفيه «وما» بدل: «ما» بدون خرم ونسبه إلى مزرّد، له ترجمة موجزة في معجم الشعراء للمرزباني/ 483. وقسي: رديئة.
(3/217)
________________________________________
باب القبس والإبلاس، يدل على ذلك منعهم الصرف، فأما قوله:
فإن يقدر عليك أبو قبيس «1» فليس صرفه للضرورة، ولكن رخّمه ترخيم التحقير، فردّه إلى الأصل، فصار مثل نوح ولوط، وهذا النحو مصروف في كل قول، فكذلك أبو قبيس. وأنشد أبو عبيدة:
وقد قسوت وقسا لداتي «2» فكأنّ معنى هذا: فارقني لين الشباب ولدونته.

[المائدة: 44]
واختلفوا في قوله تعالى: واخشون ولا تشتروا [المائدة/ 44].
فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة وابن عامر والكسائي، بغير ياء في وصل ولا وقف.
وقرأ أبو عمرو بياء في الوصل.
واختلف عن نافع فروى ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر بالياء في الوصل وروى المسيبي وقالون وورش بغير ياء في وصل ولا وقف «3».
__________
(1) هذا صدر بيت للنابغة الذبياني، عجزه برواية ابن السكيت 149.
تحطّ بك المنيّة في رهان وأبو قبيس هو النعمان بن المنذر، وهو مصغر من قابوس. ولهذا الشطر روايات أخرى انظرها في ديوانه، وانظر اللسان (قبس) وفيه: يحط بك المعيشة.
(2) مجاز القرآن 1/ 158 وروايته: «لدّتي» بدل «لداتي». قال فيه: ولدّتي ولداتي واحد. ولم ينسبه.
(3) السبعة 244.
(3/218)
________________________________________
قال أبو علي: القول في ذلك: أن الإثبات حسن والحذف حسن، وذلك أن الفواصل في أنّها أواخر الآي مثل القوافي في أنّها أواخر البيوت، فكما أنّ من القوافي ما لا يكون إلّا
محذوفا منه، ومخالفا لغيره، كذلك الفواصل. وكما أنّ من القوافي ما يكون فيه الحذف والإتمام جميعا، كذلك تكون الفواصل. فمما لا يكون من القوافي إلّا ما قد حذف منه هذه الياء وحذف منها غير هذه الياء قول الأعشى:
فهل ينفعنّي ارتيادي البلا ... د من حذر الموت أن يأتين
ومن شانئ كاسف وجهه ... إذا ما انتسبت له أنكرن
«1» فهذا لا يكون إلّا محذوفا منه، ألا ترى أنّ هذا الضرب لا يخلو من أن يكون: فعولن، أو فعول، أو فعل، ولا يجوز تحريك الياء في شيء من ذلك، فعلى هذا يكون من «2» الفواصل ما يكون ملزما الحذف، وأما ما يجوز فيه الحذف والإتمام فقوله:
وهم وردوا الجفار على تميم ... وهم أصحاب يوم عكاظ إنّ
«3»
__________
(1) البيتان من قصيدة طويلة في مدح قيس بن معديكرب في ديوانه/ 15 - 25 ورواية الأول: «فهل يمنعني» بدل «ينفعني» وانظر الكتاب 2/ 151 و 290، والمحتسب 1/ 349، وابن يعيش 9/ 40، 86 والعيني 4/ 324، وابن الشجري 2/ 73 (الثاني من البيتين).
(2) في (ط): في.
(3) البيت للنابغة الذبياني برواية ابن السكيت/ 199 وفيه: «إنّي» بدل «إنّ».
عكاظ: سوق بين مكّة والطائف، والجفار: ماء معروف لبني أسد وكانت عليه
(3/219)
________________________________________
فهذا فعولن قد حذفه، ويجوز أن يتمم فيقول: إني. وقد أجرى قوم القوافي مجرى غيرها «1» من الكلام فقالوا:
أقلّي اللّوم عادل والعتاب «2».
واسأل بمصقلة البكريّ ما فعل «3».
فعلى هذا القياس يجوز أن تجرى الفواصل مثل غير الفواصل ولا تغيّر بحذف ولا غيره كما فعل ذلك بالقوافي.
وإنّما فعلوا ذلك بالقوافي لأن اقتضاء الوزن للمحذوف وتمامه به يجعلانه في حكم المثبت في اللفظ، فصار هذا يسوّغ الحذف فيه إذ قد حذف مما لا يقتضيه الوزن، فصار المحذوف منه في حكم المثبت، مع أنّ الوزن لا يقتضيه، وذلك نحو قوله:
ارهن بنيك عنهم أرهن بني «4» فياء المتكلم التي «5» تزاد في بني في حكم المثبت، يدلّ على ذلك حذف النون من «6» الجميع، كما تحذف مع إثبات الياء
__________
وقعة وانظر الكتاب 2/ 290، والنوادر/ 535 (ط. الفاتح) قال: وزعم الأصمعي أنّه منحول، وابن الشجري 2/ 165.
(1) في (م): غيره.
(2) هذا صدر بيت لجرير سبق في 1/ 73، و 2/ 361، 3/ 18.
(3) هذا عجز بيت للأخطل سبق انظر 2/ 211، 212، و 362.
(4) شطر من الرجز في اللسان (رهن) وقال فيه: وزعم ابن جني أنّ هذا الشعر جاهلي.
(5) في (م) الذي.
(6) في (ط): في.
(3/220)
________________________________________
في بنيّ، وإن كان الوزن لا يقتضيه، ألا ترى: أنّ: أرهن بني:
مستفعلن، وإنّما خصّ القوافي والفواصل بالحذف في أكثر الأمر، لأنّها مما يوقف عليها، والوقف موضع تغيير فجعل التغيير فيه الحذف، كما جعل التغيير فيه الإبدال وتخفيف التضعيف، ونحو ذلك مما يلحق الوقف من التغيير. وقال بعض من يضبط القراءة:
لم يذكر أحمد بن موسى كيف يقف أبو عمرو قال: وهو يقف.
واخشون بغير ياء ويصل بياء.
اختلفوا في ضمّ الحاء وإسكانها من قوله تعالى «1»:
السحت [المائدة/ 62/ 63].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: السحت* مضمومة الحاء مثقّلة.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة: السحت ساكنة الحاء خفيفة.
وروى العباس بن الفضل عن خارجة بن مصعب عن نافع:
أكالون للسحت [المائدة/ 42] بفتح السين [وجزم الحاء] «2».
قال «3» أبو عبيدة «4»: السّحت: أكل ما لا يحلّ. يقال:
سحته وأسحته: إذا استأصله، وفي التنزيل: فيسحتكم بعذاب
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط). السبعة 243.
(3) سقطت من (ط).
(4) انظر مجاز القرآن 1/ 166 عند تفسير سورة المائدة/ 42 و 2/ 20 عند تفسير سورة طه/ 61.
(3/221)
________________________________________
[طه/ 61] أي: نستأصلكم «1» به، ومن أسحت قول الفرزدق:
إلّا مسحتا أو مجلّف «2» والسّحت والسّحت لغتان، ويستمر التخفيف والتثقيل في هذا النحو، وهما اسم الشيء المسحوت، وليسا بالمصدر. فأما من قرأ أكالون للسحت [المائدة/ 42] فالسّحت مصدر سحت، وأوقع اسم المصدر على المسحوت كما أوقع الضرب على المضروب في قولهم: هذا الدرهم ضرب الأمير. والصيد على المصيد في قوله: لا تقتلوا الصيد [المائدة/ 95] والسّحت أعم من الربا، وهؤلاء قد وصفوا بأكل الربا. في قوله: وأخذهم الربا وقد نهوا عنه «3» [النساء/ 161] إلّا أنّ السّحت أعمّ من الربا نحو ما أخذوا فيه من كتمانهم «4» ما أنزل عليه «5» وتحريفهم إياه ونحو ذلك لأنّه يشمل الربا وغيره.

[المائدة: 45]
واختلفوا «6» في الرفع والنصب من قوله تعالى «7»:
__________
(1) في (ط): يستأصلكم.
(2) هذه قطعة من بيت وتمامه:
وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلّا مسحتا أو مجلّف
انظر ديوانه/ 556، والخزانة 2/ 347 والجمهرة 2/ 107 واللسان والتاج (سحت) المسحت: المهلك، والمجلّف: الذي بقيت منه بقية، أو الرجل الذي جلفته السنون، أي: أذهبت أمواله. اللسان (جلف).
(3) وردت هذه الآية في الأصل: وأكلهم الربا .. وهو خطأ والصواب ما أثبتناه.
(4) في (ط): ما أخذوه في كتمانهم.
(5) في (ط): عليهم.
(6) في (ط): اختلفوا.
(7) سقطت من (ط).
(3/222)
________________________________________
أن النفس بالنفس إلى قوله: والجروح قصاص [المائدة/ 45].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: أن النفس بالنفس والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن والسن بالسن [المائدة/ 45] ينصبون ذلك كله، ويرفعون: والجروح قصاص [المائدة/ 45].
كان نافع وعاصم وحمزة ينصبون ذلك كله. وروي عن «1» الواقدي عن نافع: والجروح رفعا.
وقرأ الكسائي: أن النفس بالنفس نصبا، ورفع ما بعد ذلك كله «2».
[قال أبو علي]: «3» حجّة من نصب العين بالعين وما بعده: أنّه عطف ذلك على أنّ، فجعل الواو للاشراك في نصب أنّ، ولم يقطع الكلام مما قبله، كما فعل ذلك من رفع.
فأما من رفع بعد النصب فقال: أن النفس بالنفس والعين بالعين فحجته أنه يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون الواو عاطفة جملة على جملة وليست للاشتراك في العامل كما كان كذلك «4» في قول من نصب، ولكنها عطفت جملة على جملة، كما تعطف المفرد على المفرد.
__________
(1) زيادة في (م).
(2) السبعة 244.
(3) سقطت من (م).
(4) في (ط): ذلك.
(3/223)
________________________________________
والوجه الثاني أنّه حمل الكلام على المعنى، لأنّه إذا قال:
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [المائدة/ 45] فمعنى الحديث: قلنا لهم: النفس بالنفس، فحمل العين بالعين على هذا كما أنه لما كان المعنى في قوله: يطاف عليهم بكأس من معين [الصافات/ 45] يمنحون كأسا من معين، حمل حورا عينا على ذلك، كأنّه: يمنحون كأسا، ويمنحون حورا عينا، وكما أنّ معنى الحديث في قوله:
فلم يجدا إلّا مناخ مطيّة «1» ......
أنّ هناك مناخ مطية، حمل قوله:
وسمر ظماء
__________
(1) هذا صدر بيت لكعب بن زهير من قصيدة في ديوانه ص 52، استشهد سيبويه 1/ 88 بثلاثة أبيات منها، وهو أولها وعجزه:
تجافى بها زور نبيل وكلكل وما بعده من قوله: «وسمر ظماء» قطعة من البيت الثالث منها:
والبيتان بعد الأول هما:
ومفحصها عند الحصى بجرانها ... ومثنى نواج لم يخنهنّ مفصل
وسمر ظماء واترتهنّ بعد ما ... مضت هجعة من آخر الليل ذبّل
قال الأعلم: وصف منزلا رحل عنه فطرقه ذئبان يعتسفانه، فلم يجدا به إلّا موضع إناخة مطيته، وموضع فحصها الحصى عند البروك بجرانها، وهو باطن عنقها، ومواضع قوائمها وهي المثنى لأنّها تقع بالأرض مثنية. والنواجي:
السريعة يعني قوائمها، ووصفها بتجافي الزور لنتوئه وضمرها، فإذا بركت تجافى بطنها عن الأرض والزور: ما بين ذراعيها من صدرها. والنبيل:
المشرف الواسع. والكلكل: الصدر. وأراد بالسمر الظماء: بعرها، ووصفها بهذا لعدمها المرعى الرطب وقلّة ورودها للماء لأنّها في فلاة، ومعنى واترتهنّ: تابعت بينهنّ عند انبعاثها، والهجعة: النومة في الليل خاصة، والذبل: من وصف السمر الظماء.
(3/224)
________________________________________
على معنى الحديث، كأنّه قال: ثمّ مناخ «1» مطية وسمر ظماء وكذلك قوله:
ومشجّج أمّا سواء قذاله ... فبدا وغيّر ساره المعزاء
«2» لما كان المعنى في:
بادت وغيّر آيهنّ مع البلى «3» * إلّا رواكد «4» ..
بها رواكد، حمل مشججا عليه، فكأنّه قال: هناك رواكد ومشجّج فعلى هذا يكون وجه الآية. ومثل هذا من «4» الحمل على المعنى كثير في التنزيل وغيره.
والوجه الثالث: أن يكون عطف قوله والعين «6» على. الذكر
__________
(1) في (ط): مناخ مطية.
(2) وهو مع ما بعده في الكتاب 1/ 88 وهو متقدم عليه فيه واللسان (شجج) ومشجج: هو الوتد. وانظر أساس البلاغة (شجج).
(3) البيت بتمامه:
بادت وغيّر آيهنّ مع البلى ... إلّا رواكد جمرهنّ هباء
قال الأعلم: أراد بالرواكد الأثافي، وركودها ثبوتها وسكونها، ووصف الجمر بالهباء لقدمه وانسحاقه، والهباء: الغبار وما يبدو عن شعاع الشمس إذا دخلت من كوة. وأراد بالمشجج وتدا من أوتاد الخباء وتشجيجه: ضرب رأسه ليثبت، ومنه الشجة في الرأس. وسواء قذاله: وسطه، وأراد بالقذال أعلاه، وهو من الدابة: معقد العذار بين الأذنين. وقوله: وغير ساره، أراد: سائره، فحذف عين الفعل لاعتلاله، ونظيره: هار، بمعنى هائر، وشاك بمعنى شائك. والمعزاء: أرض صلبة ذات حصى، وكانوا يتحرون النزول في الصلابة ليكونوا بمعزل عن السبيل، ولتثبت أوتادها الأبنية، ومعنى بادت:
تغيّرت وبليت والآي: جمع آية وهي علامات الديار، والبلى: تقادم العهد.
(4) في (ط): في.
(6) في (ط): والعين بالعين.
(3/225)
________________________________________
المرفوع في الظرف الذي هو الخبر وإن لم يؤكد المعطوف عليه بالضمير المنفصل كما أكّد في نحو إنه يراكم هو وقبيله [الأعراف/ 27] ألا ترى أنه قد جاء: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا [الأنعام/ 148] فلم يؤكد بالمنفصل، كما أكّد في الآي الأخر. فإن قلت: فإن لا* في قوله: ولا آباؤنا عوضا من التأكيد، لأنّ الكلام قد طال بها «1»، كما طال
في نحو: حضر القاضي اليوم امرأة؛ قيل: هذا إنّما يستقيم أن يكون عوضا إذا وقع قبل حرف العطف ليكون عوضا من الضمير المنفصل الذي كان يقع قبل حرف العطف، فأما إذا وقع بعد حرف العطف لم يسدّ ذلك المسدّ. ألا ترى أنّك لو قلت: حضر امرأة اليوم «2» القاضي، لم يغن طول الكلام في غير هذا «3» الموضع الذي كان ينبغي أن يقع فيه التعويض.
فأمّا قوله تعالى «4»: والجروح قصاص فمن رفعه بقطعه «5» عما قبله فإنه يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في قول من رفع: والعين بالعين.
ويجوز أن يستأنف: والجروح قصاص ليس على أنّه مما كتب عليهم في التوراة، ولكن على استئناف إيجاب وابتداء شريعة في ذلك، ويقوّي أنه من المكتوب عليهم في التوراة نصب من نصبه، فقال: والجروح قصاص.
__________
(1) في (ط): به.
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (م).
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): فقطعه.
(3/226)
________________________________________
قال: وكلّهم ثقّل الأذن إلّا نافعا فإنّه خففها في كل القرآن «1».
القول في ذلك أنّهما لغتان، كما أنّ السّحت والسّحت لغتان، وقد تقدّم القول في ذلك. قال أبو زيد: يقال «2»: رجل أذن ويقن، وهما واحد، وهو الذي لا يسمع بشيء إلّا أيقن به، وقد ذكرنا ذلك «3» في سورة التوبة أيضا «4».

[المائدة: 47]
واختلفوا في إسكان اللام والميم، وكسر اللام وفتح الميم [في قوله تعالى] «5»: وليحكم أهل الإنجيل [المائدة/ 47].
فقرأ حمزة وحده: وليحكم أهل الإنجيل بكسر اللام وفتح الميم.
وقرأ الباقون بإسكان اللام وجزم الميم «6».
[قال أبو علي] «7»: حجة حمزة في قراءته: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه [المائدة/ 47] أنه جعل اللام متعلقة بقوله: وآتيناه الإنجيل [المائدة/ 46] لأنّ إيتاءه «8» الإنجيل
__________
(1) السبعة 244.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): وقد ذكرناه.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): من قوله.
(6) السبعة 244.
(7) سقطت من (م).
(8) في (ط): إتيانه.
(3/227)
________________________________________
إنزال ذلك عليه، فصار «1» بمنزلة قوله: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله [النساء/ 105] فكأنّ المعنى: آتيناه الإنجيل ليحكم، كما قال: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم فالحكمان جميعا حكمان لله «2» تعالى «3»، وإن كان أحدهما حكما بما أنزله الله، والآخر حكما بما أراه الله، فكلاهما حكم الله.
وأمّا حجة من قرأ: وليحكم أهل الإنجيل فهي نحو قوله:
وأن احكم بينهم بما أنزل الله فكما أمر عليه السلام- بالحكم بما أنزل الله كذلك أمروا هم بالحكم بما أنزل الله في الإنجيل.

[المائدة: 50]
قال: وكلّهم قرأ أفحكم الجاهلية يبغون [المائدة/ 50] بالياء إلّا ابن عامر فإنّه قرأ: تبغون بالتاء «4».
[قال أبو علي]: «5» من قرأ بالياء فلأنّ قبله غيبة لقوله:
وإن كثيرا من الناس لفاسقون [المائدة/ 49].
والتاء على قوله «6»: قل لهم: أفحكم الجاهلية تبغون والياء أكثر في القراءة، زعموا، وهي أوجه لمجرى «7» الكلام على ظاهره،
__________
(1) في (ط): فصار ذلك.
(2) كذا في (ط) وفي (م): حكما الله.
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة 244.
(5) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(6) سقطت من (ط).
(7) في (ط): لجري.
(3/228)
________________________________________
واستقامته عليه من غير تقدير إضمار، ونحو هذا الإضمار لا ينكر لكثرته وإن كان الأوّل أظهر.

[المائدة: 53]
واختلفوا في إدخال الواو وإخراجها والرفع والنصب في قوله [جل وعز] «1»: ويقول الذين آمنوا [المائدة/ 53].
فقرأ أبو عمرو وحده: ويقول الذين آمنوا* نصبا. وروى علي بن نصر عن أبي عمرو أنّه قرأ بالنصب والرفع: ويقول الذين آمنوا* نصبا ويقول الذين آمنوا رفعا.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ويقول الذين آمنوا رفعا.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: يقول الذين آمنوا* بغير واو في أولها ورفع اللام، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة ومكة واللام من يقول مضمومة «2».
[قال أبو علي] «3»: إن قلت: كيف قرأ أبو عمرو: ويقول الذين آمنوا* ولا يجوز عسى الله أن يقول الذين آمنوا. فالقول في ذلك أنّه يحتمل أمرين غير ما ذكرت، أحدهما: أن يحمله على المعنى لأنّه إذا قال: فعسى الله أن يأتي بالفتح [المائدة/ 52] فكأنّه قد «4» قال: عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا. كما أنّه إذا قال: فأصدق وأكن [المنافقون/ 10] فكأنّه قد «4» قال: أصّدق
__________
(1) في (ط): تعالى.
(2) السبعة 245.
(3) سقطت من (م) ما بين المعقوفين، وفيها: فإن قلت.
(4) سقطت من (م).
(3/229)
________________________________________
وأكن، ألا ترى أنّه يستقيم أن يقع في موضع قوله: لولا «1» أخرتني إلى أجل قريب فأصدق: هلّا أخّرتني إلى أجل قريب أصّدّق، لأنّ هلّا للتحضيض، فكأنّه قال: أخّرتني إلى أجل قريب أصّدّق «2»، كما تقول: أعطني أكرمك، فلما وقع قوله: فأصدق موضع قوله:
أصّدّق حمل أكن على الجزم الذي كان يجوز في الفعل لو وقع موقع الفاء والفعل الذي بعده، كما أنّ قوله:
أنّى سلكت فإنّني لك كاشح ... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد
«3» حمل أزدد فيه على الجزم الذي كان يكون في موضع الفعل الذي هو جزاء، فكذلك حمل: ويقول الذين آمنوا على ما كان يجوز وقوعه بعد عسى من أن، ألا ترى أنّ جواز كلّ واحد منهما ومساغه كجواز الآخر وقد جاء التنزيل بهما [قال عزّ وجل] «4»:
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم [البقرة/ 216] وعسى الله أن يكف بأس الذين كفروا [النساء/ 84] فلمّا كان مجازهما واحدا، صرت إذا ذكرت أحدهما فكأنّك ذكرت الآخر، فجاز الحمل عليه.
ووجه آخر وهو أنّه إذا قال: فعسى الله أن يأتي بالفتح [المائدة/ 52] جاز أن يبدل أن يأتي من اسم الله كما أبدلت
__________
(1) في الأصل: (هلا) وصوبت على الهامش.
(2) في (ط): قال: أخرتني إلى أجل قريب أصدّق. وما في (م) أصوب.
(3) ورد البيت في معجم تهذيب اللغة للأزهري (أي) 15/ 653، وعنه في اللسان (أيا) برواية «أيا فعلت» مكان «أنى سلكت». ولم يعز لقائل.
(4) سقطت من (ط).
(3/230)
________________________________________
أن من الضمير في قوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وإذا أبدلت «1» منه حملت النصب في: ويقول* على ذلك، كأنّك قلت: عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا.
فأمّا من رفع، فحجّته أن يجعل الواو لعطف جملة على جملة، ولا يجعلها عاطفة على مفرد، ويدلّ على قوة الرفع قول من حذف الواو فقال: يقول الذين آمنوا*.
وأما إسقاط الواو وإثباتها من قوله: ويقول الذين آمنوا فالقول فيه «2» إنّ حذفها في المساغ والحسن كإثباتها. فأمّا الحذف فلأنّ في الجملة المعطوفة ذكرا من المعطوف عليها، وذلك أن من وصف بقوله: يسارعون فيهم يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة إلى قوله: نادمين [المائدة/ 52] هم الذين قال فيهم الذين آمنوا:
أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم [المائدة/ 53] فلمّا صار في كلّ واحدة من الجملتين ذكر من الأخرى حسن عطفها بالواو وبغير الواو، كما أن قوله:
سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة سادسهم كلبهم [الكهف/ 22] لمّا كان في كل واحدة من الجملتين ذكر مما تقدّم، اكتفي بذلك عن الواو، لأنّها بالذكر وملابسة بعضها ببعض به ترتبط إحداهما بالأخرى كما ترتبط بحرف العطف، وعلى هذا قوله: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة/ 39]
__________
(1) في (ط) أبدلته.
(2) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(3/231)
________________________________________
ولو أدخلت «1» الواو فقيل: وهم فيها خالدون، كان حسنا، ويدلّك على حسن دخول الواو قوله:
ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم فحذف الواو من قوله: ويقول الذين آمنوا كحذفها في هذه الآي، وإلحاقها كإلحاقها في قوله:
ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [الكهف/ 22] فقد تبين لك بمجيء التنزيل بالأمرين أنّ هذا الموضع أيضا مثل ما جاء التنزيل به في غير هذا الموضع.

[المائدة: 54]
واختلفوا «2» في إظهار الدال وإدغامها من قوله جلّ وعز:
من يرتد منكم عن دينه [المائدة/ 54].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بإدغام الدال الأولى في الآخرة.
وقرأ نافع وابن عامر: من يرتدد منكم عن دينه بإظهار الدالين وجزم الآخرة «3».
حجة من أظهرهما ولم يدغم: أن الحرف المدغم لا يكون إلّا ساكنا، ولا يمكن الإدغام في الحرف الذي يدغم حتى يسكن، لأنّ اللسان يرتفع عن المدغم فيه ارتفاعة واحدة، فإذا لم يسكن لم يرتفع اللسان ارتفاعة واحدة، فإذا لم يرتفع كذلك لم يمكن الإدغام فإذا كان كذلك لم يسغ الإدغام في الساكن «4»، لأنّ
__________
(1) في (ط): دخلت.
(2) في (ط): اختلفوا.
(3) السبعة 245.
(4) في (ط): (إذا كان كذلك). زيادة بعد الساكن.
(3/232)
________________________________________
المدغم إذا كان ساكنا، والمدغم فيه كذلك، التقى ساكنان، والتقاء الساكنين في الوصل في هذا النحو ليس من كلامهم، فأظهر الحرف الأوّل وحرّكه، وأسكن الحرف الثاني من المثلين، وهذه لغة أهل الحجاز فلم يلتق الساكنان.
وحجة من أدغم أنّه لما أسكن الحرف الأول من المثلين ليدغمه في الثاني «1» وكان الثاني ساكنا، وقد أسكن الأوّل للإدغام حرّك المدغم فيه لالتقاء الساكنين على اختلاف في التحريك، وهذه لغة بني تميم. وإنّما حرّك بنو تميم ذلك لتشبيههم إياه بالمعرب، وذلك أنّ المعرب قد اتفقوا على إدغامه، فلما وجدوا ما ليس بمعرب مشابها للمعرب في تعاور الحركات عليه كتعاورها على المعرب، جعلوه بمنزلة المعرب فأدغموا كما أدغموا المعرب، وهذا من فعلهم يدل على صحّة ما ذهب إليه سيبويه من تشبيه حركة الإعراب بحركة البناء في التخفيف نحو:
.. أشرب غير مستحقب «2» ألا ترى أنّهم «3» شبهوا حركة البناء بحركة الإعراب في إدغامهم في الساكن المحرّك «4» بغير حركة الإعراب، فكما شبهوا حركة البناء
بحركة الإعراب، كذلك شبهوا حركة الإعراب بحركة البناء في نحو:
أشرب غير مستحقب
__________
(1) عبارة (ط): ولم يدغم في الثاني ...
(2) سبق انظر 1/ 117 و 410.
(3) في (ط): قد.
(4) في (ط): المتحرك.
(3/233)
________________________________________
وليس ذلك بأبعد من تشبيههم أفكل بأذهب، وقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا «1» قال [جلّ وعزّ] «2»: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى [النساء/ 115] وقال: ومن يشاقق الله ورسوله [الأنفال/ 13].

[المائدة: 57]
واختلفوا «3» في نصب الراء وخفضها من قوله تعالى «4»:
والكفار أولياء [المائدة/ 57].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة: والكفار نصبا «5».
وقرأ أبو عمرو والكسائي: والكفار* خفضا، وروى حسين الجعفي عن أبي عمرو والكفار بالنصب «6».
حجة من قرأ بالجر فقال: والكفار* أنه حمل الكلام على أقرب العاملين وقد تقدّم أن لغة التنزيل الحمل على أقرب العاملين، فحمل «7» على عامل الجرّ من حيث كان أقرب إلى المجرور من عامل النصب، وحسن الحمل على الجر، لأنّ فرق الكفار الثلاث: المشرك، والمنافق، والكتابي الذي لم يسلم، قد كان
منهم الهزء فساغ لذلك أن يكون الكفار ... مجرورا وتفسيرا
__________
(1) سقطت من (م).
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): اختلفوا.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): بالنصب.
(6) السبعة 245.
(7) في (ط): فحمله.
(3/234)
________________________________________
للموصول، وموضحا له، فالدليل على استهزاء المشركين قوله: إنا كفيناك المستهزئين. الذين يجعلون مع الله إلها آخر [الحجر/ 95 - 96] والدليل على استهزاء المنافقين قوله: وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن [البقرة/ 14]. وأمّا «1» الكتابي الذي لم يسلم فيدا، على وقوع ذلك منه قوله: لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا «2» من الذين أوتوا الكتاب [المائدة/ 57] وكلّ من ذكرنا من المشركين والمنافقين ومن لم يسلم من أهل الكتاب يقع عليه اسم كافر ويدل على ذلك قوله: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين [البيّنة/ 1] وقال: ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب [الحشر/ 11] وقال: إن الذين آمنوا ثم كفروا [النساء/ 137]، فإذا وقع على المستهزئين اسم كافر حسن أن يكون قوله: والكفار* تفسيرا للاسم الموصول، كما كان قوله: من الذين أوتوا الكتاب تفسيرا له، ولو فسّر الموصول بالكفار لعمّ الجميع. ولكنّ الكفار كأنه أغلب على المشركين وأهل الكتاب، على من إذا عاهد دخل «3» في ذمّة المسلمين وقبلت «4» منه الجزية، على دينه أغلب فلذلك فصّل ذكرهما، ويدل على تقدم قوله: والكفار* قوله: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم [البقرة/ 105] فكما
__________
(1) سقطت «أما» من (ط).
(2) في (م) لعبا ولهوا. وهو خطأ.
(3) في (م): «ودخل».
(4) في (م): قبلت.
(3/235)
________________________________________
أنّ الاتفاق فيما علمنا على الجرّ في قوله: ولا المشركين ولم يحمل على العامل الرافع، كذلك ينبغي أن يتقدم الجرّ في قوله:
والكفار أولياء.
وحجّة من نصب فقال: والكفار أولياء أنه عطف على العامل الناصب، فكأنّه قال: لا تتخذوا الكفار أولياء، وحجتهم في ذلك قوله: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين [آل عمران/ 28] فكما وقع النهي عن اتّخاذ الكفار أولياء في هذه الآية، كذلك يكون في الأخرى معطوفا على الاتخاذ.

[المائدة: 60]
واختلفوا «1» في ضم الباء وفتحها من قوله تعالى «2»: وعبد الطاغوت [المائدة/ 60].
فقرأ حمزة وحده: وعبد الطاغوت بفتح العين وضم الباء وكسر التاء من الطاغوت.
وقرأ الباقون: وعبد الطاغوت منصوبا كلّه «3».
حجّة حمزة في قراءته عبد الطاغوت: أنه يحمله على ما عمل فيه جعل* فكأنه قال: «4» وجعل منهم عبد الطاغوت. ومعنى جعل*: خلق كما قال: وجعل منها زوجها [الأعراف/ 189] وكما قال: وجعل الظلمات والنور [الأنعام/ 1] وليس عبد*
__________
(1) في (ط): اختلفوا.
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة 246.
(4) سقطت من (م).
(3/236)
________________________________________
لفظ جمع، ألا ترى أنّه ليس في أبنية الجموع شيء على هذا البناء، ولكنه واحد يراد به الكثرة، ألا ترى أن في الأسماء المنفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه لفظ الإفراد ومعناه الجمع؟ وفي التنزيل: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [النحل/ 18] [يريد:
نعم الله] «1» فكذلك قوله: وعبد الطاغوت وجاء على فعل لأنّ هذا البناء تراد به الكثرة والمبالغة، وذلك نحو يقظ، وندس «2»، وفي التنزيل: وتحسبهم أيقاظا [الكهف/ 18] فكأنّ «3» تقديره أنّه قد ذهب في عبادة الطاغوت، والتذلّل له كلّ مذهب وتحقّق به، وجاء على هذا لأنّ عبدا في الأصل صفة، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء، واستعمالهم إياه استعمالها لا يزيل عنه كونه صفة، ألا ترى أنّ الأبرق والأبطح، وإن كانا استعملا استعمال الأسماء حتى كسّر هذا النحو تكسيرها عندهم في نحو قوله:
بالعذب في رصف القلات مقيله ... قضّ الأباطح لا يزال ظليلا
«4» لم يزل عنهما «5» حكم الصفة يدلك على ذلك تركهم
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) ندس: فهم سريع السمع فطن (اللسان).
(3) في (م): فهذا كأن.
(4) البيت لجرير يهجو الفرزدق.
والقلات جمع قلت: هي البئر تكون في الصخرة من ماء السماء، ولا مادة لها من ماء الأرض. والقض: الموضع الخصب.
انظر ديوانه/ 453 (الصاوي).
(5) في (ط): عنه.
(3/237)
________________________________________
صرفها «1» كتركهم صرف آخر «2»، ولم يجعلوا ذلك كأفكل، وأيدع «3»، فكذلك عبد، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء، لم يخرجه ذلك عن أن يكون صفة وإذا لم يخرج عن أن يكون صفة، لم يمتنع أن يبنى بناء الصفات على فعل نحو يقظ «4».
فأما من فتح فقال «5»: وعبد الطاغوت فإنّه عطفه على مثال الماضي الذي في الصلة وهو قوله: لعنه الله [النساء/ 118] وأفرد الضمير الذي «6» في عبد، وإن كان المعنى فيه الكثرة «7» لأنّ الكلام محمول على لفظ من دون معناه، وفاعله ضمير من كما أن فاعل الأمثلة المعطوف عليها ضمير من، فأفرد لحمل ذلك جميعا على اللفظ ولو حمل الكلّ على المعنى أو البعض على اللفظ والبعض على المعنى كان مستقيما.

[المائدة: 67]
واختلفوا «8» في التوحيد والجمع في قوله تعالى «9»: فما بلغت رسالاته «10» [المائدة/ 67].
__________
(1) في (ط): لصرفه.
(2) في (ط): أحمر.
(3) الأفكل على أفعل: الرّعدة تعلو الإنسان ولا فعل له اللسان (فكل) الأيدع:
صبغ أحمر وقيل هو خشب البقم أو دم الأخوين أو الزعفران. اللسان (يدع).
(4) ضبطها في (ط) على: فعل نحو يقظ.
(5) سقطت من (ط).
(6) زيادة في (ط).
(7) في (ط): كثرة.
(8) في (ط): اختلفوا.
(9) سقطت من (ط).
(10) في (ط): فما بلغت رسالته.
(3/238)
________________________________________
فقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: فما بلغت رسالته واحدة، وفي الأنعام: حيث يجعل رسالاته [الآية/ 124] جماعة، وفي الأعراف: برسالاتي [144] على الجمع أيضا.
وقرأ ابن كثير: رسالته على التوحيد، وفي الأنعام: حيث يجعل رسالته وفي الأعراف: برسالتي على التوحيد ثلاثهنّ.
وقرأ نافع: فما بلغت رسالاته جماعا، وقرأ في الأنعام:
حيث يجعل رسالاته جماعة «1»، وقرأ: على الناس برسالتي واحدة.
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: فما بلغت رسالاته وحيث يجعل رسالاته وعلى الناس برسالاتي جماعا ثلاثهنّ. وروى حفص عن عاصم: فما بلغت رسالته واحدة حيث يجعل رسالته واحدة أيضا وعلى الناس برسالاتي جماعا «2».
قال أبو علي: أرسل فعل يتعدّى إلى مفعولين: ويتعدّى إلى الثاني منهما بحرف الجر «3» كقوله: إنا أرسلنا نوحا إلى قومه [نوح/ 1] وأرسلناه إلى مائة ألف [الصافات/ 147] ويجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر، من نحو: أعطيت، وكسوت،
__________
(1) في (ط) جماعا أيضا.
(2) السبعة 246.
(3) في (ط): بالجار.
(3/239)
________________________________________
وليس من باب حسبت كقوله: ثم أرسلنا رسلنا تترا [المؤمنون/ 44] وقوله: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا [الأحزاب/ 45] وقال: فأرسل إلى هارون [الشعراء/ 13] فعدّى إلى الثاني، والأول مقدّر في المعنى، التقدير: أرسل رسولا إلى هارون، فأمّا قوله: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات [الحديد/ 25] فالجار في موضع نصب على الحال، كما تقول:
أرسلت زيدا بعدّته، وكذلك قوله: أرسله معنا غدا نرتع [يوسف/ 12] إن رفعت المضارع كان حالا، وإن جزمته كان جزاء.
وقد يستعمل الإرسال على معنى التخلية بين المرسل وما يريد «1» وليس يراد به البعث قال الراجز:
أرسل فيها مقرما غير قفر ... طبّا بإرسال المرابيع السؤر
«2» وقال آخر:
أرسل فيها بازلا يقرّمه ... وهو بها ينحو طريقا يعلمه
«3»
__________
(1) في (ط): وبين ما يريد.
(2) لم نعثر على قائله. المقرم: البعير المكرم الذي لا يحمل عليه ولا يذلل، ولكن يكون للفحلة والضراب، القفر: المنسوب إلى القفر، أو القليل اللحم.
المرابيع: جمع مرباع، وهي التي تنتج في الربيع. والسؤر جمع سؤرة وهي جيد المال.
(3) هذا رجز أورده أبو زيد في نوادره ص 461 ونسبه لرجل زعموا أنّه من كلب. وقال البغدادي في شرح الشافية 4/ 177: وقال خضر الموصلي شارح شواهد التفسيرين: البيت من رجز لرؤبة أوله:
قلت لزير لم تصله مريمه
(3/240)
________________________________________
فهذا إنّما يريد خلّى بين الفحل وبين طروقته، ولم يمنعه منها وقال:
فأرسلها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغض الدّخال
«1» المعنى: خلى بين هذه الإبل وبين شربها ولم يمنعها من ذلك، فمن هذا الباب قوله تعالى «2»: ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين [مريم/ 83] فأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر «3»:
لعمري لقد جاءت رسالة مالك ... إلى جسد بين العوائد مختبل
وأرسل فيها مالك يستحثّنا ... وأشفق من ريب المنون فما وأل
__________
أقول: قد فتشت هذه الأرجوزة مرارا، فلم أجد فيها البيت الشاهد. اهـ.
منه. وبعده:
وانظر الأزهري 13/ 117 واللسان (سما) وأساس البلاغة (قرم)، المصنف 1/ 60.
(1) البيت للبيد يصف إبلا أوردها الماء مزدحمة. والعراك الازدحام ولم يشفق على ما تنغص شربه منها، والدخال: أن يدخل القوي بين ضعيفين أو الضعيف بين قويين. فيتنغص عليه شربه. انظر ديوانه/ 108 وسيبويه 1/ 187، والمقتضب 3/ 237 وابن الشجري 2/ 284 وروي على نغض بالضاد، وانظر ابن يعيش 2/ 62، 4/ 55، والخزانة 1/ 524، والعيني 3/ 219، والمخصص 14/ 227 واللسان (عرك نغص دخل).
(2) في (ط): عز وجل.
(3) النوادر (ط. الفاتح) 203 والبيتان من مقطعة في ستة أبيات للبعيث واسمه خداش بن بشر بن خالد.
(3/241)
________________________________________
فالرسالة هاهنا بمنزلة الإرسال، والمصدر في تقدير الإضافة إلى الفاعل والمفعول الأول، في التقدير «1» محذوف كما كان محذوفا في قوله: فأرسل إلى هارون [الشعراء/ 13] والتقدير: رسالة مالك إلى جسد، والجار والمجرور في موضع نصب لكونه مفعولا ثانيا، والمعنى: إلى ذي جسد، لأنّ الرسالة لم تأت الجسد دون سائر المرسل إليه. ومثل ذلك قوله:
........ وبعد عطائك المائة الرّتاعا «2» في وضعه العطاء في موضع الإعطاء.
وقوله:
وأرسل فيها مالك يستحثّنا «3» .......
يجوز أن يكون المعنى: أرسل الرسالة يستحثنا، ودخول الجار كدخوله في قوله: لهم «4» فيها [يس/ 57]، ويستحثّنا حال من مالك. وإن شئت قلت: تستحثّنا، فجعلته حالا من الرسالة. وإن شئت ذكّرت، لأنّ الرسالة والإرسال بمعنى.
والرسول جاء على ضربين أحدهما أن يراد به المرسل.
والآخر [أن يراد به] «5» الرسالة، فالأوّل كقولك: هذا رسول زيد،
__________
(1) سقطت من (ط) في التقدير.
(2) هذا عجز بيت للقطامي صدره:
أكفرا بعد رد الموت عني.
وقد سبق في 1/ 182.
(3) سبق قريبا.
(4) في (م): كدخوله لهم.
(5) زيادة من (م).
(3/242)
________________________________________
تريد «1» مرسله وقال [جلّ وعز] «2»: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل [آل عمران/ 144] فهذا كأنه يراد به المرسل، يقوي ذلك قوله: إنك لمن المرسلين [يس/
3].
ومثل هذا في أنّه فعول: يراد به المفعول قوله «3»:
وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها ... بلحييك عاديّ الطريق ركوب
المعنى أنّه طريق مركوب مسلوك، وقال «4»:
تضمّنها وهم ركوب كأنّه ... إذا ضمّ جنبيه المخارم رزدق
وقالوا: الحلوبة والحلوب، والركوبة والركوب لما يحلب ويركب. فأمّا استعمالهم الرسول بمعنى الرسالة فكقول الشاعر:
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم ... بسرّ ولا أرسلتهم برسول
«5» أي: برسالة، فيجوز على هذا في قوله: إنا رسول ربك [طه/ 47] أن يكون التقدير: إنّا ذوو رسالة ربك. فلم يثنّ رسول كما لا يثنّى المصدر. ويجوز أن يكون وضع الواحد موضع التثنية كما وضع موضع الجمع «6» في قوله: وهم لكم عدو
__________
(1) زادت (ط): «أي» بعد تريد.
(2) سقطت من (ط).
(3) لم نعثر على قائله.
(4) لم نعثر على قائله.
(5) البيت لكثير عزة. انظر تهذيب اللغة للأزهري 12/ 391.
(6) في (ط): الجميع.
(3/243)
________________________________________
[الكهف/ 50] فإن كان من قوم عدو [النساء/ 92] ونحو ذلك.
وجمع رسالة: رسالات، وعلى «1» التكسير رسائل ومثله: عمامة وعمامات وعمائم. فأما قوله تعالى «2»: أعلم حيث يجعل رسالاته [الأنعام/ 124] فلا يخلو حيث فيه من أن يكون انتصابه انتصاب الظروف، أو انتصاب المفعولين «3» ولا يجوز أن يكون انتصابه انتصاب الظروف، لأن علم القديم سبحانه في جميع الأماكن على صفة واحدة، فإذا لم يستقم أن يحمل أفعل على زيادة علم في مكان، علمت أن انتصابه انتصاب المفعول به، والفعل، الناصب مضمر دلّ عليه قوله: أعلم كما أن القوانس في قوله:
وأضرب منا بالسيوف القوانسا «4» ينتصب على مضمر دلّ عليه أضرب، فكذلك حيث إذا انتصب انتصاب المفعول به، ألا ترى أنّ المفعول به لا ينتصب بالمعاني ومثل ذلك في انتصاب حيث على أنّه مفعول به قول الشماخ:
وحلّأها عن ذي الأراكة عامر ... أخو الخضر يرمي حيث تكوى النّواحز
«5»
__________
(1) في (ط): حكى.
(2) في (ط): عزّ وجلّ: (الله أعلم ... ).
(3) في (ط): المفعول به.
(4) هذا عجز بيت للعباس بن مرداس، وقد سبق انظر 1/ 27.
(5) انظر ديوانه/ 182. حلأها: منعها من الماء والضمير للحمر، عامر أخو
(3/244)
________________________________________
فحيث مفعول به، ألا ترى أنه ليس يريد أنه يرمي شيئا حيث تكوى النواحز، إنّما يرمي حيث تكوى النواحز، فحيث تكوى مفعول به وليس بمفعول فيه.
فحجة من جمع فقال: برسالاتي أن الرسل يرسلون بضروب من الرسائل كالتوحيد والعدل، وما يشرعون من الشرائع، وما ينسخ منها على ألسنتهم، فلمّا اختلفت الرسائل حسن أن يجمع، كما حسن أن تجمع أسماء الأجناس إذا اختلفت، ألا ترى أنّك تقول: رأيت تمورا كثيرة، ونظرت في علوم كثيرة «1» فجمعت هذه الأسماء «2» إذا اختلفت ضروبها كما تجمع غيرها من الأسماء.
وحجة من أفرد هذه الأسماء ولم يجمعها أنّها تدل على الكثرة، وإن لم تجمع كما تدل عليها الألفاظ المصوغة «3» للجمع، وتدل على الكثير «4» كما تدل ألفاظ الجمع عليه. مما يدل على ذلك
__________
الخضر قانص مشهور، وقيل له الرامي، وفيه يقول الشماخ البيت. والخضر:
هم ولد مالك بن طريف بن خلف بن محارب بن خصفه بن قيس عيلان وسموا بذلك لشدّة سمرتهم، والخضرة في ألوان الناس: السمرة. ذو الأراكة: نخل بموضع من اليمامة لبني عجل، انظر معجم البلدان (أراك) النواحز: التي بها نحاز: وهو داء يأخذ الدواب والإبل في رئاتها فتسعل سعالا شديدا. فتكوى في جنوبها وأصول أعناقها فتشفى انظر المعاني الكبير 2/ 782 والبحر المحيط 4/ 216.
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط): فجميع هذه الأسماء جمعت.
(3) في (ط): الموضوعة.
(4) في (ط): التكثير.
(3/245)
________________________________________
قوله تعالى «1»: لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا [الفرقان/ 14] فوقع الاسم الشائع على الجميع، كما يقع على الواحد، فكذلك الرسالة ولو وضع موضع القراءة بالإفراد الجمع، أو موضع الجمع الإفراد، لكان سائغا في العربية، إلّا أنّ لفظ الجمع في الموضع الّذي يراد به الجمع «2» أبين.
والقرّاء قد يتبعون مع ما يجوز في العربية الآثار، فيأخذون بها ويؤثرونها. إذا وجدوا مجاز ذلك في العربية مجازا واحدا.

[المائدة: 71]
واختلفوا في رفع النون ونصبها من قوله [جلّ وعز]: «3» وحسبوا ألا تكون فتنة [المائدة/ 71].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر أن لا تكون فتنة نصبا.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: أن لا تكون فتنة رفعا.
ولم يختلفوا في رفع فتنة «4». قيل: إنّ المراد بقوله:
وحسبوا ألا تكون فتنة: حسبوا أن لا تكون فتنة بقولهم «5»:
نحن أبناء الله وأحباؤه [المائدة/ 18].
قال أبو علي: الأفعال على ثلاثة أضرب: فعل يدلّ على ثبات الشيء واستقراره، وذلك نحو العلم والتيقّن والتبيّن،
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): الجميع.
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة 247.
(5) في (ط): لقولهم.
(3/246)
________________________________________
والتثبّت، وفعل يدلّ على خلاف الاستقرار والثبات. وفعل يجذب مرّة إلى هذا القبيل، وأخرى «1» إلى هذا القبيل، فما كان معناه العلم وقعت «2» بعده أنّ الثقيلة، ولم تقع بعده الخفيفة الناصبة للفعل، وذلك أنّ أنّ الثقيلة معناها ثبات الشيء واستقراره، والعلم وبابه كذلك أيضا، فإذا أوقع عليه واستعمل معه كان وفقه وملائما له. ولو استعملت الناصبة للفعل بعد ما معناه العلم واستقرار الشيء لم تكن وفقه فتباينا وتدافعا، ألا ترى أنّ «أن» الناصبة لا تقع على ما كان ثابتا مستقرا. فمن استعمال الثقيلة بعد العلم ووقوعه «3» عليها قوله: ويعلمون أن الله هو الحق المبين [النور/ 25] وأ لم يعلم بأن الله يرى [العلق/ 14] لأنّ الباء زائدة وكذلك التّبيّن والتيقّن، وما كان معناه العلم كقوله تعالى «4»: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات [يوسف/ 35] فبدا* ضرب من العلم، ألا ترى أنّه تبيّن لأمر لم يكن قد تبيّن، فلذلك كان قسما، كما كان علمت قسما في نحو قوله:
ولقد علمت لتأتينّ منيّتي «5»
__________
(1) في (ط): ومرة.
(2) في (ط): وقع.
(3) في (ط): وإيقاعه.
(4) سقطت من (ط).
(5) هذا صدر بيت عجزه:
إنّ المنايا لا تطيش سهامها.
انظر الكتاب 1/ 456، والخزانة 4/ 13، 332 وشرح أبيات المغني 6/ 232 والعيني 2/ 405، والأشموني 2/ 30 قال البغدادي: ونسبه سيبويه في كتابه للبيد والموجود في معلقته إنّما هو المصراع الثاني
وصدره: صادفن منها غرّة فأصبنه.
ولم يوجد للبيد في ديوانه شعر على هذا الروي غير المعلقة والله أعلم (انظر ديوانه ص 171).
(3/247)
________________________________________
قال: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه [يوسف/ 35] فهذا بمنزلة: علموا ليسجننّه «1»، وعلى هذا قول الشاعر:
بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى «2» ...
فأوقع بعدها الشديدة كما يوقعها بعد علمت.
وأمّا ما كان معناه ما لم يثبت ولم يستقر، فنحو: أطمع وأخاف وأخشى وأشفق وأرجو، فهذه ونحوها تستعمل بعد «3» الخفيفة الناصبة للفعل، قال: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي [الشعراء/ 82] وتخافون أن يتخطفكم الناس [الأنفال/ 26] وإلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما [البقرة/ 229] فخشينا أن يرهقهما [الكهف/ 80] أأشفقتم أن تقدموا [المجادلة/ 13] وكذلك أرجو وعسى ولعلّ.
وأمّا ما يجذب مرة إلى هذا الباب ومرّة إلى الباب الأول «4» فنحو: حسبت، وظننت وزعمت، فهذا النحو يجعل مرّة بمنزلة أرجو وأطمع من حيث كان أمرا غير مستقر، ومرة يجعل بمنزلة
__________
(1) في (ط) زيادة: حتى حين.
(2) هذا صدر بيت لزهير عجزه:
ولا سابقا شيئا إذا كان جائيا.
انظر الكتاب 1/ 83 وغيرها، الخصائص 2/ 353، 424، ابن يعيش 2/ 53، الخزانة 3/ 665 والعيني 2/ 267، 3/ 351، وديوانه/ 287 وفيه:
ولا سابقي شيء.
(3) في (ط): فهذا ونحوه يستعمل بعده.
(4) في (ط): هذا الباب بدل: «الباب الأوّل».
(3/248)
________________________________________
العلم من حيث استعمل استعماله ومن حيث كان خلافه، والشيء قد يجري خلافه «1» في كلامهم نحو: عطشان وريّان. فأما استعمالهم إياه استعمال العلم فهو أنهم قد أجابوه بجواب القسم، حكى سيبويه: ظننت ليسبقنّني «2». وقيل في قوله: وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] أنّ النفي جواب للظن، كما كان جوابا لعلمت في قوله: لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات [الإسراء/ 102]. فكلتا القراءتين في قوله: وحسبوا ألا تكون فتنة، وكلا الأمرين قد جاء به التنزيل، فمثل قول من نصب فقال: ألا تكون قوله: أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا [العنكبوت/ 4] أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم [الجاثية/ 21] أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 2]. ومثل قراءة من رفع: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم [الزخرف/ 37] أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/ 55] أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه [القيامة/ 3] فهذه مخففة من الشديدة. ومثل ذلك في الظن قوله:
تظن أن يفعل بها فاقرة [القيامة/ 25]. وقوله: إن ظنا أن يقيما حدود الله [البقرة/ 230]. وفي «3» الرفع قوله: وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا [الجن/ 5] وقوله: وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا [الجن/ 7] ف «أن» هاهنا المخففة من الشديدة، لأنّ الناصبة للفعل لا يقع بعدها «لن» لاجتماع
__________
(1) في (ط): الخلاف.
(2) الكتاب 1/ 456 وفيه: «أظن» بدل: «ظننت».
(3) في (ط): ومن.
(3/249)
________________________________________
الحرفين في الدلالة على الاستقبال، كما لم تجتمع الناصبة مع السين، ولم يجتمعا كما لا يجتمع الحرفان لمعنى واحد، فمن ثمّ كانت أن في قوله تعالى: علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل/ 20] المخففة من الشديدة، ومن ذلك قوله: وظنوا أنهم أحيط بهم [يونس/ 22].
فأما قوله: الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم [البقرة/ 46] فالظن هاهنا علم، وكذلك قوله: إني ظننت أني ملاق حسابيه [الحاقة/ 20] وقال سيبويه: لو قلت على جهة المشورة: «ما أعلم إلّا أن تدعه» لنصبت، وهذا «1» لأنّ المشورة أمر غير مستقرّ. ولا متيقّن من المشير، فصار بمنزلة الأفعال الدالّة على خلاف الثبات والاستقرار. وحسن وقوع المخفّفة من الشديدة في قول من رفع، وإن كان بعدها «2» فعل لدخول لا، وكونها عوضا من حذف الضمير معه، وإيلائه ما لم يكن يليه. ولو قلت: علمت أن تقول لم يحسن حتى تأتي بما يكون عوضا نحو: قد، ولا، والسين، وسوف، كما قال: علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل/ 20] فإن قلت: فقد جاء: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [النجم/ 39]
فلم يدخل بين أن وليس شيء. فإنّما جاء هذا لأنّ ليس ليس بفعل على الحقيقة.
قال أحمد: وكلهم قرأ: ألا تكون فتنة بالرفع [في فتنة] «3» فهذا لأنّهم جعلوا كان بمنزلة وقع، ولو نصب فقيل: أن لا
__________
(1) في (ط): فهذا.
(2) في (ط) بعده.
(3) سقطت من (ط).
(3/250)
________________________________________
يكون فتنة أي: أن لا يكون قولهم فتنة: لكان جائزا في العربية، وإنّما رفعوه فيما نرى لاتباع الأثر، لا لأنّه لا يجوز في العربية غيره «1».

[المائدة: 89]
اختلفوا في تشديد القاف وتخفيفها وإدخال الألف وإخراجها من قوله [عزّ وجل] «2» عقدتم الأيمان [المائدة/ 89].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: بما عقدتم بغير ألف مشدّدة القاف.
وكذلك روى حفص عن عاصم.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: بما عقدتم بغير ألف خفيفة. وكذلك قرأ حمزة والكسائي. وقرأ ابن عامر عاقدتم بألف «3».
قالوا: أعقدت العسل، فهو معقد وعقيد. وأخبرنا أبو إسحاق أنّ بعضهم قال: عقدت العسل، قال: والكلام أعقدت.
من قال: عقدتم فشدد القاف احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون لتكثير الفعل لقوله: ولكن يؤاخذكم فخاطب الكثرة فهذا مثل: غلقت الأبواب [يوسف/ 23] والآخر: أن يكون عقّد مثل ضعّف، لا يراد به التكثير، كما أن ضاعف لا يراد به فعل من اثنين.
__________
(1) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة 247.
(3/251)
________________________________________
ومن قال: عقدتم فخفف جاز أن يراد به الكثير من الفعل والقليل، إلّا أن فعّل يختص بالكثير، كما أن الرّكبة تختصّ بالحال التي يكون عليها الركوب. وقالوا: عقدت الحبل والعهد، واليمين: عهد، ألا ترى أن عاهدت يتلقّى بما يتلقّى به القسم قال:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم «1» وأما قراءة ابن عامر بما عاقدتم الأيمان فيحتمل ضربين:
أحدهما: أن يكون عاقدتم يراد به عقدتم، كما أن عافاه الله وعاقبت اللصّ، وطارقت النعل بمنزلة فعلت، فتكون قراءته في المعنى «2» على هذا كقراءة من خفف. ويحتمل أن يراد بعاقدتم:
فاعلت. الذي «3» يقتضي فاعلين فصاعدا، كأنه يؤاخذكم بما عاقدتم عليه اليمين. ولما كان عاقد في المعنى قريبا من عاهد عدّي «4» بعلى كما يعدّى عاهد بها، قال: ومن أوفى بما عاهد عليه الله [الفتح/ 10] ونظير ذلك في تعديته بالجار لما كان
__________
(1) هذا صدر بيت للحطيئة من قصيدة يمدح فيها بغيضا وعجزه:
شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا انظر ديوانه/ 128. قال شارحه: العناج: حبل يشدّ أسفل الدلو إذا كانت ثقيلة، والكرب: عقد الرشاء الذي يشد على العراقي. والعراقي: العودان:
المصلبان اللذان تشد إليهما الأوذام، فأراد أنهم إذا عقدوا لجارهم عقدا أحكموه.
(2) سقطت من (م).
(3) في (ط): التي.
(4) في (ط): عداه.
(3/252)
________________________________________
بمعنى ما يتعدّى به قولهم: ناديت، قالوا: ناديت زيدا، وناديناه من جانب الطور [مريم/ 52]، وقال: وإذا ناديتم إلى الصلاة [المائدة/ 58] فعدّي بالجار لما كان بمعنى ما يتعدّى بالجار، وهو دعوت تقول: دعوته إلى كذا، وقال: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله [فصلت/ 33] فكما عدّي نادى لمّا كان في معنى دعا بالجار، كذلك عدّي عاقد- لمّا كان بمعنى عاهد- به واتسع فيه، وحذف الجار فوصل الفعل إلى المفعول، ثمّ حذف من الصلة الضمير الذي «1» كان يعود إلى الموصول، كما حذف «2» من قوله:
فاصدع بما تؤمر [الحجر/ 94] ومثل حذف الجار هنا حذفه من قول الشاعر:
كأنّه واضح الأقراب في لقح ... أسمى بهنّ وعزّته الأناصيل
«3» إنّما هو عزت عليه، فاتّسع فيه «4»، فالتقدير: يؤاخذكم بالذي عاقدتم عليه، ثمّ عاقدتموه الأيمان فحذف الراجع. ويجوز أن يجعل ما التي مع الفعل بمنزلة المصدر فيمن قرأ عقدتم وعقدتم، ولا يقتضي «5» راجعا، كما لا تقتضيه في نحو قوله تعالى «6»: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [البقرة/ 10]
__________
(1) في (ط): لما.
(2) في (ط): حذفه.
(3) البيت في اللسان والتاج (نصل) ولم يعز لقائل. والأنصولة بالضم:
نور نصل البهمى، وقيل: هو ما يوبسه الحر من البهمى فيشتد على الأكلة.
اللّقح: جمع لقحة، وهي الناقة اللبون. الأقراب: جمع قرب وهو الخاصرة.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط) فلا تقتضي.
(6) سقطت من (ط).
(3/253)
________________________________________
وقوله: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون [الأعراف/ 51] والكفارة في الأيمان إنّما أوجبت بالتنزيل فيما عقد عليه دون اليمين التي لم يعقد عليها. يدل على ذلك قوله: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته [المائدة/ 89] أي: كفارة ما عقدتم عليه، والمعقود عليه ما كان موقوفا على الحنث، والبرّ، دون ما لم يكن كذلك.

[المائدة: 95]
واختلفوا «1» في الإضافة والتنوين في «2» قوله تعالى «3»:
فجزاء مثل ما قتل «4» [المائدة/ 95].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: فجزاء مثل ما مضافة بخفض «5» مثل.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: فجزاء مثل جزاء منون، ومثل مرفوع.
حجّة من رفع المثل أنه صفة للجزاء، والمعنى: فعليه جزاء من النّعم مماثل المقتول، والتقدير: فعليه جزاء وفاء للّازم له، أو:
فالواجب عليه جزاء من النعم مماثل ما قتل من الصيد، ف من النعم على هذه القراءة صفة للنّكرة، والتي «6» هي جزاء وفيه
__________
(1) في (ط): اختلفوا.
(2) في (ط): من.
(3) سقطت من (ط).
(4) زادت (ط) بعدها: مضافة وبخفض مثل.
(5) في (ط): وبخفض.
(6) في (ط): «التي» بإسقاط الواو.
(3/254)
________________________________________
ذكره، ويكون مثل صفة للجزاء، لأنّ المعنى عليه جزاء مماثل للمقتول من الصيد من النعم. والمماثلة في القيمة أو الخلقة «1» على حسب اختلاف الفقهاء في ذلك، ولا ينبغي إضافة جزاء إلى المثل، ألا ترى أنّه ليس عليه جزاء مثل ما قتل في الحقيقة. إنّما عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله، ولا جزاء عليه لمثل المقتول الذي لم يقتله، فإذا كان ذلك «2» كذلك، علمت أنّ الجزاء لا ينبغي أن يضاف إلى المثل «3»، لأنّه يوجب جزاء المثل، والموجب جزاء المقتول من الصيد، لا جزاء مثله الذي ليس بمقتول. ولا يجوز أن يكون قوله: من النعم على هذه القراءة متعلّقا بالمصدر كما جاز أن يكون الجار متعلقا به في «4» قوله: جزاء سيئة بمثلها [يونس/ 27]، لأنك قد وصفت الموصول، فإذا وصفته لم يجز أن تعلّق به بعد الوصف شيئا، كما أنّك إذا عطفت عليه أو أكّدته لم يجز أن تعلّق به شيئا بعد العطف عليه، والتأكيد له.
وأما «5» قراءة من أضاف الجزاء إلى المثل، فإنّ قوله: من النعم يكون صفة للجزاء، كما كان في قول من نوّن ولم يضف صفة له. ويجوز فيه وجه آخر لا يجوز في قول من نوّن ووصف، وهو أن يقدره متعلّقا بالمصدر، ولا يجوز على هذا القول أن يكون
__________
(1) في (ط): والخلقة.
(2) سقطت من (م).
(3) في (ط): مثل.
(4) في (ط): به من.
(5) في (ط): وأما في.
(3/255)
________________________________________
فيه ذكر كما تضمّن الذكر لمّا كان صفة، وإنّما جاز تعلّقه بالمصدر على قول من أضاف لأنّك لم تصف الموصول كما وصفته في قول من نوّن، فيمتنع تعلّقه به، والدليل على أن المثل منفصل مما أضيف إليه، وأن المضاف إليه لا يقع عليه المثل في المعنى قول دريد بن الصمّة:
وقاك الله يا ابنة آل عمرو ... من الأزواج أمثالي ونفسي
وقالت إنّه شيخ كبير ... وهل نبّأتها أنّي ابن أمس
«1» ألا ترى أنّ نفسه لو دخلت في جملة قوله: أمثالي، لم يحتج أن يقول: نفسي.
وأما من أضاف الجزاء إلى مثل، فقال: فجزاء مثل ما قتل من النعم [المائدة/ 95] فإنّه وإن كان عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله، فإنّهم قد «2» يقولون: أنا أكرم مثلك، يريدون: أنا أكرمك، فكذلك إذا قال: فجزاء مثل ما قتل، فالمراد: جزاء ما قتل، كما أن المراد في: أنا أكرم مثلك: أنا أكرمك. فإذا كان كذلك كانت الإضافة في المعنى كغير الإضافة، لأنّ المعنى: فعليه جزاء ما قتل، ومما يؤكد أنّ المثل، وإن كان قد أضيف إليه الجزاء، فالمعنى: فعليه جزاء المقتول لا جزاء مثله الذي لم
__________
(1) البيتان من قصيدة لدريد بن الصمة يهجو بها الخنساء لأنّها رفضت أن تتزوج منه.
الأغاني 10/ 23 وفيهما اختلاف يسير في الرواية.
(2) سقطت من (م).
(3/256)
________________________________________
يقتل: قوله تعالى «1»: أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات [الأنعام/ 122] والتقدير:
أفمن جعلنا له نورا يمشي به كمن هو في الظلمات، والمثل والمثل، والشّبه والشّبه واحد، فإذا كان مثله في الظلمات فكأنّه هو أيضا فيها. وقوله: وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كقوله:
يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به [الحديد/ 28] وقال: انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا [الحديد/ 13] وقال: نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم [التحريم/ 8] ولو قدّرت الجزاء تقدير المصدر، فأضفته إلى المثل، كما تضيف المصدر إلى المفعول به، لكان في قول من جرّ مثلا على الاتساع الذي وصفنا، ألا ترى أن المعنى: فجزاء مثل ما قتل «2» أي يجازى مثل ما قتل، والواجب عليه في الحقيقة جزاء المقتول لا جزاء مثل المقتول.

[المائدة: 95]
واختلفوا «3» في الإضافة والتنوين من قوله [جلّ وعز] «4»:
أو كفارة طعام مساكين [المائدة/ 95].
فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أو كفارة منونا طعام رفعا مساكين جماعة.
وقرأ نافع وابن عامر: أو كفارة رفعا غير منون، طعام
__________
(1) في (ط): عز وجل.
(2) في (م): معنى فجزاء مثل.
(3) في (ط): اختلفوا.
(4) سقطت من (ط).
(3/257)
________________________________________
مساكين على الإضافة، ولم يختلفوا في مساكين أنه جمع «1».
وجه قول من رفع طعام مساكين أنّه جعله عطفا على الكفارة عطف بيان لأنّ الطعام هو الكفّارة، ولم يضف الكفّارة إلى الطعام لأنّ الكفّارة ليست للطعام، إنّما الكفّارة لقتل الصّيد، فلذلك لم يضيفوا الكفّارة إلى الطعام.
ومن أضاف الكفّارة إلى الطعام، فلأنّه لما خيّر المكفّر بين ثلاثة أشياء: الهدي، والطعام، والصيام، استجاز الإضافة لذلك، فكأنّه قال: كفّارة طعام لا كفّارة هدي، ولا كفّارة صيام، فاستقامت الإضافة عنده لكون الكفّارة من هذه الأشياء.

[المائدة: 97]
واختلفوا «2» في إدخال الألف وإخراجها من قوله تعالى:
قياما للناس [المائدة/ 97].
فقرأ ابن عامر وحده: قيما* بغير ألف.
وقرأ الباقون قياما بألف «3».
قوله عز وجل: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس [المائدة/ 97] التقدير فيه: جعل الله حج الكعبة [البيت الحرام قياما] «4» أو نصب الكعبة قياما لمعايش الناس ومكاسبهم «5»، لأنه مصدر قاموا، كأنّ المعنى: قاموا بنصبه ذلك لهم فاستتبّت
__________
(1) السبعة 249.
(2) في (ط): اختلفوا.
(3) السبعة: 248.
(4) ما بين المعقوفتين زيادة في (م).
(5) في (ط): أو مكاسب الناس.
(3/258)
________________________________________
معايشهم به «1» واستقامت أحوالهم له. ويؤكّد إثبات الألف في القيام قوله: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما [النساء/ 5] فالقيام: كالعياذ، والصيام والقياد «2» وعلى هذا ما لحقته تاء التأنيث من هذه المصادر فجاءت على فعالة كالزيارة والعياسة «3» والسياسة والحياكة. فكما جاءت هذه المصادر على فعالة «4»، كذلك حكم القيام أن يكون على فعال.
ووجه قول ابن عامر قيما* على أحد أمرين: إما أن يكون جعله مصدرا كالشّبع «5»، أو حذف الألف وهو يريدها كما يقصر الممدود. وحكم هذا الوجه أنّه يجوز في الشعر دون الكلام وحال السعة. فإن قلت: فإذا جعله مصدرا كالشّبع «5» فهلّا صحّحه كما صحح الحول والعوض مما «7» ليس على بناء من أبنية الفعل؟
فالقول فيه أنه لما اعتلّ فعله اعتلّ المصدر على اعتلال فعله، ألا ترى أنّهم قالوا: ديمة وديم، وحيلة وحيل، فأعلّوا الجموع لاعتلال آحادها «8»، فإذا أعلّوا الجموع لاعتلال الآحاد، فأن تعلّ المصادر لاعتلال أفعالها أولى، ألا ترى أنّهم قد أعلّوا بعض الآحاد، وصححوا الجموع نحو معيشة ومعايش، ومقام ومقاوم، ولم
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(3) سقطت من (م). والعياسة: من عاس ما له: أحسن القيام عليه.
(4) في (ط): على فعال أو فعالة.
(5) في (م): «كالشيع» وهو تصحيف.
(7) في (ط): وما.
(8) في (ط): الآحاد.
(3/259)
________________________________________
يصحّحوا مصدرا أعلّوا فعله، لكي يجزي المصدر على فعله، إن صحّ حرف العلّة في الفعل صحّ في مصدره، نحو اللّواز والغوار، وإن اعتلّ في الفعل اعتلّ في مصدره. وتقدير الآية: جعل الله حج الكعبة [البيت الحرام] «1» أو نصب الكعبة قياما لمعايش الناس ومصالحهم. وقوله تعالى: والشهر الحرام [المائدة/ 97] معطوف على المفعول الأول: لجعل. ونحو ذلك: ظننت زيدا منطلقا وعمرا، أي: فعل ذلك ليعلموا أنّ الله يعلم مصالح ما في السموات والأرض، وما يجري عليه شأنهم في معايشهم، وغير ذلك مما يصلحهم، وأن الله بكلّ شيء يقيمهم ويصلحهم عليم.
وقيل في قوله: قياما للناس: أمنا لهم. وقيل: قياما للناس أي: مما ينبغي أن يقوموا به، والقول الأوّل عندنا أبين.

[المائدة: 107]
واختلفوا «2» في التثنية والجمع في قوله: استحق عليهم الأوليان [المائدة/ 107].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: من الذين استحق عليهم مضمومة التاء، الأوليان على التثنية.
وروى نصر بن عليّ عن أبيه عن قرّة قال: سألت ابن كثير فقرأ: استحق بفتح التاء الأوليان على التثنية.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة استحق بضم التاء الأولين* جماع «3».
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط): اختلفوا.
(3) في (ط): جماعا.
(3/260)
________________________________________
وروى حفص عن عاصم استحق بفتح التاء. الأوليان على التثنية «1».
قال الواقديّ: حدثنا أسامة بن زيد عن أبيه قال: كان تميم الداريّ وأخوه عديّ نصرانيّين، وكان متّجرهما إلى مكّة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدم ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص المدينة وهو يريد الشام تاجرا، فخرج هو وتميم الداري وأخوه عديّ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق مرض ابن أبي مارية، فكتب وصية بيده ودسّها في متاعه، وأوصى إليهما، فلما مات فتحوا «2» متاعه، فوجدوا وصيّته وقد كتب ما خرج به، ففقدوا شيئا فسألوهما فقالا: لا ندري، هذا الذي قبضنا له، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» فنزلت الآية «4»: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم [المائدة/ 106] فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» أن يستحلفوهما بالله ما قبضا له غير هذا ولا كتماه. قال الواقدي: فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» بعد العصر، فمكثا ما شاء الله، ثمّ ظهر على إناء من فضة منقوش بذهب «7» معهما، فقالوا: هذا من متاعه، فقالا: اشتريناه منه، وارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية: فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما [المائدة/ 107] قال: فأمر
__________
(1) السبعة 248 - 249.
(2) في (ط): فتحا.
(3) في (ط): صلى الله عليه.
(4) في (ط): فأنزل الله الآية.
(7) في (ط): مذهب.
(3/261)
________________________________________
رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» رجلين من أهل الميت أن يحلفا «2» على ما كتما وغيّبا. قال الواقدي: فحلف عبد الله بن عمرو والمطّلب بن أبي وداعة، فاستحقّا، ثمّ إنّ تميما أسلم، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم «3»، وكان يقول: صدق الله وبلّغ رسوله، أنا أخذت الإناء «4».
قال: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان فشهادة مرتفع بالابتداء، واتّسع في بين، وأضيف إليه المصدر، وهذا يدل على قول من قال: إن الظروف التي تستعمل أسماء يجوز أن تستعمل أسماء في غير الشعر، ألا ترى أنّه قد جاء ذلك «5» في التنزيل وكذلك «5»:
لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94] في قول من رفع، فجاء في غير الشعر، كما جاء في الشعر نحو قوله:
فصادف بين عينيه الجبوبا «7»
__________
(1) في (ط): صلى الله.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): صلى الله.
(4) أخرج حديث سبب النزول على نحو آخر البخاري في كتاب الوصايا 5/ 409 برقم 2780 عن ابن عباس. والترمذي في التفسير 8/ 224 عن ابن عباس عن تميم الداري وقال: هذا حديث غريب وليس إسناده بصحيح. وفيه اختلاف في الرواية عمّا هنا. وانظر تفسير ابن كثير 3/ 214 (ط الشعب).
(5) سقطت من (ط).
(7) عجز بيت لأبي خراش الهذلي ونصّه في ديوان الهذلين 3/ 1205.
فلاقته ببلقعة براز* فصادم بين عينيها الجبوبا وانظر اللسان (جبب) وفيه: براح مكان براز وتصادم مكان فصادم.
هذا وقد جاء ضبطها في الهذليين بالفتح ولم يشر السكري إلى ضبطها وما يجب أن يكون عليه. وكذلك ورد ضبطها في اللسان خطأ بالفتح مخالفا ما نصّص عليه.
(3/262)
________________________________________
فأمّا قوله: إذا حضر أحدكم الموت [المائدة/ 106] فيجوز أن يتعلّق بالشهادة فيكون معمولها، ولا يجوز أن يتعلّق بالوصية لأمرين: أحدهما أنّ المضاف إليه لا يعمل في ما قبل المضاف، لأنّه لو عمل فيما قبله للزم أن يقدّر وقوعه في موضعه، فإذا قدر ذلك لزم تقديم المضاف إليه على المضاف، ومن ثمّ لم يجز:
القتال زيدا حين نأتي. والآخر: أنّ الوصية مصدر فلا يتعلّق به ما يتقدم عليه، فأما قوله: حين الوصية فلا يجوز أن تحمله على الشهادة، لأنّه إذا عمل في ظرف من الزمان لم يعمل في ظرف آخر منه «1»، ولكن تحمله على ثلاثة أوجه «2»، أحدها: أن تعلّقه بالموت، كأنه الموت من «3» ذلك الحين، وهذا إنّما يكون على ما قرب منه «4». يدلّك على ذلك قوله عزّ وجل «5»: حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن [النساء/ 18]، وكذلك قوله: حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا [الأنعام/ 61]، وقوله: حتى إذا
جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون
[المؤمنون/ 99] فلو كان هذا على وقوعه، ولم يكن على مقاربته، لم يجز أن يسند إليه القول بعد الموت. والثاني «6»: أن تحمله على حضر، أي: إذا حضر في هذا الحين. والثالث: أن تحمله على البدل من إذا، لأنّ ذلك الزمان في المعنى هو ذلك الزمان، فتبدله منه كما تبدل الشيء
__________
(1) في (ط): فيه.
(2) في (ط): أحد ثلاثة أشياء.
(3) في (ط): في.
(4) سقطت من (م).
(5) سقطت من (ط).
(6) في (ط): والآخر.
(3/263)
________________________________________
من الشيء إذا كان إياه. وقوله تعالى: اثنان ذوا عدل منكم [المائدة/ 106]، هو خبر المبتدأ الذي هو شهادة بينكم، والتقدير شهادة بينكم شهادة اثنين، فأقام «1» المضاف إليه مقام المضاف، ألا ترى أنّ الشهادة لا تكون إلّا باثنين. وقوله: منكم، صفة لقوله:
اثنان، كما أنّ ذوا عدل صفة لهما وفي الظرف ضميرهما.
وقوله: أو آخران من غيركم تقديره: أو شهادة آخرين من غيركم، ومن غيركم صفة للآخرين «2» كما كان منكم صفة الاثنين «3»، وأما من غيركم فقيل في تفسيره: إنّه من غير أهل ملّتكم.
حدّثنا الكندي قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا إسماعيل عن هشام بن حسان عن محمد قال: سألت عبيدة عن هذه الآية:
اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم قال: اثنان ذوا عدل من أهل الملّة، أو آخران من غيركم من غير أهل الملة، وهو فيما زعموا قول ابن عباس وسعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، وقيل فيهما: من غير أهل قبيلتكم.
وقوله: إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت [المائدة/ 106] اعتراض بين الصفة والموصوف، وعلم به أن شهادة الآخرين اللّذين هما من غير أهل ملّتنا إنّما تجوز في السفر. واستغني عن جواب إن* بما تقدم من قوله: أو آخران من غيركم
__________
(1) في (ط): فأقيم.
(2) في (ط): لآخرين.
(3) في (ط): لاثنين.
(3/264)
________________________________________
لأنّه وإن كان على لفظ الخبر فالمعنى على الأمر، كأن المعنى: ينبغي أن تشهدوا إذا ضربتم في الأرض آخرين من غير أهل ملتكم. ويجوز أيضا أن يستغنى عن جواب إذا في قوله: إذا حضر أحدكم الموت بما تقدمها من قوله: شهادة بينكم فإن جعلت إذا بمنزلة حين، ولم تجعل له جوابا، كان بمنزلة الحين، وينتصب الموضع بالمصدر الذي هو شهادة بينكم كما تقدم.
وإن قدّرت له جوابا فإن قوله: شهادة بينكم يدل عليه ويكون موضع إذا في قوله: إذا حضر أحدكم الموت نصبا بالجواب المقدّر المستغني عنه بقوله: شهادة بينكم لأنّ المعنى ينبغي أن تشهدوا إذا حضر أحدكم الموت، وقوله: تحبسونهما من بعد الصلاة صفة ثانية لقوله: أو آخران من غيركم. وقوله: من بعد الصلاة معلّق، وإن شئت لم تقدر الفاء في قوله: فيقسمان بالله لعطف جملة على جملة ولكن تجعله جزاء كقول ذي الرّمّة:
وإنسان عيني يحسر الماء مرّة ... فيبدو وتارات يجمّ فيغرق
«1» تقديره عندهم: إذا حسر بدا، فكذلك إذا حبستموهما أقسما. وقال: من بعد الصلاة، لأنّ الناس فيما ذكروا كانوا يحلّفون بالحجاز بعد صلاة العصر، لاجتماع الناس وتكاثرهم في ذلك الوقت.
__________
(1) ديوانه 1/ 460 وفيه: «تارة» بدل «مرة».
وانظر المحتسب 1/ 150، وشرح أبيات المغني 7/ 79 برقم (741)، والعيني 1/ 578 4/ 178، 449، والهمع 1/ 89، والدرر 1/ 74، والأشموني 1/ 196 3/ 96.
(3/265)
________________________________________
وقوله: فيقسمان بالله إن ارتبتم أي: ارتبتم في قول الآخرين اللّذين ليسا من أهل ملّتنا، أو غير قبيلة الميت، فغلب في ظنكم خيانتهما.
وقوله: لا نشتري به ثمنا: لا نشتري جواب ما يقتضيه قوله: فيقسمان بالله لأنّ أقسم ونحوه، يتلقّى بما يتلقّى به الأيمان. وقوله: لا نشتري به ثمنا: لا نشتري بتحريف شهادتنا ثمنا، فحذف المضاف وذكّر الشهادة، لأنّ الشهادة قول، كما جاء:
وإذا حضر القسمة ثمّ قال: فارزقوهم منه [النساء/ 8] لما كان القسمة يراد به المقسوم، ألا ترى أنّ القسمة التي هي إفراز الأنصباء لا يرزق منه، إنما يرزق من التركة المقسومة؟ وتقدير لا نشتري به ثمنا: لا نشتري به ذا ثمن، ألا ترى أنّ الثمن لا يشتري، وإنّما الذي يشتري المبيع دون ثمنه؟ وكذلك قوله:
اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا أي: ذا ثمن، والمعنى: أنّهم آثروا الشيء القليل على الحق، فأعرضوا عنه وتركوه له. ولا يكون اشتروا في الآية بمعنى باعوا، وإن كان ذلك يجوز في اللغة، لأنّ بيع الشيء إخراج وإبعاد له من البائع، وليس المعنى هنا على الإبعاد، إنّما هو على التمسك به والإيثار له على الحق. ولو كان ذا قربى التقدير: ولو كان المشهود له ذا قربى. وخصّ ذو القربى بالذكر لميل الناس إلى قراباتهم ومن يناسبونه. ولا نكتم شهادة الله إنّا إن كتمناها لمن الآثمين. وقال: شهادة الله، فأضيفت الشهادة إليه سبحانه لأمره بإقامتها والنهي عن كتمانها في قوله:
ومن يكتمها فإنه آثم قلبه [البقرة/ 283]. وقوله وأقيموا الشهادة لله [الطلاق/ 2] فإن عثر على أنهما استحقا إثما
(3/266)
________________________________________
[المائدة/ 107] أي غير أهل الميت أو من يلي أمره، على أنّ الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا استحقّا إثما بقصدهما في شهادتهما إلى غير الاستقامة، ولم يتحرّيا الحق فيها، فآخران يقومان مقامهما، أي: مقام الشاهدين اللذين هما من غيرنا من الذين استحق عليهم الأوليان- فقوله: من الذين «1» صفة للآخرين.
فأما الأوليان فلا يخلو ارتفاعه من أن يكون على الابتداء وقد أخر، كأنّه في التقدير: فالأوليان بأمر الميت آخران من أهله، أو من أهل دينه يقومان مقام الخائنين اللذين عثر على خيانتهما كقولهم:
تميمي أنا. أو يكون خبر مبتدأ محذوف كأنه: فآخران يقومان:
مقامهما، هما الأوليان. أو يكون بدلا من الضمير الذي في يقومان فيصير التقدير: فيقوم الأوليان. أو يكون مسندا إليه استحق.
وقد أجاز أبو الحسن «2» شيئا آخر وهو أن يكون الأوليان صفة لقوله: فآخران لأنّه لما وصف اختصّ فوصف من أجل الاختصاص الذي صار له بما يوصف به المعارف.
ومعنى الأوليان: الأوليان بالشهادة على وصية الميت، وإنّما «3» كانا أولى به ممن اتّهم بالخيانة من غيرنا، لأنّهما «4» أعرف بأحوال الميت وأموره، ولأنّهما من المسلمين، ألا ترى أن وصفهم
__________
(1) في (ط): اللذين.
(2) في (ط): زيادة فيه.
(3) في (م): وأنهما، وأثبت إنما على الهامش.
(4) في (ط): لأنّهم.
(3/267)
________________________________________
بأنّه «1» استحقّ عليهم يدل على أنّهم مسلمون، لأنّ الخطاب من أوّل الآية مصروف إليهم. فأما ما يسند إليه استحقّ فلا يخلو من أن يكون الأنصباء «2» أو الوصية أو الإثم أو الجارّ والمجرور، وإنّما جاز: استحقّ الإثم لأن آخذه بأخذه آثم، فسمّي إثما كما سمي ما يؤخذ منا بغير حق مظلمة. قال سيبويه: المظلمة اسم ما أخذ منك «3»، فكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر.
وأمّا قوله عليهم فيحتمل ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يكون على فيه بمنزلة قولك: استحقّ على زيد مال بالشهادة، أي: لزمه ووجب عليه الخروج منه، لأنّ الشاهدين لما عثر على خيانتهما استحقّ عليهما ما ولياه من أمر الشهادة والقيام بها ووجب عليهما الخروج منها وترك الولاية لها، فصار إخراجهما منها مستحقّا عليهما كما يستحقّ على المحكوم عليه الخروج مما وجب عليه.
والآخر: أن يكون على* فيه بمنزلة «من»، كأنّه: من الذين استحق منهم الإثم، ومثل هذا قوله: إذا اكتالوا على الناس [المطففين/ 2] أي: من الناس.
والثالث: أن يكون «على» بمنزلة «في» كأنّه استحق فيهم، وقام «على» مقام «في» كما قام «في» مقام «على» في قوله تعالى:
__________
(1) في (ط): بأنهم.
(2) في (ط): الإيصاء.
(3) سيبويه 2/ 248.
(3/268)
________________________________________
لأصلبنكم في جذوع النخل [طه/ 71] والمعنى: من الذين استحق عليهم بشهادة الآخرين اللذين هما من غيرنا.
فإن قلت: فهل يجوز أن يسند استحق «1» إلى الأوليان؟
فالقول: إن ذلك لا يجوز «2» لأنّ المستحقّ إنّما يكون الوصية أو شيئا منها «3» والأوليان بالميت لا يجوز أن يستحقّا فيسند استحقّ إليهما.
وأمّا «4» من قرأ: من الذين استحق عليهم الأولين «5» فتقديره: من الأوّلين الذين استحقّ عليهم الأنصباء أو الإثم، وإنّما قيل لهم الأوّلين من حيث كانوا الأولين في الذكر، ألا ترى أنّه قد تقدّم: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم وكذلك اثنان ذوا عدل منكم ذكرا في اللفظ، قبل قوله: أو آخران من غيركم.
واحتجّ من قرأ الأولين* على من قرأ: الأوليان بأن قال:
أرأيت إن كان الأوليان صغيرين؟ أراد أنّهما إذا كانا صغيرين لم يقوما مقام الكبيرين في الشهادة ولم يكونا لصغرهما أولى بالميت، وإن كانا لو كانا كبيرين كانا أولى به فيقسمان بالله، أي: يقسم
__________
(1) في (ط): استحق فيه.
(2) في (ط): زيادة: [ولا يجوز أن يستحق الأوليان وهما الأوليان بالميت].
(3) سقطت من (ط) الأولين.
(4) في (ط): فأما.
(5) في طرة (ط) هنا تعليقة نصها: قد أجاز ذلك أبو القاسم الجرمي على حذف مضاف وتقديره: من الذي استحق عليهما ابتداء الأولين، وقام الأوليان المضاف إليه بمقام المضاف، وذلك سائغ.
(3/269)
________________________________________
الآخران اللذان يقومان مقام الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا.
وقوله: لشهادتنا أحق من شهادتهما متلقّى به فيقسمان بالله وما اعتدينا فيما قلناه من أن شهادتنا أحق من شهادتهما.
وأمّا من قرأ: من الذين استحق عليهم الأوليان فتقديره: من الذين استحقّ عليهم الأوليان بالميّت وصيّته التي أوصى بها إلى غير أهل دينه، والمفعول محذوف، وحذف المفعول من هذا النحو كثير.

[المائدة: 110]
واختلفوا «1» في قوله تعالى «2»: إن هذا إلا سحر مبين [المائدة/ 110] في اسم الفاعل والمصدر.
فقرأ ابن كثير وعاصم هاهنا وفي هود [7] والصف إلا سحر مبين [الآية/ 6] بغير ألف «3».
وقرأ في يونس: لساحر مبين [2] بألف.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر في كلّ ذلك: سحر مبين بغير ألف.
وقرأ حمزة والكسائيّ في المواضع الأربعة: ساحر بألف «4».
__________
(1) في (ط): اختلفوا.
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت: «بغير ألف» من (م).
(4) السبعة 249.
(3/270)
________________________________________
قال [أبو علي: قال تعالى] «1»: وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين فمن قرأ: إلا سحر مبين جعله إشارة إلى ما جاء به، كأنه قال: ما هذا الذي جئت به إلّا سحر، ومن قال: إلا ساحر، أشار إلى الشخص لا إلى الحدث الذي أتى به، وكلاهما حسن لاستواء كلّ واحد منهما في أنّ ذكره قد تقدم، وكذلك ما «2» في سورة الصف في قصة عيسى أيضا «3» وهو قوله: فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين [6] وكذلك ما في هود في «4» قوله: ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين [7] فمن قال: سحر جعل الإشارة إلى الحدث ومن قال: ساحر فإلى الشخص.
فأما اختيار من اختار ساحر* في هذه المواضع لما ذهب إليه من أنّ الساحر يقع على العين «5» والحدث، فإنّ وقوع اسم فاعل على الحدث، ليس بالكثير، إنّما جاء في حروف قليلة. ولكن لمن اختار سحرا «6» أن يقول: إنّه يجوز أن يراد به الحدث والعين جميعا، ألا ترى أنّه يستقيم أن يقول: إن هذا إلا سحر وأنت تريد به «7»:
__________
(1) ما بين معقوفين ساقط من (م).
(2) في (م): فيما.
(3) أيضا: زيادة في (ط).
(4) في (ط): من.
(5) في (ط): المعنى، وهو سبق قلم من الناسخ.
(6) في (ط): سحر.
(7) سقطت من (م).
(3/271)
________________________________________
ذو سحر، كما جاء ولكن البر من آمن بالله [البقرة/ 177] وأ جعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام [التوبة/ 19] أي: أهلها، ألا ترى قوله: كمن آمن بالله. وقالوا: إنّما أنت سير، وما أنت إلّا سير.
....... وإنّما هي إقبال وإدبار «1» فيجوز أن يريد بسحر، ذا سحر.
وساحر لا يجوز أن يراد به سحر، وقد جاء فاعل يراد به المصدر في حروف ليست بالكثيرة نحو: عائذا بالله من شرها، أي: عياذا، ونحو: العاقبة. ولم تصر هذه الحروف من الكثرة بحيث يسوغ القياس عليها. وحكي أنّ أبا عمرو كان يقول: إذا كان بعده: مبين* فهو سحر*، وإذا كان بعده عليم* فهو ساحر*، ولا إشكال في الوصف بعليم أنّه لا ينصرف إلى الحدث، ولكن مبين* يقع على الحدث كما يقع على العين، فإذا كان كذلك لم يمتنع: ساحر مبين، كما لم يمتنع: سحر مبين.

[المائدة: 112]
واختلفوا «2» في الياء والتاء من قوله جل وعز: هل يستطيع ربك [المائدة/ 112].
__________
(1) هذا عجز بيت للخنساء صدره:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت ... فإنما .....
ديوانها/ 50 وهو من شواهد سيبويه 1/ 169 والمقتضب 3/ 230، 4/ 305 والمحتسب 2/ 43 والمنصف 1/ 197 وابن الشجري 1/ 71 والخزانة 1/ 207.
(2) في (ط): اختلفوا.
(3/272)
________________________________________
فقرأ الكسائي وحده: هل تستطيع ربك بالتاء، ونصب الباء واللام مدغّمة في التاء.
وقرأ الباقون: هل يستطيع ربك بالياء ورفع الباء «1».
[قال أبو علي] «2» وجه قراءة الكسائي: تستطيع* بالتاء أن المراد: هل تستطيع سؤال ربك، وذكروا الاستطاعة في سؤالهم له لا لأنّهم شكّوا في استطاعته، ولكن كأنّهم ذكروه على وجه الاحتجاج عليه منهم، كأنّهم قالوا: إنّك مستطيع فما يمنعك؟! ومثل ذلك قولك لصاحبك: أتستطيع أن تذهب عني فإنّي مشغول؟ أي:
اذهب لأنّك غير عاجز عن ذلك. وأما أن* في قوله: هل تستطيع ربك أن ينزل فهو من صلة المصدر المحذوف، ولا يستقيم الكلام إلّا على تقدير ذلك، ألا ترى أنّه لا يصح: هل تستطيع أن يفعل غيرك؟ وأنّ الاستفهام لا يصح «3» عنه، كما لا يصح في الإخبار: أنت تستطيع أن يفعل زيد، فأن في قوله: أن ينزل علينا متعلّق بالمصدر المحذوف على أنّه مفعول به. فإن قلت: هل يصح هذا على قول سيبويه، وقد قال: إن بعض الاسم لا يضمر في قوله:
.... إلّا الفرقدان «4» فإن ذلك لا يمتنع، لأنّه في تقدير المذكور في اللفظ وإن
__________
(1) السبعة 249.
(2) سقطت من (م).
(3) في (ط): لا يقع.
(4) وهو قطعة من بيت سبق بتمامه في 1/ 22.
(3/273)
________________________________________
كان محذوفا منه، إذ كان الكلام لا يصحّ إلّا به، كما ذهب إليه في قوله:
........... ونار توقّد بالليل نارا «1» إلى أنّ كلّا في تقدير الملفوظ به من حيث لو لم تقدره كذلك لم يستقم عنده، فكذلك قياس الآية على قوله.
وأمّا قراءة من قرأ: هل يستطيع ربك فليس على أنّهم شكّوا في قدرة القديم سبحانه على ذلك، لأنّهم كانوا مؤمنين عارفين، ولكن كأنّهم قالوا: نحن نعلم قدرته على ذلك
فليفعله بمسألتك إياه، ليكون علما «2» لك ودلالة على صدقك، وكأنّهم سألوه ذلك ليعرفوا صدقه وصحّة أمره من حيث لا يعترض عليهم منه إشكال ولا تنازعهم فيه شبهة، لأنّ علم الضرورة لا تعرض فيه الشبه التي تعرض في علوم الاستدلال، فأرادوا علم أمره من هذا الوجه فمن ثم قالوا: وتطمئن قلوبنا [المائدة/ 113] كما قال إبراهيم عليه السلام: بلى ولكن ليطمئن قلبى [البقرة/ 260] بأن أعلم ذلك، من حيث لا يكون لشبهة ولا إشكال عليّ طريق.
وليس قول عيسى عليه السلام لهم: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين
__________
(1) عجز بيت لأبي دواد الإيادي وصدره:
أكلّ امرئ تحسبين امرأ انظر الكتاب 1/ 33، والكامل 1/ 247، 3/ 825، ابن الشجري 1/ 296 والإنصاف 2/ 473، وابن يعيش 3/ 26، 27، 29، 79، 5/ 142، 8/ 52.
9/ 105 وشرح أبيات المغني 5/ 190 والدرر 2/ 65 والأشموني 2/ 273.
(2) ضبطت (م) الكلمة بكسر العين وتسكين اللام وليس ذلك بالوجه.
(3/274)
________________________________________
[المائدة/ 112] إنكارا لسؤالهم، ولكن قال لهم هذا، كما جاء:
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته [آل عمران/ 102] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة [المائدة/ 35] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس [الحشر/ 18] ونحو هذا من الآي.
وأمّا إدغام الكسائي اللام في التاء فحسن، ألا ترى أنّ أبا عمرو قد أدغمها في التاء، فيما حكى عنه سيبويه «1» من قوله:
هثوب الكفار [المطففين/ 36] والتاء أقرب إليها من الثاء والإدغام في المتقاربين «2»، إنّما يحسن بحسب قرب الحرف من الحرف، وإذا جاز إدغامها في الشين مع أنها أبعد منها من حروف طرف اللسان والثنايا لأنّها تتصل بمخارج هذه الحروف فأن يجوز في الثاء ونحوها من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا أجدر، وأنشد سيبويه:
تقول إذا استهلكت مالا للذّة ... فكيهة هشّيء بكفّيك لائق
«3»
__________
(1) انظر الكتاب 2/ 417.
(2) في (م): المقاربين.
(3) الكتاب 2/ 417 وانظر ابن يعيش 10/ 141، واللسان (ليق) والبيت لطريف بن تميم العنبري كما نسبه سيبويه قال الأعلم: الشاهد فيه: إدغام لام هل في الشين لاتساع مخرج الشين وتفشيها، وإجرائها وإن كانت من وسط اللسان إلى طرفه، واختلاطها بطرفه، واللام من حروف طرف اللسان فأدغمت فيها لذلك، وإظهارها جائز لأنّهما من كلمتين مع انفصالهما في المخرج، واللائق: المستقر المحتبس.
(3/275)
________________________________________
قال سيبويه: وقد قرئ: بتؤثرون الحياة الدنيا [الأعلى/ 16]) وأنشد:
فذر ذا ولكن هتّعين متيّما ... على ضوء برق آخر الليل ناصب
«1» قال أحمد بن موسى: قرأ نافع وحده: طائرا بألف مع الهمز.
وقرأ الباقون طيرا بغير ألف «2». [المائدة/ 110].
حكى أبو الحسن الأخفش: «3» طائرة، وطوائر، ونظير «4» ما حكاه من ذلك قولهم: ضائنة، وضوائن «5». فأما الطير فواحده طائر. مثل ضائن وضان، وراكب وركب، والطائر كالصفة الغالبة، وقد قالوا: أطيار، فهذا مثل صاحب وأصحاب، وشاهد وأشهاد، وشبّهوا فيعلا بفاعل، فقالوا: ميّت وأموات، ويمكن أن يكون أطيار جمع طير، جعله مثل بيت وأبيات، وجمعوه على العدد القليل كما قالوا: جمالان ولقاحان، وإذا «6» جاز أن يثنّى، جاز العدد القليل أيضا فيه، وكما جمع على أفعال كذلك جمع على
__________
(1) نسبه سيبويه لمزاحم العقيلي. انظر الكتاب 2/ 417 وفيه: فدع، بدل: فذر.
وانظر ابن يعيش 10/ 141.
(2) السبعة 249.
(3) سقطت كلمة (الأخفش) من (م).
(4) سقطت من (م).
(5) في اللسان: الضوائن جمع ضائنة وهي الشاة من الغنم خلاف المعز.
(6) في (ط): فإذا.
(3/276)
________________________________________
العدد الكثير، فقالوا: طيور فيما حكاه أبو الحسن.
ولو قال قائل: إنّ الطائر قد يكون جمعا مثل الجامل، والباقر. والسامر، فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا، لكان قياسا. ويقوي ذلك ما حكاه أبو الحسن من قولهم: طائرة، فيكون [على هذا] «1» من باب شعيرة وشعير.
فأما قوله: أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير [آل عمران/ 49] وفي هذه: فتنفخ فيها [المائدة/ 110] وفي آل عمران: فأنفخ فيه فالقول في ذلك أنّ الضمير الذي في قوله فيها لا يخلو من أن يعود إلى ما تقدم له ذكر في الكلام، أو إلى ما وقعت عليه دلالة من اللفظ، فمما تقدم ذكره: الطين، والهيئة، والطير، فلا يجوز أن يعود إلى الطين لتأنيث الضمير [الراجع إليه] «2» وتذكير ما يعود الضمير إليه، ولو كان الذكر مذكرا لم يسهل أن يعود إليه، ألا ترى أنّ النفخ إنّما يكون في طين مخصوص، وهو ما كان منه مهيّأ للنفخ «3»، والطين المتقدم ذكره عامّ، فلا يكون العائد على حسب ما يعود إليه. فإن قلت: يعود الذكر من فيها* إلى الهيئة. فإنّ النفخ لا يكون في الهيئة إنّما يكون في المهيّأ، ذي «4» الهيئة، إلّا أن تجعل الهيئة التي هي
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): وذي.
(3/277)
________________________________________
المصدر في «1» موضع المهيّأ، كما يقع الخلق موضع المخلوق.
وإذا ذكّر فقال: أنفخ فيه جاز أن يكون الضمير عائدا على ذي الهيئة، كما قال: وإذا حضر القسمة أولوا القربى ... فارزقوهم منه «2» إذ «3» جعلت القسمة المقسوم. ويجوز أن يعود إلى الطير لأنّها مؤنّثة «4»، قال: أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات [الملك/ 19].
ويجوز أن يعود الذكر إذا ذكّر على ما وقعت عليه الدّلالة «5» في اللفظ، وهو أنّ يخلق يدلّ على الخلق، كما أنّ يبخلون يدل على البخل، فيجوز في قوله: فأنفخ «6» فيه أي: في الخلق، ويكون الخلق بمنزلة المخلوق. ويجوز أن يعود الذكر حيث ذكر إلى ما دلّ عليه الكاف من معنى المثل، أو إلى الكاف نفسه فيمن يجوّز أن يكون اسما في غير الشعر، وتكون الكاف في موضع نصب على أنّه صفة للمصدر المراد، تقديره: وإذ تخلق خلقا من طين «7» كهيئة الطير، فتنفخ في الخلق الذي يراد به المخلوق.
ويجوز في قراءة نافع: فيكون طائرا، أن يكون الذكر المؤنث يرجع إلى الطائر على قوله: أعجاز نخل خاوية
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) وتمام الآية: وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا [النساء/ 8].
(3) في (ط): إذا جعلت.
(4) في (ط): مؤنث.
(5) في (ط): على ما وقعت الدلالة عليه.
(6) في (ط): فتنفخ.
(7) في (ط): الطين.
(3/278)
________________________________________
[الحاقة/ 7] والموضع الذي ذكّر فيه يكون على قوله: أعجاز نخل منقعر [القمر/ 20] والشجر الأخضر [يس/ 80] ويكون أيضا على من جعله «1» جمعا: كالسامر، والجامل، والباقر، فأما قول الشاعر:
هم أنشبوا زرق القنا في نحورهم ... وبيضا تقيض البيض من حيث طائره
«2» فإن الدماغ يسمى الفرخ، فيما روى لنا محمد بن السريّ، وتقيض: تكسر. وقد قال غيره: الدماغ يقال له الفرخ، فوضع الطائر موضع الفرخ، لأنّه في المعنى طائر وحرّف الاسم عمّا كان عليه لما احتاج إليه من إقامة القافية، كما حرّف لإقامة الوزن في نحو ما أنشدناه علي بن سليمان:
بني ربّ الجواد فلا تفيلوا ... فما أنتم فنعذركم لفيل
«3» أراد ربيعة الفرس، فوضع الجواد موضعه، وأنشدنا علي بن سليمان:
__________
(1) في (ط): يجعله.
(2) البيت في المعاني الكبير 2/ 987 وعزاه إلى عبد الله بن الحويرث الحنفي.
ونقله عن الفارسي صاحب اللسان (نشب- طير) وقال: عنى بالطائر الدماغ، وذلك من حيث قيل له: فرخ.
(3) البيت للكميت بن زيد في ديوانه 2/ 51 وانظر معجم تهذيب اللغة 15/ 376 والصحاح واللسان (فيل) وإصلاح المنطق 89 والمشوف المعلم 587 ومقاييس اللغة 4/ 467 والضرائر 243. ورجل فيل الرأي، أي ضعيف الرأي والجمع أفيال.
(3/279)
________________________________________
كأنّ نزو فراخ الهام بينهم ... نزو القلات زهاها قال قالينا
«1» فأراد بفراخ الهام الدماغ. فقوله: فراخ الهام ليس «2» يضيف الشيء إلى نفسه، ولكن الهام جمع هامة، فتشمل «3» الدماغ وغيره، فصار بمنزلة نصل السيف، لأنّ السيف يقع على النصل وغيره [وعلى نفسه] «4» فأضاف الطائر إلى البيض في قوله: «من حيث طائره» لالتباسه به كما قال: وليلبسوا عليهم دينهم [الأنعام/ 137] يريد الدين الذي شرع لهم، فأضافه إليهم لالتباسهم به من حيث شرع لهم ودعوا إليه، وإن لم يتدينوا به.
وقوله:
هم أنشبوا زرق القنا «5» على حذف المضاف التقدير: هم أنشبوا زرق أسنة القنا، لأنّ الذي يوصف بالزرقة السنان دون الرماح، ألا ترى أنّ الرماح
__________
(1) البيت لابن مقبل وهو في ملحقات ديوانه/ 407 وفي اللسان (قول، طير، قلا) ونسبه إلى ابن مقبل. وهو في المعاني الكبير 2/ 987 من غير عزو. فراخ الهام: يريد بها الرءوس، ونزو فراخ الهام: تطاير الرءوس في الحرب من ضرب السيوف، والقلات: جمع قلّة، وهي الدوامة التي يلعبون بها، والقال:
الخشبة التي تضرب بها الدوامة، والقالون: الذين يلعبون بالقلة ويضربون بها من قلا يقلو، زهاها: رفعها وأطارها.
(2) في (ط): لم يضف.
(3) في (ط): فهو يشمل.
(4) سقطت من (ط).
(5) سبق قريبا.
(3/280)
________________________________________
توصف بالسّمرة في نحو «1» قوله:
وأسمر خطيّا كأنّ كعوبه «2» ووصفت الأسنة بالزرقة في نحو قوله:
وزرق كستهنّ الأسنّة هبوة ... أرقّ من الماء الزّلال كليلها
«3» الأسنّة: واحدها سنان، وهي المسانّ، فإذا كان الكليل أرقّ من الماء الزّلال، فكيف الحادّ، وما لم يكلّ، وإن شئت جعلت الزرق الأسنّة على إقامة الصفة مقام الموصوف، كأنّه: هم أنشبوا أسنّة القنا. فأمّا قول الكميت:
وليس التفحّش من شأنهم ... ولا طيرة الغضب المغضب
فقوله: طيرة الغضب، يحتمل ضربين: أحدهما مصدر طار الغضب يطير طيرة، وقد قالوا: طار طير فلان إذا غضب وخفّ، وأنشد بعض أصحاب الأصمعي:
فلمّا أتاني ما يقول تطايرت ... عصافير رأسي وانتشيت من الخمر
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) لم نعثر على قائله وتتمته.
(3) البيت لزيد الخيل في المعاني الكبير 2/ 1042 وفي أساس البلاغة (سنن) بغير عزو. قال ابن قتيبة: زرق: نصال بيض، والأسنة: المسان التي يحدد بها، واحدها سنان، وهبوة: يعني من صفائها. كأن عليها غبرة.
(3/281)
________________________________________
ويجوز في قوله: طيرة الغضب أن يكون سمّى الطائر الذي استعمل في الغضب باسم المصدر.
قال [أحمد بن موسى] «1»: قرأ نافع وعاصم وابن عامر منزلها [المائدة/ 115] مشدّدة.
وقرأ الباقون: خفيفة «2».
وجه التخفيف أنّه قال: أنزل علينا مائدة فقال: إني منزلها فيكون الجواب كالسؤال. ومن قال: منزلها فلأنّ نزّل وأنزل، قد استعمل كلّ واحد منهما موضع الآخر، قال: نزل عليك الكتاب بالحق [آل عمران/ 3] وقال: وأنزل الفرقان [آل عمران/ 4] وقال تعالى «3»: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده [الفرقان/ 1] وقال: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب [الكهف/ 1] فقد صار كل واحد من هاتين اللفظتين يستعمل موضع الأخرى.

[المائدة: 119]
اختلفوا في نصب الميم ورفعها من قوله تعالى «4»: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم [المائدة/ 119].
فقرأ نافع وحده: هذا يوم ينفع بنصب الميم.
وقرأ الباقون هذا يوم برفع الميم «5».
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة 250.
(3) سقطت من (ط).
(4) سقطت من (ط).
(5) السبعة 250.
(3/282)
________________________________________
من رفع يوما جعله خبر المبتدأ الذي هو هذا* وأضاف يوما إلى ينفع، والجملة التي من المبتدأ وخبره في موضع نصب بأنّه مفعول القول، كما تقول: قال زيد: عمرو أخوك.
ومن قرأ «1»: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم احتمل أمرين: أحدهما أن يكون مفعول قال*، تقديره: قال الله هذا القصص، أو هذا الكلام: يوم ينفع الصادقين صدقهم، فيوم ظرف للقول، وهذا إشارة إلى ما تقدم ذكره من قوله: وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم [المائدة/ 116]، وجاء على لفظ المضي وإن كان المراد به الآتي: كما قال: ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة [الأعراف/ 50] ونحو ذلك، وليس ما بعد قال* حكاية في هذا الوجه، كما كان إياها في الوجه الآخر. ويجوز أن يكون المعنى على الحكاية تقديره: قال الله هذا يوم ينفع. أي: هذا الذي اقتصصنا يقع، أو يحدث يوم ينفع الصادقين، فيوم خبر المبتدأ الذي هو هذا لأنّه إشارة إلى حدث، وظروف الزمان تكون أخبارا عن الأحداث، والجملة في موضع نصب بأنّها في موضع مفعول. قال: ولا يجوز أن تكون في موضع رفع وقد فتح لإضافته إلى الفعل، لأنّ المضاف إليه معرب، وإنّما يكتسي البناء من المضاف إليه، إذا كان المضاف إليه مبنيا، والمضاف مبهما، كما يكون ذلك في هذا الضرب من الأسماء إذا أضيف إلى ما كان مبنيا، نحو: ومن خزي يومئذ [هود/ 66] ومن عذاب يومئذ [المعارج/ 11]. وصار في المضاف البناء للإضافة إلى المبني كما صار فيه الاستفهام للإضافة إلى المستفهم به نحو: غلام من
__________
(1) في (ط): قال.
(3/283)
________________________________________
أنت؟ وكما صار فيه الجزاء في نحو: غلام من تضرب أضرب وليس المضارع في هذا كالماضي في نحو قوله:
على حين عاتبت المشيب على الصبا «1» لأنّ الماضي مبني والمضارع معرب، فإذا كان معربا، لم يكن شيء يحدث من أجله في المضاف البناء، ولا يلزم أن تقدّر في الفعل هنا عائدا إلى شيء، لأنّ الفعل قد أضيف إليه وليس بصفة، ولا يلزم أن يكون في المضاف ذكر من المضاف إليه «2»، فليس قوله: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم فيمن رفع أو نصب كقوله: واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا [البقرة/ 48] لأنّ الفعل هنا «3» صفة للنكرة، فلا بدّ من ذكر عائد منه إلى الموصوف، ولو نوّن اليوم هنا لكان ينفع صفة له، ولما لم ينوّن كان مضافا إليه، والإضافة إلى الفعل نفسه في الحقيقة لا إلى مصدره، ولو كانت الإضافة إلى المصدر لم يبن المضاف لبناء المضاف إليه في نحو:
على حين عاتبت المشيب على الصبا «4» [تمّت سورة المائدة والحمد لله وحده] «5»
__________
(1) هذا صدر بيت للنابغة الذبياني عجزه:
فقلت: ألما تصح والشيب وازع انظر ديوانه/ 44، والكامل 1/ 158 وشرح أبيات مغني اللبيب 7/ 123. مع بقية تخريجه.
(2) عبارة (م) هنا: ولا يلزم أن يكون في المضاف إليه عائد إلى الأول.
(3) في (ط): هاهنا.
(4) سبق قريبا.
(5) سقط ما بين المعقوفين من (ط).
(3/284)
________________________________________
بسم الله «1»

سورة الأنعام
[الانعام: 16]
اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها من قوله تعالى «2»: من يصرف عنه يومئذ [الأنعام/ 16].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر يصرف عنه مضمومة الياء مفتوحة الراء.
وقرأ حمزة والكسائي: يصرف عنه مفتوحة الياء مكسورة الراء «3».
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر عنه من يصرف مثل حمزة وروى حفص: يصرف عنه مثل أبي عمرو. فاعل يصرف الضمير العائد إلى ربي* من قوله: إني أخاف إن عصيت ربي [الأنعام/ 15]، وينبغي أن يكون حذف الضمير العائد إلى
__________
(1) زيادة من (م).
(2) زيادة من (م).
(3) السبعة ص 254.
(3/285)
________________________________________
العذاب، والمعنى: من يصرفه عنه، وكذلك هو في قراءة أبيّ فيما زعموا، وليس حذف هذا الضمير بالسهل، وليس بمنزلة الضمير الذي يحذف من الصلة، لأنّ من* جزاء، ولا يكون صلة على أنّ الضمير إنّما يحذف من الصلة إذا عاد إلى الموصول نحو: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41]. وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] أي: بعثه واصطفاهم. ولا يعود الضمير المحذوف هنا «1» إلى موصول ولا إلى من* التي للجزاء إنّما يرجع إلى العذاب في قوله: قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم [الأنعام/ 15] وليس هذا بمنزلة قوله: والحافظين فروجهم والحافظات [الأحزاب/ 35]، لأنّ هذا فعل واحد قد تكرّر، وعدّي الأول منهما إلى المفعول، فعلم بتعدية الأول، أنّ الثاني بمنزلته.
وأمّا قراءة من قرأ يصرف فالمسند إليه: الفعل المبني للمفعول، ضمير العذاب المتقدّم ذكره، وليس هذا كقول من قال: يصرف بفتح الياء، لأنّ ضمير المنصوب هنا محذوف، وفي قول من قرأ: يصرف مضمر ليس بمحذوف، والذكر العائد إلى المبتدأ الذي هو من في القراءتين جميعا الضمير الذي في عنه. ومما يقوي ذلك قوله: ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم [هود/ 8]. ألا ترى أنّ الفعل مبني للمفعول به وفيه ضمير العذاب؟ وممّا يحسّن قراءة من قرأ: يصرف، بفتح الياء، أنّ ما
__________
(1) في (ط): هاهنا.
(3/286)
________________________________________
بعده من قوله: فقد رحمه فعل مسند إلى ضمير اسم الله تعالى «1»، فقد اتّفق الفعلان في الإسناد إلى هذا الضمير فيمن قرأ يصرف «2» بفتح الياء.
ومما يقوي قراءة من قرأ: من يصرف «3» بفتح الياء، أنّ الهاء المحذوفة من يصرفه لما كانت في حيز الجزاء، وكان ما في حيز الجزاء في أنّه لا يتسلّط على ما تقدّمه، بمنزلة ما في الصلة، في أنّه لا يجوز تسلّطه على الموصول، حسن حذف الهاء منه، كما حسن حذفها من الصلة.

[الانعام: 23]
واختلفوا «4» في الياء والتاء والرفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ]: «5» ثم لم تكن فتنتهم [الأنعام/ 23].
فقرأ ابن كثير في رواية قنبل عن القواس، وعبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير، وابن عامر، وحفص عن عاصم ثم لم تكن بالتاء فتنتهم رفعا.
وروى خلف وغيره عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: ثم لم تكن بالتاء فتنتهم نصبا.
__________
(1) في (ط): عز وجل.
(2) في (ط): (من يصرف).
(3) في (ط): (يصرف).
(4) في (ط): اختلفوا.
(5) سقطت من (ط).
(3/287)
________________________________________
وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر تكن بالتاء فتنتهم نصبا «1».
وقرأ حمزة والكسائي ثم لم يكن بالياء فتنتهم نصبا «2».
[قال أبو علي] «3» من قرأ: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا [الأنعام/ 23] تكن بالتاء ورفع الفتنة، كان ذلك حسنا لإثباته علامة التأنيث في الفعل المسند إليه الفتنة، والفتنة مؤنثة بلحاقها علامة التأنيث «4» وأن قالوا على هذه القراءة: في موضع نصب، والتقدير: لم تكن فتنتهم إلّا قولهم. فأمّا ما روي عن ابن كثير من «5» قراءته: ثم لم تكن
بالتاء فتنتهم نصبا، فقد أنّث، أن قالوا لمّا كان الفتنة في المعنى، وفي التنزيل: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160] فأنّث الأمثال، وواحدها مثل، حيث كانت الأمثال في المعنى الحسنات، وقد كثر مجيء هذا في الشعر والرواية الأولى أوجه من حيث كان الكلام محمولا فيها على اللفظ. ومثل هذا قراءة نافع، وأبي عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر. ومما جاء على هذا في الشعر قوله:
__________
(1) جاء في (م) بعد كلمة نصبا العبارة التالية، وهي مستدركة على هامشها: «لم يذكر في هذه الآية قراءة حمزة والكسائي». اهـ ويلاحظ أن قراءة حمزة والكسائي مذكورة بعدها مباشرة.
وهي زيادة ليست في (ط) ولا في السبعة.
(2) انظر السبعة ص 255 فهناك اختلاف يسير في التقديم والتأخير والمؤدى واحد.
(3) زيادة من (ط).
(4) في (م): «بلحاق علامة التأنيث إياها».
(5) في (ط): في.
(3/288)
________________________________________
.. وكانت عادة ... منه إذا هي عرّدت إقدامها
«1» فأنّث الإقدام لما كان العادة في المعنى، وهذا البيت، وهذه الآية إذا قرئت على القياس «2» أقرب من قول الشاعر:
هم أهل بطحاوي قريش كليهما ... هم صلبها ليس الوشائظ كالصلب
«3» لأنّ بطحاوي مكة مؤنث، والمذكر: الأبطح، فهو لفظ غير لفظ المؤنّث، والفتنة هي: القول.
وقد جاء في الكلام: ما جاءت حاجتك، فأنّث ضمير (ما) حيث كان الحاجة في المعنى: وألزم التأنيث ونصبت «4» الحاجة. ومثل
__________
(1) من بيت للبيد في معلقته وتمامه:
فمضى وقدّمها وكانت ...
انظر ديوانه/ 170 وفي السبع الطوال ص 550. ومضى: أي الحمار، وقدم الأتان لكيلا تعند عليه. عرّدت: تركت الطريق وعدلت عنه وأصل التعريد:
الفرار. وانظر اللسان (عرد).
(2) في (ط): قياسه.
(3) البيت في اللسان (وشظ) وقال فيه: ويقال: بنو فلان وشيظة في قومهم، أي:
حشو فيهم، وأنشد البيت ولم يعزه وفي شعر الأخطل 1/ 47 بيت شطره الثاني كأنه له برواية:
على ابن أبي العاصي قريش تعطفت ... له صلبها ليس الوشائظ كالصلب
(4) في (ط): ونصب.
(3/289)
________________________________________
ذلك قولهم: من كانت أمّك، فأنّث ضمير من حيث كان الأمّ «1» ومثله: ومن تقنت منكن [الأحزاب/ 31]. وممّا يقوّي [نصب فتنتهم] «2» أنّ قوله: أن قالوا: أن يكون الاسم دون الخبر أولى، لأنّ أن* إذا وصلت لم توصف فأشبهت بامتناع وصفها المضمر «3». فكما أنّ المضمر إذا كان مع المظهر كان أن يكون الاسم أحسن، كذلك أن* إذا كانت مع اسم غيرها، كانت أن تكون الاسم أولى.

[الانعام: 22]
قال: وقرأ عاصم في رواية حفص ويوم نحشرهم [الأنعام/ 22] بالنون حرفين هاهنا، وفي يونس قبل الثلاثين «4» أيضا:
ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا [يونس/ 28] وباقي القرآن بالياء.
وروى أبو بكر عن عاصم ذلك كلّه بالنون.
وقرأ الباقون بالنون إلّا أنّهم اختلفوا في سورة الفرقان، ويأتي في موضعه [إن شاء الله] «5».
حجّة من قرأ بالنون قوله: وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47] وقوله: ويوم نحشرهم [الأنعام/ 22]، والياء في المعنى كالنون.
__________
(1) ذكر ذلك سيبويه في 1/ 24.
(2) في (ط): قراءة من قرأ فتنتهم بالنصب.
(3) في (ط): الضمير.
(4) المراد في الآية 28 وهي قبل الثلاثين. كما قال.
(5) سقطت من (م)، وهي في السبعة ص 254.
(3/290)
________________________________________
[الانعام: 23]
اختلفوا في الخفض والنصب من قوله تعالى «1»: والله ربنا [الأنعام/ 23].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر بالكسر فيهما.
وقرأ حمزة والكسائي: والله ربنا بالنصب «2».
من قرأ والله ربنا: جعل الاسم المضاف وصفا للمفرد، ومثل ذلك: رأيت زيدا صاحبنا، وبكرا جاركم. وقوله: ما كنا مشركين [الأنعام/ 23] جواب القسم.
ومن قال: والله ربنا، فصل بالاسم المنادى بين القسم والمقسم عليه بالنداء، والفصل به لا يمتنع، وقد فصل بالمنادى بين الفعل ومفعوله [كما فعل ذلك] «3» في نحو قوله: إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك [يونس/ 88] والمعنى آتيتهم زينة «4» وأموالا ليضلوا فلا يؤمنوا «5»، وفصل به في أشدّ من ذلك، وهو الفصل بين الصلة والموصول قال:
__________
(1) في (ط): عزّ وجل.
(2) انظر السبعة ص 254.
(3) ما بين المعقوفين ساقط من (ط).
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): فلا يؤمنوا به.
(3/291)
________________________________________
فلأحشأنّك مشقصا* أوسا أويس من الهبالة «1» وهذا لكثرة النداء في الكلام ومثل ذلك في الفصل قوله:
ذاك الّذي وأبيك تعرف مالك ... والحقّ يدفع ترّهات الباطل
«2»

[الانعام: 27]
اختلفوا في الرفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ]: «3» ولا نكذب بآيات ربنا ونكون [الأنعام/ 27].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر: ولا نكذب ونكون* جميعا بالرفع.
وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم في رواية حفص: ولا نكذب ونكون بنصبهما هذه رواية ابن ذكوان عن أصحابه عن «4» أيوب بن تميم عن ابن عامر. وقال هشام ابن عمار عن أصحابه عن ابن عامر: ولا نكذب مرفوعة، ونكون نصبا «5».
__________
(1) البيت مع آخر قبله في الخصائص 2/ 72 برواية المصنف، ومع اختلاف في الرواية يسير في السمط 1/ 437. وهو ثالث أبيات ثلاثة في تهذيب الألفاظ ص 579 ولم أجدها منسوبة فيما تقدم وتنسب للفرزدق وهي في ديوانه.
2/ 607 وهي في اللسان (حشأ- أوس- هبل) لأسماء بن خارجة وتنسب للكميت كما في الأزمنة 1/ 259 وسبق ذكر البيت في 1/ 108.
(2) البيت لجرير.
في ديوانه 2/ 580 وروايته يدمغ بدل: يدفع، والخصائص 1/ 336 وهو من شواهد شرح أبيات المغني 6/ 212، وانظر ص 192، 214، 238 منه.
(3) سقطت من (ط).
(4) سقطت: «عن» من (ط).
(5) السبعة ص 255.
(3/292)
________________________________________
[قال أبو علي] «1»: [فأمّا] «2» من قرأ بالرفع جاز في قراءته وجهان: أحدهما: أن يكون معطوفا على نرد فيكون قوله: ولا نكذب ونكون* «2» داخلا في التمني دخول نرد فيه، فعلى هذا: قد تمنّى الردّ، وأن لا نكذّب، والكون من المؤمنين.
ويحتمل الرفع وجها آخر: وهو أن تقطعه من الأول، فيكون التقدير على هذا: يا ليتنا «4» نردّ ونحن لا نكذب بآيات ربّنا، ونكون.
قال سيبويه: وهو على قولك: فإنّا لا نكذب، كما تقول: دعني ولا أعود، أي: فإنّي ممن لا يعود، فإنّما يسألك الترك، وقد أوجب على نفسه أن لا يعود ترك أو لم يترك، ولم يرد أن يسأل: أن يجمع له الترك وأن لا يعود «5».
وهذا الوجه الثاني ينبغي أن يكون أبو عمرو ذهب إليه في قراءته جميع ذلك بالرفع، فالأوّل الذي هو [عطف على] «6» الردّ داخل في التمني، وقوله: ولا نكذب بآيات ربنا ونكون* على نحو: دعني ولا أعود، يخبرون على البتات أن لا يكذّبوا ويكونوا من المؤمنين، لأنّ أبا عمرو روي عنه أنّه استدلّ على خروجه من التمني بقوله: وإنهم لكاذبون [الأنعام/ 28] فقال: قوله:
وإنهم لكاذبون يدلّ على أنّهم أخبروا بذلك عن أنفسهم، ولم
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (م).
(4) في (م): «أننا».
(5) انظر الكتاب 1/ 426.
(6) سقطت من (ط).
(3/293)
________________________________________
يتمنوه، لأنّ التمني لا يقع فيه الكذب، إنّما يكون الكذب في الخبر دون التمني. وأهل النظر يذهبون إلى أنّ الكذب لا يجوز وقوعه في الآخرة، فإذا لم يجز ذلك فيها كان تأويل قوله: وإنهم لكاذبون. على تقدير: إنّهم لكاذبون في الدنيا في تكذيبهم الرسل، وإنكارهم البعث، ويكون قوله: وإنهم لكاذبون حكاية للحال التي كانوا عليها في الدنيا، كما أنّ قوله: وكلبهم باسط ذراعيه [الكهف/ 18] حكاية للحال الماضية، وكما أنّ قوله:
وإن ربك ليحكم بينهم [النحل/ 124] حكاية للحال الآتية.
ولو جاز الكذب في الآخرة لكان ذلك حجة للرفع على الوجه الذي ذكرنا.
وحجّة من نصب فقال: يا ليتنا نرد ولا نكذب ونكون [الأنعام/ 37] أنّه أدخل ذلك في التمني، لأنّ التمني غير موجب، فهو كالاستفهام والأمر والنهي والعرض في انتصاب ما بعد ذلك كلّه من الأفعال إذا دخلت عليها الفاء على تقدير ذكر مصدر الفعل الأول، كأنّه في التمثيل: يا ليتنا يكون لنا ردّ وانتفاء للتكذيب «1»، وكون من المؤمنين. ومن رفع نرد ولا نكذب ونصب ونكون [فإنّ الفعل الثاني من الفعلين المرفوعين] «2» يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون داخلا في التمني فيكون في
__________
(1) في (م): «وانتفاء التكذيب».
(2) في (م): «فإن الموضوع» وما أثبتناه من (ط) أوضح، لأنّ ما في (م) قد ينصبّ على الفعلين المرفوعين وليس هو المراد. بل المراد الفعل الثاني «ولا نكذب».
(3/294)
________________________________________
المعنى كالنصب. والوجه الآخر أنّه يخبر على البتات أن لا يكذّب ردّ أو لم يردّ. ومن نصب ولا نكذب ونكون جعلهما جميعا داخلين في المعنى في التمني كما أنّ من رفع ذلك، وعطفه على التمني كان كذلك.

[الانعام: 32]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله «1»: تتقون أفلا تعقلون [الأنعام/ 32] في خمسة مواضع في الأنعام والأعراف [169] ويوسف [109]، ويس «2» [68]، والقصص [60].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء في أربعة مواضع وفي القصص بالتاء.
وقرأ نافع ذلك كلّه بالتاء.
وقرأ عاصم في رواية حفص ذلك بالتاء إلّا قوله في يس:
في الخلق أفلا يعقلون [الآية/ 68] بالياء.
وروى أبو بكر بن عياش: ذلك كلّه بالياء إلّا قوله في يوسف أفلا تعقلون فإنّه قرأه بالتاء وفي القصص أيضا: بالتاء.
وقرأ ابن عامر واحدا بالياء، وسائر ذلك بالتاء، وهو قوله في يس: ننكسه في الخلق أفلا يعقلون وكلّهم قرأ في القصص بالتاء إلّا أبا عمرو فإنّه يقرأ بالتاء والياء «3».
__________
(1) في (ط): قوله عزّ وجل.
(2) في (ط) رسمها هكذا: ياسين في المواطن الآتية كلها.
(3) السبعة ص 256.
(3/295)
________________________________________
[قال أبو علي] «1» العقل والحجا والنّهى كلم مختلفة الألفاظ متقاربة المعاني، قال الأصمعي: بالدّهناء خبراء، فالدهناء يقال لها: معقلة، قال: [أبو علي] «2» ونراها سمّيت
معقلة لأنّها تمسك الماء، كما يمسك الدواء البطن، فالعقل: الإمساك، عن القبيح، وقصر النفس وحبسها على الحسن. والحج أيضا:
احتباس وتمكّث، قال:
فهنّ يعكفن به إذا حجا «3» روى محمد بن السري، وأنشد الأصمعي:
حيث تحجّى مطرق بالفالق «4» تحجّى: أقام، فكأنّ الحجا مصدر كالشبع. ومن هذا الباب، الحجيّا: للّغز، لتمكّث الّذي يلقى عليه حتى يستخرجها.
قال أبو زيد: حج حجيّاك «5» فالحجيّا جاءت «6» مصغّرة كالثّريّا، والحديّا، ويشبه أن يكون ما حكاه أبو زيد من قولهم: حج
__________
(1) زيادة من (ط).
(2) زيادة من (ط).
(3) هذا من رجز للعجاج في ديوانه 2/ 24 وقبله:
يتبعن ذيّالا موشّى هبرجا ويعكفن به: يطفن به ويقمن عليه، حجا: وقف، يقول: هذه البقر يقبلن على الثور إذا وقف، لا يصرفن وجوههنّ عنه. هبرج: يتبختر وانظر المعاني الكبير 2/ 767. واللسان (عكف).
(4) الفالق اسم موضع انظر اللسان (فلق، حجا) وقال في (حجا): وأنشد الفارسي لعمارة بن أيمن الرياني، ثمّ أنشد البيت.
(5) سقطت من (م).
(6) في النوادر ص 310 (ط- الفاتح).
(3/296)
________________________________________
حجيّاك، على القلب، تقديره: فع، وحذف اللام المقلوبة إلى موضع العين. وهذا يدلّ على أنّ الكلمة لامها واو. وكذلك النهى لا يخلو من أن يكون مصدرا كالهدى، أو جمعا كالظلم، وقوله تعالى «1»: لأولي النهى [طه/ 128] يقوّي أنّه جمع لإضافة الجمع إليه، وإن كان المصدر يجوز أن يكون مفردا في موضع الجمع «2» وهو في المعنى ثبات وحبس. ومنه النهي والنهي والتنهية: للمكان «3» الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع فيه لتسفّله، ويمنعه ارتفاع ما حوله من أن يسيح ويذهب على وجه الأرض.
ووجه «4» القراءة بالياء في قوله: وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا يعقلون أنه قد تقدّم ذكر الغيبة وهو قوله: للذين يتقون والمعنى: أفلا يعقل الذين يتّقون أنّ الدار الآخرة خير لهم من هذه الدار [فيعملوا لما ينالون] «5» به الدرجة الرفيعة [والنعم الدائمة] «6» فلا يفترون في طلب ما يوصل إلى ذلك.
وفي الأعراف: وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا يعقلون [الآية/ 169] [أفلا
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): الجميع.
(3) في (م): «المكان».
(4) في (م): «وجه».
(5) في (م): «فعملوا لما ينالوا، وما أثبتناه من (ط) أصوب».
(6) في (ط): والنعيم الدائم.
(3/297)
________________________________________
يعقل] «1» هؤلاء الذين ارتكبوا المحارم في أخذ عرض هذا الأدنى، وأخذ مثله مع أنّهم «2» أخذ الميثاق عليهم في كتابهم، ومعرفتهم له بدرسهم ما في كتابهم أن لا يقولوا على الله إلّا الحقّ، فلا «3» يستحلوا ما حرّم عليهم من تناول أموال غيرهم المحظورة عليهم، وفي يوسف: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون [الآية/ 109]، محمول على الغيبة التي «4» قبله في قوله: أفلم يسيروا في الأرض أي «5»: أفلا يعقلون أنّ من تقدّمك من الرسل كانوا رجالا، ولم يكونوا ملائكة، فلا يقترحوا إنزال الملائكة في قولهم: وقالوا لولا أنزل عليه ملك [الأنعام/ 8] وقولهم «6»: لولا أنزل علينا الملائكة [الفرقان/ 21] وليعتبروا «7» بما فيه عاقبة من كان قبلهم فيما نزل من ضروب العذاب «8».
ووجه القراءة في القصص بالتاء، أن قبله خطابا، وهو قوله تعالى «9»: وما «10» أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون [القصص/ 60] [أي أفلا
__________
(1) سقطت من (م).
(2) سقطت من (م).
(3) في (ط): «ولا ... ».
(4) في (ط): الذي.
(5) سقطت من (م).
(6) في (ط): وقوله.
(7) في (ط): ويعتبروا.
(8) في (م) ينتهي هنا الجزء الثالث بينما يستمر الكلام في (ط). ويبدأ الثالث في (م) بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم: استعنت بالله.
(9) سقطت من (ط).
(10) في الأصل فما أوتيتم ... وهذه بداية آية الشورى/ 36 أما آية القصص
(3/298)
________________________________________
تعقلون] «1» فتعملوا بما تستحقون به المنزلة في التي هي خير وأبقى، ولا تركنوا إلى العاجلة التي تفنى «2» ولا تبقى.
وقراءة نافع ذلك كلّه بالتاء، أنّه «3» يصلح أن يوجّه الخطاب في ذلك كلّه «4» إلى الذين خوطبوا بذلك، ويجوز أن يراد الغيب والمخاطبون، فيغلّب الخطاب، وهكذا وجه «5» رواية حفص عن عاصم في قراءته ذلك كلّه بالتاء، وقراءته في يس* «6» بالياء أفلا يعقلون [الآية/ 68]. وجهه أن يحمله على أنّ فاعل يعقلون من تقدّم ذكره من الغيب في قوله: ومن نعمره ننكسه في الخلق [يس/ 68] أفلا يعقل من نعمره أنّه يصير إلى حالة لا يقدر فيها.
أن يعمل ما يعمله قبل الضعف للسن، فيقدّم قبل ذلك من القرب والأعمال الصالحة ما يرفع له، ويدّخر، ويجازى «7» عليه الجزاء الأوفى.؟.
ورواية أبي بكر بن عياش ذلك كلّه بالياء، إلّا قوله في يوسف أفلا تعقلون [الآية/ 109] أي: أفلا تعقلون أيها
__________
فهي ما أثبتناه واقتصر في (ط) على بداية الآية ونهايتها وأسقط ما بين المعقوفين، كما أسقط في (م): «وزينتها». وآية الشورى لا تنتهي بقوله: أفلا تعقلون.
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط): «يفنى» وهو حسن.
(3) سقطت من (م).
(4) سقطت من (م).
(5) سقطت من (ط).
(6) رسمها في (ط): «ياسين».
(7) في (ط): «فيجازى».
(3/299)
________________________________________
المخاطبون أن ذلك خير؟ أو على: قل لهم: أفلا تعقلون؟ وفي القصص أيضا بالتاء، فهذا لأنّ قبله خطابا، وقد تقدّم ذكر ذلك.
وقراءة ابن عامر من ذلك واحدا بالياء، وسائر ذلك بالتاء، فوجه التاء قد ذكر.
وأما وجه الياء في قوله: أفلا يعقلون فللغيبة التي قبل، وهو «1» قوله: ومن نعمره ننكسه في الخلق [يس/ 68]، وجاء يعقلون على معنى من، لأنّ معناها الكثرة، وجاء في قوله:
نعمره وننكسه على لفظ من*، ولو جاء على معناها لكان حسنا أيضا، ومثل ذلك في المعنى قوله «2»: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر [النحل/ 70]، وقوله: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين [التين/ 5].
وقراءة أبي عمرو في القصص بالياء والتاء وتخييره في ذلك، فوجه التاء أبين للخطاب الذي قبله، وهو قوله: وما أوتيتم ..
أفلا تعقلون والياء على قوله: أفلا يعقل المميّزون ذلك؟ أراد:
أفلا يعقل المخاطبون بذلك أنّ هذا هكذا.
قال: وكلهم قرأ وللدار الآخرة [الأنعام/ 32] بلامين ورفع الآخرة غير ابن عامر فإنّه قرأ: ولدار الآخرة بلام واحدة وخفض الآخرة «3».
الحجة لقراءتهم قوله: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان
__________
(1) في (ط): وهي.
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة ص 256.
(3/300)
________________________________________
[العنكبوت/ 64]، وقوله: تلك الدار الآخرة [القصص/ 83]، فالآخرة صفة للدار، وإذا كانت صفة لها «1» وجب أن يجرى عليها في الإعراب، ولا يضاف إليها.
والدّليل على كونها صفة للدّار قوله: وللآخرة خير لك من الأولى [الضحى/ 4] فقد علمت بإقامتها مقامها أنّها هي، وليس غيرها، فيستقيم أن يضاف إليها. ووجه قول ابن عامر أنّه لم يجعل الآخرة صفة للدار، ولكنّه أضاف الآخرة إلى الدار، فلا تكون الآخرة على هذا صفة للدار، لأنّ الشيء لا يضاف إلى نفسه، ولكنّه جعلها صفة للساعة، فكأنّه قال: ولدار الساعة الآخرة، وجاز وصف الساعة بالآخرة، كما وصف اليوم بالآخر في قوله: وارجوا اليوم الآخر [العنكبوت/ 36] وحسن إضافة الدار إلى الآخرة ولم يقبح من حيث استقبحت «2» إقامة الصفة مقام الموصوف لأنّ الآخرة صارت كالأبطح «3» والأبرق «4»، ألا ترى أنّه قد جاء: وللآخرة خير لك من الأولى؟ فاستعملت استعمال الأسماء، ولم تكن مثل الصفات التي لم تستعمل استعمال الأسماء «5»، ومثل الآخرة في أنّها استعملت استعمال الأسماء قولهم:
الدنيا لمّا استعملت استعمال الأسماء حسن أن لا تلحق لام
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط): استقبح.
(3) الأبطح: المسيل الواسع فيه دقاق الحصى.
(4) الأبرق: كثير التهديد والتوعد.
(5) في (ط): الآخرة. بدل الأسماء.
(3/301)
________________________________________
التعريف في نحو قوله «1»:
في سعي دنيا طال ما قد مدّت «2»

[الانعام: 33]
اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله تعالى: فإنهم لا يكذبونك [الأنعام/ 33].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم وابن عامر: فإنهم لا يكذبونك مشدّدة.
وقرأ نافع والكسائيّ يكذبونك خفيفة «3».
يجوز أن يكون المعنى في من ثقّل فقال: يكذبونك: قلت له: كذبت، مثل: زنّيته وفسّقته، نسبته إلى الزّنا والفسق «4»، وفعّلت في هذا المعنى قد جاء في غير شيء نحو: خطّأته أي «5»، نسبته إلى الخطأ، وسقّيته، ورعّيته، قلت له: سقاك الله، ورعاك الله، وقد جاء في هذا المعنى «أفعلته» قالوا: أسقيته، قلت له: سقاك الله، قال «6»:
وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه ... تكلّمني أحجاره وملاعبه
فيجوز على هذا أن يكون معنى القراءتين واحدا، وإن
__________
(1) عجز بيت للعجاج. سبق في ج 2/ 133 وانظر ابن يعيش 6/ 100 والخزانة 3/ 508 وشرح أبيات المغنى 6/ 175.
(2) كذا في الأصل ضبط «مدّت» بالبناء للفاعل وضبطه في الديوان وفي الخزانة وأبيات المغني بالبناء للمفعول.
(3) السبعة ص 257، وفي (ط): «مخففة» بدل خفيفة.
(4) سقطت من (ط).
(5) سقطت أي من (م).
(6) البيت لذي الرمة. ديوانه 2/ 821. الكتاب 2/ 235، شرح شواهد
(3/302)
________________________________________
اختلف اللفظان، إلّا أنّ: فعّلت إذا أراد أن ينسبه إلى أمر أكثر من أفعلت. ويؤكّد أن القراءتين بمعنى، أنّهم قالوا: قلّلت وكثّرت، وأقللت وأكثرت بمعنى، حكاه سيبويه «1».
ومعنى لا يكذبونك: لا يقدرون أن ينسبوك إلى الكذب فيما أخبرت به ممّا جاء في كتبهم.
ويجوز لا يكذبونك لا يصادفونك كاذبا، كما تقول:
أحمدته، إذا أصبته محمودا، لأنّهم يعرفونك بالصّدق والأمانة، ولذلك سمي الأمين قال أبو طالب «2»:
إنّ ابن آمنة الأمين محمّدا ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [الأنعام/ 33] أي يجحدون بألسنتهم ما يعلمونه يقينا لعنادهم، وما يؤثرونه من ترك الانقياد للحقّ، وقد قال في صفة قوم وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [النمل/ 14]، ويدلّ على أنّ يكذبونك في قول من خفّف [ينسبونك إلى الكذب] «3» قول الشاعر «4».
فطائفة قد أكفرتني بحبّكم ... وطائفة قالوا مسيء ومذنب
__________
الشافية 41، العيني 2/ 176، الأشموني 1/ 263، التصريح 1/ 204.
(1) في الكتاب 2/ 237.
(2) سبق في 1/ 339.
(3) سقطت من (م).
(4) البيت للكميت من قصيدة يمدح بها أهل البيت. انظر شرح شواهد المغني للسيوطي 1/ 35 - وشرح الهاشميات للرافعي/ 36.
(3/303)
________________________________________
أي: قد نسبتني إلى الكفر.
قال أحمد بن يحيى: كان الكسائيّ يحكي عن العرب:
أكذبت الرجل، إذا أخبرت أنّه «1» جاء بكذب، وكذّبته: إذا أخبرت أنّه كذّاب، فقوله: أكذبته: إذا أخبرت أنّه جاء بكذب كقولهم:
أكفرته، إذا نسبوه إلى الكفر، وكذّبته: أخبرت أنّه كذاب، مثل:
فسّقته، إذا أخبرت أنّه فاسق.
قرأ نافع وحده: قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون [الأنعام/ 33] بضم الياء وكسر الزاي.
وقرأ الباقون ليحزنك بفتح الياء وضمّ الزاي «2».
يقال: حزن يحزن حزنا وحزنا، قال: ولا تحزن عليهم [النمل/ 70]، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [البقرة/ 62].
قال سيبويه: قالوا: حزن الرجل وحزنته، قال: وزعم الخليل أنّك حيث قلت حزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا، كما أنّك حيث قلت: أدخلته، أردت جعلته داخلا، ولكنّك أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا، كما قلت: كحلته «3»، جعلت فيه كحلا.
ودهنته، جعلت فيه دهنا، ولم ترد بفعلته هاهنا. تغيير قوله:
حزن، ولو أردت ذلك لقلت: أحزنته.
ومثل ذلك شتر الرجل وشترت عينه، فإذا أردت تغيير شتر
__________
(1) في (ط): قد.
(2) انظر السبعة ص 257.
(3) في (ط): أي.
(3/304)
________________________________________
الرجل، قلت: أشترت، كما تقول: فزع وأفزعته. انتهى كلام سيبويه «1».
فعل وفعلته جاء في حروف، واستعمال «2» حزنته أكثر من أحزنته، فإلى كثرة الاستعمال ذهب عامة القراء.
وقال: إني ليحزنني أن تذهبوا به [يوسف/ 13] وحجّة نافع: أنّه أراد تغيير حزن فنقله بالهمز.
وقال الخليل: إذا أردت تغيير حزن قلت: أحزنته، فدلّ هذا من قوله على أنّ أحزنته مستعمل. وإن كان حزنته أكثر في الاستعمال.
ويقوّي قوله: أنّ أبا زيد حكى في كتاب «خبأة»: أحزنني الأمر إحزانا وهو يحزنني، ضمّوا الياء.
وقال سيبويه «3»: قال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته، وأرجعته، وأعورت عينه، أرادوا: جعلته حزينا وفاتنا، فغيّروا ذلك «4» كما فعلوا ذلك بالباب الأوّل.

[الانعام: 40، 46]
واختلفوا «5» في الهمز وتركه، وإثبات الألف من غير همز من قوله تعالى: أرأيتم [الأنعام/ 46] وأ رأيتكم [الأنعام/ 40]، وأ رأيت [الكهف/ 63].
فقرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة:
__________
(1) الكتاب 2/ 234 مختصرا.
(2) في (ط): والاستعمال في.
(3) انظر الكتاب 2/ 234.
(4) في سيبويه مكان ذلك فعل.
(5) في (ط): اختلفوا.
(3/305)
________________________________________
أرأيتم وأرأيتكم وأرأيت بألف «1» في كلّ القرآن بالهمز.
وقرأ نافع: أرايتم، وأ رايتكم، وأ رايت بألف في كل القرآن من غير همز على مقدار ذوق الهمز.
وقرأ الكسائيّ: أريتم، وأريتكم، وأريت، وأريتك «1» بغير همز ولا ألف «3».
[قال أبو علي] «3» من قال: أرأيتم «5» وأرأيتكم فهمز، وحقّق الهمز «6» فوجه قوله بيّن، لأنّه فعلت من الرؤية، فالهمزة عين الفعل.
وقوله: قرأ نافع بألف في كل القرآن من غير همز على مقدار ذوق الهمز، يريد: أن نافعا كان يجعل الهمزة بين بين، وقياسها إذا خفّفت أن تجعل بين بين، أي «7» بين الهمزة والألف، فهذا التخفيف على قياس التحقيق.
وأمّا قول الكسائي أريتم، وأريت فإنّه حذف الهمزة حذفا على غير التخفيف، ألا ترى أنّ التخفيف القياسيّ فيها أن تجعل بين بين، كما قرأ نافع؟ وهذا حذف للتخفيف، كما قالوا: ويلمّه، وكما أنشده أحمد بن يحيى «8»:
__________
(1) سقطت من (م).
(3) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(5) في (ط): أرأيت.
(6) في (ط): الهمزة.
(7) سقطت من (ط).
(8) سبق في الكلام عن أول المائدة ص (210) من هذا الجزء.
(3/306)
________________________________________
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا وكقول «1» أبي الأسود «2»:
يا با المغيرة ربّ أمر معضل ولو كان ذلك كلّه على التخفيف القياسي، لكانت بين بين، ولم تحذف، وقد زعموا أنّ عيسى كذلك كان يقرؤها على الحذف.
وممّا يقوّي ذلك من استعمالهم قول الشاعر:
فمن «3»
را مثل معدان بن ليلى ... إذا ما النسع طال على المطيّة
«4» فهذا على أنّه قلب الهمزة ألفا كما قلبها في قوله «5»:
لا هناك المرتع فاجتمعت مع المنقلبة عن اللّام، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين، فهذا يقوّي قول عيسى والكسائي.
وممّا جاء على ذلك قول الراجز «6»:
__________
(1) في (ط): وقول.
(2) سبق البيت في 205.
(3) رواية (ط) بالجزم أي «من» بدل «فمن» وهي كذلك في اللسان.
(4) ورد هذا البيت في اللسان (رأي) برواية:
فمن را مثل معدان بن يحيى.
ولم ينسبه.
(5) سبق في 1/ 398 - 2/ 218.
(6) شطران من الرجز مع ثالث لهما وهو:
(3/307)
________________________________________
أريت إن جئت به أملودا ... مرجّلا ويلبس البرودا
فأمّا القول في: أرأيتك زيدا ما فعل، وفتح التاء في جميع الأحوال، فالقول في ذلك أنّ الكاف في أرأيتك لا يخلو من أن يكون للخطاب مجردا، ومعنى الاسم مخلوع منه «1»، [أو يكون دالا عليه مع دلالته] «2» على الخطاب فالدّليل على أنّه للخطاب مجردا من علامة الاسم أنّه لو «3» كان اسما لوجب «4» أن يكون
__________
أقائلن أحضري الشهودا في المحتسب 1/ 193 والخصائص 1/ 136، وهي من شواهد شرح الكافية 4/ 488 (ط: الفاتح) واللسان (رأى) عن ابن جني والخزانة 4/ 574، وشرح أبيات المغني 6/ 32.
والرجز مختلف في قائله، وأورده السكري في شرح أشعار الهذليين 2/ 651 لرجل من هذيل لم يسمّ، مع أشطار ثلاثة أخرى، ونسبه العيني في المقاصد 1/ 118 و 4/ 334 لرؤبة وهو في ملحقات ديوانه ص 173، واستبعد البغدادي هذه النسبة في شرح أبيات المغني والخزانة، كما استبعد رواية:
أحضروا، بواو الجمع، لأنّ المخاطب به امرأة ومن قصتها فيما نقله البغدادي في شرح أبيات المغني. قال: أخبرنا أبو عثمان التّوّزي عن أبي عبيدة قال:
أتى رجل من العرب له أمة، فلما حبلت جحدها فأنشأت تقول: الأبيات ...
ويروى: «جاءت» بدل «جئت». وقوله: أملود، قال الجوهري: غصن أملود، أي: ناعم ... والمرجل: اسم مفعول من رجل شعره ترجيلا، أي: سرحه.
ورواية (ط): «أريت إن جئت» بكسر التاء في الموطنين. والمثبت من (م) وكلاهما وجه.
(1) في (ط): منها.
(2) في (ط): أو تكون دالة على الاسم مع دلالتها.
(3) في (ط): إن.
(4) في (ط): وجب.
(3/308)
________________________________________
الاسم الذي «1» بعده في نحو قوله: أرأيتك هذا الذي كرمت علي [الإسراء/ 62] وقولهم: أرأيتك زيدا ما صنع؟ لو كان الكاف اسما ولم يكن حرفا للخطاب لوجب أن يكون الاسم الذي بعده الكاف الكاف «2» في المعنى، ألا ترى أنّ أرأيت «3»: يتعدّى إلى مفعولين يكون الأوّل منهما هو الثاني في المعنى وفي كون المفعول الذي بعده ليس الكاف، وإنّما هو غيره دلالة على أنّه ليس باسم، وإذا لم يكن اسما كان حرفا للخطاب مجردا من معنى الاسمية، كما أنّ الكاف في «ذلك- وهنالك- وأبصرك زيدا» للخطاب، وكما أنّ التاء في أنت، كذلك، فإذا ثبت أنّه للخطاب معرّى من معنى الاسميّة «4» ثبت أنّ التاء لا يجوز أن يكون فيه معنى «5» الخطاب، ألا ترى أنّه لا ينبغي أن تلحق الكلمة علامتان للخطاب، كما لا تلحقها علامتان للتأنيث، ولا علامتان للاستفهام فلما لم يجز «6» ذلك، أفردت التاء في جميع الأحوال، لمّا كان الفعل لا بدّ له من فاعل، وجعل في جميع الأحوال على لفظ واحد، لأنّ ما يلحق الكاف من «7» معنى الخطاب يبيّن الفاعلين، فيخصّص التأنيث من التذكير، والتثنية من الجمع، ولو لحقت
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت كلمة «الكاف» من (ط).
(3) في (ط): «رأيت».
(4) في (ط): الأسماء.
(5) في (ط): بمعنى.
(6) في (ط): «ولم يجز .. » بدل «فلما لم يجز ... ».
(7) في (ط): في.
(3/309)
________________________________________
علامة التأنيث والجمع التاء، لاجتمعت «1» علامتان للخطاب مما «2» يلحق التاء وما يلحق الكاف، فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى ما لا نظير له، رفض، وأجري على ما عليه سائر كلامهم من هذا النحو.
وكلّهم قرأ: به، انظر [الأنعام/ 46] «3» بكسر الهاء إلّا أنّ ابن المسيبي روى عن أبيه عن نافع به انظر برفع «4» الهاء، وكذلك أبو قرّة عن نافع أيضا، ولم يروه عن نافع غيرهما «5».
من قال: به انظر حذف الياء التي تلحق الهاء في نحو:
بهي عيب، لالتقاء الساكنين: وهما «6» الياء والفاء من انظر.
ومن قال: به انظر فهو على قول من قال: فخسفنا بهو وبدار هو [القصص/ 81] فحذف الواو لالتقاء الساكنين، كما حذف الياء من «7» بهي لذلك فصار به انظر، وممّا يحسّن هذا الوجه أنّ الضّمّة فيه مثل الضمة في أن اقتلوا [النساء/ 66] أو انقص [المزمل/ 3] ونحو ذلك.
فأمّا قوله: قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم، وختم على قلوبكم [الأنعام/ 46] ثمّ قال: يأتيكم به [الأنعام/ 46] فقال أبو الحسن: هو على السمع أو على ما أخذ منكم.
__________
(1) في (ط): «لحق ... لاجتمع».
(2) في (ط): ما.
(3) ورد في السبعة قبل هذه الآية الكلام عن الآية 44 فتحنا عليهم وقد أخّرها المصنف في الذكر إلى آخر السورة، وكأنه استدركها هناك.
(4) في (ط): فرفع.
(5) السبعة ص 257 - 258.
(6) كذا في (ط): وسقطت من (م).
(7) في (ط): في.
(3/310)
________________________________________
[الانعام: 54]
اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ]: «1» إنه من عمل ... فإنه غفور رحيم [الأنعام/ 54].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ: إنه من عمل فإنه غفور رحيم مكسورة «2» الألف فيهما.
وقرأ عاصم وابن عامر أنه من عمل فإنه بفتح الألف فيهما.
وقرأ نافع الرحمة أنه [الأنعام/ 54] بفتح الألف فإنه غفور رحيم كسرا «3».
من كسر فقال: الرحمة إنه من عمل منكم جعله تفسيرا للرّحمة، كما أنّ قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم [المائدة/ 9] تفسير للوعد.
فأمّا كسر إنّ من «4» قوله: فإنه غفور رحيم فلأنّ ما بعد الفاء حكمه الابتداء، ومن ثمّ حمل «5» قوله: ومن عاد فينتقم الله منه [المائدة/ 95] على إرادة المبتدأ بعد الفاء، وحذفه.
وأمّا من فتح أنّ في قوله: أنه فإنّه جعل أن* الأولى بدلا من الرّحمة، كأنّه: كتب ربّكم على نفسه أنّه من عمل منكم.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): بكسر.
(3) في (ط): مكسورا. وانظر السبعة ص 258.
(4) في (ط): في.
(5) كذا ضبطه في (ط) بالبناء للمفعول وفي (م) ضبطه بالبناء للفاعل.
(3/311)
________________________________________
وأمّا فتحها بعد الفاء من قوله: «1» فأنه غفور رحيم [الأنعام/ 54]، فعلى أنّه أضمر له خبرا تقديره: فله أنّه غفور رحيم، أي: فله غفرانه، أو أضمر مبتدأ يكون أنّ خبره، كأنّه، فأمره أنّه غفور رحيم. وعلى هذا التقدير يكون الفتح في قول من فتح: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم [التوبة/ 63] تقديره: فله أنّ له نار جهنّم، إلّا أنّ إضماره هنا «2»
أحسن لأنّ ذكره قد جرى في صلة أن ... ، وإن شئت قدّرت، فأمره
أنّ له نار جهنّم، فيكون خبر هذا المبتدأ المضمر.
ومثل البدل في هذا قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7] المعنى: وإذ يعدكم الله كون إحدى الطائفتين، مثل قوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63].
ومن ذهب في هذه الآية إلى أنّ أنّ «3» التي بعد الفاء تكرير من
الأولى لم يستقم قوله وذلك أنّ من ... لا تخلو من أن تكون للجزاء
الجازم الذي اللفظ عليه، أو تكون موصولة، ولا «4» يجوز أن يقدّر التكرير مع الموصولة، ولو كانت موصولة لبقي المبتدأ بلا خبر. ولا يجوز ذلك في الجزاء الجازم، لأنّ الشرط يبقى بلا جزاء، فإذا لم يجز ذلك، ثبت أنّه على ما ذكرنا، على أنّ ثبات الفاء في قوله:
فأن له، يمنع من أن يكون بدلا، ألا ترى أنّه لا يكون بين البدل
__________
(1) سقط من (ط): من قوله.
(2) في (ط) هاهنا.
(3) سقطت: (أنّ) من (م).
(4) في (ط): «فلا».
(3/312)
________________________________________