المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتاوى نور على الدرب


AshganMohamed
10-15-2019, 01:19 AM
http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة



الكتاب: فتاوى نور على الدرب
المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420هـ)
جمعها: الدكتور محمد بن سعد الشويعر
قدم لها: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
عدد الأجزاء: 22
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
ـ[فتاوى نور على الدرب]ـ
المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420هـ)
جمعها: الدكتور محمد بن سعد الشويعر
قدم لها: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
عدد الأجزاء: 22
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
(/)
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فبحمد الله وتوفيقه تم الانتهاء من (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) لسماحة شيخنا الإمام العلامة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز - غفر الله له ورحمه، وأسكنه الفردوس الأعلى من جنانه - وقد قام بجمعها وترتيبها معالي الشيخ الدكتور / محمد بن سعد الشويعر - جزاه الله عنا وعن شيخنا وعن سائر المسلمين خير الجزاء وأوفاه - وها نحن الآن في بواكير (فتاوى نور على الدرب) لسماحة شيخنا العلامة الشيخ / عبد العزيز بن باز - رحمه الله - والتي قام بجمعها وترتيبها معالي الشيخ الدكتور/ محمد بن سعد الشويعر، وفقه الله.
وقد تميزت هذه الفتاوى بما تميز به شيخنا - غفر الله له - من التعظيم للكتاب والسنة، والصدور عنهما، وتقديم ما دل الدليل عليه من آراء الرجال، مع ما وهبه الله لسماحته - غفر الله له - من فقه واطلاع واسع، وذاكرة حاضرة بأنواع المحفوظات، ودقة في
(1/3)
________________________________________
الاستنباط، وتأدب مع أهل العلم بل والعامة، ولغة فصيحة قريبة سهلة المأخذ، لا تنبو عن أفهام العوام، ولا تتصاغر أمام عقول فحول العلماء، هبة من الله وفضلا، {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} (1).
عاش - غفر الله له - مجاهدا في العلم والتعلم والدعوة والتعليم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس، وبذل النصح للخاص والعام، مقربا محببا للولاة والرعية، بذل ماله ووقته وجاهه وجهده لله عز وجل، كان محبا للضعفاء والمساكين في سائر بقاع الأرض، ساعيا جهده لنفعهم ورفع الضرر عنهم، ضرب في كل ميدان من ميادين الخير بسهم، عظم السنة في قلبه فعظم الله شأنه في قلوب خلقه، مهيبا معظما على لطفه ولينه وسماحته، فسبحان من جمع له الخير من أطرافه، وبارك له في عمره وعمله، وقد لقي عاجل بشرى المؤمن ثناء حسنا من الناس حيث سار، بل في السر والجهار، فالحمد لله على فضله وإحسانه؛ وإن من إحسان الله إليه أن هيأ لعلمه من يقوم عليه؛ جمعا ودراسة وترتيبا ونشرا، فضلا من الله ومنة؛ جزاء ما بذل، وهذا من أمارات الخير له غفر الله له ورحمه.
هذا وإني قد سمعت جميع ما ورد في هذه الفتاوى من قراءة معالي الشيخ الدكتور/ محمد بن سعد الشويعر - وفقه الله - في مجالس منتظمة لسنوات عدة، وذلك من خلال ما فرغ من أشرطة فتاوى نور على
__________
(1) سورة البقرة الآية 105
(1/4)
________________________________________
الدرب، التي بلغت (435) شريطا، فشكر الله سعيه ووصله بإحسانه ووفقه لما يحبه ويرضاه سبحانه.
كما أسأله سبحانه أن ينفع بهذا الجهد، وأن يجعله خالصا لوجهه مقربا لمرضاته، نافعا لعباده المؤمنين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
(1/5)
________________________________________
كتاب العقيدة
(1/7)
________________________________________
باب ما جاء في التوحيد
1 - تعريف الإسلام
س: أرجو توضيح معنى الإسلام؟ (1)
ج: الإسلام معناه الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، إذلالا وخضوعا، هذا معنى الإسلام، يقال: أسلم فلان لفلان: ذل له وانقاد له، وأعطاه مطلوبه. فالإسلام معناه ذل لله، وانقياد لله؛ بتوحيده والإخلاص له، وطاعة أوامره، وترك نواهيه، هذا هو الإسلام، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (2). وسمي المسلم مسلما: لأنه منقاد لله ذليل مطيع له سبحانه في فعل ما أمر، وترك ما نهى، ويطلق الإسلام على جميع ما أمر الله به ورسوله: من صلاة وصوم وحج وإيمان، وغير ذلك، كله يسمى إسلاما، كما قال الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (3)، وقال
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (373).
(2) سورة آل عمران الآية 19
(3) سورة المائدة الآية 3
(1/9)
________________________________________
سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1). فالمسلم هو المنقاد لأمر الله؛ قولا وعملا وعقيدة، والإسلام هو الانقياد لأمر الله، والتسليم لأمر الله، والذل لأمر الله من جميع الوجوه.
...
__________
(1) سورة آل عمران الآية 85
(1/10)
________________________________________
2 - معنى شهادة أن لا إله إلا الله
س: نطلب من سماحتكم أن تشرحوا لنا معنى الركن الأول من أركان الإسلام، وما يقتضيه ذلك المعنى، وكيف يتحقق في الإنسان؟ وما حكم من جهل شيئا منه؟ (1):
ج: إن الله بعث نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس عامة عربهم وعجمهم، جنهم وإنسهم، ذكورهم وإناثهم، يدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له وإلى الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام وبما جاء به وإلى الإيمان بجميع المرسلين وبجميع الملائكة، والكتب المنزلة من السماء وباليوم الآخر، وهو البعث والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار، وبالقدر خيره وشره، وإن الله قدر الأشياء، وعلمها وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى، فكل شيء يقع فهو بقضاء الله وقدره
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (74).
(1/10)
________________________________________
سبحانه وتعالى، وأمر الناس أن يقولوا: لا إله إلا الله، هذا هو أول شيء دعا إليه، وهو الركن الأول من أركان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فلما قال للناس قولوا: لا إله إلا الله، وأمر أن يؤمنوا بأنه رسول الله عليه الصلاة والسلام امتنع الأكثرون وأنكروا هذه الدعوة، وقالت له قريش ما ذكر الله عنهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (1)،: وقال سبحانه عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (2) {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (3)، فاستنكروا هذه الدعوة؛ لأنهم عاشوا على عبادة الأوثان والأصنام واتخاذ الآلهة مع الله عز وجل، ولهذا أنكروا دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى توحيد الله والإخلاص له، وهذا الذي دعا إليه - صلى الله عليه وسلم - هو الذي دعت إليه الرسل جميعا كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (4)، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (5).
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
__________
(1) سورة ص الآية 5
(2) سورة الصافات الآية 35
(3) سورة الصافات الآية 36
(4) سورة النحل الآية 36
(5) سورة الأنبياء الآية 25
(1/11)
________________________________________
«بني الإسلام على خمس يعني: على خمس دعائم: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت (1)»، وفي الصحيح أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن «النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاه سائل يسأله في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه من الحاضرين أحد، فقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال: " الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ": قال: صدقت. قال الصحابة: فعجبنا له يسأله ويصدقه ثم قال ما الإيمان؟ قال: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال صدقت قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. (2)» الحديث. ثم أخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا هو جبرائيل أتاهم يعلمهم دينهم، لما لم يسألوا أتاهم جبرائيل بأمر الله يسأله عن هذا الدين العظيم حتى يتعلموا ويستفيدوا، فدين الإسلام مبني على هذه الأركان الخمسة الظاهرة:
أولها: شهادة أن لا إله
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب بني الإسلام على خمس، برقم 8، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، برقم 8.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان وأركان الإسلام ودعائمه العظام، برقم 16.
(1/12)
________________________________________
إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ثانيها: إقام الصلوات الخمس.
ثالثها: أداء الزكاة.
رابعها: صوم رمضان.
خامسها: حج بيت الله الحرام.
وعلى أركان باطنة إيمانية في القلب وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
فلا بد من هذه الأصول، ولا بد أن يؤمن المكلف بهذه الأصول الستة الباطنية التي تتعلق بالقلب، فيؤمن أن الله ربه وإلهه ومعبوده الحق سبحانه وتعالى، ويؤمن بملائكة الله وبكتب الله التي أنزلها على الأنبياء من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وغير ذلك، ويؤمن أيضا بالرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده أولهم نوح وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، وهم كثيرون بين الله بعضهم في القرآن العظيم، ويؤمن أيضا باليوم الآخر والبعث بعد الموت والجزاء من عند الله عز وجل وأن أهل الإيمان لهم السعادة، وأهل الكفر لهم الخيبة والندامة والنار، ولا بد من الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن الله قدر الأشياء وعلمها وكتبها وأحصاها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وكل ما يقع في الوجود من خير وشر وطاعة ومعصية فقد سبق بهذا علم الله وكتابته وقدره سبحانه وتعالى.
فالأصل العظيم الأول الذي طالبت به الرسل هو الإيمان بأن الله هو الإله الحق سبحانه وتعالى، وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، هذا أصل أصيل أجمعت عليه الرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم دعوا إلى
(1/13)
________________________________________
هذا الأصل الأصيل، وهو أن يؤمن الناس بأن الله هو الإله الحق وأنه لا معبود بحق سواه، وهذا هو معنى لا إله إلا الله أي: لا معبود حق إلا الله، وما عبده الناس من أصنام أو أشجار أو أحجار أو أنبياء أو أولياء أو ملائكة كله باطل، العبادة بالحق لله وحده سبحانه وتعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (1)، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2)، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3)، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (4).
ولا بد مع هذا الأصل من الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام من عهد نوح الإيمان بنوح، وفي عهد هود الإيمان بهود، مع توحيد الله، وفي عهد صالح الإيمان بصالح، مع توحيد الله وهكذا في عهد كل رسول لا بد من توحيد الله، والإيمان بأنه لا إله إلا الله ولا بد من الإيمان بالرسول الذي بلغ الرسالة في عهده إلى آخرهم عيسى عليه الصلاة والسلام، آخر الأنبياء بني إسرائيل، ثم بعث الله خاتمهم وأفضلهم نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم -، فعيسى هو آخر أنبياء بني إسرائيل، ومحمد هو آخر الأنبياء وخاتم الأنبياء جميعا، ليس بعده نبي ولا رسول عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل الرسل، وهو إمامهم، وهو خاتمهم،
__________
(1) سورة البقرة الآية 163
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة البينة الآية 5
(1/14)
________________________________________
فلا بد في حق الأمة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - جنها وإنسها، عربها وعجمها، ذكورها وإناثها، أغنيائها وفقرائها، حكامها ومحكوميها، لا بد أن يؤمنوا بهذا النبي، فمن لم يؤمن به فلا إسلام له، ولا دين له، فلا بد من الإيمان بأن الله هو الإله الحق، وأنه لا إله بحق إلا الله، ولا بد من الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأنه رسول الله حقا، إلى جميع الناس، فمن لم يؤمن بهاتين الشهادتين فليس بمسلم، إذ لا بد من الإيمان بهما واعتقاد معناهما، وأن معنى لا إله إلا الله؛ معناها لا معبود حق إلا الله فلا يجوز أن يدعى مع الله ملك أو نبي أو شجر أو حجر أو جن أو صنم، فإذا قال: يا رسول الله انصرني. بعد موته - صلى الله عليه وسلم -، أو قال: يا سيدي البدوي انصرني. أو: اشف مريضي. أو: يا سيدي الحسين. أو: يا سيدي عبد القادر. أو: المدد المدد. صار هذا شركا بالله عز وجل، يبطل معنى لا إله إلا الله؛ لأنك لم تأت بالعبادة لله وحده، بل أشركت مع الله غيره، ودعوت مع الله غيره، والله يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1)، ويقول سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (2)، ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) ويقول جل وعلا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) ويقول:
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة يونس الآية 106
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة الإسراء الآية 23
(1/15)
________________________________________
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1).
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدعاء هو العبادة (2)». ويقول جل وعلا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (3). فلا بد من إخلاص العبادة لله وحده، ومنها الدعاء، فإذا قلت للميت أو للشجر أو للصنم: أغنني، انصرني، اشف مريضي، المدد المدد. صار شركا بالله، وصار نقضا لقول: لا إله إلا الله. وهكذا من كذب الرسول محمدا - صلى الله عليه وسلم -، وشك في رسالته، أو قال: إنه للعرب دون العجم - أو قال: إنه ليس خاتم النبيين بل بعده نبي. كل هذا كفر وضلال، ونقض للإسلام، نسأل الله العافية. فلا بد من الإيمان بأنه رسول الله حقا إلى جميع الثقلين الجن والإنس، ولا بد من الإيمان بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، ليس بعده نبي، وأن من ادعى النبوة بعده كافر بالله كذاب؛ كمسيلمة، والأسود العنسي في اليمن، وسجاح التميمية، وطليحة الأسدي، وجميع من ادعوا من بعده، فأجمع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على كفرهم وقاتلوهم؛ لأنهم كذبوا معنى قوله سبحانه: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (4). وقد تواترت الأحاديث عن
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) أخرجه الإمام أحمد في أول مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 17888
(3) سورة غافر الآية 60
(4) سورة الأحزاب الآية 40
(1/16)
________________________________________
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي (1)».
فهذه الشهادة التي هي شهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، هي الأصل الأصيل، وهي الركن الأول من أركان الإسلام، فلا إسلام إلا بهاتين الشهادتين، لو صلى وصام وحج، وصام النهار وقام الليل، وذكر الله كثيرا، ولكنه لا يؤمن بأن الله هو المستحق للعبادة، لا يؤمن بأن: لا إله إلا الله، بل يرى أنه لا مانع من عبادة الأوثان والأصنام، لا يرى مانعا من عبادة البدوي أو الحسين أو الشيخ عبد القادر أو علي بن أبي طالب، أو غيرهم، إذا اعتقد أنه يجوز هذا؛ يدعوهم من دون الله، يستغيث بهم، ينذر لهم، صار مشركا بالله عز وجل، وصار كلامه هذا وعقيدته ناقضة لقول: لا إله إلا الله. وهكذا لو قال: إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - ليس بخاتم الأنبياء. أو: ليس مرسلا للثقلين بل هو للعرب خاصة. كان كافرا بالله عز وجل، فلا بد أن يؤمن بأنه رسول الله إلى جميع الثقلين، ولا بد أن يؤمن بأنه خاتم الأنبياء، ليس بعده نبي ولا رسول. هذا هو الأصل الأصيل.
ثم بعد هذا يطالب المسلم بعد هذا بالصلاة، يطالب بالزكاة بالصيام بالحج، ببقية الأوامر، وترك النواهي بعد ما يثبت هذا الأصل، بعد إيمانه بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؛
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار، ومن حديث ثوبان رضي الله عنه، برقم 27703.
(1/17)
________________________________________
يعني: إيمانه بأن الله سبحانه هو المعبود الحق، وأن العبادة حقه وحده، وأنه لا يعبد معه سواه؛ لا نبي ولا ملك ولا شجر ولا صنم، ولا غير ذلك. ولا بد من الإيمان بأن محمدا رسول الله، مع التصديق بجميع الأنبياء الماضين، وأنهم أدوا الرسالة، وبلغوها عليهم الصلاة والسلام، مع الإيمان بجميع ما تقدم؛ بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. لا بد من هذا وهذا، ولا بد مع هذا كله من التصديق بما أخبر الله به ورسوله عما كان وما يكون، فالله صادق في خبره، ورسوله صادق عليه الصلاة والسلام. فمن كذب الله أو كذب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كفر، ولو صلى وصام، نسأل الله للجميع الهداية.
***
(1/18)
________________________________________
3 - بيان مراتب دين الإسلام
س: يسأل المستمع من الرياض ويقول: ما هي مراتب الدين، مع ذكر أركان كل مرتبة؛ جزاكم الله خيرا (1).
ج: مراتبه ثلاث: الإسلام، والإيمان، والإحسان. كما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
المرتبة الأولى: الإسلام؛ المرتبة العامة، وأركانها خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؛ وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت. وكل عمل مما شرعه الله داخل في الإسلام.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (433).
(1/18)
________________________________________
والمرتبة الثانية: الإيمان: وأركانها ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
المرتبة الثالثة: الإحسان؛ وهو ركن واحد، ومعناه: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وجميع الأعمال الصالحة داخلة في الإسلام والإيمان، فإذا جمع المؤمن بين الأعمال كلها الظاهرة والباطنة صار مسلما مؤمنا، وإذا عبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه، صار مسلما مؤمنا محسنا نسأل الله للجميع التوفيق.
***
(1/19)
________________________________________
4 - العقيدة الصحيحة هي أصل الدين وأساس الملة
س: الأخ/ س. ع. م. ل. من الحبشة، مقيم في مدينة جدة، يسأل ويقول: لقد تعلمت في بلدي الحبشة بعض العلوم الدينية، ولكني لا أعلم صحتها خاصة فيما يتعلق بالعقيدة، إذ تتخللها بعض التوهيمات الصوفية، أدركت هذا بعد قدومي إلى هذا البلد. أرجو توجيهي جزاكم الله خيرا (1).
ج: العقيدة أهم الأمور، وهي أصل الدين وأساس الملة، وهي التي بدأ بها الرسل عليهم الصلاة والسلام أممهم، وبدأ بها نبينا - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (165).
(1/19)
________________________________________
أمته، فمكث في مكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان بأسمائه وصفاته، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه المستحق للعبادة، وكانت العرب تعرف أن الله رب العالمين، وأنه خالقهم ولكنهم يتخذون معه الأنداد والآلهة؛ من الشجر والحجر والأصنام وبني آدم والجن، وغير ذلك. فبين لهم - صلى الله عليه وسلم - أن العبادة حق الله وحده، وأن الواجب عليهم إخلاص العبادة لله وحده، وقال: «يا قومي قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا (1)». فلما قال لهم هذا استنكروا ذلك، وأنزل الله في حقهم قوله تعالى عنهم أنهم قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (2).
فالعقيدة هي أهم الأمور، وهي أساس الدين، فالواجب على طالب العلم أن يعتني بها حتى يتقنها على بصيرة، وحتى يعلمها على بينة.
والخلاصة في ذلك أن الذي عليه أهل السنة والجماعة وهو الذي بعث الله به الرسل وبعث به خاتمهم نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام؛ هو الإيمان بالله وحده، وإخلاص العبادة له جل وعلا، والإيمان بأنه مستحق للعبادة، ولا يدعى إلا هو، ولا يستغاث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يتقرب بالذبائح والنذور إلا له سبحانه وتعالى. إلى غير هذا من العبادات كما قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3).
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، من حديث ربيعة بن عبادة الديلي رضي الله عنه، رقم 15593.
(2) سورة ص الآية 5
(3) سورة البينة الآية 5
(1/20)
________________________________________
وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1)، وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2)، وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (3).
وهذه العبادة خلق الله من أجلها الثقلين، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4). المعنى ليخصوني بالعبادة وبالدعاء، وبالخوف والرجاء والتوكل، والصلاة والصوم، والذبح والنذر، ونحو ذلك.
وبعث الله الرسل بذلك سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (5). والطاغوت: كل ما عبد من دون الله، قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (6).
فالتقرب إلى أصحاب القبور؛ بالذبائح أو بالنذور أو بالدعاء، أو طلب الشفاء أو المدد، هذا من الشرك بالله عز وجل، ويناقض قول: لا إله إلا الله. فالواجب على المسلمين أن يعبدوا الله وحده، وأن يخصوه بدعائهم وخوفهم، ورجائهم وذبحهم ونذرهم، وصلاتهم وصومهم، ونحو ذلك، أما الأموات المسلمون فيدعى لهم بالمغفرة
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الذاريات الآية 56
(5) سورة النحل الآية 36
(6) سورة الأنبياء الآية 25
(1/21)
________________________________________
والرحمة، تزار قبورهم للذكرى؛ لذكر الآخرة، وذكر الموت، وللدعاء لهم: اللهم اغفر لهم واللهم ارحمهم. فقد كان النبي يزور القبور عليه الصلاة والسلام، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، ويقول: «زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة (1)». وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين (2)».
فعلم أصحابه أن يدعوا للأموات، ويستغفروا لهم، ويترحموا عليهم، لا أن يدعوهم مع الله، ولا أن يستغاث بهم، ولا أن يطلب منهم المدد، فإنهم عاجزون عن ذلك، هذا بيد الله سبحانه وتعالى؛ هم في حاجة إلى الدعاء لهم، في حاجة إلى أن يدعو لهم أخوهم المسلم، وأن يستغفر لهم. كان يزور البقيع عليه الصلاة والسلام، ويقول: «السلام عليكم أهل الديار من القوم المؤمنين، غدا مؤجلون وأتاكم ما توعدون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (3)» يدعو لهم عليه الصلاة والسلام، هذا هو الواجب،
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال في دخول القبور، برقم 974.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم 974.
(1/22)
________________________________________
وهذا هو المشروع في زيارة الموتى؛ الدعاء لهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم. أما أن يطلب منهم المدد، ويقول: المدد المدد يا فلان. فإن هذا من الشرك الأكبر، أو: يا سيدي، اشف مريضي، يا سيدي البدوي يا سيدي الحسين. أو: يا فلان، أو يا فلانة. أو: اشف لنا مرضانا. أو: المدد المدد. أو: انصرنا. أو ما أشبهه، فهذا لا يجوز، بل هذا من أنواع الشرك الأكبر، وهكذا إذا فعلها مع الأصنام أو مع الأشجار أو مع الجن، كله شرك بالله سبحانه وتعالى، أما الحي فلا بأس أن يطلب منه ما يقدر عليه من الأمور العادية، الحي الحاضر، القادر، تقول: يا أخي، ساعدني على كذا، أقرضني كذا، امنعني من خادمك؛ لأنه آذاني، أو ولدك، أو زوجتك، انههم عني، لا تؤذني بكذا. حتى يمنعه من الأذى، الشيء المعتاد لا بأس به بين الناس، وليس من الشرك، إنما الشرك طلب الأموات، والاستغاثة بالأموات أو بالغائبين، يعتقد أن فيهم سرا وأنهم يسمعونه من بعيد، يدعوهم يطلبهم المدد، هذا هو الشرك الأكبر، أما حي حاضر قادر تخاطبه في أمور يقدر عليها، أو تكتب إليه، أو بالهاتف بالتليفون، تقول: أقرضني كذا. أو ساعدني في مزرعتي في كذا. أو: بعني كذا. أو: ماذا ترى في كذا. تشاوره في كذا، هذه أمور عادية بين المسلمين وغير المسلمين، بين الأحياء سواء كان من طريق المشافهة، أو من طريق المكاتبة، أو من طريق الهاتف - التليفون - أو البرقية، أو ما أشبه ذلك. هذه أمور عادية ليس فيها بأس، إنما المنكر والشرك أن تدعو الأموات، أو الأصنام أو
(1/23)
________________________________________
الأحجار أو الأشجار، تدعوهم تسألهم الشفاعة، تسألهم الغوث، المدد، أو الغائبون عنك الذين لا يسمعونك، تعتقد فيهم أنهم يسمعونك، وأن لهم سرا، أو تدعو الجن، أو ما أشبه ذلك، هذا هو المنكر، هذا هو الشرك الذي أنكرته الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنكره نبينا عليه الصلاة والسلام، وبعث الله الرسل بإنكاره والتحذير منه، نسأل الله أن يوفق المسلمين لكل خير، وأن يبصر المسلمين بما فيه رضاه، وأن يهدي جميع المسلمين للفقه في الدين.
***
(1/24)
________________________________________
5 - حكم إطلاق كلمة العقيدة
س: السائل يقول: بأن اسم العقيدة ليس صحيحا وليس له أصل وإنما الصحيح أن يقول الإنسان: اسم الإيمان بدل العقيدة فهل هذا صحيح؛ (1).
ج: ليس بصحيح، بل درج العلماء على أنهم يسمون ما يتعلق بالقلوب: عقيدة. وما يتعلق بالتوحيد والصفات: عقيدة؛ يعتقدها في قلبه: يعني: يعقد عليها قلبه، يعتقد عليها قلبه. فلا بأس بالتسمية، ولا حرج فيها؛ أن يقال: عقيدة فلان عقيدة أهل السنة والجماعة. وهو ما يعتقدونه ويؤمنون به، وهو يسمى عقيدة؛ لأنهم يعتقدونه ويجزمون
__________
(1) السؤال الثالث عشر، من الشريط رقم (374).
(1/24)
________________________________________
به، ويقولون به فلهذا سمي عقيدة من عقد القلب عليه وإيمانه به.
(1/25)
________________________________________
6 - بيان كيفية تصحيح المرء عقيدته
س: يقول السائل: كيف يصحح المسلم العقيدة الإسلامية، وكيف يحافظ عليها؟ (1).
ج: يتفقه في الدين، ويتبصر ويتعلم؛ حتى يعلم العقيدة، ويحافظ عليها، يسأل أهل العلم، وإن كان طالب علم يتأمل القرآن والسنة، حتى يعرف العقيدة الصحيحة التي دل عليها القرآن ويتمسك بها، ويستقيم عليها، وإذا كان عنده إشكال يسأل أهل العلم الذين يثق فيهم ويطمئن إليهم عما أشكل عليه؛ حتى يكون على بصيرة.
...
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (432).
(1/25)
________________________________________
7 - أصح كتب العقيدة
س: أرشدني - وفقكم الله - عن أصح كتاب في العقيدة الإسلامية الصحيحة؟ (1).
ج: أصح كتاب وأشرف كتاب وأعظم كتاب في العقيدة وفي غيرها هو كتاب الله القرآن، هذا أعظم كتاب وأشرف كتاب، وأصدق
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (125).
(1/25)
________________________________________
كتاب؛ وهو كتاب الله؛ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. فالوصية لك أيها السائل، ولكل مسلم ولكل مسلمة التمسك بكتاب الله، والعناية بكتاب الله، والإكثار من تلاوته، وتدبر معانيه، والحرص على حفظ ما تيسر منه، فهو الكتاب العظيم المنزل الذي نزله الله على عباده؛ ليحفظوه ويستقيموا عليه ويعملوا به، وفيه الحق الواضح والهدى المستبين؛ كما قال عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (1)، وقال سبحانه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} (2) {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (3) وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (4).
فالوصية: العناية بهذا الكتاب العظيم، والإكثار من تلاوته، وتدبر معانيه، والمذاكرة فيه مع زملائك ومع إخوانك، ومراجعة كتب التفسير المأمونة؛ مثل: كتاب أضواء البيان، وتفسير البغوي، وتفسير ابن كثير رحمة الله عليهم، وأشباههم من أئمة الهدى؛ لأنهم أوضحوا معاني الآيات، وأوردوا ما جاء فيها من الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. فعليك يا أخي أن تقبل على كتاب الله، وأن تعتني بكتاب الله، ثم سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ففيها الهدى والنور أيضا: صحيح البخاري، صحيح مسلم، وبقية الكتب الستة، وهكذا كتب أخرى،
__________
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2) سورة فصلت الآية 41
(3) سورة فصلت الآية 42
(4) سورة النحل الآية 89
(1/26)
________________________________________
التي فيها بيان للحق: كموطأ مالك رحمه الله، وسنن الدارمي رحمه الله، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، والحاكم، وغيرها من الكتب التي فيها الخير الكثير. وإذا كنت من أهل العلم بالحديث، أمكنك أن تميز بين الصحيح والسقيم من الأحاديث التي في الكتب المذكورة، ما عدا الصحيحين فإنهما قد تلقتهما الأمة بالقبول، وأجمعت على ذلك، فعليك أن تسير على نهج الأخيار من أئمة الحديث وأئمة السنة، فالصحيحان كل أحاديثهما معتمدة، وهي محل اعتماد أهل السنة والجماعة، وقد تلقتهما الأمة بالقبول، فعض عليهما بالنواجذ، وتمسك بهما مع كتاب الله سبحانه، وهكذا بقية الكتب الستة، وما ذكرنا من الكتب، عليك بها والاستقامة على ما فيها، وما وجد فيها من ضعيف فقد بينه أهل العلم، وأوضحوا أسباب ضعفه.
أما الكتب المؤلفة في العقائد فهي كثيرة؛ من أحسنها كتاب التوحيد لابن خزيمة، وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، للرد على المعتزلة وأهل البدع، وكتاب زاد المعاد لابن القيم، فيه خير كثير من جهة العقيدة والأحكام، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم، للرد على أهل البدع، الصواعق المرسلة لابن القيم، للرد على أهل البدع، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ كتاب مختصر عظيم مفيد على طريقة أهل السنة والجماعة، أوصي بحفظه، وأن يحفظه طالب العلم؛ لما فيه من الخير العظيم، ولما فيه من بيان عظيم عن مذهب أهل السنة والجماعة، وله أيضا كتاب الرسالة الحموية؛ أجاب فيه على أهل حماة
(1/27)
________________________________________
في أسئلتهم فيما يتعلق بالصفات والأسماء والعقيدة، وهو أيضا جواب عظيم ومفيد، وهكذا له رسالة أخرى سماها: التدمرية؛ عندما جاء أهل تدمر، وهي رسالة عظيمة أيضا في بيان العقيدة الصحيحة، وهكذا عقيدة الطحاوي رحمه الله، ولها شرح عظيم للإمام العز، شرح جيد، وهي جيدة في نفسها، مفيدة سوى كلمات يسيرة نبه عليها الشارح، وهي عقيدة مهمة ولها شرح عظيم مفيد، وهكذا كتاب التوحيد، لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، كتاب طيب مهم، والثلاثة الأصول له رحمه الله؛ إجابة مختصرة، وهكذا كشف الشبهات له أيضا، رسالة مختصرة مفيدة في العقيدة، وهكذا فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو كتاب مفيد وعظيم، وهكذا شرح هذا الكتاب ومؤلفه الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فسماه: تيسير العزيز الحميد لشرح كتاب التوحيد، وهو كتاب مفيد عظيم.
فهذه الكتب وأشباهها من الكتب الطيبة المؤلفة في العقيدة، وهي مفيدة وننصح بمراجعتها، والاستفادة منها، لكن أعود وأبين أن أعظم كتاب، وأشرف كتاب، وأصدق كتاب؛ هو كتاب الله سبحانه وتعالى؛ فيه الكفاية العظيمة لمن استشفى به ولمن استند عليه. كان السلف الصالح ليس عندهم هذه الكتب الجديدة، وإنما عندهم كتاب الله، وعندهم سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكفتهم والحمد لله؛ عند الصحابة والتابعين القرآن العظيم وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففيهما الكفاية والهدى، ولكن لا مانع من الاستعانة بكتب أهل العلم، المعروفين بالخير مثل ما تقدم،
(1/28)
________________________________________
لا مانع من الاستعانة بكتبهم والاستفادة منها، ودعوة الناس إلى الاستفادة منها؛ لأن بعض الناس قد لا يثق بفهمه، من الكتاب والسنة ولا يطمئن إلى فهمه. فإذا استعان بكتب أهل العلم المعروفين؛ ووافق ما عندهم ما فهمه من الكتاب والسنة؛ ازداد نورا، وازداد بصيرة؛ واطمأن قلبه؛ والله ولي التوفيق.
***
(1/29)
________________________________________
8 - أفضل الكتب في بيان العقيدة
س: ما هي أفضل الكتب في العقيدة (1).
ج: أفضل الكتب وأصحها: القرآن العظيم، فقد بين العقيدة الصحيحة، فالقرآن هو كتاب الله، وأصدق كتاب، وأفضل كتاب، وأعظم كتاب في بيان العقيدة الصحيحة؛ بيان أسماء الله وصفاته، وتوحيده وإخلاص العبادة له سبحانه وتعالى، هو أعظم كتاب، ثم يليه بعد ذلك من السنة: البخاري ومسلم الصحيحان، هما أعظم الكتب المفيدة من كتب الحديث بعد القرآن؛ لأن فيهما أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة، الصحيحان: صحيح البخاري وصحيح مسلم، هما أصح الكتب وأنفعها بعد كتاب الله عز وجل، ثم بقية الكتب المعروفة في الحديث: سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والطبراني، ومسند الإمام أحمد، وسنن الدارمي، كتب جيدة ومفيدة،
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (299).
(1/29)
________________________________________
وإن كان فيها بعض أحاديث ضعيفة لكنها كتب مفيدة عظيمة، وكتب العقيدة كثيرة لكن منها ما ألفه السلف الصالح؛ مثل: عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية، مثل كتاب عبد الله بن أحمد في اعتقاد أهل السنة والرد على البدع، ومثل كتاب التوحيد لابن خزيمة في التوحيد والرد على أهل البدع، وأشباهها من الكتب المفيدة؛ مثل الطحاوية وشرحها، ومثل لمعة الاعتقاد للموفق، والعقيدة الواسطية، والتدمرية والحموية؛ كتب ابن تيمية كلها في العقيدة، وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فهو كتاب عظيم مفيد، وكشف الشبهات في العقيدة كذلك للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وثلاثة الأصول: كتاب مختصر في العقيدة للشيخ محمد رحمه الله.
...
س: هذا يسأل سماحتكم عن مجموعة من الكتب خاصة الكتب التي تبحث في العقيدة؟ (1).
ج: فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن، تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله، التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية، الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية أيضا، العقيدة الواسطية له أيضا، زاد المعاد لابن القيم رحمه الله، إغاثة اللهفان لابن القيم رحمه الله، الصواعق المرسلة لابن القيم رحمه الله، اجتماع الجيوش الإسلامية
__________
(1) السؤال الرابع والأربعون من الشريط رقم (301).
(1/30)
________________________________________
لابن القيم رحمه الله، كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثلاثة الأصول، كشف الشبهات له أيضا رحمه الله، كل هذه كتب عظيمة ومفيدة، الطحاوية وشرحها لابن أبي العز الحنفي، كلها طيبة في العقيدة، وأعظم ذلك وأكبره القرآن العظيم هو أعظم وأكبر، وهو أفضل كتاب وأعظم كتاب، كتاب الله القرآن، هو كتاب عقيدة، وكتاب فقه، وكتاب أحكام. فنوصي كل مسلم ومسلمة بالعناية بالقرآن، والإكثار من تلاوته، وتدبر معانيه، ففيه العلم العظيم بالعقيدة، والأحكام الشرعية، وهكذا أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتب الحديث الشريف؛ كالصحيحين البخاري ومسلم، ومثل رياض الصالحين، ومنتقى الأخبار لابن تيمية، بلوغ المرام للحافظ ابن حجر، كتب جيدة عظيمة في الحديث، وعمدة الحديث للشيخ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، كتاب عظيم.
...
س: السائل من سوريا يقول: أنا أريد أن أتفقه في أمور ديني، وخصوصا في العقيدة، فما الكتب التي توصونني وزملائي بقراءتها في كتب العقيدة مأجورين؟ (1).
ج: أوصيك وكل مسلم بالقرآن؛ هو كتاب العقيدة الأصل العظيم؛ والإكثار من تلاوته؛ وتدبر معانيه وحفظه إذا تيسر؛ وهو أعظم
__________
(1) السؤال الحادي والأربعون من الشريط رقم (411).
(1/31)
________________________________________
كتاب وهو أصدق كتاب، وهو فيه بيان العقيدة التي أمر الله بها عباده؛ من التوحيد والأسماء والصفات، وغير ذلك، فعليكم بالإكثار من تلاوة القرآن، والإكثار من تدبره، والسؤال عما أشكل عليك، فهو كتاب الله فيه الهدى والنور، وهكذا أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا تيسر؛ مثل كتاب الأربعين النووية مع تكملتها لابن رجب خمسين حديثا، إذا تيسر لك حفظها فهي أحاديث جيدة، كذلك عمدة الحديث للشيخ عبد الغني، فيها أحاديث صحيحة تحفظونها، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، كتاب طيب عقيدة طيبة ملخصة من الكتاب والسنة، كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ثلاثة الأصول للشيخ محمد، والقواعد الأربعة كلها هذه كتب طيبة، كشف الشبهات للشيخ محمد أيضا كتاب طيب.
...
س: السائل ص. س. من اليمن، يقول كثيرا يا سماحة الشيخ ما نسمع عن العقيدة الواسطية، فلا ندري ما معنى الواسطية، فهل يعني بذلك العقيدة الصحيحة أم ماذا يعني؟ وجهونا في ضوء سؤالنا فنحن مجموعة من طلاب العلم. (1).
ج: العقيدة الواسطية كتاب ألفه أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، الملقب بشيخ الإسلام ابن تيمية،
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (401).
(1/32)
________________________________________
والملقب بتقي الدين، المولود سنة (661 هـ) إحدى وستين وستمائة، والمتوفى سنة (728 هـ) ثمان وعشرين وسبعمائة، وهو من الأئمة المجتهدين، ومن أهل السنة والجماعة، ومن أئمة أهل السنة والجماعة رحمهم الله، وله المؤلفات الكثيرة، منها منهاج السنة في الرد على المعتزلة والرافضة، ومنها كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، ومنها كتاب العقيدة الواسطية، سميت الواسطية؛ لأنه كتبها إلى جماعة سألوه من أهل واسط في العراق: فقيل لها: الواسطية، وله رسالة أخرى في العقيدة، يقال لها: الحموية، كتبها إلى أهل حماة بالشام، وله رسالة أخرى ثالثة في الصفات تسمى: التدمرية، كتبها إلى أهل تدمر في بلاد الشام، هذه أسباب التسمية، وهي كتب ثلاثة عظيمة في عقيدة أهل السنة والجماعة، مفيدة، نوصي بقراءتها والاستفادة منها.
(1/33)
________________________________________
9 - شروط ومعنى لا إله إلا الله
س: ما هو مدلول لا إله إلا الله؟ وما هي شروطها، وما هو معناها؟ (1).
ج: لا إله إلا الله، هي أفضل الكلام بعد القرآن، هي أحب الكلام
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (309).
(1/33)
________________________________________
إلى الله، وأفضل الكلام، وهي كلمة الإخلاص، وهي أول شيء دعت إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأول شيء دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن قال لقومه: «قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا (1)»، هي كلمة الإخلاص كلمة التوحيد. ومعناها لا معبود حق إلا الله، هذا معناها، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2) وهي نفي وإثبات، (لا إله) نفي، و: (إلا الله) إثبات، (لا إله) تنفي جميع المعبودات، وجميع الآلهة بغير حق، و (إلا الله) تثبت العبادة بالحق لله وحده سبحانه وتعالى، هي أصل الدين وأساس الملة، والواجب على جميع المكلفين من جن وإنس، أن يأتوا بها رجالا ونساء، مع إيمانهم بمعناها واعتقاد له، وإخلاص العبادة لله وحده، وشروطها ثمانية جمعها بعضهم في بيتين فقال:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما ... سوى الإله من الأشياء قد ألها
فإن تعلموا هذه الأمور فالحمد لله، وإلا يكفي معناها، وإن لم يتعلم المرء هذه الشروط، إذا أتى بمعناها وعبد الله بالحق، أخلص له العبادة، وترك عبادة ما سواه، واستقام على دين الله كفى، وإن لم يعرف الشروط، والشروط معناها واضح، (علم) يعني: أن تعرف معناها، وأن معناها لا معبود بحق إلا الله. (يقين) وأن تكون موقنا
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، من حديث ربيعة بن عبادة الديلي رضي الله عنه، رقم 15593.
(2) سورة الحج الآية 62
(1/34)
________________________________________
بذلك، وليس عن شك، عن يقين أنه لا معبود حق إلا الله، (وإخلاص) لا بد من الإخلاص في العبادة لله وحده، صلاتك، صومك، صدقاتك، كلها لله وحده، مع المحبة، تحب الله محبة صادقة، تحب رسوله صلى الله عليه وسلم، لا بد من محبة الله جل وعلا، وهكذا الصدق لا بد أن تكون صادقا في ذلك، بخلاف المنافقين يكذبون، أما أنت تقولها صادقا أنه لا معبود حق إلا الله. (والانقياد): تنقاد بما دلت عليه، من إخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة ما سواه، وأداء الشرائع التي شرعها الله لك، من الأوامر وترك النواهي، عن محبة وانقياد، وهكذا القبول؛ تقبل ما جاء به الشرع ولا ترده، تقبل ما دلت عليه من العبادة والتوحيد والإخلاص، ولا ترده، ولا بد من الكفران بما يعبد من دون الله كما قال سبحانه: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1). والمعنى أنك تتبرأ من كل ما ينافي لا إله إلا الله، وتعتقد بطلانه، تؤمن بأن الله هو المعبود الحق، وأن ما عبده الناس من دون الله باطل، وتكفر به وتبرأ منه، هذه معنى الشروط الثمانية:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما ... سوى الإله من الأشياء قد ألها
أي دون الله، فإذا عرفها طالب العلم طبقها، والذي لا يعرفها
__________
(1) سورة البقرة الآية 256
(1/35)
________________________________________
يكفيه المعنى، إذا أتى بهذه الكلمة عن إيمان وإخلاص لله، ويقين وصدق في ذلك، وتبرأ من عبادة غير الله، وانقاد للشرع، فقد أتى بالمقصود، مع محبة الله سبحانه وتعالى، ومحبة دينه.
س: ما هي شروط (لا إله إلا الله) كلمة التوحيد؟ وهل من قال: (لا إله إلا الله) فقط دون أن يعمل يدخل الجنة؟ (1).
ج: قد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على أن من أتى بالتوحيد ومات عليه دخل الجنة، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها حرمت علي دمائهم، وأموالهم إلا بحقها (2)»، ومنها حديث عبادة بن الصامت: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل (3)».
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (380).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام برقم 2946.
(3) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: " يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم "، برقم 3435، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، برقم 28.
(1/36)
________________________________________
والأحاديث في هذا كثيرة تدل على أن من قال: لا إله إلا الله صادقا موحدا يتضمن كلامه براءته من الشرك، وإيمانه بأن الله مستحق العبادة، فإنه يدخل الجنة، ويكون من المسلمين، مع الإيمان بشهادة أن محمدا رسول الله، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما بلغه ذلك الوقت، ثم يطالب بعد ذلك بشرائع الإسلام، فإذا أدرك الصلاة، وجب عليه أن يصلي، وهكذا الزكاة وهكذا الصيام، وهكذا الحج، وإن مات في الحال بعد التوحيد دخل الجنة؛ يعني: لو أسلم ومات في الحال دخل الجنة؛ لأنه ما أدرك العمل، ولا فعل شيئا من السيئات، والإسلام يجب ما قبله، والتوبة تهدم ما كان قبلها، فإن عاش حتى أدرك الصلاة لزمته الصلاة، فإن أبى وجحدها كفر، وإن لم يصل كفر، وهكذا إذا أدرك الزكاة يجب عليه الزكاة، فإن أبى صار عاصيا يستحق دخول النار، وهكذا إذا أدرك الصيام ولم يصم صار عاصيا يستحق دخول النار، إلا أن يعفو الله عنه، وهكذا إذا زنا، أو سرق، أو ما أشبه ذلك، صار عاصيا يستحق دخول النار، إلا أن يعفو الله عنه، وصار تحت مشيئة الله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1).
المقصود أنه متى دخل في الإسلام، ووحد الله، وتبرأ من الشرك كله، وآمن بكل ما أخبر الله به ورسوله يكون مسلما، ثم يطالب بحقوق الإسلام من صلاة وغيرها، وترك المعاصي، فإن ترك المعاصي وأدى
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(1/37)
________________________________________
الحقوق تم إسلامه وإيمانه، وإن مات في الحال قبل أن يدرك شيئا من الأعمال فله الجنة؛ لأن إسلامه جب ما قبله من الشرور، فإن عاش فباشر بعض المعاصي أو ترك بعض الواجبات هو تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة بتوحيده، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، كما تقدم في قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1)، وهذا بإجماع المسلمين، بإجماع أهل السنة والجماعة، والعاصي تحت المشيئة، لا يكفر خلافا للخوارج، ولا يخلد في النار كما تقول الخوارج والمعتزلة، بل هو تحت مشيئة الله، إذا مات على الزنى، على السرقة، على عقوق الوالدين، على شرب المسكر، على أكل الربا، لكن لم يستحلها، يرى أنها معاص، غير مستحل، ولكن غلبه الهوى والشيطان، وإلا هو يعرف أنها معاص، تحت مشيئة الله، إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذبه في النار على قدر المعاصي التي مات عليها، وبعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار بإجماع أهل السنة والجماعة، ما يخلد في النار إلا لكفره؛ خلافا للخوارج والمعتزلة الذين يقولون: إن العاصي إذا مات على المعصية يخلد في النار. وتقول الخوارج: إنه يكفر. وقولهم باطل عند أهل السنة والجماعة، من أبطل الباطل، والآية الكريمة ترد عليهم، وهي قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (2).
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) سورة النساء الآية 48
(1/38)
________________________________________
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الزاني: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن (1)». فالمعنى الوعيد والتحذير؛ يعني: ليس مؤمنا الإيمان الكامل، عنده نقص في إيمانه، وليس معناه أنه كافر؛ لأن الآيات يصدق بعضها بعضا، والأحاديث يصدق بعضها بعضا، وكتاب الله لا يكذب بعضه بعضا، والسنة لا تخالف القرآن، فوجب أن تفسر النصوص بالنصوص، يفسر النص بالنص، فقوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)؛ يعني: الإيمان الواجب الكامل، لو كان عنده إيمان كامل ما زنى، لكن عنده نقص، فلهذا وقع في الزنى، وقع في الخمر، مع نقص إيمانه، ليس معناه أنه كافر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر في حق الزاني أن يحد، يقام عليه الحد، ويكون الحد كفارة له، وصاحب الخمر كذلك، يقام عليه الحد كفارة له، وإذا مات الزاني على الزنى بعد الحد دخل الجنة، وصار الحد كفارة له، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم في حق عباد الله الصالحين، لما ذكر المعاصي، قال: «فمن أدركه الله في الدنيا - يعني: بالحدود الشرعية - كان كفارة له، ومن أجله الله في الآخرة فأمره إلى الله (2)».
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، باب قول الله تعالى: " إنما الخمر والميسر والأنصاب "، برقم 5578، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله، برقم 57.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان برقم 18، بلفظ: ومن أصابه من ذلك شيء فعوقب في الدنيا فهو كفارة له. . .
(1/39)
________________________________________
كما قال تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1).
فأهل السنة والجماعة يقولون: إن صاحب المعاصي تحت المشيئة إذا كانت معصية دون الشرك ولم يستحلها فهو تحت المشيئة؛ كالزاني وشارب الخمر، وآكل الربا، والعاق لوالديه، ونحو ذلك.
أما من استحل المعاصي، واستحل الزنى، قال: الزنى حلال. تقام عليه الحجة، فإذا بين له الدليل وأصر على أن الزنى حلال كفر، صار كافرا كفرا أكبر. وهكذا من يقول: الخمر حلال، ويبين له الدليل ويصر، يكون كافرا. وهكذا من يقول: السرقة حلال. أو: الربا حلال. تبين له الأدلة، فإذا أصر على أن الربا كله حلال كفر، وهكذا من قال: عقوق الوالدين حلال. يبين له الأمر، فإذا أصر بعد الأدلة كفر، وهكذا من يقول: إن اللواط حلال. وهكذا من استحل المعاصي المعروفة من الدين بالضرورة، استحلها وبين له الدليل وأصر كفر، أما من مات على المعصية، وهو يعرف أنها معصية لم يستحلها، يعرف أنه عاص، مات وهو زان، مات وهو شارب الخمر، مات وهو يرابي، وهو يعرف أنه عاص، مات تحت مشيئة الله، إن شاء ربنا غفر له بأعماله الصالحة وتوحيده، وإن شاء عذبه على قدر الجريمة التي مات عليها، ثم بعد التطهير والتمحيص في النار، يخرجهم الله من النار، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كثيرا من العصاة يدخلون النار
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(1/40)
________________________________________
ويعذبون فيها، ثم يخرجهم الله من النار، وقد امتحشوا، قد احترقوا، فيلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا تم خلقهم، أدخلهم الله الجنة، وقد تواترت بهذا الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع على هذا أهل السنة والجماعة، ولا يبقى في النار مخلدا إلا الكفرة، نسأل الله العافية، أما العصاة فلا، قد يبقى فيها وقد تطول إقامته، ويسمى خلودا، لكنه خلود مؤقت ينتهي، فإذا تمت المدة التي قدرها الله عليه يخرج من النار، وصار إلى الجنة بتوحيده وإسلامه. والتوحيد له شروط ذكرها بعض أهل العلم، وهي سبعة. قال بعضهم: ثمانية. وقد جمعها بعضهم في بيتين:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما ... سوى الإله من الأشياء قد ألها
فإذا فهمها طالب العلم وأتقنها وأداها كان هذا كمالا لتوحيده وإيمانه، وإن كان عاميا لا يعرف هذه الشروط، ولكنه تبرأ من الشرك، وآمن بالله ووحده كفى، وإن لم يعرف الشروط، متى تبرأ من الشرك، وتبرأ من الكفر، واعتقد بطلانه وآمن بالله ووحده كفى.
فقوله: (علم) يعني يعلم أن الله جل وعلا هو المستحق للعبادة، وأن معنى لا إله إلا الله؛ معناها لا معبود حق إلا الله، وقوله: (يقين) يقولها عن يقين، بدون شك، يوحد الله عن يقين، وقوله: (وإخلاص) يعني ما أشرك بالله غيره، بل أخلص لله مع الصدق، خلاف المنافقين
(1/41)
________________________________________
يقولونها وهم كاذبون، هذا كافر إذا قالها ظاهرا، وهو يكذب في الباطن هذا كافر.
(مع محبة) مع محبة الله، ومحبة توحيده، الذي لا يحب الله كافر، أو يكره التوحيد، ويكره الإيمان كافر: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (1)، هكذا القبول كونه يقبل الدين، يقبل الحق ينقاد له، أما إذا رد الحق ولم يقبله، ولم ينقد للحق، بل آذاه ولم يوحد الله، ولم يترك الشرك، يكون كافرا، ولا بد من الكفران بما يعبد من دون الله، كما قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (2)؛ يعني: يكفر بعبادة غير الله، يعني ينكرها، يعتقد بطلان عبادة غير الله، وينكرها يتبرأ منها، هذا معنى قول الشاعر:
وزيد ثامنها الكفران منك بما ... سوى الإله من الأشياء قد ألها
المقصود أن المؤمن يعلم الحق ويعتقده، ويصدق في ذلك ويتبرأ من الشرك وأهله، وينقاد إلى الحق، ويطمئن إليه، ويحب الله ورسوله، هكذا المؤمن ولو ما عرف الشروط، متى قبل الحق، وانقاد لتوحيد الله، وأخلص لله، وأحب الله، وانقاد لشرعه، ولم يكن كاذبا كالمنافقين، صار إيمانه صحيحا.
__________
(1) سورة محمد الآية 9
(2) سورة البقرة الآية 256
(1/42)
________________________________________
س: يسأل السائل ويقول: كلمة التوحيد ما هي شروطها (1)؟
ج: كلمة التوحيد هي لا إله إلا الله، فلا بد أن يقولها عن علم ويقين: لا إله إلا الله. يقول الله جل وعلا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (2)، ويقول سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (3)، ويقول الله عز وجل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (4)، ويقول عز وجل: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (5)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله صدقا من قلبه (6)»، قال صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة (7)»، لا بد من علم، وتصديق وبصيرة.
ومعناها: لا معبود حق إلا الله؛ هذا معنى لا إله إلا الله؛ فالذي يقول: لا إله إلا الله. وهو يعبد الأولياء فكأنه ما قالها، لأن وجودها كعدمه؛ لا بد أن يقولها وهو يعلم معناها ويعمل، فالذي يقول:
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (423).
(2) سورة محمد الآية 19
(3) سورة البقرة الآية 163
(4) سورة آل عمران الآية 18
(5) سورة الزخرف الآية 86
(6) أخرجه البخاري في كتاب العلم؛ باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا، برقم 128.
(7) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، برقم 26.
(1/43)
________________________________________
لا إله إلا الله. ويدعو الأموات ويستغيث بالنبي، أو بالبدوي، أو بالحسين، أو بعلي بن أبي طالب، أو بعبد القادر الجيلاني، أو بغيرهم من الأموات، هذا ما قالها حقا، وقوله لها باطل، لا ينفع حتى يقولها عن علم وعن يقين، وعن صدق وعن محبة.
ذكر بعضهم شروطها سبعة:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها
فلا بد من العلم: يعني معناها لا معبود حق إلا الله، ولا بد من اليقين؛ يتيقن أنه لا معبود حق إلا الله، ما عنده شك؛ لا بد أن يكون يعلم، ولا بد من صدق، يقول وهو صادق أنه لا معبود حق إلا الله، لا كالمنافقين، بل يصدق يقول عن علم ويقين وصدق أنه لا معبود حق إلا الله.
(مع محبة) يحب الله جل وعلا محبة صادقة تقتضي الإخلاص له وطاعته واتباع شريعته.
كذلك القبول يقبلها ويرضاها، ولا يردها، وينقاد للعمل بما دلت عليه الكلمة، بتوحيد الله والإخلاص له وطاعة أوامره، وترك نواهيه، ولهذا قال:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها
والإخلاص معناه: أن يتوجه إلى الله بأعماله. ويخصه بها سبحانه دون كل ما سواه، فلا يعبد إلا الله، ولا يصلي إلا لله، ولا يزكي
(1/44)
________________________________________
إلا لله، ولا يصوم إلا لله، وهكذا يكون في أعماله مخلصا لله وحده، فلا بد من هذه الشروط:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع ... محبة وانقياد والقبول لها
قال بعضهم شرطا ثامنا:
وزيد ثامنها الكفران منك بما ... سوى الإله من الأشياء قد ألها
هذا الشرط الثامن قاله شيخنا الشيخ سعد بن حمد بن عتيق رحمه الله، وهذا معنى قوله سبحانه: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} (1)، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله (2)».
فلا بد أن يقول: لا إله إلا الله. ويتبرأ من عبادة غير الله؛ يكفر بعبادة غير الله، ينكرها، يعتقد بطلانها، وهذا ظاهر من الشروط السبعة أيضا.
فإن الإخلاص يقتضي الكفر بعبادة غير الله، وإنكارها، واعتقاد بطلانها، فالصادق هو الذي يخص الله بالعبادة، ويعتقد بطلان عبادة غير الله.
__________
(1) سورة البقرة الآية 256
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، برقم 23.
(1/45)
________________________________________
والثامن داخل في الإخلاص، لكن ذكر الثامن من باب الكمال والتمام، وإلا فهو داخل في الإخلاص، فإن المخلص هو الذي يخص الله بالعبادة، ويعتقد بطلان عبادة غير الله، ويكفر بها.
(1/46)
________________________________________
10 - تحقيق معنى لا إله إلا الله
س: ما هي مقتضيات لا إله إلا الله؟ (1).
ج: هذه الكلمة أعظم كلمة وهي كلمة التوحيد، ولا يدخل العبد في الإسلام إلا بتحقيقها، والإيمان بها، وأنه لا معبود حق إلا الله، وهي أول كلمة دعا إليها الرسل: (لا إله إلا الله).
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2)، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3).
ونبينا محمد لما بعثه الله أول كلمة دعا إليها: (لا إله إلا الله). مع الإيمان به وأنه رسول الله، وهي تقتضي إخلاص العبادة لله وحده، والإيمان بأنه المعبود بالحق، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم،
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (186).
(2) سورة الأنبياء الآية 25
(3) سورة النحل الآية 36
(1/46)
________________________________________
وأنه المستحق أن يعبد ويطاع أمره، وتقتضي أن يؤمن العبد بأن الله هو خالق العبد، وأنه أعد له جنة ونارا، وأنه لا بد من لقائه ربه، فإما الجنة وإما النار، هذه الكلمة هي أصل الدين، وأساس الملة، وهي العروة الوثقى، فلا بد من الإيمان بها واعتقاد معناها، وأنه لا معبود حق إلا الله، وهذا الاعتقاد يقتضي طاعة الأوامر، وترك النواهي، وطاعة الإله الحق الذي آمنت بأنه معبود بحق، هي تقتضي أن تؤدي حقه، بأن تعبده بصلاتك وبصومك وزكاتك وحجك وصيامك وغير ذلك؛ لأن التأله: التعبد؛ لا إله إلا الله؛ يعني: لا مألوه حق إلا الله، يعني: لا معبود حق إلا الله، فالواجب عليك أن تؤلهه وتعبده في صلاتك وصومك وزكاتك وحجك وجهادك وسائر عباداتك، وتعبده وحده، ترجو ثوابه، وتخشى عقابه سبحانه وتعالى. وهكذا من مقتضياتها أن تؤمن بما حرم الله عليك من الشرك والمعاصي، وأن تبتعد عن ذلك وتحذر ذلك.
(1/47)
________________________________________
11 - بيان معنى الطاغوت
س: ما معنى الكفر بالطاغوت؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: معناه البراءة منه، واعتقاد بطلانه، قال الله سبحانه: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (2)، معنى الطاغوت: المعبود من دون الله. يعني: يتبرأ من عبادة غير الله؛ عبادة الأوثان والأصنام والجن، يتبرأ منها، ويعتقد بطلانها، ويؤمن بأن المعبود بحق هو الله وحده سبحانه وتعالى، فمن لم يؤمن بهذا فليس بمسلم، لا بد أن يؤمن بأن الله هو المستحق للعبادة، وأن عبادة الطواغيت؛ عبادة الجن، عبادة الأصنام، عبادة من دعا إلى نفسه، كل هذا باطل، لا بد أن يتبرأ منها. والطواغيت: كل ما عبد من دون الله وهو راض. وهكذا الأصنام تسمى طواغيت، والأشجار والأحجار المعبودة تسمى طواغيت، أما الأولياء والأنبياء والملائكة فليسوا طواغيت، لكن الطاغوت الذي دعا إلى عبادته، الطاغوت الذي دعا إلى الشرك به وعبادته من الشياطين؛ شياطين الإنس والجن، هم الطواغيت، أما الأولياء المؤمنون فيبرؤون إلى الله من ذلك، ما يرضون أن يعبدوا من دون الله، وهكذا الأنبياء وهكذا الملائكة، وهكذا الجن المؤمنون ما يرضون، فالطاغوت الذي يدعو
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (299)
(2) سورة البقرة الآية 256
(1/48)
________________________________________
إلى عبادة غير الله، أو يرضى بها كفرعون وأشباهه. فالبراءة من ذلك معناها البراءة من عبادة غير الله، واعتقاد بطلانه، يعني أن يتبرأ من عبادة غير الله، وأن يعتقد بطلان ذلك، وأن العبادة بالحق لله سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل في كتابه العظيم في سورة الحج: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (1)
__________
(1) سورة الحج الآية 62
(1/49)
________________________________________
12 - تفسير معنى الشهادتين
س: يسأل المستمع من الرياض ويقول: ما معنى شهادة أن لا إله إلا لله، وأن محمدا رسول الله؟ (1)
ج: معنى الشهادة أن يشهد بلسانه وبقلبه، أنه لا معبود حق إلى الله، يشهد بلسانه ويؤمن بقلبه أنه لا إله إلا الله، يعني لا معبود حق إلا الله، وأن ما عبده الناس من دون الله من أصنام أو أموات أو أشجار أو أحجار أو ملائكة أو غيرهم كله باطل، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2).
هذا معنى شهادة أن لا إله إلا لله، أن تشهد عن علم ويقين وصدق أنه لا معبود حق إلا الله، وأن ما عبده الناس من دون الله كله باطل.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (433).
(2) سورة الحج الآية 62
(1/49)
________________________________________
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله: أن تشهد عن علم ويقين وصدق أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب هو رسول الله حقا إلى جميع الثقلين؛ جنهم وإنسهم، وأنه خاتم الأنبياء، ليس بعده نبي عليه الصلاة والسلام.
(1/50)
________________________________________
13 - حكم التلفظ بالشهادتين
س: هل مجرد التلفظ بالشهادتين يعصم الإنسان ويعصم دمه وماله، وإذا انتفى عنه العلم بمدلول (لا إله إلا الله) وهو يردده ليل نهار هل تكفيه؟ وهل تدخله الجنة وتنجيه من النار؟ (1)
ج: لفظ (لا إله إلا الله) ولفظ شهادة (أن محمدا رسول الله) هاتان الشهادتان هما أصل الدين، هما أساس الملة، فمن أتى بهما وهو لا يقولهما قبل ذلك عصم دمه وماله وحكم بإسلامه، ثم ينظر ويعلم ويفقه، فإن قبل الحق واستقام عرف صدقه، وإن أبى واستمر على كفره وشركه وعبادته الأصنام والأشجار والأحجار وأصحاب القبور، أو استمر على استهزائه بالدين أو سبه للدين أو غير هذا من نواقض الإسلام لم تنفعه هذه الشهادة، يكون مرتدا، يحكم بإسلامه أولا، ثم بمجيئه بما يخالف الإسلام بما يوجب الردة يحكم بردته؛ كما قال
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (152)
(1/50)
________________________________________
النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه (1)» فالشخص إذا نطق بالشهادتين وهو لا ينطق بهما سابقا حكم بإسلامه كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة من حديث أسامة وفي غيره من حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة وغير ذلك، يقول عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها (2)» وفي لفظ آخر: «إلا بحق الإسلام (3)».
فالمقصود أنه إذا أتى بحق الشهادة فإنه يعصم دمه وماله إذا كان لم يأت بهما قبل ذلك، ثم ينظر في أمره، فإن استقام على دين الله صار له حكم المسلمين، وإن أبى وبقي على كفره وضلاله لم تنفعه الشهادة بمجرد القول، فالمنافقون يقولونها وهم في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم قالوها ولم يعملوا بها؛ كفروا بها، كذبوا الله ورسوله، أو شكوا في دين الله، وهكذا الذين قال الله سبحانه فيهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (4) {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (5).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، برقم 3017.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله برقم 21.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب قوله تعالى: " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم "، برقم 25.
(4) سورة التوبة الآية 65
(5) سورة التوبة الآية 66
(1/51)
________________________________________
هناك أناس أظهروا الإسلام وشاركوا المسلمين في أعمالهم، ولكن ظهر منهم الاستهزاء بالرسول وبالإسلام، فلهذا أنزل الله في حقهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (1) {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (2).
وقد أجمع العلماء على أن من أتى بناقض من نواقض الإسلام يحكم عليه بذلك الناقض وإن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وإن صلى وصام؛ لأن هذه الشهادة تنفع إذا أدى حقها، أما إذا ضيع حقها لم تنفع قائلها، والله المستعان.
__________
(1) سورة التوبة الآية 65
(2) سورة التوبة الآية 66
(1/52)
________________________________________
14 - النطق بالشهادتين يكفي لدخول الإسلام
س: هل يكفي النطق والاعتقاد بالركن الأول من أركان الإسلام، أم لا بد من أشياء أخر حتى يكتمل إسلام المرء ويكتمل إيمانه؟ (1)
ج: هذا الركن يدخل به في الإسلام، إذا شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، عن صدق وعن يقين وعن علم وعمل بذلك، يدخل في الإسلام، ثم يطالب بالصلاة وما سواها من الأحكام، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له: «ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم (2)». فلم يأمرهم بالصلاة إلا بعد التوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فهم مطالبون أولا بالتوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا دخل الكافر في ذلك وأسلم، صار له حكم المسلمين، ثم يطالب بالصلاة وبقية أمور الدين، فإذا امتنع من ذلك صار له أحكام أخرى،
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (74).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، برقم 1395، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، برقم 19.
(1/53)
________________________________________
إذا امتنع من الصلاة يستتاب إن تاب وإلا قتل، وإذا امتنع من الزكاة وكابر عليها وقاتل دونها كذلك يقاتل كما قاتل الصحابة مانعي الزكاة، والصيام كذلك، إذا امتنع يعزره الإمام ويؤدبه الإمام بما يردعه عن ترك الصيام، وهكذا الحج مع الاستطاعة، إذا تركه وهو يستطيع، يؤدب حتى يحج، وهكذا بقية المعاصي، الذي فيه حد يقام عليه الحد، والذي ما فيه حد بالتعزير والتأديب. فالحاصل أن الأصل هو الشهادتان، متى شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، دخل في الإسلام، وصار له حكم المسلمين، فلو مات في الحال صار من أهل الجنة، فإن جاء وقت الصلاة وقد أسلم مثلا بعد طلوع الشمس، ثم مات قبل الظهر، هذا مات على الإسلام، وهو ما صلى شيئا، ولا فعل شيئا، كما كان قد وقع لبعض الصحابة أسلموا وقتلوا في الحال، فصاروا من أهل الجنة، من دون أن يعملوا عملا سوى التوحيد والشهادة بالرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان بالله ورسوله، فإن أدرك الصلاة يؤمر بالصلاة، ثم إذا جمع مالا وحصل عنده مال تجب فيه الزكاة يؤمر بالزكاة، وإذا أدرك رمضان يؤمر بالصيام، وإذا استطاع الحج يؤمر بالحج، وهكذا أصبح له حكم المسلمين من جميع الأحكام في الدنيا والآخرة، فيطالب بأمور الإسلام وحق الإسلام، ولو مات على حاله قبل أن يأتي وقت الصلاة، مات على الإسلام الكامل، ودخل الجنة، لكن لو عاش وأبى أن يصلي، حينئذ هذا محل نظر، يطالب بالصلاة، فإذا أصر على تركها كفر عند جمع من أهل العلم، وقال آخرون من أهل العلم: يكون كفرا دون
(1/54)
________________________________________
كفر، فيستحق القتل، ولكن لا يكون كفرا أكبر. كما لو ترك الزكاة والصيام، ولكن القول الصحيح: أنه متى ترك الصلاة بخصوصها؛ لأنها لها منزلة عظيمة، الصلاة إذا تركها عمدا تهاونا تكاسلا، صار حكمه حكم من جحدها، يقتل كافرا على الصحيح. وأما جمهور الفقهاء فقالوا: يقتل عاصيا وحدا، وكفرا دون كفر. هذا قول أكثر الفقهاء المتأخرين، أما الصحابة فقد نقل عبد الله بن شقيق العقيلي إجماعهم على أن من تركها كفر.
(1/55)
________________________________________
15 - حكم من وفق للتلفظ بالشهادتين قبل وفاته
س: السائل أبو أحمد يقول: هل الإنسان الذي لم يصل أبدا في حياته، ثم وفق إلى التلفظ بالشهادتين قبل وفاته، هل يصبح هذا مسلما، ويعامل في الآخرة معاملة المسلمين؛ ويحشر مع المسلمين؟ (1).
ج: إذا كان أتى بها توبة ودخولا في الإسلام، يمحو الله بها ما مضى، إذا كان لا يقولها سابقا ثم جاء بها تائبا موحدا مخلصا لله، عارفا لمعناها، وترك الشرك، وترك المعاصي، والعزم على ترك الجميع، فهذا معناه توبة يمحو الله بها ما سلف، أما إذا كان يقولها كالعادة ما تنفعه، إذا كان مات على الشرك، هو يقولها في حياته وعند وفاته إذا كان يقولها وهو يعبد القبور ويستغيث بالأموات، ويأتي المعاصي، لم يقلها عن توبة وعن رجوع، فهي مثل قوله لها في حياته وصحته، لا تؤثر شيئا، كالمنافقين يقولونها وهم على كفرهم ونفاقهم؛ ومثل عباد القبور اليوم يقولونها في المجالس وفي المكان وهم يعبدون أصحاب القبور، يستغيثون بهم وينذرون لهم، ويذبحون لهم كعباد البدوي، وعباد الحسين، وعباد الشيخ عبد القادر، وعباد غيرهم.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (394).
(1/56)
________________________________________
16 - وجوب النطق بالشهادتين على القادر عند دخول الإسلام
س: ما مصداقية النطق بالشهادة سماحة الشيخ وفقكم الله؟ (1).
ج: أولا لا بد من النطق بها، ومن لم ينطق بها وهو يقدر كفر، حتى ينطق بالشهادتين، ثم مع النطق لا بد من العقيدة والإيمان بأن معنى لا إله إلا الله؛ أنه لا معبود بحق إلا الله، فلو قالها وهو يكذب كالمنافقين، يقولها بلسانه وهو يعتقد أن مع الله آلهة أخرى، لم تنفعه هذه الكلمة، كما قال سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (2) وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (3) {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (4).
فلا بد من التصديق بالقلب واليقين بأنه لا معبود حق إلا الله، ولا بد من إخلاص العبادة لله؛ والمحبة لما دلت عليه من توحيد الله؛ وكراهية الكفر وبغضه؛ ولا بد أيضا من قبول شرع الله، والانقياد له؛ فان استكبر عن ذلك ولم ينقد لشرع الله كفر، نسأل الله العافية؛ وهذا معنى النفي والإثبات؛ (لا إله) معناها نفي ما يعبد من دون الله؛ يعني: الاعتقاد بأن جميع ما يعبد من دون الله باطل، و: (إلا الله) معناها
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (74).
(2) سورة النساء الآية 145
(3) سورة البقرة الآية 8
(4) سورة البقرة الآية 9
(1/57)
________________________________________
إثبات العبودية لله وحده، وأنه مستحق لها، كما قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (1) الآية من سورة الحج.
__________
(1) سورة الحج الآية 62
(1/58)
________________________________________
17 - مصداقية الشهادة القيام ببقية الأركان
س: هل مصداقية الشهادة وهذا الركن من أركان الإسلام هي العمل ببقية أركان الإسلام الظاهرة والباطنة التي تفضلتم ببيانها؟ (1).
ج: نعم لكنها متفاوتة بعضها إذا تركها كفر، وبعضها من تركها لا يكفر، يكون ناقص الإيمان، ضعيف الإيمان، إلا إذا جحد ما أوجب الله، أو جحد ما حرم الله، إذا جحده كفر عند الجميع، لو جحد وجوب الصلاة كفر عند الجميع، ومن جحد وجوب صيام رمضان كفر عند الجميع، ومن جحد وجوب الزكاة مع توفر شروطها كفر عند الجميع. ومن جحد وجوب الحج مع الاستطاعة كفر عند الجميع، ومن جحد تحريم الزنى يكفر عند الجميع، ومن جحد تحريم الخمر، وقال: ما هو بحرام. كفر عند الجميع، من جحد عقوق الوالدين، قال: ليس عقوقهما
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (74).
(1/58)
________________________________________
بحرام، يجوز عقوق الوالدين. كفر بالإجماع، نسأل الله العافية، وهكذا ما يشبهه من أمور الدين الظاهرة المعروفة بالوجوب أو التحريم.
(1/59)
________________________________________
18 - الشهادتان اعتقاد بالقلب وعمل بأداء الفرائض
س: هل (لا إله إلا الله) قول باللسان أم قول يحتاج إلى عمل؟ (1).
ج: هذه الكلمة هي أعظم الكلام الذي يتكلم به الناس، وأفضل الكلام وهي قول وعمل، ولا يكفي مجرد القول، ولو كان مجرد القول يكفي لكان المنافقون مسلمين؛ لأنهم يقولونها وهم مع ذلك كفار، بل في الدرك الأسفل من النار - نعوذ بالله من ذلك - لأنهم يقولونها باللسان من دون عقيدة ولا إيمان، فلا بد من قولها باللسان مع اعتقاد القلب، وإيمان القلب بأنه لا معبود حق إلا الله، ولا بد أيضا من أداء حقها بأداء الفرائض وترك المحارم؛ لأن هذا من حق لا إله إلا الله، كما قال عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله (2)»، وفي اللفظ الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (160).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام برقم 2946.
(1/59)
________________________________________
الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل (1)». متفق على صحته.
فالحاصل أنه لا بد من قول مع يقين، ومع علم ومع عمل لا مجرد القول باللسان، فاليهود يقولونها والمنافقون يقولونها، ولكن لا تنفعهم لما لم يأتوا بالعمل والعقيدة، فلا بد من العقيدة بأنه لا معبود حق إلا الله، وأن ما عبده الناس؛ من أصنام وأشجار أو أحجار، أو قبور أو أنبياء أو ملائكة أو غيرهم، أنه باطل وأن هذا شرك بالله عز وجل، والعبادة حق الله وحده سبحانه وتعالى، وهذا هو معنى لا إله إلا الله؛ فإن معناها لا معبود بحق إلا الله، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2)، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3)، وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4)، وقال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (5) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (6).
__________
(1) صحيح البخاري الإيمان (25)، صحيح مسلم الإيمان (22).
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة الإسراء الآية 23
(5) سورة الزمر الآية 2
(6) سورة الزمر الآية 3
(1/60)
________________________________________
وقال عليه الصلاة والسلام: «من قال: لا إله إلا الله. وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه (1)»، واللفظ الآخر عند مسلم: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه (2)». فدل على أنه لا بد من التوحيد والإخلاص لله.
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن معلما ومرشدا وأميرا وقاضيا، قال له: «ادعهم إلى أن يوحدوا الله - وفي اللفظ الآخر - ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم (3)» الحديث.
فالخلاصة أنه لا بد من الإيمان بها قولا وعملا مع النطق، فيشهد أنه لا إله إلا الله: عن علم ويقين وإخلاص، وصدق ومحبة لما دلت عليه من التوحيد، وانقياد لحقها وقبول لذلك، وبراءة وكفر لما يعبد من دون الله سبحانه وتعالى، هكذا يكون الإيمان بهذه الكلمة، يقولها عن
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله برقم 23.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، حديث طارق بن أشيم، برقم 15448، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس، برقم 23.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، برقم 1395، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، برقم 19.
(1/61)
________________________________________
يقين، وأنه لا معبود بحق إلا الله، مع العلم ليس فيه جهل ولا شك، وعن إخلاص في ذلك لا رياء ولا سمعة، وعن محبة لما دلت عليه من التوحيد والإخلاص وعن صدق، لا كالمنافق يقولها باللسان ويكذب بالباطن، وعن قبول لما دلت عليه من التوحيد، وانقياد لذلك وعن محبة لذلك، والتزام به، مع البراءة من كل ما يعبد من دون الله، والكفر بكل ما يعبد من دون الله، كما قال سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1).
ومعنى الكفر بالطاغوت البراءة من عبادة غير الله، واعتقاد بطلانها، هذا معنى الكفر بالطاغوت، وهي أن تتبرأ من عبادة غير الله، وأن تعتقد بطلان ذلك، وأن العبادة بحق لله وحده سبحانه وتعالى، ليس له شريك، لا ملك ولا نبي ولا شجر ولا حجر ولا ميت ولا غير ذلك.
__________
(1) سورة البقرة الآية 256
(1/62)
________________________________________
19 - بيان أقسام التوحيد
س: ما هي أقسام التوحيد؟ وهل المسلم المطلوب منه أن يؤمن بجميع هذه الأقسام؟ وإذا أقر المسلم بالشهادتين فقط، هل يكفي ذلك؟
ج: أقسام التوحيد ثلاثة معروفة بالاستقراء، وهي الإيمان بتوحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، عن صدق كفى ذلك، ويبين له ما قد يجهل، والرسول صلى الله عليه وسلم قبل من الناس من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وصدق عمله قوله، وانقاد للشرع ووحد الله جل وعلا، فهو مسلم؛ لأن في معنى الشهادة الإيمان بأن الله ربه وخالقه، والإيمان بأنه مستحق للعبادة، والإيمان بأسمائه وصفاته، لأن الشهادة بأنه لا إله إلا الله، وأنه المعبود الحق، يتضمن توحيد الربوبية والأسماء والصفات، فإنه سبحانه هو الإله الحق، ومن كان بهذه المثابة فهو رب الجميع، وخالق الجميع، وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
فتوحيد الربوبية: الإيمان بأنه خلاق، رزاق، وتوحيد الألوهية: الإيمان بأنه مستحق العبادة جل وعلا، وأن الآلهة المدعوة معه باطلة، سواء كانت جمادا أو حيوانا، وسواء كان المدعو ملكا أو نبيا أو غير
(1/63)
________________________________________
ذلك، كل من يدعى من دون الله فعبادته باطلة، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} (1) فجميع من يدعى من دون الله معبود باطل، سواء كان المعبود رسولا أو ملكا أو جنيا أو حجرا أو شجرا أو غير ذلك.
وهكذا الإيمان بأسماء الله وصفاته، إذا آمن بأن الله سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأنه الكامل في ذاته وصفاته وأفعاله كفى ذلك.
فتوحيد الأسماء والصفات: الإيمان بأنه سبحانه موصوف بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وأنه لا شبيه له ولا نظير له ولا مثل له، والإيمان بالربوبية بأنه هو الخلاق الرزاق مدبر الأمور ومصرف الأشياء، ولا خالق غيره، ولا رب سواه.
وتوحيد الألوهية معناه: الإيمان بأنه مستحق أن يعبد ويدعى ويستغاث به وينذر له ويذبح له، إلى غير هذا، هو المستحق للعبادة: من صلاة وصوم ودعاء وذبح وغير ذلك، لا يستحقها سواه، فإذا أقر بالشهادتين فقد دخل هذا في ضمن الشهادة، فإنه إذا شهد أن لا إله إلا الله، معناه أنه هو المعبود بالحق، وأنه الخلاق الرزاق، وأنه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته، هذا داخل في ضمن الشهادة.
__________
(1) سورة لقمان الآية 30
(1/64)
________________________________________
20 - بيان الحكمة من خلق الدنيا
س: لقد أصبح من المتعارف عليه وشائع على ألسنة الناس، وكأنما هو شيء بديهي أن الدنيا بما فيها خلقت لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولاه لم تكن ولم تخلق ولم توجد. نرجو من فضيلة الشيخ الإجابة على سؤالي مع الدليل، إن كان كما قيل، وجزاكم الله خيرا؟ (1).
ج: هذا من كلام بعض العامة الذين لا يعرفون ولا يفهمون، قول بعض الناس: إن الدنيا خلقت من أجل محمد ولولا محمد ما خلقت الدنيا ولا خلق الناس هذا باطل ولا أصل له، وهذا كلام فاسد، والله خلق الدنيا ليعرف ويعلم وجوده سبحانه وتعالى، وليعبد جل وعلا، خلق الدنيا وخلق الخلق ليعرف بأسمائه وصفاته، وبفضله وعلمه، وليعبد وحده لا شريك له ويطاع سبحانه وتعالى، لا من أجل محمد، ولا من أجل نوح، ولا موسى، ولا عيسى، ولا غيرهم من الأنبياء، بل خلق الله الخلق ليعبد وحده لا شريك له. خلق الله الدنيا وسائر الخلق ليعبد ويعظم ويعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه هو القادر على كل شيء، وأنه بكل شيء عليم، كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2) فبين سبحانه أنه خلقهم ليعبدوه، لا من أجل
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (28).
(2) سورة الذاريات الآية 56
(1/65)
________________________________________
محمد عليه الصلاة والسلام، ومحمد من جملتهم خلق ليعبد ربه، يقول سبحانه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (1)، وقال سبحانه وتعالى في سورة الطلاق: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (2)، وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} (3).
والله جل وعلا خلق الخلق ليعبد، خلقه للحق وبالحق ليعبد ويطاع ويعظم، وليعلم أنه على كل شيء قدير، وأن كل شيء من شأنه سبحانه وتعالى.
فأيها السائل، هذه الأشياء التي سمعتها باطلة لا أساس لها، لم يخلق الله الخلق، لا الجن، ولا الإنس، ولا السماء، ولا الأرض، وغير ذلك لم يخلق ذلك من أجل محمد عليه الصلاة والسلام، ولا لغيره من الرسل، وإنما خلق الخلق أو خلق الدنيا ليعبد وحده لا شريك له، وليعرف بأسمائه وصفاته. هذا هو الحق، وهذا الذي دلت عليه الأدلة، وإن كان محمد عليه الصلاة والسلام هو أشرف الناس، وهو أفضل الناس عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم، لكن الله خلقه ليعبد ربه، وخلق الناس ليعبدوا ربهم سبحانه وتعالى، ما خلقهم من أجل محمد، وإن كان أفضل الناس، فافهم هذا وبلغه لغيرك أيها السائل؛ لأن
__________
(1) سورة الحجر الآية 99
(2) سورة الطلاق الآية 12
(3) سورة ص الآية 27
(1/66)
________________________________________
هذه مسألة مهمة، وقد وقع فيها من ينتسب إلى العلم، من الجهلة ومن الغلاة، الذين ليس عندهم من العلم الحقيقي نصيب، وهذا يشبه على العامة الذين ليس عندهم علم، أما أهل العلم والبصائر فهم يعلمون أن هذا باطل، وأن الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، وليعرف بأسمائه وصفاته وأنه الحكيم العليم، وأنه السميع المجيب، وأنه العليم القادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأنه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى.
(1/67)
________________________________________
21 - ذكر بعض من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب
س: هل هناك من يدخل الجنة بغير حساب؟ (1)
ج: نعم، أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد حتى قال في آخره إنه: أبلغ أنه يدخل الجنة من أمته سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب فسأله الصحابة عنهم فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون (2)».
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (141).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، برقم 5705، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، برقم 218.
(1/67)
________________________________________
والمقصود من هذا: أن المؤمن الذي استقام على أمر الله وترك محارم الله ومات على الاستقامة فإنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومنهم هؤلاء الذين أخبر عنهم صلى الله عليه وسلم " لا يسترقون " يعني: لا يطلبون من الناس أن يرقوهم، يعني: لا يطلبون الرقية، أما كونهم يرقون غيرهم فلا بأس؛ لأنه محسن، الراقي محسن إذا رقى غيره، ودعا له بالعافية والشفاء هذا محسن. في الحديث الصحيح: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه (1)».
أما الاسترقاء فهو طلب الرقية، وهو أن يقول: يا فلان اقرأ علي. ترك هذا أفضل، إلا من حاجة، إذا كان هناك حاجة فلا بأس أن يطلب الرقية، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «استرقي من كذا (2)» فأمرها بالاسترقاء، كما أمر أسماء بنت عميس أن تسترقي لأولاد جعفر لما أصابتهم العين، قال عليه الصلاة والسلام: «لا رقية إلا من عين أو حمة (3)» فالاسترقاء عند الحاجة لا بأس به،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة، برقم 2199.
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة، برقم 2195.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، برقم 5705، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، برقم 220.
(1/68)
________________________________________
لكن تركه أفضل إذا تيسر علاج آخر، وهكذا الكي تركه أفضل إذا تيسر علاج آخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الشفاء في ثلاث: كية نار، أو شربة عسل، أو شرطة محجم، وما أحب أن أكتوي (1)».
وفي اللفظ الآخر قال: «وأنا أنهى أمتي عن الكي (2)». فدل ذلك على أن الكي ينبغي أن يكون هو آخر الطب عند الحاجة إليه، فإذا تيسر أن يكتفى بغيره من الأدوية فهو أولى، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كوى بعض أصحابه عليه الصلاة والسلام، فإذا دعت الحاجة إلى الكي فلا كراهة، وإن استغنى عنه بدواء آخر مثل شربة عسل أو شرطة محجم، يعني الحجامة أو قراءة أو دواء آخر، كان أفضل من الكي، فالمقصود أن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يسترقون ولا يكتوون (3)» لا يدل على التحريم وإنما يدل على أن هذا هو الأفضل، عدم الاسترقاء يعني عدم طلب الرقية وعدم الكي، هذا هو الأفضل، ومتى دعت الحاجة إلى الاسترقاء أو الكي فلا حرج ولا كراهة في ذلك.
" ولا يتطيرون ": التطير هو التشاؤم بالمرئيات أو المسموعات، والتطير الشرك من عمل الجاهلية، فهؤلاء السبعون يتركون ما حرم الله عليهم من الطيرة وما كره لهم من الاسترقاء والكي عند عدم الحاجة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الحجامة من الشقيقة والصداع، برقم 5702.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، برقم 5680.
(3) صحيح البخاري الطب (5752)، صحيح مسلم الإيمان (220)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2446)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 271).
(1/69)
________________________________________
إليه، وعلى ربهم يتوكلون، يتركون ذلك ثقة بالله واعتمادا عليه وطلبا لمرضاته، والمعنى أنهم استقاموا على طاعة الله، وتركوا ما حرم الله، وتركوا بعض ما أباح الله، إذا كان غيره أفضل منه، كالاسترقاء والكي يرجون ثواب الله ويخافون عقابه، ويتقربون إليه بما هو أحب إليه سبحانه وتعالى عن توكل وعن ثقة به، واعتماد عليه سبحانه وتعالى.
وجاء في الرواية الأخرى، «أن الله زاده مع كل ألف سبعين ألفا (1)». وفي بعض الروايات الأخرى: «وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل (2)» وهذه الحثيات لا يعلم مقدارها إلا الله سبحانه وتعالى، والجامع في هذا أن كل مؤمن استقام على أمر الله وعلى ترك محارم الله ووقف عند حدود الله هو داخل في السبعين، داخل في حكمهم بأنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه، برقم 22.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث أبي أمامة الباهلي، برقم 21800.
(1/70)
________________________________________
س: هذا سائل يقول: سماحة الشيخ ورد حديث يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يدخل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الجنة سبعون ألفا من غير حساب ولا عذاب، ولما سأل الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم من هم، وما هي صفاتهم، خرج عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما جرى بينهم وأخبر صلى الله عليه وسلم بأنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، نرجو من سماحتكم - كما يقول السائل - أن تفسروا لنا هذه الصفات، لعلنا نتمسك بها (1).
ج: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدخل من أمته سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب، وفي رواية: «مع كل ألف سبعون ألفا (2)»، وسئل عليه الصلاة والسلام عن صفاتهم قال: «هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون (3)» يعني: هم الذين استقاموا على دين الله من أهل التقوى والإيمان، وعبدوا الله وحده، وأدوا فرائضه
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (400).
(2) أخرجه الترمذي في سننه في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب منه، برقم 2437، وابن ماجه في سننه في كتاب الزهد. باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، برقم 4286.
(3) أخرجه البخاري في كتاب لطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو. برقم 5705، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، برقم 218.
(1/71)
________________________________________
وتركوا محارمه؛ واجتهدوا في أنواع الخير؛ حتى تركوا بعض ما يستحب تركه كالاسترقاء والكي وهذا من كمال إيمانهم، لا يسترقون يعني لا يطلبون من يرقيهم، ولا يكتوون؛ لأن الكي تركه أفضل؛ إلا عند الحاجة؛ والاسترقاء تركه أفضل، إلا عند الحاجة هذا من كمال إيمانهم، وإذا احتاج الإنسان للاسترقاء لا بأس، يسترقي كما أمر النبي عائشة أن تسترقي، وأمر أم أولاد جعفر بن أبي طالب أن تسترقي لأولاده، لما أصابتهم العين، فدل على أنه لا بأس بالاسترقاء عند الحاجة، ولكن تركه أفضل إذا تيسر دواء آخر واستغنى عنه، وهكذا الكي إذا تيسر دواء يقوم مقامه فهو أفضل، وإن دعت الحاجة إلى الكي فلا بأس؛ قد كوى الصحابة كما كوى خباب بن الأرت وغيره، وقد كوى النبي بعض أصحابه للحاجة، هذا من الكمال ولا يخرجهم عن السبعين إذا استرقى أو كوى، لكن هذه من أعمالهم الحسنة؛ ترك الكي إذا استغنى عنه؛ ترك الاسترقاء إذا استغنى عنه؛ وإلا فالسبعون ألفا هم أهل الاستقامة. أهل الخير والاستقامة في طاعة الله، وترك معصيته والمحافظون على الخير.
(1/72)
________________________________________
س: السائل / أمجد يستفسر عن معنى الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة: ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه عن أولئك الناس، فقال: هم أولئك الذين لا يرقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون (1).
ج: هذا جاء في حديث السبعين، النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه أنه عرضت عليه أمته، وكان فيهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وخاض الناس في أولئك من هم؟ لما حدث بهذا الحديث، وقام عليه الصلاة والسلام، خاضوا فقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، وقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني من الصغر ولم يكفروا، وخاضوا في غير هذا، ثم خرج عليهم صلى الله عليه وسلم فسألهم عما يخوضون فيه فأخبروه، فقال لهم: «هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، (2)».
هذه من صفاتهم، مع تقواهم لله، وإيمانهم بالله، واستقامتهم على دينه، هم مع هذا لا يسترقون، يعني لا يسألون الناس أن يرقوهم، ولا يتطيرون.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (405).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، برقم 5705، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، برقم 218.
(1/73)
________________________________________
الطيرة: التشاؤم بالمرئيات والمسموعات، هذه الطيرة ما أمضاك أو ردك بسبب التشاؤم. ولا يكتوون: يعني إذا مرضوا لا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون. هذه من صفاتهم العظيمة، ولكن يجوز الكي، الرسول صلى الله عليه وسلم رخص بالكي، ويجوز الاسترقاء، رخص بالاسترقاء أيضا لعائشة وأم أولاد جعفر، لا حرج في الاسترقاء، كونه يطلب من يرقيه لا حرج، لكن تركه أفضل إذا تيسر دواء آخر غير الاسترقاء أفضل، وهكذا الكي لا بأس به عند الحاجة إليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الشفاء في ثلاث: كية نار، أو شرطة محجم، أو شربة عسل، وما أحب أن أكتوي (1)».
أما الطيرة فلا تجوز وهي محرمة؛ لأنها تشاؤم لا يجوز، أما رواية: " لا يرقون " فهي رواية ضعيفة، رواها مسلم ولكنها ضعيفة، وغلط من بعض الرواة، لا يرقون؛ لأن رقية الإنسان لأخيه مطلوبة، كونك ترقي أخاك هذا مشروع، النبي عليه السلام قال: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (2)».
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، برقم 5681، ومسلم في كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي برقم 2205.
(2) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.
(1/74)
________________________________________
وقد رقى النبي بعض أصحابه، ورقي عليه الصلاة والسلام، رقته عائشة رضي الله عنها لما مرض، والصحابة رقى بعضهم بعضا، لا بأس بالرقية.
أما الاسترقاء كونه يقول: اقرأ علي يا فلان، هكذا تركه أفضل إلا عند الحاجة، إذا احتاج للاسترقاء فلا حرج؛ لقوله لعائشة: " استرقي "، ولقوله لأم أولاد جعفر: " استرقي "، فلا حرج في ذلك. أما الاسترقاء فتركه أفضل؛ لأنه سؤال للناس، وتركه أفضل، فإن دعت الحاجة إليه كالكي، إذا دعت الحاجة إليه لا بأس، لا بأس أن يقول: يا فلان اقرأ علي جزاك الله خيرا، أو يذهب إلى الراقي يرقي عليه لا بأس، أو يكوي عند الحاجة إذا ظن أن الكي مفيد في هذا الشيء. فلا بأس.
س: يسأل السائل ويقول: من هم الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟ هل الذين هم لا يرقون ولا يسترقون يدخلون الجنة؟ أرجو التوضيح في ذلك مأجورين (1).
ج: من استقام على دينه، وأدى ما فرض الله عليه، وترك ما حرم الله عليه، دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومنهم السبعون ألفا الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون.
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (412).
(1/75)
________________________________________
تركوا الطيرة لأنها محرمة، وتركوا الكي والاسترقاء استحبابا؛ لأن الرسول ذكر أنها من صفات السبعين ألفا، فإذا ترك الكي واستعمل دواء آخر فلا بأس. النبي عليه الصلاة والسلام قال: «الشفاء في ثلاث: كية نار، وشرطة محجم، وشربة عسل، وما أحب أن أكتوي (1)» وقد كوى بعض أصحابه، فإذا ترك الكي فهذا أفضل، إذا تيسر دواء آخر وإلا فلا بأس بالكي، ولا يمنعه ذلك من كونه من السبعين؛ لأن السبعين ألفا هم الذين استقاموا على دين الله، وتركوا محارم الله، وأدوا ما أوجب الله، ومن صفاتهم الطيبة: عدم الاسترقاء، ولكن الاسترقاء لا يمنع كونه من السبعين، والاسترقاء: طلب الرقية، وإذا دعت الحاجة إلى هذا فلا بأس، النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تسترقي، وأمر أم أولاد جعفر أن تسترقي لأولادها، فلا حرج في ذلك.
وإذا دعت الحاجة إلى الكي فلا بأس أن يكتوي، كما قال صلى الله عليه وسلم: «الشفاء في ثلاث: كية نار وشرطة محجم، وشربة عسل (2)». يدل على أن الكي لا بأس به، لكن تركه أفضل، إذا تيسر غيره.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الحجامة من الشقيقة والصداع، برقم 5702.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الحجامة من الشقيقة والصداع، برقم 5702.
(1/76)
________________________________________
22 - بيان تحقيق التوحيد
س: كيف يحقق المسلم التوحيد؟ (1).
ج: يحققه باجتناب المعاصي ووسائل الشرك، يحذر وسائل الشرك، ويحذر المعاصي، هذا من تحقيق التوحيد، تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي هذا تحقيقه، الحذر من المعاصي والبدع ووسائل الشرك، هذا هو التحقيق.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (428).
(1/77)
________________________________________
23 - بيان الطريق لإخلاص العمل لله عز وجل
س: الأخت / م. ح. من مكة المكرمة، تقول: ما الطريق الصحيح لإخلاص العمل لله عز وجل؟ وكيف يكون العمل خالصا لوجهه الكريم؟ (1).
ج: الطريق لذلك ولإخلاص العمل هو الإقبال على الله، وإحضار القلب بين يديه، وأن تعمل العمل تريد وجهه، تريد النجاة من النار، تريد رحمته وإحسانه، سواء كان العمل صلاة أو صوما، أو صدقة أو حجا أو عمرة، أو غير ذلك، هذا هو الإخلاص أن تقصد وجه ربك، تريد التقرب إليه، تريد رحمته، تريد قبوله منك، تريد
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (429).
(1/77)
________________________________________
النجاة من النار؛ تريد الفوز بالجنة؛ لا تفعله رياء ولا سمعة؛ ولكن تفعله تريد وجه الله، تريد دار الآخرة، تريد النجاة، تريد براءة الذمة، هكذا المؤمن.
فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يكون عمله لله، وأن يقصد بهذا العمل وجه ربه، والقربة لديه لعله يرضى عنه ولعله يتقبله منه.
س: تسأل المستمعة وتقول: كيف يكون الفرد المسلم من المتقين، ومن عباد الله الصالحين؟ (1).
ج: إذا اتقى ربه، إذا أدى فرائض الله؛ وترك محارم الله، إخلاصا لله، ومحبة لله؛ يكون من المتقين، ويكون من المؤمنين؛ إذا أخلص لله صادقا؛ وأدى فرائضه؛ وابتعد عن محارمه؛ ووقف عند حدوده، هذا يكون من عباد الله الصالحين، ومن المتقين الموعودين بالجنة والكرامة.
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (431).
(1/78)
________________________________________
24 - عدد الأنبياء والرسل
س: كم عدد الأنبياء والرسل وعن الفرق ما بينهم؟ (1).
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (351).
(1/78)
________________________________________
ج: لم يثبت في عددهم حديث صحيح، لم يثبت في عدد الرسل والأنبياء حديث صحيح، ويروى أن الرسل ثلاثمائة وبضعة عشر، والأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، ولكن الحديث ليس بثابت، بل هو ضعيف، لكن الأنبياء كثيرون، والرسل أخص وأقل، والرسول هو الذي يوحى إليه ويؤمر بالبلاغ، يرسل للأمة يبلغها، والنبي هو الذي يوحى إليه في نفسه، لكن لا يؤمر بتبليغ الناس، هذا أحد التعريفين، والتعريف الثاني للعلماء: أن الرسول هو الذي يبعث إلى الأمة مستقلا، والنبي هو الذي يبعث تابعا لغيره، كأنبياء بني إسرائيل بعد موسى تابعين له، والصواب في هذا أن الأمر واسع، النبي يسمى رسولا، والرسول يسمى نبيا حتى النبي يسمى رسولا، قال الله جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} (1).
سمى كليهما رسولا، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (2). الآية من سورة الحج فسماهم جميعا رسلا، فالنبي يسمى رسولا، والرسول الذي يبلغ الناس يسمى رسولا؛ لأن النبي الذي أوحي إليه قد أرسل إلى نفسه، لكن ما أمر أن يبلغ الناس، فقد أرسل إلى نفسه يأمرها وينهاها.
__________
(1) سورة الحج الآية 52
(2) سورة الحج الآية 52
(1/79)
________________________________________
25 - أول رسول بعث
س: يقول السائل: من هو أول الأنبياء إدريس أم نوح عليهم السلام؟ (1).
ج: أول الأنبياء بعدما وقع الشرك نوح، بعد ما وقع في الأمة، وأما قبل ذلك فهو آدم، هو أول الرسل وأول الأنبياء، آدم أبونا عليه الصلاة والسلام، وهو أول رسول وأول نبي، وكانت ذريته على الإسلام، عشرة قرون، ثم وقع الشرك في قوم نوح، فأرسل الله عليهم نوحا فصار نوح أول الرسل بعد وقوع الشرك.
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (428).
(1/80)
________________________________________
26 - تعريف النبي والرسول
س: إذا كان هناك فرق بين النبي والرسول، فمن هو أول رسول بعث؟ وما هو الفرق بين النبي والرسول جزاكم الله خيرا؟ (1).
ج: المشهور عند العلماء أن النبي هو الذي يوحى إليه بشرع، لكن لا يؤمر بتبليغه بل هو وحي لنفسه، يعني أمر في نفسه بالعمل، فهذا يقال له: نبي، فإذا أمر بتبليغ الناس، يقال له: نبي رسول، قال آخرون
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (350).
(1/80)
________________________________________
من أهل العلم: إن النبي هو الذي يكون مبعوثا بشريعة سبقه إليها نبي مثله، كالأنبياء بعد موسى الذين يحكمون بالتوراة، فيقال لهم أنبياء ورسل، أما الرسول المستقل كموسى ونوح وهود، فهؤلاء يقال لهم رسل وهم أنبياء أيضا.
وبكل حال فالأمر في هذا واسع، والأقرب أن الرسول يسمى نبيا، والنبي يسمى رسولا؛ ولهذا قال جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (1). فالنبي يسمى رسولا؛ لأنه أوحي إليه بشرع، وإن كان لنفسه، وإذا أمر بالتبليغ صار رسولا لنفسه ولغيره، فالأمر في هذا واسع.
__________
(1) سورة الحج الآية 52
(1/81)
________________________________________
27 - الفرق بين النبي والرسول
س: ما هو الفرق بين النبي والرسول (1)؟.
ج: المشهور عند العلماء أن النبي هو الذي يوحى إليه بشرع ولكن لا يؤمر بتبليغ الناس، يوحى إليه أن يفعل كذا ويفعل كذا يصلي كذا ويصوم كذا لكن لا يؤمر بالتبليغ، هذا يقال له نبي؛ أما إذا أمر بالتبليغ أن يبلغ الناس صار نبيا رسولا، كنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وموسى، وعيسى،
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (221).
(1/81)
________________________________________
ونوح، وهود، وصالح وغيرهم، وقال قوم آخرون من أهل العلم: إن النبي هو الذي يبعث بشريعة تابعة لغيره تابعة لنبي قبله، يقال له نبي، أما إذا كان مستقلا فإنه يكون نبيا رسولا، فالذين بعثوا بعد موسى بشريعة التوراة يسمون أنبياء؛ لأنهم تابعون للتوراة، والصواب الأول: أن الرسول هو الذي يبعث ويؤمر بالتبليغ وإن كان تابعا لمن قبله، كما جرى من داود وسليمان، وغيرهم من الأنبياء بعد موسى؛ لأنهم دعوا لما دعا إليه موسى وهم أنبياء ورسل عليهم الصلاة والسلام، فالرسول هو الذي يؤمر بالتبليغ مطلقا وإن كان تابعا لنبي قبله، كمن كان على شريعة التوراة، والنبي هو الذي لا يؤمر بالتبليغ يوحى إليه بصيام أو بصلاة أو نحو ذلك، لكنه لا يقال له بلغ الناس.
س: السائل أ. أ. من السودان؛ يقول: ما هو الفرق بين النبي والرسول صلى الله عليه وسلم؟ وما هي فائدة علم النبي للبشر؟ (1).
ج: المشهور أن النبي هو الذي يوحى إليه بشرع لنفسه يعمل بنفسه ولا يؤمر بالتبليغ؛ والرسول الذي يؤمر بالتبليغ؛ مثل النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: اقرأ هذا نبي، فلما قيل له: {قُمْ فَأَنْذِرْ} (2) صار رسولا نبيا جميعا.
__________
(1) السؤال الرابع والثلاثون من الشريط رقم (396).
(2) سورة المدثر الآية 2
(1/82)
________________________________________
فالرسول هو الذي يؤمر بالتبليغ، يوحى إليه ويؤمر بتبليغ الناس ودعوتهم، كمحمد صلى الله عليه وسلم، وموسى وعيسى وداود وسليمان ونوح، ونحوهم، والنبي هو الذي يوحى إليه بشرع ولكن لا يؤمر بالتبليغ، ككثير من أنبياء بني إسرائيل، أوحي إليهم ولم يؤمروا بالتبليغ، ولكن لأنفسهم.
(1/83)
________________________________________
28 - القول بأن أصل الإنسان قرد باطل
س: دائما اقرأ وأسمع أن الإنسان قد كان قردا في البداية، ثم مر بمراحل وتحول إلى الإنسان العادي المعروف اليوم هل هذا من المعقول أم لا؟ وهل عناصر القرد، أي عناصر تكوين جسمه هي نفس العناصر المكونة لجسم الإنسان؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا؟. (1).
ج: هذا القول الذي ذكره السائل قول منكر وباطل ومخالف لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولإجماع سلف الأمة. وقد اشتهر هذا القول عن المدعو (داروين) وهو كاذب فيما قال. بل أصل الإنسان هو الإنسان على حاله المعروف؛ ليس أصله قردا ولا غير قرد، بل هو إنسان سوي عاقل خلقه الله من الطين من التراب؛ وهو أبونا آدم عليه الصلاة والسلام، خلقه الله من تراب كما قال
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (140).
(1/83)
________________________________________
الله جل وعلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} (1). فهو مخلوق من هذا التراب خلقه الله على صورته، طوله ستون ذراعا في السماء ثم لا يزال الخلق ينقص حتى الآن، فهو مخلوق على الصفة التي نشاهدها، فأولاده كأبيهم مخلوقون على خلقة أبيهم، لهم أسماع ولهم أبصار ولهم عقول ولهم القامة التي تعرف لهم الآن، يقومون على أرجلهم ويتكلمون ويسمعون ويبصرون ويأخذون بأيديهم ويعطون، وليسوا على شكل القردة، وليس تكوينهم تكوين قردة، بل لهم تكوين خاص، وللقردة تكوين خاص، وهكذا كل أمة، فالقردة أمة مستقلة، والخنازير أمة مستقلة، وهكذا الكلاب والحمير، وهكذا القطط وهكذا غيرها أمم، كما قال الله عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (2). هذه الأمم كلها تحشر إلى الله، تجمع يوم القيامة ويقتص لبعضها من بعض، ثم يقال لها: كوني ترابا فتكون ترابا، ما عدا الجن والإنس، فلهما شأن آخر يحاسبون ويجزون بأعمالهم، فمن أطاع ربه فإلى الجنة، ومن كفر به فإلى النار، أما هذه الحيوانات الأخرى فهي أمم مستقلة فالقردة أمة مستقلة، لها خلقتها ونشأتها وخصائصها، والخنازير كذلك والكلاب كذلك، والحمر كذلك والإبل كذلك والبقر كذلك، والغنم كذلك وهكذا كل أمة من الأمم لها خلقتها، وميزتها
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 12
(2) سورة الأنعام الآية 38
(1/84)
________________________________________
التي أنشأها الله عليها سبحانه، وهو الحكيم العليم وهو أبصر بدقائق أمرها؛ ودقائق تكوينها هو أبصر بهذا سبحانه وتعالى، لكن يجب أن يؤمن العبد أن خلق آدم غير خلق القردة، وأن أصل آدم هو أصله الذي هو عليه الآن وليس أصله قردا ولا غيره؛ بل هو إنسان سوي على خلقته المشاهدة، فالقول إن أصله قرد قول منكر، قول باطل، بل لو قيل بكفر صاحبه لكان وجيها، فالأظهر والله أعلم أن من قاله مع علمه بما جاء به الشرع أنه يكون كافرا؛ لأنه مكذب لله ورسوله ومكذب لكتاب الله في خلق آدم.
(1/85)
________________________________________
29 - ليس قبل آدم عليه السلام إنسان آخر
س: الأخ م. م. ي. من الجمهورية العربية اليمنية لواء الجديدة يسأل ويقول: سمعت من بعض الناس أنه كان يوجد قبل آدم إنسان بدائي واختفى قبل ظهور آدم، فهل هذا صحيح؟ (1).
ج: ليس لهذا أصل، بل هذا من الخرافات؛ ليس قبل آدم إنسان آخر.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (179).
(1/85)
________________________________________
30 - الحكمة في اختلاف اللغات والألوان
س: لماذا تعددت اللغات في العالم مع العلم أن جميع الأمم من أصل واحد هو أبونا آدم وأمنا حواء؟ (1).
ج: الله أعلم سبحانه، ربك هو الحكيم العليم، ليس عندنا يقين بالحكمة في هذا، ولكننا نعلم أن ربنا حكيم عليم، يقول جل وعلا: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (2)، ويقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (3).
فمن حكمته البالغة جعل اللغات متعددة، وجعل الناس ألوانا كذلك؛ كما قال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} (4)، فقد يكون من الحكمة الدلالة على قدرة الله العظيمة، وأنه سبحانه قادر أن يجعل لهؤلاء لغة ولهؤلاء لغة، فإن هذا أبين في القدرة العظيمة، وقد يكون من الحكمة أشياء أخرى لا نعقلها ولا نفهمها ويفهمها غيرنا من أهل العلم، فالحاصل أن من أوضح الحكم في ذلك أنه سبحانه وتعالى قدير، ولهذا جعل لغات الناس متعددة، وأخبر أنها من آياته:
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (57).
(2) سورة الأنعام الآية 83
(3) سورة النساء الآية 11
(4) سورة الروم الآية 22
(1/86)
________________________________________
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} (1) (2).
كما جعلهم ألوانا فيهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك، وجعلهم أيضا مختلفين في الأحجام؛ هذا طويل وهذا قصير وهذا بين ذلك، وجعلهم مختلفين في الأخلاق والعقول، وهكذا مسألة اللغة كلها تدل على قدرته العظيمة وأنه يتصرف كما يشاء، سبحانه وتعالى، وقد تكون هناك حكم كثيرة لا نفهمها.
__________
(1) سورة الروم الآية 22
(2) يعني: لغاتكم.
(1/87)
________________________________________
31 - لا يعرف مكان نزول آدم عليه السلام ولا قبره
س: هل صحيح أن آدم عليه السلام نزل في سيريلانكا، وخاصة في منطقة سرندبب، هل هذا صحيح أم لا؟ (1).
ج: لا أصل لهذا ولا أساس لهذا، لا تعرف صحته ولا أصل له. فلا يعرف قبره ولا في أين نزل، ولا في أي بقعة أين دفن آدم عليه السلام، المقصود أن قبر آدم لا يعرف في أي بقعة من الأرض.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (198).
(1/87)
________________________________________
32 - بيان ارتباط العقل بالروح
س: نحن بنو البشر، نملك العقل والروح، والسؤال: هل عندما يفكر العقل في شيء، يمكن أن تعارضه الروح على هذا الشيء أو توافقه، أو هل هناك ارتباط بين العقل والروح، أم كلاهما يعملان باختلاف عن الآخر؟ (1).
ج: العقل والنفس شيء واحد؛ لأن العقل إنما يفكر ينظر ويتأمل بواسطة النفس (الروح)، فإذا ذهبت الروح بطل كل شيء، فإذا كانت الروح فيه فكر بنفسه، الذي معه هي روحه يفكر بما أعطاه الله من العقل، والتمييز في الصالح والضار، والطيب والخبيث وهكذا، فهو يفكر بما أعطاه الله من العقل بواسطة الروح التي هي نفسه وحياته، فما زالت الروح موجودة أمكنه التفكير والنظر والإعداد لما يريد، والعزم على ما يريد، فإذا ذهبت الروح بطل التفكير.
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (181).
(1/88)
________________________________________
باب فيما يتحقق به الإسلام
(1/89)
________________________________________
باب فيما يتحقق به الإسلام
33 - بيان ما يتحقق به الإسلام
س: كم هي شروط الإسلام؟ (1)
ج: شروط الإسلام شرطان: الشرط الأول: الإخلاص لله، وأن تكون قاصدا بإسلامك ودخولك في دين الله وأعمالك وجه الله عز وجل، هذا لا بد منه؛ في كل عمل تعمله وكل عمل تعمله وليس لوجه الله سواء كان صلاة أو صدقة أو صياما أو غير هذا لا يكون لله، حتى الشهادتين لو فعلتهما رياء أو نفاقا لا تنفعك تكون من المنافقين. فلا بد أن تنوي بقولك: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله صدقا، من قلبك تؤمن بالله وحده وأنه المعبود بحق وأن محمدا رسول الله صادقا ورسول الله حقا وأنه خاتم الأنبياء، فإذا كان ذلك صدقا إخلاصا نفعك ذلك، وهكذا في صلاتك تعبد الله بها وحده، وهكذا صدقاتك، وهكذا قراءتك، تهليلك، صومك، حجك يكون لله وحده.
الشرط الثاني: الموافقة للشريعة، لا بد أن تكون أعمالك موافقة
__________
(1) السؤال الثالث عشر، من الشريط رقم (63).
(1/91)
________________________________________
للشريعة، ما هو من عند رأيك ولا من اجتهادك، لا بد تتحرى موافقة الشريعة تصلي كما شرع الله، تصوم كما شرع الله، وتزكي كما شرع الله، وتجاهد كما شرع الله وتحج كما شرع الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1)» والله يقول في كتابه العظيم: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2). يعيبهم الله بهذا، ويقول سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (3) {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} (4).
فالواجب اتباع الشريعة التي شرعها الله على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وعدم الخروج عنها في جميع العبادات التي قضى الله بها سبحانه وتعالى، هذه هي شروط الإسلام، شرطان: الأول: الإخلاص لله في العمل، والثاني: الموافقة للشريعة، هذا هو الذي به تنتفع بعباداتك، ويقبل الله منك عباداتك إذا كنت مسلما.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما، برقم 24944.
(2) سورة الشورى الآية 21
(3) سورة الجاثية الآية 18
(4) سورة الجاثية الآية 19
(1/92)
________________________________________
34 - حمل من أظهر الإسلام على ظاهره
س: هل يحكم بالإسلام لمن أظهر شيئا من أمور الإسلام، أم يتوقف إلى أن تعرف عقيدته؟ (1).
ج: الواجب هو الحكم بالإسلام لمن أظهر ما يدل على إسلامه؛ كالشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وكصلاته مع المسلمين، فإن هذا يدل على أنه مسلم حتى يتبين ما يخالف ذلك، فإذا تبين منه ما يخالف ذلك وجبت نصيحته، ووجب إرشاده ودلالته على ما قد يخفى عليه، فإن ظهر منه الردة عن الإسلام، وما يحكم به عليه بذلك فإن على ولي الأمر أن يستتيبه، فإن تاب وإلا وجب أن يقتل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه (2)» رواه البخاري في صحيحه.
والخلاصة أن الواجب حمل من أظهر الإسلام على الإسلام وتوجيهه إلى الخير وتعليمه ما جهل، وإرشاده إلى ما قد يخفى عليه حتى يتبين منه ما يدل على كفره وضلاله، فيعامل كما يعامل غيره من الكفرة المرتدين. نسأل الله السلامة والعافية.
__________
(1) السؤال الثاني عشر، من الشريط رقم (155).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، برقم 3017.
(1/93)
________________________________________
35 - بيان ما يتم الدخول به في الإسلام
س: فيه شيء يتردد بين أوساط الناس يقولون مثلا: الصلاة يشترط لها الإسلام، والحج أيضا يشترط له الإسلام، فإن الإنسان قد يكون مسلما ولو لم يأت ببقية أركان الإسلام. نريد تجلية هذا الموضوع. (1).
ج: واضح أن المسلم من أتى بالشهادتين، متى أقر بالشهادتين ووحد الله عز وجل وصدق رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم دخل في الإسلام، ثم ينظر فإن صلى تم إسلامه، وإن لم يصل صار مرتدا، وهكذا لو أنكر الصلاة بعد ذلك صار مرتدا، أو أنكر الصيام قال: ليس واجب صيام رمضان صار مرتدا، أو قال: الزكاة ليست واجبة زكاة الإسلام ليست واجبة صار مرتدا، أو قال: الحج مع الاستطاعة غير واجب، صار مرتدا، أو استهزأ بالدين أو سب الرسول صار مرتدا. هذا ينبغي أن يكون واضحا، فهو إذا دخل في الإسلام بالشهادتين حكم له بالإسلام، ثم ينظر بعد ذلك في بقية الأمور فإذا استقام على الحق تم إسلامه، وإذا وجد منه ما ينقض الإسلام؛ من سب الدين، من تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، من جحد لما أوجب الله من صلاة أو صوم، من جحد لما حرم الله كما لو قال: الزنا حلال، يرتد عن الإسلام ولو صلى وصام، ولو قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. لو قال: إن الزنا حلال، وهو
__________
(1) السؤال الحادي عشر، من الشريط رقم (26).
(1/94)
________________________________________
يعلم بالأدلة التي تقيم عليه الحجة، أنه يكون كافرا كفرا أكبر أعوذ بالله.
أو قال: الخمر حلال، وقد بين له الأدلة ووضحت له الأدلة ثم أصر يقول: الخمر حلال، يكون كافرا كفرا أكبر، وردة عن الإسلام نعوذ بالله.
أو قال مثلا: إن العقوق، كونه يعق والديه حلال، يكون ردة عن الإسلام نعوذ بالله، أو قال إن شهادة الزور حلال، يكون ردة عن الإسلام بعد أن يبين له الأدلة الشرعية. كذلك إذا قال: الصلاة ليست واجبة، الزكاة ليست واجبة، صيام رمضان ليس واجبا، الحج مع الاستطاعة ليس واجبا، يكون ناقضا من نواقض الإسلام ويكون كافرا إنما الخلاف إذا قال: الصلاة واجبة، ولكن لا أصلي، هذا محل الخلاف، هل يكفر أو لا يكفر؟ هو يقول الصلاة واجبة، لكن أتساهل ما أصلي، فإن جمهور الفقهاء يقولون: لا يكفر ويكون عاصيا يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا. وذهب آخرون من أهل العلم وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أنه يكفر بها كفرا أكبر، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا؛ لقول الله عز وجل: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (1)، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة لا يخلى سبيله، بل يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وقال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (2)، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة ولا يصلي ليس بأخ في الدين.
__________
(1) سورة التوبة الآية 5
(2) سورة التوبة الآية 11
(1/95)
________________________________________
36 - حكم تغيير الاسم والختان بعد الإسلام
س: إذا أسلم الكافر هل يلزم تغيير اسمه، وإذا كان رجلا كبيرا ولم يطهر وهو صغير؛ لأنه كان كافرا ماذا يفعل به في هذه الحال؟ (1).
ج: إذا كان اسمه ليس بحسن شرع له تغيير اسمه بعد الإسلام؛ ولأن تغييره أيضا يعطي انطباعا واضحا وظاهرا عن انتقاله للإسلام، وأنه انتقل إلى الإسلام؛ لأنه يسأل عن أسباب التغيير فيعرف الناس أنه أسلم، وأيضا في الغالب أن أسماءهم في الكفر قد لا تكون مناسبة، فتغير بأسماء إسلامية كصالح وأحمد وعبد الله وعبد الرحمن ومحمد ونحو ذلك، أما إذا كان اسمه معبدا لغير الله كعبد المسيح أو عبد الزهرة أو عبد موسى أو عبد عيسى هذا يجب تغييره، فلا يعبد إلا لله سبحانه وتعالى، فإذا كان اسمه معبدا لغير الله يجب أن يغير بعبد الله وبعبد الرحمن، ونحو ذلك، أما إذا كان ما عبد لغير الله ولكن أسماء معروفة عند الكفرة ومن عادات الكفرة فالأولى تغييرها والأفضل تغييرها بأسماه إسلامية.
وأما الختان فالأفضل أن يختتن ولو كان كبيرا، لكن بواسطة، الطبيب الحاذق العارف، ينبغي له أن يختتن، وجمع من أهل العلم
__________
(1) السؤال الخامس؛ من الشريط رقم (30).
(1/96)
________________________________________
يقول: يجب عليه أن يختتن إذا كان ما فيه خطر، أما إن قال الطبيب: إن فيه خطرا - فيسقط، لكن إذا قال الطبيب: إن اختتانه لا بأس به، ولا حرج فيه، ولا خطر فيه - فإنه يختتن. هذا هو الذي ينبغي له.
وهو سنة مؤكدة، أو واجب عند جمع من أهل العلم. فإذا تيسر له الختان، وهو كبير من غير خطر - هذا هو الأولى والأفضل والأحوط. أما إن كان فيه مشقة، وقال بعض الأطباء: إن فيه خطرا - فلا حاجة إلى ذلك، ويسقط.
وإن كان تختينه يسبب تنفيره من الإسلام فلا يذكر، ولا يبين له ذلك. أو يترك؛ لأن دخوله في الإسلام نعمة عظيمة، ولو ما اختتن فلا ينبغي أن يعارض بشيء ينفره من الإسلام.
لكن إذا دخل في الإسلام، واستقر في الإسلام - ينظر بعد ذلك إن تيسر اختتانه بدون مشقة، وبدون خطر فهذا أولى وأحوط، وإن لم يتيسر يترك.
(1/97)
________________________________________
باب ما جاء في الأسماء والصفات
(1/99)
________________________________________
باب ما جاء في الأسماء والصفات
37 - فضل تعلم أسماء الله وصفاته
س: هناك سؤال - سماحة الشيخ - الحقيقة يتعلق بالعقيدة من السائل ق. س. من محافظة حضرموت، يقول في هذا السؤال: هل تعلم صفات الله عز وجل واجب؟ أم مستحب؟ أم أنه سواء تعلم ذلك أم لم يتعلم هذه الصفات؟
وماذا تقولون في الذين يقولون بأن تعلم هذه الصفات لا ينبغي؛ لأنه يجعل الإنسان يدخل أو يوسوس له كلمة: كيف وماذا؟ وما الكتب التي تنصحوننا بتعلمها في هذا الباب مأجورين؟ (1).
ج: تعلم أسماء الله وصفاته من القرآن العظيم والسنة المطهرة من أفضل القربات؛ لأن هذا يعين على تعظيم الله وتقديسه، وسؤاله بأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، والله يقول: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2)
__________
(1) السؤال السابع والثلاثون من الشريط رقم (400).
(2) سورة الأعراف الآية 180
(1/101)
________________________________________
دل على أنه يشرع أن نعرفها حتى ندعوه بها.
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة (1)». دل على أنه وتر يحب الوتر، ودل على أنه ينبغي لأهل العلم ولأهل الإيمان تعلم أسماء الله وصفاته، حتى يسألوه بها، وحتى يثنوا عليه بها، وحتى يعملوا بمقتضاها، وتحصل لهم الجنة.
هكذا ينبغي للمؤمن أن يعلم أن الله جل وعلا ذو الأسماء الحسنى، وأنه لا شبيه له، ولا كفو له ولا ند له. وأنه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولا يشبه الله بخلقه؛ لأنه سبحانه يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2).
وهو الرحمن رحمة لا كرحمتنا، وهو العلي علوا لا كعلونا، وهو المستوي على العرش لا كاستوائنا، رحيم لا كرحمتنا، يغضب لا كغضبنا، ويضحك لا كضحكنا، إلى غير هذا من صفاته سبحانه وتعالى.
أما الكتب التي ننصح بقراءتها في هذا المجال فإن أعظم كتاب هو القرآن، ننصحك بالقرآن العظيم، ننصح جميع المسلمين بالعناية
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا، برقم 7392. ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها، برقم 2677.
(2) سورة الشورى الآية 11
(1/102)
________________________________________
بالقرآن، والإكثار من تلاوته؛ فهو كتاب الله، فيه الهدى والنور، كما قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (1)، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (2)، وقال سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (3)، وقال سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (4).
فنوصي جميع المسلمين رجالا ونساء، نوصيهم بالقرآن، نوصيهم بالإكثار من تلاوته، وتدبر معانيه، وحفظه، أو ما تيسر منه؛ فهو كتاب الله، فيه الهدى والنور، فيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، فيه الدعوة إلى ما أوجب الله، وترك ما حرم الله. فيه قصص الأنبياء والمرسلين، فيه قصص الأخيار؛ حتى يتأسى بهم المؤمن، فيه قصص الأشرار؛ حتى تجتنب أعمالهم.
ثم كتب الحديث الشريف، كالصحيحين: البخاري، ومسلم. والسنن الأربعة، لمن كان عنده علم يقرأ فيهما.
وأما المبتدئ، طالب العلم المبتدئ - فنوصيه بمثل المختصرات التي يستطيع حفظها، مثل بلوغ المرام للحافظ ابن حجر، ومثل كتاب التوحيد، وثلاثة الأصول، والأربع القواعد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. كشف الشبهات كذلك له رحمه الله. والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وعمدة الحديث للشيخ
__________
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2) سورة فصلت الآية 44
(3) سورة ص الآية 29
(4) سورة محمد الآية 24
(1/103)
________________________________________
الحافظ عبد الغني المقدسي. هذه كتب ينبغي حفظها، تفيد وتنفع، من الكتب المهمة.
(1/104)
________________________________________
38 - فضل حفظ أسماء الله الحسنى
س: يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تسعة وتسعين اسما، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة (1)» أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -. هل كل من حفظ أسماء الله يضمن دخوله الجنة؟ (2).
ج: هذا من أحاديث الوعد، ومن أحاديث الفضائل، وفيه غيره من أحاديث الفضائل، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة (3)». وفيه لفظ آخر: «من حفظها دخل الجنة (4)» متفق على صحته.
هذا فيه حث على العناية بأسماء الله، وتدبرها، وحفظها، وإحصائها، حتى يستفيد من هذه المعاني العظيمة، وحتى يكون هذا من أسباب الخشوع لله، وطاعته له، والقيام بحقه
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، برقم 2736، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، برقم 2677.
(2) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (321).
(3) أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، برقم 2736، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، برقم 2677.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحدا، برقم 6410.
(1/104)
________________________________________
سبحانه وتعالى.
ومن أسباب دخول الجنة لمن حفظها، وأدى حق الله، ولم يغش الكبائر. أما من غشي الكبائر من المعاصي فهو معرض لوعيد الله، وتحت مشيئة الله؛ إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة. لكن حفظ هذه الأسماء وإحصاؤها من أسباب دخول الجنة، لمن سلم من الموانع الأخرى؛ فإن دخول الجنة له أسباب، وله موانع كالإقامة على المعاصي من أسباب منع دخول الجنة، مع أول من دخلها، مع الداخلين أولا، فيعذب ثم بعد ما يطهر ويمحص إذا كان مات على المعاصي يدخل الجنة.
وقد يعفو الله عنه، ويدخل من أول وهلة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - كفارات لما بينهن، ما لم تغش الكبائر (1)» يعني: كبائر الذنوب، وهي المعاصي التي فيها وعيد أو غضب أو لعن، مثل الزنى، ومثل شرب الخمر، ومثل عقوق الوالدين، أو أحدهما، ومثل أكل الربا، ومثل الغيبة، والنميمة، وأشباهها من المعاصي.
هذه الأشياء خطيرة، وأمرها خطير، وصاحبها إذا مات عليها تحت مشيئة الله؛ إن شاء الله غفر له وأدخله الجنة بتوحيده وإسلامه، وإن شاء عذبه على قدرها، ثم بعد ما يطهر ويمحص في النار يخرجه الله من النار إلى الجنة. وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن كثيرا من
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، برقم 233.
(1/105)
________________________________________
العصاة يدخلون النار بمعاصيهم، ويعذبون فيها على قدر معاصيهم.
ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجهم الله من النار؛ بعضهم بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعضهم بشفاعة غيره من الملائكة والأنبياء والأفراط، وبعضهم بمجرد عفو الله عنه؛ لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1).
هذه المعاصي تحت مشيئة معلقة؛ إن شاء الله عفا عنهم وأدخلهم الجنة، وإن شاء عذبهم على قدر معاصيهم، ثم يخرجون من النار بعد التطهير، ولا يخلدون، فيدخلون الجنة بعد ذلك. ولا يخلد في النار إلا صاحب الكفر بالله والشرك، فهم الذين يخلدون لا يغفر لهم.
أما أهل المعاصي فمن دخل النار لا يخلد عند أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على مذهبهم الباطل، فإنهم يرون أن العصاة يخلدون في النار، فمذهبهم باطل. أما أهل السنة والجماعة فيقولون: العصاة تحت المشيئة إذا ماتوا على التوحيد والإسلام وعندهم معاص فهم تحت المشيئة إذا لم يتوبوا. . وفق الله الجميع.
س: هل من حفظ الأسماء الحسنى دخل الجنة؟ (2)
ج: جاء في الحديث الصحيح، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تسعة
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) السؤال الثاني من الشريط رقم (241).
(1/106)
________________________________________
وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة (1)». وفي لفظ: «من حفظها دخل الجنة (2)»، ولم يبينها - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة. لكن لو وفق الإنسان فأحصاها وحفظها، وصادف أنها تسعة وتسعون - فهو موعود بهذا الخير.
هذا من أحاديث الفضائل إن لم يمت على كبيرة من كبائر الذنوب، فالذي مات على كبيرة، والكبائر من أسباب حرمان دخول الجنة، من أسباب دخول النار، إلا أن يعفو الله عنه.
والقاعدة الشرعية أن الآيات المطلقة والأحاديث المطلقة يجب أن تحمل على المقيدة وتفسر بها؛ لأن القرآن لا يتناقض، والسنة لا تتناقض. والأحاديث يصدق بعضها بعضا، والآيات يصدق بعضها بعضا، فوجب حمل المطلق من الآيات والأحاديث على المقيد، وتفسر بذلك، تفسير هذا بهذا.
وقد قال الله سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (3). فاشترط في تكفير السيئات ودخول الجنة اجتناب الكبائر. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - كفارات لما بينهن، ما لم تؤت الكبائر (4)».
فإذا حفظ الأسماء الحسنى التسعة والتسعين، وهو مقيم على الزنى أو الخمر - فهو معرض للوعيد. وهو على خطر من دخول النار، إلا أن يعفو الله عنه أو يتوب. لكن إن دخلها
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم إلا واحدا، برقم 7392. ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها، برقم 2677.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحدا، برقم 6410.
(3) سورة النساء الآية 31
(4) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، برقم 233.
(1/107)
________________________________________
وهو موحد مسلم بسبب بعض الكبائر لا يخلد فيها، خلافا للخوارج والمعتزلة، بل يعذب على قدر الجريمة، ثم يخرجه الله من النار فضلا منه وإحسانا، ولا يخلد في النار إلا الكفار، الذين حكم عليهم القرآن بأنهم كفار أو السنة.
أما العصاة فلا يخلدون إذا دخلوا النار كالزاني والسارق والعاق لوالديه، ونحو ذلك من أهل المعاصي لا يخلدون إذا دخلوا النار، إذا ماتوا عليها ولم يتوبوا، هم متوعدون بالنار. فإن عفا الله عنهم فهو أهل الجود والكرم سبحانه وتعالى، وإن لم يعف عنهم عذبهم على قدر الجريمة التي ماتوا عليها، ثم بعد ذلك يطهرون، ثم بعد ذلك يخرجون من النار.
وقد أخبر النبي بهذا - عليه الصلاة والسلام - في أحاديث كثيرة متوافقة، أن العصاة يخرجون من النار، ويشفع فيهم - صلى الله عليه وسلم - عدة شفاعات، ويشفع الملائكة، ويشفع المؤمنون، ويشفع الأفراط. هذا هو الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة، خلاف الخوارج والمعتزلة. ويدل على هذا قوله سبحانه في كتابه العظيم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1)، فجعل المعاصي تحت مشيئته سبحانه وتعالى، وجعل الشرك لا يغفر إذا مات عليه.
من مات على الشرك فإنه لا يغفر، بل صاحبه مخلد في النار، نعوذ بالله! إذا مات عليه، وهو ليس من أهل الفترة، ولا من في حكمهم - فإنه يخلد في النار، نعوذ بالله!
أما من مات على شيء من المعاصي، ولم يتب - فإنه تحت مشيئة الله سبحانه؛ إن شاء الله عفا عنه
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(1/108)
________________________________________
فضلا منه وإحسانا، وإن شاء عذبه على قدر الجريمة التي مات عليها. ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار، فضلا منه ورحمة سبحانه وتعالى، خلافا للخوارج والمعتزلة فإنهم يقولون بخلود العاصي في النار، وقولهم باطل عند أهل الحق.
س: أسأل سماحتكم عن حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة». هل كلمة "أحصاها" الواردة في الحديث معناها حفظها؟ أم قراءتها فقط؟ وجهوني، جزاكم الله خيرا! (1).
ج: هذا الحديث مخرج في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وله لفظان: أحدهما: " أحصاها "، واللفظ الثاني: «من حفظها دخل الجنة (2)». معنى " أحصاها " أي حفظها وأتقنها دخل الجنة. وإحصاؤها يكون بحفظها، ويكون بالعمل بمقتضاها.
أما لو أحصاها، وما عمل بمقتضاها، ولا يؤمن بهاء - فإنها لا تنفعه، فالإحصاء يدخل فيه حفظها، ويدخل فيه العمل بمعناها. فالواجب على من وفقه الله لإحصائها وحفظها أن يعمل بمقتضاها، فيكون رحيما، ويكون أيضا عاملا بمقتضى بقية الأسماء. يؤمن بأن الله عزيز حكيم، رءوف رحيم، قدير عالم بكل شيء.
يؤمن بذلك، ثم يراقب الله، ويخاف الله، فلا يصر على المعاصي التي يعلمها
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (289).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحدا، برقم 6410.
(1/109)
________________________________________
ربه، بل يحذر المعاصي، ويبتعد عنها وعن الكفر بالله كله بأنواعه، إلى غير ذلك.
فهو يجتهد في حفظها مع العمل بمقتضاها، مع الإيمان بالله ورسوله، وإثبات الصفات والأسماء لله، على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. يعلم أنها حق، وأنها صفات لله وأسماء لله، وأنه سبحانه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. لا شبيه له ولا مثل له، كما قال عز وجل في كتابه العظيم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) {اللَّهُ الصَّمَدُ} (2) {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (3) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (4).
يؤمن بهذا، وأنه صمد لا شبيه له، تصمد إليه الخلائق، وتحتاج إليه سبحانه وتعالى. هو الكامل في كل شيء، وأنه لم يلد ولم يولد، وأنه لا كفو له، لا في صفاته ولا في أفعاله. ليس له كفء ولا مثل ولا سمي، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (5) وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (6)، وقال: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} (7).
فهو سبحانه لا سمي له ولا شبه له، ولا كفو له ولا ند له، هو الكامل في كل شيء سبحانه في علمه وفي ذاته، وفي حكمته وفي رحمته وفي عزته وفي قدرته. وفي جميع صفاته سبحانه وتعالى، فمن أحصاها علما وعملا وحفظها علما وعملا أدخله
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 2
(3) سورة الإخلاص الآية 3
(4) سورة الإخلاص الآية 4
(5) سورة الشورى الآية 11
(6) سورة مريم الآية 65
(7) سورة النحل الآية 74
(1/110)
________________________________________
الله الجنة.
أما إذا أحصاها وحفظها، لكن قد أقام على المعاصي والسيئات - فهو تحت مشيئة الله؛ إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه بمعاصيه. ثم بعد تطهيره من المعاصي يخرجه الله من النار إلى الجنة، إذا كان مات على التوحيد والإسلام، كما قال الله سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (1).
والكبائر تشمل الشرك وأنواع الكفر، وتشمل المعاصي التي حرم الله وجاء فيها اللعن، والغضب والوعيد من الكبائر. فعلى العبد من العباد الرجال والنساء أن يجتنبوها؛ ولهذا قال سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (2) يعني الصغائر {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (3).
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر (4)» وفي لفظ: «ما لم تغش الكبائر (5)»، كالزنى والسرقة وعقوق الوالدين أو أحدهما، وقطيعة الرحم، وأكل الربا، والغيبة والنميمة، والتولي يوم الزحف، والسحر، إلى غيرها مما حرمه الله من الكبائر.
__________
(1) سورة النساء الآية 31
(2) سورة النساء الآية 31
(3) سورة النساء الآية 31
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 8498.
(5) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم 233.
(1/111)
________________________________________
والمقصود أن إحصاء الأسماء الحسنى وحفظها من أسباب السعادة، ومن أسباب دخول الجنة لمن أدى حقها، واستقام على طاعة الله ورسوله، ولم يصر على الكبائر.
س: سائل من سوريا يقول: كيف أفرق بين الأسماء والصفات، جزاكم الله خيرا؟ (1).
ج: الأسماء واضحة إذا كان المقصود أسماء الله وصفاته؛ لأن السؤال مجمل، فأسماء الله ما سمى به نفسه كالعزيز والحكيم والقدير والسميع والبصير، هذه يقال لها أسماء. والصفات: السمع، البصر، العلم، القدرة، وما أشبه ذلك. هذا الفرق بينهما.
__________
(1) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (411).
(1/112)
________________________________________
39 - أسماء الله تعالى كلها حسنى
س: ماذا يجب على المؤمن أن يعتقده في صفات الله سبحانه وتعالى، حتى يكون سليم الاعتقاد، كما كان عليه سلفنا الصالح؟ (1)
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (346).
(1/112)
________________________________________
ج: الواجب على المؤمن أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال، وأن أسماءه كلها حسنى كما قال عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (1). . وهكذا يعتقد أنها كاملة، وأنه لا شبيه له، ولا مثيل له، ولا نقص فيها بوجه من الوجوه؛ لقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (2)، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (3)، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (4)، {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} (5). .
هذا هو الواجب على كل مؤمن ومؤمنة، أن يعتقد أن الله جل وعلا، له الأسماء الحسنى الكاملة وله الصفات الكاملة، التي ليس فيها نقص ولا عيب، ولا خلل. الرضا والغضب والرحمة والإحسان، والجود والكرم والعزة. وكونه مستحق العبادة، وكونه الحكيم، وكونه العليم، إلى غير هذا.
هذه الصفات كاملة يوصف بها على أنها كاملة، من كل الوجوه، ويسمى بها. العليم الحكيم، القدير على ما سمى بها نفسه، سبحانه وتعالى! فهو سبحانه له الأسماء الحسنى كما سمى نفسه، وله معانيها العظيمة، كل معانيها كاملة، ليس له نظير ولا شبيه، ولا مثيل. له الأسماء الحسنى، وله المثل الأعلى في جميع الصفات، سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180
(2) سورة الإخلاص الآية 4
(3) سورة الشورى الآية 11
(4) سورة مريم الآية 65
(5) سورة البقرة الآية 22
(1/113)
________________________________________
40 - بيان عقيدة الصحابة في الأسماء والصفات
س: سماحة الشيخ بينوا لنا كيف كانت عقيدة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفات الله سبحانه وتعالى، وفي توحيد الله، وفي القرآن، وفي البعث والجزاء؟ جزاكم الله خيرا؟ (1).
ج: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه! أما بعد: هذا سؤال عظيم جدير بالعناية. عقيدة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أسماء الله وصفاته، وفي البعث والنشور، وفي غير ذلك - هي ما دل عليه القرآن العظيم والسنة المطهرة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهم - رضي الله عنهم - تلقوا عن نبيهم العقيدة التي دل عليها القرآن العظيم، وهي الإيمان بالله أنه ربهم ومعبودهم الحق سبحانه وتعالى الذي لا تجب العبادة إلا له سبحانه وتعالى. هو الذي يصلى له، ويدعى ويستغاث به، وينذر له، ويصلى له ويسجد ويذبح له، إلى غير ذلك، العبادة حقه سبحانه وتعالى. فعقيدتهم أن العبادة حق الله وحده، وأنه لا يصرف منها شيء إلى غير الله، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل.
وقد كانوا في الجاهلية يعبدون الأصنام، ويدعونها ويستغيثون بها، والأشجار والأحجار. فلما بعث الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - هداهم للإسلام وعرفوا أن ما هم عليه هو الباطل، وأنه الشرك الأكبر، وأن العبادات كلها يجب أن تكون لله وحده.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (380)
(1/114)
________________________________________
وعقيدتهم في أسماء الله وصفاته الإيمان بها، وإمرارها كما جاءت وعدم التكييف والتمثيل، فهم يؤمنون بأن الله هو السميع البصير، الحكيم العليم، الرحمن الرحيم، وأنه على العرش استوى فوق جميع الخلق، وأنه العلي العظيم سبحانه وتعالى.
وأنه الحي القيوم، وأنه المتصرف في عباده كيف يشاء، مدبر الأمور وخالق الخلق، ورازق العباد. لا شبيه له ولا مثل له ولا كفء له {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) {اللَّهُ الصَّمَدُ} (2) {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (3) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (4)، ويقول سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (5).
فهذه عقيدة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أسماء الله وصفاته، يؤمنون بأنه سبحانه فوق العرش فوق جميع الخلق، وأنه العلي العظيم، وأن الأعمال الصالحة ترفع إليه، كما قال جل وعلا: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (6)، وقال جل وعلا: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (7). والعروج: الصعود من أسفل إلى أعلى.
وقال جل وعلا: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (8)، وقال: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (9). .
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 2
(3) سورة الإخلاص الآية 3
(4) سورة الإخلاص الآية 4
(5) سورة الشورى الآية 11
(6) سورة فاطر الآية 10
(7) سورة المعارج الآية 4
(8) سورة غافر الآية 12
(9) سورة البقرة الآية 255
(1/115)
________________________________________
وقال سبحانه في حق عيسى عليه السلام: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (1)، وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (2). .
فهو فوق العرش، فوق جميع الخلق، فهو العلي الأعلى، هو ذو العرش، كما قال تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} (3). فهو فوق العرش، فوق جميع الخلق، قد استوى عليه. والاستواء هو العلو والارتفاع فوق العرش، استواء يليق بجلال الله، لا يشابه خلقه في استوائهم، ولا في كلامهم، ولا في غير ذلك، فهو سبحانه وتعالى العلي الأعلى، فوق العرش بلا كيف.
أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي وأتباعهم - لا يكيفون، لا يقولون: استوى، كيف استوى؟ بل يقولون: استوى على العرش بلا كيف، على الكيف الذي يعلمه سبحانه، لا نعلم كيفية صفاته جل وعلا، بل نقول: استوى بلا كيف، وهو الرحمن الرحيم، وهو العزيز الحكيم، وهو السميع البصير، بلا كيف.
لكن نعلم يقينا أن صفاته كاملة، وأنه لا شبيه له ولا مثل له، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (4)، فلا يجوز لأحد أن يكيفها ولا أن يمثلها، فالمشبهة كفار، من شبه الله بخلقه فقد كفر، وكذب قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (5) ومن عطل صفاته وأنكرها كالجهمية كفر، أو عطل معانيها كالمعتزلة كفر. فالواجب إثبات أسمائه وصفاته لفظها ومعناها، يجب
__________
(1) سورة آل عمران الآية 55
(2) سورة النساء الآية 158
(3) سورة غافر الآية 15
(4) سورة الشورى الآية 11
(5) سورة الشورى الآية 11
(1/116)
________________________________________
إثبات الأسماء والصفات لفظا ومعنى لله عز وجل، فهو موصوف بها.
وهو سبحانه وتعالى له معناها، فهو العلي له العلو، رحمن له الرحمة، سميع يسمع، بصير يبصر، إلى غير ذلك. كله حق، على وجه لا شبيه له في ذلك، ولا كفء له، ولا ند له سبحانه وتعالى.
وكلام الله منزل غير مخلوق، تكلم بالقرآن، وكلامه منزل غير مخلوق، وهكذا كلم موسى، كلم محمدا - صلى الله عليه وسلم -. يكلم الملائكة، كلامه حق. يسمع، ليس كمثله شيء. كلامه نقول فيه كسائر الصفات: كلام صحيح حقيقي، لا يشبه كلام المخلوقين، صفة من صفاته كالسمع والبصر، والرضا والغضب والرحمة، وغير ذلك من صفاته جل وعلا.
فالواجب على جميع المكلفين الإيمان بأسمائه وصفاته، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، ومن دون زيادة أو نقص، بل يجب إثبات ما أثبته الله ورسوله، ونفي ما نفاه الله ورسوله.
هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وعقيدة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. وأما الذين غيروا وبدلوا فليسوا من الصحابة في شيء، وليسوا من أهل السنة في شيء كالجهمية والمعتزلة والرافضة وغيرهم.
أهل السنة والجماعة يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، واحد لا شريك له، ويعتقدون معنى قول: لا إله إلا الله، وأن معناها لا معبود حق إلا الله، فهم يؤمنون بأنه سبحانه المعبود الحق، وأنه لا إله غيره، ولا شريك له، ويؤمنون بأنه سبحانه ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأن أسماءه كلها حسنى، وأن صفاته كلها علا.
لا يشبهه شيء
(1/117)
________________________________________
من خلقه سبحانه وتعالى في شيء من صفاته، والواجب على جميع المكلفين الإيمان بذلك، والسير على منهج الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. وهو توحيد الله والإخلاص له، والإيمان بأنه يستحق العبادة والإيمان بأسمائه وصفاته، وأنها حق، وأنه سبحانه لا شبيه له، ولا مثل له ولا كفء له. ولا يقاس بخلقه عز وجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1)، سبحانه وتعالى، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (2)، {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} (3). .
هذا هو دين الله، هذا هو الحق الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة الشورى الآية 11
(2) سورة الإخلاص الآية 4
(3) سورة النحل الآية 74
(1/118)
________________________________________
41 - مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته
س: مجموعة من طلاب العلم بعثوا بهذا السؤال يقولون: نود من سماحة الشيخ أن يتحدث عن مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؛ لأننا اختلفنا كثيرا مع الإخوان في ذلك حول هذا الموضوع، وجهونا سماحة الشيخ. (1)
ج: مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته أنهم
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (399)
(1/118)
________________________________________
يؤمنون بها، ويثبتونها كما جاءت في القرآن والسنة، ويمرونها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. هكذا قول أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن سلك سبيلهم. يؤمنون بأسماء الله وصفاته الواردة في القرآن الكريم أو في السنة الصحيحة، ويثبتونها لله على وجه لائق بالله، من غير تحريف لها، ومن غير تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
يعني لا يحرفونها ويغيرونها، ولا يعطلونها كما تفعل الجهمية والمعتزلة، ولا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا يكيفون. ويقولون: كيفيتها كذا، كيفيتها كذا، لا، بل يمرونها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، مثل الرحمن، نقول: هو موصوف بالرحمة على وجه لائق بالله، ليست مثل رحمة المخلوقين، ولا نعلم كيفيتها، ولا نزيد ولا ننقص.
وهكذا نقول: إنه موصوف بالاستواء {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1). . أما كيف استوى، الله أعلم. ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه استولى. لا، نحن نقول: استوى، يعني ارتفع وعلا فوق العرش، الاستواء هو العلو والارتفاع، لكن على وجه لائق بالله، لا يشابه استواء المخلوقين على دوابهم أو في سطوحهم. لا، استواء يليق به ويناسبه، لا يماثل صفات المخلوقين، ولا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى.
كذلك كونه يغضب، هو يغضب جل وعلا على من عصاه وخالف أمره، لكن ليس
__________
(1) سورة طه الآية 5
(1/119)
________________________________________
مثل غضبنا، ولا نكيف ونقول: كيفيته كذا وكذا. لا، نقول: يغضب غضبا يليق بجلاله، لا يشابه صفات المخلوقين، كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1)، وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (2)، وقال تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} (3)، يعني أشباها ونظراء.
وهكذا نقول: إنه يعطي ويمنع، وإنه يحب وإنه يكره، لكن على وجه لائق بالله، لا يشابه صفات المخلوقين في محبتهم وكراهيتهم وبغضهم وسخطهم. لا، صفاته تليق به. وهكذا نقول: له وجه، وله يد، وله قدم وسمع، وله بصر. لكن ليس مثل أسماعنا، ولا مثل أبصارنا، ولا مثل أيدينا، ولا مثل وجوهنا.
وجه يليق بالله، يد تليق بالله، سمع يليق بالله، عين تليق بالله. لا يشابه الخلق في شيء من صفاته جل وعلا، كما قال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (4). . وقد أخبر عن نفسه أنه سميع بصير، وأنه عزيز حكيم، بل يداه مبسوطتان. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال جهنم يلقى فيها، وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها قدمه، فيلتوي بعضها إلى بعض، ثم تقول: قط قط (5)»، يعني حسبي حسبي.
__________
(1) سورة الشورى الآية 11
(2) سورة الإخلاص الآية 4
(3) سورة البقرة الآية 22
(4) سورة الشورى الآية 11
(5) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: [وهو العزيز الحكيم] برقم 7384، ومسلم في كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، برقم 2848.
(1/120)
________________________________________
وهكذا بقية الصفات نمرها كما جاءت مع الإيمان بها، وإثباتها لله على وجه لائق بالله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. نقول: إنها ثابتة، وإنها حق. ولا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه، كما قال جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1). .
ولما سئل مالك بن أنس - رحمه الله - عن الاستواء، قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن ذلك بدعة (2)، يعني عن الكيفية.
وهكذا قال سفيان الثوري وابن معين والأوزاعي والإمام أحمد بن حنبل والإمام إسحاق بن راهوية، وغيرهم من أئمة السلف. وهكذا الصحابة والتابعون على هذا الطريق، لا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا يكيفونها ولا يقولون: كيف كيف، بل يقولون: نثبتها لله، على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل نقول كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (3). .
__________
(1) سورة الشورى الآية 11
(2) الأسماء والصفات للبيهقي ج 2 ص 410 برقم 836، الاعتقاد للبيهقي ج 1 ص 67، برقم 55
(3) سورة الشورى الآية 11
(1/121)
________________________________________
س: السائل من جمهورية مصر العربية، يقول: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ وما الفرق بين الأسماء والصفات؟ (1).
ج: مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته هو إثباتها وإمرارها كما جاءت على وجه لائق بالله سبحانه وتعالى، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل؛ عملا بقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2)، وقوله سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (3). .
فقد سمى نفسه بأسماء، ووصف نفسه بصفات، فالواجب إثباتها وإمرارها كما جاءت. الرحيم، والعزيز، والقدير، والسميع، والبصير، والرءوف، والغفور، والعليم، إلى غير ذلك. يجب إثباتها لله، على وجه لائق بالله، من غير تحريف للفظها، ولا تعطيل لمعناها، ولا تكييف.
ما يقول: كيفيتها كذا، أو كيفيتها كذا، ولا إنها مثل كذا، ولا مثل كذا، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (4). . وقال رجل للإمام مالك بن أنس رحمه الله: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فقال
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (412)
(2) سورة الشورى الآية 11
(3) سورة الأعراف الآية 180
(4) سورة الشورى الآية 11
(1/122)
________________________________________
رحمه الله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن ذلك بدعة.
وهكذا جاء هذا المعنى عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك، وجاء معناه عن أم سلمة رضي الله عنها: معنى: الاستواء معلوم. يعني معروفا معناه، أنه العلو فوق العرش. هذا الاستواء، كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1). . وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (2). في سبعة مواضع من القرآن، صرح فيها سبحانه أنه استوى على العرش، يعني ارتفع عليه، وعلا عليه جل وعلا.
استواء يليق بجلاله، لا يشابه خلقه في استوائهم، ولا يكيف، ما يقال: كيفيته كذا، كيفيته كذا، بل يقال: الله أعلم بالكيفية، الاستواء حق ومعلوم، وهو العلو فوق العرش، أما الكيفية فلا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى. وهكذا قال جميع أهل السنة من الصحابة، ومن بعدهم، كلهم يقولون هذا المعنى.
فالاستواء والرحمة والعلم والقدرة كلها معلومة، أما الكيف غير معلوم، والإيمان بهذا واجب. نؤمن بأن الله سميع، عليم، حكيم، رءوف، رحيم، قدير، بصير، لطيف، إلى غير ذلك من أسمائه، ولكن لا نكيفها، بل نقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (3). .
__________
(1) سورة طه الآية 5
(2) سورة الأعراف الآية 54
(3) سورة الشورى الآية 11
(1/123)
________________________________________
معناها حق، والرحمن اسم والرحمة صفة، والعليم اسم والعلم صفة، والقدير اسم والقدرة صفة. هذا هو الفرق بينهما، فتقول: اللهم، إني أسألك بقدرتك، أسألك بعلمك كذا وكذا، هذه صفة.
اللهم، إني أسألك بأنك العليم، بأنك الرحمن - توسل بالأسماء، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (1). . والصفة هي المعنى، والاسم هو اللفظ المشتمل على الذات والمعنى، يقال له: اسم. أما المعنى فقط يقال له: وصف. الرحمن هذا يسمى علما اسما؛ لأنه دال على الذات وعلى الصفة، وهي الرحمة.
العليم اسم؛ لأنه دال على الذات وعلى العلم، السميع اسم؛ لأنه دال على الذات وعلى السمع، البصير اسم دال على الذات والبصر. هذه يقال لها: أسماء. أما الصفات فالعلم صفة، والرحمة صفة، والقدرة صفة، السمع صفة.
وهكذا يجب إمرار الجميع كما جاءت، وإثباتها لله، كما قال أهل السنة والجماعة على الوجه اللائق بالله سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل. صفات الله تليق به، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا، كما قال سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (2)، وقال: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} (3). وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (4)، سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180
(2) سورة الإخلاص الآية 4
(3) سورة النحل الآية 74
(4) سورة الشورى الآية 11
(1/124)
________________________________________
42 - بيان الكلام في أفعال الله وصفاته
س: السائل من تشاد، يقول: هل أفعال الله عز وجل قديمة؟ أم حادثة؟ وكيف نوفق بين ذلك؟ جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء (1).
ج: أفعال الله سبحانه جل وعلا أصلها قديم، وأنواعها تحدث شيئا بعد شيء، فهو الخلاق لم يزل خلاقا، سبحانه وتعالى. لم يزل فعالا لما يريد سبحانه وتعالى، لكن أفعاله تتجدد بحسب حال الواقع. فخلق آدم وقع بعد أن كان عدما، وهكذا خلق الملائكة، وهكذا خلق السماوات، وهكذا خلق الأرض، وهكذا خلق شيء بعد ذلك.
وهكذا رضاه عمن مضى، ورضاه عمن يأتي من المؤمنين، وغضبه على من مضى، وغضبه على من يأتي من الكفار، وهكذا. سبحانه وتعالى، فجنس أفعاله وصفاته قديمة.
والصفات قسمان:
قسم ذاتي، كعلمه وسمعه وبصره. فهذا لم يزل سبحانه سميعا بصيرا عليما قادرا على كل شيء، جل وعلا. وأفعال متعددة تتعلق بالمخلوقين، تتجدد بفعل المخلوقين. فخلق السماوات وخلق الأرض وقع بعد أن كانت عدما، وخلق آدم وقع بعد أن كان عدما. وهكذا خلق الجنة والنار، وهكذا غير ذلك.
كلها تقع شيئا بعد شيء، وهو سبحانه موصوف بأنه الخلاق القادر على كل شيء، ولكنه يفعل ما يشاء، كما قال تعالى:
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (417)
(1/125)
________________________________________
{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} (1) {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} (2) {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} (3) {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} (4) {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (5)، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (6)، فهو سبحانه يفعل ما يشاء قديما وحديثا جل وعلا، لم يزل خلاقا، لم يزل قادرا، لم يزل عالما، لم يزل حيا، قيوما سميعا بصيرا، إلى غير هذا سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة البروج الآية 12
(2) سورة البروج الآية 13
(3) سورة البروج الآية 14
(4) سورة البروج الآية 15
(5) سورة البروج الآية 16
(6) سورة الحج الآية 18
(1/126)
________________________________________
43 - وجوب الإيمان باستواء الله تعالى على العرش
س: سألني أخ مسلم أين الله؟ فقلت له: في السماء. فقال لي: فما رأيك في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (1).؟ وذكر آيات كثيرة، ثم قال: لو زعمنا أن الله في السماء لحددنا جهة معينة، فما رأي سماحتكم في ذلك؟ وهل هذه الأسئلة من الأمور التي نهينا عن السؤال عنها؟ (2)؟
ج: قد أصبت في جوابك، وهذا الجواب الذي أجبت به هو الذي أجاب به النبي - صلى الله عليه وسلم - فالله جل وعلا في السماء، في العلو سبحانه
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(2) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (118)
(1/126)
________________________________________
وتعالى كما قال سبحانه وتعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (1) {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (2)، وقال جل وعلا: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (3). . وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (4). .
فهو سبحانه وتعالى فوق العرش في جهة العلو، فوق جميع الخلق عند جميع أهل العلم من أهل السنة. قد أجمع أهل السنة والجماعة - رحمة الله عليهم - على أن الله في السماء فوق العرش، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى. وهذا هو المنقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه رضي الله عنهم، وعن أتباعهم بإحسان. كما أنه موجود في كتاب الله القرآن.
وقد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - جارية جاء بها سيدها ليعتقها، «فقال لها الرسول: " أين الله "؟ قالت: في السماء، قال: "من أنا"؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة (5)» رواه مسلم في الصحيح. فالرسول أقر هذه الجارية في الجواب الذي قلته أنت، «قال لها: " أين الله "؟ قالت: في السماء. قال: " من أنا "؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة».
وما ذاك إلا لأن إيمانها بأن
__________
(1) سورة الملك الآية 16
(2) سورة الملك الآية 17
(3) سورة طه الآية 5
(4) سورة الأعراف الآية 54
(5) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، برقم 537.
(1/127)
________________________________________
الله في السماء يدل على إخلاصها لله، وتوحيدها لله، وأنها مؤمنة به سبحانه وبعلوه، فوق جميع خلقه وبرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث قالت: أنت رسول الله.
أما قوله جل وعلا: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (1). فهذا لا ينافي ذلك، الكرسي فوق السماوات، والعرش فوق الكرسي، والله فوق العرش، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى.
وتحديد الجهة لا مانع منه، جهة العلو؛ لأن الله في العلو، وإنما يشبه بهذا بعض المتكلمين، وبعض المبتدعة ويقولون: ليس في جهة. وهذا كلام فيه تفصيل، فإن أرادوا ليس في جهة مخلوقة، وأنه ليس في داخل السماوات، وليس في داخل الأرض ونحوها - فهذا صحيح.
أما إن أرادوا أنه ليس في العلو فهذا باطل، وخلاف ما دل عليه كتاب الله، وما دلت عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. وما دل عليه إجماع سلف الأمة، فقد أجمع علماء الإسلام أن الله في السماء، فوق العرش، فوق جميع الخلق، والجهة التي هو فيها هي جهة العلو، وهي ما فوق جميع الخلق.
وهذه الأسئلة ليست بدعة، ولم ينه عنها، بل هذه الأسئلة مأمور بها، يعلمها الناس كما سأل عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أين الله؟ " وسأله رجل، فقال: أين ربنا؟ فأخبره أنه في العلو سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى في العلو في جهة العلو، فوق السماوات، فوق العرش، فوق
__________
(1) سورة البقرة الآية 255
(1/128)
________________________________________
جميع الخلق، وليس في الأرض ولا في داخل الأرض، ولا في داخل السماوات، ومن قال: إن الله في الأرض، إن الله في كل مكان كالجهمية والمعتزلة ونحوهم فهو كافر عند أهل السنة والجماعة؛ لأنه مكذب لله ولرسوله، في إخبارهما بأن الله سبحانه في السماء فوق العرش جل وعلا، فلا بد من الإيمان بالله، فوق العرش فوق جميع الخلق، وأنه في السماء في العلو معنى السماء يعني العلو، فالسماء يطلق على معنيين أحدهما: السماوات المبنية، يقال لها: سماء، والثاني العلو يقال له: سماء فالله سبحانه في العلو في جهة العلو، فوق جميع الخلق، وإذا أريد السماء المبنية معناه عليها (في) يعني على، على السماء وفوقها كما قال الله سبحانه: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} (1)، يعني: عليها، وكما قال الله عز وجل عن فرعون إنه قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (2)، يعني على جذوع النخل فلا منافاة بين قول من قال: في السماء، وبين قول من قال: إنه في العلو؛ لأن السماء المراد بها العلو، فالله في العلو فوق السماوات فوق جميع الخلق وفوق العرش سبحانه وتعالى، ومن قال: إنه علا يعني فوق السماوات المبنية، ولا شك أنه فوقها فوق العرش فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى.
فأنت على عقيدة صالحة وأبشر بالخير والحمد لله الذي هداك لذلك، ولا تلتفت لأقوال المشبهين والملبسين؛ فإنهم في ضلال وأنت
__________
(1) سورة التوبة الآية 2
(2) سورة طه الآية 71
(1/129)
________________________________________
الحمد لله ومن معك على هذه العقيدة، أنتم على الحق في إيمانكم بأن الله في السماء فوق العرش فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، وعلمه في كل مكان جل وعلا، ولا يشابه الخلق في شيء من صفاته سبحانه وتعالى، وليس في حاجة إلى العرش، ولا إلى السماء بل هو غني عن كل شيء سبحانه وتعالى، والسماوات مفتقرة إليه والعرش مفتقر إليه، وهو الذي أقام العرش، وهو الذي أقام الكرسي، وهو الذي أقام السماوات وهو الذي أمسكها سبحانه وتعالى كما قال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} (1)، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} (2)، فالله الذي أمسك السماوات وأمسك العرش، وأمسك هذه المخلوقات، فلولا إمساكه لها وإقامته لها لاندك بعضها على بعض، ولكنه جل وعلا هو الذي أقامها وأمسكها حتى يأتي أمر القيامة إذا جاء يوم القيامة صار لها حال أخرى، فهو سبحانه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم وهو العالي فوق جميع خلقه، وصفاته كلها علا، وأسماؤه كلها حسنى.
فالواجب على أهل العلم والإيمان أن يصفوا الله سبحانه بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل بل مع الإيمان بأنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
__________
(1) سورة الروم الآية 25
(2) سورة فاطر الآية 41
(1/130)
________________________________________
س: تسأل أم مجاهد سودانية تقول: قال زوجي في إحدى خطب الجمعة: إن الله في السماء مستو على العرش، بائن من خلقه وهو فوق السماء السابعة، فذهب أحد الناس يستنكر عليه وشنع به، ونطلب من سماحتكم القول الواضح في هذا الموضوع؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: قد أحسن زوجك فيما قال، وأصاب الحق فيما قال، والله سبحانه وتعالى فوق العرش، فوق جميع السماوات، فوق جميع الخلق؛ كما قال عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (2). والاستواء معناه: العلو والارتفاع، يعني ثم علا على العرش وارتفع عليه سبحانه وتعالى. فهو فوق العرش وعلمه في كل مكان عند أهل السنة والجماعة، وهذا هو الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وعلى رأسهم نبينا وإمامنا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو قول أصحاب النبي جميعا رضي الله عنهم، كلهم درجوا على أن الله في العلو، فوق العرش فوق جميع الخلق، وعلمه في كل مكان سبحانه وتعالى؛ كما قال جل وعلا: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (3). وقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (4). فله العلو الكامل
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (104).
(2) سورة الأعراف الآية 54
(3) سورة غافر الآية 12
(4) سورة البقرة الآية 255
(1/131)
________________________________________
سبحانه وتعالى من جميع الوجوه: علو الذات، وعلو القدر والشرف، وعلو السلطان والقهر سبحانه وتعالى، وهو فوق العرش، فوق جميع الخلق، استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته؛ كما قال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1). قال هذا في سبعة مواضع من كتابه العظيم.
فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة الإيمان بذلك، والإمرار للصفات كما جاءت بغير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وإنكار الاستواء من مذهب الجهمية، مذهب أهل البدع، فالواجب على أهل الإسلام ذكورا وإناثا أن يؤمنوا بذلك؛ كما جاء في القرآن العظيم، وأن يسيروا على نهج أهل السنة في إثبات علو الله فوق جميع الخلق، فوق السماء السابعة، فوق جميع الخلق، فوق العرش؛ فإن العرش فوق الكرسي، ثم هناك بعد الكرسي بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين السماء والأرض، فالعرش فوق الكرسي وفوق الماء، والعرش هو سقف المخلوقات. وهو أعلاها والله فوق العرش سبحانه وتعالى، فوق جميع الخلق جل وعلا، ولهذا قال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2)، وقال عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (3)
__________
(1) سورة طه الآية 5
(2) سورة الأعراف الآية 54
(3) سورة طه الآية 5
(1/132)
________________________________________
وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (1). في آيات سبع، كلها دالة على علوه وفوقيته واستوائه على العرش سبحانه وتعالى، فالذي أنكر على زوجك هو الذي أخطأ وغلط ووافق أهل البدع، وخالف أهل السنة، وأما زوجك في إخباره بأن الله فوق العرش فوق السماء، فوق جميع الخلق فقد أصاب، ووافق أهل السنة ووافق الكتاب والسنة، وخالف أهل البدع، فنسأل الله لنا ولكم ولزوجك ولجميع المسلمين التوفيق والهداية، والاستقامة على الحق.
__________
(1) سورة الفرقان الآية 59
(1/133)
________________________________________
44 - معنى عرش الرحمن
س: ما المقصود بعرش الرحمن؟ (1).
ج: العرش عند أهل العلم وفي اللغة العربية هو السرير العظيم، سرير الملك والمراد بعرش الرحمن سرير عظيم هو أعظم المخلوقات، له قوائم وله حملة من الملائكة يحملونه، والله فوق العرش سبحانه وتعالى كما قال عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2)، وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (3)
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (140).
(2) سورة طه الآية 5
(3) سورة الأعراف الآية 54
(1/133)
________________________________________
، فهو سرير عظيم ومخلوق عظيم لا يعلم مدى عظمته وسعته إلا الذي خلقه سبحانه وتعالى، وهو كالقبة على العالم، هو سقف العالم كله، وهو سقف الجنة أيضا وليس فوقه شيء سوى الله سبحانه وتعالى، هذا هو العرش السرير العظيم الذي تعرفه العرب، كما قال الله سبحانه في قصة بلقيس: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (1)، فكراسي الملوك يقال لها عروش، لكن عرش الله سبحانه لا يشابهه شيء من عروش المخلوقين، ولكنه في الجملة يعرف من حيث اللغة، وهو سرير عظيم لا يعلم سعته وعظمته وكنهه ومادته إلا الذي خلقه سبحانه وتعالى، إلا إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء بذلك، إذا صح عن رسول الله شيء من كنهه فذلك مقدر، ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق، لأنه لا ينطق عن الهوى، ولا أعلم شيئا صحيحا معتمدا يبين مادة هذا العرش، لكنه عرش عظيم ومخلوق عظيم له حملة من الملائكة، كما قال الله جل وعلا: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (2)، يوم القيامة.
والمشهور أنه في الدنيا يحمله أربعة، كما قال أمية بن أبي الصلت في شعره المعروف الذي أنشده فأقره النبي صلى الله عليه وسلم:
رجل وثور تحتمي بيمينه ... والنسر للأخرى وليث مرصد
يعني أربعة أملاك في صور ما ذكر، أحدهم في صورة رجل،
__________
(1) سورة النمل الآية 23
(2) سورة الحاقة الآية 17
(1/134)
________________________________________
والثاني في صورة ثور، والثالث في صورة نسر، والرابع في صورة أسد. فهذه مخلوقات تسمى ملائكة خلقهم الله لحمل هذا العرش، وجاء في حديث العباس بن عبد المطلب أنه في يوم القيامة يحمله ثمانية أوعال، وأنهم يحملون العرش في صورة أوعال، ولهم خلق عظيم وطول عظيم، لكن في إسناده بعض المقال، ونص القرآن أن هذا يكون يوم القيامة كما قال سبحانه: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (1)، يومئذ يوم القيامة، فدل ذلك على أنه في الدنيا أربعة، ويوم القيامة يكون ثمانية، والله المستعان وهو سبحانه أعلم.
__________
(1) سورة الحاقة الآية 17
(1/135)
________________________________________
45 - مذهب أهل السنة والجماعة في صفة العلو
س: السائل إ. أ. أ. من الحوطة، يقول: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في العلو؟ (1).
ج: مذهب أهل السنة والجماعة: الإيمان بعلو الله، وأنه سبحانه فوق العرش، فوق جميع الخلق، كما قال جل وعلا: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (2) وقال جل وعلا: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (3)، وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (4)
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (404).
(2) سورة غافر الآية 12
(3) سورة البقرة الآية 255
(4) سورة الأعراف الآية 54
(1/135)
________________________________________
، وقال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1)، وقال جل وعلا: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (2)، والآيات في هذا المعنى كثيرة، أهل السنة والجماعة يؤمنون إيمانا قطعيا بأنه سبحانه في العلو فوق العرش، فوق جميع الخلق، ليس بينهم خلاف في هذا والحمد لله.
س: السائل من تشاد، يقول: أين الله؟ هل هو على عرشه؟ أم في كل مكان؟ وما حكم من يقول بأن الله في كل مكان؟ (3).
ج: الله سبحانه فوق العرش في العلو فوق جميع الخلق، عند أهل السنة والجماعة، هكذا جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، كل الرسل جاءوا بأن الله فوق العرش، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (4)، وقال سبحانه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (5)، وقال جل وعلا: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (6)، وقال جل وعلا: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (7)
__________
(1) سورة طه الآية 5
(2) سورة فاطر الآية 10
(3) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (417).
(4) سورة طه الآية 5
(5) سورة الملك الآية 16
(6) سورة فاطر الآية 10
(7) سورة المعارج الآية 4
(1/136)
________________________________________
، وقال جل وعلا: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (1)، في سبعة مواضع، صرح فيها سبحانه بأنه فوق العرش، قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في استوائهم، ولا في غير ذلك من صفاته جل وعلا، قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2)، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) {اللَّهُ الصَّمَدُ} (4) {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (5) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (6)، وقال سبحانه: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (7)، استفهام إنكاري يعني لا سمي له، ولا كفو له سبحانه وتعالى، وجاء رجل من الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية يريد أن يعتقها، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «يا جارية أين الله؟ " قالت: في السماء، قال: " من أنا؟ "، قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة (8)»، أخرجه مسلم في صحيحه، «لما سألها عن الله؟ قالت: في السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة»، دل على أن ربنا في السماء في العلو، فوق العرش، فوق جميع الخلق، وهذا معنى قوله سبحانه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (9) أم {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (10)
__________
(1) سورة الأعراف الآية 54
(2) سورة الشورى الآية 11
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) سورة الإخلاص الآية 2
(5) سورة الإخلاص الآية 3
(6) سورة الإخلاص الآية 4
(7) سورة مريم الآية 65
(8) أخرجه مسلم في كتاب المساجد مواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، برقم 537.
(9) سورة الملك الآية 16
(10) سورة الملك الآية 17
(1/137)
________________________________________
، هكذا جاء في سورة الملك، وهذا إجماع أهل السنة والجماعة، أجمع الصحابة كما أجمعت الرسل عليهم الصلاة والسلام أن الله فوق العرش، وأن الله في العلو جل وعلا، ومن هذا قوله جل وعلا: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} (1) {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} (2)، دل على أن موسى أخبره أن الله في العلو، وأنه فوق العرش، ولهذا قال فرعون ما قال.
ومن قال: إن الله في كل مكان أو ليس في العلو فهو كافر، مكذب لله ورسوله، ومكذب لإجماع أهل السنة والجماعة، كالجهمية وأشباههم والمعتزلة هؤلاء من أكفر الناس، لإنكارهم أسماء الله وصفاته.
__________
(1) سورة غافر الآية 36
(2) سورة غافر الآية 37
(1/138)
________________________________________
46 - بيان الواجب على من سئل: أين الله
س: البعض من الناس حينما يسأل أين الله؟ يقول: في كل مكان، فما هو الجواب الصحيح من الأدلة الشرعية؟ (1).
ج: الواجب على من سئل: أين الله؟ أن يجيب بما أجابت به الجارية لما سألها الرسول صلى الله عليه وسلم، جيء للرسول صلى الله عليه وسلم بجارية يريد صاحبها
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (389).
(1/138)
________________________________________
أن يعتقها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أين الله؟ " قالت: في السماء، قال: " من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للذي أتى بها: أعتقها فإنها مؤمنة». وهذا هو الواجب، من قيل له: أين الله؟ يقول: في السماء، فوق العرش؛ كما قال الله جل وعلا: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (1)، وقال: {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (2)، يعني في جهة العلو فوق العرش، وقال جل وعلا: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (3) وقال سبحانه: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (4) الآية. والله جل وعلا قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5)، وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (6)، يعني استوى ارتفع وعلا، في سبعة مواضع من القرآن، ذكر فيها أنه استوى على العرش سبحانه وتعالى، وأهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان يؤمنون بهذا ويقرون بأنه سبحانه فوق العرش، فوق جميع الخلق، وأنه استوى على العرش، فوق جميع الخلق، وأنه استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته سبحانه وتعالى.
فمن سئل: أين الله؟ يقول: في السماء فوق العرش، هكذا قال
__________
(1) سورة الملك الآية 16
(2) سورة الملك الآية 17
(3) سورة فاطر الآية 10
(4) سورة المعارج الآية 4
(5) سورة طه الآية 5
(6) سورة الأعراف الآية 54
(1/139)
________________________________________
أهل السنة والجماعة، كما دل عليه القرآن العظيم، والسنة المطهرة.
ومن قال: إنه في كل مكان، فقد كذب الله ورسوله، وهو بهذا يكون كافرا، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وعلى ولي الأمر: السلطان أن يحيله إلى المحكمة، فإن تاب وإلا قتل؛ لأن معناه إنكار كون الله في العلو كونه فوق العرش، معناه تكذيب الله، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فيكون كافرا مرتدا، يستتاب فإن تاب وإلا قتل من جهة ولي الأمر، يحال إلى المحكمة الشرعية حتى يستتاب.
(1/140)
________________________________________
47 - حكم قول: الله في كل مكان
س: السائل ل. ع. ل. من السودان، يقول سماحة الشيخ: الإيمان بالأسماء والصفات من أهم شروط اكتمال العقيدة الصحيحة، ومنها الاستواء على العرش، ولكن نجد في بعض البلاد بأنهم يقولون بأن الله في كل مكان، بماذا تنصحونهم، وإن ماتوا على هذا، هل هم خارج الملة، أفتونا بالتفصيل جزاكم الله خيرا؟ (1).
ج: هذا سؤال مهم عظيم يجب على كل مسلم أن ينتبه له، قد أوضحه الرب جل وعلا في كتابه العظيم أوضح الجواب في كتابه
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (396).
(1/140)
________________________________________
العظيم سبحانه وتعالى، وهو الإيمان بعلو الله واستوائه على عرشه، فقد دل كتاب الله العظيم في سبعة مواضع على أنه سبحانه فوق العرش قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في شيء من ذلك سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا في سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (1)، ومنها قوله جل وعلا في سورة طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2). فالذي عليه أهل السنة والجماعة: الإيمان بذلك، وأنه سبحانه فوق العرش في علو، قد استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، كما قال تعالى: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (3)، وقال سبحانه: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (4)، وقال سبحانه: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (5)، وقال سبحانه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (6)، إلى آيات كثيرات تدل على علوه سبحانه، وأنه فوق العرش، فوق جميع الخلق، وهذا قول أهل السنة والجماعة، وهو الذي جاءت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعا،
__________
(1) سورة الأعراف الآية 54
(2) سورة طه الآية 5
(3) سورة غافر الآية 12
(4) سورة البقرة الآية 255
(5) سورة المعارج الآية 4
(6) سورة فاطر الآية 10
(1/141)
________________________________________
وهو الذي دل عليه القرآن العظيم، ودلت عليه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم المتواترة، وأجمع عليه المسلمون: الصحابة ومن بعدهم.
ومن زعم أن الله في كل مكان فقد كفر؛ لأنه مكذب لله ورسوله، ومكذب لجماعة المسلمين، فالواجب على كل من يعتقد هذا الاعتقاد أن يتوب إلى الله، وأن يقلع من ذنبه العظيم، وأن يؤمن بأن الله سبحانه في العلو فوق العرش، فوق جميع الخلق جل وعلا.
(1/142)
________________________________________
48 - بيان معنى معية الله تعالى مع خلقه
س: قرأت كثيرا في كتب التوحيد، فما إرشادكم في الكتاب الجامع للأسماء والصفات، واعتقاد أهل السنة والجماعة؟ وهل يصلح إطلاق كلمة: إن الله سبحانه وتعالى مع خلقه بعلمه وبقدرته وإرادته، وأقصد بذلك الباء، لأني أقول الباء تقتضي الملاصقة، أرجو التوجيه في هذه القضايا؟ (1).
ج: أحسن كتاب وأشرف كتاب، وأعظم كتاب في بيان أسماء الله وصفاته، وحقه على عباده هو كتاب الله، هو القرآن العظيم ليس بعده كتاب، هو أشرف كتاب وأعظم كتاب وخير كتاب، وأعلى كتاب لمن أراد الحق وليس فوقه كتاب، وفيه الهداية وفيه البيان، وفيه الدلالة على
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (87).
(1/142)
________________________________________
كل خير، ثم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة، مثل ما في الصحيحين وما ثبت في السنن وغيرها من الأحاديث الصحيحة، فهي أيضا العمدة في هذا الباب، ثم الاستعانة بكتب أهل العلم، التي فيها خير كثير من السلف ككتب الأئمة المعروفين، وموطأ مالك ومسند أحمد وغيرها؛ لأنها كتب تروي الأحاديث الصحيحة تروي الآثار عن السلف الصالح، ثم ما ألفه بعدهم العلماء في الأسماء والصفات مثل كتاب التوحيد لابن خزيمة، كتاب السنة لعبد الله بن أحمد، كتاب الدارمي عثمان بن سعيد للرد على بشر المريسي، وما أشبه ذلك من الكتب التي ألفت في السنة، كتب البيهقي وإن كان فيها بعض التأويل، الذي وافق فيه الأشاعرة لكنها في الجملة كتب مفيدة، لكن يجب التنبه لما فيها من بعض الخلل والتأويل، ومن أحسن الكتب المتأخرة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، كتب ابن القيم والذهبي، هؤلاء من خيرة العلماء في القرن الثامن، وشيخ الإسلام أيضا من أعيان القرن السابع، فقد جمع بين القرنين فهو من أعيان السابع والثامن جميعا، أما ابن القيم والذهبي وأشباههم، فهم من أعيان القرن الثامن، وهم من أئمة الهدى وكتبهم فيها خير كثير، وهكذا أشباههم من أهل السنة كالحافظ ابن كثير وغيره، وابن رجب، ومن المتأخرين شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، فإنه من أهل السنة وممن ألف في السنة في القرن الثاني عشر، هكذا تلاميذه وأتباعه، كالشيخ عبد الرحمن بن حسن صاحب فتح المجيد، والشيخ سليمان بن عبد الله صاحب تيسير
(1/143)
________________________________________
العزيز الحميد، وكلاهما حفيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهكذا كتب أئمة الدعوة الذين سلكوا مسلك الشيخ محمد في الدعوة إلى الحق وفي إثبات أسماء الله وصفاته.
والقاعدة في هذا أن كل من عرف باتباع السنة، وتعظيم السنة والسير على منهج السلف الصالح، فهو الذي ينبغي السير على منهاجه، والاستعانة بكتبه والثناء عليه، وحث الناس على الاستفادة من كتبه هكذا، لا يقتصر على أحد معين، كل من عرف أنه يعتني بالسنة ويعظم كلام الله، وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام، ويحذر كلام أهل البدع، ويحذر منه ويسير على منهاج السلف الصالح، فهو جدير بالاتباع، وجدير أن يعض على كتبه بالنواجذ سواء كان شافعيا أو مالكيا أو حنفيا، أو حنبليا أو ظاهريا أو لا ينتسب لأحد.
وعن المعية نعم المعية حق، وهذا الكلام هو كلام أهل السنة، بأن الله مع عباده بالمعية، كما قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (1) وهو مع أوليائه أيضا بالمعية، لكنها معية خاصة تقتضي نصره لهم، وحفظه لهم وكلاءته لهم، كما قال سبحانه في حق موسى وهارون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (2) يعني بالنصر والتأييد والكلاءة، وحمايتهما من شر فرعون، وقد فعل سبحانه لقد تكلما على
__________
(1) سورة الحديد الآية 4
(2) سورة طه الآية 46
(1/144)
________________________________________
فرعون وناظراه، وبينا له الحق ولم يخافا في الله لومة لائم، والله حماهما من كيده.
وهكذا قوله سبحانه في حق محمد صلى الله عليه وسلم {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (1)، لما كان في الغار مع صاحبه أبي بكر، وهكذا قوله سبحانه: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (2) إلى غير هذا من آيات المعية، وليس في الباء شبهة، الله معنا بقدرته بعلمه ليس بشبهة.
المعنى: أنه فوق العرش، فوق السماوات السبع، بائن من خلقه وهو معنا سبحانه، بقدرته يعني قادرا علينا، معنا يعني أنه قادر علينا، عالم بأحوالنا يرانا ولا يخفى عليه مكاننا، وهو فوق العرش سبحانه وتعالى، وهو معنا أيضا بإحسانه إلينا وبكلاءته لأوليائه، وبحفظه لهم كما أنه مع الناس كلهم بالعلم والإحاطة والقدرة والتصرف سبحانه وتعالى، واعتقاد الباء ملاصقة غير لازم؛ لأن كل مقام له مقال، سرت مع زيد، لا يلزم منه الملاصقة معه، يعني جنبه، لكن لا تلزم الملاصقة، سافرت مع زوجتي كذلك، سافرت مع فلان كذلك، أو سافرت بفلان مثل مع فلان، لا يقتضي الملاصقة، كل شيء بحسبه، سرت مع القمر أو سرت والقمر، أو سرت بالشمس، يعني بالاستمتاع بها والانتفاع بها.
__________
(1) سورة التوبة الآية 40
(2) سورة الأنفال الآية 46
(1/145)
________________________________________
كما هي في حق المخلوق إذا قال أحد: أنا معك حيثما كنت، فالله أولى وأجل، ويقول الناس مثلا في العهد الأول: فلان مع معاوية، يعني مع مناصرة معاوية، ولو كان في الشرق أو الغرب، وفلان مع علي يعني مع مناصرة علي، وإن كان ليس في الكوفة ولا معه في جيشه، ويقال: فلانة مع زوجها وفلان معه فلانة، وإن كان بينهما مسافات طويلة، يعني في عصمته، كذلك الراعي مع الرعية والرعية مع الراعي، كلها معية نسبية إذا جاز هذا في المخلوقين، مع قرب بعضهم من بعض، فيجوز في حق الخالق مع عظيم البينونة، البينونة عظيمة، الله سبحانه لا يشابهه شيء، والله سبحانه لا يخالط خلقه، ولا يكون في خلقه شيء منه ولا في خلقه شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من خلقه سبحانه وتعالى.
(1/146)
________________________________________
49 - الكلام على صفة نزول الله تعالى
س: يسأل المستمع ويقول: حديث النزول قول: ينزل ربنا في الثلث الأخير، هل ينزل ربنا عز وجل؟ أم تنزل الرحمة؟ (1)
ج: تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أن الله جل وعلا ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (417).
(1/146)
________________________________________
ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فينادي فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ (1)». أخبر عن نفسه أنه ينزل، لكن لا يعلم كيف النزول إلا هو، كما لا يعلم كيف الاستواء إلا هو سبحانه وتعالى، ينزل كما يشاء وكما يليق بجلاله، لا يعلم كيف نزوله إلا هو، فنقول: ينزل ولا نكيف، ولا نمثل، ولا نزيد ولا ننقص، بل نقول: ينزل ربنا كما قال: «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له (2)» وفي لفظ: «هل من سائل فيعطى سؤله؟ هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له (3)» وفي اللفظ الآخر: «هل من تائب فيتاب عليه؟ (4)».
يجب على كل مسلم أن يؤمن بهذا النزول إيمانا قاطعا يقينا على الوجه اللائق بالله، لا يكيف، كما نقول في الاستواء، الاستواء معلوم والكيف مجهول، فهكذا نقول: النزول معلوم والكيف مجهول. هكذا قال أئمة السلف كمالك، وربيعة بن أبي عبد الرحمن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل، برقم 1145، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، برقم 758.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل، برقم 1145، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، برقم 758.
(3) مسند أبي يعلى ج 10 ص 342 برقم 5936.
(4) مسند أبي يعلى ج 10 ص 342 برقم 5936.
(1/147)
________________________________________
عن شيخه، وسفيان الثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أئمة الإسلام، قالوا في الاستواء وهكذا في النزول، استوى كما يليق بجلاله، استواء بلا كيف فالاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال - يعني عن الكيف - بدعة.
فهكذا نقول: يغضب ويرضى، سبحانه وتعالى غضبا يليق بجلاله لا يشابه غضب المخلوقين، وهكذا يسمع ويبصر لا كسمع المخلوقين، ولا كبصر المخلوقين، سمعا يليق بجلاله، وبصرا يليق بجلاله لا يشابه صفات المخلوقين، وهكذا بقية الصفات، بابها واحد، نثبتها لله على الوجه اللائق بجلال الله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) هذا قول أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان إلى يوم القيامة.
__________
(1) سورة الشورى الآية 11
(1/148)
________________________________________
50 - صفه الصبر والحلم
س: السائلة / أم تماضر تسأل: ما الفرق بين الحلم والصبر الذي من صفات الله عز وجل؟ (1).
ج: الحلم هو عدم معاجلة العاصي بالعقوبة فهو سبحانه موصوف بالحلم جل وعلا، وهو أيضا موصوف بالصبر كما في الحديث الصحيح: «لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم (2)»، الصبر يعني عدم العجلة بالعقوبة، كونه يصبر لا يعاجل عباده بالعقوبة مع شرك الكثير وظلمهم وعدوانهم، كما قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (3)، وقال سبحانه: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (4) ومع هذا يمهلهم، كما قال عز وجل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (5) ففي هذا الحلم والصبر جميعا.
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (394).
(2) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)، برقم 7378، ومسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل، برقم 2804.
(3) سورة يوسف الآية 103
(4) سورة الأنعام الآية 116
(5) سورة إبراهيم الآية 42
(1/149)
________________________________________
51 - تكليم الله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام
س: كم مرة كلم الله موسى؟ وهل كلمه في نفس المكان الذي كلمه به أول مرة إن كان كلمه مرة أخرى؟ (1).
ج: الله أعلم، الله قال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (2) أما عدد الكلمات فالله أعلم، لم يبلغني في هذا عدد.
س: يسأل المستمع ويقول: ما هي اللغة التي يتكلم بها الله عز وجل يوم القيامة لعباده؟ وضحوا لنا ذلك مأجورين (3).
ج: ظاهر النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه يكلم الناس باللغة العربية، والله أعلم جل وعلا.
ولا أعلم مانعا من أنه يتكلم بغيرها، هو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى؛ يعلم كل شيء؛ ويعلم جميع اللغات، ولا تخفى عليه خافية جل وعلا، لكن ظاهر النصوص أنه يخاطب الناس يوم القيامة باللغة العربية؛ وأن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية، يتخاطبون بهذه اللغة المعروفة - أهل الجنة - والله يخاطبهم بذلك، كما هو ظاهر
__________
(1) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (175).
(2) سورة النساء الآية 164
(3) السؤال الثاني والثلاثون من الشريط رقم (432).
(1/150)
________________________________________
النصوص، وهو سبحانه يعلم كل شيء، ويقدر على كل شيء وعلى جميع اللغات سبحانه وتعالى؛ ويعلم أحوال أهلها؛ ويجازيهم على أعمالهم بما يستحقون سبحانه وتعالى.
(1/151)
________________________________________
52 - القرآن الكريم كلام الله غير مخلوق
س: رسالة من أحد المستمعين أخونا طالب علم من جدة، له عدة قضايا من بينها هذه القضية، يقول: من المعلوم عند أهل السنة أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، ولكن هذه الحروف التي كتب بها القرآن، هل هي غير مخلوقة، أم أنها حروف عربية؛ أي هل كان القرآن مكتوبا في اللوح المحفوظ بهذه الحروف، أم أن هذه الحروف وجدت مع العرب؟ أرجو بيان مذهب السلف فيما سبق، والرد على الإشكالات إن كان هناك إشكالات (1).
ج: هذا الكلام الذي سأل عنه السائل قد أجاب عنه أهل السنة والجماعة، وأجمعوا أن هذا القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، حروفه ومعانيه، فالقرآن هو كلام الله، حروفا ومعاني، تكلم الله به جل وعلا وسمعه جبرائيل وبلغه محمدا عليه الصلاة
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (321).
(1/151)
________________________________________
والسلام. فالقرآن كله حروفه ومعانيه هو كلام الله، ومن قال: إنه مخلوق، فقد كفر عند أهل السنة والجماعة، فهو كلام الله حروفا ومعاني، وهو موجود في اللوح المحفوظ، بحروفه ومعانيه، كما قال سبحانه: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} (1) {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (2)، فالقرآن كله كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، بحروفه ومعانيه جميعا، كما نص عليه أهل السنة والجماعة، وكما نص على ذلك أيضا أبو العباس، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتبه، منها العقيدة الواسطية التي ذكر فيها عقيدة أهل السنة والجماعة، فالقرآن كلام الله، حروفا ومعاني جميعا، فكلام الله حروف ومعان. نزل به جبرائيل على النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وأثبته الله في اللوح المحفوظ، كما بين الله في كتابه سبحانه وتعالى، ومن قال خلاف ذلك فقد خالف الشرع، وابتدع في الدين، وخالف أهل السنة والجماعة.
س: هذا السائل من اليمن، رمز لاسمه، بـ س. و. ت. يقول: هل قال البخاري - رحمه الله - بأن القرآن ليس مخلوقا، وهو كلام الله، ولكن التلفظ به مخلوق؟ (3).
ج. القرآن هو كلام الله، والبخاري وغيره يقولون: هو كلام الله،
__________
(1) سورة البروج الآية 21
(2) سورة البروج الآية 22
(3) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (406).
(1/152)
________________________________________
منزل غير مخلوق، ولكن إذا قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ هذا فيه احتمال، ولهذا رأى الأئمة ترك ذلك، وإذا أراد صوته فصوته مخلوق، أما إذا أراد لفظي يعني ملفوظي. والذي يتكلم به هو القرآن، هذا غلط، ولهذا كره بعض أهل العلم من يقول: هذا الكلام؛ لأنه يوهم، إذا قال: صوتي مخلوق، أما القرآن فهو كلام الله، وأوضح الأمر فلا حرج، ولهذا كره إطلاق هذه الكلمة بعض أهل العلم لأنه يوهم، وبعضهم أجاز ذلك على نية الصوت، أما المتلفظ به وهو القرآن فهو كلام الله، منزل غير مخلوق، سواء في قلبك أو تلفظت به أو كتبته هو كلام الله غير مخلوق.
(1/153)
________________________________________
53 - حكم من قال: إن القرآن مخلوق
س: تقول: ما حكم من ينتسب إلى مذهب يؤمن بأن القرآن مخلوق، وأن الناس لا يرون الله يوم القيامة، مع العلم أن من ينتسبون إلى هذا المذهب أغلبهم لا يقرون بخلق القرآن، ولا يؤمنون به، ويقولون: إنا لا نؤمن بأن القرآن مخلوق، لكننا ننتسب إلى هذا المذهب؛ لأن آباءنا كانوا ينتسبون إليه فقط، وما حكم من يؤمن بخلق القرآن؟ أيعتبر خارجا عن ملة الإسلام؟ وجهونا في هذا، جزاكم الله خيرا (1).
__________
(1) السؤال الثالث والثلاثون من الشريط رقم (443).
(1/153)
________________________________________
ج: نعم الذين يقولون: إن القرآن مخلوق، معناه إنكار أنه كلام الله، وهذا كفر أكبر، وهكذا من قال: إن الله لا يرى، فمن أنكر رؤية الله في الآخرة، رؤيته في الجنة فهذا كفر أكبر؛ لأنه كذب الله وكذب رسوله عليه الصلاة والسلام، فكل طائفة أو شخص يقول: إن القرآن مخلوق، معناه أنه ليس كلام الله بل هو كلام مخلوق، والله صرح بأنه كلامه سبحانه وتعالى؛ لقوله جل وعلا: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (1) وقال تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} (2).
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول للناس: «ألا رجل يؤمنني حتى أبلغ كلام ربي (3)» يطوف عليهم في مكة قبل الهجرة يطلب منهم أن يؤووه حتى يبلغ كلام الله، المقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة كلهم صرحوا بأن القرآن كلام الله، والقرآن دل على أنه كلام الله، فمن زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أنه ليس كلام الله، فيكون كافرا بذلك، مكذبا لله ولرسوله ولإجماع المسلمين، وهكذا من أنكر صفات الله، وأنكر رؤيته ومن قال: إنه ليس بحكيم ولا حليم، ولا عزيز ولا قدير، فهو كافر كالجهمية، وكذلك من أنكر رؤية الله، وأن المؤمنين لا يرونه في
__________
(1) سورة التوبة الآية 6
(2) سورة الفتح الآية 15
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه، برقم 14770.
(1/154)
________________________________________
الآخرة ولا في الجنة، هذا كافر كفرا أكبر، أعوذ بالله؛ لأنه كذب الله ورسوله، والله يقول جل وعلا في حق الكفرة: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (1) فإذا حجب الكفار، معناه أن المؤمنين يرون ربهم، سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} (2)، ناضرة أي بهية جميلة، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (3) تنظر إلى الله سبحانه وتعالى، وقال جل وعلا: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (4)، جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله (5)» وجاء في الأحاديث الصحيحة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنكم ترون ربكم كما ترون القمر في ليلة البدر لا تضامون في رؤيته (6)»، وقال في حديث آخر: «كما ترون الشمس في صحراء ليس دونها سحاب (7)» وكما قال في ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، يعني رؤية واضحة بارزة ظاهرة، ليست فيها شبهة ولا شك، فالمقصود أن
__________
(1) سورة المطففين الآية 15
(2) سورة القيامة الآية 22
(3) سورة القيامة الآية 23
(4) سورة يونس الآية 26
(5) السنة لعبد الله بن أحمد ج 1 رقم 443.
(6) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة) برقم 7434
(7) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية برقم 183.
(1/155)
________________________________________
المؤمنين يوم القيامة يرون ربهم رؤية ظاهرة كما ترى الشمس صحوا، ليس دونها سحاب رؤية بارزة، وهكذا في الجنة يرون ربهم جل وعلا، فمن أنكر هذا، وقال: إنه لا يرى فقد كذب الله ورسوله، فيكون كافرا نسأل الله العافية.
(1/156)
________________________________________
54 - الأحاديث القدسية كلام الله غير مخلوقة
س: هل تعتبر الأحاديث القدسية أنها غير مخلوقة لأنها كلام الله، وكلام الله غير مخلوق؟ (1).
ج: نعم الأحاديث القدسية هي كلام الله، هي غير مخلوقة، كالقرآن؛ كقوله جل وعلا، فيما رواه النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه يقول قال الله سبحانه: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم. (2)» الحديث وغيره من الأحاديث القدسية الثابتة، كلها كلام الله.
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط رقم (321).
(2) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الظلم، برقم 257.
(1/156)
________________________________________
55 - رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة
س: هناك جدل في مسألة الرؤية؛ أي رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، وقد كثر الخصام فمن الناس من يقول: إن الله لن يرى، ومنهم من يقول: إنه سيرى، وكل منهم يأتي بالأحاديث وبعض الآيات الكريمة لنفي أقوال الطرف الآخر، أفتونا جزاكم الله خيرا حول هذا الموضوع (1).
ج: قول أهل السنة والجماعة، وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم، وإجماع أهل السنة بعدهم: أن الله سبحانه يرى يوم القيامة، يراه المؤمنون ويرونه في الجنة أيضا، أجمع أهل العلم على هذا، أجمع علماء الصحابة والمسلمون الذين هم أهل السنة والجماعة على هذا، وقد دل عليه القرآن العظيم، والسنة المطهرة الصحيحة، يقول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} (2)، ناضرة يعني: بهية جميلة، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (3) تنظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى، وقال عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (4)، صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله (5)» وقال عز وجل في الكفرة. {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (6)
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (350).
(2) سورة القيامة الآية 22
(3) سورة القيامة الآية 23
(4) سورة يونس الآية 26
(5) السنة لعبد الله بن أحمد ج 1 رقم 443.
(6) سورة المطففين الآية 15
(1/157)
________________________________________
فإذا حجب الكفار علم أن المؤمنين غير محجوبين، بل يرون ربهم في القيامة وفي الجنة، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن المؤمنين يرون ربهم في القيامة، وفي الجنة يقول صلى الله عليه وسلم: «إنكم ترون ربكم يوم القيامة، كما ترون القمر ليلة البدر، لا تمارون في رؤيته (1)». وفي لفظ: «لا تضارون في رؤيته (2)» وفي اللفظ الآخر: «كما ترون الشمس صحوا، ليس دونها سحاب (3)» كلام بين واضح، يبين عليه الصلاة والسلام أن المؤمنين يرون ربهم رؤية ظاهرة جلية، كما ترى الشمس صحوا ليس دونها سحاب، وكما يرى القمر ليلة البدر، ليس هناك سحاب، وهل بعد هذا البيان بيان؟ ما أوضح هذا البيان وما أبينه وما أكمله، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم يرونه في الجنة أيضا، من أنكر الرؤية فهو مبتدع ضال، من أنكر رؤية الله للمؤمنين، كونهم يرونه يوم القيامة في الجنة، فهو ضال مبتدع نسأل الله العافية.
س: هذا سائل لم يذكر الاسم في هذه الرسالة، ويقول فيها: أريد من سماحة الشيخ الإجابة على هذا السؤال، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: «إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن
__________
(1) مسلم الإيمان (183)، ابن ماجه المقدمة (179)، أحمد (3/ 16).
(2) الترمذي صفة الجنة (2557)، أبو داود السنة (4730)، أحمد (2/ 389).
(3) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية برقم 183.
(1/158)
________________________________________
استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا (1)» والسؤال هو: لماذا قرن في هذا الحديث بين رؤية الله عز وجل، وبين صلاة الفجر وصلاة العصر؟ هل المحافظة على هذه الصلاة في هذين الوقتين سبب لرؤية الله عز وجل؟ جزاكم الله خيرا (2).
ج: رؤية الله سبحانه في الجنة ويوم القيامة حق يراه المؤمنون وهي أعلى نعيم أهل الجنة، إذا كشف الحجاب عن وجهه ورأوه ما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه، وقد أخبر جل وعلا أنهم يرونه يوم القيامة عيانا كما يرون الشمس صحوة ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، عند أهل السنة والجماعة، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا (3)» يعني: صلاة العصر وصلاة الفجر،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، برقم 554، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، برقم 633.
(2) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (397).
(3) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، برقم 554، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، برقم 633.
(1/159)
________________________________________
ذكر أهل العلم أن السر في ذلك أن من حافظ عليهما يكون ممن ينظر إلى الله، بكرة وعشيا في الجنة، يعني هي مقدار البكرة والعشي، الجنة ليس فيها ليل كلها نهار مطرد، لكن هي مقدار البكرة والعشي كما قال تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} (1)، يعني هي مقدار البكرة والعشي في الدنيا وهكذا في الرؤية في مقدار البكرة والعشي يعني خواص أهل الجنة لهم رؤية ما بين البكرة والعشي يعني رؤية كثيرة بسبب أعمالهم الطيبة وإيمانهم الصادق، ومن أسباب ذلك محافظتهم على صلاة العصر وصلاة الصبح؛ لخصوصيات أهل صلاة العصر وصلاة الصبح والمحافظة عليهما، مما يدل على قوة الإيمان وكمال الإيمان مع بقية الصلوات، الواجب أن يحافظ على الجميع، ولكن يخص العصر والفجر بمزيد عناية؛ لأنها ضد ما يفعله المنافقون وضد ما عليه الكسالى.
__________
(1) سورة مريم الآية 62
(1/160)
________________________________________
56 - رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا
س: تسأل السائلة وتقول: هل هناك دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى الله عز وجل؟ وهل هناك دليل على رؤية الناس يوم القيامة للرسول صلى الله عليه وسلم؟ (1).
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (207).
(1/160)
________________________________________
ج: أما في الدنيا فلم ير ربه - عليه الصلاة والسلام، وقد طلب موسى أن يرى ربه فقال. {لَنْ تَرَانِي} (1)، وقال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: «واعلموا أنه لن يرى أحدكم ربه حتى يموت (2)»، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، سئل عن هذا، قال لما سأله أبو ذر، قال «يا رسول الله: هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نورا (3)»، وفي لفظ قال: «نور أنى أراه (4)»، رواهما مسلم في الصحيح.
فبين لنا أنه لن يرى أحد منا ربه حتى يموت، فعلم بهذا أنه لا يرى في الدنيا سبحانه وتعالى، وإنما يرى في الآخرة، قد يرى في النوم كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا يرى بالعين في اليقظة إلا في الآخرة، فقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يرى في الآخرة، يراه المؤمنون في القيامة، ويراه أهل الجنة في الجنة، وهذا إجماع أهل السنة والجماعة، وقد أنكر ذلك بعض أهل البدع، وقالوا: إنه لا يرى
__________
(1) سورة الأعراف الآية 143
(2) أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة. باب ذكر ابن صياد، برقم 2931.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام: " نور أنى أراه "، برقم 178.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام: " نور أنى أراه "، برقم 178، والإمام أحمد في مسنده، مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، برقم 20987.
(1/161)
________________________________________
حتى في الآخرة، وهذا قول باطل، بل من عرف الأحاديث الصحيحة المتواترة عرف أنه حق، أنه يرى في الآخرة ويرى في الجنة، يراه المؤمنون، وأن من أنكر ذلك فقد كذب الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أننا نرى ربنا، قال في بعض الروايات في الصحيحين عليه الصلاة والسلام: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، وكما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب (1)» فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يرى جل وعلا رؤية واضحة ظاهرة، يراه المؤمنون في القيامة، ويراه المؤمنون في الجنة كما يرى القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، يعني لا يزاحمون في رؤيته ولا يتضامون أيضا ولا يشكون برؤيته سبحانه وتعالى، هكذا أخبر صلى الله عليه وسلم، بل جاءت به الأخبار عن رسول الله المتواترة، اليقينية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، كلهم أجمعوا على أن الله سبحانه - يرى في الآخرة، ويراه أهل الجنة، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (2) يعني: الكفار، لا يرونه في القيامة محجوبون عنه، وأما المؤمنون فيرونه في القيامة ويرونه في الجنة كما يشاء سبحانه وتعالى، هذا هو قول أهل الحق وهو قول أهل السنة والجماعة، وقد ذهب جمع من أهل العلم على أن من أنكر ذلك فهو كافر، ذهب جمع من أهل السنة والجماعة على من أنكر رؤية الله
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية برقم 183.
(2) سورة المطففين الآية 15
(1/162)
________________________________________
في الجنة وفي القيامة يكون كافرا، لأنه مكذب للرسول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام من الأحاديث المتواترة الصحيحة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم وسائر المسلمين ممن يراه، ومن يفوز بذلك يوم القيامة وفي دار الكرامة، ونسأل الله العافية من طاعة الهوى والشيطان.
س: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والمعراج، علما أني سمعت رجلا يقول في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (1) {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (2) {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} (3): إن جبريل عليه السلام لا يستطيع الوصول إلى هذا المكان، إنما هو الله سبحانه؟ أرشدوني جزاكم الله خيرا (4).
ج: الصواب أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة الإسراء والمعراج، وإنما رأى جبرائيل، هذا هو الصواب، كما قال الله سبحانه: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (5) {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (6) {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (7) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (8) {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (9) هذا جبرائيل عليه السلام: {ذُو مِرَّةٍ} (10) يعني: ذا قوة {ثُمَّ دَنَا} (11) يعني: جبرائيل،
__________
(1) سورة النجم الآية 13
(2) سورة النجم الآية 14
(3) سورة النجم الآية 15
(4) السؤال الرابع من الشريط رقم (125).
(5) سورة النجم الآية 1
(6) سورة النجم الآية 2
(7) سورة النجم الآية 3
(8) سورة النجم الآية 4
(9) سورة النجم الآية 5
(10) سورة النجم الآية 6
(11) سورة النجم الآية 8
(1/163)
________________________________________
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} (1) {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (2) يعني: من محمد عليه الصلاة والسلام، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ} (3) يعني: أوحى جبرائيل إلى عبد الله، هو محمد عليه الصلاة والسلام يعني معروفا من السياق، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} (4) {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} (5) {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} (6) {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (7) {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (8) كل هذا في جبرائيل هذا هو الصواب، إنه السياق كله في جبرائيل لا في حق الله عز وجل، هذا هو الحق، وقد وقع في رواية شريك بن عبد الله بعض الأغلاط، وذكر ما يدل على أنه الله سبحانه وتعالى، ولكن أهل الحق من أئمة الحديث غلطوا شريكا في ذلك، فالصواب أن الآية في جبرائيل، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (9) {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (10) هذا جبرائيل عليه الصلاة والسلام، وكان رآه مرتين في صورته التي خلقه الله عليها، رآه في مكة ورآه عند السدرة، وله ستمائة جناح، كل جناح منها مد البصر، وهذا من آيات الله العظيمة سبحانه وتعالى، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: «سألت النبي عليه الصلاة والسلام: هل رأيت ربك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: رأيت نورا (11)» وفي لفظ آخر «نور أنى أراه (12)» فبين عليه الصلاة والسلام أنه لم ير ربه وإنما رأى نورا، سئلت عائشة
__________
(1) سورة النجم الآية 8
(2) سورة النجم الآية 9
(3) سورة النجم الآية 10
(4) سورة النجم الآية 10
(5) سورة النجم الآية 11
(6) سورة النجم الآية 12
(7) سورة النجم الآية 13
(8) سورة النجم الآية 14
(9) سورة النجم الآية 13
(10) سورة النجم الآية 14
(11) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام: " نور أنى أراه "، برقم 178.
(12) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام: " نور أنى أراه "، برقم 178، والإمام أحمد في مسنده، مسند الأنصار رضي الله عنهم، حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، برقم 20987.
(1/164)
________________________________________
عن ذلك؛ فأفادت أنه لم ير ربه، وتلت قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (1) يعني: في الدنيا أما في الآخرة فيراه النبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون يرونه يوم القيامة، ويرونه في الجنة كما يشاء، سبحانه وتعالى، هذا بإجماع أهل السنة والجماعة، المؤمنون يرونه يوم القيامة في عرصات القيامة، ويرونه في الجنة كما تواترت به الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه قال للصحابة: «هل تضارون في رؤية الشمس صحوا من دون سحاب؟، قالوا: لا. قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم سترون ربكم كذلك، ترونه كما ترون هذه الشمس وهذا القمر (2)» يعني: رؤية حقيقية. هذا واضح في مسألة الرؤية، وأن المؤمنين يرون ربهم جل وعلا، يوم القيامة وفي دار الكرامة كما ترى الشمس، وكما يرى القمر وهذا تشبيه للرؤية، لا للمرئي، ربنا لا شبيه له سبحانه وتعالى، ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم شبه الرؤية في وضوحها، وإنها يقين كرؤية الشمس والقمر، يعني: أنها رؤية واضحة ثابتة، يقينية لا شبه فيها.
أما المرئي سبحانه فليس له شبيه، ولا نظير، جل وعلا. وهذا هو قول أهل الحق، قول أهل السنة والجماعة، وقد ثبت هذا في الصحيحين، من حديث أبي هريرة وحديث جرير بن عبد الله البجلي،
__________
(1) سورة الأنعام الآية 103
(2) البخاري الرقاق (6204)، مسلم الإيمان (183)، أحمد (2/ 276).
(1/165)
________________________________________
ومن أحاديث أخرى كثيرة متواترة، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، في إثبات رؤية الله جل وعلا، المؤمنون يرونه يوم القيامة، ويرونه أيضا في الجنة، أما الكفار فإنهم محجوبون عن الله عز وجل، كما أخبر بهذا سبحانه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (1) {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (2) فهم محجوبون عن رؤية الله عز وجل، لا يرونه أما أهل الإيمان فيرونه، وهذا معنى قوله سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} (3) وجوه ناضرة يعني من البهاء والحسن، ناضرة من النضارة من البهاء والحسن والجمال، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (4)، تنظر إليه سبحانه وتعالى كما يشاء، فضلا منه وإحسانا سبحانه وتعالى، وكما قال عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (5) المعنى للذين أحسنوا في الدنيا الحسنى في الآخرة، وهي الجنة وزيادة وهي النظر إلى ربنا سبحانه وتعالى، فالواجب على كل مؤمن وكل مؤمنة أن يعتقد ذلك، وأن يؤمن بذلك وأن يبرأ إلى الله من طريقة أهل البدع، الذين أنكروا الرؤية ونفوها كالجهمية والمعتزلة، ومن سار في ركابهم، هذا القول من أبطل الباطل، وأضل الضلال، وجحدان لما بينه الله في كتابه، وبينه رسوله عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة المطففين الآية 14
(2) سورة المطففين الآية 15
(3) سورة القيامة الآية 22
(4) سورة القيامة الآية 23
(5) سورة يونس الآية 26
(1/166)
________________________________________
نسأل الله أن لا يحجبنا عن رؤيته، وأن يوفقنا وجميع إخواننا المؤمنين لرؤيته سبحانه وتعالى، والتنعم بذلك في القيامة وفي دار الكرامة؛ إنه جل وعلا جواد كريم، ونسأل الله العافية من هذه البدع، الذين حرموا هذا الخير، وحرموا هذا التوفيق، نسأل الله العافية. وحرموا أن يقروا بالحق الذي أقر به المؤمنون، وهم جديرون بأن يمنعوا من هذا يوم القيامة؛ لجحدهم إياه، نسأل الله العافية.
(1/167)
________________________________________
57 - معنى قول: عز وجل، ورب الأرباب
س: تقول السائلة: دائما نقول: الله عز وجل، الله رب الأرباب، ما معنى عز وجل ومعنى رب الأرباب؟ (1)
ج: معنى عز وجل يعني: متصفا بالعزة والجلال والعظمة، فله العزة الكاملة، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ولرسوله} (2) يعني: القهر، والغلبة، والقوة، وكذلك جل أي: متصف بالجلال والعظمة، والكبرياء سبحانه وتعالى، فهو الجليل العظيم، وهو العزيز الذي هو أعز شيء وأجل شيء سبحانه وتعالى، وهو القاهر لعباده والعزيز الغالب لهم، وهو الذي يتصف بالجلال الكامل، يعني العظمة الكاملة.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (87). .
(2) سورة المنافقون الآية 8
(1/167)
________________________________________
وأما رب الأرباب يعني رب المخلوقات، فإن الدار لها رب، والأرض لها رب، والنخل لها رب، والأنعام لها رب، يعني مالكا، وهكذا يسمى رب الدار، رب الأنعام، رب الأرض، يعني: صاحبها فهو رب هذه الأرباب، يعني: رب هذه المخلوقات، التي لها أتباع: صاحب الغنم يقال: رب الغنم، صاحب الدار يقال: رب الدار، صاحب الإبل يقال: رب الإبل، فالمعنى أن الله هو رب الجميع وإن سموا أربابهم، لكنهم مملوكون له سبحانه، فهم عبيده فهو رب الأرباب، يعني: رب المخلوقات جميعا، مربوبها ورابها، عبيدها وأحرارها، جمادها وعاقلها إلى غير ذلك.
(1/168)
________________________________________
58 - معنى حديث " إن الله خلق آدم على صورته "
س: ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن تقبيح الوجه، وأن الله خلق آدم على صورته، فما الاعتقاد السليم نحو هذا الحديث؟ (1)
ج: الحديث ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته (2)»،
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (89). .
(2) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن ضرب الوجه، برقم 2612.
(1/168)
________________________________________
وفي لفظ آخر: «على صورة الرحمن (1)» وهذا لا يلزم منه التشبيه والتمثيل. فالمعنى عند أهل العلم: أن الله خلق آدم سميعا بصيرا، متكلما إذا شاء، وهذا هو وصف الله عز وجل، فإنه سميع بصير متكلم، ذو وجه جل وعلا، وليس المعنى التشبيه والتمثيل، بل الصورة التي لله غير الصورة التي للمخلوق، وإنما المعنى أنه سميع بصير ذو وجه ومتكلم إذا شاء، وهكذا خلق الله آدم، سميعا بصيرا، ذا وجه وذا يد وذا قدم، ويتكلم إذا شاء، لكن ليس السميع كالسميع، وليس البصير كالبصير، وليس المتكلم كالمتكلم، وليس الوجه كالوجه، بل لله صفاته سبحانه وتعالى، لا يشابهه فيها شيء، بل تليق به سبحانه، وللعبد صفاته التي تليق به، صفات يعتريها الفناء والنقص والضعف، أما صفات الله سبحانه، فهي كاملة لا يعتريها نقص ولا ضعف ولا فناء ولا زوال، ولهذا قال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (2) ويقول سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (3) فلا يجوز ضرب الوجه، ولا تقبيح الوجه.
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ج 12، برقم 1358.
(2) سورة الشورى الآية 11
(3) سورة الإخلاص الآية 4
(1/169)
________________________________________
59 - حكم الثناء على الله تعالى بالشعر والنثر
س: هل يجوز مدح الله سبحانه وتعالى بالشعر بنية القربة ونيل المقصود من الله؟ (1)
ج: نعم، يمدح بالشعر وبالنثر كما فعل الصحابة وغيرهم رضي الله تعالى عنهم.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (156). .
(1/170)
________________________________________
60 - معنى تمجيد الله
س: ما معنى تمجيد الله؟ (1)
ج: تمجيد الله معناه: تكثير الثناء عليه. أنت الرحيم، وأنت الرحمن، وأنت الجواد، وأنت الكريم، وأنت المحسن، وأنت صاحب الخيرات، أنت الذي أحسنت إلى العباد، أنت المرجو لكل كرب، ولكل شدة. بيدك الخير ولك التصرف في الأمر كله. أثني عليه كثيرا. هذا التمجيد، التوسع في الثناء على الله سبحانه وتعالى
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (254). .
(1/170)
________________________________________
س: يقول السائل: اسم الله الأعظم، هل من ضمن الأسماء الحسنى التسعة والتسعين؟ (1)
ج: كل أسماء الله يقال لها: الأعظم؛ كلها عظمى، وكل أسماء الله عظمى.
س: تسأل المستمعة وتقول: هل لكل اسم من أسماء الله الحسنى سر إذا ردده المسلم لعدد معين من المرات، كما نسمع من بعض العلماء؟ (2)
ج: لا نعرف لهذا أصلا المشروع الإكثار من ذكر الله، لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله اكبر، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، هكذا شرع لنا الله، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. يقول صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم (3)»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله،
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (432).
(2) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (432). .
(3) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، برقم 6406، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2694.
(1/171)
________________________________________
ولا إله إلا الله، والله أكبر (1)»، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله، والحمد لله. ولا إله إلا الله. والله أكبر.
ويقول: «الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله (2)» ويقول: «الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله (3)» ويقول: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل (4)»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة، ومحا منه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجل عمل أكثر من
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأدب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة، برقم 2137.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة؛ مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه، برقم 515.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، برقم 35.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2693.
(1/172)
________________________________________
عمله (1)» هذا فضل عظيم.
وقال: «من قال: سبحان الله العظيم وبحمده حين يصبح، أو حين يمسي مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (2)» يعني: إذا اجتنبت الكبائر بشرط اجتناب الكبائر؛ كما قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (3).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم 3293 ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2691.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، برقم 6405 ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2691.
(3) سورة النساء الآية 31
(1/173)
________________________________________
باب ما جاء في احترام أسماء الله تعالى
(1/175)
________________________________________
باب ما جاء في احترام أسماء الله تعالى
61 - حكم تسمية المخلوق بالبصير والعزيز
س: حكم التسمية على البشر مثل البصير والعزيز وغيرهم (1).
ج: أسماء الرب قسمان: قسم يجوز التسمي به وقسم لا يجوز، لا يقال: فلان خلاق ولا رزاق ولا رب العالمين، لكن مثل عزيز، بصير لا بأس: لأن الله سبحانه سمى بعض مخلوقاته كذلك، فقال سبحانه: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (2) وفي قصة يوسف عن امرأة العزيز، فمثل هذه الأشياء تطلق على المخلوق، عزيز قومه، كذا البصير المنظور أو بصير بمعنى مبصر، كذلك حكيم بمعنى الحكمة، لا بأس بهذه الأسماء؛ لأن هذه مشتركة: للمخلوق نصيبه منها، والله له الأكمل منها سبحانه وتعالى، لكن الأسماء المختصة بالله لا تطلق على غيره، لا يقال: (الله) لابن آدم، ولا الرحمن، ولا الخلاق ولا الرزاق، ولا خالق الخلق ولا أشباهه مما يختص بالله سبحانه وتعالى.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (32).
(2) سورة الإنسان الآية 2
(1/177)
________________________________________
62 - حكم التسمي برحمة
س: يسأل المستمع ويقول: هل يجوز التسمي بالأسماء التي تعتبر من صفات الله عز وجل؟ فإن بعض الناس يتسمى برحمة، فما حكم ذلك؟ (1)
ج: ما أعلم فيه شيئا، رحمة، ما أعلم في هذا شيئا، اسمه الرحيم، ما هو برحمة، اسم الله: الرحيم، والرحمن، أما الرحمة فما هي من أسمائه، لكن من صفاته.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (428). .
(1/178)
________________________________________
63 - حكم التسمي باسم محسن
س: الأخ م. ع. ع، من جمهورية مصر العربية وهو مقيم في العراق، يقول: أنا اسمي محسن، وأحد طلبة العلم قال: إن هذا الاسم غير جائز، ونصحني بتغيير اسمي، فما هو رأيكم جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: نعم، قد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على تسمية الله سبحانه بأنه المحسن، فلا حرج في ذلك إن شاء الله، قد جاء فيه حديث جيد فلا بأس به بإطلاق اسم المحسن على الله جل وعلا فهو
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (124). .
(1/178)
________________________________________
المحسن سبحانه وتعالى، هو المحسن إلى جميع العباد جل وعلا، فعبد المحسن لا بأس به، هذا هو الصواب.
أما من كان اسمه المحسن فانه لا بأس به؛ لأن هذه الأسماء التي تسمى بها، مثل العزيز والسميع مثل الحميد وشبهها؛ لأن أسماء الله ليست تمنع بالنسبة للمخلوقين، إلا ما يختص به سبحانه كالخلاق والرزاق ومالك الملك والرحمن الرحيم، والرحمن كذا وما أشبه ذلك، أما ما يشترك فيه غيره، فللعبد ما يناسبه، ولله ما يناسبه، فيقال لشخص: حليم ويقال: رءوف ويقال: رحيم، كما قال الله في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (1) عليه الصلاة والسلام.
وهكذا في السميع والبصير في قوله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (2) وقوله: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} (3) {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (4) سماه سميعا بصيرا، فالحاصل أن المخلوق يسمى ببعض أسماء الله، التي لا تختص به سبحانه كالسميع والبصير، والقدير والحليم والرءوف والرحيم، ونحو ذلك، فالمحسن كذلك.
__________
(1) سورة التوبة الآية 117
(2) سورة النساء الآية 58
(3) سورة الإنسان الآية 1
(4) سورة الإنسان الآية 2
(1/179)
________________________________________
64 - حكم العملات الورقية المكتوب عليها لفظ الجلالة
س: الأخ أ. د. من المدينة المنورة، يسأل عن العملة الورقية التي تكتب عليها كلمة التوحيد. كيف نتصرف تجاهها جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: تحفظها معك في جيبك، ولا حرج عليك إذا دخلت بها الحمام أو غير الحمام، لأنك مضطرا إلى ذلك. والحكم في هذا عند بعض أهل العلم، كراهة الدخول بشيء فيه ذكر الله للحمام، ولكن إذا احتاج الإنسان إلى ذلك وخاف على نقوده، أو نسيها في جيبه أو خاف عليها فلا كراهة. لأن إخراج النقود ووضعها خارج الحمام قد تسرق أو قد ينساها أو يأخذها بعض الأطفال، المقصود أنه لا حرج إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (139). .
(1/180)
________________________________________
65 - حكم كتابة البسملة على الملابس الداخلية
س: رأيت بعض الشركات لديها مجموعة من الفلبينيين من غير المسلمين، وهم يعملون لدى بعض هذه الشركات، وقد كتب على الفنيلة الداخلية لدى كل منهم اسم الشركة، وكتب على الفنيلة أيضا: بسم الله الرحمن الرحيم، فما حكم ذلك؟. (1)
ج: قد يقال في هذا: إن الكتابة على الفنيلة بسم الله الرحمن الرحيم غير جائز؛ لأنها عرضة لأن تلقى في المحلات، التي لا يتوقى فيها القذر، وقد تلقى في محلات ليست نظيفة، فالحاصل أنه لا ينبغي أن يكتب على الفنيلة وشبهها أسماء الرب عز وجل، ولا بسم الله الرحمن الرحيم، والآيات من القرآن؛ لأن هذا قد يمتهن، ويداس في بعض الأحيان إذا اخلولق، فالمقصود أن هذا لا يجوز، لا في حق النصارى ولا في حق غيرهم. وبهذه المناسبة فإنه لا يجوز استقدام الكافرات للعمل في الجزيرة، بل يجب أن يمنع ذلك، حتى لا يستخدم إلا المسلمات؛ لأن هذه الجزيرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود والنصارى منها، وبإخراج المشركين منها، حتى لا يكون فيها إلا دين الإسلام، فالذي أوصي به إخوتي في هذه البلاد، أن يحذروا استيراد الكافرات والكافرين للعمل أو غيره، بل يجب أن يكون الاستيراد من المسلمين خاصة؛ لأن هذه الجزيرة لا يجوز أن يبقى فيها دينان، ولا يجوز أن يبقى فيها يهودي أو نصراني أو وثني، بل يجب أن تطهر من ذلك تنفيذا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (11). .
(1/181)
________________________________________
66 - حكم الأوراق والخطابات المكتوب عليها البسملة بعد الانتهاء منها
س: الأوراق المكتوب فها بسم الله مثل الخطابات والأوراق والجرائد، هل لنا أن نرميها في أي مكان أم لا بد من رميها في مكان معين؟ (1)
ج: لا بد من رميها في مكان محترم أو تحريقها أو دفنها في محل طيب لا توضع بالقمامة؛ لأن فيها بسم الله أو آيات من القرآن.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (336). .
(1/182)
________________________________________
67 - حكم كتابة أسماء الله الحسنى على المسبحة
س: لي خالة تصلي وتصوم، ولكنها تصدق بسبحة اليسر، وهذه السبحة يكتب عليها أسماء الله الحسنى، ولذلك تحلف بالرسول وببعض المشايخ وقبر أخيها، فهل مثل هذه الأشياء تمنعنا من زيارتها أو الجلوس معها إذا زارتنا هي أيضا؟
ج: يجب أن تنصحوها، وأن تعلموها أن هذا لا يجوز، كونها تجعل في حبات السبحة أسماء الله هذا نوع امتهان لأسماء الله، فلا
(1/182)
________________________________________
يجوز وضعها في حبات السبحة، وكذلك الحلف بالرسول صلى الله عليه وسلم والحلف بقبر أخيها، أو بالمشايخ، كله لا يجوز منكر، من المحرمات الشركية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (1)»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك (2)».
فلا يجوز الحلف بغير الله كائنا من كان، لا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بالكعبة ولا بالأمانة، ولا بغير ذلك. فهذه المرأة تنصحونها وتوجهونها إلى الخير وتعلمونها ما شرع الله، وإذا لم تقنع تطلبون من بعض أهل العلم بأن يعلمها ذلك بأن يكتب لها أو يكلمها بالهاتف حتى تقتنع؛ لأن المرأة الجاهلة تعلم، فأنتم تقنعونها فإن أبت تطلبون بعض أهل العلم يقنعونها بالهاتف أو بالكتابة لعل الله يهديها وتدع هذا المنكر، والتسبيح في الأصابع أولى من السبحة، كونها تسبح بأصابعها والتهليل بالأصابع هذا أفضل وأولى، ولكن لا يجوز الوضع في أحجار تكتب عليها أسماء الله ولا شيء من الآيات القرآنية، ولا ذكر الله جل وعلا؛ لأن هذا يكون فيه امتهان. في وضع الأسماء على هذه الأحجار.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب كيف يستحلف؟ برقم 2679، ومسلم في كتاب الإيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، برقم 1646.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.
(1/183)
________________________________________
68 - معنى حديث " من سأل بالله فأعطوه "
س: سائل يقول: بعض الناس يحرجوننا بكلمة: أسالك بالله أن تعطيني كذا، أو أسالك بالله أن تبيعني كذا أو أسالك بالله أن تخبرني بكذا. وفي بعض المرات نرفض تلبية طلبهم عندما لا يكون الطلب في محله. هل الرفض رغم كلمة أسالك بالله يعرضنا للإثم، أم أنه ليس علينا شيء في ذلك؟ نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا (1).
ج: إذا كان السائل بالله لا حق له في هذا الشيء فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ إن كان يقول: أسالك بالله أن تعطيني دارك، أو تعطيني سيارتك، أو تعطيني كذا وكذا من المال، هذا لا حق له. أما إذا كان يسأل حقا له، أسالك بالله أن توفيني ديني، أسالك بالله أن تعطيني من الزكاة، وهو من أهلها، تعطيه ما تيسر؛ لأن الرسول قال: «من سأل بالله فأعطوه (2)» اللهم صل وسلم عليه. فإذا كان له حق كالفقير يسأل من الزكاة أو حق عليك له دين، يقول: أسالك بالله أن توفيني ديني، أسالك بالله أن تنصرني على هذا الظالم، وأنت تستطيع تنصره على الظالم، أسالك بالله أن تعينني على كذا، وكذا من إزالة
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (208). .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة؛ مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ برقم 5670.
(1/184)
________________________________________
المنكر، لا بأس بهذا، هذا أمر مطلوب عليك أن تعينه، وأن تستجيب له؛ لأنه سأل حقه، والرسول عليه السلام قال: «من سأل بالله فأعطوه» أما أن يسأل شيئا لا حق له فيه، أو يسأل معصية، هذا لا حق له في ذلك، وليس عليهم حرج إذا رفضوا طلبه؛ لأنه طلب ما ليس له.
(1/185)
________________________________________
69 - حكم التسمية باسم رزاق
س: هل لكم من كلمة حول الاسم (رزاق) يا سماحة الشيخ؟ وأم رزاق؟ (1)
ج: هذا الاسم لا ينبغي لأن الرزاق هو الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (2) فينبغي أن يقال: عبد الرزاق، هذا هو الذي ينبغي، ولا يقال: أم رزاق ولا أم خلاق؛ لأن هذين الاسمين من خصائصه سبحانه وتعالى، وتقول لمن يكلمها: أنا أم عبد الرزاق، وإذا كان لها حفيظة النفوس تغيرها إذا استطاعت.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (232). .
(2) سورة الذاريات الآية 58
(1/185)
________________________________________
70 - حكم التسمية والتعبيد لغير الله تعالى
س: نجد بعض الناس يسمون أولادهم مثل عبد النبي وعبد الحسين، وهذه منتشرة كثيرا عندنا، فما رأي فضيلة العلماء في هذه الأسماء؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1).
ج: التعبيد لغير الله لا يجوز، لا يجوز أن يقال: عبد النبي ولا عبد علي، ولا عبد الحسين هذا منكر لا يجوز إنما التعبيد لله وحده، عبد الله، عبد الرحمن، عبد الرحيم، عبد الملك، عبد القدوس، هذا هو التعبيد ولا يعبد لغير الله.
قال ابن حزم أبو محمد المشهور: اتفق العلماء على تحريم كل اسم معبد لغير الله، كعبد عمر وعبد الكعبة ونحو ذلك، ما عدا عبد المطلب فليس فيه اتفاق، المقصود أنه حكى اتفاق العلماء على تحريم هذا الشيء، فلا يجوز التعبيد لغير الله كائنا من كان، فلا يقال: عبد الحسين ولا عبد عمر، ولا عبد النبي، ولا عبد الكعبة، ولا أشباه ذلك بل يجب التسمي بالتعبيد لله، أو بأسماء أخرى كصالح، ومحمد، وأحمد وزيد، وخالد، وبكر، وأشباه ذلك.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (32). .
(1/186)
________________________________________
71 - حكم التسمي بعبد الرسول
س: أخونا يقول: يسمع أن هناك أناسا سموا أبناءهم بعبد الرسول وعبد النبي وعبد الحسن، وما أشبه ذلك، يرجو التوجيه في حكم ذلك (1).
ج: هذا لا يجوز، التعبيد لا يكون إلا لله وحده سبحانه، لا يجوز التعبيد لغير الله. قال ابن حزم؛ أبو محمد وهو إمام مشهور: أجمع العلماء على أنه لا يجوز التعبيد لغير الله، فلا يجوز أن يقال: عبد الحارث، ولا عبد علي ولا عبد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عبد الكعبة كل هذا لا يجوز، هذا من أسماء الجاهلية، وكذلك ما يفعل بعض الشيعة: عبد الحسين، عبد الحسن، عبد العلي، كل هذا لا يصلح ولا يجوز، التعبيد لله وحده سبحانه وتعالى، فيقول: عبد الله، عبد الرحمن، عبد العزيز، عبد القدير، عبد الكريم، وما أشبه ذلك، أو يأتي بأسماء أخرى غير معبدة، كصالح، ومحمد، وسعد، وسعيد، ومالك، وأشباه ذلك من الأسماء التي يعرفها المسلمون وقد تسموا بها والأمر بحمد الله واسع، ليس الناس في حاجة إلى التعبيد لغير الله.
__________
(1) (السؤال التاسع من الشريط رقم (80).
(1/187)
________________________________________
س: كثيرا ما يسمي الناس عندنا في مصر: حسن عبد النبي، ونحو هذه الأسماء، هل هذه التسمية حرام، أم لا؟ وهل يجب علينا تغييرها جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: نعم هذه التسمية حرام، لا يجوز التسمية بعبد الرسول ولا عبد النبي، ولا عبد عمر، ولا عبد الحسين، ولا عبد الحسن، ولا عبد علي، كل هذا منكر، التعبيد يكون لله وحده سبحانه وتعالى، عبد الله، عبد الرحمن، عبد القدوس، عبد الكريم، لا بأس، قال أبو محمد بن حزم رحمه الله: أجمع العلماء على تحريم كل اسم معبد لغير الله، ما عدا عبد المطلب، فالحاصل أن التعبيد لغير الله محرم بالإجماع، فلا يقال: عبد النبي أو عبد الحسين، ولا عبد علي، وعبد عمر ونحو ذلك، بل عبد الله، عبد الرحمن، عبد الكريم، عبد القدوس، عبد الملك، عبد السلام، وأشباه ذلك من التعبيد لأسماء الله سبحانه وتعالى، وإذا كان قد وقع يغير إذا كان موجودا له أولاد سماهم بهذه الأسماء، عبد النبي أو عبد الحسين أو عبد الحسن، أو عبد عمر، أو شبه ذلك تغير الأسماء إلى أسماء شرعية، بدل عبد النبي يقول: عبد رب النبي، عبد الرسول يقول: عبد رب الرسول عليه الصلاة والسلام. وعبد الحسين يقول: عبد رب الحسين، أو عبد الله أو عبد الرحمن يغير بأسماء تجوز شرعا.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (95). .
(1/188)
________________________________________
72 - حكم إطلاق كلمة سيدنا للنبي صلى الله عليه وسلم
س: ما هو حكم إطلاق كلمة سيدنا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والأولياء والصالحين، وحكم التسمية باسم الجلالة على البشر، مثل البصير والعزيز وغيرها؟ (1)
ج: إطلاق لفظ سيدنا على النبي صلى الله عليه وسلم حق؛ لأنه سيد ولد آدم عليه السلام، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر (2)» فهو سيد العباد من المسلمين، إذا قال الرجل في حقه: اللهم صل على سيدنا محمد فلا بأس بهذا، هو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وهو سيد الخلق، وإنما كره ذلك على الناس في حياته؛ لأنه خاف عليهم من الغلو لما قالوا: أنت سيدنا قال: «السيد الله تبارك وتعالى (3)» سدا للذريعة، خاف عليهم أن يغلوا فيه عليه الصلاة والسلام، والآن قد توفي عليه الصلاة والسلام، وقد أخبرنا أنه سيد ولد آدم، فلا بأس أن تقول: سيدنا عليه الصلاة والسلام، وهو
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (32). .
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، برقم 10604، ومسلم في كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، برقم 2278.
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.
(1/189)
________________________________________
خيرنا وسيدنا، وإمامنا وهو خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام، أما بقية الناس فالأولى ألا يقال: سيدنا، ولا يخاطب بهذا، لكن لو قيل: آل فلان سيدهم فلان، يعني رئيسهم، سيدهم فلان يعني أميرهم، شيخ قبيلتهم لا بأس، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنه الحسن: «إن ابني هذا سيد (1)»، وقال: " من سيد بني فلان؟ من سيد بني فلان؟ وقال للصحابة لما جاء سعد بن معاذ يحكم في بني قريظة: «قوموا إلى سيدكم (2)» هذا لا بأس به، لكن إذا قاموا وقالوا: يا سيدنا، أو هذا سيدنا هذا تركه أولى؛ لأن الرسول قال: «السيد الله تبارك وتعالى (3)» ولأن من قال هذا قد يفضي إلى التكبر، إذا قيل له هذا الكلام، قد يفضي إلى التكبر، والغلو فيه، فالأولى ألا يقال: سيدنا، يعني ينصحهم يقول: لا تقولوا: سيدنا، قولوا: يا أخانا يا أبا فلان يكفي، أما إذا قيل على سبيل الإضافة، من سيد بني فلان؟ أو هذا فلان سيد: لأنه من بيت النبوة، أو لأنه فقيه أو عالم أو شريف في نفسه في أخلاقه
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما " ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين، برقم 2704.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل، برقم 3043، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، برقم 176.
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.
(1/190)
________________________________________
في أعماله، أو جواد كريم لا بأس، لكن إذا خيف من إطلاق سيد خيف أن يتكبر أو يتعاظم في نفسه، يترك ذلك ولا يقال هذا للكافر، ولا للمنافق ولا للعاصي، لا ينبغي أن يقال له: سيد، بل يقال هذا للشيخ الكبير للفقيه، للعالم للرئيس المعروف بالإصلاح والخير، المعروف بالحكم والفضل والجود، فهذا إذا قيل له: سيد لا بأس، أما أن يقال لغير من ذكر: يا سيدنا فإن ترك هذا أولى.
لكن لو قال: يا سيد قومه لا بأس، أو يا سيد بني فلان، يا سيد بني تميم، يعني رئيسهم لا بأس، إذا كان رئيسهم.
(1/191)
________________________________________
73 - حكم إطلاق كلمة مولانا
س: تقول السائلة: أسمع بعض الناس يقولون: مولانا سيدنا، هل لذلكم من حكم؟ (1)
ج: نعم ترك مولانا أولى؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث النهي عن ذلك، وجاء في بعضها في حق العبد: " يقول: سيدي ومولاي ". فالأحوط والأولى للمؤمن ألا يقولها، إلا إذا كان مملوكا يقولها لسيده، وإلا فالأفضل والأحوط ترك ذلك، ولا يقول: سيدي ولا يقول: مولاي، ولما ذهب بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: أنت
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (145). .
(1/191)
________________________________________
سيدنا. قال عليه الصلاة والسلام: «السيد الله تبارك وتعالى، يا أيها الناس قولوا بقولكم، ولا يستفزنكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، لا أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل (1)». مع أنه عليه الصلاة والسلام سيد ولد آدم، وقد صح عنه أنه قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر (2)» هذا معروف.
وبعد وفاته لا بأس أن يقال: هو سيدنا؛ لأنه غير مخاطب بها عليه الصلاة والسلام بعد وفاته، لو قيل: هو سيد ولد آدم، أو سيدنا محمد لا بأس في ذلك، أما الشخص الذي يخاطب يا سيدي فينبغي ترك ذلك؛ لأن العلة في ذلك التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم في حقه وفي حق غيره، وقد يجر هذا إلى الغلو في الشخص، وقد يضره هو أيضا فيعجب بنفسه، فيتكبر فلا ينبغي أن يستعمل معه سيدنا أو أنت مولانا، وليستعمل معه شيء آخر، أبا فلان أو يا فلان بلقبه أو بكنيته، يكفي، هذا هو الذي ينبغي للمؤمن، أما أن يقال: فلان سيد بني فلان فلا بأس، كما يقال: فلان سيد تميم، فلان سيد قحطان، فلان سيد قريش، يعني رئيسهم كبيرهم، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ لما جاء في الحكم في بني قريظة، قال: «قوموا إلى سيدكم (3)».
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، برقم 10604، ومسلم في كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، برقم 2278.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل، برقم 3043، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، برقم 176.
(1/192)
________________________________________
«وكان عليه الصلاة والسلام: يسأل الناس، ويسأل القبائل: من سيدكم؟ (1)» من سيد بني فلان؟ يعني: من رئيسهم؛ وقال في حق الحسن رضي الله عنه: «ابني هذا سيد (2)»؛ الحسن بن علي رضي الله عنه، هذا لا بأس به، إنما المكروه أن يخاطب بها مثل أن يقال: أنت سيدنا أو يا سيدي؛ لأن هذا قد يكسبه شيئا من الترفع والعجب والتعاظم، وقد يكسب القائل شيئا من الذل، والغلو ولهذا كره النبي ذلك من الناس، وهو معصوم أن يرضى بالشرك عليه الصلاة والسلام، لكن خاف عليهم من الغلو.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، حديث وفد عبد القيس رضي الله تعالى عنه، برقم 15559.
(2) أخرجه البخاري في كتاب، الصلح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن على رضي الله عنهما - "ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين، برقم 2704.
(1/193)
________________________________________
74 - حكم إطلاق كلمة مولاي وسيدي
س: هناك من يسمون اسم مولاي أو سيدي فلان، فما الحكم في هذه التسمية؟ ولمن يمكن أن نقول له: مولاي فلان أو سيدي فلان؟ (1)
ج: هذه التسمية لا تنبغي، لا مولاي ولا سيدي ينبغي ألا يسمى بهذا؛ لأنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقل: مولاي؛ فإن مولاكم الله (2)» وإنما يقال هذا في حق السيد من عبده ومملوكه، كما في الحديث الصحيح: «وليقل: سيدي ومولاي» وفي الحديث الأخر: «لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، اسق ربك. وليقل: سيدي ومولاي (3)» يقول العبد المملوك لمالكه: سيدي ومولاي لا بأس، أما أن يقول الإنسان لأخيه: يا مولاي أو يا سيدي؛ فينبغي ترك ذلك، ولما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أنت سيدنا قال: «السيد الله تبارك وتعالى (4)». خاف عليهم أن يغلوا عليه الصلاة والسلام، فقال: «السيد الله تبارك
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (179).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الألفاظ من الأدب، باب حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد، برقم 2249.
(3) أخرجه البخاري في كتاب العتق، باب كراهية التطاول على الرقيق، برقم 2552 ومسلم في كتاب الألفاظ من الأدب، باب حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد، برقم 2249.
(4) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.
(1/194)
________________________________________
وتعالى (1)». مع أنه سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، لكن خشي عليهم من هذه المواجهة أن يقعوا في الغلو.
فلا ينبغي لك أن تقول: يا سيدي فلان، أو أنت سيدنا لزيد أو عمرو لا. تقول: يا أبا فلان، يا فلان، تدعوه باسمه أو بكنيته أو نحو ذلك من الأسماء المشهورة، التي يتسمى بها، لكن ليس فيها سيدي ولا مولاي، هذا هو الذي ينبغي للمؤمن، التأدب مع ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم والتقيد بالآداب الشرعية في الألفاظ والأعمال جميعا.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.
(1/195)
________________________________________
75 - حكم المناداة بكلمة سيد فلان
س: تكثر عندنا المناداة بكلمة سيد فلان، وذلك لكونه يرجع في النسب إلى أسر معينة، هل يصح هذا؟ (1)
ج: إذا عرف بذلك فلا بأس. السيد فلان، السيد فلان؛ لأن كلمة السيد تطلق على رئيس القوم، وعلى الفقيه والعالم وعلى من كان من ذرية فاطمة، من أولاد الحسن يقال له: سيد، كل هذا اصطلاح بين الناس معروف، وكانت العرب تسمي رؤساء القبائل والكبراء سادة: سيد بني فلان فلان، وسيد بني فلان فلان. مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم، «لما
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (153).
(1/195)
________________________________________
سأل بعض العرب: " من سيدكم يا بني فلان، من سيدكم يا بني فلان؟ (1)» يعني من رئيسكم؛ ومثل ما قال صلى الله عليه وسلم في الحسن: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين (2)»، إنما يكره أن يخاطب الإنسان سيدي، يا سيدي، يا سيدنا، يكره هذا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قيل له: أنت سيدنا، قال: «السيد الله تبارك وتعالى (3)». ولأن هذا قد يكسبه غرورا وتكبرا وتعاظما، فينبغي ترك ذلك، بل يقال: يا أبا فلان، يا فلان، بالأسماء والألقاب التي تعرف، وأما التعبير عند المخاطبة له بسيد، يا سيدي، يا سيدنا؛ ترك هذا هو الأولى.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين حديث وفد عبد القيس رضي الله تعالى عنه، برقم 15559.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما " ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين)، برقم 2704.
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.
(1/196)
________________________________________
باب ما جاء في الولاء والبراء
(1/197)
________________________________________
باب ما جاء في الولاء والبراء
76 - حكم التشبه بالكفار
س: تعلمون أنه يجب على المسلم أن يكون ذا شخصية مميزة، تابعة لتعاليم ديننا الحنيف، من المحافظة على هيئته ولباسه، وتمسكه بالسنة المطهرة، وعدم التقليد المقيت لعادات مجتمعه، بل يتبع شرع الله وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وحيث إنه جاءت في العالم الإسلامي عادات قادمة من الغرب، والبلاد النصرانية، بل ودخلت في بعض الأنظمة كالنظم العسكرية ونظام الخدمة المدنية، وحيث إن الرسول قد أمر بمخالفة اليهود والنصارى بكل شيء، وفي الحديث: «لا تشبهوا باليهود فمن تشبه بقوم حشر معهم» أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وحيث إن هناك حديثا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:
(1/199)
________________________________________
، فمن؟ (1)». فهل يأثم المسلم بهذا التشبه؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير (2).
ج: نعم الواجب على المسلم أن يستقل بنفسه، وأن يتباعد عن مشابهة أعداء الله، كما أمره الله بذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم حذر الأمة من اتباع سنن من كان قبلها، الأمم الكافرة اليهود والنصارى والمجوس أو غيرهم من الكفرة، فدل ذلك على وجوب استقلال المسلمين بزيهم الخاص، وطاعاتهم التي أوجب الله عليهم، وشرعها لهم إلى غير ذلك، وأن لا يتشبهوا بأعدائهم لا في أخلاقهم، ولا في أعمالهم ولا في أقوالهم، ولا في أعيادهم، ولا في أزيائهم، ولهذا روى الإمام أحمد رضي الله عنه ورحمه، بإسناد جيد عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل: «ومن تشبه بقوم فهو منهم (3)». . أوله: «بعثت بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم (4)».
فالواجب على المؤمنين والمسلمين أن يبتعدوا عن التشبه بأعداء الله في جميع الأمور، وأن يستقلوا بأنفسهم في جميع أمورهم حتى
__________
(1) البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (6889)، مسلم العلم (2669)، أحمد (3/ 84).
(2) السؤال الخامس من الشريط رقم (57).
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر، برقم 5094.
(4) أحمد (2/ 92).
(1/200)
________________________________________
يتميزوا عن عدوهم وحتى يعرفوا أينما كانوا بزيهم وطرائقهم وعاداتهم الإسلامية، وأعمالهم الإسلامية.
لكن لو وجد شيء مشترك، فعله المسلمون والكافرون، فلا يسمى هذا تشبها كما وقع الآن في ركوب الطائرات، وركوب السيارات كانت هذه أولا عند أعدائنا ثم يسر الله لنا الانتفاع بها، هذا صار الآن مشتركا ليس فيه تشبه بأعداء الله، ولا يمنع استعمالهم هذه الطائرات، أو لهذه القطارات، أو السيارات أن نستعملها وهكذا ما حدث من القوات التي يستعان بها في الحرب للمسلمين، أن يأخذوها ليدافعوا بها عن دينهم، وعن بلادهم وحتى يعملوا بقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (1).
فالأمور التي للمسلمين فيها نفع يجوز لهم أن يأخذوها من عدوهم، ولا يسمى تشبها، لما فيه من الإعداد والنفع العام للمسلمين، وهكذا الأشياء التي اشترك فيها المسلمون، وصارت من عادة الجميع لا يكون فيها تشبه، وإنما التشبه يكون فيما اختصوا به، وصار من زيهم الخاص، المقصود أن الأشياء التي فيها نفع لنا ولا يختص فيها المشركون، أما ما كان خاصا بالمشركين، ليس لنا فيه نفع لا نتزين به، لكن الذي فيه نفع نأخذه منهم ونحتج بقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (2) والله سبحانه يقول:
__________
(1) سورة الأنفال الآية 60
(2) سورة الأنفال الآية 60
(1/201)
________________________________________
{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (1)، والحذر من أمور الدين التي هي من زيهم وأخلاقهم، وليست من ديننا، وإذا كان من ديننا نستعمله، ولو تشبهوا بنا فيه ولو شاركونا كما لو أجمعوا على إرخاء اللحى، نرخيها نحن، ولو أرخوها لا نخالفهم في ذلك، بل نرخيها لأننا مأمورون بإرخائها وهكذا لو بنوا المساجد وصلوا في المساجد لا نهدم مساجدنا ما كان من ديننا نلزمه ولو شاركونا فيه، وكذلك الأنظمة التي تنفعنا نأخذ بها، كنظام المرور والشرطة ونظام كذا وكذا الذي ينفع الأمة.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 32
(1/202)
________________________________________
77 - حكم توريد البطاقات الخاصة بأعياد الكفار
س: هل يجوز توريد البطاقات الكروت الخاصة بأعياد المسيحيين وما شابهها، مثل الكرسمس وأشكاله، هل يجوز توريدها أو حملها أو الاعتناء بها؟ (1)
ج: الذي يظهر لي أن هذا لا يجوز؛ لأن هذا فيه إشاعة لها، وربما اغتر بها بعض الناس فظن أنها جائزة، وربما أفضت إلى تقليدهم، والتشجيع على تقليدهم في هذه الأعياد المبتدعة، فلا ينبغي
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (311).
(1/202)
________________________________________
أن تروج هذه البطاقات، ولا ينبغي أن تتداول بين الناس بل ينبغي إتلافها.
(1/203)
________________________________________
78 - حكم الصلاة على والدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
س: نعلم أن هناك مجلسا لذكر الله، وعندنا أصبح مجلس اسمه مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى والديه وسلم، أو اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم؛ على حسب الإمام. فهل هذا المجلس جائز؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1).
ج: الصلاة على والدي النبي لا تجوز؛ لأن والدي النبي ماتا على الجاهلية، فلا يصلى عليهما، ولا يدعى لهما، فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي (2)» وقال لرجل سأله عن أبيه: «إن أبي وأباك في النار (3)» فلا يجوز الصلاة عليهما، ولا الدعاء لهما، ولكن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم تقول: (اللهم صل على محمد، اللهم صل على نبينا محمد، على سيدنا محمد) هذا طيب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (311).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه، برقم 976.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان من مات على الكفر، برقم 203.
(1/203)
________________________________________
«من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا (1)» في أي وقت.
أما جعل مجالس خاصة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت جماعي وبلفظ جماعي، فهذا لا أصل له، لكن إذا سمعت من يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام فصل عليه، وإذا سمعت من يذكر النبي فصل عليه، عليه الصلاة والسلام، وأنت في طريقك، وفي بيتك في المسجد تصلي على النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي عليه السلام يقول: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا» والله يقول في كتابه العظيم القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، وإذا قلت: اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه، أو اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته؛ كله طيب، والمقصود الصلاة عليه وعلى آله، كله طيب، أما ذكر والديه فلا، ولا يدخل والديه في الدعاء والصلاة المخصوصة بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما لم يسلما، فهما غير داخلين في آله؛ آله يعني أهل بيته من المسلمين وأتباعه هم آله، وأهل بيته الطيبون، كفاطمة وكزوجاته وكعلي وكالحسن والحسين وغيرهم، ممن أسلم من بني هاشم، هم من آله، أما أبواه فليسا من آله، الذين يصلى عليهم، ويدعى لهم؛ لأنهما ماتا على دين الجاهلية.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 408.
(2) سورة الأحزاب الآية 56
(1/204)
________________________________________
79 - حكم مشاركة الكفار في أعيادهم
س: يلاحظ أن بعضا من المسلمين يشاركون المسيحيين في عيد الميلاد والكرسمس كما يسمونه، ويرجو التوجيه في ذلك (1).
ج: لا يجوز للمسلم ولا للمسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم، بل يجب ترك ذلك؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم، والرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم، فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك، وأن لا يساعد في إقامة هذه الأعياد بأي شيء؛ لأنها أعياد مخالفة لشرع الله، ويقيمها أعداء الله فلا يجوز الاشتراك فيها ولا التعاون مع أهلها ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بأي شيء من الأمور كالأواني ونحوها وأيضا يقول الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2).
فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان، فالواجب على كل مسلم وكل مسلمة ترك ذلك، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بذلك، الواجب أن ينظر في الشرع الإسلامي وما جاء
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (73).
(2) سورة المائدة الآية 2
(1/205)
________________________________________
به وأن يمتثل أمر الله ورسوله، وأن لا ينظر إلى أمور الناس، فإن أكثرهم لا يبالي بما شرع الله، كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (1) وقال سبحانه: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (2) فالعوائد المخالفة للشرع لا يجوز الأخذ بها، وإن فعلها الناس، والمؤمن يزن أقواله وأفعاله، ويزن أقوال وأفعال الناس بالكتاب والسنة، كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما وافقهما أو أحدهما فهو المقبول، وإن تركه الناس، وما خالفهما أو أحدهما، فهو المردود ولو فعله الناس، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 116
(2) سورة يوسف الآية 103
(1/206)
________________________________________
80 - حكم الإحسان إلى الكافر الذمي والمستأمن
س: نحن - الحمد لله - مسلمون، ولدينا أخ مسيحي هل يجوز الأكل والشرب معه أو لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1).
ج: المسيحي ليس أخا لك، إذا كنت مسلما، إلا إذا كان أخا لك من النسب، الكافر ليس أخا لك، يقول الله جل وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (2)
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (209).
(2) سورة الحجرات الآية 10
(1/206)
________________________________________
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم (1)»، فالمسلم هو أخو المسلم، وليس أخا للكافر، وإن كان أخا لنسبه، لكن ليس أخا في الدين، سواء كان يهوديا أو نصرانيا، أو مجوسيا أو شيوعيا أو قاديانيا أو وثنيا كل هؤلاء الكفرة ليسوا إخوة لنا بل بيننا وبينهم البغضاء والعداوة، وإن أحسنا إليهم، إذا كانوا فقراء ليسوا محاربين، لا مانع أن نحسن إليهم، إذا كانوا أهل ذمة أو مستأمنين، نحسن إليهم لفقرهم، وندعوهم إلى الإسلام لا بأس، لكن ليسوا إخوة لنا، وليسوا أحبابا لنا، بل نبغضهم في الله حتى يهتدوا، ومع هذا نحسن إليهم وندعوهم إلى الله، ونسأل الله لهم الهداية، كل هذا مطلوب، أما إذا كانوا حربا لنا، بيننا وبينهم القتال، ليس لهم ذمة ولا أمان، فهؤلاء نبغضهم في الله ونقاتلهم، ولا نعطيهم شيئا ولا نساعدهم على المسلمين، بل نبغضهم في الله ونحاربهم ونقطع الصلة بيننا وبينهم، ولا نساعدهم بشيء أصلا، بل إعانتهم على المسلمين كفر وردة، وهذا المسيحي لا تتخذوه صاحبا ولا تواكلوه، لكن إذا بليت به، ساكن معك، أو ضيف لا مانع أن تأكل معه، لكن لا تتخذه صاحبا ولا بطانة
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، برقم 2442، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم 2580.
(1/207)
________________________________________
بل اتخذه عدوا وبغيضا في الله عز وجل حتى يهتدي وأما مواكلته العارضة، بسبب الضيافة أو بسبب أنه نزل معك في محل السكن، لعارض فإنك تأكل معه إذا دعت الحاجة، ولكن تسعى في الخلاص من صحبته ومساكنته؛ لئلا يجرك إلى بلائه، ولئلا تتساهل فيما أوجب الله عليك من شأنه، والله المستعان.
(1/208)
________________________________________
81 - حكم النداء بالألفاظ التي تسبب الكبر
س: عندنا مدرسون غير مسلمين، وغالبا ما نناديهم بكلمة " سير " باللغة الإنجليزية، وهذه الكلمة تعني سيدي بالعربي فهل هذا يجوز؟ أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء (1).
ج: إذا كان معناها يا سيدي فالذي ينبغي تركها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له أنت سيدنا، قال: «السيد الله تبارك وتعالى (2)»، ولأن لفظة سيدي قد تسبب عظمة في نفسه وكبرياء، وتجره إلى الكبرياء والغلو، والتكبر ونحو ذلك، فالحاصل أن الأولى عدم نداء الأستاذ أو الأخ بسيدي أو ما يدل على معناها، ولكن يقول: يا أبا فلان، يا فلان بالألقاب الأخرى التي يرتضيها، وليس فيها غلو أو بكنيته أو باسم معروف.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (32).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الآداب، باب في كراهية التمادح، برقم 4806.
(1/208)
________________________________________
82 - معنى الحب في الله والبغض في الله
س: أبو أحمد من الرياض يقول: علمنا أن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، فما معنى الحب في الله؟ وما معنى البغض في الله؟ (1)
ج: الحب في الله أن تحب من أجل الله جل وعلا؛ لأنك رأيته ذا تقوى وإيمان، فتحبه في الله وتبغضه في الله: لأنك رأيته كافرا عاصيا لله فتبغضه في الله أو عاصيا، وإن كان مسلما فتبغضه بقدر ما عنده من المعاصي، هكذا المؤمن يتسع قلبه لهذا أو هذا، يحب في الله أهل الإيمان والتقوى، ويبغض في الله أهل الكفر والشرور والمعاصي، ويكون قلبه متسعا لهذا وهذا وإذا كان الرجل فيه خير وشر كالمسلم العاصي أحبه من أجل إسلامه، وأبغضه من أجل ما عنده من المعاصي ويكون فيه الأمران، الشعبتان، شعبة الحب والبغض، أهل الإيمان والاستقامة يحبهم حبا كاملا وأهل الكفر يبغضهم بغضا كاملا وصاحب الشائبتين صاحب المعاصي يحبه على قدر ما عنده من الإيمان والإسلام، ويبغضه على قدر ما عنده من المعاصي والمخالفات.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (356).
(1/209)
________________________________________
باب ما جاء في أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم جميع الثقلين الجن والإنس
(1/211)
________________________________________
باب ما جاء في أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم جميع الثقلين الجن والإنس
83 - أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم جميع الثقلين الجن والإنس
س: من هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل هم الجيل الذي بعث فيهم إلى قيام الساعة، أم هم الذين آمنوا به وصدقوه واتبعوه؟ (1)
ج: أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم جميع الثقلين، الجن والإنس هم أمته، لكن يقال لهم: أمة الدعوة، كلهم مدعوون، كلهم مكلفون، مأمورون بتوحيد الله، وطاعته واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما نهى عنه، كلهم مأمورون جنهم وإنسهم، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (2)، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (3) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة عليه الصلاة والسلام (4)».
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط (33).
(2) سورة الأعراف الآية 158
(3) سورة سبأ الآية 28
(4) أخرجه البخاري في كتاب التيمم، باب قول الله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) برقم 335.
(1/213)
________________________________________
الأمة الثانية أمة الإجابة، وهم الذين أجابوه واتبعوه، وهم الأمة التي أثنى الله عليها ومدحها الذين أجابوه واتبعوا شريعته، كما في قوله سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1) هؤلاء الذين آمنوا به، لهم الفضل العظيم، أما أولئك الذين لم يؤمنوا فيقال لهم: أمة الدعوة، ولهم النار يوم القيامة؛ لعدم إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا من لم تبلغه دعوته، فلم يعلم به عليه الصلاة والسلام، لكونه في أطراف بعيدة، فهذا يمتحن يوم القيامة، ويسمون أهل الفترة، يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب ما طلب منه صار إلى الجنة، ومن عصى دخل النار، أما الذين سمعوا به وعلموا به، ولم يستجيبوا فإنهم يكونون من أهل النار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بي إلا كان من أصحاب النار (2)» رواه مسلم في الصحيح، وفي قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} (3) فهو رسول الله إلى الجميع عليه الصلاة والسلام، فمن اتبعه وسار على منهجه، بتوحيد الله وطاعته، فهو من أمة الإجابة وله الجنة يوم القيامة، ومن أبى
__________
(1) سورة آل عمران الآية 110
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، برقم 153.
(3) سورة هود الآية 17
(1/214)
________________________________________
كاليهود والنصارى والشيوعيين والوثنيين وسائر الملحدين، من أبى عن الدخول في دينه فهو من أهل النار إلا الذين لم يبلغهم أمره، فهؤلاء يمتحنون يوم القيامة ويقال لهم: أهل الفترة، والله يقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم يأمره أن يبلغ الناس، يقول جل وعلا يأمر نبيه أن يقول ذلك: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (1) ويقول سبحانه: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} (2) فالله جعل القرآن بلاغا وهكذا ما أخبر به النبي بلاغ عليه الصلاة والسلام، والقرآن والأحاديث كلها بلاغ، فمن اتبع القرآن والسنة، ووحد الله، واتبع الشريعة فهذا هو المؤمن، وهؤلاء هم أهل الجنة، وهم أمة الإجابة، إلى يوم القيامة، ومن حاد عن السبيل، ولم يستجب للدعوة كاليهود والنصارى أو غيرهم، فهو من أهل النار يوم القيامة، لكن من كان بعيدا في أطراف الدنيا لم يسمع عن القرآن، ولا عن محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا يقال له: من أهل الفترة، يسمى من أهل الفترة، ليس عنده علم، فهذا يمتحن يوم القيامة، جاءت الأحاديث بأنه يمتحن يوم القيامة، ويبعث إليه جزء من النار فإن أجابه دخل الجنة، وإن عصى دخل النار.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 19
(2) سورة إبراهيم الآية 52
(1/215)
________________________________________
84 - بيان أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الجن والإنس كافة
س: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس كافة، والسؤال: هل كان هذا شأن الرسل قبله عليهم السلام، أم أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أول رسول إلى هؤلاء الخلق (الجن)؛ وجهونا جزاكم الله خيرا (1).
ج: كان الأنبياء والرسل مأمورين كل واحد يرسل إلى قومه، والجن لهم نذر ينذرونهم، من قومهم، من جماعتهم، أما رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أرسل للجميع لجميع الجن والإنس هذه خاصة عليه الصلاة والسلام، لم يبعث رسول إلى الجن والإنس جميعا إلا محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأن كل رسول يبعث إلى قومه من جن وإنس، قومه في جهته أو مكانه من جن وإنس هو المبعوث إليهم، وإن كان لا يعرف تفاصيل الجن ولا أسماء الجن، لكن هو مبعوث إليهم، عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا، وينتفعوا برسالته، ويعملوا بها إذا كانوا من قومه من بلده، من قومه الذين بعث إليهم، فإنهم يلزمهم أن يتبعوا هذا الرسول؛ لأنه أرسل إلى قومهم، والله أعلم سبحانه بحقيقة ذلك.
__________
(1) السؤال الحادي والأربعون من الشريط رقم (295).
(1/216)
________________________________________
85 - الجن مخاطبون بما خوطب الإنس من الشرائع
س: من المعلوم أن الجن والإنس مكلفون، كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) وكما في قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} (2) {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} (3) على أي طريقة كان يتعبد الجن، ذلك أنهم خلقوا قبل آدم؟ فكيف كانت عبادتهم قبل أولي العزم من الرسل؟ (4)
ج: الذي نعلمه من الشرع أنهم مخاطبون بما خوطب به الإنس من الشرائع، إلا ما استثني مما لا نعلمه، فلهم أشياء تخصهم لا نعلمها، والنبي صلى الله عليه وسلم اجتمع بهم، وبلغهم أشياء فلا نعلم شيئا يخصهم دوننا، فالأصل أنهم مكلفون بما كلف به الإنس، من صلاة وغيرها إلا ما استثناه الشارع في حقهم، مما لا نعلم ونقول ما كلفوا به، وخصهم الله به مما لا نعلمه، الله الذي يعلمه سبحانه وتعالى، وهو سائلهم عنه جل وعلا، أما ما كلفنا به جميعا فهم مسئولون عنه أيضا، وقد أنزل الله سورة الرحمن وخاطبهم فيها جميعا مع الإنس، بعد كل آية يقول: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (5)، فهم مسئولون ومكلفون وموعودون
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) سورة الجن الآية 1
(3) سورة الجن الآية 2
(4) السؤال الرابع عشر من الشريط (57).
(5) سورة الرحمن الآية 13
(1/217)
________________________________________
بالجنة والنار مطيعهم في الجنة وعاصيهم في النار، كما قال عز وجل: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} (1) {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (2)، وقال قبل ذلك: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} (3)، فهم فيهم الصالحون وفيهم المبتدعة، وفيهم الكفار وفيهم الفساق، كالإنس؛ فليس لنا أن نقول على الله بغير علم، فالأصل أنهم مكلفون بما كلفنا به، إلا ما استثناه الشارع فيما بينه وبينهم، وأعلمهم به مما لا نطلع عليه، فعلمه إلى الله سبحانه وتعالى، وعليهم أن يؤدوا ما أوجبه الله عليهم، ومن قصر منهم فله حكم المقصرين، من كفر أو عصيان إن كان كفرا فكفر وإن كان عصيانا فعصيان، وهو أيضا مجزي بعمله يوم القيامة، كما دلت عليه سورة الرحمن، وسورة الجن والله سبحانه أعلم.
س: الأخ هـ. هـ يقول: هل يدخل المؤمنون من الجن الجنة مع الإنس؟ وأين تكون منازلهم في الجنة؛ وهل يلتقون مع الإنس أيضا؟ (4)
ج: الكفار من الجن والإنس في النار والمؤمنون من الجن والإنس في الجنة، قال الله تعالى في سورة الرحمن: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (5). .
__________
(1) سورة الجن الآية 14
(2) سورة الجن الآية 15
(3) سورة الجن الآية 11
(4) السؤال الأول من الشريط رقم (426).
(5) سورة الرحمن الآية 46
(1/218)
________________________________________
يعني: من الجن والإنس، {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (1)، وقال جل وعلا في سورة الرحمن: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} (2) {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} (3)، فالجن والإنس سواء سواء، من آمن منهم ومات على الإيمان دخل الجنة، ومن مات على الكفر دخل النار سواء جنا أو إنسا.
__________
(1) سورة الرحمن الآية 13
(2) سورة الرحمن الآية 43
(3) سورة الرحمن الآية 44
(1/219)
________________________________________
86 - بيان أصل الجن
س: من المعلوم أن الجن والإنس من مخلوقات الله تعالى، وقد أمرهم بالعبادة في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1)، هل الجن يؤذون الإنس؛ وكيف؟ وبأي طريقة؟ وما أعراض الشخص المصاب؟ وكيف الشفاء إذا وقع؟ (2)
ج: الجن ثقل عظيم، خلقهم الله لعبادته، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3)، والصحيح أنهم أولاد إبليس يقال لهم
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) السؤال الثالث من الشريط (13).
(3) سورة الذاريات الآية 56
(1/219)
________________________________________
الجن، هو أبوهم، كما أن آدم أبو الإنس وهم فيهم الكافر وفيهم المسلم وفيهم العاصي مثل بني آدم فيهم الطيب والخبيث، والله كلفهم بعبادته وطاعته، وفرض عليهم فرائض، فالواجب عليهم أن يسمعوه ويطيعوه، وأن ينقادوا لأمر الله، وأن يعظموا حرماته، وهم أصناف وأشكال، يأكلون ويشربون وينكحون ويتناسلون، هم أصناف وأشكال وقد يؤذون بني آدم، كما يؤذي بنو آدم بعضهم بعضا، قد يؤذي الجن الإنس في بعض الأحيان بالحجارة، أو بشب النار في بعض أمتعتهم، أو بكلام مزعج، أو بغير ذلك، وقد يؤذون أيضا في تلبس الجن بالإنس، وفي الغالب أن يكون هذا بأسباب من الإنس، إما بطرح شيء ثقيل ولم يسم، أو صب ماء حار ولم يسم، أو ما أشبه ذلك مما قد يؤذيهم هو فيتسلطون بسبب الأذى الذي حصل من الإنس، فيتلبس به الجن، ولكن متى قرئ عليه من آيات الله جل وعلا الكريمة، وطولب بالخروج وخوف من الله سبحانه وتعالى، وقرأ عليه من لديه قوة في دين الله، وإيمان قوي فإنه يخرج، إذا كان فيه دين، إذا كان فيه خير ويتعظ ويتذكر، وقد لا يخرج إذا كان فاسقا أو كافرا، مثل فسقة الإنس، قد يظلمون ويتعدون ولا يبالون بالنصيحة، لكفرهم أو فسقهم، فهم كالإنس فيهم الفاسق وفيهم الكافر وفيهم الظالم وفيهم الطيب، وفيهم الخبيث، والله شرع لنا أن نتقي شرهم بالتعوذات، الإنسان مشروع له صباحا ومساء أن يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثلاث مرات، (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في
(1/220)
________________________________________
الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات، صباحا ومساء كل هذا من أسباب السلامة من الجن وغيرهم، كذلك قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة، وقراءتها عند النوم من أسباب حفظ الله من الشياطين، وهكذا قراءة قل هو الله أحد، والمعوذتين بعد كل صلاة، وقراءتها ثلاث مرات بعد المغرب والفجر، كل هذا من أسباب السلامة من شياطين الإنس والجن، والمؤمن ينبغي له أن يكون بعيدا عن أسباب الأذى للإنس والجن جميعا، ومن كان معتصما بالله، وأخذ بالأسباب الشرعية وقاه الله شر الإنس والجن جميعا، ومن تساهل فقد يسلط عليه الإنس والجن، بسبب تساهله أو عدوانه أو ظلمه نسأل الله السلامة.
(1/221)
________________________________________
87 - بيان معنى شياطين الجن والإنس
س: ما الفرق بين الشيطان والجن؛ وهل الشيطان يتناسل من ذكر وأنثى؛ وإذا كان أبوهم طرد من الجنة؛ لأنه عصى ربه، ووعده الله بالنار، فلماذا لا ينصح أولاده لينجوا من النار؟ هل الشيطان يتعامل مع الإنسان بأنه يخدمه، مقابل عصيان الإنسان لربه؟ وهل هناك جن مسلمون يخدمون المسلمين، كخدمتهم لسيدنا سليمان عليه السلام؟ وإذا كان الشيطان أو الجن في استطاعته خدمة الإنسان أو ضره، فلماذا لا يساعد
(1/221)
________________________________________
المسلمون من الجن المسلمين من الإنس في حربهم مع الكفار، ونقل أسرارهم ونصرة الإسلام؟ ولماذا ما يساعد الكفار منهم كفار الإنس على المسلمين بأي شكل من الأشكال؟ أرجو التوجيه حفظكم الله. وإذا نويت عمل خير في قلبي هل يعلم به الشيطان، ويحاول صرفي عنه؟ وإذا كان هذا كله يوجد فهل هناك دليل من الكتاب والسنة؟ وهل حصلت أمثلة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان يوجد كتاب فيه مثل هذه المسائل دلوني عليه لأستطيع أن أنجو من شر الشياطين، نجاني الله وإياكم وجميع المسلمين. والسلام عليكم (1).
ج: الشياطين من الجن، وهم متمردوهم وأشرارهم، كما أن شياطين الإنس هم متمردو الإنس وأشرارهم، فالجن والإنس فيهم شياطين، وهم متمردوهم وأشرارهم، من الكفرة والفسقة، وفيهم المسلمون من الأخيار الطيبين، كما في الإنس الأخيار الطيبون، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (2)، والشيطان هو أبو الجن عند جمع من أهل العلم، وهو الذي عصى ربه واستكبر عن السجود، وقال آخرون من أهل
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط (166).
(2) سورة الأنعام الآية 112
(1/222)
________________________________________
العلم: إن الشيطان من طائفة من الملائكة، يقال لهم: الجن استكبر عن السجود فطرده الله، وأبعده وصار قائدا لكل شر، ولكل خبيث ولكل كافر أو ضال، وكل إنسان معه شيطان، ومعه ملك كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فالشيطان يملي عليه الشر ويدعوه إلى الشر، وله لمة بقلبه، وله اطلاع بتقدير الله على ما يقوم به العبد ويلهي العبد بين الخير والشر، والملك كذلك فهذه أشياء مكنهم الله منها، مكن القرينين: القرين من الجن، والقرين من الإنس، وهو شيطان، قرين الجن مع الإنسان، كما قاله عليه الصلاة والسلام، لما قال: «ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن وقرينه من الملائكة "، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم (1)».
المقصود أن كل إنسان معه قرينه من الملائكة وقرينه من الشياطين، فالمؤمن بطاعة الله ورسوله، والاستقامة على دين الله يقهر شيطانه، ويذل شيطانه ويهين شيطانه، حتى يكون ضعيفا لا يستطيع أن يغالب، ويمنع المؤمن من الخير. والعاصي بمعاصيه وسيئاته يعين شيطانه حتى يقوى على مساعدته على الباطل، وعلى تشجيعه على الباطل، وعلى تثبيطه عن الخير، فعلى المؤمن أن يتقي الله، وأن يحرص على جهاد شيطانه، بطاعة الله ورسوله والتعوذ بالله من الشيطان، وعلى أن يحرص
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، برقم 2814، وأخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، برقم 3792.
(1/223)
________________________________________
في مساعدة ملكه على طاعة الله ورسوله، والقيام بأمر الله سبحانه تعالى، والمسلمون يعينون إخوانهم من الجن، على طاعة الله ورسوله كالإنس، وقد يعينون الإنس في بعض المسائل، وإن لم يعلم الإنس قد يعينونهم على طاعة الله ورسوله، وقد يسمع الإنس منهم بعض الشيء، وقد يوقظونه للصلاة، وقد ينبهونه على أشياء تنفعه، وأشياء تضره، كل هذا واقع وإن كانوا لا يتمثلون له، وقد يتمثل الجني لبعض الناس في دلالته على الخير، وفي دلالته على الشر، قد يقع هذا ولكنه قليل، والغالب أنهم لا يظهرون للإنسان، وإن سمع صوتهم في بعض الأحيان، يوقظونه للصلاة أو يخبرونه ببعض الأخبار، فالحاصل أن الجن من المؤمنين لهم مساعدة للمؤمنين، وإن لم يعلم المؤمنون، ويحبون لهم كل خير، وهكذا المؤمنون من الإنس يحبون لإخوانهم من الجن المؤمنين الخير، ويسألون الله لهم التوفيق، ويحضرون الدروس ويحبون سماع العلم، فالمؤمنون من الجن يحضرون دروس الإنس في بعض الأحيان وفي بعض البلاد ويستفيدون من دروس الإنس، كل هذا واقع ومعلوم، وقد صرح به كثير ممن اتصل به الجن، وسألوه عن بعض المسائل العلمية وأخبروه أنهم يحضرون دروسه، كل هذا أمر معلوم، وفيه كتب كثيرة كتبت في هذا الباب، وابن القيم رحمه الله في كتبه قد ذكر كثيرا من هذا، وفيه كتاب لبعض العلماء سماه آكام المرجان في بيان أحكام الجان، لشخص يقال له: الشبلي، وهو كتاب مفيد، ولا بد أن هناك كتبا أخرى قد صنفت في هذا الباب، في إمكان الإنسان أن
(1/224)
________________________________________
يلتمسها، ويسأل عنها في المكتبات التجارية، وفي إمكانه يستفيد من كتب التفسير، على سورة الجن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} (1)، والآيات الأخرى التي فيها أخبار الجن، بمراجعة التفاسير ليستفيد الإنسان من ذلك، مما قاله المفسرون رحمهم الله، في أخبار الجن من أشرارهم وأخيارهم.
س: يقول بعض الناس: إن هناك شيطانا قد أسلم وشيطانا كفر. هل هذا صحيح؟ (2)
ج: الجن فيهم المسلم وفيهم الكافر، والشيطان هو المتمرد، شياطين الجن متمردوهم، وشياطين الإنس متمردوهم، فذرية الشيطان من الشياطين، هم على حالهم شياطين، يصدون الناس عن الهدى، ومن هداه الله من الجن ما يسمى شيطانا، الشيطان هو الذي يتمرد عن الحق والهدى، ويتبع جده الشيطان في الباطل، ومن هداه الله منهم، كان من جنسنا له فضله، وله ما وعد الله به من الجنة والخير، كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الجن: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (3) فإذا أسلم من تشيطن منهم، ورجع إلى الإسلام وتمسك
__________
(1) سورة الجن الآية 1
(2) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (131).
(3) سورة الجن الآية 11
(1/225)
________________________________________
بالإسلام، هو مثل الإنس الذي كان كافرا ثم رجع إلى الإسلام، وهداه الله، فالجن والإنس فيهم الكافر، وفيهم المسلم، وفيهم المبتدع، وفيهم العاصي، وفيهم الجهمي، وفيهم الرافضي، وفيهم غير ذلك، كما قال سبحانه: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} (1) ثم قال بعده: {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (2) يعني أقساما متفرقة، وفرقا متنوعة، فيهم الطيب والخبيث، فيهم الصالح والطالح، فيهم صاحب السنة وصاحب البدعة، وقال في الآية التي بعدها: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} (3) {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (4) القاسط العادل عن الحق، يقال: قسط إذا جار، أما أقسط فهو العادل، ومنه قوله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (5) أهل العدل والفضل والبصيرة، فالمقسط صفة مدح، وهو الذي التزم الحق واعتدل، وأخذ بالعدالة، والقاسط المائل عن الحق الذي جار عن الحق، وأبى اتباع الحق، ولهذا قال سبحانه: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ} (6) يعني الجائرين المنحرفين عن الحق {فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (7) فهكذا يقال في الجن والإنس، فهم سواء: من ترك شركه وباطله، ودخل في الإسلام فله ما للمسلمين، من الجن والإنس، وعليه ما عليهم، ومن بقي في شيطنته وكفره وضلاله، فله ما لأصحابه من جن أو إنس، ومن استقر على الهدى ومضى على الهدى، وسار على الهدى، فله ما وعد الله به المهتدين، والله المستعان.
__________
(1) سورة الجن الآية 11
(2) سورة الجن الآية 11
(3) سورة الجن الآية 14
(4) سورة الجن الآية 15
(5) سورة المائدة الآية 42
(6) سورة الجن الآية 15
(7) سورة الجن الآية 15
(1/226)
________________________________________
88 - حكم مصاحبة الجان للإنس
س: يوجد في منطقتنا شخص يسكن في بيت وحده، ويدعي وجود الجان في بيته، ولا يستطيع حسب قوله إشعال النور ليلا، ويغمض عينيه في أغلب الأحيان، وقد زار منزله بعض ممن يدعي معرفة الجان، وقالوا: إن البيت فعلا يسكنه الجان يأكلون معه، وهناك جنية تصحبه دائما. فهل حقيقة أن الجان تتحكم في بعض الناس بهذه الطريقة؟ وهل في شريعتنا الغراء ما يتم به طرد الجان من مثل هذا البيت؛ أرجو الإفادة؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: نعم، قد يقع هذا لبعض الناس، وقد يصحبه الجان وقد يضلونه، وقد يغرونه بأشياء تضر الناس، وقد يعطونه بعض العلوم المغيبة التي اطلعوا عليها باستراق السمع، أو بمجيء من بلدان لأخرى، كأن يخبروه بأنه مات أمير البلد، أو مات فلان في البلد الفلاني؛ لأن الشياطين يخبر بعضهم بعضا، وهم سريعو التنقل من بلد إلى بلد، وقد يسترقون السمع، ويسمعون شيئا من الملائكة في السماء، أو في سماء الدنيا أو في العنان فيبلغون أولياءهم من الإنس، فالإنسي قد يكون له صاحب من الجن، يسمونه الرئي، ويسمى صاحبه الكاهن، هذا واقع من قديم الزمان، وكل إنسان معه شيطان ومعه ملك قرين.
__________
(1) السؤال السادس من الشريط (135).
(1/227)
________________________________________
وقد يكون الشيطان الذي مع الإنسان يصحب هذا ويدعوه إلى الحضور. وقد يتعاون معه على مقاصدهم الخبيثة، مع هذا الرجل، أو مع هذه المرأة. هذا واقع من الناس، صحبة الجن واتخاذهم أولياء، والاستعانة بهم على ضرر بعض الناس، أو نفع بعض الناس، كل هذا واقع. ولكنه منكر لا يجوز، بل محرم، لا يجوز للمسلم أن يتخذهم أصحابا، من طريق الكهانة، أو طريق السحر، حتى يضر بهم الناس، بل يجب أن يحذرهم، ويجب على المسلمين أن يجاهدوا هؤلاء بما يزيل شرهم، وولي الأمر يبعث لهم من يستتيبهم فإن تابوا ورجعوا إلى الحق والصواب، وإلا عذبهم وعاقبهم بالضرب والسجن، حتى يتركوا هذه الشعوذة وهذا الفساد.
وإذا علم منهم أنهم يدعون الجن ويستغيثون بالجن، ولهم ينذرون صار هذا شركا أكبر، يستحقون معه القتل. أو علم منهم أنهم يدعون الغيب، بسبب شياطينهم وأنهم يعلمون الغيب، وأنه سوف يكون كذا وسوف يكون كذا، فهم يستتابون أيضا، فإن تابوا وإلا قتلوا كفارا: لأن دعوى علم الغيب كفر. كما قال الله سبحانه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (1)، وقال سبحانه: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (2)، وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) سورة النمل الآية 65
(2) سورة هود الآية 123
(1/228)
________________________________________
{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1)، فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق، وسيد ولد آدم لا يعلم الغيب، فغيره من باب أولى.
فالواجب القضاء على هذه الشعوذة، وعلى هذا الشخص الذي يفعل ما ذكرت من الجلوس وحده، ودعواه أنه له جنية، وأنه لا ينور في بيته في الليل، وأنه يغمض عينيه، هذا كله من باب إيهام الناس، وأخذ أموالهم بالباطل، حتى يقول لهم: افعلوا كذا وافعلوا كذا، وسوف يكون كذا وسوف يكون كذا، هذا لا يجوز إقراره على حاله عند من له أدنى تمسك بالشرع من الولاة، بل الواجب على ولاة الأمور الإسلاميين، أن يأخذوا على أيدي هؤلاء، وأن يقضوا على خرافاتهم وشعوذتهم وإفكهم.
ومعلوم إذا كان صادقا أنه يزول عنه هذا، إذا تاب إلى الله ورجع إلى الحق، وتاب إلى ربه من هذه الأشياء فإنها تبتعد عنه؛ لأنها تنزل على كل أفاك أثيم، والكذاب الأثيم على أصحابهم. فإذا تاب ورجع إلى الله، وصدق واستعاذ بالله من شرهم كفاه الله شرهم.
ومن أسباب الوقاية كثرة قراءة القرآن، والتعوذ بكلمات الله التامات إذا دخل المنزل، وأن يقول صباحا ومساء: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السمع العليم
__________
(1) سورة الأعراف الآية 188
(1/229)
________________________________________
ثلاث مرات، فإنه لا يضره شيء، وهكذا إذا قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاث مرات إذا دخل المنزل، كل هذا من أسباب العافية والسلامة من هؤلاء الأشرار، من الشياطين، شياطين الإنس والجن. فلا يجوز أن يقر هذا الشخص وأشباهه على هذا الباطل، وهذه الشعوذة المنكرة التي يضل بها الناس، ولا سيما الجهال، والله المستعان.
(1/230)
________________________________________
89 - إمكانية ظهور الجن لبعض الناس ومصادقتهم
س: هل يظهر الجن لبعض الناس ويعقد صداقات معهم؟ وهل الجني هو الشيطان؟ (1)
ج: قد يظهر الجن لبعض الناس. والجن ثقل مستقل غير الإنس، والمشهور عند العلماء أنهم أولاد الشيطان، كما أن الإنس أولاد آدم، فالشيطان الذي هو الجان، الذي امتنع من السجود لآدم هو أبو الجن، فمنهم طيب، وكافرهم مثل كافر الإنس خبيث، فيهم الفاسق وفيهم الكافر وفيهم المؤمن الطيب، وفيهم العاصي، فهم أقسام مثل الإنس قد يتصل بعض الناس بهم، وقد يكلمهم ويكلمونه، قد يراهم بعض الناس، لكن الأغلب أنهم لا يرون كما قال جل وعلا:
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط (193).
(1/230)
________________________________________
{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} (1).
يعني يروننا من حيث لا نراهم، وليس معناه أننا لا نراهم، قد نراهم، لكن من حيث لا نراهم قد يروننا، من جهات يروننا فيها ولا نراهم فيها، لكن الجني قد يبدو لبعض الناس في الصحراء، وفي البيوت، وقد يخاطب، وقد حدثنا جماعة من العلماء عن وقائع كثيرة من هذا، أن بعض الجن حضروا مجالس العلم، وسألوا عن بعض العلم وإن كانوا لا يرون، وبعض الناس قد يراهم يتمثلون في الصحراء وغير الصحراء، لكن لا تجوز عبادتهم من دون الله، ولا الاستغاثة بهم، ولا الاستعانة بهم على إضرار المسلمين، ولا سؤالهم عن علم الغيب، بل يجب أن يحذروا، أما دعوتهم إلى الله إذا عرفتهم، وتعليمهم ما ينفعهم، ونصيحتهم، ووعظهم، وتذكيرهم، فلا بأس بذلك. أما الاستعانة بهم أو الاستغاثة بهم، أو النذر لهم، أو التقرب إليهم بالذبائح خوف شرهم، كل هذا منكر، قال الله جل وعلا: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (2) يعني زادوهم شرا وبلاء. والآية فيها تفسيران: أحدهما زادوهم، يعني الجن زادوا الإنس ذعرا وخوفا، يعني فزاد الجن الإنس ذعرا وخوفا منهم. والمعنى الثاني فزادوهم رهقا، زاد الإنس الجن رهقا، يعني طغيانا وكفرا وعدوانا عليهم، لأنهم لما رأوا الإنس يخافونهم تكبروا عليهم، وزادوا في إيذائهم. وبكل حال فلا يجوز سؤالهم ولا الاستغاثة بهم
__________
(1) سورة الأعراف الآية 27
(2) سورة الجن الآية 6
(1/231)
________________________________________
ولا النذر لهم، ولا نداؤهم لطلب حاجة، أو شفاء مريض، أو ما أشبه ذلك، لكن إذا كلمهم ينصحهم ويذكرهم ويدعوهم إلى الله ويعلمهم ما ينفعهم، فلا حرج في ذلك، كالإنس.
(1/232)
________________________________________
90 - بيان أن الشيطان يتكلم على ألسنة البشر
س: هل الشيطان يتكلم على ألسنة البشر؟ (1).
ج: قد يتكلم على السنة البشر، ويكذب عليهم وقد يغر الناس في أشياء كثيرة يكذبها.
__________
(1) السؤال الثاني والأربعون من الشريط (188).
(1/232)
________________________________________
91 - حكم تلبس الجن بالإنس
س: هل يجوز للجن الصالحين أن يسكنوا في أجساد المسلمين من الإنس، مع الدليل؟ مع العلم أن بعض الجن الصالحين لا يلحقون أذى بالإنس، بل ينزلون ويتلبسون؛ لكي يستمعوا الذكر والقرآن، وبعض الجن الصالحين يقرأ القرآن ويخرج مردة الجن من بعض الإنس بلسان صاحبه الإنسي الذي يسكن فيه، جزاكم الله خيرا (1).
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط (191).
(1/232)
________________________________________
ج: لا شك أنه لا يجوز للجن أن يسكن في أجسام الإنس، ولا أن يتعدى عليهم، ولا أن يؤذيهم، ومن أعظم الظلم، ومن أعظم الأذى، أن يخالط الجني الإنسي، وأن يسكن في جسمه وأن يتلبس به، لما في ذلك من إفساد عقله، وجعله في حكم المجانين، ومع ما في ذلك من الشرور الأخرى، والأذى الآخر، والله يقول سبحانه: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} (1) ويقول جل وعلا في كتابه العظيم: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (2) ويقول: {وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} (3) فلا يجوز للجني أن يؤذي الإنسي المسلم، ولا يجوز للإنسي أن يؤذيهم ويضرهم، كل منهم عليه الحذر من الآخر، والحذر من ظلمه، ومعلوم ما في حلول الجني في الإنسي من أضرار كثيرة، وفساد كبير سواء كان مسلما أو كافرا، ليس له أن يسكن في الإنسي، وليس له أن يؤذيه، ولا يضره، ومعلوم أيضا ما يحصل للناس من النفرة من هذا الذي داخله الجني، وما يحصل عليه من المضرة، والأذى في ذلك.
فالواجب على الجن أن يحذروا ظلم الإنس، وأن يبتعدوا عن أذاهم. وإذا أراد سماع القرآن يسمعه في حلقات العلم، وحلقات القرآن من غير تلبسه بالإنسي، في إمكانه سماع القرآن وسماع
__________
(1) سورة الفرقان الآية 19
(2) سورة الشورى الآية 8
(3) سورة الفرقان الآية 37
(1/233)
________________________________________
الأحاديث، بحضور حلقات العلم في المساجد، وغيرها. أما احتجاجه على ذلك أنه يحب أن يسمع منه القرآن هذا غلط، ودعوى خاطئة لا وجه لها. والله المستعان، وعلى الإنسي أن يتعوذ بالأعواذ الشرعية، التي يعيذه الله بها من الجن، ومن ذلك آية الكرسي عند النوم، ومن ذلك قراءة (قل هو الله أحد) والمعوذتين عند النوم ثلاث مرات، ومن ذلك أن يقول مساء وصباحا: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. يقول صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك (1)». وقال: «من قالها ثلاثا في ليلة لم تصبه حمة (2)». يعني: سما من ذوات السموم، ومن ذلك أن يقول: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ". ثلاث مرات يقول صلى الله عليه وسلم: " من قالها ثلاث مرات لا يضره شيء. صباحا ومساء (3)».
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم 2708
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين مسند أبي هريرة رضي الله عنه، برقم 7838، والترمذي في كتاب الدعوات، باب الاستعاذة، برقم 3966.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه، برقم 476.
(1/234)
________________________________________
ومن ذلك أن يقول: «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة (1)» كان المصطفى عليه الصلاة والسلام يعوذ بهما الحسن والحسين كل ليلة، هذه التعوذات الشرعية مما يحفظ الله بها العبد من أذى الجن وغيرهم، ومن ذلك: «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ينزل في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن (2)»، وفي الحديث: «"إن العبد إذا دخل بيته مساء، وقال: بسم الله قال الشيطان لغيره: لا مبيت، وإذا سمى عند أكله قال: لا مبيت ولا عشاء (3)».
تسمية الله والتعوذ به من أسباب السلامة من الشياطين، فينبغي له أن يحافظ على ذلك، وأن يأخذ بالأوراد الشرعية، التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك حفظ من الله عز وجل، وسلامة العبد من أذى الجن والإنس جميعا. والله المستعان.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} برقم 3371.
(2) أخرجه أحمد في مسند المكيين، حديث عبد الرحمن بن خنبش رضي الله عنه برقم، 15460.
(3) أخرجه مسلم في كتاب: الأشربة، باب: آداب الطعام والشراب وأحكامهما، برقم 2018.
(1/235)
________________________________________
92 - قتال علي رضي الله عنه للجن لا أصل له
س: الأخ ع. ع. م. ق، من الجمهورية العربية اليمنية، يسأل ويقول: هل صحيح أن الإمام عليا رضي الله عنه حارب الجن؟ حيث ورد في كتاب غزوات الإمام علي ذلك، وأنه حاربهم حتى أوصلهم الأرض السابعة، ثم ما هو رأيكم في هذا الكتاب؟ (1).
ج: كل هذا لا أصل له، لم يحارب الجن ولم يقع شيء من ذلك، بل هذا باطل، ومن الموضوعات والكذب التي كذبها الناس، وقد نص أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية على ذلك، وقال: إنه شيء لا أصل له، بل هو من الأباطيل التي كذبها الكذابون.
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط (167).
(1/236)
________________________________________
93 - الجن مثل الإنس في تعدد اللغات
س: يسأل عن لغات الجن؟ (1).
ج: الذي يظهر أنهم مثل الإنس لهم لغات متعددة، فيهم الإنجليزي وفيهم الفرنسي، والعجمي والعربي وهكذا، فهم أجناس! لأن الله قال عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (2) فهم
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (106).
(2) سورة الجن الآية 11
(1/236)
________________________________________
على طرائق، وقال سبحانه عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} (1) يعني أقساما، وفرقا فيهم الطيب، وفيهم الخبيث، وفيهم الجهمي، وفيهم السني، وفيهم الرافضي، وفيهم النصراني، وفيهم اليهودي، وفيهم غير ذلك، أقسام وفرق شتى، {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} (2) فقوله دون ذلك يعم الفرق الأخرى.
__________
(1) سورة الجن الآية 14
(2) سورة الجن الآية 11
(1/237)
________________________________________
باب ما جاء في العذر بالجهل
(1/239)
________________________________________
باب ما جاء في العذر بالجهل
94 - حكم العذر بالجهل في أمور التوحيد
س: هل يوجد عذر بالجهل في أمور التوحيد؟ وهل ينطبق هذا على من يدعون وينذرون للأولياء، ويعتبرون معذورين بجهلهم؟ (1).
ج: لا يعذر بذلك من أقام في بلد التوحيد، لا يعذر فيه بالجهل، وما دام بين المسلمين، ليس في فترة من الزمان، ولا في محل بعيد عن أهل الإسلام، بل بين المسلمين لا يعذر في التوحيد، بل متى وقع الشرك منه أخذ به، كما يقع الآن في مصر والشام ونحو ذلك، في بعض البلدان عند قبر البدوي وغيره.
فالواجب على علماء الإسلام أن ينبهوا الناس، وأن يحذروهم من هذا الشرك، وأن يعظوهم ويذكروهم في المساجد وغيرها، وعلى الإنسان أن يطلب العلم ويسأل، ولا يرضى بأن يكون إمعة لغيره، بل
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (200).
(1/241)
________________________________________
يسأل، والله يقول سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1) فلا يجوز للإنسان أن يبقى على الكفر والشرك! لأنه رأى الناس على ذلك، ولا يسأل ولا يتبصر. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال لمن سأله عن أبيه: «إن أباك في النار، فلما رأى تغير وجهه قال: إن أبي وأباك في النار (2)» وأبوه مات في الجاهلية، رواه مسلم في الصحيح؛ لأنهم كانوا على شريعة تلقوها عن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهي التوحيد، وأمه عليه الصلاة والسلام ماتت في الجاهلية، واستأذن ربه أن يستغفر لها، فلم يؤذن له، واستأذن أن يزورها فأذن له، فدل ذلك على أن من مات على كفر لا يستغفر له ولا يدعى له، وإن كان في الجاهلية، فكيف إذا كان بين المسلمين، وبين أهل التوحيد، وبين من يقرأ القرآن، ويسمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، هو أولى بأن يقال في حقه: إنه كافر وله حكم الكفار. وكثير منهم لو سمع من يدعوه إلى توحيد الله، وينذره من الشرك لأنف واستكبر وخاصم، أو ضارب على دينه الباطل، وعلى تقليده لأسلافه وآبائه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالواجب على كل إنسان مكلف، أن يسأل ويتحرى الحق، ويتفقه في دينه، ولا يرضى بمشاركة العامة، والتأسي بكفرهم وضلالهم، وأعمالهم القبيحة، وعليه أن يسأل العلماء، ويعتني بأهل العلم،
__________
(1) سورة النحل الآية 43
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان من مات على الكفر، برقم 203.
(1/242)
________________________________________
عما أشكل عليه، من أمر التوحيد وغيره يقول سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1).
س: ما رأي سماحتكم في مسألة العذر بالجهل، وخاصة في أمر العقيدة؟ (2).
ج: العقيدة أهم الأمور وهي أعظم واجب، وحقيقتها: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، والإيمان بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة، والشهادة له بذلك، وهي شهادة أن لا إله إلا الله يشهد المؤمن بأنه لا معبود بحق إلا هو سبحانه وتعالى، والشهادة بأن محمدا رسول الله أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس، وهو خاتم الأنبياء، كل هذا لا بد منه، وهو من صلب العقيدة، فلا بد من هذا في حق الرجال والنساء جميعا، وهو أساس الدين وأساس الملة، كما يجب الإيمان بما أمر الله به ورسوله من أمر القيامة، والجنة والنار، والحساب والجزاء، ونشر الصحف، وأخذها باليمين أو بالشمال، ووزن الأعمال، إلى غير ذلك مما جاءت به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. فالجهل بهذا لا يكون عذرا، بل يجب على المؤمن أن يعلم هذا وأن يتبصر فيه، ولا يعذر بقوله: إني جاهل في هذه الأمور،
__________
(1) سورة النحل الآية 43
(2) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (155).
(1/243)
________________________________________
وهو بين المسلمين، وهو قد بلغه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، هذا يسمى معرضا، ويسمى غافلا ومتجاهلا لهذا الأمر العظيم، فلا يعذر، أما من كان بعيدا عن المسلمين في أطراف البلاد التي ليس فيها مسلمون ولم يبلغه القرآن ولا السنة فهذا معذور، وحكمه حكم أهل الفترة إذا مات على هذه الحالة، حكمه حكم أهل الفترات، الذين يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب وأطاع الأمر دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، أما المسائل التي قد تخفى في بعض الأحيان على بعض الناس كبعض أحكام الصلاة أو بعض أحكام الزكاة أو بعض أحكام الحج، هذه قد يعذر فيه بالجهل. ولا حرج في ذلك؛ لأنها تخفى على كثير من الناس، وليس كل واحد يستطيع الفقه فيها، هذه المسائل أمرها أسهل. والواجب على المؤمن أن يتعلم ويتفقه في الدين ويسأل أهل العلم، كما قال الله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1) ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لقوم أفتوا بغير علم: «ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال (2)»، وقال عليه الصلاة والسلام: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (3)».
__________
(1) سورة النحل الآية 43
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم، برقم 336.
(3) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، برقم 71.
(1/244)
________________________________________
فالواجب على الرجال والنساء من المسلمين التفقه في الدين والتبصر، والسؤال عما أشكل عليهم، وعدم السكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنهم خلقوا ليعبدوا الله ويطيعوه سبحانه وتعالى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم، لا يحصل هكذا من دون طلب ولا سؤال، لا بد من طلب العلم، ولا بد من السؤال لأهل العلم حتى يتعلم الجاهل.
س: هل يوجد عذر بالجهل في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية أم لا؟ وهل العذر بالجهل مسألة قياسية تختلف حسب الزمان والمكان؟ (1).
ج: ليس في العقيدة عذر في توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، ليس فيها عذر بل يجب على المؤمن أن يعتقد العقيدة الصحيحة، وأن يوحد الله جل وعلا، ويؤمن بأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه المنفرد بالربوبية، ليس هناك خالق سواه، وأنه مستحق العبادة وحده دون كل ما سواه، وأنه ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا لا شبيه له، ولا كفء له، الذي يؤمن بهذا ليس له عذر في التساهل في هذا الأمر، إلا إذا كان بعيدا عن المسلمين في أرض لا يبلغه فيها الوحي، فإنه معذور في هذه الحالة، وأمره إلى الله، يكون حكمه حكم أهل الفترات، أمره إلى الله يوم القيامة يمتحن، فإن أجاب
__________
(1) السؤال الحادي والأربعون من الشريط رقم (294).
(1/245)
________________________________________
جوابا صحيحا دخل الجنة وإن أجاب جوابا فاسدا دخل النار، فالمقصود أن هذا يختلف فإذا كان في محل بعيد لا يسمع القرآن والسنة فهذا حكمه حكم أهل الفترة، حكمهم عند أهل العلم أنهم يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب دخل الجنة ومن عصى دخل النار، وأما كونه بين المسلمين يسمع القرآن والسنة ثم يبقى على الشرك وعلى إنكار الصفات فهو غير معذور، نسأل الله العافية، وليس العذر بالجهل مسألة قياسية تختلف من زمان إلى زمان ومكان إلى آخر؛ لأن الجهل ليس بعذر بالنسبة للعقيدة، إلا إذا كان في محل لم تبلغه الدعوة: القرآن ولا السنة، أما في الأحكام فهو عذر: يعني جهل بالحكم الشرعي في بعض الأحكام التي تخفى، أو في دقائق الصفات، وبعض الصفات التي قد تخفى فهذا عذر، أما في الأمور الواضحة، الأمور التي تعد بالضرورة كالإيمان بتوحيد الله، وأنه الخلاق العليم، وأنه مستحق للعبادة، وأنه الكامل في أسمائه وصفاته، والإيمان بما جاء في القرآن العظيم والسنة المطهرة من أسماء الله وصفاته، هذا ليس محل عذر إذا كان ممن بلغه القرآن والسنة، نسأل الله السلامة.
(1/246)
________________________________________
95 - التفصيل في مسألة العذر بالجهل
س: ما موقف السلف رحمهم الله كالإمام ابن تيمية والإمام ابن عبد الوهاب من قضية العذر بالجهل؟ وهل هي واردة؟ وهل
(1/246)
________________________________________
تطرق إليها السلف أم أنها باطلة ولا أصل لها في قضية التوحيد؟ (1).
ج: الجهل بالجملة قد يكون عذرا، وقد لا يكون عذرا، فإذا كان الشخص المكلف بعيدا عن أهل الإسلام وعن أهل العلم، كالذي ينشأ في بلاد بعيدة عن بلاد المسلمين، ولم تبلغه الرسالة ولا القرآن ولا السنة هذا يكون معذورا بالجهل، وله حكم أهل الفترات يوم القيامة يمتحنون، فإن أجاب دخل الجنة، وإن عصى دخل النار. وقد يكون معذورا أيضا في الأشياء الخفية في الفروع التي قد تخفى على مثله، كما عذر النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الجبة لما تضمخ بالطيب وقد أحرم بالعمرة، قال له عليه الصلاة والسلام: «انزع عنك الجبة، واغسل عنك الخلوق، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك (2)» ولم يأمره بفدية عن لبسه الجبة ولا عن تضمخه بالطيب للجهل.
فالحاصل أن الجهل عذر في الأمور التي قد يخفى مثلها في المسائل الفرعية، أو في حق من كان بعيدا عن المسلمين وعن سماع القرآن والسنة، كأهل البلاد التي تبعد عن المسلمين في أطراف الدنيا
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط رقم (152).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج برقم 1789، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، برقم 1180.
(1/247)
________________________________________
ومثل أهل الفترة الذين ما بلغتهم الرسالات، هؤلاء يعذرون بالجهل، والصحيح أنهم يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب الأمر دخل الجنة ومن عصى دخل النار، أما من بين المسلمين يسمع السنة ويسمع القرآن هذا غير معذور لا في العقيدة ولا في غيرها، قال الله جل وعلا: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (1) فالله جعل القرآن نذيرا، ومحمدا جعله نذيرا، فالقرآن نذير ومحمد نذير، فالذي يبلغه القرآن والسنة ويعيش بين المسلمين فهذا غير معذور، عليه أن يسأل وعليه أن يتفقه في الدين، وعليه أن يتعلم، والله المستعان.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 19
(1/248)
________________________________________
96 - حكم العذر بالجهل فيمن يستغيث بالأموات
س: لقد أجبت يا سماحة الشيخ على أحد الأسئلة المطروحة، من أحد السائلين فيما يتعلق بالعذر بالجهل، متى يعذر ومتى لا يعذر، وذكرت بأن الأمر فيه تفصيل، ومما ذكرت، بأنه لا يعذر أحد بالجهل في أمور العقيدة، أقول: يا سماحة الشيخ، إذا مات رجل وهو لا يستغيث بالأموات، ولا يفعل مثل هذه الأمور المنهي عنها، إلا أنه فعل ذلك مرة واحدة - فيما أعلم - حيث استغاث بالرسول صلى الله عليه وسلم في زيارته لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو لا يعلم أن ذلك حرام
(1/248)
________________________________________
وشرك، ثم حج بعد ذلك دون أن ينبهه أحد على ذلك، ودون أن يعرف الحكم فيما أظن، حتى توفاه الله، وكان هذا الرجل يصلي ويستغفر الله، لكنه لا يعرف أن تلك المرة التي فعلها حرام، فيا ترى هل من فعل ذلك، ولو مرة واحدة وإذا مات وهو يجهل ذلك، هل يعتبر مشركا؟ نرجو التوجيه والتوضيح جزاكم الله خيرا (1).
ج: إن كان من ذكرته تاب إلى الله بعد المرة التي ذكرت، ورجع إليه سبحانه وتعالى، واستغفر من ذلك زال حكم ذلك، وثبت إسلامه، أما إن كان استمر على العقيدة التي هي الاستغاثة بغير الله، ولم يتب إلى الله من ذلك فإنه يبقى على شركه ولو صلى وصام، حتى يتوب إلى الله مما هو فيه من الشرك، وهكذا لو أن إنسانا يسب الله ورسوله، أو يسب دين الله أو يستهزئ بدين الله، أو بالجنة أو بالنار، في أنه لا ينفعه كونه يصلي ويصوم، إذا وجد الناقض من نواقض الإسلام، بطلت الأعمال حتى يتوب إلى الله من ذلك، هذه القاعدة، قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2)، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (4)، وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم ماتت في
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (154).
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة الزمر الآية 65
(4) سورة الزمر الآية 66
(1/249)
________________________________________
الجاهلية، واستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لها فلم يؤذن له، وهي ماتت في الجاهلية وقال: «إن أبي وأباك في النار (1)» لمن سأله عن أبيه، وأبوه مات في الجاهلية، المقصود أن الذي مات على الشرك لا يستغفر له، ولا يدعى له ولا يتصدق عنه، إلا إذا علم أنه تاب إلى الله من ذلك، هذه القاعدة المعروفة عند أهل العلم، أما الأشياء التي قد تخفى على الناس، مثل ما جرى للشخص الذي قال لأولاده: «إذا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني ثم ذروني في البحر في يوم عاصف، فإنه إن قدر علي الله ليعذبني، أو كما قال، وسأله الله عن ذلك بعدما مات، فقال: حملني على هذا مخافتك، فغفر الله له (2)»، قال العلماء إن هذا خفي عليه كمال القدرة، كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وجهل هذا الأمر، وظن أنه بهذا الحرق والسحق، والذر في البحر أنه يفوت الله ويضيع، فهذا الجهل الذي جهل الشيء الدقيق، عفا الله عنه سبحانه وتعالى؛ لأنه حمله عليه خوف الله والحذر من عقابه سبحانه وتعالى، أما إنسان يستغيث بالأموات، وهذا جاءت الرسل بالنهي عنه، وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه، والله يقول سبحانه وتعالى:
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان من مات على الكفر، برقم 203.
(2) البخاري أحاديث الأنبياء (3294)، مسلم التوبة (2756)، النسائي الجنائز (2079)، ابن ماجه الزهد (4255)، أحمد (2/ 269)، مالك الجنائز (568).
(1/250)
________________________________________
{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ} (1) ويقول سبحانه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) ويقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (3) هذه أمور معلومة من الدين بالضرورة، ومشهورة بين المسلمين فلا يعذر من قال: إني أجهل وهو بين المسلمين، لو كان في بلاد بعيدة عن المسلمين، في أطراف الدنيا بين أهل الكفر بالله، ما عندهم من يعلمهم، هذا يكون حكمه حكم أهل الفترة، أمرهم إلى الله يوم القيامة، إن شاء عذبهم وإن شاء رحمهم، فهو سبحانه يمتحنهم يوم القيامة، فمن أجاب دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، هذا هو الصواب فيهم! إنهم يمتحنون ويؤمرون بشيء، فإن أجابوا وأطاعوا، دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار.
__________
(1) سورة يونس الآية 106
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة غافر الآية 60
(1/251)
________________________________________
97 - حكم العذر بالجهل فيمن يعبد القبور
س 1: في بلادنا ضل الكثير بسبب الطرق الصوفية، حيث يعبدون القبور، ويدعون غير الله، ومنهم حفظة لكتاب الله وأئمة للمساجد. السؤال يتكون من فقرات - سماحة الشيخ -:
هل هؤلاء كفار بسبب ارتكابهم للشرك ولعدم معرفتهم للتوحيد، إذا كانوا يجهلون معنى لا إله إلا الله؟
وهل يعذرون بالجهل، أم هم كفارا وجهونا على ضوء هذا السؤال جزاكم الله خيرا (1).
ج 1: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد؛ لقد دل الكتاب العزيز والسنة المطهرة على بيان توحيد الله جل وعلا، وعلى أنواع الشرك الأكبر، فمن تلبس بالشرك من سائر الناس وهو بين المسلمين فيمن بلغه القرآن والسنة فإنه يحكم عليه بالشرك، قال الله جل وعلا: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (2)، وقال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} (3)، وقال جل وعلا: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} (4)، فمن بلغه القرآن العظيم
__________
(1) السؤال الأول والثاني والثالث من الشريط رقم (382).
(2) سورة الأنعام الآية 19
(3) سورة المائدة الآية 67
(4) سورة الرعد الآية 40
(1/252)
________________________________________
والسنة المطهرة، ثم تعاطى الشرك يحكم عليه بالشرك؛ لتساهله وعدم عنايته بما أوجب الله عليه من التفقه في الدين والبصيرة، فإذا كان يدعو الأموات، ويستغيث بالأموات، أو بالنجوم أو بالأشجار والأحجار أو بالأصنام أو بالجن، يدعوهم يستغيث بهم، ينذر لهم، فهذا شرك أكبر، يستتاب من ذلك، يستتيبه ولي الأمر، فإن تاب وإلا وجب قتله على شركه بالله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه (1)»، والله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله، وجهاد المشركين، فإذا كان الرجل بين المسلمين وفي بلاد المسلمين أو بين قوم بلغهم القرآن والسنة، ثم تساهل واستمر على ما هو عليه فإنه يحكم عليه بالشرك، إذا كان يدعو الأموات، أو يستغيث بالأموات، وينذر لهم، أو بالجن أو بالملائكة، أو بالأنبياء يقول: يا سيدي فلان، أو يا نبي الله فلان، اغفر لي أو أنجني من النار، أو أغثني أو اشف مريضي، أو رد غائبي، أو أنا في جوارك، أو أنا في حسبك، يقول هذا لميت أو لجن أو للملائكة، أو لغيرهم هذا من الشرك الأكبر؛ لأن الله يقول سبحانه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2)، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3)، ويقول جل وعلا:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم؛ باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، برقم 6922.
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة المؤمنون الآية 117
(1/253)
________________________________________
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (1) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (2)، ويقول عن المشركين وهم جهال: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (3)، ويقول جل وعلا عنهم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (4)، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (5)، فسماهم كذبة بزعمهم أن أصنامهم تقربهم إلى الله زلفى، وسماهم كفرة بعبادتهم إياها، وشركهم إياها.
س 2: هل يعذر عباد القبور بالجهل، رغم وجود دعاة التوحيد بينهم؟
ج 2: تقدم أنهم لا يعذرون، بل يجب عليهم أن يطلبوا العلم، وأن يتبصروا وأن يتفقهوا في الدين، ويسألوا عما أشكل عليهم، هذا الواجب عليهم، إذا سكتوا واستمروا على عبادة الأموات أو الأشجار،
__________
(1) سورة فاطر الآية 13
(2) سورة فاطر الآية 14
(3) سورة يونس الآية 18
(4) سورة الزمر الآية 3
(5) سورة الزمر الآية 3
(1/254)
________________________________________
أو الأحجار أو الأنبياء أو الملائكة أو الجن؛ صاروا كفارا بذلك، في دعائهم إياهم، وطلبهم منهم الشفاعة أو شفاء المريض أو رد الغائب أو ما أشبه ذلك.
س 3: هل تصح الصلاة خلف من عرف بدعاء غير الله؛ وما حكم من يصلي خلفه؟
ج 3: من صلى خلف من يشرك بالله لا تصح صلاته، ما دام يدعو غير الله، ويستغيث بغير الله، أو ينذر لغير الله، لا يصلى خلفه عند أهل العلم، لا يصلى خلف الكافر، ولا تصح الصلاة خلف الكافر، إنما الخلاف في الفاسق أما الكافر فلا.
س: الأخ م. أ. ع. من القاهرة، يسأل ويقول: هل يعذر الإنسان بجهله؟ مثلا: رجل زار قبور الأولياء بنية التبرك بهم مع أنه لا يعلم أن ذلك الفعل من الشرك الأكبر، مع بيان وتوضيح الأدلة من الكتاب والسنة، جزاكم الله خيرا (1).
ج: أمور العقيدة التي تتعلق بالتوحيد والشرك لا يعذر فيها بالجهل وهو بين المسلمين، ويسمع القرآن والأحاديث، ويستطيع أن يسأل، ما
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (240).
(1/255)
________________________________________
يعذر بدعوة القبور، والاستغاثة بالأموات وأشباه ذلك. بل يجب عليه أن يتعلم، وأن يتفقه، وليس له أن يتساهل في هذا الأمر. وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يستغفر لأمه، وهي ماتت في الجاهلية، فلم يؤذن له. وقال: «إن أبي وأباك في النار (1)» لما سأله رجل عن أبيه قال: «إن أبي وأباك في النار (2)». وقد مات في الجاهلية. قال جمع من أهل العلم: إنما ذلك لأنهما ماتا على علم بشريعة إبراهيم، وشريعة إبراهيم النهي عن الشرك! فلعل أمه بلغها ذلك، فلهذا نهي عن الاستغفار لها، ولعل أباه بلغه ذلك، فلهذا قال: «إن أبي وأباك في النار (3)». فإذا كان أبوه صلى الله عليه وسلم وأمه لم يعذرا وهما في حال الجاهلية، فكيف بالذي بين المسلمين وعنده العلماء ويسمع القرآن، ويسمع الأحاديث.
فالحاصل أن هؤلاء الذين يعكفون على القبور، ويستغيثون بالأموات غير معذورين، بل يجب عليهم أن يتفقهوا في الدين، وأن يسألوا أهل العلم، وألا يبقوا على حالهم السيئة. والآيات تعمهم والأحاديث.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان من مات على الكفر، برقم 203.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان من مات على الكفر، برقم 203.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان من مات على الكفر، برقم 203.
(1/256)
________________________________________
98 - بيان أن أصول الدين لا يعذر فيها بالجهل
س: الأخ ج. م. ع. من جمهورية مصر العربية، سيناء، يسأل ويقول: وقع خلاف بين شخصين حول تكفير من يطوف حول القبر ويستغيث به، فمنهم من يقول: إن هذا الفعل فعل شرك ولا خلاف، ولكن يعذر صاحب هذا الفعل لجهله بأمور التوحيد. والآخر يقول بكفر ذلك الشخص الذي يستغيث بغير الله، ولا يعذر بسبب الجهل بأمور التوحيد، ولكن يعذر في الفرعيات والأمور الفقهية. والسؤال هو: أي الرأيين صواب؟ وأيهما خطأ؟ جزاكم الله خيرا. (1).
ج: الصواب قول من قال: إن هذا لا يعذر؛ لأن هذه أمور عظيمة وهي من أصول الدين، وهي أول شيء دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، قبل الصلاة والصوم والزكاة وغير ذلك، فأصول الدين لا يعذر فيها بالجهل لمن هو بين المسلمين، ويسمع القرآن ويسمع الأحاديث. فالاستغاثة بأصحاب القبور والنذر لهم ودعاؤهم، وطلبهم الشفاء والمدد كل هذا من أعظم الشرك بالله عز وجل، والله سبحانه يقول في كتابه العظيم: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (2). فسماهم كفارا بذلك. وقال عز وجل:
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (156).
(2) سورة المؤمنون الآية 117
(1/257)
________________________________________
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (1) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (2)، سبحانه وتعالى فسمى دعاءهم إياهم شركا، والله يقول جل وعلا: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3) ويقول سبحانه {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (4) والظالمون هم المشركون، إذا أطلق الظلم فهو الشرك، كما قال عز وجل: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (5).
وهكذا الطواف بالقبور، إذا طاف يتقرب بذلك إلى صاحب القبر، فهو مثل إذا دعاه واستغاث به، يكون شركا أكبر. أما إذا طاف يحسب أن الطواف بالقبور قربة إلى الله، قصده التقرب إلى الله كما يطوف الناس بالكعبة، يتقرب إلى الله بذلك وليس يقصد الميت، هذا من البدع ومن وسائل الشرك المحرمة الخطيرة، ولكن الغالب على من طاف بالقبور أنه يتقرب إلى أهلها بالطواف، ويريد الثواب منهم والشفاعة منهم، وهذا شرك أكبر، نسأل الله العافية، كالدعاء.
__________
(1) سورة فاطر الآية 13
(2) سورة فاطر الآية 14
(3) سورة الجن الآية 18
(4) سورة يونس الآية 106
(5) سورة لقمان الآية 13
(1/258)
________________________________________
س: السائل ج. س. ط. من مصر يقول: ما حكم الشرع في نظركم في رجل مسلم ارتكب الشرك الأكبر، فهل يعذر بجهله أم لا؟ ومتى يعذر الإنسان بالجهل؟ وما الدليل في كلا الحالتين؟ جزاكم الله خيرا. (1).
ج: من ارتكب الشرك الأكبر فقد أتى أعظم الذنوب، والواجب عليه البدار بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2)، ويقول سبحانه: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} (3) يعني: بالشرك والمعاصي {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (4) هذه الآية أجمع العلماء على أنها في التائبين، فالواجب على من فعل شيئا من الشرك أو المعاصي أن يبادر بالتوبة، وألا يقنط ولا ييأس؛ لأن الله سبحانه وعد من تاب إليه بالتوبة عليه وهو الجواد الكريم سبحانه وتعالى، والرءوف الرحيم سبحانه وتعالى، وكل من كان بين المسلمين أو بلغه القرآن أو السنة فقد قامت عليه الحجة، فالواجب عليه التفقه والسؤال والتعلم حتى تبرأ ذمته، وحتى يكون على بصيرة، أما من كان في بلاد بعيدة لم يبلغه القرآن ولا السنة، فهذا يقال له: من أهل الفترة، حكمه حكم أهل الفترة، ليس بمسلم ولا كافر، بل هو من
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (394).
(2) سورة النور الآية 31
(3) سورة الزمر الآية 53
(4) سورة الزمر الآية 53
(1/259)
________________________________________
أهل الفترة، موقوف أمره إلى يوم القيامة، يمتحن يوم القيامة فإن أجاب دخل الجنة، وإن عصى دخل النار؛ لأنه لم تبلغه الدعوة، وأما من كان بين المسلمين، قد سمع القرآن وسمع السنة وعنده العلماء ثم يعرض ولا يسأل ولا يتبصر فهذا غير معذور، نسأل الله العافية.
س: ما حكم من مات على الشرك - والعياذ بالله - ولكنه لم يكن يعرف خطورة ذلك الأمر؟ وهو من جهل أهل القرى في ذلك الوقت، ولا يعرفون أن الشرك من أكبر الكبائر، ومات على ذلك الحال، سؤالي: هل يجب علينا أن ندعو لهم بالرحمة والمغفرة وأداء الحج والعمرة؟ وهل ينفعهم ذلك العمل؟ (1).
ج: الشرك هو أعظم الذنوب وهو أكبر الكبائر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قلنا: بلى يا رسول الله. قال: " الإشراك بالله (2)».
ويدل على هذا قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (3)،
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (376).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، برقم 4976، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، برقم 87.
(3) سورة النساء الآية 48
(1/260)
________________________________________
فالشرك أعظم الذنوب وأقبح السيئات، فمن مات عليه لم يغفر له، وهو من أهل النار المخلدين فيها، ولا يحج عليه ولا يصلى عنه، ولا يتصدق عنه ولا يدعى له؛ لقول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1)، وقوله سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2)، وقال في المشركين: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (3).
والشرك هو صرف العبادة أو شيء منها لغير الله، كالذي يدعو الأموات أو النجوم أو الملائكة، أو الأنبياء يستغيث بهم أو ينذر لهم، أو يذبح لهم، هذا هو الشرك، وهكذا من جحد شيئا مما أوجبه الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، مما أجمع عليه المسلمون؛ كالذي يجحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو يجحد وجوب صوم رمضان، أو يجحد وجوب الحج مع الاستطاعة، أو يستحل ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وأجمع المسلمون على تحريمه: كالزنى والخمر، فيقول: الزنى حلال أو الخمر حلال، أو يقول: عقوق الوالدين حلال، هذا كافر كفرا أكبر لا يصلى عليه، ولا يستغفر له ولا يحج عنه ولا يتصدق عنه؛ لأنه مات على غير الإسلام،
__________
(1) سورة الزمر الآية 65
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة البقرة الآية 167
(1/261)
________________________________________
ما دام بين المسلمين: قد سمع القرآن، ورأى المسلمين، ورأى أعمالهم، هذا غير معذور، قد قامت عليه الحجة؛ لأن الله سبحانه يقول: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (1) من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، قال الله سبحانه: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ} (2) ولأنه معرض، ما تعلم ولا سأل، وأمره إلى الله لكن هذا حكمه في الدنيا، مثل عامة كفار قريش، الذين قتلوا يوم بدر وفي غيره، أو ماتوا في مكة، ومثل عامة كفار اليوم، عامة كفار النصارى، كفار اليهود كلهم جهال، لكن لما رضوا بما هم عليه ولم ينقادوا لما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم، ولم يلتفتوا إليه صاروا كفارا، نسأل الله العافية والسلامة.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 19
(2) سورة إبراهيم الآية 52
(1/262)
________________________________________
99 - بيان المقصود بأهل الفترة
س: السائل يقول: من هم أهل الفترة؟ وهل صحيح بأنه يوجد منهم أحد الآن؟ (1)
ج: أهل الفترة هم الذين لم تبلغهم الرسالة هؤلاء هم أهل الفترة، لا سمعوا بالقرآن ولا بالرسول صلى الله عليه وسلم، هؤلاء يقال لهم: أهل الفترة؛ أما من بلغه القرآن؛ أو بلغه خبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله بعثه إلى الناس، يدعوهم ولم
__________
(1) السؤال السادس والثلاثون من الشريط رقم (405).
(1/262)
________________________________________
يبال ليس من أهل الفترة، لكن من لم يبلغه ذلك يقال له: من أهل الفترة، والصواب فيهم أنهم يمتحنون يوم القيامة، يمتحنهم الله يوم القيامة، فمن أجاب دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، نسأل الله العافية.
(1/263)
________________________________________
100 - حكم العذر بالجهل في اقتراف المعاصي
س: هل يعذر الشخص بالجهل إذا فعل فعلا مكفرا، وهو كبيرة من الكبائر بل من أكبرها؟ وجهونا حول هذا الموضوع، وكيف نقارن بين هذا وبين قوله وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) (2).
ج: لا يعذر في اقتراف المعاصي وهو بين المسلمين، في إمكانه أن يسأل أهل العلم ويتبصر، لا يعنى بالتساهل، وعليه أن يتوب إلى الله من ذلك ويبادر بالتوبة من المعصية، والمعصية تختلف إن كانت كفرا كدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات أو سب الدين أو ترك الصلاة هذا عليه التوبة إلى الله جل وعلا منها والمبادرة بالتوبة، والله يتوب على التائبين. أما إن كانت معصية ليست كفرا مثل التدخين وشرب المسكر وأكل الربا هذه معاص، فالواجب عليه البدار بالتوبة والاستغفار والندم والإقلاع والعزم ألا يعود في ذلك، وإن مات عليها فهو تحت المشيئة مثل ما قال
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) السؤال الخامس والثلاثون من الشريط رقم (364)
(1/263)
________________________________________
سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) إذا مات على المعصية، مات وهو يأكل الربا، أو مات وهو يشرب الخمر، لكنه مسلم يصلي، مسلم، هذا تحت مشيئة الله، أو مات وهو عاق لوالديه، أو مات وهو قد زنا، أو ما أشبه ذلك، تحت مشيئة الله. إن شاء الله سبحانه غفر له، وإن شاء عذبه على قدر المعصية التي مات عليها، إذا كان غير تائب، ما تاب، أما إذا كان تائبا فالتوبة تجب ما قبلها - والحمد لله - التائب لا ذنب له، أما لو مات على الزنى ما تاب، أو على العقوق وما تاب، أو على شرب مسكر ما تاب، أو نحو ذلك، فهذا تحت مشيئة الله، إن شاء الله جل وعلا غفر له، فضلا منه، وإحسانا منه، جل وعلا، وإن شاء عذبه على قدر المعصية التي مات عليها؛ وبعد التعذيب والتطهير يخرجه الله من النار إلى الجنة، إذا كان مات مسلما موحدا، لا يخلد في النار إلا الكفار، لكن هذا الذي دخل النار بمعصيته إذا عذب التعذيب الذي أراده الله يخرجه الله من النار إلى الجنة بتوحيده، وإيمانه الذي مات عليه، لا يخلد في النار إلا الكفرة؛ هذا والله أعلم.
س: متى يعذر الإنسان بالجهل، لو تكرمتم؟ (2).
ج: يعذر بالأشياء الخفية، لا سيما في بعض الأحكام الشرعية،
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (240).
(1/264)
________________________________________
قد تخفى على العامي حتى يتعلم، أما الذي بين المسلمين وقال: لا أدري عن الزنى، ما يعذر وهو بين المسلمين. الزنى معروف عند المسلمين أنه حرام، فلو قال: ما عرفت أن الزنى حرام، لا يعذر بهذا، أو قال: ما عرفت أن الخمر حرام وهو بين المسلمين، لا يعذر. لكن في بعض المسائل التي قد تخفى في مسائل الأحكام الدقيقة قد يعذر فيها الإنسان، لأجل كونه ليس من أهل العلم. كذلك لو قال: ما أعلم أن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات ممنوع، لا يعذر بهذا؛ لأن هذا هو أصل التوحيد وأصل الدين. والله أنزل القرآن للنهي عن هذه الأمور والقضاء عليها وبين حال المشركين، وحذر من أعمالهم.
س: السائلة م. هـ مقيمة بالسعودية، تقول: أرجو توضيح هذه العبارة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال رحمه الله: (إن القول قد يكون كفرا، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر؛ لكن الشخص المعين لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها). هل هذا عام في الأقوال والأفعال الاعتقادية والعملية؟ أفتونا في ضوء هذا السؤال (1).
ج: نعم هذا هو الصواب، فإذا سب الله، أو سب الرسول عليه الصلاة
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (430).
(1/265)
________________________________________
والسلام، أو استهزأ بالدين فهذا كفر، لكن إذا كان في بلاد يجهل هذا، ولا يعلم أن هذا لا يجوز؛ وأن هذا كفر إذا كان يظن أنه جائز وهذا ليس بين المسلمين، بل في بلاد الكفرة، بلاد غريبة عن الإسلام؛ يظن أنه يخفى عليه الأمر؛ يبين له؛ فإذا عاد إلى هذا بعد ما يبين له أن هذا حرام وأن هذا لا يجوز، يكفر؛ إذا سب الله؛ أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو سب الدين أو سب الإسلام، يكون كفره أكبر، وهكذا لو سجد لغير الله، سجد للقبور وهو ما عنده مسلمون يرشدونه، في بلاد الكفرة، يعلم حتى يفهم أن هذا منكر وأنه لا يجوز؛ كما قال الله جل وعلا: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (1).
__________
(1) سورة الإسراء الآية 15
(1/266)
________________________________________
باب ما جاء في الخوف من الشرك
(1/267)
________________________________________
باب ما جاء في الخوف من الشرك
101 - بيان الشرك وأنواعه
س: يسأل عن الإشراك الذي لا يغفره الله، فيقول: الإشراك الذي لا يغفره الله، هل هو في العبودية فقط؟ أو حتى في الطاعة؟ وهل هناك إشراك في الطاعة، أم لا يوجد إشراك إلا في العبودية؛ ثم ما هو الإشراك؟ وكيف التخلص منه في أعمالنا ومعاملاتنا ومع بعضنا؟ ثم إذا أطعنا أشخاصا فيما فيه الخير، وما فيه طاعة الله فهل هذه الطاعة إشراك بالله؟، والعياذ بالله من كل عمل فيه شرك - أجيبوني عن هذه الأسئلة جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم. (1).
ج: الشرك بالله بينه الله في كتابه العظيم وهو صرف العبادة لغير الله، كدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات أو الملائكة أو الجن أو الأصنام أو نحو ذلك، أو الصلاة لهم أو السجود لهم أو الذبح لهم تقربا إليهم، يرجو شفاعتهم، يرجو أنهم ينصرونه، يشفون مريضه تقربا
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (283).
(1/269)
________________________________________
إليهم، أما إذا ذبح الذبيحة يتقرب إلى الله كالأضحية يضحي عن أبيه، أو عن أخيه أو يتصدق بها عنه يرجو ثواب الله، لا يتقرب له، يتقرب إلى الله بالذبيحة في الضحية، هذا قربة إلى الله ليست للميت، أما إذا ذبح يريد التقرب لغيره، يشفع له الميت حتى ينصره حتى يشفي مريضه، هذه العبادة لغير الله، وهكذا النذر يقول: إن شفى الله مريضي، أو شفيت مريضي يا فلان فلك علي ذبيحة كذا وكذا، هذا الشرك بالله، أو يقول: يا سيدي فلان، أو يا فاطمة أو يا سيدي البدوي، انصرني أو اشف مريضي، أو يا سيدي عبد القادر أو يا شيخ عبد القادر، أو يا أبا ذر أو يا رسول الله، أو يا أبا بكر الصديق أو يا عمر أو عثمان، انصرني أو اشف مريضي، أو يا ابن عباس أو غيرهم من الناس، أو يا ملائكة الله انصروني، أو يا أيها الجن انصروني أو الجني فلان انصرني أو اشف مريضي، أو يا الشخص الفلاني أو الشجرة الفلانية، كل هذا شرك بالله، وعبادة لغيره، وهكذا إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة بالأدلة الشرعية، إذا أنكره يكون كافرا مشركا، كالذي ينكر أن الله أوجب الصلاة، يقول: الصلاة ليست واجبة، هذا كافر كفرا أكبر، أو قال: صلاة الفجر ما هي بواجبة، أو العصر ما هي بواجبة أو الظهر ما هي بواجبة، أو المغرب ما هي بواجبة أو الجمعة ما هي بواجبة على الناس، كل هذا كفر أكبر أو يقول: الزكاة ما هي بواجبة، أو شهر رمضان ما هو بواجب على الناس، أو الحج مع الاستطاعة ما هو بواجب، هذا كفر أكبر، أو يقول: الزنى حلال، أو الخمر حلال
(1/270)
________________________________________
إذا كان جاهلا يبين له الأمر الشرعي، فإذا أصر على أن الزنى حلال، والخمر حلال صار كافرا كفرا أكبر، أو قال: مساعدة المشركين على المسلمين واجبة، كونه يساعد الكفار على إخوانه المسلمين حتى يذبحوهم حتى يعذبوهم، هذه ردة، يقول الله سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (1) يعني يتولى الكفار، ينصرهم على المسلمين يكون ردة، وهكذا من يستحل السجود لغير الله، والصلاة لغير الله، ولو لم يفعله يقول: ما يخالف كونه يصلي للملائكة، يصلي للجن أو يصلي للأموات، أو يسجد لهم، ولو ما فعله يكفر بهذا الاعتقاد، وهكذا من يطيع غير الله في الشرك بالله، إذا أطاعه في الشرك بالله والسجود لغير الله صار مشركا؛ لأنه أطاعه فيما هو شرك بالله عز وجل، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (2)» فإن أطاعه في المعصية صار معصية، وإن أطاعه في الشرك صار مشركا، فإذا أطاعه في أن يذبح لغير الله، أو يسجد لغير الله صار شركا أكبر، وإذا أطاعه أنه يقتل بغير الحق، يقتل إنسانا بغير حق، أو يجلد بغير حق، يكون عاصيا ظالما، أو أطاعه في الظلم والمعصية، أو إن أطاعه في معصية الرسول فإن طاعته طاعة لله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (3)،
__________
(1) سورة المائدة الآية 51
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، ومن مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، برقم 1098.
(3) سورة النساء الآية 80
(1/271)
________________________________________
طاعة الرسول واجبة، تطيع الرسول فيما أمر به وما نهى عنه، والله قال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (1)، وقال سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (2) كذلك طاعة العلماء في الحق وطاعة الأمراء في الحق طاعة لله، إذا أمرك الأمير تصلي في الجماعة، وأمرك أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وأمرك أن تحكم بالحق، وأن تحكم بما أنزل الله، يجب أن يطاع في ذلك؛ لأنه أمر بطاعة الله، أمرك ببر والديك، عليك أن تطيعه؛ لأن طاعته طاعة لله في هذا، نهاك عن السرقة، نهاك عن الظلم تطيعه؛ لأن الله أمر بهذا، فولي الأمر إذا أطعته في هذا أنت مطيع لله؛ لأنه أمرك بطاعة الله ورسوله، لكن إذا قال لك: اضرب والديك لا تطيعه، إذا قال: اشرب الخمر! لا، لا تطيعه. إذا أطعته في هذا أنت عاص مثله؛ لأن الرسول يقول: «إنما الطاعة في المعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (3)» سبحانه وتعالى، فإذا أطعته في الشرك صرت مشركا، وإذا أطعته في معصية صرت عاصيا، وإذا أطعته في طاعة الله فأنت مأجور، وفق الله الجميع.
__________
(1) سورة المائدة الآية 92
(2) سورة النساء الآية 80
(3) أخرجه البخاري في صحيحه بلفظ: (إنما الطاعة في المعروف)؛ في كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، برقم 7145 ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، برقم 1840 وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير بلفظ: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ج 18 برقم 381.
(1/272)
________________________________________
س: سائلة من جمهورية مصر العربية، من ضمن أسئلتها سؤال في العقيدة، وتذكر سماحة الشيخ فتقول: هل هناك فرق بين شرك الاعتقاد وشرك العبادة؟ وما هو الشرك؟ وما هي أنواعه؟ (1).
ج: شرك الاعتقاد هو شرك العبادة، لكن الاعتقاد قد يكون بالقلب، وقد يكون بشيء في العبادة كإحداث بدعة يعبد بها غير الله، فالاعتقاد كأن يعتقد في أهل القبور، أو في الأنبياء أو في غيرهم أنهم يتصرفون في الكون، وأنهم يعلمون الغيب، هذه بدعة في الاعتقاد وشرك أكبر وكفر أكبر، وقد يفعل ما هو كفر أكبر، ليس من جنس هذا بل يدعو الميت أو يستغيث به أو يسجد له أو يذبح له، هذه أيضا كفر أكبر، نسأل الله العافية، وهكذا اعتقاده أن الميت يعلم الغيب أو أنه يشفي من المرض، ولو ما دعاه، إذا اعتقد أن فلانا يعلم الغيب، الحي أو الميت أو الأنبياء أنهم يعلمون الغيب، أو أن فلانا يعلم الغيب، أو فلانة أو يشفي المرضى أو ما شابه ذلك هذا كفر أكبر، نسأل الله العافية.
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (406).
(1/273)
________________________________________
102 - توضيح أنواع الشرك
س: أرجو من سعادتكم توضيح أنواع الشرك، وهل الحلف بغير الله شرك يخرج صاحبه من الملة أم لا؟ (1).
ج: الشرك نوعان: شرك أكبر وشرك أصغر، الشرك الأكبر صرف العبادة لغير الله، أو بعضها: كدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم أو الجن أو الملائكة، أو غيرهم؛ لأن الأموات من الغائبين، هذا هو الشرك الأكبر كما كانت قريش وغيرها من العرب يفعلون ذلك عند أصنامهم وأوثانهم، ومن ذلك أيضا إذا جحد الإنسان أمرا معلوما من الدين بالضرورة وجوبا أو تحريما، من جحده كان كافرا أو مشركا شركا أكبر، أو قال: إن الصلاة لا تجب على المكلفين من المسلمين، أو قال: إن الزكاة لا تجب على من عنده أموال زكاة، أو قال: إن صوم رمضان لا يجب على المسلم المكلف؛ هذا يكون كافرا مشركا شركا أكبر، أو أحل ما حرمه الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة مما أجمع عليه المسلمون، كأن يقول: الزنى حلال أو شرب المسكر حلال أو عقوق الوالدين حلال أو السحر حلال أو ما أشبه ذلك؛ يكون كافرا أو مشركا شركا أكبر. والقاعدة أن من صرف العبادة أو بعضها لغير الله من أصنام أو أشجار أو أموات أو جن أو غيرهم من الغائبين؛ هذا مشرك شركا أكبر، وهكذا من جحد ما أوجب الله
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (297).
(1/274)
________________________________________
أو ما حرم الله بما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومما أجمع عليه المسلمون، هذا يكون كافرا كفرا أكبر، ومشركا شركا أكبر، وكل من أتى ناقضا من نواقض الإسلام يكون مشركا شركا أكبر، كما أسلفنا، أما الشرك الأصغر فهو أنواع أيضا، مثل الحلف بغير الله، بالنبي بالأمانة برأس فلان، هذا شرك أصغر لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بشيء غير الله فقد أشرك (1)»، وهكذا الرياء كونه يقرأ يرائي أو يتصدق يرائي هذا شرك أصغر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف عليكم من الشرك الأصغر. فسئل عنه، فقال: الرياء (2)».
وهكذا قول: ما شاء الله وشاء فلان بالواو، أو لولا الله وفلان، أو من الله ومن فلان، من الشرك الأصغر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان (3)»، ولما قال رجل: يا رسول الله: ما شاء الله وشئت! قال: «أجعلتني لله ندا، ما شاء الله وحده (4)».
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، أول مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 331.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، برقم 27742.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم برقم 22754.
(4) أخرجه الإمام أحمد، مسند بني هاشم، بداية مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، برقم 1842.
(1/275)
________________________________________
وقد يكون الأصغر شركا أكبر إذا اعتقد صاحبه أنه والحالة هذه أي مع الله، أو قال فيه: ما شاء الله وشاء فلان، أنه له تصرف في الكون، وأن له إرادة تحول عن إرادة الله، وعن مشيئة الله، أو القدرة فيضر وينفع دون الله، أو اعتقد أنه يصلح أن يعبد من دون الله، وأن يستغاث به، يكون شركا أكبر بهذا الاعتقاد، أما إذا كان مجرد حلف بغير الله، من غير اعتقاد آخر، لكن جرى على لسانه الحلف بغير الله تعظيما لهذا الشخص، يرى أنه أهل لأن يحلف به: نبي أو صالح، أو حياة أبيه أو أمه أو ما أشبه ذلك، فهذا من الشرك الأصغر لا من الشرك الأكبر عند أهل العلم.
(1/276)
________________________________________
103 - بيان بعض أنواع الشرك التي توجب الخلود في النار
س: تسأل أختنا وتقول: ما هي الأعمال أو الكبائر التي تجعل الإنسان خالدا في النار؟ وهل صحيح أن كل شخص غير مسلم لا يدخل الجنة وهو خالد في النار؟ (1).
ج: نعم، الأعمال التي توجب الخلود في النار أبد الآباد هي أعمال الكفر، من مات كافرا بالله عز وجل فهو مخلد في النار، أبد الآباد. كاليهود والنصارى والشيوعيين، وهكذا كل من أتى بمكفر،
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط رقم (147).
(1/276)
________________________________________
ومثل ذلك من ترك الصلاة، أو من سب الدين أو استهزأ بالدين، أو استهزأ بالجنة أو بالنار، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو تنقص الرسول أو سب الله، أو تنقصه وطعن في دينه، كل هذا ردة عن الإسلام، إذا مات عليها الإنسان صار مخلدا في النار، أبد الآباد، كسائر الكفرة. أما العصاة، المسلم العاصي هذا لا يخلد في النار، إذا دخل النار لا يخلد فيها، مثل من مات وهو على الزنى، وما تاب من الزنى، أو مات وهو يشرب الخمر، ولكنه موحد مسلم يعبد الله وحده، ولا يسب الإسلام ولا يسب الدين، بل هو مسلم، ولكنه أطاع الهوى في بعض المعاصي، كشرب الخمر، كالعقوق للوالدين، أو أحدهما. كأكل الربا، كالزنى. هذه وأشباهها من المعاصي إذا مات عليها وهو مسلم يعبد الله وحده، وليس بكافر، فهذا تحت مشيئة الله جل وعلا، إن شاء الله غفر له وعفا عنه بتوحيده وإسلامه وإيمانه الذي معه، وإن شاء سبحانه عذبه على قدر الجرائم والذنوب التي مات عليها، ثم بعد ما يمحص في النار ويعذب ما شاء الله، يخرجه الله من النار إلى الجنة، كما قال الله سبحانه في كتابه العظيم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) فأبان سبحانه أن الشرك لا يغفر، من مات على شرك لا يغفر له، نعوذ بالله. أما من مات على ما دون الشرك من المعاصي فهذا تحت مشيئة الله. وقد أجمع العلماء، علماء المسلمين على أن العاصي
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(1/277)
________________________________________
الذي هو مسلم موحد مؤمن. لكنه عنده معصية لا يخلد في النار أبد الآباد، بل متى دخل النار بهذه المعصية، فإنه لا يخلد؛ بل يعذب فيها ما شاء الله، ثم يخرجه الله من النار إلى الجنة. هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، وهو الحق. أما من مات على كفره بالله فهذا يخلد في النار، أبد الآباد. نسأل الله السلامة والعافية. ومن الكفرة اليهود والنصارى المعروفون، والشيوعيون المعروفون وعباد الأوثان، عباد أصحاب القبور؛ ومن ذلك من يسب الدين أو يستهزئ بالدين، أو يسب الله؛ أو يسب رسوله عليه الصلاة والسلام؛ هؤلاء إذا ماتوا على ذلك، ولم يتوبوا فهم من أهل النار المخلدين فيها أبد الآباد؛ نعوذ بالله.
(1/278)
________________________________________
104 - بيان بعض ظواهر الشرك القولية والعملية
س: ما هي ظواهر الشرك القولية والعملية الموجودة في أي مجتمع؟ نرجو منكم الإفادة (1).
ج: ظواهر الشرك تارة تكون بالكلام؛ وتارة تكون بالفعال، إذا كان في محل تدعى فيه القبور من دون الله؛ ويجتمع الناس لدعوة الأموات، والاستغاثة بالأموات، هذه مظاهر الشرك؛ وإذا كان الناس يجهرون بدعاء الأموات، أو بدعاء الأنبياء، أو الأولياء، أو الأصنام،
__________
(1) السؤال السادس والأربعون من الشريط رقم (372).
(1/278)
________________________________________
أو الجن، هذه مظاهر الشرك: يستغيثون بهم، ينذرون لهم، يذبحون لهم، هذه مظاهر الشرك، فالواجب الحذر من ذلك.
المقصود أن الشرك له مظاهر، تارة عند دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات عند القبور، وتارة بعبادة الأشجار، أو الأحجار، وتارة أصنام مصورة توضع في محلات معينة، يدعونها من دون الله، تارة بدعاء الجن والاستغاثة بالجن، إلى غير ذلك، تارة بدعاء الأموات، وإن كان في بيته أو في السيارة أو في الطائرة يا سيدي فلان يا رسول الله انصرني، أو يا سيدي البدوي انصرني أو يا حسين أو يا حسن انصرني أو اشف مريضي، ويا شيخ عبد القادر الجيلاني أو يا فلان أو يا فلان، كل هذا شرك أكبر، ولو في السيارة، ولو في الطريق، ولو في الطائرة، ولو عند قبر كذلك. نسأل الله العافية.
(1/279)
________________________________________
105 - توضيح الفرق بين الشرك والكفر
س: السائل ح. م. ح. من الرياض يقول: ما الفرق بين الشرك والكفر؟ (1)
ج: كل شرك يسمى كفرا، دعوة غير الله والاستغاثة بغير الله، وصرف العبادة لغير الله يسمى شركا، ويسمى كفرا، وقد يسمى كفرا،
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط رقم (394).
(1/279)
________________________________________
وشركا أيضا، كمن جحد وجوب الصلاة، أو قال: الزنى حلال، يسمى كافرا ويسمى مشركا، ولكن الغالب على ما كان جحدا لواجب، وجحدا لمحرم يسمى كفرا، والغالب ما كان دعوة لغير الله، والاستغاثة بغير الله، والنذر لغير الله، يسمى شركا، وإلا فكل شرك يسمى كفرا، وكل كفر أكبر يسمى شركا.
(1/280)
________________________________________
106 - بيان معنى النفاق
س: ما هو النفاق؟ وكيف الخلاص منه؟ (1)
ج: النفاق نفاقان: نفاق أكبر ونفاق أصغر، النفاق الأكبر كون الإنسان يتعاطى الدين، ويتظاهر بالدين وهو يكذب، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا يؤمن بالدين، ولكن يصلي مع الناس، أو يذكر الله مع الناس رياء كفعل المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لا يؤمن بالدين، ولا يؤمن بالجنة، ولا بالنار، ولا بتوحيد الله، هذا كافر كفرا أكبر، أعظم من الكفار من اليهود والنصارى، قال الله في حقهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (2) نسأل الله العافية، وهناك نفاق أصغر وهو من صفات المنافقين، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (427).
(2) سورة النساء الآية 145
(1/280)
________________________________________
«آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان (1)»، هذه من خصال المنافقين، وقال صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا (2)» نفاقا عمليا معنى إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر، هذه من أعمالهم التي تجعله نفاقا أصغر، كذلك التكاسل عن الصلاة، وعدم الإكثار من ذكر الله من خصال المنافقين: كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (3)، هذه خصالهم، لكن هذا يسمى النفاق الأصغر، ما يخرج من الإسلام، مسلم، لكن ناقص الإيمان، ناقص التوحيد، فهو مسلم لكن يعتبر بهذه الخصال منافقا نفاقا أصغر، نسأل الله العافية، ويخشى عليه من النفاق الأكبر.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، برقم 33، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، برقم 59.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، برقم 34، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، برقم 58.
(3) سورة النساء الآية 142
(1/281)
________________________________________
صفحة فارغة
(1/282)
________________________________________
باب ما جاء في الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
(1/283)
________________________________________
باب ما جاء في الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
107 - بيان أهمية الدعوة إلى توحيد الله تعالى
س: نريد من سماحتكم أن توجهوا نداء للناس، تبينوا فيه أهمية الدعوة إلى الله وتبصير الناس بمعنى لا إله إلا الله (1).
ج: في كتاب الله العظيم الكفاية العظيمة والدعوة إلى هذا الحق العظيم، فقد دعاهم مولاهم سبحانه في كتابه العظيم في آيات كثيرة إلى أن يعبدوه وحده، وهكذا رسوله صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى ذلك في مكة والمدينة مدة ثلاث وعشرين سنة، يدعو إلى الله ويبصر الناس بدينهم، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2) وقال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (3) وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) وقال جل وعلا:
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (156).
(2) سورة البقرة الآية 21
(3) سورة البقرة الآية 163
(4) سورة الإسراء الآية 23
(1/285)
________________________________________
{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (1) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (2) وقال سبحانه: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (3) وقال عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} (4)، في آيات كثيرات قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (5)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (6)» متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام: «من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار (7)». وقال عليه الصلاة والسلام: «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار (8)».
فالواجب على جميع أهل الأرض من المكلفين أن يعبدوا الله وحده وأن يقولوا لا إله إلا الله وأن يشهدوا أن محمدا رسول
__________
(1) سورة الزمر الآية 2
(2) سورة الزمر الآية 3
(3) سورة غافر الآية 14
(4) سورة محمد الآية 19
(5) سورة البينة الآية 5
(6) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار برقم 856، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة برقم: 30.
(7) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا} برقم: 4497.
(8) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم، برقم 129، ومسلم في كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، برقم 93.
(1/286)
________________________________________
الله، وأن يخصوا الله بدعائهم وخوفهم ورجائهم واستغاثتهم وصومهم وصلاتهم وسائر عباداتهم، وهكذا طوافهم بالكعبة يطوفون بالكعبة تقربا إلى الله وعبادة له وحده سبحانه وتعالى، وأن يحذروا دعوة غير الله من أصحاب القبور أو الأصنام أو الأنبياء وغير ذلك، فالعبادة حق الله وحده، لا يجوز أن يصرفها لغيره سبحانه وتعالى، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، والصلاة عبادة والصوم عبادة والصدقة عبادة والحج عبادة وخوف الله عبادة ورجاؤه عبادة، والنذر عبادة والذبح عبادة، وهكذا يجب أن تكون كلها لله وحده، فلا يذبح المسلم إلا لله ولا يصلي إلا لله، ولا يسجد إلا لله، ولا يخاف خوف السر خوف القلوب إلا من الله سبحانه وتعالى، وهكذا لا يستغيث إلا بالله، ولا يطلب المدد إلا منه سبحانه وتعالى؛ لأنه خالقه وربه ومعبوده الحق سبحانه وتعالى، وقد بعث الله الرسل كلهم بذلك، من أولهم إلى آخرهم من أولهم نوح إلى آخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، كلهم يدعون الناس إلى توحيد الله كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1) وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2)،
__________
(1) سورة النحل الآية 36
(2) سورة الأنبياء الآية 25
(1/287)
________________________________________
وكان يقول صلى الله عليه وسلم لأهل مكة: «يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا (1)» هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء، من العجم والعرب، من الجن والإنس، في جميع أرض الله، يجب عليهم أن يعبدوا الله وحده، وأن يقولوا لا إله إلا الله وأن يخصوه بالعبادة سبحانه وتعالى وأن لا يعبدوا معه سواه لا صنما ولا نبيا ولا ملكا ولا جنيا ولا شجرا ولا غير ذلك، العبادة حق الله وحده: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (4) لكن خوف الإنسان ما يضره واتخاذ الأسباب هذا غير داخل في العبادة، وخوفه من اللص حتى يغلق الباب ويتخذ الحرس لا حرج في ذلك، كما قال الله عن موسى لما خاف فرعون قال: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} (5) يعني خائفا من شر فرعون، فخوف الأمور الحسية، وخوف الظلمة واتخاذ الأسباب هذا غير داخل في العبادة، فإذا خاف من اللصوص وأغلق بابه أو جعل حارسا على ماله، أو خاف حين سفره من اللصوص أو من قطاع الطريق وحمل السلاح وسلك الطريق الآمنة، كل هذا لا بأس به، وهكذا إذا
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، من حديث ربيعة بن عبادة الديلي رضي الله عنه، رقم 15593.
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة البينة الآية 5
(5) سورة القصص الآية 21
(1/288)
________________________________________
خاف الجوع أكل، وخاف الظمأ شرب، وخاف البرد لبس ما يدفئه وما أشبهه، هذه كلها أمور حسية معروفة لا حرج فيها، وهكذا إذا استعان بأخيه في مزرعته، في إصلاح سيارته، في بناء بيته، هذه أمور عادية، غير داخلة في العبادة، كما قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) يعني موسى، هذه أمور عادية يقدر عليها المخلوق، فالتصرف مع المخلوق الحي الحاضر في أشياء يقدر عليها من تعاون في بناء، في مزرعة، في جهاد، وفي غير ذلك، هذا غير داخل فيما يتعلق بالعبادة، لكن دعاؤه وهو ميت، دعاء الشجر، دعاء الصنم، دعاء الجن، دعاء الملائكة، دعاء الأنبياء؛ يستغيث، هذا هو الشرك الأكبر، أو دعاء الحي في أمور لا يقدر عليها، يعتقد فيه أنه له تصرف في الكون، كما يفعل بعض الصوفية مع مشايخهم يدعونهم مع الله، ويعتقدون أن لهم تصرفا في الكون، وأن لهم سرا يستطيعون معه أن يعلموا الغيب، أو ينفعوا الناس بما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، هذه أمور شركية حتى مع الأحياء. نسأل الله السلامة، والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة القصص الآية 15
(1/289)
________________________________________
108 - الواجب على العلماء أن يرشدوا الناس إلى حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك
س: أنا أعيش في مكان يوجد فيه أناس يدعون أنهم من المسلمين، يصلون ويزكون ويصومون ويحجون، ولكنهم يعتقدون في الأموات، ويقولون: إن الولي الميت أو الشيخ واسطة عند الله، ويتبركون به، ويستغيثون بهذا الميت الولي ويزورونه وينذرون له النذر ويشدون إليهم الرحال، وإذا نصحتهم قالوا: هؤلاء أولياء يجب التقرب إليهم، ويكرهون من يمنعهم وينصحهم بأن لا يعبدوا الأموات والأولياء، ماذا نفعل؟ وهل نتركهم على ما هم عليه؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: هذه مصيبة عظيمة، واقعة في بلدان كثيرة، والواجب على أهل العلم أن يرشدوا الناس إلى حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك، حتى يعلم هؤلاء العوام بطلان ما هم عليه، فكونه يصلي ويحج ويصوم، ويزكي ثم يعبد غير الله، هذا يبطل عمله، قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2)، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3).
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (63).
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة الزمر الآية 65
(1/290)
________________________________________
فدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم، والذبح لهم، هذا شرك أكبر، ينافي التوحيد الذي هو معنى لا إله إلا الله، وينافي ما دلت عليه الآيات من وجوب إخلاص العبادة لله، كما في قوله سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1)، وقوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2).
وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (3). وقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) وقوله سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (5) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (6) وقوله عز وجل: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (7) وقوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (8) وقال سبحانه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (9) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (10) سبحانه وتعالى. فجعل دعاءهم للأموات والأصنام والأشجار والأحجار شركا بالله عز وجل، فالواجب تنبيه هؤلاء وتحذيرهم وحث العلماء على
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة البقرة الآية 21
(4) سورة الإسراء الآية 23
(5) سورة الزمر الآية 2
(6) سورة الزمر الآية 3
(7) سورة الجن الآية 18
(8) سورة المؤمنون الآية 117
(9) سورة فاطر الآية 13
(10) سورة فاطر الآية 14
(1/291)
________________________________________
تنبيههم وتحذيرهم، حتى يتبصروا ويعلموا أنهم على باطل، وعلى شرك، وأن صلاتهم تحبط بذلك، وهكذا صومهم، وزكاتهم، وحجهم، وأعمالهم الأخرى، حتى يخلصوا العبادة لله وحده، وقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليخلصهم من هذا الشرك، فأقام في مكة عشر سنين يدعوهم إلى توحيد الله وترك دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والأصنام، والأشجار والأحجار ويقول: «يا قوم قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا (1)» قبل أن تفرض الصلاة، ثم فرضت الصلاة في مكة، ومكث بعد ذلك مدة يدعوهم إلى توحيد الله، ثم هاجر إلى المدينة ولم يزل يدعو إلى الله، وإلى توحيده سبحانه وتعالى.
فالواجب عليك يا أخي أن تحرص على دعوة هؤلاء وإرشادهم بالحكمة والصبر والأسلوب الحسن، لعل الله يهديهم بأسبابك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (2)» ويقول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر لدعوة اليهود: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم (3)»، فدعوة
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، من حديث ربيعة بن عبادة الديلي رضي الله عنه، رقم 15593.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، برقم 1893.
(3) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب فضل من أسلم على يديه رجل برقم 3009، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي رضي الله عنه، برقم 2406.
(1/292)
________________________________________
الأموات، كأن يقول: يا سيدي فلان، اشف مريضي، انصرني أو المدد المدد يا فلان، أو النذر لهم أو ما أشبه ذلك من أنواع العبادة، كله شرك بالله، وهكذا الذبح لهم، ذبح البقر أو الدجاج أو غير ذلك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (1)»، والله يقول سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (3). فالذبح لغير الله مثل الصلاة لغير الله، والذي يذبح للأموات يتقرب إليهم مثل الذي يصلي لهم، وهكذا من ينذر لهم القرابين إن شفى الله مريضي للسيد فلان كذا، أو يا سيدي البدوي اشف مريضي، أو المدد المدد، أو يا سيدي الحسين أو يا شيخ عبد القادر، أو يا رسول الله اشف مريضي، أو انصرنا، أو ما أشبه ذلك، كل هذا من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر، والواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا الناس ذلك، وأن ينصحوهم وأن يرشدوهم إلى الحق وإلى الصواب، وأن يصبروا على جهلهم وأذاهم حتى يتعلموا ويستفيدوا، هكذا كان الرسل عليهم السلام يصبرون وهم أفضل الخلق عليهم السلام، وآذاهم أقوامهم، وربما قتلوهم على ذلك ومع هذا صبروا عليهم الصلاة والسلام، وبلغوا الرسالة وأدوا الأمانة حتى قبضهم الله، عليهم
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى، برقم 1978.
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 163
(1/293)
________________________________________
الصلاة والسلام، وخاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو أفضلهم قد صبر على قومه ثلاثا وعشرين سنة، وهو يدعوهم إلى الله حتى هدى الله على يديه من هدى، وحتى أكمل الله به الدين وأتم عليه النعمة، فالواجب التأسي به في ذلك، عليه الصلاة والسلام، والصبر على الدعوة والتوجيه والإرشاد، رجاء ما عند الله من المثوبة.
(1/294)
________________________________________
109 - كيف نبدأ الدعوة إلى الإسلام؟
س: إذا أردنا دعوة إنسان ما إلى الدين الإسلامي كيف نبدأ معه الدعوة؟ وما هي الخطوات الرئيسية حتى يستجيب هذا الإنسان ويدخل في الدين الإسلامي الحنيف؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: الخطوة الأولى: تبيين فضل الإسلام، وأن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام الذي بعث به الأنبياء الماضين، والرسل كلهم. تبين له أن هذا هو دين الحق، وأن الله بعث محمدا بالحق وأن على العاقل أن يجتهد في أسباب السلامة والحيطة لدينه حتى إذا مات مات على طريقة سليمة، وعلى دين مستقيم، فيفوز بالجنة والنجاة من النار، تشرح له الدين الإسلامي وأنه طريق النجاة وأنه الصراط المستقيم، وأن جميع
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (352).
(1/294)
________________________________________
الأديان الأخرى يهودية أو نصرانية كلها باطلة، وليس هناك دين حق إلا دين الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (1) لكن بالأسلوب الحسن، باللطف والكلام الطيب، وترغبه في ذلك، وتحرص على أنه بحمد الله ميسر ليس فيه صعوبة، ولا آصار ولا أغلال، بل هي أعمال صالحة ميسرة بحمد الله، حتى يقبل منك إن شاء الله، ويدخل في الإسلام، أما إن كان مسلما لكن عنده معاص، تبين له شر المعاصي، وأخطارها وأنها من أسباب قسوة القلب، وموت القلب من أسباب غضب الله عليك، ومن الأسباب التي تبقى عليها حتى تموت، وتحذره من البقاء عليها، تحرضه على التوبة، يعني توصيه بالتوبة والمسارعة إليها قبل أن يموت؛ لأن بقاءه على المعاصي من أسباب غضب الله، ومن أسباب سوء الخاتمة، ومن أسباب العذاب يوم القيامة إلا من رحمه الله.
الخطوة الثانية: أن يشرح له الإسلام، إذا كان كافرا يشرح له الإسلام، بأن يقال له: الإسلام هو كذا وكذا، الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، تبين له معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن معناها أن لا يعبد إلا الله وحده، وأن لا يدعو معه صنما ولا نبيا ولا قبرا ولا شجرا ولا حجرا، بل يخلص العبادة لله وحده، صلاته ودعاءه وذبحه ونذره وصومه، إلى غير ذلك، وكذلك أن يشهد أن محمدا رسول الله، يعني يشهد أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب،
__________
(1) سورة آل عمران الآية 19
(1/295)
________________________________________
الهاشمي القرشي هو رسول الله حقا، بعثه الله إلى الناس عامة وختم به الأنبياء، وأنزل عليه شريعة كاملة من تمسك بها فله الجنة، ومن ضيعها وتركها فله النار، يبين له بقية أركان الإسلام: الصلاة والزكاة والصيام والحج وأركان الإيمان، ويوصيه بأن يبادر إلى هذه الأشياء، ويستقيم على طاعة الله ورسوله، وإذا مات على هذا فله الجنة.
الخطوة الثالثة: أن يجتهد بتوصيته في الأعمال الصالحات، والحرص على الحفظ للوقت عن النقص وعن الأشياء التي لا نفع فيها، والحرص على عمارة الوقت بذكر الله، بالأعمال الصالحة، بالتطوع حتى تكون هذه الأعمال الصالحة جبرا، لما قد يقع من النقص في الفرائض، ومن أسباب علو الدرجات، وكثرة الحسنات، تكون أوقاته معمورة بالخيرات، وبالصلوات وبالذكر وقراءة القرآن، وصحبة الأخيار، إلى غير ذلك، والدعوة إلى وجوه الخير.
(1/296)
________________________________________
110 - الضابط الشرعي لتعليم وإرشاد المسلم الجديد
س: بعض الناس تستعجل في بعض الأمور في توضيحها لمن يسلم مجددا، فربما ذكروا مثلا أمورا، ربما تكون فرعية كالالتزام بالحجاب الكامل بالنسبة للنساء وكالالتزام بإعفاء اللحية، من أول وهلة وكالختان، وما أشبه ذلك. هل لسماحتكم من كلمة حول هذا الموضوع؟ (1).
ج: هذه فروع إن بينها له فلا بأس، وإن أخرها إلى وقت آخر فلا بأس، المهم الأصول حتى يدخل في الإسلام، أما الفروع الأخرى: حلق اللحية أو قصها، وكذلك الحجاب، وكذلك ما يتعلق بالختان وما أشبه ذلك، هذه لو أجلت لئلا ينفر من الإسلام، ويكون التعليم بأصول الإسلام ومبانيه العظام، فإذا دخل بالإسلام بعد ذلك يرغب في بقية أعمال الإسلام.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (352).
(1/297)
________________________________________
111 - ما يشرع البدء به في دعوة وإرشاد المجتمعات الإسلامية
س: نحن نعيش في مجتمع يكثر فيه الدجل والشعوذة والشركيات، كبناء القباب على القبور، وكذلك دعاء
(1/297)
________________________________________
الأموات لتفريج الكروب. هل يشرع أولا في مجتمع كهذا الدعوة إلى التوحيد وتصحيح العقائد من أدران الشرك والاهتمام بتربية الفرد تربية دينية، حتى يصبح عضوا صالحا في المجتمع، أم يشرع المناداة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، كما يفعل الكثير من الجماعات الإسلامية؟ (1).
ج: إذا كنت في بلد إسلامي وبين المسلمين، تعلمهم ما جهلوا من الشرك وغيره من المعاصي، أما إذا كنت في بلد كافرة بين النصارى أو بين اليهود، بين الوثنيين الذين لا يعرفون الإسلام، ولا يدعون الإسلام، فإنك تبدأهم بالتوحيد، تدعوهم إلى توحيد الله، فإذا أسلموا ودخلوا في دين الله، تعلمهم الصلاة والزكاة وغير ذلك، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا بذلك، لما بعثه إلى اليمن عليه الصلاة والسلام، أما إذا كنت بين المسلمين، في مصر، في الشام، في الأردن، في السعودية، في أي مكان، فإنك تنكر عليهم ما وقع منهم من شرك أو غيره، وتعلمهم دينهم، وتعلمهم ما جهلوا، وتبصرهم بالحق الذي جهلوه. سواء كان شركاء أو تهاونا بالصلاة، أو عقوقا للوالدين، أو تعاطيا للربا، أو غير ذلك مما يقع من بعض المسلمين.
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (182).
(1/298)
________________________________________
112 - الصفات الواجب توافرها في الداعية المسلم
س: ما هي الصفات الواجب توفرها في الداعي المسلم، لدعوة ملحد أو يهودي أو نصراني؟ أي هل باستطاعة أي مسلم أن يكون داعيا إلى الله؟ (1).
ج: ليس في استطاعة كل مسلم الدعوة إلى الله إلا بعد التعلم، الدعوة إلى الله تحتاج إلى علم، وتحتاج إلى لغة المخاطب أيضا، والله يقول سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} (2) يعني على علم، فمن أراد أن يدعو الناس إلى الله، فليتعلم ويتفقه في الدين، وليعتن بالقرآن الكريم وتفسيره، ومعرفة معانيه، وليحضر عند أهل العلم، يحضر حلقات العلم ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه، حتى يصلح للدعوة، فإذا وجد من نفسه قوة على ذلك، واستشار من يطمئن إليه من أساتذته ليبين له، حتى يصلح للدعوة وحتى يوجهه إلى ما ينبغي وحتى يشير عليه بما ينبغي أن يستعمل، فإذا وجد من نفسه القدرة، لأن عنده حصيلة من الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، في أي موضوع من الموضوعات التي يريد أن يدعو إليها، أو يناقش فيها فليتكلم، وإذا كانت اللغة غير العربية، فلا بد أن يستعين بمن يفهم اللغة من الثقات، حتى يكون واسطة بينه وبينه في توجيه الخير، وإرشاده إلى
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (173).
(2) سورة يوسف الآية 108
(1/299)
________________________________________
الحق باللغة التي يفهمها بواسطة من يعرف اللغة المذكورة، من الثقات المعروفين بالعلم والفضل، وإذا كان الداعي يعرف اللغة هذا نعمة كبيرة، يدعو إلى الله باللغات التي يفهمها ويعرفها المخاطب، وبكل حال فالصفات التي يجب توافرها في الداعي: أن يكون عنده علم وعنده حلم وبصيرة، حتى يدعو إلى الله على بينة ورفق ولين، وبأسلوب يؤثر على المدعو، وأن يكون في نفسه صالحا، حتى لا يحتج عليه المدعو، يقول: أنت تدعونا إلى كذا وأنت فاسد تخالف أقوالك أعمالك، وأعمالك أقوالك، ينبغي له أن يكون حريصا بأن يعمل بما يدعو إليه، وأن يحذر ما ينهى عنه، فالداعي يمثل دعوته بأفعاله وأخلاقه، وسيرته مع الناس، وينبغي أيضا أن يكون عنده حصيلة محفوظة من الأحاديث الصحيحة، ومن آثار السلف الصالح الذين قاموا بالدعوة، حتى يتأسى بهم مع كتاب الله عز وجل، والعناية بحفظه وتدبر معانيه، والاستعانة بكلام أئمة التفسير المعروفين بالعلم والفضل والعقيدة الصالحة، كالإمام ابن جرير والبغوي وابن كثير، وغيرهم من أئمة التفسير الذين يستفاد من كلامهم في تفسير كلام الله عز وجل، فالحاصل أنه لا بد من بصيرة ولا بد من أخلاق فاضلة، وأن يكون ذا خلق كريم في حلمه، وقوله وعمله وأساليبه، حتى لا يجد المدعو ثغرة يدخل منها عليه، لينتقصه أو ليهجن دعوته، ويقول: إنك لست كما تقول.
(1/300)
________________________________________
113 - الفروق بين دعوة الملحد والكتابي
س: سماحة الشيخ، كأن السائلة تفرق بين دعوة الملحد ودعوة اليهودي، ودعوة النصراني، هل فيها فروق معينة؟ (1)
ج: نعم لا شك أن اليهودي والنصراني عندهم إيمان بالآخرة، وعندهم إيمان بالرسل وإن كان إيمانهم مدخولا، وإن كان لا ينفعهم لأنهم خلطوا كفرا وإيمانا، لكن دعوتهم أسهل لأنهم يخاطبون بالكتب التي نزلت على الأنبياء، يخاطبون بالإيمان باليوم الآخر، وأن الواجب الإعداد لليوم الآخر، وأن الواجب طاعة الرسل، هم يعرفون أن طاعة الرسل لازمة، وأن محمدا من الرسل عليه الصلاة والسلام، وتقام الحجج على رسالته عليه الصلاة والسلام، ويدعون إلى الإيمان به، واتباع شريعته وأنه ليس هناك نجاة إلا باتباع محمد عليه الصلاة والسلام، فالحجة قائمة على اليهود والنصارى، لما عندهم من العلم السابق، من عهد الأنبياء، وإنما حملهم على الترك الهوى والحسد والبغي، ولا سيما اليهود فإنهم أمة الحسد، وأمة البغي وأمة الغضب، وأمة العناد، وهكذا أئمة النصارى الذين عرفوا الحق، ولكن آثروا الدنيا على الآخرة، فصاروا مشابهين لليهود في عنادهم، وفي جحدهم الحق، وهم يعلمون. نسأل الله العافية، لكن الغالب على النصارى الضلال والجهل، وهم يحتاجون إلى التعليم والتوجيه، بالأدلة الشرعية
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (173).
(1/301)
________________________________________
حتى يدخلوا في الحق، وعندهم أصل الإيمان بالآخرة، وأصل الإيمان بوجود الله، وإن كان إيمانا فاسدا مشوشا لا ينفعهم في الآخرة؛ لأن اليهود اعتقدوا عزيرا ابن الله، والنصارى اعتقدوا المسيح ابن الله، ثالث ثلاثة، وعندهم أيضا غلو في أحبارهم ورهبانهم، كلهم عندهم غلو في أحبارهم ورهبانهم، وعندهم أنواع من التحريف والشر، لكنهم أسهل في الدعوة، من دعوة الملحد الشيوعي، أما الملحد فيحتاج لإقامة الأدلة على وجود الله، وعلى صحة ما جاء به الرسل من العقل الذي يفهمه هو، فدعوتهم تحتاج إلى مزيد من البصيرة والحكمة والتجارب، وبيان ما فطر الله عليه العباد حتى يخاطبه بمقتضى الفطرة والعقل. والله المستعان.
(1/302)
________________________________________
114 - الواجب على جميع أهل الأرض الدخول في الإسلام والالتزام به
س: إذا أردنا دعوة إنسان إلى الدين الإسلامي، كيف نبدأ هذه الدعوة؟ وجهونا حول هذا الموضوع جزاكم الله خير (1)
ج: البداءة: تبدأ بترغيبه في الإسلام. والبيان له أن الإسلام هو دين الله الذي بعث به الرسل؟ وأنزل به الكتب، وبعث به آخر الأنبياء،
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (352).
(1/302)
________________________________________
وخاتمهم محمدا عليه الصلاة والسلام، وأنه واجب على جميع أهل الأرض الدخول في الإسلام والالتزام به، هذا الواجب على جميع أهل الأرض، من اليهود والنصارى، والشيوعيين وغيرهم. جميع أهل الأرض رجالا ونساء، يجب عليهم الدخول في الإسلام واعتناقه، والتمسك به والثبات عليه، لأن الله خلق الخلق ليعبدوه، وهذه العبادة التي خلقوا لها هي الإسلام الذي بعث الله به الرسل، وبعث به محمدا عليه الصلاة والسلام، وجعل شريعته ناسخة لجميع الشرائع، ناسخة لشريعة التوراة، والإنجيل، وجميع ما في الأرض من تعبدات، شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لذلك، يجب الأخذ بها، والتمسك بها على جميع أهل الأرض، فتبين له أن الإسلام هو دين الله، وأنه هو الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم، وهو دين الأنبياء قبله جميعا وأصله وأساسه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فتعلمه الشهادتين أولا وتعلمه معناهما، ثم الصلاة والزكاة والصيام والحج وأركان الإيمان الستة، وتفهمه معناها، وتعلمه أن عليه البراءة من جميع الأديان المخالفة للإسلام، من دين النصارى وغيرهم، عليه أن يتبرأ من كل دين يخالف الإسلام، وأن يؤمن بأن عيسى هو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، إذا كان نصرانيا، تعلمه أن عيسى هو عبد الله ورسوله، خلقه الله من أنثى بلا ذكر، قال الله له كن فكان، فالواجب الإيمان بأنه عبد الله ورسوله، وليس هو الله، وليس هو ابن الله، وليس هو ثالث ثلاثة، بل هو عبد الله ورسوله، خلقه الله من
(1/303)
________________________________________
أنثى، وهي مريم البتول الصديقة رضي الله عنها، وليس له أب، قال الله له: كن فكان، فعلى العبد أن يؤمن بهذا، ويصدق بهذا، ويتبرأ من طريقة اليهود والنصارى في ذلك.
(1/304)
________________________________________
115 - الإسلام يدعو للعقيدة الصحيحة
س: إذا كان الإسلام قد أقر حرية العقيدة، فلماذا يحارب الوثنية والارتداد والإلحاد؟ (1).
ج: الإسلام لا يقر حرية العقيدة، وإنما الإسلام يأمر بالعقيدة الصالحة، ويلزم بها ويفرضها على الناس، ولا يجعل الإنسان حرا يختار ما شاء من الأديان، لا، القول بأن الإسلام يجيز حرية العقيدة، هذا غلط، الإسلام يوجب توحيد الله، والإخلاص له سبحانه، والالتزام بدينه والدخول في الإسلام، والبعد عما حرم الله، وأعظم الواجبات وأهمها: توحيد الله، والإخلاص له، وأعظم المعاصي وأعظم الذنوب: الشرك بالله عز وجل، وفعل ما يكفر العبد من سائر أنواع الإلحاد، والله سبحانه يقول: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (2)، ويقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (3)
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (37).
(2) سورة النساء الآية 36
(3) سورة الإسراء الآية 23
(1/304)
________________________________________
ويقول سبحانه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) ويقول عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (2) ويقول سبحانه {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (3).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل (4)» متفق على صحته.
وبين الرب عز وجل، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب العقيدة، ووجوب الالتزام بشرع الله، وأن لا حرية للإنسان في هذا، فليس له أن يختار دينا آخر، وليس له أن يعتنق ما حرم الله، وليس له أن يدع ما أوجب الله عليه، بل يلزمه ويفترض عليه أن يستقيم على دين الله وهو الإسلام، وأن يوحد الله بالعبادة، وأن لا يعبد معه سواه سبحانه وتعالى، وأن يؤمن برسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وأن يستقيم
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة الزمر الآية 2
(3) سورة البينة الآية 5
(4) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب " فإن تابوا وأقاموا الصلاة "، برقم 25، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، برقم 21.
(1/305)
________________________________________
على شريعته، ويوالي على هذا ويعادي على هذا، وأن يقيم الصلاة كما أمر الله، ويؤدي الزكاة كما أمر الله، وأن يصوم كما أمر الله، ويحج كما أمر الله، وهكذا يلتزم، وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: «يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " قلت: ثم أي؟ قال: " أن تزني بحليلة جارك (1)». فأنزل الله بهذا قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (2) {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (3) {إِلَّا مَنْ تَابَ} (4) الآية. فدل ذلك على أن توحيد الله، والإخلاص له وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتحريم القتل وتحريم الزنى؛ أمر مفترض لا بد منه، وليس لأحد أن يشرك بالله، ليس له أن يزني، وليس له أن يسرق، وليس له أن يقتل نفسا بغير حق، وليس له أن يشرب الخمر، وليس له أن يدع الصلاة، وليس له أن يدع الزكاة وعنده مال، وليس له أن يدع الصيام وهو قادر، صيام رمضان إلا في السفر والمرض، وليس له أن يترك الحج وهو قادر، بل يحج مرة في العمر، إلى غير ذلك، فلا حرية
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب إثم الزناة، برقم 6811، ومسلم في كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب؛ برقم 86.
(2) سورة الفرقان الآية 68
(3) سورة الفرقان الآية 69
(4) سورة الفرقان الآية 70
(1/306)
________________________________________
في الإسلام بين العقائد، بل يجب أن يلتزم الإنسان العقيدة الصحيحة، ويذر ما حرم الله، نعم له حرية في الأمور المباحة التي أباح الله له، وإنما له حرية في الأمور المستحبة التي لا تجب إذا شاء تركها فلا بأس، والمباح إن شاء فعله وإن شاء تركه، وليس له أن يعتنق الشيوعية ولا النصرانية أو اليهودية أو الوثنية أو المجوسية، ليس له ذلك، بل متى ما اعتنق النصرانية أو اليهودية، أو المجوسية أو الشيوعية صار كافرا، حلال الدم والمال، يجب أن يستتاب، يستتيبه ولي الأمر الذي هو في بلده، ولي الأمر المسلم يستتيبه، فإن تاب ورجع إلى الحق وإلا قتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بدل دينه فاقتلوه (1)» رواه البخاري في الصحيح، من بدل دينه دين الإسلام بالكفر، يجب أن يقتل إذا لم يتب، فلهذا يعلم أن ليس للمسلم حرية أن يترك الحق وأن يدخل الباطل أبدا، بل يلزمه الاستقامة على الحق، ويلزمه ترك الباطل، وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينصح لله ويدعو لله عز وجل، وأن يدعو الناس إلى ترك ما حرم الله عليه، كل هذا أمر مفترض حسب الطاقة، النفس فيها حركة، إن لم تلتزم بالحق دعته إلى الباطل، واللسان كذلك إن لم يتكلم بالحق تكلم بالباطل، وهكذا الجوارح فالعبد إن لم يلزمها ويأخذ عليها بالحق،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله، برقم 3017.
(1/307)
________________________________________
وإلا انقاد لهواها وباطلها وللشيطان، فوقع فيما حرم الله عليه، فالواجب أن يلتزم ما أوجب الله عليه بلسانه، وأفعاله وفي سائر شئونه، وأن لا يدع للشيطان مجالا، ولا لنفسه الأمارة بالسوء مجالا، بل يحارب ذلك ويستعين بالله، بترك الباطل وعلى أداء الحق.
(1/308)
________________________________________
116 - حكم اقتناء وقراءة التوراة والإنجيل
س: هل يجوز إذا وقع كتاب الإنجيل في يدي أن أقرأه؟ وإذا كان جائزا فأين أجده (1)
ج: ما يتعلق بالإنجيل والتوراة مثلا، فلا ينبغي قراءتها ولا اقتناؤها، إلا لطالب علم يريد الرد على ما فيها من أباطيلهم وأكاذيبهم، فإن التوراة والإنجيل قد غيرتا، وبدل منها شيء كثير، وحرف كثير منهما أولئك الضالون من اليهود والنصارى. فهذان الكتابان لا ينبغي اقتناؤهما؟ لأنه ربما تشوش بقراءتهما، وربما اشتبه عليه شيء من ذلك، فيضر بدينه، أما طالب العلم فيحتاج إليهما لرد شبه، أو لإنكار منكر أو لبيان حق، أو للرد على اليهود والنصارى، فهذا كله لا بأس به، إذا كان من أهل العلم، يأخذ منهما ما يحتاج إليه عند الحاجة لرد باطل وإنكار منكر، كما فعل هذا كثير من أهل العلم
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (18).
(1/308)
________________________________________
رحمة الله عليهم، وأما العامة فلا حاجة لهم في ذلك، ولا ينبغي لهم اقتناؤهما، ولا التماسهما في أي مكان، لأن الله سبحانه قد أغنانا - وله الحمد والمنة - بكتابه العزيز القرآن، أغنانا عن جميع الكتب الماضية، فلا حاجة لنا بها بل علينا أن نعنى بكتاب الله، وأن نتدبر كتاب ربنا، وفيه الكفاية، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنكر على عمر لما رأى في يده شيئا من ذلك، يعني من التوراة، وقال: «أفي شك يا ابن الخطاب، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي (1)» يروى هذا عنه عليه الصلاة والسلام، المقصود أن التوراة والإنجيل ليس لنا حاجة إليهما، ولا إلى اقتنائهما، ولا إلى مراجعتهما، ولا سيما عامة المسلمين، أما أهل العلم فقد يحتاجون إلى شيء من ذلك في بعض الأحيان عند رد شبه يوردها النصارى، أو اليهود، أو يوردها غيرهم ممن يحتجون بالتوراة والإنجيل، أو يزعمون أن في التوراة والإنجيل كذا وكذا، فيريد طالب العلم أن يوضح الأمر، وأن يبطل شبهتهم هذه التي شبهوا بها، كما طلب النبي التوراة لما ترافع إليه اليهود في شأن الرجم، طلبها وأحضروها، ووجد بها آية الرجم، ليحتج عليهم بذلك.
فالحاصل أنه لا ينبغي لعامة المسلمين شراؤهما، ولا اقتناؤهما
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، برقم 14736.
(1/309)
________________________________________
ولا مراجعتهما، بل ذلك منكر بحق عامة الناس، وقد كفى الله وشفى بإنزال كتابه العزيز القرآن الكريم، الذي فيه نبأ ما قبلنا، وحكم ما بيننا، وفيه الكفاية، وهو أفضل كتاب وخير كتاب. والحمد لله. أما أهل العلم فقد يحتاجون شيئا من ذلك، لكن لهم شأنهم في ذلك.
(1/310)
________________________________________
باب ما جاء في أن لبس الحلقة أو الخيط لرفع البلاء أو دفعه شرك
(1/311)
________________________________________
باب ما جاء في أن لبس الحلقة أو الخيط لرفع البلاء أو دفعه شرك
117 - حكم تعليق الخيط لرفع البلاء أو دفعه
س: ما حكم الذي يعلق خيطا لرفع البلاء أو دفعه؟ (1)
ج: هذا ينكر عليه؛ لأنه من الشرك الأصغر، من جنس التمائم، قال عليه الصلاة والسلام: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)». وفي رواية: «من تعلق تميمة فقد أشرك (3)». ولما دخل حذيفة رضي الله عنه على رجل، قد علق عليه خيطا قطعه حذيفة وأنكر عليه، وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (4)
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (38).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16951.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه؛ برقم 16969.
(4) سورة يوسف الآية 106
(1/313)
________________________________________
بين له أن هذا من الشرك، فتعليق الخيوط والتمائم من الودع، أو من العظام أو من شعر الذئب، أو من عظام الذئب أو أسنانه كل هذا من خرافات الجاهلية، وهو من المنكرات. وهكذا تعليق الحجب، من القرآن يسمونها حجبا، يسمونها حرزا، يسمونها جامعات، كل هذا لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمم النهي ولم يستثن من القرآن ولا غيره، ولأن استعمال القرآن يفضي إلى استعمال غيره، يعني فتح باب الشرك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (1)» يعني الرقى المجهولة التي ليست على الطريقة الشرعية، هكذا التمائم ما يعلق على الأولاد عن العين، أو يعلق على النساء عن العين، كل هذا منكر ومن عمل الجاهلية، والتولة الصرف والعطف، وهو السحر، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من الشرك؛ لأنه يستعان فيه بالجن والشياطين، فالساحر والساحرة إنما يتم لهما ما يتعاطيانه من السحر بواسطة عبادتهم للجن والشياطين، وتقربهم إليهم بما يرضيهم، والخيوط من جنس التمائم، إذا علق على يده خيطا، أو على رقبته يزعم أنه من أسباب الشفاء، هذا من المنكرات يجب أن يقطع.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(1/314)
________________________________________
118 - حكم تعليق رجل الذئب على من به مس
س: وجدت بعض الناس إذا أصيب أحدهم بجني يعلق رجل ذئب على يد المصاب، فما مدى صحة ذلك؟ وما رأي فضيلتكم فيه. وفقكم الله؟ (1)
ج: تعليق رجل الذئب أو شعر الذئب على المريض، الذي يظن به مس من الجن أو غير ذلك هذا لا يجوز، بل هذا من التمائم التي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنها وحذر منها، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)»، «من علق تميمة فقد أشرك (3)» فلا يجوز تعليق التمائم، سواء كانت عظاما أو ودعا أو شعرا أو حلقات من حديد أو غير ذلك أو من أي جنس، كل هذا لا يجوز، ولا يختص بالذئب. بل قد يكون ذئبا أو أسدا أو كلبا أو فهدا أو غير ذلك كل هذا لا يجوز، وكل هذا يعتبر من التمائم التي نهى الرسول عن تعليقها. ولكن يعالج بالقرآن الكريم بالقراءة وبالأدوية الطيبة النافعة. أما التعليق على الأطفال، وعلى المريض، تعليق التمائم من عظام، أو من رجل الذئب، أو يد الذئب، أو شيء من شعر
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (31).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(1/315)
________________________________________
الذئب، أو الكلب، أو الأسد أو غير ذلك، كل هذا لا يجوز، وهكذا مثل ما يفعل بعض الناس من كونه يضع آيات في قرطاس، أو يضع معها بعض الدعوات أو بعض المسامير أو بعض الطلاسم، ثم يجعلها في جلد أو في غير ذلك، يعلقها على الطفل أو على المريض، كل هذا لا يجوز، التعليق التي يراد بها دفع المرض أو دفع الجن أو دفع العين، كل هذا لا يجوز، والنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى على أعرابي حلقة فقال: «انزعها فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا (1)». وقال: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (2)». فالرقى يعني المجهولة أو التي فيها أشياء منكرة، وهكذا التمائم كلها لا تجوز، وما يعلق على الأولاد والمرضى عن العين، وعن الجن كل هذا لا يجوز، وهكذا التولة وهي الصرف والعطف، وهي ما يفعله بعض النساء لتحبيب الأزواج إلى نسائهم وتحبيب المرأة إلى زوجها، كل هذا لا يجوز وهو من السحر، هذه كلها محرمة نبه عليها النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما الرقى الجائزة، الرقى الشرعية بالقرآن، وبالدعوات الطيبة، وبما جاء في الأحاديث، الرقى الطيبة يرقى بها المريض، ويدعى له وينفث عليه ويدعى له، أما يعلق عليه شيء فهذا لا يجوز.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند البصريين حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما برقم 19498.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(1/316)
________________________________________
119 - حكم تعليق رجل الذئب أو ضرسه على رقاب الأولاد
س: بعض الناس يعلقون رجل الذئب على رقاب أبنائهم أو ذويهم، ويعتقدون أنه يذهب الجنون. فما رد فضيلتكم على هذا وفقكم الله؟ (1)
ج: هذا من الخرافات تعليق رجل الذئب أو أذنه، أو ضرسه أو شيء من شعره على المريض، أو على غير المريض للصيانة والحفظ، كل هذا منكر كله خرافات لا أصل له، وهذا من التمائم التي حرمها الله جل وعلا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق شيئا فقد أشرك (2)» فتعليق التمائم لا يجوز، سواء كانت التمائم من رجل الذئب، أو من شعره أو من عظامه، أو من غير هذا من الحيوانات الأخرى، أو حديدة أو شيء مقروء فيه في ورقة، أو رقعة أو غير ذلك، معلق على الطفل أو على المرأة أو على المريض، كل هذا لا يجوز؛ لأن الرسول نهى عن هذا - عليه الصلاة والسلام - وحذر منه، وأخبر أنه من الشرك، وقال: «من علق تميمة فلا أتم الله له (3)». وكان في الجاهلية تعلق التمائم، يسمونها الحرز يسمونها الحجب، يسمونها الجوامع، تعلق على المريض وعلى الأطفال يزعمون أنها تدفع العين عنهم، أو تدفع الجن، وهذا لا يجوز بل هو منكر، يجب إزالته،
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط رقم (30).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(1/317)
________________________________________
فلا يجوز تعليق تميمة من عظام الذئاب، أو من شعر الذئاب أو من رجل الذئب أو الضبع أو الأسد أو النمر أو غير ذلك، ولا يجوز أيضا تعليق تمائم من القرآن، كأن تجعل ورقة يكتب فيها شيء، ويعلقها في قطعة جلد، أو غير ذلك، أو مسامير أو غير ذلك، مما يفعله بعض الناس أو طلاسم وحروف مقطعة، يجعلونها في وريقات ثم يجعلونها في جلد أو غيره تعلق، كل هذا لا يجوز. ويجب الحذر من ذلك.
(1/318)
________________________________________
120 - حكم لبس الخاتم لقصد الشفاء
س: المستمع أ. ع. م. وحرمه بعثوا برسالة يقولون فيها: إن والدهم توفي وقد كان يلبس خاتما يعتقد أنه يشفي من العقم، وحينئذ كان يلبسه وهو لا يدري أن هذا العمل محرم، ويسألون كيف يتصرفون الآن، بعد أن توفي ذلك الرجل، وهو على ذلكم الجهل؟ وبماذا توصونهم؟ (1)
ج: يدعى له بالعفو والمغفرة؛ لأن هذا جاهل يحسب أن هذا التعلق ينفع، التعلق بالخاتم، وأنه ينفع من باب الدواء ومن باب الطب، لو كان حيا نبه عليه، وأخبر بما في تعليق التمائم والخواتم، لمن يعتقد فيها أنها من أسباب الشفاء، ولا تجوز على ما هو معروف عند أهل
__________
(1) السؤال السابع والعشرون من الشريط رقم (345).
(1/318)
________________________________________
العلم، المقصود أن تعليق خرقة أو ورقة أو خاتم، أو حلقة لقصد الشفاء لا يجوز، والنبي نهى عنه - عليه الصلاة والسلام - لكن ما دام جاهلا فإنه يدعى له بالمغفرة والرحمة، ويصلى عليه والحمد لله.
(1/319)
________________________________________
باب ما جاء في الرقى والتمائم
(1/321)
________________________________________
باب ما جاء في الرقى والتمائم
121 - بيان معنى العزائم والرقى
س: جاء في فتح الباري أن العزائم والرقى لها آثار عجيبة، ما هي العزائم والرقى؟ وما هي آثارها العجيبة؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: العزائم والرقى هي القراءة على المرضى بأن يقرأ على المريض، قرأ يعني عزم عليه، يقرأ من الآيات ومن الدعوات الطيبة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغير هذا من الدعوات الطيبة، لها أثر عجيب في شفاء المريض، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المريض وكان الصحابة كذلك، فالرقية للمريض والدعاء له من أسباب الشفاء، من الدعوات التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن أسباب الشفاء، وقوله صلى الله عليه وسلم في رقية المريض: «اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما (2)» هذا الدعاء من أنفع الدعاء، ومن
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (277).
(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم برقم 5742.
(1/323)
________________________________________
ذلك رقية جبرائيل للنبي بهذه الرقية: «بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك (1)» هذه من الرقى العظيمة، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا ألم بأحدكم شيء من جسده فليضع يده على محل الألم، وليقل: بسم الله، ثلاثا، أعوذ بعزة الله وقدرته، من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات (2)» هذا من أسباب الشفاء، وهكذا قوله: اللهم اشفني، اللهم عافني اللهم من علي بالعافية، اللهم ارزقني العافية، يدعو ربه بالكلمات الطيبة، اللهم اشفني من هذا المرض، اللهم اشفني من كل داء.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى، برقم 2186.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند القبائل، حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، برقم 26638.
(1/324)
________________________________________
122 - بيان الرقية الشرعية
س: السائل مصري ومقيم بتبوك يقول: ما هي الحدود والضوابط في الرقية الشرعية؟ وهل يجوز للراقي أن يرقي مجموعة من الأشخاص في وقت واحد؟ وبماذا تنصحون المرضى مأجورين؟ (1).
ج: الرقية تكون بالقرآن وبالدعوات الطيبة، هذه الرقية مع رجاء أن
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (431).
(1/324)
________________________________________
الله يتقبل وينفع بها، فينفث عليه بريقه ويقرأ الفاتحة أو بعض الآيات، أو آية الكرسي، أو قل هو الله أحد والمعوذتين، القرآن كله شفاء: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (1)، فالرقية تكون بالقرآن، وبالدعوات الطيبة على محل الألم، ينفث على محل الألم: في صدره، أو رأسه، أو يده، أو رجله، ويقرأ الفاتحة وما تيسر معها من القرآن، ويدعو: اللهم رب الناس أذهب البأس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما، ويقول: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس وعين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك، هذه الرقية الشرعية، مع رجاء أن الله ينفع بذلك، وسؤاله أن يتقبل وأن ينفع وأن يشفي المريض، يكون عنده إيمان بأن الله هو الشافي، وأن هذه أسباب، فهو يسأل الله أن يشفي المريض، ويقرأ عليه، ويرجو من الله أن ينفع برقيته، يجوز له أن يرقي أشخاصا: اثنين، ثلاثة، قدامه، ينفث على هذا، وهذا وهذا، يقرأ، لا بأس إذا استطاع ذلك، يكون اثنين أو ثلاثة قدامه، ينفت عليهم، على صدورهم، أو في أيديهم، أو على رءوسهم، على حسب المرض، لا بأس، ما هو بشرط واحد، لو كانوا اثنين قدامه، أو ثلاثة، نفث على هذا وهذا لا حرج فيه، ولا أعلم في هذا حرجا.
__________
(1) سورة فصلت الآية 44
(1/325)
________________________________________
س: يسأل هذا المستمع ويقول: ما هي الآيات التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرقي بها المرض؟ وكيف تكون؟ وهل يرقي بها عند بداية المرض، أو تكون دائمة حتى يزول المرض؟ وما نصيحتكم للقراء؟ مأجورين (1)
ج: كل القرآن مبارك كله رقية، ومن الرقية الفاتحة، وآية الكرسي، قل هو الله آحد والمعوذتين، مما كان يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم ويحث عليه، والفاتحة لأنها أم القرآن، وهي أفضل السور، وآية الكرسي، فالرسول أرشد إلى قراءتها بعد كل صلاة، وعند النوم، وكذلك قل هو الله، والمعوذتين، كان يقرؤها صلى الله عليه وسلم عند النوم ثلاث مرات، عند النوم وينفث في يديه ويمسح بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، كل هذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، وقال: من قرأ هذه السور الثلاث في أول الليل، أو في أول النهار لم يمسه شيء، أو لم يصبه شيء، فهذا كله مما يشرع، وثبت أن بعض الصحابة رقى بعض المرضى بالفاتحة فقط فشفاه الله.
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (429).
(1/326)
________________________________________
س: سماحة الشيخ يستفسر الكثير من الناس عن كيفية الرقية الشرعية؟ (1)
ج: الرقية الشرعية هي الرقية بالآيات والدعوات الطيبة، هذه الشرعية، الرقية بالقرآن أو بالدعوات الطيبة، يرقي بالفاتحة، بآية الكرسي بغيرها من الآيات: قل هو الله أحد المعوذتين، بغيرها، هذه الرقية الشرعية، أو بالدعاء، يدعو له: اللهم رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما، بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك، أو: اللهم اشفه وعافه، اللهم أنزل عليه الشفاء اللهم أبرئه من مرضه، وما أشبه ذلك من الدعوات الطيبة.
س: السائل أبو عبد الله يقول: القرآن فيه شفاء للناس ورحمة، نرجو أن تذكروا الآيات التي يشرع قراءتها على المريض وعدد المرات، وكيفية النفث، جزاكم الله خيرا؛ لأن عندنا شخصا مصابا بمرض ونريد أن نقرأ عليه (2).
ج: كل القرآن شفاء من أوله إلى آخره، وإذا قرأ الفاتحة فهي أعظم سورة في القرآن، كررها، كما قرأها الصحابة على اللديغ، لما
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (405).
(2) السؤال التاسع والثلاثون من الشريط رقم (409).
(1/327)
________________________________________
مروا عليه في بعض أحياء العرب قرأ عليه بعض الصحابة سورة الفاتحة، وكررها فشفاه الله، فإذا قرأ سورة الفاتحة، وقرأ معها آية الكرسي، أو بعض الآيات الأخرى كله طيب، وإذا قرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثلاث مرات، كان حسنا أيضا من أسباب الشفاء، وكل القرآن شفاء، إذا قرأ منه ما يسر الله من البقرة، من آل عمران، من النساء من المائدة، من بقية القرآن، كله شفاء كما قال الله جل وعلا: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (1) وقال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (2) يعني كله شفاء، فإذا تحرى بعض الآيات وقرأها كله طيب، ولكن من أهم ما يقرأ: الفاتحة وآية الكرسي وقل هو الله أحد، وسورتا المعوذتين، كل هذه من أهم ما يقرأ على المريض.
س: الأخ يسأل ويقول: هل يجوز في الرقية أن يقرأ المسلم القرآن الكريم وبعض الأدعية النبوية على الماء أو الزيت، ويقوم المريض بشرب ذلك الماء والاغتسال به، وإذا كان لا يجوز فما الرقية الشرعية، والشروط التي يجب أن تتوفر في الرقية، ويجوز أن يستعملها المسلم بعد ذلك (3).
__________
(1) سورة فصلت الآية 44
(2) سورة الإسراء الآية 82
(3) من ضمن أسئلة الشريط رقم (425).
(1/328)
________________________________________
ج: لا حرج في الرقية في الماء ثم يشرب منه المريض أو يغتسل به، كل هذا لا بأس به، الرقية تكون على المريض بالنفث عليه، وتكون في ماء يشربه المريض أو يتروش به، كل هذا لا بأس به، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رقى لثابت بن قيس بن شماس في ماء ثم صبه عليه، فإذا رقى الإنسان أخاه في ماء ثم شرب منه، أو صبه عليه يرجى فيه العافية والشفاء، وإذا قرأ على نفسه على العضو المريض: يده أو رجله، أو صدره، ونفث عليه ودعا له بالشفاء، فهذا كله حسن.
س: يسأل المستمع ويقول: ما كيفية الرقية بالدعاء يا سماحة الشيخ؟ وما هي الأدعية التي تقرأ؟ (1)
ج: ينفث على المريض على محل المرض ويدعو له، ينفث عليه من ريقه، ويقرأ الفاتحة ويكررها سبع مرات، يقرأ آية الكرسي ويقرأ ما تيسر من القرآن، ويقرأ قل هو الله أحد، والمعوذتين يكررها ثلاثا، هذه الرقية، وينفث معها ويدعو الله ويقول: اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما؛ كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: «بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك (2)». هكذا رقى جبريل النبي عليه الصلاة والسلام، كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، كل
__________
(1) السؤال الثامن والثلاثون من الشريط رقم (430).
(2) مسلم السلام (2186)، الترمذي الجنائز (972)، ابن ماجه الطب (3523)، أحمد (3/ 56).
(1/329)
________________________________________
هذا حسن، وإذا قال: اللهم اشفه، اللهم عافه، اللهم يسر له العافية، والدعوات المناسبة لا بأس، لكن هذا الدعاء الثسرعي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا رقى بدعوات آخرى للمريض، بطلب العافية فلا بأس.
(1/330)
________________________________________
123 - بيان علاج العين
س: السائل أخوكم أبو سعد الدين، مقيم في هذا البلد الطيب، يقول: سماحة الشيخ، المشكلة ملخصها: ذهبت زوجتي لزيارة إحدى جاراتها من باب المودة والصلة والرحمة، وبعد يومين فوجئنا بدعوة من هذه الجارة التي زارتها زوجتي تقول لزوجتي: نريد منك أن تتوضئي، ونأخذ منك ماء الوضوء؛ لأنني مصابة بورم في ساقي، وأظنه حسدا، فقامت زوجتي في الحال، وتوضأت وهي لا تعلم عن هذا الأمر شيئا، وجاءتني وهي تبكي من هذا الأمر، ولأول مرة يحصل لها هذا الأمر، فذهبت إلى جاري وقلت له: يا أخي ما الأمر؟ قال لي: لأن زوجتي محسودة، وأخذنا ماء من كل من دخل عليها، وقال بأن هذا الأمر وارد، وذكر لي حادثة سهل بن حنيف عندما صرعه عامر بن ربيعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. السؤال: هل من علاج الحسد أن نأخذ ماء الوضوء من الحاسد؟ مع العلم
(1/330)
________________________________________
بأن الحاسد غير معلوم؟ وهل الأسلوب الذي تعاملت به هذه الجارة مع زوجتي صحيح بدون علمي؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: العين حق كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم قد تقع العين من المرأة والرجل، إذا رأت المرأة ما يعجبها من جارتها، أو من غيرها، قد تقع العين، وهكذا الرجل قد تقع منه العين لأخيه ولجاره ولغيرهما، فإذا طلب الرجل أو المرأة من الشخص الآخر أن يتوضأ له فلا حرج في ذلك والحمد لله، قد تقع العين بغير اختيار الإنسان، فلا ينبغي له أن يتكدر من هذا، فإن العين حق وليست باختيار الإنسان، قد تقع منه من غير اختياره، ينظر إلى شخص فيعجبه فتقع العين، يعجبه وجهه يعجبه مشيه، يعجبه غير ذلك، فتقع العين، إما مرض في رجل، أو في رأس أو ينصرع أو ما أشبه ذلك، قد يقع، فإذا قال الرجل لأخيه: توضأ لي أو اغسل وجهك أو يديك، أو قالت المرأة لأختها في الله: أصابني كذا، وأخشى من شيء وقع منك بغير اختيارك، بأسلوب حسن، توضئي لي، أو اغسلي وجهك ويديك وأعطنيه لعل الله يشفيني بذلك، كما وقع لسهل بن حنيف وعامر بن ربيعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر عامرا أن يتوضا لسهل، فصب عليه وشفاه الله، فالمقصود أن العين حق ولا حرج أن يقول الإنسان لأخيه، أو المرأة لأختها في
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (397).
(1/331)
________________________________________
الله: اغسلي يديك أو وجهك، أو توضئي، حتى يصب على من يظن أنه أصابته العين فلا حرج في ذلك، وينبغي أن لا يتكدر من قيل له ذلك، فإنه ليس باختياره، العين تقع بغير الاختيار، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
(1/332)
________________________________________
124 - حكم قول: الفاتحة، بنية الشفاء لطالب الشفاء
س: يقول السائل: ما حكم من يقول بعد الصلاة: الفاتحة، بنية الشفاء لطالب الشفاء؟ (1)
ج: هذا بدعة لا أصل له، وإنما المشروع أن يقرأ على المريض، إذا قرأ عليه الفاتحة أو غيرها لا بأس، أما أن يقول: الفاتحة، بهذا الشكل هذا بدعة.
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (431).
(1/332)
________________________________________
125 - الأسباب المعينة على إزالة الهموم التي تصيب الإنسان
س: ما هي الأمور التي تساعد على إزالة الهموم والغموم التي تصيب المسلم؟ وهل يشرع أن يرقي المسلم نفسه من أجل ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: من أعظم الأسباب التي يزيل الله بها الهموم والغموم، الإكثار من ذكر الله سبحانه، والصلاة على نبيه عليه الصلاة والسلام، والإكثار من قراءة القرآن، فإن ذلك من أسباب انشراح الصدر وزوال الهم والغم، فأكثر من ذكر الله، ومن قراءة القرآن، ومن الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام، مع الاستغفار والتوبة من المعاصي والحذر منها، فاحذر المعاصي كلها وتب إلى الله من سالفها، وأكثر من الاستغفار، وأبشر بالانشراح وزوال الهموم والغموم، فطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم أعظم سبب في شرح الصدر وزوال كل ما يضرك ويسوؤك، ولا بأس أن ترقي نفسك؟ تقرأ على نفسك بالفاتحة، أو آية الكرسي أو قل هو الله أحد والمعوذتين، أو بكلها، هذه رقية طيبة، كان النبي صلى الله عليه وسلم عند النوم يجمع كفيه ويرقي نفسه، يقرأ فيهما، قل هو الله أحد والمعوذتين، ثلاث مرات، ثم يمسح بهما ما أقبل من جسده، رأسه ووجهه وصدره، فإن رقيت نفسك بما
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (308).
(1/333)
________________________________________
يسر الله، يعني قرأت على نفسك بما يسر الله من القرآن فذلك من أحسن الأسباب، ومن ذلك الرقية بالفاتحة، وآية الكرسي وقل هو الله أحد، والمعوذتين، كل هذا طيب، والنبي صلى الله عليه وسلم مثل ما تقدم كان يرقي نفسه، قل هو الله أحد، والمعوذتين ثلاث مرات، يقرؤها في كفيه عند النوم عليه الصلاة والسلام، ويمسح بكل مرة ما أقبل من جسده على رأسه ووجهه وصدره.
(1/334)
________________________________________
126 - بيان علاج ضيق الصدر
س: الشخص الذي بشتكي من ضيق في الصدر، هل يقرأ عليه؟ (1)
ج: ينبغي له أن يكثر من ذكر الله ومن قراءة القرآن، وإذا قرئ عليه لا بأس، لكن الأفضل له أن يكثر من قراءة القرآن ومن ذكر الله؛ لأن هذا يشرح الصدر: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (2) يكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله اكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله وبحمده سبحان الله
__________
(1) من ضمن أسئلة الشريط رقم (423).
(2) سورة الرعد الآية 28
(1/334)
________________________________________
العظيم، يكثر من قراءة القرآن إذا كان يحفظ، أو من المفصل إذا كان ما يحفظ إلا القليل، أو يردد السورة التي يحفظها، كل هذا من أسباب شرح الصدر، مع دعاء الرب، يقول: اللهم اشرح صدري اللهم يسر أمري، اللهم اشرح لي صدري اللهم أزل عني كل بأس، اللهم اشفني من كل سوء.
(1/335)
________________________________________
127 - حكم كتابة آيات القرآن على ورق وشرب مائه
س: يقول السائل: هل كتابة القرآن في لوح وشرابه، أو التمسح به مشروع، أم به بدعة؟ وهذا العمل كثير في بلادنا (1).
ج: لا حرج في ذلك، أن يكتب في لوح أو قرطاس آيات أو دعوات بالزعفران، ثم يغسلها ويشربها لا بأس، فعله أهل العلم وأجازه أهل العلم والتحقيق، فلا حرج في ذلك، لكن أفضل من ذلك أن يقرأ على نفسه، أو يقرأ عليه غيره وينفث عليه، أو في ماء ويشربه، وهذا أحسن من الكتابة والله أعلم.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (181).
(1/335)
________________________________________
128 - حكم القراءة على المرأة بلا خلوة
س: يقول السائل: هل تجوز القراءة والنفث على المرأة المصروعة أو الملدوغة بحية أو عقرب، مع وجود جمع من النساء ولا محرم هناك؟ (1)
ج: نعم لا بأس إذا حصل عدم الخلوة، إذا حصل وجود شخص ثالث كأبيها أو أخيها أو امرأة أخرى، المقصود لا يخلو يكون معهم ثالث أو أكثر فلا حرج وإن كان الحاضر من النساء ليس بشرط المحرم، المحرم في السفر فقط.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (331).
(1/336)
________________________________________
129 - حكم كتابة القرآن وشربه للعلاج
س: هل يجوز كتابة القرآن وشرابه للعلاج؟ (1)
ج: لا نعلم مانعا من ذلك، وإن كان الأفضل أن يقرأ على المريض وينفث المريض على نفسه، أو يقرأ عليه أخوه، على يده أو رجله أو موضع الألم منه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، لكن إذا قرأ في ماء وشربه، أو رش به أو كتب آيات ودعوات في إناء بالزعفران أو في ورقة وغسله وشربه لا بأس، فعله جمع من السلف وذكره ابن القيم وغيره عن السلف فلا حرج في ذلك، ولكن الأفضل والأولى والأنفع
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (57).
(1/336)
________________________________________
هو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، كان يقرأ على المريض وينفث على المريض، وكان يقرأ على نفسه وينفث على نفسه إذا أحس بشيء عليه الصلاة والسلام، وكان إذا أراد النوم نفث في يديه ومسح بهما ما أقبل من جسده، ولما مرض مرضه الأخير عليه الصلاة والسلام صارت عائشة تفعل ذلك، تأخذ يديه وتقرأ فيهما وتمسح بهما على ما أقبل من جسده عليه الصلاة والسلام؛ عملا بما كان يعمله في صحته عليه الصلاة والسلام، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في ماء لثابت بن قيس بن شماس ثم صبه عليه، عليه الصلاة والسلام.
(1/337)
________________________________________
130 - حكم كتابة آيات من القرآن بالزعفران وشرب مائه
س: هذا سؤال من مستمعة من الرياض، تقول: سماحة الشيخ جاء لمنزلنا رجل لمعالجة إحدى قريباتي، وذلك بأن يقرأ عليها آيات من القرآن، وعندما دخلت لأستمع فقط لقراءته، وأنا ألبس الحجاب الشرعي طلب أخي من الشيخ أن يقرأ علي، مع العلم بأنني لم أكن أريد ذلك، ولكنه قرأ علي ووضع يده على أنحاء متفرقة من جسدي، مثل الرأس وأيضا الأيدي وأعلى الساق، ولكن من وراء الحجاب، وأعطاني بعض الأوراق التي كتب عليها آيات من القرآن الكريم،
(1/337)
________________________________________
وطلب مني التبخر بها، والسؤال: هل هذا العمل مشروع؟ وهل يجوز؟ وهل علي إثم في ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: إذا قرأ على المرأة ونفث عليها من القرآن، أو قرأ على الرجل، هذا مشروع، أو في ماء وتشرب منه، أو تتروش به، أو كتب لها قرآنا بزعفران ونحوه، وغسله وشربته، فلا بأس، لكن لا يضع يده على شيء من جسدها! لأنها عورة، ولكن من دون ذلك، يقرأ على محل الألم، محل اليد محل الرأس، محل القدم، يقرأ على محل الألم من غير لمس، وإذا تيسر أن يكون الراقي امرأة فهذا أولى وأحسن، المرأة للمرأة والرجل للرجل، ولكن إذا دعت الحاجة للرجل يقرأ من غير مس، وأما كونه يكتب ذلك في ورقة تغسل بالزعفران فلا بأس أيضا، أو في صحن ونحوه، يكتب آيات بالزعفران ثم يغسل ويشرب كل هذا لا بأس به.
__________
(1) السؤال السادس والعشرون من الشريط رقم (411).
(1/338)
________________________________________
131 - بيان حكم التمائم
س: ما حكم الشرع في التمائم والرقى؟ (1)
ج: التمائم ممنوعة وهي ما يعلق على الإنسان سواء كانت من القرآن أو من غير القرآن، والصواب منعها إذا كان من غير القرآن
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (372).
(1/338)
________________________________________
فلا خلاف، تمنع كالطلاسم أو أشياء منكرة عن كتابات منكرة أو عظام أو أشياء غير ذلك هذا منكر، أما إن كانت من القرآن فاختلف فيها العلماء والصواب أنها أيضا تمنع لأمرين: الأمر الأول: عموم الأحاديث مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1)»، «من تعلق تميمة فقد أشرك (2)»، هذا عام. والأمر الثاني: أنه وسيلة لتعليق التمائم الأخرى، صار وسيلة لتعليق التمائم الأخرى فإن التمييز بين هذا وهذا فيه صعوبة، فالواجب سد الباب ومنع التمائم كلها.
س: ما حكم الشرع في التمائم والرقى؟ (3)
ج: التمائم لا تجوز الحروز لا يجوز وتعليق التمائم لا يجوز، الرسول نهى عنها، قال: «من علق تميمة فلا أتم الله له (4)»، «من تعلق
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16951.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(3) السؤال الرابع من الشريط رقم (427).
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(1/339)
________________________________________
تميمة فقد أشرك (1)» فلا يجوز تعليق التمائم، لا من الحديد ولا من غيره، ولا من الرقى، أما كونه يرقى عليه، ينفث عليه إن كان مريضا فلا بأس، رقية شرعية، أما كونه يكتب كتابا يعلقه عليه، أو معضدا يعلقه عليه، أو حديدة يعلقها عليه، كل هذا لا يجوز؛ لأن الرسول نهى من هذا، قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)».
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(1/340)
________________________________________
132 - حكم تعليق التمائم والحلف بغير الله تعالى
س: عندنا في العراق عندما يمرض شخص يذهب إلى السادة، ويكتبون له أوراقا يعلقونها في رءوسهم، فهل يجوز هذا أم لا؟ كذلك الحلف هناك من يحلف بغير الله أو يحلفون بهؤلاء السادة فما حكم ذلك؟ (1)
ج: تعليق التمائم على الأولاد خوف العين، أو خوف الجن، أمر لا يجوز، وهكذا تعليق التمائم على المرضى، وإن كانوا كبارا لا يجوز! لأن هذا فيه نوعا من التعلق على غير الله، فلا يجوز لا مع السادة المنسوبين إلى الحسن والحسين، أو غيرهما ولا مع غيرهم من العلماء ولا مع غيرهم من العباد، لا يجوز هذا ابدأ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (42).
(1/340)
________________________________________
قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1)». وفي رواية عنه أنه قال: «من تعلق تميمة فقد أشرك (2)».
والتميمة هي ما يعلق على الأولاد، أو على الكبار عن العين أو عن الجن من خرز أو ودع أو عظام ذئب أو ذيله، أو أوراق مكتوب فيها كتابات، حتى ولو من القرآن الكريم، على الصحيح، حتى ولو آية الكرسي أو غيرها، لا يجوز التعليق مطلقا ولو كان من القرآن؛ لأن الأحاديث عامة، فالرسول صلى الله عليه وسلم عمم وأطلق، ولم يستثن شيئا فدل ذلك على أن التمائم كلها ممنوعة، وأن ما يعلق على الأولاد عن العين أو عن الجن، أو يعلق على المرضى الكبار كله لا يجوز، والمشروع في هذا أن الإنسان يسأل ربه العافية، ولا بأس أن يقرأ عليه المؤمن العارف بالقراءة يقرأ عليه آيات، يدعو له بدعوات شرعية، ينفث عليه برقية طيبة، هذا لا بأس، أما أن يعلق في قرطاس، أو في رقعة في عضده، أو في رقبته هذا لا يجوز، وهذا من الشرك الأصغر، وقد يكون من الأكبر إذا اعتقد صاحبه أنها تدفع عنه وأنها تكفيه الشرور، هذا يكون من الشرك الأكبر، أما إذا اعتقد أنها من الأسباب فهذا شرك أصغر، والواجب قطعها وإزالتها.
وكذلك الحلف بغير الله لا يجوز ومن الشرك الأصغر أيضا، وقد يكون من الشرك الأكبر إذا اعتقد الحالف بغير الله أن هذا المحلوف به مثل الله، أو أنه يصلح أن يتصرف من دون الله، أو أنه يتصرف في الكون
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(1/341)
________________________________________
هذا يكون شركا أكبر، نعوذ بالله، الحاصل أن الحلف بغير الله لا يجوز، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (1)»، وقال: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد (2)». وقال عليه الصلاة والسلام: «من حلف بغير الله فقد كفر (3)» وفي لفظ: «فقد أشرك (4)» وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «من حلف بالأمانة فليس منا (5)». وقال ذات يوم لبعض أصحابه في السفر وهم يحلفون بآبائهم: قال لهم عليه الصلاة والسلام: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت (6)». وقال ابن عبد البر - الإمام المغربي المعروف - المتوفى سنة 463 هـ: (إن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز الحلف بغير الله).
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات؛ باب كيف يستحلف، برقم 2679، ومسلم في كتاب الإيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله، برقم 1646.
(2) أخرجه النسائي في كتاب الأيمان، باب الحلف بالأمهات، برقم 3769.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، برقم 6036.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، برقم 4886.
(5) أخرجه أبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب كراهية الحلف بالأمانة، برقم 3253.
(6) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا، برقم 6108.
(1/342)
________________________________________
هذا يفيدنا أن الحلف بالأمانة أو بالنبي أو بالكعبة أو بحياة فلان أو شرف فلان، هذا لا يجوز، وإنما يكون الحلف بالله وحده، يقول: بالله، تالله، والله، هذا هو المشروع، أما الحلف بغير الله كائنا من كان فلا يجوز.
(1/343)
________________________________________
133 - حكم تعليق الحجب والحرز
س: تعليق الحجاب على الجسم بقصد أنه ينفع، هل هو حلال أم حرام، وهي آية من الآيات، وعليها بعض المربعات. إذا كانت حراما فهل أدفنها أم أقوم بحرقها؟ (1)
ج: تعليق الحجب أمر لا يجوز، سواء من الآيات أو من غير الآيات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (3)».
التمائم هي الحجب التي تعلق على الناس، والرقى الشركية التي
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط رقم (213).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، برقم 3604.
(3) أبو داود الطب (3883)، ابن ماجه الطب (3530)، أحمد (1/ 381).
(1/343)
________________________________________
لا نعرف معانيها، أو بلسان مجهول، أو فيها إثم، وتوسلات منكرة، أما الرقى الشرعية التي ليس فيها منكر فلا بأس أن يرقي أخاه بالآيات، أو بالدعوات الطيبة، وأما التمائم فهي الحجب، لا يجوز تعليقها مطلقا، لا على الرقبة ولا في العضد، ولا في غير ذلك، ويجب إتلافها بإحراقها أو دفنها في أرض طيبة، إذا كانت آيات.
(1/344)
________________________________________
134 - الحكمة التشريعية من تحريم التمائم والحروز
س: الأخ ش. ك. ع. من جمهورية السودان، يسأل ويقول: ما حكم التمائم مع ذكر الدليل لكي تتضح المسألة؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: تعليق التمائم من المحرمات الشركية، والتمائم هي ما يكتب في الرقاع من خرق أو قراطيس أو رقاع من الجلد، أوغير ذلك، يكتب فيها طلاسم لا تعرف معناها، وربما يكتب فيها بأسماء لبعض الشياطين، بعض الجن، وربما كتب فيها دعوات أو آيات، ثم تعلق على المريض أو على الطفل، يزعمون أنها تدفع عنهم الجن، وبعضهم يعلقها لدفع العين، وكانت الجاهلية تفعل ذلك، تعلق التمائم على الأولاد والأوتار
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (148).
(1/344)
________________________________________
على الإبل، ويزعمون أنها تدفع عنهم البلادة وهذا من الجهل بالله وقلة البصيرة، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بقطع التمائم، وقال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1)». «من تعلق تميمة فقد أشرك (2)» ونهى عن تعليق الأوتار على الدواب، وبعث في الجيوش من يزيل ذلك، ويقطع الأوتار التي تعلق على الإبل أو الخيل، المقصود أن تعليق الأوتار والتمائم أمر كان معروفا في الجاهلية، فنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأبطله، والتعليق للتمائم والأوتار عند أهل العلم من الشرك الأصغر، إذا كان قصد المعلق أنها سبب، أما إذا كان قصد المعلق أنها تدفع بنفسها، وأنها تصرف السوء بنفسها فهذا شرك أكبر نعوذ بالله، وهناك مسألة اختلف فيها العلماء؛ وهي ما إذا كانت التمائم من القرآن أو من الدعوات الطيبة، وليس فيها طلاسم ولا شركيات ولا أشياء منكرة، هل تجوز أم لا تجوز؟ أجازها بعض السلف، وقالوا: إنها من جنس الرقية، وأجازوا تعليق التمائم التي من القرآن، أو من دعوات لا بأس بها. وقال آخرون من أهل العلم: لا تجوز بل جوازها فتح لباب الشرك، وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم وأطلق ولم يخص شيئا دون شيء، بل قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له (3)»، «من تعلق تميمة فقد أشرك (4)»، هذا عام. وقال:، «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (5)» فإذا أجزنا التمائم من القرآن فقد خالفنا
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(1/345)
________________________________________
هذه الأحاديث العامة، والعموم حجة يجب الأخذ به، ثم إذا أجزنا هذه التمائم من القرآن صار فتحا لباب الشرك؛ لأنها تلتبس الأمور وتختلط هذه بهذه، ويلبس الناس هذه بهذه فيقع الشرك، وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع بأدلة كثيرة، كل شيء يفضي إلى الشرك أو إلى المحرمات يمنع، ولا شك أن تعليق التمائم من القرآن، أو من الدعوات المباحة يخالف الأحاديث العامة والنهي العام، ويسبب فتح باب الشرك واختلاط الأمور، فلهذا كان الصواب منع الجميع، الصواب منع التمائم كلها من القرآن وغير القرآن؛ أخذا بعموم الأحاديث وسدا لباب الشرك، والله المستعان.
(1/346)
________________________________________
135 - حكم تعليق الحجب من القرآن
س: هل يجوز لبس الورقة (الحجاب)؛ وهي عبارة عن ورقة من دفتر عادي، ويكتب عليها الشخص الذي يدعونه؛ يكتب عليها آية الكرسي وسورة الفاتحة والمعوذتين؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: تعليق التمائم لا يجوز لا أوراق ولا خرق ولا غير ذلك؛ وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، ولم يرشد إلى هذا عليه الصلاة والسلام
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (335).
(1/346)
________________________________________
وإنما أرشد إلى القراءة، قراءة القرآن والعلاج بالقرآن بالنفث بحيث ينفث الإنسان على نفسه، وكان صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى نفث في كفيه وقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين ثلاث مرات، ثم مسح بذلك ما أقبل من جسده من رأسه ووجهه وصدره، أما ما يكتب فيها أوراق تعلق فهذا لا يجوز، بل هذا من وسائل الشرك والاعتماد على غير الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1)»، «من تعلق تميمة فقد أشرك (2)».
هذه يقال لها: التمائم، ويقال لها: الحروز ويقال لها: الحجب، وليس منها شيء من المباحات فكل هذا لا يجوز، لا يجوز تعليق قرآن ولا غير قرآن، وإذا كان من غير القرآن صار أشد في الإنكار؛ كالطلاسم أو العظام أو الحديد أو ما أشبه ذلك، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم على إنسان حلقة فقال: «ما هذا؟ " قالوا: من الواهنة، فقال: " انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا (3)».
فالمقصود أن المؤمن يتجنب هذه الأشياء، ولا يعلق تميمة ولا ورقة ولا خرقة ولا غير ذلك، مما يرى أنها حرز ينفع من الجن أو ينفع من العين أو ما أشبه ذلك، ويسمونها الحروز ويسمونها التمائم
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند البصريين حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما برقم 19498.
(1/347)
________________________________________
ويسمونها الحجب كل هذا لا يجوز، والصواب أنها لا تجوز حتى ولو كانت من القرآن، والصواب منعها سدا للذريعة وعملا بالأحاديث عامة، في منع التمائم والتعليقات، وهي من الشرك الأصغر، فإن كان صاحبها يعتقد أنها تدفع عنه الشر بنفسها صار ذلك من الشرك الأكبر، أعوذ بالله من ذلك.
(1/348)
________________________________________
136 - حكم تعليق الحرز من القرآن
س: يقول السائل: أرى بعض الناس يكتبون آيات من القرآن، ويربطونها في أعناقهم، ويقولون: هذا حجاب من كذا وكذا. هل هذا مشروع؟ وهل الصحابة فعلوا شيئا من هذا؟ (1)
ج: هذا ليس بمشروع، هذا يسمى التميمة ويسمى الحرز، يسميه بعض الناس الجوامع، هذا لا يجوز فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)»، فلا يجوز تعليق التمائم وهي الحروز، وهي أن يكتب آيات أو دعوات أو أحاديث، ويعلقها في عنقه أو في عضده، هذا لا يجوز والواجب الحذر من ذلك، أما كونه يتعاطى الورد الشرعي يقرأ على
__________
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (181).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(1/348)
________________________________________
نفسه عند النوم، ويتعاطى الأوراد الشرعية، هذا مطلوب مأمور به شرعا، وعند النوم يقرأ آية الكرسي، ويقرأ قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثلاث مرات عند النوم، كل هذا من أسباب العافية والسلامة، كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسي لا يزال معه من الله حافظ، ولا يقريه شيطان حتى يصبح (1)».
فأنت استعمل هذا، تقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (2) تقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثلاث مرات، (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات، صباحا ومساء، تقرأ: قل هو الله أحد ثلاثا وقل أعوذ برب الفلق ثلاثا وقل أعوذ برب الناس ثلاثا، بعد المغرب، وعند النوم، وبعد صلاة الفجر؛ كل هذا من أسباب السلامة، والحمد لله، والله يغنيك بهذا عن التميمة المكتوبة المعلقة.
__________
(1) أخرجه الدارمي في كتاب فضائل القرآن، باب فضل أول سورة البقرة وآية الكرسي برقم 3386.
(2) سورة البقرة الآية 255
(1/349)
________________________________________
137 - حكم لبس القلائد من القرآن
س: يقول السائل: ما رأي سماحتكم في القلائد؛ أي كتابة الآيات القرآنية، ووضعها في قطعة قماش، وتعليقها على جسم الشخص أو تحت الوسادة؟ (1)
ج: تعليق التمائم ويقال لها: الحروز، ويقال لها أيضا: الجوامع، لا يجوز؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)»، وقال عليه الصلاة والسلام: «من علق تميمة فقد أشرك (3)». وقال: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (4)». فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على منع التمائم، وأنه لا يجوز تعليقها على المريض ولا على الطفل، ولا جعلها تحت الوسائد كل ذلك لا يجوز! لأنه من عمل الجاهلية، ولأنه يسبب تعلق القلوب بهذه القلائد وصرفها عن الله عز وجل، ولأنه أيضا يفضي إلى التعلق بها والاعتقاد فيها، وأنها تصرف عنه البلاء وكل شيء بيد الله ليس بيد التمائم شيء، بل الله هو النافع الضار وهو الحافظ لعباده، وهو مسبب الأسباب، فلا يجوز للمسلم أن يتعاطى شيئا من الأسباب التي يظن أنها أسباب إلا بإذن الشرع كالقراءة على المريض، والتداوي بالأدوية المباحة، هذه أذن فيها الشرع، أما التمائم
__________
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (154).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(1/350)
________________________________________
فلم يأذن فيها الشرع، وتعليقها على الأطفال لم يأذن به الشرع، بل نهى عنه للأسباب التي سبق ذكرها، واختلف أهل العلم فيما يتعلق بالتمائم التي تكون من القرآن أو من الدعوات المباحة، هل تجوز أم لا؟ والصواب أنها لا تجوز؛ لأمرين: أحدهما أن الأدلة التي تمنع التمائم مطلقة عامة، ليس فيها استثناء بخلاف الرقى، فإنه يجوز منها ما ليس فيه شرك، لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (1)». وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (2)». هذا عام لكن جاءت الأحاديث باستثناء الرقى التي ليس فيها بأس، وهي ما يكون من القرآن ومن الدعوات الطيبة، تقرأ على المريض هذه لا بأس بها! لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (3)» ولأنه رقى ورقي عليه الصلاة والسلام، فلا بأس بذلك، أما التمائم فلم يأت فيها استثناء فتبقى على العموم والمنع، وهكذا التولة وهي نوع من السحر يتعاطاه النساء وتسمى الصرف والعطف، صرف الرجل عن زوجته إلى غيرها، أو عطفه عليها دون غيرها، وهو من السحر وهو منكر لا يجوز بل من المحرمات الشركية، سواء الصرف أو العطف كله من السحر لا يجوز، وأما التمائم التي من العظام أو من الودع أو من شعر
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(2) أبو داود الطب (3883)، ابن ماجه الطب (3530)، أحمد (1/ 381).
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.
(1/351)
________________________________________
الذئب أو من حيوانات أخرى، هذه كلها محرمة لا تجوز وليس فيها نزاع بل هي ممنوعة، وإنما النزاع والخلاف إذا كانت التمائم من القرآن، أو من دعوات معلومة لا بأس بها، هذه هي محل الخلاف، والصواب أنها ممنوعة أيضا، لما تقدم من كون الأحاديث عامة في منع التمائم ولم يستثن منها الرسول عليه الصلاة والسلام شيئا.
والأمر الثاني سد الذرائع التي تفضي إلى الشرك، فإنه متى سمح للتمائم التي من القرآن، أو الدعوات المباحة التبس الأمر وعلقت هذه وهذه، ولم يتميز الممنوع من الجائز وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع، والنهي عن وسائل الشرك كلها، فوجب منع التمائم كلها لهذين المعنين والسببين: لعموم الأدلة وسد الذرائع.
وذكر بعض أهل العلم مانعا ثالثا، وهو: أن تعليقها وسيلة إلى أن يدخل بها صاحبها إلى محلات قضاء الحاجة، ولا يبالي وفيها آيات قرآنية، فيكون ذلك من أسباب امتهانها، وعلى كل حال فهذا وجه من المنع، لكن المعنيين الأوليين أبلغ في الحجة وأبين في المنع وهما عموم الأدلة، وليس هناك استثناء لشيء من التمائم، والمعنى الثاني سد الذرائع التي تفضي إلى الشرك، ولا ريب أن إجازة التمائم التي من القرآن، أو من الدعوات المباحة والأسباب المباحة لا شك أنها وسيلة إلى تعليق النوعين، ولا حول ولا قوة الا بالله.
(1/352)
________________________________________
138 - حكم صلاة من صلى بالحجب والحرز
س: السائل يقول: بأنني كنت مريضا، وكتب لي أحد الإخوان حجابا، ولبسته، هل تصح صلاتي في ذلك وأنا أرتدي الحجاب؟ وهل الحجاب محرم يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: الصلاة صحيحة والحجاب يقطع ويزال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم، وهذا من التمائم، يقول صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)» والتميمة يسمونها الحجاب، يسمونها الجوامع، جامعة ويسمونها أسماء أخرى، فالمقصود أنه لا يعلق، لا خيط ولا خرقة ولا شيء يقرأ فيه ويعلقه، كل هذا يسمى حجابا، ويسمى تميمة لا يجوز تعليقها، والواجب قطع ذلك. أما الصلاة فهي صحيحة.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (359).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(1/353)
________________________________________
139 - بيان الحكم في تعليق القرآن على المرضى
س: سائل يقول: إن إمام المسجد متفرغ للإمامة، ويقوم بكتابة القرآن وإعطائه للمرضى؛ ليلبسوه بما يسمى بالحجاب، وهذه الإمامة متوارثة، أي عن جد وأب، ونفس العمل - أقصد الرقى وكتابة القرآن - هو مصدر كسبهم، فما هو.
(1/353)
________________________________________
تعليق سماحتكم على هذا؟ أرجو أن توجهونا، وكيف أتصرف فيما إذا كان من قرابتي؟ (1)
ج: تعليق القرآن الكريم على المرضى، أو على الأطفال كل ذلك لا يجوز في أصح قولي العلماء، وبعض أهل العلم أجاز ذلك، ولكن لا دليل عليه، والصواب أنه لا يجوز تعليق القرآن، ولا غيره من الدعوات أو الأحاديث لا على الطفل، ولا على غيره من المرضى، ولا على كبير السن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم، والتمائم: هي ما يعلق على الأولاد أو على الكبار، وتسمى الحروز وتسمى الحجب، والصواب أنها لا تجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له (2)»، «من تعلق تميمة فقد أشرك (3)»، ويقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (4)». ولم يستثن شيئا، فما قال: إلا القرآن، بل عمم عليه الصلاة والسلام، فوجب الأخذ بالعموم، ولأن تعليق القرآن وسيلة إلى تعليق غيره؛ لأن الناس يتوسلون بالمباحات إلى ما حرم الله، فكيف بشيء فيه شبهة، وإن أفتى بذلك بعض أهل العلم، فهذا يسبب التساهل؛ فالواجب الحذر من ذلك أخذا بالعموم، وسدا للذرائع؛ ذريعة الشرك، فإن تعليق التميمة من القرآن وسيلة إلى تعليق تميمة أخرى، هكذا الناس لا يقفون عند حد في الغالب، والواجب الأخذ بالعموم، وليس هناك.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (443).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(1/354)
________________________________________
دليل يخص الآيات القرآنية أو يستثنيها، والرسول صلى الله عليه وسلم أفصح الناس وأنصح الناس، ولو كان يستثني من ذلك شيء لقال: إلا كذا وكذا، أما الرقية فلا بأس، فيرقي بالقرآن وبالدعوات الطيبة، كان النبي عليه الصلاة والسلام يرقي، وقال: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (1)»، وقوله: «الرقى والتمائم والتولة شرك (2)» يعني: الرقى المجهولة، أو الرقى الشركية التي فيها التوسل بغير الله، أو دعاء غير الله، فالرقى المذكورة في هذا الحديث هي الرقى المخالفة للشرع، أما الرقى الشرعية فلا بأس بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (3)».
أما التمائم فكلها ممنوعة سواء كانت من القرآن، أو من غير القرآن، هذا هو الأصح من أقوال أهل العلم.
أما التولة فهي السحر، ويسمى العطف والصرف، والسحر لا يجوز كله، ولا يجوز لأحد أن يتعاطى السحر، بل يجب الحذر منه، والسحر في الحقيقة لا يتوصل إليه إلا بالشرك، إلا بعبادة الجن والاستغاثة بهم وخدمتهم، وبطاعتهم بمعاصي الله؛ ولهذا قال الله سبحانه في حق الملكين: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (4) بين أن الملكين يخبران أن تعلم السحر كفر، والله يقول جل وعلا: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (5). فتعليم السحر وتعلمه
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.
(4) سورة البقرة الآية 102
(5) سورة البقرة الآية 102
(1/355)
________________________________________
منكر عظيم، ومن الشرك الأكبر؛ لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن، والاستغاثة بهم والتقرب إليهم، وما يهديهم من الذبائح والنذر، نسأل الله السلامة والعافية.
(1/356)
________________________________________
140 - حكم كتابة بعض آيات القرآن على جسم المريض
س: مريض يكتب له رجل صالح القرآن يعالجه به من أي مرض، هل يمكن أن يحدث العكس، لو استعمل آيات القرآن واستغفز الله على صورة معكوسة، وأقصد بذلك قول العامة: فلان حب فلانا، فإذا كان العلاج عكسه ممكنا حدوثه؟ أرجو شرح ذلك وذكر كيفية التحصن من العبث، ثم شرح أسبابه (1).
ج: كتابة الآيات لعلاج المريض هذا غير مشروع لا تعلق عليه ولا تكتب على جسده، كل هذا غير مشروع، إنما المشروع أن يقرأ عليه، ينفث عليه ويدعو له بالشفاء والعافية، يقرأ عليه بعض الآيات على بعض من جسده على يده، على رأسه يدعو له هذا لا بأس، الرقية مشروعة، كونه يرقي المريض فيدعو له يقرأ عليه القرآن حتى يشفيه الله، فالنبي رقى ورقي عليه الصلاة والسلام، وقال: «لا بأس بالرقى ما لم
__________
(1) السؤال التاسع عشر من الشريط رقم (39).
(1/356)
________________________________________
تكن شركا (1)» الرقى الشرعية، كونه يقرأ على المريض من القرآن يدعو له بالشفاء، هذا كله مشروع، كله سنة، أما أن يكتب الآيات وتعلق برقبته، أو في عضده فهذا ليس من الشرع، أو يكتب له أحاديث أو كلمات أخرى دعوات أو مسامير أو طلاسم أو حروف مقطعة، أو أشباه ذلك كل هذا لا يجوز، حتى القرآن لا يعلق؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)» فالحجب والحروز والأشياء التي يفعلها بعض الناس، يعلقونها على المرضى في أعناقهم، أو يعلقونها في أعضدهم أو في غير ذلك، هذا لا يجوز، لكن الرقية لا بأس بها، كونه يرقي المريض يدعو له، يقرأ عليه آيات هذا طيب، هذا يسمى الرقية لا بأس بها، أو يرقيه في ماء يشرب، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من هذا أيضا، كما في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قرأ في ماء لثابت بن قيس، هذا لا بأس به، وأما التعليق فلا يعلق لا قرآن ولا غيره، لا يعلق في الرقبة ولا في اليد؛ كل هذا ليس بعلاج وليس مشروعا، بل منهي عنه.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(1/357)
________________________________________
141 - حكم حمل المصحف في الجيب للوقاية من العين
س: أريد أن أحمل مصحفا صغيرا في جيبي؛ ليحميني من نظرات السوء وخواطر الشيطان، فهل يجوز ذلك، علما بأن الإنسان لا يستطيع أن يبقى متوضئا دائما؟ فهل يصح حمله بدون وضوء، وبدون مسه باليد؟ (1).
ج: حمله بهذه النية لا يجوز؛ لأن هذا معناه أنك جعلته تميمة، جعلته حجابا ليقيك العين وغيرها، وهذا باطل، ليس حمله مما يقي العين، ولكن تحمله للقراءة لا بأس، تحمله في جيبك حتى تقرأ إذا تيسر في المسجد أو في بيتك لا بأس، وتحمله بالغلاف إذا كنت على غير طهارة، يكون له غلاف تحمله به، أما أن تحمله ليقيك شر العين بزعمك، أو الآفات هذا غلط، هذا باطل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له (2)» وهذا يعم كل شيء؛ فليس لك أن تحمل المصحف بهذه النية وهذا القصد، ولكن تحمله لتقرأ فيه لا بأس بهذا، تقرأ فيه إذا كنت على طهارة، وإذا كنت على غير طهارة تبقيه في جيبك حتى تتوضأ، وتقرأ لا بأس وتحمله بعلاقة أو بغلاف.
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (215).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(1/358)
________________________________________
142 - حكم وضع المصحف في السيارة خشية العين
س: السائل أحمد أ. أ. يقول: بالنسبة لبعض الشباب يضعون في السيارة المصحف؟ وذلك خشية من العين (1).
ج: هذا لا أصل له بل بدعة من جنس التميمة، من جنس الحروز، ولكن يقرأ إذا ركب يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، يسأل ربه العافية، أما وضع المصحف أو آيات؛ بناء على الحرز هذا لا أصل له، بل هذا من البدع، وهذا من جنس تعليق التمائم لا يجوز.
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (404).
(1/359)
________________________________________
143 - حكم وضع المصحف عند الطفل لقصد الحرز
س: يقول السائل: هل يجوز وضع مصحف عند الطفل، أو تعليقه في السرير؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: هذا لا أصل له، إذا كان المقصود من ذلك أن يكون حرزا له، فهذا لا أصل له، ثم أيضا وضعه عنده قد يعبث فيه، ويستهين به؛ لأنه طفل، فلا ينبغي وضعه عنده، إذا كان يستهين به أو يلعب به فلا يوضع عنده، إذا كان القصد من ذلك أن يكون حرزا له من
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (242).
(1/359)
________________________________________
الشياطين أو الجن كل هذا لا أصل له، وإنما أهله يعيذونه بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في الليل يعوذ الحسن والحسين عند النوم، يقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة (1)»، فوالده أو أمه تقول له عند النوم: أعيذك بكلمات الله التامة من شر ما خلق، أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة. أما جعل المصحف عند رأسه، أو عند سريره لأجل أن يكون حرزا له، أو كتابة أوراق تعلق عليه، كل هذا لا يجوز. والله المستعان
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا)، برقم 3371.
(1/360)
________________________________________
144 - حكم تعليق حرز الحصن الحصين
س: السائلة س. م. ص. من الأردن، تقول: كثير من الناس يشترون كتابا صغيرا اسمه (الحصن الحصين)، وتوجد في هذا الكتاب آيات قرآنية وأدعية، ومكتوب في أوله أنه من قرأ هذا الحصن، إذا كان مدانا انقضى دينه، وإذا كان مسجونا خرج من سجنه، وإذا كان مريضا شفي من مرضه، وأنه دواء لكل داء، وأنه نافع للطفل إذا مرض، فعلى والدته أن تعلقه على صدره، وأنه نافع للفتيات البكر،
(1/360)
________________________________________
اللائي لم يتزوجن، فإنها تضعه في قطعة حرير خضراء، وتعلقه على رأسها، حتى تتزوج مبكرا، فما حكم ذلك بارك الله فيكم؟ (1)
ج: كل هذا غير صحيح، بل منكر والتمائم نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وحذر منها، فلا تعلق على المرأة ولا على الرجل ولا على الطفل، لا هذا الحصن الحصين، ولا غيره ولا آية ولا حديث ولا دعاء، لا يعلق، الصواب أنه ينهى عن التعليق، ولكن يفعل المسلم ما شرع الله من التعوذات الشرعية، كأن يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق صباحا ومساء، يكررها ثلاثا، وإذا دخل المنزل يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك (2)»، «وقال له بعض الصحابة في بعض الليالي: ما رأيت الليلة من مرض أو أذى من عقرب لدغتني؟ قال: " أما إنك لو قلت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك (3)».
وقال صلى الله عليه وسلم: «من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في
__________
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (273).
(2) كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء، ودرك الشقاء وغيره، برقم 2709.
(3) مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2709)، أحمد (2/ 375)، مالك الجامع (1774).
(1/361)
________________________________________
الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات صباحا، لم يضره شيء حتى يمسي، وإن قالها مساء لم يضره شيء حنى يصبح (1)».
هذه الأذكار الشرعية والتعوذات الشرعية مستحبة، وفيها خير عظيم، وهكذا آية الكرسي، إذا قرأها عند النوم: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (2).
إذا قرأها عند النوم لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، هكذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية العظيمة، وهي أعظم آية في القرآن، آية الكرسي من قرأها عند النوم لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، فنوصي بقراءتها عند النوم، وبعد كل صلاة كما جاء في الحديث أيضا، كذلك قراءة قل هو الله أحد والمعوذتين بعد كل صلاة مستحبة، ويستحب تكرارها ثلاثا بعد المغرب والفجر، هذه السور الثلاث وعند النوم كذلك، نوصي بهذه الأشياء.
أما تعليق آيات أو أحاديث أو دعوات أو حرز الحصن الحصين،
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه، برقم 529.
(2) سورة البقرة الآية 255
(1/362)
________________________________________
هذا كله لا أصل له، بل هو من البدع ومن التمائم المنكرة، وهكذا أن من قرأه أنه ما يضره شيء كل هذا لا دليل عليه، بل هو من خرافات بعض من ينتسب إلى العلم.
(1/363)
________________________________________
145 - حكم تعليق الأدعية على الجسم
س: هل يجوز تعليق بعض الأدعية الواردة في الكتاب والسنة على صدر الرجل أو المرأة؛ لتكون حرزا لهم من الجن والشياطين؟ (1)
ج: هذا لا يجوز، لا من القرآن ولا من السنة ولا من غيرهما، وتسمى التمائم، وتسمى الجامعات، وتسمى الحجب، لا يجوز تعليقها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له. ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (3)». فالرقى هي الرقى المجهولة، التي لا تعرف أو فيها شرك، وفيها منكر فهي ممنوعة! والتمائم ممنوعة كلها وهي ما يكتب في الرقع والقراطيس ونحوها، ثم يجعل في رقعة. أو كيسة تعلق على الطفل أو على المريض كل هذا لا يجوز بل هذه التمائم حتى
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (195).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(1/363)
________________________________________
ولو كانت من القرآن، حتى ولو كانت من الأدعية المباحة، فإن الصحيح أن التمائم تمنع مطلقا، لكن من غير القرآن أشد في التحريم، أما القرآن فهو من باب سد الذرائع، يجب على المؤمن أن يمتنع من ذلك؛ لئلا يقع فيما حرم الله جل وعلا، فالله سبحانه شرع لعباده ما فيه سعادتهم، وفيه نجاتهم وفيه صلاحهم، ولم يشرع لهم ما فيه ضررهم، بل شرع لهم سبحانه ما فيه الصلاح والسعادة في العاجل والآجل، فليس للإنسان أن يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله سبحانه وتعالى؛ لأنها من البدع فليس له أن يعلقها ولو كانت من القرآن، أو من السنة كما تقدم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم منع من التمائم وتوعد من تعلقها بأن الله لا يتم له، ومن تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، فالواجب على المؤمن والمؤمنة التحرز بالأدعية الشرعية لا لتعليقه، فالمريض يدعى له بالشفاء والعافية، والطفل يدعى له بالشفاء، والعافية ويعوذ يقال: «أعيذك بكلمات الله التامات، من شر ما خلق (1)» عند النوم، كما «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين، يقول لهما:، أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة (2)»، ويعود أن يعتاد الذكر والدعاء، والتعوذ بالله إن كان يعقل حتى يتعوذ بنفسه عند نومه، وعند دخوله، وفي خروجه، المقصود ليس
__________
(1) مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2708)، الترمذي الدعوات (3437)، ابن ماجه الطب (3547)، أحمد (6/ 409)، الدارمي الاستئذان (2680).
(2) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم 3371.
(1/364)
________________________________________
هناك حاجة إلى تعليق التمائم، وقد أجاز بعض العلماء تعليق التميمة التي من القرآن أو من الأدعية المباحة وقال: إنها من جنس الرقية، كما أن الرقية تجوز إذا كانت من القرآن والدعوات الطيبة كذلك التميمة إذا كانت من القرآن، والجواب: إن هناك فرقا بين هذا وهذا، الرقية جاء فيها أن النبي رقى ورقي عليه الصلاة والسلام، وقال: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (1)» فدل على استثناء الرقية الجائزة، وأنها مستثناة من قوله: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (2)»؛ لأن الرسول رقى ورقي.
أما التمائم فلم يرد فيها استثناء ولم يرد أنه علق تميمة على أحد، فلا يجوز أن تلحق التمائم بالرقى، بل التمائم ممنوعة مطلقا، ولأن تعليق التمائم من القرآن ومن الأدعية المباحة وسيلة إلى تعليق التمائم الأخرى، ومن يدري أن هذا سليم وهذا ليس بسليم، فينفتح باب الشرك والتعليق للتمائم الأخرى، والشريعة الكاملة جاءت بسد الذرائع التي توصل إلى الشرك، فالأحاديث عامة في تعليق التمائم والنهي عن ذلك، وسد الذرائع أمر لازم واجب، فتعين من هذا وهذا منع جميع التمائم مطلقا، حتى ولو كان من القرآن أو من الدعوات المباحة؛ سدا لذريعة الشرك، وعملا بالعموم وحتى يعتاد المؤمن الثقة بالله، والاعتماد عليه وسؤاله والضراعة إليه، أن يعيذه من شر ما يضره، وأن يكفيه شر ما يهمه، وأن لا يعتمد على شيء يعلقه في رقبته، أو عضده، فالذي جاء به
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(1/365)
________________________________________
الشرع فيه الخير كله والصلاح كله، للصغار والكبار والمريض وغير المريض، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
(1/366)
________________________________________
146 - حكم تعليق الأدعية على الميت
س: هناك بعض الأدعية تعلق على الميت؛ لتكون في قبره مذكرة ومعينة على سؤال منكر ونكير، ما حكم مثل هذا؟ (1)
ج: هذا أيضا لا أصل له، بل منكر وبدعة إن مات على استقامة لقنه الله، وأجاب منكرا ونكيرا، وإن مات على غير الاستقامة ما نفعته هذه الأشياء التي معه، إنما هو تثبيت الله جل وعلا، من ثبته الله بالقول الثابت أجاب ومن لم يثبت لم يجب، من مات على هدى واستقامة أجاب: ربي الله والاسلام ديني، ومحمد نبيي، وإذا مات على غير هدى قال: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان؛ فليست التعليقات التي تعلق عليه بنافعة له، ولا قيمة لها؛ بل هذه من البدع التي أحدثها الناس، والله المستعان.
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (195).
(1/366)
________________________________________
147 - حكم وضع الحجب والحروز تحت فراش النوم
س: يقول السائل: لي والدان على قيد الحياة والحمد لله، ولكنهم يكتبون لي حجبا عند العرافين، ويضعونها تحت فراشي الذي أنام عليه، وعندما قمت بتنظيف ذلك الفراش وجدت حجابا، وهو عبارة عن قطعة من القماش بها خيط معقود وكزبرة وشبة وغيرها من الحبوب الأخرى، فقمت بحرقه ولم أخبرهم بهذا العمل، فهل عملي هذا معصية لهم؟ وبماذا توجهون الآباء جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: قد أحسنت فيما فعلت في إتلاف هذا الحجاب، ووضع الحجب منكر لا يجوز، لا تحت الفراش ولا تحت الوسادة، ولا وضعه في الرقبة أو في العضد كل ذلك منكر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، ومن تعلق تميمة فقد أشرك (2)» فالواجب على كل مسلم أن يحذر ما نهى الله عنه ومن ذلك الحروز وهي التمائم، والحجب التي تعلق على الصبيان أو على المرضى أو توضع تحت الوسائد كل هذا لا يجوز، وإنما المشروع القراءة على المريض، كونه يقرأ عليه يرقيه ينفث عليه بالفاتحة وغيرها من السور، من الآيات بالدعاء، هذا أمر مشروع، وأما
__________
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (329).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(1/367)
________________________________________
الحجاب المسمى الحرز، وما أشبه ذلك مما يعلق فهذا لا يجوز سواء سمي حجابا أو حرزا أو غير ذلك من الأسماء، هو التميمة التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، وسواء كانت تحت الوسادة أو مربوطة في العنق أو في العضد أو في غير ذلك.
نسأل الله للجميع الصلاح والهداية، وعلى والديك أن يتوبا إلى الله ويستغفراه، وعليك أن تنصحهما بالرفق والكلام الطيب، أو تأتي لهما بطالب علم فينصحهما ويوجههما، أو ترشدهما إلى سؤال أهل العلم المعروفين بالعقيدة الطيبة والبصيرة حتى يعلم والداك العقيدة الصحيحة والعمل الذي يرضاه الله.
(1/368)
________________________________________
148 - تحريم تعليق التمائم والحروز لدفع العين
س: سائلة تقول: عند زيارتي لبيت جدتي أرى أنهم يعلقون خنجرا على الحائط؛ ظنا منهم أنه يمنع الحسد، ويسمى لدينا صبايون، ولقد أوضحت لجدتي أن هذا شرك بالله، وإنه يجب أن يكون التوكل على الله وحده ولا نستعين بغيره، إلا أنها لم تأخذ بنصيحتي، وبعد فترة وبدون علم منها أخذته وحطمته، وهي حتى الآن لا تعلم من أخذه، فهل علي إثم في عدم إخبارها بأني أنا فعلت ذلك، مع
(1/368)
________________________________________
علمي بأنها ستغضب علي لو قلت لها: أنا فعلت ذلك، هل لي أجر فيما فعلت؟ (1)
ج: قد أحسنت في هذا وجزاك الله خيرا ولا تخبريها، وقد أحسنت في نصيحتها والحمد لله، قد أفهمتيها ونصحتيها، ولا حاجة إلى إخبارها بمن أزاله، وهو يشبه التميمة التي تعلق على الأولاد، أو غير الأولاد من باب الشرك الأصغر؛ لأنهم يعتقدون أن الحرز يدفع عنهم العين أو الحسد، فهذا شيء لا أصل له، بل هو من جنس تعليق التمائم على الأولاد من حروز، واعتقاد أنها تدفع العين أو تدفع الجن، وهذا من الشرك الأصغر، فهو من المنكر وهذا يشبهه وقد أحسنت بإزالته، أما لو اعتقد الإنسان أن هذا الحجر أو هذه التميمة تتصرف بغير إذن الله عز وجل فهذا شرك أكبر، لكن في الغالب على الناس أنهم يقصدون أنها خير، فهو باطل لا أصل له، لا في التميمة ولا في الأشياء التي تعلق على الأولاد أو غيرهم، ولا في الحجر أو الخنجر الذي يعلق على باب أو جدار، نسأل الله السلامة.
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (303).
(1/369)
________________________________________
149 - حكم لبس الحجب والتمائم لدفع الشر والمرض
س: السائلة من السودان تقول: أمي ترتدي التمائم، مع أنها مؤمنة بأن ما يريده الله عز وجل سيقع، ولكن حسب ما تقول: الإنسان مطالب أن يبحث من عافيته وصحة نفسه. ولقد نصحناها بأن التمائم شرك وحرام، فنهرتني وغضبت. علما بأن التمائم منتشرة بين أقاربي ونساء القرية، فما رأيكم بذلك يا مساحة الشيخ؟ (1)
ج: تعليق التمائم لا يجوز بنص الرسول صلى الله عليه وسلم، ووصيتي لك ولأمك ولجميع أهل البلد أن يتقوا الله، وأن يحذروا تعليق التمائم لا من القرآن ومن غيره، يجب قطع التمائم وإزالتها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، ومن تعلق تميمة فقد أشرك (2)» ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (3)».
فالرقى يعني المجهولة أو الرقى بغير الشرع، أما الرقى الشرعية فهي مستثناة غير داخلة في الحديث، والتمائم جمع تميمة: وهي ما يعلق على الأولاد وغيرهم، من الحروز من القرآن وغير القرآن، أو من الودع أو من خرزات أو من طلاسم، كل ذلك منكر لا يجوز. وهكذا التولة وهي تسمى الصرف والعطف، نوع من السحر لا يجوز فعله، لا من النساء
__________
(1) السؤال الثالث والأربعون من الشريط رقم (373).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(1/370)
________________________________________
ولا من الرجال، فالسحر من المحرمات بل من الشرك؛ لقوله جل وعلا في السحرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (1) فجعله كفرا. فالواجب الحذر من التمائم كلها من القرآن وغير القرآن؛ لأن تعليقها منكر عمته الأحاديث، ولأن تعليق التميمة من القرآن وسيلة لتعليق غيرها أيضا فالذين أجازوا تعليق التمائم من القرآن قد غلطوا في هذا، والصواب المنع لأمرين أحدهما: عموم الأحاديث الدالة على تحريم تعليق التمائم؛ لأن الرسول لم يستثن، ما قال: إلا إذا كانت من القرآن، بل عمم.
والمعنى الثاني: أن تعليق التمائم من القرآن لو أجيز لكان وسيلة لتعليق التمائم الأخرى؛ لأنه ما كل أحد سيفتش على هذا وعلى هذا؛ وسدا للذرائع صار الترك أمرا لازما وواجبا.
__________
(1) سورة البقرة الآية 102
(1/371)
________________________________________
150 - حكم تعليق الحرز لدفع الأمراض
س: يوجد أشخاص يقومون بتعليق الخرز على عيونهم ورقابهم وآذانهم، بسبب الأمراض كما يقولون، فهل هذا شرك يخرج من الملة أم ماذا؟ جزاكم الله خيرا (1).
ج: هذا من الشرك الأصغر وهر من تعليق التمائم، والحروز سواء أكان خرزا أو أوراقا أو ودعا أو غير ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)»، وفي حديث آخر: «من تعلق تميمة فقد أشرك (3)». فالتمائم هي الحروز التي يعلقها بعض الناس، ويقال لها: الحجب سواء أكان من خرز أو من ودع أو من عظام، أو من أوراق يكتب فيها آيات أو أحاديث، والصواب حتى الآيات والأحاديث لا يجوز تعليقها، بل العلاج يكون بالقراءة على المريض، والدعاء له، أما أن يعلق عليه أوراق أو خيوط أو عظام، أو خرز أو غير هذا فهذا لا يجوز وهو من الشرك الأصغر، لا يخرج من الملة، ولكنه ينافي كمال التوحيد، مثل قول: ما شاء الله وشاء فلان، هذا من الشرك الأصغر، ومثل الحلف بالنبي والأمانة من الشرك الأصغر، ويجب الحذر منه، وقد يكون شركا أكبر، إذا اعتقد صاحبه أن هذه الأمور تنفع بعينها دون الله، فهذا شرك أكبر نعوذ بالله.
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط رقم (342).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(1/372)
________________________________________
151 - حكم اتخاذ الحجب والحرز لتحقيق المصالح الدنيوية
س: سائل من سوريا يقول: يقوم بعض الناس بحمل الحجب للدخول على المسئولين والقضاة؛ بحجة أن هذه الحجب تنفعهم في أغراضهم، ولا يرد لهم طلب، أو ينتصر على خصمه، ما صحة ذلك مأجورين وما حكمه؟ (1)
ج: هذا باطل ليس له أصل، واتخاذ الحجب لا يجوز، وهي الحروز ويقال لها: التمائم، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)» وفي لفظ آخر: «من تعلق تميمة فقد أشرك (3)»، وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (4)» فالرقى التي لا تعرف لا تجوز، أما الرقى الشرعية فلا بأس بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (5)»، والتمائم هي الحروز وهي الحجب، لا تجوز سواء كانت من القرآن أو غير القرآن أو مخلوطة كلها لا تجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنها وحذر منها، وأخبر أنها من الشرك سواء كان المتخذ لها رجلا أو امرأة لا يجوز اتخاذها أبدا، بل يجب الإنكار على من فعل ذلك.
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (367).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(5) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.
(1/373)
________________________________________
152 - حكم كتابة بعض آيات القرآن لجلب الرزق
س: يقول السائل: عندي خالة تعمل بالتجارة في السوق، وذهبت للذين يكتبون القرآن للناس، ويقول: هذا يجلب للرزق ويزيد البيع، وكتب لها ورقة فيها آيات قرآنية، وقال لها: هذه ورقة للمال والأرزاق، هل هذا صحيح أم لا؟ (1)
ج: هذا ليس بصحيح، هذا غلط ولا يجوز فعل هذا، ولا تصديق فاعله، بل هذا من المنكرات والبدع.
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط رقم (181).
(1/374)
________________________________________
153 - حكم تعليق آيات القرآن على جدران الغرف
س: تقول السائلة: ما حكم من يعلق آيات من القرآن الكريم على جدران غرفة النوم، وهذه الآيات منقوشة بفصوص لامعة، معمولة باليد على قطعة قماش؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1).
ج: إذا كان المقصود التذكير بها والأنس بقراءتها فلا بأس، وإذا كان تعليقها لدفع الجن هذا لا أصل له، وإنما تعلق للذكرى وقراءتها وما فيها من الخير لا حرج في ذلك في أصح قولي العلماء.
__________
(1) السؤال العشرون من الشريط رقم (174).
(1/374)
________________________________________
154 - حكم تعليق آيات القرآن والأحاديث في المنزل
س: ما حكم كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية؟ وما حكم تعليقها في المنزل؟ (1)
ج: أما العناية بحفظ القرآن فهذا شيء مطلوب ومن السنة، وهكذا حفظ الأحاديث وكتابتها، يكتب الأحاديث الصحيحة؛ ليحفظها، والأحاديث الضعيفة ليعرفها، فكونه يكتب ذلك ويعتني به هذا طيب، ولا سيما الأحاديث الصحيحة حتى يعمل بها، أما تعليقها على المريض، أو الصبيان فهذا لا يجوز، لا أحاديث ولا آيات، لا على المرضى ولا على الصبيان ولا على غيرهم، هذه هي التمائم التي حرمها الرسول ونهى عنها، وقال: «من علق تميمة فلا أتم الله له (2)». ويقول: «من تعلق تميمة فقد أشرك (3)». ولا يجوز تعليق التمائم لا من الآيات ولا من الأحاديث، ولا من الدعوات الأخرى ولا من أي مادة، فهو أمر منكر ولا يجوز.
__________
(1) السؤال الثامن والعشرون من الشريط رقم (321).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(1/375)
________________________________________
155 - حكم تعليق السور القرآنية على الحائط
س: الأخ ع. ر. من بلاد زهران، يقول: يا سماحة الشيخ، هناك من يقول بأن تعليق السور القرآنية أو الآيات على الحائط حرام، مع العلم أن هذه الآيات أو السور لم توضع إلا لفضائلها، مثل سورة يس وآية الكرسي وغيرها، لذا نأمل من سماحتكم بيان حكم ذلك. جزاكم الله خيرا (1).
ج: تعليق الآيات أو السور في الجدران في المكتب، أو في المجلس للتذكير والعظة لا بأس بذلك على الصحيح، قد كره بعض علماء العصر وغيرهم تعليق ذلك، ولكن لا حرج فيه إذا كان للتذكير بذلك، والعظة فلا بأس بذلك، إذا كان المحل محترما، كالمجلس والمكتب ونحو ذلك، أو علق حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحاديث، كل ذلك فيه مواعظ وذكرى، أما إذا كان القصد غير ذلك؛ القصد أنها تحفظه من الجن، أو تحفظه من العين أو كذا، فلا يجوز بهذا القصد وبهذا الاعتقاد؛ لأن هذا لم يرد في الشرع، وليس له أصل يعتمد عليه.
__________
(1) السؤال السابع من الشريط رقم (136).
(1/376)
________________________________________
س: هل يجوز تعليق الآيات في البيوت، أم أن ذلك بدعة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1).
ج: لا حرج في تعليق الآيات والأحاديث في المكاتب والمجالس ونحو ذلك للفائدة والذكرى، وأما تعليقها على الإنسان كالمريض أو الصغير كتميمة لحفظه من الجن أو كذا فهذا لا يجوز، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)»، وفي رواية أخرى: «من تعلق تميمة فقد أشرك (3)»، فالتمائم هي التي تعلق على الأولاد وعلى المرضى، إما لقصد حفظهم - بزعم المعلق - من الجن أو من العين، كل هذا لا يجوز أما تعليق آيات أو أحاديث في المكاتب أو نحوها، لقصد الفائدة والذكرى فلا بأس بذلك.
س: ما هو رأي سماحتكم في تعليق السور القرآنية على الحائط؟ (4)
ج: إذا علقها للفائدة ليقرأها أو علق أحاديث أو كلاما طيبا فلا بأس بذلك، أما أن يعلقها كحرز فهذا لا يجوز.
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (143).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(4) السؤال السادس من الشريط رقم (338).
(1/377)
________________________________________
156 - حكم تعليق الآيات القرآنية والأحاديث للتذكير
س: هل يجوز تعليق السور من القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة على جدران المنازل، مثل آية الكرسي أو المعوذات أو أي شيء من القرآن، والقصد من ذلك المحبة للقرآن والأحاديث النبوية هل يجوز ذلك، علما بأن هذه الظاهرة منتشرة في كثير من الأماكن؟ (1)
ج: لا مانع من تعليق الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية في المجالس والمكاتب كل ذلك لا بأس به؛ للتذكير والعظة والفائدة، لا اتخاذها حروزا تمنع من الجن، ونحو ذلك، وإنما تعلق للفائدة والذكرى.
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (177).
(1/378)
________________________________________
157 - حكم استعمال الساعات والتحف التي كتب عليها آيات من القرآن الكريم
س: ما حكم تعليق الآيات القرآنية على الجدران، أو ما كتب على الساعات أو التحف وغير ذلك؟ (1)
ج: أما تعليق الآيات في المجالس فلا حرج فيه إذا كان لقصد
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط رقم (304).
(1/378)
________________________________________
القراءة والاستفادة منها فلا بأس بها، أو تعليق أحاديث أو كلمات طيبة أو أشعار طيبة لا بأس في ذلك، أما جعلها في الساعة فهذا خطأ؛ لأنها قد تمتهن وقد تطرح في محل غير مناسب، فلا ينبغي أن يكون لا في الساعة ولا في الحلي شيء، من ذلك، لا ذكر الله ولا آيات! لأنها قد تطرح على وجه يقتضي الامتهان، ولكن المعلق في الجدار في المكتب أو في المجلس من أحاديث أو آيات أو أشعار طيبة فلا بأس في هذا.
(1/379)
________________________________________
158 - حكم الاستشفاء بمياه الآبار
س: هل الذهاب إلى بعض الأماكن التي بها مياه، يقال: إنها تشفي من الأمراض الجلدية بإذن الله، هل هذا جائز أو لا؟ (1)
ج: إذا كان شيء مجربا فلا حرج، وقد أخذ منه مثل ما يأخذ الناس من ماء زمزم، ماء مبارك، فإذا وجد ماء مجرب لعلاج بعض الأمراض، فلا بأس أن يأخذ منه.
__________
(1) السؤال الثلاثون من الشريط رقم (325).
(1/379)
________________________________________
159 - حكم الذبح عند المياه التي تقصد للاستحمام والشفاء
س: توجد في جنوب الأردن المياه المعدنية، والتي يطلق عليها برك سليمان بن داود، فيقصدها الناس للاستحمام والشفاء، ويحضرون معهم الذبائح لذبحها حال وصولهم، فما حكم ذبح مثل هذه الذبائح؟ (1)
ج: إذا كان الماء المذكور مجربا معروفا ينفع في بعض الأمراض فلا بأس بذلك؛ لأن الله جعل في بعض المياه فائدة لبعض الأمراض، فإذا عرف بالتجارب أن هذا الماه ينفع من بعض الأمراض المعينة، كالروماتيزم أو غيره فلا بأس في ذلك.
أما الذبائح ففيها تفصيل: فإن كانت عندما تذبح من أجل حاجتهم وأكلهم ونحو ذلك، وما يقع لهم من ضيوف فلا بأس بذلك، أما إن كانت تذبح لأجل شيء آخر، لأجل التقرب إلى الماء أو التقرب إلى الجن، أو التقرب إلى الأنبياء أو ما أشبه ذلك من الاعتقادات الفاسدة فهذا لا يجوز؛ لأن الله يقول سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) {لَا شَرِيكَ لَهُ} (3). ويقول سبحانه:
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم (69).
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 163
(1/380)
________________________________________
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2). فالذبح لله والنسك لله والصلاة لله، فليس لأحد أن يذبح للجن أو للكوكب الفلاني، أو النجم الفلاني أو الماء الفلاني، أو النبي الفلاني، أو أي شخص، بل التقرب كله لله وحده سبحانه وتعالى بالذبائح والصلوات وسائر العبادات، يقول الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3). ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (4)، ويقول سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (5) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (6).
والذبح من أهم العبادات ومن أفضل العبادات، فإذا كان المقصود من هذه الذبائح الأكل؛ لأنهم جالسون هناك فيذبحونها للأكل والحاجة فلا بأس، وأما إن كان الذبح لأمر آخر ولقصد آخر؛ إما لأجل المكان، أو مسألة الماء من أجل الماء، أو من أجل الجن أو من أجل ملك من الملائكة يقصدونه، أو نبي من الأنبياء يقصدونه، ويتقربون إليه أو أي شخص كان، أو أي كوكب أو أي صنم، أو أي وثن هذا كله شرك بالله، فيجب الحذر والله المستعان، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (7)»
خرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث علي أمير المؤمنين رضي الله عنه.
__________
(1) سورة الكوثر الآية 1
(2) سورة الكوثر الآية 2
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة البينة الآية 5
(5) سورة الزمر الآية 2
(6) سورة الزمر الآية 3
(7) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله، برقم 1978.
(1/381)
________________________________________
160 - حكم لبس السوار لقصد النفع أو دفع الضر
س: تقول السائلة: مشكلتي كما يأتي: أنا امرأة محجبة بحمد الله وأداوم على الصلاة في أوقاتها، وأخاف الله عز وجل، وأومن بأن الأعمار بيد الله، وكنت عندما أنجب طفلا يموت، فأشار علي بعض الناس بشيء متعارف هنا في ليبيا، وهذا الشيء هو أن أجمع قطعة نقود من كل بيت، يوجد فيه شخص يسمى باسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أي أنه يسمى محمدا سواء كان هذا الشخص طفلا أو صبيا أو رجلا، وتجمع النقود ويشترى بثمنها سوارة تضعها المرأة التي عندما تنجب طفلا يموت تضعها في يدها، السوارة عادة تكون من الحديد، وفعلت ذلك فعلا، فشاء الله عز وجل أن يعيش الأطفال الذين أنجبتهم بعد ذلك، فلما رأت أختي السوارة وعرفت لماذا وضعتها أنا، وعرفت كذلك قصة السوارة، قالت لي: اخلعيها فورا من يدك؛ إن هذا شرك صريح بالله عز وجل، ولو توفاك الله وأنت تلبسينها باعتقادك أنها تفيدك وتضرك فإنك تموتين وأنت مشركة، فهل هذا صحيح؟ أي: هل يعتبر لبسي لها على هذا، الأساس شركا بالله عز وجل أم لا؟ وإن كان شركا فكيف أكفر عن ذنبي العظيم هذا؟ وهل صلاتي وصيامي وحسناتي السابقة ذهبت هباء منثور أم لا؟ ثالثا: إذا مكنكم الله من
(1/382)
________________________________________
إذاعة رسالتي هذه فأرجو أن تكون الإجابة واضحة مفصلة! لكي أستفيد ويستفيد من يسمعها جزاكم الله خيرا (1).
ج: إن هذا الذي فعلتيه أيتها السائلة وأرشدك إليه بعض الناس؛ رجاء أن يعيش الولد شيء لا أصل له، ولا أساس له، بل هو منكر وبدعة، ولا دليل عليه، ويسمى مثل هذا تميمة، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم، وأمر بقطعها، يقول عليه الصلاة والسلام: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)»، «من تعلق تميمة فقد أشرك (3)».
وبعث عليه الصلاة والسلام في بعض غزواته من يقطع القلائد التي تعلق على الدواب؛ خشية العين وهي الأوتار، وقال: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (4)». وهي الرقى التي لا توافق الشرع، والتمائم ما يعلق على الإنسان، خشية العين أو خشية الجن، والتولة نوع من الصرف، والعطف نوع من السحر. فبين صلى الله عليه وسلم أنها كلها من الشرك، وفي مسند أحمد رحمه الله بإسناد جيد عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما، «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال: " ما هذا؟ فقال: من الواهنة - يعني: علقتها من أجل الواهنة - قال: " انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت
__________
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (96).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(4) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(1/383)
________________________________________
أبدا (1)». فهذا وعيد عظيم في جعل هذه الحلقة الذي يزعم أنه جعلها من أجل الواهنة، مرض باليد يقال له: الواهنة. وجاء عن حذيفة رضي الله عنه أنه دخل على رجل قد علق خيطا في يده، فسأله فقال: من أجل الحمى، فقطعه حذيفة وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (2).
وجاء عن إبراهيم النخعي قال: كان أصحاب ابن مسعود يكرهون التمائم كلها، من القرآن ومن غير القرآن يحرمونها، وقال سعيد بن جبير - تابعي جليل رحمه الله -: من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة. كأنه أعتق رقبة؛ لأنه خلصه من رق الشرك.
وبهذا تعلمين - أيتها السائلة - الذي قيل لك: تجمعين نقودا من كل بيت فيه اسم محمد، ثم يشترى بها حاجة كالسوار، ويعلق لعله يعش الولد، هذا شيء لا أصل له، وهذا باطل، وعليك التوبة إلى الله من ذلك، والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، ومن تاب تاب الله عليه، وهذا الذي يسره الله من كون الأطفال عاشوا بعد ذلك، هذا من فضل الله صادف قدرا، لا من أجل السوارة هذه، بل صادف قدر الله الماضي، وأن أولادك يعيشون بعد الأولاد الذين ماتوا سابقا، وليس من أجل السوارة، لكنه أمر الله الماضي في قدره السابق؛ فإنه سبحانه وتعالى قدر ما يكون من أولاد ومن عقم، ومن موت طفل ومن حياة.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند البصريين حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما برقم 19498.
(2) سورة يوسف الآية 106
(1/384)
________________________________________
طفل إلى غير ذلك، كله مقدر كما في الحديث الصحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء (1)»، رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن العبد إذا أكمل في الرحم - يعني الإنسان، إذا اكمل في الرحم - مائة وعشرين يوما - ثلاثة أطوار - يرسل إليه ملك، فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد (2)»، فالعمر بيد الله جل وعلا فقد سبق في علم الله وفي قدره السابق، أن أولادك يعيشون بعد الذين ماتوا، وليس من أجل السوارة، ولكنه ابتلاء وامتحان وقع لك، فعليك التوبة إلى الله جل وعلا، والرجوع إليه والندم على ما مضى، وهذا شرك أصغر، تعليق التمائم من الشرك الأصغر لا تحبط معه صلاتك ولا صومك ولا عبادتك السابقة، أعمالك الطيبة السابقة التي لله فعلتيها، لا تبطل بهذا! لأنه شرك أصغر لا تبطل به الأعمال، وإن كنت أردت بهذا السوار وقصدت أنه ينفع ويضر دون الله، فهذا شرك أكبر، لكن ليس المسلم يقصد هذا، ولا يظن هذا ولا يعتقد هذا، وإنما يعتقد أنها
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، برقم 2653.
(2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، برقم 3208، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، برقم 2643.
(1/385)
________________________________________
أسباب، كما يكفي عن المرض، وكما يتعاطى الأدوية من الحبوب والإبر، كلها أسباب، وهكذا تعليق السوار، الذي نعتقد فيك أنك ظننتيها أسبابا، أنها من الأسباب فبكل حال عليك التوبة من ذلك، وإن كنت تعتقدين فيها أنها تنفع وتضر فعليك التوبة إلى الله من ذلك أيضا، والرجوع إليه بالتوبة النصوح، ولعل جهلك بذلك يكون شافعا في سلامة أعمالك الصالحة، والعبد متى تاب أيضا إلى الله، ورجع عن شركه وباطله، فإن أعماله الصالحة تبقى له، ولا تبطل إلا إذا مات على الكفر بالله سبحانه وتعالى، ولهذا لما أسلم حكيم بن حزام، وذكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سبق منه عتاقة في الجاهلية، وصدقة في الجاهلية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أسلمت على ما أسلفت من خيرا (1)».
والله سبحانه قال عن الكفار إنما أعمالهم تحبط إذا ماتوا على الكفر: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (2)، الآية. وقال سبحانه: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (3). فقيد فيمن مات وهو كافر، فدل ذلك على أن من لم يمت كافرا، بل مات على الإسلام فإن أعماله الصالحة تبقى له، ولا تفوت عليه والحمد لله
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب من تصدق في الشرك ثم أسلم، برقم 1436، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم، برقم 123.
(2) سورة البقرة الآية 161
(3) سورة البقرة الآية 217
(1/386)
________________________________________
ونوصيها بتقوى الله عز وجل، والأخذ بالأسباب التي أباحها الله، كعرض الطفل على الطبيب، وتعاطي الأدوية المباحة، والقراءة على المريض والنفث عليه، والكي إذا دعت الحاجة إليه، وأشباه ذلك من الأدوية النافعة، والأسباب المباحة، أما الشيء الذي حرمه الله كتعليق التمائم، أو دعاء غير الله، أو الاستغاثة بالجن، أو إتيان الكهان والمنجمين، كل هذا باطل لا يجوز، وإنما يجوز للمؤمن الأسباب المباحة، والوسائل المباحة فقط، والله سبحانه جعل لكل داء دواء، كما في الحديث الصحيح: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله (1)». وقال عليه الصلاة والسلام: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله (2)».
والمؤمن إذا أصابه شيء يعرضه على أهل الخبرة من الأطباء، أو غيرهم من أهل العلم والبصيرة، فإن كان هناك طبيب يعرف هذا الداء عالجه، وإن كان يحتاج إلى قراءة قرأ عليه بعض إخوانه المسلمين وعالجوه بالقراءة والدعاء هكذا المشروع، أما أن يعلق حديدة، أو قرطاسة أو خشبة أو شيئا يقرأ فيه، يقرأ ويعلق كل هذا ما يجوز حتى ولو من القرآن على الصحيح، وإن كان بعض السلف خالف في ذلك، فإن الصحيح الذي عليه المحققون أن تعليق التمائم لا يجوز، ولو كان من القرآن، لسد
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لكل داء دواء، برقم 2204.
(2) مسلم السلام (2204)، أحمد (3/ 335).
(1/387)
________________________________________
الذريعة، وعملا بالعموم الوارد بالأحاديث التي فيها النهي عن التمائم، والتحذير منها، ولم يفصل عليه الصلاة والسلام. والله المستعان.
(1/388)
________________________________________
161 - بيان خرافة أم الصبيان من الجان
س: تقول السائلة: إنها قرأت كلاما طويلا عن أم الصبيان، مروي عن سليمان عليه السلام، وترجو من سماحة الشيخ التوجيه، وهل لهذه المسميات تأثير على الإنسان؟ (1)
ج: فهذه الأشياء التي يقولها الناس عن أم الصبيان، كلها لا أصل لها ولا تعتبر، وإنما هي من خرافات العامة، يزعمون أنها جنة مع الصبيان، وهذا كله لا أصل له، وهكذا ما ينسبون إلى سليمان، كله لا أساس له ولا يعتبر، ولا يعتمد عليه، فكل إنسان معه ملك وشيطان، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، كل إنسان معه قرين، ليس خاصا بزيد ولا بعمرو، فمن أطاع الله واستقام على أمره كفاه الله شر شيطانه، كما قال النبي - لما قيل له: وأنت يا رسول الله معك شيطان؟ قال: «نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم (2)».
__________
(1) السؤال الثالث عشر من الشريط رقم (174).
(2) أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه، برقم 2814.
(1/388)
________________________________________
أما أم الصبيان فلا أساس لها، ولا صحة لهذا الخبر ولا لهذا القول، ولا يجوز اتخاذ الحجاب من أجلها، يعني كأن يضع الإنسان على ولده أو على بنته كتابا، يكتب فيه كذا وكذا تعوذا بالله من أم الصبيان، أو طلاسم أو أسماء شياطين أو شيوخ شياطين أو غير ذلك، لا يجوز اتخاذ ذلك ولا تعليقه على الصبية ولا الصبي، كل هذا منكر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم وهي الحجب، وقال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1)». وقال: «إن الرقى والتمائم والتولة من الشرك (2)».
فالتمائم هي ما يعلق على الأولاد ذكورهم وإناثهم، أو على المرضى لدفع المرض أو لدفع الجن، يسمى تميمة ويسمى حجابا قد يكون من طلاسم، وقد يكون من أسماء شياطين وقد يكون من حروف مقطعة، لا يعرف معناها، وقد يكون من آيات معها غيرها، فلا يجوز اتخاذ هذه الحجب لا مع الصبي ولا مع الصبية، ولا مع المريض، لكن يقرأ عليه الرقى الجائزة.
والرقى الممنوعة هي رقى مجهولة أو يرقى فيها بمنكر؛ أما الرقى بالقرآن العظيم والدعوات الطيبة فهي مشروعة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي أمته، وقد رقاه جبرائيل عليه السلام، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (3)». كون الصبي يقرأ عليه إذا أصابه مرض، أو الصبية يقرأ
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه برقم 3604.
(3) أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك، برقم 2200.
(1/389)
________________________________________
عليها أبوها أو أمها، أوغيرهما بالفاتحة وبآية الكرسي، قل هو الله أحد، المعوذتين، ويدعون له بالعافية، أو على المرضى يقرأ عليهم ويدعى لهم بالعافية، أو على اللديغ، كما قرأ الصحابة على اللديغ، كل هذا لا بأس به، هذا مشروع، أما أن يقرأ عليه برقى شيطانية، لا يعرف معناها أو بأسماء شياطين، أو بدعوات مجهولة؛ هذا لا يجوز، وكذلك الحجب التي يسمونها الحروز، وتسمى الجوامع ولها أسماء، هذه لا يجوز تعليقها، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليق التمائم، وقال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1)».
وروي عن حذيفة رضي الله عنه أنه رأى رجلا بيده خيط من الحمى فقطعه، يعني خيط علقه في يده عن الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (2)، وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه، أن «النبي صلى الله عليه وسلم وجد في يد إنسان حلقة صفر، فقال: " ما هذا؟ " قال: من الواهنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا وضعفا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا (3)».
وهذا وعيد وتحذير من تعليق الحجب والحلقات وأشباه ذلك، مما يعلقه الجهلة أو الخيوط تعلق على المريض، أو على غيره كل ذلك
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(2) سورة يوسف الآية 106
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند البصريين حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما برقم 19498.
(1/390)
________________________________________
ممنوع ولا يجوز تعليقه، لا ما يدعونه عن أم الصبيان ولا غير ذلك، ولكن الإنسان يتحرز بما شرع الله من التعوذات، فإذا أصبح الإنسان وقرأ آية الكرسي بعد صلاة الفجر، وقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين، ثلاث مرات، هذا من التعوذات الشرعية، وهكذا إذا قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاث مرات صباحا ومساء، هذا من التعوذات الشرعية، وهكذا بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم يضره شيء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، يقولها صباحا ومساء، وهكذا: «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة (1)»، يقولها.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بها الحسن والحسين، فإذا استعمل الإنسان هذه التعوذات الشرعية، وهكذا إذا قال: أعيذ نفسي وذريتي وأهل بيتي بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، بسم الله، أعوذ بكلمات الله التامات، من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون هذا أيضا جاء، وهكذا: «أعوذ بكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وبرأ وذرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم 3371.
(1/391)
________________________________________
كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن (1)»، هذا أيضا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذ به عندما هجم عليه بعض الشياطين، وأعاذه الله من شرهم، هذه تعوذات شرعية، ينبغي للمؤمن أن يفعلها في صباحه ومسائه، وعند نومه وهكذا قراءة قل هو الله أحد، والمعوذتين بعد كل صلاة، هي من التعوذات الشرعية مع آية الكرسي، ولكنها تكرر بعد الفجر والمغرب ثلاث مرات، قل هو الله أحد والمعوذتين تكرر ثلاث مرات بعد الفجر والمغرب، وتقال عند النوم ثلاث مرات، كل هذا جاءت به السنة.
هذه حروز شرعية، ليس فيها تعليق شيء، لكنه يقولها المؤمن والله جل وعلا ينفعه بها، ويحفظه بها من الشر الكثير من شر الدنيا والآخرة.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسند المكيين، حديث عبد الرحمن بن خنبش رضي الله عنه برقم 15460.
(1/392)
________________________________________
162 - حكم الذهاب إلى المشعوذين والتداوي بالمحرم
س: يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما معناه: «إن الله عز وجل لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها»، وبعض الناس عندما يصاب ببعض الأمراض المزمنة يذهبون لبعض المشعوذين؛ أي من
(1/392)
________________________________________
يسمون أنفسهم بالأطباء العرب، فينصحونهم إما بأكل لحم الخنزير، أو بشرب الخمر، وقد حدث هذا كثيرا، ويستدل هؤلاء المشعوذون بالقاعدة الثسرعية التي تقول: (إن الضرورات تبيح المحظورات)؛ ما حكم التداوي بما ذكرت؟ وهل القاعدة تتعارض مع معنى الحديث السابق؟ (1)
ج: هذا غلط من بعض الناس، فإن الله جل وعلا لم يجعل شفاء الناس فيما حرم عليهم، وليس داخلا في القاعدة، وليس هناك شفاء، الشفاء فيما أباح الله جل وعلا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لما «سأله سائل قال يا رسول الله: إني أصنع الخمر للدواء، قال علية الصلاة والسلام: " إنها ليست بدواء، ولكنها داء (2)»، وفي الحديث: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم (3)».
فلا يجوز للمريض أن يأتي للمشعوذين الذين يتهمون باستخدام الجن ودعوى علم الغيب ونحو ذلك، أو يتهمون بأنهم يعالجون بالحرام أو كلحم الخنزير، أو شرب الخمر أو غير هذا مما حرم الله، فهو منكر لا يجوز، بل يجب على المريض أن يبتعد عما حرم الله، وأن لا يتعاطى إلا ما أباح الله في علاجه، فلا يأتي السحرة
__________
(1) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (168).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب تحريم التداوي بالخمر برقم 1984.
(3) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ج 23 برقم 749.
(1/393)
________________________________________
والكهان والمشعوذين، ولا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم، ولا يجوز أن يتعالج بما حرم الله من خمر أو خنزير أو دخان أو غير هذا مما حرم الله، وفيما أباح الله غنية عما حرم الله، والحمد لله، نسأل الله السلامة.
(1/394)
________________________________________
163 - حكم رش المريض بالدم المسفوح
س: ما حكم من مرض عندنا يدعون له الشيخ ليداويه وهو يعمل حرزا؟ وذلك إذا كان المرض من جنون أو من سحر، ويرش عليه الدم المسفوح؟ وهل كان هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ (1)
ج: هذا منكر - نعوذ بالله - رشه بالدم المسفوح منكر؛ لأنه نجس فلا يجوز هذا، ولا أن يكتب له حروزا ويعلقها في رقبته، أو في عضده أو في غير ذلك هذا كله لا يجوز، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)».
المقصود أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن تعليق الحروز وهي التمائم؛ في أوراق أو في خرق أو في جلود فيها دعوات أو آيات
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (317).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(1/394)
________________________________________
أو طلاسم، كل هذا لا يجوز، ولا يعلق لا في يد المريض ولا في رقبته، ولا في غير ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (1)»، وفي لفظ: «من تعلق تميمة فقد أشرك (2)»، فالواجب على أهل الإسلام ترك هذه الأشياء المنكرة؛ لأن الرسول نهى عنها عليه الصلاة والسلام، أما صب الدم المسفوح فهذا منكر ظاهر، والمسفوح هو المراق الذي يخرج من البهيمة عند الذبح، هذا نجس محرم، فالواجب على المسلم أن يحذر ما حرم الله عليه، أما إذا قرأ عليه القرآن، الفاتحة، آية الكرسي، ونفث عليه ودعا له، فإن هذا طيب، وهكذا لو أخذ له دواء من بعض الأطباء العارفين، وعالجه ببعض الطب لا بأس، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: «ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء (3)»، فالدواء لا بأس به.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب: الطب، باب: ما أنزل الله داء، برقم 5678.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(3) البخاري الطب (5354)، ابن ماجه الطب (3439).
(1/395)
________________________________________
164 - حكم تبخير المنزل لطرد الشياطين
س: هل صحيح من بخر منزله باللبان السحري يذهب الشياطين من المنزل؟ وهل يوجد دليل على ذلك؟ لأن كثيرا ممن حولنا يبخرون منازلهم عند الغروب؛ اعتقادا منهم أنه يذهب الشياطين، وأنا لست مقتنعا بعملهم هذا (1).
ج: هذا شيء لا أصل له، وإنما يذهب الشياطين ذكر الله، والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك (2)»؛ وقال: «إذا دخل الإنسان منزله مساء وقال: بسم الله، قال الشيطان: لا مبيت، وإذا سمى عند الأكل، قال: لا مبيت ولا عشاء (3)». فالتسمية بالله، والتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق هذه من أسباب الحفظ من الشياطين، وهكذا قراءة القرآن كل ذلك من أسباب السلامة، فينبغي للمؤمن أن يفعل ما شرعه الله من التعوذ بكلمات الله التامات من شر
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (190).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب في التعوذ من سوء القضاء، برقم 2708.
(3) أخرجه مسلم بنحوه في كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب، برقم 2018.
(1/396)
________________________________________
ما خلق، ومن التسمية عند الدخول، يقول: بسم الله عند دخول المنزل، والتسمية عند الأكل وعند الشرب، هكذا السنة، وإذا كرر أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات، كان أولى وأفضل، كذلك يقول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، صباحا ومساء، هذا من أسباب السلامة من كل شر، وهكذا أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، إذا قالها لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك، وإن كرر ثلاث مرات أولى وأكمل، كما جاء في بعض الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالحاصل أنه هذه التعوذات وهذه الأذكار هي التي يقي الله بها العبد من شر الشياطين، ومن كل ما يضره، أما البخور الذي ذكره السائل فلا أصل له.
(1/397)
________________________________________
165 - حكم من ادعى لقاءه بالخضر وتعلم منه علاج المرضى
س: في قريتي رجل يدعي أنه قابل الخضر عليه السلام في المدينة المنورة وأعطاه تمرة، كما يدعي أنه يعالج المرضى، ولهذا فالناس يتوافدون عليه ليل نهار ليعالجهم عن طريق المسح على مكان الألم مقابل بعض النقود، فهل
(1/397)
________________________________________
هذا صحيح، أم أنه نوع من الشعوذة، واستغلال السذج والبسطاء؟ (1)
ج: أما الخضر فالصحيح أنه مات من دهر طويل، قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام وليس لوجوده حقيقة، بل هو كله باطل وليس له وجود، هذا هو الصحيح الذي عليه المحققون من أهل العلم، فالخضر عليه الصلاة والسلام قد مات قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، بل قبل أن يرفع عيسى عليه الصلاة والسلام، والصحيح أن الخضر نبي، كما دل عليه ظاهر القرآن الكريم، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي (2)».
هكذا يقول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام إنه أولى الناس بابن مريم، ليس بينه وبينه نبي، فدل على أن الخضر قد مات قبل ذلك، ولو فرضنا أنه ليس بنبي وأنه رجل صالح لكان اتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم لو فرضنا أنه لم يتصل لكان مات على رأس مائة سنة، كما قال عليه الصلاة والسلام في آخر حياته: «أريتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة
__________
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (167).
(2) أخرجه البخاري في كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم)، برقم 3442، ومسلم في كتاب: الفضائل، باب: فضائل عيسى عليه السلام، برقم 2365
(1/398)
________________________________________
سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد (1)». فدل ذلك على أن من كان موجودا في ذلك الوقت، لا يبقى بعد مائة سنة على نص النبي عليه الصلاة والسلام، وأنهم يموتون قبل انخرام المائة.
فالحاصل أن الخضر قد مات وليس بموجود، والذي يزعم أنه رآه إما أنه كاذب، وإما أن الذي قال: إنه الخضر قد كذب عليه، وليس بالخضر إنما هو شيطان من شياطين الإنس أو الجن، أما هذا الذي يعالج الناس بأن يمسح على محل المرض فهذا ينظر في أمره، إذا كان من الناس الطيبين المعروفين بالاستقامة والإيمان، وأنه يقرأ عليه مثل الفاتحة، ومثل غيرها من القرآن، يدعو الله لهم فلا بأس، وإن أخذ شيئا من الأجرة فلا بأس، أما إن كان لا يعرف بالخير بل يتهم بالسوء فإنه يمنع ولا يؤتى ولا يمكن من ذلك، يمنع بواسطة المسئولين في البلد؛ لأن هذا في الغالب يكون خرافيا أو مشعوذا، أو يستخدم الجن، أو كذابا يأخذ أموال الناس بالباطل. نسأل الله السلامة.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تأتي مائة " برقم 2537.
(1/399)
________________________________________
166 - حكم طاعة الوالدين فى المحرم
س: لي والد يكتب للناس من كتب عديدة، منها كتاب الرحمة في الطب والحكمة، وكذلك كتب فيها طلاسم، ثم إنه يكتب آيات من القرآن الكريم ليتعلقها الناس على أجسامهم، ما هو توجيهكم؟ وهل إذا لم يطع والده في هذا الموضوع يعتبر عاقا أو لا؟ (1)
ج: الواجب نصيحة والدك، وإخباره أنه لا يجوز تعليق الطلاسم، ولا تعليق ما حرم الله عز وجل، ولا تعليق الآيات؛ لأن هذه من التمائم، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (2)»، «من تعلق تميمة فقد أشرك (3)». فلا يجوز تعليق الحروز على المريض ولا على الأطفال، لا من الطلاسم ولا من الحرز أو الودع، ولا من الآيات القرآنية ولا غير ذلك، الواجب على المؤمن أن يستعمل ما شرعه الله من التعوذات الشرعية، مثل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، وإذا كان صغيرا عوذه أهله، أمه، وأبوه بالقول له عند النوم: أعيذك بكلمات الله التامات من شر ما خلق، أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (163).
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه برقم 16969.
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، برقم 16969.
(1/400)
________________________________________
وهامة ومن كل عين لامة، أما تعليق التمائم على الأطفال، أو على المرضى هذا لا يجوز؛ لأن الرسول نهى عن ذلك عليه الصلاة والسلام، وهكذا تعليق الطلاسم والأشياء التي لا تعرف، لا يجوز ذلك ولا يجوز لوالدك أن يفعل ذلك، وليس لك أن تطيعه فيما حرم الله، إنما الطاعة في المعروف، نسأل الله للجميع الهداية.
(1/401)
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
(2/3)
________________________________________
باب ما جاء في الذبح لغير الله
(2/5)
________________________________________
باب ما جاء في الذبح لغير الله
1 - حكم الذبح والنذر لغير الله تعالى
س: ما رأي سماحة الشيخ في العائلة التي عندما يولد لها مولود تقوم بذبح شاة لأحد الأئمة دون الله، وذلك لنذر قد نذروه، علما أنهم يذبحون للذكر فقط، ولا يذبحون للأنثى، وهل على المولود بعد بلوغه من ذنب؟ ماذا عليه أن يفعل جزاكم الله خيرا؟ (1).
ج: هذا من الشرك الأكبر، والواجب على من فعله التوبة إلى الله، والندم وعدم العودة إلى ذلك، كونه ينذر ذبيحة للولي فلان إذا جاءه ولد هذا شرك أكبر، نعوذ بالله؛ فالنذر عبادة لله سبحانه وتعالى، فالذي يفعل هذا عليه التوبة إلى الله، وعدم العودة إلى مثل هذا، وأما الطفل فليس عليه شيء، لأنه ليس من عمله، والله يقول سبحانه: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (2). لكن الذي فعل من رجل أو امرأة عليه التوبة
__________
(1) السؤال الرابع والعشرون من الشريط، رقم 201.
(2) سورة فاطر الآية 18
(2/7)
________________________________________
والرجوع إلى الله والندم على ما مضى، وألا يعود إلى ذلك، والله يقول سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1)، ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (2).
فدعاء غير الله والاستغاثة بغير الله من الأولياء والأنبياء من أصحاب القبور، أو الاستغاثة بالجن أو بالملائكة، أو بالنجوم والكواكب، كل هذا من الشرك الأكبر، كل هذا من عبادة غير الله سبحانه وتعالى، وهكذا النذر لهم والذبح لهم، كونه ينذر للأموات أو للملائكة أو للجن، أو للكواكب ليشفعوا له، أو يخلصوه من النار أو يشفوا مريضه، أو يردوا غائبه أو ما أشبه ذلك، كل هذا من الشرك الأكبر، يقول الله سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (3) (4) {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (6)؛ ويقول سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (7) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (8) {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (9)، ويقول عز وجل: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} (10).
فالنذر عبادة، التزام بعبادة الله: من صدقة أو صلاة أو غير ذلك، لا تجوز إلا لله وحده سبحانه وتعالى، فالذي ينذر ذبيحة إن رزقه الله مولودا ذكرا للبدوي، أو للشيخ عبد القادر أو للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو للحسن أو
__________
(1) سورة النور الآية 31
(2) سورة التحريم الآية 8
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) " ونسكي "، يعني: ذبحي.
(5) سورة الأنعام الآية 162
(6) سورة الأنعام الآية 163
(7) سورة الكوثر الآية 1
(8) سورة الكوثر الآية 2
(9) سورة الكوثر الآية 3
(10) سورة البقرة الآية 270
(2/8)
________________________________________
للحسين، أو لعلي بن أبي طالب أو لغيرهم، فهذا يعتبر من الشرك الأكبر، وهكذا لو قال: يا علي انصرني، أو اشف مريضي، أو يا سيدي الحسين أو الحسن، أو يا رسول الله أو يا سيدي البدوي، أو يا سيدي عبد القادر أو ما أشبه ذلك، انصرني أو اشف مريضي، أو أنا في جوارك وحسبك، أو المدد المدد؛ كل هذا من الشرك الأكبر، كل هذا من عبادة غير الله سبحانه وتعالى، والله يقول جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (1)، ويقول سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2)، ويقول عز وجل: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (3)، ويقول عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4)، ويقول سبحانه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (5)، ويقول عز وجل: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (6)، يعني: المشركين.
والآيات في هذا كثيرة ويقول عليه الصلاة والسلام: «الدعاء هو العبادة (7)». والله يقول سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (8)
__________
(1) سورة البينة الآية 5
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة غافر الآية 14
(4) سورة الإسراء الآية 23
(5) سورة الجن الآية 18
(6) سورة يونس الآية 106
(7) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، برقم 17888.
(8) سورة غافر الآية 60
(2/9)
________________________________________
فالواجب على جميع المسلمين وعلى جميع المكلفين الحذر من ذلك، وأن تكون العبادة لله وحده كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (1)، وقال: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2).
هو الذي يدعى هو الذي يرجى سبحانه وتعالى، هو الذي يتقرب إليه بالذبائح والنذور، دون غيره سبحانه وتعالى، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يعيذهم من كل ما يخالف شرعه، والله المستعان.
__________
(1) سورة البينة الآية 5
(2) سورة الجن الآية 18
(2/10)
________________________________________
2 - حكم الذبح عند قبور الأولياء
س: رسالة من المستمع م. ص. أ. من أرتيريا يقول: في بلدنا بعض الناس يذبح عند قبور الأولياء، وإذا سألتهم أليس الذبح يجب أن يكون لله، وأن يكون خالصا لله، وأن هذا العمل من الشرك، لا يستمعون إليك، وجهودهم لعلهم يستمعون رأي الشرع في ذلك، وفقكم الله وجزاكم خيرا؟ (1).
ج: الذبح لغير الله من الشرك بالله، سواء كان عند القبور، أو بعيدا عن القبور، إذا نوى بالذبيحة التقرب للمخلوقين، أو إلى النجوم،
__________
(1) السؤال الثاني من الشريط، رقم 307.
(2/10)
________________________________________
أو إلى الأصنام، أو إلى الجن، أو الأولياء أو الملائكة، صار بذلك شركا بالله، لقول الله سبحانه في كتابه العظيم: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (1) (2) {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (4)؛ ويقول سبحانه في كتابه العظيم مخاطبا نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (5) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (6)، والنحر عبادة مثل الصلاة، كما أنه لا يحل الذبح لغير الله، فلا يحل أن يصلي لغير الله، فمن صلى للمخلوقين، أو سجد لهم أشرك، وهكذا إذا ذبح للأولياء؛ ليتقرب إليهم، أو للأصنام، أو للجن أو للملائكة، أو للنجوم أو لغير ذلك من المخلوقين، فذبح لهم أو صلى لهم، أو سجد لهم أو نذر لهم القرابين، ينذر للولي الفلاني أنه يذبح كذا أو يتصدق بكذا، أو يسجد أو يصلي أو يصوم، المقصود النذر لغير الله، من أولياء أو من الجن، أو الأصنام كأن يقول: نذر علي للقبر الفلاني، أو الولي الفلاني، أن أتصدق بكذا، أو أن أصوم كذا، أو أصلي كذا، أو أذبح كذا، كل هذا من النذور الشركية، فالصلاة لغير الله، والسجود لغير الله، والذبح لغير الله، والنذر لغير الله، كله من الشرك بالله، فإن صلى لله عند قبر، ما قصد صاحب القبر، يصلي لله، ولكن ينذر للصلاة عند القبر بأن فيها فائدة، وأنها أفضل، يعني ما قصده أن يصلي للمخلوقين
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) " ونسكي "، يعني: ذبحي.
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الأنعام الآية 163
(5) سورة الكوثر الآية 1
(6) سورة الكوثر الآية 2
(2/11)
________________________________________
ولا قصده الذبح لهم، قصده الذبح لله والصلاة لله، ولكن يظن أنها عند هذا القبر فيها فائدة، فيها ثواب أكثر، هذه بدعة، فلا تجوز فهي وسيلة للشرك، ولكن لا تكون شركا إذا كان قصد به وجه الله، والتقرب إلى الله فتكون بدعة؛ لأنه فعلها في محل لا يجوز التعبد فيه كالصلاة أو الذبح، بل هذا يفضي إلى الشرك، ووسيلة إلى أن يذبحها للمخلوق صاحب القبر.
(2/12)
________________________________________
3 - حكم الدعاء والصدقة عن الميت إذا شك في صلاح عقيدته
س: سائل يقول: إن والده كان يذبح لغير الله فيما قيل له عن ذلك، ويريد الآن أن يتصدق عنه ويحج عنه، ويعزو سبب وقوع والده في تلك المعصية إلى عدم وجود علماء ومرشدين وناصحين له، ويرجو التوجيه يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: إذا كان والدك أيها السائل، معروفا بالخير والإسلام والصلاة، فلا تصدق القائلين إنه يذبح لغير الله، إلا على بصيرة، فعليك الدعاء له والصدقة عنه ونحو ذلك، حتى تعلم يقينا أنه قد أتى بالشرك، أما مجرد قيل وقال من دون بصيرة لا يكفي، إلا إذا ثبت لديك بشهادة الثقات اثنين فأكثر من الثقات، أخبروك بأنهم رأوه
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط، رقم 78.
(2/12)
________________________________________
وشاهدوه يذبح لغير الله، من أصحاب القبور أو يدعو غير الله، فعند ذلك تمسك عن الدعاء له، وأمره إلى الله سبحانه وتعالى، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يستغفر لأمه لم يأذن الله له لأنها ماتت في الجاهلية على دين الكفار، فاستاذن ربه ليستغفر لها فلم يؤذن له، لأنها ماتت على ظاهر الكفر، وإن كانت في جهل، فأنت كذلك، إذا بلغك من طريق الثقات أنه مات على ظاهر الشرك، من دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، والذبح لهم والنذر لهم، فإنه حينئذ لا يستغفر له ولا يدعى له، لكن لا يدعى عليه، ولا يسب ولكن يمسك عنه، وأمره إلى الله سبحانه وتعالى، إن كانت قامت عليه الحجة استحق ما وعد الله به أمثاله، وإن كانت لم تقم عليه الحجة امتحن يوم القيامة.
(2/13)
________________________________________
4 - حكم أكل الذبائح التي تذبح عند القبور
س: يسأل المستمع ويقول: هل يجوز أكل لحم البهائم أو الغنم التي تذبح على القبر، وهذا الشخص متعمدا الذبح لمن في القبر، وجهونا في ضوء السؤال؟ (1)
ج: ما يذبح لغير الله لا يؤكل، يكون ميتة، ما يذبح لأصحاب القبور، أو للأصنام، أو للجن هذا يكون ميتة، لا يحل أكله، قال الله
__________
(1) السؤال التاسع من الشريط، رقم 428.
(2/13)
________________________________________
جل وعلا: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (1)، ما ذبح لغير الله يكون ميتة نسأل الله العافية، وصاحبه مشرك عليه التوبة إلى الله جل وعلا، الذبح لغير الله من الشرك، فعليه التوبة إلى الله، والرجوع إليه، والذبيحة حرام، نسأل الله العافية.
س: تسال المستمعة وتقول وهي من اليمن: هناك قبور تزار من قبل بعض الناس، فهل يجوز لهم ذلك، حيث إنهم يذبحون عندها، وهل يجوز أن يأكلوا اللحم عند هذه القبور؟ (2)
ج: الذبح عند القبور لا يجوز، ولا الجلوس عندها للقراءة والدعاء، بل يجب الحذر من ذلك، بل هذا من وسائل الشرك، وإذا ذبح يتقرب إلى أصحاب القبور، أو دعاهم، أو استغاث بهم، أو نذر لهم، فإن هذا شرك أكبر، والعياذ بالله.
أما زيارة القبور للسلام عليهم، والدعاء لهم فلا بأس، سنة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (3)»، فإذا زارها المؤمن ليدعو لهم، ويسلم عليهم ويستغفر لهم فلا بأس، أما أن يزورهم للذبح
__________
(1) سورة المائدة الآية 3
(2) السؤال التاسع والعشرون من الشريط، رقم 433.
(3) أخرجه ابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ما جاء في زيارة القبور، برقم 1569.
(2/14)
________________________________________
عندهم، أو للقراءة عندهم، أو للدعاء عند قبورهم، فهذا منكر لا يجوز، هو من وسائل الشرك، فإذا ذبح لهم، أو دعاهم، أو استغاث بهم، أو نذر لهم، فقد صار هذا شركا أكبر، نعوذ بالله، أما النساء فلا يزرن القبور، يدعين لأمواتهن في البيوت، لا حاجة إلى زيارة القبور.
(2/15)
________________________________________
5 - حكم البقاء بين من يذبح لغير الله لقصد دعوتهم لتوحيد الله تعالى
س: أنا أعيش في قرية يعم فيها الشرك والجهل، وكلما نصحت لأهلها لا يسمعون لنصحي، فهم يقومون بالذبح والنذر لغير الله سبحانه وتعالى، ويقولون لي عندما أمنعهم أو أنصحهم: أنت مشرك بالله، ماذا أفعل؟ وهل أنا على حق، وهل أبتعد عنهم، أم أبقى في القرية مع مجاهدتي لنفسي ولهم؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: ننصحك أيها الأخ بالبقاء معهم، والجهاد لنفسك ولهم بالتعليم والتوجيه والإرشاد والنصيحة؛ لعل الله أن يهديهم بأسبابك، ولك مثل أجورهم إذا هداهم الله على يديك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (2)» فاصبر واحتسب ولا تعجل وادع الله
__________
(1) السؤال الأول من الشريط، رقم 324.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، برقم 1893.
(2/15)
________________________________________
لهم بالهداية فأنت على خير عظيم، هكذا صبر الرسل عليهم الصلاة والسلام، فتأس بالرسل عليهم الصلاة والسلام، والله يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1)، وقد أوذي نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وأوذي الأنبياء، فصبروا، فكن أنت متأسيا بهم عليهم الصلاة والسلام، فإذا كان أهل هذه القرية يتعاطون الشرك، ودعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات وأصحاب القبور، أو النذر لهم أو الذبح لهم، فهذا شرك أكبر، هذا دين المشركين؛ فالواجب عليهم ترك ذلك، والتوبة إلى الله من ذلك، وعليك أن تنصحهم دائما، وأن تصبر حتى يهديهم الله بأسبابك، فأنت على خير عظيم، فلا تجزع ولا تمل ولا تغادر القرية، إلا إذا وجد من يقوم مقامك، ويحصل به المقصود، وإلا فابق في القرية، واجتهد في الدعوة، واحرص على أن تلتمس من يساعدك ويعينك على هذه الدعوة العظيمة، يسر الله أمرك وبارك في جهودك وهدى أصحابك.
__________
(1) سورة الزمر الآية 10
(2/16)
________________________________________
6 - حكم الادعاء بمعرفة قبور الأنبياء عليهم السلام
س: لدينا من يدعي بأن قبور الأنبياء: عمران وصالح وأيوب وهود عليهم السلام موجودة عندنا في سلطنة عمان، وخاصة في المنطقة الجنوبية صلالة حيث توجد قبور بهذه الأسماء، فهل هذا صحيح أم لا؟ (1)
ج: لا يعرف قبر نبي من الأنبياء سوى نبينا عليه الصلاة والسلام، أما من ادعى أن هناك قبورا في عمان أو في غير عمان، معروفة للأنبياء فهو كاذب، وليس بصحيح إلا قبر نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - في المدينة، وهكذا قبر الخليل في فلسطين معروف هناك محل القبر، وأما بقية الأنبياء فلا تعرف قبورهم: لا نوح ولا هود ولا صالح ولا غيرهم، ما عدا إبراهيم في الخليل، المقصود أن جميع الأنبياء ما عدا النبيين الكريمين عليهما الصلاة والسلام، محمد وإبراهيم لا تعرف قبورهم، محمد - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وهذا معروف بإجماع المسلمين، وهكذا إبراهيم الخليل معروف أيضا بالمغارة بالخليل، وأما من سواهما من الأنبياء فقد نص أهل العلم أنه لا تعرف قبورهم.
__________
(1) السؤال العاشر من الشريط، رقم 198.
(2/17)
________________________________________
7 - حكم التقرب للأولياء والطواف حول قبورهم
س: الأخ م. م. خ من مصر، يقول: هل يجوز الذبح لأولياء الله الصالحين، وإقامة الموالد لهم والطواف حول قبورهم، أم لا؟ (1)
ج: التقرب للأولياء والأنبياء بالذبائح والنذور، هذا من الشرك الأكبر، وهكذا الاستغاثة بهم والنذر لهم ودعاؤهم بطلب تفريج الكروب أو شفاء المرضى، أو صلاح الأولاد أو صلاح المال كل هذا من الشرك الأكبر، وهكذا الطواف بقبورهم والتقرب إليهم بالطواف هذا من الشرك الأكبر؛ لأن الله يقول سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2)، ويقول جل وعلا: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3)، ويقول سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (4)، ويقول عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (5)، ويقول جل وعلا: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (6)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة (7)».
فالذي يدعو الأموات أو الملائكة أو الأنبياء قد عبدهم، فلا يجوز
__________
(1) السؤال التاسع والعشرون من الشريط، رقم 210.
(2) سورة غافر الآية 60
(3) سورة الجن الآية 18
(4) سورة الفاتحة الآية 5
(5) سورة البينة الآية 5
(6) سورة يونس الآية 106
(7) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، برقم 17888.
(2/18)
________________________________________
للمسلم أن يتقرب للأولياء بالذبائح والنذور، أو بالدعاء والاستغاثة، أو بالطواف حول قبورهم، كل هذا من المنكرات الشركية، ومن عمل الجاهلية، ومن عمل عباد الأوثان والأصنام، فالواجب الحذر من ذلك.
أما كونه يضحي لأخيه، لأبيه، أضحية يذبحها أيام عيد النحر، ينويها عن أبيه أو عن أخيه، أو عن رجل صالح يحبه في الله، يضحي له حتى يثيبه الله على ذلك، يقصد بها وجه الله، التقرب إلى الله، حتى يثيبه على ذلك، ويثيب من ذبحها له أجرا، فقد كان النبي يضحي عن أهل بيته عليه الصلاة والسلام، فلا بأس.
أما أن يذبح الذبائح يتقرب إلى القبور، حتى يشفعوا له، حتى يشفوا مريضه، هذا الشرك الأكبر؛ لأن الله سبحانه يقول: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي} (1) يعني: قل يا محمد للناس {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (2) يعني: ذبحي {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (4) ويقوله سبحانه {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (5) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (6).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من ذبح لغير الله (7)»، رواه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الأنعام الآية 163
(5) سورة الكوثر الآية 1
(6) سورة الكوثر الآية 2
(7) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله، برقم 1978.
(2/19)
________________________________________
فالمقصود أنه لا يجوز للمسلم أن يتقرب إلى القبور وأصحاب القبور بالذبح أو النذر، نذر الذبائح أو نذر الصدقات، أو ما أشبه ذلك، أو يستغيث بأهل القبور، أو يسألهم قضاء الحاجة، أو شفاء المريض، أو النصر على الأعداء أو حصول الولد، أو ما أشبه ذلك كل هذا لا يجوز، كله من عبادة غير الله، والله سبحانه أنكر ذلك، وأمر عباده أن يعبدوه. قال سبحانه {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1)، وقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2)، وقال: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3)، وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (4).
فالواجب على كل مكلف أن يتفقه في الدين وأن يتعلم، وعلى كل مسلم أن يصون دينه عن الشرك بالله، وأن يعبد الله وحده ويتوجه إليه في كل حاجاته، بالدعاء والخوف والرجاء والنذر والاستغاثة، والذبح وغير هذا، كله لله وحده.
أما الأولياء فحقهم أن يدعى لهم، المؤمنون يدعى لهم بالمغفرة، الأولياء هم المؤمنون سواء كانوا ذكورا أو إناثا، هم المؤمنون بالله، هم المسلمون، يقال لهم أولياء لطاعتهم لله، كما قاله سبحانه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (5) {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (6)،
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة الجن الآية 18
(4) سورة البينة الآية 5
(5) سورة يونس الآية 62
(6) سورة يونس الآية 63
(2/20)
________________________________________
وقال سبحانه: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} (1). فأولياء الله هم أهل التقوى والإيمان، المطيعون لله ورسوله، فحقهم أن يدعى لهم بالمغفرة والرحمة، ويحبون في الله. أما أن يعبدوا من دونه فلا، لا يجوز أن يعبدوا من دون الله، لا بالدعاء ولا بالطواف بقبورهم، ولا بالذبح لهم ولا بالنذر، كل هذا لا يجوز، وهكذا الرسل، وهكذا الجن، وهكذا الملائكة، لا يعبدون مع الله سبحانه وتعالى، العبادة حق الله وحده، ليس لأحد أن يصرفها لغيره جل وعلا.
يقول سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2)، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (3). نسأل الله للجميع الهداية.
__________
(1) سورة الأنفال الآية 34
(2) سورة الذاريات الآية 56
(3) سورة البقرة الآية 21
(2/21)
________________________________________
8 - حكم تسييب البهائم للقربى للزار أو غيره
س: يسأل ويقول: بقرة معتقة للزار، لا يحرثون بها ولا يبيعونها، ولا يذبحونها لأي ضرورة. أفيدونا عن حكم الشرع فيها؟ مأجورين جزاكم الله خيرا. (1)
ج: هذا من جنس عمل المشركين الأولين، والله أبطل هذا بقوله:
__________
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط، رقم 183.
(2/21)
________________________________________
{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} (1) فلا يسيب البقر لا للزار ولا للميت فلان، ولا للجني فلان، ولا لغير ذلك. فالتسييب للزار تقرب للشياطين، الزار شيطان. فالتقرب للشياطين بتسييب البقر أو الإبل شرك بالله وتشبه بالجاهلية. فلا يتقرب إلى الجن لا بتسييب ولا بذبح، ولا بدعاء واستغاثة، كل هذا من الشرك الأكبر؛ فإذا قال: يا الجني فلان، أو يا سبعة، أو يا تسعة، خذوا فلانا اذبحوه، اقتلوه، انصرونا على فلان، اشفوا مرضانا من كذا، كل هذا من الشرك الأكبر، كما لو قال: يا سيدي عبد القادر انصرني، أو يا سيدي الحسين انصرني، أو يا سيدي البدوي انصرني، أو المدد المدد، أو يا سيدي سفيان الثوري، أو يا سيدي أبا حنيفة، أو ما أشبه ذلك، كل هذا من الشرك الأكبر. وهكذا لو قال: يا رسول الله، أو يا نوح أو يا هود، أو يا عيسى، أو يا داود انصرنا، أو اشف مرضانا، أو يا عائشة أم المؤمنين، أو يا صفية أم المؤمنين، أو يا فاطمة بنت رسول الله انصرينا أو أغيثينا، أو المدد المدد، أو ما أشبه ذلك مما يفعله المشركون، كل هذا من الشرك بالله، كله كفر وشرك أكبر، لا يجوز لا مع الصالحين ولا مع الطالحين، لا مع الإنس ولا مع الجن. نسأل الله السلامة.
__________
(1) سورة المائدة الآية 103
(2/22)
________________________________________
9 - حكم تلطيخ الرأس بدم الدجاجة أو نحوها
س: في قريتنا إمام يصلي بهم، وهو يتعاطى أمرا، كثيرا ما حيرهم، وهو عندما يتزوج أحد في القرية لم يجعله يتم الزواج الكامل، حيث إن العروسين يحصل بينهما غضب شديد، ويقال: اذهبوا إلى هذا الشيخ لكي يعمل لهما ورقة وهما يرضيان على بعض، وعندما يحضر الشيخ يأتي بكتب من الإنس والجن ويقرأ فيها، ويمسح على رأس العروسين بزيت الطيب ويحضر معه حبرا أحمر، ويقول: هذا الحبر تدفعه هكذا في الماء وتشربه، وبعد هذا يقول ايتوني بدجاجة كي أذبحها، فيأخذ دمها ويضعه على رأس العروسين، بعد ذلك ينصرف الغضب، ما هو توجيه سماحتكم على هذا السؤال؟ (1)
ج: هذا العمل الذي يعمله هذا الرجل تخريف وغلط وتلبيس على الناس، لا وجه له ولا أساس له من الصحة، بل الواجب على من أحس بشيء من الغضب أن يتعوذ بالله من الشيطان، حتى يهدأ غضبه، ويشرع له الوضوء الشرعي، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشيطان خلق من النار، والنار تطفئ بالماء، والغضب من الشيطان، فالمؤمن يفعل الأشياء الشرعية، يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويتوضأ، هذا
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط، رقم 72.
(2/23)
________________________________________
مشروع كذلك، ومن أسباب إطفاء الغضب أن يجلس إن كان قائما، ويضطجع إذا كان قاعدا، أو يخرج من المحل حتى يهدأ الغضب، أما ما يعمله هذا الشيخ من تلطيخ رؤوسهم بالزيت، أو بدم الدجاجة أو بغير ذلك مما يقول، كل هذا لا أصل له، كله غلط وكله تلبيس وخداع لا وجه له، وإذا كان قصده ذبح الدجاجة للجن صارت شركا أكبر، ففي الحديث الصحيح: «لعن الله من ذبح لغير الله (1)»، والله يقول سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (2) (3) {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (4) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (5)، ويقول سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (6) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (7)، والنحر هو الذبح؛ المقصود أن هذا العمل الذي يعمله هذا الرجل غلط وينبغي أن يعرضوا عنه، ولا يقبلوا منه وينصحوه، فإن لم ينتصح ينبغي أن يتفقوا على رجل غيره يصلي بهم، ولا يصلي بهم هذا؛ لأن هذا متهم بالشركيات، عمله لذبح الدجاج هنا يوهم شرا كبيرا، فالحاصل أن مثل هذا لا ينبغي أن يكون إماما لهم إن لم يتب، فإن تاب فالحمد لله، وإلا فليزيلوه ويلتمسوا إماما آخر لمسجدهم، ولا يلتفتوا إليه في مسألة، إذا حصل بين العروسين شيء من الغضب، أو من الجفوة لا يلتفت إليه، بل يعالج ما بين العروسين بالطرق الأخرى، بالنصيحة، بالتوجيه، بقراءة القرآن،
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) يعني: ذبحي.
(4) سورة الأنعام الآية 162
(5) سورة الأنعام الآية 163
(6) سورة الكوثر الآية 1
(7) سورة الكوثر الآية 2
(2/24)
________________________________________
بأن يقرأ لهم إذا كان نوع المرض الذي أصابهم، بتوقف الزوج عن زوجته، هذا يقرأ له القرآن، يقرأ له: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، وآية الكرسي، وآيات السحر من سورة الأعراف ويونس وطه، ويشرب من ذلك ويغتسل من ذلك، ويزول ما قد يصيبه من المنع والحبس، الحاصل أنه قد يقع لبعض الناس حبس عن زوجته فيعالج بالقرآن والأدوية الشرعية، أما عمل هذا الرجل فهو عمل باطل.
(2/25)
________________________________________
10 - حكم الذبح لله في أماكن مخصوصة
س: عندنا في قريتنا حصن ريمان، الناس يذهبون إلى جبل ويأخذون معهم ذبيحة، ويذبحونها في الجبل، من أجل الله سبحانه وتعالى، ولعل الله يرحمهم وينزل عليهم المطر، هل هذا يحل أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله؟ (1)
ج: هذا العمل فيه تفصيل، إذا كان الذبح لله وحده، وليس هناك مقصد آخر، ليس هناك قبر يذبحون عنده، وليس هناك اعتقاد آخر في الجبل، وإنما فعلوه كذا صدفة، من غير قصد فلا حرج، والذبيحة لله وحده، ولكن لا حاجة إلى مجيء الجبل؛ لأن هذا يوهم أن هناك أشياء تنفع وتضر من دون الله، بل يذبحونها في بيوتهم أو في أي مكان تذبح فيه الدواب، ويكفي لله سبحانه تقربا إلى الله جل وعلا، ثم يوزع
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط، رقم 63.
(2/25)
________________________________________
هذا اللحم على الفقراء، والمساكين أو يأكلونه إذا أرادوا أكله، أو إن كانوا أرادوا الفقراء قسموا بين الفقراء، أو أعطوا الفقراء منه ما شاءوا، المقصود أن قصدهم الجبل فيه شيء من الإيهام، فإذا كان المقصود من الجبل إظهار الذبيحة وأنها تذبح لله على رؤوس الأشهاد فلا حاجة إلى قصد الجبل، يذبحونها في مكان بارز، ويقسمونها بين الفقراء، في قريتهم ويكفي ولا يقصدون الجبل، هذا الذي يوهم أن وراءه شيئا أما إن كانوا أرادوا في الجبل أن هناك ميتا مدفونا هناك، أو أن هناك محلا لرجال صالحين جلسوا فيه أو غارا جلس فيه رجال صالحون يتبركون به، هذا لا يجوز ويجب التنبيه لهذا، وإذا كان المقصود فقط إظهار الذبيحة، فإظهارها يكون في كل مكان، سواء الجبل أو غيره ولا حاجة إلى الجبل، ولو في بيوتهم، يذبحونها في محل الذبح، أو في حوش عندهم فيه محل للذبح، أو في محل حول الطريق يراه الناس، ولا يؤذي أحدا من الناس، لا بأس المقصود إظهارها بأي طريق، لكن لا يكون إظهارا يوهم أن هناك قصدا كقصد جبل معين، أو شجرة معينة، حتى لا يتهموا بالشرك، أو بالبدعة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(2/26)
________________________________________
11 - حكم الدوران بالدواب حول الجبال والوديان وذبحها للاستسقاء
س: سماحة الشيخ يحكي لنا الآباء عن شيء في منطقتنا قبل أن تنتشر الدعوة من جديد بعد حكم آل سعود، يقولون: كانوا يقودون الأبقار ويلفون بها حول الجبال، وحول الأودية، وبعد ذلك يذبحون واحدة منها، وهم بذلك يريدون الاستسقاء، فهل هذا شبيه بالصدقة سماحة الشيخ؟ (1)
ج: هذا غلط لا أصل له، بل هذا من البدع، المقصود التقرب إلى الله بصلاة الاستسقاء والدعاء فيستغيثون الله ويصلون الصلاة الشرعية، وإذا ذبحوا ذبائح وتصدقوا بها، أو صاموا أو تصدقوا بنقود، أو بأطعمة من الحبوب، أو من التمور كل هذا طيب، لكن لا يقصدون مكانا يوهم أنهم يتعبدون فيه لأنه قد سكنه رجل صالح، أو أقام به رجل صالح، أو دفن فيه رجل صالح لا يوهمون هذه الأشياء، ولا يقصدون هذه الأشياء، أما كونهم يدورون بها في الوادي، أو في الجبال هذا لا أصل له، هذه بدعة ولا حاجة إلى هذا، المقصود التقرب إلى الله، في أي مكان ذبحوها كفى، بقرة أو ناقة أو غنما، كل هذا طيب، إذا قصدوا به الصدقة والتقرب إلى الله؛ رجاء أن يرحمهم الله، كما رحموا الفقراء، وأحسنوا إليهم، الصدقة في وقت الاستسقاء مطلوبة؛
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط، رقم 63.
(2/27)
________________________________________
لأن الله جل وعلا يرحم عباده الرحماء، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء (1)»، «من لا يرحم لا يرحم (2)» فإذا تصدقوا على الفقراء بالنقود، أو بالذبائح أو بالملابس، أو بالأطعمة وقت الحاجة، وقت الجدب هذه من أسباب رحمة الله لهم لما رحموا عباده.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب، برقم 1284، ومسلم في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم 923.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله، برقم 5997، ومسلم في كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، برقم 2318.
(2/28)
________________________________________
12 - حكم الذبح لأجل بناء المنزل
س: توجد في بلدنا عادة وهي أن المرء إذا شرع في بناء منزل له، يذبح ذبيحة عندما يصل البناء إلى العتاب، أو تؤجل هذه الذبيحة حتى اكتمال البناء وإرادة السكن في المنزل، ويدعى لهذه الذبيحة الأقارب والجيران، فما رأي فضيلتكم في هذا العمل، وهل هناك عمل مشروع يفضل عمله قبل السكن في المنزل الجديد، أفيدونا جزاكم الله خيرا (1).
__________
(1) السؤال السادس عشر من الشريط، رقم 58.
(2/28)
________________________________________
ج: هذا التصرف فيه تفصيل، فإن كان المقصود من الذبيحة اتقاء الجن أو مقصدا آخر يقصد به صاحب البيت أن هذا الذبح يحصل به كذا ويحصل به كذا في البيت، سلامة البيت أو كذا أو كذا، هذا لا يجوز، بل هو من البدع، وإن كان للجن فهو شرك أكبر؛ لأنه عبادة لغير الله، أما إن كان من باب الشكر لنعم الله، لما من الله عليه بالوصول إلى السقف، أو بإكمال البيت من باب شكر الله على النعم، يجمع أقاربه وجيرانه ويدعوهم لهذه النعمة، فلا بأس بهذا، وهذا يفعله كثير من الناس، من باب الشكر لنعم الله، حيث من عليه بتعمير البيت، وسكن البيت بدلا من الاستئجار، هذا من باب الشكر لا بأس بذلك، شكرا لله عز وجل، أما إذا كان لقصد آخر كاتقاء شر الجن، أو مقاصد أخرى جاهلية فلا تجوز.
والذي يعمل هذا من باب شكر النعم، حيث من الله بتعميره وسكناه للبيت، فهذا مثل ما يسمى النزالة لإكرام الأقارب والجيران، والشكر لله على ما من به من تمام البناء، ومثل ما يفعله الناس في العرس، ومثل ما يفعلونه في مسائل أخرى إذا قدموا من السفر، قد ينحرون أشياء ويدعون الأقارب، وكان النبي إذا قدم من سفر نحر جزورا، ودعا الناس عليه الصلاة والسلام.
(2/29)
________________________________________
13 - حكم من أظهر الإسلام ويذبح لغير الله
س: الأخ خ. م. س. يسأل ويقول: ما حكم الإسلام فيمن يشهد: أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصوم ويصلي، ولكنه يقرب الذبائح لغير الله، ويحلف بغير الله، ويشد الرحال إلى قبور الصالحين، ويدعوهم ويستغيث بهم، المطلوب بيان هوية من يفعل ذلك، هل هو مسلم، وهل صلاته صحيحة، أم غير ذلك؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: هذه مسألة قد وقع فيها جمع غفير ممن ينتسب إلى الإسلام، جهلا منهم وتقليدا لآبائهم وأسلافهم، فالذي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصلي ويصوم، ولكنه مع ذلك يتقرب إلى أصحاب القبور بالذبائح ويستغيث بهم وينذر لهم، أو إلى الجن، أو إلى الأصنام، هذا مشرك وصلاته باطلة، وشهادته باطلة؛ لأنه نقضها بأفعاله الشركية، مثل المنافقين الذين يصلون مع الناس ويصومون ويشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولكن يقولون: محمد ما هو بصادق في باطنهم، وينكرون البعث والنشور في الباطن، هؤلاء في الدرك الأسفل من النار، كما قال الله جل وعلا: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (2)، وقال عنهم سبحانه:
__________
(1) السؤال السابع عشر من الشريط، رقم 235.
(2) سورة النساء الآية 145
(2/30)
________________________________________
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (1) {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} (2) لا مع المسلمين ولا مع الكفار.
وقال في الآية الأخرى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} (3).
فسماهم كفرة ولم يقبل منهم أعمالهم مع أنهم يصلون، لماذا؟ لأنهم في الداخل والباطن قد كذبوا الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنكروا البعث والنشور، فلهذا صاروا كفارا لاعتقادهم الباطل، فلا ينفعهم صلواتهم وشهاداتهم الظاهرة؛ لأن باطنهم يخالف ذلك.
فهكذا الذي يتقرب للقبور بالذبائح والنذور ويستغيث بهم ويذبح لهم هذا ليس بمسلم، يكون كافرا، وإن صلى وصام، وإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، عند أهل العلم، عند جميع أهل السنة والجماعة، ليس في هذا خلاف بحمد الله؛ لأن نواقض الإسلام متى وجد منها ناقض بطلت أعمال العبد، ومن ذلك مما يبين هذا الأمر: لو أن إنسانا يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويصلي ويصوم، ولكنه يسب الله ويلعن الله ويلعن الرسول، هذا كافر
__________
(1) سورة النساء الآية 142
(2) سورة النساء الآية 143
(3) سورة التوبة الآية 54
(2/31)
________________________________________
عند جميع العلماء ولو شهد، لو لعن الله أو لعن الرسول كفر بإجماع المسلمين. أو قال: إن الرسول بخيل، ذمه، قال: بخيل، أو قال: جبان، كفر عند جميع العلماء ولو شهد أن محمدا رسول الله، وهكذا لو سب الله كفر إجماعا، أو قال كما قالت اليهود: إن الله بخيل، كفر إجماعا، أو قال: يداه مغلولتان كفر بإجماع المسلمين، لو صلى وصام، أو قال: في باطن الأمر إنه ما هناك جنة ولا نار، هذا كذب، كما يقول المنافقون، كفر بالإجماع، ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، هذه مسألة مهمة عظيمة.
وهكذا لو أن إنسانا يصلي ويصوم ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقول: إن الزنى حلال، ليس فيه حرج أن الإنسان يزني، أو لا حرج أنه يشرب الخمر، أو لا حرج أنه يعق والديه، لا بأس لا حرج، صار كافرا بإجماع المسلمين، فينبغي للعاقل أن ينتبه لهذا، وهكذا كل مسلم ومسلمة، فيجب الانتباه لهذا الأمر، والتقرب للقبور بالذبائح والنذور والاستغاثة بأهل القبور شرك أكبر، كما يفعله بعض الناس عند قبر ابن علوان في اليمن أو عند العيدروس في اليمن، أو عند ابن عربي في الشام، أو عند الشيخ عبد القادر الجيلاني في العراق، أو عند قبر أبي حنيفة في العراق، أو يفعله مع البدوي في مصر، أو مع الحسين في مصر، أو مع غيرهم، كل هذا كفر وشرك أكبر، فالذي يستغيث بهؤلاء وينذر لهم ويذبح لهم ويسألهم الغوث والنصر والشفاء كافر عند جميع أهل السنة والجماعة، ولا تنفعه صلاته
(2/32)
________________________________________
ولا صومه ولا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، كالمنافقين الذين يقولونها وهم يسبون الرسول ويكذبون الله في الباطن.
هذه المسائل عظيمة يجب التنبه لها من جميع المسلمين، ويجب على العلماء في أي قطر وفي أي مكان أن ينبهوا الناس على هذا الأمر، حتى يتبصر المسلمون وحتى يتبصر عباد القبور وغيرهم، وحتى يكونوا على بينة، وحتى يقلعوا من هذا العمل السيئ وحتى يتوبوا إلى الله من ذلك، هذا هو واجب العلماء أينما كانوا، في هذه المملكة وفي الشام، وفي مصر، وفي إفريقيا وفي العراق وفي كل مكان يجب على علماء الشريعة علماء السنة أن يبينوا للناس أحكام هذه الأمور، وأن يرشدوهم إلى توحيد الله والإخلاص له؛ كما قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1)، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2)، وقال عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3)، وقال عن الكفار من قريش وغيرهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (4) جعل طلبهم الشفاعة من آلهتهم كفرا وشركا أكبر، فكيف بالذي يذبح لهم وينذر لهم ويستغيث بهم؟ أعظم وأعظم.
فالواجب على جميع المسلمين وعلى جميع من وقع في هذه الأمور
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة يونس الآية 18
(2/33)

أن ينتبه وأن يتوب إلى الله وأن يخلص العبادة لله وحده، وألا يذبح إلا لله، وألا يستغيث إلا بالله، وألا ينذر إلا لله، يقول سبحانه في سورة الأنعام في آخرها: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي} (1) يعني: قل يا محمد للناس {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (2) يعني: ذبحي. {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (4)، ويقول سبحانه يخاطب نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (5) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (6) الصلاة لله والذبح لله جل وعلا، ويقول جل وعلا: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (7)، قال جل وعلا: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (8). هذا يعم الأنبياء وغيرهم: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (9). يعني: المشركين. والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (10)».
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الأنعام الآية 163
(5) سورة الكوثر الآية 1
(6) سورة الكوثر الآية 2
(7) سورة غافر الآية 14
(8) سورة الجن الآية 18
(9) سورة يونس الآية 106
(10) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار، برقم 2856، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، برقم 30.
(2/34)

ويقول لابن عباس: «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله (1)»؛ فالعبادة حق الله وحده، هو الذي يستعان به ويستغاث به، أما المخلوق إذا كان حيا فلا بأس أن يستعان فيما يقدر عليه الحي الحاضر تقول له: أعني على إصلاح سيارتي، لا بأس، أعني على تعمير بيتي لا بأس، حاضر يسمع كلامك ويعينك، أما سؤال الأموات والاستغاثة بالأموات، أو بالأحجار، أو بالأصنام، أو بالأشجار أو بالجن فهذا كفر أكبر وشرك أعظم، نسأل الله العافية.
__________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق، باب منه، برقم 2516.
(2/35)

14 - حكم الذبح عند المنزل بعد الانتهاء من بنائه
س: سائلة تقول: لدينا عادة، إذا بنى الإنسان منزلا جديدا وأراد أن يسكنه، لا بد أن يذبح ذبيحة يسمونها فتحة الدار، هل هذا الكلام صحيح، وهل له أصل؟ (1)
ج: إذا كان المقصود شكر الله جل وعلا على نعمته، فيدعو إخوانه وأحبابه وجيرانه، فلا بأس؛ أما إذا كان عن اعتقاد أنه يذبح من أجل الجن، أو من أجل خوف الجن، هذا لا يجوز. وهذه عادة معروفة عند بعض الناس إذا نزلوا بيتا جديدا، عمروه، أو اشتروه، في الغالب يدعون إخوانهم، وأقاربهم ويدعون جيرانهم، يكرمونهم شكرا لله على
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط، رقم 243.
(2/35)

نعمة السكن، فإذا كان بهذه المثابة فلا شيء في ذلك، هذا من شكر الله، أما إن كان عن اعتقاد سيئ، يذبحها من أجل الجن أو خوف شر الجن، فلا يجوز.
س: الأخ أ. م. ب. من السودان. يسأل ويقول: في قريتنا عادات، أنا أشك كثيرا في صحتها شرعا، فمثلا عندما يبني الرجل منزلا جديدا، وحين وضع العتب، لا بد أن يذبح ذبيحة يجعلونها كشيء واجب، ويقولون: الليلة يوم العتب؛ والعتب هو عبارة عن الأعواد التي توضع للشبابيك والأبواب، فهل هناك شيء إذا لم أقم بهذا العمل من الناحية الشرعية؟ (1).
ج: هذا العمل منكر ولا يجوز، وكثير من الناس في بلدان كثيرة يقصد به الذبح للجن، والسلامة من شرهم، ويقول: إن هذا يتقى به شر الجن، فلا يجوز فعل ذلك، ولو زعم صاحبه أنه ما قصد الجن؛ لأن تعاطي هذا الأمر على هذا الوجه عند التأسيس، يدل على قصد سيئ؛ فالواجب الحذر من ذلك وترك ذلك، ولكن يستعين بالله ويسأله التوفيق ويدع العادات الجاهلية التي يفعلها أهل الجهل، كانت هذه عادة قديمة في الذبح عند تأسيس البيوت للجن، يتقون بهذا شرهم
__________
(1) السؤال الخامس عشر من الشريط، رقم 197.
(2/36)

بزعمهم، فإذا كان قصد الجن، فهذا شرك أكبر وعبادة لغير الله، نعوذ بالله. أما إذا كان فعله تقليدا لغيره ولم يقصد الجن، فهذا بدعة ومنكر، لا يجوز.
(2/37)

باب ما جاء في النذر لغير الله
(2/39)

باب ما جاء في النذر لغير الله
15 - حكم النذر لغير الله
س: ورد في بعض المجلات الناطقة باسم الإسلام، مقالا جاء فيه: إن بعض المسلمين ينذرون، إن حصل لهم كذا وكذا، فسوف يقدمون بعض الأموال لصناديق النذور الموضوعة في المساجد، المقامة على أضرحة الأولياء والصالحين، وهذه الأموال تجرد كل عام، وتقسم على العاملين بهذه المساجد كالإمام وغيره، ويرجو من سماحتكم التوجيه في هذا الموضوع؟ (1)
ج: هذه النذور التي يتقرب بها الناس إلى أصحاب القبور، والسدنة التي على القبور كلها باطلة، وكلها شرك بالله عز وجل، لأن النذر عبادة، فلا يجوز أن يصرف لغير الله سبحانه وتعالى، فلا يجوز أن ينذر لقبر البدوي أو الحسين، أو فلان أو فلان لا دراهم ولا شمعا ولا خبزا ولا غير ذلك، كل ذلك منكر لا يجوز، كما أن دعاء الأموات والاستغاثة بهم منكر، وهكذا الذبح لهم والتقرب إليهم بالذبائح
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط، رقم 109.
(2/41)

منكر، فهكذا النذر. قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (1) والنسك العبادة، يعم النذر وغيره، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (3) وقال عز وجل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (4) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (5) وقال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} (6)، يعني فيجازيكم عليه، فالنذور قرب وطاعات، فإن كانت لله فلصاحبها ثوابها، مع أن الرسول نهى عن النذر وقال: «إنه لا يأتي بخير (7)» فلا ينبغي النذر، لكن لو فعل النذر طاعة لله، وجب عليه أن يفعل الطاعة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (8)». أخرجه البخاري في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها. فإذا نذر طاعة لزمه الوفاء، وأجره على الله سبحانه وتعالى، ولكن ينصح ألا يعود إلى ذلك، فإذا قال: لله علي أن أصلي ركعتين، هذه الليلة، أو لله علي أن أصوم يوم الاثنين، أو يوم الخميس، أو لله علي أن أتصدق بكذا وكذا على الفقراء، أو لله علي أن أحج هذا العام أو عام كذا، أو عام كذا فهذه كلها نذور عبادة وطاعة، فعليه أن يوفي
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 163
(4) سورة الكوثر الآية 1
(5) سورة الكوثر الآية 2
(6) سورة البقرة الآية 270
(7) أخرجه مسلم في كتاب النذر باب النهي عن النذر برقم 1639.
(8) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة برقم 6696.
(2/42)

بها، أما إذا نذر أن يتصدق بكذا وكذا للشيخ البدوي، أو للسيد حسين أو للشيخ عبد القادر الجيلاني، أو لفلان أو لفلان هذه نذور باطلة، نذور شركية باطلة، وهذا المال الذي يوضع في الصناديق يجب أن يفرق على الفقراء، ولا يعطى إمام مسجد ولا خدم المسجد، ولا السدنة لأنهم أعانوا على الشرك، ودعوا إلى الشرك، فهم بدعائهم إلى الشرك ورضائهم بالشرك، يكونون مشركين بهذا العمل، فإن من دعا إلى الشرك ورضي بالشرك فهو مشرك، نسأل الله العافية، وهؤلاء السدنة الذين يدعون الناس إلى التقرب إلى أصحاب القبور، معناه أنهم يضلونهم ويدعونهم إلى الشرك بالله عز وجل، فلا يجوز أن تدفع إليهم هذه الأموال، بل يجب أن تؤخذ من الصناديق، يأخذها ولي الأمر وتدفع إلى الفقراء والمساكين، الذين لا تعلق لهم بهذه القبور، وعلى ولي الأمر وعلى الدعاة إلى الله، وعلى العلماء أن ينصحوا الناس وأن يعلموهم، أن هذه النذور باطلة، وأنه لا يجوز لهم أن يتقربوا إلى هذه الصناديق بشيء، وأن ترفع هذه الصناديق وتقفل، وأن يمنع السدنة من أعمالهم الخبيثة، وهكذا أئمة المساجد التي فيها القبور، ويبين لهم أن هذا باطل، وعلى ولاة الأمور أن يزيلوا القبور من المساجد، وأن ينقلوها إلى مقابر المسلمين، وإذا كان المسجد مبنيا على القبر وجب هدم المسجد، وألا يصلى فيه ويبقى القبر على حاله من دون مسجد، رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وأرشد الأئمة والعلماء والأمراء لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، ومنح الجميع الفقه في الدين والثبات
(2/43)

عليه، وهدي العامة لما فيه صلاحهم ونجاتهم، وأعاذهم من كل ما يغضبه سبحانه، ويوقعهم في الهلاك والعذاب، في العاجل والآجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(2/44)

16 - بيان حكم النذر للأولياء والصالحين
س: يسأل السائل ويقول: هل النذر للأولياء والصالحين محرم، وكيف يكون حلالا، وكيف يكون حراما، وما حكمه مأجورين؟ (1)
ج: النذر للصالحين والتقرب إليهم بالذبائح أو النذور أو بالدعاء شرك أكبر من الشرك الأكبر، فالذي ينذر الصلاة أو الذبيحة للصالحين أو للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو لعبد القادر الجيلاني أو للصديق، أو لعلي بن أبي طالب، أو يستغيث بهم أو يذبح لهم أو يسجد لهم يكفر بالله كفرا أكبر، أو يستغيث بهم، يا سيدي علي أو يا نبي الله، أو يا رسول الله اغفر لي، أو انصرني، أو يا سيدي البدوي اغفر لي أو انصرني، أو يا علي أو يا أبا بكر أو يا عمر، أو يا فلان كل هذا من الشرك الأكبر، فدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم والذبح لهم، والاستنصار بهم، كل هذا من الشرك الأكبر، هذا دين المشركين، نعوذ بالله من ذلك، وهكذا السجود لهم، وهكذا الذبح لهم، وهكذا طلب الغوث منهم،
__________
(1) من ضمن أسئلة الشريط، رقم 423.
(2/44)

وهكذا الغائبون، ولو كانوا أحياء، إن كانوا غائبين يعتقد أنهم يسمعونه ويجيبونه وهم في البلاد البعيدة، يستغيث بهم، يستعين بهم، يسألهم قضاء الحاجات؛ لأنه يعتقد فيهم أنهم يعلمون الغيب أو أنهم يغيثونه من بعيد هذا الشرك الأكبر كالاستغاثة بالأموات نسأل الله العافية، أما من طريقة الكتابة، كونه يكتب كتابا يقول لفلان: اشتر لي كذا، أو أعطني كذا، أو أقرضني كذا، يكتب له كتابا لا بأس، وهو حي، أو بالتلفون يكلمه بالتلفون، هذا لا بأس، أما أن يعتقد في الغائب في بلاد بعيدة، لا يسمع كلامه، ويعتقد فيه أنه يسمعه، أو يعلم الغيب أو يسمع كلامه من بعد لاعتقاده السر فيه فيستغيث به، أو يطلب قضاء الحاجة، أو العون على كذا، هذا شرك أكبر، كالميت، كسؤال الميت نسأل الله العافية.
(2/45)

17 - حكم نذر الذبائح للأئمة والصحابة
س: بعض الناس ينذرون النذور من الذبائح وغيرها للأئمة والصحابة، فهل هذا جائز، وهل من الصحيح أن يأخذوا من النذور لأنفسهم أفيدونا؟ (1)
ج: النذور والذبائح التي تنذر للأموات أو الأنبياء أو غيرهم، هذه النذور والذبائح من المحرمات الشركية، كما ينذر لغير الله ذبيحة، أو شمعا أو صدقات أو ما أشبه ذلك سواء كان المنذور له نبيا أو وليا،
__________
(1) السؤال الثامن من الشريط، رقم 27.
(2/45)

إماما أو غير إمام، لا يجوز النذر إلا أن يكون لله، والذبيحة تكون لله، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (2)، ويقول سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (3) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (4)، وثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «لعن الله من ذبح لغير الله (5)» خرجه مسلم في الصحيح، وقال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} (6) يعني يجازيكم عليه، وقال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (7)»، فالنذور عبادات فيها تعظيم الله، وفيها تعظيم المخلوق إذا نذر له، كما أن الذبح عبادة يعظم بها الرب، ويعظم بها المخلوق، فلا تليق إلا لله سبحانه وتعالى، فليس له أن يذبح للجن ولا للأنبياء يتقرب إليهم بذلك، يريد شفاعتهم أو شفاء مريضه أو رد غائبه أو قضاء دينه أو ما أشبه ذلك، لا للأنبياء ولا للملائكة ولا للجن ولا للأولياء ولا لغيرهم، بل يكون الذبح لله وحده يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، وهكذا النذر كما يقول بعض الجهلة: إن شفى الله مريضي، فللشيخ كذا وكذا، وللولي الفلاني كذا وكذا، ويقول: إن شفى الله مريضي فلك يا شيخ فلان كذا وكذا يتقرب إليه لأنه واسطة بزعمه في
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 163
(3) سورة الكوثر الآية 1
(4) سورة الكوثر الآية 2
(5) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.
(6) سورة البقرة الآية 270
(7) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة برقم 6696.
(2/46)

الشفاء، هذا من الشرك الأكبر، لا يجوز بل يجب على من فعل هذا أن يتوب إلى الله، وأن يقلع عن هذا العمل السيئ، وأن يندم على ما مضى منه، ومن تاب تاب الله عليه سبحانه وتعالى، وهذا غير الذبيحة التي يذبحها الإنسان كرامة للضيف أو لأهله ليأكلوا، هذا لا بأس به إذا ذبح ذبيحة للضيف الذي نزل به لإكرامه فإكرام الضيف حق، كالذي ذبح ذبيحة ليأكلها هو وأولاده أو يجعلها موزعة على أيام، كل هذا لا بأس به، وهذا غير الضحية التي تذبح أيام النحر، هذه ذبيحة لله، الضحية يتقرب بها الذابح إلى الله سبحانه وتعالى فإن ذبحها عنه أو عن أبيه أو أمه فلا يقال: إنه ذبحها لغير الله، هذه ذبحها لله يتقرب بها إلى الله يريد ثوابها له أو لأهل بيته، أو له ولأهل بيته، هذا لا حرج فيه، وإنما المنكر أن يتقرب بالذبيحة لغير الله، يذبحها للنبي أو الولي أو للجن أو للملائكة يقصد أنه بهذه الذبيحة يتوسط بهم في قضاء حاجاته في شفاعتهم به إلى الله ليشفي مريضه، ليرد غائبه ليشفيه هو من مرضه، يرى أن هذه العبادة تكون سببا لوساطتهم وتقريبهم له إلى الله سبحانه وتعالى.
س: يسأل المستمع من السودان ويقول: هل يجوز لي أن أمنع الهبة كالنخيل التي وهبها جدي تقربا للسيد أو الولي، وإرشادي إلى بعض الكتب التي تنهى عن البدع؟ (1)
__________
(1) السؤال الحادي والثلاثون من الشريط، رقم 413.
(2/47)

ج: إذا كان جدك أو أبوك وقف نخلات أو بيتا على الضريح الفلاني يبنى منه عليه، أو ينفق منه على تطييب المحل، أو البناء عليه، أو تجصيصه، أو ما أشبه ذلك، فالوقف باطل ويكون للورثة، ولا يلتفت إلى الهبة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1)»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2)»، فلا بد أن تكون الأوقاف على الوجه الشرعي، فالوقف الذي لا يوافق الشرع يكون باطلا.
وعن طلب إرشادك إلى الكتب التي تنهى عن البدع وهل هناك بدع حسنة، فنرشدك إلى كتاب فتح المجيد، وشرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وفتح المجيد لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والبدع والنهي عنها للشيخ ابن وضاح رحمه الله، والاعتصام للشاطبي رحمه الله، كل هذه فيها التحذير عن البدع، ويكفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (3)»، كل بدعة ضلالة، فما أحدث
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة برقم 1718.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور برقم 2697.
(3) أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة برقم 867.
(2/48)

الناس في الدين من عبادة لم يشرعها الله اجتنبها واحذرها، ولكن تستعين بالكتب التي ذكرنا وغيرها من الكتب المعروفة في بيان السنة وبيان البدعة، وإذا أشكل عليك شيء تسأل أهل العلم من أهل السنة والجماعة.
(2/49)

18 - حكم الأموال التي تنذر للأولياء
س: ما حكم الشرع في الأموال التي تنذر للأولياء، وتوضع في صناديق، هل لأحد حق فيها لانتسابه إلى هذا الولي؟ (1)
ج: النذر من العبادات التي يجب إخلاصها لله، وحده، لأنها التزام المكلف ما ليس لازما له، من جهة الشرع، هي تعظيم للمنذور له وتقربا إليه، وهذا لا يصلح إلا لله وحده، فليس لأحد أن يلتزم صلاة ولا صوما، ولا صدقة ولا غير ذلك، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل، ولا لنجم ولا لشجر ولا لحجر، ولا لجني ولا لغير ذلك، فهذه النذور التي يقدمها بعض الجهال، إلى الأولياء من أصحاب القبور، تعتبر شركا أكبر، كالذبح لغير الله، والاستغاثة بالأموات، كل ذلك من قسم الشرك الأكبر قال الله عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) وقال عز وجل:
__________
(1) السؤال الأول من الشريط، رقم 131.
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة البينة الآية 5
(2/49)

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) وقال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} (2). المعني فيجازيكم عليه سبحانه وتعالى، فالنذور عبادات وقرب، يجب أن تكون لله وحده، ومع ذلك فالرسول نهى عن النذر، قال: «إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل (3)»؛ فلا ينبغي للمؤمن النذر، ولكن متى نذر فليكن لله وحده، لا لغيره سبحانه وتعالى، فإذا قال: لله علي أن أصلي كذا، أو أصوم كذا، أو يتصدق بكذا، لزمه الوفاء لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (4)» خرجه البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، فإذا قال: لله علي أن أصلي الضحى ركعتين وجب عليه الوفاء، أو لله علي أن أتصدق بكذا وكذا درهما، أو بكذا وكذا صاعا من بر أو شعير أو أرز أو غير ذلك وجب عليه الوفاء، أو قال: لله علي أن أحج وجب عليه الحج، أو لله علي أن أعتمر وجب عليه العمرة، وهكذا لقوله عليه الصلاة والسلام: «من نذر أن يطيع الله فليطعه». أما أن ينذر للأولياء، لأصحاب القبور للجن، للكواكب، للرسل عليهم الصلاة والسلام، أو لغيرهم من المخلوقين فهذا شرك بالله، كما لو ذبح لغير الله، أو استغاث بغير الله، من الأموات أو من الجن أو من الكواكب أو ما أشبه ذلك، كله شرك بالله بإجماع أهل
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة البقرة الآية 270
(3) أخرجه مسلم في كتاب النذر باب النهي عن النذر برقم 1639.
(4) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة برقم 6696.
(2/50)

العلم، وإنما وقع هذا من المتأخرين الذين جهلوا توحيد الله، وجهلوا أحكام شريعته ووقعوا في الشرك، وقد يقع في هذا بعض من ينتسب إلى العلم، لعدم بصيرته في العقيدة الصحيحة التي درج عليها سلف الأمة، وهذه النذور التي تكون من الأموال، وتجمع في الصناديق حول القبور، هذه حكمها حكم الأموال التي لا رب لها، تؤخذ لبيت مال المسلمين، أو يأخذها ولي الأمر يصرفها في مصالح المسلمين، كمساعدة الفقراء والمساكين أو إصلاح الطرق، أو دورات المياه أو ما أشبهها من المصالح العامة، ولا ترد على أهلها، وليس لأحد أن يأخذها من الناس، بل هذه ترجع لولي الأمر، إذا كان ولي الأمر صالحا، ينفذ شرع الله، وإلا فلأصحاب البصيرة من أهل العلم أن يأخذوها، ويوزعوها في وجوه البر والخير، على الفقراء والمحاويج ونحو ذلك، يبصرون الناس ويحذرونهم منها، وأنها منكر، وأنها من الشرك حتى لا يعودوا إليها، وتزال هذه الصناديق وترفع من المساجد وغيرها، لأنها منكر ولأنها دعوة للشرك بالله، عز وجل فالواجب إزالتها والتحذير منها، وتوعية الناس وتبصيرهم، بأن هذا من الشرك الأكبر، وما وجد فيها حين إزالتها، من نقود وغيرها تصرف في أعمال الخير كما تقدم، مع إزالتها من المساجد، ومع تنبيه العامة وتحذيرهم من مثل هذا، وأنه لا يجوز التقرب إلى غير الله، لا بالصلاة ولا بالنذور ولا بالصدقات ولا غير هذا، لا لأصحاب القبور، ولا للأصنام، ولا للكواكب ولا للجن ولا لغير هذا، العبادة لله وحده
(2/51)

سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (1)، وقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2) والعبادة كل ما أمر الله به ورسوله، قال بعض أهل العلم: معناها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وتكون قولية وتكون عملية، وتكون بالقلب، وتكون باللسان، وتكون بالجوارح، خوفا لله وتعظيمه ومحبته، هذه عبادات قلبية وهكذا رجاؤه سبحانه، ونحو ذلك من سائر العبادات القلبية، وهناك عبادات عملية: كالصلاة والزكاة والصدقات والذبح، والنذر هذه عبادات عملية وتكون قولية، كالنذر من جهة القول، فالنذر عبادة قولية، وما يحصل به من صدقات ونحو ذلك، عبادات مالية، فالحاصل: أن جميع العبادات قولية أو عملية أو قلبية أو لسانية يجب أن تكون لله وحده سبحانه وتعالى، ولا يجوز لأي أحد أن يصرفها لأي مخلوق، من ولي أو رسول أو ملك، أو جني أو صنم أو غير ذلك، نسأل الله للجميع الهداية والسلامة.
__________
(1) سورة الزمر الآية 2
(2) سورة البينة الآية 5
(2/52)

19 - بيان حكم النذر
س: هل النذر الذي يعود أجره للأئمة حلال، أم حرام وصفته أن يقول صاحب النذر لتأديته له، يقول: النذر لله وثوابه للإمام الفلاني مثلا؟ (1)
ج: هذا السؤال فيه إجمال، والنذور قسمان: قسم شرعي وقربة إلى الله عز وجل، وإن كان أصله ينهى عنه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (2)»، لكن جنس النذر ينبغي أن يدعه المؤمن، لقوله عليه الصلاة والسلام لما سئل عن النذور قال: «لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل (3)» متفق على صحته. وفي اللفظ الآخر من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه نهى عن النذر وقال: «إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل (4)» هذا يدل على أن جنس النذر لا ينبغي، لأن فيه إلزاما، وقد يشق على المسلم أداؤه، فينبغي له أن يدع النذر، لكن متى نذر نذر طاعة وجب عليه
__________
(1) السؤال الثامن عشر من الشريط، رقم 42.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين، مسند أبي هريرة رضي الله عنه برقم 7167.
(3) البخاري الأيمان والنذور (6316)، مسلم النذر (1640)، الترمذي النذور والأيمان (1538)، النسائي الأيمان والنذور (3805)، أبو داود الأيمان والنذور (3288)، ابن ماجه الكفارات (2123)، أحمد (2/ 314).
(4) أخرجه مسلم في كتاب النذر باب النهي عن النذر برقم 1639.
(2/53)

الوفاء؛ لأن الله سبحانه مدح الموفين بالنذر، فقال عز وجل: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} (1)، وقال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (2). وقال عليه الصلاة والسلام: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (3)». فإذا قال: لله علي أن أصوم ثلاثة أيام، أو يصوم شهر شعبان، أو يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس من كل أسبوع، أو ما أشبه ذلك هذا كله نذر طاعة، يجب عليه الوفاء، أو قال: لله عليه أن يصلي الضحى، أو هذه الليلة ركعتين، أو أربع ركعات، أو ما أشبه ذلك، هذا نذر طاعة، أو قال: لله علي أن أتصدق بكذا وكذا، على الفقراء والمساكين هذا نذر طاعة، وإذا كان نوى بذلك أن هذا النذر صدقة، عن أبيه أو أمه أو نفسه، فهو على ما نوى من نيته، أو نواه عن الإمام مالك، أو عن فلان أو فلان من أهل العلم هو على نيته، لكن هنا أمر آخر ينبغي التنبه له، وهو أنه قد يقصد بالنذر غير الله، والتقرب إلى غير الله، كما يفعله بعض عباد القبور، أو عباد الأموات، فيقول: إن شفى الله مريضي، فللشيخ البدوي كذا من الطعام، وللشيخ عبد القادر الجيلاني كذا وكذا من النقود أو من الشمع، هذا شرك بالله، لأن هذا نذر لمخلوق، والنذور عبادة،
__________
(1) سورة الإنسان الآية 7
(2) سورة البقرة الآية 270
(3) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة برقم 6696.
(2/54)

والعبادة لله وحده، كما قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1)؛ وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2)، وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3). فالنذر للمشايخ وأصحاب القبور، أو للجن أو للكواكب، والتقرب إليهم هذا من عبادة غير الله، هذا لا يجوز بل نص العلماء أنه من الشرك بالله عز وجل، لأنه تقرب بهذه العبادة لغير الله، من الأموات أو من الجن، أو من المشايخ الأموات أو غيرهم، ممن يتقرب إليهم بالنذور، هذا لا يجوز، أما إذا تقرب به لله، قال: لله علي كذا وكذا، صدقة بكذا دراهم، بكذا من الطعام، ينويها عن نفسه أو عن أبيه أو عن أمه، أو عن بعض أحبائه، صدقة لله يتقرب بها إلى الله وحده سبحانه وتعالى هذا لا بأس به، ولكن تركه أولى لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النذر فينبغي تركه، ويكره النذر مع كونه لله يكره، أما إذا أراد به النذر لغير الله يعتقد أن هذا الشيخ يشفي مريضه، يرد الغائب بما أعطاه الله من الولاية، أو من الكرامة فلهذا ينذر له، ينذر للبدوي بالطعام، ينذر له عجل، ينذر له شاة، أو للشيخ عبد القادر الجيلاني أو للدسوقي، أو لفلان أو لفلان، ممن يغلو فيهم الصوفية، وغيرهم هذا كله من الشرك بالله عز وجل، أو ينذر للجن أو يسألهم، أو يستغيث بهم أو يستعين بهم أو يستغيث بالأموات، يقول: يا سيدي
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة الذاريات الآية 56
(2/55)

فلان انصرني، أو اشف مريضي، أو رد غائبي أو أنا في حسبك، أو أنا في جوارك، كما يفعله عباد الأموات، أو عباد القبور، هذا لا يجوز هذا من الشرك بالله سبحانه وتعالى، ومن النذور البطالة أيضا التي تحرم، كأن ينذر أن يشرب الخمر، أو يزني أو يتعامل بالربا، هذه نذور معصية والنبي عليه السلام قال: «ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (1)». واختلف العلماء هل فيه كفارة أم لا على قولين، والأرجح أن نذر المعصية فيه كفارة، إنه لا يعصي ولكن فيه كفارة يمين، لأنه جاء في بعض الروايات أنه لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين، فينبغي لمن فعل ذلك أن يتوب إلى الله، وعليه كفارة يمين، إذا قال: لله عليه أن يشرب الخمر، أو يزني أو يسرق أو يضرب فلانا بغير حق، هذا نذر باطل منكر ومعصية، ولا يجوز له فعله، وعليه كفارة يمين على الصحيح.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب النذر في الطاعة برقم 6696.
(2/56)

20 - حكم التبرع للمساجد التي حولها قبور
س: يوجد عندنا مسجد بجانبه قبران خارج المسجد، أحدهما يوجد داخل حجرة مبنية له، بحجة أنه ولي صالح، ويوجد بداخل الحجرة صندوق مخصص للتبرعات، يضع فيه الزوار النقود وتنفق هذه النقود فيما ينقص المسجد، السؤال ما الحكم في إنفاق هذه النقود، وما الحكم بالنسبة للصلاة فيه، وبماذا تنصحوننا أفتونا أثابكم الله؟ (1)
ج: إذا كان القبر خارج المسجد، فلا حرج من الصلاة في المسجد، لأنه مستقل حينئذ والرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن اتخاذ المساجد على القبور، قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2)». فإذا كان القبر خارج ذلك المسجد، في حجرة خارج المسجد فلا حرج، لكن هذا القبر يجب أن يبعد إلى مقابر المسلمين، حتى لا يغلى فيه وحتى لا يعبد من دون الله، وهذا الصندوق يجب أن يزال، لأن الجهلة يسلمون الأموال تقربا إلى صاحب القبر، لأنه بزعمهم ولي، فكونهم يتقربون إليه بالنذور والصدقات، هذا شرك أكبر
__________
(1) السؤال الثاني والعشرون من الشريط، رقم 119.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور برقم 1330، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم 529.
(2/57)

لا يجوز، فالواجب على المسؤولين في البلد أن يتصلوا بالعلماء، وأن يزيلوا هذا القبر، ويزيلوا رفاته إلى مقابر المسلمين، مع المقابر وتزال هذه الحجرة التي قد يفتن بها الناس، ويزال الصندوق وهذه الأموال التي في الصندوق تصرف في مصالح المسلمين، في مصالح المسجد أو مصالح المدارس، أو يعطاها الفقراء ونحو ذلك، لأنها أموال ضائعة ليس لها مالك في الحقيقة، فتصرف في المصالح العامة، ويزال هذا الصندوق ويخبر الناس بأنه لا يجوز التقرب لأهل القبور، لا بالذبائح ولا بالنذور، ولا يصلى عند القبور ولا يصلى لهم، ولا يدعون من دون الله، ولا يستغاث بهم، ولا ينذر لهم، لأن هذا لا يجوز، النذر لهم شرك بالله، ودعاؤهم من دون الله، كأن يقول يا سيدي أنا بجوارك، يا سيدي المدد المدد هذا شرك أكبر من جنس عمل المشركين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل مكة وغيرهم، الميت يدعى له ويستغفر له، ويترحم عليه، ولا يدعى من دون الله، ولا يستغاث به، ولا ينذر له ولا يذبح له، فمن فعل هذا مع الأموات فقد أشرك، قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (2)، وقال سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (3) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (4)، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، عن علي رضي الله عنه - أمير المؤمنين - أنه قال:
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 163
(3) سورة الكوثر الآية 1
(4) سورة الكوثر الآية 2
(2/58)

«لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا - يعني مبتدعا أو غيره ممن يحدثون حدثا في الدين، وينصرون ويجارون - لعن الله من غير منار الأرض (1)». يعني مراسيمها وحدودها. والشاهد قوله: «لعن الله من ذبح لغير الله (2)». فالذبح لغير الله تقرب لغير الله، كالصلاة لغير الله، فلا يجوز أن يذبح لفلان أو فلان، تقربا إلى الميت الفلاني، والنبي الفلاني أو للجن أو للملائكة، يتقربون إليهم أو للأنبياء يعبدونهم، بهذا من دون الله هذا لا يجوز، الذبيحة لله وحده والدعاء كذلك لا يدعى مع الله أحد.
__________
(1) مسلم الأضاحي (1978)، النسائي الضحايا (4422)، أحمد (1/ 118).
(2) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.
(2/59)

21 - حكم الأموال التي يتبرع بها للقبور
س: سؤال يقول سماحة الشيخ: ما حكم الشرع في الأموال التي تنذر للأولياء، وتوضع في صناديق أضرحتهم، وهل لأحد فيها حق لانتسابه إلى هذا الولي؟ (1)
ج: هذه الأموال التي تنذر للموتى، ويتقرب بها إليهم، هذه نذور شركية باطلة، وعلى من فعلها أن يتوب إلى الله، وأن ينيب إليه وأن يستغفره سبحانه، لأن النذر عبادة كالصلاة والذبح، كلها عبادات، فالذي ينذر لأصحاب القبور، أو للأصنام أو للجن كالذي يدعوهم
__________
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط، رقم 114.
(2/59)

ويستغيث بهم، وكالذي يذبح لهم كله شرك بالله عز وجل، فالواجب الحذر من ذلك، وهذه الأموال التي توضع في الصناديق من النذور، يجب أن يأخذها ولي الأمر وأن تصرف في وجوه البر والخير، كالصدقة على الفقراء أو في مشاريع خيرية، وأن تمنع منعا باتا إذا عثر عليها ولي الأمر المسلم، يزيلها ويمنع الناس من هذا الأمر، ويعلمهم أن هذا لا يجوز، وما كان موجودا فيها يوزع بوجوه الخير كما تقدم، ولا يجوز أن يقر هذا الصندوق، بل يجب أن يمنع وتمنع السدنة الذين يدعون إلى ذلك، ويعاقبوا بما يردعهم وأمثالهم، وينادي في الناس في المساجد والخطب والصحف المحلية أن هذا شرك وأنه لا يجوز حتى يرتدع الناس، وحتى يعلم الناس بذلك، والواجب على العلماء أن يفعلوا ذلك، الواجب على أهل العلم في كل مكان أن يرفعوا هذا اللبس عن الناس بالكلام الطيب في الإذاعة وفي الصحافة وفي التلفاز، حتى يكون الناس على بينة وعلى بصيرة، والله يقول جل وعلا في كتابه العظيم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1)، ويقول سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} (2)، ويقول عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (3)؛ فالدعوة إلى الله من أهم الأمور وهي فرض على المسلمين فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقي، فإن
__________
(1) سورة النحل الآية 125
(2) سورة يوسف الآية 108
(3) سورة فصلت الآية 33
(2/60)

تركها العلماء والدعاة أثموا جميعا، فالواجب على أهل كل بلد وكل قرية من أهل العلم أن ينشروا العلم وأن يبينوا للناس ما أوجب الله عليهم من الدعوة ومن الإخلاص لله، وتوحيد العبادة وعدم صرفها لغير الله كائنا من كان، وتحريم الشرك قليله وكثيره، صغيره وكبيره، وهكذا بقية الأوامر والنواهي، يوضحوا للناس وجوب الصلاة وأدائها في الجماعة، وجوب الزكاة ووجوب صوم رمضان، وحج البيت مع الاستطاعة، بر الوالدين صلة الرحم، صدق الحديث، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير هذا مما أوجب الله، كما أنه يجب عليهم أن يبينوا للناس ما حرم الله عليهم من الشرك وترك الصلاة، أو التساهل بها أو العقوق للوالدين أو أحدهما، أو قطيعة الرحم أو أكل الربا أو الغيبة والنميمة، أو قتل النفوس بغير الحق أو شهادة الزور، أو غير هذا مما حرم الله، هذا واجب العلماء والله سائلهم سبحانه وتعالى، عما كتموا وعما لديهم من العلم، وهذا أوان نشر العلم، هذا وقت الغربة الآن، وقبل هذا العام بأزمان كثيرة، فالغربة للإسلام عظيمة ومنتشرة والعلماء قليل، العلماء بالله ودينه، أهل البصائر قليلون، الواجب عليهم مع قلتهم أن ينشروا العلم، وأن يتقوا الله في جميع الدول، في الدول الإسلامية وفي الأقليات الإسلامية، وفي كل مكان يجب عليهم أن ينشروا العلم، وأن يعلموا الناس من طريق وسائل الإعلام، فقد يسر الله للناس اليوم وسائل الإعلام، طريق الإذاعة والصحافة والتلفاز، والخطابة ومن سائر الأمور الممكنة،
(2/61)

كالنصيحة في المجتمعات والمحافل ونحو هذا، مما يتيسر لطالب العلم إذا اجتمع بإخوانه أو في حفلة وليمة، أو حفلة عرس أو غير هذا من أنواع الاجتماعات، المؤمن يستغل الفرص، العالم يستغل الفرص حتى ينشر العلم، وحتى يوضح للناس ما أوجب الله عليهم، وحتى يشرح للناس ما حرم الله عليهم، وبذلك تبرأ ذمته، وينتشر العلم وتقوم الحجة، ويحصل له من الأجور مثل أجور من هداه الله على يديه، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (1)».
ويقول عليه الصلاة والسلام: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا (2)». والعكس بالعكس لا حول ولا قوة إلا بالله، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا (3)». ويقول - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه - أمير المؤمنين - لما بعثه إلى خيبر لدعوة اليهود، وقتالهم إن أبوا، قال له عليه الصلاة والسلام: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (4)». هكذا يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام لابن عمه
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله برقم 1893.
(2) مسلم العلم (2674)، الترمذي العلم (2674)، أبو داود السنة (4609)، أحمد (2/ 397)، الدارمي المقدمة (513).
(3) أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة برقم 2674.
(4) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 3701
(2/62)

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والخليفة الراشد رابع الخلفاء، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنه، يقول له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فوالله " - يحلف وهو الصادق وإن لم يطلب منه الحلف، لكن للتأكيد - لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (1)»، فلا يليق بطالب العلم ولا بالعالم، بل يجب أن يشمر أينما كان، وأن يتقي الله وأن يراقبه، وأن ينشر العلم يريد ما عند الله من المثوبة، يريد أن يهدي الناس وأن يرشدهم، وأن ينقذهم مما هم فيه من الباطل، وأن يخرجهم من الظلمات إلى النور، تأسيا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعملا بأمره، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
__________
(1) البخاري الجهاد والسير (2847)، مسلم فضائل الصحابة (2406)، أبو داود العلم (3661)، أحمد (5/ 333).
(2/63)

22 - حكم النذر لأصحاب القبور ودعائهم من دون الله
س: ما حكم النذر على القبور والدعاء لأصحاب القبور، مثلا يدعو صاحب القبر، يا شيخ فلان ويا شيخ فلان، وما حكم هؤلاء الناس الذين يدعون أصحاب القبور؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل، أما النذر للأموات والاستغاثة بهم ودعاؤهم، فهذا من الشرك الأكبر ومن العبادة لغير الله، فإذا قال: لله علي كذا وكذا من المال للبدوي أو للرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو للصديق أو للشيخ عبد القادر،
__________
(1) السؤال الثاني عشر من الشريط، رقم 97.
(2/63)

أو عليه ذبيحة أو ذبيحتان للشيخ عبد القادر، أو للسيد الحسين أو للبدوي أو للرسول - صلى الله عليه وسلم -، هذا من الشرك الأكبر، لأن النذر عبادة، لا ينذر إلا لله وحده سبحانه وتعالى، أو قال: يا رسول الله أغثني أو اشف مريضي، أو يا سيد الحسين أو يا علي أو يا فاطمة، أو يا سيدي البدوي أو يا فلان أو يا فلان، كل هذا من الشرك الأكبر، لأنه دعوة لغير الله، والله يقول سبحانه في كتابه العظيم: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (1)، فقول سبحانه أحدا نكرة في سياق النهي، تعم الأنبياء وتعم الصالحين، وتعم الملائكة وتعم الأصنام عامة، ويقول سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (2). يعني المشركين وجميع المخلوقات لا ينفعون ولا يضرون إلا بالله، هو الذي ينفع ويضر سبحانه وتعالى، ويقول عز وجل: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (3) فسمى من دعا غير الله كافرا، فدل ذلك على أنه من الشرك الأكبر، وقال عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (4)؛ القطمير: اللفافة التي على النواة، على عجمة التمر: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (5) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (6)
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة يونس الآية 106
(3) سورة المؤمنون الآية 117
(4) سورة فاطر الآية 13
(5) سورة فاطر الآية 13
(6) سورة فاطر الآية 14
(2/64)

فسماه شركا، سمى دعاءهم إياهم شركا، ونفى أنهم يسمعون، لأنهم ما بين ميت لا يستطيع السمع، وما بين ملك مشغول بما هو فيه، أو جني مشغول أو لا يعرف شيئا من ذلك، ولا يدري عن شيء من ذلك، أو ميت أو صنم أو شجرة، كلها لا تجيب داعيها، كل هؤلاء لا يجيبون داعيهم، لا يسمعون ولا يستجيبون، وهم مع هذا لو قدر أنهم سمعوا، كالملك أو غيره، لا يستطيعون أن يجيبوا، لأن أمرهم بيد الله سبحانه وتعالى، هو مالكهم ومالك غيرهم سبحانه وتعالى، فإذا كانوا أمواتا فلن يستطيعوا، وإذا كانوا جمادا لا يستطيعون وإذا كانوا ملائكة أو جنا فهم لم يشرع لنا أن ندعوهم من دون الله، وهم لا يتصرفون إذا كانوا ملائكة إلا بإذن الله، والله لا يأذن لهم أن يعبدوا من دون الله، ولا يرضوا بذلك وهكذا الجن المؤمنون، لا يرضون بذلك، والكافرون لا يجوز أن يعبدوا، فلا يعبد هؤلاء ولا هؤلاء، فالمؤمنون من الجن والإنس، لا يرضون بذلك ولو رضوا لكفروا بذلك، والجن لا يرضون بذلك، إذا كانوا مؤمنين، وأما كفار الإنس وكفار الجن، فليسوا أهلا لأن يعبدوا من دون الله، ولو عبدوا من دون الله، لكان عابدهم كافرا من باب أولى، ولهذا قال سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (1). هؤلاء المعبودون كلهم يكفرون بشرك العابدين، من جن وإنس وملائكة، كلهم يكفرون بعبادة عابديهم، فعلم بذلك أن عبادة غير الله
__________
(1) سورة فاطر الآية 14
(2/65)

من جن أو إنس، أو ملائكة أو صنم أو شجر أو غير ذلك، كله كفر بالله، كله شرك بالله عز وجل، ولهذا يقول سبحانه: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} (1) {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} (2). قال سبحانه: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (3). نسأل الله العافية، فالخلاصة أنه لا يجوز دعاء غير الله، ولا النذر لغير الله، ولا الاستغاثة بغير الله، ولا سؤالهم شفاءهم المرضى، ولا رد الغياب ولا الرزق ولا غير هذا، مما يحتاجه الناس سوءا كانوا أنبياء أو ملائكة، أو شجرا أو صنما أو جنا أو غير ذلك، يجب أن تكون العبادة لله وحده سبحانه وتعالى، أما كونه يدعو للميت، ويستغفر له فلا بأس، إذا كان الميت مسلما قال: اللهم اغفر لفلان، اللهم اغفر للحسين، اللهم ارض عن الحسين، اللهم اغفر لأبي بكر، اللهم ارض عن أبي بكر أو دعا لغيرهم، من الصالحين من المسلمين هذا مأجور عليه، دعاء المسلم لأخيه فيه أجر عظيم، وخير كثير قال الله تعالى عن الصالحين إنهم قالوا: {اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (4)؛ فالدعاء للميت المسلم والاستغفار له، هذا طيب لكن المنكر أن يدعوه من دون الله، أن يستغيث به أن ينذر له أن
__________
(1) سورة سبأ الآية 40
(2) سورة سبأ الآية 41
(3) سورة الأحقاف الآية 6
(4) سورة الحشر الآية 10
(2/66)

يسأله الشفاعة ويسأله شفاء المريض، هذا هو المنكر هذا هو الشرك، أما إذا دعا له قال: اللهم اغفر له، الله ارحمه، اللهم ارفع درجته في الجنة، اللهم اغفر سيئاته، هذا لا بأس به وهذا طيب مأمور به.
(2/67)

23 - حكم النذر بالذبح عند القبر
س: يقول هذا السائل: مرضت وأنا صغير، فنذرت أمي إن شفيت وكبرت أن تذبح ماعزا عند قبر الولي، ويجتمع عليها الناس، وعندما كبرت أحضرت ماعزا لتفي بنذرها، فأخذت الماعز وبعتها في السوق، وقلت لها إن هذا شرك بالله، هل ما قمت به صحيح أم لا؟ أرجو الإفادة، جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: قد أحسنت، هذا هو الصواب، ليس لها أن تذبح عند قبر الولي لا عن نذر ولا عن غير نذر، إذا كان الذبح للولي كان شركا أكبر، إذا كان القصد التقرب للولي، لفلان أو فلان، عند قبر البدوي، أو فلان أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو ابن عربي، أو فلان أو فلان، كل هؤلاء لا يجوز التقرب إليهم بالذبائح، ولا يدعى أحد من دون الله ولا يستغاث به، ولا ينذر له، كل ذلك من الشرك الأكبر،
__________
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط، رقم 208.
(2/67)

وهكذا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لا يجوز للمسلم أن يذبح للنبي، يتقرب إليه، أو يسأله أن يغيثه أو ينصره، أو يشفي مريضه، لا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره، هذا حق الله سبحانه وتعالى، والله يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (1)، ويقول عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2)، ويقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (3)، ويقول عز وجل: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (4) والنبي عليه السلام يقول: «الدعاء هو العبادة (5)» فلا يدعى أحد مع الله، لا نبي ولا ملك ولا جن ولا إنس ولا ولي ولا غير ذلك. وهكذا الذبح، لا يذبح للأنبياء ولا للملائكة ولا للأولياء، ولا يتقرب إليهم بالنذور، ولا غير هذا من العبادات. يقول الله سبحانه: {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (6)، ويقول سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (7) {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (8)، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله من ذبح لغير الله (9)»، فالتقرب للأولياء بالذبيحة من الشرك الأكبر، كونه يذبح عند قبره أو في غير قبره، حتى ولو في مكان بعيد، ولو ببيت الإنسان، كونه يذبح ينوي الولي، فلانا أو فلانا، هذا شرك أكبر، مثل لو صلى له وسجد له فهو شرك، فهكذا إذا ذبح له، أو دعاه أو استغاث به أو نذر له، أو قال: يا سيدي اشف مريضي، أو
__________
(1) سورة البقرة الآية 21
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة الجن الآية 18
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسند الكوفيين، حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، برقم 17888.
(6) سورة الأنعام الآية 163
(7) سورة الكوثر الآية 1
(8) سورة الكوثر الآية 2
(9) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، برقم 1978، والنسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل، برقم 4422، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم 857.
(2/68)

انصرني أو دلني على كذا، أو ما أشبه ذلك، سواء عند قبره أو بعيدا عن قبره، هذا كله لا يجوز، هذا حق الله، هو الذي يدعى سبحانه وتعالى، هو الذي يسأل؛ أما الحي الحاضر كونه يذبح له ذبيحة، كرامة له لأنه ضيف، جاء من سفر، أو لأنه قريب له زاره وذبح له، من أجل الكرامة، ضيف، هذا لا بأس به، وهكذا لو قال لأخيه الذي عنده: ساعدني على كذا، الحي الحاضر، ساعدني على إصلاح سيارتي، على إصلاح مزرعتي، يتعاون هو وإياه في المزرعة، لا بأس؛ أما الأموات أو الغائبون أو الملائكة، أو الأنبياء، أو الجن يدعوهم مع الله، أو يستغيث بهم أو ينذر لهم هذا لا يجوز، هذا من الشرك الأكبر، لا يدعى الغياب ولا الموتى ولا الجمادات، كالأشجار والأحجار والأصنام ولا الملائكة كلهم ما يدعون مع الله، ولا يستغاث بهم ولا ينذر لهم، بل هذا من الشرك الأكبر، نعوذ بالله من ذلك. أما إذا كان بالطرق الحسية مع الأحياء، مثل أن يكتب برقية، يقول: أقرضني كذا أو يكلمه بالهاتف، أقرضني كذا أو ساعدني على كذا، مع إنسان حي يكلمه، أو يكتب له رسالة، هذا مثل الحي الحاضر، مثل المشاهد، لا حرج في ذلك كما قال الله عز وجل في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1) فالناس يتعاونون، الأحياء يتعاونون، لا حرج في ذلك، لكن دعاء الميت أو الغائب لأنه يعتقد فيه
__________
(1) سورة القصص الآية 15
(2/69)

السر، أنه يسمع ولو بعد، أو دعاء الجمادات كالأصنام والكواكب هذا كله شرك أكبر، أو دعاء الملائكة والجن، هذا شرك أكبر؛ لأنهم غائبون عنك، مشغولون بشؤونهم، ليس من جنس الحاضر بين يديك، الذي تخاطبه، وتسأله أن يعينك على كذا، أو كذا. وبهذا ينبغي للمؤمن أن يحتاط ويبتعد عن أسباب الشرك، وعن ذرائعه وعن أعماله. وقد أحسنت أيها السائل في إخبار أمك، وإيضاح الحق لها، فقد أحسنت في ذلك، بارك الله فيك.
(2/70)