المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عائلة روبنسون السويسرية‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏


AshganMohamed
02-02-2020, 08:24 AM
عائلة روبنسون السويسرية‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏




عائلة روبنسون السويسرية‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

تأليف
يوهان ديفيد فيس

ترجمة
فايقه جرجس حنا



عائلة روبنسون السويسرية‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

The Swiss Family Robinson

يوهان ديفيد فيس

Johann David Wyss

الطبعة الأولى ٢٠١٣م
رقم إيداع ٢٠١٢/١٥٣٠٢
جميع الحقوق محفوظة للناشر مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
المشهرة برقم ٨٨٦٢ بتاريخ ٢٦ / ٨ / ٢٠١٢

مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
إن مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة غير مسئولة عن آراء المؤلف وأفكاره
وإنما يعبِّر الكتاب عن آراء مؤلفه
٥٤ عمارات الفتح، حي السفارات، مدينة نصر ١١٤٧١، القاهرة
جمهورية مصر العربية
تليفون: *+ ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢‬ فاكس: *+ ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣‬
البريد الإلكتروني: hindawi@hindawi.org
الموقع الإلكتروني: http://www.hindawi.org
‬‬
فيس، يوهان ديفيد، ١٧٤٣–١٨١٨.
عائلة روبنسون السويسرية/تأليف يوهان ديفيد فيس.
تدمك: *٩٧٨ ٩٧٧ ٦٤١٦ ١٦ ١‬

١- القصص الإنجليزية
أ- العنوان

٨٢٣

رسم الغلاف: إيمان إبراهيم، تصميم الغلاف: إيهاب سالم.

يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة تصويرية أو إلكترونية أو ميكانيكية، ويشمل ذلك التصوير الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة أو أقراص مضغوطة أو استخدام أية وسيلة نشر أخرى، بما في ذلك حفظ المعلومات واسترجاعها، دون إذن خطي من الناشر.
Arabic Language Translation Copyright © 2013 Hindawi Foundation for Education and Culture.
The Swiss Family Robinson
All rights reserved.



الفصل الأول
حطام سفينة!


تقلبت سفينتنا طيلة أيام عديدة وسط العواصف الهوجاء، فكانت تتقاذفنا الأمواج وحدنا عن المسار تمامًا. انشق الصاري، وحدث تسرب في كل مكان، واندفع الماء إلى داخل المركب مرتفعًا بسرعة. تلاشت كل آمال طاقم السفينة في النجاة. كانوا يخشون وقوع أسوأ الاحتمالات، وبدا أننا فقدنا كل شيء.
أخذت عائلتي إلى سطح السفينة، وركعنا نصلي خاشعين وسط الأمطار المنهمرة بغزارة. وإذ بأحد أفراد الطاقم يصرخ: «اليابسة! اليابسة!»
لقد استُجيبت دعواتنا. لكن في تلك اللحظة حشرت سفينتنا بين صخرتين عملاقتين وبدأت تنهار إلى أجزاء فيما اندفعت المياه إليها من كل جانب.
صرخ القبطان: «أنزلوا القوارب! لقد هلكنا لا محالة!» بدأت سفينتنا تتصدع. هرعت إلى زوجتي وأولادي وصرخت: «ما زلنا في المياه واليابسة قريبة! ما زال بمقدورنا أن نصل إلى الشاطئ!»
لكن عندما التفَتُّ، وجدت أن أفراد طاقم السفينة قفزوا إلى جميع قوارب النجاة، فانفطر قلبي، كيف أخبر عائلتي بأن رفاقنا على السفينة تخلوا عنا؟
صرخت وسط المطر المنهمر: «أبنائي، إذا مكثنا على متن السفينة، يمكننا أن نسبح إلى الشاطئ بعد أن تهدأ العاصفة!» اطمأن أولادي لكن زوجتي رأت أنني ما زلت قلقًا لأن السفينة المحطمة كانت تتأرجح وتتقلب بين الأمواج.
صرخت: «يجب أن نعثر على طعام فلا بد أن نتقوى لنجابه ما ينتظرنا.»
بينما غشي الليل، ظلت الأمواج والأمطار تضرب سفينتنا أكثر فأكثر، غير أننا تمكنا من البقاء في مقصورتنا فوق الماء.
فتّشنا ما تبقى من السفينة في هلع بحثًا عن طعام كي نجمع وجبة للعائلة.
في تلك اللحظة قال فريتز، ابني الأكبر: «أبي، لماذا لا نبحث عن أشياء نصنع منها سترات نجاة أو أحزمة طفو، وعندئذ يمكننا أن نسبح كلنا إلى الشاطئ؟»
كانت فكرة رائعة. عثرنا على زجاجات وعبوات فارغة ربطناها بعضها ببعض لصنع سترات نجاة بدائية، ثم ارتديناها لعلنا ننجو إذا انجرفنا من فوق السفينة. وما كانت هذه السترات لتصلح للسباحة وقتًا طويلًا، لكنها قد تنجينا لحظة أو لحظتين إضافيتين. عثرنا أيضًا على أعواد ثقاب، وسكاكين، وحبل، وغيرها من الأشياء المفيدة كي نحملها تحسبًا لأن نحتاجها. استطاع فريتز وإيرنست وجاك وفرانز أن يخلدوا إلى النوم الآن على ظهر السفينة المحطمة، فيما سهرت أنا وزوجتي طوال الليل نراقب العاصفة.
أخيرًا عندما طلع النهار رأينا أن السماء بدأت تصفو وأيقظنا الصبيان الذين اندهشوا لدى علمهم بأن رفقاء السفينة هجرونا في قوارب النجاة، لكننا هدأنا من روعهم.
بكى الأولاد: «لكن يا أبانا! ما الذي حدث للجميع؟ هل رحل جميع البحارة؟ لماذا تركونا؟»
قاطعهم فريتز: «لا بد أن نسبح إلى الشاطئ الآن.»
قال إيرنست: «أظن أنه يجدر بنا أن نصنع طوفًا ونستخدمه للوصول إلى الشاطئ بأمان. قد لا تفي أحزمة الطفو بالغرض.»
أجبت: «دعونا نتفقد أولًا بقية السفينة لنرى ما يمكننا العثور عليه. لنلتقِ هنا مرة أخرى ومعنا ما نراه مفيدًا.»
ذهب فرانز، أصغر أبنائي الذي كان في السابعة من العمر فحسب، باحثًا عن صنارات، وذهبت زوجتي كي تطعم الحيوانات الموجودة على متن السفينة وتهدئ من روعها لأنها كلها كانت مذعورة. وانطلقت بقيتنا للعثور على ما تطاله أيدينا؛ ذهب فريتز للعثور على أسلحة، وبحثت أنا عن المياه العذبة، وذهب جاك إلى مقر القبطان.
فتح جاك الباب وفوجئ بكلبين مبتهجين يقفزان نحوه في فرح لأنهما وجدا من ينقذهما. أخذا يلعقان جسمه كله، فامتطى جاك أكبرهما بزهو إلى حيث كنت. اجتمعنا كلنا وتفقدنا كل ما عثرنا عليه.
عثر فريتز على بنادق، وبارود، ورصاص. وأتى إيرنست بمسامير، ومنشار، وفأس، ومطرقة، وامتلأت كل جيوبه بأدوات أخرى. أما فرانز الصغير فقد عرض في زهو صندوقًا مليئًا بعقاف الصنارات، التي أخبرته أنها أهم شيء. أخبرتنا زوجتي أنه يوجد على متن السفينة حمار وبقرتان، وعنزتان، وستة من الضأن، وكبش، وسرب من الدجاج، وديك، وخنزيران.
اقترح جاك العثور على بعض البراميل كي نطفو بداخلها إلى الشاطئ. ويمكن استخدامها لبناء طوف لنا جميعًا. قطعت البراميل بالمنشار كل منها إلى نصفين فصار عددها ثمانية. ثبت أنصاف البراميل معًا بألواح كبيرة، فصنعنا ما يشبه قاربًا من الأحواض. وثبتنا بكرات صنعناها من الأعمدة المقطوعة تحت القارب، وتمكنا من صنع رافعة تُنزِل القارب إلى الماء. أوثقنا القارب بسفينتنا المحطمة ثم حمّلناه بكل أدواتنا، وطعامنا، ومياهنا، وكل شيء آخر وجدناه قد يكون نافعًا. وعندئذ عثرنا على بعض المجاديف لنجدف بها إلى الشاطئ. وبعد قضاء يوم منشغل في إعداد الطوف، حلّ الظلام مرة أخرى فانتظرنا في توتر في الظلام راجين ألا تعصف بنا عاصفة أخرى. وعند الصباح استعددنا للتجديف إلى الشاطئ.
قلت للصبيان: «تأكدوا قبل أن نرحل من أن تتركوا الكثير من العلف من أجل الحيوانات، وأريحوها قدر الإمكان، فلعلنا نستطيع أن نعود من أجلها خلال بضعة أيام.» وما إن هممنا بالرحيل، حتى صاح الديك، مما جعلنا نقرر أن نجمع كل الدجاج لنأخذه معنا.
تولى أكبر أبنائي، إيرنست وفريتز عملية التجديف. وعندئذ حان الوقت كي نشق طريقنا نحو الشاطئ. وبكل جسارة ائتمنا ذلك القارب الصغير على حياتنا.

الفصل الثاني
عالم جديد


سرعان ما انزلقنا في عرض البحر بعيدًا عن الحطام. تطلعنا إلى اليابسة، غير أننا ظللنا نلف ونلف إلى أن تعلمت كيف أوجّه القارب على نحو صحيح.
كنا قد تركنا الكلبين لأننا لم نستطع حملهما، لكن عندما أبحرنا، قفزا إلى المياه وجاءا وراءنا يعويان وينبحان. سبح الكلبان نحو القارب وسندا أقدامهما إليه إلى أن أصعدناهما على متنه مشفقين عليهما. وقد سعدنا كثيرًا برؤية الوجه السعيد لكلبنا «تيرك» الذي كان ينبح على متن القارب.
جدفنا إلى أن اقتربنا من اليابسة، ووراء بعض المنحدرات الصخرية رأينا بقعة خضراء عشبية بين أشجار النخيل.
قلت: «ليتني فكرت في إحضار التليسكوب.» وفي نفس اللحظة كان جاك يخرجه من جيبه ضاحكًا غامزًا بعينيه. استطعت أن أرى من خلال التليسكوب أنه يوجد شاطئ مسطح نستطيع أن نرسو عليه. وما إن وصلنا الشاطئ، حتى قفز الجميع من القارب فيما عدا فرانز الذي كان موضوعًا في برميل ضيق للغاية حتى اضطرت والدته إلى أن تشده.
ركض الكلبان أمامنا، فبدأت طيور البشروش والبطريق وغيرها من الطيور الأخرى الموجودة على الشاطئ تصيح عند اقترابنا.
أفرغنا حمولة قاربنا في عجالة، ثم أطلقنا سراح الدجاج والديك كي يجولوا. بحثنا جميعنا بدأب عن مكان نبيت فيه. وما لبثنا أن عثرنا على شجرتين ساقطتين فثبتناهما وصنعنا منهما هيكلًا. ثم علّقنا قماش الشراع الذي كنا أخذناه معنا في القارب حول الشجرتين، وثبتناه بمشابك، وصنعنا لأنفسنا نوعًا من أنواع الخيام، لها مدخل نستطيع أن نغلقه علينا.
بعدئذ أرسلنا الصبيان بحثًا عن طحالب الأشنة والعشب كي نبسطها ونصنع منها أسرّة، في حين أضرمت النيران بالقرب من أحد الأنهار الذي كان يجري قريبًا من الخيمة. استخدمت في إشعالها الغصينات والطحالب البحرية الجافة، وملأنا وعاء بالماء والطعام اللذين أحضرناهما من السفينة، ثم بدأنا في طهي حساء من أجل العشاء. حشا فريتز البنادق وترك بندقية معي فيما خرج ليستطلع الساحل الذي وراء النهر، وذهب إيرنست وجاك للبحث عن المحار في المياه الضحلة بطول الشاطئ.
بينما كنت منهمكًا في العمل تنامت صرخة جاك إلى مسامعي، فهرعت إليه وبيدي فأس. وجدت أن كركندًا ضخمًا أحكم قبضته حول رجله. ومهما رفس جاك رجله فلن يستطيع التخلص منه. نزعته عنه ثم ضربه جاك بحجر.
قلت له: «لا تضرب بغضب هكذا أبدًا يا جاك.» وسعدت مع ذلك لأننا عثرنا على شيء آخر لنأكله.
رد جاك: «عندما نطهيه أريد مخلبًا لي وحدي.»
قال إيرنست الذي جاء ركضًا كي يرى سبب الجلبة: «لقد عثرت على محار لكنني لم أشأ أن أبلل ملابسي في اصطياده.»
عبست في وجهه وقلت: «إيرنست، اذهب وأحضر لنا بعضًا من هذا المحار من أجل الوجبة التالية، وحذار أن أسمعك تشكو مرة أخرى من خوفك من أن تتبلل قدماك. لا بد أن نعمل جميعًا الآن كي ننجو بحياتنا.»
أضاف إيرنست محاولًا أن يكون متعاونًا: «لقد عثرت أيضًا على بعض الملح في الصخور التي جفت من البحر.»
أجبت: «أحسنت. اذهب وأحضر لنا بعضًا منه. سيكون هذا رائعًا.»
استخدم إيرنست حجرًا صغيرًا كي يحك بعض الملح من شقوق الصخور وعاد حاملًا إياه في يده، غير مبالٍ ببلل قدميه. وعندما غلى الحساء، أدركنا فجأة أنه ليس لدينا ملاعق كي نأكل بها.
اقترح إيرنست: «يمكننا أن نستخدم المحار ملاعق.»
قلت: «فكرة رائعة يا بني! قُدْ إخوتك إلى المحار ونظفوا بعضًا منها.»
نزلوا إلى الماء وعاد إيرنست وجاك بكومة مرصوصة بعناية من المحار. بعدئذ عاد فريتز من صيده ويداه وراء ظهره.
قال فريتز عابسًا: «لم أحصل على أي شيء.» لكن إخوته كانوا قد نظروا وراء ظهره فكانوا يشيرون ويهللون. وكما كان متوقعًا، كشف فريتز عن خنزير صغير كان قد اقتنصه وخبأه وراء ظهره.
أخبرنا عما اكتشف على الجانب الآخر من النهر؛ أراضي غاية في الجمال، وشاطئ منحدر وحقل.
قال فريتز: «والأروع من كل هذا أن المكان مليء بكل أنواع الأشياء التي يمكن أن نستعين بها، تلك التي انجرفت مع التيار من حطام السفينة. يتعين علينا أن نذهب غدًا كي نحضرها. يجدر بنا أيضًا أن نعود إلى السفينة ونحضر الحيوانات، فمن الممكن أن ترعى في الجانب الآخر من النهر.»
سألته: «هل رأيت أيًّا من رفاقنا في السفينة؟»
أجابني: «كلا، لكن ليتك رأيت الطريقة الغريبة التي كان يتصرف بها هذا الخنزير! كان هناك الكثير منه وهم يقفزون ولا يمشون.»
في تلك الأثناء، كان إيرنست ينظر إلى الخنزير عن كثب.
قال إيرنست: «هذا ليس خنزيرًا، إنه أغواطي. لقد درست معلومات عنه في المدرسة. انظر، إن لديه أسنانًا مثل السنجاب.»
سخر فريتز: «ياللعجب! أتحاول أن تثبت أن خنزيري ليس خنزيرًا؟»
قلت وأنا أتفرس فيه: «إنه على حق. هذا أغواطي، أحد القوارض الضخمة. لقد سمعت عنه من قبل.»
ونحن نتحدث، كان جاك يلتهم المحار المفتوح، ثم أعطانا إياه. أكلنا منه جميعنا ثم بقيت لنا الصدفات لنستخدمها كملاعق.
وبينما كنا نتناول طعامنا، رأينا الكلبين يحيطان بالأغواطي وعلى وشك الانقضاض عليه. هبّ فريتز في غضب وضرب أحد الكلبين بقسوة، ثم ألقاهما بالحجارة. فركضت وراءه بسرعة ووبخته.
قلت: «فريتز، لا بد أن تضبط أعصابك، لقد أرعبت الكلبين، ونحن في حاجة إلى مساعدتهما. عليك أن تكون أهدأ.»
ندم فريتز على ما بدر منه وتأسف. والآن، أخذ الظلام يحلّ وحان وقت الراحة. استكانت جميع الطيور التي أحضرناها حول الصخور. وأوينا جميعنا إلى الداخل بعدما صلينا. واندهش الأولاد من كيفية حلول الظلام فجأة في منطقة قريبة جدًّا من خط الاستواء. ففي لمح البصر صرنا وحدنا في ظلام دامس، لم يتخلله سوى ضوء نيران التخييم التي أشعلناها. لم تكن هذه الليلة تمامًا كالليلة الأولى التي تخيلناها عندما عزمنا على أن نكون مزارعين في أرض جديدة، كجزء من مستوطنة تقوم في عالم جديد، لكنها ليلة لن ننساها أبدًا في وطننا الجديد.

الفصل الثالث
هجوم!


كان الليل باردًا، لكننا تمكنَّا من تحمله بداخل خيمتنا. وعندما استيقظنا، نوينا أنا وفريتز أن ننطلق كي نستكشف الأرض ونرى هل بمقدورنا العثور على ناجين آخرين. عندما أخبرنا الأولاد أننا خارجون في رحلة استكشافية، ثار حماسهم لكنهم شعروا بالإحباط لدى علمهم أنهم غير مدعوين إلى هذه الرحلة.
شرحت لهم: «هذه الرحلة غاية في الخطورة إلى أن نعرف المزيد عن المكان الذي نحن فيه.»
قال جاك: «لا أعلم لماذا نبحث عن أولئك الأشخاص على أي حال. لقد تخلوا عنا. لماذا نحاول العثور عليهم وإنقاذهم؟»
أجبته: «ليس معنى أنهم أساءوا إلينا أن نعاملهم بالمثل. لعلهم يموتون جوعًا في حين أننا لسنا جوعى. علاوةً على أنهم قد يساعدوننا في بناء منزل.»
شرعنا أنا وفريتز في رحلة البحث. وبينما كنا نسير في طريقنا، رأينا أشجارًا غريبة تتدلى منها ثمار منتفخة أدركت أنها أشجار يقطين. قلت لفريتز: «هذه الثمار تسمى يقطين وهي مثالية لصنع السلطانيات والملاعق، يمكنك حتى أن تطهو فيها عن طريق وضع الأحجار الساخنة مع أي شيء بداخلها إلى أن يغلي.»
كان هذا شيئًا بسيطًا تذكرته من رحلات كولومبوس التي قرأتها مرارًا وتكرارًا، لكنه كان شيئًا مذهلًا لفريتز.
بذلنا مجهودًا لبعض الوقت، لكننا تمكنا أخيرًا من قطف بعض ثمرات اليقطين من الأشجار وملأناها بالرمال كي نجففها، وتركنا علامة عند تلك البقعة قبل أن نمضي قدمًا في طريقنا. حين سرنا قطعت أعشابًا طويلة بدت كالقصب، فلاحظت أن هناك عصارة خرجت منها، فتذوقتها فأدركت أن هذا قصب. وثب فريتز فرحًا عندما سمع هذا وقطع منه قدر ما استطاع أن يحمل. لكن سرعان ما تحول فرحنا إلى خوف؛ فعندما تركنا إحدى البقاع الخالية من الأشجار، وجدنا أمامنا مجموعة من القردة. رفع فريتز بندقيته كي يطلق النيران عليها، لكنني منعته.
قلت له: «راقب هذا.» عندما اندفع القردة إلى الأشجار، ألقيت نحوها حفنة من الأحجار، فاستجابت القردة بهزّ الشجر كي تُسقط علينا جوز الهند.
ثم شرحت له الأمر: «قرد حي على شجرة خير من عشرة قردة أموات على الأرض.» وبعدها كسرنا ثمرتين من جوز الهند، وشربنا وأكلنا ما بداخلهما فتركناهما جافتين. واصلنا سيرنا، ونحن نمص القصب، وتحدث فريتز عن مدى لهفته لأن يطلع إخوته على اكتشافاته الجديدة.
ونحن عائدون أدراجنا إلى المخيم، إذ بكلبنا تيرك يظهر في البقعة الخالية من الأشجار وينقض على مجموعة أخرى من القردة قبل أن تولي الأدبار.
هرعنا نحوهم، لكن قبل أن نستطيع الوصول إليهم، كان الكلب قد قتل القردة الأم. هرع فريتز نحو الكلب وشده، فيما قفز قرد رضيع على ذراعيه ثم إلى رأسه كي يتحاشى الكلب. وعلى الرغم من أن فريتز هزّ رأسه بعنف كي ينفض القرد عنه، فقد تمسك القرد به بشدة. ركض تيرك حولنا ينبح في هياج شديد. وأخيرًا تمكنت من أن ألاطف القرد الرضيع وأنزله إلى ذراع فريتز عندما أعطيته قطعة من البسكويت. لم يتجاوز القرد الصغير في حجمه الهرة الصغيرة.
قال فريتز: «أبي، دعنا نحتفظ به ونربيه. هذا أقل ما يمكننا فعله.»
أجبت: «إذا فعلنا هذا، فستضطر أن تتولى أنت مسئوليته، ستكون والده الآن.»
وافق فريتز، وهكذا تركنا المشهد الحزين وراءنا، وصديقنا الجديد يقف على كتف فريتز. كان القرد الصغير خائفًا من تيرك، وما كان لينزل عن كتف فريتز مهما كان السبب. أخيرًا خطرت فكرة لفريتز.
ربط فريتز حبلًا حول رقبة تيرك، ثم ربط القرد إلى ظهر تيرك كراكب. فراقت هذه الحركة للحيوانين للغاية، وسرعان ما اعتاداها. لقد بدت فكرة مناسبة بطريقة أو بأخرى بعد الفعل الذي اقترفه تيرك.
سرعان ما عدنا أدراجنا إلى المخيم، والتقينا الكلب الآخر الذي سميناه جانو، والذي أخذ ينبح فينا وفي القرد الصغير. هرع الصبيان في حماس لرؤية القرد واللعب معه، وقد ابتهجوا للغاية بجوز الهند واليقطين والقصب. غير أن زوجتي حزنت لأننا لم نعثر على ناجين آخرين.
بدأ فريتز يعلم الأولاد كيف يمصون القصب وكيف يشربون اللبن من ثمر جوز الهند، وسعدت زوجتي برؤية أوعية اليقطين، والتقينا جميعنا لتناول وجبة من طائر اصطاده إيرنست.
قال إيرنست: «أظنه بطريقًا!»
أكلنا الطائر ثم حلينا بجوز الهند الذي تشاركناه مع قردنا. وبعد ذلك ذهبنا كلنا لننام.
في منتصف الليل استيقظنا على صوت هرير وجلبة ترتعد لها الفرائص. نهضنا جميعًا لنجد أننا وقعنا فريسة! لقد هجم على مخيمنا بأكمله سرب من كلاب ابن آوى الضارية. هجم كلبانا على أكثرهما ضراوة، وأطلقت أنا وفريتز النار على السرب إلى أن تفرقوا. وعليه قضينا ليلة طويلة بلا نوم، وفي الصباح قررنا أن نحصن أنفسنا كما ينبغي، فالنوم في خيمة بدائية غاية في الخطر.
قررنا أنا وفريتز أن ننطلق إلى السفينة قبل أي شيء آخر وننقذ ما يمكن إنقاذه من الحيوانات. وطلبت من زوجتي أن تضع رايةً يتسنى لنا أن نراها حتى نطمئن أنهم جميعًا بخير ونحن بعيدون. أما إذا نكست الراية، فعندئذ سنعلم أنها في خطر ونعود أدراجنا في التو، خلا ذلك سنعود في اليوم التالي.
صعدنا أنا وفريتز إلى القارب وبلغنا السفينة لنجد أن جزءًا كبيرًا منها لا يزال عائمًا فوق الماء على الرغم من أنها تحطمت على الصخور، وكان أغلبها ظاهرًا لنا.
ما إن صعدنا على متنها، حتى صنعنا شراعًا صغيرًا لقاربنا من شراع السفينة الممزق كي يساعدنا في الرجوع إلى الشاطئ. رأينا الراية ترفرف فعلمنا أن كل شيء على ما يرام، لذا التفتنا حولنا فوجدنا دقيقًا، ولحم خنزير مدخنًا، وخضراوات، وأشياء أخرى مثل سيوف، وسكاكين، وشوكات. استغرقنا اليوم كله في تفتيش السفينة بأكملها. وعندما هبط الليل، أضرمنا النيران داخل وعاء معدني كبير على سطح السفينة المنحدر واستلقينا طيلة الليل تحت النجوم.
في الصباح التالي خطرت فكرة لفريتز فقال: «لنصنع أحزمة طفو من أجل جميع الحيوانات ونجعلهم يسبحون!» حاولنا مع أحد الخرفان، وبعد أن غاص في بادئ الأمر، عاد إلى السطح وسبح إلى الشاطئ، ففعلنا هذا مع كل الحيوانات حتى مع البقرتين اللتين اضطررنا أن نطوقهما ببراميل ضخمة كي نبقيهما على سطح الماء. جلسنا على سطح المركب نراقب الحيوانات السابحة ونتناول غداءنا عندما صرخ فريتز على حين غرة رافعًا بندقيته؛ إذ رأينا قرشًا عملاقًا يتجه نحو أول خروف. صوب فريتز بعناية وأطلق عليه النار، فابتعد القرش. فنجت حيواناتنا هذه المرة.
أبحرنا وجدفنا بقاربنا المُحَمَّل عائدين إلى الشاطئ، فوصلنا في نفس الوقت الذي وصلت فيه حيواناتنا. فككنا أدوات الطفو وسُقنا الحيوانات إلى مخيم العائلة. أخبرنا العائلة عن مغامرتنا وأخبرونا عن مغامراتهم؛ عثر إيرنست على بيض سلاحف من أجل العشاء إلى جانب لحم الخنزير المدخن، وأرتنا زوجتي الطاولة التي صنعتها من برميل الزبد كي نتناول طعامنا عليها. كان عشاءً رائعًا بحق بعد يوم محفوف بالمخاطر.

الفصل الرابع
منزل في الأعالي


أخبرتنا زوجتي أثناء العشاء ما وقع أثناء غيابنا أنا وفريتز.
قالت زوجتي: «قررنا أن نجدّ في العمل مثلك إذا كان من المفترض أن نعيش هنا، واتفقنا على أن نذهب جميعنا في رحلة؛ فخرجت في معية جاك وفرانز وإيرنست، وأخذنا معنا مياهًا، وفأسًا، وبنادق. تبعنا تيرك الذي قادنا في الطريق التي سلكتموها قبلًا.»
ابتسمت وهي تحكي عن مغامراتها بصحبة بقية الصبيان ونحن في البحر.
قالت: «أدهشتنا الطيور المذهلة في كل مكان، وعثرنا على بعض الأشجار العملاقة، التي أوحت لي بفكرة عندما نظرت إليها؛ ماذا لو بنينا منزلًا فوق هذه الأشجار العملاقة؟ لقد بدت مثالية. وبعدئذ اتجهنا إلى الشاطئ وبحثنا عن أي شيء متبقٍّ من الحطام. وفيما التفتنا وجدنا الكلبين يأكلان شيئًا من بين الصخور …»
صاح جاك: «سرطان البحر!»
ردت زوجتي: «أجل، وقادتنا الكلاب أيضًا إلى بيض السلاحف الذي نتناوله الآن.»
قلت: «حسنًا. لا بد أن تريني قصر الأشجار الذي عثرتِ عليه، وعندئذ نقرر هل نستطيع أن نعيش هناك مثل الطيور!»
ردت: «لعله يصلح فحسب. ولسوف ينقذنا من كلاب ابن آوى. إذا تمكنا من بناء سلالم وأرضية جيدة، فسنكون في أمان ليلًا.»
قلت: «رائع، لنتفقده غدًا ونرى إن كان سيصلح.» وبعدئذ أوينا كلنا إلى الفراش ونمنا نومًا عميقًا.
استيقظت أنا وزوجتي في الصباح التالي وناقشنا خطتنا. اتفقنا على أنه إذا كان بمقدورنا بناء جسر عبر النهر والعثور على مكان آمن بأعلى بعيدًا عند الصخور من أجل تخزين الأشياء الخطيرة مثل البارود بعيدًا عن منزلنا، فقد ينجح الأمر.
أيقظنا الأطفال وشرعنا في بناء جسرنا. أبحرنا أنا وإيرنست وفريتز مرة أخرى إلى حطام سفينتنا لنأخذ منها الألواح الخشبية. وبعد قليل رأينا بعض الطيور تأكل سمكة عملاقة على إحدى الجزر فاقتربنا لنشاهد عن كثب.
ما إن اقتربنا، حتى صاح إيرنست قائلًا: «فريتز، إنها سمكة القرش التي أطلقت عليها النار. لابد وأنك أصبت رأسها!»
أجل كان القرش بالفعل؛ ونحن نقترب رأينا كم كان القرش وحشًا بحق له أسنان لامعة مخيفة. هبطنا على الجزيرة وقطعنا زعنفة السمكة غنيمةً لنا، ووجدنا أن الجزيرة مليئة بالألواح والعوارض الخشبية من حطام السفينة، فكانت هذه الألواح مثالية للجسر الذي نبتغي تشييده بالقرب من شاطئنا. حملنا هذه الأخشاب على قاربنا وعدنا أدراجنا.
عندما بلغنا شاطئنا، التقانا الأولاد وزوجتي الذين أرونا صررًا من جراد البحر الذي عثر عليه جاك وفرانز. ونحن نطهو جراد البحر، بدأنا نخطط لبناء جسرنا.
صنعت زوجتي حقيبة من أجل الحمار كي يحمل المعدات عبر النهر، وصنعت أنا بكرة تتدلى من الشجرة كي ننزل العوارض الخشبية من ضفة إلى أخرى. وما لبثنا أن أنزلنا جميع العوارض الخشبية اللازمة لتشييد جسر مسطح. ورقص الصبيان في النهر في جذل. وبانتهائنا من العمل، كنا منهكين للغاية وخلدنا إلى النوم ونحن سعداء بالإنجاز الذي حققناه.
في الصباح التالي قلت للجميع: «مع أننا سننتقل إلى العيش فوق الأشجار، فإننا لسنا في مأمن ولا نزال بحاجة إلى توخي الحذر. فمن عساه يعلم أي خطر كامن لنا؟»
بعد هذا التحذير، بدأنا ننقل كل ما نقتنيه في الحياة إلى موقع منزلنا الجديد. ركض الأطفال يجمعون الدجاج، والبط، والإوز، وامتطى فرانز الحمار عبر الجسر. ساعد بقية الصبيان في اقتياد الحيوانات عبر النهر، وما لبثنا أن صرنا جميعًا على الضفة الأخرى من النهر. وعندما وصلنا منزلنا المستقبلي، وجدنا أنه سيكون مكانًا رائعًا للعيش فيه.
لم يتوان أي من الصبيان عن المساعدة؛ عثر إيرنست على أحجار من أجل بناء مدفأة، فيما اكتشف فرانز أن الأشجار التي سنبني عليها منزلنا مليئة بالتين البري، فأخذ يطعم منه القرد الصغير الذي أطلق عليه الصبيان اسم «نيبس». اصطدنا أيضًا بعض الطيور وتمكنا أيضًا من الإمساك بطائر البشروش الذي قررنا أن نحتفظ به ونضمه إلى بقية طيورنا.
عندئذ تفقدنا الأشجار لنختار واحدة نراها الأفضل. وانطلقنا للعثور على خيزران لبناء منصات؛ لأن الخيزران قوي وسيصمد جيدًا في الأمطار. بعد أن بحثنا في المنطقة المجاورة، كنا محظوظين للغاية لأن نعثر على وفرة منه. قررنا أن نعيش على ارتفاع ثلاثين قدمًا فوق الشجرة. لذا بنيت سلمًا كي نصعد إلى أول منصة لنا.
ما إن انتهينا من صنع السلم، حتى نقلنا كل ما استطعنا نقله، وشرعنا في صنع أرجوحات شبكية مؤقتة حول أفرع الأشجار لننام فيها الليلة التالية. كنا منهكين للغاية من كل الأعمال التي نزاولها، لذا تناولنا العشاء وخلدنا إلى النوم بجانب النيران عند أعتاب منزلنا الجديد.
في الصباح التالي، بدأنا نجهز منزلنا من خلال قطع الأغصان التي تعترض الطريق، وبناء المِنصّات، وصنع الجدران من الألواح الخشبية والأشرعة. وسرعان ما أصبح لدينا مكان خاص بنا، وتناولنا وجبتنا الأولى وسط الأشجار تغمرنا السعادة والضحك بسبب القرد نيبس. وعندما سحبنا سلمنا لأعلى في هذه الليلة، شعرنا بالأمان والاطمئنان. كنا معًا في منزلنا الجديد في الأعالي بين فروع الأشجار.

الفصل الخامس
وجبة غريبة


في الصباح التالي استيقظنا وقفز الأولاد في لهفة إلى مغامرة جديدة.
سأل الأولاد: «ماذا سنفعل الآن يا أبانا؟»
أجبتهم: «سنرتاح؛ إنه يوم الأحد.»
بعدها قررنا جميعنا أن نحظى بيوم من المتعة والاستجمام. بعد الإفطار صنعت أقواسًا وأسهمًا من أجل الصبيان، بل صنعت أيضًا مجموعة صغيرة من أجل فرانز. ما لبث الأولاد أن تعلموا كيفية استخدامها. وما إن انتهوا من التدريب عليها حتى تنامت إلى مسامعي أصوات طائرين يسقطان من الأغصان على يد إيرنست. فغمرته الفرحة لأنه أتى لنا بعشائنا.
قال إيرنست: «حسنًا، بعد أن أصبح الجسر جاهزًا للاستخدام، يبدو المكان وطنًا لنا، أليس كذلك؟»
أجاب جاك: «أجل، لكن ماذا سنطلق على كل هذه البقاع؟»
اقترح فريتز: «يجب أن نسميها بأنفسنا، كي تصبح مِلكنا.»
اقترح فريتز أن يطلق على البقعة التي رسونا بها «خليج الأمان». راق الاسم لنا جميعًا، وواصلنا لعبنا.
بعدها، قررنا أن نسمي البقعة التي أقمنا عندها مخيمنا الأول «أرض الخيمة»، وأطلقنا على جزيرتنا «جزيرة القرش»، وعلى المستنقع «مستنقع البشروش». واتفقنا على أن نسمي الشجرة التي أصبحت منزلنا الجديد «غابة الصقور»، والجزيرة التي نعيش عليها «سويسرا الجديدة».
في اليوم التالي اقترحت أن نتجه إلى أرض الخيمة، على أن نسلك دربًا مختلفًا كي نكتشف المزيد. سرنا جميعًا في صف بعضنا وراء بعض. بدا منظرنا لطيفًا بصحبة القرد ممتطيًا الكلب. وفجأة، إذ بإيرنست يصرخ فرحًا، فهرعنا جميعنا إليه.
صرخ إيرنست: «انظر، بطاطس! وفرة من البطاطس!»
وسرعان ما اكتشفنا حقلًا بأكمله من البطاطس، الأمر الذي طمأننا إلى أننا لن نتضور جوعًا أبدًا. انحنينا كلنا كي نقطف اكتشافنا الجديد. وقلدنا قردنا الظريف. وبعدما حملنا من البطاطس قدر طاقتنا، واصلنا السير في طريقنا الجديد. واكتشفنا أثناء سيرنا الكثير والكثير من الأشياء: نخيل، وورود، وصبار، وياسمين، وفانيليا، وبازلاء، وأناناس، جميعها ملقاة في طريقنا. وسعدت بالتعرف على بعض نباتات الكاراتا التي كانت مثالية لصنع الأحبال والخيوط. وأيضًا أريت زوجتي وأولادي كيف يستخدمون نواة النبات لإضرام النيران عن طريق ضربها بحجر. وكما هو متوقع، أصدرت شرارًا، وشعروا بالإثارة والمتعة لأنهم تعلموا طريقة عملها.
حاول جاك أن يلتقط بعض ثمار التين الشوكي، لكنه وجد أن الشوك يتطلب عناية شديدة، لكنه تمكن أخيرًا من ثقب واحدة باستخدام عصا. فتحنا التين الشوكي لنحصل على الثمرة التي بداخله وأكلناه في سعادة كوجبة خفيفة. وما لبثوا أن بدءوا يطرحون عليّ أسئلة عن كل نبات نمر به إلى أن أخبرتهم أخيرًا أن يتوقفوا.
اعترفت قائلًا: «يا أولادي، الحقيقة هي أنني لا أعرف بالفعل كل شيء عن كل هذه النباتات والحيوانات، لكن بمقدورنا أن نتعلم معًا الكثير عن جزيرتنا.»
أخيرًا وصلنا أرض الخيمة. بدأنا نجمع باقي أغراضنا المهمة، وشرعنا في الإمساك بالبط والإوز حيث استخدم إيرنست الجبن طُعمًا للإمساك بها. وما إن عدنا إلى منزلنا الجديد فوق الشجرة حتى استمتعنا بتناول البطاطس والزبد ولبن البقرة. وبعد أن وضعنا في منزل غابة الصقور المخزون الكافي، أوينا إلى الفراش.
في اليوم التالي قررت أنا وإيرنست أن نذهب إلى الشاطئ للعثور على الخشب الذي يجرفه التيار؛ لنصنع منه مزلجة خشبية تكون نافعة في نقل المؤن ذهابًا وإيابًا بين المكانين.
أخذنا حمارنا، وحمّلنا الخشب على ظهره، وعدنا إلى المخيم من أجل صنع مزلجتنا. عندما وصلنا، كان بقية الصبيان يصطادون المزيد من الطيور. واقترحت زوجتي أن يصنع الأولاد شراكًا من أجل صيد الطيور وليس قتلها. وشرحت زوجتي أننا قد نمكث هنا بعض الوقت؛ لذا يلزم أن نتأكد أننا نظمنا طعامنا من أجل المستقبل. انشغل الأطفال بهذه الفكرة ونحن نصنع مزلجتنا. الجميع كان مشغولًا ومبتهجًا.
حتى فرانز أصغر أبنائي، أراد أن يساعد أيضًا، فاقترح أنه يجدر بنا أن نزرع بارودًا في الأرض: «بذلك يمكننا أن نزرع شيئًا أكثر فائدة من الخضراوات.» ضحك كل الأولاد على فرانز المسكين وأخذت أشرح له كيفية صناعة البارود.
وما إن انتهينا من صنع المزلجة، حتى انطلقنا عائدين إلى أرض الخيمة، وحالما وصلنا جمعنا بعض المؤن أيضًا. وفي اللحظة التي كنا نهمُّ فيها بالرحيل ومعنا كل ما استطعنا أن نرصه على المزلجة، لاحظنا اختفاء الحيوانات. بحث إيرنست عنها، في حين ذهبت أنا كي أقطع المزيد من القصب، لكن عندما عدت وجدت إيرنست غارقًا في النوم.
قلت له وأنا أوقظه: «إيرنست، إذا كانت الحيوانات قد شقت طريقها إلى الجانب الآخر من النهر من خلال عبور الجسر، فلربما فقدناها إلى الأبد وسنندم على هذا بشدة!»
قال إيرنست: «لكن يا أبي، لقد نزعت واحدة من العوارض الخشبية في الجسر، ولا تستطيع الحيوانات أن تعبر إلى أن نضعها مرة أخرى.» ضحكت على فكرته وندمت على تعنيفه. وفيما كنت أعيد وضع العارضة الخشبية وأتفقد المزلجة المحملة، قرر إيرنست أن يجرب الصيد في النهر باستخدام غصن شجرة باعتباره العصا، وخيط وأحد الخطاطيف التي عثر عليها فرانز في السفينة. وما لبث أن ناداني بصوت مرتفع بعدها مباشرة تقريبًا، فهرعت إليه كي أرى أنه اصطاد سمكة عملاقة. وجدته مستلقيًا على العشب يحاول أن يشدها من النهر، ولاحظت أنها سمكة سلمون يبلغ وزنها نحو خمسة عشر رطلًا!
حضنته فرحًا فيما رجعنا إلى المزلجة. كنت فخورًا بولدي وارتحت لدى علمي بأن بمقدوره أن يتحمل الكثير من أعباء العائلة.
في طريق عودتنا إلى منزلنا أعلى الشجرة، إذا بنا نرى حيوانًا عملاقًا يقفز في الغابة! صوب إيرنست نحوه وأرداه قتيلًا. وعندما ركضنا كي ننظر إلى الحيوان عن كثب، وجدناه كبيرًا بحجم الخروف، له رأس كرأس الفأر، وذيل كذيل النمر، وأذن كأذن الأرنب. تفرسناه لوقت طويل، وظللنا مستغربين من منظره حتى صفقت بيدي فجأة.
قلت: «لا بد أنه كنجارو! وأنت أول من يعثر على أحدها في سويسرا الجديدة!»
وبطريقة ما وضعنا غنيمتنا الجديدة على مزلجتنا التي كانت محملة فوق طاقتها بالفعل واتجهنا إلى منزل غابة الصقور كي نُري الأولاد الآخرين ما عثرنا عليه. عدنا لنجدهم مرتدين ملابس عثروا عليها من حطام السفينة، فكان كل منهم يبدو كأنه قرصان صغير. بدا فريتز وحده منزعجًا من أن أخاه الصغير إيرنست نعم بمثل هذا الحظ الوافر في الصيد. فانفردت به وأخبرته كم يهمني دوره في الاعتناء بالأسرة، لكنه جعلني أقطع له وعدًا بأن أصحبه معي في المرة التالية.
في تلك الليلة نعمت الأسرة بأكملها والكلبان بوجبة شهية وغريبة ما كنت لأتخيل قط أن نتناولها في منزلنا القديم في سويسرا: بطاطس، وسلمون، وكنجارو.

الفصل السادس
قاطرة إلى الشاطئ


استيقظت في اليوم التالي وبدأت أصبغ جلد الكنجارو ظنًّا مني أنه قد ينفع. وعندما أخذت قسطًا قصيرًا من الراحة، بحثت عن إيرنست وجاك. ظنت زوجتي أنهما ربما اصطحبا تيرك ليؤنسهما وذهبا ليقتلعا المزيد من البطاطس أو إحضار مؤن أخرى. استبد بي القلق بشأن ذهابهما وحدهما، لكن لم يكن بوسعي فعل الكثير إزاء هذا. تركت زوجتي وفرانز الصغير، فيما اتجهت أنا وفريتز إلى قاربنا. وعندما كنا نعبر الجسر، إذ بإيرنست وجاك يندفعان من بين الأجمة ويفاجئاننا. انفجرنا جميعًا في الضحك، وقد توسلا إلينا أن نصحبهما إلى السفينة. لكنني أرسلتهما بدلًا من ذلك برسالة إلى والدتهما أخبرها فيها أنني سأقضي الليل في حطام السفينة لأنتهي من فعل المزيد من الأشياء، فذهبا عابسي الوجه ليخبرا والدتهما.
أخذنا قاربنا الصغير إلى البحر، وتحدثنا عن صنع قارب آخر لحمل الأغراض الثقيلة. وحالما صعدنا إلى متن السفينة المحطمة، عثرنا على الخشب الذي قد نحتاجه من أجل بناء المزيد، والبراميل والعوارض الخشبية من أجل صنع قارب أكبر، وبعض الصناديق الفارغة التي ستكون مثالية من أجل التخزين. وقبل نهاية النهار، صنعنا قاربنا الجديد وأطلقناه كسابقه. بعد كل هذا العمل الشاق، استبد بنا الجوع، فصنعنا وليمة عظيمة من مؤن السفينة ونمنا على الحشيّات كالملوك.
في الصباح التالي، أخذنا كل الصناديق التي استطعنا حملها، وحمّلنا قاربنا الأكبر بالأثاثات وأطر النوافذ، والمزيد من المؤن اللازمة للطهي، وكذلك صندوقًا مُلِئَ بالذهب. اكتشفنا أيضًا أن بعض أشجار الفاكهة الصغيرة لا تزال حية ففرحنا أننا سنتمكن من زرعها؛ أشجار تفاح، وكمثرى، وأبو فروة، وبرتقال، ولوز، وخوخ، وبرقوق، وكريز.
وضعنا أدوات، وطلاء، وعجلات، ومجارف، ومَساحي، وأجولة قمح وبازلاء مجففة، وأجزاء طاحونة. بدا غير معقول أن نعثر على كل هذه الأشياء، لكننا فهمنا أن كل ذلك كان من المفترض أن يُستخدم في بدء مستوطنة جديدة قبل أن تتحطم سفينتنا. وكان أعظم اكتشاف لنا هو الحشيّات؛ إذ كنا على يقين من أن أفراد عائلتنا ستطير بها فرحًا. لقد اعتبرنا أنفسنا محظوظين بحق!
تذكر فريتز القرش الذي قتله، فأحكم قبضته على الرمح الموجود بالسفينة متأهبًا تحسبًا لأي شيء. وعندئذ، بعد أن حملنا القاربين وصرنا على استعداد للانطلاق، سمعت فريتز يناديني من خلف الشراع.
– «أبي! أبحر في هذا الاتجاه بسرعة!» فعلت كما قال، وإذ بي أشعر بشيء يجر القارب إلى الشاطئ، نظرت حول الشراع لأرى منظرًا مدهشًا.
تمكن فريتز من أن يعلق رمحه في صدفة سلحفاة، وقد كانت تجرنا نحو الشاطئ بسرعة مذهلة. عندما وصلت السلحفاة، صعدت إلى الشاطئ ورسونا على نحو رائع. كانت السلحفاة في غاية التعب بعد جرنا، لذا كان من السهل أن نضعها في أحد براميلنا.
عندما رسونا، ركض أفراد أسرتنا نحونا ليروا كل الأغراض التي عدنا بها، بما فيها سلحفاتنا القوية. ركض الأولاد ليحضروا المزلجة حتى نستطيع أن ننقل ما نستطيع قبل حلول الظلام.
تمكنا من وضع السلحفاة على المزلجة، وبعد أن حملنا بعضًا من أشجار الفاكهة، شققنا طريقنا إلى منزلنا متسامرين عن مغامراتنا.
قال إيرنست: «أود أن تلقي نظرة على بعض الجذور التي عثرت عليها. أظنها قد تكون نافعة.»
في الواقع، عثر إيرنست على أحد الجذور التي يمكن صنع الدقيق منها. من اللطيف أن نحصل على خبز للمرة الأولى منذ أن رسونا على الجزيرة.
عدنا جميعنا إلى المخيم، وأفرغنا كنزنا الذي عثرنا عليه. أعطتنا زوجتي عصير القصب الذي أعدّته لنا والذي كان حلو المذاق، وتناولنا جميعًا البعض منه على العشاء. في تلك الليلة نعمنا بليلة دافئة، في بيتنا على قمة الشجرة، على أَسِرّتنا الرائعة الجديدة.
استيقظت مبكرًا على رؤية بيتنا السعيد، وبعد إمضاء بعض الوقت في العمل، عدت لأجد الجميع ما زالوا غارقين في النوم. وعندما استيقظوا، اندهشوا من تأخرهم في النوم. ضحكنا جميعًا وألقينا باللوم على الحشيات الرائعة.
بعد تناول الإفطار، تأهبنا أنا وفريتز للعودة إلى الحطام مرة أخرى. في هذه المرة، بدا الحزن الشديد على جاك، فاصطحبناه معنا، وغمرته الفرحة لأنه سيشارك في الرحلة وساعدنا في تجميع عدد من الأشياء لنأخذها معنا. ولم تكن هناك أعباء على جاك مما أتاح له أن يستطلع الحطام. وكما هو متوقع، هلّ علينا باكتشاف عظيم: عربة يدوية صغيرة! شققنا طريقنا عائدين إلى الشاطئ كي نُفاجأ بمنظر غريب: جماعة على الشاطئ بدت كرجال منحنين يرتدون سترات سوداء وسراويل بيضاء.
قال جاك: «لعلهم أقزام!»
ضحكت وقلت: «لا يا جاك، إنها طيور البطريق!»
عندما رسونا على الشاطئ، ركض جاك وراءها. ومع أن معظمها هرب، فقد تمكن من الإمساك بنحو ستة منها، وقررنا أن نأخذها معنا. اتجهنا إلى منزلنا لنجد إيرنست وزوجتي متلهفين لعودتنا.
ما إن استرحنا، حتى باشرنا العمل على طحن الجذور التي عثر عليها إيرنست لنصنع منها دقيقًا من أجل الخبز. بشرنا الجذور على قماش الشراع، ثم عصرنا السائل مما طحناه إلى أن حصلنا على دقيق مبتل. وعندما انتهينا خَزّنّاه وقررنا أن نصنع خبزًا في اليوم التالي. في الصباح، أضفنا ماءً وملحًا إلى الدقيق، ثم وضعنا الخليط في طبق موضوع على النار حيث تحمص الخبز كما لو كان في فرن. وعندما انتهينا، كنا سعداء بتناولنا الوليمة الشهية.
في تلك الليلة، تناولنا البطريق (الذي كان طعمه يبدو كالسمك، وكان عسير المضغ) والبطاطس. أما بقية طيور البطريق فبدا أنها ألفت وجود الدجاج. أطلقنا سراحها وجالت في سعادة مع السرب، وقد أصبحت أليفة تمامًا. وقفنا جميعًا في ذهول، نشاهد سرب الحيوانات الغريبة التي باتت الآن جزءًا من عائلتنا.

الفصل السابع
يوم رياضي


بعدها بفترة وجيزة، أقنعت زوجتي أن أصطحب الأولاد إلى الحطام مرة أخرى فيما عدا فرانز، وهذه المرة كي نصلح القارب الشراعي الصغير الذي كنت قد رأيته محطمًا إلى أجزاء على سطح السفينة، ونجربه.
وافقت زوجتي، ما دمت قد وعدتها بأن أعيدهم في نفس اليوم ولا نقضي الليل في الحطام. اتفقنا على هذا وانطلقنا. وفي حين كان الأولاد يبحثون عن أشياء جديدة، حاولت أن أقرر كيف نخرج القارب. لم ننته من المهمة تمامًا وعدنا أدراجنا لنجد زوجتي وفرانز بانتظارنا عند الشاطئ.
قالت زوجتي في فخرٍ: «ريثما نحصل على كل شيء يلزمنا من السفينة، قررت أن نعيش في أرض الخيمة. هذا الترحال ذهابًا وإيابًا يضيع الكثير من الوقت.»
كان هذا قرارًا سليمًا، وبناءً عليه قضينا الأيام التالية ننتقل من الشاطئ إلى السفينة، نصنع القارب الشراعي، ثم نعود إلى خيمتنا الأولى على الشاطئ، سعداء لكنا متعبون. وأخيرًا بعد أيام انتهينا من بناء القارب الشراعي على متن حطام السفينة القديمة. لكن المعضلة التي تعترضنا الآن هي كيف ننزل المركب من السياج المرتفع فوق السفينة. الحل الوحيد أن نتخلص بطريقة أو بأخرى من هذا السياج حتى نتمكن من دفع القارب إلى الماء.
عثرت على مدفع كبير، وحشيته بالبارود، ووضعت فتيلًا طويلًا. دفعت الأولاد في عجالة إلى القارب الصغير والفتيل مشتعل. جدفنا عائدين إلى الشاطئ وكانت زوجتي بانتظارنا. وما إن رسونا، حتى سمعنا صوت انفجار عظيم على سطح المركب صاحبه دخان كثيف.
أصعدت الأولاد إلى القارب الصغير مرة أخرى، وأبحرنا مرة أخرى إلى الحطام حيث وجدناه أكثر تحطمًا! لقد نجحت «القنبلة»! ونُسف جانب السفينة المقابل للشاطئ. والآن أصبح في مقدورنا أن نضع بكرات تحت القارب الشراعي على سطح السفينة وندعه ينزلق إلى المياه مباشرة. عندئذ أمضينا الوقت أنا والأولاد نحاول تزويد القارب الشراعي ببندقيتين نحاسيتين صغيرتين تشبهان المدافع.
أخيرًا أبحرنا عائدين إلى الشاطئ بقاربنا القديم وقاربنا الشراعي الجديد، ولدى اقترابنا، جعلت الأولاد يطلقون النيران من واحدة من البندقيتين النحاسيتين لتحدث صوت فرقعة. ركضت زوجتي وفرانز من خيمتنا. استطعنا أن نراهما وهما يقفزان فرحًا عندما رأيانا. عندما رسونا تعالت ضحكاتنا جميعًا وتعانقنا فخورين بأنفسنا، وراق لزوجتي مركبنا الشراعي الجميل.
قالت زوجتي: «الآن لا بد أن تروا ماذا فعلت أنا وفرانز كي نحسن المعيشة في خيمتنا هنا!»
اصطحبونا في جولة للحديقة التي صنعوها. شرحت زوجتي: «زرعنا بطاطس، وقصبًا، وأشجار فاكهة، وبطيخًا، وبازلاء، وخضراوات أخرى، ووضعنا البذور في أماكن يمكنها فيها أن تنمو على نحو أفضل.» أخبرتها أنها أحسنت الصنع، وعندما بدأ الليل يرخي سدوله، اتجهنا إلى الخيمة كي نستريح لأننا كنا نشعر بالإعياء الشديد.
في اليوم التالي، علمت الأولاد طريقة استخدام الحبل لاقتناص حيوان ضارٍ. قضينا الصباح نمارس هذه الطريقة، فكان فريتز هو أكثر من برع فيها. بعدها قررنا أن نعود إلى «غابة اليقطين» (كما سميناها) كي نصنع المزيد من السلطانيات والملاعق وغيرها من الأشياء التي قد نحتاجها، فحمّلنا مزلجتنا بالبنادق والبارود، وبعد أن جعلنا حمارنا يجرها، دعونا الكلبين ليتبعانا. لم نستطع أن نترك قردنا الصغير، لذا حملناه معنا ليجلب لنا الحظ. عندما بلغنا بقعة أشجار جوز الهند، وقف إيرنست تحت إحداها.
قال إيرنست: «أتمنى أن أحصل على ثمرة جوز الهند.» وما إن خرجت الكلمات من فيه، حتى وقعت ثمرة إلى جانبه مباشرة فجعلته ينتفض من مكانه، إذ بدا الأمر كأنه سحر إلى أن وقعت واحدة أخرى. وكما توقعنا كان هناك شيء يلقي الثمر عليه.
رفعنا أعيننا لنرى أنه يوجد شيء على الشجرة، وقد وقع سريعًا وبدأ يطارد جاك، فيما نبح الكلبان وأخذا يطاردان كلاهما. ضحكت وقلت: «إنه سرطان جوز الهند!» الذي أخذ يطارد جاك إلى أن أمسكنا به أخيرًا.
كان من الصعب أن نشق طريقنا عبر الأجمة نحو القرع الذي نحتاجه. تقدمنا في طريقنا بشيء من الصعوبة إلى أن وصلنا الغابة حيث مكثنا للعمل في شق الأطباق والسلطانيات والصحون من اليقطين، وملء الأواني التي انتهينا منها بالرمال التي تساعد على تجفيفها.
أضرمنا النيران، وطهونا سرطان جوز الهند، وأعطينا قردنا بعضًا من لبن جوز الهند. وبعد العشاء ذهب إيرنست ليتنزه في الغابة، لكنه عاد سريعًا يصرخ: «خنزير بري! أسرعوا!»
طاردنا الخنزير البري عبر الغابة بجنون بمساعدة الكلبين إلى أن حاصرناه في أرض خالية من الأشجار. كانت تجتاحنا جميعًا الإثارة إلى أن اكتشفنا أنه في حقيقة الأمر أحد خنزيرينا وكان قد تبعنا. انفجرنا جميعًا في الضحك مرة أخرى. بعدها واصلنا سيرنا إلى أن صرخ جاك الذي يتقدمنا مرة أخرى صرخة دهشة.
– «تمساح! انظروا!»
ركضنا مرة أخرى، ووجدنا هذه المرة سحلية أكوانا ضخمة فأمسكنا بها. أوثقناها حتى يأمن حملها وأخذناها إلى المخيم وأنا أحملها فوق كتفي. وفي طريقنا إلى المخيم جمع الأولاد جوز البلوط، ونوعًا جديدًا من الفاكهة التي أعطيناها للقرد أولًا ليجربها، فتناولها في سعادة، لذا جربناها جميعًا وابتهجنا لدى اكتشافنا أنها جوافة. عدنا إلى منزل غابة الصقور حيث نعمنا بعشاء طيب من الأكوانا والبطاطس وجوز البلوط المحمص، وحلينا بالجوافة. وبدأنا نألف هذه الوجبات الغريبة.

الفصل الثامن
انفجار!


في اليوم التالي عدنا أنا وفريتز إلى غابة اليقطين وقررنا أن نقوم بمزيد من الاستطلاع، فعثرنا على نبات مثمر عرفت أنه ذلك النوع الذي يمكن غليه للحصول على الشمع من أجل صنع الشموع. جمعنا الثمرات اللبية وواصلنا الاستطلاع إلى أن عثرنا على مستعمرة من طيور الببغاء بين الأشجار. تسلق فريتز الشجرة في محاولة للإمساك بأحدها، فعضته الطيور في يده بسبب الإزعاج الذي أحدثه، لكنه تمكن من الإمساك بأحدها ووضعه في جيبه. وعندما نزل أراني طائره الأخضر الجميل. وقرر أن يحاول أن يعلمه كيف يتكلم.
في طريق عودتنا، تعثرنا في بعض العصارة الصمغية التي نضحت بها إحدى الأشجار. لمسناها فوجدناها مرنة للغاية.
سألني فريتز: «هل يمكن أن يكون هذا مطاطًا يا أبي؟»
أجبته: «دعني أرى. أنت على حق، إنه مطاط! سيكون جيدًا لصنع الأحذية العادية والأحذية عالية الساق.»
شققنا طريقنا عائدين إلى منزل غابة الصقور وأخبرنا الجميع عن مغامراتنا، فغمرت الجميع الحماسة بشأن فكرة صنع الشموع حتى إننا فكرنا جميعًا أن نجرب صنعها في التو.
غلينا الثمار اللبية على النيران، وغرفنا الشمع ووضعناه في قدر آخر. ثم أحضرنا خيوطًا وغمسناها في القدر المملوء بالشمع الساخن. وكما توقعنا، عندما تركناه يجف، وجدنا أننا صنعنا الشموع. في تلك الليلة، وللمرة الأولى، أضأنا الشموع في منزل غابة الصقور، الشيء الذي كان في غاية الروعة.
في صباح اليوم التالي، حاولنا أن نصنع الزبد من القشدة التي قشدناها من سطح لبن البقرة، فوضعنا اللبن في وعاء من اليقطين واستمررنا في خضّه مدة نصف ساعة في قماش الشراع. وقد نجح الأمر! فجأة غمرتنا الأشياء التي كنا نعتبرها أشياء عادية في وطننا الأصلي ببهجة عظيمة.
عندئذ شرعنا في العمل في مشروع طويل المدى من أجل جعل أرض الخيمة مكانًا آمنًا نأوي إليه عند الطوارئ. أردنا أن نجهز كل شيء تحسبًا لأن نحتاجه، فزرعت سورًا شائكًا كي أحول دون وصول الحيوانات، وعلقت بندقيتين في مدخلها. كنا على استعداد لأي هجوم سواء من حيوان أو إنسان.
قضينا أيامنا على الجزيرة في تنفيذ المشاريع، والاستطلاع، والصيد، وكنت أعلّم الأولاد كل أحد السباحة والتسلق. فصاروا أقوياء بمرور الوقت، لكن سرعان ما تمزقت ملابسهم جراء كل الأنشطة التي يزاولونها. واحتاج الأولاد إلى أحذية، لذا كانت مهمتي التالية هي محاولة صنع أحذية من المطاط الذي عثرنا عليه. قمت بهذا من خلال حشو زوج من الجوارب بالرمال، وضعت حولها طينًا، بذا صنعت قالبًا متحجرًا. وعلى هذا القالب الطيني طليت المطاط طبقة تلو الأخرى إلى أن صنعت زوجًا من الحذاء المطاطي عالي الساق. فرحت بحذائي الجديد، لكن ساورتني المخاوف بشأن الملابس، لا سيما وأن فصل الشتاء قد بدأ.
تساءلت هل لا تزال هناك أي ملابس في حطام السفينة، فقررت أن أعود أنا والصبيان الكبار إلى الحطام مرة أخيرة. ولسوف نأخذ كل المؤن المتبقية، وعندئذ ننسف الحطام إلى الأبد. وبعدما ملأنا قواربنا بكل شيء عثرنا عليه، أعددنا السفينة كي تنفجر واتجهنا إلى الشاطئ كي نشاهد ألعابنا النارية. ونحن نجهز عشاءنا ونراقب السفينة، صعد عمود ضخم من النيران وحدث صوت دوي هائل. هكذا كانت نهاية سفينتنا، وسيلة اتصالنا الرئيسية بسويسرا القديمة، وطننا السابق.

الفصل التاسع
عائلة متنامية


عدنا إلى «رأس الإحباط»، التي أطلقنا عليها هذا الاسم بعدما فشلنا في العثور على أي من رفقائنا في السفينة. قررت أن أصطحب العائلة بأكملها في هذه الرحلة. توقفنا وجمعنا المزيد من الثمار اللبية التي نصنع منها الشموع، وعثرنا على بقعة لطيفة نستريح عندها في المنطقة الخالية من الأشجار بين القصب والخيزران.
سأل جاك: «لم لا نعيش هنا؟»
أجبته: «إنه مكان لطيف، لكن تخيل أن يطلع علينا نمر من الغابات ويحاصرنا هنا.»
حدّقنا جميعًا باتجاه الغابة وقد انتابنا إحساس مشترك بالقلق. ومع ذلك كان لا بد أن نتمم عملنا. وعندما ازداد الظلام، ركض الحمار وطارده الكلبان، لكن عندما عاد الكلبان لم يكن معهما الحمار. أشعلنا نيرانًا هائلة، وأخبرت الصبيان أن يناموا بجانب أسلحتهم وجلسنا في توتر عند البقعة الخالية من الأشجار.
في الصباح التالي، تركت الصبيان الكبار كي يقوموا على حماية والدتهم، وأخبرت جاك أن بمقدوره المجيء معي كي نحاول العثور على حمارنا المسكين، فشعر بالفخر لأنني طلبت منه هذا. وبعدما مشينا متعبين لساعات نقتفي آثار حوافر الحمار، وجدناها امتزجت بحوافر أخرى كثيرة. وبعد أن شققنا طريقنا عبر الغابة، صادفنا منظرًا رائعًا؛ انضم حمارنا إلى قطيع من الجاموس العملاق! وقبل أن نستطيع أن نوقفهم، هرع كلبانا نحو القطيع وهاجما عجلًا. بدأ القطيع يخور، وفجأة هجموا علينا في اندفاع وقد وجهوا قرونهم تجاهنا. ركضنا عائدين إلى الغابة، لكن قائد القطيع، الذي كان عملاقًا، تمكن منا قبل أن نستطيع أن نصل إلى الغابة. في الدقيقة الأخيرة، أخرجت مسدسي وأطلقت النار عليه فخرّ صريعًا، الأمر الذي أوقف زحف القطيع وجعلهم يولون الأدبار.
كان كلبانا لا يزالان يحاولان افتراس العجل الصغير. لكن جاك أسرع ومنعهما، ثم طوح حبله في الهواء وسقط العجل. وفي الحال أمسك العجل من قدميه، وربطت أنا طرف الحبل الآخر إلى شجرة. أصبح لدينا الآن عجل لنربيه. وأطلق الأولاد على العجل اسم «ستورم».
أخذنا ما طالته أيدينا من الجاموس الصريع، وجعلنا من حبل جاك زمامًا للعِجل، وقدناه إلى المنزل. وعندما انطلقنا ركض الكلبان أمامنا. وفجأة، ظهرت مجموعة من كلاب ابن آوى التي اجتذبها الجاموس الصريع. دخلوا جميعًا في عراك مع كلبينا اللذين انتصرا في آخر المطاف وطاردا سرب كلاب ابن آوى. غير أننا تمكنا من إنقاذ أحد كلاب ابن آوى الذي كان صغيرًا كي نأخذه معنا.
في طريق العودة إلى مخيمنا، طارت عائلتنا فرحًا بحيواناتنا الأليفة الجديدة. وسارع جاك في سرد قصة ما حدث، مزهوًّا بنفسه قليلًا. تركته يخبر بقصصه، فقد أحسن الصنيع.
كانت العائلة منهمكة في العمل أيضًا عندما كنا بالخارج؛ فقد جمعوا بعض أخشاب حطام السفينة الذي انجرف إلى الشاطئ، ثم خرجوا للصيد. عثر فريتز على نسر صغير بجانب رأس الإحباط. فقررنا أن نربيه ليكون طائر صيد.
عندما عدنا إلى المخيم، ذهب الصبيان في نزهة أخرى، وفجأة بدءوا ينادونني. هرعت إلى الغابة، ظنًّا مني أنهم في خطر، كي أجد خنزيرتنا نائمة على جنبها وتحيط بها خنازير صغيرة وليدة. ها هي عائلتنا آخذة في التنامي!

الفصل العاشر
شجرة ذات سلالم


طلبت مني زوجتي أن أخترع طريقة للوصول إلى منزلنا أعلى الشجرة دون ارتقاء السلم. كان هذا تحديًّا صعبًا سعيت أنا والأولاد إلى الجدّ فيه. فكرنا في أنه قد يمكننا أن نحفر درجات بداخل ساق الشجرة إذا كان مجوفًا، الأمر الذي تمنيناه. نظر الأولاد من خلال تجويف في جذع الشجرة فوجدوه مجوفًا، لكنه مملوء بالنحل الذي خرج في أسراب مهاجمًا إياهم.
أخرجنا النحل بالدخان عن طريق سد التجويف بقطعة خيزران مجوفة، ثم رفعت بعض الفحم الساخن من النيران ونفخت الدخان منه إلى الخيزران حتى أُصيب النحل بالخمول. عندئذ أحدثنا في عجالة تجويفًا آخر في الساق، فخرج النحل كي يهرب من الداخل ورحل. أخذنا قدر استطاعتنا من عسل النحل وشمعه، ثم وسعنا التجويف الذي خرجوا منه أكثر فأكثر إلى أن أصبح في حجم باب كامل.
بعد ذلك، وضعنا أحد الأبواب كنا قد أتينا به من السفينة على التجويف الكبير في شجرتنا باستخدام المُفصّلات التي أتينا بها من السفينة أيضًا. كان ملائمًا جدًّا. قضينا أيامًا عدة نجوّف المزيد من أجزاء الشجرة كي نصنع سلمنا وبنينا درجات خشبية في أنحاء جذع الشجرة. وسرعان ما أصبح لدينا سلالم بالإضافة إلى سياج للإمساك به عند الصعود.
في أثناء الأسابيع التي قضيناها في هذا العمل، أنجبت جميع حيواناتنا. ودربنا جاموستنا على حرث الحقول، واستأنسنا كلب ابن آوى حتى يمكن تربيته مع كلابنا، بل حتى دربت النسر أيضًا، وجعلت نيبس يركب على ظهر الجاموسة.
في صبيحة أحد الأيام، بينما كنا نعمل، سمعنا زئيرًا مرتفعًا. لم يكن لدينا أدنى فكرة عما يمكن أن يكون هذا. أسد؟ أم غوريلا؟ أم نمر؟ ارتعنا جميعًا وصعدنا إلى منزلنا حيث حشونا البنادق. قررنا أنا وفريتز أنه من الأفضل أن نذهب إلى الغابة لنكتشف ماذا كان هذا، وإلا سنمكث في هذا الخوف وقتًا طويلًا. تسللنا وسط الأجمة متخوفين أن يكون وحشًا يفوق إدراكنا. وعندما اقتربنا أكثر فأكثر، ازداد الصوت قوة. انكمشنا رعبًا، وأعددنا زناد بنادقنا للرمي، وتوارينا وراء الأغصان كي نرى منظرًا جعلنا ننفجر ضحكًا.
كان الصوت صادرًا عن حمارنا، الذي عاد ومعه صديق جديد، حمار وحشي! قدناهما إلى مخيمنا بأن قدمنا لهما كسرًا من الطعام. واستغرق الأمر منا أيامًا حتى روضنا الحيوان الوحشي، فكنت أضطر أن أقفز على ظهره وأركبه حتى يتعب ويهدأ. أخيرًا، صار هادئًا وودودًا.
وفي ليلة من الليالي أخذنا نيبس إلى الغابة كي نملأ أجولتنا من جوز البلوط. تسلق القرد الصغير إحدى الأشجار وعثر على بيض دجاج بري. غطيناها وأخذناها معنا حيث حفظتها زوجتي دافئة إذ لفتها في بطاطين ووضعتها بجانب النيران. وفي ظرف أيام قلائل أفرخ البيض. وكانت زوجتي تعتني بطيورنا وقد ربت ما يزيد عن أربعين فرخة. وقد زادت فراخ الدجاج البري عدد سربنا المتنامي.
كان إيرنست منهمكًا في قطع عشب طويل سميك حتى يتسنى لفرانز أن يلعب به لعبة المبارزة هناك في المخيم. وكان فرانز ينعم بوقت طبيعي بالنسبة لعمره، يلهو ويحارب أعداء من نسج خياله. أمعنت النظر في هذا النبات الذي يستخدمه فرانز سيفًا ليتبارز به، فوجدته نبات الكتان. ابتهجت زوجتي أيما بهجة.
قالت: «إذا استطعت أن تصنع لي مغزلًا، فبمقدوري أن أنسج هذا الكتان إلى خيوط. سنحصل على ملابس جديدة!» بعدها أخذنا حمارينا وجاموستنا وأحضرنا معنا كل الكتان الذي استطعنا حمله.
أضنينا أنفسنا في العمل أكثر قبل أن يحلّ فصل الشتاء كي نصنع حظائر في محيط المنزل، ونخزن التبن، ونبني مخزنًا للألبان، ونصنع مطبخًا، وغرفة لتناول الطعام في منزلنا العملاق الذي يعلو الشجرة. لم يكن هناك متسع من الوقت للتأهب. قضينا الأيام التالية نخزن البطاطس، وجوز الهند، وجوز البلوط، والقصب، وأي نوع آخر من الطعام وجدناه وحصدناه بأسرع ما يمكن. كانت السماء تزداد حُلكة مع كل يوم يمر علينا، وكنا نسمع هزيم الرعد في الفضاء. وسرعان ما تحول وابل المطر البارد إلى أمطار الشتاء الجليدية الباردة التي لا تنقطع البتة.
كان الطقس قاسيًا، فكنا نضطر كل يوم أن نأوي إلى جذع بيتنا الشجري المكتظ. كانت رائحة الحيوانات كريهة، والدخان المنبعث من النيران يجعلنا نسعل. خاطت زوجتي بعضًا من المطاط الذي كنا قد عثرنا عليه في قمصاننا ذات القلنسوات حتى تجعلها مقاومة للماء. وما لبثت أن صنعت لنا بدلًا كاملة مقاومة للماء لنرتديها.
مرّت الأيام علينا طويلة وقاسية. حاولنا أن نسلي وقتنا قدر استطاعتنا، فكتبت جميع الأحداث التي وقعت لنا أثناء رحلتنا، وحاكت زوجتي الملابس، ورسم إيرنست لوحات للطيور، وعلّم فريتز وجاك فرانز الصغير القراءة. وتوالت الأيام؛ لقد كنا حبيسي الشتاء. كان وقتًا كئيبًا على الجميع.

الفصل الحادي عشر
الكهف الدافئ


بعد انقضاء أسابيع وأسابيع، توقفت الأمطار وأُطلق سراحنا مرة أخرى! سمعنا العصافير تشدو وشعرنا بدفء الهواء المشمس على وجوهنا. وأنبتت بذورنا. لقد هلّ الربيع، وكانت أعمال كثيرة بانتظارنا. غمرتنا البهجة.
زرنا أرض الخيمة كي نجدها مُدمرة تمامًا بفعل العواصف. كل شيء كان مبللًا، ودُمر قاربنا القديم، فأدركنا أنه يجدر بنا أن نؤدي أداءً أفضل العام المقبل. بعد وقت بلغنا واجهة الجرف بجانب الشاطئ وقررنا أن نشرع في حفر كهف هناك من أجل التخزين. رسمنا بابًا على الصخر الجيري وحاولنا اختراقه طيلة عشرة أيام محرزين تقدمًا محدودًا. وفجأة سقط جاك أرضًا محدثًا صوت ارتطام مرتفعًا وناداني: «أبي، لقد اخترق إزميلي الصخرة!»
ضحكنا في بادئ الأمر، لكن تبين لنا بعد ذلك أن هذا صحيح. اقتربت ونظرت عبر الثقب، فوجدت أن هناك طبقة صخرية صغيرة فحسب بين الكهف وبيننا! أخذنا نضرب جميعنا الصخر بحماس حقيقي وفرح، ووجدنا أنه يوجد كهف عظيم بحق. دخلنا جميعًا نشق طريقنا باستخدام عصا طويلة. ثم رأينا على ضوء شمعة أن كل أنحاء الكهف بلورية ولامعة، كل شيء كان متلألئًا ويتقد بجميع ألوان الطيف. مرّرت إصبعي على جدار الكهف ثم لعقتها. وبالفعل كنت على حق؛ كان كهفًا عملاقًا من الملح! أرضيته من الرمال الجافة، سيكون هذا مأوى جديدًا رائعًا.
في طريق عودتنا، تحدثنا عن كيف ينبغي أن يكون منزل غابة الصقور منزلنا الصيفي الوحيد الآن. كان الكهف سيصبح مثاليًا للعيش فيه إبان الشتاء بمجرد إعداده لذلك. قررنا في الحال أن نسمي المنزل الجديد «الحصن الصخري».
شققنا نوافذ في الصخر إلى جانب الباب في الجدار الرقيق بواجهة الكهف من أجل الإضاءة والتهوية، وقسمنا منزلنا الجديد إلى حُجَر، بل حتى صنعنا لأنفسنا مدخنة وإسطبلًا جديدًا في الفضاء الفسيح بالداخل. وفي يوم من الأيام، ونحن نبني رأينا شيئًا يتلألأ في الماء القريب منا ورأينا طيورًا تنقض عليه لتأكل منه قدر ما تستطيع. هرعنا للخارج كي نشاهدها.
سأل الأولاد: «ما هذا؟»
أجبت: «سرب من أسماك الرنجة!» كان السمك في المياه الضحلة بالقرب من الشاطئ وكان يسهل الإمساك بالمئات منه بأيدينا. لم يكن لدينا وقت لنضيعه. وباستخدام البراميل بدأنا نمسك سمك الرنجة، ونجففه، ونملحه، ونخزنه للشتاء القادم. بعدها بعدة أشهر، ظهر المزيد من السمك في المياه الضحلة، لكنه كان سمك الحفش العملاق هذه المرة الذي سبح إلى الشاطئ.
قال جاك: «أسرعوا، دعونا نمسكه!»
أجبته: «نعم، لكن كيف هذا؟ هذا السمك أكبر من الرنجة.»
ركض جاك ضاحكًا ثم عاد ومعه قوس وسهم وخيط الصيد، وربط الخيط إلى السهم الذي صوبه نحو السمك. وبالفعل، رشق السهم في جنب واحدة منه كادت تجذبه نحو الماء.
صرخ جاك: «ساعدني يا أبي، وإلا فسأقع في الماء!» فأخذنا نشد ونشد إلى أن صارت السمكة العملاقة على الشاطئ.
وسرعان ما بدأنا جميعًا نصطاد السمك بالرماح، ممسكين أسماكًا أكبر وأكبر حجمًا. بل اصطاد فريتز سمكة بلغ طولها ثمانية أقدام، كانت أكبر من قدرتنا على أن نخرجها من المياه لذا اضطررنا إلى الاستعانة بالجاموسة كي تسحبها معنا إلى الشاطئ. استخدمنا الملح المستخرج من كهفنا كي نخزن هذه الأسماك من أجل الشتاء أيضًا.
بدا الأمر كأنما الطعام منتشر في كل الأرجاء؛ فقد كانت حدائقنا تزدهر وتينع بالثمار. كانت الذرة تنمو، وكذلك أينعت حقول الشعير، والقمح، والزوان، والبازلاء. كنت أخرج أنا والأولاد من أجل المغامرات، وزوجتي تزرع في كل الأرجاء. والآن سنأكل جميعًا كأننا ملوك وستكون لدينا أيضًا وفرة من الطعام للتخزين من أجل الشتاء القادم.
وأثناء وجودنا بالخارج ذات يوم، نتفقد محاصيلنا، صادفنا زغبًا أبيض في كل أرجاء الأرض.
صرخ فرانز: «جليد!»
قلت: «لا يا ولدي، هذا ليس جليدًا، إنه قطن!» وكنت صائبًا فيما قلت، وسرعان ما بدأنا نجمعه في حزم كي نغزله ونصنع المزيد من الملابس.
في تلك الأثناء، بدأنا العديد من المشاريع وانتهينا منها. كان وقتًا مزدحمًا لأننا كنا عاقدي العزم على بناء مستعمرتنا الآن، فعثرنا على مكان رائع لإنشاء مزرعة جديدة به تل تكسوه الخضرة، وأشجار تلقي بظلها على طول النهر. كنا مصممين على أن نحصد كل ما نستطيعه من الأرض. وبدت هذه بقعة مناسبة لزراعة القطن وغيره من المحاصيل التي قد نحتاجها لصنع الملابس.
بدأنا في الحال في بناء حظيرة خشبية حتى تصير حيواناتنا في مأمن وسعادة في الأرض حتى لو لم نكن معها، وخصصنا مكانًا في الحظيرة نربط فيه الحيوانات ومأوى للطيور.
في تلك الآونة وجدنا تلًّا قريبًا وبنينا عليه كوخًا صغيرًا وسميناه «تل الآمال»، وهو بناء بسيط من الألواح الخشبية، لكنه سيكون منزلًا لطيفًا نأوي إليه عندما نأتي لزراعة هذه الأرض أو حصاد محاصيلها. في تلك الأثناء، صنعنا أيضًا زورقًا خفيفًا من إحدى الأشجار. وبعدما انقضى هذا الوقت المزدحم الذي قضيناه في تشييد منزل مزرعتنا الجديدة، اتجهنا ونحن متعبون وفي الوقت نفسه راضون عائدين إلى منزل غابة الصقور ومنها إلى أرض الخيمة.
لدى عودتنا وجدنا أن إحدى بقرتينا كانت قد أنجبت عجلًا. وطلبت من فرانز أن يعتني به.
رد قائلًا: «بالطبع يا أبي! ولسوف أسميه جرامبل «المتذمر» بسبب الضوضاء التي يصدرها!»
رأينا كلنا هذا رائعًا، وعاودنا العمل في كهفنا، فسوينا الأرض وأتممنا تجهيز الغرف، بل وصنعنا سجادة من وبر بعض حيواناتنا.
وافق اليوم التالي الذكرى السنوية الأولى لرسونا على الجزيرة، فقررنا أن ندعوه يوم «عيد الشكر». استيقظت ذلك الصباح على صوت فرقعة عالٍ، فهرعت إلى خارج الكهف لأجد الأولاد قد أطلقوا المدفع للاحتفال. اعتذر الأولاد عن ذلك، لكنني تفهمت شعورهم بالفخر. وقررنا أن نحتفل بقضاء يوم في مزاولة الرياضة.
بدأنا بالرماية، حيث كانت البطولة من نصيب فريتز، ثم انتقلنا إلى السباقات، فجعلت فريتز، وإيرنست، وجاك يركضون من أرض الخيمة إلى منزل غابة الصقور ويحضرون لي سكين جيب تركته هناك، فانطلقوا كالرصاصة وسرعان ما تواروا عن الأنظار، لكن بعدها بفترة وجيزة حدث شيء غاية في الغرابة.
ظهر جاك مسرعًا عبر الجسر، لكنه لم يكن على قدميه، وإنما كان ممتطيًا الجاموسة التي كان يتبعها زوج من قردتنا.
قال جاك ضاحكًا: «وجدت أنني لن أفوز، لذا بدا لي أن أعود في فخامة مثلهم!»
عاد إيرنست أولًا ومعه السكين وأُعلن الفائز. بعدها كانت مسابقة التسلق. في هذا السباق تسلق جاك مثل ماعز الجبل، وامتاز على بقية إخوته؛ إذ وصل إلى قمة الشجرة قبل أن يستطيعوا أن يبدءوا.
وأمتعنا فرانز بعرض، إذ هلّ علينا من الكهف وصاح قائلًا: «أيها القضاة، أقدم لكم شيئًا جديدًا ومذهلًا. أنا، مروض العجول، سأريكم الآن خُدعًا مذهلةً!» خرج العجل جرامبل من الكهف وبرقبته زمام، وأخذ يركض، ويخبُّ، ويقفز فيما علا صوت تصفيقنا كلنا. أنهينا اليوم بالسباحة، فكان جميع الأولاد أكفَاء للغاية، لكن مرة أخرى كان فريتز الأقوى.
عندما انتهت المسابقات، كانت زوجتي جاهزة بالجوائز التي جاءت بها من مؤن سفينتنا، فسلمت فريتز مكافأة من أجل فوزه بمسابقتي الرماية والسباحة. كانت بندقية جديدة وسكين صيد. وأعطت إيرنست ساعة ذهبية لفوزه بمسابقة العدو، وأعطت جاك مهمازًا وسوطًا، من أجل فوزه في مسابقتي الركض والامتطاء. وقد سعد بجائزته سعادة كبيرة. وأخيرًا أعطت فرانز سرجًا مصنوعًا من عظم وحيد القرن وسوطًا من أجل تدريب الحيوانات. وفي آخر الأمر، أعطيت زوجتي صندوقًا جميلًا كنت قد عثرت عليه بين الحطام القديم وخبأته ليكون مفاجأة.
في نهاية اليوم، أراد الأولاد أن يطلقوا قذيفة مدفعية أخرى. فأنهينا يومنا بفرقعة عظيمة دوت أصداؤها بطول الشاطئ. لقد كان يومًا عظيمًا بحق، وقد أذهلني مدى التقدم الذي أحرزناه خلال عام واحد.

الفصل الثاني عشر
غراء!


في اليوم التالي، ذهبنا إلى أشجار القرع كي نصنع المزيد من الأوعية، فوجدنا الأشجار كبيرة وسليمة والقرع صالحًا لاستخدامنا. في تلك الأثناء، كان فريتز وجاك بالخارج يثقبان الأشجار من أجل الحصول على المطاط، ورجعا باكتشاف جديد.
قال فريتز وهو يمسك بنبات: «رأينا جماعات من القرود تقتلع هذه الأشياء من الأرض وتأكلها، فأبعدناها وتذوقناه. إنه طيب للغاية، وقد أطلقنا عليه نبات القرود.»
ابتسمنا لدى سماع الاسم، وعندما تفرسته لأعرف ما هذا، ابتهجت.
قلت: «يا أولاد، هذا نبات الجينسنج، وهو نافع من أجل صحة جيدة ويصلح كدواء. أحسنتما!»
استطرد فريتز قائلًا: «لكن الخبر السيئ أن القردة كادت تدمر المزرعة. لقد عبثوا بكل شيء، وصارت الحيوانات والكوخ في حالة من الفوضى، سنضطر إلى العودة إلى هناك لنصلح ما فسد.»
كنا قد أمسكنا في وقت سابق بحمام، بأن ألصقنا المطاط بأفرع الأشجار ثم انتظرنا حتى حطت الطيور عليها ولصقت بها. رجوت أن تصلح نفس الطريقة مع القردة في المزرعة. اتجهنا إلى المزرعة وألصقنا المادة اللزجة في كل الأرجاء، وانتظرنا وصول القردة. وما لبثت أن وصلت وسرعان ما علقت في كل مكان بسبب المادة اللزجة، بل علقت أيضًا في الطاسات وغيرها من الأشياء التي تركناها من أجل أن تعلق بها. طاردت الكلاب القردة التي تبعثرت وولت الأدبار بلا رجعة.
تذكرت مرة أخرى القردة العالقة في المادة اللاصقة عندما خرج جاك بمفرده في أحد الأيام بعدها بفترة وجيزة في محاولة لاكتشاف شيء جديد ليأتي به إلينا، وبدلًا من ذلك، عاد إلينا مغطى بالوحل على وشك البكاء. كنا جميعًا سننفجر ضحكًا لولا أنه بدا في حالة مزرية.
سألته: «ماذا حدث؟»
أجاب: «كنت أحاول الحصول على بعض الخيزران لنستعمله، لكنني علقت وسقطت في المستنقع. وقد أنقذني تيرك عندما سحبني للخارج!»
شعرنا جميعًا بأننا محظوظون لاقتنائنا هذا الحيوان الأليف، وكانت فكرة جاك في الحصول على الخيزران هي عين ما كنت أحتاجه لتنفيذ الفكرة التي كانت تلح عليّ مؤخرًا. لقد عزمت على صنع نول نسج لزوجتي فهذا ما كنت أريده. وعندما انتهيت من صنعه، سعدت به زوجتي أيما سعادة، وأعدّته للاستخدام في الحال كي تنسج من خيوط قطننا المغزول قماشًا.
استخدمت بقية الخيزران في صنع ماسورة تصل ما بين النهر والكهف وصنعت أنبوبًا ماصًّا إلى أن صعد الماء إلى الماسورة. من الجيد أن يكون لدينا ماء جارٍ إبان الشتاء، فالشتاء سيهلّ علينا سريعًا مرة أخرى. عن قريب ستنهمر الأمطار مرة أخرى. لقد حان وقت الحصاد.

الفصل الثالث عشر
الشتاء الطويل


قضينا أيامًا عديدة نجمع الجذور، والحبوب، والفاكهة، وجوز البلوط. ملأنا قدر استطاعتنا العديد من الغرف بما كان لدينا. وأخذ الطقس يكفهر ويغيم مرة أخرى، وهزيم الرعد والبرق في كل الأرجاء. صار الشتاء على الأبواب، ووجب علينا أن نتأهب لاثني عشر أسبوعًا من المطر البارد.
قضينا وقتنا في الكهف نحاول أن نجعله دافئًا مريحًا. استخدمنا عمود خيزران كبيرًا كي نعلق شمعة بأعلى من ثم يكون لدينا إضاءة. وصنعنا مكتبة وضعنا كتبنا على أرففها، وزينا الجدران بالخرائط والمخططات التي عثرنا عليها في حطام السفينة. صنع جاك وزوجتي غرفة معيشة ومطبخًا، وبنيت أنا وفريتز ورشة. كان كهفنا كبيرًا للغاية. وصرنا متأهبين لقدوم الشتاء.
قررت أنا وزوجتي أن نستغل شهور الشتاء في تعليم الأولاد، فقد كانت فرصة جيدة أن يتعلموا لغة أخرى بخلاف لغتنا الأصلية الألمانية، لذا درسنا جميعًا اللغة الفرنسية من الكتب التي أنقذناها من الحطام.
قال جاك: «أنوي أن أتعلم اللغة الإسبانية! يروق لي الوقار الذي تضفيه هذه اللغة على متحدثيها!» حاول الأولاد أن يتعلموا أيضًا اللغتين الإنجليزية والهولندية بمساعدة والدتهم. وسرعان ما تعلمنا كلنا كلمات وعبارات معدودات من كلتا اللغتين.
قضينا وقتنا أيضًا نفتح كل الصناديق التي جئنا بها من الحطام ونقلب فيها للعثور على كنز، فعثرنا على مقاعد، وساعات، وصندوق موسيقي، والعديد من الأشياء الأخرى. وهكذا قضينا الشتاء الطويل، لكن لم يبد منزلنا كالسجن هذه المرة.
ومع نهاية الموسم، ازداد الطقس ضراوة، فهبت العواصف وأومض البرق في السماء، وصارت الريح كأنها الإعصار، وبعدها توقف كل هذا فجأة.
تمشينا في أول يوم جاف، وعبر التليسكوب رأينا شيئًا ما في الطرف الأقصى من الشاطئ، شيئًا كأنه قارب مقلوب، وقررنا أن نكتشف المزيد. كنا في غاية السعادة لأننا عدنا للاستطلاع. وفيما كنا نقترب منه لاحظنا أنه لم يكن قاربًا وإنما كان حوتًا ضخمًا جانحًا انجرف مع التيار ومات. حقًّا كانت العاصفة هوجاء. غير أن العاصفة المدمرة جرفت أيضًا شعبًا مرجانية وأصدافًا جميلة في كل الأرجاء أخذ الأولاد يجمعونها. عدنا أدراجنا إلى منزلنا كي نحضر الأدوات اللازمة كي نقطع دهن الحوت، فسيكون زيته نافعًا. تسلق فريتز وجاك الحوت كي يبدآ في العمل، وفيما كنا نقطّع الحوت، كان المكان مليئًا بالطيور التي التهمت لحمه وأزعجتنا إزعاجًا شديدًا. وما إن انتهينا أخيرًا من نزع دهن الحوت ولحمه، حتى غصنا بداخله أكثر كي نحصل على عظامه لنستخدمها كمصابيح تضيء بالزيت. تركنا بقية الطيور وحمّلنا قاربنا بكل ما استطعنا حمله، وقررنا أن نسمي المكان «شاطى الحوت». عدنا إلى منزلنا متعبين ورائحتنا كريهة، فاغتسل الجميع، وكان الفضل في ذلك يرجع إلى ماسورة الخيزران. ارتدينا ملابس نظيفة وتناولنا عشاءنا وكنا جميعًا سعداء لأننا انتهينا من مهمة الحوت.
في الصباح التالي، أريت الأولاد كيف يحصلون على الزيت من دهن الحوت، فكان يوم الروائح الكريهة والعائلة التعسة. كنا كلنا على دراية بأهمية الزيت من أجل المصابيح والأغراض الأخرى، لكن العمل لم يكن محببًا إلى أي منا. فقررنا جميعًا أنه عندما تنقر الطيور عظام الحوت فتخليه من اللحم تمامًا، ننصب خيمة هناك، وبذلك عندما تكون لدينا مهمة تتسم بالقذارة كهذه، نؤديها بعيدًا عن منزلنا.
عندئذ شرعت في صنع ماكينة تجديف صغيرة لقاربنا، وكانت ببساطة تقوم على ترس يحرك المجاديف. سُر الجميع بها، وقررنا في اليوم التالي أن نأخذ القارب إلى رأس الإحباط كي نتفقد حيواناتنا. وعندما اقتربنا منها، وجدناها خائفة منا، لأننا اختفينا وقتًا طويلًا في كهفنا الشتوي، ولم نستطع أن نحلب الماعز إلا بعد أن اضطررنا لربطها. واضطررنا أن نمسك بجميع الدجاج والطيور مرة أخرى. وعندئذ حملنا قاربنا بالبيض والحليب وما استطعنا أخذه من الأرض وشققنا طريقنا إلى شاطئ الحوت، وعندما عدنا قضيت بعض الوقت أصنع سلالًا وصهوات وأطواقًا وغيرها من الأشياء من أجل الحيوانات التي نحن بحاجة إليها.
الأمر الذي أوحى للأولاد بفكرة رائعة.

الفصل الرابع عشر
فراق صديق


سأل فريتز: «لمَ لا نصنع كرسيًّا من الصفصاف لأمي كي تجلس عليه؟»
رد إيرنست: «أجل، بمقدورنا أن نصنعه ثم نضعه على العجل والبقرة!»
وسرعان ما علق الصبيان سلة كبيرة بين العجلين ستورم وجرامبل، وقفز كل من جاك وفريتز على كل حيوان منهما، وعندئذ قفز إيرنست إلى السلة ليجربها. ساروا رويدًا رويدًا وبدا أنها تعمل على نحو رائع.
قال إيرنست: «إنه رائع ولطيف، أسرع يا فريتز!» وعلى الفور أسرع الحيوانان وكان إيرنست يتحرك لأعلى وأسفل في السلة طوال الطريق فيما انفجر إخوته في الضحك.
لكن فرحتنا لم تدم طويلًا.
ففي اليوم نفسه، وبينما كنا نجلس في رواق الكهف، إذ بفريتز يصرخ وهو ينظر نحو الطريق.
قال فريتز: «أستطيع أن أرى شيئًا غريبًا ومزعجًا! إنه ينهض ثم ينبسط على الأرض كأنه سلك. إنه يزحف ملتويًا آتيًا باتجاه الجسر!»
وثبت ونظرت عبر التليسكوب.
صرخت: «هذا ما خشيته، إنه ثعبان ضخم من نوع ما، وهو قادم بهذا الاتجاه!»
صرخ فريتز: «لنهاجمه!»
أجبته: «إذا فعلنا هذا، فسيتعقبنا إلى هنا في ديارنا. لا بد أن نجد طريقة نهاجمه بها بعيدًا عن هنا. اذهب وأحضر البنادق وسوف نختبئ كلنا ونراقبه.»
شاهدت الأفعى تقترب وقد عبرت الجسر بالفعل رافعةً رأسها العملاق في الهواء مسافة عشرين قدمًا تقريبًا. لقد كانت تسعى لاقتناص فريسة. اختبأنا وهي تعبر الجسر واستعددنا لها؛ بنادقنا محشوة وقلوبنا تدق بقوة.
عندما اقتربت منا، توقفت وكأنها شمت رائحتنا. رفعت نفسها متحركة من جانب لآخر، ولم يستطع الصبيان المقاومة وأطلقوا النيران عليها، بل حتى زوجتي أطلقت النيران على الوحش. كل هذه الطلقات بلا جدوى، وببساطة انسلت إلى جانب كهفنا ثم إلى المستنقع. لقد تخلصنا منها حتى الآن، لكن القلق استبد بنا جميعًا.
قلت: «يا أولاد، هذه أفعى البوا العاصرة، وأعتقد أن طولها يزيد على ثلاثين قدمًا.»
منعت عائلتي منعًا باتًا من الخروج من المنزل إلى أن نقتل الوحش. عرفنا أنه على مقربة منا لأننا كنا نسمع البط والإوز يصدر أصواتًا تنم عن خوفه بالقرب من القصب. فجأة هرب كل البط والإوز بعيدًا ولم يتوقفوا إلى أن وصلوا جزيرة القرش. وإلى أن نستطيع أن نجتذب الثعبان إلى مكان فسيح بعيدًا عن منزلنا، كنا جميعنا محبوسين. وأخيرًا أنقذنا بطل غير متوقع: حمارنا.
لما كنا لا نستطيع أن نغادر كهفنا كي نطعم الحيوانات، أخرجتهم خارجًا عبر الجسر كي يعودوا إلى مرعاهم. لكن الحمار كان غاية في الفرح بسبب إطلاق سراحه فركض نحو المستنقع. وإذ بالحية تنتصب وتحرك لسانها بسرعة وتفغر فاها وتهجم على الحيوان المسكين الذي انتهى أمره في الحال.
صرخ الأولاد: «أبانا، أطلق النيران على الثعبان الآن!»
قلت لهم: «ليس بعد، أفضل فرصة لنا الآن هي أن ننتظر حتى يلتهم الثعبان فريسته وعندئذ نتمكن منه.»
فكرنا جميعًا في حياتنا وفي الثعبان القريب منا للغاية. لم تستطع زوجتي وفرانز المشاهدة ودخلوا إلى الكهف. وسرعان ما رقد الثعبان نائمًا تقريبًا إلى جانب النهر منتفخًا. فكانت فرصتنا الآن للانقضاض عليه.
خطونا في هدوء متسللين شاهرين بنادقنا. رقد الثعبان ساكنًا، ذيله يتحرك بسرعة، وعيناه متقدتان كاللهب. كلنا كنا مرعوبين ومتحمسين، وفي وقت واحد أطلقنا جميعًا النار على رأسه، ففارقت الحياة عينيه. وقفت العائلة بأكملها فوقه في ذهول.
قال فريتز: «دعونا نحنطه! يمكننا أن نضعه في متحفنا!»
سأل إيرنست: «ألا يمكننا أن نأكله؟»
أجابت زوجتي: «بالطبع لا. الثعابين سامة!»
قلت: «هذا ليس صحيحًا. في حقيقة الأمر، تأكل الناس الأفاعي بعد أن ينزعوا أنيابها السامة. بل يمكنك صنع الحساء منها.» ثم سألت إيرنست: «لكن يا إيرنست، هل يمكنك أن تفكر أولًا في بعض الكلمات لتقولها لحمارنا المسكين الذي ضحى بحياته من أجلنا؟»
قال إيرنست: «دعني أفكر.» فانتظرنا كلنا.
قال أخيرًا: «وجدتها. لكن لا تضحكوا.»
أجبته: «بالطبع لن نضحك.»
وهكذا بدأ: جريزل المسكين يا من ترقد تحت الصخرة كم كنت صديقًا وفيًّا أحببناك عصيت أمرنا فخرجت في عثرة وهكذا يا صديقي فقدناك جاءت من بين العشب أفعى فالتهمتك ورأيناك هذا قدرك لن يتغير لكن نشكرك على الفداء فداء أب وأم وأربعة أبناء! هللنا كلنا لقصيدته ودونتها أنا على حجر مسطح، حيث سندفن لاحقًا بطلنا.
بعد العشاء، جررنا الثعبان بعيدًا حيث نزعنا جلده، وحنطناه، وخيطناه حتى يتسنى للأولاد دراسته. وضعناه في المتحف فاغرًا فاه، ملتويًا حول عمود، فجعلنا منظره يبدو مرعبًا قدر الإمكان، بل وصنعنا لسانًا وزوج عيون من أحجار الشاطئ اللامعة حتى يبدو أكثر رعبًا.

الفصل الخامس عشر
الخطر الأعظم


بعد هذه التجربة المرعبة، لم يستطع أي منا أن يسترخي تمامًا. كانت الطريقة الوحيدة لضمان أننا في مأمن هي تطهير الجزيرة من المزيد من المخاطر. اصطحبت الأولاد وخرجنا للاستطلاع مرة أخرى. شرحت للأولاد أننا ربما نقضي أسابيع لأنني خططت لعبور الجزيرة واكتشاف كل المخاطر التي قد تكون موجودة، وإلى أن نعرف، لا يمكن أن يهنأ لنا بال، فربما كان هناك ما هو أشد ضراوة من الثعبان المتوحش. حزمنا أمتعتنا وتأهبنا للرحيل.
وفي يوم من الأيام أثناء رحلتنا، اصطحبت فرانز معي لأختبر مهاراته في الصيد، وارتاح بقية الأولاد، وبينما كنا نخوض في مستنقع، صادف ما ظنه خنزيرًا، فصوب نحوه، وعندما اقتربنا منه اكتشفنا أنه ليس خنزيرًا، وإنما خنزير الماء المعروف بالكابيبارا صاحب الهُلب والشعر الأصفر، فأخذناه معنا إلى مخيمنا، وتباهى فرانز بغنيمته.
عاد الباقون بكنوزهم أيضًا؛ فكانت هناك طيور للعشاء، وكان فريتز قد أحضر بعض التفاح الغريب الذي جعلنا نيبس يجربه أولًا. بدا أنه راق لنيبس لذا جربناه فوجدناه تفاحًا بلون القرفة كان شهيًّا للغاية. لم نعثر على أي ثعابين، وكنا على وشك الشعور بالمزيد من الاطمئنان، فنمنا جميعًا نومًا هنيئًا.
في اليوم التالي التقينا خنزيرًا بريًّا، أمسكناه وذبحناه وصنعنا منه لحمًا مدخنًا دخناه على مدار بضعة أيام. بعدها واصلنا بحثنا عن الأفاعي في تل الآمال فوجدناه معمورًا بالقردة أيضًا. كان المكان في حالة من الفوضى، ولم نستطع أن نصلحه حينها لأننا كنا مضطرين أن نواصل بحثنا.
مضينا قدمًا إلى أن وصلنا نهاية الساحل وتوقفنا هناك. نصبنا خيمة مرة أخرى، وفي اليوم التالي انطلقت أنا والأولاد لاستطلاع الأرض الجديدة. وفيما كنا نسير، إذ بنيبس يركض وهو يعوي. التفتنا لنرى ما الذي أزعجه، وخلنا أننا رأينا فرسانًا يتقدمون نحونا. وعندما اقتربوا تبين لنا أنها طيور نعام! وبعد أن اجتازتنا، اكتشفنا عشًّا مليئًا ببيضها. كانت كل بيضة كبيرة كرأس طفل، لذا لم نستطع أن نحمل معنا سوى اثنتين. ربطناهما بمنديل إلى عصا وحملناهما كالسلة. ومن هناك شققنا طريقنا إلى بئر ماء قريب وتفقدنا الطرق، فكانت هناك آثار لكل الحيوانات عدا الأفاعي. وفي طريق عودتنا إلى الخيمة، سمعنا الكلاب تنبح ورأينا إيرنست يركض نحونا بأقصى سرعة.
صرخ: «أبي، دببة! هناك دببة تطاردني!»
عندما وصل الدبان العملاقان البقعة الخالية من الأشجار طاردانا على أقدامهما الخلفية وهما يزمجران للهجوم علينا. أطلقنا النيران عليهما بأقصى سرعة لدينا فخرّ أحدهما صريعًا، وأردينا الثاني عندما همّ بالانقضاض على فريتز.
صرخت: «حمدًا لله! كان هذا أكبر خطر تعرضنا له حتى الآن. لم نعثر على أي أفاعٍ، لكن هذه الدببة لم تكن أقل منها خطرًا. لقد أحسنا اليوم.»
بعدها شرعنا في صنع بعض السجاجيد المصنوعة من جلد الدب الذي حملناه على ظهر حيواناتنا إلى المخيم. وفي اليوم التالي، انطلقنا إلى البقعة التي هاجمتنا عندها الدببة، وقطعنا لحمًا من الدبين اللذين قتلناهما لنتعشى به هذه الليلة، ودخنا الباقي في الحال كي نحفظه لوقت لاحق. وعندما كنا هناك، عثرت على نباتات عرفت أنها فلفل، فنقعناه وجففناه، وصنعنا لأنفسنا فلفلًا أسود وأبيض.
في تلك الأثناء، جعلت جاك، وفريتز، وفرانز يخرجون في مغامرتهم الخاصة. ومكثت أنا وإيرنست كي ننتهي من عملنا. هرع الأولاد إلى حيواناتهم وانطلقوا في لمح البصر. لقد ابتغيت أن يصيروا شجعانًا وأن يتعلموا كيف يعتنون بأنفسهم. وفي الوقت الذي ذهبوا فيه، وجدت أنا وإيرنست أن كهف الدببة مغطى بنوع من الأحجار يمكن النظر من خلالها عند شقها إلى رقائق، فأدركت حينها أنه يمكن أن أصنع منها زجاجًا للنوافذ، ستطير زوجتي فرحًا بهذا الاكتشاف.
عندما حل الليل سمعنا أصوات حوافر قادمة، فأدركنا أن زمرة المغامرين في طريق عودتهم. رأيناهم يقفزون من فوق حيواناتهم، وقد هرعوا جميعهم نحو المخيم. كانوا متحمسين، وبدت حقيبة فريتز متكتلة وغريبة.
قال جاك: «يحيا الصيد يا أبي! لقد قضينا وقتًا طيبًا للغاية!»
رد فرانز: «أجل، لقد عثرنا على ظبي، وأرانب، بل وجدنا أيضًا طائر الوقواق الذي أرانا أين نجد عسلًا!»
قلت لهم في سعادة: «أحسنتم! والأهم من كل هذا أنكم جميعًا عدتم سالمين. والآن أخبروني القصة كاملة.»
وهو ما فعلوه.

الفصل السادس عشر
كيف تمتطي نعامة؟


قال فريتز: «تمتعنا بركوبة رائعة، فعدونا طوال الطريق في الشمس. وعندما وصلنا إلى أحد التلال، رأينا الظباء، كنا ننوي أن نصطادها، لكننا فكرنا أنه يجدر بنا أن نحاول أن نقودها كقطيع!»
أكمل جاك قائلاً: «نزلنا التل صارخين صائحين، وقدناها مع الكلاب.»
قلت: «عمل عظيم يا أولاد! لقد قمتم بعمل مهم. لكن لا بد أن أحذركم من أن الأرانب التي اصطدتموها قد تمثل مشكلة. الآن وبعد أن حصلتم عليها، قد تكتشفون أنكم تبتغون التخلص منها، فسرعان ما ستنجب أعدادًا كبيرة!»
رد فريتز: «لهذا فكرنا في أنه يجدر بنا أن نضعها في جزيرة القرش يا أبي.»
قال جاك: «لقد أمسكت بها، وليتك رأيتني أنا وستورم وجرامبل والكلاب ونحن نطاردها! لقد كان ذلك رائعًا …»
ثم أردف في حماس: «وبعدها رأينا طائر الوقواق وتبعناه حيث حطّ بعيدًا. ظن فرانز أنه لا بد أن يكون أميرة مسحورة بتعويذة. أخبرنا فريتز أنه سوف يقودنا إلى مكان العسل، وقد كان محقًّا! وبالفعل قادنا إلى أحد أعشاش النحل الذي لا بد وأننا أرعبناه لأنه طار ولدغني في كل جسمي! قفزت في هياج شديد ووليت الأدبار لكنه تبعني طوال الطريق!»
ركض جاك لاهثًا ليتفقد أرانبه.
في اليوم التالي ذهبنا لنراقب النعام الذي وجدناه. ركض جاك وفرانز أمامنا، وفجأة وجدنا أنفسنا أمام الطيور العملاقة. هذه المرة وجدنا زوجًا من النعام وسط الأجمة، وبلا توانٍ حاولنا الإمساك به ونجحنا. ومرة أخرى نفعتنا الحبال.
وبينما كان جاك وفرانز يقودان النعام خارج الخيزران، أطلق فريتز نسره الذي أربك إحدى النعامات. وعندما هاجت النعامة، طاردها جاك حيث ألقى في جسارة حبله حول جناحيها وجسدها. سقطت النعامة وهرعنا إليها، غير أنها كانت ترفس بجنون. في آخر الأمر وضعت غطاءً حول عينيها كي أهدئها. وبات لدينا نعامة كي ندربها ونروضها.
قال جاك: «سأصنع سرجًا حتى يتسنى لي ركوبها!»
وعندئذ أخذ الأولاد يتجادلون حول من له الحق في ملكية الطائر.
قال فرانز: «أرى أنها لا بد أن تكون لي.» وكان لبقية الأولاد أسباب في الرغبة في امتلاك النعامة لأنفسهم. أخيرًا حللت المشكلة عندما أعلنت أن جاك هو من سيدربها، وأضفت: «وإذا استطاع أن يروضها ويركبها فستكون من نصيبه.»
وافق الأولاد وبدا جاك مستعدًّا للتحدي.
ألقينا النعامة على ظهر ستورم، وشرع الأولاد في أخذها إلى مخيمنا حيث سنستعد للعودة إلى منزلنا الشتوي كي نفرغ ما بحوزتنا من مؤن. في الصباح التالي شققنا طريقنا إلى المنزل ومعنا طائرنا الجديد السائر على قدميه.
ما لبثنا أن وصلنا فناء مزرعتنا لنجده في حالة جيدة، وكانت حيواناتنا بصحة جيدة، مما جعلنا نشتاق أكثر إلى رؤية منزلنا في الحصن الصخري. وكانت تتكاثر عائلات دجاجنا وخنازيرنا وماعزنا. وصادفنا أيضًا قطيع الظباء الذي كان قد ساقه فريتز وجاك إلى هنا. شاهدناها وهي تهرع بين القصب وتحدثنا عن مدى جمالها.
وعندما كنا في المزرعة، أصلحنا ما استطعنا إصلاحه، ثم شرعنا في الانطلاق إلى الحصن الصخري في الصباح التالي. بعدئذ شعرنا جميعًا بالسعادة لدى عودتنا وفتحنا الأبواب والنوافذ لتهوية المنزل. وفيما كان جاك منهمكًا في ترويض النعامة، حاولت أن أفرخ بيض النعام بأن دثرته في القطن ودفأته على الموقد.
في اليوم التالي، اتجهت أنا وفريتز إلى جزيرة القرش كي نبدأ مزرعة الأرانب وننقل زوجًا من الظباء، وبعدها حان الوقت لنلتفت إلى منزلنا ونركز على تخزين مؤننا.
تبين أن نعامة جاك صعبة التدريب وقد بدت ضعيفة وحزينة. أخيرًا تمكنا من إطعامها كرات من الدقيق الممزوجة بالزبد؛ فبدا أنها تأخذ في الانتعاش إذ بدأت تمد رقبتها الطويلة لتناول المزيد. وما لبثت أن عادت إلى كامل قوتها وصارت أليفة للغاية. أذهلنا أن نراها تأكل جميع أنواع الحبوب والفاكهة، وتلتقط معها بعض الحصى الصغير لتسهل عملية الهضم. بعد شهر من التدريب، كانت تسير وتخب امتثالًا لأوامرنا. لكن كيف يمكن أن نركب على نعامة؟ صنعت نوعًا من الغطاء به حبال يمكن الإمساك بها وثبت تحته سرجًا صغيرًا. وعندما كان الطائر مستعدًّا، قررنا أن نسميه «سيد إعصار» بسبب سرعته.
عندما جربنا أخيرًا ركوب النعامة، فوجئنا بسرعتها الرهيبة. أصبحنا نستطيع الانتقال بين الحصن الصخري، الذي سرعان ما أصبح بيتنا الدائم الذي نعيش فيه، وبين غابة الصقور في لمح البصر. كان الطائر سريعًا للغاية حتى إن الأولاد تجادلوا مرة أخرى حول من يملكه، فاضطررت أن أتدخل وأتخذ قرارًا.
قلت: «النعامة نعامة جاك، قد يمكننا جميعًا استخدامها عند الحاجة لكنها ملك لجاك.»
وهكذا أصبح لدى جاك سيد إعصار الخاص به ليمتطيه. نجحت رحلتنا وشعرنا كلنا بالأمان والطمأنينة لأن ندخل في بيات شتوي.

الفصل السابع عشر
قارب جديد


سرعان ما أصبحت سحب الشتاء المكفهرة متأهبة مرة أخرى كي تصل بغزارة. ها قد حان الوقت لنتوقف عن مغامراتنا. غير أنه في هذا الشتاء شعرنا أننا محبوسون في منزلنا بالكهف.
اقترح فريتز: «لماذا لا نصنع زورق كياك جلديًّا خفيفًا من أجل الربيع؟»
بدت فكرة جيدة لأنها ستشغلنا جميعًا، فأضنينا أنفسنا في صنع القارب طيلة الشتاء الطويل.
بعدما انتهينا من صنع زورق الكياك الذي استغرق عدة أسابيع، لاحظنا تبدل حالة الجو، وازدهار العالم، وتغريد الطيور من جديد. وعندما توقفت الأمطار، جررنا تحفتنا التي صنعناها إلى الهواء الطلق. كم كان جميلًا أن نكون بالخارج. تركنا قارب الكياك وأبحرنا كلنا في قاربنا القديم كي نتفقد صحة حيواناتنا، فوجدنا ظباءنا بحالة جيدة. وحين هممنا بالرحيل من جزيرة القرش، أخذت زوجتي تجمع الطحالب البحرية لتحملها في حقيبتها.
سألتها: «ماذا ستفعلين بها؟»
أجابت وهي تغمز بعينيها: «إنها مفاجأة.» وتركتني في حيرتي.
بعد ظهر أحد الأيام، بعدها بأسابيع، وكنت قد نسيت هذه الواقعة، خرجت من الحصن الصخري وهي تحمل برطمانًا من الجيلي الشفاف. تجمعنا كلنا حوله وتذوقناه، فكان حلوًا شهيًا.
سألتها: «ما هذا؟»
أجابتني: «أتذكر تلك الطحالب البحرية التي عثرت عليها منذ فترة؟»
قلت: «أجل، بالطبع.»
قالت: «هذا هو ما فعلته بها. لقد تعلمت هذا ذات مرة من إحدى صديقاتي.»
قلنا لها كلنا إنها عبقرية، وطار الأولاد فرحًا بالأكلة الشهية. فطاب قلب زوجتي لسعادتنا، ووعدناها أن نجمع المزيد من الطحالب البحرية.
بعد أن عرفنا أن ظباءنا بحالة جيدة، تفقدنا بعدها أرانبنا. وجدنا الأعشاب والنباتات ممضوغة بأسنان صغيرة. لم نر الأرانب لكننا أدركنا أنها كونت أسرة.
في اليوم التالي، خرج كل الأولاد من أجل مغامرة كبيرة، فعادوا في تلك الليلة راكضين ومتحمسين لأنهم اصطادوا كل أنواع الحيوانات والدجاج البرية. لقد كانوا مزهوين بأنفسهم، ورأيت أنهم صاروا صيادين حقيقيين. وأحضروا معهم أيضًا أجزاء من أشجار التفاح بلون القرفة والتفاح السكري. وكان فريتز مزهوًّا بشدة لأنه جمع ملء حقيبة من نبات الشوك.
قال فريتز: «هذه من أجل صنع الصوف!» كان على حق فهذه الأعشاب الضارة نافعة إلى حد بعيد.
في الوقت نفسه جمعنا الذرة وقضينا الكثير من الوقت في صيد الأسماك، ثم ملحنا وخللنا جميع ما لدينا من سمك. فإلى جانب برميلي السردين المملح اللذين حفظناهما من العام الماضي، أصبح لدينا كل شيء نحتاجه من أجل الشتاء.
والآن، وبعد أن جمعنا جميع الطعام، أراد فريتز أن يجرب زورق الكياك، فأطلقناه إلى الماء ثم أخذ يجدف بعيدًا. كانت والدته تشاهد وهي في شدة القلق عليه، وأظهر فريتز أنه يستطيع التعامل مع القارب. سار من خليج الأمان ومنه إلى البحر. تبعته أنا وبقية الصبيان بقاربنا الشراعي، لكننا لم نستطع اللحاق به، وسرعان ما غاب عن النظر مما جعل القلق يستبد بنا. وفجأة إذ بطلق يدوّي ثم رأينا دخانًا. أبحرنا بأقصى سرعة لدينا لنرى هل فريتز سالمًا، وجدناه سالمًا وقد اصطاد فرس البحر.
صرخت: «فريتز، أهنئك على صيدك. لكنك أقلقتنا كلنا بإبحارك بعيدًا.»
أجاب: «لم أشأ أن أفعل هذا يا أبي، لكن ما إن صرت وسط التيار، لم أستطع التوقف! وعندئذ رأيت حيوانات فرس البحر، فثار حماسي.»
قلت: «حسنًا، أنت محظوظ لأنك أبحرت لمسافة بعيدة دون أن يلحق بك ضرر. من الممكن أن يكون فرس البحر خطيرًا جدًّا. والآن ماذا سنفعل به؟ لا بد أن طوله أربعة عشر قدمًا!»
قال فريتز: «أنا سعيد لأنك تبعتني يا أبي، على الأقل بوجودنا معًا سنستطيع أن ننقله إلى القارب الشراعي!»
أثناء حديثنا، قرر فريتز أن رأس فرس البحر ستبدو رائعة على زورقه. وعرضت أن أقطر زورقه إلى الشاطئ خلفنا، لكنه أراد أن يتجه إلى المنزل بنفس الطريقة التي جاء بها. لقد أراد أن يُري والدته أنه سليم تمامًا.
ولم نكد ندعه يذهب حتى اكفهرت السماء، وجلبت في أعقابها عاصفة هوجاء. لم يكن فريتز على مرمى بصرنا ولم نستطع أن نساعده. كانت الأمواج عاتية للغاية، حتى إننا اضطررنا أن نربط أنفسنا بالقارب حتى لا ننجرف من فوق سطح المركب. استبد بي الرعب عليه وعلينا.
كان أولادي شجعانًا وصمد قاربنا، لكنني دعوت أن ينجو فريتز بأي طريقة من الريح والمطر. أخيرًا، حين بدأ الطقس يصفو شققنا طريقنا عائدين إلى خليج الاكتشافات.
وعندما اقتربنا بدرجة كافية تمكننا من رؤية الشاطئ، ضحكنا جميعًا عندما رأينا فريتز يقف على الشاطئ. كانت زوجتي هناك أيضًا جاثية تدعو من أجل عودتنا سالمين. اجتمع شمل العائلة مرة أخرى في المنزل سالمين.

الفصل الثامن عشر
بريد الجزيرة


حطمت العاصفة أشياء عديدة وغرق كل شيء، وتحطم جسرنا وانفجرت أنابيبنا. بات لدينا الكثير من المهام لنفعلها. وبعد أيام من العمل، شعرت أن الملل أخذ يتسلل إلى نفس الأولاد. حان موعد القيام بمغامرة جديدة.
قرر إيرنست أن يمكث معي أنا ووالدته، في حين استعد بقية الأولاد للذهاب في رحلة إلى المزرعة، واصطحبوا معهم ستورم وجرامبل والكلاب. لاحظت أن جاك أخذ معه قفصًا مليئًا بالحمام، لكنني لم أعر الأمر اهتمامًا.
في الصباح التالي، وأنا وزوجتي وإيرنست نجلس في الشرفة، تطرقنا إلى الحديث عما يفعل الأولاد في مغامرتهم. طلب منا إيرنست أن ننتظر فحسب، وسنعرف كل شيء اليوم التالي. لكن عندئذ طارت حمامة إلى الحظيرة فهرع إليها إيرنست الذي عاد إلينا حاملًا قطعة ورق صغيرة في يده.
قال إيرنست: «إنه خطاب من مكتب بريد الحمام!»
ضحكنا من المفاجأة الرائعة.
قرأ إيرنست الخطاب على مسامعنا: «قتل ضبع أحد الخرفان وحملين، لكننا تولينا أمره. جميعنا بخير. نرسل حبنا للجميع. فريتز.»
ومنذ ذلك الحين ونحن نتسلم كل ليلة من حمامة خطابًا يُطلعنا على أخبار مغامرات الأولاد. بعد معركتهم مع الضبع، أخذ فريتز زورق الكياك من الشاطئ وأبحر في النهر، وأمسك الصبيان الموجودان على الشاطئ زوجًا من البجع الأسود. وحين كانوا هناك رأوا أيضًا حيوانًا رائعًا يركض خارجًا من الغابة. ومن خلال وصفهم له عرفت أنه كان حيوان التابير. وعندئذ عادوا إلى المزرعة ليجمعوا كل القطن والأرز الذي يستطيعون جمعه.
بعدها اتجهوا إلى تل الآمال الذي وجدوه محتلًّا من القردة أيضًا التي هاجمتهم عندما وصلوا هناك. وبعد درء هجمات القردة، قضوا ليلة طويلة وموحشة وحدهم.
كتب فريتز إلينا: «كنا خائفين لأننا سمعنا إبان الليل أصوات جلبة مرتفعة للغاية حتى إن كل الحيوانات فرت على إثرها. كان زئيرًا كصوت الفيل أو الأسد، حتى إن الكلاب ارتعدت. وانتشرت آثار أقدام عملاقة في كل مكان. تعال إلينا يا أبي، نحن سالمون، لكننا لسنا قادرين على الصمود لهذا الخطر!»
بعد قراءة هذه الرسالة الأخيرة التي جاءت بها الحمامة، وثبت من مكاني وهرعت إلى حماري، وطلبت من إيرنست أن يلحقني في الصباح التالي هو ووالدته ومعهما مؤن. سرت في الليل في ضوء القمر ووصلت لاهثًا إلى حيث الأولاد في الصباح. انفرجت أسارير الأولاد لدى رؤيتي، وذهبنا لتفقد آثار الأقدام. ظننتها تخص فيلًا، لكن كلما أمعنت النظر فيها، زاد ظني أنها لا بد أن تكون آثار أقدام قطيع بأكمله من الفيلة. ومع ذلك لم تكن موجودة في أي مكان حولنا كي نراها، فقضينا كلنا الليلة ملتفين حول النيران نقص حكايات في حماس كبير سرق من أعيننا النوم.
في الصباح التالي، وصلت زوجتي وإيرنست ومعهما النعامة إلى مخيمنا وسعدا برؤيتنا جميعًا سالمين. وقررنا أن نصنع جدارًا كي نبعد الفيلة عنا ثم قام الأولاد بالاستطلاع. أبحر فريتز في النهر بزورقه وعثر على موز ونباتات الكاكاو، وعندما عاد أخبرنا بما رآه.
قال فريتز: «رأيت ما بين خمسة عشر إلى عشرين فيلًا ترعى بجانب النهر وتغتسل في المستنقع، ورأيت نمر اليغور المرقط على ضفاف النهر! وأنا أقترب من الفيلة بدأت المياه تبقبق حول الزورق، فظننت أنني جدفت إلى ينبوع مياه، وعندئذ ظهر وحيد القرن إلى جانب زورقي مباشرة فارتعدت فرائصي! فاستدرت وجئت مسرعًا إليكم!»
كانت قصة رائعة وقد عرفتنا بطبيعة الأرض حولنا. أعطى فريتز أخاه جاك حقيبةً، وكانا يتكتمان على أمر ما. وترجاني فريتز أن يعود إلى منزلنا بالزورق فسمحت له.
شققنا طريق العودة، وحمل جاك الحقيبة على ظهر سيد إعصار. وعندما وصلنا الحصن الصخري، وضع حقيبته في المستنقع. في تلك الليلة جلسنا لنستمع إلى حكايات فريتز عن مغامراته في زورقه. وفجأة سمعنا صوت جلبة مرتفعًا وغريبًا يأتي من اتجاه المستنقع. قفز جاك وركض في الحال ووثب بقية الأولاد على أقدامهم. التفت لأرى فريتز يضحك وانتظرت حتى أرى ما سيحدث.
سرعان ما وصل جاك بحقيبته المبللة، التي فتحها تحت أقدامنا ومنها أسقط زوجًا من الضفادع العملاقة.
قال جاك: «أعرفكم بجريس وبيوتي.»
عندها انفجرنا كلنا في الضحك، ونقنق الضفدعان على نحو مضحك. كانت هذه عودة جديرة بالذكر، وأوينا كلنا إلى الفراش مبكرًا منهكين وخائري القوى.
في اليوم التالي عدنا كلنا إلى العمل، وبدأنا مشروعًا جديدًا لوضع صارٍ للعلم ومدفع في جزيرة القرش تحسبًا للمخاطر. كانت خطتنا أن نرفع علمًا أحمر رمزًا للخطر إذا اكتشفناه تحذيرًا للآخرين، وعلمًا أبيض في حالة الهدوء. وعندما انتهينا من المشروع تمامًا، جعلت الأولاد يحتفلون بإطلاق قذيفة مدوّية من المدفع رنت أصداؤها في أنحاء الجزيرة مما جعلهم يهللون فرحين.

الفصل التاسع عشر
لسنا وحدنا


سارت حياتنا على هذا المنوال سعداء منهمكين في العمل. مرت عشرة أعوام بنفس الطريقة تقريبًا شاهدنا فيها أبناءنا يكبرون ويصيرون رجالًا.
استمررنا نعتني بأرضنا، ونظفنا المستنقع وجعلنا منه بحيرة وضعنا فيها بجعًا للحفاظ على المياه من الغرباء. واستولت الأرانب على جزيرة القرش وازدهرت مزرعتنا.
صار فريتز الآن في الرابعة والعشرين من عمره، قوي البنية ومفتول العضلات ونشيطًا. وكان إيرنست يصغره بعامين، ويتسم باللطف والدعة إذ أحب الدراسة والقراءة. أما جاك الذي كان في العشرين من عمره فقد كان سريعًا ومرنًا كفريتز. وكان فرانز في السابعة عشرة من عمره واتسم بالذكاء وخفة الظل. كانوا كلهم رجالًا صالحين وشفوقين على أمهم وأحب بعضهم بعضًا.
كنا لا نزال نرجو أن نعود يومًا ما إلى صحبة أناس آخرين. وإبان إقامتنا في سويسرا الجديدة، استمر الأولاد في القيام بالمغامرات وغالبًا كانوا يخرجون بمفردهم للاستطلاع. وفي يوم من الأيام انطلق فريتز بزورقه وعاد في وقت متأخر في تلك الليلة ومعه حقيبة ثقيلة.
قال فريتز: «لقد عثرت على الكثير من الأشياء أثناء ترحالي يا أبي. بل صادفت أيضًا قاعًا مائيًّا ضحلًا مليئًا بالمحار الضخم، فغطست فيه وفتحت المحار لأجد هذه اللآلئ.»
تجمعنا كلنا لنرى كنزه.
قلت له: «حسنًا، ما أروعها! لكن لا قيمة لها بالنسبة لنا هنا. ربما يومًا ما تصبح لها قيمة.»
عندئذ أخذني فريتز على انفراد.
قال في حماس: «أبي، ثمة شيء رائع آخر حدث، لقد عثرت أيضًا على أحد طيور القطرس ملفوف حول رجله قطعة قماش قديمة، وعندما أمسكت به وبسطت قطعة القماش، كان مكتوب عليها كلمات باللغة الإنجليزية! تقول هذه الكلمات: «أنقذوا امرأة إنجليزية مسكينة من هذه الصخرة المدخنة!»
سألته في ذهول: «وماذا فعلت؟»
أجاب فريتز: «أخذت قطعة قماش وكتبت عليها: «لا تقلقي. النجدة قريبة!» وربطتها في رجل الطير وأطلقته. لكنني أتساءل الآن هل سيعثر عليها الطائر؟»
أجبته: «من الممكن أن تكون الرسالة قديمة للغاية. لا تخبر الأولاد بعد، فقد يزعجهم هذا الأمر، فلعل كاتبة الرسالة ماتت بالفعل منذ زمن.»
قال فريتز إنه شعر أن كاتبة الرسالة ما زالت على قيد الحياة، ولعل الدخان الذي أشارت إليه منبعث من أحد البراكين. وأراد أن يعثر عليها، وعلى هذا، بعد نقاش طويل، قررت أن أسمح له بالذهاب.
قلت له: «أولًا، سننطلق معًا، وبعدئذ سأتركك تذهب بمفردك.»
بعدها بفترة وجيزة انطلقنا مع إخوته وتركنا زوجتي وفرانز فحسب، كي أحاول أن أطلق فريتز بمفرده كي يعثر على المرأة المسافرة، فجعلت فريتز يضع زورقه على متن قاربنا وأبحرنا كلنا.
أبحرنا إلى أن بلغنا «خليج اللؤلؤ»، الذي أسماه فريتز بهذا تيمنًا باللآلئ الثمينة التي عثر عليها حيث عثر على الرسالة. نصبنا خيمتنا على الشاطئ وأضرمنا النيران، وذهب الصبيان الأصغر للاستطلاع على الشاطئ. بعدها مباشرة سمعت أنا وفريتز طلقات آتية من جهة الشاطئ، فهرعنا لنرى ما يحدث.
هجم خنزير بري متوحش على جاك الذي أطلق النار عليه، وكان الخنزير قد طرحه أرضًا وأصابه. اعتنينا بجاك الذي سرعان ما راح في النوم إلى جانب النيران يتعافى. وفي الصباح التالي انطلق فريتز للبحث، ووجدت أنا والصبيان الخنزير البري الذي أطلق جاك النار عليه ميتًا. كان الخنزير عملاقًا له أنياب كبيرة، وكان من الممكن أن تودي بحياة جاك بسهولة. وفجأة إذا بصوت زئير آتٍ من جهة الغابة، ومن بين الأشجار ظهر أكبر أسد رأيته في حياتي.
أخذ الأسد يجول في المكان ذهابًا وإيابًا يراقبنا مزمجرًا، وكنا نحن مرتعدين حتى إننا لم نستطع الحراك، ولم يكن بحوزتنا أي أسلحة. وأخذ الأسد يشتد ضراوة أكثر فأكثر، ثم ركض نحونا فجأة، وعندما كان في الهواء دوت طلقة نارية. خرّ الأسد صريعًا على الأرض وظهر فريتز من بين الظلال. لقد أنقذنا كلنا من الوحش.
تجمعنا كلنا حول الأسد، فإذا بأنثى الأسد تخرج من الغابة، وبعد أن رأت رفيقها ميتًا، اندفعت نحونا أيضًا واضطر فريتز أن يطلق النار عليها بالمثل. حزنا كلنا لموت أنثى الأسد، لكن فريتز أنقذنا من موت محقق. رأيت أنه صار رجلًا بحق الآن.
تركنا هذه المحنة خلفنا، وركبنا قاربنا مرة أخرى. وبعد فترة استعد فريتز كي ينطلق بمفرده بزورقه الصغير ليقوم بمغامرته. وحين كان يستعد للانطلاق، أخبرت الصبيين أنه ذاهب للبحث عن اكتشافات جديدة. فدعونا تلك البقعة «بقعة الوداع» وكنا نشاهده وهو ينطلق. واصلنا إبحارنا بقاربنا وذهب فريتز في طريقه؛ رجل يبحث عن قدره. ولم يكن أحد سواي يعرف غرضه الحقيقي.
عندما عدنا إلى منزلنا، استبد القلق بزوجتي لدى علمها برحيل فريتز. أخبرتها أنه سرعان ما سيعود، كل ما هنالك أنه ذهب ليستطلع. وفي الواقع، لم يكن لدي أدنى فكرة عن متى سيعود. انتظرنا وانخرطنا في العمل، لكن بعد مرور خمسة أيام لم أستطع أن أمنع نفسي أنا أيضًا من القلق. لذا قررت أن نذهب كلنا في القارب للعثور عليه.
أبحرنا عائدين إلى المكان الذي افترقنا فيه عن فريتز عندما انطلق بزورقه. وحين وصلنا جزيرة القرش، مررنا فوق حوت هائل كاد يغرق قاربنا الصغير وهو يمرّ تحته. هدأنا مرة أخرى ثم واصلنا إبحارنا إلى أن رأينا فجأة شخصًا غامضًا يمر بنا في زورق كياك. وقف الشخص وراقبنا ثم قاد قاربه إلى ما وراء إحدى الصخور.
وفجأة جال بخاطري أن هذا الشخص قطعًا أخذ فريتز المسكين. رفعت رايتنا البيضاء وناديت عليه، غير أنه كان بعيدًا للغاية وما كان ليسمع صرخاتي، فتولى جاك هذه المهمة بدلًا مني لأن صوته كان أعلى كثيرًا من صوتي.
صرخ جاك: «تعال هنا، وإلا سنأتي إليك لننال منك!»
بعدها استدار القارب واتجه نحونا. وإذ بإيرنست ينهض ويصرخ.
قال إيرنست بصوت مرتفع: «مرحبًا يا فريتز!»
جاوبه فريتز وهو يتنفس الصعداء: «إنه أنتم! عندما رأيتكم، لم أتخيل أنكم عائلتي، ظننتكم قراصنة أو سكانًا أصليين، لذا اختبأت.»
روينا له مغامرتنا مع الحوت، وأخبرنا هو أنه عثر على جزيرة أخرى يمكننا أن نرسو فيها.
قال فريتز: «اتبعوني!»
بعدها استدار وانطلق بزورقه. تركت قيادة القارب للأولاد والتفت إلى زوجتي كي أخبرها بحقيقة مهمة فريتز، فحكيت لها عن الرسالة وأنه ربما يكون قد عثر على تلك المرأة. غمرت الفرحة زوجتي، لكنني رأيت أنها كانت قلقة أيضًا — وكذلك كنت أنا — بشأن ما ينتظرنا خلف الشاطئ.
حين رسونا على شاطئ الجزيرة، انطلق فريتز أمامنا حيث اختفى، فتحيرنا كلنا أين عساه ذهب، وإذا به يظهر مرة أخرى ممسكًا بيد فتاة.

الفصل العشرون
ساكن جديد على الجزيرة


قال فريتز: «أقدم لكم … جيني مونتروز.»
وثب أولادنا فرحًا وهرعوا كي يعانقوا أول شخص يرونه من خارج عائلتنا منذ قرابة ما يزيد عن الثلاثة عشر عامًا، وانهالوا عليها بوابل من الأسئلة. وفي تلك الأثناء رأيت أن السعادة غمرت زوجتي لأنها عثرت على صديقة تشاركنا حياتنا.
ضحكت صديقتنا الجديدة وتسامرت معنا محاولة أن تجد طريقة لتخبرنا ما الذي حدث لها. كنا نتحدث جميعنا في وقت واحد، ضاحكين ومغمورين فرحًا.
وبعد ساعات حكى فيها بعضنا لبعض مغامراتنا، أوت صديقتنا الجديدة إلى الفراش. فسأل الأولاد فريتز كيف عثر على جيني. فبدأ يروي على مسامعهم قصة طائر القطرس.
قال فريتز: «كان معه رسالة مربوطة في رجله، ولم أطلع أحدًا على الأمر سوى أبي. رددت على الرسالة بمثلها، ثم غادرت بزورقي. عثرت على العديد من الأشياء الرائعة أثناء ترحالي، وكنت سأتوقف عن المضي قدمًا، غير أنني كنت في مهمة. وعندما بلغت أحد الخلجان الصغيرة، استرحت وأضرمت النيران وأعددت طيرًا لأتناوله. وعندئذ خرج من بين الأجمة نمر لامع العينين قفز نحوي. هجم نسرنا على النمر وشاغله لوقت كان كافيًا لأحضر فيه بندقيتي. صوبت بندقيتي في اللحظة المناسبة وتمكنت من قتله بطلقة واحدة، غير أن نسري سقط ميتًا أيضًا.
عدت إلى الزورق بعدما دفنت النسر صديقنا، وانطلقت في البحر شاعرًا بالحزن والوحدة، لكن هذا لم يدم طويلًا، فبعد فترة وجيزة كنت أمر من أحد المنعطفات ورأيت سحابة من الدخان تتصاعد، فأسرعت بزورقي نحوها متحمسًا لاهثًا. ركضت على الشاطئ باتجاه النيران لكن لم يكن أحد هناك. وعندئذ رأيت أحدهم يركض؛ لقد كانت جيني.
قادتني جيني إلى الكوخ الذي صنعته باستخدام العديد من المكونات التي أتت بها من حطام سفينتها التي انجرفت نحو الشاطئ منذ ثلاث سنوات، وكما فعلنا، صنعت جيني العديد من الأشياء وتعلمت صيد الحيوانات والسمك. وهي ابنة أحد الضباط الإنجليز، وقد كانت في طريقها على متن إحدى السفن لمقابلة والدها عندما تحطمت سفينتها هنا. وكانت على متن قارب إنقاذ انقلب بمن فيه ونجت هي وحدها. بعدما استعادت قوتها، كانت تربط رسالة برجل أي طائر تمسكه على أمل أن يعثر أحد عليها. أنصت إلى قصتها، وعندما كنت في زورقي للقيام برحلة أخيرة لصيد السمك قبل أن أتجه لأخذها لأرجع بها إلى المنزل، التقيتكم. ظننت في بادئ الأمر أنكم قراصنة وأن كل شيء قد انتهى. لكن حمدًا لله أنه أنتم!»
بعدما انتهى فريتز من حكايته، كان لدى الجميع العديد من الأسئلة. تحدثنا بحماس ووضوح قدر استطاعتنا بلغتنا الإنجليزية الضعيفة إلى أن تمكن التعب منا جميعًا. في الصباح التالي، حيَّا الأولاد كلهم جيني مرة أخرى بحرارة وفضول، وسررنا جميعًا أن ندعو جيني إلى بيتنا وأن نضمها إلى عائلتنا. كان اليوم جميلًا وتوقفنا في جزيرة القرش كي نطلق تحية من أجل جيني فيما أخذنا نريها منزلنا المتواضع.
كان رد فعلها ينم عن الانبهار وكأنها في قصر، فلقد أمضت وقتًا طويلًا وحدها، وقد أنجزنا نحن الكثير من الأشياء حتى إنها بدت في ناظريها مملكة بحق. ومزح جاك قائلًا إن جميع خدامنا ولوا الأدبار منذ أيام معدودات فحسب. وتفوق الأولاد على أنفسهم بأن وضعوا العشاء في كل أطباقنا، وأحضرت زوجتي فستانًا لجيني كي ترتديه وتشعر بالراحة. حظينا بوجبة رائعة ثم اصطحب الأولاد جيني في رحلة يرونها فيها كل أراضينا.
في اليوم التالي، بدأنا نحزم أغراضنا مرة أخرى من أجل الشتاء الذي كنا نعلم أنه آتٍ لا محالة. وحين كنا نعمل، عامل الأولاد جيني كأنها ملكة، فوضعوا لها سرجًا على إحدى الأبقار لتركبها جانبيًّا. ولم يمض وقت طويل حتى سارت واحدة منا في مملكتنا بالجزيرة. وقد أدخلت بهجتها السرور على قلوبنا.
مع ذلك، سرعان ما حلّ فصل الشتاء ورجعنا إلى الحصن الصخري لانتظار حلول أيام أفضل، لكن وجود جيني جعل أيامنا هناك سعيدة، حتى إن الشتاء بدا قصيرًا. وعلمتنا جيني أن نحسّن لغتنا الإنجليزية، وعلمناها نحن لغتنا قبل حلول فصل الربيع. كم كان وقتًا رائعًا!

الفصل الحادي والعشرون
ترحيب ووداع


بعدما انقضى الشتاء، خرجنا كلنا مرة أخرى كي نستمتع بالربيع. كان هناك الكثير لنقوم به من أجل عائلتنا الممتدة، وقد استقبلنا الأيام الجديدة في سعادة غامرة.
وفي يوم من الأيام، كان فريتز وجاك بالخارج في جزيرة القرش يرفعون رايتنا عندما سمعنا صوت انفجار غريب؛ صوت ثلاث طلقات من مدفع. لكن هل ما سمعناه حقيقي؟ هرعنا كلنا إلى الشاطئ كي نتأكد. لقد احترنا وسعدنا وخفنا، كل هذا في الوقت نفسه؛ فتُرى هل كان أولئك بحارة مسالمين أم قراصنة مهاجمين؟ وإذ بالقارب الشراعي يصل من الجزيرة وينزل منه جاك وفريتز ليحيونا.
سأل فريتز: «هل سمعت هذا؟ ماذا سنفعل يا أبي؟»
نظرت إلى السماء لأجدها تزداد ظلمة.
قلت لهم: «ليس بوسعنا فعل شيء الليلة. سننطلق في الصباح لنرى مصدر هذه الجلبة.»
لم ير أي منا النوم في تلك الليلة، وفي الصباح هبّت عاصفة فقلبت الشاطئ رأسًا على عقب. علمت أننا لن نعثر على شيء في ظل هذا المناخ، وهكذا انتظرنا مجددًا، وكان الانتظار أليمًا.
في اليوم الثالث خرجنا إلى جزيرة القرش وأطلقنا مدافعنا. ولبعض الوقت لم يكن هناك أي صوت، لكن عندئذ سمعنا صوت إطلاق نيران مرة أخرى.
عدنا إلى شاطئنا نحمل خوفنا من أن تكون السفينة مليئة بالقراصنة أو أعداء من أي نوع. أبحرت أنا وفريتز بقاربنا الشراعي حاملين بنادقنا لمعرفة المزيد. أبحرنا لمدة ساعة ولم نعثر على شيء.
لكن بعدها، رأيت عبر المنظار ما بدا أنه سفينة. وحين اقتربنا منها، رأيت أنها سفينة بالفعل؛ سفينة إنجليزية! لكن تُرى ماذا عساها تفعل في هذا الطريق؟ شاهدنا الرجال الموجودين على متنها وشعرنا أنهم رجال شرفاء. عدنا لنخبر الباقين كي نستعد للقائهم. غمرت الفرحة عائلتنا وارتدينا أبهى حللنا وجهزنا قاربنا وجمعنا فواكه هدية وانطلقنا للقاء الغرباء.
ما لبثنا أن صرنا أمام السفينة، ورآنا الكابتن ولوح لنا بالصعود إلى السفينة. حاولنا كلنا أن نحتفظ بهدوئنا قدر المستطاع، لكن دون جدوى؛ فقد انبهرنا بشدة لدى رؤية البشر مرة أخرى. لم نعرف كيف نتصرف. دعانا القبطان إلى غرفته وطلب منا أن نخبره بقصتنا وكم أمضينا من الوقت هنا. كان قد ظن أن الشاطئ غير مأهول بالسكان، فأخبرناه بقصتنا ومغامراتنا، فاندهش حين علم أننا أمضينا ثلاثة عشر عامًا، وعندما أخبرناه بقصة جيني، انتفض من مكانه.
قال القبطان: «اقبلوا جمّ ترحيبي. أحد أسباب مجيئي إلى هنا في هذه الرحلة هو العثور على الآنسة مونتروز، لقد أرسلني الكولونيل والدها للبحث عنها. لا بد أن تقبلوا ضيافتنا على متن سفينتنا!»
وأردف قائلًا: «بصحبتنا على متن السفينة عائلة أيضًا يدعون آل وولستون. لا بد أن تلتقوهم؛ فالسيد وولستون عليل قليلًا وقد أخبرنا أن نرسو في مكان جديد لنعيش فيه، وهذا هو السبب الثاني لهذه الرحلة.»
رجعنا إلى مركبنا وأبحرت المركبتان نحو الشاطئ حيث حيينا آل وولستون عندما نزلوا من السفينة. لقد بدا غريبًا — وفي الوقت نفسه رائعًا — الوصول إلى هذه الجزيرة التي كانت ملكنا وحدنا لوقت طويل، وأن تعيش معنا عائلة أخرى على الشاطئ. لقد سعدوا بلقائنا، لكن سعادتهم لم تكن شيئًا بالمقارنة بالفرحة التي غمرتنا نتيجة للترحيب بأول ضيوف لنا على الإطلاق في جزيرتنا «سويسرا الجديدة»! قضينا وقتًا بعد الظهيرة نتبادل التسلية بقصصنا وتعارف بعضنا بعضًا، فجعلنا الجميع يشعرون بالراحة وأنهم مُرحب بهم.
في تلك الليلة تحدثت أنا وزوجتي على انفراد؛ إذ أردت أن أخبرها بشيء أثار ضيقي أيما إثارة؛ بعد قضاء زمن طويل على هذه الجزيرة، وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على العمل بها، شعرت أنها وطني وأنني لست بحاجة إلى إنقاذ. لقد كنت رجلًا سعيدًا، وليست لدي أدنى رغبة في ترك المكان، وأخبرتها أنني أرغب في المكوث في سويسرا الجديدة التي باتت وطني بالفعل الآن، وتمنيت أن تكون هي أيضًا شاعرة بنفس الشيء. وشعرت بالارتياح لدى معرفتي أنه تراودها نفس المشاعر أيضًا، فتعانقنا فرحًا، سعداء بهذا التناغم العميق. انتظرنا حتى اليوم التالي لنعرف رد فعل الأولاد تجاه الفكرة، وقررنا أنه إذا كانت لديهم رغبة في الرحيل فلسوف نترك لهم حرية الاختيار.
في صباح اليوم التالي رسا القبطان بالسفينة في خليج الأمان حتى نحضر طاقمه إلى الحصن الصخري كي نريهم منزلنا. تقدمنا فريتز وجاك لتجهيز كل شيء، وحين وصلت السفينة أطلق الصبيان قذائف المدفعية في جزيرة القرش تحيةً لهم، فابتهج جميع من على متن السفينة.
وعند العشاء أعرب لنا مستر وولستون عن رغبته في استيطان أرض جديدة من أجل صحته العليلة. أخبرنا أنه نعم في الليلة المنصرمة بنوم هانئ لم ينعم بمثله في الآونة الأخيرة، وأن هذه الأرض بهرته وأسرت فؤاده. فعبرت له عن جمّ ترحيبي بمكوثه هنا هو وعائلته وتشارك جزيرة سويسرا الجديدة معنا. أخبرناهم أنه ستحلو لنا الصحبة وأنهم سيجدون الجزيرة تتمتع بالخيرات الوفيرة ومريحة. قفز مستر وولستون من مكانه ليعانقني وتعالت الضحكات وعمّ الابتهاج والسرور من أجل صداقتنا الجديدة وحظنا السعيد.
هتف الجميع: «فلتحيا سويسرا الجديدة!»
قال إيرنست بخفة ظله المعهودة معبرًا عن القرار الذي توصل إليه: «يحيا أولئك الذين سيمكثون هنا.»
سألَت جيني: «وماذا عمن سيرحلون منا إلى إنجلترا؟»
ردد فريتز: «أجل، ماذا عنا؟» فعرفت عندئذ أنه ينوي الرحيل، ورأيت أنه سيكون سعيدًا.
فرددت قائلاً: «مرحى لكما!»
قال جاك: «سأمكث أنا في الجزيرة، وبرحيل فريتز سأكون أمهر راكب حيوانات وأمهر رامٍ في الجزيرة!»
تعالت ضحكات الجميع لدى سماع هذا، وسألت فرانز عن رغبته.
أجاب فرانز: «أنا الأصغر وأظن أنه يجدر بي الذهاب إلى سويسرا القديمة للالتحاق بالمدرسة، لكنني سأعود في الوقت المناسب.» صفقنا كلنا لدى سماع هذا ورأينا أنها فكرة رائعة. قطعًا سننعم كلنا بالسعادة.
أمضينا الأيام التالية نجهز أولئك الذين سيمكثون وأولئك الذين سيرحلون. كان من المقرر أن يقطن آل وولستون وابنتهم منزلًا هنا، وقد تحدثنا كلنا عن كيف سيخبر القبطان الناس في الوطن عن أرضنا، وعندئذ سيأتي مستوطنون جدد إلى أرضنا كي تصبح مستوطنة بحق، فهذا هو أقصى ما نحلم به.
وقبل أن يرحلوا أخبرني فريتز أنه يتمنى الزواج من جيني، فباركت قراره. ودار حوار طويل مع كل من ابنيّ وأخبرتهما أنني فخور بهما، والآن سيذيع صيتنا في أنحاء أوروبا وسيسمع الجميع عن مستوطنتنا الصغيرة.
وهذه هي مغامراتنا وكيف أصبحنا مستوطني سويسرا الجديدة. استمتعنا — نحن عائلة روبنسون السويسرية — بهذا الوقت أيما استمتاع.
طلبت من فريتز أن يأخذ مذكراتي اليومية لتخرج في صورة هذا الكتاب ليعطيه لكل الشباب في كل الأرجاء، فقد أردتهم أن يعرفوا أن العائلة يمكن أن تكون سعيدة مجتمعة مهما كان المكان الذي هم فيه أو الصعاب التي تجابههم. معًا صنعنا وطننا ومكاننا في العالم. ففي أحضان العائلة نحن لسنا وحدنا أبدًا.